الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق

السبكي، محمود خطاب

[المقدمات]

ترجمة الشيخ الإمام المؤلف السيد محمود محمد خطاب السبكي تغمده الله برحمته وعمه برضوانه بقلم فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ أبي القاسم إبراهيم المدرس بالجامعة الأزهرية رحمه الله وجزاه خيرًا الطبعة الخامسة 1411 هـ

المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه (أما بعد) فهذه قطرة من بحر، للتعريف بالشيخ الإمام. المؤلف - هو الفقيه المحدث المفسر الثقة الثبت ناصر السنة وقامع البدعة، المرشد الإمام الكبير أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكى. مولده - ولد الشيخ الإمام ببلدة سبك الأحد من قرى مركز أشمون بمحافظة المنوفية، فى يوم الخميس التاسع عشر من شهر ذى القعدة عام أربع وسبعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية (1274 هـ) أول يوليو 1858 م. نشأته - نشأ الشيخ الإمام بين أبوين طاهرين كريمين تعهداه بحسن التربية، وغرس فيه والده منذ نعومة أظفاره روح السخاء والشجاعة والسؤدد وعلو الهمة وتلك مكارم أخلاق تحلى بها هذا الوالد العظيم، وقد كان سيدا فى قومه ذا بسطة فى الرزق والجسم محببا بين عشيرته وعارفى فضله ونبله. ولقد أنجب والد المؤلف ستة ذكور كل اثنين من سيدة فضلى، فكان يبعث واحدا للتعليم الأولى ثم تلقى العلم بالأزهر المعمور، ويبقى الآخر يعمل معه فى مزرعته الفسيحة الخصبة، ويعاونه على أعماله الأخرى. وكان من حظ المؤلف أن يبقى بجانب والده فى بحبوحة العز وعظيم الجاه، ولكن غير خامل ولا كسل، بل تراه فى حداثة سنة يكل إليه والده رعاية غنمه ليقظته النادرة وعزيمته الوثابة، وحسن سياسته وكياسته فكان خير حارس لها، وخير قائم على أمرها. ثم عهد إليه مراعاة خيل كان يملكها لما رآه شجاعا رابط الجأش " قوى القلب " فساس الجموح منها مرة بالشدة، وآونه باللين فاستحال ذلولا منقادا. وهل أحدثك عن آثار شجاعة المؤلف وهمته " وهو حدث (¬1) مراهق " حتى ¬

(¬1) (حدث) بفتحتين أى شاب.

عبادة المؤلف

يتجلى لك أن عناية الله تعالى كانت تحوطه وترعاه من بدايته. كان لوالد الشيخ الإمام حديقة واسعة الأرجاء. مساحتها ستة أفدنه أو تزيد، عدت عليها عوادى الدهر، واستلبت ثمارها أيدى الناهبين فشوهت جمالها، وأذهبت بهجتها، فما كان من هذا الوليد الفتى وهو رابط الجأش شجاع، له نفس أبيه تعاف الضيم، ما خالطها خور (¬1) العزيمة ولا جبن النذلاء (¬2) كان لزاما عليه أن ينهض بتلك الحديقة يغرس أشجارها ويصلح أرضها، ويروى أزهارها ويشذب غصونها (¬3) فإذا جن الليل واختلط، تعهدها بالحراسة غير مستسلم إلى الكرى " النوم " الذى لم يغمض له جفنا. شاء الله تعالى أن تصبح الحديقة روضة أريضة (¬4)، يانعة الثمر وارفة الظل (¬5) دانيه القطوف " تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها " وتجود بأطيب الثمرات. وحذق المؤلف غير هذا. النجارة والحياكة وفن البناء، وهو زراع ماهر صائد لا يخطئ الرماية، يصيب الطائر السريع سابحا فى جو السماء فيخر صريعا وفى الليل البهيم يصيد طيورا معتمدا على سماع صوتها. عبادة المؤلف اتصل المؤلف بعد بلوغه الحلم بالشيخ العارف بربه أبى محمد أحمد بن محمد جبل السبكى الخلوتى، فاشتغل بذكر الله كثيرا وجد فى الطاعة فكان يصوم النهار ويقوم من الليل مقبلا على مناجاة ربه علام الغيوب فى الأسحار. وربما صلى فى الليلة مائة ركعة مع كثرة ما لديه من أعمال النهار، فلاحت عليه علائم السعادة فأذن له شيخه أن يرشد المريدين إلى الطريق القويم، فدعا إلى طاعة الله تعالى، ¬

(¬1) (الخور) بفتحتين، الضعف. وفعله خور من باب طرب. (¬2) (النذلاء) جمع نذيل أى خسيس. (¬3) (يشذب) يقال: شذب الشجر من بابى نصر وضرب القى ما عليه من الاغصان حتى يبدو. (¬4) (الاريضة) الحسنة الزاهرة بكثرة المياه فيها. (¬5) (وارفة الظل) أى كثيرته يقال: ورف الظل من باب ضرب اتسع وطال.

المؤلف يكتب ويقرأ بعد أن كان أميا

وطاعة رسوله " صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله " فألفى آذانا صاغية، وقلوبا واعية جزاء إخلاصه، وصفاء سريرته ". المؤلف يكتب ويقرأ بعد أن كان أميا وبينما هو جالس ذات يوم فى بستان أبيه إذ دخل عليه ابن عم له بيده لوح صغير به بعض حروف الهجاء، فاشتاقت نفسه أن يتعلمها، فاتصل بمعلم القرية فكتبها له فقلد الإمام كتابتها، وما أعظم دهشة المعلم حينما رأى خط تلميذه اليافع (¬1) أحسن من خطه. وما هى إلا أيام تعد على الأصابع حتى صار المؤلف يجيد الكتابة والقراءة. المؤلف يخطو إلى الجامعة الأزهرية تاقت نفس المؤلف إلى الرحلة لتلقى العلم فى الجامع الأزهر المعمور. وبينما هو يناجى مولاه سحرا، جد فى الدعاء طالبا أن يمن عليه المنعم الوهاب بمعرفة العلم ويسهل له طريقه. وما مضى على دعائه أسبوع إلا وقد أشيع بين الناس أن الحكومة التى كانت لا تجند أولاد العمد، غيرت طريقتها. فأشار الشيخ خطاب "رحمه الله " أكبر أخوة المؤلف على أبيه، أن يأخذه معه إلى الجامع الأزهر، ليتمكن من الحصول على شهادة المعافاة من الخدمة العسكرية بانتسابه إلى الأزهر. وهو إذ ذاك الحرم المكين من دخله كان آمنا. وبعد أخذ ورد سافر المؤلف مع أخيه الشيخ خطاب العالم الجليل. وما كادت عينه تبصر السادة العلماء، وبين أيديهم تلامذتهم حتى تملك هذا المنظر سويداء قلبه، واستولى على مشاعره كلها وأخذت الآمال تملأ جوانحه (¬2) حتى فاضت على لسانه إذ فاتحه أخو الشيخ خطاب فى الذهاب إلى أستاذ كبير يشار إليه بالبنان (المرحوم الشيخ حسن العدوى) ¬

(¬1) أيفع الغلام: شب. ويفع الغلام بيفع مثله. واسم الفاعل من الثلاثى فقط وشذ من الرباعى. (¬2) (الجوانح) الاضلاع التى تحت الترائب، وهى مما يلى الصدر كالضلوع مما يلى الظهر. والمفرد جانحه.

وكانت بينهما صداقة وثيقة، ليسهل له شهادة المعافاة فيعود على جناح السرعة إلى والده مخففا عنه هذا العبء الثقيل من أعماله، وهو يقوم بأوفر قسط منها. فقال المؤلف هيهات! ! وكيف أترك هذه الضالة المنشودة، وهل أضيع على نفسى مأربها وبغيتها؟ ؟ لابد من الانضمام إلى هذه الأسرة الدينية لأكون فردا منها ولابد من الجلوس بين هذه الحلقات العلمية ردحا من الزمن (¬1)، مفارقا تلك الحلقات الريفية، مترحما على الأيام الطويلة التى قضيتها بين ذويها وأترابها! ! دهش كل الدهش أخوه إذ يراه قد جاوز العقد الثانى من عمره، فأصبح طلب العلم عليه غير هين أدرك المؤلف منه هذا فقال: قد تسبق العرجاء. والله يختص برحمته من يشاء. ثم أقبل المؤلف على مطلوبة أيما إقبال. فكنت تراه فى اليوم الواحد يحفظ قسطا من كتاب الله تعالى، ومقدارا من المتون الأزهرية على الطريقة المألوفة إذ ذاك، ويتردد على على حلقات العلم يتزود منها ما شاء الله. ومضى عليه نصف عام كامل فهل يدور بخلدك (¬2) أن هذا التلميذ الناشئ فى مكنته (¬3) أن يكون أستاذا لمبتدئين يتلقون عنه دروس العلم فى المساء، ويشرف عليها بعض المعلمين المعجبين بذكاء ابن الريف المتقدم فى سنه! ! ومازال مجدا مواصلا ليله بنهاره، غير مقتصر على أن يملأ مخيلته بالمسائل العلمية يرددها لسانه، بل وضع نصب عينيه العمل بما يتطلبه العلم، موقنا أن الطالب لذلك هو الله تعالى ورسوله شاعرا أن وراءه أبناء الحلقات الريفية، وهم الذين خيم الجهل عليهم فما يدرون حلال ولا حراما، وما يفرقون بين ولى ولا نبى! ! وهؤلاء لابد أن تجمع الأيام بينه وبينهم فتنقلب هذه الحلقات الدينوية حلقات دينية يرى المجتمعون فيها من كان على شاكلتهم أضحى لهم معلما. ومعلم هذه الطبقات ترمقة عيونهم، وتصغى إلى قوله آذانهم. فان عمل بما ¬

(¬1) يقال أقام ردحا من الدهر بفتحتين أى طويلا. (¬2) (الخلد) بفتحتين البال يقال وقع ذلك بخلدى أى فى قلبى. (¬3) (المكنة) بفتح فكسر القدرة.

المؤلف يطارد الراقصات وآلات الملاهى فى الأفراح

أرشدهم إليه التفوا حوله وقدسوه، وان اعوج انفضوا من حوله، واحترزوه. لبث المؤلف يتلقى عن أساتذته الأجلاء بالجامع الأزهر المنير ويلقى فى أوقات فراغه دروسا شتى على بعض الطلاب، ويرشد أبناء الريف إذا ما رجع إليهم فكان أزهريا بين الأزهريين، وواعظا مرشدا بين الريفيين وما رضى المؤلف أيام طلبه العمل أن يتناول جراية من أوقاف الأزهر، ولا أن يدون اسمه بين دفاتره، وما كان شغله الشاغل إلا التفانى فى العلم، والتحللى بالعمل، وهو ثمرة العلم! المؤلف يطارد الراقصات وآلات الملاهى فى الأفراح يتخذ فى بعض البلاد من لا خلاق لهم نسوة راقصات، ورجالا بأيديهم آلات الملاهى من موسيقى وطبل ومزمار وغيرها ليالى الأفراح. وفى الجمع الحاشد الشاب والفتاة، والشيخ والسيدة. وهؤلاء جميعا تثور شهواتهم وتفسد أخلاقهم، وتتغير طباعهم بهذه المناظر المخزية التى يندى لها وجه الفضيلة. فقام المؤلف على قدم وساق يعظ ويرشد ويعلم هؤلاء الجاهلين ما يجب عليهم لخالقهم ورازقهم الغيور على دينه المنتقم الجبار. وبين لهم المفاسد والأضرار المترتبة على اتخاذ الراقصات واستعمال آلات الملاهى، فهدى الله تعالى على يديه الكثير منهم، فثابوا إلى رشدهم وأنابوا إلى ربهم وتابوا من ذنوبهم. المؤلف ينهى عن منكرات المآتم فى كثير من بلدان القطر يأتى النساء منكرات فظيعة اذا ما زار الموت بيتا من البيوت، فترى الصارخة واللاطمة وشاقة الثوب ومن لطخت وجهها بالطين أو صبغته بالنيلج (¬1) وتبصر نسوة متشحات بالسواد سائرات وراء الميت إلى المقبرة، وعائدات إلى المنازل تقودهن النائحة، وتظل تندب لهن وتنوح، وتأتى ما حرم الله ورسوله، وربما نطقت بما يخرجها عن الملة وهى المعلمة الملقنة من ¬

(¬1) النيلج بكسر النون وفتح اللام، دخان الشحم يعالج به الوشم (معرب) النؤور.

المؤلف ينحى باللائمة على أرباب الطرق

حولها تظل هى ومن معها ثلاثة أيام، ثم يعدن سيرتهن الأولى كل خميس حتى ينتهى جناز الأربعين وتلك عادات مزرية، وفعال مشينة، ومنكرات عكف عليها هؤلاء النساء. والرجال القوامون عليهن ساكتون لاهون. وليس هناك الآمر الناهى قوى اليقين. فشمر المؤلف ساعد الجد، وكشف ذراع الغيرة ونهى وزجر أهل كل بلدة يتنقل إليها وبين لهم ما يترتب على هذا الفعل الشينع من الضرر والفساد وغضب الواحد القهار، فثاب إلى رشده كثير ممن كتب الله الهداية لهم، وصلحت نفوسهم، ونفوس نسائهم. المؤلف ينحى باللائمة على أرباب الطرق منى القطر المصرى بالمتصوفة أرباب الطرق. وهم كثير تبلغ طرقهم ثلاثين أو تزيد. وقد كان المؤلف صوفيا خلوتيا قبل أن يخطو إلى الأزهر الميمون واختلط بكثيرين ممن ينتسبون إلى طرق أخرى فسمع الأذكار المحرفة ورأى الألعاب البهلوانية، وشاهد من يتظاهر بأكل النار والحيات والزجاج، وعاين الضرائب التى يجبيها مشايخ الطرق من مريديهم كأنها أموال أميرية وأبصر النذور والهدايا تقدم إليهم كأنها مسوقة إلى حرم الله تعالى، أو مبذولة إلى عيال الله الفقراء والمحاويج، فحمل عليهم الشيخ الإمام حملة شعواء، وأبان للعامة أنهم على غير هدى وأن ما يقدم لهم من الضرائب حرام وسحت، وكل لحم ودم نبتا من حرم فالنار أولى بهما، وأن الطرق الصوفية ليست حرفا ولا مهنا بل هى بأذكارها المحرفة وضرائبها ونذورها، شارة سوداء تشوه جمال الدين الإسلامي، وتجعل الأجانب الغربيين أعداء الدين ينظرون إلينا نظرة السخرية والازدراء فى حين أن الدين منهم براء، وأن سيدنا محمدا صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله يمقت هؤلاء. وكانت النتيجة أن تباعد كثير من هؤلاء المتصوفة، فقلت أرزقهم وقطعت نذورهم، فأخذوا يكيدون للمؤلف، ويدبرون له المؤامرات من يومئذ ولا تنس أن المال شقيق الروح! !

المؤلف يحمل على قراء القرآن

المؤلف يحمل على قراء القرآن اعتاد بعض القراء تلاوة كتاب الله تعالى فى المقابر، وفى الطرقات العامة، وفى المنازل بحضرة النساء، وأمام من لا يعرف للقرآن حرمة كشارب دخان ومهوش أثناء القراءة غير منصت، كما اعتاد بعضهم التلاوة المحرفة غير المشروعة فنصح المؤلف للقراء أولا بالحسنى ثم أخذ يزجرهم ويبين لهم انهم آثمون وأن القرآن الكريم سيكون حجة عليهم لا لهم يوم الوقوف بين يدى ملك الملوك مذل الطغاة والعصاة. وبين للناس ما ينبغى أن يتحلى به القارئ والمستمع من الآداب والتدبر والاعتبار. فهدى الله على يديه كثيرا ممن أراد الله بهم الخير وألهمهم الرشد " لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " (¬1) أخرجه الشيخان عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى. المؤلف يرى البدع فاشية فى الأزهر والمساجد الأخرى رأى المؤلف البدع فاشيه فى الأزهر كعبة العلم، وفى مساجد القطر وهو يعلم أن الناس تسير وراء العلماء شبرا بشبر، وذراعا بذارع، وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى حاجة إلى أدلة صحيحة صريحة تزيل الشبهات حتى يظهر الحق ناصعا، وأنه لابد مع هذا من أخذ أقوال العلماء أرباب المذاهب عن تلك البدع والمنكرات التى شاعت وذاعت وحلت محل السنن والمأمورات حتى التبست على المتعلمين أنفسهم لسكوت فطاحل العلماء عنها فجاهد المؤلف جهاد الأبطال، ورفع أسئلة بذلك إلى حضرات السادة العلماء، فأجابوا بأن جميع بدع العبادات باطلة لا يجوز العمل بها كما هو مقتضى نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، ¬

(¬1) (حمر) جمع أحمر (والنعام) الأنعام والمراد بها الأبل. وحمر النعم كانت أجود الأبل لذلك عناها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

المؤلف يؤدى امتحان العالمية بتفوق

وأمضى بعضهم على هذه الفتاوى وختم آخرون. ولما تسلم المؤلف الفتاوى دونها فى كتاب أسماه (فتاوى أئمة المسلمين) وقام بطبعه ونشره بين الناس ولا تزال صور هذه الفتاوى لمشايخ الأزهر وكبار علمائه محفوظة لمن يريد الاطلاع عليها فى أى وقت يشاء. ثم أخذ المؤلف ينشر كتبا ورسائل يبين فيها بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ونصوص أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الدين ما كان عليه رسول الله "صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله " وأصحابه والأئمة المجتهدون رضوان الله تعالى عليهم، وقد عرضت هذه المؤلفات على جهابذة العلماء فاطلعوا عليها وقرظوها تمام التقريظ، واعترفوا أن ما فيها صواب وحكمة، وأن من يخالف أحكامها يكون مبتدعا آثما، وقد طبعت هذه الكتب والرسائل وتناولتها الأيدي، فعمل بها الكثيرون بعد أن ظهر لهم أن البدع التى فى الأذان والصلاة والصيام والحج والأفراح والمآتم والأضرحة والملبس والمطعم وغيرها مضادة للدين، أحدثها من لا خلاق لهم، وتعودها الناس حتى اختلط الحابل بالنابل (¬1). وماذا كان بعد هذا؟ تبرم (¬2) الناس ممن سكت من السادة العلماء هذه السنين الطويلة على هذه البدع الطاغية حتى تركوها تفرخ كل يوم، وتناولوا العلماء بالسنة حداد. عند ذلك شعر العلماء بما يحيط بهم من خطوب وأهوال فأخذوا يدبرون للمؤلف ما يدبرون، ويشيعون بين الناس أنه يكفرهم ويكفر سواد الأمة، وهذا منهم أمر طبيعى ألفته النفوس. وما أراد المؤلف للعلماء والعامة إلا خيرا دنيا وأخرى. المؤلف يؤدى امتحان العالمية بتفوق كان الأزهر يعنى أبناؤه العناية التامة بدراسة العلوم الشرعية والعربية ومن أراد أن ينال شهادة العالمية، وضع رسالة في مبادئ هذه العلوم يقدمها إلى شيخ الأزهر مرافقة لطلب الامتحان. والمؤلف لا طماعية عنده في نيل هذه الشهادة، ¬

(¬1) (الحابل) سدا الثوب (والنابل) لحمته. (¬2) (تبرم) ضجر وتألم.

المؤلف يشق للأمة طريقا فى الحياة عمليا

التي من ورائها الرواتب والمناصب، إذ أن نفسه الطاهرة لها اتجاه غير هذا. ولكن أحد تلامذته أشار عليه أن يتقدم إلى الامتحان، ونيته تعليم أبناء الأزهر ومن سواهم بعد نيله الشهادة كيما يساير الناس وهم يعتقدون أن العلم لا يؤخذ إلا ممن لديه هذه الشهادة، فأنشرح صدره ووضع الرسالة وقدمها وبعد البحث اتضح أن اسمه غير مدرج في سلك الطلاب، ولم تكن له مدة معلومة فلا يقبل طلبه ولكن الله القدير يسر له الصعاب! ! وفي الأربعاء اليوم التاسع والعشرين من شهر رجب سنه ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف (سنه 1313 هـ) 15 يناير سنه 1896 م أدى المؤلف الامتحان أمام اللجنة المكونة من حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء الشيخ حسونة النواوى شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية. والشيخ بكرى عاشور الصدفى والشيخ عمر الرافعى الحنفيين. والشيخ أحمد الرفاعى والسيد على الببلاوى المالكين. والشيخ محمد حسين الابريرى. والشيخ سليمان العبد الشافعيين. ولقد كان أعجاب اللجنة به عظيما وسرورها فائقا وجاوز المؤلف الميدان ظافرا منصورا! ! وتصادف أن المؤلف قبل أن يؤدى الامتحان ألف كتابا أسماه (الرسالة البديعة الرفعية. فى الرد على من طغى فخالف الشريعة) وخطبته ملأى بإشارات التصوف فطلب منه الأستاذ الشيخ عمر الرافعى قبل أن يغادر اللجنة أن يروح أفئدتهم بطرفه من التصوف، واستعان بالشيخ حسونة ليجاب الطلب. فقال المؤلف: " أن القلوب ممتلئة بحب الدنيا فلا تقبل شيئا من التصوف، ولازال مصرا على هذا الامتناع بعد إلحاح الشيخ النواوى. فتألم جد الألم الشيخ الرافعى ظانا أن المؤلف شامخ بأنفه متكبر، غير أن السيد الببلاوى أفهمه وأفهم الأعضاء أن الأستاذ محمودا صريح غير متكبر، وهو رجل جاهد نفسه، وتعلق بربه تبارك وتعالى! المؤلف يشق للأمة طريقا فى الحياة عمليا (وبعض الشيوخ يكيد له) بعد نيله إجازة التدريس عنى جد العناية فى دروسه التى كان يلقيها فى الأزهر

المعمور وغيره على مئات الطلاب، ببيان البدع الفاشية والخرا فات المضلة، محذرا الناس وبخاصة ذوى العلم من ارتكابها والسير فى طريقها المعوجة، مرشدا إلى العمل بهدى الرسول الأمين. وصحبه الطيبين الطاهرين. وبهذا تبين لكثير من أهل العلم أن ما يرونه محيطا بهم من البدع والمنكرات فى المساجد وسواها، لا يتفق ومبادئ الدين الحنيف، وأنهم لابد مسئولون أمام الله تعالى بتفريطهم وسيرهم فى طرقاتها، والعامة من ورائهم يعملون ويقدسون كما عملوا وقدسوا. ولما رأى فريق من شيوخ الأزهر أن دعوة المؤلف كل يوم تزداد. وأنهم لا يسلمون منه أخذوا يصطادون فى الماء العكر، ويؤلبون عليه ويبيتون ما الله به عليم! ! وأيم الله لقد عملوا كل ما فى وسعهم من تقديم شكاوى إلى أمير البلاد الخديو السابق فوضعت فى زوايا الإهمال، وعادوا بخفى حنبن! ! وياليتهم اكتفوا بهذا بل عمدوا إلى دار الحماية البريطانية يشكون. وماذا كانت شكايتهم؟ أن السبكى قائد جيش عرمرم من التلاميذ والأتباع وهذا الجيش خطر على الأمن العام فى البلاد. ولكن بعد التحرى وبث العيون والأرصاد، تبين أن الرجل برئ، وأنه يدعو إلى الله تعالى والى العمل بدنيه، والاعتصام بسنة حبيبة السيد الهادى الأمين " صلوات الله تعالى وسلامة عليه وعلى آله " وأن من حوله من هذه الجموع المحتشدة قوم أخيار يعملون لدينهم قبل دنياهم. ولما فشل هذا الفريق فى مسعاه السياسي لجأ إلى شيخ الأزهر إذ ذاك المغفور له الإمام الوقور الشيخ سليم البشرى طالبا تشكيلي مجلس علمى يناظر المؤلف ويبحث معه فيما يدعيه من البدع الفاشية، والسنن المتروكة، فأرسل شيخ الأزهر إليه يدعوه فلبى مسرعا. وكانت المناظرة فى إدارة الأزهر فقارعهم بالحجة والدليل فهزمهم وولوا مدبرين! ! ولبث المؤلف يجاهد بقلمه كما جاهد بلسانه فتراه ينشر بين الناس المؤلفات القيمة تدعوهم إلى ما كان عليه النبى وأصحابه والسلف الصالح والأئمة المجتهدون، والعلماء العاملون. وهذه المؤلفات ليست فى حاجة إلى إطراء وتقريظ. عرفها

من اطلع عليها، وسيعرفها من يطلع عليها بعد إن شاء الله تعالى. ويبلغ ما علمنا به منها ثمانية وعشرين مؤلفا. وفيما يلى أسماؤها: 1 - أعذب المسالك المحمودية: فى التصوف والأحكام الفقهية. أربعة أجزاء. 2 - حكمة البصير: على مجموع الأمير " فى فقه الإمام مالك ". أربعة أجزاء. 3 - هداية الأمة المحمدية: فى الحكم المحمودية السنية. وهو ديوان خطب منبريه. 4 - إصابة السهام: فى فؤاد من حاد عن سنة خير الأيام. 5 - تحفة الأبصار والبصائر: فى بيان كيفية السير مع الجنازة إلى المقابر. 6 - الرسالة البديعة الرفيعة: فى الرد على من طغى فخالف الشريعة. 7 - حاشية ديباجة الرسالة البديعة. 8 - المقالة الشرعية للرآسة الإسلامية. 9 - غاية التبيان: لما به ثبوت الصيام والإفطار فى شهر رمضان. 10 - العهد الوثيق: لمن أراد سلوك أحسن طريق. 11 - النصيحة النونية 0 فى الحث على العمل بالشريعة المحمدية. 12 - تعجيل القضاء المبرم: لمحق من سعى سنة الرسول الأعظم. 13 - فتاوى أئمة المسلمين 0 بقطع لسان المبتدعين. 14 - سيوف إزالة الجهالة 0 عن طريق سنة صاحب الرسالة. 15 - فصل القضية 0 فى المرافعات وصور التوثيقات والدعاوى الشرعية. 16 - المقامات العلية 0 فى النشأة الفخيمة النبوية. 17 - السم الفعال 0 لأي أمعاء فرق الضلال. 18 - الصارم الرنان 0 من كلام سيد ولد عدنان. 19 - العضب المنظوم 0 للذب عن سنة المعصوم. 20 - الرياض القرآنية 0 فى الخطب المنبرية. 21 - خلاصة الزاد 0 لمن أراد سلوك سبيل الرشاد. 22 - رسالة البسملة 0

أيها القارئ الكريم

23 - رسالة مبادئ العلوم. 24 - الحكم الإلهية بالدلائل القرآنية (فى الخطب المنبرية). 25 - اتحاف الكائنات. ببيان مذهب السلف والخلف فى المتشابهات. 26 - المنهل العذب المورود. شرح سنن الإمام أبى داود (طبع منه عشرة أجزاء) انتهى إلى " باب الهدى " من كتاب الحج، والأجزاء الأربعة من الحادى عشر إلى الرابع عشر تكملة المنهل العذب. ويظهر ما بعدها إن شاء الله تعالى. 27 - الدين الخالص. أو إرشاد الخلق: إلى دين الحق. طبع منه ثمانية أجزاء تنتهى بانتهاء كتاب الصيام (والتاسع) إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك وهو يجمع مناسك الحج باستفاضة وعلم غزير 28 - محور الوصول. إلى حضرة الرسول. أيها القارئ الكريم إن أمامك هذه الصحف المطهرة هى كتب قيمة تناديك من كل مكان فى ذهابك وإيابك، وحلك وترحالك. فهل متعت بصرك بقراءتها؟ وأنت ذو عقل سليم وتفكير صحيح. فلا يؤثر عليك سحر المؤلف. ولا طلاوة (¬1) أسلوبه، بل يأخذ بلبك ساطع حجته، وقوة منطقة، ونور برهانه. فعليك بمطلعتها، والزود منها. وما نريد إلا العمل بما فيها أن كنت منصفا رشيدا. ولا تظن أيها القارئ أن المؤلف خارت (¬2) عزيمته، وكلت همته إزاء هذه المناوشات. بل سار فى طريقه دائبا مجاهدا معتمدا على ربه، مستعينا بحوله وقوته ومن استعان بربه رعاه ونصره نصرا مؤزرا. ولقد صدق الله تعالى إذ يقول: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وان الله لمع المحسنين " نعم هداه الله تعالى إلى سبيله، فلم يثنه شئ عن قيامه بالنصح والإرشاد ولم يتحول قيد (¬3) شعرة وما برح ¬

(¬1) (طلاوة) بالضم. والفتح لغة أى بهجة. (¬2) (خارت) أى ضعفت: يقال: خار الرجل يخور: ضعف، فهو خوار. اهـ مصباح ومن ذلك تعلم أن خار أصله خور بفتح فكسر مثل خاف أصله فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. (¬3) (قيد أى قدر) ففى المصباح: وقيد رمح بالكسر وقاد رمح أى قدره.

المؤلف ينشئ الجمعية الشرعية

مثلا عاليا للثبات على المبدأ ونبراسا (¬1) وضاء للتضحية بنفسه وماله ووقته. وهل يخطر بباك أن المؤلف وقفت همته عند التدريس والوعظ والتأليف؟ معاذ الله! ! وكيف تقف تلك الهمة الوثابة؟ همة زعيم مصلح خطير، نشأ متحركا وعاش متحركا. ومن كان هذا دأبه فهو مؤسس جماعة، وواضع لها نظاما وقانونا يكفل بقاءها ودوامها. المؤلف ينشئ الجمعية الشرعية أن جهادا فى سبيل الله، وفى سبيل نصرة دينه، واحياء العمل بسنة حبيبه المصطفى سيد المصلحين وإمام المتقين " صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم " - يلبث زهاء (¬2) عشرين عاما (من سنة 1313 إلى سنة 1331 هـ) لابد أن يحاط بسياج (¬3) متين، وسور منيع يكفلان راحة من انصووا (¬4) تحت راية هذا الجهاد ولا شئ أبقى لوحدة الأفراد من تكوين جماعة. وفى الحديث " ويد الله على الجماعة " أخرجه الترمذى عن ابن عباس والبزار عن سمرة بن جندب. عنى المؤلف فى الأربعاء غرة المحرم سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف (سنة 1331 هـ) 11 من ديسمبر سنة 1912 م بتكوين جمعية أسماها (الجمعية الشرعية: لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية) ووضع لها قانونا محكما منظما. مواده ترشد إلى عملى الدنيا والآخرة وتدعو إلى الحسنيين. وقد سارت عليه الجمعية بإشراف مجلس إدارتها تحت رياسة المؤلف زهاء ربع قرن (من سنة 1331 إلى سنة 1352 هـ) وهى تتقدم باطراد كل عام بفضل رجالها الذين صفت نفوسهم، واعتمدوا على بارئهم فى جميع شئونهم، يفرون من الكسالى المتعطلين والخاملين فرار السليم من الأجرب، وإذا فتشت بين صفوفهم فلا ترى متسولا، ولا متسكعا بل ترى كل من انضم إلى هذه الجماعة. قد شق لنفسه طريقا فى الحياة يسلكه إلى عمل مشروع. شأن المسلمين فى صدر الإسلام، ومن بعدهم أيام عزتهم وصولتهم. ¬

(¬1) (النبراس) المصباح. (¬2) (زهاء) كغراب: أى قدر. (¬3) (السياج) ككتاب: ما أحيط به على شئ. (¬4) (انضووا) أى انضموا ودخلوا.

آثار الجمعية

آثار الجمعية (الوعاظ , إنشاء المساجد. شركة المنسوجات الوطنية) فى مقدمة آثار هذه الجمعية الناهضة وعاظها الذين يبلغ عددهم أكثر من مائتى واعظ اختارتهم من بين أفرادها المثقفين المدربين للقيام بتعليم العامة أصول الدين وفروعه فى دروسهم ومحاضراتهم. لا يفترون عن غرس مبادئ الدين الصحيحة فى نفوس اخوتهم المؤمنين واللين رائدهم. والرفق حليفهم والموعظة الحسنة ديدنهم. والحكمة وسداد الرأى قبلتهم. سمحاء حنفاء، لا مشددين ولا معسرين ولا متنطعين ولا رجعيين. ولقد وضعت لهم الجمعية منشورا عاما يسيرون على ضوئه. لا يلى أحدهم هذا المنصب الإسلامي الرفيع إلا بعد أن يتعهد كتابيا بالسير على مقتضاه. والمنشور كله خير مما يدل على أن الجمعية جد حريصة على المحافظة على الوحدة الإسلامية، بعيدة كل البعد عما يوجب تفريقا وانشقاقا وصدعا وانثلاما. واليكم هذا المنشور العام بنصه. وهو والجمعية الشرعية توءمان ولدا عام التكوين (سنة 1331 هـ). بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد من وعظ نفسه قبل أن يعظ سواه، والصلاة والسلام الدائمان الأتمان على كوكب الإرشاد ومنار الهداة، وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله. (أما بعد) فقد رأت الجمعية الشرعية فى حضرة الأستاذ الفاضل ................ من المكانة الأخلاقية والعلمية ما يؤهله لأن يجوب فدافد (¬1) الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا يعظ المسلمين، ويرشد الحائرين، ويذب عن دين الله شبه الضالين والمارقين. لذلك أسندت إليه هذا المنصب السامى مع علمها بخطورته ¬

(¬1) جمع فدفد بوزن مكتب وهو الفلاة والمكان الصلب الغليظ والارض المستوية.

ووعورة مسالكه. والجمعية ترجو منك أيها الأستاذ أن تتقى الله فيها وفى نفسك وفى المسلمين. فانك قد أصبحت أمينا على دين الله، مالكا زمام من ترشدهم تقودهم إلى حيث تريد. فجنتهم ونارهم بين لحييك (¬1). فيجب إذا أن تجعل مركزك فوق مركز ذلك الطبيب الحاذق الذى يعطى من الأدوية لكل مريض ما يناسبه بمقادير خاصة لا ينقص ولا يزيد عليها شيئا. يعرف أن التباب فى طرفى الإفراط والتفريط. وان الجمعية تبيح لك أن تغدو وتروح فى تعليمك، واضعا نصب عينيك إفادة المسلمين، متدليا فى ذلك من أهم إلى مهم فتبتدئ بغرس العقائد فى نفوس من تباشر تعليمهم، مراعيا مذهب أهل السنة والجماعة، بعيدا عن المشاغبات الكلامية والبراهين المنطقية لصعوبتها على أفكار العامة من الناس. وتردف ذلك بتعليم ما لابد منه أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج، وتتبع هذا نهيهم عما هو فاش فى البلاد من المنكرات كترك أركان الإسلام وكالربا والزنا وشرب الخمر والقتل وتعاطى كل مسكر من الأنبذة والحشيش والمنازيل. وتنهاهم أيضا عن السرقة والغش والإيمان الفاجرة والنميمة والغيبة وسم البهائم وشق بطونها وحرق المزروعات وتقليعها، والحسد والحقد والكبر والعجب والرياء والمراء. وتنهاهم أيضا عن لعب الكاب المعروف والسيجة والطاولة والكتشينة وغير ذلك من كل فعلى باطنى أو ظاهرى قبيح. ثم تعرج بهم إلى رياض الآداب النبوية والأخلاق المحمدية كالحلم والصبر والتوضع والكرم والرغبة عن الدنيا وفى الآخرة وحب الخير للمسلمين والسعى فيما يزيل الأحقاد من نفوسهم، والتزاور فى الله، وإفشاء السلام، والتعاون على البر والتقوى، وتعلمهم لباس النبى صلى الله وعلى آله وسلم وآكله وشر به وغير ذلك من كل خلق نبوى يتعلق بعادة أو عبادة تمنحهم منه ما يطيقون. ثم تنحدر إلى ما يخالف ذلك من البدع فتنبه عليه حاثا على اجتنابهم إياها، اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) (اللحى) عظم الحنك وهو الذى عليه الاسنان. وهو من الانسان حيث ينبت الشعر. وهو أعلى وأسفل. ويجمع على الح ولحى مثل فلس وأفلس وفلوس.

إنشاء المساجد

وحبا فى أدب المصطفي صلى الله عليه وسلم، وبغضا لما سواه بعبارة يفهمها العام والخاص يصحبها التأنى، فان فى الناس الغبى والذكى. كل ذلك وأنت رحب الصدر، حلو اللسان، طلق الوجه، أزهد الناس وأبعدهم عن الفحش فى القول، تسع السفيه والجاهل والمتعنت جاعلا محورك الذى يدور حوله الكلام، قوله تعالى على لسان سيدنا لقمان رضى الله عنه إذ يقول لابنه {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وإياك ثم إياك أن يخطر ببالك أن تتكلم فى موضوع سياسى، فان ذلك ليس من شأنك. وحسبنا فى ذلك حكومتنا السنية (حفظها الله وقواها). ومعلوم أن الدين دين الله، والهداية لدينه بيده لا يملكها سواه. وليس علينا سوى أن نعرف، والحمل على الأمور والتعب لتنفيذها خارج عن الواجب علينا، فلا تتعرض له فمن سمع وعمل فالخير أراد لنفسه. ومن أعرض عنا وتركنا وما نأمر به، فالخير أردنا، وما علينا إلا البلاغ اتباعا لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووقوفنا على ما حده الله له إذ يقول: {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ}. إنشاء المساجد ومن آثار الجمعية التى تغتبط عليها، إنشاؤها المساجد العديدة فى مدن الجمهورية وقراها. وفى مقدمتها المسجد الكبير بالقاهرة (فى عطفة الشيخ السبكى بشارع الخيمية على مقربة من باب زويلة " بوابة المتولى " وجامع الوزير طلائع بن رزيك الأثرى) وكان الفراغ من بنائه وتنسيقه سنة 1342 هـ. هذا المسجد الكبير أنشأته الجمعية فى حياة المؤلف " أمام داره الفسيحة التى يؤمها القاصى والدانى " على قطعة أرض تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار ومائتين (203 من الأمتار المربعة) وفيه تصلى الجمعة، والصلوات الخمس كصلاة الرسول وخلفائه ومن استقوا من شرعة الرسول صلى الله

المنسوجات الشرعية

عليه وعلى آله وسلم، وكم كنت تسر وينشرح صدرك حينما ترى الأستاذ المؤلف المرحوم بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع متربعا على كرسيه فى تلك الرقعة البسيطة من الأرض يحتف به حزب الله وجنود الله، كأنما على رءوسهم الطير. والشيخ ينثر بينهم الدرر والجواهر من عظاته البالغة، ونصائحه الحكيمة بأسلوب واضح جلى تصل آثاره إلى النفوس قبل الرءوس، فيهذبها ويحييها. وفى المجلس الحاشد العالم وغيره، فيأخذ كل بغيته وفوق ما يتمنى. وما اقتصر المؤلف (تغمده الله برحماته) على موعظة هذا اليوم الأسبوعي. بل كان يلقى درسين فى هذا المسجد بعينه ليلة الجمعة وليلة السبت من كل أسبوع فى الحديث النبوى. فدرس سنن الإمام النسائى كلها. وجزءا غير قليل من سنن الإمام أبى داود. وما عاقه عن إتمامه إلا المنية أسبغ الله عليه الرحمة وعمه بالإحسان والرضوان. وانك لتعجب العجب كله وأنت متعلم مثقف حينما ترى الأمى الساذج يجلس بجوارك جنبا إلى جنب يتفهم أحكام الدين بسهولة من غير تكلف ومن غير ما حرج! . ألا أن هذا المسجد المؤسس على تقوى من الله ورضوان، ينادى المسلمين أن يفدو إليه ليروا صورة مكبرة لعهد أول الإسلام غير مشوبة بما يبرأ منه الإسلام! والله تعالى يعلم أن الجمعية ما أرادت بإنشاء مساجدها المتعددة فى القاهرة وسواها من بلدان القطر ضرارا ولا تفريقا بين المؤمنين، بل ما قصدت إلا إرشاد المسلم إلى عبادة نقية نائية عن الجلبة والضوضاء والتهويش، عبادة ملؤها الخشوع والخضوع لله الملك الدوس، الذى يعلم خائنه الأعين وما تخفى الصدور. هذا، وان مساجدها مفتحة الأبواب من مطلع الفجر إلى ساعة متأخرة من الليل، يتردد إليها المسلمون على اختلاف طبقاتهم فيجدون إخوانا لهم رحماء فرحين مستبشرين! المنسوجات الشرعية ومن آثار الجمعية الميمونة تلك المنسوجات الشرعية الوطنية. التى كانت تصنع

المؤلف يودع الأزهر

بمصنع الجمعية، وتباع فى مركزها الرئيسى وفى الفروع التابعة لها. وهذه المنسوجات حسنة من حسنات المرحوم الإمام، ورمز منه للنهوض بالمسلم الوطنى فى مصاف أبناء الغرب، من يأخذون نبات التربة المصرية من قطن وكتان وغيرهما بأبخس ثمن ويردونه إلينا منسوجا، الدرهم منه بعشرات الدنانير! . ومنسوجات الجمعية الشرعية من قطنك وكتانك أيها المسلم الوطنى. فلا ترى فيها حريرا فى حين أنها أجود من الثياب الحريرية، ولا تقل عنها نعومة. وهى تنأى بلابسها عن الحرام والمكروه وما فيه ريبة واشتباه فالبس منها يا ذا العقل الراجح، وترحم على الإمام المؤلف الراحل. ومن خرج فى المدرسة الشرعية المحمدية مسلمين عمليين. عبادتهم ومساجدهم وملابسهم يضارع ما كان عليه سلف الأمة "رضى الله عنهم ورضوا عنه". ظلت هذه المنسوجات سنوات طوالا، وما استغنت عنها الجمعية وعن مصنعها إلا بمزاحمة المنسوجات الأخرى الوطنية الكثيرة. المؤلف يودع الأزهر لبث الشيخ يدرس بالأزهر بعد نيله العالمية سبعا وثلاثين سنة من (1313 إلى 1350 هـ) وما ترك الأزهر زهادة فيه، بل حال بينه وبين مواصلة جهاده فيه، إحالة مجلس الأزهر الأعلى له على التعاقد بجلسة يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى سنة 1350 هـ الموافق 17 من سبتمبر سنة 1931 م وإنها لجلسة صارخة روعت فداحتها العالم الإسلامي أجمع، إذ بلغ فيها عدد المحالين إلى المعاش والمفصولين من الأزهر والمعاهد الدينية سبعين عالما. كثير منهم فى مقتبل العمر، ونضرة الشباب، وبذا نكل المجلس بسبعين أسرة، وسامها سوء العذاب! ! وكان ذلك فى عهد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى شيخ الأزهر ورئيس مجلسه الأعلى. وفى عهد رئيس الوزراء حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقى باشا. ولا تحدثك نفسك أن الشيخ مال إلى الراحة بعد نصب وطول سهاد (¬1) ¬

(¬1) (السهاد) بضم السين الارق. وبابه طرب.

المؤلف يودع الحياة

كما مال غيره من المعمرين. بل ما زال عاكفا على العمل، فى داره بين مسجده الزاهر، ومكتبته العامرة، ومؤلفاته القيمة، وجمعيته الشرعية الميمونة، وتلامذته العديدين الوافدين إليه يغترفون من منهله العذاب، ويحيطون به إحاطة الهالة بالقمر فى مجلسه الخاص بعد عصر كل يوم، ويعلوهم جميعا حياء وأدب جم من هيبة الشيخ وجلاله. وما يمنعهم حياؤهم السؤال عن مهمة دينية أو دنيوية. ومن جلس منهم لا يفك حبوته إلا مؤذن المغرب، يدعوه إلى الوقوف بين يدى الحى القيوم! ! المؤلف يودع الحياة وما طالت حياة الشيخ بعد وداعه الأزهر، إنها لمدة قصيرة: سنتان إلا نحو شهرين. فى نهايتها يزوره الموت الزوام. وما اشتكى ألما، وما انقطع عن عمله الموصول، ولا عن مجلسه الخاص إلا بعد عصر الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف (13 من ربيع الأول سنة 135 هـ) وفى صبيحة يوم الجمعة الرابع عشر منه، أطل على بعض تلامذته من نافذة حجرته، فناوله آخر ملزمة من الجزء السادس من شرحه لسنن الإمام أبى داود (المنهل العذب المورود) كان يصححها لترسل إلى مطبعة الاستقامة. ولما حان وقت صلاة الجمعة، أخذ القوم يلتفتون يمنه ويسرة، علهم يحظون بطلوع الشيخ عليهم متقدما إلى الصف الأول، يستمع إلى الخطيب، ويؤدى صلاة الجمعة ويعظهم بعدها كعادته. فما حظوا، وارتد البصر منهم وهو كليل! ! وما حسبوا أن فقدانهم الشيخ هذه الساعات، يكون فقدانا لا رجعة بعده، ولا لقاء إلا يوم اللقاء! ! ساعة الوداع: وفى منتصف الساعة الثانية بعد الظهر (الجمعة 14 من ربيع الأول سنة 1352 هـ)، (7 من يوليه سنة 1933) لفظ الشيخ آخر نفس من أنفاسه الطاهرة، وجاد بروحه العظيمة

الوثابة المتفانية فى نصره الدين والسنة المطهرة، ولا ينبغى شهرة ولا أثرة (¬1) وكان النبأ مروعا، وكانت الفاجعة أليمة، والكارثة عظمى، والخسارة غير هينة وليست على مسلمى مصر فحسب، بل على مسلمى الشعوب التى عرفت مكانته، وانطوت قلوبهم على محبته، وعلى العمل بما كان يدعو إليه من خير العمل. وكم كانت دهشة الناس وحيرتهم بهذا النبأ المزعج إذ فقدوا أمامهم ومحط آمالهم، من كانوا إليه يهرعون. وبدعوته إلى العمل بالدين الحق يسارعون. وكم كانت آلامهم التى تفتت الأكباد، وتصدع الأفئدة، وتحز حنايا (¬2) الضلوع، حينما وثقوا أن الشيخ ينتزع من بينهم انتزاعا إلى مقره الأخير، إلى روضته الندية إلى جدثه مهبط الرحمة والرضوان، بعد أن صلى عليه أكبر أنجاله الكرام الأستاذ السيد أمين، يؤم الجم الغفير ممن وصل إليه النبأ من سكان القاهرة، وهم قل من كثر من تلامذته ومحبيه المنتشرين فى القاهرة وضواحيها وبلدان القطر وغيره من الأقطار العربية. تشييع الإمام الراحل إلى قبره: صلى عليه هذا الجم الغفير فى ساحة داره الواسعة بجوار مسجده المعمور. ثم أخذ الناس يتهافتون على حمل سريره كلما مر عليهم وكنت ترى الشوارع مكتظة تموج بهم موجا. حتى أن السرير كانت لا تبصره العيون من ازدحام الجموع المشيعة، وكلهم تبدو على وجوههم علائم الأسى والحزن! ! واخترقت الجنازة فى سيرها شوارع الخيمية، والغورية، والسكة الجديدة، والمشهد الحسينى، والدراسة، وقرافة المجاورين، وخوند طولباى والسلطان أحمد ثم شارع قرافة باب الوزير. وفيه مدفن المرحوم إبراهيم باشا حليم. ثم انعطف السائرون يمنة مخترقين شارع حسن بك حسنى. وفيه على يسارهم المقبرة الشرعية، ¬

(¬1) (الأثرة) بفتحتين، اسهم من استأثر بالشئ استبد به. (¬2) (تحز) أى تقطع الضلوع الشبيهة بالحنايا جمع حنية كفنية وهى القوس.

طريقان آخران للمقبرة الشرعية

للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية والمقبرة فى منطقة قرافة المجاورين حسب التخطيط الجغرافى، رسم مصلحة المساحة المصرية. وفيها لحد شرعى بنى فى عهد الإمام الراحل، واختاره مسكنا له فى أخرته أسلمه مشيعوه إليه وعادوا بعد المغرب ما بين ذاهل وواجم! ! طريقان آخران للمقبرة الشرعية الطريق الأول يبتدئ سالكه السير من المنشية مارا بسكة المحجر على مسجد المحمودية (¬1) وعلى يمينه أسوار قلعة محمد على باشا (¬2). ثم يتجه إلى الشمال مخترقا شارع المحجر حتى يصل إلى حارة باب التربة. وهى عن يمينه، وبها سبيل ومسجد طراباى عن يساره. ثم ينفذ من باب الوزير الأثرى إلى شارع قرافه باب الوزير متجها إلى الشمال الشرقى، فيلتقى عن يمينه بثلاثة قبور داخل مستطيل من أعواد حديدية لا سقف له. هذه القبور الثلاثة أنشأتها مصلحة التنظيم المصرية لحفظ رفات بعض الأولياء الذين عثرت عليهم، وهى تهدم بعض الشوارع لتجديدها وتوسيعها (أما القبر الأول) ففيه (أ) ولى الله الشيخ محمد العراقى المنقولة رفاته (¬3) يوم الأربعاء 30 من ربيع الآخر سنة 1346 هـ. ومعه ولى الله الشيخ محمد أبو قوطة، وجثة أخرى نقلا يوم الأحد 18 من رمضان سنة 1351 هـ (ب) سيدى محمد الخواص نقلت رفاته يوم الثلاثاء 11 من رمضان سنة 1351 هـ وكان أولا بحارة الخواص. بشارع الانبانى تبع قسم باب الشعرية (والقبر الثانى) به ولى الله الشيخ محمد الشافعى الرفاعى الشهير بالأربعين. نقلت رفاته يوم الأربعاء 2 من شعبان سنة 1343 هـ. وكان أولا بجنبينة قاميش بشارع الخليج المصرى تبع قسم السيدة زينب (والقبر الثالث) به السيدة غنيا بنت نور الدين أبى بكر المتوفاة ¬

(¬1) نسبة الى الامير محمود كان حاكما على مصر سنة 1556 م وأنشاء مسجده عام 975 هـ وقتل بمقذوف نارى يوم الاربعاء آخر جمادى الاول سنة 975 هـ ودفن بتربته فى جامعة المطل على ميدان الرملية. (¬2) أنشأ مسجده بالقلعة سنة 1246 هـ. (¬3) المراد بالرفات الجثة.

أول ذى الحجة سنة 664 هـ. نقلت رفاتها من شارع عاكف بالعباسية يوم الاثنين 29 من رجب سنة 1343 هـ. والمسافة من باب الوزير إلى مقبرة مصلحة التنظيم تقدر بكيلو متر تقريبا وتقطع فى عشر دقائق. وأمام هذه المقبرة قناطرة باب الوزير تعلوها سكة حديدية قديمة معطلة الآن. ينفذ السائر من القناطر متجها إلى الشمال مسافة تسعين مترا فى شارع قرافة باب الوزير نفسه. ثم ينعطف عن يمينه فيجد شارع حسن بك حسنى فيسلكه متجها إلى الجنوب الشرقى، قاطعا مسافة قدرها 245 مترا فى نهايتها المقبرة الشرعية المذكورة. وعلى مسافة ثمانين مترا من باب المقبرة يرى الناظر سكة حديد الحكومة المصرية (خط المحاجر) كما يرى جامع التنكزية الأثرى فى الجنوب الشرقى، ويبعد عن السكة الحديدية بمقدار سبعين مترا (انظر المصور الجغرافى شكل (1) (المبتدأ من منتصف شارع قرافة باب الوزير). الطريق الثانى: يبدأ سالكه من باب زويلة (¬1) الأثرى (الشهير بباب المتولى (¬2)) مارا بشارع الدرب الأحمر، وعن يمينه نقطة بوليس الدرب الأحمر، وأمامه مسجد أبى حريبة ثم ينعطف ذات اليمين فيلتقى بشارع التبانة. وبه مسجد الماردانى. وعلى مسافة خمسين ومائة متر يجد زاوية عارف باشا. وهى فى ملتقى شارعى سوق السلاح وباب الوزير. ثم يسلك شارع باب الوزير متجها إلى الجنوب حتى يصل إلى حارة باب التربة وبها سبيل ومسجد طراباى، كما تقدم فى وصف الطريق الأول. ¬

(¬1) انشأه بدر الجمالى وزير المنتصر بالله الفاطمى سنة 484 هـ. وأنشأ قبله بابى النصر والفتوح سنة 480 هـ. ومات الوزير بدر والخليفة بالله عام 487 هـ. (¬2) للعامة خرافات كثيرة بباب المتولى اذ بعتقدون ان وليا اسمه المتولى يسكنه وهو غير صحيح.

وصف المقبرة الشرعية

وصف المقبرة الشرعية قبل أن أصف لك المقبرة الشرعية، أبين لك الغرض الذى من أجله أنشأها المرحوم الشيخ الإمام " تغمده الله برحماته ". أن مقابر المسلمين ليست كلها على النظام الدينى المشروع، فان منها أضرحة مرتفعة مكسوة تعلوها القباب أعدوها للأولياء والصالحين، وهم منها براء (ومنها) مدافن الأثرياء والوجهاء والعظماء يبذلون فى تشييدها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة (ومنها) مقابر الطبقات الأخرى وهى قليلة النفقات، غير أن ارتفاعها عن سطح الأرض اكثر من ذراع في حين أن القبر الشرعي لا يزيد ارتفاعه عن ذراع كما بينته كتب السنة المطهرة، وقد بين السلف الصالح والقادة من العلماء والأئمة كيف تكون القبور الشرعية. ولقد رأى المرحوم الشيخ الإمام قبور زمانه مخالفة قبور السلف، فملأ الحزن قلبه، ورأى لزاما عليه أن يبين للناس عمليا صورة القبور الشرعية التى تضم أجساد المسلمين بعد مفارقتهم قصور الدنيا وما فيها من زخارف حتى يمكنهم أن يجعلوها لهم مثالا يحتذونه، فأمر رحمة الله عليه فى سنة 1339 هـ باستصدار إذن من محافظة مصر باتخاذ قطعة أرض مربعة الشكل طول ضلعها أربعة وعشرون مترا فى منطقة قرافة المجاورين، لإقامة مقابر شرعية عليها، وما جاءت سنة 1346 هـ إلا وقد بنى بها ثمانية وثلاثون قبرا شرعيا تكون منها ثلاثة صفوف وكانت هذه المقبرة هى الأولى، ولما امتلأت، سعى خليفة الإمام (أمد الله فى أجله) إلى تشييد المقبرتين الثانية والثالثة، وهما فى الشارع الأخير يسلكه المار عن يمينه إلى الجنوب (الجهة القبلية) وبجوارهما مقبرة آل طعيمة، ومقبرة النوبيين.

الوصف

الوصف للمقبرة الشرعية باب حديدى مرتفع فى الجنوب والمقبرة مكونة من ثلاثة صفوف: الصف الأول تجاه الباب به ستة عشر قبرا: ثمانية قبور متجهة إلى الشمال وثمانية تتجه إلى الجنوب، والصف الثانى به أربعة عشر، سبعة اتجاهها شمالي، وسبعة اتجاهها جنوبي. والصف الثالث به ثمانية فقط تمتد إلى الجنوب مرقومة من الرقم (1) إلى الرقم (8). أين قبر الإمام؟ يمر الزائر على القبور بالصف الثالث من (1) إلى (6) فإذا ما جاوز السادس وجد قبر المرحوم الشيخ الإمام مرقوما بالرقم (7) وهو المشار إليه بعلامة (*) بالشكل رقم (2) المنظور الطبعى من عمل تلميذ محب مخلص من تلامذته، وهو الرسام الماهر السيد الأستاذ أحمد يوسف الموظف بمصلحة الآثار، وقد رقى إلى وكيل مصلحة الآثار، وأسندت إليه أعمال فنية هامة فى منطقة أهرام الجيزة " أجزل الله تعالى له الثواب ". والقبر الثامن: لزوج الإمام وهى أول من دفن بهذه المقبرة (رحمة الله عليها) وقد لحقت بها الزوجة الثانية الصالحة للمرحوم الإمام، وعاشت بعده تسع سنوات ثم لحقت بهما السيدة التقية زوج خليفة الإمام، وشريكته فى الحياة بعد معاشرة طال مداها. وكان ذلك فى صفر سنة 1375 هـ - سبتمبر 1955 م (طيب الله ثراهن ونور لهن روضتهن). وان ضريح الإمام الراحل تعلوه الهيبة، والسكينة، والرحمة، ونور الجهاد لا نور القباب. وان كان فى رأى العين غير مرفوع فهو عند الله مرفوع. وان الناظر إليه تستولى على مشاعره الخشية، يحوطها الاتعاظ، ويبدو له ضريح متواضع لا يزيد عن مترين فى متر قد ضم جثمان إمام ذائع الصيت، لو وضع فيه جهاده مجسما وإرشاده كذلك ما وسعه! !

شيوخ الأزهر الذين عاصرهم الشيخ الإمام طالبا ومدرسا

شيوخ الأزهر الذين عاصرهم الشيخ الإمام طالبا ومدرسا أدرك من شيوخ الأزهر عشرة: 1 - المرحوم الشيخ محمد المهدى العباسى الحنفى، الذى استقال من مشيخة الأزهر سنة 1304 هـ. 2 - ثم المرحوم الشيخ شمس الدين محمد الانبابى الشافعى، الذى استقال لمرضه يوم 25 من ذى الحجة سنة 1312 هـ. 3 - والمرحوم الشيخ حسونة بن عبد الله النواوى (¬1) الحنفى 0 أسندت إليه الرياسة فى المحرم سنة 1313 هـ - وفى رجب من هذه السنة، نال المؤلف شهادة العالمية بعد أن أدى الامتحان إمام أعضاء اللجنة السالفة أسماؤهم - وبقى الشيخ النواوى رئيسا للأزهر إلى أن فصل فى 25 من المحرم سنة 1317 هـ. 4 - والمرحوم الشيخ عبد الرحمن القطب النواوى الحنفى. وتوفى فجأة بعد شهر واحد. 5 - ثم تولى شيخ الإسلام المرحوم الشيخ سليم البشرى (¬2) المالكى يوم الخميس 28 من صفر من هذه السنة. واستقال فى ذى الحجة سنة 1320 هـ. 6 - فخلفه المرحوم السيد على بن محمد الببلاوى (¬3) المالكى، واستقال فى المحرم سنة 1323 هـ. 7 - فخلفه المرحوم الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى، واستقال فى ذى الحجة سنة 1324 هـ. ثم عاد للرياسة المرحوم الشيخ حسونة النواوى واستقال سنة 1327 (وتوفى يوم 24 من شوال سنة 1343 هـ). ثم عاد للرياسة المرحوم الشيخ سليم البشرى ولبث إلى أن توفى ظهر يوم الجمعة 4 من ذى الحجة سنة 1335 هـ. 8 - فأسندت الرياسة إلى الشيخ محمد أبى الفضل الوراقى الجينزاوى المالكى يوم 14 من ذى الحجة من هذه السنة. وتوفى (رحمة الله عليه) فى المحرم سنة 1346 هـ. 9 - وفى غرة ذى الحجة من هذه ¬

(¬1) نسبة الى نوامى مركز ديروط محافظة اسيوط. (¬2) نسبة الى محلة بشر مركز شبراخيت محافظة البحيرة. (¬3) نسبة الى ببلاو مركز ديروط.

الشيوخ الذين تلقى عنهم المؤلف

السنة أسندت الشيخ محمد مصطفى المراغى (¬1) الحنفى وقد استقال يوم الثلاثاء 6 من جمادى الأولى سنة 1348 هـ. 10 - فأسندت للشيخ محمد الأحمدى الظواهرى بعد ذلك بيومين واستقال يوم الجمعة 23 من المحرم سنة 1354 هـ. (26 من أبريل سنة 1935 م) وتوفي بمنزله في الزيتون مساء السبت 20 من جمادي الأولى 1363 هـ. (13 مايو 1944 م) ودفن فى مقبرته بقرافه المجاورين على مقربة من قبر المرحوم شمس الدين الانبابى. وفى عهده أحيل الشيخ الإمام إلى المعاش، ولحق بجوار ربه العلى الأعلى. الشيوخ الذين تلقى عنهم المؤلف هم كثيرون. ومن بينهم حضرات أصحاب الفضيلة شمس الدين الأنبابى الشافعى والشيخ سليم البشرى المالكى، والشيخ أحمد الرفاعى المالكى. والشيخ إبراهيم الظواهرى الشافعى - من عين آخر حياته شيخا للجامع الأحمدى قبل النظام الحديث سنة 1312 هـ. وتوفى سنة 1314 هـ - 1906 م. أنجال الشيخ الإمام: أعقب رحمه الله خمسة أشبال حاطهم برعايته، وأدبهم فأحسن تأديبهم، وغذاهم بروحه الوثابة المجدة الجريئة غير الهيابة. فكانوا فى مقدمة النابغين الذين يشار إليهم بالبنان تلامذة ومدرسين (أولهم) المرحوم الشيخ محمد. التحق بمدرسة دار العلوم بعد إتمام دراسته بالأزهر. وتخرج فيها سنة 1326 هـ الموافقة (1908 م) وعين مدرسا بمدارس الحكومة ثم بالمدرسة الثانوية بطنطا التابعة حينئذ لمجلس المديرية. ثم بالمدرسة الثانوية بشبين الكوم التابعة وقتئذ لجمعية المساعى المشكورة ثم اشتغل محاميا شرعيا. فكان مثال الجد والنشاط والصدق والنزاهة والدفاع عن الحق حتى يظهر ويزهق الباطل. ثم توفى (رحمة الله عليه) فى حياة والده فى ¬

(¬1) نسبة الى الراغة مركز من محافظة سوهاج.

السادس عشر من شعبان سنة 1335 هـ الموافق 4 يونيو سنة (1917 م). وقد كان معروفا بين أقرانه بسيبويه زمانه (وثانيهم) الأستاذ الشيخ أمين. ولد بسبك الأحد سنة 1304 هـ وفى شوال سنة 1314 هـ التحق بالأزهر. وبعد إتمام الدراسة به تخرج فيه يوم السبت التاسع عشر من شهر رجب سنة 1329 هـ - 15 من يوليه سنة 1911 م. وفى شوال سنة 1331 هـ - سبتمبر سنة 1913 م أدى امتحانا فى العلوم الرياضية، فجازه بتفوق فعين مدرسا للجغرافية والتاريخ بالقسم النظامى بالأزهر. ثم أسند إليه دراسة العلوم الشرعية والعربية بالأزهر والمعاهد. وهو قائم بما يسند إليه خير قيام، مثال الجد والنشاط والذكاء. ولما اكتمل السبعين عاما أحيل إلى التقاعد يوم الثلاثاء 22 من رجب سنة 1372 هـ 7 من أبريل سنة 1953 م (أمد الله تعالى فى أجله المبارك). (وثالث) الأنجال الشيخ شرف الدين. التحق بالأزهر فى شوال سنة 1314 هـ وهو ابن تسع سنين فتغذى فيه بلبان العلوم الأزهرية ثم التحق بمدرسة

دار العلوم فى الثامنة عشرة من عمره وتخرج فيها سنة 1328 هـ سنة 1910 م وكان أول فرقته فى كل السنين فاختير للبعثة الأوربية فسافر بعد إذن والده رغابا فى الثقافة العربية وعاد محافظا على دينه وأخلاقه فزاول التدريس بمدارس الحكومة ثم اختير مدرسا بكلية دار العلوم. ثم عين مفتشا بالمدارس الثانوية بوزارة المعارف سنة 1354 هـ. وفى أبريل سنة 1947 أحيل إلى المعاش لبلوغه الستين. ثم لحق بربه مساء الخميس 6 من ذى القعدة سنة 1370 هـ 9 من أغسطس سنة 1951 م. وصلى عليه أخوه خليفة الإمام ووراءه الجم الغفير قبل صلاة الجمعة 7 من ذى القعدة سنة 1370 هـ. وأودع مقره الأخير فى القبر رقم 9 من مقبرة المرحوم والده الإمام. (ورابع) الأنجال الأستاذ الشيخ عبد الحليم. التحق بالأزهر فى شوال سنة 1314 هـ وهو ابن تسع سنين. ولما أخذ قسطا وافرا من العلوم الأزهرية التحق بمدرسة دار العلوم فى التاسعة عشرة من عمره. وتخرج فيها سنة 1329 هـ الموافق سنة 1911 م فعين مدرسا بمدارس الحكومة. ومنها المدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا ثم نقل مدرسا بدار العلوم سنة 1354 هـ. ثم مدرسا فى كلية البنات بالزمالك. ثم لحق بربه مساء الثلاثاء وصلى على جثمانه الجم الغفير آخر ظهر الأربعاء 9 من رمضان سنة 1373 هـ - 12 من مايو سنة 1954 م وأوداع مقرة الأخير بجوار أخيه المرحوم الشيخ شرف الدين. (وخامس الأنجال) الأستاذ عبد الحكيم. التحق بالأزهر فى السنة الثانية عشرة من عمره ومكث به حتى نال الشهادة الأولية والتحق بالقسم الثانوى به ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها سنة 1344 هـ. فعين مدرسا بمدارس الحكومة. ثم اختير للتدريس بمعهد التربية بالجيزة وأخذ يرقى حتى كان ناظر مدرسة الفسطاط الثانوية بمصر القديمة. وأحيل إلى التعاقد فى مارس سنة 1962 م. تلامذة المرحوم الشيخ الإمام: طوال تلك المدة التى قضاها الشيخ الإمام مدرسا بالأزهر المعمور تخرج على يديه فيها الجم الغفير من تلامذته الأفذاذ النجباء ومن مشاهيرهم حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء: الشيخ عبد المجيد سليم. وقد أسندت إليه رياسة الأزهر لأول مرة يوم السبت 24 من ذى الحجة سنة 1369 هـ. 7 من أكتوبر سنة 1950 م. ثم أعفى منها ثم عاد لرياسة الأزهر يوم السبت 13 من جمادى الأولى سنة 1371 هـ - 9 من فبراير سنة 1952 م. واستقال في يوليو سنة 1952. ولزم داره حتى وافته منيته يوم الخميس 9 من صفر سنة 1374 هـ - 7 من أكتوبر سنة 1954 م. أجزل الله له المثوبة ومنهم المرحوم الشيخ فتح الله سليمان رئيس المحكمة الشرعية العليا سابقا. والمرحوم الشيخ عبد السلام البحيرى كان عضوا بالمحكمة الشرعية العليا. وتوفى عام 1354 هـ - 1935 م (رحمة الله عليه) والمرحوم

الشيخ على محفوظ كان مدرسا بكلية أصول الدين (¬1) والشيخ سليمان نوار (عميد كلية اللغة العربية سابقا) والشيخ محمود الغمراوى (المفتش بالجامعة الأزهرية) وغير هؤلاء كثير ممن يدرس بالأزهر والمعاهد الدينية ومدارس الحكومة، وممن يلى مناصب القضاء الشرعى ومن تلامذته غير الموظفين كثير من العلماء الأجلاء القائمين بالوعظ والإرشاد على سنن أستاذهم الراحل. خليفة الإمام: كثيرا ما تحدثك نفسك - إذا ما وقفت على سيرة الإمام - بمن كان يخلف هذه الشخصية البارزة لم يمهلها الزمان. وان السرور ليملأ جوانحك والبشر لينير وجهك إذا ما علمت أن خليفة الإمام هو شبل الإمام ثانى الأنجال فضيلة الأستاذ الشيخ أمين. وهو بحق خير من يخلف أباه (ومن يشابه أبه فما ظلم) و (أن هذا الشبل من ذاك الأسد) ولقد أجمع تلامذة الإمام كلمتهم من ثانى يوم الوفاة على اختياره للقيام لأعباء هذه المنزلة السامية. فكان قائدا لعشرات الألوف من المتمسكين بدينهم، سائرا على النهج المحمودى الذى كان يسير عليه والده، متمما بعض المؤلفات التى بدأها، محافظا جد المحافظة على من كان يرعاهم والده، وهو في ذلك كله الحليم الحازم ذو الهمة التى لا تعرف سآمة ولا مللا، ويشرف على الأمور دقيقها وجليلها بأمانة ونزاهة. يتنقل في العاصمة وضواحيها والبلاد النائية لإرشاد الناس إلى التمسك بمبادئ دينهم الحنيف حتى يعود إليهم مجد إسلافهم، وعزة آبائهم الأقدمين. وختاما أسأل الله الرحيم أن يتغمد المرحوم الشيخ الإمام برحماته، ويصب على رمسه شآبيب رضوانه، ويسكنه فسيح جناته. وان يبارك في خليفته ويمد في أجله ممتعا بوافر العافية، ودائم التوفيق. والحمد لله أولا وأخر والصلاة والسلام على خاتم النبيين .. وآله وصحبه والتابعين. ¬

(¬1) وتوفى رحمه الله مساء الأربعاء 2 ذى القعدة 1361 هـ - 11 نوفمبر سنة 1942 م.

مقدمة الطبعة الخامسة

مقدمة الطبعة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الخامسة الحمد لله رب العالمين الذي ألهم الذاكرين ذكره والشاكرين شكره والحامدين حمده وأثابهم من فضله واستخدمهم في طاعته وتقبل أعمالهم بنعمته. يرفع من يشاء إلى رفيع الدرجات باتباع سيد الكائنات. والصلاة والسلام على الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. أما بعد: فقد دعت الضرورة إلى إعادة طبع كتاب الدين الخالص الجزء الأول وذلك لتصحيح ما وقع في الطبعة الرابعة من أخطاء لا تخفى. وقد من الله سبحانه وتعالى علينا بالاطلاع على الطبعة الرابعة قبل أن تصل إلى أيدي الناس فصوبت الأخطاء الظاهرة في ملزمة ألحقت بالطبعة المشار إليها وذلك مداركة لما ليس منه بد مع إبداء الأسف لما حدث. وقد مكن الله سبحانه وتعالى أسرة الإمام من السيطرة على المقاليد وانتهى إليهم بحمد الله الإشراف على هذه المطبوعات فكان لزامًا عليهم أن يعيدوا الطبع على نحو ما كان يجب أن يتم. فجرى تصوير الطبعة الثالثة التي طبعت في مطبعة السعادة في سنة 1384 هـ ضمانا للدقة وأمانة البحث فالحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات. أما المقدمة الأولى التي كتبها فضيلة الأستاذ الشيخ أبو القاسم ابراهيم أبو القاسم رحمه الله تعالى وجزاه خيرا والتي حررت في حياة الاستاذ الإمام أمين محمود خطاب صارت الآن في حاجة إلى تعديل. فقد تغيرت الأمور فرأى بمعنى النابهين استبقاء المقدمة ونصحوا بتحرير مقدمة لهذه الطبعة الخامسة، تصوب فيها بعض المعلومات التي طرأت على الترجمة المحررة من الإمام المؤلف رحمه الله تعالى. وطلبوا مني تحرير مقدمة إضافية. جزاهم الله خيرًا ولهذا أشير إلى: إن أول معالم التغيير هو وفاة الإمام الشيخ أمين محمود خطاب نجل المؤلف وخليفته في إمامة جماهير أهل السنة. ذلك الإمام الذي شب مع الدعوة وساير مراحلها

وقد ذكرت بعض ترجمته في آخر الجزء الثامن من هذا الكتاب فذكرت أنه ولد بسبك الأحد مركز أشمون منوفية في 1304 هـ / 1887 م والتحق بالأزهر فحضر على شيوخه وحصل على العالمية في رجب سنة 1329 هـ / يونية سنة 1916 م فعين مدرسًا بالمعاهد الدينية الأزهرية بالوجهين القبلي والبحري والقاهرة ثم عين أستاذًا بكلية الشريعة ثم بكلية أصول الدين وتتلمذ على يديه الدعاة والوعاظ والعلماء. وقد شارك في الدعوة إلى الكتاب والسنة فكان وكيلا للجمعية الشرعية ثم تولى الإمامة عقب وفاة والده وعنى بالبحث العلمي والتأليف فحقق وعلق وشرح أجزاء الدين الخالص ثم أضاف مؤلفه الذي نشره من قبل تحت عنوان إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك في حجم الربع ليكون بيد الحاج يحمله معه في سفره ولكنه أعاد طبعه بحجم كتاب الدين الخالص وجعله جزءًا تاسعًا وسماه الدين الخالص أو إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك بالإضافة إلى تخريج الأحاديث الواردة في مؤلفات والده. كما شرع في تكملة كتاب المنهل العذب المورود في أربعة أجزاء كبار. وقد خطت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية في عهده خطوات واسعة. ونمت فروعها وازدهرت مؤسساتها وصارت أكبر الجمعيات العاملة في الحقل الإسلامي في مصر بل وفي الشرق العربي كله، وذلك بفضل دأبه وسهره وانتقالاته إلى أنحاء البلاد معلمًا وواعظًا وداعيًا. كما كان يرعى مشروعات الفروع ومنشآتها وجاهد في سبيل الدعوة ونشر السنة بالحكمة والموعظة الحسنة حتى ترك لنا تراثا دينيا عظيما. فلما أثقلت كاهله السنون والشيخوخة والمرض لم ينقطع عن تلاوة القرآن الكريم وهو على الفراش حتى توقف القلب الكبير وارتحلت الروح الطاهرة إلى الرفيق الأعلى عصر يوم الإثنين 27 من ذي القعدة سنة 1378 الموافق 26 من شهر فبراير سنة 1968. توفي يوم الإثنين وغسل وكفن وصلى عليه يوم الثلاثاء كما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله وطيب تراه ودفن مع أخوته بالمقبرة رقم 9 لأن مقبرة الوالد كانت لحدًا وقد منع أن يدفن معه أحد. وقد طار حبر وفاته إلى سائر محافظات الجمهورية فتوافد الجميع لتشييعه إلى مقره الأخير بعد أن صلى عليه أبنه وخليفته الإمام الشيخ يوسف أمين خطاب ثم أسرع الناس إلى مبايعة إمامًا لأهل السنة في مكان والده وجدَّه والتفوا

حوله وجاء رؤساء الفروع من كل مكان ليظهروا له الطاعة والرضا بإمامته لأهل السنة. وقد ذكرت ترجمة مختصرة له في نهاية إتحاف الكائنات الطبعة الثانية وأنه ولد في 24 محرم سنة 1323 هـ / 7 إبريل سنة 1905 والتحق بالأزهر الشريف في سنة 1338/ 1919 ثم تخرج في مدرسة دار العلوم 1350 هـ / 1931 واشتغل بالتربية والتعليم. ولما توفي والده تسلم الأمانة فكان إماما لأهل السنة ورئيسًا للجمعية الشرعية يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1378 ثم دعا إلى حفل ديني في سبك الأحد في دوار آل خطاب وهناك في الحادي عشر من ذي الحجة سنة 1378 تمت بيعة ثانية له. وواصل الإمام يوسف المسيرة ورأس معهد الإمامه للدراسات الإسلامية وألقى فيه محاضرات في اللغة العربية والحديث النبوي وهذا المعهد أعد لتخريج الدعاة إلى الله من وعاظ الجمعية، ومقره مسجد الإمام محمود خطاب السبكي 19 شارع الجلاء بالقاهرة وقاد الجمعية الشرعية ونشر كتاب الفتاوي الأمينية 1392 هـ / 1972 وقد تولى رياسة جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية وكان يكتب بابا ثابتا في المجلة التي تصدرها الجمعية، ثم كانت وفاته يوم الإثنين 30 من صفر سنة 1369 الموافق أول مارس سنة 1976. وكان قد بنى مقبرة جديدة شرعية إلى جوار مقبرة جده في المجاورين تضم 43 قبرًا وخصص لنفسه وعلى نفقته لحدًا على مثال ما فعل جده الإمام مؤسس الجمعية ورقمه بنفس رقمه رحمهما الله وأجزل مثوبتهما. وبقي استدراك على ما كتب الشيخ أبو القاسم ابراهيم في ترجمة الإمام مؤلف الدين الخالص في ص 31 أن الأستاذ عبد الحكيم محمود خطاب النجل الأصغر أحيل للتقاعد في سنة 1962 ونضيف إلى ما ذكر أنه عكف على تلاوة القرآن وبذل المال في سبيل الله وصلة الرحم حتى انتقل إلى جوار الله عز وجل في السابع من ربيع الأول سنة 1391 الموافق سنة 1971 م رحمه الله رحمة واسعة ودفن إلى جوار أخوته في المقبرة التي تضم أولاد الإمام رحمه الله وجعلهم الله في أعلى عليين ونسأله تعالى أن يوفق ذرية الإمام بفضله ويعينهم على مرضاته ويرزقهم تمام القبول والحمد لله أولا وأخرًا والصلاة والسلام على خاتم المرسلين والنبيين وآله وصحبه أجمعين. شهر ذي القعدة سنة 1411 الموافق مايو سنة 1991 د. عبد العظيم حامد خطاب وكيل الجمعية الشرعية الرئيسية

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيى السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السبكى المتوفى في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 1352 هـ - 7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان الجزء الأول عنى بتنقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه خليفة الشيخ الإمام أمين محمود خطاب من علماء الأزهر الطبعة الرابعة سنة 1397 هـ - سنة 1977 م تمتاز بضبط الآيات والأحاديث وترقيمها برقم مسلسل بالأصل والهامش وبيان غريبها وحالها ومراجعها ومراجع النصوص العلمية

[مقدمة المصنف]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، الذى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، المنفرد بتشريع الأحكام، فليس لغيره تعالى تشريع حتى سيد الأنام، عليه وعلى آله الصلاة والسلام. وأشهد أن لا اله إلا الله القائل في حق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف عجز آية 158 {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} الحشر عجز آية 7 واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (¬1) " {1} والقائل " بعثت بالحنيفية السمحة ومن خالف سنتى فليس منى (¬2) " {2} صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه. أما بعد: فيقول محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكى (سبك الأحد: مركز أشمون منوفية) قد فشا في الأزمنة الأخيرة الزيغ في العقائد التوحيدية، والتعبد بالبدع المضادة لسنة خير البرية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فيعتقد) أحدهم عقيدة زائفة (فإذا) نهيته عنها يقول لا أرجع عنها اذهى العقيدة السلفية (ويتعبد) ببدع الملحدين "وإذا " نهاه مؤمن عن ذلك وأرشده إلى العمل بالشرع الذى شرعه رب العالمين على لسان رسوله الأمين " قابله " بقوله: هى بدع استحسنها ¬

(¬1) صدر حديث أخرجه أحمد والشيخان عن معاوية بن أبى سفيان. ص 93 ج 4 مسند أحمد. وص 121 ج 1 فتح البارى (من يرد الله به خيرا يفقهه). (¬2) أخرجه الخطيب من جابر. وفى سنده لكن له طريق ترفعه إلى درجة الحسن انظر رقم 3150 ص 203 ج 3 فيض القدير.

الشيخ فلان والشيخ فلان، ويذكر أشخاصا من المتساهلين في دينهم من متأخري المقلدين" والسبب " في ضلال أولئك الجهلة " زلة " بعض المنسوبين للعلم المتعرضين للتأليف، حيث سطروا في تأليفهم بعض العقائد الزائفة، واستحسنوا بعض البدع المضادة لشرع الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وينسب نفسه إلى مذهب أحد الأئمة رضى الله تعالى عنهم، فيعتقد الجاهل أن تلك العقائد والبدع قالها هذا الإمام. ولم يفقه أن جميع الأئمة المجتهدين متبرئون من كل عقيدة فاسدة وبدعة في العبادة، وقد قالوا لأصحابهم: خذوا العلم من حيث أخذنا. أى من الكتاب والسنة. وقالوا: نحن بريئون ممن يخالف الكتاب والسنة. وقالوا: ليس لأحد كلام مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن الله لم يجعل لأحد معه كلاما، وجعل قوله يقطع كل قول. وقال الشافعى في رسالته: إذا وجدتم قولى يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلموا بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واضربوا بقولى عرض الحائط. وقال مالك رحمه الله: من استحسن بدعة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة. وقال: ما لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم دينا لم يكن اليوم دنيا وغير ذلك. (والأدهى) أنك لو أرشدت أحد أولئك المقلدين - التقليد الأعمى - إلى العمل بالشرع الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك البدع، هاج وماج وأشاع وأذاع أنك تريد أبطال المذهب الذى نسب نفسه إليه بهتانا وزورا. وصاح أمثاله بذلك معه ويشتد مهم الجدال والنزاع الذى يناسب حالهم ويتعصبون تعصب الجاهلية الأولى، فإنا لله وأنا إليه راجعون " ومن شدة " عمى البصيرة "دعواهم " على من تمسك في قوله وعمله بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجانب البدع " أنه ضل وأضل " وخرج على مذاهب المسلمين، وأحدث الفتن والشحناء بين المؤمنين.

مقدمة

(فدعانى) ذلك إلى وضع كتاب أبين فيه عقيدة وكيفية العبادة التى شرعها رب العالمين أمرا ونهيا وتقريرا وعليها الأئمة المجتهدون، ذاكرا دليل كل مسألة من الكتاب أو السنة أو إجماع الأئمة، ليكون المتعبد على بصيرة تامة من دينه، ويخلع ربقة التلقيد من عنقة. وقد ذكرت بعد كل حديث من أخرجه من الأئمة، وبينت حالة من صحة وحسن وضعف غالبا، وأردت بالشيخين البخارى ومسلما، وبالثلاثة أبا داود والترمذى والنسائى، وبالأربعة الثلاثة وابن ماجه، وبالخمسة الشيخين والثلاثة، وبالستة الشيخين والأربعة، وبالسبعة أحمد والستة. وبالجماعة مالكا والسبعة، وسميته " الدين الخالص " أو " إرشاد الخلق إلى دين الحق " والله أسأل أن ينفع به النفع العميم. وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم. وسببا للنجاة والفوز " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " وهو حسبى ونعم الوكيل. مقدمة على العاقل أن يعلم أن جميع أئمة المسلمين على هدى من ربهم، ولا هم لأحدهم إلا الوصول إلى الحق الصحيح، وبيانه بالدليل الصريح، وإرشاد الناس إليه وحثهم على التمسك به والاعتصام بحبله. وتنفيرهم من البدع التى حذر منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيما رواه العرباض بن سارية رضى الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم. أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون. ووجلت منها القلوب. فقال قائل يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان عبدا حبشيا، فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا

كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الأمور، فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه والدرامى والترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {3}. وما إلى ذلك من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم البدع وأنها ضلالة " فمن " زعم أن بعض البدع في العبادة قد تكون حسنة " فقد أخطأ " وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل بدعة ضلالة ولفظ " كل " موضوع للأفراد. فمعنى الحديث: أن كل فرد من أفراد البدع ضلالة. وموضوعه العبادة كما علمت " ومن أدعى " أن الحديث دخله التخصيص بحديث " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عن جرير بن عبد الله (¬2) {4}. " فدعواه " باطلة لأن الحديث إنما ورد في الحث على مكارم الأخلاق العادية التى بها ارتباط القلوب واتفاق الكلمة والقضاء على أسباب التباغض والنفور، ¬

(¬1) ص 188 ج 1 - الفتح الربانى. وص 10 و 11 ج 1 سنن ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين) وص 97 ج 1 مستدرك (كل محدثة بدعة.) وص 44 ج 1 سنن الدرامى (اتباع السنة) وص 24 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة). (¬2) ص 357 ج 4 مسند أحمد. وص 226 ج 16 نووى مسلم (العلم) وص 46 ج 1 - سنن ابن ماجه (من سن سنة حسنة أو سيئة).

وأيضا فان الاستنان فيه ليس المراد به الاختراع. وإنما المراد به العمل بما ثبت بالكتاب والسنة النبوية. وذلك لأن سبب الحديث هو الحث على الصدقة المشروعة. فقد قال جرير بن عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النمار متقلدى السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة) الآية، والآية التى في الحشر: (اتقوا الله ولتنظر نفس ما تقدمت لغد) تصدق رجل من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره، حتى قال ولو بشق تمرة. فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفة تعجز عنها بل عجزت. ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: من سن في الإسلام (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬1) {5}. (قال) الشاطبى: فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من سن سنة حسنة؟ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى قال " من سن في الإسلام " الحديث. فدل ¬

(¬1) ص 358 ج 4 مسند أحمد، وص 102 ج 7 نووى مسلم (الحث على الصدقة) وص 250 ج 2 تيسير الوصول. و (مجتابى) أى لابيى (النمار) جمع نمرة بفتح فكسر وهى كساء من صوف مخطط. و (كومين 9 بفتح الكاف وضمها: أى صبرتين من طعام. و (مذهبه) كمرسلة: أى مستنيرة صافية.

على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابى. وهو العمل بما ثبت كونه سنة (¬1). (وأما) البدعة التى قسموها إلى حسنة وغيرها فهى اللغوية (ومن المعلوم) أن البدع ليست من الدين، فكيف يتقرب بها إلى الله عز وجل. وهل يصح من عاقل أن يعبد الله تعالى بغير ما شرع؟ وأن سنة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هى فعله وقوله وتقريره. وأن ما ترك مع قيام المقتضى فرتكه سنة وفعله بدعة. كالأولى والثانية يوم الجمعة تركهما النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قيام المقتضى وهو التشريع. فتركهما سنة (وكذا) الترقية بين يدى الخطيب ورفع الصوت حال السير مع الجنازة وسائر البدع في العبادة. وتركها مطلوب شرعا لأنها ضلالة يجب البعد عنها 0 (وقد) أجمعوا على أن كل بدعة حدثت رفع مثلها من السنة، لحديث غضيف بن الحارث أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة " أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {6}. (وقال) عبد الله بن الديلمى " بلغنى أن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة " أخرجه الدارمى (¬3) {1}. (فالمطلوب) ممن يريد حفظ دينه من الضياع وسلامة عقيدته من الفساد، ألا يركن إلى أى كتاب ادعي صاحبه استحسان أي بدعه في العبادة أو مال إلى ¬

(¬1) ص 239 ج 1 - الاعتصام (ليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع). (¬2) ص 194 ج 1 - الفتح الربانى (التحذير من الابتداع في الدين). (¬3) ص 45 ج 1 سنن الدرامى (اتباع السنة).

عقيدة فاسدة، وإلا ضل وخاب، وغرق في غياهب التباب. هذا، والمعلوم أن الدين هو ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وأنه مأمور بتبليغه من غير تغيير ولا زيادة ولا نقص قال الله تعالى " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى " (3) " إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى " (4) النجم. وقال: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " (67) المائدة. وقال: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرَ " (112) هود. وقال " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ " (12) آل عمران. وقال: " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ " (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" (47) الحاقة (¬1) وما إلى ذلك من الآيات الناطقة بأنه لا مشرع إلا الله تعالى. (ولو أدرك) المتعرضون للتأليف ذلك ما قالوا بتحسين أى بدعة سيما وأن كل بدعة مردودة بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان وأبو داود عن عائشة. وفى رواية لمسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (¬2) " {7}. (ولو عقلوا) أن الأحكام لا تثبت إلا بدليل من الكتاب أو السنة (ما أثبتوا) شيئا من هذه المخالفات فى كتبهم. (وإذا) كانت البدع ليست من الدين فما الدليل على حسنها؟ (وهل) الدين كان ناقصا فكمل بالبدع التى ليست منه؟ ألم يبلغهم قول الله عز وجل: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ¬

(¬1) أى لو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلنا هـ كما يفعل الملوك بمن يكذب عليهم، أو المعنى انتقمنا منه بالحق، فليمين على هذا بمعنى الحق كقوله تعالى (انكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أى من قبل الحق. والوتين، عرق بالقلب يتصل بالرأس إذا انقطع مات صاحبه. (¬2) ص 25 ج 1 تسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة).

الدين

وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (3) المائدة (¬1)؟ أم بلغهم ولم يفقهوه؟ أم أعتقدوا أن الدين الذى شرعه الله سبحانه وتعالى كامل ولكن البدع أكمل منه؟ فلذا تركوا العمل بالكثير منه وعكفوا على العمل ببدعهم، وغفلوا عن قول بن مسعود رضى الله عنه " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {3}. الدين يجب على كل مكلف أن يعتقد اعتقاد جازما أن الله تعالى أرسل جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو الدين الذى لا يقبل الله تعالى غيره. قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} (128) البقرة. وقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} (67) آل عمران. وقال حكاية عن سيدنا سليمان {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (31) النمل. وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (19) آل عمران. وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} (85) آل عمران. أى ومن يطلب غير دين النبى محمد ¬

(¬1) قال طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: انكم لتقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا. فقال عمر: انى لاعلم حين أنزلت وأين أنزلت أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة فى يوم جمعة يعنى (اليوم أكملت لكم دينكم) أخرجه الخمسة الا أبا داود [2] ص 115 ج 1 تيسير الوصول (سورة المائدة). (¬2) ص 181 ج 1 مجمع الزوائد (الاقتداء بالسلف).

صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو فى الآخرة من الخاسرين، ولا يخرج من النار أبد الآبدين، لأن الله تعالى جعل شرعه ناسخا لجميع الشرائع. هذا. والدين يطلق على الطاعة وعلى الطريقة الثابتة والملة المتبعة، فهو يشمل الشرائع كلها. فذا صدق العبد بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو مؤمن (والإيمان) لغة: التصديق القلبى، قال تعالى حكاية عن اخوة يوسف (وما أنت بمؤمن لنا) أى بمصدق، وشرعا التصديق بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وعلى آله واعتقاده اعتقادا جازما، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والتصديق بالأوامر والنواهى كافتراض الصلاة وتحريم قتل النفس المعصومة وأنا (روى) أبو ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد قال لا اله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق؟ قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق، قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق على رغم أنف أبى ذر " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى (¬1) (والإسلام) لغة الانقياد والاستسلام. ومنه إيمان الأعراب الذين قال الله تعالى فيهم {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (14) الحجرات، لأنهم تلفظوا بكلمة الشهادة بلا تصديق (وشرعا) انقياد ظاهرى مع اعتقاد باطنى بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم، وعلم من الدين بالضرورة كالصلاة والزكاة والصوم والحج. ¬

(¬1) ص 53 ج 1 - الفتح الربانى. وص 219 ج 10 فتح البارى (الثياب البيض وص 94 ج 2 نوى مسلم (من مات لا يشريك بالله دخل الجنة) وذكره تيسير الوصول بلفظ آخر، ص 11 ج 1.

فكل من الإيمان والإسلام المنجيين لا ينفك عن الآخر. وكل مؤمن مسلم وكلم مسلم مؤمن، لأن المصدق ذلك التصديق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لابد أن يكون خاضعنا لما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والخاضع هذا الخضوع لابد أن يكون مصدقا ذلك التصديق. هذا. وقوام الدين ثلاثة الإسلام والإيمان والإحسان. وقد بينها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى حديث عمر رضى الله عنه قال: " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد أخبرنى عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت أن استطعت إليه سبيلا. قال: دقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرنى عن الإيمان. قال: أ، تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك. قال: فأخبرنى عن ساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرنى عن إماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان. ثم انطلق. فلبثت مليا، ثم قال: يا عمر أتدرى من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. أخرجه أحمد والخمسة إلا البخارى (¬1) {9}. ¬

(¬1) ص 62 ج 1 - الفتح الربانى. وص 13 ج 1 تيسير الوصول (حقيقة الايمان =

دل الحديث على أن الأحكام الشرعية علمية وعملية. فالعلمية ستة: (الأول) الإيمان بالله، وهو اعتقاد وجود الله تعالى متصفا بكل كمال يليق بجلاله، منزها عن كل نقص. وأنه قادر على إيجاد الممكن وإعدامه. (الثانى) الإيمان بالملائكة، وهو أ، تؤمن بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. (الثالث) الإيمان بالكتاب، وهو أن تصدق بان الله كتبا أنزلها على بعض رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام منها: القرآن وهو أفضلها أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والإنجيل أنزل على سيدنا عيسى. والتوراة أنزلت على سيدنا موسى. والزبور أنزل على سيدنا داود. وصحف سيدنا إبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام. ¬

= والاسلام) و (القدر) بفتحتين، هو ايجاد الله تعالى الاشياء على قدر مخصوص وتقدير معين فى ذواتها واحوالها طبق ما سبق به علم الله، بخلاف القضاء فانه تعلق الارادة بالاشياء ازلا. وقيل فيهما غير ذلك. قال الأجهورى: ارادة الله مع التعليق ... فى ازال قضاؤه فحقق والقدر الايجاد للأشياء على ... وجه معين ارده علا وبعضهم قد قال معنى الاول ... العلم مع تلق فى الأزل والقدر الايجاد للأمور ... على وفاق علمه المذكور هذا. ولما كان الايمان بالقدر مستلزما الايمان بالقضاء، لم يتعرض له فى الحديث. و (أن تلد الأمة ربتها) أى سيدتها. وهو كتابة عن كثرة اتخاذ الجوارى. وتلد الجارية بنتا او ابنا من سيدها. والولد بمنزلة ابيه فى السيادة. و (العالة) بفتح اللام المخففة جمع عائل وهم الفقراء. و (رعاء) بكسر الراء جمع راع وبجمع على رعاه بضمها، (والشاء) جمع شاة، (ويتطاولون فى البنيان) أى يتفاخرون بطوله وارتفاعه. والمراد أن الأسفل يصيرون اصحاب ثروة ظاهرة.

(الرابع) الإيمان بالرسل، وهو أن تؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلا من البشر مبشرين الطائعين بالجنة، ومنذرين بالعذاب الأليم. متصفين بما يليق بهم من صدق وأمانة وتبليغ وفطانة ومالا يؤدى إلى نقص فى مراتبهم العلية، ولا إلى نفرة الناس عنهم، منزهين عما لا يليق بمقامهم من كذب وخيانة وكتمان وبلادة. (الخامس) (الإيمان باليوم الآخر. وهو يوم القيامة. وسيأتى أن أوله من الموت أو البعث، وبما اشتمل عليه من سؤال القبر وعذابه ونعيمه وبعث وحشر وميزان ونشر كتب الأعمال وتعليقها فى الأعناق وأخذها باليمين لقوم وبالشمال لآخرين، وقراءة كل كتابه قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائرة فى عنقة ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (¬1) وما إلى ذلك مما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى. (السادس) الإيمان بالقدر كله، أى التصديق والإذعان بان كل ما قدر الله فى الأزل لابد من وقوعه وما لم يقدره يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق. " روى " ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " أخرجه مسلم والترمذى (¬2) {10}. وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره. قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) القمر. وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} (2) الفرقان ¬

(¬1) الاسراء: 13 و 14 (وطائره) عمله. (¬2) ص 203 ج 16 نووى مسلم. وص 174 ج 3 تيسير الوصول (ذم القرية).

علم التوحيد

وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (30) الدهر. وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " كل شئ بقدر حتى العجز والكيس " أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {12}. وقد تكفل بتفصيل هذه الأحكام: علم التوحيد التوحيد لغة العلم بأن الشئ واحد. وشرعا أفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفاتا وأفعالا ويعرف بمعنى الفن المدون بأنه علم يبحث فيه عن معرفة العقائد الدينية. وهى التى يجب على كل مكلف ذكر أو أنثي حر أو رقيق ¬

(¬1) ص 122 ج 1 - الفتح الربانى، وص 204 ج 16 نووى مسلم (كل شئ بقدر) و (العجز) بالرفع عطفا على كل أو بالجر عطفا على شئ. والمراد به البلادة والتسويف فى الأمور، والكيس ضده، وهو الحذق والنشاط فى الأمور.

(1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالى من واجب ومستحيل وجائز

أن يعتقدها. فيجب عليه أن يعرف الصفات الواجبة لله تعالى والمستحيلة والجائزة فى حقه تعالى. وأن يعرف الصفات الواجبة للأنبياء والرسل والمستحيلة عليهم والجائزة فى حقهم عليهم الصلاة والسلام. وأن يعرف ما جاء فى الكتاب والسنة من أحوال الموت والقبر وما بعدهما. ومن لم يعرف ذلك فليس بمسلم ويخلد فى نار جهنم (والمعرفة) هى الإدراك الجازم المطابق للواقع عن دليل (والواجب) الأمر الثابت الذى لا يقبل الانتفاء ككون الجسم متحركا أو ساكنا وكونه صغيرا أو كبيرا وكونه ناعما أو خشنا. ونحوه ما لابد للجسم متحركا ساكنا أو طويلا قصيرا، أو حيوانا جمادا فى آن واحد (والجائز) ما يقبل الثبوت والانتفاء ككون الجسم صغيرا فى وقت كبيرا فى وقت آخر، وكونه قصيرا فى وقت طويلا فى آخر، وكونه حيا فى وقت ميتا فى آخر. هذا. والكلام هنا فى ثلاثة أصول: إلهيات، ونبويات، وسمعيات. (1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالى من واجب ومستحيل وجائز (أ) الواجب فى حقه تعالى: يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بالصفات الجليلة القديمة الثابتة بالأدلة التفصيلية وهى ثلاث عشرة: 1 - الوجود - فهو تعالى موجود بلا ابتداء قبل وجود جميع الحوادث من عرش وكرسى وسموات وسائر العالم (والدليل) على ذلك خلقه تعالى السموات وما فيها من الكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والرمال والأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجمادات، لأن الصنعه لابد لها من صانع

موجود. وقد قال الله عز وجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (62) غافر. وقال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} (1) الأنعام. وقال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} أى خلق كل شئ فسوى خلقه. وقال {أقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق} وقال {وخلق كل شئ فقدره تقديرا} (2) الفرقان. ومن البدهى أن موجد الشئ لا يكون معدوما، لأن المعدوم لا يعطى الوجود. 2 - القدوم - ومعناه انه لا لأول لوجوده تعالى، وأنه لم يسبقه عدم، لقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (62) الزمر. إذ معناه أن كل شئ غير الله مخلوق لله، فلا يجوز أن يكون غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتجا لغيره كيف وهو ذو الغنى غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتاجا لغيره كيف وهو ذو الغنى المطلق. وفقر كل شئ إليه محقق؟ (وعن عمران) بن حصين رضى الله عنه قال: انى عند النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذ جاءه قوم من من بنى تميم فقال " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن. فقال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا: قبلنا. جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال قال: كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شئ " أخرجه البخارى (¬1) {13}. ¬

(¬1) ص 317 ج 13 فتح البارى (وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم) و (أقبلوا البشرى) المراد بها أن من أسلم نجا من الخلود فى النار ثم يجازى على وفق عمله. وذكر بعضهم فى هذا الحدث " كان الله ولا شئ معه وهو الأن على ما عليه كان " وهى زيادة ليست فى شئ من كتب الحديث. ذكره العينى على البخارى. فى بدء الخلق (وكان عرشه على الماء) أى لم يكن تحت العرش الا الماء الذى خلق قبله (وكتب فى الذكر كل شئ). أى قدر كل الكائنات وأثبتها فى اللوح المحفوظ.

3 - البقاء - ومعناه أنه لا انتهاء لوجوده تعالى، وانه لا يلحقه عدم، لقوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (27) الرحمن، وقوله: (كل شئ هالك إلا وجهه) (88) القصص، ولأن من ثبت قدمه استحال عدمه. فهو الأزلى القديم بلا بداية والأبدى الباقى بلا نهاية (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) (3) الحديد. 4 - مخالفته تعالى للحوادث - ومعناها عدم مماثلته لشئ منها لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال، لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (11) الشورى، ولأنه لو ماثل شيئا منها لكان حادثا مثلها. والحدوث مستحيل فى حق الخالق عز وجل. 5 - قيامه تعالى بنفسه - ومعناه أنه تعالى موجود بلا موجد وغنى عن كل ما سواه، وانه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، لقوله تعالى: (يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد) (15) فاطر، وقوله تعالى: (والله الغنى وأنتم الفقراء) (38) محمد، ولأنه لو احتاج إلى شئ لكان حادثا وحدوثه محال لما تقدم فاحتياجه محال. 6 - الوحدانية فى الذات والصفات والأفعال - ومعناها أن ذاته ليست مركبة، وليس لغيره ذات تشبه ذاته، وانه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها اختياريها واضطراريها مخلوقة لله وحده بلا شريك ولا معين. قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (163) البقرة، وقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (22) الأنبياء، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) الصافات، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ

عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (3) فاطر، وقال تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) أى قل يأيها النبى - لمن سألك عن صفة ربك جل وعلا - هو المعبود بحق المتصف بكل صفات الكمال، الواحد فى ذاته وصفاته وأفعاله، المقصود فى قضاء حوائج الخلق على الدوام، الذى ليس بوالد ولا مولود ولا شبيه له ولا نظير. (دلت) السورة على أمور: (أ) إثبات ألوهية الله تعالى المستلزمة لا تصافه بكل صفات الكمال كالعلم والقدرة والإرادة. (ب) إثبات أحديته الموجبة تتنزهه تعالى عن التعدد والتركيب وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة فى الخلقه وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة. (جـ) إثبات صمديته تعالى المقتضية استغناءه عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه فى الوجود والبقاء وسائر الأحوال. (د) إبطال زعم من زعم أن له ولدا كاليهود والنصارى بقوله: (لم يلد) لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد ولا يجانس أحدا، ولا يفتقر إلى من يعينه أو يخلفه لا متناع احتياجه وفنائه. (هـ) إثبات قدمه بقوله: (لم يولد) أى لم يفصل عن غيره. وهذا لا نزاع فيه. وإنما ذكر لتقرير ما قبله إذ المعهود أن ما لا يولد لا يلد. (و) نفى مماثلة شئ له تعالى فى أى زمان كان " ومن زعم " أن نفى الكفء فى الماضى لا يدل على نفيه فى الحال والكفار يدعونه " فقد غفل " لأن ما لم يوجد فى الماضى لا يكون فى الحال ضرورة أ، الحادث لا يكون كفئا للقديم.

7 - الحياة - وهى صفة قديمة قائمة بالذات العلية تصحح لموصوفها الاتصاف بالعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر، وما إلى ذلك من الصفات الأئقة به تعالى (وحياته) ليست بروح. ودليلها قوله: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} (2) آل عمران، وقوله: {وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ} (111) طه، وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} (58) الفرقان. 8 - العلم - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود: واجبا كان أو جائزا، وبكل معدوم: مستحيلا كان أو ممكنا. فهو تعالى يعلم وجود ذاته وصفاته وأنها قديمة لا تقبل العدم. ويعلم أنه لا شريك له، وأن وجود الشريك محال. ويعلم جواز حدوث الممكن وعدمه. ويعلم فى الأزل عدد من يدخل الجنة ومن يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد فى ذلك العدد ولا ينقص منه. ويعلم أفعالهم وكل ما يكون منهم. ويعلم أنه عالم بكل الأمور لا تخفى عليه خافية. قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} (14) الملك، وقال: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (98) طه. وقال: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} (12) الطلاق، وقال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} (255) البقرة، وقال: {هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة} (22) الحشر، وقال: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (19) غافر، وقال: {إن الله بكل شئ عليم} (75) الأنفال. (وعن) ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفى يده كتابان، فقال: " أتدرون ما هذان الكتابان " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذى فى يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على أخرهم،

فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " وقال للذى فى شماله: " هذا كتاب من رب العالمين. فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم اجمل على أخرهم فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله أن كان الأمر قد فرغ منه؟ قال: " سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أى عمل. وان صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وان عمل أى عمل " ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " بيديه فنبذهما " ثم قال: " فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير " أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث حسن غريب صحيح (¬1) {14}. ولأنه تعالى لو لم يكن عالما لكان جاهلا، ولو كان جاهلا لكان حادثا، وحدوثا محال لما سبق. فالجهل عليه تعالى محال. هذا. وعلم الله تعالى ليس كسبيا ولا يوصف بكونه ضروريا أو نظريا أو بديهيا أو يقينيا أو تصوريا أو تصديقيا، لأنه صفة قديمة لا تعدد فيها ولا تكثر. 9 - الإرادة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه كوجود المخلوق فى زمن دون غيره. وفى مكان دون آخر وهكذا، لقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص، وقوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} (49) الشورى، وقوله تعالى: (فعال لما يريد) (16) البروج، وقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ ¬

(¬1) ص 138 ج 1 - الفتح الربانى. وص 169 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (اجمل) الحساب جمع آحاده وكمل أفراده. والمراد احصاهم حتى اتى على آخرهم فلا زيادة ولا نقصان. و " السداد " الصواب فى القول والعمل. والمقاربة القصد فيهما.

لِلإِسْلامِ} (25) الأنعام. وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر} (185) البقرة. 10 - القدرة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ} (58) الذاريات. وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} (عجز 50) الروم. وقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً) (45) الكهف. ولأنه لو لم يكن قادرا لكان عاجزا، وعجزه محال، كيف وهو خالق كل شئ. (تنبيه) علم أن الإرادة والقدرة يتعلقان بكل ممكن من أفعالنا الاختيارية. وما له سبب كالإحراق عند مماسة النار. وما لا سبب له كخلق السماء. وتعلق القدرة فرع تعلق الإرادة الذى هو فرع تعلق العلم إذ لا يوجد الله تعالى شيئا ولا يعدمه إلا إذا أراد وجوده أو إعدامه وقد سبق فى علمه انه يكون أولا يكون. 11 - السمع - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود واجبا أو ممكنا صوتا أو لونا أو ذاتا أو غيرها، فهو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء فى الليلة الظلماء بلا أذن ول صماخ. 12 - بصر - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بالذات العلية تحيط بكل موجود - واجبا أو جائزا جسما أو لونا أو صوتا أو غيرها بلا حدقة - إحاطة غير إحاطة العلم والسمع. والدلي على انه تعالى سميع بصير قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (56) غافر. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} عجز 57 الحج و 28 لقمان، ولأنه تعالى لو لم يكن سميعا بصيرا لكان أصم أعمى وهو نقص. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

13 - الكلام - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تدل على كل موجود واجبا أو جائزا، وعلى كل معدوم محالا أو جائزا. وليس كلامه تعالى بحرف ولا صوت، ولا يوصف بجهر ولا سر ولا تقديم ولا تأخير ولا وقف ولاسكوت ولا وصل ولا فصل، لأن هذا كله من صفات الحوادث، وهى محالة علية تعالى. ودليله قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (164) النساء، ولأنه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى. القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وباقى الكتب المنزلة، تدل على بعض ما يدل عليه الكلام القديم، قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (109) الكهف. وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (27) لقمان. وله تعالى صفات غير ذلك كالجلال والجمال والعزة والعظمة والكبرياء والقوة وهى القدرة، والوجه والنفس والعين واليد والأصابع والقدم (¬1) والمحبة والرضا والفرح والضحك والغضب والكراهة والعجب والمكر ونحو ذلك مما ورد فى الكتاب والسنة. فيجب الإيمان به بلا كيف فنقول: له تعالى يد لا كالأيدى. ونفوض معرفة ذلك، وتفصيله إلى الله تعالى ولا نؤول أن يده تعالى قدرته أو نعمته وأمثال ذلك، لأن فيه إبطال الصفة التى دل عليها الكتاب والسنة، ولكن نقول يده صفة له بلا كيف وهكذا. وغضبه ومكره واستهزاؤه غير انتقامه وغير إرادة الانتقام. بل من صفاته بلا كيف. وهذا مذهب السلف فى المتشابهات. وبه نقول. وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى. هذا ما يلزم اعتقاده ومعرفته تفصيلا من الواجب فى حقه تعالى. ¬

(¬1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوى الى بعض (الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى عن أنس [15] ص 240 ج 3 تسير الوصول. وفيه (وقدم رب العزة) كفاية عن اهل النار الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه و (فيزوى) اى يضم ويجمع.

(وأما الواجب معرفته إجمالا فهو أن يعتقد المكلف أن الله تعالى. متصف بكمالات موجودة تليق به تعالى لا نهاية لها يعلمها الله تعالى تفصيلا ويعلم أنها لا نهاية لها، لأنه لو انتفى عنه تعالى شئ من الكمال الذى يليق به لكان ناقصا والنقص محال فى حقه لا ستلزامه الحدوث المحال عليه تعالى. (ب) المستحيل فى حق الله تعالى: يستحيل فى حقه تعالى بالأدلة التفصيلية السابقة ثلاث عشرة صفة مقابلة للصفات الواجبة له تعالى على الترتيب السابق. وهى العدم والحدوث " وهو الوجود بعد عدم " والفناء، ومماثلته تعالى للحوادث " فى الذات " بأن يكون جسما مركبا أو حالا له شبيه " وفى الصفات " بأن يكون حياته كحياة الحوادث وعلمه كعلمهم وهكذا " وفى الأفعال " بألا يكون مؤثرا فى شئ، وإنما له مجرد الكسب. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فهو لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود، ولا يحده مقدار ولا تحويه أقطار، لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) (ومن المستحيل) فى حقه تعالى احتياجه لموجد أو ذات يقوم بها. والتعدد " فى ذات " بأن يكون مركبا يقبل الانقسام أو يكون هناك ذات كذاته " وفى الصفات " بأن يكون له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، أو يكون لغيره صفة كصفته " وفى الأفعال " بأن يكون لغيره تأثير فى شئ من الأشياء بطبعه أو بقوة مودعه فيه. فليست النار محرقة بطبعها ولا بقوة خلقت فيها. وإنما الخالق للإحراق هو الله تعالى عند خلقه النار. ولو شاء خلق النار دون الإحراق لكان. كما حصل لخليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وليس الماء مرويا بطبعه ولا بقوة خلقت فيه وإنما الخالق للرى الله تعالى عند شرب الماء. وليس الملبوس ساترا وواقيا البرد أو الحر بنفسه ولا بقوة خلقت فيه. بل الخالق لما ذكر هو الله تعالى عند لبس الثياب. فمن يعتقد تأثير شئ من الأسباب فى مسببه بطبعه فهو كافر أو بقوة خلقها الله فيه فهو فاسق. ومن

اعتقد عدم تأثيرها وأن الله هو المؤثر ولكن يستحيل خلق السبب بدون مسببه أو عكسه فهو مؤمن يخشى عليه إنكار معجزات الأنبياء فيكفر، أو إنكار كرامات الأولياء فيفسق. والاعتقاد الصحيح اعتقاد أن المؤثر فى السب والمسبب هو الله تعالى مع إمكان تخلف أحدهما عن الآخر خرقا للعادة (ومن المستحيل) فى حقه تعالى الموت وما فى معناه كالنوم والإغماء. قال الله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} (ومنه) الجهل وما فى معناه كالظن والشك والوهم والغفلة والذهول والنسيان، (ومنه) وجود شئ من الحوادث بلا إرادته تعالى بأن يكون بطريق الطبع أو العلة. فلا يقع فى الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر إلا بقضائه وقدره. (ومنه) العجز عن ممكن ما والصمم وما فى معناه كسمعه الجهر دون السر، وكاختصاصه بالأصوات دون الذوات وسائر الموجودات (ومنه) العمى وما فى معناه كالعشى - بفتحتين مقصورا - وهو عدم الإبصار ليلا - والجهر - بفتحتين وهو عدم الإبصار نهارا (ومنه) البكم وهو الخرس وما فى معناه كالفهاهه والعى والسكوت، وكون كلامه تعالى بحروف وأصوات. هذا ما دلت على استحالة فى حق الله تعالى الأدلة التفصيلية، وهى أدلة الواجب التفصيلى ويجب على كل مكلف أن يعتقد بعد ذلك أن الله تعالى منزه عن كل نقص كما أنه متصف بكل كمال. (جـ) الجائز فى حق الله تعالى: يجوز فى حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه فهو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والأنعام والإحسان لا عن وجوب ولا إيجاب. فلا يجب عليه شئ مما ذكر. ولا يستحيل عليه تعالى فعل ما يضر عباده، بل يجوز أن يفعله بهم بطريق العدل، إذ للمالك أن يتصرف فى ملكه بما يشاء. فهو الخالق للإيمان والطاعة والسعادة والعافية، وسائر النعم فضلا

منه وإحسانا (¬1). وهو الخالق للكفر والمعاصى والشقاوة والأمراض والفقر ونحو ذلك عدلا منه فى مملوكه، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} عجز آية (105) البقرة. وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص. وقال: (فعال لما يريد) (16) البروج. وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} (93) النحل. وقال: {من يضلل الله فلا هادى له} (86) الأعراف. وقال: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (23) الأنبياء. فيجوز فى حقه تعالى عقلا (تعذيب) المطيع عدلا منه لأنه الخالق للطاعة مع تنزهه عن الانتفاع بها. وإنما ينتفع بها العبد الذى وفقه الله لكسبها، (وإثابة) العاصى فضلا منه لأنه الخالق للمعصية مع تنزهه عن التضرر بها. وإنما يتضرر بها من خذله الله باكتسابها عدلا منه. قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49) الكهف. وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) فصلت (¬2) وقال: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} عجز (384) البقرة. وقال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ¬

(¬1) قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) عجز (185) البقرة وقال تعالى (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز آية 31 غافر. وفى الحديث القدسى " يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " أخرجه مسلم عن أبى ذر [16] عجز حديث 782 ص 163 - الاتحافات السنية. (¬2) و (ظلام) صيفة تدل على النسب كتمار، ولبان أى ليس منسوبا للظلم. وليس المراد انتفاء كثرة الظلم عن الله تعالى فحسب بل المراد انتفاء الظلم عنه تعالى وأبلغ منه انتفاء ارادته عنه تعالى كما قال سبحانه (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز 31 غافر.

وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (17) فاطر. وفى الحديث القدسى " يا بنى آدم ما خلقتكم لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستعين بكم من وحدة على أمر عجزت عنه، ولا لجر منفعة، ولا لدفع مضرة. بل خلقتكم لتعبدونى طويلا وتشكرونى كثيرا وتسبحونى بكرة وأصيلا. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، اجتمعوا على طاعتى مازاد فى ذلك ملكى مثقال ذرة. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، أجتمعوا على معصيتى ما نقص ذلك من ملكى مثقال ذرة (¬1) " {17} وقال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِين} (6) العنكبوت. وهم الفقراء إليه وهو الغنى الحميد (ومن الجائز) رؤيته تعالى بالأبصار وغيرها خرقا للعادة بلا اتصال الأشعة به تعالى ولا كيفية ولا انحصار فى جهة. قال الله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (23) القيامة. وسيأتى تمامه فى بحث الرؤية إن شاء الله تعالى. (ومن الجائز) إنزال الكتب وإرسال الرسل مبينين للناس ما نزل إليهم مبشرين الطائعين بالجنة والنعيم، ومنذرين العاصين بالنار والعذاب الأليم. قال تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه. وأنزل التوراة والإنجيل (3) (من قبل هدى للناس، وأنزل على عبده الكتاب) وقال: (تبارك الذى الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) النحل. وقال: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (165) النساء. ¬

(¬1) لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ.

المتشابه

هذا. ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بصفات الجلال والكمال التى تليق بعظمة تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المطهرة. وأنه تعالى منزه عن كل نقص، وعن مشابهة الحوادث، تعالى الله عن ذلك. المتشابه أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة، فقد أجمع السلف والخلف رضى الله عنهم على أنها مصروفه عن ظاهرها، لقوله تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى (ثم اختلفوا) فى بيان معانى تلك الآيات والأحاديث (فالسلف) يفوضون علم معانيها إليه تعالى. فيقولون أن الاستواء فى آية {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (5) طه - لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى اله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذى منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على العرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج الى مكان يحل فيه. بل هو غنى عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التى كان عليها (والخلف) يقولون فيها: الاستواء لأنه معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك، ومذهب السلف أسلم، لأنه يحتمل أن الله عز وجل أراد معنى فى الآية غير ما فسرها به الخلف. (ووجه) صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربى. والقرآن عربى (وحملهم) على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف

(وجود) المشبهة والمجسمة فى زمانهم زاعمين أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول فى الأمكنة. وقد اغتر بعض العوام بقولهم فاعتقدوا أن الله تعالى جالس على العرش وحال فى السماء. فكفروا والعياذ بالله تعالى، والنفس أمارة بالسوء، والشياطين تحسن لها ارتكاب ما تخلد به فى النار (فوجب) عليهم أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة - حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية - بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعلموا عليه ويتركوا الباطل وأهله فلا يكفرون. فجزاهم الله تعالى خير الجزاء (وقد) نقل العلامة أحمد زروق عن أبى حامد أنه قال: لا خلاف فى وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به أهـ (والحاصل) أن الخلف لم يخالفوا السلف فى الاعتقاد وإنما خالفوهم فى تفسير المتشابه للمقتضى الذى حدث فى زمانهم دون زمان السلف كما علمت. بل اعتقادهم واحد، وهو أن الآيات والأحاديث المتشابهات مصروفه عن ظاهرها الموهم تشبيهه تعالى بشئ من صفات الحوادث وأنه سبحانه وتعالى مخالف للحوادث، فليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا مستقر على عرش ولا فى سماء ولا يمر عليه زمان وليس له جهة إلى غير ذلك مما هو من نعوت المخلوقين (فمن اعتقد) وصفه تعالى بشيء منها فهو كافر بإجماع السلف والخلف. نسأل الله تعالى حسن الاعتقاد أن الله تعالى استقر على العرش وحل فى السماء وأنه فى جهة من الجهات، وأن له مكانا ونحو ذلك مما هو من صفات المخلوق (وجود) بعض مؤلفات لبعض من ينتسبون إلى العلم مال وله جهة ويتصف بالتحول والانتقال إلى غير ذلك من الضلال والإضلال. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (واطلع) عليها من لا علم عنده بأصول الدين الصحيحة فاعتقد أن ما ذكر فيها حق وعقائد صحيحة، وأعانه على ذلك الاعتقاد المكفر من

كفر قبله بسبب هذا الاعتقاد (ويقولون) لهم: هذه كتب أكابر العلماء المحققين. وهذه العقيدة عقيدة السلف، ومن لم يعتقدها يكون كافرا مخلدا فى النار معطلا لصفات الله غير ذلك من البهتان الفظيع (¬1) (ومن) جهلهم استدلالهم على دعواهم الباطلة أن الله تعالى استقر على العرش، بقول بعض السلف كمالك بن أنس رضى الله تعالى عنه جوابا للسائل عن معنى (الرحمن على العرش استوى) الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا. ثم أمر به فأخرج. ولا دليل فيها، فان معنى الاستواء معلوم أنه مصرح به فى القرآن. ففى رواية تأتى للشافعى عن مالك (¬2): الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة يعنى لا نعلم معناه، لأنه لا يعلم معنى المتشابه الا الله تعالى. فهو ناطق بأنه لا يتعرض لبيان معناه لعدم علمه به. فكيف يدعى عليه أنه فسر الاستواء بالاستقرار والجلوس؟ سبحانك هذا بهتان عظيم (والأدهى) دعوى هذه الشرذمة أن من لم يعتقد أن لله تعالى جهة، وأنه فى مكان، فهو كافر لانكاره وجود الله عز وجل. ويقولون لمن حضرهم من العوام بسطاء العقول: اذا كان الله تعالى ليس فى جهة فوق ولا تحت ولا أمام ولا خلف ولا يمين ولا شمال، فهو غير موجود. فيجب الكفر بالاله الذى لا جهة له ولا مكان. (فهذه) (الدعوى) ناطقة بأنهم يعتقدون أن الله تعالى جسم كالأجسام شبيه بالحوادث. وهو كفر صريح نعوذ بالله تعالى من الكفر وأهله (فقد) عكسوا الحقائق لانعكاس بصيرتهم وفظيع مركب جهلهم. قال الله تعالى (ومن يضلل الله فما له من هاد) عجز (33) الرعد (اذ لو كانوا) يسمعون أو يعقلون وتأملوا ¬

(¬1) وقد نوه الشيخ الامام فى كتاب " اتحاف الكائنات " عن هذه الكتب وذكر نصوص بعض الائمة المحققين الذين تعرضوا للرد على أربابها وبيان فساد عقيدتهم الزائفة. (¬2) يأتى ص 36 ان شاء الله تعالى (عبارة الفقه الأكبر).

قليلا (لعرفوا) أن (دعواهم) أن الاله القديم يتوقف وجوده على كونه فى جهة من الجهات وله مكان (صريحة) فى اعتقادهم عدم وجود الله سبحانه وتعالى لأنه لا مكان له ولا جهة، مع انه كان موجودا قبل خلق الجهات والأمكنة، وكان موجودا ولا شئ معه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وذلك من صفات الألوهية. كما أن الاحتياج الى المكان والجهة من صفات الأجسام الحادثة. (وكيف) يتوهم من عنده شائبه عقل أن وجود الاله القديم يتوقف على اتصافه 8 بصفات المخلوق. أن هذا لمن أشنع الخبال والبهتان (والأغرب) أنهم يعتقدون أنهم سلفيون وهم كاذبون وبغيهم جاهلون. (ومن خرافاتهم) دعواهم أن من لم يعتقد أن الله عز وجل جالس ومستقر على العرش أو فى السماء، معطل لصفات الإله (مع العلم) الضرورى أن ذلك ليس من صفات الله تعالى، بل هو ضد صفاته سبحانه وتعالى، ناف للألوهية بالكيلة كما علمت. (وأما) السلف والخلف فانهم مجمعون على ثبوت صفات الله تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المحمدية. وإنما خلافهم فى تفويض معنى المتشابه وهو مذهب السلف. وفى بيان معناه وهو مذهب الخلف (قال الإمام) السلفى الجليل ابن كثير فى تفسيره ما نصفه: أما قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف فلنا فى هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هنا موضوع بسطها. وإنما نسلك فى هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعى والثورى والليث ابن سعد قديما وحديثا. وهو أمراها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطليل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفى عن الله تعالى، فإن الله لا يشبهه شئ من خلقه و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى. بل الأمر كما قاله

الأئمة. منهم نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه (فمن أثبت) لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى (ونفى) عنه تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى أهـ (وقال) العلامة إسماعيل حقى فى تفسيره روح البيان: من قال أن الله فى السماء، أن أراد به المكان كفر. وان أراد به الحكاية عما جاء فى الظاهر الأخبار لا يكفر، لأنها مؤولة. والأذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات إلا عين التنزيه أهـ (ولذا) لم يتعرض السلف لتأويل المتشابهات لكون العقول إذ ذاك كانت سليمة لا تفهم من المتشابه إلا تنزيه الله عز وجل عن صفات الحوادث. (وتعرض) الخلف للتأويل لفساد عقول كثير من أهل زمانهم ففهموا من ظاهر المتشابهات أن الله سبحانه وتعالى جسم يحل فى العرش أو السماء أو الجهة. وقد تقدم التنبيه على ذلك (قال) فى روح البيان: يقال لمن قال أن لله تعالى مكانا: أين كان قبل خلق هذه العوالم؟ ألم يكن له وجود متحقق؟ فان قالوا: لا، فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال، فكذلك، لأن الواجب لا يقارن الحادث إلا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته، لكن لا من حيث انه حادث مطلقا بل من حيث أن وجوده مستفاض منه، فافهم أهـ (وقال) أيضا: من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة. ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بأنه تعالى فى كل مكان، ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف أهـ. (والعلماء) الزائغون عن الحق هم الذين ذمهم الله تعالى بقوله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (7) آل عمران. وأى فتنة أفظع من كونهم كفروا بالله تعالى

لاعتقادهم أن الله تعالى جالس على العرش أو له مكان أو حل فى جهة زعما منهم أن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على ذلك وكفر بسببهم كثير من جهلة العوام ضعفاء العقول كما شاع وذاع فى كثير من البقاع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. (وقال) البيضاوى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: استوى أمره أو استولى وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف. والمعنى أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذى عناه منزهتا عن الاستقرار والتمكن اهـ. (وقال) العلامة الخطيب: الله تعالى لا يتصف بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام ولأنه تعالى خلق الأمكنة وهو غير متحيز، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان اهـ. (وقال) العارف الصاوى فى تفسير قوله تعالى: {يخالفون ربهم من فوقهم} (5) النحل: المراد بالفوقية القهر لا الجهة لأنها مستحيلة عليه تعالى أهـ (وقال) الإمام القرطبى فى تفسير قوله تعالى {أمنتم من فى السماء} (16) الملك: المراد بها توقيره وتنزيه تعالى عن السفل والتحت ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها من صفات الأجسام، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان أهـ. (وقال): أبو حيان فى تفسيره: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له ولا يشبه بشئ من خلقه ولا يكيف ولا يتحيز ولا تحله

الحوادث أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (3) الأنعام: إنما ذهب أهل العلم إلى الخروج عن ظاهر (فى السموات وفى الأرض) لما قام عليه العقل من استحالة حلول الله تعالى فى الأماكن ومماسة الأجرام ومحاذاته لها وتحيزه فى جهة أهـ. (وقال) الامام النيسابورى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: يقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة أهـ. (وقال) عماد الدين الكندى فى تفسير قوله تعالى (وهو الله فى السموات وفى الأرض): حلول الله تعالى فى الأماكن مستحيل، وكذلك ممارسة الأجرام أو محاذاته لها، أو تحيزة فى جهة، لا متناع جواز التغير عليه تبارك وتعالى، وقد استقرت القواعد على أن الله تبارك وتعالى لا يجوز عليه الجهة ولا الظرفية اهـ. بتصرف (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (61) الأنعام: الفوقية تمثيل للقهر لا للقاهر. وما أغبى الحشوية وأجمدهم حيث الترموا فوقية الجهة والجسمية فيمن يستحيل عليه ذلك. فما بالحشوية الا مكايدة المعقول ومكابرة المنقول أهـ. (وقال) العلامة ابن العادل الدلجى فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} (84) الزخرف: ابن الخطيب: وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر فى السماء، لأنه تعالى بين فى هذه الآية أن نسبته بالهية السماء كنسبته بالهية الأرض. فلما كان الها للأرض مع أنه غير مستقر فيها، فكذلك وجب أن يكون الها للسماء مع انه لا يكون مستقرا فيها أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى (وهو معكم): لابد فيه من التأويل. فاذا جوزنا التأويل فى موضع وجب تجويزه فى سائر المواضه اهـ فيجب التأويل فى آية

{الرحمن على العرش استوى} (5) طه - بصرفها عن ظاهرها. وهو الاستقرار والجلوس. وكذلك سائر المتشابهات من الآيات والأحاديث (وقال) أيضا فى تفسير قوله عز وجل (ءأمنتم من فى السماء) قال ابن الخطيب: هذه الآية لا يمكن اجرؤاها على ظاهرها باتفاق المسلمين، لأن ذلك يقتضى احاطة السماء به من جميع الجوانب، فيكون أصغر منها. والعرش أكبر من السماء بكثير. فيكون حقيرا بالنسبة الى العرش وهو باطل بالاتفاق. ولأنه قال {قل لمن ما فى السموات والأرض؟ قل لله} (13) الأنعام. فلو كان فيهما لكان مالكا لنفسه. فالمعنى اما من فى السماء عذابه. واما من فى السماء سلطانه وملكه وقدرته، كما قال الله تعالى {وهو الله فى السموات وفى الأرض} (3) الأنعام. فان الشئ الواحد لا يكون دفعه فى مكانين. والغرض من ذكره السماء تفخيم فى شرح صحيح البخارى فى تفسير الاستواء على العرش: قالت المجسمة: معناه الاستقرار. وهو قول فاسد، لأن الاستقرار من صفات الأجسام. ويازم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات اهـ. (وقال) العلامة النووى فى شرح صحيح مسلم: مذهب السلف فى أحاديث الصفات أنه يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى مع اعتقادنا أن الله ليس كمثله شئ وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز فى جهة وعن سائر صفات المخلوق اهـ (وقال) القاضى عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبه فقيههم ومحدشهم ومتكلمهم ومجتهدهم ومقلدهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى كقوله تعالى: {ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض} ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم اهـ (وقال) العلامة الأبى فى شرح صحيح مسلم. قال القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم أنه

تعالى في السماء كقوله تعالى: (ءأمنتم من في السماء) وقد أطلق الشرع أنه القاهرة فوق عباده، وانه استوى على العرش " فالتمسك " بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذى لا يصح فى العقل غيره وهى قوله تعالى (ليس كمثله شئ) " عصمة " لمن وفقه الله تعالى اهـ. (وقال) العلامة أحمد زروق فى شرحه على رسالة ابن أبى زيد القيروانى. قال أبو حامد: انه تعالى مستو - على العرش على الوجه الذى قاله، وبالمعنى الذى أراده - استواء منزها عن الممارسة هو الاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بمحض قدرته ومقهورون فى قبضته أهـ. وهو مذهب السلف الصالح. ومنهم الأئمة المجتهدون أبو حنفية ومالك والشافعى وأحمد وغيرهم. (وقال) العلامة الكبير الشيخ زين الدين الحنفى فى كتابه البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ا) ويكفر " بقوله " يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه، وباثبات المكان لله تعالى فان قال: الله فى السماء. فان قصد حكاية ما جاء فى ظاهر الخبار لا يكفر. وان أراد المكان كفر. وان لم يكن له نية، كفر عند الأكثر وهو الأصح. وعليه الفتوى (ب) " وبقوله " الله جلس للانصاف أو قام له وبوصفه تعالى بالخوق أو بالتحت اهـ بحذف. (وقال) الامام الشافعى فى كتابه الأكبر: فصل واعلموا أن البارئ لا مكان له. والدليل عليه هو أن الله تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفته الأزلية كما كان قبل خلقه المكان. لا يجوز عليه التغيير فى ذاته والتبديل فى صفاته، ولأن من له مكان وله تحت يكون متناهى الذات محدودا. والمحدود مخلوق. تعالى الله عن ذلك. ولهذا المعنى استحال عليه الزوجة والولد، لأن ذلك

لا يتم الا بالمباشرة والاتصال والانفصال. فكذلك الزوجة والولد فى صفته تعالى محال (فان قيل) قال الله تعالى (الرحمن على العرش استوى) (يقال) له ان هذه الآية من المتشابه التى يحار فى الجواب عنها وعن أمثالها من لا يريد التبحر فى العلم، أى يمر بها كما جاءت ولا يبحث عنها ولا يتكلم فيها، لأنه لا يأمن الوقوع فى الشبة والورطة اذا لم يكن راسخا فى العلم. ويجب أن يعتقد فى صفة البارئ ما ذكرناه. وأنه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان منزه عن الحدود والنهايات، مستغن عن المكان والجهات ليس كمثل شئ. ويتخلص عن هذه المهالك (ولهذا) زجر مالك السائل حين سأله عن هذه الآية فقال: الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ثم قال: فان عدت الى مسألتك أمرت بضرب رقبتك. أعذانا الله تعالى واياكم من التشبيه اهـ كلام الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه (ونحوه) للامام أبى حنيفة فى الفقه الأكبر وشرحه (وقال) العلامة الجليل سعد الدين التفتازانى فى كتابه تهذيب الكلام (والقول) بانه تعالى جسم على صورة انسان أو غيره وفى جهة العلو مماسا للعرش أو محاذيا له تمسكا بأن كل موجود جسم أو جسمانى ومتحيز أو حال فيه ومتصل بالعلم أو منفصل عنه (جهالة) والنصوص مؤولة اهـ. (قال) محشية محمد وسيم: وأما ما تقرر فى فطرة العقلاء مع اختلاف آرائهم من التوجه الى العلو فى الدعاء ورفع الأيدى الى السماء فليس من جهة اعتقادهم أنه فى تلك الجهة بل من جهة أن السماء قبلة الدعاء، منها تتوقع الخيرات والبركات وهبوط الأنوار ونزول الأمطار المحيى للأقطار اهـ. (وقال) المحقق الدوانى على العقائد العضدية: ويستحيل عليه تعالى التحيز والجهة ولا يصح عليه الحركة والانتقال أ. هـ (قال) القدوة السنوسي في عقيدة أهل التوحيد الكبرى: ومن هنا - يعنى من وجوب قدمه تعالى وبقائه -

تعلم وجوب تنزهه تعالى عن أن يكون جرماً أو قائماً أو محاذياً له أو في جهة له أو مرتسماً في خياله، لان ذلك كله يوجب مماثلته للحوادث، فيجب له ما وجب لها. وذلك يقدح في وجوب قدومه وبقائه، بل وفي كل وصف أوصاف ألوهيته أهـ. (وقال) العلامة الدسوقي في حاشيته على أم البراهين: أنه يستحيل عليه تعالى أن يكون له جهة، لأن الجهات من عوارض الجسم، والله تعالى يستحيل أن يكون جسماً أهـ. (وقال) العلامة الهدهدي في شرحه على السنوسية: وكذا يستحيل عليه أن يكون في جهة، لأنه لو كان في جهة لزم أن يكون متحيزا أهـ. أي وكونه تعالي متحيزا محال عليه عز وجل. (وقال) اعلامة الفخر الرازي في كتابه اساس التقديس: ظاهر قوله تعالي: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} (16) ق. وقوله: {وهو معكم اينما كنتم} (4) الحديد. وقوله: {وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله} (84) الزخرف. ينفي كونه مستقرا علي العرش وليس تأويل هذه الايات اولي من الايه التي تمسكوا بها يعني (الرحمن علي العرش استوي) أهـ. (وقال) أيضا في كتابه المذكور: ان الدلائل العقلية القاطعة التي قدمنا ذكرها تبطل كونه تعالي مختصا بشئ من الجهات. واذا ثبت هذا ظهر انه ليس المراد من الاستواء الاستقرار. فوجب ان يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الاحكام الالهية. وهذا مستقيم علي قانون اللغة، وتمامه فيه. (وقال) العلامة جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه " دفع شبهة التشبيه ": الحق سبحانه وتعالي لا يوصف بالتحيز، لانه لو كان متحيزا لم يخل اما ان يكون ساكنا في حيزه او متحركا عنه، ولا يجوز ان يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، ومن جاور او بين فقد تناهي ذاتا، والتناهي اذا اختص بمقدار استدعي مخصصا، وكذا ينبغي ان يقال ليس بداخل

في العالم وليس بخارج منه، لان الدخول والخروج من لوازم المتحيزات. فهما كالحركة والسكون وسائر الاعراض التي تخص الاجرام اهـ. (وقال) ايضا: قال القاضي ابو يعلي في كتابه المعتمد: ان الله عز وجل لا يوصف بالمكان اهـ. (وقال) ومن الايات قوله تعالي (ءامنتم من في السماء) قد ثبت قطعا ان الاية ليست علي ظاهرها لان لفظة " في " للظرفبة. والحق سبحانه وتعالي غير مظروف. واذا منع الحس ان ينصرف الي مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الحق أهـ. (وقال) المحقق الجليل علي القاري في شرح المشكاة: قال جمع من السلف والحلف: ان معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي انه قول لابي حنيفة ومالك والشافعي والاشعري والباقلاني اهـ. ومحل الخلاف في كفره ان اعتقد جهة العلو لله تعالي مع اعتقاد انه تعالي لا مكان له ولا تحيز ولا اتصال بعرش ولا سماء ولا غيرهما من الحوادث، والا فهو كافر باجماع عقلاء المسلمين. (وجملة القول) ان الادلة القطعية والبراهين النقلية ناطقة بانه تعالي ليس له جهة وليس في جهة، وليس جالسا علي العرش ولا حالا السماء ولا غيرها، ولا يتصف بالتحول والانتقال، وليس جسما ولا جوهرا ولا عرضا، ولا غير ذلك من صفات الحوادث (¬1) ¬

(¬1) وقد افتي الشيخ سليم البشري رحمه الله بان من اعتقد الجهة لله تعالي من التجسيم فهو كافر ومن اعتقدها مع التنزيه فهو فاسد العقيدة ضال فيها. قال: الي حضرة الفاضل الشيخ احمد علي بدر ببلصفورة: قد ارسلتم بتاريخ 22 محرم سنه 1325 هـ مكتوبا مصحوبا بسؤال عن حكم من يعتقد ثبوت الجهة له تعالي. فحررنا لكم الجواب =

(ومن الآيات المتشابهات) قوله تعالى: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون ¬

= الاتي وفيه الكفاية لمن اتبع الحق وانصف: اعلم ان مذهب الفرقة الناجية وما عليه اجمع السنيون أن الله تعالى منزه عن مشابهة الحوادث مخالف لها فى جميع سمات الحدوث ومن ذلك تنزهه عن الجهة والمكان دلت على ذلك البراهين القطعية فان كونه فى جهة يستلزم قدم الجهة أو المكان وهما من العالم - وهو ما سوى الله تعالى - وقد قام البرهان القاطع على حدوث كل ما سوى الله تعالى باجماع من أثبت الجهة ومن نفاها ولأن المتمكن يستحيل وجود ذاته بدون المكان مع أن المكان يمكن وجوده بدون المتمكن لجواز الخلاء فيلزم امكان الواجب ووجوب الممكن وكلاهما باطل ولأنه لو تحيز لكان جوهرا لاستحالة كونه عرضا ولو كان جوهرا فاما أن ينقسم واما الا ينقسم وكلاهما باطل فان غير المنقسم هو الجزء الذى لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء - تعالى الله عن ذلك علوال كبيرا - والمنقسم جسم وهو مركب .. والتركيب ينافى الوجوب لذاته غنى عن كل ما سواه مفتقر اليه كل ما عداه سبحانه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير هذا وقد خذل الله أقواما أغواهم الشيطان وأذلهم اتبعوا أهواءهم وتمسكوا بما لا يجدى فاعتقدوا ثبوت الجهة تعالى الله عن ذلك هلوا كبيرا واتفقوا على أنها جهة فوق الا أنهم افترقوا (فمنهم) من اعتقد أنه جسم مماس للسطح العلى من العرش. وبه قال الكراميةاليهود وهؤلاء لا نزاع فى كفرهم (ومنهم) من أثبت الجهة مع التنزية وأن كونه فيها ليس ككون الاجسام وهؤلاء ضلال فساق فى عقيدتهم واطلاقهم على الله ما لم يأذن به الشارع. ولا مرية أن فاسق العقيدة أقبح وأشنع من فاسق الجارحة بكثير سيما من كان داعية أو مقتدى به (وممن نسب) اليه القول بالجهة من التأخرين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحنبلى. وقد انتدب بعض تلامذته للذب عنه وتبرئته مما نسب اليه وساق له عبارات أوضح معناها وأبان غلط الناس فى فهم مراده واستشهد بعبارات له أخرى صريحة فى دفع التهمة عنه وأنه لم يخرج عما عليه الاجماع وذلك هو المظنون بالرجال لجلالة ورسوخ قدمه. وما تمسك به المخالفون عليه وما تمسكوا به ظواهر =

الله يد الله فوق أيديهم) (10) الفتح (والسماء بنيناها بأيد) (7) الذرايات. ¬

= آيات وأحاديث موهمة كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله (اليه يصعد الكلم الطيب) وقوله (تعرج الملائكة والروح اليه) وقوله (ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض) وقوله (وهو القاهر فوق عباده) وكحديث " أنه تعالى ينزل الى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ " وكقوله للجارية الخرساء (1) أين الله؟ " فأشارت فى السماء " حيث سأل بأين التى للمكان ولم ينكر عليها الاشارة الى السماء بل قال: انها مؤمن (ومثل) هذه يجاب عنها بأنها ظواهر ظنية لا تعارض الأدلة القطعية اليقينية الدالة على انتفاء المكان والجهة. فيجب تأويلها وحملها على محامل صحيحة لا تاباها الدلائل والنصوص الشرعية اما تأويلا اجماليا بلا تعيين للمراد منها كما هو مذهب السلف، واما تأويلا تفصيليا بتعيين محاملها وما يراد منها كما هو مذهب الخلف كقولهم: ان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما فى قول القائل: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق وصعود الكلم الطيب اليه قبوله اياه ورضاه به لأن الكلم عرض يستحيل صعوده. وقوله من فى السماء أى أمره وسلطانه أو ملك من ملائكته موكل بالعذاب، وعروج الملائكة والروح اليه صعودهم الى مكان يتقرب اليه فيه، وقوله: فوق عبادة أى بالقدرة والغلبة فان كل من قهر غيره وغلبيه فهو فوقه أى عال عليه بالقهر والغلبة كما يقال: أمر فلان فوق فلان أى أنه أقدر منه وأغلب. ونزوله على سبيل التمثيل وخص الليل لانه مظنة الخلوة والخضوع وحضور القلب، وسؤاله للجارية (بأين) استكشاف لما يظن به اعتقاده من أينية المعبود كما يعتقده الوثنيون. فلما أشارات الى السماء فهم أنها أرادت خالق السماء فاستبيان أنها ليست وثنية وحكم بايمانها. وقد بسط العماء فى مطولاتهم تأويل كل ما ورد من أمثال ذلك عملا بالقطعى وحملا للظنى عليه فجزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء وان العجيب أن يدع مسلم قو جماعة المسلمين وأئمتهم ويتمشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم. أما سمع قول الله تعالى (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) فليتب الى الله تعالى من تلطخ بشئ من هذه القاذورات ولا يتبع = ــــــــــــــــــــــ (1) كذا قال العلامة عضد الدين عبد الرحمن فى المواقف. ولم تر كونها خرساء لغيره وظاهر الحديث يرده أنها قالت (فى السماء) وقالت: أنت رسول الله.

(وقد) اتفق علماء السلف والخلف المعول عليهم على أن اليد فى هذه الآيات ونحوها مصروفه عن ظاهرها، لأن الله تعالى منزه عن الجارحة لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) (11) الشورى. (واختلفوا) فى بيان المراد منها (فالسلف) يفوضون علم المراد منها الى الله تعالى. لقوله عز وجل (وما يعلم تأويله الا الله) (والخلف) يقولون: المراد منها القدرة والنعمة، بناء على أن الوقف فى الآية على قوله تعالى: (والراسخون فى العلم) ولكل وجهة. (ومن الايات) المتشابهات (ويبقى وجه ربك) (27) الرحمن. و (لا اله الا هو كل شئ هالك الا وجهه) (88) القصص. (فالسلف) يقولون: له وجه لا كوجوهنا لا يعلمه الا هو سبحانه وتعالى (¬1) (والخلف) يقولون: المراد بالوجه الذات. وعبر عنها بالوجه على عادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. يقول أحدهم: فعلت لوجهك أى لك، وقس على هذا باقى الآيات المتشابهة. (ومن) الأحاديث المتشابهة حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعونى فأستجب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى ¬

= خطوات الشيطان فانه يآمر بالفحشاء والمنكر ولا يحملنه العناد على التمادى والاصرار عليه فان الرجوع الى الصواب عين الصواب والتمادى على الباطل يفضى الى أشد العذاب (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. (¬1) أثبتوا الوجه لله تعالى وقوفا مع كلامه الذى لا ريب فيه كما صرح به فى الآيتين المذكورتين - وقالوا له تعالى وجه لا كالوجوه فرارا من تشبيهه بالحوادث التى يتنزه - الله تعالى عن مماثلتها واتباعا لقوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وكذلك القول فى المتشابه من اليد والرجل والساق والذات وغيرها من بقية المتشابهات الواردة كتابا وسنة.

فأغفر له؟ أخرجه مالك والخمسة الا النسائى (¬1) {18}. وهو مصروف عن ظاهره باجماع السلف. (قال) العلامة ابن جماعة فى كتابه " ايضاح الدليل " ما ملخصه: اعلم أن النزول الذى هو الانتقال من علو الى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه لوجوه: (الأول) أن النزول منصفات المحدثات، ويتوقف على ثلاثة أجسام. منتقل. ومنتقل عنه. ومنتقل اليه. وذا محال على الله تعالى. (الثانى) لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض شيئا فشيئا. فيلزم انتقاله فى سماء الدنيا ليلا ونهارا من قوم الى قوم، عوده الى العرش فى كل لحظة على رأى المجسمة القائلين بأنه تعالى ينزل بذاته ونزوله من العرش الى سماء الدنيا. ولا يقول ذلك ذو لب. (الثالث) أن القائل بأنه تعالى فوق العرش، وأنه ملأه، كيف يرى أن سماء الدنيا تسعه تعالى؟ وهى بالنسبة الى العرش كحلقة فى فلاة. فيلزم عليه أحد أمرين اما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدسة عند ذلك حتى تسعها السماء ونحن نقطع بانقاء الأمرين. ولذا ذهب جماعة من السلف الى عدم بيان المراد من النزول مع قطعهم بأن الله منزه عن الحركة والانتقال. وذهب المؤولن الى أن المراد بالنزول هنا الاقبال بالرحمة والاحسان واجابة الدعاء (وقيل) فى الكلام مضاف مقدر والمعنى ينزل أمر ربنا أو ملك ينزل بأمره. وهو فى القرآن كثير منه قوله تعالى: (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) (26) النحل. ومعلوم أن حامد الحنبلى المجسم: فى الحديث ما يتعالى الله عنه. وهو أنه ينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وأحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى برئ منه، ولقد تأذى ¬

(¬1) ص 3 ج 2 تيسير الوصول (فضل الدعاء ووقته).

الحنابلة بسوء كلامه واعتقاده أهـ. (فأنت) ترى أن اعتقاد ابن حامد الحنلى وأحزابه دليل واضح على أنهم ما عرفوا أن الله سبحانه وتعالى اله قديم لا يتصف بالجسمية ولا التحول والانتقال، لأن ذلك كله من صفات الحوادث. وأن الامام أحمد رضى الله تعالى عنه برئ منهم (ولو كانوا) يسمعون أو يعقلون، لعرفوا أن الله تبارك وتعالى اله قديم موجود قبل خلق العالم يستحيل عليه الحركة والسكون وغيرهما من صفات المخلوق. قال الله تعالى: {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) غافر (وقال) الامام فخر الدين الرازى فى كتابه أساس التقديس ص 134 ما حاصله: فاما الحديث المشتمل على النزول الى سماء الدنيا فالكلام عليه أن النزول قد يستعمل فى غير الانتقال. وذلك لوجوه (منها) قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر. ونحن نعلم بالضرورة أن الجمل أو البقر ما نزل من السماء الى الأرض على سبيل الانتقال. وقوله تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} (6) الفتح. والانتقال على السكينة محال (ومنها) أنه ان كان مقصود من النزول من العرش الى سماء الدنيا أن يسمع نداؤه فهذا لم يحصل. وان كان المقصود مجرد النداء وان نسمع فهذا مما لا حاجة فيه الى النزول. وهذا عبث غير لائق بحكمة الله تعالى. (ومنها) أن من يقول بظاهر الحديث يرى أن كل السموات بالنسبة للكرسى كقطرة فى بحر والكرسى بالنسبة للعرش كذلك. ثم يقول ان العرش مملوءه منه والكرسى موضع قدمه. فاذانزل الى سماء الدنيا فكيف تسعه؟ فاما أن يقال بتداخل أجزائه فى بعض، وهذا يقتضى أنها قابلة للتفرق ويقتضى جواز تداخل جملة العالم فى خردلة واحدة وهو محال. واما أن يقال ان تلك الأجزاء فنيت عند النزول الى سماء الدنيا. وهذا مما لا يقوله عاقل فى حق الله تعالى (فثبت) أن القول بالنزول على الوجه الذى قالوه باطل. وانه يتعين حمل هذا النزول على نزول رحمته الى الأرض فى ذلك الوقت. وخص هذا الوقت بذلك لوجوه (منها) أن التوبة التى يؤتى بها فى جوف الليل شأنها أن

تكون خالية عن شوائب الدنيا خالصة لوجه الله تعالى، لأن الأغيار لا يطلعون عليها، فتكون أقرب الى القبول (ومنها) أن الغالب على الانسان فى جوف الليل الكسل والنوم، فلولا الرغبة الشديدة فى نيل الثواب العظيم لما تحمل مشاق السهر، ولما أعرض عن اللذات الجسمانية، ولذا احتيج فى الترغيب فى الطاعة والعبادة بالليل الى مزيد أمور تؤثر فى تحريك دواعى الاشتغال بالطاعة والتهجد لتكون الدواعى اليه أتم وأوفر، ويكون الثواب أكمل. ولذا أثنى الله تعالى على من تحلى بالطاعة فى الليل. قال تعالى {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) (وبالأسحار هم يستغفرون) (18) الذرايات. وقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (17) السجدة. (وقيل) النزول فى الحديث كناية عن المبالغة فى الاكرام والاحسان. وذلك أن نزل من الملوك عند انسان لاصلاح شأنه والاهتمام بأمره يكون وجوده عنده مبالغة فى اكرامه فلما كان النزول مستلزما لغاية الاكرام وكمال الاحسان، اطلق اسم النزول على الاكرام المذكور. (وقيل) ان " ينزل " فى الحديث بضم الياء من الانزال، أى أن جمعا من أشراف الملائكة ينزلون فى ذلك الوقت بأمر الله تعالى اهت. (وقال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 46: روى حديث النزول عشرون صحابيا وقد تقدم انه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير فيبقى الناس رجلين (أحدهما) المتأول بمعنى أنه يقرب رحمته. وقد وصف أشياء بالنزول فقال: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (25) الحديد. وان كان معدنه فى الأرض. وقال: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر ومن لم يعرف الجمل فكيف يتكلم فى نزوله (¬1) (والثانى) الساكت عن الكلام فى ذلك مع اعتقاد التنزيه. ¬

(¬1) الجمل من الأنعام وهى فى الأرض فالانزال بمعنى الخلق.

والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة، وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان يحتاج الى ثلاثة أجسام: جسم عال هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو الى سفل. وهذا لا يجوز على الله عز وجل (قال) ابن حامد: هو على العرش بذاته مماس له وينزل وينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله (وقال) أبو يعلى: النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال، وهذا مغالط (ومنهم) من قال يتحرك اذا نزل. وما يدرى أن الحركة لا تجوز على الله تعالى. وقد حكوا عن الامام أحمد ذلك. وهو كذب عليه. ولو كان النزول صفة ذاتية لذاته لكانت صفته كل ليلة تتجدد. وصفاته قديمة كذاته أهـ. (وقال) العلامة ابن أبى جمرة فى كتابه " بهجة النفوس " ص 39 ردا على المجسمة (وأما) ما زعموا من الجسمية وتعلقوا فى ذلك بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا " الى غير ذلك من الأحاديث التى جاءت فى هذا المعنى (فليس) لهم فى ذلك حجة أيضا، لأن ذلك فى اللغة محتمل لأوجه عديدة كقولهم: جاء زيد، يريدون ذاته ويريدون غلامه ويريدون كتابه ويريدون خبره. والنزول مثله كقولهم: نزل الملك، يريدون ذاته ويريدون أمره ويريدون كتابه ويريدون نائبه. فاذا ارادوا أن يخصصوا الذات قالوا: نفسه، فيؤكدونه بذلك أو بالمصدر. وحينئذ ترتفع تلك الاحتمالات ولذلك قال عز وجل فى كتابه (وكلم الله موسى تكليما) فأكده بالمصدر رفعا للمجاز (فلو قال) الشارع عليه الصلاة والسلام هنا: ينزل ربنا نفسه أو ذاته أو أكده بالمصدر (لكان) الأمر ما ذهبوا اليه. ولكن لما أن ترك اللفظ على عمومه ولم يؤكده، دل على أنه لم يرد الذات، وانما أراد نزول رحمة ومن فضل وطول على عباده وشبه هذا معروف عند الناس، لأنهم يقولون: تنازل الملك لفلان، وهم يريدون

كثرة احسانه وافضاله اليه لا أنه نزل اليه بذاته وتقرب اليه بجسده. فهذا مشاهد فى البشر، فكيف بمن ليس كمثله شئ؟ لقد أعظموا على الله الفرية اهـ (ومما تقدم) تعلم بطلان ما زعمه المجسمة كابن حامد وأبى يعلى وأضرابهما من انه تعالى على العرش بذاته ويزنل منه وينتقل الى سماء الدنيا (وأن) ما فى مختصر الصواعق لابن القيم من أن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفرج ابن الجوزى صرحوا بأ، هـ تعالى ينزل الى سماء الدنيا بذاته (كذب) وافتراء عليهم. فقد تقدم لك قول ابن الجوزى أنه يستحيل على الله تعالى الحركة والنقلة والتغير. والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة. وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. وقد رد ما ذهب اليه ابن حامد وأبو يعلى قال ومن نسب ذلك الى الامام أحمد فقد كذب عليه (ومنه) تعلم أيضا كذب ما نسب فى مختصر الصواعق الى حماد بن زيد من قوله: ان الله فى مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء. وعلى فرض ثبوته عنه فيحرم التمسك به لمنافاته صريح الآيات القرآنية كقوله تعالى (ليس كمثله شئ) واجماع سلف الأمة وخلفها على أن الله تعالى يستحيل عليه أن يكون له مكان لأنه يستلزم المماثلة والاحتياج وهما محالان فى حقه تعالى (وكذا) ما نسبه الى ابن عبد البر من أن أهل السنة مجمعون على حمل المتشابهات على الحقيقة لا على المجاز، فهو كذب وافتراء. فهاهى ذى كلمتهم متفقة على انه يجب صرف المتشابه عن ظاهرة لقيام الأدلة القطعية عقلية ونقلية على استحالة ظاهرها فى حق الله تعالى. (ومن) هذا القبيل ما زعمه ابن تيمية فى كتابه " شرح حديث النزول " من أن اسحاق بن راهوية وعبد الله بن طاهر وجمهور المحدثين وأحمد بن حنبل يقولون: ان الله ينزل الى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش (فانه) علاوة على ما فيه من التناقض يلزم عليه اثبات المكان لله تعالى. وقد ثبت بالدليل القاطع والنقلى استحالة

كون الاله سبحانه وتعالى فى مكان والا لزم احتياجه تعالى وانقسامه، وكل منقسم مركب وكل مركب ممكن، وكل ممكن حادث. فكيف ينسب ذلك الى قادة الأمة. سبحانك هذا بهتان عظيم (ومن هنا) تزداد علما ببطلان قول ابن تيمية أيضا فى كتابه المذكور: والصواب المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أنه لا يزال فوق العرش ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله الى سماء الدنيا ولا يكون العرش فوقه أهـ. (فانه) مع كونه افتراء على سلف الأمة وأئمتها خرفات ومناقضات لا يصح صدورها ممن عنده شائبه تمييز. وهل يتصور من عنده أدنى عقل أن الله سبحانه وتعالى يكون فى سماء الدنيا بذاته مع بقاء ذاته على العرش؟ فضلا عن علماء المسلمين سلفا وخلفا على انه تعالى يستحيل عليه المكان والتحول والانتقال. وعلى انه يجب صرف المتشابهات عن ظاهرها (ومن) تمسك بظاهرها فهو مخالف للمعقول والمنقول مارق من الدين قائل بالتشبيه والتجسيم مبتغ سبيلا غير سبيل المؤمنين. قال الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (7) آل عمران (ومن غفلتهم) اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالتحول والانتقال والنزول الى سماء الدنيا. ويستدلون على معتقدهم الفاسد بأحاديث الآحاد. مع أنها لا يصح ان يستدل بها فى العقائد. وانما يستدل بها فى الفروع باجماع أئمة الدين (قال) الامام الرازى فى كتابه اساس التقديس: (أما) التمسك بخبر الواحد فى معرفة الله تعالى فغير جائز لوجوه (الأول) أن أخبار الآحاد مظنونة، فلا يجوز التمسك بها فى معرفة الله تعالى وصفاته. وانما قلنا انها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين. وانما لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزا والكذب عليهم جائزا. فحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا فثبت أن خبر الواحد مظنون ووجب ألا يجوز التمسك بع فى العقائد لقوله تعالى فى شأن الكفار {ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا} (28) النجم. وقوله تعالى: {وان تقولوا على الله مالا تعلمون} (169) البقرة. فترك

العمل بهذه العمومات فى فروع الشريعة، لأنه يكتفى فيها بالدليل الظنى. ووجب ان يبقى العمل بتلك العمومات فى العقائد فقط. والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز، لأن تعيين ذلك التأويل مظنون، والقول بالظن فى القرآن لا يجوز. ثم انهم يتكلمون فى ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد مع أنها فى غاية البعد من القطع واليقين. واذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون، فلأن يمتنعوا عن الكلام فى ذات الحق تعالى وفى صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى اهـ. (ومن هذا) القبيل استدلالهم على دعواهم الباطلة " أن الله تعالى فىالسماء " بحديث معاوية بن الحكم قال: كانت لى جارية ترعى غنما لى قبل أحد، فاطعت ذات يوم فاذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم فصككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعظم ذلك على فقلت افلا أعتقها؟ قال ائتنى بها. فأتيته بها فقال لها أين الله؟ قالت: فى السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال. أعتقها فانها مؤمنة. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {19}. (فمع) كونه حديث آحاد لا يصح الاستدلال به على معرفة العقائد (هو) مصروف عن ظاهره باجماع السلف والخلف (قال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 45 بعد أن روى الحديث ما نصه: قلت قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا تحويه السماء ولا الأرض ولا تضمه الأقطار. وانما عرف باشارتها تعظيم الخالق جل جلاله عندها أهـ. (وقال) الامام أبو عبد الله الأبى فى شرح صحيح مسلم فى الكلام على حديث الجارية ص 241 ج 2: أراد ¬

(¬1) ص 447 ج 5 مسند أحمد. وص 23 ج 5 نووى مسلم (تحرير الكلام فى الصلاة) وهو عجز حديث ياتى صدره رقم 5 ص 3 ج 4 دين (مبطلات الصلاة).

معرفة ما يدل على ايمانا، لأن معبودات الكفار من صنم ونار بالأرض. وكل منهم يسأل حاجته من معبوده. والسماء قبلة دعاء الموحدين، فأراد كشف معتقدها وخاطبها بما تفهمه فأشارت الى الجهة التى يقصدها الموحدون. ولا يدل ذلك على جهته ولا انحصاره فى السماء كما لا يدل التوجه الى القبلة على انحصاره فى الكعبة (وقيل) انما سألها باين عما تعتقده من عظمة الله تعالى. واشارتها الى السماء اخبار عن جلاله تعالى فى نفسها (وقال) القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم انه تعالى فى السماء كقوله (ءأمنتم من فى السماء) أهـ. (فقد) بين هذان الامامان معنى حديث الجارية بما يصح اطلاقه على الله تعالى. ونقلا الاجماع على تأويل كل ما يوهم أنه تعالى فى السماء أو جالس على العرش أو نحو ذلك من صفات الحوادث، لقوله تعالى (ليس كمثله شئ) فمن اعتقد خلاف ذلك فهو ضال مضل هالك. (وقال) الامام النووى: هذا الح 0 ديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان (أحدهما) الايمان به من غير خوض فى معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات (الثانى) تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية (ا) هل هى موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده؟ وهو الذى اذا دعاه الداعى استقبل السماء؟ كما اذا صلى المصلى استقبل الكعبة، ليس ذلك لأنه منحصر فى السماء كما انه ليس منحصرا فى جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين (ب) أو هى من عبدة الأوثان التى بين أيديهم؟ فلما قالت: فى السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان اهـ ص 25 ج 5 شرح مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة). وقد أفردت هذا المبحث بكتاب (اتحاف الكائنات، ببيان مذهب السلف

(2) الأنبياء والرسل

والخلف فى المتشابهات. ورد شبه الملحدة والمجسمة وما يعتقدونه همن المفتريات) فمن أراد استيفاء المقام بالأدلة الساطعة، والبراهين القاطعة، والنصوص الواضحة، فلينظره. والله تعالى ولى الهداية والتوفيق. (2) الأنبياء والرسل يجب على كل مؤمن أن يعتقد أن الله تعالى قد أرسل لعباده أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين لا يعلم عددهم الا الله تعالى. قال {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (78) غافر (وأن) سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم الأنبياء. أرسله الله تعالى للآنس والجن كافة قال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين} (40) الأحزاب. وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (28) سبأ. وقال {واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن. فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضى ولوا الى قومهم منذرين} (29) قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى الى الحق والى طريق مستقيم (30) يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31) الأحقاف وقال تعالى {قل أوحى الى أنه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2) الجن}. (وقال) علقمة: قلت لابن مسعود: هل صحب النبى صلي الله عليه وعلي اله وسلم ليلة الجن منكم احد؟ قال ما صحبه منا احد، ولكن قد افتقدباه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل او استطير ما فعل به؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما

اصبحنا. فاذا هو جاء من قبل حراء. قال: فذكروا له الذي كانوا فيه. فقال اتاني داعي الجن فاتيتهم فقرات عليهم، فانطلق بنا فأرانا اثارهم واثار نيرانهم. وسالوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في ايديكم اوفر ما يكون لحما. وكل بعرة او روثة علف لدوابكم. فقال صلي الله عليه وعلي اله وسلم: فلا تستنجوا بهما فانهما طعام اخوانكم من الجن. اخرجه احمد ومسلم وابو داود والترمذي. وقال حسن صحيح (¬1) {20}. وهو افضل الرسل لقوله تعالي {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} (107) الانبياء. ومنهم الانبياء والمرسلون. وقوله {لقد جاءكم رسول من انفسكم} (128) التوبة. وقرئ (من انفسكم) بفتح الفاء وكسر السين. وقد نهي اصحابه عن خطابه كسائر الناس. قال تعالي {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} (63) النور. وكانت الامم تخاطب انبياءها باسمائهم ولم ينهوا عن ذلك {يا نوح قد جادلتنا} (32) هود {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا} (62) هود {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} (53) هود {قال اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لن لم تنته لارجمنك} (46) مريم {اذقال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء} (112) المائدة. (وعن ابي سعيد) الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من ¬

(¬1) ص 163 ج 1 تيسير الوصول (سورة الأحقاف) و (اغتيل) مبني للمجهول أي قتل سرا (واستطير) أي طارت به الجن. و (ذكر اسم الله عليه) هذا لمؤمنيهم. واما غيرهم فطعامه مما لم يذكر اسم الله عليه كما في رواية الترمذى.

نبي يومئذ: آدم فمن سواه الا تحت لوائي، وانا اول من ينشق عنه الارض، وانا اول شافع واول مشفع. اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح (¬1) {21}. (وعن ابن عباس) ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم وقد سمع ناسا من اصحابه يتذكرون في تفاضل الأنبياء فقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم. أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسي نجني الله وهو كذلك وعيسي روح الله وكلمته وهو كذلك، ، وأدم اصطفاة الله وهو كذلك. إلا وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح اله لي فيدخلنيها ومعي فقراء الؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والاخرين ولا فخر، اخرجه الدارمي والترمذي وقال: هذا حديث غريب (¬2) {22}. (وأفضل الخلق) بعد نبينا صلي الله عليه وعلي اله وسلم. سيدنا ابراهيم، ثم سيدنا موسي، ثم سيدنا عيسي، ثم سيدنا نوح، ثم سيدنا ادم ابو البشر، ثم باقي الرسل علي تفاضل بينهم. ثم سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم رؤساء الملائكة كجبريل واسرافيل. ثم رؤساء الامة المحمدية: ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة (¬3) ثم اهل بدر ثم اهل احد ثم اهل بيعة الرضوان ثم عامه الملائكة. هذا. واعلم ان جميع الصحابة عدول لا يجوز الطعن في احدهم. وما جري بينهم من الحروب انما كان باجتهاد منهم فلا يجوز الخوض ¬

(¬1) ص 2 ج 3 مسند احمد. ورقم 2693 ص 42 ج 3 فيض القدير. (¬2) ص 26 ج 1 سنن الدارمي (ما للنبي صلي الله عليه وسلم من الفضل) وص 294 ج 4 تحفة الاحوذي (¬3) (باقي العشرة) أي المبشرون بالجنة وهم الخلفاء الاربعة وطلحة والزبير وسعد ابن ابي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف. وابو عبيدة ابن الجراح.

فيه، لحديث ابن عباس ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " من سب أصحابي لعنه الله والملائكة والناس اجمعون. اخرجه الطبراني في الكبير. وفي سنده عبد الله بن خراش وهو ضعيف (¬1) {23} هذا. وقد ايد الله تعالي كل رسول منهم بمعجزات (¬2) خارقه للعادة كناقة سيدنا صالح ونار سيدنا ابراهيم (¬3)، وعصا موسي ويده البيضاء (¬4) وفلق ¬

(¬1) ص 21 ج 1 مجمع الزوائد (اثم من سب الصحابة) (وعن عبد الله بن مغفل) ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: الله الله في اصحبي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن احبهم فبحبي احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن اذاهم فقد اذاني ومن اذاني فقد اذي الله ومن اذي الله يوشك ان ياخذه. اخرجة احمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب (24) ص 54 ج 5 مسند اجمد. وص 360 تحفة الاحوذي (من سب اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم). (¬2) المعجزة هي المر الخارق لعادة يظهره الله تعالي علي يد من يشاء من عبادة مقرونة بالتحدي عند دعوي النبوة. وهي بمثابة تصديق منن الله تعالي لمن اظهر المعجزة علي يديه فان تايد الكاذب تصديق له وتصديق الكاذب كذب والكذب علي الله تعالي محال. (¬3) قال ابن عباس رضي الله عنهما: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار وقالها محمد صلي الله عليه وسلم حين قالوا: ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم ايمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. اخرجه البخاري (4) ص 195 ج 4 فتح الباري (باب قوله الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقال ابن عباس: لو لم يقل وسلاما لمات ابراهيم من بردها ذكره البغوي (5) ص 498 ج 5 معلم التنزيل (قوله تعالي يا نار كوني بردا وسلاما علي ابراهيم). (¬4) عصا موسي عليه السلام ذكرها الله تعالي في غير اية قال تعالي: واذ استسقي موسي لقومه لومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثني عشرة عينا قد علم كل اباس مشربهم (60) البقرة. وقال تعالي: فالقي عصاه فاذا هي ثعبان مبين (107) ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين (108) الاعراف. وقال تعالي: واوحينا الي موسي ان الق عصاك فاذا هي تلقف ما يافكون (117) فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون (118) - الاعراف.

البحر وتفجير الماء من الحجر (¬1). كاحياء الموتي وابراء الاكمة والابرص لسيدنا عيسي (¬2)، وكانشقاق القمر لسيدنا محمد (¬3) ونبع الماء من يده الشريفة. وتكثير القليل من الطعام والشراب وتكليم الجمادات له صلوات الله وسلامه عليهم احمعين. (قال) انس رضي الله عنه: رايت رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم بوضوء فوضع يده فيه وامر الناس ان يتوضئوا منه فرايت الماء ينبع من تحت اصابعه فتوضأ الناس عن اخرهم. اخرجه الشيخان (¬4) (وقال) جابر رضي الله عنه: عطش الناس يوم الحديبية فاتوا رسول الله ¬

(¬1) قال تعالي ك واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا ال فرعون وانتم تنظرون (50) - البقرة. وقال تعالي: فاوحينا الي موسي ان اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (64) - الشعراء. (¬2) قال تعالي ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل (48) ورسولا الي بني اسرائيل اني قد جئتكم باية من ربكم اني اخلق لكم من الطير كهيئه الطير فانخ فيه فيكون طير باذن الله وابرئ الاكمه والابرص واحي الموتي باذن الله وائنباكم بما تاكلون وما كنتم تدخرون في بيوتكم وان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين (49) ال عمران. (¬3) قال تعالي: اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وان يرو اية يعرضون ويقولوا سحر مستمر (2) وكذوا واتبعوا اهوائهم وكل امر مستقر (3) ولقد جائهم من الانباء ما فيه مزدكر (4) حكمهبالغة فما تغني النظر (5) القمر (وقال ابن مسعود) انشق القمر علي ععد رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم بشقين فقال صلي الله عليه وسلم: اشهدوا. أخرجه الشيخان والترمذي (25) ص 335 ج 3 تيسير الوصول (معجزات متفرقه). (¬4) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب).

صلي الله عليه وعلي اله وسلم وبين يديه ركوة وقالوا ليس عندنا ما نتوضا به ولا نشرب الا ما في ركوتك، فوضع صلي الله عليه وعلي اله وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين اصابعة كامثال العيون فتؤضانا وشربنا. قيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة الف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. أخرجه الشيخان (¬1) {27}. وقال ابي هريرة رضي الله عنه كنا مع النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم في مسير فنفدت ازواد القوم حتي هموا بنحر بعض حمائلهم فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من ازواد القوم فدعوت الله عليها، ففعل. فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره، وذو النواه بنواته. قيل: ما كاموا يصنعون بالنوي؟ قال كانوا يمصونه ويشربون عليه ماء. فدعا عليها حتي ملاء القوم مزوادهم فقال عند ذلك " اشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله، لايلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنه. اخرجه مسلم (¬2) {28}. (وقال) جابر رضي الله عنه: كنا في حفر الخندق فرأيت برسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم خمصا شديدا فانكفات الي امراتي فقلت هل عندك شئ؟ فاني رايت برسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم خمصا شديدا فاخرجت الي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة دواجن فذبحتها وطحنت الشعير، ففرغت الي فراغي وقطعتها في برمتها. ثم وليت الي رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم. فقالت لا تفضحني برسول الله صلي الله عليه وعلي اله ¬

(¬1) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب) و (الركوة) بفتح فسكون ما يعد للماء وجمعها، ركاء وركوات بفتحات. (¬2) ص 331 ج 3 تيسير الوصول (زيادة ا=-0 لطعام والشراب - المعجزات) و (المزاود) جمع مزود بكسر فسكون، ما يجعل فيه الزاد.

وسلم وبمن معه. فجئته فساررته فقلت يا رسول ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا. فتعال انت ونفر معك، فصح رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم فقال: " يا اهل الخندق، أن جابرا قد صنع سورا فحيهلا بكم " ثم قال صلي الله عليه وعلي اله وسلم: لاتنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتي اجئ وجاء رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم يقدم الناس حيث جئت امراتي فقالت: بك وبك. فقلت: قد فعلت الذي قلت الذي فاخرجت له العجين فبصق فيه وبارك. ثم عمد الي برمتنا فبصق فيها وبارك. ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، فاقسم بالله لاكلوا حتي تركوه وانحرفوا، وان برمتنا لتعظ كما هي، وان عجيننا ليخبز كما هو. أخرجه الشيخان (¬1) { 29}. ¬

(¬1) ص 331 ج 3 تيسير الوصول. و (الخمص) بضم فسكون او بفتحتين او بفتح فسكون الجوع. " فانكافات" أي رجعت الي امراتي واسمها سهيله و (البهيمة) تصغير بهمة وهى ولد الضان ذكراً كان او انثى 0 (والداجن) الشاة التى تالف البيت وتتربى فية (ففرغت) اى فرغت امراتى من طحن الشعير مع فراغى من ذبح البهيمة 0 و (البرمة) بضم الباء القدر 0 و (لا تفضحنى برسول الله) تعنى تحزيرة من ان ياتى بمن لا يكفيهم الطعام القليل الذى عندها. (والسور) بالضم غير مهموز - كلمة فارسية - معناها الوليمه والطعام الذي يدعي اليه .. قال الازهري: فيه ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قد تكلم بالفارسية. وقد يهمز اشارة الي القلة كانه بقيه. وحيهلا أي تعالوا وعجلوا. و (بك وبك) أي فعل الله بك كذا وفعل بك كذا. وهذا كنايه عن الكلام الذي عاقبت به زوجها حيث خالف قولها: لا تفضحني برسول الله. و (بارك) أي دعا بالبركه وغطت القدر، غلت. وغطيتها، صوتها. ...

(وقال) ابو هريرة رضي الله عنه: اتيت النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم يوما بتمرات فقلت: يا رسول الله، ادع الله بالبركة، فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة. فقال خذهن واجعلهن في مزودك هذا، وكلمااردت ان تاخذ منه شيئا فادخل فيه يدك فخذ ولا تنثره نثرا، ففعلت فقد حملت منه كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا ناكل منه ونطعم. وكان لا يفارق حقوى حتي كان يوم مقتل عثمان رضي الله عنه فانه انقطع فسقط فحزنت عليه. اخرجه الترمذي وقال: هذا حديث غريب (¬1) {30} (وقال) علي رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم: بمكه فخرجنا معه في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر الا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله. اخرجه الدارمي والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لكنه روى من عدة طرق (¬2) {31} (وقال) جابر بن سمرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم: ان بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت، اني لاعرفه الان. اخرجه احمد ومسلم والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب (¬3) {32} (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: جاء اعرابي الي رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم فقال بم اعرف انك رسول الله؟ قال ان ادعوا هذا العذق من ¬

(¬1) ص 332 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب) و (المزود) القربه و (الحقو) بفتح فسكون، موضع شد الازار وهو الخاصرة. ثم سمي به الازار. (¬2) ص 12 ج 1 سنن الدارمي (ايمان الشجر به صلي الله عليخ وعلي اله وسلم) وص 329 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له). (¬3) ص 329 منه. وص 95 ج 5 مسند احمد.

النخله فا شيهد لى أنى رسول الله، فده فجعل العذق ينزل من النخله حتى سقط الى رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله. ثمقال له رسول الله صلى الله عنيه ولى اله وسلم: ارجع الى موضعك فعاد الى موضعه والتأم فاسلم الأعربى. اخرجه الترمذي وقال: هذا حسن غريب صحيح (¬1) {33}. (وقال) معن بن عبد الرحمن: سمعت أبى رحمه الله يقول: سآلت مسرقا: من آذن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجن لينا استمعوا القرآن؟ فقال: حدثنى أبوك يعنى ابن مسعود أنه قال: آذنت بهم شجرة. أخرجه الشيخان (¬2) {34}. (وقال) أنس رضى الله عنه: خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى لزق جذع. فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حن الجذع حنين الناقة، فنزل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمسه فسكن. أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح (¬3) {35}. (وله) صلى الله عليه وعلى آله وسلم معجتزات كثيرة غير ما ذكر. أهمها وأفضلها القرآن: فانه المعجزة المستمرة الى قرب القيامة وقد تحدى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم العرب الى معارضته وأحدهم بالاتيان بمثل أقصر سورة منه. فاستولى عليهم العجز وبلغ منهم العى مبلغه وخرست ألسنتهم فلم تحر جوابا قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} 88 - الاسراء. ¬

(¬1) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه. (¬2) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه. (¬3) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه.

وقال: (أم يقلون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) 13 - هود. وقال: {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} 23 - البقرة. (وانما) كان القرآن معجزا لأنه فى أعلى طبقات الفصاحة والبلاغة (¬1)، وهى توخى معانى الألفاظ وأسرار التركيب وترتيب الكلام حسبما تقتضيه المقاصد والأغراض. وهذه هى المزية التى امتاز بها عن سائر الكلام. فعجز المعاندون من العرب عن معارضته مع شهرتهم وامتيازهم عن غيرهم وتفوقهم فى الفصاحة. ولا يلتفت الى ما قاله بعض الكفرة المعاندين من انه شعر وكهانة وأساطير. فانهم قوم لا يعقلون ولا يفقهون. ولو عقلوه وتدبروه ما وسعهم الا الايمان به: (غانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور) (46) الحج. ¬

(¬1) قال القاضى عياض فى الشفاء: اعلم أن القرآن منطو على وجوه مكن الاعجاز كثيرة أهمها اربعة: (أولها) حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه وبلاغته الخارقة (اى المتجاوزة) عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن (الثانى) صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب وكل من هذين النوعين الايجاز والبلاغة بذاتها والاسلوب الغريب بذاته نوع اعجازه على التحقيق. لهم تقدر العرب على الاتيان بواحد منهما (الثالث) ما انطوى عليه من الاخبار بالمغييات وما لم يكن فوجد كما ورد (الرابع) ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البادية والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة الا اللفذ من أحبار أهل الكتاب الذى قطع عمره فى تعلم ذلك فيورده صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وجهه ويأتى به على نصه وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب: فهذه الوجه الأربعة من اعجازه بينه لا نزاع فيها. انظر ص 542 وما بعدها ج 1 شرح الشفاء للقارى.

وقال: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) 46 - النور. وقد رد الله عليهم فى أكثر من آية. قال تعالى: (انه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا يقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) (تنزيل من رب العالمين) (43) - الحاقة. صفات الرسل يجب فى حقهم عليهم الصلاة والسلام أربع صفات. (أ) الصدق فى كل الأقوال ولو عادية " لأن ما ظهر على أيديهم من المعجز - وهى امر خلقه الله تعالى " مخالف للعادة مقرون بالتحدى اى واقع عند دعوى الرسالة مع عدم امكان معارضته بمثله " منزل " منزلة قول الله تعالى: صدق عبدى فى كل ما بلغه عنى. كتظليل الغمام وانشقاق القمر وغيرهما مما تقدم. (ب) ويجب فى حقهم العصمة - أى الأمانة - وهى حفظ الله تعالى ظواهرهم وبواطنهم من المعاصى كبيرها وصغيرها (¬1)، لأن الله تعالى أمرنا بالاقتداء بهم فى أقوالهم وأفعالهم غير الخاصة بهم. قال تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله ¬

(¬1) قال فى العقد الثمين: ان الله تعالى قد نزههم عن كل وصمة ونقص فهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها على المختار. وما وقع فى قصص بعضهم من بعض المفسرين لا يلتفت اليه (وما جاء) فى القرآن من اثبات العصيان لآدم ومن معاتبه جماعة منهم على أمور فعلوها (فانما) هو من باب أن للسيد أن يخاطبل عبده بما يشاء وأن يعاتبه على خلاف الأولى معاتبة غيره على المعصية كما قيل: ان حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولا خلاف بين العلماء فى عصمتهم عن تعمد الكبائر وانما الخلاف فى أن عصمتهم عن ذلك بدليل السمع أو بدليل العقل (فالأول) مذهب أهل السنة (والثانى) قول المعتزلة. واما وقوع الصغائر فجوزه البعض. والمحققون من المحدثين لم يجوزا الا وقوع الصغائر سهوا. وما الكبار مطلقا الصئغائر عمدا فلا وعلى ذلك الكثير.

فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (31) - آل عمران. وقال {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} 158 - العراب. وقال: {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى} 157 - الأعراف. وقال: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} 21 - الأحزاب. وقال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} 90 - النعام. وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم هعنه فانتهوا} 7 - الحشر. والله سبحانه وتعالى لا يأمنر بمعصية. قال تعالى: {ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} 28 - الأعراف. (جـ) ويجب فى حقهم عليهم الصلاة والسلام تبليغ كل ما لأمروا بتبليغه الى الخلق قال الله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالته} 67 - المائدة. (وعن معاوية) رضى الله عنه أن النبى صلى عليه وعلى آله وسلم قال: انما أنا مبلغ والله يهدى وانما أنا قاسم والله يعطى. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسندين أحدهما حسن (¬1) {36}. (د) ويجب فى حقهم الفطانة وهى ملكة يقتدر بها على اقامة الحجة على الخصم واقناعه بالحق، لأن الله تعالى اختارهم للنبوة والرسالة وتعليم الخلق فلا بد أن يكونوا أهلا لذلك. (ويستحيل) فى حقهم عليهم الصلاة والسلام أضداد هذه الصفات للأدلة السابقة، فيستحيل فى حقهم الكذب، والعصيان بارتكاب كبيرة أوة صغيرة ¬

(¬1) ص 263 ج 8 مجمع الزوائد يهدى (حديث أنا مبلغ والله يهدى).

ظاهرية أو باطنية (¬1) (ويستحيل) عليهم البلادة، وكتمان شئ مما أمروا بتبليغه للخلق، قال تعالى: {ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (159) - البقرة. (ويجوز) فى حقهم عليهم الصلاة والسلام كل وصف بشرى لا يؤدى الى نقص فى مراتبهم العلية: كالأكل والشرب والمشى فى الأسواق والنوم والجوع والعطش والجماع الحلال والمرض غير المنفر والبيع والشراء والسهو للتشريع وبيان ما يترتب عليه كما وقع للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى الصلاة. وكذا النسيان فى غير الأحكام التى لم تبلغ. قال تعالى (وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق) (20) الفرقان. وقال عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} (38) - الرعد (وفى حديث) عائشة رضى الله عنها. قلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى (¬2) {37} (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) قال فى العقد الثمين: ويستحيل عليهم الكذب والا لم يكونوا أمناء ونحية سبحانه. وقد علم الله سبحانه منهم الصدق والأمانة فاختارهم لتبليغ رسالته وحفظ أمانته وأمرنا بالاقتدار بهم فى أقوالهم وأفعالهم. ومن المعلوم أن علمه تعالى محيط بما لا نهاية له فلزم أن تصديقه تعالى لهم لما علمه منهم وأن جميع أقوالهم وأفعالهم على وفق مات يختاره سبحانه وتعالى ويرضاه. (¬2) ص 22 ج 3 فتح البارى (قيام النبى صلى الله عليه وسلم بالليل) وص 17 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر) وص 269 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل).

يبيت الليالى المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمزى وصححه (¬1) {38}. (وفى حديث) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: انه لو حدث فى الصلاة شئ أنبأتكم ولكن " انما أنا بشر أنسى كما تنسون، فاذا نسيت فذكرونى " أخرجه السبعة الا الترمذى (¬2) {39}. (وعن) ابى أيوب الانصارى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أربع من سنن المرسلين: التعطر والنكاح والسواك والحياء " أخرجه أحمد والترمذى والبيهقى (¬3) {40}. (وحكمة) اتصافهم بما ذكر، التشريع لأممهم واظهار فضلهم والتنبيه على خسة الدنيا عند الله تعالى وعدم رضاه بها دار جزاء لأنبيائه وأوليائه (¬4). ¬

(¬1) رقم 6960 ص 99 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) ص 128 ج 4 - الفتح الربانى. وص 341 ج 1 فتح البارى (التوجه نحو القبلة وص 61 ج 5 نووى مسلم (السيهو فى الصلاة) فى ص 146 ج 6 - المنهل العذب. وص 184 ج 1 مجتبى. وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك فى صلاته). (¬3) ص 421 ج 5 مسند أحمد. ورقم 919 ص 465 ج 1 فيض القدير. (¬4) قال فى العقد الثمين: وفى حصول الأعراض لهم رفع لدرجاتهم من غير قدح فى رسالتهم اذ لا يخل شئ من الاعراض البشرية بمنصبهم ولا يمتنع فى حقهم الا ما يقدح فى ثبوت الرسالة. وليس فى ذلك الا مضاعفة الاجور (وفيه) أيضا أعظم دليل على صدقهم عليهم الصلاة والسلام وأنهم مبعوثون من عند الله تعالى وأن تلك الخوارق التى ظهرت على أيديهم هى بمحض خلق الله تعالى تصديقا لهم عليهم الصلاة والسلام اذ لو كانت لهم قوة على اختراعها لدفعوا عن أنفسهم ما هو أيسر منها من الأمراض والجوع وألم الحر والبرد وغير ذلك مما سلم منه كثير ممن لم يتصف بالنبوة (وفيه) أيضا رفق بضعفاء العقول لئلا يعتقدوا فيهم الألوهية بما يرون لهم من الخوارق والخواص التى =

(3) السمعيات

(3) السمعيات هى أمور لا تعرف الا من طريق النقل من كتاب أو سنة، لا يقبل ايمان عبد حتى يصدق بها تصديقا جازما. المذكور منها هنا ستة: ¬

= اختصهم الله تعالى بها، ولهذا رد سبحانه وتعالى على النصارى قولهم بألوهية عيسى وأمة بافتقارهما الى الأغراض البشرية من أكل الطعام وغيره. هذا والحق أن أفعال الرسل دائرة بين الايجاب والندب لا غير، لأن المباح لا يقع منهم عليهم الصلاة السلام بمقتضى الشهوة فقط كما يقع من غيرهم. بل لا يقع منهم الا مصاحبا لنية يصير بها قربة. وأقل ذلك أن يقصدوا التشريع. وذلك من قربة التعليم. والمؤمن اذا نوى بمباحات جميعا مثل ذلك من النيات أنقلبت طاعات كما اذا نوى بنومه وأكله وشربه التقوى على طاعة الله فانه يكون عبادة .. فكيف بسيد المرسلين الذى فاق يالقيام بحقوق العبودية جميع البرية (وقد) ثبت أنه تورمت قدماه من كثرة قيامه لمولاه مع ما حباه وأولاه (وأعلم) أنه وان جاز لحوق الامراض بهم فهى لا تتعدى أبدانهم الشريفة الى قلوبهم باعتبار ما فيها من المعارف فلا يخل المرض بشئ منها ولا يكدر عليها صفوها ولا يوجب لهم ضجرا ولا ضعفا لقواهم الباطنة. وكذلك النوم والجوع لا يستوليان على قلوبهم. ولهذا كانت تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. وكان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى غيره عن الوصال فى الصوم مع أنه كان يفعله قائلا: " أنى لست مثلكم انى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى ". أخرجه أحمد والشيخان عن أبى هريرة [41] يأتى بالصوم رقم 92 (وصال الصوم) ص 312 ج 8 دين. وانما تصاب ظواهرهم بالأمراض تعظيما لاجرهم والله تعالى قادر على أن يكون ثواب من غير ذلك. ولكنه اختار ذلك سبحانه لحمة لو لم يكن منها الا زيادة تصديقهم والرفق بضعفاء العقول من تابعيهم لكفى (وفيه) أيضا تشريع للأمة ليكون لهم قدوة فلا يضجروا عند نزول الحوادث وليصبروا كما صبر من هو أفضل وأعلى منهم (الأنبياء) وليعلموا قيمة الدنيا وأنها حقيرة عند الله تعالى. ففى الحديث: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " أخرجه الترمذى عن سهل بن سعد [42] ص 261 ج 3 تحفة الأحوذى (هو ان الدنيا على الله - الزهد).

(أ) الملائكة

(أ) الملائكة: وهم عالم غيبى لا يعلم حقيقته الا الله تعالى. لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة. خلقوا من نور (لحديث) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلمن قال: ان الملائكة قالت: يا ربنا أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون ويشربون ويركبون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة. قال لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان. أخرجه الطبرانى فى الكبير (¬1) {43}. (وعن) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {44}. وهم كما وصفهم الله تعالى (عباد مكرمون (26) (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره ويعلمون) (27) الأنبياء. وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (6) التحريم. لهم القدرة على التشكل بالصور ¬

(¬1) قال الشهاب الالوسى: ثبت فى الصحيح أنه سبحانه قال فى جواب الملائكة: " اجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة " وعزتى وجلالى لا أجعل من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان. ص 374 ج 7 روح المعانى. و (قال يا ابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) وأخرج البغوى نحوه عن جابر. انظر ص 230 ج 2 مصابيح السنة (بدء الخلق وذكر الأنبياء). (¬2) ص 123 ج 18 نووى مسلم (أحاديث متفرقة - الزهد). و (المارج) لهب النار الخالص من الدخان.

الجميلة كما فى حديث جبريل (¬1) ولقوله تعالى (قالوا يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا إليك) (81) هود. أى قالت الملائكة لسيدنا لوط عليه السلام حين جاءوه على هيئة رجال حسان الوجوه فى صفة أضياف لأجل اهلاك قومه. وقوله تعالى (فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) (¬2) جردهم الله تعالى من الشهوات وجبلهم على الطاعات. " وقوله " تعالى فى حق سيدنا آدم عليه السلام حكاية عن الملائكة (قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء) (30) البقرة " ليس من الغيبة بل القصد التعجب والاستفسار لعدم علمهم بحكمة خلقه " وتعليم " هاروت وماروت الناس السحر على القول بأنهما من الملائكة " انما كان " ابتلاء من الله عز وجل ولئلا يغتر أحد بعمل المبطلين. وذلك أن السحرة كثرت فى ذلك الزمان. ومنهم من ادعى النبوة. فبعث الله هذين الملكين ليعلما الناس السحر ليتمكنوا من معارضة الكذابين {وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر} (102) البقرة. فمن عمل بما تعلم منه واعتقد حقيقته كفر. ومن توقى عن العمل به واتخذخ ذريعة للاتقاء عن الاغترار بمثله، بقى على الايمان ولا يكفر باعتقاد حقيقته وجواز العمل به (فائدة) مستقر الملائكة فى الدنيا السموات، وينزلزن الى الأرض بأمر الله تعالى. ومستقرهم فى الآخرة الجنات، وهم أنواع: منهم المسبح والمكبر ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 9 ص 11 - أن جبريل جاء الى مجلس النبى صلى الله عليه وسلم فى صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر. ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم. (¬2) مريم: آية 17 - أى أرسل الله الى مريم جبريل (فتمثل لها بشرا سويا) مستوى الخلق لم يفقد من صفات الانسان شيئا.

والمهلل والراكع والساجد والقائم وحملة العرش والحافون حوله، وأمنا الوحى، والسياحون فى الجهات، والموكلون بالأرواح والأرزاق والأمطار (ومنهم الحفظة وهم ملائكة تتعاقب على الانسان ليحفظوه بأمر الله تعالى، ويدفعون عنه كل مكروه، واذا جاء القدر تخلو عنه، والراجح أنهم عشرة بالليل وعشرة بالنهار. قال تعالى (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) (61) الأنعام. وقال: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) (11) الرعد. أى بأمره (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. ويجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم. كيف تركتم عبادى؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. أخرجه الشيخان والنسائى (¬1) {45}. (فعليك) ايها العاقل أن تتذكر نعمة ربك عليك، وتديم شكره على ما أولاكم وأن تجتهد فى طاعته ليديم عليك نعمته، وأن تكرم حفظتك بالبعد عن معصية ربك، ففى الحديث " ان معكم من لا يفارقكم الا عند الخلاء، وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم " ذكره ابن هكثير (¬2) {46}. (ومنهم) الكتبة وهم ملكان عن اليمين والشمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات. قال تعالى: (اذ يتلقى المتلقيات عن اليمين وعن الشمال قعيد) (17) (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) (18) ق. وقال تعالى: (وان عليكم لحافظين (10) كراما ¬

(¬1) ص 23 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة العصر). وص 133 ج 5 نووى مسلم. (¬2) ص 503 ج 4 تفسير ابن كثير (له معقبات من بين يديه ومن خلفه).

(ب) الجن

كاتبين (11) (يعلمون ما تفعلون) (12) الانفطار. فاتق الله أيها العاققل وخف ربك واعمل بما يرضيه، واردع نفسك عن شهواتها حيث علمت أن عليها شاهدين على عملها يسطران عليك ما يصدر منك خيرا أو شرا. وتذكر يوم يقال لك (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (14) الاسراء. هذا. والأنبياء أفضل من الملائكة عقلا ونقلا، لأن الانبياء ركبت فيهم الشهوة البشرية، وقد تغلبت عليها عقولهم الشريفة، فعصموا من الوقوع فى المخالفة بخلاف الملائكة فانهم جردوا من الشهوات وجبلوا على الخيرات وقد أمرهم الله بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام. وقال تعالى: {ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين} (33) آل عمران والملائكة من العالمين. (ب) الجن: هم عالم غيبى لا يعلم حقيقتهم الا خالقهم. خلقوا من النار يأكلون ويشربون وينامون. ومنهم الذكور والاناث، والصالح والطالح، والمؤمن والكافر. وهم فى التكليف كالآدميين. لا يرون على فطرتهم. قال تعاغلى: (انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) (27) الأعراف. حضر فى بدء البعثة وفد منهم وسموعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرهم وقت حضورهم، ولم يعلم بوجودهم (قال) ابن عباس رضى الله عنهما: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الجن ولا رآهم. انطلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت السياطين الى قومهم فقالوا مالكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا ما ذلك الا من شئ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا

(جـ) الأجل

القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا الى قومهم (فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا (1) (يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) (2) الجن. فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قل أوحى الى آنه استمع نفر من الجن) أخرجه الشيخان والترمذى (¬1) {47}. وهذا الذى حكاه ابن عباس رضى الله عنهما، انما هو أول ما سمعت الجن قرءاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمت حاله وفى ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم. ثم بعد ذلك أتاه داعى الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم الى الله عز وجل (¬2) ويشهد له ماتقدم عن ابن مسعود رضى الله عنه (¬3). (جـ) الأجل: يجب الايمان بأن الانسان وسائر الحيونات والجن والملائكة لايموت احد منهم حتي احد منهم حتي يتم اجله الذي قدره الله له (فاذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون) (61) النحل. وان ملك الموت هو الذي يقبض الارواح بامر الله تعالي، وله اعوان من الملائكة لكرام، وأن كل إنسان يشاهد حال احتضاره مكانه الذي سيصير اليه ويخلد فيه من الجنه أو النار، (قال) البراء بن عازب: خرجنا مع النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم في جنازه رجل من الانصار فانتهينا الي القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم وجلسنا حولهوكان علي رؤسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الارض فرفع راسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين او ثلاثا، ثم قال ان العبد المؤمن اذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الاخره، نزل اليه ملائكة من ¬

(¬1) ص 176 ج 1 تيسير الوصول (سورة الجن). (¬2) انظر ابن كثير فى تفسير (واذ صرفنا اليك نفرا من الجن). (¬3) تقدم رقم (20) ص 51 (الأنبياء والرسل).

السماء بيض الوجوه كان وجوههن الشمس معهم كفن من اكفان الجنه وحنوط (¬1) من حنوط الجنة حتي يجلسوا منه مد البصر. ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتي يجلس عند راسه، فيقول ايتها النفس الطيبة اخرجي الي مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فياخذها، فاذا اخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتي ياخذها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كاطيب نفحه مسك وجدت علي وجه الارض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون علي ملامن الملائكة الا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون فلان بن فلان باحسن اسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتي ينتهوا بها الي السماء الدنيا حتي ينتهوا بها الى السماء الدنيا فيستفتحون له , فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربها الى السماء التى تليها حتى ينتهى به الى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوه الى الارض , فأنى منها خلقته , وفيها اعيدوه ومنها اخرجهم تارة اخرى. قال: فتعاد روحه فى جسده فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربى الله فيقولان له وما دينك؟ فيقول دينى الاسلام , فقولان له ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فيقولان له: وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادى مناد في السماء أن صدق عبدي فافر شوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلي الجنة. قال فيأتيه من روحها (¬2) وطيبها ويفسح له فلا قبرة مد بصره. قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب ويفسح الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: له: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير؟ ¬

(¬1) (حنوط) كرسول، طيب يخلط للميت خاصة. وكل ما طيب به الميت من مسل وغيره (¬2) (الروح) بفتح الراء وسكون الواو. الرحمة. (الروح) بفتح الراء وسكون الواو. الرحمة.

فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلي أهلي ومالي. قال: وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل أليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح (¬1) فيجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلي سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود (¬2) من الصوف المبلول، فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفه عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة آلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلي السماء الدنيا، فيستفتح له فلان يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (¬3) " فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلي، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق) (31) الحج. فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى؟ فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلي النار، فيأتيه من حرها وسموها هو يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن ¬

(¬1) (المسوح) جمع مسح كحمل وحمول، الثوب الخشن .. (¬2) (السفود) بوزن التنور، الحديدة التي يشوى بها اللحم. (¬3) الأعراف آية 40. وسم الخياط ثقب الابرة.

(د) سؤال القبر ونعيمه وعذابه

الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة. أخرجه أحمد واخرج أبو داود صدره (¬1) {48}. (د) سؤال القبر ونعيمه وعذابه يجب الإيمان بأن أول ما ينزل بالميت بعد موته سؤال منكر ونكير بأن يرد الله عليه روحه وسمعه وبصره، ثم يسألانه عن دينه وربه ونبيه، فأما أن ينعم أو يعذب، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد الشهرة " منها " ما تقدم عن البراء " ومنها " حديث عثمان رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فانه الآن يسأل. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وصححه (¬2) {49}. (وحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وانه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له انظر إلي مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا ويفسح له في قبره سبعون ذراعا وتملأ عليه خضرا إلي يوم يبعثون. وأمام الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس. فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصبح صيحة يسمعها من ¬

(¬1) ص 287 ج 4 مسند أحمد. وص 62 ج 9 - المنهل العذب (كيف يجلس عند القبر). (¬2) ص 73 منه (الاستغفار عند القبر) وص 56 ج 4 بيهقى (ما يقال بعد الدفن).

يليه غير الثقلين ويضيق عليه قبره تختلف أضلاعه. أخرجه وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬1) {50}. (وعن عائشة) رضى الله عنا قالت: سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن عذاب القبر فقال: إن عذاب القبر حق وانهم يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم (الحديث) أخرجه الشيخان والنسائي (¬2) {51}. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن الموتى ليعذبون فى قبورهم حتى أن البهائم لتسمع أصواتهم. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن (¬3) {52}. هذا. والمنعم والمعذب عند أهل السنة الجسد والروح جميعا. (واعلم) أنه وردت أحاديث دالة على اختصاص هذه الأمة بالسؤال في القبر دون المم السابقة. قال العلماء: السر فيه أن الأمم كانت تأتيهم الرسل فان أطاعوهم فالمراد. وان عصوهم اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب. فلما أرسل الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أمسك عنهم العذاب وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أخلص أم لا، وقيض لهم من يسألهم في القبور ليخرج الله سرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب. وذهب ابن القيم إلي عموم المسألة (¬4) {54}. ومما تقدم يستفاد أن لأهل القبور حياة بها يدرك أثر النعيم والعذاب، ولو تفتت أجسادهم. وهو أمر غيبي لا نبحث عن كيفيته. وحال صاحبه كحال النائم يرى ¬

(¬1) ص 308 ج 3 تيسير الوصول (سؤال منكر ونكير) (ولا تليت) آي ولا اتبعت من يعرف فقلت مثل قوله. (¬2) ص 306 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر). (¬3) ص 56 ج 3 مجمع الزوائد (العذاب في القبر). (¬4) انظر ص 160 ج 2 سبل السلام طبعة صبيح.

(هـ) اليوم الآخر

الملاذ والمؤلمات، ولا يرى من بجواره شيئا. وإنما ستر عنا رحمة بنا " روى " أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر. أخرجه أحمد والنسائي (¬1) {53}. هذا. ولا يسألا الأنبياء والصالحون والصبيان والشهداء. لحديث راشد بن سعد عن صحابي أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم ألا الشهيد؟ فقال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. أخرجه النسائي (¬2) {54} (هـ) اليوم الآخر: هو يوم القيامة. وأوله من الموت، لحديث هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان رضى الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكى وتذكر القبر فتبكى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " القبر أول منزل من منازل الآخرة. فان نجا منه فما بعده أيسر. وان لم ينج منه فما بعده أشد منه " وقال صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه " أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه رزين وزاد: قال هانئ: سمعت عثمان ينشد: فإن تنج منها من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا (¬3) {55} ¬

(¬1) ص 103 ج 3 مسند أحمد. وص 307 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر) و (إن لا تدافنوا) لا يحتمل أن تكون زائدة والمعنى لولا الخوف من الموت والدفن بسبب سماع ذلك لدعوت. ويحتمل أن تكون زائدة والمعنى لولا الخوف ترك دفن موتاكم لما يحصل لكم من الفزع والأهوال لدعوت. . الخ. (¬2) ص 289 ج 1 مجتبى (الشهيد) و (يفتنون) أي يمتحنون بالسؤال في القبر و (كفى ببارقة السيوف .. ) أي بالسيوف البارقة، والمعنى أن ثباتهم فى الصف وبذلهم أرواحهم لله تعالى دليل أيمانهم فلا حاجة إلي سؤالهم. (¬3) ص 306 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر).

وقيل أوله من النشر " الخروج من القبور " وآخر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. ولا يعلم وقت مجيئه إلا الله تعالى، ليكون الإنسان منه على وجل. قال تعالى (أن الله عنده علم الساعة) (34) لقمان. أي لا يعلم وقت مجيء القيامة ألا الله تعالى، وقال: (يسألونك عن الساعة أيان مرسها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتا ألا هو، ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم ألا بغتة: يسألونك كأنك حفى عنها قل أنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (¬1). (وعن بريدة) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: (أن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام. وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى نفس بآي أرض تموت، إن الله عليم خبير) أخرجه أحمد بسند صحيح (¬2) {56}. والكلام بعد ينحصر في أشراط الساعة ومشتملات القيامة: ¬

(¬1) العراف 187. و (ايان مرساها) اى متى يكون منتهاها (لا يجليها) اى لا يكشفها ولا يظهرها فى وقتها الا الله تعالى. (ثقلت) اى ثقل علمها وخفى أمرها و (عنها) متعلق بيسألونك، اى يسألونك عنها كانك عالم بها. يقال: أخفيت فى المسألة بالغت فيها حتى علمتها. (¬2) ص 230 ج 18 - الفتح الربانى.

(أ) أشراط الساعة

(أ) أشراط الساعة للقيامة علامات صغرى وكبرى (أ) (فمن الصغرى) ما في حديث جبريل قال: فأخبرني عن إماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البينيان (¬1) (ومنها) ما في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويكثر النساء، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد. أخرجه السبعة إلا أبا داود وقال الترمذى: حسن صحيح (¬2) {57}. (وما في) حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثير الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل القتل ". أخرجه ابن ماجة بسند صحيح (¬3) {58}. (وعنه) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج- وهو القتل- حتى يكون فيكم المال فيفيض " أخرجه الشيخان (¬4) {59}. (ومنها) عدم البركة في الوقت وإضاعته في اللهو واللعب، وهو المراد بما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ¬

(¬1) تقدم رقم 9 ص 11 (قوام الدين ثلاثة). (¬2) انظر رقم 7424 ص 532 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) ص 258 ج 2 سنن ابن ماجه (أشراط الساعة) و (الهرج) بفتح فسكون. (¬4) ص 355 ج 2 فتح البارى (ما قيل فى الزلازل والآيات).

واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة من النار ". أخرجه أحمد والترمذى وقال هذا حديث غريب (¬1) {60}. (ومنها) إسناد الأمور لغير أهلها " روى " أبو هريرة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " متى الساعة؟ فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها؟ قال إذا أسند الأمر لغير أهله فانتظر الساعة ". أخرجه البخاري (¬2) {61}. (ومنها) ما في حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ارض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصري ". أخرجه الشيخان (¬3) {62}. (قال النووي) هذه النار آية من أشراط الساعة، وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارا عظيمة جدا، خرجت من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع اهل الشام وسائر البلدان (¬4). (ومنها) ما في حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ¬

(¬1) (ص 221 ج 3 تيسير الوصول متفرقة ... ) و (الضرمة) ففتحتين، احتراق السعفة (ورقة الجريدة اليابسة) والضرام - بالكسر: اشتعال النار فى الحلفاء ونحوها. (¬2) ص 263 ج 11 فتح البارى (رفع الأمانة - الرقاق). (¬3) ص 219 ج 3 تيسير الوصول (خروج النار قبل الساعة). و (بصرى) بضم فسكون: مدينة بالشام. (¬4) ص 28 ج 18 شرح مسلم (الفتن وأشراط الساعة).

"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفى فتعال فاقتله آلا الغرقد فانه من شجر اليهود". أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم (¬1) {63} (ب) علاماتها الكبرى: (روى) حديقة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لن تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى بن مريم والدخان وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن من فعر عدن تسوق الناس إلي المحشر. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والطيالسى (¬2) {64}. وأهمها ست هاك بيانها: 1 - طلوع الشمس من المغرب: هي أول الآيات الكبرى ظهورا، روى عبد\ الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أول ¬

(¬1) ص 44 ج 18 نووى مسلم (الفتن وأشراط الساعة) و (الغرقد) بفتح فسكون نوع من الشجر له شوك عظيم معروف ببلاد بيت المقدس. وهناك يكون قتل اليهود. وكلام الحجر والشجر حقيقى بان ينطقه الله تعالى وهو على كل شئ قدير. ويحتمل ان يكون كناية عما يكون من عدم تمكن اليهود من الفرار والاختباء بأن يدركهم المقاتلون فى يتمكن أحد من الفرار. (¬2) ص 27 ج 18 نووى مسلم (الفتن وأشراط الساعة). وص 260 ج 2 سنن ابن ماجه (الآيات). وص 124 ج 4 سنن أبى داود (إمارات الساعة). و 214 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الخسف). وص 143 مسند الطالسى. و (ثلاثة خسوف) قد وجد الخسف فى مواضع لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف هنا قدرا زائدا على ما وجد كأن يكون أعظم مكانا وقدرا، وقعر عدن: أى أقصى أرضها.

الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وآيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى عى أثرها قريبا ". أخرجه أحمد وأبو داود ومسلم وزادا: قال عبد الله - يعنى ابن عمرو - وأظن أولهما خروجت طلوع الشمس من مغربها (¬1) {65}. (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعوا. وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬2) {66}. (قيل) يكون ذلك في يوم أو ثلاثة، ثم تطلع من المشرق كعادتها، وإذا طلعت من المغرب غربت في المشرق، وحينئذ يغلق باب التوبة إلى يوم القيامة، لقوله تعالى: (يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (¬3). (المعنى) لا ينفع الإيمان نفسا كافرة لم تكن آمنت من قبل، ولا ينفع نفسا مؤمنة توبتها من المعاصي. وعليه فاغلاق باب التوبة عام فى الكافر والمؤمن العاصي. (وقيل) المعنى: أو نفسا منافقة كسبت في إيمانها خيرا، أى تصديقا باطنا. وعليه فاغلاق باب التوبة خاص بالكافر. وصحح بعضهم أن عدم قبول ¬

(¬1) ص 164 ج 2 مسند أحمد. وص 114 ج 4 سنن أبى داود (إمارات الساعة وص 222 ج 3 تيسير الوصول (أشراط متفرقة). (¬2) ص 219 ج 3 تيسير الوصول (طلوع الشمس من مغربها). (¬3) الأنعام: 158 (وبعض آيات الرب) طلوع الشمس من المغرب كما فى الحديث رقم 65.

التوبة خاص بمن شاهد طلوع الشمس من مغربها وهو مميز. أما من كان حينئذ غير مميز صبيا كان أو مجنونا ثم ميز بعد ذلك، فانه تقبل منه التوبة (¬1). 2 - نزول الدخان من السماء: قال تعالى: (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) (11) الدخان. قال ابن عباس وابن عمر والحسن وغيرهم: انه دخان يأتى قبل يوم القيامة فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام ويدخل مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ " أى المشوى " وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار. (وعن) أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه. والثانية الدابة: والثالثة الدجال ". أخرجه ابن جرير الطبرى والطبرانى بسند جيد (¬2) {68}. (وقال) على رضى الله عنه: لم تمض آية الدخان بعد تأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفد: أخرجه بن أبى حاتم وابن كثير (¬3) {6}. ¬

(¬1) والذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن قبول التوبة ملغيا بطلوع الشمس من مغربها فلا تقبل بعد (روى) عبد الله بن عمر وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل ". أخرجه أحمد والطبرانى {67} ص 282 ج 11 فتح البارى. الشرح (باب طلوع الشمس من مغربها). (¬2) ص 68 ج 5 جامع البيان. و (الزكمة) بفتح فسكون، نزول فضلات رطبة من الدماغ إلى الأنف. (¬3) ص 422 ج 7 تفسير ابن كثير. و (ينفد) أى ينفى. وروى ابن جرير نحوه من ابن عمر.

(وقال) عبد الله بن أبى ملكية: غدوت على ابن عباس ذات يوم قال: مانمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت ان يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت. اخرجه ابن جرير وابن كثير وقال: وهذا اسناد صحيح (¬1) {7}. (وقال) ابن مسعود: انه ليس من الآيات الكبرى، بل هو عبارة عما أصاب قريشا من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعوا أبصارهم الى السماء، فلا يرون الا الدخان اجابة لدعاء النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليهم بسنين كسنى يوسف لابائهم اتباعه. ولكن الراجح الاول للاحاديث المرفوعة الصحاح والحسان التى فيها مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، وهو ظاهر القرآن. قال تعالى: (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) أى بين واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر به ابن مسعود رضى الله عنه انما هو خيال رأوه فى اعينهم من من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: (يغشى الناس) أى يتغشاهم ويعيهم ولو كان امرا خياليا يخص أهل مكة المشركين، لما قيل فيه (يغشى الناس) (¬2). (وقال النووى) فى شرح حديث " لن تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات " (تقدم رقم 64): هذا الحديث يؤيد قول من قل: ان الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، وانه لم يأت بعد، وانما يكون قريبا من قيام الساعة، وبه قال حذيفة وابن عمر والحسن، وراوه حذيفة عن النبى صلى الله عليه وعلى سلم، وانه يمكث فى الارض اربعين يوما. ويحتمل أنهما دخانان، للجمع بين الآثار. ¬

(¬1) ص 68 ج 25 جامع البيان. وص 423 ج 7 - تفسير ابن كثير. (¬2) ص 423 ج 7 تفسير ابن كثير طبع المنار.

3 - خروج الدابة قال الله تعالى: (واذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) (82) النمل، وهى دابة عظيمة تخرج من صدع فى الصفا أو من غيره فى آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى وتعاليم الدين، فتكلمهم ببطلان الاديان. (وقيل) تقول: يا فلان انت من هاهل الجنة، ويا فلان أنت من اهل النار. (وقيل) تقول ما قاله اله تعالى (ان الناس) أى الكفار الموجودين وقت خروجها كانوا لا يؤمنون بالقرآن والبعث والحساب والعقاب. (وبخروجها) ينقطع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (¬1)، ولا يبقى منيب ولا تائب، ولا يؤمن كافر كما قال تعالى: (واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن) (36) هود. وهذه الدابة هى الجساسة المذكورة في حديث الدجال آلاتي (رقم 71) (وقد ورد) فيها أحاديث (منها) حديث أبى هريرة: ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسي وخاتم سليمان عليهما السلام فتخطم انف الكافر بالعصا وتجلوا وجه المؤمن بالخاتم، حتي يجتمع الناس علي الخوان يعرف المؤمن من الكافر " اخرجه ابو داود الطيالسي والترمذي والحاكم (¬2) {69}. ¬

(¬1) أى لعدم فائدة ذلك، لأنه حينئذ يظهر المؤمن والكافر عيانا بوسم الدابة، فمن وسمته بالكفر لا يمكن تغييره. (¬2) ص 334 مسند الطيالسى (أوس بن خالد عن أبى هريرة). وص 152 ج 1 تيسر الوصول (سورة النمل). و (تخطم) بخاء معجمة وطاء مهملة كتضرب لفظا ومعنى، وقبل تسمه (وتجلو) بالجيم أى تغيير. و (الخوان) بالكسر ما يؤكل عليه والضم لغة.

(وحديث) حذيفة بن اسيد الغفاري ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " يكون للدابه ثلاث خرجات من الدهر. فتخرج من الدهر. فتخرج خرجه بأقصى اليمن فيفشو ذكرها في البادية، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة -ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة اخري قريبا ن مكة فيفشوا ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية. فبينما الناس يوما في اعظم المساجد علي الله حرمة - يعني المسجد الحرام - ولم يرعهم الا وهي في ناحية المسجد تدنوا ما بين الركن والمقام، تنفض عن راسها التراب، فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة فعرفوا انهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتي تركتها كانها الكواكب الدرية، ثم ولت في الارض لايدركها طالب ولا يفوتها هارب، حتي ان الرجل ليتعوذ منها بالصلاة، فتاتيه من خلفه فتقول من يا فلان الان تصلي؟ فيقبل عليها فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الاموال، ويصطحبون في الاسفار، فيعرف المؤمن من الكافر، فيقال للمؤمن يا مؤمن، وللكافر يا كافر "اخرجه ابو داود الطاليسي وابن كثير (¬1) {70}. 4 - خروج المسيح الدجال: الدجال: الكذاب. وسمي المسيح - بالحاء علي الصحيح - لانه يمسح الارض ويقطعها في اربعين يوما. ولانه ممسوح العين اليمني. (روي) عامر بن شرحبيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس: قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع واسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت احدثكم عن المسيح الدجال: حدثني انه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، ¬

(¬1) ص 144 مسند الطيالسى. وص 306 - ج 6 - تفسير ابن كثير.

فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفئوا (¬1) إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في اقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر لا يرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك ما انت؟ فقالت: اناالجساسة؟ قالوا وما الجساسة؟ قالت ايها القوم انطلقوا الي هذا الرجل في الدير، فاذا فيه اعظم انسان رايناه قط خلقا واشده وثاقا، مجموعة يداه الي عنقه ما بين ركبته الي كعبيه بالحديد قلنا: يلك ما انت؟ قال: قد قدرتم علي خبري، ثم ارفانا الي جزيرتك هذه، فلقيتنا دابة اهلب كثيرة الشعر، لا يدى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك ما انت؟ فقالت: انا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت اعمدوا الي هذا الرجل في الدير فانه الي خبركم بالاشواق، فاقبلنا اليك سرعا. فقال: اخبرونيعن نخل (بيسان) قلنا: عن أي شانها تستخبر؟ قال اسالكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: اما انه يوشك الا يثمر.: اخبروني عن بحيرة (طبرية) هل فيها ماء؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء قال: اما ان مائها يوشك ان يذهب قال: اخبروني عن (زغر) هل في العين ماء؟ وهل يزرع اهلها بماء العين؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء، واهلها يزرعون ¬

(¬1) و (ارقئوا) بفتح الهمزة وسكون الراء مهموزا: أي التجئوا إليها، و (اقرب) بضم الراء: جمع قارب علي غير قياس، وهو سفينة صغيرة تكون إلى جانب الكبيرة. أي غليظة الشعر كثيرة، و (الجساسة) من التجسس، وهو الفحص عن بواطن الأمور، واكثر ما يقال ذلك في الشر.

من مائها قال: اخبروني عن نبي الاميين ما فعل؟ قلنا قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال اقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ فاخبرناه انه قد ظهر علي من يليه من العرب، واطاعوه. قال: ذاك خير لهم ان يطيعوه، واني مخبركم عني، انا المسيح الدجال، واني اوشك ان يؤذن لي في الخروج، فاسير في الخروج، فاسير في الارض فلا ادع قرية الا بطما في اربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما اردت ان ادخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده سيف (صلتا) يصدني عنها، وان علي كل (نقب) منهما ملائكة يحرسونها (¬1). ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي اله وسلم - وطعن (بمخصرته) في المنبر - هذه طيبة، هذه طيبة، الا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم قال: فانه اعجبني حديث تميم الداري، انه وافق الذي كنت احدثكم عنه وعن المدينة ومكة (الحديث) اخرجه ابو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، واخرجه ايضا مسلم واللفظ له وابن ماجه (¬2) {71}. (وقد) وصفه النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم وصفا كافيا، لنكون منه علي حذر، وننجو من فتنه (فعن النواس) بن (سمعان) قال: ذكر رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتي ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا اليه فعرف ¬

(¬1) (اغتلم) أي هاج وجاوز حده المعتاد. و (بيسان) بفتح فسكون: قرية بالشام. و (طبريه) بفتحتين: بلدة بالأردن بالشام. و (زغر) بزاي مضمومة وغين معجمة مفتوحة: بلدة جنوبي الشام. و (صلنا) بفتح الصاد وضمها: أي مسلولا، و (النقب) بفتح فسكون: الطريق في الجبل. (¬2) ص 214 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). وص 263 ج 2 - ابن ماجه (فتنة الدجال). و (مخصرة) بكسر فسكون: عصا او قضيب او سوط يكون بيد الخطيب وغيره إذا تكلم.

ذلك فينا. فقال: ما شانكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت، حتي ظنناه في طائفة النخل. فقال: غير الدجال (اخوفني) عليكم. ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجة دونكم. وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي علي كل مسلم: انه شاب (قطط عينه طافية) كاني اشبهه بعبد العزي بن قطن، فمن ادركه منكم فليقراعليه (فواتح سورة الكهف، انه خارج خلة) (¬1) بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا. قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: اربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، سائر ايامه كايامكم قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فياتي علي القوم فيدعوهم فيؤمنون به ¬

(¬1) (سمعان) بكسر أو بفتح فسكون. و (خفض ورفع) بالتشديد فيهما، أي حقر شانه بكونه اعور مكتوب بين عينيه كافر، وعظم فتننته لشتمالها علي خوارق العادات والمشهور تخفيف الفاء فيهما، والمعني أن النبي صلي الله عليه وسلم بالغ في تقريب وقت خروجه، واستعمل فيه كل فن من خفض ورفع (حتي ظننا) للمبالغة في تقريبه (انه فيه طائفة) أي ناحية وجانب (النخل) بالمدينة 0 و (اخوفنى) افعل تفضيل قرن بنون الوقاية تشبيها له بالفعل، وأضيف لياء المتكلم، وفى الكلم حذف مضاف 0 والأصل غير الدجال أخوف مخوفاتى عليكم 0 و (قطط) بفتحتين أي شعرة شديد الجعودة. و (طائفة) روى بالهمزة، وهى التى ذهب نورها، وبغير الهمزة، وهي التي نتات وبروزت مرتفعة وفيها ضوء. و (فواتح الكهف) أي لوائلها. وفي راوية (وأخرها) وعليه فيجمع بين الأول والأخر. والكل افضل. ولعل حكمه قراءة ذلك: التسلي بما وقع لأصحاب الكهف من الشدة ثم النجاة بعد الصبر. و (خلة) بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، هو الطريق بين البلدتين. قال القرطبي: وقد جاء انه يخرج من خرسان ومن اصبهان .. ووجه الجمع ان مبدأ خروجه من خرسان من ناحية اصبهان ثم يخرج الي الحجاز فيما بين العراق والشام.

ويستجيبون له، فيامر السماء فتمطر والارض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم اطول ما كنت ذرا واسبغه ضروعا، وامده خواصر ثم ياتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شئ من اموالهم ويمر بالخربه فيقول لها: اخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك اذ طاطا راسه قطر، واذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه الامات، ونفسه ينتهي

حيث ينتهي طرفة فيطلبه حتي يدركه باب لد فيقتله، ثم ياتي عيسي بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك اذ اوحي الله الي عيسي اني قد أخرجت عبادا لي لايدان لاحد بقتالهم فحرز عبادي الي الطور، ويبعث الله ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر اوائلهم علي بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبى الله عيسى واصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم، فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله عليهم النغف فى رقبابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبى الله عيسى واصحابه الى الارض فلا يجدون فى الأرض موضع شبرا الا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبى الله عيسى واصحابه الى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت (¬1) فتحملهم فتطرحهم ¬

(¬1) (المنارة) بفتح الميم، قال ابن كثير: هذا هو أشهر فى موضوع نزوله، وقد وجدت منارة شرقى دمشق سنة أحدى وأربعين وسبعمائة بالحجارة البيض، وهذا من دليل النبوة الظاهرة، وقد ورد انه عليه وسلم ينزل بيت المقدس وهذا أرجح، ولا ينافيه سائر الروايات، لان بيت المقدس شرقى دمشق. و (مهرودتين) روى بالدال المهملة والذال المعجمة: أى حال كونه لابسا ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران، و (جمان) بضم ففتح: حبات من الفضة، يعنى يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ فى صفائه. و (نفسه) بفتحتين. و (طرفه) فتح فسكون: أى بصره. (فيطلبه) أى يطلب عيسى الدجال. و (لد) بضم الام وشد الدال، بلدة قريبة من بيت المقدس. و (يدان) تثنية يد، أى لا قدرة ولا طاقة (فحزر) أمر من التحريز، أى ضمهم الى الطور وأجلعه لهم حرزا. و (الحد) بفتحتين، المكان المرتفع. و (ينسلون) أى يمشون مسرعين. و (النغف) بنون وغين مفتوحتين: دود يكون فى أنوف الإبل والغنم. و (فرسى) بفتح فسكون مقصورا أى قتلى. و (زهمهم) بفتح الزاى والهاء: أى دسمهم ورائحتهم الكريهة. و (البخت) بضم فسكون: الابل ..

حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الارض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للارض: أنبتى ثمرتك، وردى بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل حتى أن اللقحة من الابل لتكفى الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها، تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة: أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال: غريب حسن صحيح (¬1) {72}. (وقال) ابو سعيد الخرى: حدثنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: يأتى الدجال وهو محرم عليه ان يدخل نقاب المدينة، فينتهى الى بعض السباخ التى تلى المدينة، فيخرج اليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول له: أشهد انك الدجال الذى حدثنا رسول الله ¬

(¬1) ص 181 ج 4 مسند أحمد. وص 63 ج 3 تحفة الأحوذى (فتنة الدجال). و (لا يكن) بفتح فضم أى لا يستر ولا يمنع من نزول الماء بيت من طين أو غيره. و (المدر) بفتحتين، الطين الصلب. و (الزلقة) بفتحتين وقاف، أوفاء: المرآة، وروى بضم الزاى وسكون اللام. و (العصابة) الجماعة من الناس من عشرة إلى أربعين. و (القحف) بكسر فسكون، مقعر قشر الرمانة، شبهها بقحف الرأس وهو ما فوق الدماغ. و (الرسل) بكسر فسكون. البن. و (اللحقة) بكسر اللام أو فتحها: القريبة العهد بالولادة. و (الفئام) بكسر فهمز: الجماعة الكثيرة. و (الفخذ) بفتح فسكون: الجماعة من الاقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة. و (يتهارجون) أى بجامع الرجال النساء بحضرة الناس بلا اكتراث كما كما يفعل الحمير. و (الهرج) باسكان الراء: الجماع.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثه فيقول الدجال: أرأيتم ان قتلت هذا ثم احييه: والله ما كنت فيك قط اشد بصيرة منى الآن. فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه أخرجه احمد والشيخان (¬1) {73}. (وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما بعث الله من نبى الا انذر أمته، الدجال، وأنه يخرج فيكم فما خفى عليكم من شأنه، فليس يخفى عليكم ان ربكم ليس بأعور، وانه اعور العين اليمنى كأن عينيه عنبة طافية. أخرجه الشيخان (¬2) {74}. (وعن حذيفة) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان مع الدجال اذا خرج ماء ونار، فأمام الذى يرى الناس انه نار فماء عذب، وأما الذى يرى الناس ¬

(¬1) ص 215 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). و (نقاب) جمع نقيب وهو الطريق. و (السباخ) جمع سبخة وهى أرض بجوار المدينة تعلوها اللوحة لا تنبت الا قليلا. و (رجل) هو الخضر عليه السلام كما فى مسلم. (ثم يحييه). (أن قيل) كيف ظهرت هذه الخوارق على يد الكذاب، وإنما تكون معجزة لنبى؟ (يقال) هذا الكذاب يدعى الربوبية، وأدلة الحدوث الظاهرة تكذبه، أما النبى فانما يدعى النبوة وليست مستحيلة فى البشر، فاذا أتى بدليل لم يعارضه شئ صدق. (¬2) ص 216 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). و (اليمنى) وفى رواية اليسرى، وكلاهما صحيح، والعور فى اللغة العيب. وعيناه معيبتان: أحدهما طافئة بالهمز أى لا ضوء فيها. والأخرى طافية بلا همز أى ظاهرة ناتئة. وقوله صلى الله عليه وسلم: " ان ربكم ليس بأعور والدجال أعور " بيان لعلامة بينه على كذب الدجال دلالة قطعية يدركها كل أحد، ولم يقتصر على كونه ما وغيره من الدلائل القطعية، لكون بعض العوام لا يهتدى إليها. أنظر ص 60 ج 18 شرح مسلم.

أنه ماء فنار تحرق. فمن ادرك ذلك منكم فليقع فى الذى يرى انه نار فانه ماء بارد عذب. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {75}. هذه الأحاديث التى ذكرت فى قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق أنه شخص موجود معين ابتلى الله به عباده، واقدره على أمور من احياء الميت الذى يقتله، واظهار زهرة الدنيا وخصبها، وجنته وناره واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء ان تمطر فتمطر، والارض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدره الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم. و " يثبت الله الذين آمنوا ". (وقال) بعض المعتزلة: انه صحيح الوجود، ولكن الذى يدعى مخارف وخيالات لا حقائق لها. وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا غلط، لأنه لم يدع النبوة، فيكون ما معه كالتصديق له، وانما يدعى الالهية، وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حالة، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن ازالة العور الذى فى عينيه، وعن ازالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به الا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة، رغبة فى سد الرمق، أو تقية وخوفا من اذاه، لأن فتنته عظيمة جدا، تدهش العقول، وتحير الألباب مع سرعة مروره فى الأمر، فلا يمكث بحيث يتامل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدقه من صدقه فى هذه الحال، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته، ونبهوا على نقصه، ودلائل ابطاله. وأما أهل التوفيق، فلا يغترون به، ولا يخدعون لما معه لما ذكر من الدلائل المكذبة له ¬

(¬1) ص 215 ج 3 تيسير الوصول (الدجال).

مع ما سبق لهم من العلم بحاله. ولهذا يقول له يقتله ثم يحييه: ما أزددت فيك الا بصيرة (¬1). 5 - نزول سيدنا عيسى عليه السلام وقتله الدجال دلت السنة وأجمعت الأمة على ان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل قرب الساعة، ويقتل الدجال، ويحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويمكث فى الأرض ما شاء الله أن يمكث، ثم يموت ويصلى عليه المسلمون. (فعن أبى هريرة) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها. أخرجه أحمد والخمسة الا النسائى (¬2) { 76}. ¬

(¬1) ص 58 ج 18 شرح مسلم. (¬2) ص 213 ج 3 تيسير الوصول (المسيح عيسى بن مريم). و (ليوشكن) بكسر المعجمة. أى ليقربن سريعا نزول عيسى عليه والسلام، حاكما بهذه الشريعة المحمدية، فإنها باقية لا تنسخ، فلا ينزل نبيا بشريعة مستقلة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة. و (مقسطا) أى عادلا، اسم فاعل من أقسط ضد القاسط وهو الجائز، وعند أحمد من حديث عائشة (ويمكث فى الأرض أربعين سنة) وللطبرانى من حديث عبد الله بن مغفل: " ينزل عيسى بن مريم مصدقا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ملته ". (فيكسر الصليب) حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه (وقيل): المراد من كسره إظهار كذب النصارى حيث ادعوا أن اليهود صلبوا عيسى عليه الصلاة والسلام على خشب، فأخبر الله فى كتابه العزيز بكذبهم وافترائهم فقال: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وذلك انهم لما نصبوا له خشبة ليصلبوه عليها، ألقى الله شبه عيسى على الشخص الذى دلهم عليه واسمه يهوذا، وصلبوه مكانه وهم يظنون أنه عيسى، ورفع الله عيسى إلى السماء ثم تسلطوا على أصحابه بالقتل والصلب والحبس حتى بلغ أمرهم ملك الروم فقيل له: أن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول، وكان يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص، ويفعل العجائب، فعدواه عليه وقتلوه وصلبوه فأرسل الى المصلوب فوضع عن جذعه وجئ بالجذع الذى صلب عليه فعظمه صاحب الروم وجعلوا منه صلبانا. فمن ثم عظمت النصارى الصلبان. ومن ذلك الوقت دخل دين النصرانية فى الروم .. ثم يكون كسر عيسى الصليب حين ينزل، إشارة إلى كذبهم فى دعواهم أنه قتل وصلب، والى بطلان دينهم، وأن الدين الحق هو دين الإسلام الذى عيسى لإظهاره وإبطال بقية الأديان بقتل النصارى واليهود وكسر الأصنام وقتل الخنزير وغير ذلك. أنظر ص 35 ج 12 عمدة القارى طبع منير (ويقتل الخنزير) إنما قتله لحرمه اقتنائه وأكله، لأنه نجس العين لا ينتفع به شرعا (ويضع الجزية) أي يسقطها عن أهل الكتاب ولا يقبل منهم الا الإسلام، فان قبول الجزية منهم فى شريعتنا ملغيا بنزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام (فقد) أخبر النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث الصحيح وأشباهه بنسخ قبول الجزية بنزول عيسى عليه السلام. وليس عيسى هو الناسخ. و (يفيض) بفتح المثناة التحتية: أى يكثر. وتنزل البركات وتكثر الخيرات، بسبب العدل وعدم الظلم، وحينئذ تخرج الأرض كنوزها. وتقل الرغبات فى اقتناء المال، لقصر الآمال، وعلمهم بقرب الساعة. فان نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، علم من أعلام الساعة الكبرى، ولذا تكثر رغبتهم فى الصلاة وسائر الطاعات.

(وعن جابر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال لنا. فيقول لا، ان بعضككم على بعض أمراء، تكرمة الله تعالى لهذه الأمة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {77}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج الدجال فى خفقه من الدين وادبار من العلم فله أربعون ليلة يسيحها فى الأرض. اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة. ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا. فيقول للناس، أنا ربكم، وهو أعور ¬

(¬1) ص 345 ج 3 مسند أحمد. وص 213 ج 3 تيسير الوصول (المسيح عيسى ابن مريم).

" وان ربكم ليس بأعور " مكتوب بين عينيه " كافر " يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب. يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة. حرمهما اله عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه. ومعه نهران أنا أعلم بهما منه: نهر يقول الجنة ونهر يقول النار. فمن أدخل الذى يسميه الجنة فهو النار. ومن أدخل الذى يسميه النار فهو الجنة. ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس (¬1) ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس. لا يسلط على غيرها من الناس. ويقول: أيها الناس، هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل. فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتدد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى بن مريم فينادى من السحر فيقول: يأيها الناس: ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جنى. فينطلقون، فإذا هم بعيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فتقام الصلاة. فيقال له: تقدم يا روح الله. فيقول: ليتقدم امامكم فليصل بكم. فإذا صلوا صلاة الصبح، خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشى إليه فيقتله، حتى أن الشجرة والحجر ينادى يا روح الله هذا يهودى. فلا يترك ممن كان يتبعه أحد إلا قتله ". أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {78}. ¬

(¬1) (خفقة) فسكون، أى في حال ضعف (من الدين) وقلة لأهله. و (المنهل) بفتح الميم والهاء مكان ورود الماء. و (معه جبال ... ) أى معه قدر الجبال من الخبز، وفى رواية لمسلم ومعه جبال من خبز ولحم. و (الجهد) بفتح الجيم، المشقة (فيما يرى) ظاهرة أن ما يظهر على يد الدجال من الخوارق خيالات وظاهر الروايات السابقة أنها حقائق، وهى أكثر وأقوى اسنادا، وعليها أهل السنة والجماعة كما تقدم. (¬2) ص 367 ج 3 مسند أحمد. و (ينماث). يقال: ماث الشئ - من بابى قال وباع - ذاب. وسمى عيسى روحا، لأنه مخلوق من الريح، وهو نفس جيريل.

والأحاديث في هذا كثيرة صحيحة (قال) القاضى عياض: نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك. وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله. فوجب اثباته. وأنكر ذلك بعض المعتزلة ومن وافقهم (وزعموا) أن الأحاديث مردودة بقوله تعالى: (وخاتم النبيين) وبقوله صلى الله عليه وسلم " لا نبى بعدى (¬1) " وبإجماع المسلمين على أنه لا نبى بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن شريعته مؤيدة إلى يوم القيامة لا تنسخ (وهذا) استدلال فاسد، لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، وليس في هذه الأحاديث ولا في غيرها شئ من هذا. بل صحت الأحاديث أنه حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيى من اموره هجره الناس (¬2). 6 - يأجوج ومأجوج: قال الله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَداًّ * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطَاعُوا أَن ¬

(¬1) روى أبو أمامه الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال في خطبه حجة الوداع " أيها الناس انه لا نبى بعدى ولا أمة بعدكم ". (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير بسندين رواه أحدهما ثقات [78] ص 263 ج مجمع الزوائد (لا نبى بعده صلى الله عليه وسلم). (¬2) ص 75 ج 18 شرح مسلم (ذكر الرجال).

يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقاًّ (¬1)} (ذو القرنين) كان ملكا عدلا لا نبيا على الصحيح. قال أبو الطفيل: سئل على رضى الله عنه عن ذى القرنين: أكان نبيا أم ملكا؟ قال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا أحب الله وأحبه الله، وناصح الله، فناصحه الله. أخرجه البغوى وسفيان بن عيينه في جامعه بسند صحيح (¬2) {8}. وقد أثنى الله عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب وملك الأقاليم وسار في أهلها بالعدالة التامة والسلطان المؤيد (قال ابن عباس) كان ذو القرنين ملكا صالحا أثنى الله عليه في كتابه. وكان منصورا وكان الخضر وزيره {10} وذكر الأزرقى وغيره أنه أسلم على يدى إبراهيم الخليل، وطاف معه الكعبة المكرمة (¬3) ¬

(¬1) الكهف: 94 - 98. و (خرجا) أى أجرا عظيما. و (ردما) أى سدا. و (زبر) كغرف جمع زبرة أى قطعة. و (ساوى ... ) أى سوى بين طرفى الجبلين و (القطر) بكسر فسكون. النحاس المذاب. (¬2) ص 322 ج 5 معالم التنزيل. وص 240 ج 6 فتح البارى. وعن أبى الطفيل أن ابن الكواء سأل على بن أبى طالب عن ذى القرنين. أنبيا كان أم ملكا؟ قال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصحه الله بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات ثم أحياه الله لجهادهم وبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات فأحياه الله لجهادهم، فلذلك سمى ذا القرنين. أخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه [9] ص 299 ج 3 تفسير الشوكانى وقيل لقب بذلك لأنه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها. وقيل لأنه كان له ذؤ ابتان حسنتان. (¬3) ص 103 ج 2 - البداية والنهاية.

(واختلف) في اسمه والصحيح أنه اسكندر بن فيلبس بن بطريوس (¬1) وهو بانى الإسكندرية وسماها باسمه. (ويأجوج ومأجوج) بالهمز وعدمه، اسمان أعجميان لقبيلتين من ولد يافث ابن نوح فهما من بنى آأدم وعلى أشكالهم وصفتهم، (لحديث) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول أخرج بعث النار. قال وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها (¬2) وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ فقال: أبشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف. ثم قال: والذى نفسى بيده انى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة. فكبرنا. فقال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فكبرنا. فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. فكبرنا فقال: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود. أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {80}. (وعن) عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن يأجوج ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 3 هامش البداية والنهاية. (¬2) رقم 207 ص 32 - الاتحافات السنية (يشيب السنية (يشيب الصغير ... ) (أن قلت) ليس في الآخرة شيب ولا حمل ولا وضع (نقول) يحتمل أن يكون ذلك عند زلزلة الساعة قبل الخروج من الدنيا فهو حقيقة، ويحتمل أنه كناية عن الهول والشدة يعنى لو تصور حمل هناك لوضع هذا الحمل. انظر ص 239 ج 15 عمدة القارى (طبع منير). (¬3) أنظر ص 243 ج 6 فتح البارى. (باب قول الله تعالى: ويسألونك عن ذى القرنين).

ومأجوج من ذرية آدم، ووراءهم ثلاث أمم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا. أخرجه الحاكم الحاكم وابن مردويه (¬1) {81}. (وأما السد) فهو حاجز حصين بناه ذو القرنين بين الصدفين، وهما جبلان عاليان جدا أملسان، الفتحة التى بينهما مائة فرسخ (¬2) والفرسخ يسار في ساعة ونصف، فتكون مدة سيرها مائة وخمسين ساعة " أى اثنى عشر يوما ونصف يوم " وبناه بقطع من الحديد كالصخر (¬3) وهى المراد بقوله تعالى: (ءاتونى زبر الحديد) وجعل بين القطع المذكورة الحطب والفحم، ووضع المنافخ والنار حول ذلك وقال: انفخوا حتى صار الحديد نارا، ثم دعا بالنحاس المذاب فأفرغه على الحديد، فدخل بين قطعه فصار شيئا واحدا. فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يظهروه، أى يصعدوه لارتفاعه وملاسته. وقد كان ارتفاعه مائتى ذراع " وما استطاعوا له نقبا " أى خرقا لصلابته وعظم سمكه. وهم يعلمون على خرقه دائما فلم يقدروا. (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذى عليهم " أى رئيسهم " ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم واراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذى عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا أن شاء الله تعالى ¬

(¬1) انظر ص 134 راموز الأحاديث. (¬2) الفرسخ 3 أميال والميل 4 آلاف ذراع فلكى وهو 8/ 3 46 سنتيا، فيكون الميل 1855 متر، والفرسخ 5565 متر. والمائة فرسخ 556500 متر أى 2/ 1 556 كيلو متر. (¬3) قال في البداية والنهاية: وقد ذكر أن الخليفة الواثق بعث رسلا ليكشفوا له عن خبره وكيف بنى؟ فلما رجعوا أخبروه أنه بناء محكم شاهق منيف جدا. وأنه في زاوية الأرض الشرقية الشمالية. انظر ص 111 ج 2.

واستثنوا فيعودون إليه وهو بهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء وتتحصن الناس منهم فى حصنهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم ن فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها. والذى نفسى بيده أن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم. أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) {82}. وبالسد حجز يأجوج ومأجوج حتى إذا جاء وقت خروجهم قرب القيامة، صار دكا " أى مستويا بالأرض" وخرجوا مسرعين. قال تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون) أى حتى إذا فتح السد عنهم خرجوا مسرعين من الآكام والتلال. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لقيت ليلة أسرى بى إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا الساعة، فبدأوا بابراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم. فرد الحديث إلى عيسى بن مريم فقال: قد عهد إلى فيما دون وجبتها. فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله. فذكر خروج الدجال وقال: فأنزل فأقتله، فيرجع الناس إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فلا يمرون بماء إلا شربوه، ولا بشئ إلا أفسدوه، فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم، فتنتن الأرض من ريحهم ن فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 2 - ابن ماجه (خروج يأجوج ومأجوج) (فينشفون الماء) أى يشربونه - من نشفة الثوب ينشفه من باب تعب - شربه، ونشف الماء من بابا ضرب نزحه. و (النغف) بفتحتين دود في أنوف الإبل والغنم. و (الأقفاء) جمع قفا مقصورا مؤخر العنق. (تسمن) يقال " سمن " يسمن من باب تعب وفى لغة من باب قرب، إذا كثر لحمه. و (تشكر) بفتح الكاف، أى تسمن وتمتلئ شحما. (وشكرا) بفتحتين.

(ب) مشتملات اليوم الآخر

بالماء فيحملهم فيلقيهم في البحر، ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم (الحديث) أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) {83}. والأحاديث في ذلك كثيرة. وفيما ذكر مقنع لمن عقل. والله ولى التوفيق. (ب) مشتملات اليوم الآخر يشتمل أمورا، المذكور منها اثنا عشر: 1 - البعث: وهو إحياء الموتى. قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (104) الأنبياء. وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (27) الروم. وأهون أى هين. وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (79) يس. (وعن) كعب بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " انما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ". أخرجه مالك وأحمد والنسائى وابن ماجه والبيهقى بسند صحيح (¬2) {84}. ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 2 - ابن ماجه (خروج يأجوج ومأجوج). وجبتها، أى قيامها. ويجأرون، أى يرفعون أصواتهم ويستغيثون. (فتنتن) مثلث التاء الثانية من باب قرب وضرب وتعب. وتنسف: أى تفتت. و (الأديم) الجلد المدبوغ. (¬2) انظر ص 85 ج 7 - الفتح الربانى وص 223 ج 3 تيسير الوصول (النفخ في الصور والنشور). و (النسمة) الروح. (يعلق) بضم اللام أى يأكل.

(وعن) أبى رزين العقيلى قال: " قلت يا رسول الله كيف يعيد لالله الخلق وما آية ذلك؟ فقال: اما مررت بوادى قومك جدبا. ثم مررت به يهتز خضرا؟ قلت نعم. قال: فتلك آية الله في خلقه. كذلك يحيى الله الموتى ". أخرجه أحمد وأبو الحسن رزين بن معاوية والطبرانى (¬1) {85}. والمعنى: أما مررت بوادى قومك حال خلوه من النبات ثم مررت به بعد أن أخضر بالنبات؟ كذلك يحيى الله الموتى يوم القيامة. 2 - الحشر: وهو سوق الناس إلى مكان الحساب فتجتمع الوفود في هذا اليوم المشهود ليسأل كل عن عمله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ (¬2)} وقال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (¬3) وقال: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} (¬4). (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يأيها الناس انكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا " (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا أنا كنا فاعلين) ألا وأن أول ¬

(¬1) أنظر ص 11 ج 4 مسند أحمد (حديث أبى رزين العقيلى). وص 223 ج 3 تيسير الوصول. (¬2) الزلزلة: 7، 8. (¬3) الطور: 21. و (رهين) أى مرهون بعمله. فان وفق للأعمال الصالحة نجا والا وقع في الردى. (¬4) العاديات: 9 و 10. و (بعثر ما في القبور) اى أثير وأخرج من كان فيها من الموتى. (وحصل ما في الصدور) أى بين وأظهر ما كان كامنا في القلوب من الايمان وغيره.

الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ألا وانه سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول: يا رب أصحابى. فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم .. إلى قوله العزيز الحكيم " قال " فيقال لى انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول سحقا سحقا ". أخرجه الشيخان والنسائى والترمذى (¬1) {86}. (وعن) ابى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنف مشاة، وصنف ركبان. وصنف وجوههم، قيل يا رسول الله: كيف يمشون على وجوههم قال: أن الذى أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم. أما انهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى (¬2) {87}. 3 - الحساب: وهو توقيف الله تعالى عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم أقوالا وأفعالا واعتقادات تفصيلا بعد أخذهم كتبهم إلا من استثنى. وكيفية التوقيف أمر غيبى. والناس فيه متفاوتون (فمنهم) من يحاسب حسابا يسيرا يعرض ¬

(¬1) انظر ص 198 ج 8 فتح البارى (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم .. ) وص 293 ج 3 تحفة الأحوذى. وصدره: يحشر الناس. و (غرلا) بضم فسكون أى غرلا غير مختونين. أى كما بدأ الله تعالى الخلق في بطون امهاتهم حفاة عراة كذلك يعيدهم يوم القيامة. و (العبد الصالح) سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام (وانهم لم يزالوا الخ) بيانه لقوله (ما أحدثوا بعدك) والمراد بهم أصحاب الكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين كفروا ببدعتهم. وقيل المراد المنافقون والمرتدون. (¬2) انظر ص 224 ج 3 تيسير الوصول. (الحشر). و (الحدب) بفتحتين ما ارتفع من الأرض.

عمله عليه. فيطلعه الله على سيئاته سرا بحيث لايطلع عليها أحد ثم يعفو عنه ويأمر به إلى الجنة (ومنهم) من يناقش الحساب. بأن يسأل عن كل جزئية ويطالب بالعذر والحجة، فلا يجد عذرا ولاحجة فيهلك مع الهالكين. ويأمر الله تعالى مناديا ينادى عليه بسيئات أعماله، فيفتضح بين الخلائق (فعليك) أيها العاقل أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتبادر بالأعمال الصالحة قبل الفوات، وتصل ما بينك وبين ربك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتؤمن بالحساب وتستعد له. قال الله تعالى {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. وقال {وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49) الكهف. وقال {أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ} (62) الأنعام. وقال {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (14) الإسراء. (وعن) أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ منه فليتحلله منه اليوم من قبل ألا يكون دينار ولادرهم. أن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته. وان لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " أخرجه أحمد والبخارى والترمذى (¬1) {88}. (وعنه) رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ووعلى آله وسلم: " لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ¬

(¬1) ص 224 ج 3 تيسير الوصول (الحساب).

ويسأل الحجر لم انكلب على الحجر ولم نكأ الرجل الرجل؟ قال: وكنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه فيقول: كنت ترانى على الخطا وعلى المنكر ولا تنهانى " أخرجه مسلم والترمذى ورزين (¬1) {89}. (وعن) عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى عليه وسلم " من نوقش الحساب عذب. فقلت أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (¬2)}؟ فقال إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ". أخرجه الشيخان والترمذى وأبو داود (¬3) {90}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ان أول ما يحاسب به العبد يومك القيامة من عمله صلاته. فان صلحت فقد أفلح وأنجح. وان فسدت فقد خاب وخسر. فان انتقص من فريضته شئ، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة. ثم يكون سائر عمله على ذلك ". أخرجه النسائى وابن ماجه والترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب (¬4) {91}. (وعن) أبى برزة الأسلمى رضى الله عنه قال. قال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 3 تيسير (الحساب). والجلحاء التى لا قرن لها وبقال ذكأ الرجل الرجل إذا جرحه. (¬2) الانشقاق 8، 9. (¬3) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬4) انظر ص 81 ج 1 مجتبى (المحاسبة على الصلاة). وص 224 ج 1 - ابن ماجه (أول ما يحاسب به العبد الصلاة).

ابلاه؟ " أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح والطبرانى وأبو نعيم فى الحلية (¬1) {92}. (وعن) أبى سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله تعالى لهع: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت للك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وترتع؟ أكنت تظن أنك ملاقى يومك هذا؟ فيقول لا. فيقول له اليوم أنساك كما نسيتنى ". أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث صحيح غريب (¬2) {93}. هذا (واعلم) أنه سيشهد على العاصى أحد عشر شاهدا فى هذا اليوم المشهود: اللسان، والأيدى، والأرجل، والسمع، والبصر، والجلد، والأرض، والليل، والنهار، والحفظة الكرام، والمال. قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (24) النور. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (19) فصلت. وقال: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (¬3). وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: " أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسول ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬2) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). ووالرؤس التقدم على القوم بأن يصير رئيسهم. وترتع من الرتع وهو التنعم. و (أنساك) أى أتركك فى العذب. (¬3) سورة ق: 21. و (سائق) ملك يسوقها الى المحشر (وشهيد) عليها بما عملت قاله عثمان بن عفان فيما رواه الحاكم وابن المنذر.

أعلم. قال: فان أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال فهذه أخبارها ". أخرجه أحمد والترمذى وصححه (¬1) {94}. (وعن) الحارث بن يزيد قال: سمعت ربيعة الجرشى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تحفظوا من الأرض فانها أمكم، وانه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا الا وهى مخبرة ". أخرجه الطبرانى (¬2) {95}. (وعن) أنس رضى الله عنه قال: " ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجربنى من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: أنى لا أجيز اليوم على نفسى شاهدا الا منى. فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقول لأركانه: انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل " أخرجه مسلم (¬3) {96}. وفى الحديث " ما من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك شهيد فاعمل خيرا أشهد لك به غدا فانى لو مضيت لن ترانى أبدا، ويقول الليل مثل ذلك ". أخرجه أبو نعيم (¬4) {97}. (وعن) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 1 تيسير الوصول (سورة الزلزلة) وص 333 ج 18 - الفتح الربانى. (¬2) رقم 3260 ص 234 ج 3 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر ص 229 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬4) لم نقف على هذا الحديث بهذا اللفظ.

قال " ان هذا المال خضر حلو، ونعم هو لم أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وانه من يأخذه بغير حقه كان كالذى يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " أخرجه مسلم (¬1) {98}. (والحكمة) فى ذلك أن يعلم المرء أن لا ظلم فى ذلك اليوم، واظهار مراتب أصحاب الكمال، فيزدادون سرورا على سرورهم، واظهار فضائح أصحاب الشمال فيزدادون حسرة وندامة. نسال الله السلامة. 4 - الميزان: وهو ذو كفتين ولسان (كالميزان المعهود) توزن فيه أعمال من يحاسب بقدرة الله تعالى دفعة واحدة. والصنج مثاقيل الذر والخردل، تحقيقا لاظهار تمام العدل. قال تعالى {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. وقال {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (9) الأعراف وقال {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} (11) القارعة. (وقالت) عائشة رضى الله عنها ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قلت: ذكر النار فبكيت. فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما فى ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا. عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الكتاب حين يقال " هاؤم اقرءوا كتابيه " حتى يعلم أين يقع كتابه، أفى يمينه أم فى شماله ¬

(¬1) هذا عجز الحديث بص 144 ج 7 نووى مسلم (التحذير من الاغترار بزينة الدنيا).

أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط اذا وضع بين ظهرى جهنم حتى يجوز " أخرجه أبو داود (¬1) {99}. (وعن) ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ان الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر. فيقول: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول لا يارب فيقول: أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول: لا يارب فيقول أفلك عذر أو حسنة؟ فيقول. لا يارب: فيقول الله عز وجل: بلى ان لك عندنا حسنة، وانه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله. فيقول: احضر وزنك فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: انك لن تظلم. فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة. فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. ولا يثقل مع اسم الله تعالى شئ ". أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2) {100}. (وقالت) عائشة رضى الله عنها: جاء رجل فقال يا رسول الله: إن لى مملوكين يكذبوننى ويخونوننى ويعصوننى وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وكذبوك وعصوك، وعقابك إياهم، فان كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا، لا لك ولا عليك. وان كان عقابك إياهم دون ذبوبهم، كان فضلا لك ¬

(¬1) انظر ص 231 ج 3 تيسير الوصول (الحوض والميزان). (¬2) انظر ص 213 ج 2 مسند أحمد. وص 367 ج 3 تحفة الأحوذى (فيمن يموت وهو يشهد أن لا اله الا الله).

وان كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم. اقتص لهم منك اللفضل. قال فتنحى الرجل يبكى ويهتف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما تقرأ كتب الله عز وجل {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجدلى ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم. أشهدكم أنهم كلهم أحرار " أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث غريب (¬1) {101} (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله عظيم " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {102} (ومما) تقدم يعلم أنه يوزن عمل كل من يحاسب حتى من لا حسنة له ليزداد خزيا على رءوس الأشهاد. وبالوزن يظهر العدل فى العذاب والعفو عن الآثام. 5 - الصراط: وهو جسر ممدود على ظهر جهنم يمر عليه الأولون والآخرون كل بحسب عمله. فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح العاصف، وناس كالجواد، وناس هرولة، وناس حبوا، وناس زحفا، وناس يتساقطون فى النار. وعلى جوانبه كلاليب لا يعلم عددها الا الله تخطف بعض الخلائق. قال تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ} (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 147 ج 4 تحفة الاحوذى (سورة الأنبياء). (¬2) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح) وص 220 ج 2 - ابن ماجه. (¬3) سورة مريم 72، 72. ونذر الظالمين أى نتركهم فى جهنم جاثين على ركبهم - فجثى بكسر أوله جمع جاث.

(قال) ابن مسعود: " الصراط على جهنم مثل حد السيف. فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم " أخرجه ابن جرير (¬1) {11}. (وقال) السدى: سألت مرة الهمدانى عن قوله تعالى (وان منكم الا واردها) فحدثنى عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب المسرع ثم كشد الرجل ثم كمشية. أخرجه الترمذى وحسنة (¬2) {103}. ولشدة الهول حينئذ يقول المؤمنون: رب سلم سلم. (روى) المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " شعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة: رب سلم سلم".أخرجه الترمذى والحاكم وصححاه (¬3) {104}. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه فى قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم) قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط. منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم. وأدناهم نورا: من نوره فى ابهامه يتقد مرة ويطفأ مرة ". أخرجه ابن ابى حاتم وابن جرير (¬4) {12}. ¬

(¬1) انظر ص 83 ج 16 جامع البيان (وان منكم الا واردها). (¬2) انظر ص 145 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة مريم) و (الحضر) ضم فسكون العدو الشديد. و (الشد) العدو. (¬3) رقم 4884 ص 161 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬4) انظر ص 227 ج 8 تفسير ابن كثير (سورة الحديد).

6 - الحوض: يجب الايمان بأن لكل رسول حوضا يرده الطائعون من أمته، وأن حوض النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكبرها وأعظمها. طوله مسيرة شهر، مربع الشكل. له ميزابان يصبان فيه من الكوثر. ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل. كيزانه أكثر من نجوم السماء. ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ظمأ ألم. ولم دخل النار يعذب بغير العطش. ويكون شربه منه أو من غيره كالتسنيم (¬1) بعد ذلك لمجرد اللذة. يرده الخيار، وهم المؤمنون بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الآخذون بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وكل من تعامل بالربا، أو جار فى الأحكام، أو أعان ظالما، أو جاوز حدا من حدود الله تعالى. (وما ذكر) ثابت بأحاديث مشهورة تفيد التواتر المعنوى (منها) حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ان لكل نبى حوضا، وانهم يتباهون أيهم أكثر واردة. وانى أرجو أن أكون أكثرهم واردة ". أخرجه الترمذى وقال حديث حسن غريب، وفيه سعيد بن بشير ضعيف (¬2) {105}. (وحديث) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " حوضى مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه فلا يظمأ أبدا ". أخرجه الشيخان (¬3) {106}. ¬

(¬1) قال تعالى (ومزاجه من تسنيم (27) (عينا يشرب بها المقربون) (28) المطففين و (التسنيم) أرفع شراب الجنة. (¬2) انظر ص 230 ج 3 تيسير الوصول (الحوض ... ). (¬3) انظر ص 377 ج 11 فتح البارى. وص 55 ج 15 نووى مسلم (الحوض).

(وقال) أنس رضى الله عنه: بينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى المسجد، اذ أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه صاحكا. فقيل: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة آنفا فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم، انا أعطيناك الكوثر) حتى ختما، قال: اتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله اعلم، قال: انه نهر وعدنيه ربى عز وجل عليه خير كثير. وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة. آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم فأقول: ربى انه من أمتى. فيقول: ما تدرى ما أحدث بعدك ". أخرجه أحمد والخمسة (¬1) {107}. (فائدة) صحح الغزالى أن الحوض قبل الصرط. وكذا القرطبى وقال: المعنى يقتضيه، فان الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديم الحوض، وأيضا فان من جاز الصراط لا يتأتى طرده عن الحوض فقد كلمت نجاته. (ورجح) القاضى عياض انه بعد الصراط، وأن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار. ويؤيده من جهة المعنى أن الصراط يسقط منه يسقط من المؤمنين ويخدش فيه من يخدش، ووقوع ذلك للمؤمن بعد شربه من الحوض بعيد فناسب تقديم الصراط حتى اذا خلص من خلص شرب من الحوض. وقيل: يشهد له ما تقدم من ان للحوض ميزابين يصبان فيه من الكوثر. ولو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين وصول ماء الكوثر اليه، ولكن وصول ذلك ممكن. والله على كل شئ قدير (ويمكن) الجمع بأن يكون الشرب ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 1 تيسير الوصول (سورة الكوثر) وص 33 ج 18 - الفتح الربانى. (وأغفى) أى نام نومه. ولا يقال غفا. (فيختلج) مبنى للمفعول أى يجتذب ويقطع.

من الحوض قبل الصراط لقوم، وبعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب حتى يهذبوا منها على الصراط. هذا، ولم يقم دليل صريح على شئ مما ذكر. فالواجب اعتقاده هو أن النبى صلى الله عليه وسلم حوضا تعدجد أو اتحد، تقدم على الصراط أو تاخير. ولا يضرنا جهل ذلك. وقد جاء فى رواية لأحمد عن الحسن عن أنس أن فيه من الأباريق أكثر من عدد نجوم السماء (¬1). وهذا إشارة إلى غاية الكثرة. والله الموفق. 7 - الكوثر: قيل: هو الحوض. والخبار فيه مشهورة. والمعروف المستفيض عند السلف والخلف أنه نهر فى الجنة أعطاه الله النبى صلى الله عليه وسلم. (روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "الكوثر نهر فى الجنة، حافتاه الذهب (¬2)، والماء يجرى على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل ". أخرجه أحمد والبخارى والترمذى، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3) {108}. (وعن) أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " دخلت الجنة فاذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدى الى ما يجرى فيه الماء، فاذا مسك أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذى أعطاكه الله عز وجل ". أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والترمذى ,وكذا البخارى بلفظ: لما عرج بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى السماء قال: ¬

(¬1) انظر ص 379 ج 11 فتح البارى (باب فى الحوض). (¬2) حافتاه جانباه. (¬3) انظر ص 337 ج 18 - الفتح الربانى. وص 219 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة الكوثر).

أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ محوف، فقلت: ما هذ 1 ايا جبريل؟ قال: هذا الكوثر (¬1) {109}. (وعنه) أيضا أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: هو نهر فى الجنة أعطانيه ربى، جلهو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كاعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله، انها لناعمة. قال: أكلتها أنعم منها يا عمر. أخرجه أحمد والترمذى وحسنه ابن جرير (¬2) {110}. (وقال) ابن العباس ومجاهد: الكوثر الخير الكثير فى الدنيا والآخرة. ذكره ابن جرير {13} وقال: هذا التفسير يعم النهر وغيره، لأن الكوثر من الكثرة. وقال عطاء بن السائب: قال لى محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير فى الكوثر؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير. فقال: صدق والله أنه للخير الكثير (¬3). 8 - الشفاعة: وهى لغة الوسيلة والطلب، وعرفا سؤال الخير للغير. وهى تكون من الأنبياء والعلماء والعاملين والشهداء والصالحين. (روى) عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 338 ج 18 - الفتح الربانى. مختصر. وص 219 ج 4 تحفة الاحوذى. وص 517 ج 8 فتح البارى (سورة الكوثر) (وأذفر). أى بين الذفر - بفتحتين: وهو كل ريح ذكية طيب أو نتن. (¬2) انظر ص 329 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة طير الجنة) وص 209 ج 30 جامع البيان (سورة الكوثر) و (الجزر) بضمتين جمع جزور: وهو الواحد من الابل ذكرا كان أو أنثى. (¬3) انظر ص 208 ج 30 جامع البيان.

قال: " يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ". أخرجه ابن ماجه (¬1) {111}. يشفع كل لأهل الكبائر على قدر منزلته عند الله تعالى. ولايلهم أحد ممن ذكر الشفاعة فى اخراج أحد من النار الا بعد انقضاء المدة المحتمة عند الله تعالى. (والحق) أن الشفاعة من باب القضاء المعلق فنفعها ظاهرى. هذا، واعلم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أول فاتح لباب الشفاعة يفتحه بالشفاعة فى فصل القضاء. وهى الشفاعة العظمى المختصة به يغبطه بها الأولون والآخرون: وهى المقام المحمود المشار إليه بقوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً} (79) الإسراء. (قال) أبو هريرة رضى الله عنه: سئل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المقام خالمحمود فى الآية. فقال: " هو المقام الذى أشفع لأمتى فيه " أخرجه أحمد والترمذى وحسنة (¬2) {112}. (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن. فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك ثم بموسى فيقول كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فيشفع ليقضى بين الخلق، فيمشى حتى يأخذ بحلقه ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 2 - ابن ماجه (الشفاعة). (¬2) انظر ص 195 ج 18 - الفتح الربانى. وص 137 ج 4 تحفة الاحوذى (ومن سورة بنى إسرائيل).

باب الجنة. فيومئذ يبعثة الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " أخرجه البخارى وابن جرير (¬1) {113}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لكل نبى دعوة مستجابة فتجعل كل نبى دعوته وانى أختبئ دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة ان شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا " اخرجه مالك والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {114}. (وعن) جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى " أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذى وقال: غريب، وزاد: قال جابر: " من لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة " (¬3) {115}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى اللهعليه وعلى آله وسلم قال: " انا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول الناس ألا ترون الى ما أنتم فيه؟ ألا تنظرون من يشفع لكم اللا ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض: عليكم بآدم، فيأتونه فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك ال ¬

(¬1) انظر ص 217 ج 3 فتح البارى (من سأل الناس تكثرا - الزكاة). (¬2) انظر ص 231 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة) وص 301 ج 2 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 232 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة). وص 302 ج 2 - ابن ماجه. وأما حديث " لا تنال شفاعتى أهل الكبائر من أمتى " فموضوع.

له بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسنكك الجنة. اشفع لنا الى ربك. ألا ترى الى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول آدم عليه السلام: ان ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله (¬1). وأنه نهانى عن الشجرة فعصيته (¬2) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى نوح. فيأتون نوحا عليه السلام فيقولون: يا نوح انت اول الرسل الى أهل الأرض، وقد سماك الله عبد شكورا (¬3)، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وانى قد كانت لى دعوة دعوتها على قومى (¬4) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى اذهبوا الى ابراهيم عليه السلام. فيأتون ابراهيم عليه السلام فيقولون: أنت نبى الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وانى قد كنت كذبت ثلاث كذبات (¬5) فذكرها، نفسى نفسى نفسى، ¬

(¬1) (من روحه) الإضافة لتعظيم المضاف أى أن الله تعالى نفخ فى آدم روحا خلقها بلا أب ولا أم. والمراد بغضب الله تعالى لازمة وهو إيصال العقوبة إلى المستحق. (¬2) " فعصيته " تقدم أن مثل هذا مخالفة وقعت قبل النبوة سهوا. قال الله تعالى (فنسى ولم نجد له عزما) غير أن الأمر عظم لدية نظرا لعلو فعد نفسه عاصيا من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين ". فالعصيات صورى لا حقيقى لأن العصيان ملابسة الكبيرة قصدا والقصد هنا منتف لقوله " فنسى ". (¬3) قال الله تعالى (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) آية 3 .. الإسراء .. (¬4) يرد أن له دعوة واحدة محققة الاجابة وقد استوفاها بدعائه على قومه فى الدنيا بقوله (رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا) أى (أحدا) بعض آية 26 - نوح. (¬5) كذبات: اى فى الصورة لا فى الحقيقة لتنزه الرسل عن الكذب والمخلفات، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: أنى سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله فى شأن سارة: هى أختى، وهى من المعاريض. والمعاريض ذكر لفظ يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم.

اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى موسى عليه السلام. فيأتون موسى عليه السلام فيقولون أنت رسول الله، فضلك برسالته وبكلامه على الناس (¬1) اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وانى قتلت نفسا (¬2) لم أومر بقتلها نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى عيسى عليه السلام. فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون: أنت رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه، وكلمت الناس فى المهد (¬3) اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. (ولم يذكر ذنبا) (¬4) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، أذهبوا الى محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فيأتوننى فيقولون: أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (¬5)، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فأنطلق الى تحت العرش فأقع ساجدا لربى، ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلى. ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه، وأشفع تشفع، فأرفع رأسى فأقول: أمتى يارب، ¬

(¬1) (على الناس) أى أهل زمانه (والكليم) وصف غالب عليه كالحبيب لنبينا صلى الله عليه وسلم وان شارك الكليم فى التكليم والخليل فى الخلة على وجه أكمل وأعلى. (¬2) (قتلت) قال تعالى فى آية 15 - القصص " فوكزه موسى فقضى عليه " استعظمه لكونه لم يؤمر به ومثله لا يقدح فى العصمة لأنه خطأ. (¬3) (وكلمته): اى وجد عيسى عليه السلام بقوله تعالى " كن " لا بتوسط ما يجرى مجرى الزوجين، وسمى روحا لأنه حدث عن نفخة جبريل فى درع مريم بأمر الله تعالى. (¬4) (ولم يذكر ذنبا) فى رواية احمد والنسائى. أنى اتخذت الها من دون الله. " اتخذت " مبنى للمجهول. (¬5) المراد بالذنب: ما فرط من خلاف الأولى بالنسبة إلى مقامه صلى الله عليه وسلم وليس بذنب حقيقة لمنافاته العصمة.

أمتى يارب (¬1)، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم منن الباب الأيمن من أبواب الجنة. وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. ثم قال: والذى نفسى بيده ان ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة ةهجر. أو كما بين مكحة وبصرى " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى (¬2) {116}. فعلى المكلف أن يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم شافع مقبول الشفاعة، وانه أول شافع وأول من يقضى بين أمته. وأنه أول من يجوز على الصراط بأمته. (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " انا سيد ¬

(¬1) (ان قيل) أن الحديث فى الشفاعة العظمى وهى عامة فكيف يخصها بقوله: (أمتى)؟ (فالجواب) ان فيه حذفا تقد=يره أنه أذن له فى الشفاعة العظمى فشفع. ثم خص أمته بشفاعة أخرى. يدل عليه ما فى حديث حذيفة وابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الناس ... (الحديث) وفيه .. فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له (يعنى فى الشافعة) وترسل المانة والرحم (لعظم امرهما تصوران مشخصتين كما يريد الله) فتقومان جنبتى (بفتحات: أى جانبى) الصراط يمينا وشمالا فيمر أو لهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال - بالجيم: جمع رجل. وفى رواية بالحاء المهملة: جمع رحل. وشدها: جريها البالغ - تجرى بهم أعمالهم. ونبيكم قائم على الطراط يقول: رب قائم سلم سلم (الحديث) أخرجه مسلم. ص 70 ج 3 نووى. وبهذا يتصل الحديث لأن الشفاعة التى لجأ اليه الناس فيها هى الشفاعة العظمى ثم حلت الشفاعة فى أمته فقال صلى الله عليه وسلم " أمتى أمتى ". (¬2) انظر ص 276 ج 8 فتح البارى (ذرية من حملنا مع نوح - سورة بنى إسرائيل) وص 232 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة) (من حديث أنس وكذا عند أحمد ص 116 ج 3 مسند أحمد وهجر) بفتحتين: بلد قرب المدنية (وبصرى) بضم فسكون: بلد بالشام. والمراد تقرير اتساع ما بين جانبى أبواب الجنة لا تقديره على التحقيق.

ولد آدم يوم القيامة، أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع " أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {117}. (وللنبى) صلى الله عليه وعلى آله وسلم شفاعات أخرى (منها) ادخال قوم من آمته الجنة بغير حساب. (ومنها) أنه يشفع فى أقوام قد أمر بهم الى النار فيردون عنها (ومنها) اخراج الموحدين من النار. ويشفع لقوم فى رفع درجاتهم، ولمن مات بالحرمين مؤمنا، ولمن سأل له الوسيلة بعد اجابة المؤذن (¬2)، ولعمه ابى طالب فى اخراجه من غمرات النار الى ضحضاح يصل الى كعبيه. (روى) أبو سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من نالر يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه. أخرجه مسلم (¬3) {118}. (9) النار: وهى دار العذاب ومخلوقة الآن فيها الزقوم والغسلين والمهل (¬4) ومقامع من حديد. ومن أنواع العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بلال انسان. جاء بهال الكتاب والسنة. قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا ¬

(¬1) انظر ص 37 ج 15 نووى مسلم (تفصيله صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق). (¬2) انظر الحديث رقم 218 ص 77 ج 2 - الدين الخالص طبعه ثانية. (الصلاة على النبى). (¬3) انظر 85 ج 3 نووى مسلم (شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب). (¬4) (الزقوم) شجرة من أخبث الشجر المر بتهامة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كرءوس الحيات اذا أكل أهل النار منه يغلى فى بطونهم كغلى الحميم. قال تعالى " أنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم (64) - طلعهاغ كانه رءوس الشياطين " 65 - الصافات و (الغسلين) صديد أهل النار، او شجر فيها (والمهل) ماء عكر كدردى الزيت الأسود يغلى فى البطون كغلى الحميم. وقيل: هو النحاس المذاب.

لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} (29) الكهف. وقال: (هذان خصمان اختصموا فى ربهم، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما فى بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد) (¬1). وقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) البقرة. وقال: {وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (91) الشعراء. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أنم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ناركم هذه التى توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: " فإنها فضلت بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها " أخرجه مالك والشيخان والترمذى، وقال: حسن صحيح (¬2) {121}. (وعن) الحسن عن عتبة بن غزوان أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوى فيها سبعين عاما. ¬

(¬1) الحج: 19 و 20 و (الحميم) الماء البالغ نهاية الحرارة يذاب به أحشاؤهم وشحومهم. (روى) أبو هريرة مرفوعا " أن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما فى جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر .. ثم يعاد كما كان " أخرجه ابن جرير والترمذى وقال: حسن صحيح غريب (119) انظر ص 565 ج 5 تفسير ابن كثير (هذان خصمان). و (المقامع) سياط من حديد. (روى) أبو سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو أن مقمعا من حديد وضع فى الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض " أخرجه أحمد (20) انظر ص 566 ج 5 تفسير ابن كثير. (¬2) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار).

ما تفضى إلى قرارها، وقال: وكان عمر رضى الله عنه يقول: أكثروا ذكر النار فإن حرها شديد، وأن قعرها بعيد، وأن مقامها حديد " أخرجه الترمذى وقال: لا نعرف للحسن سماعا من عتبة (¬1) {122}. (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرات فى دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح (¬2) {123}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إنى وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله الها آخر، وبالمصورين " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح غريب (¬3) {124}. (وعن) النعمان بن بشير أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراً كان من نار، يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا " أخرجه الشيخان والترمذى (¬4) {125}. (وعن) أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ¬

(¬1) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار). (¬2) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار). (¬3) انظر ص 239 منه. و (عنق) بضمتين: أى قطعة. و (الجبار) القهار المتكبر (والعنيد) الحائد من الحق كالمعاند له. (¬4) انظر ص 86 ج 3 نووى مسلم (شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب) وص 243 ج 3 تيسير الوصول (أهل النار).

" يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع. فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذى غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص فى الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب، فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوهم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم فيقولون: أدعوا خزنة جهنم يخففون عنا، فيدعونهم، فيقولون: ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات. قالوا: بلى قالوا: فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال. فيقولون ادعوا مالكا فيقولون: يا مالك ليقض علينا ربك. فيجيبهم أنكم ماكثون. فيقولون: نبئت أن بين دعائهم وبين اجابة مالك إياهم ألف عام فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم، فيقولون: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال: فيجيبهم (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك يأخذون فى الزفير والشهيق ويدعون بالحسرة والويل، والثبور " أخرجه البيهقى والترمذى وقال: والناس لا يرفعون هذا الحديث (¬1) {126}. (ولهذه) الأدلة أجمعت الأمة. على أن النار موجودة الآن والحقيقة ممكنة فلا وجه للعدول عنها. هذا، واعلم انه لا يخلد فى النار موحد، ولو ارتكب الكبائر، وفاء بوعده تعالى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (48) النساء. وقوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة طعام أهل النار) و (الضريع) نبت بالحجاز له شوك (ويجيزون) من الأجازة بالزاى أى بسيغون من الاساغة (والكلاليب) جمع كلوب بفتح فشد حديدة لها شعب يعلق بها اللحم. و (اخسئوا) أى اسكتوا سكوت ذل وهوان (والزفير) اخراج النفس بشدة (والشهيق) رده. و (لا يرفعون) بل برونه موقوفا على أبى الدرداء وهو فى حكم المرفوع.

يره) " واحتمال " دخوله الجنة أولا جزاء لمال عمله من الخير. ثم يدخل النار عقابا لما عمله من الشر " يبطله " قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (48) الحجر وقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} (185) آل عمران. فهذا يدل على أن استيفاء الأجر بالنسبة لمن يدخل النار لا يكون الا بعد الخروج منها. (وأدل) منه حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون فى نهر الحياة. فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل. ألم تر أنها صفراء ملتوية " أخرجه الشيخان والنسائى (¬1) {127} (وحديث) أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال " يخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن شعيرة من خير. ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن برة من خير. ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن ذرة من خير " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح (¬2) {128}. ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 1 فتح البارى (تفاضل أهل الايمان فى الأعمال) وص 35 ج 3 نووى مسلم وصدره: يدخل الله أهل الجنة الجنة (أخراج الموحدين من النار) و (نهر الحياة) نهر يحيا به من انغمس فيه. (¬2) انظر ص 77 ج 3 فتح البارى (زيادة الايمان ونقصانه) وص 59 ج 3 نووى مسلم (الشفاعة) وص 346 ج 3 تحفة الأحوذى. و (يخرج) بفتح أوله وضم الراء ويروى بالعكس ويؤيده ما فى رواية الترمذى " اخرجوا ".

10 - الجنة وهى دار الثواب، والنعيم المقيم. فيها الحور العين، والولدان، ولحم الطير، والفواكه، والأنهار الجارية من الماء واللبن والعسل والخمر، والسرر، والحرير، والذهب، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. جاء بها الكتاب والسنة. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} (¬1). وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} (90) الشعراء. أى قربت لهم بحيث يشاهدونا فى الموقف. ويعرفون ما فيها فتحصل لهم البهجة والسرور. وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فان الجنة هى المأوى} (¬2) وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (123) آل عمران. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى: " أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولآ أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ". قال أبو هريرة: اقرءوا ان شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) أخرجه الشيخان والترمذى وابن ماجه وزاد البخارى فى رواية: وقال محمد ابن كعب: انهم أخفوا لله عملا فأخفى لهم ثوابا. فلو قدموا عليه، أقر تلك العين (¬3) {129}. (وعنه) قال: قلت يا رسول الله: الجنة ما بناؤها؟ قال لبنه من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت. وترابها الزعفران. ¬

(¬1) الكهف: 107 و 108. و (الفردوس) وسط الجنة وأعلاها (والنزل) المنزل أو ما يهيأ للضيف. و (لا يبغون عنها حولا) أى لا يطلبون عنها تحولا وانتقالا الى غيرها. (¬2) النازعات: 40 و 41 (ومقام الرب) الوقوف للحساب. (¬3) انظر ص 235 ج 3 تيسير الوصول. وص 305 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة).

من يدخلها ينعم ولا يبؤس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم (الحديث) أخرجه أحمد والدرامى والبزار وابن حبان والترمذى (¬1) {130}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ان أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة للبدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درى فى السماء اضاءة لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم. ستون ذراعا فى السماء. أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {131}. (وعن) ابى سعيد الخرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المؤمن اذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنة فى ساعة كما يشتهى. أخرجه أحمد وابن ماجه والدرامى والترمذى وقال: حسن غريب (¬3) {132}. وقد اختلف أهل العلم فى هذا. فقال بعضهم: فى الجنة جماع ولا يكون ¬

(¬1) ص 333 ج 2 سنن الدرامى (بناء الجنة) وص 323، 324 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة الجنة ونعيمها) و (الملاط) بكسر الميم: الطين يصلح به الحائط (ولا يبؤس) أى لا يحزن يقال بؤس يبؤس بالضم فيهما: اذا اشتد حزنه، ويقال بئس كسمع أشتدت حاجته. (¬2) انظر ص 240 ج 3 تيسير الوصول (أهل الجنة) وص 306 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) و (الرشح) العرق (والمجامر) جمع مجمرة بكسر فسكون: وهو ما يوضح فيه النار والبخور. (والألوة) بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو: العود الذى يتبخر به. والظاهر أنها تفوح بغير نار. فان الجنة لا نار فيها. (¬3) انظر ص 338 ج 3 تحفة الاحوذى (ما لأهل الجنة من الكرامة) وص 337 ج 2 سنن الدرامى (ولد أهل الجنة) وص 308 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) (وسنة) أى كمال سنة وهو 30 سنة.

ولد (وقال) محمد يعنى البخارى. وقد روى عن أبى رزين العقيلى عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ". (وعن) أسامة بن زيد أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذات يوم لأصحابه: ألا مشمر للجنة؟ فان الجنة لا خطر لها هى ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانه تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، حلل كثيرة فى مقام أبدا فى حبرة ونضرة فى دور عالية سليمة بهية، قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله. قال قولوا إن شاء الله. ثم ذكر الجهاد وحض عليه. أخرجه ابن ماجه وابن حبان (¬1) {133}. (وعن) سعيد بن المسيب أنه لقى أبا هريرة فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بينى وبينك فى سوق الجنة قال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم. أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم فى مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا. فيزورون الله عز وجل. ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم نابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم- وما فيهم دنئ- على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) و (لا خطر) بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحين (لها) أى لا مثل لها. و (تهتز) أى تتحرك بهبوب الريح. وهو من باب التشبيه البليغ: أى هى كالريحانة فى الاهتزاز. وكالزوجة الجميلة. أو الكلام على التقدير. والمعنى: الجنة فيها النور والأزواج الحسان الى غير ذلك. و (مقام) بفتح الميم وضمها: أى خالدين فيها أبدا. و (الحبرة) بفتح الحاء وسكون الباء: النعمة وسعة العيش (والنضرة) البهجة والحسن.

مجلسا. قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا لا. قال كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم عز وجل. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله عز وجل محاضرة حتى أنه يقول للرجل منكم: ألا تذكر يا فلان يوم عملت كذا وكذا؟ يذكره بعض غدارته في الدنيا (¬1) فيقول يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتب بلغت منزلتك هذه. فبينما هم كذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط. ثم يقول: قولوا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال: فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة. فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب قال. فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها شيء ولا يشتري. وفي ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضا. فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقي من هو دونه- وما فيهم دنئ- فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها. ثم ننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحبا وأهلا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فراقتنا عليه. فنقول: أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ¬

(¬1) المراد بالسوق مكان يجتمعون فيه فقي كل مقدار أسبوع. وليس هناك أسبوع حقيقة، لفقد الشمس والنهار والليل (فيزورون الله .. الخ) هو من المتشابه المصروف عن ظاهره باتفاق السلف والخلف لقوله تعالى "ليس كمثله شيء" و (أدناهم) أي أقلهم منزلة بالنسبة إلى غيره. و (كثبان) بضم فسكون جمع كثيب. وهو ما اجتمع من الرمل كالتل. و (هل تتمارون) أي هل تشكون؟ والمراد أن المؤمنين يرون الله تعالى في الجنة رؤية لا شك فيها من غير كيفية ولا انحصار ولا مقابلة ولا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل (والمراد بالمحاضرة) كشف الحجاب عن أهل الجنة كلهم للرؤية بدون واسطة. وهو من المتشابه أيضا. (غدرات) بفتحات- جمع غدرة: أي يذكره بعض معاصيه في الدنيا.

ما انقلبنا. أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه عبد الحميد كاتب الأوزاعي مختلف فيه وبقية رجاله ثقات (¬1) {134}. (وعن) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة. وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد "لكن أخرجه ابن حبان من حديث ابن وهب وهو من الأعلام الثقات الأثبات" عن عمرو ابن الحارث (¬2) {135}. (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة. وتسفعه النار (¬3) مرة. فإذا جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الله الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله تعالى شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول: يارب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بها وأشرب من مائها. فيقول الله: يا بن آدم لعلي أن أعطيتكها تسألني غيرها. فيقول: لا يارب، ويعاهده ألا يسأله غيرها. ¬

(¬1) انظر ص 307 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) وص 231 ج 2 تحفة الأحوذي (سوق الجنة) (فيروعه) أي فيعجبه، مضارع راعه الشيء: أعجبه و (بتخيل) مبنى للفاعل: أي يظهر عليه أن لباسه أحسن من لباس صاحبه (وبحقنا .. ) أي بحق ننا أن نرجع بمثل ما رجعنا حيث كنا في كرامة ربنا. (¬2) انظر ص 338 ج 3 تحفة الأحوذي (مالأدنى أهل الجنة من الكرامة) و (الجابية) بكسر الباء وتخفيف الياء: قربة قرب دمش. (¬3) تسعفه: أي تلفحه لفحا يسيرا يغير لون البشرة.

وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: يا رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم: ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ لعلي أن أدنيتك منها تسألني غيرها. فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين. فيقول: يا رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها. لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها. فإذا أدنى منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول أي رب أدخلني الجنة. فيقول: يا بن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيتك قدر الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: يا رب أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مم ضحكت؟ فقيل مم تضحك؟ فقال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم فقيل مم تضحك؟ فقال من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول أني لا أستهزئ بك، ولكني على ما أشاء قادر". أخرجه أحمد ومسلم (¬1) { 136}. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما منكم من أحد إلإ له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا مات فدخل ¬

(¬1) انظر ص 246 ج 3 تيسير الوصول. (.ما اشتركتا- الجنة والنار- فيه) و (ما يصريني) بضم ففتح فشد الراء. أي ما الذي يرضيك ويقطع مسألتك من التصرية، وهي الجمع والقطع. ومنه المصراة التي جمع لبنها وقطع حلبها.

النار ورث أهل الجنة منزله. فذلك قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون). أخرجه ابن ماجه (¬1) {137}. 11 - الخلود: يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الجنة والنار خالدتان وأهلهما مخلدون لا يفنون. وهذا ثابت بالكتاب والسنة واجماع الأمة. قال الله تعالى: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشى ربه) (¬2). (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، يأهل النار لا موت. فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم". أخرجه أحمد والشيخان واللفظ للبخاري. وفي رواية "خلود فلا موت (¬3) " {138}. ¬

(¬1) انظر ص 308 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة). (¬2) سورة البينة آية 6 إلى 8. و (جنات عدن) أي دار إقامة (رضي الله عنهم) بطاعتهم أياه (ورضوا عنه) بما أعطاهمو من الثواب والنعيم المقيم. (¬3) انظر ص 333 ج 11 فتح الباري (صفة الجنة والنار) و"ذبح الموت" كناية عن اليأس من مفارقة الحالتين في الجنة والنار والخلود فيهما. ويحتمل أن يكون الذبح على حقيقته لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتي بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يأهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يأهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه. فيذبح ثم يقول يأهل الجنة خلومد فلا موت. ويأهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة" وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا. وهم لا يؤمنون أخرجه البخاري {139} انظر ص 299 ج 8 فتح الباري (وأنذرهم يوم الحسرة). ... (قال) القرطبي: الحكمة في كون الكبش أملح. أن بجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض.

12 - رؤية الله تعالى: أعلم أن أهل السنة أجمعوا على أن رؤية الله تعالى ممكنة عقلا واجبة نقلا واقعة في الآخرة للمؤمنين دون الكافرين بلا كيف ولا انحصار. فيرى سبحانه وتعالى لا في مكان ولا جهة من مقابلة أو اتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى. فإن الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك. فلا يلزم من رؤيته تعالى إثبات جهة له. بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة (وقد) تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك. قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (¬1) وقال: (كلا أنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون) (¬2). (وقال) جرير بن عبد الله: نظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون فلي رؤيته. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم ثرأ: وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل ¬

(¬1) سورة القيامة آية 22 و 23 أي وجوه المؤمنين يوم القيامة حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها بلا جهة ولا كيفية. (¬2) سورة المطففين آية 15 - أي أن الكفار ممنوعون عن رؤية الله تعالى.

الغروب. أخرجه السبعة إلا النسائي (¬1) {140}. (وعن) صهيب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ قال فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) أخرجه مسلم والترمذي (¬2) {141}. (وأما) (رؤيته تعالى في الدنيا فهي ممكنة، ولذا طلبها سيدنا موسى عليه السلام، فعلق الله تعالى حصولها له على استقرار الجبل حين يتجلى الله تعالى عليه، فلم يستقر الجبل حينئذ ولم تحصل له عليه السلام مع إمكانها كما أشير إلى ذلك بقوله تعالى: "قال رب أرني أنظر إليك، قال لن تراني، ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله تعالى) وص 360 ج 4 مسند أحمد و (لا تضامون) بضم أوله وتخفيف الميم. أي لا ينالكم ضيم ولا ظلم في رؤيته. أو بتشديد الميم. أي لا ينضم بعضكم إلى بعض. كما يكون ذلك عند رؤية الشيء الخفي. ومرجع التشبيه بالقمر إلى الوضوح لا للجسمية ولا للجهة ولا للإضاءة، لأن هذا كله مستحيل. بل المعنى أنكم ترون ربكم رؤية لإخفاء ولا شك فيها كرؤيتكم القمبر ليلة تمامه. (¬2) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله تعالى) (فيكشف الحجاب) أي عن أهل الجنة لا عن الله فإنه تعالى لا يحجبه شيء. و (للذين أحسنو) لأنفسهم بالإيمان والعمل الصالح. و (الحسنى) الجنة. والزيادة نظر أهل الجنة إلى الله تعالى. (¬3) سورة الأعراف آية 143 علق الله رؤيته على جائز وهو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز. وفي هذا رد على من زعم أن (لن) تفيد تابيد النفي. فالرؤية مستحيلة.

ولم تقع إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسرى به على الراجح (روى) ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسرى به، والشجرة الملعونة في القرآن، قال: هي شجرة الزقوم. أخرجه البخاري والترمذي (¬1) {142}. وبالرؤية قال ابن عباس وأبو هريرة وأحمد وأبو الحسن الأشعري وجماعة. وأنكرتها عائشة رضي الله عنها. قال مسروق: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) {103} الأنعام. ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب. ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من آية (34) لقمان. ومن حدثك أنه كتم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت: (يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (الآية 67 المائدة). ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجه الشيخان والترمذي (¬2) {14}. (والمختار) ما ذهب إليه ابن عباس والجمهور: والحجج في هذه المسألة كثيرة ولكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما ومن وافقه. ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 1 تيسير الوصول (سورة بني إسرائيل). (¬2) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله) و (قف) بفتح القاف وشد الفاء أي قام شعر رأسي وبدني فزعا.

والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة وراسله، هل رأى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه (ولا يقدح) في هذا أثر عائشة رضي الله عنها، لأنها لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لم أر ربي. وإنما ذكرت متأوله لقول الله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا) {51} الشورى. ولقول الله تعالى: (لا تدركه الأبصار). (والصحابي) إذا قال قولا وخالفه غيره منهم، لم يكن قوله حجة. فإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد ثم أنه أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. (فالحاصل) أن الراجح عند أكثر العلماء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لما تقدم. ثم أن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث ولو كان معها فيه حديث لذكرته. وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات (فأما احتجاجها) بآية "لا تدركه الأبصار" "فجوابه" أن الإدراك هو الحاطة. والله لا يحاط به، ولا يلزم من نفى الإحاطة نفي الرؤية بلا إحاطة "وأما احتجاجها" بآية (وما كان لبشر أن يكمه الله إلا وحيا) "فجوابه" أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية. فيجوز حصول الرؤية بلا كلام، أو أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة (¬1). وكل ما تقدم أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والعقل يجوزه. فيجب الإيمان به من غير بحث في حقيقته. ومن أخل بشيء مما ذكر، فيسري جزاء تفريطه يوم الحساب، والعرض على رب الأرباب. ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 3 شرح مسلم للنووي المطبعة المصرية (إثبات رؤية الله تعالى).

(و) القضاء والقدر

(و) القضاء والقدر القضاء (لغة) الخلق والأمر والحكم. قال تعالى: "فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها" (12) فصلت. أي خلقهن. وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) (23) الإسراء أي أمر (وعرفا) هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، أي وجود الأشياء في أم الكتاب مجملة (والقدر) لغة التقدير وهو جعل كل شيء بمقدار يناسبه بلا تفاوت "وعرفا" جزئيا حكم القضاء وتفاصيله التي تقع فيما لا يزال (¬1) قال تعالى: (وأن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (21) الحجر. ومعناه أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة. فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وهو بهذا المعنى يعم القضاء بالمعنى السابق. (وقال) الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الأخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من اكتسابات العبد وصدورها عن تقدير من الله تعالى وخلقه لها خيرها وشرها. والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر (¬2) (ويجب) الإيمان والرضا لقوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرًا) آية (2) الفرقان. وقوله: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (49) القمر ¬

(¬1) الأزل القدم والأزلي القديم أصله يزلي نسبة ليزل من قولهم للقديم لم يزل ثم أبدلت ألياء همزة لأنها أخف (ومالا يزال) زمن وجود الحوادث. (¬2) انظر ص 154 ج 1 شرح مسلم (إثبات القدر).

ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث جبريل: "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (¬1) ". ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (¬2) {143}. (هذا) ما عليه أهل السنة والجماعة (فيجب) على المكلف أن يعتقد أن جميع أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى يريد الكفر من العبد ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه له. فيشاؤه كونا ولا يرضاه دينا وأن كل إنسان ميسر لما خلق له وأن الأعمال بالخواتيم فالسعيد من سعد بقضاء الله وقدره، فيوفقه تعالى للعمل بالشريعة الغراء إلى أن يموت على ذلك. والشقي من شقى بقضاء الله وقدره، فيموت على الكفر والعياذ بالله تعالى. (قال) على بن أبي طالب رضي الله عنه: كنا في جنازة ببقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى عليه وعلى ىله وسلم فقعد وقعدنا حوله وبيده مخصرة فجعل ينكت بها الأرض ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة. فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: أعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل الشقاء. ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى ¬

(¬1) حديث جبريل تقدم رقم 9 صفحة 11. (¬2) انظر ص 172 ج 3 تيسير الوصول (الرضا بالقدر) وص 22 ج 1 - ابن ماجه (القدر).

وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) الآية. أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬1) {144}. (وعن) جابر رضي الله عنه قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل اليوم؟ فيما جفت الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل؟ قال: فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: أعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله. أخرجه مسلم (¬2) {145}. (وعن) سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيبدو للناس وهو من أهل الجنة". أخرجه الشيخان. وزاد البخاري: وإنما الأعمال بالخواتيم (¬3) {146}. (والأحاديث) والآثار في هذا الباب كثيرة. وفيها رد على القدرية الذين يزعمون أن أفعال العباد مقدرة لهم واقعة منهم استقلالا بواسطة الأقدار والتمكين (وقد) اتفق لشخص منهم أنه رفع رجله بحضرة رجل من أهل السنة وقال: أني رفعت رجلي عن الأرض بقدرتي. فقال له السني: فإذا ارفع رجلك الأخرى فلم يدر له جوابا (وفيها) رد عليهم أيضا في زعمهم أن الله يخلق الخير ولا يخلق ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (الغرقد) بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء. مقبرة أهل المدينة. سميت بذلك لأنها كان فيها غرقد وهو شجر له شوك. و (المخصرة) بكسر فسكون. ما يمسكه الإنسان بيده من عصا ونحوها. (¬2) انظر ص 170 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (الغرقد) بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء، مقبرة أهل المدينة. سميت بذلك لأنها كان فيها غرقد وهو شجر له شوك. و (المخصرة) بكسر فسكون. ما يمسكه الإنسان بيده من عصا ونحوها. (¬3) انظر ص 333 ج 7 فتح الباري (غزوة خيبر) وص 124 ج 2 نووي مسلم (تحريم قتل الإنسان نفسه- الإيمان).

الشر كالمعاصي والكفر. وهو زعم باطل. إذ لو كان العبد يخلق الشر والمخالفات وهي أكثر وقوعا من الطاعات لكان أكثر ما يجري في الوجود من أفعال العباد لا يكون بخلق الله وإيجاده، بل بخلقهم وإيجادهم وذلك جلى البطلان، لأن الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتأثير على وفق علمه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدهم. أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي حازم عن عمر. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين أن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر (¬1) {147}. (وشبههم) صلى الله عليه وسلم بالمجوس حيث فرقوا بين أفعال الله عز وجل فجعلوا بعضها له وبعضها لغيره (قال) الخاطبي: إنما جعلهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجوسا، لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة. يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية. (وكذلك) القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره. والله خالق الخير والشر جميعا، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وإيجادا، وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا واكتسابا (وفيها) رد أيضا على المعتزلة الذين زعموا أن الله تعالى شاء الإيمان من الكافر فشاء الكافر الكفر. وهو زعم باطل فإنه يلزمه وقوع مشيئة الكافر دون مشيئة الله عز وجل. وهذا من أقبح الاعتقاد، إذ هو مخالف للأدلة القطعية وفيه تعطيل لإرادة الله تعالى، ¬

(¬1) انظر ص 222 ج 4 سنن أبي داود (في القدر) ولم يسمع أبون حازم من أبن عمر فالحديث منقطع.

وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية على وجوب الإرادة لله تعالى، وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراده رب العالمين وكيف وهو الذي يقول (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (68) القصص. وتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" (¬1) (ومنشأ) خطئهم التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضا. (فقالت) الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فهو محبوب مرضي. (وقالت) القدرية: ليست المعاصي محبوبة ولا مرضية الله تعالى، فليست مقدرة ولا مقضية فهي خارجة عن مشيئته وخلقه (وقد دل) على الفرق بين الإرادة والرضا الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة. قال تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (13) سورة السجدة. وقال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ ) (99) سورة يونس وقال (وما تشاءون إلا أن يشاء الله، إن الله كان عليما حكيما) (30) سورة الإنسان. وقال (من يشاء) (الله يضلله، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) (39) سورة الأنعام. وقال (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يردن أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) (125) سورة الأنعام. وقال (ذو العرش المجيد (15) (فعال لما يريد) (16) سورة البروج وقال (والله لا يحب الفساد) (205) البقرة. وقال (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) (7) سورة الزمر. ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 12 ص 14، وصدره: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت.

(وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأدت البنات ومنعا وهات. وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. أخرجه مسلم (¬1) {148}. (وقال) ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله تعالى يحب ان تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه" أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان (¬2) {149}. (وقالت) عائشة رضي الله عنها. فقدت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الفراش فوقعت يدي على بطن قدميه وهو ساجد يقول: "اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه مسلم والأربعة (¬3) {150}. (فتأمل) استعاذته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصفة الرضا من صفة السخط وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها. ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه وتعالى، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره فهو يقول: ما أعوذ منه واقع بمشيئتك وغرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك، هو بمشيئتك وإرادتك إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فأعذني مما أكره وامنعه أن يحل بي، وهو بمشيئتك أيضا. فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك ¬

(¬1) انظر ص 11 ن 12 ج 11 نووي مسلم (النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة). (¬2) انظر رقم 1879 ص 292 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر رقم 1521 ص 139 ج 2 فيض القدير.

(فإن قيل) كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه (قيل) أن المراد نوعان: مراد لنفسه ومراد لغيره. (فالمراد) لنفسه مطلوب ومحبوب لذاته وما فيه من الخير. والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا لمن يريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوره ومرادهن فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث أنه وسيلة إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما. وهذا كدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتاكل إذا علم أن في قطعة بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه واردته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفي عليه خافية. فهو سبحانه يكره الشيء وقد يريده لكونه سببا إلى أمر هو محبوب إليه. (من ذلك) أنه خلق إبليس الذي هو سبب فساد الأعمال والاعتقادات، وسبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب سبحانه وتعالى، وهو السعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة الله تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها (منها) أنه يظهر للعباد قدرة الله تعالى على خلق المتضادات المتقابلات. فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي سبب كل خير. كما ظهرت في خلق الليل والنهار والدواء والدراء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر، وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض وجعلها محال تصرفه وتدبيره، فخلو العالم عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفة وتدبير ممتلكته (ومنها) ظهور آثار أسمائه القهرية. مثل القهار، والمنتقم، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، وذي البطش الشديد، والخافض، والرافع، والمعز، والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمالات

لابد من وجود متعلقها ولو كان الجن والأنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء (ومنها) ظهور آثار أسمائه المتضمنة كلأه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء، لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذا بقوله: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. أخرجه مسلم عن الأسباب المفضية على ظهور آثار هذه الأسماء، لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذا بقوله: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. أخرجه مسلم عن أبي هريرة (¬1) {151}. (ومنها) ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه ولا ينزل في غير منزلته التي قتضيها كمال علمه وتمام حكمته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته وأعلم بمن يصلح لقوبها ويشكر له جميل صنعه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك. فلو قدر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة. ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر لتعطيل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب. وهذا كالشمس والمطر والرياح التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر (ومنها) حصول الطاعات المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت. فإن طاعة الجهاد من أحب أنواع الطاعة، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه الطاعة. وتوابعها من الموالاة الله تعالى والمعاداة فيه، وطاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفة الهوى، وإيثار محاب الله تعالى والتوبة والاستغفار والصبر، والاستعاذة بالله أن يجيره ¬

(¬1) انظر ص 65 ج 17 نووي مسلم (سقوط الذنوب بالاستغفار).

من عدوه ويعصمه من كيده واذاه إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها. (هذا) وأعلم أن الله تعالى لم يخلق شرا محضا من جميع الوجوه فإن حكمته تابى ذلك، فلا يمكن في جانبه تعالى أن يريد شيئا يكون فاسدا من كل وجه لا مصلحة في خلقه بوجه ما. فإنه تعالى بيده الخير كله، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير. والشر إنما حصل لعدم النسبة إليه، فلو كان غليه لم يكن شرا وهو من حيث نسبته إليه تعالى خلقا ومشيئة ليس بشر، والشرب الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه. والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير. وبهذا يظهر رد الله تعالى على المشركين بقوله (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) (148) سورة الأنعام. وإيضاح ذلك أن أسباب الخير ثلاثة: الأبجاد والإعداد والإمداد. فإيجاد الشيء خير وهو إلى الله، وكذلك إعداده وإمداده. فإذا لم يحدث فيه إعداد ولا إمداد، حصل فيه الشر. وهذا يسمى بالتخلية أي أن خلى الله بين العبد وبين نفسه ولم يمده بأسباب الوقاية من الشر وقع فيه. (فإن قيل) كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه (قيل) لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له. وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه تعالى من محبته لتلك الطاعة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) (46) سورة التوبة. أخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو طاعة، فلما كرهه منهم ثبطهم عنه. ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسول الله صلى

الله عليه وعلى آله وسلم فقال (لو خرجوا فيكم ما زادكم إلا خبالا) أي فسادا وشرا (ولأوضعوا خلالكم) أي سعوا بينكم بالفساد والشر (بيعونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) أي قابلون منهم مستجيبون لهم فيتولد من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه. (ولا يقال) إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه؟ (لأنا) نقول "أولا" نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة. بل من المقضي ما يرضي به، ومنه ما يسخط ويمقت "ثانيا" هنا أمران: قضاء الله وهو فعل قائم بذات الله تعالى. ومقضي وهو المفعول المنفصل عنه المتعلق بالعبد المنسوب إليه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة نرضى به كله. والمقضي قسمان: منه ما نرضى به، ومنه ما لا نرضى به، فمثلا: قتل النفس له اعتباران "فمن حيث" قدرة الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره نرضى به "ومن حيث" صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله "نسخطه" ولا نرضى به. (فهذا جملة) ما يحتاج إليه- في القضاء والقدر- من نور الله قلبه من المؤمنين الراسخين في العلم فإن العلم علمان: معروف للخلق، وغير معروف لهم (فالمعروف) علم الشريعة الذي جاءت به الرسل جملة وتفصيلا أصولا وفروعا. فمن أنكره كان من الكافرين (وغير المعروف) علم القدر الذي أخفاه الله عن خلقه ونهاهم عن البحث فيه، فمن أدعى معرفته وترك العمل بظاهر الشريعة اعتمادا على ذلك فهو من الخاسرين (فالمؤمن) الصادق هو الذي يعمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويفوض علم القضاء والقدر إلى الله عز وجل.

كلمة التوحيد

(وإنما أطلت) الكلام في هذا لمزيد فائدته، وهلاك كثير من الناس بسبب الجهل به والخوض فيه والله الهادي إلى سواء السبيل. كلمة التوحيد هي "لا إله لا الله، محمد رسول الله" ويتعلق بها خمسة أمور: (أ) ضبطها: ينبغي ترقيق حروفها ما عدا لام الله. وأن تمد "لا" مدا طبيعيا إلى ست حركات. وتحقيق همزة إله. وتمد لأمها مدا طبيعيا. وتفتح هاؤها فتح أبينا بلا إشباع. وتحقيق همزة إلا بلا إشباع وتشدد لأمها ويفخم لفظ الجلالة. وتضم الهاء وصلا، وتسكن وقفا، وحينئذ يجوز مد لفظ الجلالة إلى ست حركات. (ب) فضل لا إله لا الله: قد ورد في فضلها أحاديث كثيرة (منها). 1 - حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. أخرجه مالك والتعرمذي واللفظ له، وقال: حديث غريب (¬1) {152}. 2 - حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: افضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي ¬

(¬1) انظر ص 27 ج 2 تيسير الوصول (دعاء يوم عرفة).

وقال: حسن غريب وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه (¬1) {153}. 3 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب علمني ما اذكر: به وأدعوك به. فقال: يا موسى قال: لا إله إلى الله. قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: قل لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا أنت. إنما أريد شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن السموات السبع، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله. أخرجه النسائي وابن حبان (¬2) {154}. 4 - حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه. أخرجه الترمذي (¬3) {155}. (جـ) حكم النطق بكلمة التوحيد: يجب على من نشأ مؤمنا، أن يذكرها في العمر مرة ناويا أداء الواجب، وإلا فهو عاص. ثم ينبغي له الإكثار من ذكرها عارفا معناها مستحضرا ما احتوت عليه لينتفع بذكرها دنيا وأخرى. ¬

(¬1) انظر رقم 1253 ص 33 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 9 ص 75 ج 3 - الترغيب والترهيب طبعة الحلبي (الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد) وأطلق على الحمد دعاء على سبيل التجوز. لأن الحمد يتضمن الدعاء لقوله تعالى "لئن شكرتهم لأزيدنكم" أي فمن حمد الله تعالى كأنه يقول رب أدم على نعمتك وزدني منها. (¬3) انظر رقم 3403 ص 282 ج 3 فيض القدير. و (تخلص إليه) من المتشابه المصروف من ظاهره باتفاق السلف والخلف.

فتتفجر ينابيع الحكم من قلبه، ويرى لها من الأسرار والعجائب إن شاء الله تعالى مالا يدخل تحت حصر. (وأما الكافر) الذي يريد الدخول في الإسلام، فذكره لها ليس شرطا في صحة إيمانه ولا جزءا من مفهومه "وإنما جعل" الشرع النطق بالشهادتين "شرطا" لازما لإجراء الأحكام الدنيوية على المؤمن كالصلاة خلفه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وتزوجه مسلمة "فإذا لم ينطق" بهما لعذر كالخرس، أو لم يتمكن من النطق بهما، بأن مات عقب إيمانه بقلبه، أو اتفق له عدم النطق بهما بعد الإيمان بقلبه "فهو مؤمن" عند الله وناج في الآخرة "وأما من أمتنع" عن النطق بهما عنادا بعد أن عرض عليه ذلك "فهو كافر" والعياذ بالله تعالى ولا عبرة بتصديقه القلبي مع هذا الامتناع. (د) ما تضمنته من العقائد: كل ما تقدم من العقائد يندرج في كلمة التوحيد. وذلك أن معنى لا إله إلا الله "لا معبود بحق إلا الله" (ويلزم) هذا المعنى أن يكون غنيا عن كل ما سواه، وأن يفتقر إليه كل ما عداه. (ويلزم) كونه غنيا عن كل ما سواه، (أ) وجوب الوجود له والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والسمع والبصر والكلام، وعدم الغرض في فعل ما أو حكم ما، وعدم التأثير بالقوة المودعة، وعدم وجوب فعل عليه تعالى (ب) واستحالة العدم والحدوث. والفناء. والمماثلة للحوادث، والاحتياج لموجد أو ذات يقوم بها. والصمم. والعمي. والبكم. والتأثير بالقوة المودعة، والغرض في فعل أو حكم ما. واستحالة وجوب فعل عليه تعالى. فهذه اثنتان وعشرون عقيدة. منها الواجب له تعالى. ومنها المستحيل في حقه تعالى.

(ويلزم) كونه مفتقرا إليهم كل ما عداه (أ) وجوب الوحدانية له تعالى في الذات والصفات والأفعال، والحياة والعلم والإرادة والقدرة، وحدوث العالم، وعدم التأثير بالعلة والطبع والتولد (ب) واستحالة التعدد في الذات والصفات والأفعال اتصالا وانفصالا على ما تقدم، والموت والجهل والكراهية والعجز وقدم العالم والتأثير بالعلة والطبيعة والتولد. فهذه أربع عشرة عقيدة ما بين واجب له تعالى ومستحيل عليه تعالى. (ومعنى) محمد رسول الله: ثبوت الرسالة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويندرج تحته (أ) وجوب الأمانة والتبليغ والصدق، واتصافه بما لا نقص فيه سواء أكان واجبا كالفانة وعدم دناءة الآباء والأمهات، أم جائزا كالمرض والجوع. (ب) وإيماننا بجميع الأنبياء والكتب والملائكة واليوم الآخر، والقضاء والقدر. (جـ) واستحالة الخيانة والكتمان والكذب، واتصافه بما فيه نقص كالبلادة والجنون والعمى، فهذه أربع عشرة عقيدة (¬1) تضم لما تقدم تكون جملتها خمسين عقيدة. (هـ) كيفية الذكر وفضله: قد علمت أن هذه الكلمة من أفضل الأذكار وأشرفها عند الله تعالى. فينبغى للعاقل أن يعنى بها. ويحسن أن يكون حالة الذكر على طهارة متطيبا متجملا مستقبلا القبلة، ويتحرى الانفراد عن الخلق ما استطاع، ويستحضر المعنى بقدر الإمكان. ولا يترك الذكر عند عدم حضور قبله. بل يذكر متحليا ببقية الآداب راجيا أن تغشاه نفحة إلهية تنقله من الغفلة إلى الحضور ¬

(¬1) أربع برقم (أ) وست برقم (ب) وأربع برقم (ج).

ومن الحضور إلى المشاهدة. وألا يتصرف فى شئ من حروفها بزيادة أو نقصان بل يقتصر على الوارد شرعا. وليحذر مما عليه غالب الناس اليوم من تحريف الذكر والإلحاد فى أسمائه تعالى فإنه حرم بالإجماع ولا سند لهم فى ذلك إلا قولهم: وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون: وهذا لا يصدر إلا من الجهلة الذين لا يميزون الغث من لسمين. فعلى المؤمن ألا يخرج فى ذكره وكل أعماله عما جاء به الكتاب العزيز، ونطقت به السنة المطهرة (¬1). هذا. واعلم أن الذكر حقيقة هو ما يجرى على اللسان والقلب، وأكمله ما كان فيه استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفى النقائض عنه، والمراد به ما يشمل التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن والاستغفار والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وغير ذلك (قال) الفخر الرازى: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد (والذكر) بالقلب التفكر فى أدلة الذات والصفات والتكاليف من الأمر والنهى، وفى أسرار مخلوقات الله (والذكر) بالجوارح: هو أن تصير مستغرقة بالطاعة، ولذا سمى الله تعالى الصلاة ذكرا فى قوله (فاسعوا إلى ذكر الله). هذا والذكر سبعة أقسام: ذكر العينين البكاء. وذكر الأذنين الاصغاء. وذكر اللسان الثناء. وذكر اليدين العطاء. وذكر البدن الوفاء، وذكر القلب الخوف والرجاء، وذكر الروح التسليم والرضا (واعلم) أن الذكر أفضل الأعمال (فعن) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأذكارها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم، وخير لكم من ¬

(¬1) وقد بسط الشيخ الامام رحمه الله الكلام فى هذا وبين بطلان ما عليه متصوفة الزمان فى بعض كتبه " الرسالة البديعة" و" العهد الوثيق" وغيرهما.

انفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضبوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى، أخرجه مالك وأحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) [156]. (وعن) معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " أخرجه أحمد والترمذى والطبرانى بسند صحيح (¬2) {157}. (وعن) الأغر ابى مسلم أنه قال: أشهد على أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى أنهما شهدا على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل ألا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده "أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬3) {158}. (وعن) ابى سعيد الخدرى: خرج معاوية على حلقة فى المسجد فقال ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أنى لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلى آله وسلم، أقل عنه حديثا منى، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال" ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال: الله ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر). (¬2) انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر). (¬3) انظر ص 44 ج 2 تيسير الوصول (الذكر).

ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما جلسنا إلا ذاك. قال: أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتانى جبريلا فأجقبرنى ان الله عز وجل يباهى بكم الملائكة. اخرجه مسلم والنسائى والترمذى وقال حسن غريب (¬1) {159}. (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير - فى يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر من ذلك" أخرجه مالك والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {160}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة، حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬3) {161}. (وعن) مكحول عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله - فإنها كنز من كنوز الجنة " قال مكحول: فمن قالها ثم قال ولا منجى من الله إلا إليه، ¬

(¬1) انظر ص 22 ج 17 نووى مسلم (فضل الاجتماع على الذكر). وص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من فضل). و (حلقة) بفتح فسكون، القوم يجتمعون مستديرين. (آلله) بالمد والجر. (¬2) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح والتهليل .. ) وص 219 ج 2 - ابن ماجه (فضل لا إله إلا الله). (¬3) انظر ص 160 ج 11 فتح البارى (فضل التسبيح) ورقم 8898 ص 190 ج 6 فيض القدير. وص 250 ج 4 تحفة الأحوذى.

فضل الدعاء

كشف الله عنه سبعين بابا من الضر أدناها الفقر، أخرجه الترمذى، وقال: إسناده ليس بمتصل لأن مكحولا لم يسمع من ابى هريرة، وأخرجه النسائى مطولا بسند رجاله ثقات: ورفع إلى النبى قوله: ولا منجى من الله إلا إليه (¬1) {162}. (وعن) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: استكثروا من الباقيات الصالحات: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرجه النسائى وأحمد وابن حبان والحاكم وصححاه (¬2) {163}. فضل الدعاء " (اعلم) أن الدعاء ذكر وزيادة. وقد ورد الأمر به. قال تعالى (وقال ربكم أدعونى أستجب لكم) (60) سورة غافر (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" من لم يسأل الله يغضب عليه "أخرجه الترمذى وكذا ابن ماجه بلفظ: من لم يدع الله سبحانه غضب عليه (فضل الدعاء) والحاكم وصححه (¬3) {164}. وقد ورد فى فضله أحاديث (روى) النعمان بن بشير رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" الدعاء هو العبادة " ثم قرأ (وقال ربكم أدعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) ¬

(¬1) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح التهليل والتكبير والتحميد والحوقلة). (¬2) انظر ص 87 ج 10 مجمع الزوائد (الباقيات الصالحات). ورقم 30 ص 248 ج 2 - الترغيب والترهيب طبعة منير. (¬3) انظر ص 224 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الدعاء). وص 223 ج 2 - ابن ماجه.

أخرجه أحمد والأربعة. وقال الترمذى حسن صحيح، وابن حبان والحاكم وصححاه (¬1) {165}. (وعن) أنس مرفوعا "الدعاء مخ العبادة "اخرجه الترمذى وفيه ابن لهيعة، فيه مقال (¬2) {166}. (وعنه) مرفوعا" لا يرد الدعاء بين الأذان والاقامة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى وزاد: قالوا فما نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العفو والعافية فى الدنيا والآخرة (¬3) {167}. (وعن) شداد بن أوس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت، خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك على، وأبوء لك بذنبى، فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النها موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسى، فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة " أخرجه أحمد والبخارى والدارمى والثلاثة (¬4) {168}. (وعن) ابن عمر رضى الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى وحين يصبح: "اللهم إنى أسألك العفو ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 2 تيسير الوصول (فضل الدعاء ووقته) وص 223 ج 2 - ابن ماجه (فضل الدعاء). (¬2) انظر ص 223 ج 4 تحفة الأحوذى (باب ما جاء فى فضل الدعاء). (¬3) يأتى رقم 121 ص 78 ج 2 - الدين الخالص (الدعاء بين الأذان والاقامة). (¬4) انظر رقم 4743 ص 119 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 77 ج 11 فتح البارى (أفضل الاستغفار).

على الطاعة لعموم قوله تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) (30) سورة الكهف. وفى حديث ابن عباس: رفعت امرأة صبيا لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {1}. وعدم مؤاخذة غير المكلف 5 بالمعصية لعدم تكليفه (روى) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه (¬2) {2}. (واستمداده) من الكتاب والسنة والإجماع والقياس المستنبط من هذه الثلاثة. (وثمرته) الفوز بسعادة الدارين لمن تعلمه وعمل به (وواضعه) الإمام أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه، فإنه أول من دون الفقه ورتب أبوابه، وتبعه الامام مالك رضى الله تعالى عنه فى موطئه. والذى دعت الحاجة إلى بيانه من مباحثه، العبادات: الصلاة والزكاة والصيام والحج. أما الصلاة فهى ثانية أركان الإسلام الخمسة، وأفضل العبادات. ولها شروط لا تصح إلا بها، أولاها بالتقديم: ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 9 نووى مسلم (صحة حج الصبى) وص 277 ج 10= المنهل العذب (اصبى يحج) وص 5 ج 2 مجتبى (الحج الصغير) و (نعم) أى للصبى ثواب الحج (ولك أجر) يعنى لحملها الصبى وتحملها المشاق من أجله. وهذا كالصلاة والصوم يؤمر بهما الصبى إذا أطاقهما ويكتب له الأجر. ويكتب لمن يأمره بالطاعة ويرشده إليها أجر. (¬2) يأتى بالزكاة رقم 19 ص 94 ج 8 - الدين الخالص (الزكاة فى مال غير المكلف) والمراد برفع القلم عن الصبى عدم كتابة الشر عليه دون الخير. أما المجنون والنائم فلا يكتب لهما. الخير ايضا لأنهما ليسا أهلا للعبادة لعدم التمييز.

الطهارة

الطهارة وهى بفتح الطاء لغة النظافة والتنزه عن الأدناس ولو معوية كالعيوب والذنوب، وبالكسر ما يتطهر به من الماء ونحوه، وبالضم اسم لما بقى من الماء بعد التهطر. وشرعا النظافة من النجاسة حقيقة كالخبث، وحكمية وهى الحدث أو يقال: هى صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث. (ووسائلها كثيرة) منها الماء، والدابغ، والتراب، والاستحالة، والدلك، والفرك، وغيرها. ثم الكلام هنا فى سبعة مباحث. 1 - الماء هو جسم لطيف سيال يتلون بلون إنائه (وهو قسمان) ما تصح به الطهارة وما لا تصح (أ) فتصح بالماء الطاهر المطهر قليلا أو كثرا مستعملا أو غير مستعمل، عذبا أو ملحا، ماء آبار أو عيون أو مطر أو ندى لا يخرجه عن الطهورية إلا ما غير ريحه أو طعمه أو لونه من نجس يحل فيه. (لحديث) ابى سعيد الخدرى قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الماء طهور لا سنجسه شئ. اخرجه الشافعى وأحمد والثلاثة والحاكم وصححه وحسنه الترمذى (¬1) [3]. ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 1 بدائع المنن، وص 214 ج 1 - الفتح الربانى ولفظه: إن الماء. وص 290 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه) و (بضاعة) بتثليث الموحدة، والمحفوظ الضم وبالضاد المعجمة. وحكى بالصاد المهملة. و (الحيض) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية- الخرق التى يمسح بها دم الحيض (والنتن) بفتح فسكون. او بفتحتين- ماله رائحة كريهة. و (طهور) بفتح الطاء المهملة. أى طاهر فى نفسه مطهر لغيره.

(وعن) أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أن الماء طهور إلا أن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه "أخرجه البيهقى (¬1) [4]. وقد اتفق أهل الحديث على ضعف هذه الزيادة، لكن أجمع العلماء على مضمونها. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس (¬2). فالاحتجاج على نجاسة المتغير بالإجماع لا بتلك الزيادة (¬3) (ومعلوم) أن الإجماع حجة ودليل من أدلة الشريعة المطهرة، وإن لم يظهر لنا مأخذه، لأنه لا ينعقد إلا عن دليل كما هو مقرر. فلا ينجس الماء بما لا قاه من النجاسة ولو كان قليلا إلا إذا تغير (وبه) قال ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصرى وابن المسيب والثورى وداود الظاهرى والنخعى ومالك والغزالى وهو الراجح (وقال) أكثر الشافعية والحنفية وأحمد وإسحاق: ينجس القليل بما لاقاه من النجاسة وإن لم تتغر أوصافه، إذ تستعمل النجاسة باستعماله، ولحديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده " أخرجه الشافعى وأمد ومسلم والأربعة (¬4) [5]. ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 سنن البيهقى (نجاسة الماء الكثير إذا غيرته النجاسة). (¬2) انظر ص 237 ج 1 - المنهل العذب المورود (باب ما جاء فى بئر بضاعة). (¬3) لم يحتج بهذه الزيادة الجمهور وإن تعددت طرقها لأنها شديدة الضعف جدا ومعظم رجالها متروك. ومن العلماء من قال: أنها تعتض وتأخذ قوة فتصير من قبيل الحسن لغيره- وبذا تقوى وتصلح للاحتجاج بها فتكون دليل الاجماع. (¬4) ص 17 ج 1 بدائع المنن. وص 23 ج 2 - الفتح الربانى. وص 178 ج 3 نووى مسلم (كراهة غمس اليد المشكوك فى نجاستها فى الماء) وص 80 ج 1 - ابن ماجه وص 332 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يدخل يده فى الاناء قبل غسلها) وص 4 ج 1 مجتبى (الطهارة) وص 36 ج 1 تحفة الأحوذى.

(وحديث) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا ولغ الكلب فى الاناء فاغسلوه سبع مرات، السابعة بالتراب " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) [6]. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم ثم يغسل فيه " أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه والنسائى (¬2) [7]. (وحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا ان الماء قلتين لم يجعل الخبث" أخرجه الشافعى وأحمد والأربعة والبيهقى (¬3) [8]. (قالوا) فحديث " الماء طهور لا ينجسه شئ" فخصص بهذه الأدلة (واختلفوا) فى حد القليل الذى يجب اجتنابه عند وقوع النجاسة فيه (فقال) الحنفيون: ما ظن استعمال النجاسة باستعماله (وقال) الشافعى وأحمد: ما كان دون القلتين على اختلاف فى قدرهما (وأجاب) القائلون بأن القليل لا يتنجس بملاقاة النجاسة ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء بسؤر الكلب) وص 76 ج 1 ابن ماجه (غسل الاناء من ولوغ الكلب). (¬2) انظر ص 240 ج 1 فتح البارى (البول فى الماء الدائم) وص 187 ج 3 نووى مسلم (البول فى الماء الراكد) وص 243 ج 1 - المنهل العذب. وص 73 ج 1 - ابن ماجه. (النهى عن البول فى الماء الراكد). (¬3) انظر ص 19 ج 1 بدائع المنن (أحكام المياه .. ) وص 216 ج 1 - الفتح الربانى وص 223 ج 1 - المنهل العذب. (ما ينجس الماء) وص 63 ج 1 مجتبى. وص 7 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 96 ج 1 - ابن ماجه (مقدار الماء الذى لا ينجس).

إلا أن تغير (1) بأن ما استدلوا به ليس صريحا فى مدعاهم. (2) أو أنه محمول على ما إذا تغير أحد أوصاف الماء جمعا بين الأدلة (3) وبأن الظن لا ينضبط بل يختلف باختلاف الأشخاص وايضا جعل ظن الاستعمال مناطا يستلزم استواء القليل والكثير. (4) وبأن حديث القلتين مضطرب الإسناد والمتن. وعلى تسليم صحته فلا معارضة بينه وبين حديث " الماء طهور لا ينجسه شئ" لأن ما بلغ مقدار القلتين فصاعدا لا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا أن تغير أحد أوصافه، فيتنجس بالاجماع فيخص به حديث القلتين، وحديث لا ينجسه شئ. وأما ما دون القلتين (فإن) تغير خرج عن الطهارة بالاجماع لمفهوم حديث القلتين فيخص بذلك عموم حديث لا ينجسه شئ (وإن) لم يتغير بنجاسة وقعت فيه (فحديث) لا ينجسه شئ، يدل بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاة النجاسة (وحديث) القلتين يدل بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها. والمنطوق مقدم على المفهوم. (ومما) يدل على جواز التطهير بماء البحر الملح قول أبى هريرة: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء. فإن توضأنا به عطشنا، افنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه مالك وأحمد والأربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) [9]. (ويدل) على جواز التطهير بماء الثلج والبرد حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول فى دعائه " اللهم اغسل خطاياى بماء الثلج والبرد، ¬

(¬1) انظر ص 290 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه). وص 21 ج 1 - الفتح الربانى. وص 79 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء بماء البحر).

ونق قلبى من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس " أخرجه النسائى (¬1) [10]. (ووجه) الدلالة أنه من باب التشبيه، فدل على أن المشبه به طهارة شرعية حاصلة بماء الثلج والبرد. ب- (ويجوز) التطهير بفضل طهارة المرأة أو الرجل، لقول عائشة رضى الله عنها: كنت أغتسل أنا والنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد، من قدح يقال له الفق. أخرجه الشيخان (¬2) [11]. (وعن) عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كان الرجال والنساء يغتسلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد. أخرجه مالك والبخارى وأبو داود والنسائى (¬3) [12]. (وعن) ميمونة رضى الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اناء واحد من الجنابة. أخرجه الترمذى وقال: حسن صحيح. وهو قول عامة الفقهاء أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من اناء واحد (¬4) [13]. (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما قال: اغتسل بعض أزواج النبى صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 1 مجتبى (الوضوء بماء الثلج). (¬2) انظر ص 252 ج 1 فتح البارى (غسل الرجل مع امرأته) وص 4 ج 4 نووى مسلم. و (الفرق) بفتح الراء ثلاثة آصع ووزنة من البر نحو ستة عشر رطلا. (¬3) انظر ص 292 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه). (¬4) انظر ص 64 ج 1 تحفة الأحوذى (وضوء الرجل والمرأة من اناء واحد)

عليه وعلى آله وسلم فى جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوضأ منه. فقالت: يا رسول الله، انى كنت جنبا. قال: " ان الماء لا يجنب ". أخرجه أحمد والثلاثة. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح. وهو قول سفيان الثورى ومالك والشافعى (¬1) [14]. وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة. وهو قول أحمد واسحاق. واستدلا بحديث الحكم بن عمرو الغفارى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى وزاد: أو قال بسؤرها، وحسنه (¬2) [15]. ولكن فيه مقال. وعلى فرض حسنة خ، فالحسن لا يعارض الأحاديث الصحيحة السابقة. وعلى فرض المساواة يحمل النهى على التنزيه (وبذا) تزداد علما بجواز التطهير بماء البرك ونحوها بالطريق الأولى. (فائدة) لم يقم دليل على طلب نية الاغتراف اذا كان الوضوء أو الغسل من اناء مفتوح خلافا لمن زعم ذلك وقال: ان لم ينو الاغتراف أو الغسل وبعد غسل الوجه فى الوضوء، صار الماء مستعملا لا يتطهر به (بل يدل) على عدم طلبها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى له وسلم، فدعا باناء فأكفأ منه على يديه ثلاثا ¬

(¬1) انظر ص 211 ج 1 - الفتح الربانى. وص 240 ج 1 - المنهل العذب (الماء لا يجنب) وص 62 ج 1 مجتبى (المياه). د ص 65 ج 1 تحفة الاحوذى. و (الجفنة) بفتح فسكون، القصعة الكبيرة. (¬2) انظر ص 273 ج 1 - المنهل العذب (النهى عن ذلك) أى عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة والعكس. وص 78 ج 1 - ابن ماجه. وص 65 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية فضل طهور المرأة).

فغسلهما، ثم أدخل يده واستخرجها غمضمض واستشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه الى المرفقين مرتين مرتين. ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الشيخان وأحمد، وهذا لفظه (¬1). [16]. (فترى) رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كرر الاغتراف من الإناء، فأتم وضوءه. وكذلك أصحابه رضى الله عنهم. ولم ينقل عنهم أن إدخال اليد فى الإناء بلا نية اغتراف يصيره مستعملا لا يصح التطهير به، لما تقدم أن الماء لا ينجسه شئ، ولا تسلب طهورته إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة. جـ- (ويصح) التطهير بالماء المستعمل فى طهارة بلا كراهة عند الظاهرية لأنه يصدق عليه اسم الماء المطلق. (وقالت) المالكية: يكره التطهر به عند وجود غيره، ولم يضف إليه ماء مطلق لضعفه باستعماله فى الطهارة الأولى. ولا يجوز التيمم مع وجوده. أما إذا لم يوجد غيره أو أضيف إليه ماء مطلق فلا يكره التطهر به (وقال) أبو حنيفة والشافعى: لا تجوز الطهارة به على كل حال لأنه لا يتناوله اسم الماء المطلق (وشذ) أبو يوسف فقال: إنه نجس. (والحق) أن الماء المستعمل طاهر مطهر عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور. وهو مذهب جماعة من السلف والخلف. ¬

(¬1) انظر ص 203 ج 1 فتح البارى (مسح الرأس كله) وص 121 ج 3 نووى مسلم (صفة الوضوء) وص 4 ج 2 - الفتح الربانى.

2 - السؤر

د - ولا تصح الطهارة بما تغير بطاهر كماء الورد والزعفران والصابون والأشنان (¬1)، فهو طاهر غير مطهر عند الأئمة الثلاثة، لزوال اسم الماء المطلق عنه. (وقال) الحنفيون: انه طاهر مطهر وان تغير بعض أوصافه ما دام باقيا على رقته وسيلانه، لقول عائشة رضى الله قعنها: كان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه بالخطمى وهو جنب فيجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أخرجه أبو داود والبيقهى بسند حسن (¬2) [17]. ومعناه أنه كان يكتفى بالماء الذى يزيل به الخطمى، ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيمن سقط عن راحلته فمات - " اغسلوه بماء وسدر ". أخرجه السبعة من حديث ابن عباس (¬3) [18]. والميت لا يغسل الا بما يصح التطهير به للحى. أما ما تغيرت كل أوصافه أو خرج عن رقته وسيلانه، فلا يصح التطهير به اتفاقا. 2 - السؤر هو بالهمز فى الأصل ما بقى فى الإناء بعد شرب الحيوان وهو المراد هنا. ثم عم استعماله فى الباقى من كل شئ (وقد اتفق) العلماء على طهارة سؤر المسلم ¬

(¬1) (الأشنان) بضم الهمزة وكسرها وسكون الشين، دقاق الترمس نافع للحكة والجرب. (¬2) انظر ص 33 ج 3 - المنهل العذب (الجنب يغسل رأسه بالخطمى) وص 182 ج 1 سنن البيهقى. (الخطمى) بكسر أو فتح فسكون. نبت طيب الرائحة ينظف به الرأس وغيره. (¬3) انظر ص 88 ج 3 فتح البارى (الحنوط للميت) وهو بعض حديث يأتى بالجنائز رقم 407 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (غسل الميت) و (السدر) بكسر فسكون، ورق النبق.

وبهيمة الأنعام. واختلفوا فيما عدا ذلك (فقال) مالك والأوزاعى وداود الظاهرى بطهارة سؤر كل حيوان. وعن ماتلك أنه استثنى الخنزير فقط (واستثنى) الشافعى وأحمد سؤر الكلب والخنزير. واستثنى ابن القاسم المالكى سؤر السباع عامة (وقال) الحنفيون: سؤر كل شئ كعرقة. وهو أربعة أقسام: (الأول) طاهر غير مكروه استعماله. وهو سؤر الآدمى الطاهر الفم ولو كافرا أو جنبا، وما يؤكل لحمه من الدواب والطيور التى تتوفى النجاسة غالبا، لقول عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيضع فاه على موضع فى فيشرب. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (¬1) [19]. ولأن لعاب مأكول اللحم متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه. (الثانى) نجس وهو سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم، وهى كل ناب يعدو به كالأسد والذئب والثعلب والهر البرى، لما سيأتى عن أبى هريرة وابن عمر. (الثالث) طاهر يكره استعماله تنزيها عند وجود غيره. وهو سؤر الهرة الأهلية والدجاجة التى تجول فى القاذورات ولم تعلم حال منقارها، وسباع الطير. وهى كل ذى مخلب يصيد به كالحدأة والصقر، اذا لم يعلم طهارة منقارها وسواكن البيوت مما له دم سائل كالحية والفأرة، لحديث أبى قتادة الآتى. (الرابع) متوقف فى طهوريته، وهو سؤر البغل والحمار الأهلى، فان لم يجد ¬

(¬1) انظر ص 210 ج 3 نووى مسلم (طهارة سؤر الحائض) وص 23 ج 1 مجتبى (سؤر الحائض).

ماء غيره تطهر به، وتيمم احتياطا (وأما) سؤر المشرك (فقيل) انه نجس (وقيل) مكروه اذا كان يشرب الخمر. وهو قول ابن القاسم ومثله عنده جميع آسار الحيوانات التى لا تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج والابل والجلالة والكلاب (وسبب) اختلافهم الآثار بعضها بعضا (اما القياس) فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة سبب نجاسه عين الحيوان بالشرع، وجب أن تكون الحياة سبب طهارة عين الحيوان، وحيث كان كذلك فكل حى طاهر العين، وكل طاهر العين سؤره طاهر (وأما) ظاهر الكتاب فانه عارض هذا القياس فى الخنزير والمشرك. وذلك أن الله تعالى (قال) فى الخنزير: (فانه رجس) أى نجس، وما هو رجس فى عينه فهو نجس لعينه، ولذلك استثنى قوم من الحيوان الخنزير فقط، ومن لم يستثنه حمل قوله رجس على جهة الذم (وقال) الله تعالى فى المشرك: (انما المشركون نجس) (28) سورة التوبة. فمن حمل هذا أيضا على ظاهرة استثنى من مقتضى القياس المشركين. ومن أخرجه مخرج الذم لهم وأن المراد نجاسه العقيدة، طرد قياسه (وأما) الأحاديث فانها عارضت هذا القياس فى الكلب والهر والسباع (أما) فى الكلب فقد تقدم عن أبى هريرة أنه روى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " اذا ولغ الكلب فى الاناء فاغسلوه سبع مرات " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) [20]. (وأما) فى الهر فقد روى قرة عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين ". أخرجه الطحاوى (¬2) [21]. ¬

(¬1) تقدم رقم 6 ص 159 (الماء). (¬2) انظر ص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر).

(وأما) فى السباع فقد تقدم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " اذ كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " أخرجه الشافعى وأحمد والأربعة (¬1) [22]. (فهذا الحديث) يدل على نحاسه سؤر السباع، والا لكان التحديد بالقلتين " فى جواب السؤال عن ورودها على الماء " عبثا. (وأما) تعارض الأحاديث (فمنها) حديث أبى هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحياض التى تكون بين مكة والمدينة، فقيل ان الكلاب والسباع ترد عليها فقال: لها ما أخذت فى بطونها ولنا ما بقى شراب وطهور. أخرجه الدار قطنى (¬2) [23]. (ومنها) حديث كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآنى أنظر اليه فقال: أتعجبين يابنة أخى؟ فقلت نعم. فقال ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: انها ليست بنجس، انها من الطوافين عليكم والطوافات. أخرجه مالك وأحمد والدارمى والأربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح. وصححه البخارى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنى (¬3) [24]. (ومنها) حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصغى ¬

(¬1) تقدم رقم 8 ص 159 (الماء). (¬2) انظر ص 11 سنن الدارقطنى (باب الماء المتغير). (¬3) انظر ص 26 منه، وص 222 ج 1 - الفتح الربانى. وص 187 ج 1 سنن الدرامى (الهرة اذا ولغت فى الاناء) وص 264 ج 1 - المنهل العذب (سؤر الهرة) وص 63 ج 1 مجتبى.

الى الهرة الاناء حتى تشرب. ثم يتوضأ بفضلها. أخرجه الدارقطنى والطحاوى (¬1) [25]. (وقد) اختلف العلماء فى تأويل هذه الأحاديث ووجه جمعها مع القياس المذكور. فذهب مالك فى الأمر باراقة سؤر الكلب وغسل الاناء منه، الى أن ذلك أمر تعبدى لم تعقل علته. وأن الماء الذى يلغ فيها الكلب فى المشهور عنه. وقال: لا يفهم منه أن الكلب نجس العين، والا عارضه ظاهر قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (4) سورة المائدة. قال: لو كان نجس العين لنجس الصيد بماسته. وأيد هذا التأويل بما جاء فى غسله من العدد والنجاسات لا يشترط فى غسلها العدد بل المدار فى ذلك على ازالتها. فالقياس عنده باق على عمومه. ولم يعول على سائر هذه الأحاديث لضعفها عنده. (قال) ابن رشد: قال القاضى: قد ذهب جدى الى أن هذا الحديث معلل معقول المعنى، ليس من سبب النجاسه، بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الذى وله فى الإناء كلبا فيخاف من ذلك السم، ولذلك جاء هذا العدد الذى هو السبع فى غسله، فان هذا العدد قد استعمل فى الشرع فى مواضع كثيرة فى العلاج والمداواة من الأمراض وهذا وجه حسن فانه إذا قلنا: أن ذلك الماء غير نجس، فبيان علة غسله أولى من أن يقال أنه غير معلل (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 25 سنن الدارقطنى (باب سؤر الهرة). وص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر). (¬2) انظر ص 24 ج 1 بداية المجتهد. و (كلب) بفتح الكاف وكسر اللام أى عقور.

(هذا) والذى يشهد له الدليل (ا) أن سؤر الكلب نجس وهو قول الحنفيين والشافعى وأحمد ومالك فى رواية ابن وهب عنه، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه. فالحديث يقتضى نجاسة سؤره وأن لعابه نجس، وأنه يجب أن يغسل الصيد منه ومثله الخنزير عند الشافعى وأحمد لقوله تعالى: (فانه رجس). (ب) وأن سؤر السنور وباقى السباع والحيوان غير هالكلب والخنزير طاهر ويؤيده قول جابر: سئل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها. أخرجه الشافعى والدارقطنى. وقال البيهقى فى المعرفة: له أسانيد اذا ضم بعضها الى بعض كانت قوية (¬1) [26]. (ولعل) الأرجح أن يستثنى من طهارة أسار الحيوان " الكلب والخنزير والمشرك " لصحة الآثار الواردة فى الكلب، ولأن ظاهر الكتاب أولى أن يتبع فى القول بنجاسه عين الخنزير والمشرك، من القياس. وكذلك ظاهر الحديث نجاسه سؤر الكلب. وعليه أكثر الفقهاء، فان الأمر باراقة ما ولغ فيه الكلب مناسب فى الشرع لنجاسه الماء الذى ولغ فيه. أعنى أن المفهوم بالعادة فى الشرع من الأمر باراقة الشئ وغسل الاناء منه هو لنجاسة الشئ "وما اعترضوا به " من أنه لو كان ذلك لنجاسة الاناء، لما اشترط فيه العدد " فغير نكير " أن يكون الشرع يخص نجاسه دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا لها (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 21 ج 1 بدائع المنن (أسآر السباع .. ) وص 23 سنن الدارقطنى. (¬2) انظر ص 23 ج 1 (بداية المجتهد).

3 - الدباغ

3 - الدباغ بكسر الدال مصدر دبغ- من بابي نصر وكتب- ويطلق على ما يدبغ به. والمراد هنا تطهير الجلد بما يزيل منه النتن والرطوبة ويمنع عود الفساد له إذا استعمل في الماء. هذا وجلد الميتة يطهر بالدبغ وينتفع به عند الجمهور لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر" أخرجه الشافعي والسبعة إلا البخاري، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {27}. والإهاب: الجلد إذا لم يدبغ (وفيما يطهر) بالدبغ ستة أقوال. 1 - (قال) الحنفيون: كل جلد دبغ بما يمنع النتن والفساد يطهر ظاهرا وباطنا، فيصح الوضوء منه والصلاة فيه وعليه. (واستثنوا) من ذلك (أ) مالا يحتمل الدباغ كجلد الحية والفأرة والطيور، فلا يطهر بالدبغ لعدم إمكانه. (ب) وجلد الخنزير لأنه نجس العين. لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) (145) سورة الأنعام، بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه. فإذا لم تقده الحياة الطهارة، فالدباغ أولى. ¬

(¬1) انظر ص 23 ج 1 بدائع المنن. وص 230 ج 1 - الفتح الرباني. وص 53 ج 4 نووي مسلم (طهارة جلود الميتة بالدباغ) وص 191 ج 2 مجتبي (جلود الميتة) وص 66 ج 4 سنن أبي داود (أهب الميتة) ولفظه إذا دبغ الإهاب. وص 198 ج 2 - ابن ماجه (ليس جلود الميتة إذا دبغت) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت).

(وما يطهر به) يطهر بالذكاة الشرعية وهي الصادرة من ذي دين سماوي غير محرم ولا متعمد ترك التسمية، فذكاة المجوسي والمحرم بحج أو عمرة وتارك التسمية عمدا، غير مطهرة. 2 - وقالت الشافعية: كل جلد يطهر بالدباغ، لما تقدم. "واستثنوا" من ذلك (أ) جلد الخنزير، لما تقدم (ب) جلد الكلب قياسا عليه بجامع النجاسة في كل (جـ) جلد ما تولد من أحدهما مع حيوان آخر (¬1). 3 - والمشهور عن مالك أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لكن يجوز استعماله في اليابس والماء دون غيره من المائعات، لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. 4 - والمشهور عند الحنبلية أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ولا يستعمل. واستدل المالكية والحنبلية بحديث عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إلى جهينة: اني كنت رخصت لكم في جلود الميتة. فإذا جاءكم كتابي هذا، فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه الدارقطني (¬2) {28}. (وعنه) قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل وفاته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه أحمد والأربعة ولم يذكر الشهر إلا أحمد وأبو داود (وذكر) الترمذي في رواية قبل وفاته بشهرين وقال هذا حديث حسن (¬3) {29}. ¬

(¬1) انظر ص 217 و 221 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 78 ج 1 نيل الأوطار (نسخ تطهير الدباغ) و (الأهاب) الجلد ما لم يدبغ (والعصب) بفتحتين، العروق التي تشد المفاصل. (¬3) انظر ص 237 ج 1 - الفتح الرباني. وص 67 ج 4 سنن أبي داود (من روى أن لا ينتفع باهاب الميتة) وص 192 ج 2 مجتبي (ما يدبغ به جلود الميتة) وص 198 ج 2 سنن ابن ماجه (لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت- أبواب اللباس).

(وقال) كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: كان آخر أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم وقال عن عبد الله ابن عكيم عن أشياخ من جهينة. (قالوا) هذا الحديث ناسخ للأحاديث السابقة لأنه كان قبل الموت بشهر أو شهرين (وأجاب) الجمهور عنه (أ) بأنه حديث ضعيف لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس بصحابي فهو مرسل لعدم سماع ابن عكيم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومنقطع لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من ابن عكيم. ومضطرب سندا ومتنا (¬1). وروى عن مشيخة مجهولين لم تثبت صحبتهم. وتحسين الترمذي له غير مسلم فقد بين هو وغيره وجه ضعفه فلا يقاوم الأحاديث السابقة لصحتها واشتهارها. (ب) وبأنه لا نسخ لإمكان الجمع بأن الإهاب الجلد قبل دباغة (قال) أبو داود: فإذا دبغ لا يقال له أهاب إنما يسمى شنا وقربة فلا يعارض الأحاديث السابقة فإن النهي فيه لما قبل الدباغ، والإباحة في غيره لما بعد الدباغ. ¬

(¬1) فقد رواه الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عكيم. ورواه خالد الحذاء عن الحكم وقال: أنه لم يسمعه من ابن عكيم ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا وأخبروه كما في سند لأبي داود. وتارة رواه عن مشيخة من جهينة وتارة عمن قرأ الكتاب. (أما) اضطراب المتن فرواه الأكثر من غير تقييد بمدة. ومنهم من رواه بتقييد شهر أو شهرين أو أربعين يوما أو ثلاثة أيام. أنظر ص 79 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في نسخ تطهير الدباغ).

5 - (وقال) الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض الحنبلية: يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره. لحديث ابن عباس أن داجنا لميمونة ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألا انتفعتم باهابها؟ ألا دبغتموه؟ فإنه ذكاته. اخرجه أحمد (¬1) {30}. 6 - (وقال) داود والظاهري وسحنون وابن الحكم: يطهر جلد الميتة مطلقا بالدبغ وروى عن أبي يوسف لعموم الأحاديث السابقة. فيجوز استعماله في اليابسات والمائعات، لا فرق بين ماء وغيره. وهذا هو الراجح، لأن الأحاديث لم يفرق بين مأكول اللحم وغيره. هذا (واحتجاج) الشافعية بقوله تعالى: "أو لحم خنزير فإنه رجس" على إخراج الخنزير، وقياس الكلب عليه (لا يتم) إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون المضافن وهو محل نزاع، ولا أقل من الاحتمال أن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحا. والمحتمل لا يكون حجة على الخصم. وأيضا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير- على تسليم شمولها لجميعه لحما وشعرا وجلدا وعظما- مخصصة بأحاديث الدباغ (¬2). (مسائل): 1 - لو دبغ الجلد بنجس أو بمجتنس أو بماء نجس فهل يحصل به الدباغ؟ فيهوجهان أصحهما الحصول، لأن الغرض تطيب الجلد وإزالة الفضول ¬

(¬1) انظر ص 232 ج 1 - الفتح الرباني. و (الدواجن) في الأصل، المقيم بالمكان، ومنه الشاة إذا ألفت البيت. (¬2) انظر ص 76 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في تطهير الدباغ).

وهذا حاصل بالنجس كالطاهر ويجب غسله بعد الدباغ ولو دبغه بطاهر لا يجب غسله على الأصل. 2 - لا يفتقر الدباغ إلى نية ولا إلى فاعل فلو أطارت الريح جلد ميتة فألقته في مدبغة فاندبغ صار طاهرا. 3 - لو أخذ شخص جلد ميتة لغيره فدبغه طهر. ولمن يكون؟ "قيل" يكون لدبغ "وقيل" لصاحب الميتة لتقدم حقه. والأصح أنه إن كان صاحبها رفع يده عنها ثم أخذه الدابغ فهو له وإن كان غصبه للمغصوب منه (¬1). 4 - أجمع العلماء على أنه لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة إذا لم يدبغ. وعليه يحمل النهي في حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "نهى عن جلود السباع" أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم. وزاد الترمذي: أن تفترش (¬2) {31}. (وعن) المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال نعم. أخرجه أبو داود والنسائي بسند صالح (¬3) {32}. (دل) الحديثان على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها (وقد) اختلف في حكمة النهي (فقال) البيهقي: يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من ¬

(¬1) انظر ص 235 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 69 ج 4 سنن أبي داود (جلود السباع) وص 192 ج 2 مجتبي (النهي عن الانتفاع بجلود السباع) وص 66 ج 3 تحفة الأحوذي (في النهي عن جلود السباع). (¬3) انظر ص 68 ج 4 سنن أبي داود (جلود النمور والسباع) وص 192 ج 2 مجتبي.

4 - الآنية

الشعر، لأن الدباغ لا يؤثر فيه. وقال غيره: يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها، لأجل النجاسة، أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء (وأما) الاستدلال بهما على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم (فغير ظاهر) لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة، بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها ونحوه (¬1). 4 - الآنية هي جمع إناء وهو مباح وغيره. (أ) فيباح اتخاذ واستعمال كل إناء طاهر سواء أكان ثمينا كالبلور والياقوت والزمرد، أو ليس ثمينا كالعقيق والخشب والحجارة والنحاس والحديد والجلد. وهو قول الجمهور لقول عبد الله بن زيد: أتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ أخرجه البخاري (¬2) {33}. (وقالت) عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تور من شبه. أخرجه أبو داود (¬3) {34}. ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 1 نيل الأوطار. وسيأتي لهذا البحث زيادة بيان في بحث (ليس الجلود) ص 312 ج 6 - الدين الخالص إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر ص 211 ج 1 فتح الباري (الوضوء والغسل في المخضب .. ) و (تور) بفتح فسكون، أي إناء. و (الصغر) كقفل- النحاس. (¬3) انظر ص 367 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء في آنية الصفر) و (الشبة) بفتحين ما يشبه الذهب في لونه. وهو النحاس الجيد.

(ب) ولا يجوز استعمال إناء الذهب أو الفضة في شيء عند الجمهور لقول حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" أخرجه السبعة (¬1) {35}. (وعن) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من شرب في إناء من دهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" أخرجه مسلم (¬2) {36}. (فهذه) الأحاديث تدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهو مجمع عليه. وشذ ذاود الظاهري في تحريم الشرب فقط، ولعله لم يبلغه حديث تحريم الأكل. ويقاس على تحريم الأكل والشرب فيها سائر الاستعمالات عند الجمهور (قال) الشافعي في الأم: ولا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شيء إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيها. وقال: فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الشرب فيها معصية (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 385 ج 5 مسند أحمد ولفظه: نهى صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير وص 441 ج 9 فتح الباري (الأكل في إناء مفضض) وص 37 ج 14 نووي مسلم وص 337 ج 3 سنن أبي داود (الشرب في آنية الذهب والفضة) ولفظه كأحمد والديباج ثوب سداه ولحمته من حرير (والصحاف) بكسر أوله جمع صفحة وهي إناء كالقصعة. والضمير للفضة ومنه يعلم حكم الذهب (والحديث) عند أبي داود والترمذي وابن ماجه في الأشربة. وعند النسائي في الزينة. (¬2) انظر ص 30 ج 14 نووي مسلم. (¬3) انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

(وقول) الشوكاني في نيل الأوطار: والقياس على الأكل والشرب. قياس مع الفارق "مردود" بما ذكره النووي من أن العلة السرف والخيلاء. وهذا موجب للتحريم. ولا مانع من أن يضم إلى هذا التشبه بأهل الجنة الذي ذكره هو. فيكون مجموع هذه الأمور قاضيا بصحة القياس "وقوله" أما حكاية النووي الإجماع على تحريم الاستعمال، فلا تتم مع مخالفة داود الظاهري والشافعي وبعض أصحابه "مدفوع" بما ذكره النووي من ان كلام الشافعي وداود معارض بالأحاديث الصحيحة وقد قال الشافعي وغيره من الأئمة: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ففي الحقيقة لا مخالفة والإجماع قائم (أما اتخاذ) أواني الذهب والفضة بدون استعمال، فالجمهور على منعه. (قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: المذهب تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة. وعن الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير وذكره بعض أصحابنا وجها من المذهب. ولنا ان ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي. وأما الثياب الحرير فإنها تباح للنساء والتجارة فحصل الفرق (¬1). (وعلى) الجملة فيحرم على الرجل وغيره، استعمال شيء من الذهب والفضة ولو قليلا أو صغيرا كالمورد للمكحلة، والخلال، والأبرة والملعقة، والمشط، والمبخرة، والسكين، والمرآة، وظروف وفناجين القهوة، والساعات وريش القلم (ويحرم) على البالغ إلباس الصغير الحرير، أو الذهب، أو غير خاتم الفضة، أو يطعمه أو يسقيه في إنائهما أو يمكنه من استعمالها، لأنه بحرمة اللبس والأكل والشرب، يحرم الإلباس والإطعام والسقي. ولقول عبد الله بن يزيد ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

5 - المضبب والمحلى بالذهب أو الفضة

كنا عند عبد الله ابن مسعود فجاء ابن له قميص من حرير قال: من كساك هذا؟ قال أمي فشقه وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا. أخرجه الطبراني بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح (¬1) {1}. (وقال) بعضهم: إنما دلت الأحاديث على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة. وأما سائر الاستعمالات فلا والأصل الحل فلا تنبت الحرمة إلا بدليل (وقد) علمت أن الجمهور قاسوا سائر الاستعمالات على الأكل والشرب. فالاحتياط الاحتزار عن استعمال آنية الذهب والفضة مطلقا ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. 5 - المضبب والمحلى بالذهب أو الفضة المضبب "المربوط كسره أو شقه بذهب، أو فضة" ويحرم استعماله عند الشافعي وأحمد إلا ما كان مضببا بيسير الفضة (وقال) أبو يوسف بكراهته لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "من شرب في إناء ذهب، أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم". أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق يحيى بن محمد الجاري عن زكريا ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه (¬2). {37} قال ابن القطان: هذا الحديث لا يصح. زكريا وأبوه لا يعرف فهما حال (¬3)، وقال الحاكم: لم نكتب هذه اللفظة "أو إناء فيه شيء من ذلك" إلا بهذا الإسناد. وقال البيهقي: المشهور عن ابن عمر في المضبب موقوف عليه. ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 5 مجمع الزوائد (لبس الصغير الحرير) وانظر تمام الكلام في هذا في بحث (منع الصغير مما لا يحل للكبير) ص 261 ج 6 - الدين الخالص طبعة أولى. (¬2) انظر ص 29 ج 1 بيهقي (النهي عن الإناء المفضض). (¬3) انظر ص 29 ج 1 - الجوهر النقي (النهي عن الإناء المفضض).

(وعن) نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب في قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة. أخرجه البيهقي بسند على شرط الصحيح (¬1). ولأن في ذلك السرف والخيلاء، فأشبه إناء الذهب والفضة. (ويدل) على جواز استعمال المضيف بيسير الفضة قول عاسم الأحول: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أنس ابن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال أنس: لقد سقيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القدح أكثر من كذا وكذا. أخرجه البخاري (¬2) {38}. (وبه) استدل أبو حنيفة على جواز استعمال المضبب بأحدهما. وكذا يحل عنده استعمال المصحف المحلي بالذهب أو الفضة واستعمال إناء أو سرج أو كرسي او سكين أو سرير أو سيف أو لجام أو ركاب مزوق بالذهب أو الفضة، متقيا موضع الفضة والذهب، مستدلا بحديث أنس رضي الله تعالى عنه، قال: كانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضة. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3) {39}. (وأطلقت) المالكية حرمة استعمال المضبب بأحدهما. ولعله لم يبلغهم حديث أنس المذكور. وعلى هذا الخلاف المموه بذهب أو فضة إذا كان يخلص منه شيء بعرضه على النار. أما التمويه الذي لا يخلص فلا بأس به اتفاقا، لأنه مستهلك، فلا عبرة ببقائه لونا. ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 1 بيهقي (النهي عن الإناء المفضض). (¬2) انظر ص 79 ج 10 فتح الباري (الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم) و (النضار) بضم النون: أجود الخشب. وقال في المحكم: النضار التبر والخشب. (¬3) انظر ص 30 ج 3 سنن أبي داود (السيف يحلي) و (قبيعة) كطبيعة ما على طرف مقبض السيف يعتمد الكف عليها.

6 - اتخاذ الأنف والسن من ذهب أو فضة وشد السن بهما

6 - اتخاذ الأنف والسن من ذهب أو فضة وشد السن بهما قال أبو حنيفة: لو جدع أنف إنسان لا يتخذه من ذهب ويتخذه من فضة. (وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يتخذه من الفضة والذهب. لحديث عرفجة ابن أسعد أنه أصيب أنفه فاتخذ أنفا من الفضة، فأنتن، فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاتخذ أنفا من الذهب. أخرجه الثلاثة بسند جيد، وحسنه الترمذي (¬1) {40}. (وقالت) الشافعية والحنبلية: لا يجوز اتخاذ أنف أو سن من فضة أو ذهب إلا للضرورة للحديث المذكور (قال النووي) في المجموع: أن اضطر إلى الذهب جاز استعماله، فيباح له الأنف والسن من الذهب والفضة، وكذا شد السن العليلة بهما جائز. ويباح أيضا الأنملة منهما. وفي جواز الأصبع واليد منهما وجهان: أشهرهما لا يجوز، لأن الأصبع واليد منهما لا تعمل عمل الأصلية، بخلاف الأنملة (وإذا سقطت) سنة كره عند أبي حنيفة إعادتها وشدها بذهب أو فضة ولكن يأخذ سن شاة مذكاة فيجعلها مكانها (وقال) أبو يوسف يشدها مكانها بالذهب أو الفضة. وأما السن المتحركة فيحل شدها بالفضة لا بالذهب عند أبي حنيفة، لأن استعمالهما حرام إلا للضرورة. وقد زالت بالأدنى فبقى الأعلى على الأصل وهو الحرمة (وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يحل بالذهب أيضا لاستوائهما. (تغطية الأواني) يستحب تغطية الأواني، وربط القرب، وذكر اسم الله تعالى عند ذلك، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 92 ج 4 سنن أبي داود (ربط الأسنان بالذهب) وص 286 ج 2 مجتبي (من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب؟ ).

7 - سنن الفطرة

وعلى آله وسلم قال: "غطوا الإناء وأوكئوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم" أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1) {41}. (وعن جابر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أغلق بابك، وأذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأطفئ مصباحك، وأذكر اسم الله، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه، وأذكر اسم الله، وأوك سقاءك وأذكر اسم الله. أخرجه الثلاثة واللفظ لأبي داود (¬2) {42}. 7 - سنن الفطرة الفطرة: هي السنة القديمة والخلقة المبتدأة، ومنه فاطر السموات والأرض. أي المبتدئ خلقهن. وسنن الفطرة كثيرة (منها) ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "الفطرة خمس" الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر" أخرجه السبعة (¬3) {43}. (ومنها) ما في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 13 نووي مسلم (تغطية الإناء ... ) و (الفويسقة) تصغير فاسقة، وهي الفأرة. و (تضرم) بضم فسكون أي تحرق سريعا. (¬2) انظر ص 339 ج 3 سنن أبي داود (إيكاء الأنية). (¬3) انظر ص 272 ج 10 فتح الباري (تقليم الإظفار) وص 146 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة) وص 275 ج 2 مجتبي (الزينة).

1 - الاستحداد

"عشر من الفطرة: قص الشارب واعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء (يعني الاستنجاء بالماء) والمضمضة". أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وحسنه الترمذي (¬1) {44}. (وعن) ابن عباس "وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء" أخرجه عبد الرازق بسند صحيح (¬2) {3}. ذكر في الحديثين والأثر اثنتا عشرة من سنن الفطرة وهاك بيانها: 1 - الاستحداد: هو حلق العانة. وسمي لاستعمال الحديدة، وهي الموسى والكلام في حكمه ووقته (أ) هو سنة بالاتفاق، ويكون بالحلق، والقص، والنتف، والنورة (قال) نافع كنت أطلى ابن عمر فإذا بلغ عانته نورها هو بيده. ذكره الخلال. وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (¬3) والأفضل الحلق. (والمراد) بالعانة: الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه، والشعر الذي حول فرج المرأة (وقيل) أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر. وعليه فيستحب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما (¬4) وحلق ¬

(¬1) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم. وص 183 ج 1 - المنهل العذب (السواك من الفطرة) وص 274 ج 2 مجتبي (كتاب الزينة). (¬2) انظر ص 197 ج 1 - المنهل العذب. الشرح (السواك من الفطرة). (¬3) انظر ص 71 ج 1 مغنى ابن قدامة (الاستحداد). (¬4) انظر ص 148 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة).

2 - الختان

العانة مطلوب ولو للمرأة كما اقتضاه الإطلاق. لكن قيده كثيرون بالرجل، وقالوا: الأولى للمرأة النتف، لأنه أنظف ولنفرة الحليل من بقايا أثر الحلق، ولأن شهوة المرأة أضعاف شهوة الرجل، فقد ورد أن لها تسعة وتسعين جزءا منها. وللرجل جزء واحد. فالنتف يضعفها والحلق يقويها. فأمر كل بما هو الأنسب به. (ب) والمختار في وقته أنه يضبط بالحجة والطول فإذا طال حلق وكذا قص الظفر والشارب ونتف الإبط. (وينبغي) ألا يتجاوز في تركه أربعين يوما لقول أنس بن مالك: وقت لنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1) {45}. معناه أنه لا يترك تركا يتجاوز به الأربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين. 2 - الختان: بكسر المعجمة وتخفيف المثناة (وهو) في حق الذكر قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف. وفي حق الأنثى قطع جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والكلام في حكمه ووقته. (أ) هو واجب عند الشافعي وكثير من العلماء في حق الرجال والنساء (وواجب) على الرجال ومكرمة للنساء عند أحمد (وسنة) في حق الرجال والنساء عند الحنفيين ومالك وأكثر أهل العلم (والمشهور) عند المالكية أنه سنة في حق الذكور مندوب في حق الإناث محتجين بحديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الختان سنة للرجال مكرمة للنساء. ¬

(¬1) انظر ص 146 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة) وص 84 ج 4 سنن أبي داود (أخذ الشارب) وص 65 ج 1 سنن ابن ماجه (الفطرة).

أخرجه الطبراني وفي سنده حجاج بن أرطأة لا يحتج به. وله شاهد أخرجه الطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن بشر إلى ابن عباس، وسعيد مختلف فيه. وقال البيهقي في المعرفة: لا يصح رفعه، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا. وأخرجه أيضا من حديث أبي أيوب (¬1) {46}. " والحديث" وأن تقوى بكثرة طرقه وبالشاهد (فهو) أعم من مدعاهم، لأن لفظة السنة فى لسان الشارع أعم من السنة فى اصطلاح الأصوليين. (واحتج) منقال بالوجوب بأدلة (منها) حديث ابن جريح قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: قد أسلمت. فقال له النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألق عنك شعر الكفر يقول احلق قال وأخبرنى آخر معه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن. أخرجه أحمد والطبرانى وأبو داود بسند ضعيف، لأن عثيما واباه مجهولان. وفيه انقطاع (¬2) {47}. (والحق) انه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنة كما فى حديث " خمس من الفطرة ". والواجب الوقوف على المتقين إلى أن يقوم ما يفيد خلافه. هذا والرجل إذا أسلم ولم يطق الختان يترك وكذا من مات بلا ختان وهو الصحيح عند الشافعية. (ب) (واختلف) فى وقت الختان. فروى ابن حبيب عن مالك أنه من سبع سنين إلى عشر، وأنه يكره يوم الولادة. فإن بلغ الشخص ولم يختن، فإن أمكنه أن يختن نفسه فعل، وإلا سقط وسقوطه عن الأنثى أولى حينئذ. ¬

(¬1) أنظر رقم 4129 ص 503 ج 3 فيض القدر شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 1580 ص 161 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(وقالت) الحنبلية: يستحب الختان من بعد السابع إلى التمييز. أما من السابع فمكروه، فإن بلغ وجب عليه ما لم يخف على نفسه (وقال) أبو حنيفة لا علم لى بوقته. ولذا اختلف فى وقته عند الحنفيين فقيل سبع سنين أو تسع، أو عشر، أو اثنتا عشرة، أو حين البلوغ (والصحيح) عند الشافعى أنه فى حال الصغر جائز، وفى وجه أنه يجب على الولى أن يختن الصغير قبل بلوغه. وعلى الصحيح يستحب أن يختن يوم السابع من ولادته، لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين لسبعة أيام. أخرجه أبو الشيخ والبيهقى (¬1) {48}. (وقال الماوردى) للختان وقتان وقت وجوب ووقت استحباب. فوقت الوجوب البلوغ ووقت الاستحباب قبله. والمختار كونه قى اليوم السابع وقبل يوم الولادة فإن أخر ففى الأربعين يوما فإن أخر ففى السنة السابعة فإن بلغ وكان نحيفا يعلم من حاله أنه إذا اختتن تلف سقط الوجوب ويستحب ألا يؤخر عن وقت الاستحباب إلا لعذر وفى ختان الصغير مصلحة فإن الجلد بعد التمييز يغلظ يزداد الم قطعه (ونقل) ابن المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود (ويرده) ما تقدم من ختن الحسن والحسين يو م السابع ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق يوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده ضعف (¬2) {4}. ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 10 فتح البارى الشرح (قص الشارب). (¬2) انظر ص 466 ج 9 فتح البارى الشرح (تسمية المولود.) (وتثقب اذنه) هذا فى الأنثى. و (يلطخ من عقيقته) أى يصبغ شعر رأسه بعد حلقه بدم العقيقة ثم يدفن.

3 - قص الشارب

(وعن) موسى بن على عن أبيه "أن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام".أخرجه البيهقى (¬1) {5}. هذا ووليمة ختان الذكر مشروعة وتجاب الدعوة اليها بخلاف ختان الأنثى وعليه يحمل ما روى عن عثمان بن أبى العاص أنه دعى إلى ختان فقال: ما كنا نأتى الختان على عهد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ندعى له ". أخرجه أحمد (¬2) {49}. (ولذا) قال ابن الحاج فى المدخل: السنة إظهار ختان الذكر والخفاء ختان الأنثى وإذا ولد مختونا لا يختن إلا إذا كان شئ يوارى بعض الحشفة. (واختلف) فى ختان الخنثى. فعند الشافعية يختن فى فرجيه قبل البلوغ. وقيل لا يختن حتى يتبين. وهو لحق عند المالكية. (وقال) الحنفيون: تشترى له أمه تختنه. ويكره أن يختنه رجل أو إمرأة. (وقالت) الحنبلية: يختن فى فرجيه عند البلوغ. 3 - قص الشارب: هو سنة عند الأكثر، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن، لحديث التيامن. والقاص مخير بين أن يتولى ذلك بنفسه أو يوليه غيره، لحصول المقصود من غير هتك مروءة بخلاف الابط، ولا ارتكاب حرمة بخلاف العانة (واختلف) فى حد ما يقص من الشارب، فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، لظاهر حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " احفوا الشوارب وأعفوا اللحى" أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وصححه (¬3) [50]. ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 10 فتح البارى الشرح (قص الشارب). (¬2) انظر ص 217 ج 4 مسند أحمد (حديث عثمان بن أبى العاص الثقفى). (¬3) انظر ص 147 ج 3 نووى مسلم (خصال الفطرة). وص 276 ج 2 مجتبى (اخفاء الشرب). و (احفوا) بقطع الهمزة ووصلها من أحفى الشرب وحفاه إذا استأصل أخذ شعره.

(وقال) الحنفيون: قص الشارب حسن والحلق أحسن. وقال أحمد: الاحفاء اولى من القص. (وقال) مالك والشافعى: احفاء الشرب مثله. والمراد بالاحفاء فى الحديث المبالغة فى أخذ الشارب حتى يبدو حرف الشفة (وقال) أشهب: سألت مالكا عمن يحفى شاربه فقال: أرى أن يوجع ضربا. وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت فى الناس، واحتج من لم ير الاحفاء بكثرة روايات القص. (واحتج) المحفون بأحاديث الأمر بالاحفاء، وهى صحيحة. (والحاصل) أن السنة دلت على جواز الأمرين، ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض، والأحفاء يدل على اخذ الكل وكلاهما ثابت. فيختار المكلف أيهما شاء. وينبغي لمن يريد المحافظة على السنن أن يستعمل هذا مرة وهذا مرة، ليكون قد عمل بكل ما ورد (وقد ذهب) بعض الحنفية وابن حزم إلى وجوب أخذ الشارب. (لحديث) زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من لم يأخذ من شاربه فليس منها". أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه (¬1) {51}. "أما قول" ابن دقيق العيد: لا أعلم أحد قال بوجوب قص الشارب من حيث هو "فأكانه" لم يقف على ما ذكر (هذا) ولا باس بترك سباليه (¬2) ما لم يفحش طولهما لما روى عامر بن الزبير ان عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ. أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات غير أن عامرا لم يدرك عمر (¬3) {6}. ¬

(¬1) انظر ص 368 ج 4 مسند أحمد. وص 276 ج 2 مجتبي (إحفاء الشارب). (¬2) (السبالان) بكسر السين طرفا الشارب. (¬3) انظر ص 166 ج 5 مجمع الزوائد (الشارب واللحية). و (شاربه) أي سباله لأن الشارب لا يفتل.

4 - نتف الإبط

4 - نتف الإبط: بكسر الهمزة والموحدة وتسكن. وقد اتفق العلماء على أن نتفه سنة وهو أفضل أن قوى عليه. ويحصل أيضا بالحلق والنورة. وعن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه (¬1) فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن (¬2) لحديث التايمن "والحكمة" في طلب إزالة شعر الإبط أنه محل للرائحة الكريهة وإزالته تخففها. والنتف فيه أبلغ، بخلاف الحلق، فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة. ولذا قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف. ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل. 5 - تقليم الأظافر: هو سنة اتفاقا ولا توقيت فيه، فمتى استحق القص فعل ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين. والأفضل القص يوم الجمعة قبل الصلاة لقول أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقص شاربه ويقلم أظافره يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة. أخرجه البيهقي والبزار والطبراني في الأوسط تفرد به إبراهيم بن قدامه وليس بحجة فيما تفرد به (¬3) {52}. والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. ولم يرد في ترتيب تقليم الأظافر خبر صحيح. وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة. ولا يجوز اعتقاد استحبابه لأن الاستحباب حكم شرعي لابد له من دليل. وليس استسهال ذلك بصواب. والأولى دفن الأظافر والشعر. ¬

(¬1) الإبط بسكون الباء ما تحت الجناح بذكر ومؤنث والجمع آباط. (¬2) أنظر ص 149 ج 3 شرح مسلم (باب خصال الفطرة). (¬3) يأتي رقم 134 ص 133 ج 4 - الدين الخالص طب 3 (ما يطلب ليلة الجمعة ويومها).

6 - إعفاء اللحية

(فائدة) يستحب نتف الإبط، وحلق العانة وقص الأظافر وتنظيف البدن بالاغتسال في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل أسبوعين مرة، ولا عذر في تركه وراء الأربعين، لحديث أنس قال: وقت لنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وتنف الإبط وحلق العانة، ألا يترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (¬1) {53}. معناه ألا يترك ما ذكر تركا يتجاوز الأربعين. فلا يجوز تجاوزها. ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء الأربعين. 6 - إعفاء اللحية: هو إرسالها وتوفيرها حتى تعفو وتكثر، من عفا الشيء إذا زاد وكثر، وعفاه وأعفاه إذا كثره. ويجب توفير اللحية ويحرم على الرجل حلقها، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال جزوا الشوارب، وأرخوا اللحي، وخالفوا المجوس. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {54}. (وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللحي، وأحفوا الشوارب. أخرجه أحمد ومسلم والبخاري، وزاد "وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (¬3) " {55}. والأحاديث الصحيحة الصريحة في أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتوفير اللحية كثيرة والأصل في الأمر الوجوب ولا يصرف عنه إلا لدليل ولا دليل. وأمر يتضمن النهي عن حلقها وقصها. والأصل في النهي التحريم ولا يصرف ¬

(¬1) تقدم رقم 45 ص 174 (وقت إزالة العانة). (¬2) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة). (¬3) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم. وص 272 ج 10 فتح الباري (تقليم الأظفار).

عنه إلا لدليل ولا دليل. وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عدم إعفائها من فعل المجوس والمشركين. وكفي بذلك زجرا عن حلقها وعدم توفيرها. ومن القواعد المجمع عليها أن كل قول أو رأى أو هوى لا يوافق كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا قياسا صحيحا، فهو باطل. وليس بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم. قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (65) (سورة النساء، وقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) عجز (7) سورة الحشر "وقوله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خالفوا المشركين، خالفوا المجوس "دليل" على حرمة حلق اللحية (وروى ابن عمر) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم. أخرجه أبو داود. ورواه الطبراني في الأوسط عن حذيفة وقال: وفيه على ابن غراب وثقه غير واحد وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات (¬1) {56}. وهو دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة. فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد، ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال لا يكفر ولكن يؤدب (¬2). هذا، وقد نص أئمة المذاهب على حرمة حلق اللحية. قال العلامة السفاريني: "قال" في الإقناع وشرح المنتهى وغيرهما: لا يكره أخذ ما زاد على القبضة من ¬

(¬1) انظر رقم 8593 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 237 ج 4 سبل السلام (يحرم التشبه بالكفار في زي وغيره).

لحيته (¬1)، ولا أخذ ما تحت. وأخذ الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه من حاجبيه وعارضيه لفعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر. رواه البخاري (¬2). (والمعتمد) في المذهب حرمة حلق اللحية (¬3). (وقال) في شرح العباب (فائدة) قال الرافعي والنووي: يكره حلق اللحية. واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم (قال) الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة: وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها (¬4). وقال العلامة النفرواي: وفي قص الشوارب وإعفاء اللحي مخالفة لفعل الأعاجم فإنهم كانوا يحلقون لحاهم ويعفون الشوارب فما عليه الجند في زماننا من امر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة (¬5). وقال العلامة العدوي في حاشيته على شرح أبي الحسن على رسالة ابن أبي زيد (تتمة) نقل عن مالك كراهة حلق ما تحت الحنك حتى قال: أنه من فعل المجوس. ونقل عن بعض الشيوخ أن حلقه من الزينة، فتكون إزالته من الفطرة ويجمع بحمل كلام الإمام علي ما لم يلزم على بقائه تضرر الشخص ولا تشوبه خلقته. وكلام غيره ¬

(¬1) القبضة بضم القاف ما قبضت عليه من شيء وربما جاء بالفتح. (¬2) تقدم رقم 55 ص 189. (¬3) انظر ص 376 ج 1 غذاء الباب (إعفاء اللحي). (¬4) انظر ص 376 ج 9 حاشيتي الشرواني وابن قاسم على شرح التحفة. قبيل كتاب الأطعمة. (¬5) انظر ص 218 ج 3 - الفواكه الدواني (باب الفطرة).

على ما يلزم على بقائه واحد من الأمرين. واختار ابن عرفة جواز إزالة شعر الخد وندب قص شعر الأنف لا نتفه، لأن بقاءه أمام من الجذام، ونتفه يورث الأكله (¬1). (ويحرم) إزالة شعر العنفقة كما يحرم إزالة شعر اللحية. وإزالة الشيب مكروهة كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموس تحسينا وتزيينا (¬2). (وقال) في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للسادة الحنفية في "باب الحظر والإباحة" ويحرم على الرجل قطع لحيته (¬3) يعني حلقها (وقال) في كتاب الصوم: وأما الأخذ منها "يعني اللحية" وهي دون ذلك "يعني دون القبضة" كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال، فلم يبحه أحد. وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم (¬4) (وقال) العلامة الحاج رجب في شرح الطريقة المحمدية (مسألة) هل يجوز حلق اللحية كما يفعله الجوالفيون؟ الجواب: لا يجوز. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي (¬5) أي قصوا الشوارب واتركوا اللحي كما هي، ولا تحلقوها ولا تنقصوها عن القدر المسنون. وهو القبضة (¬6). (ومما تقدم) تزداد علما بفساد رأي بعض المتأخرين الذين ي قولون: لا شيء في حلق اللحية لا حرمة ولا كراهة. ينعون على الملتحين والمعممين. وبصرحون بأن الدين ليس عمامة ولا لحية إلى غير ذلك. وهذا حق. لكنهم لم يريدوا به إلا تحقير شان اللحية والعمامة والمتحلين بهما. ولا جرم أن هؤلاء ينطبق عليهم ¬

(¬1) الأكلة بفتح فكسر، داء في العضو يأتكل منه بكسر الكاف. (¬2) انظر ص 290 ج 2 حاشية العدوى. والعنفقة الشعيرات بين الشفة السفلى والذقن. (¬3) انظر ص 269 ج 5 رد المحتار. (¬4) انظر ص 116 ج 2 رد المحتار. (¬5) تقدم رقم 50 ص 177. (¬6) انظر ص 208 ج 4 الوسيلة الأحمدية.

ما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من رغب عن سنتي فليس مني. أخرجه مسلم والنسائي (¬1) {57}. ومنهم من زاد الطين بلة فزعم إباحة حلقها أن لم ترض النساء بإعفائها وبعضهم يزعم أن إعفاء اللحية من القوميات والعادات ولا مدخل لدين فيه. "ولئن سلمنا" جدلا أنه من العادات فقط "فلم" لا نتأسى بعادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخلفاء الراشدين، والصالحين من الأمة المحمدية. (وقد) روى العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة (الحديث). أخرجه الأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {58}. وقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (115) سورة النساء. فهؤلاء الذين يشاقون الشريعة وينبذونها، قد توعدهم الله تعالى "فهم" وإن مد الله لهم في الدنيا ولم يعجل فيها عقوبتهم "سينالهم" في أخراهم ما هم به جديرون من عذاب. قال تعالى: (والذين كذبوا بأياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم أن كيدي متين) (182، 183) سورة الأعراف، نسأل الله تعالى السلامة من الفتن. ¬

(¬1) انظر رقم 15 ص 46 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من ترك السنة) والمعنى أن من رغب عن السنة أعراضا عنها معتقدا أرجحية عمله فليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك كفر وأن كانت الرغبة عنها بنوع من التأويل فمعناه ليس على طريقتي السمحة. (¬2) هذا بعض الحديث رقم 3 بالتوحيد ص 4.

هذا، وأما المرأة إذا نبت لها لحية فيجب عليها إزالتها عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعي: يستحب لها إزالتها. ويتصل بإعفاء اللحية ثلاثة أمور: (أ) نتف الشيب: هو مكروه عند الأئمة الأربعة والجمهور لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة، ورفعه بها درجة، وحط عنه خطيئة. أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان بأسانيد حسنة، وحسنه الترمذي (¬1) {59}. (وقال) أنس بن مالك: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الأثر). أخرجه مسلم (¬2) {70}. وهذا متفق عليه. (وعن طارق) بن حبيب أن حجاما أخذ من شارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرأى شيبة في لحيته. فأهوى بيده إليها ليأخذها، فأمسك صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده وقال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة. أخرجه الخلال في جامعه (¬3) {60}. (وذهبت) الظاهرية إلى تحريم نتف الشيب، لأنه مقتضى النهي حقيقة. (قال النووي) لو قيل يحرم النتف للنهي الصريح لم يبعد، ولا فرق ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (نتف الشيب). وص 278 ج 2 مجتبي. وص 480 راموز الأحاديث. (¬2) انظر ص 96 ج 15 نووي مسلم (شيبه صلى الله عليه وسلم). (¬3) انظر ص 75 ج 1 مغنى ابن قدامة (نتف الشيب).

بين نتفه من اللحية والرأس والشارب والحاجب والعذار، ومن الرجل والمرأة "وفي تعليله" بأنه نور المسلم، ترغيب بليغ في إبقائه، وترك التعرض لإزالته "وتعقيبه" بقوله: ما من مسلم يشيب في الإسلام "والتصريح" بكتب الحسنة، ورفع الدرجة، وحط الخطيئة "نداء" بشرف الشيب وأهله، وأنه من أسباب كثرة الأجور، وإيماء إلى أن الرغبة عنه ينتفه أعراض عن الثواب العظيم. (قال) ابن العربي: وإنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغييرا للخلقة من أصلها بخلاف الخضب، فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه (¬1). (ب) تغيير الشيب: يستحب خضاب شعر الراس واللحية بالصفرة والحمرة عند الأئمة الأربعة. ويحرم بالسواد عند أبي حونيفة ومحمد، وهو الصحيح عند الشافعية. وصوبه النووي قال: يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد (¬2). ودليل تحريمه حديث جابر بن عبد الله قال: أتى بأبي قحافة يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد. أخرجه أحمد والأربعة إلا الترمذي (¬3) {61}. ¬

(¬1) انظر ص 293 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 294 منه. (¬3) انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 278 ج 2 مجتبي (النهي عن الخضاب بالسواد). وص 199 ج 2 سنن ابن ماجه. و (ابو قحافة) هو عثمان والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهاغ. و (الثغامة) بثاء مفتوحة وغير معجمة مخففة: نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه به بياض الشيب.

(وعن أبي الدرداء) أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من خضب بالسوداء، سود الله وجهه يوم القيامة. أخرجه الطبراني في الكبير وفي سنده الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات (¬1) {62}. (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يكون في آخر الزمن قوم خضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2) {63}. (وقالت) المالكية والحنبلية: يكره الخضاب بالسواد. وهو قول للشافعية مالم يكن لغرض شرعي كإرهاب العدو. وإلا فلا كراهة بل يؤجر عليه. لحديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: أن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم. أخرجه ابن ماجه بسند حسن (¬3) {64}. ولإطلاق الحديث قال أبو يوسف: يجوز الخضاب بالسواد مطلقا، وروى عن عثمان. ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 5 مجمع الزوائد (الشيب والخضاب). (¬2) انظر ص 87 ج 4 سنن أبي داود (في خضاب السواد). ص 278 ج 2 مجتبي و (لا يريحون) بفتح الباء، أي لا يشمون، من راح يريح ويراح، أو بضم الباء من أراح. (¬3) انظر ص 199 ج 2 - ابن ماجه (الخضاب بالسواد). و (لهذا) بفتح اللام. و (أرغب الخ) بيان لكون السواد أحسن فإنه يصير المرء به كالشاب الجميل فترغب فيه امرأته ويهابه العدو.

واتفق الأئمة على جواز خضاب الشعر بالحناء والصفرة والكتم (¬1)، وهل الأفضل الترك أو الفعل؟ روايتان عن مالك، وقال غيره: الفعل أفضل لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن اليهود والنصارى لا يصبغون "يعني شهورهم" فخالفوهم. أخرجه الستة، ولفظ الترمذي: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود (¬2) {65}. (وحديث أبي ذر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم. أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي (¬3) {66}. (قال) القاضي عياض: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه. فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل. وروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النهي عن تغيير الشيب (¬4). ولأنه صلى الله عليه ¬

(¬1) الكتم بفتحتين، نبت بخلط بالوسمة يختضب به. (¬2) يأتي رقم 19 ج 5 (المواسم الأجنبية). طب 3. (¬3) انظر ص 147 ج 5 مسند أحمد. وص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 279 ج 2 مجتبي (الخضاب بالحناء والكتمر) والكتم بفتحتين نبات يمني يخرج صبغا بين السواد والحمرة. (¬4) لعله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة يعني الخلوق بفتح الخاء (طيب مركب من زعفران وغيره تغلب عليه الحمرة) وتغيير الشيب (الحديث) أخرجه أبو داود ص 89 ج 4 "خاتم الذهب" والنسائي ص 279 ج 2 (الخضاب بالصفرة) من كتاب الزينة {67}. (وحمل) بعضهم تغيير الشيب على تغييره بالسواد جمعا بين الأحاديث. ... ولو فرض عدم اختضابه لما كان قادحا في سنية الخضاب لورود الإرشاد إليه بالقول في الأحاديث الصحيحة.

وعلى آله وسلم لم يغير شيبه. روى هذا عن عمر وعلي وأبي بكر وآخرين. (وقال) آخرون: الخضاب أفضل. وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، للأحاديث الواردة في ذلك (ثم اختلف) هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة. منهم علي وابن عمر وأبو هريرة وآخرون. وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم، وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد. (قال) الطبراني: الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتغيير الشيب وبالني عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض. بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب ابي قحافة. والنهي لمن له شمط فقط. واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه (¬1). وما تقدم من النهي عن التخضيب بالسواد، عام في الرجال والنساء وحكى عن إسحاق بن راهوية أنه رخص فيه للمرأة، لتتزين به لزوجها. هذا. وللخضب فائدتان: أحداهما تنظيف الشعر مما يعلق بهن الثانية: مخالفة أهل الكتاب. (جـ) ما يكره في اللحية: يكره فيها ثماني خصال بعضها اشد قبحا من بعض: 1 - خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد إرهابا للعدو بإظهار الشباب والقوة فلا بأس إذا كان بهذه النية كما تقدم. 2 - تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة وطلب الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم وإيهام أنه من المشايخ. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 14 نووي مسلم (خضاب الشيب) ..

3 - خضابها بصفرة أو حمرة تشبها بالصالحين ومتبعي السنة لا بنية اتباع السنة. 4 - نتفها في أول طلوعها وتخفيفها بالموسى إيثرا للمرودة واستصحابا للصبا وحسن الوجه. وهذا حرام من أقبح الخصال. 5 - نتف الشيب وتقدم بسطه. 6 - الزيادة فيها عن القبضة وعدم الأخذ من طولها العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه. 7 - النقص منها بالقص ونتف جانبي العنفقة وحلق أعلى العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه. 8 - عقدها في الحرب لأنها من زي الأعاجم ومنه معالجة الشعر حتى يتجعد. لحديث رويفع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه برئ. أخرجه أبو داود والنسائي بسند جيد (¬1) {68}. (فائدة) خضاب اليدين والرجلين بالحناء مستحب للمتزوجة من النساء، وحرام على الرجال إلا لحاجة كالتداوي لحديث عائشة قالت: أومأت امرأة من وراء ستر- بيدها كتاب- إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده فقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل ارمأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء. أخرجه النسائي وأبو داود (¬2) {69}. ¬

(¬1) انظر ص 133 ج 1 - المنهل العذب (ما ينهي عنه أن يستنجى به). وص 277 ج 2 مجتبي (عقد اللحية). و (الوتر) بفتحتين ما يشد بين طرفي القوس. كانت العرب تزعم أن التقلد بالوتر يرد العين ويدفع المكاره فنهوا عن ذلك. وقد طالت الحياة برويفع حتى مات سنة ثلاث وخمسين بغفريقية، وهو آخر من مات بها من الصحابة. (¬2) انظر ص 77 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب للنساء).

7 - السواك

وعن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: ما بال هذا؟ فقيل يتشبه بالنساء. فأمر به فنفى إلى النقيع فقيل: ألا نقتله يا رسول الله؟ فقال: أني نهيت عن قتل المصلين. أخرجه أبو داود وفيه أبو يسار القرشي مجهول (¬1) {70}. 7 - السواك: كان من الفطرة لأنه مطهرة للفم وهو بكسر السين يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به. (والمراد به) استعمال عود أو نحوه في الأسنان، لتذهب الصفرة وغيرها عنها. والكلام ينحصر في ستة مباحث: (أ) حكمه: هو مستحب عند الوضوء والصلاة مطلقا في المسجد وغيره وعند القيام من النوم: وعند تغير الفم، وعند دخول البيت، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. أخرجه الجماعة (¬2) {71}. (وعنه) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء. أخرجه مالك والبيهقي والحاكم وصححه (¬3) {72}. (وعن عائشة) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". أخرجه أحمد والنسائي والترمذي ¬

(¬1) انظر ص 438 ج 4 عون المعبود (حكم المخنثين). و (النقيع) بالنون موضع على عشرين فرسخا من المدينة بأرض مزينة. (¬2) انظر ص 274 ج 2 - الفتح الرباني. وص 309 ج 2 تيسير الوصول. (¬3) انظر ص 309 ج 2 تيسير الوصول. وص 35 ج 1 سنن البيهقي (السواك سنة) (السواك).

وابن حبان والحاكم والبيهقي والدارمي (¬1) {73}. (وقالت) كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ ألا يتسوك قبل أن توضأ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2) {74}. والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا. (الأول) عند الصلاة سواء أكان متطهرا، أو غير متطهر كمن لا يجد ماء ولا ترابا. (الثاني) عند الوضوء. (الثالث) عند قراءة القرآن. (الرابع) عند الاستيقاظ من النوم. (الخامس) عند تغير الفم. وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات. (ب) آلته: (ويحصل) الاستياك بكل طاهر خشن يزيل الوسخ والأفضل أن يكون بالأراك والزيتون. (قال) معاذ بن جبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " نعم السواك الزيتون من شجرة مباركه يطجيب الفم، ويذهب بالحفر. وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ". أخرجه الطبراني في الأوسط (¬3) {75}. ويحصل فضله بالأصبع عند فقد السواك، أو فقد أسنانه، أو ضرر بفمه، لحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " الأصبع ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 1 - الفتح الرباني. وص 310 ج 2 تيسير الوصول وص 34 ج 1 سنن البيهقي (فضل السواك). وص 174 ج 1 سنن الدارمي. (¬2) انظر ص 297 ج 1 - الفتح الرباني. وص 200 ج 1 - المنهل العذب (السواك لمن قام من الليل). (¬3) انظر ص 100 ج، مجمع الزوائد (بأي شيء يسناك). و (الحفر) (بفتح لمن قام من الليل).

تجزئ من السواك ". أخرجه البيهقي والضياء في المختار وقال: إسناد لا بأس به (¬1) {76}. (وعن عائشة) رضي الله عنها قالت: يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال نعم. قلت كيف يصنع؟ قال يدخل اصبعه في فيه فيدلكه. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفي سنده نبيت بن كثير وهو ضعيف (¬2) {77}. ويطلب أن يكون الاصبع نظيفا غير ملوث بما يضر بالصحة. (جـ) كيفيته: يستحب أن يستاك في اللسان طولا، وفي الأسنان عرضا، لحديث أبي بردة عن أبيه "أبي موسى" قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نستحمله فرأيته يستاك على لسانه وهو يقول آه آه يعني يتهوع. أخرجه أبو داود (¬3) {78}. والسنة إمساكه باليمين وخنصرها تحت طرفه الأسفل، والثلاثة الباقية فوقه، والإبهام أسفل راسه كما رواه ابن مسعود. (د) الاستياك بسواك الغير: اتفق العلماء على جواز الاستياك بسواك الغير بإذنه (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما اكبر من الآخر، فناولت السواك ¬

(¬1) انظر ص 41 ج 1 سنن البيهقي (الاستياك بالأصابع). (¬2) انظر ص 100 ج 2 مجمع الزوائد (السواك لمن ليست له أسنان) ويذهب فوه كتابة عن أنه لا أسنان له. (¬3) (انظر ص 177 ج 1 - المنهل العذب) كيف يستاك (. و (تستحمله) أي نطلب أن يحملنا إلى غزوة تبوك. و (أه) بهمزة مكسورة أو مفتوحة أو مضمومة وهاء ساكنة يقول أع أع. و (يتهوع) يتقيأ.

الأصغر منهما، فقيل لي كبر فدفعته للأكبر منهما. أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي (¬1) {79}. (هـ) تنظيفه: يسن غسل السواك بعد استعماله، لقول عائشة: كان نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك. ثم أغسله وأدفعه إليه. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند جيد (¬2) {80}. (و) السواك للصائم: يستحب للصائم أن يستاك أول النهار وآخره لحديث عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مالا أحصى يتسوك وهو صائم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والدارقطني وقال: عاصم بن عبد الله غيره أثبت منه والترمذي وقال حسن (¬3) {81}. والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسا. إلا أن بعضهم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب وكرهوا له السواك آخر النهار ولم ير الشافعي بالسواك بأسا أول النهار وآخره. وكره أحمد وغسحاق السواك أخر النهار. (وباستحبابه) للصائم مطلقا قال الحنفيون ومالك والثوري (ومشهور) مذهب الشافعية وأحمد أنه يكره السواك للصائم بعد الزوال مستدلين بحديث ¬

(¬1) انظر ص 248 ج 1 فتح الباري (دفع السواك إلى الأكبر). وص 21 ج 15 نووي مسلم (الرؤيا). و (أراني) بفتح الهمزة وفي رواية مسلم أراني في المنام فهو من الرؤيا. (¬2) انظر ص 182 ج 1 - المنهل العذب (غسل السواك). وص 39 ج 1 سنن البيهقي. (¬3) انظر ص 298 ج 1 - الفتح الرباني وص 9 ج 10 - المنهل العذب (السواك للصائم). وص 248 الدارقطني. وص 46 ج 2 تحفة الأحوذي.

8 و 9 - المضمضة والاستنشاق

أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. أخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (¬1) {82}. قالوا: وجه الاستدلال أنه إذا استاك يزول هذا الخلوف. لكنه غير مسلم. فإن المراد من الحديث مدح الصائم من حيث صيامه، حتى أن رائحة فمه التي من شأنها أن تكون كريهة، مرضية عند الله عز وجل، يثاب عليها أكثر ما يثاب من تطيب برائحة المسك المحبوبة شرعا (وقول) علي: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي. أخرجه البيهقي (¬2) {8}. (ضعيف) فإن في سنده كيسان أبو عمر عن يزيد بن بلال وكيسان ليس بالقونى وضعفه يحيى بن معين والساجي. ويزيد بن بلال حديثه منكر. وقال ابن حبان: لا يحتج به "وقول" أبي هريرة: لك السواك إلى العصر، فإذا صليت فألقه. أخرجه الدارقطني والبيهقي (¬3) {9}. "ضعيف" أيضا، فإن في سنده عمر بن قيس، وهو متروك. ولذا نقل الترمذي عن الشافعي أنه قال: لا باس بالسواك للصائم أول النهار وآخره. واختاره جماعة من أصحابه منهم أبو شامة والنووي والمزني. 8 و 9 - المضمضة والاستنشاق: سيأتي بيانهما وافيا في سنن الوضوء إن شاء الله تعالى. 10 - غسل البراجم: بفتح الموحدة وكسر الجيم جمع برجمة بضم الموحدة والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها. وغسلها سنة مستقلة غير خاصة بالوضوء ¬

(¬1) انظر ص 132 ج 1 نيل الأوطار. و (لخلوف فم الصائم) أي تغير رائحته يقال خلف فم الصائم خلوفا من باب قد تغيرت ريحه. (¬2) انظر ص 274 ج 4 - سنن البيهقي. (من كره السواك بالعشي للصائم). (¬3) انظر ص 274 ج 4 - سنن البيهقي. (من كره السواك بالعشي للصائم).

11 - انتقاص الماء

ويلحق بها ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن والصماخ فيزيله بالمسح لأن الغسل ربما أضر بالسمع وكذلك ما يجتمع داخل الأنف وكل وسخ اجتمع على أي موضع من البدن بالعرق والغبار ونحوهما. 11 - انتقاص الماء: بالقاف والصاد المهملة وهو لغة رش الماء على الذكر وفسره وكيع بن الجراح بالاستنجاء بالماء المتنجي به. وكان الاستنجاء من الفطرة لما فيه من تطهير المحل وتنظيفه والكلام فيه ينحصر في سبعة مباحث. (أ) تعريفه: هو لغة غسل موضع الخارج من أحد السبيلين، أو مسحه بحجر أو نحوه. وشرعا إزالة ما على السبيل من النجاسة بنحو الماء، وتقليلها بنحو الحجر (ومن لوازمه) الاستبراء. وهو طلب البراءة من اثر الخارج. فيلزم الرجل الاستبراء حسب عادته بنحو مشي أو تنحنح أو ركض أو اضطجاع. ولا يصح الشروع في الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: عامة عذاب القبر في البول فاستنزهوا من البول. أخرجه البزار والطبراني في الكبير (¬1) {83} وفيه أبو يحيى القتات وثقه ابن معين وضعفه غيره. (وعن عيسى) بن يزداد اليماني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا بال أحدكم فينتر ذكره ثلاثا. أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود في المراسيل (¬2) {84} ويزداد ذكره ابن منده في معرفة الصحابة. وأبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب وفيه زمعة ابن صالح ضعيف. ¬

(¬1) انظر ص 207 ج 1 مجمع الزوائد (الاستنزاه من البول). (¬2) انظر ص 207 منه (فلينتر) من النتر وهو جذب فيه قوة.

ولا تحتاج المرأة إلى استبراء بل تصبر قليلا ثم تستنجى (ولابد) من الاستنقاء أيضا. وهو طلب النقاوة بدلك المقعدة بالأحجار حال الاستجمار، أو بالأصابع حال الاستنجاء بالماء حتى تذهب الرائحة. (ب) حكمه: هو واجب عند الأئمة الثلاثة على من راد الصلاة (وقال) الحنفيون: هو سنة مؤكدة من نجس خارج من أحد السبيلين ولو غير معتاد ما لم يتجاوز المخرج. وإن تجاوز النجس المخرج وجب الغسل إن كان المتجاوز درهما فأقل. ويفترض الغسل إن كان المتجاوز أكثر من الدرهم. وغسل ما عدا المخرج من باب إزالة النجاسة. (جـ) آلته: يكون بالماء والحجر ونحوه (1) فيغسل المحل بالماء حتى يعلم أنه طهر لقول أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء فيستنجى به. أخرجه أحمد والخمسة إلا الترمذي (¬1) {85} (2) ويجزئ فيه الحجر ونحوه من كل عين طاهرة قالعة غير محترمة. يمسح به المحل حتى ينقى. (ويستحب) فيه التثليث عند الحنفيين ومالك لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أكتحل فليوتر. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر. من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي والح وابن حبان في صحيحه (¬2) {86}. والمعنى: من فعل ما قلته كله فقد أحسن، ومن لم يفعل فلا حرج. ¬

(¬1) انظر ص 301 ج 2 تيسير الوصول (ما يستنجى به). (¬2) انظر ص 127 ج 1 - المنهل العذب. وص 169 ج 1 سنن الدارمي (التستر عند الحاجة). وص 276 ج 1 - الفتح الرباني بلفظ: من استجمر.

(وقال) الشافعي وأحمد: لابد من التثليث لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا. أخرجه أحمد والبيهقي (¬1) {87}. (وقال) عبد الرحمن بن يزيد: قيل لسلمان علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ أجل. نهانا أن نستقبل القبلة يغائط أو بول، أو أن نستنجى باليمين أو أن يستنجى أخدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو يستنجى برجيع أو بعظم. أخرجه الستة إلا البخاري (¬2) {88}. (دل) ما ذكر على أنه لا يجزئ في الاستنجاء أقل من ثلاثة أحجار ولو حصل به الإنقاء. فإن حصل بها الإنقاء، وإلا وجبت الزيادة عليها يحصل الإنقاء (وأجاب) الحنفيون بأن ذكر الثلاثة في هذه الأحاديث محمول على الندب جمعا بين الأحاديث (ويؤيده) قول ابن مسعود: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة. وقال هذه ركس. أخرجه البخاري واللفظ له وابن ماجه والترمذي والنسائي (¬3) {89}. (ووجه الاستدلال) أنه لو كان العدد شرطا لطلب ثالثا لكنه لم يطلبه ومن أنعم النظر في أحاديث الباب ودقق ذهنه في معانيها، علم وتحقق أن المراد الإنقاء لا التثليث (ورد) بأن حديث سلمان نص في أنه لا يقتصر على ما دون الثلاث. ¬

(¬1) انظر ص 277 ج 1 - الفتح الرباني. وص 104 ج 1 - بيهقي (الإيتار في الاستجمار). (¬2) انظر ص 68 ج 1 - ابن ماجه (الاستنجاء بالحجارة .. ) وص 200 ج 2 تيسير الوصول (أداب الاستنجاء). (¬3) انظر ص 302 منه (ما يستنجى به). وص 68 ج 1 - ابن ماجه. و (الركس) بكسر الراء الرجس.

وهو قول، وحديث ابن مسعود فعل. وإذا تعارضا قدم القولي لا سيما وقد ورد الأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار في غير حديث كما تقدم. (وقالت) المالكية: يتعين الماء ولا يكفي الحجر ونحوه في خمس صور: 1 - في إزالة المنى لمن فرضه التيمم أو الوضوء كخروجه بلا لذة أو بلذة غير معتادة. 2 - وفي إزالة دم الحيض أو النفاس، وكذا دم الاستحاضة إن لم يلازم كل يوم ولو مرة، وإلا فهو معفو عنه كسلس البول الملازم لذكر أو أنثى، فلا تجب إزالته. 3 - وفي إزالة بول المرأة بكرا أو ثيبا، لتعديه المخرج إلى جهة المقعدة عادة. 4 - وفي بول أو غائط انتشر عن المخرج انتشارا كثيرا كأن يصل إلى المقعدة أو يعم الحشفة. 5 - وفي مذي خرج بلذة معتادة بنظر أو ملاعبة أو بتذكر مع وجوب غسل جميع الذكر بنية طهارته من الحدث (وهذه النية) واجبة غير شرط على المعتمد. فلذا لو تركها وغسل ذكره بلا نية وتوضأ وصلى له تبطل صلاته على الراجح. وأما غسل جميع الذكر فقيل واجب شرطا، فلو اقتصر على غسل جميع الذكر فقيل واجب غير شرط. فلا تبطل الصلاة بغسل البعض ولو محل النجاسة فقط، وعلى الثاني يجب غسل جميعه لما يستقبل من الصلاة لأنه أمر واجب. (وقال) ابن حبيب المالكي: لا يجزئ الحجر إلا لمن عدم الماء. وهو خلاف ما ثبت في السفة، وما عليه الإجماع من جواز الاقتصار على الحجر ونحوه مطلقا، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم لحاجة، فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود والدارقطني. وقال: إسناده صحيح حسن (¬1) {9}. ¬

(¬1) انظر ص 278 ج 1 - الفتح الرباني. وص 18 ج مجتبي (الإجتزاء في الاستطابة بالحجارة). وص 146 ج 1 - المنهل العذب (الاستنجاء بالأحجار).

(د) كيفية الاستجمار: ينبغي أن يجعل المستجمر حجرين للصفحتين وحجرا للمخرج، لحديث سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وعلى آل وسلم سئل عن الاستطابة فقال: أولا لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة. أخرجه البيهقي والطبراني والدارقطني باسناد حسن (¬1) {91}. (هـ) أنواع الاستنجاء- هي ثلاثة: (1) - مسح المحل بالحجر ونحوه ثم غسله بالماء على أن يقع في قلبه أنه طهر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين) في أهل قباء، فسألهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: أنا نتبع الحجارة الماء. أخرجه البزار (¬2) {92}. وفيه محمد بن عبد العزيز ابن عمر الزهري. ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما. وهذا أفضل إذا أمكنه الغسل بلا كشف عورة على من يحرم عليه نظر عورته، وإلا لزم الاستجمار من تحت الثياب. ولا يستنجي بالماء. (2 و 3) - (ويلي) الاستنجاء بهما، الاقتصار على الماء. وبعده الاقتصار على الحجر. والسنة تحصل بالكل. هذا، وأحاديث الباب ترد على من كره الاستنجاء بالماء وعلى من نفي وقوعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (و) ما لا يستنجى به: يكره تحريما عند الحنفيين الاستنجاء بعظم وروث ¬

(¬1) أنظر ص 114 ج 1 سنن البيهقي (كيفية الاستنجاء). وص 211 ج 1 مجمع الزوائد (الاستجمار بالحجر). و (الاستطابة) الاستنجاء. و (الصفحة) الجانب. و (المسربة) بفتح الراء مجرى الغائط ومخرجه. (¬2) انظر ص 212 ج 1 مجمع الزوائد (الجمع بين الماء والحجر).

وفحم وطعام لأدمي كالخبز أو بهيمة كالحشيش (لقول) ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله أنه أمتك أن يستنجوا بعظيم أو روث أو حممة فإن الله جعل لنا فيها رزقا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه إسماعيل ابن عياش وهو ثقة (¬1) {93}. (وكذا) يكره الاستنجاء بخرقة حرير وبالورق سواء ورق الكتابة والشجر والقطن. ولو فعل يجزئه لحصول المقصود. (وحكمة) النهي في الروث النجاسة، وفي العظم، كونه زاد الجن. ولا يستنجى بطعام لأنه إسراف وإهانة. (وقالت) الشافعية والحنبلية وإسحاق والثوري: لا يجوز الاستنجاء بعظم ولا بعر ولا محترم، ولا يجزئ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن. قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد. فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه. يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما. وكل بعرة أو رويثة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام أخوانكم من الجن. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {94}. وتقدم في حديث سلمان: نهانا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نستنجى برجيع أو عظم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 - المنهل العذب (ما ينهي عنه أن يستنجى به). و (حممة) كرطبة ما أحرق من خشب ونحوه. (¬2) تقدم الحديث رقم 20 ص 73 (الأنبياء والرسل) بأتم من هذا. (¬3) تقدم بالحديث رقم 88 ص 194 (هل يذم التثليث في الاستنجاء بالحجر).

(نبه) النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرجيع على جنس الجنس، فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعاما للجني فنبه به على جميع المطعومات، وتلحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم. ولا فرق في النجس بين المائع والجامد. فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه الاستنجاء بالماء. ولا يجزئه الحجر، لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية. ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات، فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها. وقيل: أن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية (¬1). (وقالت) المالكية: لا يجوز الاستنجاء بالنجس كأرواث الخيل والحمير وعظم الميتة والعذرة، ولا بمحترم لكونه مطعوما لآدمي كخبز أو مكتوبا، لحرمة الحروف ولو بخط غير عربي، أو مشرفا لذاته كذهب وفضة، او حقا للغير كجدار مملوك للغير ولو وقفا. وأجزأ الاستنجاء بما ذكر مع الحرمة إن حصل الإنقاء. قالوا: ويكره الاستنجاء بعظم وروث طاهرين. (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم، وقال: إنهما لا يطهران. أخرجه الدارقطني وصححه (¬2) {95}. (يرد) على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه. (ز) آداب قضاء الحاجة- يعني البول والغائط. يندب لمن يريد قضاء الحاجة أمور، ذكر منها سبعة وعشرون. ¬

(¬1) انظر ص 157 ج 3 نووى مسلم (الاستطابة). (¬2) انظر ص 21 - سنن الدارقطني.

1 - أن يقول جهرا عند دخوله محل قضائها: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. 2 - ثم يدخل باليسرى. 3 - ولا يكشف عورته قبل أن يدنو إلى العقود. 4 - ويوسع بين رجليه ويميل على اليسرى. 5 - ولا يرد سلاما، ولا يجيب مؤذنا، فإن عطس حمد الله بقلبه. 6 - ولا ينظر إلى عورته، ولا إلى ما يخرج منه. 7 - ولا يبزق في البول. 8 - ولا يطيل القعود فإنه يولد الناسور (¬1). 9 - ولا يكثر الالتفات. 10 - ولا يعبث ببدنه. 11 - ولا يرفع بصره إلى السماء. 12 - فإذا فرغ من قضاء حاجته، عصر ذكره من أسفله إلى الحشفة. 13 - ثم يغسل يديه ثلاثا. 14 - ثم يفيض الماء باليمنى على فرجه ويغسله باليسرى بادئا بالقبل ويرخى مقعدته، يفعل ذلك ثلاثا، ويدلك كل مرة ويبالغ مالم يكن صائما. 15 - ثم يقوم وينشف فرجه بخرقة نظيفة إن أمكنه، وإلا مسحه بيده مرارا. 16 - ويستر عورته قبل أن يستوى قائما. 17 - ثم يخرج برجله اليمنى ويقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني، الحمد لله الذي اذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه، اللهم حصن فرجي، وطهر قلبي، ومحص ذنوبي. (وقد ورد) في ذلك أحاديث (منها) حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث. أخرجه البخاري والأربعة (¬2) {96}. ¬

(¬1) (الناسور) بالسين والصاد. ملة تحدث حول المقعدة أو عرق في باطنه فساد. (¬2) انظر ص 171 ج 1 فتح الباري (ما يقول عند الخلاء). وص 29 ج 1 - المنهل العذب. وص 9 ج 1 مجتبيز وص 14 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 65 ج 1 ابن ماجه. و (الخبث) بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة كما في الرواية (وقد) صرح جماعة بأن الباء هنا ساكنة، وهو جمع خبيث، والمراد ذكور الشياطين. و (الخبائث) جمع خبيثة. والمراد إناث الشياطين.

وهذا في الأمكنة المعدة لذلك، أما في غيرها كالصحراء فيقوله عند تشمير الثياب. (وقال) ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {97}. (وقالت) عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه (¬2) {98}. (قيل) أنه استغفر لتركه الذكر في تلك الحالة، لما ثبت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذكر الله على كل أحواله إلا في حال قضاء الحاجة، فجعل ترك الذكر في هذه الحالة تقصيرا يستغفر منه. (وقيل) استغفر لتقصيره في شكر نعمة الله تعالى عليه بإقداره على إخراج ذلك الخارج. (وقال) أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافني. أخرجه ابن ماجه (¬3) {99}. ¬

(¬1) (أنظر ص 59 ج 1 - المنهل العذب. كيف التكشف عند الحاجة). (¬2) انظر ص 116 منه (ما يقول إذا خرج من الخلاء). وص 16 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 158 ج 1 مستدرك. وص 65 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) أنظر ص 66 ج 1 - ابن ماجه (ما يقول إذا خرج من الخلاء).

(وفي حمده) صلى الله عليه وعلى آله وسلم إشعار بأن هذه نعمة جليلة ومنه جزيلة، فإن انحباس ذلك الخارج من أسباب الهلاك، فخروجه من النعم التي لا تتم الصحة بدونها "وحق" وعلى من أكل ما يشتهيه من الأطعمة فسد به جوعته، وحفظ به صحته وقوته. ولما لم يبق فيه نفع واستحال إلى تلك الصفة الخبيثة المنتنة التي بقاؤها في الجوف مهلك، خرج بسهولة من مخرج معد لذلك بعيد عن الحواس التي تتأذى بخروجه "أن يكثر" من محامد الله تعالى. 18 - (ويطلب) ممن أراد قضاء الحاجة، ترك استصحاب مافيه ذكر الله تعالى، (لقول) أنس رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس خاتما نقشه: محمد رسول الله. فكان إذا دخل الخلاء وضعه. أخرجه الحاكم (¬1) {100}. وهو دليل على أنه يندب لمن يريد التبرز أن ينحي عنه كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو اسم نبي أو ملك. (وبهذا) قالت الأئمة الأربعة: فإن خالف كره له ذلك إلا لحاجة. كأن يخاف عليه الضياع، وهذا في غير القرآن. أما القرآن فقالوا: يحرم استصحابه في تلك الحالة كلا أو بعضا إلا أن خيف عليه الضياع، أو كان حرزا، فله استصحابه. ويجب ستره حينئذ ما أمكن. 19 - (ويطلب) ممن يريد قضاء الحاجة، البعد والاستتار عن الناس، لقول جابر: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر، فكان ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 1 سبل السلام (آداب قضاء الحاجة).

لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى. أخرجه ابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {101}. فالحديث يدل على مشروعية الأبعاد لمن يريد قضاء الحاجة، لإخفاء ما يستقبح سماعه أو رائحته. (وعن أبي هريرة) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أتى الغائط فليستتر، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي (¬2) {102}. (وفي الحديث) الأمر بالتستر معللا بأن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. وذلك أن الشيطان يحضر مكان قضاء الحاجة لخلوه عن الذكر الذي يطرد به. فإذا حضر أمر الإنسان بكشف العورة، وحسن له البول في المواضع الصلبة التي هي مظنة رشاش البول. فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاضي الحاجة ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 1 ابن ماجه (التباعد للبراز في القضاء). و (البراز) بفتح الباء الموحدة، اسم للفضاء الواسع من الأرض، كني به عن حاجة الإنسان كما كنى عنها بالغائط والخلاء. (¬2) انظر ص 261 ج 1 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - بيهقي (الاستتار عند قضاء الحاجة). وص 127 ج 1 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - المنهل العذب. وهو عجز حديث صدره: "من اكتحل فليوتر" (الاستثار في الخلاء). وص 72 ج 1 - ابن ماجه (الارتياد للغائط). وصدر الحديث عنده: "من استجمر فليوتر". و (الكثيب) بالمثلثة: قطعة مستطيلة تشبة الربوة، أي فإن لم يجد ستره، فليجمع من التراب أو الرمل قدرا يكون ارتفاعه بحيث يستره.

بالتستر حال قضائها، مخالفة للشيطان ودفعا لوسوسته التي يتسبب عنها النظر إلى سوءة (عورة) قاضي الحاجة المفضي إلى أثمة. 20 - (ويطلب) من المتخلى ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها (لحديث) أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه. وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروثة والرمة. أخرجه مالك وأحمد والأربعة إلا الترمذي (¬1) {103}. (وهو) يدل على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائطز (وبه) قال الأوزاعي والثوري وأحمد في رواية (قالوا) لا يجوز فذلك في الصحراء ولا في البنيان، أخذا بالحديث. (وقال) مالك والشافعي وأحمد في رواية: يحرم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة في الصحرا. ولا يحرم ذلك في البنيان، حملا للنهي في الحديث على الصحراء، لقول ابن عمر: لقد ارتقيت على ظهر البيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبرر القبلة. أخرجه السبعة والبيهقي، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {104}. ¬

(¬1) انظر ص 272 ج 1 - الفتح الرباني. (النهي عن استقبال القبلة واستدبارها وقت قضاء الحاجة) وص 43 ج 1 - المنهل العذب (كراهية استقبل القبلة عند قضاء الحاجة). وص 16 ج 1 مجتبي (النهي عن الاستطابة بالروث). وص 67 ج 1 - ابن ماجه. و (لا يستطب) من الاستطابة أي لا يستنجى. و (الرمة) بكسر الراء وتشديد الميم، العظم اليالي. (¬2) انظر ص 274 ج 1 - الفتح الرباني. وص 298 ج 2 تيسير الوصول (أداب الاستنجاء).

هذا، وإنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان بشرط أن يكون بينه وبين الجدار ونحوه ثلاثة أذرع فما دونها، ويكون الجدار ونحوه مرتفعا نحو نصف متر فإن زاد ما بينهما على ثلاثة أذرع أو قصر الحائل عن نصف متر، فهو حرام، إلا إذا كان في بيت بني لذلك فلا حرج فيه ولو كان في الصحراء وتستر بشيء على ما ذكرناه من الشرطين، زال التحريم، فالاعتبار بالساتر وعدمه. فحيث وجد الساتر بالشرطين، حل في البنيان والصحراء. وحيث فقد أحد الشرطين، حرم في الصحراء والبنيان (¬1). (ويدل) لجوازه في الصحراء بساتر قول مروان الأصفر: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. أخرجه أبو داود (¬2) {105}. وفي سنده الحسن بن ذكوان مطعون فيه طعنا لا تقوم به معه حجة. (وقال) الحنفيون: يكره استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء والبنيان. وهو رواية عن أحمد وأبي ثور. وحملوا النهي في حديث أبي هريرة السابق ونحوه على كراهة التنزيه، لما تقدم عن ابن عمر وغيره. ولحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى. أخرجه الشيخان (¬3) {106}. ¬

(¬1) انظر ص 78 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). (¬3) انظر ص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء).

فما انحرف أبو أيوب وغيره، إلا لأن في عدم الانحراف مخالفة- وقوله كنا- يشعر بتقرر الحكم عند الصحابة. وله قوة المرفوع إذ مثله لا يصدر عن الرأي. وفي المسألة مذاهب بسطنا الكلام عليها في "النهل العذب المورود: شرح سنن الغمام أبي داود (¬1) ". هذا. وقد دل قوله في حديث أبي أيوب: ولكن شرقوا أو غربوا على جواز استقبال الشمس والقمر واستدبارهما حال قضاء الحاجة بلا كراهة إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب (وبه) قال الحنفيون ومالك والجمهور. (وقال) أحمد وبعض الشافعية: يكره استقبالهما بفرجه. (قال) النووي قال كثير من أصحابنا: يستحب ألا يستقبل الشمس ولا القمر واستأنسوا به بحديث ضعيف بل باطل (¬2) ولهذا لم يذكره الشافعي ولا كثيرون وهذا هو المختار لأن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل ولا دليل في المسألة (¬3). أقول: قد علم أن حديث أبي أيوب دليل صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما. 21 - ويطلب من المتخلي ألا يستقبل الريح فيكره استقبالها لئلا ترد عليه رشاش البول فينجسه (¬4). 22 - (ويطلب) من قاضي الحاجة الكف عن الكلام (لحديث) المهاجر ¬

(¬1) انظر ص 39 وما بعدها ج 1 - المنهل العذب المورود. (¬2) هو ماقيل عن الحسن البصرى حدثني رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبول الرجل وفرجه باد على الشمس والقمر. ونسب للترمذي ولم نعثر عليه فيه. (¬3) انظر ص 94 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 157 ج 1 مغنى ابن قدامة.

ابن قنفد أنه أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم فلم يرد عليه حتى توضأ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1) {107}. وهو يدل على كراهة ذكر الله حال قضاء الحاجة ولو كان واجبا كرد السلام. ولا يستحق المسلم في تلك الحال جوابا (قال) جابر: إن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك إن فعلت ذلك لم ارد عليك. أخرجه ابن ماجه. وفي سنده سويد بن سعد. وهو ضعيف (¬2) {108}. وهذا متفق عليه. ولا ينافي الكراهة قول أبي سعيد سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬3) {109}. فإنه "وإن كان" بظاهره يفيد تحريم الكلام حال قضاء الحاجه لأنه علل النهي عنه بمقت الله تعالى الذي هو أشد الغضب "فقد" صرف النهي عن التحريم، الإجماع على عدم تحريم الكلام حال قضاء الحاجة. وربط النهي بتلك العلة لا يبعد حمله على الكراهة، فإن سياق الحديث يدل على أن المقت على مجموع ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 1 - المنهل العذب (أيرد السلام وهو يبول). وص 16 ج 1 مجتبي (رد السلام بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 75 ج 1 - ابن ماجه (من يسلم عليه وهو يبول). (¬3) انظر ص 163 ج 1 - الفتح الرباني. وص 61 ج 1 - المنهل العذب (كراهية الكلام عند الخلاء). وص 73 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده). و (يضربان) أي يقصدان الخلاء. و (الرجلان) في الحديث لا مفهوم لهما، بل مثلهما المراتان والرجل والمرأة، بل ذلك اقبح.

الكلام والنظر على العورة لا على مجرد الكلام. وذكر النظر في الحديث لزيادة التقبيح، ضرورة أن النظر إلى عورة الغير حرام مع قطع النظر عن الكلام والتخلي. ومحل النهي عن الكلام حال قضاء الحاجة ما لم تدع إليه ضرورة، كإرشاد أعمى يخشى ترديه في نحو حفرة، أو رؤية نحو عقرب يقصد إنسانا، فإن الكلام حينئذ جائز، وربما كان واجبا. "ولا ينافي" الأحاديث المذكورة "حديث" عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين. وليقل له يرحمك الله وليقل هو يغفر الله لنا ولكم. أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي (¬1) {110}. "فإنها مخصصة لعمومه" وإن العاطس في هذه الحالة يحمد الله في نفسه ولا يحرك به لسانه (وفي الحديث) أيضا دلالة على أنه ينبغي لمن سلم عليه في تلك الحال أن يدع الرد حتى يتوضأ أو يتيمم، ثم يرد، وهذا إذا لم يخش فوته. أما إذا خشى فوته فله أن يرد بعد قضاء الحاجة، وقبل الطهارة، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما أخر الرد عن الوضوء أو التيمم طلبا للأكمل. وهو الرد حال الطهارة. 23 - (ويطلب) من المتخلي أن يختار المكان اللين الذي لا صلابة فيه، أو المنخفض ليأمن من رشاش البول ونحوه، لقول أبي موسى: إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم، فأراد أن يبول فأتي دمثا في أصل جدار فبال ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا" أخرجه أبو داود (¬2) {111}. ¬

(¬1) انظر رقم 757 ص 403 ج 1 فيض القدير، شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 26 ج 1 - المنهل العذب (الجرل يتبوأ لبوله). و (الدمث) يفتح فكسر أو سكون، الأرض السهلة. و (فليرتد) من الارتياد وهو الاختبار، أي فليختر مكانا سهلا لينا أو متخفضا.

(والحديث) وإن كان ضعيفا، لأن في سنده مجهولا، فإن أحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيده قوة. 24 - (ويطلب) من قاضي الحاجة أن يتقي الجحر لئلا يكون فيه شيء يؤذيه لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ان يبال في الجحر. قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال أنها مساكن الجن. أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي (¬1) {112}. (والحديث) يدل على كراهة البول في الحفر التي تسكنها الهوام والسباع. إما لأنها مساكن الجن. أولا لأنه يؤذي ما فيها من الحيوانات أو تؤذيه. ومثل البول الغائط. 25 - (ويطلب) ممن أراد قضاء الحاجة أن يتجنب طريق الناس وظلهم، لما فيه من أذيتهم بالتنجيس والرائحة الكريهة (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: اتقوا اللاعنين. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬2) {113}. ¬

(¬1) انظر ص 257 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (سيرجس) يفتح فسكون فكسر ممنوع من الصرف للعامية والعجمة. و (الجحر) بضم فسكون الشق في الحائط أو في الأرض. (¬2) انظر ص 256 ج 1 - الفتح الرباني. وص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). والمراد باللاعنين الأمران اللذان يحملان الناس على اللعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم عادة، فلما صار سببا للعن أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي ويحتمل أن يكون اللاعن بمعنى الملعون، أي الملعون فاعلهما.

26 - ويطلب من قاضي الحاجة ألا يبول في مستحمه، لأنه جالب للوسواس ولحديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه. فإن عامة الوسواس منه". أخرجه أحمد والأربعة وفي رواية "ثم يتوضأ فيه (¬1) " {114}. 27 - ويطلب من المتخلي البول قاعدا. ويكره قائما، لقول جابر رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبول الرجل قائما أخرجه ابن ماجه (¬2) {116}. والنيه فيه محمول على الكراهة لقول حذيفة: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سباطة قوم فبال قائما، ثم دعا بماء فمسح على خفيه. أخرجه السبعة والبيهقي (¬3) {116}. فعل ذلك بيان الجواز وأنه ليس بحرام وكانت عادته المستمرة البول قاعدا (وقول) عائشة رضي الله عنها: من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال قائما فلا تصدقوه وما كان يبول إلا جالسا. أخرجه أحمد والأربعة ¬

(¬1) انظر ص 258 ج 1 - الفتح الرباني. وص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (الوسواس) بكسر الواو الأولى، حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه، أو بما فيه شر، وإما بفتحها فاسم للشيطان. (¬2) انظر ص 67 ج 1 - ابن ماجه (في البول قاعدا). (¬3) انظر ص 382 ج 5 مسند أحمد، وص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء) و (البساطة) الكناسة بالضم وزنا ومعنى.

إلا أبا داود وقال الترمذي: هو أحسن شيء في الباب وأصح (¬1) {117}. (يحمل) على ما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البيت. وقد بال قائما في غيره فلم تطلع عليه عائشة وقد حفظه حذيفة والمثبت مقدم على النافي. (وبكراهة) البول قائما قال الحنفيون والشافعي وأحمد (وقال مالك) إن كان البول في مكان لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس به قائما، وإلا كره (¬2) (وأباح) البول قائما طائفة وثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما (قال) ابن المنذر: البول جالسا أحب إلى وقائما مباح، وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم (قالوا) وأحاديث النهي لم يثبت منها شيء (ورد) بأنها معتضدة بما تقدم عن عائشة من أنه صلى الله عليه وعلى أله وسلم ما كان يبول إلا جالسا. وقد علمت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما بال قائما، لبيان الجواز. (وقال الشافعي) إن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فلعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان به إذ ذاك. وقيل فعل ذلك لجرح كان في باطن ركبته، أو لامتلاء السباطة بالنجاسة، فلم يجد مكانا للجلوس. (قال النووي) وقد روى في النهي عن البول قائما أحاديث لا تثبت. ولكن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ثابت. ولهذا قال العلماء: ويكره البول قائما إلا لعذر. وهي كراهة تنزيه لا تحريم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 - الفتح الرباني. وص 299 ج 2 تيسير الوصول. وص 66 ج 1 - ابن ماجه (في البول قاعدا). (¬2) تفصيل مذهب مالك (أ) إن كان المكان طارها رخوا جاز البول قائما والجلوس أولي لأنه استر (ب) وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة التنجس (جـ) وإن كان صلبا نجسا لا يبول فيه قائما ولا جالسا خشية التنجس (د) وإن كان صلبا طاهرا تأكد الجلوس خشية التنجيس. (¬3) انظر ص 166 ج 3 شرح مسلم.

(ولا ريب) أن البول من قيام من الجفاء والغلظة والمخالفة للهيئة المستحسنة، مع كونه مظنة لانتضاح البول وترشرشه على البائل وثيابه. فأقل أحوال النهي مع هذه الأمور أن يكون البول من قيام مكروها. (هذا) وقد أجمع العلماء على أنه يجوز للشخص أن يتخذ ليلا إناء يبول فيه، لقول أميمة بنت رقيقة: كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل. أخرجه النسائي وأبو داود وحسنه الحافظ (¬1) {118}. 12 - شعر الرأس: الشعر بسكون العين وفتحها وهو في الرأس زينة والكلام في إعفائه وفرقه وترجيله وحلقه كلا أو بعضا ووصله ونمصه. (أ) إعفاؤه: هو سنة (قال) في شرح المصابيح: لم يحلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راسه في سني الهجرة إلا في عام الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع ولم يقصر شعره إلا مرة واحدة كما في الصحيحين (¬2). وسئل الإمام أحمد عن الرجل يتخذ الشعر، فقال سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه. كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمة (¬3). (وقالت) عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من ¬

(¬1) انظر ص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (عيدان) بفتح فسكون اسم لطوال النخل، الواحد عيدانة. (¬2) انظر ص 39 - المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية. (¬3) انظر ص 73 ج 1 مغنى ابن قدامة. و (الجمة) مجتمع شعر الناصية.

إناء واحد وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفره. أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل (¬1) {119}. (ويستحب) أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا طال فالي منكبيهز وإن قصر فالي شحمة أذنيه. (ب) فرقه: هو بفتح فسكون قسم الشعر نصفين من جانب اليمين واليسار وهو ضد السدل الذي هو الإرسال من سائر الجوانب والفرق مستحب (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسم وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راسه. أخرجه الترمذي في الشمائل والشيخان وأبو داود والنسائي (¬2) {120}. (وإنما) أحب موافقة أهل الكتاب دون المشركين لتمسك أولئك ببقايا شرائع الرسل، والمشركون لا مستند لهم إلا ما وجدوا عليه آباءهم. (وحكمة) عدوله عن موافقتهم في السدل أن الفرق أنظف وأبعد عن الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء. والحديث يدل على جواز الأمرين وأن الفرق أفضل لأنه آخر الأمرين من فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (جـ) ترجيله: الترجل والترجيل تسريح الشعر وتحسينه. ويستحب تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه بطيب وزيت ونحوهما (وقالت) عائشة: ¬

(¬1) انظر ص 41 الشمائل المحمدية. وص 82 ج 4 سنن أبي داود (ما جاء في الشعر). و (الجمة) يضم الجيم وشد الميم شعر الراس يصل إلى المنكبين. و (الوفرة) بفتح فسكون الشعر يصل إلى الأذنين لأنه وفر على الأذن أي اجتمع عليها. (¬2) انظر ص 42 - الشمائل المحمدية (شعره صلى الله عليه وسلم). وص 80 ج 2 تيسير الوصول (السدل والفرق).

كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا حائض. أخرجه الترمذي في الشمائل (¬1) {121}. (وقال) أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع حتى كأن ثوبه ثوب زيات. أخرجه الترمذي في الشمائل (¬2) {122}. وإكثاره الدهن والتسريح كان في وقت دون وقت (لقول) عبد الله ابن مغفل: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الترجل إلا غبا أخرجه الثلاثة (¬3) {123}. والغب مرة في أسبوع (وقال) عطاء بن يسار: أتى رجل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ . أخرجه مالك وابن حبان وصححه (¬4) {124}. (د) حلق الرأس: يباح للرجل حلق كل رأسه عند الجمهور لحديث ¬

(¬1) انظر ص 43 - الشمائل المحمدية (ترجله صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 44 منه. و (الدهن) بفتح فسكون استعمال الدهن بالضم وهو ما يدهن به من زيت وغيره. و (القناع) بكسر القاف وتخفيف النون خرقه توضع على الرأس حين استعمال الدهن لتقى العمامة منه وهي المراد بالثوب في قوله: كأن ثوبه ثوب زيات. (¬3) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الترجل). (¬4) انظر ص 79 منه. و (الثائر) الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل.

عبد الله بن جعفرب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمهل آل جعفر حين أتى نعيه ثلاثا. ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم. ثم قال: ادعوا لي بني أخي. فجيء بنا كأننا أفرخ فقال: أدعوا لي بالحلاق فحلق رؤوسنا" أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن وفي شيخه مقال (¬1) {125}. (وقال) وائل بن حجر (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولي شعر طويل فلما رآتي قال: ذباب ذباب فرجعت فجزرته ثم أتيته من الغد فقال: أتى لم آعنك، وهذا أحسن. أخرجه أبو داود والنسائي وأبو ماجه. وفيه عاصم بن كليب أحتج به مسلم. وقال أحمد: لا بأس بحديثه (¬2) {126}. (وعن) أحمد وبعض المالكية أنه يكره حلقه إلا للضرورة، لقول النبي صلى الله وعلى آله وسلم: "لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة" أخرجه الدارقطني في الأفرارد. ذكره ابن قدامة (¬3) {127}. (وقال) أحمد: إنما كرهوا الحلق بالموسى. أما بالمقراض فليس به باس، لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق وما استدلوا به لا يقوي على معارضة الأحاديث الصحيحة الدالة على إباحة الحلق بلا كراهة (وقوله) لا توضع النواصي، ليس نصا في الحلق. بل يحتمله والقص (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور من جواز حلق جميع الراس أو تركه بلا كراهة. وهذا كله في حق الرجال. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق). و (أفرخ) جمع فرخ، وهو صغير ولد الطائر، شبههم، بذلك لأن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه. (¬2) انظر ص 82 ج 4 سنن ابي داود (تطويل الجمة). (الذباب) بضم ففتح الشؤم أو الشر الدائم. (¬3) انظر ص 74 ج 1 مغني ابن قدامة.

(وأما النساء) فيحرم عليهن حلق رءوسهن (لقول) على رضي اله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تحلق المرأة رأسها" أخرجه النسائي والترمذي وقال: فيه اضطراب (¬1) {128}. ولأن في حلقها رأسها تشبها بالرجال، وهو حرام (لما روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. أخرجه السبعة إلا مسلما (¬2) {129}. (هـ) حلق بعض الرأس: أجمع العلماء على أنه يكره تنزيها حلق بعض الرأس وترك بعضه (لحديث) نافع عن ابن عمر قال: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القزع فقيل لنافع ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه. أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬3) {130}.: (ففي الحديث) النهي عن القزع. وأصل النهي للتحريم. لكن قال النووي: أجمع العلماء على كراهة القزع تنزيه وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا. وقال بعض اصحابه لا بأس به في القصة والقفا للغلام. ومذهبنا كراهته مطلقا للرجل والمرأة لعموم الحديث (والحكمة) في كراهته أنه يشوه الخلقة. وقيل لأنه زي أهل الشر. وقيل لأنه زي اليهود (¬4) وقد جاء هذا ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق). (¬2) انظر رقم 7265 ص 271 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق) و (القزع) بفتح القاف والزاي جمع قزعة. وهي الأصل القطعة من السحاب. سمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا، تشبيها بالسحاب المتفرق. (¬4) انظر ص 101 ج 14 شرح مسلم.

مصرحا به في رواية عن الحجاج بن حسان قال: دخلنا على أنس بن مالك "فحدثتني اختي المغيرة" قالت وأنت يؤمئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك، قال: احلقوا هذين أو قصرهما، فإن هذا زي اليهود. أخرجه أبو داود (¬1) {10}. (و) وصل الشعر: هو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به وهو حرام (لقول) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله: أن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة. أخرجه الشيخان والنسائي (¬2) {131}. (الواصلة) من تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) من تطلب وصل شعرها. والحديث صريح في تحريم الوصل. ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقا على الظاهر المختار (وقد) فصل الفهاء. فقال الحنفيون ومالك وكثيرون: الوصل ممنوع سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق (لقول) جابر: زجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا. أخرجه مسلم (¬3) {132}. (وقالت) الشافعية: إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام اتفاقا لعموم الأحاديث. ولأنه يحرم الإنتفاع بشعر الآدمي احتراما وإكراما (وكذا) إن وصلته بشعر نجس من غير آدمي وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 4 سنن أبي داود (الرخصة في الذؤاية). (¬2) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الوصل) و (عريسا بضم ففتح فشد الياء مكسورة تصغير عروس. ويطلق على الرجل والمرأة عند الدخول بها (والحصبة) بفتح فسكون، بثر تخرج في الجلد (وتمرق) بالراء المشددة وروى بالزاي المعجمة بمعنى تساقط. (¬3) انظر ص 108 ج 14 نووي مسلم (تحريم فعل الواصلة).

في حياته للحديث ولأنه حمل نجاسة عمدا (وإن) وصلته بشعر طاهر من غير الآدمي ولم يكن لها زوج فهو حرام ايضا وإن كانت ذات زوج فثلاثة أوجه. أصحها إن فعلته بإذن الزوج جاز وإلا فهو حرام لما تقدم (ولحديث) حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: يأهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم". أخرجه الجماعة (¬1) {133}. (وقال) أحمد والليث: الوصل الحرام مختص بوصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس واستعمال المختلف في نجاسته. وغيره لا يحرم لما فيه من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة ولا مخالفة (أما ربط) خيوط الحرير الملونة وغيرها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهى عنه اتفاقا لأنه ليس بوصل وإنما هو للتجميل والتحسين (¬2). (ز) نمص الشعر: وهو إزالة شعر الوجه والحاجبين وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شارب فلا تحرم الإزالة بل تستحب أو تجب كما تقدم (¬3) وأصله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. أخرجه السبعة (¬4) {134}. ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 2 تيسير الوصول (الوصول) و (القصة) بضم القاف وشد الصادر الخصلة من الشعر تؤخذ من الناصية حذاء الجبهة (والحرسي) بفتحتين وأحد الحرس. وهم خدم السلطان المرتبون لحراسته. (¬2) انظر ص 104 ج 14 شرح مسلم. (¬3) تقدم ص 183. (¬4) انظر رقم 7272 ص 272 ج 5 فيض القدير.

(1) أما الواشمة: فهي التي تشم غيرها بأن تغرز أبرة أو نحوها في ظهر الكف أو غيره من البدن حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر وهو حرام على الفاعل والمفعول به باختياره والطالب له. وموضع الوشم يصير نجسا عند الشافعية فإن أمكن إزالته وجبت وإن لم يمكن إلا بالجرح بلا مشقة ولا خوف تلف لزم إزالته فورا (وإن خاف منه) تلفا أو فوات عضو أو شيئا فاحشا لم تجب إزالته. (2) والمستوشمة التي تطلب الوشم وهو حرام أيضا. (3) والنامصة بالصاد المهملة هي التي تزيل الشعر من الوجه والحاجبين والمتنمصة التي تطلب ذلك وهو حرام كما تقدم. والمتفلجة بالجيم التي تفعل الفلج (بفتحتين) في أسنانها بأن ترقق أسنانها بمبرد أظهارا للصغر وحسن الأسنان ويقال له الوشر "بفتح فسكون" ومنه: لعن الله الواشرة والمستوشرة. وهذا الفعل حرام على الفاعل والمفعول به ذلك للحسن. أما أن فعل علاجا أو لعيب في السن فلا باس به (¬1). و(المغيرات خلق الله) صفة لازمة لمن تصنع الوشم وما بعده. فلا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص التماسا للحسن لزوجها أو غيره كمقرونة الحاجبين تزيل ما بينهما توهم البلج (بفتحتين) وهو الوضوح والظهور وهو حرام بالإجماع، لأن الله خلق الصورة فأحسنها وفاوت في الجمال بينها. فمن أراد أن يغير خلق الله فيها ويبطل حكمته فيها فهو جدير بالإبعاد والطرد لأنه ارتكب أمرا ممنوعا غير مأذون فيه. (ومنه) تغيير الوجه والشفتين والحواجب والأظافر بالألوان المختلفة ¬

(¬1) انظر ص 106 ج 14 شرح مسلم (تحريم فعل الواصلة).

(أ) الوضوء

أما المأذون فيه كالسواك والاكتحال فغير داخل في المنع (¬1) والله تعالى ولي الهداية والتوفيق. هذا. ومقاصد الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة. (أ) الوضوء هو بضم الواو (لغة) مأخوذ من الوضاءة. وهي الحسن والنظافة. وبفتح الواو أسم لما يتوضأ به ويقال بالفتح وبالضم فيها (وشرعا) طهارة مائية تتعلق بالأعضاء الأربعة وهي: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان (وهو مشروع) بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} {6} المائدة (وعن أبي هريرة) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي (¬2) {135}. ... وعليه انعقد الإجماع فصار معلوما علما ضروريا للعام والخاص. فمن أنكر مشروعيته كفر (والمعتمد) أنه ليس من خصائص هذه الأمة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لابد منها. ومن توضأ اثنين فله كفلان. ومن توضأ ثلاثا فلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلى. أخرجه أحمد وابن حبان وفيه زيد العمي ضعيف وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح (¬3) {136}. ¬

(¬1) انظر ص 273 ج 5 مناوي الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 9979 ص 452 ج 6 فيض القدير. (¬3) انظر ص 49 ج 2 - الفتح الرباني.

وإنما المختص بهذه الأمة، الغرة والتحجيل، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [137] ويأتي بيان الغرة والتحجيل في متسحبات الوضوء. هذا. وسبب وجوب الوضوء، وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بالطهارة كصلاة ولو نافلة أو سجدة تلاوة. ثم الكلام ينحصر في اثنى عشر فرعا. 1 - شروط الوضوء ... شروطه ثلاثة أقسام. (أ) شروط وجوب: وهي التي لو فقد واحد منها لا يجب الوضوء وإن كان صحيحا. وهي أربعة. 1 - البلوغ. فلا يجب على صبي ولو مميزا، لكن أن توضأ صح منه وأجزأه عن الواجب إذا بلغ وهو متوضئ. 2 - الحدث. فلا يجب على متطهر قبل الوقت تجديده بعد دخول الوقت. 3 - القدرة على استعمال المطهر. فلا يجب على فاقد الماء ولو حكما، بأن احتاجه لشرب ونحوه ولا على من لم يقدر على استعماله كمريض يضره استعماله، وأقطع لا يجد من يؤضئه ومكره على تركه. 4 - ضيق الوقت. فلا يجب ما دام في الوقت سعة. فإن ضاق وجب الوضوء وجوبا مضيقا، كما لو أراد الدخول في الصلاة ولو نفلا (وهذه) الشروط يجمعها شرط واحد هو قدرة المكلف بالوضوء عليه. (ب) شروط صحة: - وهي التي لو عدم واحد منها لا يصح الوضوء، وإن كان واجبا. وهي أربعة: (1) عدم الحائل المانع من وصول الماء إلى ¬

(¬1) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. وص 167 ج 1 - فتح الباري (فضل الوضوء) وص 135 ج 3 نووي مسلم (استحباب أطالة الغرة والتحجيل في الوضوء).

البشرة كشمع ودهن وعجين. ومنه قذى العين والأوساخ المتجمدة على العضو. (2) عدم حصول ناقض حال الوضوء في حق غير المعذور. فلا يصح الوضوء حال حصول ما يبطله إلا في حق صاحب العذر كالاستحاضة وسلس البول على ما يأتي بيانه إن شاء الله في (وضوء المعذور). (3) أن يكون الماء طهورا على ما تقدم بيانه. (4) ويشترط أيضا عند الشافعية تمييز الفرض من غيره في حق من اشتغل بالعلم حتى عرف ذلك. أما العامي فيشترط في حقه ألا يعتقد الفرض نفلا. (جـ) شروط وجوب وصحة معا: وهي التي إذا فقد واحد منها لا يجب الوضوء ولا يصح. وهي خمسة. (1) الإسلام عند الشافعية والحنابلة، فلا يجب على الكافر لأنه لا يطالب به إلا بعد الإسلام. وإن عوقب على تركه. ولا يصح منه الوضوء لتوقفه على النية. وهي لا تصح من الكافر (وعند) الحنفيين الإسلام شرط وجوب فقط. فلا يجب الوضوء على الكافر، لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المشهور عندهم. ويصح وضوءه قبل إسلامه لعدم توقفه على النية (وعند) المالكية الإسلام شرط صحة فقط، فيجب على الكافر لأنه مخاطب بفروع الشريعة على المعتمد عندهم. ولا يصح منه إلا بعد الإسلام لتوقفه على النية ومن شرطها الإسلام. (2) العقل، فلا يجب الوضوء على مجنون ومصروع ومغمي عليه ومعتوه وصبي غير مميز ولا يصح منهم. (3) عدم المنافي من حيض ونفاس وجنون وصرع وإغماء. (4) عدم النوم والغفلة. فلا يجب على حائض ولا نفساء ولا نائم ولا غافل. ولا يصح منهم. (5) بلوغ دعونة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن لم يبلغه أن الله أرسل رسولا يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، لا يجب عليه الوضوء، ولا يصح منه عند غير الحنفيين. ويصح وضوءه عندهم وإن لم يجب عليه.

2 - فروض الوضوء هي جمع فرض. وهو لغة التقدير. وشرعا المطلوب فعله طلبا جازما، فيثاب على فعله ويعاقب على تركه عند غير الحنفيين. وعندهم الفرض ما ثبت لزومه بدليل قطعي وهو قسمان. (أ) فرض قطعي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة "أي لا يحتمل التأويل" ويكفر منكره كأصل الغسل والمسح في الوضوء. (ب) فرض اجتهادي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت ظني الدلالة "أي يحتمل التأويل" ولا يكفر منكره كغسل المرفقين والكعبين، ومسح ربع الرأس في الوضوء. (وفرائضه) منها المتفق عليه والمختلف في فرضيته. وهي ثمانية. 1 - النية: وهي لغة القصد. وإصطلاحا قصد الشيء مقترنا بفعله (ووقتها) عند غسل الوجه ويغتفر تقديمها عليه بزمن يسير خلافا للشافعية حيث قالوا: لابد من مقارنتها لأول غسل الوجه. ولا يغتفر تقدمها ولو يسيرا. ولابد عندهم من استصحابها إلى فراغ الوضوء (ومحلها) القلب (وكيفيتها) أن ينوى المتوضئ طاعة لا تصح إلا بالطهارة، أو ينوي الوضوء، أو رفع الحديث، ولا يسن التلفظ بها. "لأنه" لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه "التلفظ" بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، ولا عن الأئمة الأربعة (¬1). (وشرطها) الإسلام والتمييز والعلم بالمنوى والجزم. فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا صبي غير مميز ولا من متردد كأن يقصد الوضوء أن كان قد أحدث. ومن شروطها عدم الإتيان بمناف للمنوي بينه وبينها، إلا في حق المعذور كما تقدم. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 1 رد المحتار على الدر المختار (محل النية).

ويشترط عند الشافعية ألا ينوي نحو تبرد أو نظافة فقط. أما لو نوي الوضوء مع التبرد والنظافة، فإنه يصح (وحكمها) أنها ركن من أركان الوضوء عند المالكية والشافعية. وشرط صحة عند الحنابلة، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى " (الحديث) أخرجه السبعة (¬1) {138}. (وقال) الحنفيون: النية سنة مؤكدة في الضوء بغير سؤر الحمار ونبيذ التمر. وشرط في صحة الوضوء بهما احتياطان كما أنها شرط في كون الوضوء عبادة. فإذا قصد التبرد أو النظافة بدون نية الوضوء، فله أن يصلي به وأن لم يثب عليه، لأنه لا ثواب إلا بالنية. وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن تركها بلا عذر مع الإصرار أثم أثما يسيرا. (وأجابوا) عن الحديث بأنه حديث آحاد يقبل التأويل، فيفيد السنية لا الوجوب (وقد) اختلف العلماء في تأويله. فذهب القائلون بلزوم النية، كمالك والشافعي وأحمد على أن المعنى: إنما صحة الأعمال بالنية. ومن لم يجعلها شرطا كالحنفيين والثوري، قالوا: المعنى إنما ثواب الأعمال وكمالها بالنية (ورجح) الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة، لأن ما كان ألزم للشيء، كان أقرب إلى خطورة بالبال (وسبب) اختلافهم تردد الوضوء "بين" أن يكون عبادة محضة، أعني غير معقولة المعنى. وإنما يقصد بها القربة فقط كالصلاة وغيرها "وبين" أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة. ولا خلاف في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية. والوضوء فيه شبه من العبادتين. وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة. والفقة أن ينظر بأيهما هو ¬

(¬1) أنظر ص 136 راموز الأحاديث.

أقوى شبها فيلحق به (¬1). وفي قوله في الحديث "وإنما لا مرئ ما نوى" تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فهون مؤكد لما قبله (وقيل) معناه أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه. ومعنى الجملة الأولى. أن العمل يتبع النية ويصاحبها، فالثانية مؤسسة. 2 - غسل الوجه: هو فرض في الوضوء ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي إذا أردتم القيام لها وأنتم محدثون حدثا أصغر، بقرينة قوله تعالى. (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (وعن ابن عباس) أنه توضأ فغسل وجهه. فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق. ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها على يده الأخرى فغسل بها وجهه. ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى. ثم مسح برأسه. ثم أخذ غرفة من ماء فرض بها على رجله اليمنى حتى غسلها. ثم أخذ غرفة من ماء مغسل بها رجله اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه البخاري (¬2) [139]. (هذا) وحد الوجه طولا ما بين منبت شعر الرأس المعتاد واسفل الذهن، وعرضا ما بين شحمتي الأذنين. (اختلفوا) في البياض الذي بين الأذن والعذار من الوجه (فعند) الشافعية وأكثر الحنفية يجب غسله مطلقا. وهو مشهور مذهب المالكية. (وقال) أبو يوسف: يجب غسله على الأمرد دون الملتحي وهو قول للمالكية. هذا ويطلب عند غسل الوجه تتبع المواضع التي ينبو عنها ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 1 بداية المجتهد (شروط الوضوء). (¬2) انظر ص 170 ج 1 فتح الباري (غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة).

الماء كالغضون أو تكون محلا للقذى كموق العين (¬1)، لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وكان يمسح الماقين من العين (الحديث) أخرجه أحمد (¬2) {140}. "والغضون" وهي ما تعطف من الوجه "تقاس" على الماقين. 3 - غسل اليدين مع المرفقين: هو فرض في الوضوء بالإجماع، لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ (¬3)} فيفترض غسل المرفقين بالإجماع. (وقال) نعيم بن عبد الله: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه مسلم (¬4) {141}. (قال) الشافعي رضي الله عنه: فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل (¬5). وعليه "فمن" قال بعدم فرضية غسلهما، وهو زفر وأبو بكر ابن داود الظاهري "محجوج" بالإجماع قبله. وبأن "إلى" في الآية بمعنى "مع" كما في قوله ¬

(¬1) (الموق) مجرى الدمع من العين، أو مقدمها أو مؤخرها الذي يلي الأنف. (¬2) انظر ص 28 ج 2 - الفتح الرباني. (¬3) (المرافق) جمع مرفق بكسر الميم وفتح القاف وعكسه وهو المفصل الذي بين العضد والساعد. وإنما جمع لأن العرب إذا قابلت جمعا بجمع حملت كل مفرد من هذا على كل مفرد من هذا. وعليه قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم" أي فليغسل كل شخص وجهه. (¬4) انظر ص 134 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل). (¬5) انظر ص 22 ج 1 - الأم.

تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} {25} سورة هود. وقال زفر: إنها للغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها (ورد) بأن محله إذا لم يكن ما بعدها من جنس ما قبلها. أما إذا كان كما هنا فإنه يدخل اتفاقا. واليد عند أهل اللغة من المنكب على أطراف الأصابع. وإذا كان المتوضئ مقطوع بعض اليد غسل ما بقى مع المرفقين، فإن كان مقطوعا من فوقهما غسل ما بقى منهما، وإن كان مقطوعا ولم يبق شيء من المرفقين فلا غسل عليه. هذا. وإذا كان المتوضئ لابسا خاتما ضيقان لزمه تحريكه ليصل الماء إلى ما تحته عند الثلاثة (وقالت) المالكية: لا يجب تحريك الخاتم المباح وإن كان ضيقا لا يصل الماء إلى ما تحته. فإن نزعه بعد الطهارة، لزمه غسل ما تحته أن ظن أن الماء لم يصل إليه. أما المحرم أو المكروه الضيق (¬1) فيجب نقله من موضعه ليتمكن من ذلك ما تحته. ويكفي تحريك الواسع وإن لم تصل اليد إلى ذلك ما تحته اكتفاء بالدلك به. ومثل الخاتم في ذلك حلي المرأة من أساور وخلاخل ونحوها. 4 - مسح الرأس: هو فرض في الوضوء بالإجماع لوروده في القرآن وثبوته من فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (وعن) عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) (المباح) للرجل خاتم واحد من فضة لا يزيد عن درهمين، ومثله في الحكم الحلي المباح للمرأة (والمحرم) للرجل ما كان من ذهب، أو من فضة زائدا على درهمين، أو متعددا (والمكروه) وما كان من نحاس أو حديد أو رصاص.

مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه أخرجه الجماعة (¬1) {142}. والمعنى أنه بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بيديه إلى القفا. ثم ردهما إلى المكان الذي بدا منه وهو مبتدأ الشعر. ويؤيد هذا قوله "بدأ بمقدم رأسه" ولا يشكل عليه قوله "فأقبل بهما وأدبر" لأن الواو لا تقتضي الترتيب. وعند البخاري من حديث عبد الله بن زيد بلفظ: فأدبر بيديه وأقبل. والحديث يدل على مشروعية مسح جميع الرأس، والمسح شرعا إصابة بلل غير مستعمل عضوا أو شعرا، سواء أكانت الإصابة بيد أم غيرها، حتى لو أصاب المطر قدر المفروض من رأسه أجزأه وإن لم يمسحه باليد. هذا. والآية لا تقتضي تعميم الرأس بالمسح، لأن الباء في قوله "وامسحوا برءوسكم" للإلصاق. فالمعني ألصقوا المسح بها. وماسح الكل والبعض كلاهما ملصق المسح بها. ولذا اختلف العلماء في قدر المفروض مسحه. (فأخذ) مالك وأحمد والمزني بالاحتياط، فأوجبوا مسح كل الرأس عملا بالحديث، وعن بعض المالكية أنه يكفي مسح الثلث والثلثين. (وأخذ) الشافعيون باليقين. فأوجبوا أقل ما يطلق عليه أسم المسح. وقالوا: يكفي مسح شعرة أو بعضها بحد الرأس "لما صح" من مسحه صلى عليه وعلى آله وسلم على ناصيته وعمامته. وهو يدل على الاكتفاء بمسح البعض، ولأن الباء الداخلة على متعدد كما في قوله "وامسحوا برءوسكم" للتبعيض. (وقال) الحنفيون: المفروض في مسحها قدر الربع، لأن باء الإلصاق إذا دخلت على المحل تعدي الفعل إلى الألة، فيكون التقدير: وامسحوا أيديكم ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء) وص 34 ج 2 - الفتح الرباني.

برءوسكم. وهذا يقتضي استيعاب اليد دون الرأس واستيعابها ملصقة بالرأس لا يستغرق غالبا غير الربع، فتعين مرادا من الآية. ويؤيده قول أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة ومسح مقدم رأسه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي. وفي سنده أبو معقل مجهول (¬1) {143}. فإن ظاهرة استيعاب مقدم الرأس وهو لا ينقص عن الربع. وأما استيعاب مسح الوجه في التيمم، فليس من الآية بل من السنة كحديث أبي جهيم بن الحارث قال: أقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. أخرجه أبو داود والبخاري (¬2) {144}. هذا. والاحتياط مسح جميع الرأس. ولم يصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذ مسح بناصيته كمل على العمامة (¬3). المسح على العمامة: اختلف العلماء في جواز الاقتصار على مسح العمامة ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 2 - المنهل العذب (المسح على العمامة) وص 61 ج 1 بيهقي (إيجاب المسح بالرأس .. ) و (قطرية) بفتح فسكون، أي من حلل جياد تصنع بالقطرية ناحية اليمامة. (¬2) أنظر ص 168 ج 3 - المنهل العذب "التيمم في الحضر" وص 302 ج 1 فتح الباري (التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء) (0 فلقيه رجل) وهو أبو الجهيم الراوي. (¬3) انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات).

بلا ضرورة (فقال) بجوازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. منهم أبو بكر وعمر وأنس (¬1)، وهو مروي عن الحسن وقتادة ومكحول. (واستدلوا) بحديث أبي أمامة قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين وعلى العمامة في غزوة تبوك. أخرجه الطبراني (¬2) {145}. (وقال) المغير بن شعبة: توضأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الخفين والعمامة. أخرجه الترمذي وصححه (¬3) {146}. وعند الأكثر: لا يشترط لبسها على طهارة، ولا توقيت في مسحها، لاطلاق الأدلة. (وقال) الجمهور: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة بلا ضرورة. قل الترمذي: وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي (¬4). وكذا الحنفيون (واحتجوا) بأن الله فرض المسح على الراس، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس. (وبحديث) أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قالك سألت جابر ابن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يلبن أخر. وسألته عن المسح على العمامة فقال: مس الشعر بالماء. أخرجه الترمذي (¬5) {147}. ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 1 تحفة الأحوذي "المسح على الجوربين والعمامة". (¬2) انظر ص 257 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين). (¬3) (انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة). (¬4) (انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة). (¬5) انظر ص 105 منه (المسح على الجوربين والعمامة) ومس بضم فشد أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة وحدها فعليك أن تمس الشعر.

(وسئل جابر) عن المسح على العمامة. فقال: لا حتى يمسح الشعر بالماء. أخرجه مالك (¬1) [11]. (وأجابوا) عن أدلة الفريق الأول، بأنها أحاديث آحاد لا تعارض الكتاب الموجب مسح الرأس، أو أنه حكاية حال فيجوز أن تكون العمامة صغيرة مسح عليها بعد مسح مقدم الرأس (ويدل) لهذا حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين. أخرجه مسلم (¬2) [147]. (وقال) بعضهم: أن أحاديث المسح على العمامة منسوخة. فقد روي ملك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد تتوضأ وتنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء. أخرجه مالك (¬3) [12]. وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار. فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار وليمسحا على رؤوسهما. أخرجه مالك (¬4) [13]. وقال محمد بن الحسن: بهذا نأخذ. لا مسح على خمار ولا على عمامة. بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك (¬5). (5) غسل الرجلين مع الكعبين: هو فرض في الوضوء باتفاق الأئمة وأكثر أهل العلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم، لقوله تعالى: (وامسحوا ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬2) انظر ص 174 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين ومقدم الرأس). (¬3) انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬4) انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬5) انظر ص 109 ج 1 شرح العناية على الهداية هامش فتح القدير.

برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) بنصب الأرجل عطفا على الوجوه، أي واغسلوا أرجلكم مع الكعبين وهما العظمن الناتئان عند مفصل الساق والقدم (ولما) ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلا وقولا. (أما) الفعل فقد ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسل رجليه في الوضوء (قال) النووي: ذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما. ولا يجب المسح مع الغسل. ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع (¬1). (وقال) الحفظ: لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس. وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. (قال) عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على غسل القدمين (¬2). (وأما) القول فمنه قول عبد الله بن عمرو: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادي بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا. أخرجه الشيخان (¬3) [149]. "أما" من قال: أن الواجب مسح الرجلين. ومن قال بالتخيير بين الغسل والمسح "فقد خالفوا" الكتاب والسنة، ولم يأتوا بحجة ناهضة "وأما حديث" رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تتم صلاة لأحد ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 3 شرح مسلم (وجوب غسل الرجلين). (¬2) انظر ص 187 ج 1 فتح الباري الشرح (غسل الرجلين). (¬3) انظر ص 187 فتح الباري: وص 131 ج 3 نووي مسلم (وجوب غسل الرجلين).

حتى يسبغ كما أمره الله. وفيه: ويمسح برأسه ورجليه الك الكعبين. أخرجه الدارقطني (¬1) [150]. "فهو ضعيف" لأن في سنده يحيى بن علي بن خلاد. قال ابن القطان مجهول. "وحديث" أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى كظامة قوم "يعني الميضأة" فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (¬2) [151]. "لا يصلح" للاحتجاج به لأن فيه اضطرابا في السند والمتن (¬3). والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قد بين للأمة أن المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما. فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها مصرحة بالغسل، ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين (فإن) كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح، فالواجب الغسل بما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البيان المستمر جميع عمره. وإن كانت غير مجملة، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل ورودا ظاهرا. ومنه الأمر بتخليل الأصابع، فإنه يستلزم الأمر بالغسل، لأنه المسح لا تخليل فيه، بل يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ. ¬

(¬1) انظر ص 35 سنن الدارقطني (باب وجوب غسل القدمين والعقبين). (¬2) انظر ص 8 ج 4 مسند أحمد. وص 139 ج 2 - المنهل العذب و (كظامة) بكسر ففتح الظاء المخففة، آبار تحفر متناسقة ويباعد ما بينها. ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة "وتفسيبرها" بالميضأة (بكسر فسكون وبهمز مقصورة وقد تمد) لم نقف عليه في كتب اللغة. ولعل الراوي فسرها بها لقرينة علمها. (¬3) انظر ص 142 ج 2 - المنهل العذب المورود.

(فالحق) ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الغسل وعدم أجزاء المسح. (قال) في حجة الله البالغة: ولا عبرة بقوم تجارت بهم الأهواء فأنكروا غسل الرجلين متمسكين بظاهرة الآية. فإنه لا فرق عندي بين من قال بهذا القول، وبين من أنكر غزوة بدر وأحد مما هو كالشمس في رابعة النهار (¬1). (6) الترتيب في الوضوء: (قال) الشافعي وأحمد: الترتيب في الوضوء كما في الآية فرض لأن الله تعالى أدخل ممسوحا بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، وهي هنا الدلالة على الترتيب. والآية ما سيقت إلا لبيان الواجب، ولأن كل من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكاه مرتبا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه توضأ إلا مرتبا. (وقال) الحنفيون ومالك والثوري: الترتيب في الوضوء سنة مؤكدة على الصحيح وليس بواجب وروى عن أحمد واختاره ابن المنذر، لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس. وعطف بعضها على بعض بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، فكيفما غسل كان ممتثلا. ووضع الممسوح بين مغسولين، لا يدل على أن الترتيب فرض بل فائدته الدلالة على استحباب الترتيب. وعن علي وابن مسعود: ما أبالي بأي أعضائي بدأت وقال ابن مسعود: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء. ذكره ابن قدامة (¬2) [14]. (وأجاب) أحمد عنه بأن المراد به تقديم اليسرى على اليمني. وقال حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه أن عليا سئل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيئ؟ قال لا حتى يكون كما أمر الله تعالى. ذكره ابن قدامة [15] وقال: والرواية الأخرى عن ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 1 - حجة الله البالغة "صفة الوضوء". (¬2) انظر ص 127 ج 1 مغنى ابن قدامة (وجوب الترتيب في الوضوء).

ابن مسعود لا يعرف لها أصل (¬1) (والظاهر) من الأدلة وجوب الترتيب بين الأعضاء المذكورة في الآية. (ويؤيده) حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف سبعا رمل ثلاثا ومشي أربعا ثم استلم الركن ثم خرج فقال: إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدءوا بما بدأ الله به. أخرجه النسائي والدارقطني من عدة طرق وصححه ابن حزم (¬2) [152]. وهو بعمومه شامل للوضوء وأن ورد في الحج فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولأن العرب إذا ذكرت متعاطفات بدأت بالأقرب فالأقرب. فلما ذكر في الآية الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دلت على الأمر بالترتيب. (7) الموالاة في الوضوء: وهي التتبع بأن يطهر العضو اللاحق قبل جفاف السابق مع اعتدال الهواء والزمان والمكان والبدن بلا عذر. وقد اختلف العلماء في حكمه (قال) الأوزاعي ومالك وقتادة والليث وأحمد في رواية والشافعي في القديم: الموالاة في الوضوء فرض (لحديث) خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والحكم والبيهقي بسند فيه بقية في الوليد. مدلس غير أنه صرح بالتحديد عنه أحمد والحاكم (¬3) [153]. ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) يأتي رقم 166 ص 103 ج 9 - الدين الخالص طب 3 (شروط السعي). (¬3) انظر ص 46 ج 2 - الفتح الرباني. وص 173 ج 2 - المنهل العذب (تفريق الوضوء) و (اللمعة) الموضع الذي لا يصيبه الماء.

(وقال) الحنفيون وسفيان الثوري وأحمد في رواية والشافعي في الجديد: الموالاة سنة لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ولم يوجب موالاة. (وعن) نافع أن ابن عمر توضأ في السوق، فغسل يديه ووجهه وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه، ثم دعى إلى جنازة فدخل المسجد ومسح على خفيه بعد ما جف وضوءه وصلي. أخرجه مالك والبيهقي. وقل: هذا صحيح عن ابن عمر، ومشهور عن قتيبة. وكان عطاء لا يرى بتفريق الوضوء بأسا (¬1) [16]. وهذا دليل حسن، فإن ابن عمر فعله بحضره حاضري الجنازة ولم ينكر عليه (¬2). (وعن) عبيد بن عمير الليثي أن عمر بن الخطاب رأى رجلا وبظهر قدمه لمعة لم بصبها الماء، فقال له عمر: أبهذا الوضوء تحضر الصلاة؟ فقال يا أمير المؤمنين البرد شديد وما معي ما يدفئني، فرق له بعد ما هم به، فقل له أغسل ما تركت من قدمك وأعد الصلاة وأمر له بخميصة. أخرجه البيهقي (¬3) [17]. (وعن) عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أرجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى. أخرجه أحمد ومسلم (¬4) [154]. فلو كانت الموالاة فرضا، لقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أرجع فأعد ¬

(¬1) انظر ص 73 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح على الخفين). وص 84 ج 1 سنن البيهقي (تفريق الوضوء). (¬2) انظر ص 455 ج 1 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 84 ج 1 سنن البيهقي. (¬4) (أنظر ص 45 ج 2 - الفتح الرباني. وص 132 ج 3 نووي مسلم/ استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة).

وضوءك وإنما قال: أحسن وضوءك. وإحسان الشيء لكماله. وهذا هو الراجح لقوة أدلته. (8) الدلك: وهو امرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرض في الوضوء والغسل عند المالكية والمزني لحديث عبد الله ابن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك. أخرجه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلي وابن حبان (¬1) [155]. (وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: الدلك سنة لعدم التصريح به في الأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل فهو قرينة على صرف الأمر بالدلك للندب. ودعوى أنه من مسمى الغسل أو شرط فيه محل نظر. والمقرر أن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الفرضية. (تنبيه) علم مما تقدم أن أركان الوضوء عند الحنفيين أربعة. غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس (وعند) الشافعية ستة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة ومسح بعض الرأس، والترتيب (وعند) الحنبلية ستة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة. وأما النية فشرط صحة (وعند) المالكية سبعة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة، ومسح الرأس، والدلك والموالاة للذكر القادر فلو كان ناسيا بني على ما فعل مع تجديد النية. وكذا العاجز غير أنه لا يلزمه تجديد النية، لعدم ذهابها. ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 2 - الفتح الرباني. وص 148 مسند الطيالسي.

3 - سنن الوضوء السنن جمع سنة وهي لغة الطريقة. وشرعا الطريقة المسلوكة في الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها، وليست خصوصية. وهي قسمان: (أ) مؤكدة. وهي ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا إنكار على تاركها. (ب) غير مؤكدة. وهي ما تركها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحيانا. وسنن الوضوء كثيرة. المذكورة منها هنا عشرة: 1 - التسمية في أوله: بأن يقول: باسم الله والحمد لله (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأت نقل: باسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تبرح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء" أخرجه الطبراني في الصغير بسند حسن (¬1) [156]. (وقد) اختلف العلماء في حكمها (قال) الحنفيون والشافعية: أنها سنة مؤكدة وهو المشهور عن أحمد (لحديث) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من توضأ وذكر اسم الله عليه، كان طهورا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه، كان طهورا لأعضاء وضوئه" أخرجه الدارقطني والبيهقي من عدة طرق في كل منها مقال (¬2) [157]. ومشهور مذهب مالك أن التسميه في الوضوء مندوبة. ¬

(¬1) أنظر ص 220 ح 2 مجمع الزوائد (التسميه عند الوضوء). (¬2) انظر ص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء). و (طهورا ... ) أي مطهرا من صغائر الذنوب.

(وقال) إسحاق بوجوبها في حق العالم الذاكر وروي عن أحمد. فإن تركها عمدا لم تصح طهارته. وإن تركها سهوا أو جهلا فوضوءه صحيح. وإن ذكرها في أثنائه سمي وبني (ودليله) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف (¬1) [158]. وأخرج الترمذي الجملة الأخيرة من طريق رباح بن عبد الرحمن عن سعيد بن زيد وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وقال إسحاق: أن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه. وقال البخاري: أحسن شيء في هذا الباب، حديث رباح بن عبد الرحمن (¬2). (والراجح) أنها سنة مؤكدة "والنفي" في حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "محمول" على نفي الكمال، جمعا بين الأحاديث. ويؤيده قول ابن سيد الناس في شرح الترمذي: قد روى في بعض الروايات: لا وضوء كاملا. فإن ثبتت هذه الزيادة من وجه معتبر فلا أصرح منها في إفادة مطلوب القائل بعدم وجوب التسمية (¬3). 2 - غسل اليدين إلى الرسغين: الرسغ، بضم فسكون أو بضمتين: مفصل الكف بين الكوع والكرسوع. وأما البوع فهو عظم يلي إبهام الرجل. قال بعضهم: ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 2 - الفتح الرباني. وص 320 ج 1 - المنهل العذب (التسمية على الوضوء). وص 81 ج 1 - ابن ماجه. وص 43 ج 1 سنن البيهقي. (¬2) انظر ص 39 ج 1 تحفة الأحوذي (التسمية عند الوضوء). (¬3) انظر ص 168 ج 1 نبل الأوطار (غسل اليدين قبل المضمض).

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي ... لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ... ببوع فخذ بالعلم وأحذر من الغلط والكلام في حكم غسلهما وكيفيته: (1) الحكم ذهب الجمهور إلى أنه يسن غسل الكفين الطاهرتين ثلاثا في ابتداء الوضوء قبل المضمضة وإن لم يكن مستيقظا من نوم، لأن من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكر أنه غسل كفيه ثلاثا أولا من غير تقييد بكونه عن نوم (روي) حمران أن عثمان دعا بماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما. ثم أدخل يديه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا (الحديث) وفيه. ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ نحو وضوئي هذا. أخرجه الشيخان وكذا أبو داود بلفظ: "أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين" (¬1) [159]. ... وهو في حق من استيقظ من نوم ليلا أو نهارا، أكد (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قل: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". أخرجه الجماعة (¬2) [160]. (ويدل) على عدم الوجوب حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ¬

(¬1) انظر ص 205 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء). (¬2) انظر ص 22 ج 2 - الفتح الرباني. وص 310 ج 2 تيسير الوصول (غسل اليدين).

فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويسمح برأسه ورجلين إلى الكعبين" (الحديث). أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) [161] ولم يذكر فيه غسل اليدين قبل المضمضة. ... (وقالت) الحنبلية: يسن غسل الكفين في ابتداء الوضوء لغير قائم من نوم ليل ناقض للوضوء، بأن لم يكن نائما، أو كان نائما بالنهار أو بالليل نوما لا ينقض الوضوء، كنوم يسير من جالس أو قائم "أما للقائم" من نوم ليل ناقض للوضوء "فيجب" عليه غسل كفيه ثلاثا في ابتداء وضوئه تعبدا، لحديث الاستيقاظ فإن تركه عامدا عالما فوضوءه صحيح مع الإثم. ويسقط بالنسيان، لأنه طهارة مفردة لا من الوضوء، ومقتضاه أنه لا يستأنف ولو تذكر في الأثناء، بل ولا يغسلهما بعد. بخلاف التسمية في الوضوء لأنها منه (¬2). ... (فقد حمل) الحنبلية الأمر في الحديث على الوجوب في نوم الليل خاصة، "لكن" التعليل بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده "يقتضي" الحاق نوم النهار بنوم الليل. وذكر البيات نظرا للغالب. (وحمل) الجمهور الأمر في الحديث على الندب، لما تقدم، ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية، يدل على الندبية. وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن هذا. ومحل الخلاف إذا شك في طهارتهما كما إذا استيقظ من النوم ليلا ¬

(¬1) انظر ص 304 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه). وص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء). (¬2) انظر ص 67 ج 1 كشاف القناع (صفة الوضوء).

أو نهارا. أما إذا تيقن طهارتهما فيكون غسلهما سنة اتفاقا (وينوب) عن فرض غسل الكفين بعد غسل الوجه عند الحنفيين بل قيل: هو فرض وتقديمه سنة وإن تيقن نجاستهما، وجب غسلهما اتفاقا. (ب) كيفية غسل الكفين: هي أنه- إذا كان يصب عليه- أن يغسلهما مع الدلك وتخليل الأصابع ثلاثا. وإن كان يغسلهما من إناء صغير كالكوز أو كبير ومعه إناء صغير، فإنه يصب منه على اليمنى ويغسلها ثلاثا مع دلك الأصابع، ثم يفعل باليسرى كذلك، وهذا مستحب مراعاة للتيامن. فلو غسلهما معا ثلاثا أجزأه بلا كراهة. وإن كان الإناء كبيرا لا يمكن رفعه وليس معه إناء صغير، أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة ورفع الماء بها وصبه على يده اليمنى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على اليسرى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. فإن خالف ما ذكر بأن أدخل يده في الإناء الصغير أو الكبير ومعه إناء صغير، أو أدخل كفه اليسرى مع الأصابع عند عدم الإناء الصغير، كره تنزيها عند بعض الفقهاء. (3، 4) المضمضة والاستنشاق: المضمضة لغة التحريك. وإصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم ولو بلا إدارة ولا مج. والأكمل مجه. (والاستنشاق) لغة جذب الماء ونحوه بريح الأنف إليه. واصطلاحا إيصال الماء إلى ما لأن من الأنف. ثم الكلام ينحصر في أربعة مباحث. (أ) حكمها: فيهما ثلاثة مذاهب (1) هما سنة في الوضوء عند الحنفيين ومالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري وسفيان الثوري وغيرهم لقوله تعالى: "فاغسلوا وجوهكم" الآية، ولما في حديث رفاعة بن رافع من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتوضأ كما أمرك الله. أخرجه أبو داود

وهو حديث صحيح (¬1) [162]. وموضع الدلالة أن الله إنما أمر بغسل الوجه دون باطن الفم والأنف. وهذا الحديث من أحسن الأدلة، لأن الأعرابي المخاطب به، صلي ثلاث مرات فلم يحسنها، فعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها، فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال: توضأ كما أمرك الله. ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء. فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبين لعلمه أياهما، فإن حكمهما مما يخفي لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد، فكيف الوضوء الذي يخفي (¬2). (وقال) عبد الله بن زيد بن عاصم رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا. أخرجه الترمذي (¬3) [163]. وتقدم أن المضمضة والاستنشاق من سنن الفطرة وقد حمل الجمهور فيهما على السنية جمعا بين الأدلة. 2 - (وقال) أحمد في رواية وداود الظاهري وابن المنذر: المضمضة سنة في الوضوء لما تقدم (أما الاستنشاق) فواجب لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر. أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬4) [164]. ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 5 - المنهل العذب المورود (صلاة من لا يقيم صلبه ... ). (¬2) انظر ص 164 ج 1 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 41 ج 1 تحفة الأحوذي (المضمضة والاستنشاق من كف واحد). وتقدم مطولا عند أحمد والشيخين رقم 16 ص 158 (الماء). (¬4) انظر ص 310 ج 2 تيسير الوصول (الاستنثار والاستنشاق والمضمضة). وص 25 ج 2 الفتح الرباني (المضمضة والاستنشاق).

وفرقوا بينهما، لأن المضمضة ثابتة بفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأمره بخلاف الاستنشاق فإنه ثابت بهما. ومجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الوجوب (ورد) بورود الأمر بالمضمضة أيضا. ففي حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فمضمض. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح (¬1) [165]. فلا وجه للتفرقة بين المضمضة والاستنشاق، وقد علمت أن الأمر بهما محمول على الندب. 3 - (وقال) إسحاق بن راهوية: إنهما فرض في الوضوء والغسل. وهو المشهور عند أحمد لأنهما من تمام غسل الوجه، فالأمر بغسله أمر بهما (ولحديث) لقيط بن صبرة المذكور. (والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من أن الأمر في هذه الأحاديث محمول على الندب (ومن المقرر) أن المواظبة لا تفيد الوجوب إلا إذا صاحبها إنكار على التارك. وهو لم يثبت هنا. (ب) الترتيب بينهما: اتفق العلماء على أن المضمضة مقدمة على الاستنشاق. وهل هو شرط أو مستحب؟ ذهب إلى الأول أحمد وبعض الشافعية. وإلى الثاني الحنفيون ومالك والأوزاعي والثوري وغيرهم (أما) تقديمهما على غسل الوجه، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه ليس بواجب، لأنهما من أجزائه (ويستحب) تقديمهما عليه لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أنه بدأ بهما (وكذا) يستحب تقديمهما على سائر الأعضاء غير والوجه ¬

(¬1) انظر ص 92 ج 2 - المنهل العذب (الاستنثار). وص 52 ج 1 سنن البيهقي (تأكيد المضمضة والاستنشاق).

عند الأئمة الثلاثة والجمهور وهو رواية عن أحمد (لحديث) المقدام بن معد يكرب قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا. ثم غسل ذراعية ثلاثا. ثم مضمض واستنشق ثلاثا. ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. أخرجه أبو داود بسند صالح وأحمد بزيادة: وغسل رجليه ثلاثا (¬1) [166]. فهو يدل على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه واليدين (وعن أحمد) أنه يجب تقديمهما على غسل اليدين لأنهما من الوجه. لكنه تعليل في مقابلة النص فلا يعول عليه. والأحاديث الكثيرة الدالة على تقديمهما على غسل الوجه، تدل على أنه سنة، وهو متفق عليه (والحكمة) في تقديمهما على الفروض، اختيار أوصاف الماء لأن لونه يدرك بالبصرن وطعمه بالفم وريحة بالأنف. وقدمت المضمضة لشرف منافع الفم. (جـ) كيفيتهما: المضمضة والاستنشاق يحصلان بإيصال الماء على أي صفة إلى الفم والأنف. والأفضل عند غير الحنفيين أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها، لما تقدم عن عبد الله ابن زيد (¬2) والأفضل عند الحنفيين أن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات (لحديث) كعب بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا. أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه ليث بن أبي سليم ضعيف. ومصرف بن عمرو فيه مقال (¬3) [167]. ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق). (¬3) انظر ص 17 ج 1 نصب الراية (أحاديث المضمضة والاستنشاق).

(ويؤيده) ما في حديث ابن عباس قال: أتيت خالتي ميمونة فبت عندها فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم دخل بيته فوضع رأسه على وسادة فجئت فوضعت رأسي على ناحية منها فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى حاجته ثم جاء إلى قربة على مشجب فيها ماء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا (الحديث) أخرجه أحمد (¬1) [168]. هذا وأحاديث الوصل أقوى من أحاديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق. (د) ما يسن فيهما: يسن في المضمضة والاستنشاق أمور ستة: (1) أن يكونا باليمين. (2) أن يكونا ثلاثا. (3) الاستنثار باليسرى (لحديث) علي رضي الله عنه أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ثم قال: هكذا طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه النسائي (¬2) [169]. (4 و 5) مج الماء في المضمضة واستنثاره في الاستنشاق. (6) المبالغة فيهما لغير الصائم (لحديث) لقيط بن صبرة أنه قال: أخبرني يا رسول الله عن الوضوء فقال "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي (¬3) [170]. والمبالغة في المضمضة ترديد الماء في الحلق وفي الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى أعلى الأنف. ¬

(¬1) انظر ص 369 ج 1 مسند أحمد. و (المشجب) بكسر فسكون، خشبة منصوبة. (¬2) انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والاصابع). (¬3) انظر ص 31 ج 1 بدائع المنن (مسح الرأس وإسباغ الوضوء .. ) وص 25 ج 2 - الفتح الرباني. وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

(5) السواك عند المضمضة: قد تقدم الكلام عليه في بحث خاص (¬1). (6) تخليل اللحية: وهو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق بعد تثليث غسل الوجه "واللحية" أما خفيفة، ترى البشرة تحتها، فحينئذ يجب إيصال الماء على ما تحتها اتفاقا، لأنه من مسمى الوجه "وأما كثيفة" وهي التي لا ترى منها البشرة (وقد) اختلف العلماء في حكم تخليلها حينئذ (فقالت) المالكية: يجب تحريكها ليصل الماء بين ظاهر الشعر وإن لم يصل للبشرة (وقالت) الشافعية والحنبلية وأبو يوسف: أنه سنة (وقال) أبو حنيفة ومحمد: أنه مستحب. والأدلة ترجح أنه سنة (أمثلها) حديث عصمان أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخلل لحيته. أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه والحاكم والدارقطني (¬2) [171]. (وعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته. وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (¬3) [172]. (وقال) إسحاق بن راهوية وأبو ثور والحسن بن صالح والظاهرية: يجب تخليلها أخذا بظاهر قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث أنس: هكذا أمرنى ربى (وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه وفى نحوه للندب. نعم، الاحتياط والأخذ بالأوفق أولى، لكن بدون مجارأة على الحكم بالوجوب. ¬

(¬1) انظر ص 188 وما بعدها إلى ص 191 وفيه ستة مباحث. (¬2) انظر ص 85 ج 1 ابن ماجه (تخليل اللحية). وص 43 ج 1 تحفة الأحوذي. (¬3) انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية). وص 54 ج 1 بيهقي.

(7) تخليل الأصابع (قال) الجمهور: يسن في الوضوء تخليل أصابع اليدين والرجلين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن. وحسنه البخاري (¬1) [173]. (وعن) لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل الأصابع. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححاه (¬2) [174]. (وقالت) المالكية: يجب في أصابع اليدين، ويندب في أصابع الرجلين لأن أصابع اليدين مفرقة. فكل إصبع بمنزلة عضو مستقل. وهم يوجبون التدليك في كل عضو. أما أصابع الرجلين فلشدة اتصالها، اعتبرت كعضو واحد، فلا يلزم تخليلها. ومحل الخلاف إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع بلا تخليل. أما إذا لم يصل إلا به، فإنه يجب التخليل لا لذاته، بل لأداء فرض الغسل. (والأكمل) في تخليل أصابع اليدين أن يكون بالتشبيك بينهما جاعلا ظهر أحدهما لبطن الأخرى. وفي أصابع الرجلين يكون بخنصر اليد اليسرى بادئا بخنصر رجله اليمين خاتما بخنصر رجله اليسرى (لقول) المستورد بن شداد: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره. أخرجه البيهقي والأربعة إلا النسائي. وفي سنده ابن لهيعة. وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القطان (¬3) [175]. ¬

(¬1) انظر ص 50 ج 1 تحفة الأحوذي (تخليل الأصابع). (¬2) أنظر ص 49 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 31 ج 2 - الفتح الرباني. (¬3) انظر ص 77 ج 1 سنن البيهقي (كيفية التخليل) وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

وإنما كان تخليل الرجلين بخنصر اليسرى، لأنهما محل الوسخ. وكان بالكيفية المذكورة، لما فيها من السهولة والمحافظة على التيامن. (8) التيامن في الوضوء: وهو البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من كل عضوين لا يسن تطهيرهما معا كاليدين والرجلين. وهو سنة عند الشافعية وأحمد ومستحب عند المالكية. وهو مشهور مذهب الحنفيين. لكن حقق الكمال ابن الهمام أنه سنة، لثبوت المواظبة (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة (¬1) [176]. (فهو) يدل على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال وفي تسريح الشعر، وفي الوضوء والغسل. وأن التيامن سنة في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب فيه التياسر. وأجمع أهل السنة على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه (وقالت) الشيعة: يجب تقديم غسل اليمين قبل اليسار في الطهارة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (¬2) [177]. (وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه محمول على الندب. فقد اشتمل الحديث ¬

(¬1) ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. وص 189 ج 1 فتح الباري (التيمن في الوضوء والغسل) وص 161 ج 3 نووي مسلم (حبه صلى الله عليه وسلم للتيامن) ورقم 6995 ص 207 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. ورقم 843 ص 436 ج 1 فيض القدير. وص 86 ج 1 سنن البيهقي (البداءة باليمين).

على الأمر بالتيامن في اللبس. والشيعة لا يقولون بوجوبه. فهذا يصلح قرينة لصرف الأمر إلى الندب. ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة، لكنها لا تقتصر عن الصلاحية للصرف (ويعضدها) ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا أكملت الوضوء. أخرجه الدارقطني والبيهقي (¬1) [18] ونحوه عن ابن مسعود. (9) تثنية الغسل وتثليثه: اتفق العلماء على أن الغسلة الأولى المستوعبة فرض في الأعضاء الثلاثة "الوجه واليدين والرجلين" وأن الثانية والثالثة سنتان (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. أخرجه البيهقي (¬2) [178]. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين. والاختلاف دليل على جواز ذلك وأن الثلاث هي الكمال. والواحدة تجزئ. (والأحاديث) الصحيحة في هذا كثيرة. وكلها تدل على ثبوت التوضؤ ثلاثا ثلاثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا خلاف (وخرج) بالغسل المسح. فلا يسن تكريره عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور بل السنة مسح الرأس، مرة واحدة. لقول أبي حية: رأي عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما. ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين. ثم قال: ¬

(¬1) انظر ص 87 ج 1 بيهقي (البداءة باليسار). وص 23 سنن الدارقطني. (¬2) انظر ص 80 ج 1 سنن البيهقي (فضل التكرار في الوضوء).

أحببت أن أريكم كيف كان طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الترمذي وصححه (¬1) [179]. (وعن عبد الله) بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرة. أخرجه ابن ماجه (¬2) [180]. (وعن ابن عباس) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3) [181]. (وقال) الشافعي وعطاء: يستحب تثليث مسح الرأس (لقول) عثمان رضي الله عنه: ألا أريكم وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تم توضأ ثلاثا ثلاثا. أخرجه مسلم (¬4) [182]. ولم يستثن الرأس (وأجيب) بأن المطلق يحمل على المقيد فلا ينتهض للاحتجاج به على طلب تثليث مسح الرأس (وقال أبو داود) أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا وقالوا فيها: ومسح برأسه. ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره (¬5). (والإنصاف) أن أحاديث الثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة "فالوقوف" على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 1 تحفة الأحوذي (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 83 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) انظر ص 66 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي). (¬4) انظر ص 113 ج 3 نووي مسلم (فضل الوضوء والصلاة عقبه). (¬5) انظر ص 23 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم).

وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما "هو المتعين" لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة (وقال) الحافظ في الفتح يحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح ابن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الأدلة (¬1). وعن الربيه بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه (الحديث) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود (¬2) [183] وقد قال بهذا الحديث بعض الكوفيين منهم وكيع بن الجراح "وما" تقدم في حديث عبد الله ابن زيد (¬3) من قوله: مسح صلى الله عليه وسلم رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر "لا يعد" تكرارا للمسح، لأن الرد لم يكن بماء جديد اتفاقا. 10 - مسح الأذنين: الأذنان من الرأس عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور (لقول) أبي أمامة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال "الأذنان من الرأس" أخرجه الترمذي. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: الأذنان من الرأس، وكان يمسح رأسه مرة (¬4) [184]. (وقال) الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن بعدهم. وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق (ويسن) عند الحنفيين مسحهما ولو بماء الرأس (لما تقدم) عن ¬

(¬1) انظر ص 208 ج 1 فتح الباري (مسح الرأس مرة). (¬2) انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (باب ما جاء في مسح الرأس). (¬3) تقدم رقم 142 ص 241 (مسح الرأس). (¬4) انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 87 ج 1 - ابن ماجه (الاذنان من الرأس).

ابن عباس من قوله: ومسح "يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم" برأسه وأذنيه مسحة واحدة (¬1). (وقالت) الحنبلية: يجب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما لأنهما من الرأس ويسن مسحهما بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد الآتي. (ومن) الرأس البياض فوق الأذنين فيجب مسحه مع الرأس (¬2) وعن أحمد أنه لا يجب مسح الآذنين وهو ظاهر المذهب لأنهما من الرأس على وجه التبع (¬3). (وقال) المالكية والشافعية: يسن مسح ظاهرهما وباطنهما بعد مسح الرأس بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح (¬4) [185]. (وأجاب) الحنفيون بأنه إنما أخذ لهما ماء جديدا لعدم بقاء بلل على اليد بعد مسح الرأس، جمعا بينه وبين الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح الرأس والأذنين بماء واحد. (ومنه) تعلم ما في قول ابن القيم في الهدى: ولم يثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ لهما ماء جديدا. وإنما صح ذلك عن ابن عمر (¬5). ¬

(¬1) تقدم رقم 181 ص 241 (مسح الأذنين). (¬2) انظر ص 73 ج 1 كشاف القناع (فصل ثم يمسح جميع ظاهر رأسه). (¬3) انظر ص 138 ج 1 - الشرح الكبير لابن قدامة (فصل ويجب مسح الاذنين). (¬4) انظر ص 65 ج 1 سنن البيهقي (مسح الأذنين بماء جديد). (¬5) انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العبادة).

هذا. والسنة عند الجمهور مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهر ما وباطنهما. أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي بلفظ "ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه" (¬1) [186]. (وعن) المقدام بن معديكرب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح برأسه وأنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصبعيه في ضماخي أذنيه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والطحاوي بسند حسن (¬2) [187]. 4 - مستحبات الوضوء هي جمع مستحب. وهو لغة المحبوب. وشرعا ما لم يواظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء فعله مرة وتركه أخرى، أو رغب فيه. وهو المندوب سواء. وللوضوء مستحبات كثيرة المذكور منها سبعة عشر. 1 - استقبال القبلة: يستحب عند الحنفيين ومالك استقبال القبلة حال الوضوء. ويسن عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خير المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه ابن جرير (¬3) [188]. 2 - تقديمه على الوقت لغير المعذور. 3 - ترك لطم الوجه وغيره من الأعضاء. وهو مستحب عند الجمهور، لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي (باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما). (¬2) انظر ص 52 ج 2 - المنهل العذب. و 86 ج 1 - ابن ماجه (مسح الأذنين). (¬3) انظر ص 281 راموز الأحاديث.

عليه وعلى آله وسلم لم يذكر أنه ضرب وجهه بالماء (وقال) إبراهيم النخعي: لم يكونوا يلطمون وجوههم بالماء في الوضوء. أخرجه سعيد بن منصور [19]. (وقال) بعضهم: يستحب للمتوضئ ضرب الوجه بالماء، لما في حديث على رضي الله عنه قال: يا بن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحديث) وفيه: ثم تمضمض واستنثر. ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها وجهه (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي. وفي رواية أحمد وابن حبان: فصك بها على وجهه (¬1) [189]. وذكره ابن حبان تحت ترجمة "استحباب صك الوجه بالماء للمتوضئ عند غسل الوجه" (وأجاب) الجمهور بأن الحديث متكلم فيه. وعلى فرض صحته فيحمل الضرب أو الصك فيه على صب الماء وإفاضته على الوجه جمعا بين الأحاديث. ولأن لطم الوجه بالماء لا يتفق والكمال. 4 - عدم التكلم حال الوضوء: هو مستحب إلا لحاجة تفوته، كأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد ضال ورد سلام "وأما حديث" عبد الرحمن ابن البيلماني قال: رأيت عثمان بن عفان جالسا بالمقاعد (¬2) يتوضأ فمر به رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه ثم دخل المسجد فوقف على الرجل فقال: لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني سمعت رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وسلم يقول: من توضأ فغسل يديه، ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 2 - المنهل العذب. وص 54 ج 1 بيهقي (التكار في غسل الوجه). (¬2) المقاعد، بفتح الميم والقاف، موضع مرتفع قرب مسجد المدينة اتخذه عثمان للقعود فيه لقضاء مصالح الناس.

وغسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم لم يتكلم حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين. أخرجه أبو يعلي "فهو شعيف" لأن في سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى وهو مجمع على ضعفه. قال الهيثمي (¬1) [190]. "وكذا" حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حضين ابن المنذر عن المهاجر بن قنقذ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه. فلم يرد علي، فلما فرغ قال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء. أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2) [191]. "ورد" بأنه معلول. فقد قال ابن دقيق العيد: سعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط في آخره. ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن مهاجر منقطعا. وعلى فرض صحته، فهو لا يدل على عدم مشروعية رد السلام من المتوضئ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم ينه من سلم عليه حال الوضوء عن السلام بل أخر الرد على ما بعد الوضوء اختيارا للأكمل، ولأنه لم يخش فوات رد السلام. 5 - تحريك الخاتم: يستحب عند الحنفيين ومالك للمتطهر تحريك الخاتم الواسع إذا علم وصول الماء إلى ما تحته بدون تحريك. ويسن عند الشافعية ¬

(¬1) انظر ص 239 ج 1 مجمع الزوائد (ما يقول بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 15 ج 1 مجتبي (رد السلام بعد الوضوء) وص 74 ج 1 - ابن ماجه (الرجل يسلم عليه وهو بيول).

والحنبلية (لحديث) أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده معمر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه. وهما ضعيفان (¬1) [192]. ومثل الخاتم في ذلك ما يشبهه من الأساور والخلاخل ونحوها. 6 - البداءة بتطهير مقدم الأعضاء: قالت المالكية وبعض الحنفيين: يستحب للمتوضئ البداءة بأعلى الوجه، وبأصابع اليدين والرجلين، وبمقدم الرأس. (وقالت) الحنبلية وبعض الحنفيين: أنه سنة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن الله تعالى جعل المرافق والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل (وقالت) الشافعية: يسن ما ذكر في الوجه والرأس مطلقا، وفي اليدين والرجلين أن اغترف الماء بيده، أما أن توضأ من حنفية أو إبريق أو وضأه غيره بدأ في اليدين من المرفق، وفي الرجلين من الكعبين. ولم نقف لهذا التفصيل على دليل. 7 - إطالة الغرة والتحجيل: (الغرة) في الأصل بياض في جبهة الفرس. والمراد بها هنا غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدا على المفروض غسله. (والتحجيل) في الأصل بياض في رجل الفرس. والمراد به هنا غسل ما فوق المرفقين والكعبين بان يغسل الذراعين لنصف العضدين، والرجلين لنصف الساقين. هذا. وقد اتفق الأئمة على أنه يفترض غسل جزء زائد من محل الفرض إذا لم يتم الفرض إلا به. أما الزيادة على ما ذكر فمستحبة عند غير المالكية ¬

(¬1) رقم 6622 ص 114 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [193]. (وقال) أبو حازم: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ وهو يمر الوضوء إلى إبطه. فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ قال أني سمعت خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) [194]. (وقالت) المالكية: يكره غسل ما زاد عما لا يتم الواجب إلا به. وتأولوا إطالة الغرة والتحجيل بإدامة الوضوء (ويرده) فعل أبي هريرة مستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء والمراد بالحلية التحجيل. 8 - كونه في مكان طاهر: اتفق العلماء على أنه يستحب كون الطهارة في محل طاهر شأنا وفعلا. فتكره في موضع متنجس بالفعل، وفي موضع شأنه النجاسة ولو لم يتنجس كبيت الخلاء، صونا للعبادة عن محل القذارة (ولحديث) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال: أن عامة الوسواس منه. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه ¬

(¬1) تقدم رقم 137 ص 317 ص 216 (الوضوء) و (غرا محجلين) أي على وجوههم وفي أيديهم وأرجلهم نور. سمي غرة وتحجيلا تشبيها له بغرة الفرس. (¬2) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. ص 140 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل) و (تبلغ الحلية .. ) يعني أن حلية المؤمن في الجنة تبلغ منه حيث يبلغ الوضوء.

والترمذي (¬1) [195] فالنهي عن البول في المغتسل يتضمن أن تكون الطهارة في مكان طاهر. 9 - البدء ببعض السنن: (قالت) المالكية: يستحب تقديم غسل اليدين إلى الكوعين، والمضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وقال غيرهم: أنه سنة. 10 - الاقتصاد في الماء: (قال) الحنفيون ومالك: يستحب تقليل ماء الطهارة بحسب الأماكن بعد تعميم العضو بالماء. (وهو) سنة عند الشافعي وأحمد (وقد) أجمعوا على عدم التقدير في ماء الوضوء والغسل، لأنه لم يرد في ذلك تحديد صريح. ولأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. ولكن يطلب التوسط والاعتدال. فلا يقتر ولا يزيد على قدر الكفاية اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وقد ورد) في ذلك أحاديث (فعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قال: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء. أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك (¬2) [196]. (وعنه) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ برطلين، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال. أخرجه الدارقطني وقال: تفرد به موسى بن نصر. وهو ضعيف الحديث (¬3) [197]. ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر). (¬2) انظر ص 4 ج 2 - الفتح الرباني. و (شريك) أبو عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظله، وشيخه عبد الله بن عيسى ضعيف. (¬3) انظر ص 35 سنن الدارقطني (ما يستحب للمتوضئ والمغتسل).

(وعن) عبيد الله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد. قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع. فقال الرجل لا يكفيني. فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير. ورجاله ثقات (¬1) [198]. (وعن) أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ بنحو ثلثي مد. أخرجه أبو داود والنسائي. وصححه أبو زرعة (¬2) [199]. 11 - مسح الصدغين: هما تثنية صدغ بضم فسكون. وهو ما بين العين والأذن. ويطلق على الشعر المتدلي على هذا الموضع. ومسحة مشروع تكميلا لمسح الرأس لا أنه منه، بل هو من الوجه. وفرضه الغسل (ودليله) حديث الربيع بنت معوذ قالت: رأيت رسول الله صلى الله علبيه وعلى آله وسلم يتوضأ فمسح رأسه ومسح ما أقبله منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي. وقال: حسن صحيح (¬3) [200]. وفى سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال. لكن وثقه أحمد والنسائي. وللحديث عدة طرق يقوي بعضها بعضا. 12 - مسح الرقبة: (قال) الحنفيون وبعض الشافعية: يستحب للمتوضئ مسح الرقبة بظهر يديه، لعدم استعمال بلتهما (لقول) وائل بن حجر: حضرت ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 - الفتح الرباني وص 218 ج 1 مجمع الزوائد (ما يكفي للوضوء والغسل) و (لا أم لك) هو ذم وسب، أي أنت لقيط لا تعرف لك أم. (¬2) انظر ص 307 ج 1 - المنهل العذب (ما يجزئ من الماء في الوضوء). (¬3) انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (مسح الراس مرة) وص 359 ج 6 مسند أحمد. وص 59 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم).

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أتى بإناء فيه ماء فأكفأ على يمينه ثلاثا (الحديث) وفيه: ثم مسح على رأسه ثلاثا ومسح ظاهر أذنيه ومسح رقبته وباطن لحيته بفضل ماء الرأس. أخرجه الطبراني في الكبير والبراز. وفيه سعيد ابن عبد الجبار. قال النسائي: ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات. وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف (¬1) [201]. (وروى) طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عمرو بن كعب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق. أخرجه أحمد وأبو داود وقال: سمعت أحمد يقول: ابن عيينة كان ينكره، ويقول: أيش هذا طلحة عن أبيه عن جده، وليث بن أبي سليم ضعيف تركه يحيى بن القطان وابن معين وأحمد، لكن أخرج له مسلم (¬2) [202]. (وقال) الجمهور: لا يستحب مسح الرقبة لأنه لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن (وتعقبه) ابن الرفعة بأن لا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر، لأن هذا لا مجال للقياس فيه. والأحاديث السابقة وإن كان في بعضها مقال، إلا أنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا. وبها تعلم أن "قول" النووي: مسح الرقبة بدعة وأن حديثه موضوع "مجازفة" وأعجب من هذا قوله: لم يذكره الشافعي، ¬

(¬1) انظر ص 232 ج 1 مجمع الزوائد (ما جاء في الضوء). (¬2) انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 62 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم) و (القذال) بفتحتين، مؤخر الراس. و (أيش) بفتح فسكون فكسر. اصله أي شيء وهو استفهام إنكاري أي لا شيء هذا الحديث لأنه من رواية طلحة عن أبيه عن جده وهما مجهولان.

ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة. فقد قال الروياني من أصحاب الشافعي في كتابه البحر: قال أصحابنا هو سنة (¬1). أما مسح الحلقوم وهو مقدم العنق فبدعة اتفاقا. 13 - عدم الاستعانة بالغير: اتفق العلماء على أنه يستحب للقادر أن يتولى تطهير الأعضاء بنفسه من غير معاونة (لقول) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده علقمة ابن أبي جمرة مجهول. ومظهر ابن الهيثم وهو ضعيف متروك (¬2) [203]. (أما الاستعانة) لإحضار الماء وصبه فقد اتفق الأئمة وعلماء السنة على إباحته (لقول) المغيرة بن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر فقال: يا مغيرة خذ الإداوة، فأخذتها ثم خرجت معه، وانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه ثم صلى. أخرجه الشيخان والنسائي (¬3) [204]. (وأما) ما قيل: بادر عمر ليصب الماء على يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أنا لا استعين في وضوئي بأحد (فباطل) لا أصل له (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 1 نيل الأوطار (مسح العنق). (¬2) انظر ص 219 ج 1 نيل الأوطار (المعاونة في الوضوء). (¬3) انظر ص 323 ج 1 - فتح الباري (الصلاة في الجبة الشامية) وص 169 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين) و (الإداوة) بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ للماء. (¬4) انظر ص 239 ج 1 مجموع النووي.

(هذا) ويستحب كون المعين عن يسار المتطهر ليسهل تناول الماء عند الصب، وجعل الإناء الذي يصب منه عن يساره ليصب بها على يمينه، وجعل الإناء الكبير الذي يعترف منه عن يمينه ليغترف منه بها. 14 - الدعاء بعد الوضوء: اتفق العلماء على أنه يستحب لمن توضأ (أن يدعو) بعد الوضوء- مستقبلا القبلة رافعا بصره إلى السماء- (بما) في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وزاد: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (¬1) [205]. (ويختم الدعاء) بما في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة" ¬

(¬1) انظر ص 310 ج 1 - الفتح الرباني. وص 118 ج 3 نووي مسلم (الذكر المستحب عقب الوضوء) وص 55 ج 2 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا توضأ) وص 58 ج 1 تحفة الأحوذي (ما يقال بعد الوضوء) وقوله "هذا في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير شيء" رده الحافظ في التلخيص قال: لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض والزيادة التي عنده (أي الترمذي) رواها البزار والطبراني في الأوسط عن ثوبان. أنظر ص 59 ج 1 تحفة الأحوذي. وروى الحديث ابن ماجه عن أنس. أنظر ص 90 ج 1 (ما يقال بعد الوضوء).

أخرجه ابن السني والطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح. والحاكم والنسائي وصحح وقفه (¬1) [206]. (وهذا) الدعاء هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أما ما اعتاده" بعض الناس وذكره بعض الفقهاء من الدعاء عند كل عضو كقولهم عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه. وعند غسل اليد اليمني: اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني كتابي بشمالي. وعند غسل اليد اليسرى: اللهم يسر ولا تعسر "فلم يثبت" فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (قال) النووي في الروضة: هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي ولا الجمهور. وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث (¬2). وقد روى فيه عن علي كرم الله وجهه من طرق ضعيفة جدا أوردها علاء الدين على المتقي في كنز العمال وبين ضعفها (¬3). (والحكمة) في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته. وإنما يؤدونها ¬

(¬1) انظر ص 414 راموز الأحاديث. وص 105 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترغيب في كلمات يقولها بعد الوضوء) و (الرق) بالفتح جلد رقيق يكتب عليه. (¬2) انظر ص 59 ج 1 تحفة الأحوذي الشرح. (¬3) هي (أ) حديث رقم 2263 ص 112 ج 5 كنز العمال ذكر فيه عن علي هذه الاذكار وقال: فيه خارجة بن مصعب تركه الجمهور وكذبه ابن معين. وقال ابن حبان: كان يدلس عن الكذابين (ب) وحديث 2364 ص 113 وقال: في سنده غير واحد يحتاج إلى معرفته. وفيه أحمد بن مصعب قال في اللسان: متهم بوضع الحديث (جـ) وحديث رقم 2365 ص 112 وقال: وفيه أصرم بن حوشب كان يضع الحديث.

على قدر ما يطيقونه. فالعارف يرى أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك فيستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته (¬1). (فائدة) ذكر بعض الفقهاء أنه يندب قراءة سورة القدر ثلاثا بعد الوضوء (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " من قرأ في أثر وضوئه: أنا أنزلناه في ليلة القدر واحدة، كان من الصديقين. ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء. ومن قرأها ثلاثا يحشره الله محشر الأنبياء " أخرجه الديلمي في مسند الفردوس (¬2) [207]. لكن قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: حديث قراءة (إنا أنزلناه) عقب الوضوء، لا أصل له، وقال السيوطي: في سنده أبو عبيدة مجهول. (15) الشرب من فضل الوضوء- قال الحنفيون وأحمد والشافعية: يستحب الشرب من فضل ماء الوضوء قائما أو قاعدا مستقبلا القبلة، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرب قائما من فضل وضوئه ومن ماء زمزم. (وعن عبد خير) أن عليا أتى بوضوء أو أتى بإناء فيه ماء فأفرغ على يديه من الإناء فغسلهما ثلاثا (الحديث) وفيه: ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات. ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغرف بيده فشرب. وفي رواية: وشرب فضل وضوئه، ثم قال: هذا طهور. أخرجه أحمد والدارقطني بسند جيد (¬3) [208]. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 1 كشاف القناع (سنن الوضوء). (¬2) انظر ص 438 راموز الأحاديث. (¬3) انظر ص 8 ج 2 - الفتح الرباني. وص 33 سنن الدارقطني.

(16) التنشيف بعد الطهارة: قال الحنفيون والثوري ومالك وأحمد: لا بأس بالتمسح بمنديل ونحوه بعد الطهارة، بل عده في الدر المختار من الآداب (لقول) معاذ: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. أخرجه البيهقي والترمذى وقال: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث (¬1) [209]. (وعن) أياس بن جعفر عن صحابي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ. أخرجه البيهقي والنسائي في الكني بسند صحيح (¬2) [210]. والأحاديث في ذلك كثيرة. وهي وإن كان في بعضها مقال إلا أنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا. (والمشهور) عند الشافعية أن المستحب ترك تنشيف الأعضاء، وقيل أنه مباح وقيل مستحب لما فيه من الأحتراز عن الأوساخ ولما تقدم. وقيل: يكره في الصيف دون الشتاء. وهذا كله ما لم تكن هناك حاجة إلى التنشيف كبرد أو التصاق نجاسة، وإلا فلا كراهة قطعا (¬3). (وقال) بعض الشافعية وسعيد بن المسيب: يكره التمسح بمنديل ونحوه (لحديث) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود. ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي (المنديل بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي الشرح. (¬3) انظر ص 461 ج 1 مجموع النووي.

أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ بسند ضعيف (¬1) [211]. وهو لضعفه لا يحتج به (وعلى) فرض صحته، فهو محمول على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعتاد المسح به (ويؤيده) حديث الأعمش عن سالم عن كريب حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسلا يغتسل به من الجنابة (الحديث) وفيه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض بيده. أخرجه السبعة والبيهقي. وزاد أحمد وأبو داود: "قال الأعمش" فذكرت ذلك لإبراهيم "يعني التيمي" فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسا. ولكن كانوا يكرهون العادة (¬2) [212]. (وقال) ابن عباس: أنه مكروه في الوضوء دون الغسل. 17 - صلاة ركعتين بعد الوضوء- يندب عند الحنفيين ومالك وأحمد صلاة ركعتين بعد الوضوء في غير وقت كراهة (¬3). ويسن عند الشافعية في أي وقت (لقول) عثمان: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم أتى المسجد فركع فيه ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه. لا تغتروا. أخرجه أحمد والبخاري (¬4) [213]. ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي. الشرح. و (ضعيف) لأن فيه سعيد بن ميسرة البصري. قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان يروي الموضوعات. (¬2) أنظر ص 136 ج 2 - الفتح الرباني. وص 266 ج 1 فتح الباري (تفض اليدين من غسل الجناية) وص 230 ج 3 نووي مسلم (صفة غسل الجناية) وص 89 ج 1 - ابن ماجه (المنديل بعد الوضوء) وص 12 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابه. (¬3) أوقات الراهة ثلاثة: بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، وعند الاستواء حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. (¬4) انظر ص 308 ج 1 - الفتح الرباني. وص 183 ج 1 فتح الباري (الوضوء ثلاثا) و (لا تغتروا) أي لا تخدعوا بغفران ما تقدم من الذنوب فترتكبوا غيرها معتمدين على المغفرة بالوضوء، فإنها بمشيئة الله تعالى.

(وقال) أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلي ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلا أو مؤخرا" أخرجه أحمد (¬1) [214]. 5 - مكروهات الوضوء جمع مكروه، وهو لغة ضد المحبوب. واصطلاحا ما طلب تركه طلبا غير جازم وهو عند الحنفيين قسمان (أ) مكروه تحريما. وهو ما ثبت النهي عنه بدليل ظني. وهو إلى الحرام أقرب، كالإسراف في الماء غير الموقوف، وكل ما أدى إلى ترك سنة مؤكدة. (ب) ومكروه تنزيها. وهو ما طلب تركه بلا نهي. وهو إلى الحلال أقرب. كالوضوء إلى غير القبلة، وكل ما أدى إلى ترك سنة غير مؤكدة (وقالت) المالكية: ترك أي سنة من سننه مكروه تنزيها. (وقالت) الشافعية ترك السنة المختلف في وجوبها أو المؤكدة مكروه. وترك غيرهما خلاف الأولى (وقالت) الحنبلية: ترك سنة من سنن الوضوء خلاف الأولى ما لم يرد فيه نهي، وإلا كان مكروها (هذا) ومكروهات الوضوء كثيرة. (منها) الإسراف في الماء: وهو أن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية. وقد اتفق العلماء على أنه مكروه تحريما لو توضأ من ماء مباح أو مملوك "أما الموقوف" على من يتطهر به، ومنه ماء المساجد "فالإسراف فيه حرام" (لحديث) عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال أفي الوضوء سرف؟ قال نعم ¬

(¬1) انظر ص 443 ج 6 مسند أحمد (ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه).

وإن كنت على نهر جار. أخرجه أحمد وابن ماجه. وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، لكن قال في المرقاة: سنده حسن (¬1) [215]. (ولحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الوضوء. فأراه ثلاثا ثلاثا وقال: هذا الوضوء، من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق صحيحة. وصححه ابن خزيمة وغيره. أخرجه أبو داود بلفظ "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم (¬2) [216]. (ففيه) دلالة على أن الزيادة في الغسل عن الثلاث اعتداء وفاعله مسيء بتركه المطلوب، ومتعد حد السنة، وظالم بوضع الشيء في غير موضعه ولا خلاف في كراهته (قال) ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم (وقال) أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلي (¬3). (ومنها) التقتير في الماء: وهو ترك المسنون في الغسل، فلو اقتصر على ما دون الثلاث، قيل يأثم أن اعتاد ذلك. وقيل يأثم مطلقا، لما تقدم في رواية أبي داود من قوله عليه الصلاة والسلام: من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم. وقيل لا يأثم لما تقدم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 الفتح الرباني. وص 84 ج 1 - ابن ماجه (القصد في الوضوء) و (السرف) بفتحتين، التجاوز عن الحد في الماء وغيره. (¬2) انظر ص 50 ج 2 - الفتح الرباني. وص 84 ج 1 - ابن ماجه (القصد في الوضوء) وص 72 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) انظر ص 216 ج 1 نيل الأوطار (كراهة ما جاوز الثلاث).

توضأ مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين (الحديث) أخرجه البيهقي (¬1). وهذا هو المختار. وزيادة: أو نقص ضعيفة أو شاذة لأن ظاهرها ذم النقص عن الثلاثة وهو جائر فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف يعبر عنه بأساء أو ظلم. (قال) ابن المواق: إن لم يكن اللفظ شكا من الراوي فهو من الأوهام البينة فإنه لا خلاف في جواز الوضوء مرة ومرتين. والآثار بذلك صحيحة (¬2). (ومنها) مبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق مخافة أن يفسد صومه، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث لقيط بن صبرة. وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. ولفظه عند أحمد "إذا توضأت فأسبغ وخلل الأصابع، وإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما" (¬3). وعلى الجملة فيكره للمتوضئ كل ما يؤدي إلى ترك سنة أو مستحب على ما تقدم بيانه. (فائدة) قال بعض الفقهاء: يكره استعمال الماء المشمس أي الساخن بالشمس في إناء منطبع غير الذهب والفضة كالنحاس والرصاص في بلد حار. (لقول) عائشة أسخنت ماء في الشمس فأتيت به النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ليتوضأ به فقال: لا تفعلي يا عائشة، فإنه يورث البرص. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه محمد بن مروان السدى مجمع على ضعفه. وأخرجه ¬

(¬1) تقدم رقم 178 ص 240 (تثنية الغسل وتثليثه). (¬2) انظر ص 74 ج 2 - المنهل (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) تقدم رقم 170 ص 237 (ما يسن في المضمة والاستنشاق).

البيهقي من طريق خالد بن إسماعيل وقال: وهذا لا يصح. خالد بن إسماعيل متروك (¬1) [217]. (والمشهور) عند مالك والشافعيةك أنه لا يكره إلا ما قصد تشميسه في قطر حار كالحجاز وفي الأواني النحاسية ونحوها لأنها تورث البرص. أما أواني الفخار والمغشي من النحاس والرصاص والقصدير بما يمنع الزهومة فلا كراهة في استعمال المشمس فيها. (وقالت) الحنبلية: لا يكره استعماله. وبه قال بعض الحنفيين والشافعية وهو المختار، لأن الأصل الإباحة (وأجابوا) عن حديث عائشة بأنه ضعيف باتفاق المحدثين. وقد رواه البيهقي من طرق وبين ضعفها كلها. ومنهم من يجعله موضوعا. (وقال عمر) بن الخطاب لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص. أخرجه البيهقي وهو ضعيف (¬2) [20]. (فإن) فيل إسماعيل بن عياش متكلم فيه (فحصل) من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته. ولم يثبت فيه عن الأطباء شيء. (فالصواب) الجزم بأنه لا كراهة فيه، لأنه الموافق للدليل ولنص الشافعي، فإنه قال في الأم: لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب. ونقله البيهقي عن الشافعي في معرفة السنن والآثار (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 214 ج 1 مجمع الزوائد (الوضوء بالشمس) وص 6 ج 1 بيهقي (كراهة التطهير بالماء المشمس). (¬2) انظر ص 6 ج 1 بيهقي (كراهة التطهير بالماء المشمس). (¬3) انظر ص 87 ج 1 مجموع النووي (المياه).

6 - فضل الوضوء قد ورد في فضله أحاديث كثيرة (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعنه مع الماء. أو مع آخر قطر الماء. فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب" أخرجه مالك وأحمد ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح (¬1) [218]. (وحديث) عبد الله الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه. فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه. فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه. ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له" أخرجه مالك وأحمد والنسائي والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وليس له عله (¬2) [219]. ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 2 تيسير الوصول (فضل الوضوء) وص 305 ج 1 - الفتح الرباني. (¬2) انظر ص 304 ج 2 تيسير الوصول، وص 302 ج 1 - الفتح الرباني و (الصنابحي) بضم الصاد وكسر الباء، نسبة إلى صنابح، بطن من مراد. و (الأشجار) جمع شفر بضم فسكون، أصل منبت الشعر في الجفن.

(وعن) أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة" أخرجه أحمد وابن حبان (¬1) [220]. 7 - هدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوضوء كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، وربما صلى الصلوات بوضوء واحد (وكان) يتوضأ بالمد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيد منه تارة (وكان) من أيسر الناس صبا لماء الوضوء (وكان) يحذر أمته من الإسراف فيه. وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وفي بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا (وكان) يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث (وكان) يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه. ولا يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان والثلاث، فيمكن فيهما الفصل والوصل، إلا أن هده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان الوصل بينهما كما تقدم عن عبد الله ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة. فعل ذلك ثلاثا. وفي لفظ تمضمض واستنثر بثلاث غرفات (¬2). فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق (وكان) يستنشق بيده اليمني ويستنثر باليسري (وكان) يمسح راسه كله. وتارة يقبل بيديه ويدبر. والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء، أفرد مسح الرأس. هكذا جاء عنه صريحا. ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 1 الفتح الرباني (فضل الوضوء والمشي إلى المساجد). (¬2) تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق).

ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض راسه ألبته. ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة (ولم يتوتضأ) صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا تمضمض واستنشق. ولم يحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة (وكذلك) كان وضوءه مرتبا متواليا لم يخل به مرة واحدة ألبته (وكان) يمسح على راسه تارة، وعلى العمامة تارة وعلى الناصبة والعمامة تارة (وأما) اقتصاره على الناصية مجردة، فلم يحفظ عنه كما تقدم (وكان) يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفين ولا جوربين. ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين (وكان) يمسح أذنيه مع رأسه. وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما (ولم) يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية في أوله وقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" في آخره. ومما يقال بعد الوضوء أيضا: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك (ولم) يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة. ولا هو ولا أحد من أصحابه ألبته. ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا باسناد صحيح ولا ضعيف (ولم) يتجاوز الثلاث قط (¬1). 8 - كيفية الوضوء أجمع حديث في هذا ما روى عن سيدنا عثمان وعلي رضي الله عنهما: (أ) قال حمران بن أبان: دعا عثمان رضي الله عنه بماء فسكب على يمينه فغسله. وفي رواية "فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما" ثم أدخل يمينه في الإناء فغسل كفية ثلاثا. ثم غسل وجه ثلاث مرار، ومضمض واستنشق واستنثر. وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاث مرات. ثم مسح رأسه. وأمر بيديه على ظهر أذنيه. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات. ثم قال: سمعت رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 1 زاد المعاد.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما، غمر له ما تقدم من ذنبه". وفي روايه "غفر له ما كان بينهما وبين صلاته بالأمس" أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [221]. (ب) (وقال عبد خير): جلس علي رضي الله عنه بعد ما صلى الفجر، ثم قال لغلامه ائتني بطهور، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست ونحن جلوس ننظر إليه. فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه. ثم أخذ بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرار، كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى. فعل ذلك ثلاث مرات وفي رواية: فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يديه اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة. وفي رواية "ثبدأ بمقدم راسه إلى مؤخره"، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليمنى، ثم غسلها بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى فغرف بكفه فشرب فضل وضوئه. ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود، والنسائي بسند جديد (¬2) [222]. ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 2 - الفتح الرباني. وص 182 ج 1 فتح الباري (الوضوء ثلاثا ثلاثا). وص 109 ج 3 نووي مسلم (صفة الوضوء وكماله). (¬2) انظر ص 7 ج 2 - الفتح الرباني. وص 26 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). و (الطست) بفتح الطاء فسكون السين المهملتين. وحكي بالشين المعجمة، إناء من نحاس.

9 - نواقض الوضوء نواقض جمع ناقض، والمراد به ما يخرج الوضوء عن إفادة المقصود منه، وهو استباحه ما لا يحل بدونه (والناقض) قسمان: حقيقي وهو ما كان حدثا بنفسه وحكمي وهو ما يعد سببا للحدث غالبا. (فالأول) كل ما خرج من السبيلين على وجه الصحة، سواء أكان معتادا كالبول، أم غير معتاد كالحصاة، نجسا أو غيره كريح من الدبر، لقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) (¬1)، وذلك أن الغائط في الأصل المطمئن من الأرض يقصد للحاجة، والمجئ منه ليس ناقضا، فهو كناية عما يلزمه من الخارج (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا ابا هريرة قال: فساء أو ضراط. أخرجه أحمد والشيخان (¬2) [223]. والحدث يشمل كل خارج من السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك، تنبيها بالأخف على الأغلظ، ومنه: (أ) "الودي" بسكون الدال المهملة. وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالبا. (ب) "والمذي" بسكون الذال المعجمة: وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند ¬

(¬1) سورة المائدة: آية 6. (¬2) انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء من الربح). وص 166 ج 1 - فتح الباري (لا تقبل صلاة بغير طهور). وص 104 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة).

ملاعبة من يشتهي أو النظر إليه والفكر ونحوهما من كل من يؤدي إلى نزول المذي فهما ناقضان للوضوء (لقول) ابن عباس: المني والودي والمذي. أما المني فهو الذي منه الغسل، وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك، أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة. أخرجه البيهقي (¬1) [21]. (وقال) على كرم الله وجهه: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2) [224]. وما تقدم ناقض للوضوء اتفاقا (واختلفوا) في القيء والقلس والدم يخرج من الجسد. (أ) (أما القيء) فقال الحنفيون وأحمد وإسحاق: أنه ينقض الوضوء إذا كان ملء الفم، بأن لم يقدر على إمساكه، سواء أكان ماء أم طعاما لم يتغير أو مرة صفراء أو علقا وهو ما اشتدت حمرته وجمد. وأما ما نزل من الرأس فإن كان علقا لم ينقض، وإن كان سائلا نقض ولو قل (لحديث) معدان ابن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاء فتوضأ. قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت ذلك له، فقال: صدق أنا صببت له وضوءه. أخرجه أبو دواد والترمذي وقال: قد رأى غير واحد من أهل العلم الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد ¬

(¬1) انظر ص 169 ج 1 سنن البيهقي (المذي والودي لا يوجبان الغسل). و (المذاكير) الذكر والأنثيان. (¬2) انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من المذي). وص 112 ج 1 تحفة الأحوذي (في المني والمذي).

وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء. وهو قول مالك والشافعي، وقد جود حسين المعلم هذا الحديث وهو أصح شيء في هذا الباب (¬1) وقال ابن مندة: هذا إسناد متصل صحيح (¬2) [225]. (ب) - (والقلس) بفتحتين أو بفتح فسكون، ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه ولم يعد فإن عاد فهو القيء (¬3)، وهو ناقض للوضوء كالقيء عند الحنفيين (لحديث) إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من إصابة قيء أو رعاف أو قلس أو مذي: فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته. وهو في ذلك لا يتكلم". أخرجه الدارقطني (¬4) [226] وأعله غير واحد، بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة. وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه مرسلا. قال أحمد: الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذا ضعفه ابن معين. (وقال) أحمد: القلس لا ينقض الوضوء لضعف الحديث (وقالت) المالكية ¬

(¬1) انظر ص 315 ج 2 تيسير الوصول (القيء). وص 89 ج 1 تحفة الأحوذي (الوضوء من القيء والرعاف). (¬2) انظر ص 143 ج 1 - الجوهر النقي على البيهقي. (¬3) كذا في النهاية ص 272 ج 3، وقال في المصباح: القلس طعام أو شراب خرج إلى الفم- سواء ألقاه أو أعاده إلى بطنه- إذا كان ملء الفم أو دونه فإذا غلب فهو قيء. (¬4) انظر ص 56 الدارقطني (في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة).

والشافعية: القيء والقلس لا ينقضان الوضوء عملا بالبراءة الأصلية (ولقول) معاذ ابن جبل: ليس الوضوء من الرعاف والقيء ومس الذكر وما مست النار بواجب. أخرجه البيهقي. وفيه مطرف ابن مازن تكلموا فيه وهو ضعيف (¬1) [22]. (وأجابوا) عما استدل به الأولون بأنه ضعيف (ومنه) تعلم أن الأدلة لا تنهض للزوم الوضوء من القيء والقلس ولا لعدمه، ولكن يطلب الوضوء خروجا من الخلاف. (جـ) (الدم الخارج من الجسد) هو ناقض للوضوء إذا سال إلى ظاهر الجسد عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق، لحديث ابن جريج المتقدم (ولقول) عائشة: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت: يا رسول الله إني ارماة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم توضئ لكل صلاة حتي يجيء ذلك الوقت. أخرجه السبعة (¬2) [227]. وجه الدلالة أنه علل وجوب الوضوء بأنه دم عرق وكل الدماء كذلك. (وعن) ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع فبني على ما صلى ولم يتكلم. أخرجه مالك والبيهقي وصححه (¬3) [23]. ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم). (¬2) انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 230 ج 1 فتح الباري (باب غسل الدم) وص 16 ج 4 نووي مسلم (المستحاضة وغسلها) وص 78 ج 3 المنهل العذب (المرأة تستحاض) وص 64 ج 1 مجتبي (ذكر الاستحاضة ... ). وص 118 ج 1 تحفة الأحوذي (في المستحاضة). (¬3) انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الرعاف). ص 141 ج 1 الجوهر النقي على البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم).

(وقال) مالك والشافعي: الدم الخارج من الجسد لا ينقض الوضوء (لحديث) أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه. أخرجه الدارقطني والبيهقي. وفيه صالح بن مقاتل ضعيف (¬1) [228]. (وعن) ابن عباس أنه كان يرعف فيخرج فيغسل الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلى. أخرجه مالك (¬2) [24]. وقد تواترت الأخبار على أن المجاهدين كانوا يذوقون آلام الجراحات فلا يستطيع أحد أن ينكر سيلان الدم من جراحاتهم. وأنهم كانوا يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمرهم بإعادة وضوئهم للصلاة من أجل ذلك. وهذا هو الراجح (وحديث) ابن جريج الذي استدل به الأولون (ضعيف) باتفاق الحفاظ كما علمت (وحديث) فاطمة بنت أبي جيش خاص بأرباب الأعذار كسلس البول. والناقض الحكمي ثمانية أمور: (أ) النوم- وقد اختلف فيه على سبعة مذاهب: (الأول) لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهو قول ابي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب. واستدلوا (أ) بحديث أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه مسلم وابو داود وقال: زاد شعبة عن قتاده على ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث). (¬2) انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني الموطأ الرعاف.

عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبيهقي والدارقطني وقال صحيح (¬1) [229]. (قال) ابن المبارك هذا عندنا وهم جلوس، وعلى هذا حمله الجمهور. (ب) وبحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا، ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2) [230]. وهو محمول علىة النوم الخفيف عند الجمهور. (الثاني) أن النوم ينقض الوضوء بكل حال قليله وكثيره وهو مذهب الحسن البصري وإسحاق بن راهوية. وقول غريب للشافعي (قال) ابن المنذر: وبه أقول (لحديث) علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني. [231]. ¬

(¬1) انظر ص 317 ج 2 - تيسير الوصول (النوم والإغماء .. ) وص 242 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). وص 119 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من النوم قاعدا). (¬2) انظر ص 34 ج 2 فتح الباري (النوم قبل العشاء لمن غلب). وص 139 ج 5 نووي مسلم (وقت العشاء). وص 237 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). و (شغل) بالبناء للمفعول (عنها) أي عن صلاة العشاء الأخرة.

(قالوا) أمر بالوضوء من النوم، ولم يفرق فيه بين قليل النوم وكثيره (ورد) بأن الحديث ضعيف، لأنه من رواية بقية عن الوضين ابن عطاء، قال الجوزجاني: واه. وعلى فرض صحته فهو محمول على نوم غير المتمكن. (الثالث) أن النوم الثقيل ينقض مطلقا، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية، لمفهوم قوله في حديث أنس المتقدم: "حتى تخفق رءوسهم" فإن خفقان الرأس يكون في النوم الخفيف، ومعه يشعر الناعس بالخارج منه، بخلاف الثقيل (ومشهور) مذهب مالك أن النوم الثقيل الطويل ينقض اتفاقا، وكذا القصير على المشهور، أما الخفيف فغير ناقض إلا أنه يستحب الوضوء من طويله. (الرابع) إذا نام على هيئة من قيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينقض وضوء. وسواء أكان في الصلاة أم لم يكن. وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه، أنتقض. وهو مذهب الحنفيين وداود الظاهرى وقول للشافعي (لحديث) يزيد الدلاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضم جنبه فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله". أخرجه البيهقي وقال: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء. ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس

من قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية. ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة (¬1) [232]. "ورده" في الجوهر النقي بأن صاحب الكمال ذكر أنه "أي الدالاني" سمع عن قتادة، وصحح الحديث ابن جرير الطبري وقال الدالاني: لا ندفعه عن العدالة والأمانة. والأدلة تدل على صحة خبره، لنقل العدول من الصحابة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه. ومن اضطجع فعليه الوضوء (¬2). (وعن) يزيد بن قسيط قال سمعت أبا هريرة يقول: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع إذا اضطجع توضأ. أخرجه البيهقي بسند جيد وقال هذا موقوف (¬3) [25]. (الخامس) أنه لا ينقض إلا بنوم الراكع والساجد. وهو رواية عن أحمد. ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض (السادس) أنه لا ينقض إلا نوم الساجد. ويروي أيضا عن أحمد. ولعل وجهه أن مظنة الانتقاض في السجود أكثر منها في الركوع (السابع) أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الارض لا ينقض، سواء أقل أم كثر، وسواء أكان في الصلاة أم خارجها. وهذا مذهب الشافعية لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيرها من الحالا، بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو بغيرها متمكنا. وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب، فلا ينقض الوضوء بشيء من ذلك (¬4) (واستدلوا). ¬

(¬1) انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد). (¬2) انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد). (¬3) أنظر ص 122 منه. (¬4) انظر ص 17 ج 2 مجموع النووي.

(أ) بحديث أنس السابق في المذهب الأول (¬1). (ب) وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه فغذا وضع جنبه فعليه الوضوء". أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري ضعفه البخاري وغيره. وقال ابن عدى له أحاديث صالحة ولا يتعمد الكذب (¬2) [233]. وقال النووي: حديث ضعيف جدا (¬3). وهذا أقرب المذاهب وبه يجمع بين الأدلة. والأحوط لمن نام على أي هيئة كانت أن يتوضأ خروجا من الخلاف (فوائد) (الأولى) خرج بالنوم النعاس وهو قسمان ثقيل وهو كالنوم. وخفيف وهو لا ينقض الوضوء اتفاقا (لقول) ابن عباس: قام رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم يصلي في الليل فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلني في شقة الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمه أذني، فصلي احدى عشرة ركعة. أخرجه الشيخان (¬4) [234]. (والفرق) بين النوم والنعاس أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها. والنعاس لا يغلب على العقل، وإنما تفتر به الحواس بغير سقوط حاسة. ومن علامات النعاس أن يسمع كلام من بجواره وغن لم يفهم معناه، ومن علامات النوم الرؤيا. (الثانية) لوشك أنام أم نعس؟ فلا وضوء عليه ويستحب أن يتوضأ (ولو) تيقن النوم وشك أنام متمكنا أم لا؟ لم ينتقض وضوءه ¬

(¬1) تقدم رقم 229 ص 265 (النوم). (¬2) انظر ص 247 ج 1 مجمع الزوائد (في الوضوء من النوم). (¬3) انظر ص 13 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 242 ج 1 نيل الأوطار (الوضوء من النوم). و (أغفى) أي نام نوما خفيفا.

ويستحب الوضوء (ولو) نام جالسا ثم زالت أليتاه أو إحداهما عن الارض فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه لمضي لحظة وهو نائم غير متمكن (وإن) زالت بعد الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوءه حتى ولو نام متمكنا مستندا على حائط أو غيره لم ينتقض وضوءه ولو كان بحيث لو أزيل المستند لسقط. ولو نام محتبيا (¬1) لا ينتقض وضوءه كالمتربع وقيل ينتقض كالمضطجع وقيل أن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق أليتاه على الأرض انتقض وضوءه وإن كان سمينا بحيث ينطبقان لم ينتقض (¬2). (الثالثة) ثبت أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. ولذا لا ينتقض وضوءهم بالنوم على أي حال. (قالت) عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم صلي ثلاثا، قالت فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال يا عائشة: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. أخرجه الجماعة (¬3) [235]. وأخرجه البيهقي وقال: قال أنس وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (¬4) (وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلي ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (¬5) [236]. ¬

(¬1) (الاحتياط) وضع الاليتين على الأرض ونصب الساقين منضمين إلى البطن. (¬2) انظر ص 74 ج 4 شرح مسلم (نوم الجالس). (¬3) انظر ص 221 ج 1 زرقاني الموطأ (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر) (. وص 16 ج 5 - الدين الخالص طب 3 عدد ركعات التراويح). (¬4) انظر ص 122 ج 1 سنن البيهقي (نوم المساجد). (¬5) انظر ص 80 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه).

(وعن) عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى سمع له غطيط، فقام فصلى ولم يتوضأ. فقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظا. أخرجه أحمد والبيهقي وصححه النووي (¬1) [237]. (وقد) نقل منلا على قارئ في شرح الشفاء الإجماع على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نواقض الوضوء كالأمة إلا ما صح من استثناء النوم. "وأما ما قيل" من أنه لا نقض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مطلقا، وإنما وضوءهم تشريع للأمم "فلم نقف" له على دليل. 2 - غياب العقل: بإغماء أو جنون أو سكر ولو بمباح (كينج أو دواء) وهو ناقض للوضوء اتفاقا قل أو كثر متمكنا أو غير متمكن. (أ) أما الإغماء فهو مرض يزيل القوى ويستر العقل وهو أشد من النوم، فلذا كان ناقضا مطلقا بالإجماع (لقول) عائشة: ثقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أصلي الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب. ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فأرسل إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس (الحديث). أخرجه الشيخان (¬2) [238]. ¬

(¬1) انظر ص 81 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه). (¬2) انظر ص 318 ج 2 تيسير الوصول (النوم والإغماء). و (ثقل) اشتد مرضه. و (المخضب) بكسر فسكون ففتح، إناء واسع. و (ينوء) أي ينهض بجهد كيقوم وزنا.

(ب) والجنون مرض يزيل العقل ويزيل القوى وهو ناقض للوضوء اجماعا لأنه أشد من الإغماء. (جـ) والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء، وهو سرور يغلب على العقل بمباشرة ذلك ولا يزيله، ويظهر أثره بالتمايل وتلعثم الكلام، وهو كالإغماء اتفاقا. 3 - لمس المرأة: قال ابن مسعود وابن عمر والزهري والشافعية وغيرهم: لمس المرأة غير المحرم ينقض الوضوء لقوله تعالى: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) من آية (6) سورة المائدة. (قالوا) صرحت الأية بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء، وهو حقيقة في لمس اليد وألحق به الجس بباقي البشرة. ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقي، قراءة "أو لمستم" فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع (ولحديث) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه رجل وقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا وقد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل (الحديث). أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي (¬1) [239]. وفيه انقطاع لأن ابن أبي ليلي لم يسمع من معاذ. فقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السائل بالوضوء من لمسه المرأة. (وعن) سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه كان يقول: قبلة الرجل ارمرأته ¬

(¬1) انظر ص 49 - الدارقطني. وص 125 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة).

وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده، فعليه الوضوء. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي. ورواه عن ابن مسعود بلفظ: "القبلة من اللمس وفيها الوضوء واللمس مادون الجماع (¬1) " [26]. (وقال) الحنفيون: لا ينقض من اللمس إلا المباشرة الفاحشة. وهي أن يتماس الفرجان بلا حائل مع الانتشار ولو كانت بين رجلين أو امرأتين أو رجل وغلام فيبطل وضوءهما وإن لم يوجد بلل عند أبي حنيفة وابي يوسف لأنها لا تخلوا غالبا عن خروج مذي (وعن) محمد: لا تنقص ما لم يظهر شيء. أما لمس الرجل امرأة ولو غير محرم بلا مباشرة قاحشة فلا ينقض الوضوء عند الحنفيين (لحديث) عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال عروة: قلت لها من هي إلا أنت؟ فضحكت. أخرجه أحمد والأربعة والدارقطني بسند رجاله ثقات. وأخرجه الزار بسند حسن (¬2) [240]. وقال ابن عبد البر: صححه الكوفيون وأثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له. ¬

(¬1) انظرص 81 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الوضوء من قبلة الرجل امرأته). وص 34 ج 1 بدائع المنن. وص 124 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة). (¬2) انظر ص 89 ج 2 - الفتح الرباني. وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس المرأة). وص 93 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من القبلة) والحديث صحيح "وأما قول الترمذي" سمعت محمد بن إسماعيل- يعني البخاري- يضعف هذا الحديث. ... وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة. انظر ص 88 ج 1 تحفة الأحوذي (ترك الوضوء من القبلة) "فغير مسلم" فإن سماع حبيب من عروة ثابت. قال أبو داود: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثا صحيحا .. انظر ص 189 ج 2 المنهل العذب (وحديث) حمزة عن حبيب هو ما رواه عن عروة أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. أخرجه الترمذي في الدعوات وقال: حسن غريب [241]

(وأجابوا) (أ) عن الأية بأن المراد بالملامسة فيها الجماع مجازا بقرينة هذه الأحاديث الصريحة في عدم النقض باللمس. وهو تفسير على وابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه (ب) (وعن حديث) معاذ، بأن أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل بالوضوء يحتمل أنه لأجل المعصية. فإن الوضوء من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروجد المذي فهي من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروج المذي فهي من المباشرة الفاحشة (جـ) وعما روى عن ابن عمر وبان مسعود، بأنه لا حجة فيه، لأنه قول صحابي لا سيما وأنه وقع معارضا لما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (وقال) مالك والليث بن سعد وأحمد في المشهور عنه: إن اللمس إن كان بشهوة نقض وإلا فلا، جمعا بين الأية والأحاديث. فحملوا اللمس في الآية على ما إذا كان بشهوة، وفي الأحاديث على ما إذا كان بدونها، فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد لمس عائشة وهو في الصلاة وهي ليست حال شهوة. (وهذا) التفصيل عند مالك في غير القبلة في الفم. أما القبلة فيه فتنقض مطلقا ما لم تكن لوداع أو رحمة. واللامس والملموس عند مالك في ذلك سواء. وللشافعي في الملموس قولان: أشهرهما نقض الوضوء (وعلى الجملة) ففي نقض الوضوء وعدمه باللمس خلاف. والقول بعدم النقض أقوى دليلا، فهو الراجع. 4 - مس الذكر- قال مالك والشافعي وأحمد واسحاق: مس الذكر ناقض للوضوء، لا فرق بين مسه عمدا أو نسيانا (لحديث) بسرة بنت صفوان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ

أخرجه مالك وأحمد والأربعة، وصححه الترمذي والدارقطني، وقال البخاري: هو اصح شيء في الباب (¬1) [242]. (وعن) عائشة أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه الدارقطني (¬2) [243]. والدعاء بالشر لا يكون إلا على ترك واجب (وقالت) أم حبيبة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ. أخرجه ابن ماجه وكذا أحمد عن زيد بن خالد (وقال) ابن السكن: لا أعلم له علة (¬3) [244]. ولفظ (من) يشمل الذكر والأنثى، ولفظ (الفرج) يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة. وهو حجة على المالكية حيث خصصوا نقض الوضوء بمس الرجل ذكره وأنه لا ينقض بمسه الأنثيين والدبر، ولا بمس المرأة فرجها على الصحيح (¬4)، ويرده أيضا حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالك أيما رجل مس ذكره فليتوضأ. وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ. أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي في العلل وقال عن البخاري: وهذا عند صحيح (¬5) [245]. (وقد اختلفوا) فيما يكون به المس الناقض (فقالت) المالكية: المس الناقض ¬

(¬1) انظر ص 86 ج 2 - الفتح الرباني. وص 317 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر) وص 91 ج 1 - ابن ماجه. وص 53 سنن الدارقطني (ما روى في لمس القبل والدبر). (¬2) انظر ص 54 منه (ما روي في لمس القبل والدبر .. ). (¬3) انظر ص 91 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من مس الذكر). وص 84 ج 2 - الفتح الرباني. (¬4) انظر ص 136 ج 1 - الفواكه الدوانب. (¬5) انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 54 سنن الدارقطني.

يكون بباطن الكف أو جنبه، أو بباطن الأصابع أو بجنبها أو برءوسهاز لا بظفر ولا بظهر كف، ولا ذراع (وقالت) الحنبلية: يكون بباطن الكف وظاهرها وجوانبها، لا بظفر (وقالت) الشافعية: يكون بباطن الكف فقط، لا برءوس الاصابع ولا بجوانبها ولا بظهر الكف (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من افضى بيده على ذكره ليس دونه ستر، فقد وجب عليه الوضوء. أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط (¬1) [246]. وفي سندهيزيد بن عبد الملك ضعيف. لكن أخرجه ابن حبان من طريق نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك، كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقال: احتججنا في هذا بنافع دون يزيد. ولذا صحح الحديث وصححه أيضا الحاكم وابن عبد البر من هذا الوجه. (قال) الحافظ في التلخيص: احتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف، لما يعطيه لفظ الأفضاء، ومفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض، فيكون تخصيصا لعموم المنطوق. لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف غير واحد (قال) ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلا فلان وصل إليه. والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف وباطنها (¬2). (وقال) علي وابن مسعود والثوري والحنفيون: إن مس الذكر غير ناقض للوضوء. (لقول) طلق بن علي: جاء رجل كأنه بدوى فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال بضعة منه. أخرجه أحمد والبيهقي والطحاوي والثلاثة. وقال الترمذي: هذا ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 131 ج 1 سنن البيهقي (الالوضوء من مس الذكر). (¬2) انظر ص 46 - التلخيص الجير.

الحديث أحسن شيء يروي في هذا الباب. وقال علي بن المديني: هو أحسن من حديث بسرة. وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم (¬1) [247]. (ورد) بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي لأن فيه قيس بن طلق مجهول ولا تقوم به حجة (وادعي) نسخة ابن حبان والطبراني وغيرهما. (وقال) البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة احتجا بجميع رواته. (ويؤيد) حديث بسرة أن حديث طلق موافق لما كان عليه الأمر من قبل. وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه وبأنه أرجح، لكثرة طرقه وصحتها، وكثرة من صححه من الائمة، وكثرة شواهده، ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوفرون. (وقد روى) طلق بن علي نفسه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ أخرجه الطبراني في الكبير وقال: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة الأحماد بن محمد (¬2) [248]. وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد وهما عندي صحيحان ويشبه أن يكون طلق سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة (¬3). (فالظاهر) ما ذهب إليه الأولون. ¬

(¬1) انظر ص 88 ج 2 - الفتح الرباني بلفظ: إنما هو بضعة. وص 134 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من مس الفرج) وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر). و (مضغة) بضم فسكون (وبضعة) بفتح فسكون، أي قطعة لحم منه، فكما لا ينقض الوضوء بمس الجسد، لا ينتقض بمس الذكر، لأنه جزء منه. (¬2) انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه). (¬3) انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه).

5 - أكل لحم الإبل: (قال) إسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وأحمد: ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ولو نيئا أو تناوله جاهلا. وروى عن الشافعي واختاره البيهقي (لحديث) جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتعوضأت، وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل (الحديث). أخرجه أحمد ومسلم. وهذا لفظه (¬1) [249]. (وقال) الجمهور: أن الوضوء لا ينقضه أكل لحم الإبل. وبه قال الحنفيون ومالك والشافعي (لقول) جابر: كان آخر الأمرين للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بأسانيد صحيحة. ولذا صححه النووي (¬2) [250]. (ويشهد) له حديث محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل آخر أمريه لحما ثم صلى ولم يتوضأ. أخرجه الطبراني في الكبير، قال ¬

(¬1) (انظر ص 93 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 4 نووي مسلم) الوضوء من لحوم الإبل (والسر في إيجاب الوضوء من أكلها على قول من قال به، إنها كانت محرمة في التوراة. واتفق جمهور أنبياء بني إسرائيل على تحريمها. فلما أباحها الله لنا شرح الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا. و (ثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من أباحتها بعد ما حرمها الأنبياء من بني إسرائيل، فإن النقل من التحرم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم. أنظر ص 141 ج 1 حجة الله البالغة (موجبات الوضوء). (¬2) انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار). وص 40 ج 1 مجتبي (ترك الوضوء مما غيرت النار).

الهيشمي: وفيه يونس بن أبي خالد ولم أر من ذكره (¬1) [251]. (وهو) عام في لحم الإبل وغيرها. والأصل البراءة فلا يصار إلى غسرها إلا بناقل صريح ولم يوجد. وهذا هو الراجح لقوة أدلته (وأجابوا) عن أدلة المخالف بأن المراد بالوضوء فيها الوضوء اللغوي لا الشرعي (قال الخطابي) وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة. كما روى: توضئوا من لحوم الإبل فإن له دسما. ومعلموم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم. فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفا إلى غسل اليد، لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث، لعدم سببه أهـ بتصرف (¬2). 6 - القهقهة في الصلاة: (قال) مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ودواد الظاهرى والجمهور: ان القهقهة في الصلاة تبطلها دون الوضوء (لقول) أبي سفيان الواسطي: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يضحك في الصلاة، فقال: يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء. أخرجه البيهقي من عدة طرق (¬3) [27]. (وقال) الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الصوري والحنفيون: أن الوضوء ينقضه قهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود إذا سمعه جيرانه وإن لم تبد أسبابه (لقول) معبد بن أبي معبد الخزاعي: بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية، فاستضحك ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 1 مجمع الزوائد (ترك الوضوء مما مست النار). (¬2) انظر ص 67 ج 1 معالم السنن (الوضوء من لحوم الآبل). (¬3) انظر ص 144 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من القهقهة في الصلاة).

القوم حتى قهقهوا، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه أبو حنيفة في مسنده والدارقطني وأبو يوسف في الآثار (¬1) [252]. "وما قيل" من أن معبدا لا صحبة لا فالحديث مرسل "رد" بأن معبدا الذي لا صحبة له هو معبد الجهني. ومعبد هذا خزاعى ذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة (¬2) (وقال) عطية بن بقية: حدثني أبي حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عطاء عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من ضحك في الصلاة قهقة فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه البيهقي وابن عدى في الكامل (¬3) [253]. (وقول) ابن الجوزى فى العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح فإن بقية من عادته التدليس وكأنه سمعه من بعض الضعفاء فحذف اسمه (مردود) بأن بقية صدوق قد صرح بالتحديث. والمدلس الصدوق إذا صرح بذلك زالت تهمة تدليسة (¬4) قال فى الجوهر النقى ثم ذكر البيهقى عن الشافعى أنه لو ثبت حديث الضحك فى الصلاة لقلنا به. (قلت) مذهبه أن المرسل إذا أرسل من وجه آخر أو أسند يقول به. الحديث أرسل من وجوه، وأسند كما مر فيلزمه أن يقول به. (قال) ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواترة عن عدد من أرسله. ¬

(¬1) انظر ص 51 ج 1 نصب الراية. وص 65 سنن الدارقطني. و (زبية) كحفرة وزنا ومعنى. (¬2) ولو سلم أنه معبد الجهني فلا نسلم أنه لا صحبة له فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح. أنظر ص 146 ج 1 - الجوهر النقي (الوضوء من القهقهة). (¬3) انظر ص 147 منه. وص 48 ج 1 نصب الراية. (¬4) انظر ص 48 منه. وص 147 ج 1 - الجوهر النقى.

(قلت) ويلزم الحنبلية أيضا لأنهم يحتجون بالمرسل. وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به، فأقل أحواله أن يكون ضعيفا. والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذى اعتمدوا عليه فى هذه المسألة (فإن قيل) القياس يقضى ألا نقض بالقهقهة، لأنها ليست حدثا ولا سبب حدث (قلنا) لزم الوضوء بها بالنص عقوبة وزجرا وهو موافق للقياس. لأنها ليست حدثا. وعليه يجوز مس المصحف بعدها بلا طهارة. وينبغى ترجيحه لموافقته والأحاديث (¬1). ومنه تعلم رد قول النووى: أما ما نقلوه عن أبى العالية ورفقته فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث ولم يصح فى هذه المسالة حديث (¬2). 7 - الشك فى الحدث: (قالت) المالكية فى المشهور عنهم: أن الوضوء ينتقض بالشك فى الحدث قبل الدخول فى الصلاة. ولا يجوز له الدخول فيها إلا بطهارة متيقنة. أما من شك فى أثناء الصلاة، فإنه يتمادى ولا يقطعها لحرمتها ما لم يتبين حدثه. فإن تبين طهره بعد فلا شئ عليه. وأن دام على شكه أو تبين حدثه، أعاد الوضوء والصلاة، لظاهر حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: شكى إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ " أى الحدث " فى الصلاة. قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬3) {254}. (قالوا) ولافرق بين من كان فى الصلاة وغيره أن من دخل الصلاة دخل بوجه جائز فلا تبطل الصلاة التى دخل فيها إلا بيقين، وهو ما نص عليه فى ¬

(¬1) انظر ص 42 ج 1 - البحر الرائق (نواقض الوضوء). (¬2) انظر ص 61 ج 2 - مجموع النووى. (¬3) انظر ص 78 ج 2 - الفتح الربانى. وص 168 ج 1 فتح البارى (لا يتوضأ من الشك حتى يستقين) وص 49 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث فله أن يصلى بطهارته). وص 175 ج 2 - المنهل العذب (إذا شك فى الحدث).

الحديث بخلاف من كان خارج الصلاة فلا يدخلها إلا بطهارة متيقنة (وقالت) الحنفية والشافعية والحنبلية والجمهور: أن الشك فى الحدث لا ينقض الوضوء. ولو كان الشك خارج الصلاة (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا وجد أحدكم فى بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ". أخرجه مسلم والترمذى (¬1) {255}. (والمراد) بسماع الصوت ووجدان الريح، تيقن وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع (والحديث) يدل على طرح الشكوك العارضة لمن فى الصلاة والوسوسة التى أخبر عنها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأناه من تسويل الشيطان، وعدم الانصراف من الصلاة إلا بناقض متيقن كسماع الصوت وشم الريح ورؤية الخارج (قال) النووي: وهذا الحديث أصل من أصل الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الدين. وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك. ولا يضر الشك الطارئ عليها. فمن ذلك ما ورد فيه الحديث وهو أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة. ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارجها. هذا مذهب الجمهور. وعن مالك روايتان. أحدهما أنه يلزمه الوضوء أن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة. الثانية يلزمه الوضوء مطلقا ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقع الحدث وعدمه، أو يترجح أحدهما أو يغلب على ظنه، فلا وضوء عليه بكل حال. ويستحب له أن يتوضأ احتياطا (وأما) إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين (ومن) مسائل ¬

(¬1) انظر ص 151 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث له أن يصلى بطهارته).

القاعدة المذكورة، أن من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس، أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا أم أنه ركع وسجد أم لا، أو أنه نوي الثلاة أو الصوم أو الوضوء أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات. وما اشبه هذه الأمثلة. فكل هذه الشكوك لا تاثير لها والأصل عدم هذا الحادث (¬1). (والراجح) مذهب الجمهور: وهو أن الطهارة لا تبطل بالشك مطلقا (وأجابوا) عن حديث عبد الله بن زيد التقييد فيه بالصلاة، إنما وقع في سؤال السائل فلا مفهوم له. 8 - الردة: (قال) الأوزاعي ومالك في المشهور عنه وأحمد: يبطل الوضوء بالردة. وهي الاتيان بما ينافي الإسلام (أ) "نطقا" بإجراء كلمة الكفر على اللسان مختارا. (ب) "أو اعتقادا" مخالفا لما علم من الدين بالضرورة. (جـ) "أوشكا" في عقيدة من العقائد (فمن ارتد) وعاد إلى الإسلام، فليس له الصلاة حتى يتوضأ وإن كان متوضئا قبل ردته لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) من آية 65 - الزمر وقوله تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) من آية 5 - المائدة. والطهارة عمل باق حكما فيجب أن تبطل بالردة، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فيفسدها الشرك كالصلاة والتيمم ولأن الردة حدث (لقول) ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج وأشدها حدث اللسان. ذكر ابن قدامة (¬2) {28} وإذا أحدث لا تقبل صلاته بغير وضوء (لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تقبل ¬

(¬1) انظر ص 49 و 50 ج 4 شرح مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث). (¬2) انظر ص 172 ج 1 مغنى ابن قدامة (نقض الردة للوضوء).

صلاة من أحدث حتى يتوضأ". أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {256}. (وقال) الحنفيون والشافعي: لا ينتقض الوضوء بالردة، لأنه يصح من الكافر ابتداء، فلا ينافيه الكفر بقاء. (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا وضوء إلا من حدث أو ريح". أخرجه أحمد وهذا لفظه وابن ماجه والترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح. روى من عدة طرق (¬2) {257}. ولأنه طهارة فلا يبطل بالردة كالغسل من الجنابة (وأجابوا) عن الآية بأن الاحباط فيها مقيد بالموت على الردة، لقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه. فيمن وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) 217 - البقرة (أما الكافر) الأصلي إذا توضأ أو تيمم ثم أسلم، فعليه إعادة الوضوء أو التيمم للصلاة عند مالك والشافعي وأحمد، لأن الطهارة عبادة متوقفة على النية، فلا تصح من مشرك (وقال) الحنفيونك يعيد التيمم دون الوضوء. لأن التيمم مفتقر إلى النية. ونية العبادة لا تصح من مشرك والوضوء غير متوقف صحته على نية. فإذا وجد من المشرك حكم بصحته. 9 - تغسيل الميت: (قال) أكثر الحنبلية: يجب الوضوء من غسل الميت. سواء أكان المغسول صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا. وهو قول اسحاق. وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء (وقال) أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة، ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت، فكان مظنة ¬

(¬1) تقدم رقم 223 ص 261 (نواقض الوضوء). (¬2) انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (في الوضوء من الربح) وص 79 ج 1 تحفة الأحوذي (في الوضوء من الربح).

ذلك قائما مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحديث (¬1). (وقال) الجمهور: لا وضوء لتغسيل الميت. وهو الصحيح لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه. فبقى على الأصل، ولأنه غسل آدمي فأشبه فأشبه غسل الحي. وما روى عن أحمد في هذا، يحمل على الاستحباب دون الإيجاب. فإن كلامه يقتضي نفي الوجوب. فإنه ترك العمل بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من غسل ميتا فليغتسل". أخرجه أحمد والثلاثة وزاد الترمذي ومن حمله فليتوضأ (¬2) {258}. وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف قال البيهقي: والصحيح أنه موقوف. وعلل أحمد ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولي وأحرى (¬3). (تنبيه) علم أن مجمل نواقض الوضوء (أ) عند الحنفيين سبعة: كل ما خرج من أحد السبيلين حال الصحة. وكل نجس خرج من البدن أن سال على مكان يلزم تطهيرة. والقئ ملء الفم. والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى ما لو أزيل لسقط. وغلبة العقل بالإغماء أو الجنون أو السكر. وقهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود. ومباشرة فاحشة (ب) وعند المالكية نواقضه ستة: الخارج المعتاد من أحد السبيلين حال الصحة ومنه الريح والهادي على المعتمد "وهو ماء أبيض يخرج قرب الولادة" وغيبة العقل بجنون أو إغماء ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 1 مغني ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه). (¬3) انظر ص 191 ج 1 مغنى ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت).

أو سكر أو نوم ثقيل. ولمس مشتهاة أن قصد اللذة أو وجدها على ما تقدم بيانه. ومس الذكر بشرطه والشك في الحدث أو سببه. والردة. (جـ) وعند الشافعية نواقضه أربعة: كل ما خرج من أحد السبيلين إلا المني. وغلبة العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو صرع أو نوم لم تتمكن فيه المقعدة. ولمس رجل يشتهي امرأة أجنبية تشتهي بلا حائل. ومس قبل أو دبر آدمي بلا حائل. (د) وعند الحنبلية نواقضه ثمانية: كل ما خرج من أحد السبيلين. وكل نجس كثير خرج من سائر الجسد. وغلبة العقل بما تقدم عند الشافعية. ومس فرجه أو فرج آدمي بلا حائل. ولمس ذكر أو أنثى بشرة الآخر على ما تقدم بيانه. والردة وأكل لحم الإبل. وتغسيل الميت على ما تقدم. 10 - وضوء المعذور تقدم أن الوضوء ينتقض بالخارج من أحد السبيلين حال الصحة "أما الخارج لمرض" كاستحاضة، وسلس بول أو غيره، واستطلاق بطن، وانفلات ريح ورعاف دائم، وجرح لا يسكن دمه ولم يمكن حبسه بحشو من غير مشقة ولا بجلوس وكذا بإيماء في الصلاة عند الحنفيين "فصاحبه معذور" لا يبطل وضوءة به. بل بدخول الوقت عند أبي حنيفة ومحمد وأحمد وكذا بخروجه عند أبي يوسف إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء او بعده. أما لو توضأ المعذور مع الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل وضوءه بخروج الوقت ما لم يحدث حدثا آخر. (ودليله) ما تقدم في حديث عائشة من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمستحاضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (¬1). ¬

(¬1) تقدم رقم 227 ح 263 (الدم الخارج من الجسد).

(واللام) (في قوله لكل صلاة للتوقيت كما في قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس) من آية 78 - الإسراء. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في بحث الاستحاضة (وإلى هذا) ذهب الحنفيون والحنبليون فقالوا: إن المعذور بسلس ونحوه يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي به ما شاء من فرض ونقل، ما لم يطرأ حدث غير العذر. فلو طرأ آخر في الوقت لا تبقى الطهارة كما إذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من الآخر فعفليه الوضوء، لأنه حدث جديد. هذا (ويشترط) في ثبوت العذر استمراره وقتا كاملا بغير انقطاع زمنا يسع الطهارة والصلاة. بأن لم ينقطع أصلا أو انقطع زمنا لا يسعهما (ويشترط) لدوامه عند الحنفيين وجوده في كل وقت بعد ذلك ولو مرة واحدة ويشترط لانقطاعه خلو وقت كامل عنه وبه يخرج الشخص عن كونه معذورا (وشرطه) عند الحنبلية. (أ) دخول الوقت. فلو توضأ قبل دخوله لم يصح وضوءه عندهم إلا إذا توضأ لفائتة أو صلاة جنازة. فإنه يصح. (ب) وداوم الحدث وعدم انقطاعه زمنا يسع الطهارة والصلاة. أما إذا اعتاد انقطاع حدثه زمنا يسع ذلك، لزمه تأدية الصلاة فيه ولا يعد معذورا. (ولو) عرض هذا الانقطاع في أثناء الوقت، بطل الوضوء أن استمر الانقطاع، لأن الحدث مبطل للطهارة وقد عفى عنه للعذر. فإذا زالت الضرورة. وإن عاد العذر فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الانقطاع. فإذا توضأت المستحاضة وقد انقطع الدم ثم سال قبل الصلاة لا تعيد الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل والعذر يجري وينقطع. واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه يشق. وإيجاب الوضوء بسببه حرج لم يرد الشرع به. قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) من ىية 78 - الحج. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه هذا

التفصيل (¬1) (وقالت) المالكية: السلس. (أ) ان تمكن صاحبه من التداوي منه لزمه التداوي ولا تغتفر له الصلاة بلا طهارة منه إلا مدة التداوى. (ب) وإن لم يتمكن من الداوي منه والعمل على قطعه ففليه تفصيل. 1 - إن استمر كل أقوات الصلاة أو استمر غالبه أو نصفه ولم ينضبط وقت انقطاعه، لا ينقض الوضوء. ولكن يستحب الوضوء منه لكل صلاة فيما إذا استمر غالب الزمن أو نصفه (ودليله) حديث عروة ابن الزبير: أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشكت إليه الدم فقال: إنما ذلك عرق فانظري إذا اتى قرؤك فلا تصلي. فإذا مر القرء تطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (¬2) {259}. (وجه) الدلالة أنه لم يأمرها بالوضوء، ولأن مثل هذا العذر لم ينص على الوضوء منه، ولا هو في معنى المنصوص، لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد. وهذا ليس بمعتاد. وأيضا فإن إيجاب الوضوء منه لكل صلاة فيه مشقة وحرج لم يرد به الشرع (وأجاب) الأولون بأن الحديث مطلق يحمل على المقيد وهو ما رويناه ففيه "ثم صلي وتوضئ لكل صلاة (¬3) " وللمالكية أن يقولوا أن الأمر بالوضوء فيه للاستحباب دفعا للحرج وجمعا بين الأدلة. 2 - وإن انضبط انقطاع السلس "بأن كان في أول الوقت أو آخره، لزم ¬

(¬1) انظر ص 361 ج 1 مغنى ابن قدامة (المستحاضة التي انقطع دمها) .. (¬2) انظر ص 170 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه (المستحاضة). (¬3) تقدم رقم 227 ص 263 (الدم الخارج من الجسد).

الوضوء منه. وكذا ينقض الوضوء أن استمر أقل من نصف أوقات الصلاة لعدم الحرج وصيرورته كالمعتاد حينئذ وعلى صاحبه أن يتطهر ويصلي وقت الانقطاع. (وقالت) الشافعية: ما خرج على وجه السلس كالاستحاضة والبول والمذي والودي يجب على صاحبه التحفظ والتحرز من خروج شيء بأن يحشو محل الخروج ويعصبه ثم يتوضأ، فإن خرج منه شيء لا يمنع الصلاة وغيرها ان استوفى ما يأتي. (أ) تقدم الاستنجاء على الوضوء. (ب) الموالاة بين الاستنجاء والتحفظ وبين التحفظ والوضوء، وبين أفعال الوضوء، وبين الوضوء والصلاة. (جـ) أن تكون هذه الأعمال كلها بعد دخول الوقت، ولا يضر تأخير الصلاة عن الوضوء لمصلحتها كالذهاب إلى المسجد وانتظار الجماعة. ويصلي بهذا الوضوء فرضا واحدا وما شاء من النوافل قبله أو بعده. وينوي به الاستباحة لا رفع الحديث، لأنه لا يرفعه بل تباح به العبادة وعليه أن يكرر هذه الأعمال لكل فريضة (ودليل) ذلك حديث حبيب ابن ابي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: أني استحضت فقال دعى الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وأن قطر الدم على الحصير. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي وابن حبان (¬1) {260} وحبيب مدلس وقد عنعن (فظاهر) قوله وتوضئ لكل صلاة، يقتضي أن لا يصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية. وقد تقدم أن الحنفيين والحنبلية، قالوا: اللام في قوله لكل صلاة للتوقيت. قال ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 2 - الفتح الرباني. وص 115 ج 3 - المنهل العذب المورود (من قال تغتسل من طهر إلى طهر) وص 111 ج 1 - ابن ماجه. وص 344 ج 1 بيهقي (المستحاضة تغسل عنها أثر الدم .. ).

الطحاوي: فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لوقت كل صلاة (¬1) ورد بأنك عرفت من الحديث السابق أن الرواية: لكل صلاة لا لوقت كل صلاة. فالحق أنه يجب على المعذور بسلس ونحوه الوضوء لكل فرض. 1 - أقسام الوضوء هي أربعة عند الأئمة الثلاثة، وخمسة عند أبي حنيفة (الأول) فرض على المحدث للصلاة ومس المصحف ونحوهما مما لا يصح إلا بالطهارة وهو. (أ) الطهارة للصلاة: يشترط لصحة الصلاة الطهارة من الحدث إجماعا لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) الآية- 6 - المائدة (وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول. أخرجه مسلم والأربعة وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب (¬2) {261}. (قال) القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة (فذهب) ابن الجهم إلى أن الوضوء كان في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم. (وقال الجمهور) بل كان قبل ذلك فرضا (واختلفوا) في الوضوء. أهو فرض ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 1 شرح معاني الآثار. (¬2) انظر ص 102 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة) وص 8 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 60 ج 1 - ابن ماجه (لا يقبل الله صلاة بغير طهور). وص 207 ج 1 - المنهل العذب المورود (فرض الوضوء) عن ابي الملح عن أبيه. وص 33 ج 1 مجتبي كذلكز و (الغلول) بضم المراد به غير الحلال أخذ خفية أو جهرا.

على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة؟ (فقال) جماعة من السلف: الوضوء لكل صلاة فرض لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) الآية (وقال) الجمهور: إن ذلك كان ثم نسخ وبقى لأمر فيه على الندب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم خلاف. ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين (لحديث) عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسلوك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. أخرجه أحمد والدارمي بسند جيد. وصححه ابن خزيمة (¬1) {262}. (وقال بريدة) كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة. فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والدارمي (¬2) {263}. وقال: فدل فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن معنى قول الله تعالى: (إذا قمتم على الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية لكل محدث ليس للطاهر. ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا وضوء إلا من حدث". ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن الدارمي (قوله إذا قمتم إلى الصلاة .. ) و (أمر بالسواك) فكان واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم وسنة في حقنا. (¬2) انظر ص 177 ج 3 نووي مسلم (جواز الصلوات بوضوء واحد). وص 165 ج 2 المنهل العذب (الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد). وص 63 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 169 ج 1 سنن الدارمي (ما جاء في الطهور).

(ب) الطهارة لمس المصحف: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: تجب الطهارة لمس المصحف. لظاهر قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78) (لا يمسه إلا المطهرون) (79) الواقعة. (ولقول) حكيم ابن حزام: لما بعثني النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم إلى اليمن قال: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر. أخرجه الدارقطني والحاكم وقال صحيح الإسناد والطبراني في الكبير والأوسط. وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي ووثقه ابن معين في رواية (¬1) {264}. (فيحرم) على المحدث مس القرآن أو بعضه بيد أو غيرها ولو في لوح أو درهم أو حائط، أو كان كتوبا بغير العربية من غير حائل منفصل، لأن النهي إنما ورد عن مسه. ومع الحائل إنما يكون المس له دون المصحف. (ومثل) القرآن في ذلك باقي الكتب السماوية (ويكره) تحريما مسه بالكم ونحوه على الصحيح عند الحنفيين (ويحل) تقليب أوراق المصحف بعود ونحوه واختلفوا في مسه بما غسل من الأعضاء والصحيح عدم الجواز إلا بطهارة كاملة (وكذا) يحرم على المحدث حمل القرآن إلا بغلاف منفصل عن القرآن والماس كالكيس والمنديل والصندوق، لأن الحمل أبلغ من المس. نعم يجوز مسه وحمله لضرورة كخوف عليه من حرق أو غرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة (ويحل) حمله في متاع تبعا إذا لم يكن مقصودا بالحمل (ولا يحرم) توسد حقيبة فيها مصحف ولا ركوب عليها في السفر إذا كان للحفظ، والإحرام (ورخص) مالك في مس المصحف للمعلم والمتعلم إذا خشيا النسيان (وقال) ¬

(¬1) انظر ص 276 ج 1 مجمع الزوائد (مس القرآن). وص 45 سنن الدارقطني (نهى المحدث عن مس القرآن).

داود الظاهري وابن حزم: يجوز مسه بدون طهارة (لحديث) ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أنه كان عند هرقل فدعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقلف فقرأه فإذا فيه "بسم الله الرحمن الرحيم" من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم* سلام على من اتبع الهدى (أما بعد) فإني أدعوك بدعاية الإلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك أثم الاريسيين (ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضا بعضا أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون). أخرجه البخاري (¬1) { 265}. (قال) ابن حزم في المحلي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى. وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (¬2) (ورد) بأن الذي كان في الخطاب آية واحدة فلا تسمى مصحفا على أن الحالة ضرورة، فلا يقاس عليها. وقياس المس على القراءة قياس مع الفارق. فإن القراءة يشق معها الطهارة دائما. فالاحتياط عدم مس المصحف إلا على طهارة. ¬

(¬1) انظر ص 28 ج 1 فتح الباري (بدء الوحي) والآية 64 - آل عمران. واولها قل يا أهل الكتاب تعالوا و (الأريسيين) بفتح فكسر وشد الياء الأولى جمع أريسي وهو الفلاح. وفي رواية البريسيين. والمراد بهم رعيته لأن كل من يزرع فهو فلاح وإن لم يل ذلك بنفسه، أي أن عليه مع اثمه اثم رعاياه إذا لم يسلموا تبعا له ولا ينافيه قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزرة أخرى) لأن وزر الاثيم لا يتحمله غيره .. ولكن الفاعل المتسبب يتحمل أثم فعله وتسببه. (¬2) انظر ص 83 ج 1 - المحلي (مس المصحف).

(الثاني) من أقسام الوضوء الواجب- يجب الوضوء للطواف بالكعبة ولو نفلا عند الحنفيين ورواية عن أحمد. ويفترض عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم قال: "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم فيه إلا بخير". أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد والبيهقي. وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن حبان (¬1) {266}. (وعن) طاوس عن صحابي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما الطواف بالبيت صلاة، فإذا طفتم فأقلوا الكلامز أخرجه أحمد والنسائي (¬2) {267}. (فيحرم) الطواف مع الحديث اتفاقا، ولا يصح عند الثلاثة، لأن شرطه الطهارة، ويصح عند الحنفيين، وروى عن أحمد ويلزمه شاة أو بدنة على ما بين في الحج (¬3). (تنبيه) علم أنه يحرم على المحدث حدثا أصغر أربعة أشياء (أ) الصلاة ولو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر، فلا تصح ويحرم أداؤها مع الحدث إجماعا (ب، ج) مس شيء من القرآن وباقي الكتب السماوية، وحمله إلا بغلاف منفصل من القرآن على ما تقدم بيانه (د) الطواف بالكعبة ولو نفلا على ما تقدم تفصيله. ¬

(¬1) انظر رقم 5346 ص 293 ج 4 فيض القدؤر شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 68 ج 12 - الفتح الرباني (ما يقال في الطواف). وص 36 مجتبي (إباحة الكلام في الطواف). (¬3) انظر ص 101 (إرشاد الناسك) (شروط الطواف) وص 265 منه (الجناية على الطواف) طبعة ثانية.

(الثالث) من أقسام الوضوء المندوب- يندب الوضوء في مواضع، المذكور منها عشرة: 1 - الوضوء لكل صلاة: اتفق العلماء على أنه يندب تجديد الوضوء لكل صلاة (لقول) أنس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصوات بوضوء واحد ما لم نحدث. أخرجه الجماعة إلا مسلما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {268}. (وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند ضعيف (¬2) {269}. (وإنما) يندب تجديده عند الحنفيين إذا صلى بالأول أو تبدل المجلس. وعند المالكية إذا صلى بالأول أو طاف. وعند الشافعية إذا صلى بالأولى غير سنة الوضوء (ففي) الحديثين دليل على استحباب الوضوء لكل صلاة. ويحمل عليه حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "لولا أن أشق ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 269 ج 1 فتح الباري (الوضوء من غير حدث) وص 162 ج 2 - المنهل العذب (يصلي الصوات بوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذى (الوضوء لكل صلاة) وص 95 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 220 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يجدد الوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 95 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء على الطهارة) و (بسند ضعيف) لأن فيه (أ) عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف مدلس (ب) وأبا غطيف (بالتصغير) الهذلي مجهول.

على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك" أخرجه أحمد بسند صحيح (¬1) {270}. 2 - الوضوء لذكر الله تعالى: أجمع المسلمون على أنه يجوز للمحدث أن يذكر الله تعالى بكل أنواع الذكر ما عدا القرآن للمحدث حدثا أكبر. وفي كل الأماكن والأحوال ما عدا محل القاذورات وحال الجماع. فإنه يكره فيهما. واصل ذلك (قول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه. أخرجه أحمد ومسلم وابو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. وقال في العلل: سألت عنه البخاري فقال صحيح (¬2) {271}. (وقال) على رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن السكن (¬3) {272}. (واتفقوا) على أنه يندب الوضوء لذكر الله تعالى "لما روى" المهاجر ابن قنفذ: أنه سلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه وقال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء لكل صلاة وجواز الصلوات بوضوء واحد). (¬2) انظر ص 71 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر). وص 95 ج 1 سبل السلام (حديث 12 بنواقض الوضوء) (وهو يبول) فمعنى قوله في الرواية الأولى (وهو يتوضأ) أي وهو في مقدمات الوضوء. (¬3) انظر ص 121 ج 2 - الفتح الرباني. وص 120 ج 1 سبل السلام (حديث 8 بالغسل).

أن أذكر الله إلا على طهارة. أخرجه أحمد وابن ماجه. وكذا أبو داود والنسائي بلفظ: وهو يبول بدل "وهو يتوضأ (¬1) " {273}. 3 - الوضوء لتناول ما مسته النار: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: لا ينتقض الوضوء بتناول ما مسته النار. وعليه أجمع العلماء بعد الصدر الأول (لقول) ميمونة: أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {274}. (وقال) جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي (¬3) {275}. (هذا) وقد اتفق الائمة الأربعة والجمهور على أنه يندب الوضوء مما مست النار. وعليه تحمل الأحاديث الواردة بالأمر بالوضوء منه جمعا بين الأحاديث (كحديث) إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط أكلتها، لأني سمعت رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 264 ج 1 - الفتح الرباني. وص 171 ج 3 - المنهل العذب عن ابن عمر (التيمم في الحضر) والحديث تقدم مطولا منسوبا للنسائي وابن ماجه رقم 191 ص 245 (عدم التكلم حال الوضوء). (¬2) انظر ص 106 ج 2 - الفتح الرباني، وص 216 ج 1 فتح الباري عن ابن عباس (من لم يتوضأ من لحم الشاة). (¬3) انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار) وص 319 ج 2 تيسير الوصول (في ترك الوضوء) أي من أكل ما مسته النار.

صلى الله عليه وعلى أله وسلم يقول: توضئوا مما مست النار. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1) {276}. (وحديث) أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "توضئوا مما غيرت النار لونه" أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقاب (¬2) {277}. 4 - الوضوء للنوم- يستحب عند الأئمة الأربعة والجمهور لمن أراد النوم أن ينام على طهارة كاملة (لحديث) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم أضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة. واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت ورسولك. قال لا. ونبيك الذي أرسلت. أخرجه السبعة (¬3) {278}. (والحديث) وإن كان خطابا للبراء، فالمراد منه العموم فيشمل جميع المكلفين. ¬

(¬1) انظر ص 95 ج 2 - الفتح الرباني. وص 318 ج 2 تيسير الوصول (أكل ما مسته النار) وص 44 ج 4 نووي مسلم عن ابن عباس (الوضوء مما مست النار) و (الأثوار) جمع ثور وهو القطعة من الأقط. وهو لبلن مخيض يطبخ ويترك حتى يجمد. (¬2) انظر ص 96 ج 2 الفتح الرباني. وص 248 ج 1 مجمع الزوائد (الوضوء ما مست النار). (¬3) انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 248 ج 1 فتح الباري (فضل من بات على وضوء) وص 18 ج 2 تيسير الوصول (أدعية النوم) مقتصرا على الدعاء.

(فقد) قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة أخرجه السبعة (¬1) {279}. (وقالت) الظاهرية وابن حبيب المالكي: يجب على الجنب الوضوء إذا أراد النوم لظاهر الأمر بذلك. ورد بأنه محمول على الندب (والحكمة) في الوضوء أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل (ويؤيده) قول شداد ابن أوس الصحابي: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة. أخرجه ابن أبي شيبة {29} (وقيل) الحكمة في الوضوء أنه ينشط إلى العودة، أو إلى الغسل. 5 - وضوء الجنب للأكل أو الشرب- (قالت) الشافعية وجماعة: بستحب للجنب الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب (لقول) عائشة. كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {280}. (وعن) عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءة للصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (¬3) {281}. ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 271 ج 1 فتح الباري (الجنب يتوضأ ثمن ينام) وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية). (¬2) أنظر ص 142 ج 2 - الفتح الرباني. وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬3) انظر ص 291 ج 2 - المنهل العذب (من قال الجنب يتوضأ) وص 271 ج 1 نيل الأوطار (مشروعية الوضوء للجنب).

(ولذا) يكره للجنب النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء الكامل. ولا يستحب هذا الوضوء للحائض والنفساء لأنه لا يؤثر في حدثهما ولا يصح الوضوء مع استمراره. أما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع (¬1) (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد لا يستحب الوضوء لمن اراد أن يأكل أو يشرب وإنما يغسل يديه فقط (لقول) عائشة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب. أخرجه أحمد والنسائي. وهو حديث صحيح رجاله ثقات (¬2) {282}. (وقال) سعيد بن المسيب: إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض فاه (وأجابوا) عن حديث عمار بأن فيه الترخيص بالوضوء للجنب إذا أراد الأكل وهو لا يفيد الاستحباب (ويمكن) الجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان تارة يتوضأ وضوءه للصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين ولا يخفي حسن التأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. د 6 - الوضوء لمعاودة الجماع- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: يستحب لمن جامع أهله واراد المعاودة أن يتوضأ (لحديث) أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ¬

(¬1) انظر ص 156 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 50 ج 1 مجتبي (اقتصار الجنب على غسل يديه إذا اراد أن يشرب).

بينهما. أخرجه الخمسة (¬1) {283} (والأمر) عند الجمهور محمول على الاستحباب (لقول) عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء. أخرجه أحمد. ولأبي داود والترمذي عن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء" (¬2) {284} قال أحمد: ليس بصحيح وقال أبو داوود: هو وهم (¬3). (وقالت) الظاهرية وابن حبيب: يجب الوضوء على المعاود إبقاء للأمر على ظاهره. لكن قد علمت أنه محمول على الاستحباب (وحمله) أبو يوسف على الإباحة (وحمله) المالكية على الوضوء اللغوي وهو غسل الفرج. والأظهر قول الجمهور. 7 - الوضوء قبل الغسل- اتفق العلماء على أنه يستحب الوضوء قبل الغسل ولو مسنونا. غير أن الأفضل عند الحنفيين اكماله إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء كأن يغتسل على مرتفع أو بالوعة (وعليه) يحمل قول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة (الحديث) أخرجه الجماعة (¬4) {285}. (وإن كان) يغتسل في مكان يجتمع فيه الماء كطشت فالأفضل تأخير غسل القديمن (وعليه) يحمل قول ميمونة: سترت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فوجه وما أصابه ¬

(¬1) انظر ص 330 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية). (¬2) انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلال غسل). (¬3) انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلا غسل). (¬4) انظر ص 128 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية).

ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. أخرجه السبعة والبيهقي (¬1) {2086}. (وقال) مالك: والأفضل تقديم غسل الرجلين إلا إذا كان المكان غير نظيف فالأفضل التأخير (وقالت) الشافعية والحنبلية: الأفضل تتميم الوضوء على الأصح المختار عندهم عملا بظاهر الروايات المستفيضة عن عائشة في تقديم وضوء الصلاة فإن ظاهره كمال الوضوء والأمر في هذا واسع فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقدم غسل رجليه تارة ويؤخره أخرى. 8 - الوضوء من حمل الميت- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يندب الوضوء من حمل الميت. وقال ابن حزم بوجوبه (لحديث) عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وقال: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث وليس بالمشهور. وأخرجه عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة. وقال: صالح مولى التوءمة: ليس بالقوى ثم قال: والروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم. والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفا (¬2) {287}. (ولذا) قال المزني: الوضوء من مس الميت وحمله غير مشروع لأنه لم يصح ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 2 - الفتح الرباني. وصدره: وضعت النبي صلى الله عليه وسلم غسلا. وص 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة) وص 303 ج 1 بيهقي (الغسل من غسل الميت). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه).

فيهما شيء (ورد) بأن الحديث قد روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا. ولذا حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن حزم معترض. قال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء. 9 - الوضوء للغضب- (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: يستحب الوضوء للغضب (لحديث) عطية العوفي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ان الغضب من الشيطان وأن الشيطان خلق من النار. وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1) {288}. (وقال) بعض الحنفيين: لو كان متوضئا واشتد غضبه ندب له الغسل. 10 - الوضوء للخروج من خلاف العلماء- (يندب) للحنفي أن يتوضأ إذا لمس امرأة أو مس ذكره أو أكل لحم جزور وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند بعض العلماء (ويندب) للمالكي وغيبره أن يتوضأ من القيء وحروج نجس من غير السبيلين وقهقهة في الصلاة، وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند غيرهم على ما تقدم بيانه. (الرابع) من أقسام الوضوء- الوضوء الحرام، كالوضوء من ماء مغصوب وموقوف لغير الطهارة. (الخامس) الوضوء المكروه كالوضوء على الوضوء قبل الصلاة أو الطواف أو تبدل المجلس على ما تقدم بيانه. ¬

(¬1) انظر رقم 2080 ص 377 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

12 - المسح على الخفين المسح لغة امرار اليد على الشيء. وإصطلاحا: إصابة اليد المبتلة أو ما يقوم مقامها أعلى الخف في المدة الشرعية (¬1). والخف الشرعي هو الساتر للكعبين الممكن تتابع المشي فيه عادة (والمسح) على الخفين من خصائص هذه الأمة. وهو رخصة قد أجمع من يعتد به على جوازه للمتوضئ في السفر والحضر ولو بغير حاجة فيجوز ولو للمرأة الملازمة بيتها والزمن والذي لا يمشي (¬2). (قال) الحسن البصري: حدثني سبعون رجلا من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين. أخرجه ابن المنذر وغيره (¬3) {289}. (وقال) أبو حنيفة رحمة الله: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهارز وأخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر (¬4). (ومما) ورد فيه حديث إبراهيم عن همام النخغي قال: بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هذا وقد بلت؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي. وقال حسن صحيح (¬5) {290}. ¬

(¬1) المدة الشرعية، سيأتي أنها يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. (¬2) (الزمن) بفتح فكسر: المريض مرضا طال زمنه. (¬3) انظر ص 162 ج 1 نصب الراية (المسح على الخفي). (¬4) انظر ص 99 ج 1 فتح القدير لابن الهمام. (¬5) انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 321 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

(وقال) ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته "وما روى" عن عائشة أنها قالت: لأن اقطع رجلي أحب إلى من أن أمسح عليهما {30} "ففيه" محمد بن مهاجر. قال ابن حبان: كان يضع الحديث (¬1) (وقال أحمد) لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح. هذا، وسبب المسح ليس الخف (وثمرته) الدنيوية حل مالا يصح إلا بالطهارة في مدة المسح. والأخروية الثواب ان قصد به اتباع السنة. ثم الكلام ينحصر في عشرة مباحث: 1 - حكمه- هو رخصة للمتوضئ ولو امرأة لما تقدم، وغسل الرجلين أفضل من المسح عند الأئمة الثلاثة، لأن الغسل عزيمة وقد واظب عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معظم الأوقات (والمشهور) عن أحمد أن المسح أفضل (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه. أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وصححاه (¬2) {291}. ولأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ولأن فيه مخالفة أهل البدع. وأحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه (وأجاب) الأولون بأن محبة فعل الرخصة وكونها أيسر لا يقتضي تفضيلها على العزيمة (وقد) يجب المسح في مواضع (منها) إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه لا يكفي وضوءه. لو مسح على الخفين يكفيه (ومنها) ما لو خاف ¬

(¬1) انظر ص 223 ج 1 نيل الأوطار (المسح على الخفين). (¬2) انظر رقم 1879 ص 292 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

خروج الوقت لو غسل رجليه، أو خاف فوات فرض آخر كالوقوف بعرفه. 2 - شروط المسح على الخفين- يشترط لجواز المسح على الخف ثمانية شروط: 1 - لبسه على وضوء تام قبل حصول حدث بعده عند الحنفيين وسفيان الثوري والمزني وأبي ثور وداود الظاهري (لقول) المغيرة ابن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة في مسيرة فأفرغت عليه من الأداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما. أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وحسنه وأبو داود (¬1) {292}. (فلو بدأ) بغسل رجليه ثم لبس الخفين ثم كمال الوضوء، أو توضأ فغسل رجلا ولبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها (صح له المسح) إذا تمم الوضوء قبل الحدث (وقال) مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق: يشترط للمسح على الخفين لبسهما على طهارة كاملة وقت اللبس (لحديث) أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. أخرجه الدارقطني وابن خزيمة بسند صحيح (¬2) {293}. (فلو) غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم لبس الخف أو لبسه قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء أو غسل إحدى رجليه ثم لبس قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء او غسل إحدى رجليه ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها لم يصح المسح على الخف حتى ينزعه ويلبسه بعد كمال الطهارة (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 2 - الفتح الرباني وص 320 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين). (¬2) انظر ص 71 الدارقطني (المسح على الخفي). (¬3) انظر ص 512 ج 1 مجموع النووي.

2 - أن يكون الخف طاهرا، فلا يصح المسح على نجس أو متنجس. 3 - أن يكون ساترا للرجلين مع الكعبين من الجوانب فلا يضر نظرهما من أعلى خف واسع أو قصير الساق. ومالا يستر الكعبين كالمركوب إذا خيط به ثخين يسترهما كجوخ، صح المسح عليه (لقول) راشد بن نجيح: رايت أنس بن مالك دخل الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز فمسح عليهما. أخرجه البيهقي (¬1) {31}. 4 - استمساكه على الرجل بلا شك لثخاذته، فلا يصح المسح على رقيق لا يستمسك على الرجل بنفسه كجورب من قطن أو صوف. 5 - منعه وصول الماء إلى الرجل لئلا يشف الماء. 6 - خلو الخف من خرق كبير يمنع المسح عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله. أن يكون الخف قويا يمكن متابعة المشي فيه عادة فرسخا (¬2) فأكثر. فلا يصح المسح على متخذ من زجاج أو خشب أو حديد (والمراد) كونه صالحا لقطع المسافة من غير لبس حذاء. 8 - أن يبقى بكل رجل من مقدم القدم قدر المفروض مسحه عند الحنفيين، وهو مقدار ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد، فإذا قطعت رجله فوق الكعب صح مسح خف الأخرى وإن قطعت من تحت الكعب ولم يبق من مقدم القدم قدر المفروض مسحه لا يمسح خف الأخرى. 4 - مدة المسح على الخفين- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد وسفيان ¬

(¬1) أنظر ص 285 ج 1 بيهقي (ما ورد في الجوربين). (¬2) الفرسخ ثلاثة أميال أو 5565 مترا خمسة وستون وخمسمائة وخمسة آلاف متر.

الثوري والجمهور: مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر سفرا لا تقصر فيه الصلاة يوم وليلة، وللمسافر سفر قصر ثلاثة أيام ولياليها. فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالغسل في هذه المدة (لحديث) خزيمة ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوما وليلة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (¬1) {294}. (وقال) شريح بن هانئ: سألت عليا عن المسح على الخفين فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، وأخرجه البيهقي وقال: هو أصح ما روى في هذا الباب (¬2) {295]. (وقال) صفوان بن عسال: أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا قمنا. ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جناية. أخرجه أحمد والنسائي بسند صحيح وصححه الترمذي (¬3) {296}. (وقال) الشعبي وربيعة والليث ومالك: لا يوقت المسح على الخفين، بل يمسح عليهما ما شاء (لقول) أبي بن عمارة: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ ¬

(¬1) انظر ص 66 ج 2 - الفتح الرباني. وص 323 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين) وص 276 ج 1 بيهقي (التوقيت في المسح على الخفين). (¬2) انظر ص 64 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول. وص 275 ج 1 بيهقي. (¬3) انظر ص 65 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

قال: نعم. قال يوما، قال يوما، قال: يومين قال: ويومين، قال: وثلاثة، قال: نعم وما شئت. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (¬1) {297}. وقد اتفق أهل السنن على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به وسننه (4 - 6) فرض المسح وسنته وكفيته- (قال) الحنفيون: فرضه مسح قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر أعلى الخف من كل رجل. فلا يصح على اسفله وعقبه وساقه وجوانبه (لقول) على رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظاهر خفيه. أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني بسند صحيح (¬2) {298}. (وسننه) مد الأصابع مفرجة بادئا من رءوس اصابع القدم إلى الساق (لقول) جابر: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم برجل يتوضأ، فغسل خفيه، فنخسه برجله وقالك ليس هكذا السنة، أمرنا بالمسح على الخفين هكذا وأمر بيديه على خفيه. أخرجه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به بقية. وهو متكلم فيه، وأخرج ابن ماجه نحوه، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطط بالاصابع (¬3) {299}. (وكيفية) المسح المستحبة عندهم أن يضع أصابع يمينه على مقدم خفه الأيمن ¬

(¬1) انظر ص 130 ج 2 - المنهل العذب. وص 279 ج 1 بيهقي (ترك التوقيت في المسح على الخفي). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - المنهل العذب (كيف المسح) وص 292 ج 1 بيهقي. (المسح على ظاهر الخفين). (¬3) انظر ص 256 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

وأصابع يساره على مقدم خفه الأيسر ويمدهما إلى أصل الساق فوق الكعبين مفرفا أصابعه. وإن وضع الكف مع الأصابع كان أحسن (لقول) الممغيرة بن شعبة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين. أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة (¬1) {300}. (ويستحب) الجمع بين الظاهر والباطن في المسح (لحديث) المغيرة ابن شعبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخف وأسفله. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث معلول لم يسنده غير الوليد بن مسلم (¬2) عدم مسح الأسفل بقول على: لو كان الدين بالرأي الخ "غير ظاهر" لأنه لنفي الافتراض على معنى لكان أسفل الخف أولي بفريضة المسح إذ المقصود أنه لو كان بالرأي لأعطى وظيفة ظاهر الخف للباطن، ووظيفة الظاهر فريضة المسح أهـ. (والمشهور) عند المالكية أن يجب مسح جميع أعلى الخف إلى الكعبين. ويسن مسح أسفله (وقال) أشهب: الفرض مسح أسفل الخف وأن مسحه دون ¬

(¬1) انظر صفحة 292 ج 1 بيهقي (الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين). (¬2) انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الخفين أعلاه) وص 322 ج 2 تيسير الوصول، وص 290 ج 1 بيهقي (كيف المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

ظاهره أجزأه (وكيفية) المسح المندوبة عندهم أن يضع يده اليمنى على أطراف أصابع رجله اليمنى، ويده اليسري تحت أطراف الأصابع ويمرهما إلى الكعبين وفي اليسرى يضع اليد اليمنى تحت القدم من أطراف الأصابع اليسرى من فوقها (والمشهور) عند الشافعية أنه يجب مسح جزء من ظاهر أعلى الخف من محل الفرض. وقالوا يسن مسح أعلاه وأسفله خطوطا (والأفضل) أن يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه (وقالت) الحنبلية: الواجب مسح أكثر أعلاه، فلا يجزئ الاقتصار على مسح أسفله وعقبه. ولا يسن مسحهما مع الأعلى، ويسن أن يكون المسح باليد اليسرى مفرجة الاصابع مبتدئا من رءوس أصابع الرجل منتهيا إلى الساق. 7 - مكروهات المسح- يكره تكرار المسح على الخف وترك سنة من سننه، وعن عطاء يسن مسحه ثلاثا ونلا دليل عليه. وسكره غسل الخفين، ويكفي عن المسح وإن لم ينوه عند الحنفيين. وقال غيرهم لا يكفي إلا إذا نوى بالغسل رفع الحدث. 8 - ما يبطل المسح على الخفين- يبطل بواحد من ثلاثة: (أ) ما يبطل به الوضوء اتفاقا لأن المسح على الخف بعض الوضوء. (ب) "ويبطل" أيضا عند القائلين فيه بالتوقيت بمضي المدة للمقيم والمسافر إن لم يخف بغلبة الظن تلف رجله من البرد ونحوه إذا نزعه. فإن خاف ذلك لا يلزمه النزع، ويمسح دائما بلا توقيت حتى يأمن، دفعا للحرج. وحينئذ يصيري الخف كالجبيرة فيستوعبه أو أكثره بالمسح. (جـ) "ويبطل أيضا" عند الحنفيين والشافعي والجمهور بنزع الخف أو انتزاعه ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف في الأصح. ولا عبرة بخروج عقبه ودخوله. وهو رواية عن أحمد (لما روى) سعيد بن ابي مريم عن

رجل من أصحاب النبي صلى الله عيه وعلى آله وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما قال: يغسل قدميه. أخرجه البيهقي (¬1) {32}. (وقال) عبد الرحمن بن أبي بكرة: كان أبي ينزع خفيه ويغسل رجليه. أخرجه البيهقي (¬2) {33}. (وعليه) فإذا مضت المدة أو نزع الخف وهو متوضئ غسل رجليه فقط لسراية الحدث إليهما فإن صلى قبل غسلهما لم تصح صلاته لنقصان طهارته (وقال) الحسن وقتادة والظاهرية: نزع الخف لا يبطل المسح فلا يلزم منه غسل القدمين قياسا على من حلق رأسه أو قلم أظفاره بعد الطهارة، فإنه لا يلزمه إعادة مسح الرأس ولا غسل مكان تقليم الأظفار (ورد) بأنه قياس مع الفارق لأن شعر الرأس والأظفار متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف. (وقالت) الحنبلية والأوزاعي متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف. (وقالت) الحنبلية والأوزاعي وإسحاق: نزع الخف يبطل الوضوء وهو أحد قولي الشافعي ومالك (وهذا) الاختلاف مبنى على وجوب الموالاة في الوضوء. فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة. ولم يبق إلا غسل قدميه، فإذا غسلهما كمل وضوءه. ومن منع التفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة، فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن يديه أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما (¬3) (ومشهور) مذهب المالكية أنه إذا خلع خفيه لزمه غسل قدميه فورا. وإن أخره استأنف الطهارة لأن الطهارة كانت صحيحة في كل الأعضاء إلى حين نزع الخف. وإنما بطلت في القدمين خاصة فإذا غسلهما عقب النزع لم تفت الموالاة، لقرب غسلهما من ¬

(¬1) انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف). (¬2) انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف). (¬3) انظر صفحة 295 ج 1 مغنى ابن قدامة (خلع الخفين الممسوحين).

الطهارة الصحيحة في بقية الأعضاء، بخلاف ما إذا تراخى غسلهما (وفيه) نظر فإن المسح قد بطل حكمه بالنزع. والاعتبار في الموالاة إنما هو بقرب الغسل من الغسل لا من حكمه فإنه متى زال حكم الغسل بطلت الطهارة ولا يفيد قرب الغسل شيئا لكون الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد (¬1). 9 - الخف المخرق: اتفق العلماء على جواز المسح عليه ما لم يكن الخرق مانعا (وقال) الثوري: كانت خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم (¬2) (وقد) اختلفوا في الخرق المانع من صحة المسح على الخف (فقال) الحنفيون: يجوز المسح عليه ما دام خاليا من خرق كبير. وهو ما يبدو منه قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل إذا كان الخرق على غير الأصابع والعقب. أما إذا كان على الأصابع فالمعتبر ظهور ذات ثلاث الأصابع. فلا يضر كشف الإبهام مع جاره. وإذا كان على العقب لا يمنع ما لم يظهر أكثره (وتجمع) الخروق في خف لا في خفين حتى لو بلغ مجموع ما فيهما قدر ثلاث أصابع لا يمنع (وأقل) خرق يجمع ما تدخل فيه المسلة (وقال) الشافعي وأحمد: أن ظهر من القدم شيء من الخرق لم يجز المسح على الخفين وإلا جاز. (وقالت) المالكية: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا بأن كان أقل من ثلث القدم ولم ينفتح أو انفتح وكان يسيرا جدا بحيث لا يصل بلل حال المسح لما تحته من الرجل. ولا يصح المسح عليه إذا كان الخرق ثلث القدم سواء أكان منفتحا أم ملتصقا بأن فتقت خياطته مع التصاق الجلد بعضه ببعض. وكذا ¬

(¬1) انظر صفحة 296 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر صفحة 16 ج 1 بداية المجتهد (صفة الخف).

إذا كان الخرق دون الثلث وانفتح بأن ظهرت الرجل منه (وقال) قوم منهم الثوري وداود الظاهري واسحق ابن راهويه: يجوز المسح على الخف المتخرق ما دام يسمى حفا وإن تفاحش خرقه. 10 - المسح على الجوربين- (الجورب) بفتح الجيم ما يصنع من قطن أو كتان أو صوف على هيئة الخف (وقد) اختلف العلماء في المسح على الجوربين. (قال) الحنفيون وأحمد: يجوز المسح عليهما سواء أكان (أ) "مجلدين" وهما ما وضع الجلد أعلاهما وأسفلهما (ب) "أم منعلين" وهما ما وضع الجلد أسفلهما كالنعل. (جـ) "أم ثخينين" يمكن المشي فيهما فرسخا فأكثر، ويثبتان على الساق من غير ربط ولا يرى ما تحتهما، ولا ينفذ إليه الماء. وهو الصحيح عند الشافعية (لقول) المغيرة بن شعبة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الجوربين والنعلين. أخرجه أحمد والطحاوي والبيهقي والأربعة إلا النسائي (¬1) {302}. وفيه (أ) (أبو قيس) عبد الرحمن الأودي وثقه ابن معين والعجلي وقال ثبت (ب) (وهذيل) بن شر حبيل وثقه العجلي وأخرج لهما البخاري في صحيحه ولذا صحح ابن حبان الحديث وقال الترمذي: حسن صحيح. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحق قالوا: يمسح على الجوربين وأن لم يكونا نعلين إذا كانا ثخينين. "وقولهوالنعلين" أي مسح عليهما والجوربان تحتهما قاصدا مسح الجوربين لا النعلين، فكان تطهره بالمسح على الجوربين (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال: ¬

(¬1) انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الجوربين والنعلين) وص 134 ج 2 - المنهل العذب وصفحة 102 ج 1 - ابن ماجه.

(ب) الغسل

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على الخفين والجوربين. أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة. وابن أبي ليلى مستضعف صدوق (¬1) {303}. (وكان) أبو حنيفة لا يجوز المسح على الجورب الثخين، ثم رجع إلى الجواز قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة ومسح على جوربيه الثخيني في مرضه وقال لعواده: فعلت ما كنت أني عنه (وقالت) المالكية: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا مجلدين من أعلاهما وأسفلهما، لأنهما حينئذ كالخف. (ب) الغسل الغسل بفتح الغين مصدر غسل. وبالضم أسم مصدر لا غتسل وهو تعميم الجسد بالماء. وبالكسر اسم لما يغسل به من صابون وأشنان (3) ونحوهما. والمشهور في اسعمال الفقهاء "الفتح" إذا أضيف إلى المغسول كغسل الثوب والإناء "والضم" إذا أضيف إلى السبب كغسل الجنابة والجمعة. وهو لغة: الإسالة وشرعا إيصال الماء إلى جميع الجسد. ودليله قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة. والكلام ينحصر في عشرة مباحث: 1 - شروطه- هي كشروط الوضوء غير أنه (أ) لا يشترط الإسلام في صحة غسل الكتابية بعد انقطاع دم الحيض أو النفاس عند من يرى لزوم النية في الطهارة المائية وهو غير الحنفيين (فيجوز) لزوجها وطؤها بعد غسلها ولو بلا نية عند المالكية والحنبلية (وعند) الشافعية لا يصح غسلها إلا بالنية وإن لم تكن أهلا لها بالضرورة (وعند) الحنفيين يحل للزوج وطء امرأته ¬

(¬1) انظر ص 185 ج 1 نصب الراية (المسح على الجوارين).

ولو مسلمة بلا غسل إذا انقطع الدم لأكثر مدة الحيض أو النفاس كما سيأتي في أحكام الحيض إن شاء الله. (ب) لا يشترط التمييز في صحة غسل المجنونة عند الشافعية. ولذا يحل لزوجها وطؤها بعد غسلها من حيض أو نفاس. وينوي عنها من يغسلها. موجبات الغسل (أسبابه) (¬1) - يفترض الغسل لأمور ستة: (الأول) خروج المني وبرزوه من حشفة الرجل. وإلى فرج المرأة الظاهر بلذة ولو حكما كمحتلم رأى بللا ولم يدرك الشهوة "لما تقدم" عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فقال: من المذي الوضوء. ومن المني الغسل. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح (¬2) {304}. وفي رواية لأحمد فقال: إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل. (وحذف) يروي بالحاء والخاء ومعناه رمي. وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة (وعن) عائشة أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرأة الغسل إذا احتملت؟ قال نعم إذا رأت الماء فقالت عائشة تربت يداك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعيها يا عائشة وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الرجل أخواله. ¬

(¬1) (الموجبات) هي في الواقع مبطلات للغسل. عبر عنها الفقهاء بالموجبات أو الأسباب توسعا لسهولة التعليم. وإلا فسببه إراداة ما لا يحل مع الحدث الأكبر إلا بالغسل. (¬2) تقدم رقم 224 صفحة 295 (نواقض الوضوء).

وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الرجل أعمامه. أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (¬1) {305}. وقوله "إذا رأت الماء" أي المني بعد الاستيقاظ فإن لم تره فلا شيء عليها (لحديث) خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل. أخرجه أحمد وابن ماجه وفي سنده على بن زيد بن جدعان. ضعيف (¬2) {306}. (وعن) أنس أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ارمأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال من رأت ذلك منكن فأنزلت فلتغتسل. قالت أم سلمة: أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال نعم. ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا أشبه الولد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي (¬3) {307}. وهذا موجب للغسل اتفاقا. واختلفوا في أمور: (أ) إذا خرج المني بلا شهوة بأن خرج لمرض أو برد مثلا (قالت) الشافعية أنه موجب للغسل أيضا (وقال) الأكثرون: أنه غير موجب له (وعلى) الأول ¬

(¬1) انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (تربت يداك) أي افتقرت والصقت بالتراب. والمراد به الزجر لا الدعاء. (¬2) انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 108 ج 1 - ابن ماجه (المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل). (¬3) انظر ص 108 منه. وص 119 ج 2 الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن البيهقي. وص 221 ج 3 نووي مسلم (وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها).

لو خرج من الرجل منيه بعد اغتساله بدون لذة وجب عليه إعادة الغسل وما صلاة بالغسل الأول (أما) لو خرج مني من المرأة بعد غسلها فإن كانت أنزلت قبل الغسل لزمها إعادته لاختلاط منيها بمني الرجل. وإن لم تكن أنزلت قبل الغسل فلاى يلزمها إعادته، لأن هذا مني الرجل لا منيها (ب) إذا انفصل المني عن مقره "صلب الرجل وترائب المرأة (¬1) " بلذة ولم يخرج إلى ظاهر فلا غسل عليه عند الجمهور وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وجوب الغسل لأن الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فيجب الغسل (وللجمهور) أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم علق الاغتسال على الرؤية أو الحذفل كقوله "إذا رأيت الماء وقوله إذا حفت الماء فاغتسل" فلا يثبت الحكم بدونه وفي إيجابه بمجرد الإنفصال حرج. والحرج مرفوع. وما ذكره من الاشتقاق لا يصح لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه منه (¬2). (جـ) هل يشترط استمرار اللذة إلى خروج المني إلى ظاهر الجسد؟ (فعند) الجمهور لا يشترط (وعند) أبي يوسف يشترط (وثمرة) الخلاف تظهر في أمور (منها) ما لو احتلم فوجد اللذة ولم ينزل حتى توضأ وصلى يلزمه الغسل عند الجمهور خلافا لأبي يوسف. ولا يعيد الصلاة إلا عند أحمد فقد قال يعيدها لوجوب الغسل عليه بمجرد انفصال المني عن مقره بشهوة (وكذا) لو احتلم في الصلاة ولم ينزل حتى أتمها أو احتلم فأمسك ذكرة حتى سكنت شهوته ثم خرج المني. (ومنها) ما لو اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول أو المشي الكثير ثم سال منه بقية المني بلا شهوة، فإنه يلزمه إعادة الغسل عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي ورواية عن أحمد (وقال) مالك وأبو يوسف: لا غسل عليه وهو المشهور عن ¬

(¬1) (الصلب) بضم فسكون عظام ظهر الرجل. و (الترائب) عظام صدر المرأة. (¬2) انظر صفحة 202 ج 1 مغنى ابن قدامة (خروج المني).

أحمد (أما) لو خرج بقية المني بعد البول أو النوم أو المشي فلا يعاد الغسل عند الحنفيين ومالك (وقالت) الشافعية: يلزمه إعادة الغسل لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الماء من الماء. ولأنه نوع حدث فنقضمطلقا كالجماع وسائر الأحداث (¬1) (وقالت) المالكية: إذا خرج المني بعد لذة معتادة بلا جماع لزمه إعادة الغسل (وإن) كانت اللذة ناشئة من جماع بأن أولج ولم ينزل ثم أنزل بعد ذهابها، فلا يزلمه إعادة الغسل (¬2) (وقالت) الحنبلية. إذا نزل المني بلذة بعد الغسل لزمه إعادته وإن نزل المني بلا لذة بعده نقض الوضوء فقط. (فائدة) من قام من نومه فوجد بللا (أن تيقن) أنه مني لزمه الغسل اتفاقا وإن لم يتذكر احتلاما. (وإن شك) في كونه منيا أو مذيا يلزمه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد ومالك وأن لم يتذكر احتلاما (لقول) عائشة: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. قال يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا. قال لا غسل عليه. فقالت أم سليم هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال نعم إنما النسائ شقائق الرجال. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر (يعني العمري) عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر ¬

(¬1) انظر صفحة 139 ج 2 مجموع النووي. (¬2) وللمالكية تفصيل يأخذ من قول الشيخ الدردير في الصغير: يجب على المكلف الغسل (أ) يخروج مني بنوم ولو بلا لذة وبخروجه يقظة إن كان بلذة معتادة من نظر او نكر في جماع أو مباشرة وإن حصل الخرج بعد ذهاب اللذة فإنه يجب الغسل. (ب) وإن لم يكن خروج المني بلذة معتادة بأن خروج لمرض أو طربة أو كان بلذة غير معتادة كحكة لجرب أو هزة دابة- ففيه الوضوء فقط. كمن غيب الحشفة في الفرج فاغتسل ثم خرج منه مني بعد الغسل فعليه الوضوء فقط لأنه اغتسل للجنابة. أنظر صفحة 52 و 53 ج 1 - الشرح الصغير (فصل الغسل).

احتلاما. وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه لكن وثقه أحمد ويحيى ابن معين (¬1) {308}. (وقال) أبو يوسف: لا غسل على من شك في البلل ولم يتذكر احتلاما، لأن الأصل براءة الذمة فلا يجب الغسل إلا بيقين (ومشهور) مذهب الشافعية أن من شك بعد النوم في البلل لا يلزمه الغسل وأن تذكر احتلاما. بل له أن يحمله على المني فيغتسل أو أن يحمله على المذي فيغسل محله ويتوضأ (¬2) ويرده إطلاق الحديث (وقالت) الحنبلية: إن انتبه بالغ أو مراهق ووجد بللا جهل كونه منيا (فإن تقدم) نومه سبب لهذا البلل كبرد أو نظر أو فكر أو ملاعبة فلا يلزمه الغسل. لاحتمال أنه مذي وقد وجد سببه ولا يجب مع الشك. ويلزم غسل ما أصابه من ثوب وبدون (وإن) لم يتقدم نومه سبب لهذا البلل، لزمه الغسل (لحديث) عائشة رقم 308 لأن الظاهر أنه احتلام. ويلزمه غسل ما أصابه من ثوب وبدن احتياطا (¬3). (الثاني) من موجبات الغسل، التقاء. الختانين، ويتحقق (أ) عند الحنفيين بتوارى حشفة آدمي حي غير خنثى مشتهى أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر آدمي حي يطيق الجماع بلا حائل يمنع اللذة وحرارة الفرج، فيلزمهما الغسل لو كان مكلفين ولو بلا إنزال (ويلزم) بوطء صغيرة لا تشتهي وإن لم يفضها على الصحيح (ولو لف) ذكره بخرقة وأولجه ولم ينزل، فإن وجد حرارة الفرج واللذة لزمه الغسل وإلا فلا على الأصل. والأحوط لزومه. ¬

(¬1) انظر صفحة 116 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 324 ج 2 - المنهل العذب (الرجل يجد البلة في منامه). - وصفحة 112 ج 1 تحفة الأحوذي (فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما). و (الحديث) معلول بعلتين: ضعف عبد الله العمري وتفرده به لذا قصر عن درجة الحسن. انظر صفحة 327 ج 3 - المنهل العذب. (¬2) انظر ص 146 ج 2 مجموع النووي (الوجه الثالث). (¬3) انظر ص 104 ج 1 كشاف القناع (ما يوجب الغسل).

(ب) (وعند) المالكية يتحقق بتغييب الحشفة بلا حائل يمنع اللذة في قبل أو دبر آدمي أو بهيمة ولو الموطء ميتا. فيجب الغسل على الفاعل المكلف إن كان المفعول مطيقا، وعلى المفعول إن كان الفاعل مكلفا، فمن وطئها صبي لا يلزمها غسل إلا إذا أنزلت. (جـ) (وعند) الشافعية يتحقق بتواري حشفة أو قدرها ولو بحائل يمنع حرارة المحل من آدمي مميز واضح في قبل غير خنثى أو دبر آدمي أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، ولو غير بالغين أو كان المفعول غير مطيق، فعلى ولي الصبي أن يأمره بالغسل. ولا يجب بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالانزال. (د) (وعند) الحنبلية يتحقق بتوارى حشفة أو قدرها بلا حائل ولو رقيقا من آدمي غير خنثى مطيق الجماع في قبل أو دبر آدمي مطيق أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كانا بالغين أو مراهقين. (ولا يجب) بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالإنزال لعدم تغييب الحشفة الأصلية بيقين (وأن) تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليهما الغسل (وأن) وطيء خنثى امرأة وجامعه رجل في قبله، فعلى الخنثى الغسل وعلى الرجل والمرأة أن يتطهرا احتياطا. (والدليل) على لزوم الغسل بالتقاء الختانين (حديث) عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {309}. ¬

(¬1) انظر صفحة 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 41 ج 4 نووي مسلم (ما يوجب الغسل). و (الشعب) جمع شعبة وهي القطعة من الشيء والمراد يداها ورجلاها. وقيل رجلاها وفخذاها. وقبل فخذاها وشفراها. و (الختان) موضع الختن. والختن في المرأة قطع جلدة في أعلى الفرج مجاورة لمخرج البول كعرف الديك ويسمى الخفاض. وفي الرجل قطع الجلدة الكاسية للحشفة.

(وقالت) عائشة: إذا التقى الختانان وجب الغسل. فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واغتسلنا. أخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان وابن القطان. وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه (¬1) {310}. (والمراد) بالتقاء الختانين ومسهما، تغييب الحشفة في الفرج. وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة. لأن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع (وقد) أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على أحد منهما. فلابد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله ابن عمرون بن العاص بلفظ: إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه. وفي سنده حجاج ابن أرطأة. قال الحافظ صدوق كثير الخلط والتدليس (¬2) {311}. (والأحاديث) صريحة في أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال، بل يجب بمجرد الإيلاج (ففي) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهد نفسه فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (¬3) {313}. ¬

(¬1) صفحة 36 ج 1 بدائع المنن. وص 109 ج 1 سنن ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان). (¬2) انظر ص 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 114 ج 2 - الفتح الرباني. وص 39 ج 4 نووي مسلم (الغسل يجب بالجماع). وص 109 ج 1 - ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان).

والمراد بالإجهاد إيلاج الحشفة (ونقل) ابن عبد البر إجماع الصحابة على إيجاب الغسل من التقاء الختانين وقال: إن الجمهور من بعدهم انعقد إجماعهم على ذلك أيضًا. (وقال) أبو سعيد الخدري والظاهرية: لا يجب الغسل إلا مع الإنزال (لحديث) أبي سعيد مرفوعا: "إنما الماء من الماء" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي {313}. أي إنما يجب الغسل من نزول المني (ورد) بأن الحديث محمول على حالة النوم كما فسره ابن عباس وغيره جمعا بين الروايات. وعلى فرض عمومه فهو منسوخ بحديث أبي هريرة السابق (ويؤيده) قول أبي بن كعب: أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها. أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والترمذي وصححه (¬1) {314}. (الثالث) انقطاع دم الحيض والنفاس- أجمع الصحابة ومن بعدهم على وجوب الغسل لانقطاع دم الحيض والنفاس (لما تقدم) عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي. أخرجه الشيخان وغيرهما (¬2) {315}. ¬

(¬1) انظر صفحة 110 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 327 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) تقدم مطولا رقم 227 صفحة 296 (نواقض الوضوء الدم الخارج من الجسد).

(وعن) معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل. أخرجه البيهقي (¬1) {316}. (الرابع) الولادة بلا دم (قالت) الحنفية والمالكية والشافعية: يجب الغسل على من ولدت ولم تر دما احتياطا، لأنها لا تخلو من أثر دم (وقال) أبو يوسف ومحمد والحنبلية: لا غسل عليها لعدم الدم، ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص. (الخامس) الموت- أجمع العلماء على أنه يفترض على الأحياء فرض كفاية تغسيل الميت المسلم الذي لم يقع به ما يمنع الغسل كالشهادة في المعركة والبغي والقتل ظلما (لما يأتي) عن ابن عباس قال: فبينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة فوقصته ناقة فمات. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه. أخرجه السبعة (¬2) {317}. هذا، وسبب لزومه عند الحنفيين الحدث على الأصح، لأن الموت سبب للاسترخاء وزوال العقل (وهو) عند الشافعية للنظافة، وروى عن مالك فلا تلزم فيه النية. ويصح من الكافر والمجنون. و (عند) الحنبلية سببه الموت تعبدا. لا عن حدث، لأن لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم ولا عن نجس، لأنه لو كان عنه لم يطهر مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت (¬3). وهو المشهور عن مالك. (السادس) إسلام الكافر- يجب الغسل على كافر ولو مرتدا أسلم ولو ¬

(¬1) انظر ص 342 ج 1 سنن البيهقي (النفاس). (¬2) يأتي رقم 407 صفحة 227 ج 7 - الدين الخالص طب 2 (غسل الميت). (¬3) انظر ص 108 ج 1 كشاف القناع (الرابع من موجبات الغسل الموت).

صبيا مميزا، وإن اغتسل قبل إسلامه، أو لم يوجد من حال كفره ما يوجب الغسل عند أحمد وروى عن مالك (لقول) قيس بن عاصم: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه ابن السكن (¬1) {318}. (وقالت) الشافعية: يجب الغسل على من أجنب حال كفره اغتسل أم لا، لعدم صحة غسله وقتئذ لتوقف صحة الغسل على النية المتوقفة على الإسلام. ويستحب لمن لم يأمر كل من أسلم بالغسل، ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة صرف الأمر إلى الندب (وأما) وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم (وقال) الحنفيون: يجب على من أجنب ولم يغتسل حال كفره. فإن اغتسل لا يجب لما تقدم من الأدلة، ولا يصح قياسه على الصلاة والزكاة، لأنهما لا يصحان بدون النية لعدم الغيمان. بخلاف اغتساله، لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية (والظاهر) الأول، لأن ظاهر الأحاديث وجوب الغسل على كافر أسلم مطلقا. (فائدة) إذا اجتمع شيئان موجبان للغسل كالحيض والجنابة وتغيب الحشفة والإنزال، يكفيه عنهما غسل واحد عند الأئمة الأربعة والجمهور لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا غسلا واحدا وهو يتضمن شيئين إذ هو لازم للإنزال غالبا. 3 - ما لا يوجب الغسل- لا يلزم الغسل لأربعة أنواع (أ) لا يفترض الغسل ¬

(¬1) انظر ص 148 ج 2 - الفتح الرباني. وص 338 ج 2 تيسير الوصول (غسل الإسلام).

اتفاقا لمذي ولا لودي ولا لاحتلام بل بلل. لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فإذا احتلمت بلذة ولم يخرج ماؤها إلى فرجها الظاهر، فلا غسل عليها. (ب) ولا يفترض بتغيب بعض الحشفة ولا بوطء في غير قبل ودبر، ولا بسحاق- وهو اتيان المرأة المرأة بلا إنزال- ولا بالتصال الختانين بلا إيلاج. (جـ) ولا يفترض عند غير الشافعية بخروج مني بلا لذة ولو حكما على ما تقدم. (د) ولا يجب عند المالكية بمني خرج بلذة غير معتادة كأن خرج لنزوله في ماء حار ولحك جرب وتحريك دابة إن لم يتماد فيهما. فإن تمادى بعد شعوره باللذة من حك الجرب وتحريك الدابة ويجب الغسل. 4 - فرائض الغسل- هي عند المالكية خمسة- النية وتعميم الجسد بالماء، والدلك، وتخليل الشعر، والموالاة مع الذكر والقدرة (وعند) الشافعية: النية وتعميم الشعر والبشرة بالماء (وعند) الحنفيين- غسل الفم والأنف وتعميم سائر الجسد بالماء (وعند) الحنبلية- تعميم الجسد بالماء حتى داخل الفم والأنف وظاهر الشعر وباطنه وحشفة أغلف أن أمكن تشميرها بلا مشقة (وأما) النية فشرط صحة إلا في غسل المجنونة والذمية فلا تشترط. وينوي عن المجنونة من يغسلها. ويلزم عند الكل إزالة ما على الجسد من نجاسة وغيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة. وهاك بيان الفرائض مفصلة: (أ) النية- تكون عند غسل أول جزء من الجسد، ولا يضر عند غير الشافعية تقدمها بزمن يسير. وعند الشافعية: يشترط مقارنتها لأول مغسول،

فلا يجزي تقدمها بزمن يسير. ومحلها القلب. والتلفظ بها غير مشروع. وتقدم تمام الكلام عليها في فرائض الوضوء (¬1). (ب) تقميم الجسد بالماء- اتفق العلماء على أنه يفترض في الغسل إيصال الماء إلى جميع ما يمكن وصوله إليه بلا حرج كظفر وأذن وسرة وبشرة لحية وفرج خارج- وهو ما يظهر عند قعود المرأة لقضاء الحاجة- حتى لو بقيت لمعة لو يسيرة لم يصلها الماء لا يكفي الغسل، لقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 - المائدة. وهو أمر بتطهير جميع الجسد فيدخل كل الماء إلى ما تحته كعجين وطين وشمع ودهن متجمد وقذي عين (وكذا) يلزم عند غير المالكية نزع خاتم ضيق لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بنزعه. وعلى المرأة تحريك قرطها الضيق (وقالت) المالكية: لا يلزم المغتسل نزع خاتمه الضيق المبالح استعماله ومثله حلي المرأة على ما تقدم بيانه في الوضوء (وإذا) كان بأذن المرأة أو الرجل ثقب لزم إيصال الماء إلى داخله خلافا للشافعية حيث قالوا لا يلزم غيصال الماء داخل الثقب الذي لا قرط فيه، لأن الواجب عندهم غسل البدن فقط. واختلفوا في أمور: 1 - نقض الشعر في الغسل- (قال) الحنفيون: لا يجب على المرأة نقض ضفيرتها إن بل أصلها (لحديث) أم سلمة أنها قالت " يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت. أخرجه ¬

(¬1) انظر صفحة 218 (النية- فروض الوضوء).

أحمد ومسلم والأربعة. وقال الترمذي حسن صحيح (¬1) {319}. (وعن) عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن. فقالت: يا عجبا لابن عمرو وهو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رءوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد كنت أغتسل أن ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {320}. أما الرجل فيلزمه نقض ضفائره ولو وصل الماء أصول الشعر على الصحيح، (لحديث) ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الغسل من الجنابة، فقال: أما الرجل فينثر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفهاز أخرجه أبو داود (¬3) {321}. (والحكمة) في التفرقة بين الرجل والمرأة أن عليها في النقض حرجا. وفي الحلق مثلة. فسقط عنها النقض بخلاف الرجل فيجب عليه النقض مطلقا لعدم الحرج. (وقالت) المالكية: إن الشعر إذا كان مضفورا بنفسه واشتد وجب نقضه ¬

(¬1) انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 11 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة) وصفحة 52 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ). وصفحة 108 ج 1 تحفة الأحوذي. وصفحة 108 ج 1 سنن ابن ماجه (غسل النساء من الجنابة). (¬2) انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 12 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة). (¬3) انظر صفحة 31 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ).

في الغسل دون الوضوء (وإن) كان مضفورا بخيوط ثلاثة فأكثر وجب نقضه في الغسل والوضوء اشتد أم لا (وإن) شد بخيط أو خيطين واشتد نقض وإلا فلا. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين غسل الجنابة وغيرها (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة. أخرجه أبو داود والبيهقي والترمذي. وفي سنده الحارث بن وجيه ضعيف منكر الحديث. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه غلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك (¬1) {322}. (وقالت) الشافعية والنخعي: إن وصل الماء إلى باطن الشعر بدون نقض لو يجب وإلا وجب. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الجنابة والحيض والنفاس، مستدلين بما استدل به المالكية. وقد علمت أنه ضعيفن فلا يعارض أحاديث وعائشة وثوبان. (وقالت) الحنبلية: يجب نقضه في الحيض والنفاس دون الجنابة إن بلت أصوله (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان. وإن اغتسلت من جنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته. أخرجه الدارقطني والطبراني وكذا البيهقي وفيه: وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ولم تغتسل بالخطمي والأشنان وقد تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد بن سلمة (¬2) {323}. (ولكن) الأمر فيه محمول على الندب لأن الغسل بالخطمى والأشنان لم يقل ¬

(¬1) انظر صفحة 228 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) انظر صفحة 182 ج 1 سنن البيهقي (ترك المرأة نقض قرونها). وصفحة 273 ج 1 مجمع الزوائد (الغسل من الجنابة).

بوجوبه أحد، فهو قرينة على أن الأمر بالنقض للندب، بخلاف حديث أم سلمة فإنه محمول على الإيجاب، لقوله إنما يكفيك. ولذا ذهب بعض الحنبلية إلى أنه لا يجب على المرأة نقض الشعر في الغسل مطلقا وهو الراجح لقوة أدلته. 2 - المضمضة والاستنشاق في الغسل- (قال) مالك والشافعي والليث بن سعد: إنهما سنتان فيه كالوضوء (لقول) ميمونة: سترت النبي صلى عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. وهذا غسله من الجنابة. أخرجه الشيخان والثلاثة (¬1) {324}. (وهو) لا يدل على وجوب المضمضة والاستنشاق لأن مجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقتضي الوجوب (وقال) الحنفيون والحنبلية والثوري: إنهما فرضان في الغسل، لقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة فإنه أمر بتطهير جميع البدن إلا ما تعذر إيصال الماء إليه، وداخل الفم والأنف لا يتعذر إيصال الماء إليه (ورد) بأن الآية مجملة بينت (بحديث) أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين. فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك. أخرجه أبو داود (¬2) {325}. قال أهل اللغة: البشرة ظاهر الجلد. وداخل الأنف والفم من الباطن لا من الظاهر. ¬

(¬1) انظر صفحة 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) انظر صفحة 175 ج 3 - المنهل العذب (الجنب بتيمم).

3 - الدلك في الغسل- هو سنة عند الأئمة الثلاثة والجمهور وفرض عند المالكية والمزني كما تقدم في الوضوء (¬1) (والسبب) في اختلافهم، اشتراك أسم الغسل ومعارضة ظاهر الأحاديث- الواردة في صفة الغسل- لقياس الغسل في ذلك على الوضوء. وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله عليه الصلاةة والسلام من حديث عائشة وميونة الآتية (¬2) ليس فيها ذكر التدلك، وإنما فيها إفاضة الماء فقط. وفي حديث أم سلمة السابق (¬3) "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي على سائر جسدك. فإذا أنت قد طهرت" (وهو) أقوى في أسقاط التدلك من الأحاديث الأخر. لأنه يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك. وأما ها هنا فإنما حصر لها شروط الطهارة. (فذهب) قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث. وغلبوا ذلك على قياس الغسل على الوضوء فلم يوجبوا التدلك (وغلب) آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر هذه الأحاديث. فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء. فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك. ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى أساقط التدلك (¬4) وهذا هو الظاهر. 4 - سنن الغسل: للغسل سنن كثيرة المذكور منها هنا ثلاث عشرة: 1 - التسمية في أوله- بأن يقول باسم الله والحمد لله. كما تقدم في الوضوء ¬

(¬1) أنظر صفحة 229 (الدلك) الثامن من أركان الوضوء. (¬2) (الآتية) في (كيفية الغسل) رقم: 348، 349، 350. (¬3) (تقدم رقم 319 ص 313 نقض الشعر في الغسل). (¬4) انظر صفحة 34 ج 1 بداية المجتهد (الغسل).

(وهي) سنة عند الحنفيين والشافعي ومندوبة عند مالك، وواجبة على العالم الذاكر عند الحنبلية فإن تركها عندا لم يصح غسله قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى غير أن حكمها هنا أخف، لأن حديث التسمية إنما يتناول بصريحه الوضوء لا غير (¬1). 2 - غسل الكفين- يسن للمغتسل أن يبدأ بغسل كفيه ثلاثا كالوضوء (لقول) عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها فى الماء ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة. أخرجه السبعة (¬2). [236]. والحكمة فى ذلك أنهما آلة التنظيف فيطهران أولا. 3 - غسل الفرج- يسن لمريد الاغتسال أن يبدأ بغسل قبله ودبره وإن لم يكن عليهما نجاسة (لما) فى حديث ميمونة قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما. أخرجه البخارى (¬3) [237]. 4 - إزالة ما على جسده من نجاسة- يسن للمغتسل أن يبدأ بإزالة ما على جسده من نجاسة ولو قليلة. أما أصل إزالتها فلابد منه لأنه لا يرتفع حدث ما تحتها حتى تزال. ¬

(¬1) انظر صفحة 115 ج 1 كشاف القناع (الغسل المجزئ). (¬2) انظر صـ 126 ج 2 - الفتح الربانى. وصفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬3) انظر صفحة 251 ج 1 - فتح البارى (الوضوء قبل الغسل).

5 - السواك: يسن للمغتسل التسوك كما يستحب للمتوضئ (¬1). 6 - الوضوء: يستحب لمريد الاغتسال الوضوء قبل الغسل كما تقدم بيانه فى الوضوء قبل الغسل (¬2). 7 و 8 - إفاضة الماء والتيامن: يسن للمغتسل بعد الوضوء أن يفيض الماء على رأسه ثلاثا يروى بها أصول الشعر. ثم يفيضه على سائر جسده بادئا بشقه الأيمن (لما) يأتى فى حديث عائشة قالت: حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم افاض على سائر جسده (¬3) وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى شأنه كله. 9 - تخليل اللحية والشعر - يلزم المعتسل إيصال الماء إلى أصول شعره على ما تقدم في بحث نقض الشعر (¬4) وإيصاله إلى ما تحت لفحيته الخفيفة. ويسن له تخليل شعر اللحية والرأس أن وصل الماء إلى أصول الشعر بلا تخليل. والإلزم عند الحنفيين (وعند) الشافعية والحنبلية: يسن تخليل الشعر إن وصل الماء إلى البشرة بدونه والالزم (والمعتمد) عند المالكية أنه يجب تخليله مطلقا ولو كثيفا وصل الماء على ما تحته (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شرعة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة أخرجه أبو داود والترمذي (¬5) {327}. ¬

(¬1) انظر صفحة 188 (حكم السواك). (¬2) انظر صفحة 292 (الوضوزء قبل الغسل) (¬3) انظر رقم 348 صفحة 326 (كيفية الغسل). (¬4) انظر صفحة 213 (نقص الشعر في الغسل). (¬5) انظر صفحة 20 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجناية). وصفحة 109 ج 1 تحفة الأحوذي (إن تحت كل شعرة جنابة).

وقال: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذلك. وقال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف. والتخليل الواجب عندهم تخليل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر (¬1). 10 - تخليل الأصابع: يسن للمغتسل تخليل أصابع الدين والرجلين عند غير المالكية. وهو فرض عند المالكية في أصابع اليدين والرجلين على ما تقدم بيانه في الدلك (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خلل أصابع يديك ورجليك يعني إسباغ الوضوء. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف لكن حسنه البخاري لأنه من رواية موسى ابن عقبة عن صالح وسماع موسى عنه قبل أن يختلط (¬2) {329}. 11 - التثليث- يسن في الغسل تثليث غسل الرأس اتفاقا لما تقدم وكذا باقي الجسد عند غير المالكية (لحديث) أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسل أحدكم فليغتسل كل عضو ثلاثا. أخرجه الديلمي {330}. (ومنه) تعلم رد قول المالكية: لا يطلب تثليث غير الرأس لعدم وروده. 12 - التستر حال الغسل- يطلب من المغتسل ستر العورة حال الاغتسال وأن يغتسل بمكان لا يراه فيه من لا يحل له النظر إلى عومرته (لحديث) يعلي بن ¬

(¬1) يأتي رقم 348 صفحة 326 (حديث عائشة في كيفية الغسل). (¬2) انظر صفحة 44 ج 7 - الفتح الرباني (تخليل الأصابع).

أمية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "إن الله عز وجل حيى ستير يحب الحياء والستر. فإذا أراد أحدطم أن يغتسل فليستتر. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح (¬1) {331}. (وظاهره) وجوب التستر حال الغسل ولو في الخلوة. وإليه ذهب ابن أبي ليلى وبعض الشافعية (وقال) الجمهور: أنه سنة وتركه مكروه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم أم عليا فوضع له غسلا ثم أعطاه ثوبا فقال استرني وولني ظهرك. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (¬2) {332}. (وقالت) أم هانئ: ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب. أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {333}. فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتستر في بعضها على الأفضل. قال البخاري: باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة. ومن تستر فلتستر أفضل (¬4). ¬

(¬1) انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 39 ج 4 سنن أبي داود (النهي عن التعري). وصفحة 70 ج 1 مجتبي (الاستتار عند الاغتسال. و (بسند صحيح) رد بأن فيه عبد الملك بن أبي سليمان قال أحمد: ثقة يخطئ. و (البراز) بفتح الباء وقد تكسر، الفضاء الواسع. (¬2) انظر صفحة 269 ج 1 مجمع الزوائد (التستر عند الاغتسال). (¬3) انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 267 ج 1 فتح الباري (التستر في الغسل). (¬4) انظر صفحة 266 منه. وصفحة 167 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 140 ج 3 - المنهل العذب (الاغتسال من الحيض).

3 - استعمال السدر ونحوه- يسن في الغسل استعمال سدر ونحوه كأشنان وصابون (لحديث) عائشة أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله أخبرني عن الطهور من الحيض فقال: نعم لتأخذ أحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (¬1) {334}. والنفاس كالحيض. وعلى الجملة يسن في الغسل ما يسن في الوضوء. 5 - مندوباته- يندب في الغسل ما يندب في الوضوء سوى استقبال القبلة، لأنه يكون غالبا مع كشف العورة. 6 - مكروهاته: يكره فيه ما يؤدي إلى ترك سنة من سننه، وما يكره في الوضوء على ما تقدم بيانه. د 7 - أقسام الغسل- هي ثلاثة: فرض وسنة ومندوب. (أ) فيفترض في حالتين: 1 - لواحد من الاسباب المتقدمة. وهي إنزال المنى بشهوة ولو حكما، وتغييب حشفة في قبل أو دبر ولو من كافر ثم أسلم وانقطاع حيض أو نفاس ولو من كافرة ثم أسلمت، وولادة ولو بلا دم، وموت فيفترض تغسيل الميت على ما تقدم بيانه. 2 - يلزم الغسل لإزالة نجاسة أصابت كل البدن أو بعضه وخفي مكانها. (ب) ويسن الغسل لخمسة أشياء: ¬

(¬1) انظر صفحة 166 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 334 ج 2 تيسير الوصول بلفظ: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها (الحديث) (في غسل الحائض والنفساء).

1 - غسل الجمعة- يطلب الغسل ممن يريد صلاة الجمعة وإن لم تلزمه (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. أخرجه مالك وأحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذي (¬1) {335}. (وعن عمر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم إلى الجمعة فليغتسل. أخرجه الجماعة وهذا لفظ أبي داود (¬2) {336}. (ولظاهر الحديثين) قالت الظاهرية بوجوب غسل الجمعة. وحكاه الخطابي عن الحسن البصري (وقال) جمهور العلماء: أنه سنة وهو المعروف من مذاهب الأئمة الأربعة. وقالوا: المراد بالوجوب في الحديث الأول تأكد الاستحباب. والأمر في بعض الأحاديث مصروف عن الوجوب لحديث الحسن عن سمرة ابن جندب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل. وأخرجه أحمد وابن خزيمة والأربعة بسند جيد لكن اختلف في سماع الحسن من سمرة (¬3) (ويعضده) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من ¬

(¬1) انظر صفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وصفحة 48 ج 6 - الفتح البرباني. وصفحة 132 ج 6 نووي مسلم (غسل الجمعة). (¬2) انظر صفحة 198 ج 3 - المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة). وصفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (في غسل الجمعة والعيدين). (¬3) انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وص 50 ج 6 - الفتح الرباني. و (اختلف في سماع الحسن .. ) قال النسائي: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. أنظر صفحة 205 ج 1 مجتبي (الرخصضة في ترك الغسل يوم الجمعة).

توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. أخرجه مسلم (¬1) {338}. (وهذا) من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة. (وهو) الراجح. والأحوط المحافظة على غسل الجمعة كالمحافظة على اداء الواجبات (ومحل) الخلاف إذا لم يترتب على تركه أذى، وإلا فالغسل واجب اتفاقا، لأن الضرر حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة (وفي) وقت غسل الجمعة ثلاثة أقول: (أ) (قال) مالك والليث والأوزاعي: يدخل وقته عند إرادة الرواح إلى المسجد (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل" أخرجه مسلم (¬2) {339}. (ب) وقال الجمهور: وقته يدخل بطلوع الفجر، ولا يشترط اتصاله بالرواح، بل يستحب. وينتهي وقته بصلاة الجمعة. للأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة. ولأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة. والمقصود عدم تأذي الحاضرين. وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة. (جـ) وقال الحسن بن زياد ومحمد بن الحسن والظاهرية: وقته كل اليوم. فلا يشترط تقديمه على صلاة الجمعة. بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأه للأحاديث المطلقة (واستبعده) ابن دقيق العيد وقال: يكاد يجزم ببطلانه. وأدعى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة. ووجهه أن الغسل ¬

(¬1) انظر صفحة 146 ج 6 نووي مسلم (فضل من استمع وأنصت للخطبة). (¬2) انظر صفحة 130 منه (غسل الجمعة).

للصلاة لا لليوم (لحديث) عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أتى الجمعة فليغتسل. أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وزاد: من لم يأتها فلا يغتسل (¬1) {340}. 2 - غسل العيدين: اتفق العلماء على أنه سنة (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى. أخرجه ابن ماجه والبيهقي. وفيه جبارة بن المغلس وحجاج ابن تميم ضعيفان (¬2) {341}. (وقال) في البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أحاديث غسل العيدين ضعيفة. وفيه آثار عن الصحابة جيدة (ومنها) ما روى نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي أخرجه مالك والبيهقي (¬3) {34}. (واختلفوا) في وقته وفي أنه للصلاة أو اليوم. (أ) قال أبو يوسف والحنبلية: هو سنة للصلاة. ويدخل وقته بطلوع الفجر فلا يجزئ قبله ولا بعد صلاة العيد. وعن أحمد أنه يصح قبل الفجر وبعده. (ب) وقالت المالكية والشافعية: هو سنة اليوم. وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنفية. فيطلب ممن يحضر الصلاة ومن لا يحضرها، لأن الغرض منه إظهار الزينة، ويجوز قبل الفجر وبعده. والأفضل أن يكون بعده (ويدخل) ¬

(¬1) انظر صفحة 295 ج 1 سنن البيهقي (الغسل يوم الجمعة سنة اختيار). (¬2) انظر صفحة 204 ج 1 - ابن ماجه (الاغتسال في العيدين). (¬3) انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل العيدين). وصفحة 299 ج 1 سنن البيهقي (الاغتسال للأعياد).

وقته عند المالكية بالسدس الأخير من الليل وينتهي بغروب شمس يومه (وعند) الشافعية يدخل وقته بنصف ليلة العيد إلى غروب شمس يومه. (فائدة) يكفي غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة إذا نوي الكل ويحصل للمغتسل ثواب ما نوى، لحديث "وإنما لا مرئ ما نوى". 3 - غسل من غسل ميتا- يطلب ممن غسل ميتا أن يغتسل. (لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل. ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي (¬1) {342}. (وبظاهره) أخذ على وأبو هريرة والإمامية فقالوا: إن من غسل ميتا وجب عليه الغسل (وقالت) الشافعية والحنبلية: هو سنة (وقال) الحنفيون والمالكية يندب لمن غسل ميتا أن يغتسل (وحملوا) الأمر في الحديث على الندب (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه أن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم". أخرجه البيهقي وقال: هذا ضعيف (¬2) {343}. (ولقول) عمر: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. أخرجه الخطيب بسند صحيح (¬3) {35}. (وقال) الليث: لا يجب ولا يستحب لحديث ابن عباس. (والقول) باستحباب الغسل هو الراجح، وفيه الجمع بين الأدلة. ¬

(¬1) تقدم رقم 87 (الوضوء من حمل الميت). (¬2) انظر صفحة 306 ج 1 سنن البيهقي (الغسل من غسل الميت). (¬3) انظر صفحة 298 ج 1 نيل الأوطار (الغسل من غسل الميت).

4 - غسل الإحرام: يطلب الغسل ممن أراد الإحرام بحج أو عمرة أو بهما ولو حائضاً أو نفساء، لأنه للنظافة (وهو) سنة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لحديث) زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجرد لاهلاله واغتسل. أخرجه الدارقطني والترمذي وحسنه (¬1) {344}. (ويأتي) أن عائشة قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد ابن أبى بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬2) {345}. 5 - غسل الوقوف بعرفة - يطلب من الحاج ان يغتسل للوقوف بعرفة (وهو) سنة عند الثلاثة مندوب عند مالك (لحديث) الفاكه بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند (¬3) {346} وفي سنده يوسف بن خالد كذبه غير واحد (ويدخل) وقته بالزوال عند الحنفيين ومالك. وبطلوع الفجر عند الشافعية والحنبلية (جـ) ويندب الغسل لأمور المذكور منها أحد عشر: 1 - دخول مكة: يستحب الغسل من أراد دخول مكة (وهو) للنظافة عند الحنفيين (ونسك) لا فدية في تركه عند الشافعي وأحمد فيستحب ولو للحائض والنفساء (لما روي) عن ابن عمر أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوي ¬

(¬1) انظر صفحة 256 سنن الدارقطني (الحج). وصفحة 85 ج 2 تحفة الاحوذي (الاغتسال عند الإحرام). (¬2) يأتي في الحج رقم 59 صفحة 44 (إرشاد الناسك). (¬3) انظر صفحة 144 ج 2 - الفتح الرباني.

حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. أخرجه مسلم (¬1) {347} (وقد) أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت أن تفعل ما يفعل الحاج إلا الطواف (وقالت) المالكية: يطلب هذا الغسل لدخول المسجد والطواف فلا يطلب من الحائض والنفساء (والظاهر) قول الجمهور. قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه فدية ويجزيء منه الوضوء (وقال) ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة. وإنما ذكروه للطواف. والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف ملخص من شرح العسقلاني (¬2). 2 - الأفاقة: ويستحب الغسل لمن أفاق من جنون أو إغماء أو سكر ولم يجد بللاً (لما) تقدم في حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أغمى عليه في مرض موته. ثم أفاق فقال أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. فقعد فاغتسل (الحديث) (¬3). أما من أفاق مما ذكر فوجد بللاً (فإن) تيقن أنه منى لزمه الغسل اتفاقاً (وكذا) إن شك في أنه مني أو مذي عند الحنفيين ومالك (وعند) الشافعية والحنبلية تفصيل تقدم فيما إذا قام من نومه ووجد بللاً (¬4) (وان) شك أنه مذي أو ودي فلا غسل عليه اتفاقاً. ¬

(¬1) انظر صفحة 5 ج 9 نووي مسلم (استحباب الاغتسال لدخول مكة). وذو طوي بضم الطاء وفتحها، موضع قرب مكة في طريق التنعيم على فرسخ من مكة. (¬2) انظر صفحة 281 ج 3 فتح الباري (الاغتسال عند دخول مكة). (¬3) تقدم رقم 238 صفحة 269 (غلبة العقل). (¬4) تقدم صفحة 307 (فائدة من قام من نومه فوجد بللاً).

(3 - 11) ويستحب الغسل للمبيت بالمزدلفة ولرمي جمار وطواف زيارة وطواف وداع، ولصلاة كسوف واستسقاء وفزع وظلمة نهاراً وريح شديدة، لأن هذه عبادات يجتمع لها الناس مزدحمين فيعرقون فيؤذي بعضهم بعضاً، فاستحب الغسل للنظافة ودفع الأذى كالجمعة. (فائدة) اختلفوا في أنه هل يقوم التيمم عند العذر مقام ما ذكر من الغسل المسنون والمندوب؟ (قال) الحنفيون: لا يقوم لأن المقصود منها غالباً النظافة (وقالت) الشافعية والحنبلية: يقوم التيمم مقام ما ذكر عند العذر كما يقوم مقام الغسل المفروض للضرورة (قال) الشيخ منصور ابن إدريس: ويسن التيمم- لعذر يبيحه- لما يسن له الوضوء كالقراءة والذكر والآذان، ورفع الشك والكلام المحرم (¬1). 8 - كيفية الغسل - الغسل مجزئ وكامل (أ) فالجزيء هو المشتمل على الفرائض والواجب وهو التسمية عند الحنبلية. وكيفيته: أن يزيل ما على جسده من نجاسة أو غيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة إن كان، ويعمم جسده بالماء على ما تقدم ناوياً لزوماً عند غير الحنفيين ومسمياً عند الحنبلية. (ب) والكامل. هو المشتمل على الفرائض والسنن والمندوبات. وكيفيته: أن ينوي المغتسل بقلبه رفع الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة ونحوها. ثم يقول باسم الله والحمد لله. ثم يغسل كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى. ثم يتوضأ وضوءه للصلاة على ما تقدم. ثم يدخل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ¬

(¬1) انظر صفحة 113 ج 1 كشاف القناع (الاغسال المستحبة).

ولحيته. ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. ثم يفيض الماء على سائر جسده يبدأ بالشق الأيمن. ثم الأيسر. يتوعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الآليين (¬1) وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك- فيوصل الماء إلى جميع ذلك- ويدلك ما تصل إليه يداه من بدنه (وإن) كان يغتسل في نهر أو نحوه انغمس حتى يصل الماء إلى جميع بشرته وشعره ظاهره وباطنه وأصول منابته (ويستحب) أن ينوي الغسل من أول شروعه فيه ويستصحب النية إلى الفراغ منه. ويكفي الظن في تعميم الجسد بالماء. ثم يتحول من مكان غسله فيغسل قدميه إن لم يكن غسلهما أولاً. (ودليل) ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثلاثاً ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه. أخرجه الشيخان. وفي رواية لهما: ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات (¬2) {348}. (وعن) ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً. ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده أرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده فذكرت ¬

(¬1) (الآليين) بحذف التاء على غير قياس وبإثباتها في لغة على القياس. (¬2) انظر صفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (استبرأ) أي أوصل الماء إلى البشرة وكذا (أروى).

ذلك لإبراهيم (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {349}. (وأجمع) حديث في كيفية غسل الحائض والنفساء "حديث عائشة" أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن غسل المحيض فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. قالت أسماء وكيف تطهر بها؟ قال سبحان الله تطهري بها. فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك تتبعي أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة. قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحساء أن يتفقهن في الدين. أخرجه مسلم (¬2) {350}. (وفي) الحديث دليل على أنه يسن في حق المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئاً من مسك وتضعه في قطنة أو خرقة وتدخله فرجها بعد الغسل، ومثلها النفساء. ¬

(¬1) انظر صفحة 12 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابة). وصفحة 177 ج 1 بيهقي (إفاضة الماء على سائر الجسد) (ثم ضرب بيده الأرض .. ) فيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب عقب الاستنجاء باناء لكمال الانقاء (فذكرت ذلك لإبراهيم) في رواية البيهقي قال الاعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إنما كره ذلك مخافة العادة اهـ أي قال سليمان الاعمش ذكرت لإبراهيم التيمي رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنديل. فقال: لا بأس بالتمسح بالمنديل، وإنما رده صلى الله عليه وآله وسلم مخافة أن يصير عادة. (¬2) انظر صفحة 334 ج 2 تيسير الوصول (غسل الحائض والنفساء) (فتطهر) أي تتوضأ. و (شئون رأسها) أصول شعرها. و (فرصة) بكسر فسكون، أي قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. و (ممسكة) أي مطيبة بالمسك. و (تخفي ذلك) أي تسربه إليها.

فإن لم تجد مسكاً استعملت أي طيب وجدت (والحكمة) في ذلك تطيب المحل ودفع الرائحة الكريهة. 9 - مقدار ماء الغسل: لم يرد في ذلك تحديد صريح، لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ولكن يطلب التوسط والاعتدال (والمقدار) المجزئ في ذلك ما يحصل به تعميم أعضاء الوضوء والبدن في الغسل على الوجه المعتبر شرعاً. وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه. فمتى حصل ذلك تأدى الواجب. وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أو يتوضأ به بقدر معلوم (ويستحب) ألا ينقص في الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مد. وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة. وذلك لاختلاف الأوقات والحالات. (روي) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {351}. (وعن) عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك. أخرجه مسلم (¬2) {352}. (وفي هذا) رد علي ابن شعبان المالكي وبعض الحنفيين في تقديرهم الوضوء بالمد والغسل بالصاع تمسكاً بظاهر حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه (¬3) {353}. ¬

(¬1) انظر صفحة 312 ج 2 تيسير الوصول (مقدار الماء). أي في الغسل والوضوء. (¬2) انظر صفحة 5 ج 4 نووي مسلم (القدر المستجب من الماء في الغسل). (¬3) انظر صفحة 125 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 312 ج 2 تيسير الوصول.

(وحمل) الجمهور هذا على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصحابة قدرهما بذلك (وهذا) إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضاً في حق من يكون خلقه معتدلاً. (فائدتان) (الأولى) الصاع مكيال يسع أربعة امداد بمد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والمد) مختلف فيه (فقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف: هو رطل وثلث رطل عراقي فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثاً (وقال) أبو حنيفة ومحمد: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال (والرطل) العراقي عند الحنفيين ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف. وبه يقول الرافعي من الشافعية (وقالت) الحنبلية: هو ثمانية وعشرون ومائة درهم وأربعة أسباع درهم. ورجحه النووي (وقالت) المالكية هو ثمانية وعشرون ومائة درهم (¬1). (الثانية) دلت أحاديث المبحث على كراهة الإسراف في الغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد (وقد) أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء. ولو كان على شاطئ النهر (والأظهر) عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه ما لم يؤد إلى ضرر أو ضياع مال وإلا فيحرم (وقال) الحنفيون: الإسراف مكروه تحريماً لو تطهر بماء مباح أو مملوك. أما الموقوف على الطهارة ومنه ماء المساجد، فالإسراف فيه حرام كما تقدم (¬2). هذا ويتصل بالغسل أمران: 1 - ما يحرم على الجنب يحرم على الجنب (أ) ما يحرم على المحدث حدثاً أصغر وهو الصلاة والطواف ¬

(¬1) انظر أدلة كل وبيان أن الخلاف لفظي في "باب ما يجزيء من الماء في الوضوء" من المنهل العذب المورود ص 303 ج 1. (¬2) تقدم ص 254.

ومس القرآن وحمله الا بغلاف منفصل (ب) ويحرم عليه أيضاً قراءة شيء من القرآن بقصده ولو بعض آية (لقول) عبد الله بن سلمة: دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان ثم دخل المخرج فقضى حاجته ثم خرج فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن قال فكأنه رآنا أنكرنا ذلك ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود (¬1) {354}. (وعن) ابن عمر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي (¬2) {355}. وفي سنده إسماعيل بن عياش. وروايته عن الحجازيين ضعيفة. وهذا منها. (وبهذا) قال جمهور الصحابة والتابعين والائمة الأربعة إلا أن الأصح عند الحنفيين جواز القراءة بقصد الذكر أو الثناء أو الدعاء أو افتتاح أمر إن اشتمل على ذلك (وجوز) المالكية القراءة للجنب للتعوذ والرقية والاستدلال (وجوز) الشافعية القراءة بقصد الذكر لا بقصد التلاوة (وجوز) أحمد قراءة بعض آية غير طويلة ومثل الجنب في ذلك الحائض، إلا أن المالكية أجازوا لها قراءة القرآن ما لم ينقطع الدم مخافة النسيان لطول مدة الحيض بخلاف الجنابة (وذهب) ابن عباس وابن المنذر والظاهرية إلى جواز قراءة الجنب والحائض ¬

(¬1) انظر رقم 9983 صفحة 453 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. من قراءة القرآن. وصفحة 301 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يقرأ القرآن) و (المخرج) موضع قضاء الحاجة. و (الجنابة) خبر ليس واسمها ضمير يعود على البعض المفهوم من شيء أي ليس بعض الشيء الجنابة. (¬2) انظر صفحة 120 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 52 ج 1 مجتبي (حجب الجنب).

(لقول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه. أخرجه مسلم والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذي في العلل (¬1) {356}. (والقرآن) ذكر ولأن الأصل عدم التحريم (لكن) هذا مردود بما تقدم من الأدلة (والمراد) بالذكر في حديث عائشة ما عدا القرآن، جمعاً بين الروايات. (جـ) ويحرم على الجنب دخول المسجد ولو عبورا بلا مكث إلا لضرورة (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب. أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ (¬2) {357}. وفي سنده (أ) أفلت بن خليفة وثقه ابن حبان وقال أحمد لا بأس به. وروي عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وهو مشهور ثقة (ب) وجسرة بنت دجاجة قال العجلي تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. وإذا صحح الحديث ابن خزيمة وحسنه ابن القطان وسكت عليه أبو داود فلا حجة لابن حزم في رده. (وبهذا) قال الحنفيون والمالكية، لإطلاق الأحاديث (ومحله) إن لم يكن ثمة ضرورة. فإن كانت كأن يكون باب البيت إلى المسجد ولم يمكن تحويله ¬

(¬1) انظر رقم 7026 صفحة 214 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر صفحة 309 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يدخل المسجد). و (شارعة) أي أبوابها مفتحة (في المسجد).

ولا السكنى في غيره، فلا مانع من دخوله دفعاً للحرج (ولقول) يزيد بن أبي حبيب: إن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: (ولا جنباً إلا عابري سبيل). أخرجه ابن جرير الطبري (¬1) {36}. (ولو أجنب) في المسجد تيمم وخرج من ساعته إن لم يقدر على استعمال الماء. وكذا لو دخله جنباً ناسياً ثم تذكر. وإن خرج مسرعاً بلا تيمم جاز. وإن لم يقدر على الخروج تيمم ومكث، ولكنه لا يصلي به ولا يقرأ. وقالوا في قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل) من آية 43 - النساء. معناه ولا عابري سبيل على حد قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ) من آية - 92 - النساء. أي ولا خطأ (وقال) ابن مسعود وابن عباس والشافعية والحنبلية يجوز المرور للجنب في المسجد بوضوء وبغيره ولو لغير حاجة لقوله تعالى: (ولا جنباً الا عابري سبيل) والعبور إنما يكون في محل الصلاة. وحملوا الاحاديث السابقة على منع المكث فقط، للاية المذكورة (ولقول) جابر: كنا نمر في المسجد ونحن جنب. أخرجه ابن المنذر (¬2) {37}. (وعن) زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب. أخرجه ابن المنذر (¬3) {38}. (ومثل) الجنب في ذلك الحائض ان امن التلويث بمرورها (وأجاب) الاولون عن الاية بما تقدم او بحملها هي وحديث عائشة على حالة الضرورة كما يدل ¬

(¬1) انظر صفحة 64 ج 5 تفسير الطبري (القول في تأويل قوله: ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). (¬2) انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد). (¬3) انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد).

أثر يزيد بن ابي حبيب جمعاً بين الادلة (وقالت) الحنبلية واسحاق يجوز للجنب المكث في المسجد بالوضوء (لقول) زيد ابن اسلم: كان اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء. وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث. أخرجه حنبل بن اسحاق من أصحاب أحمد (¬1) {39}. وهذا اشارة الى أن هذا كان من الكل فكان اجماعاً (وقال) عطاء بن يسار: رأيت رجالاً من اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون اذا توضئوا وضوء الصلاة. أخرجه سعيد بن منصور والاثرم بسند صحيح (¬2) {40}. (ورد) بأن الأثرين ضعيفان فإن في سنديهما هشام بن سعيد. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه ابن معين وأحمد والنسائي. وعلى تسليم الصحة لا يكون ما وقع من الصحابة حجة "ولا سيما إذا خالف الممنوع" إلا أن يكون اجماعاً. (فائدة) ذكر أبو العباس بن القاص وبعض الفقهاء: أن من خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز مكثه في المسجد مع الجنابة ومثله سيدنا علي كرم الله وجهه (لما روي) على بن المنذر بالسند إلى أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعلي: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك. أخرجه الترمذي وقال: حسن ¬

(¬1) انظر صفحة 138 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد). (¬2) انظر صفحة 111 ج 1 كشاف القناع (فصل: من لزمه الغسل حرم عليه الاعتكاف).

غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث واستغربه (¬1) {358}. (ورد) بأنه ضعيف لا يحتج به ولا تثبت به الخصوصية. وتحسين الترمذي له غير مسلم، لأن مداره على سالم بن أبى حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان جداً شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث. وقد أجمع العلماء على تضعيف سالم وغلوه في التشيع (¬2). 2 - دخول الحمام الحمام- بشد الميم- مؤنث وقد يذكر وهو مكان معد للغسل يجوز دخوله للرجال إذا أمن النظر إلى العورة وكشفها، ولا يجوز للنساء الا للضرورة مع غض البصر وستر العورة (لحديث) عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. ومن كانت تؤمن بالله واليوم الأخر، فلا تدخل الحمام. أخرجه أحمد وفيه أبو خيرة قال الذهبي لا يعرف (¬3) {359}. (وقالت عائشة): نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال والنساء عن دخول الحمام. ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المازر ولم يرخص للنساء. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وفي سنده أبو عذرة مجهول وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم (¬4) {260}. ¬

(¬1) انظر صفحة 330 ج 4 تحفة الاحوذي (مناقب علي). (¬2) انظر صفحة 162 ج 2 مجموع النووي (مكث الجنب في المسجد). (¬3) انظر صفحة 150 ج 2 - الفتح الرباني (حكم دخول الحمام). (¬4) انظر صفحة 149 ج 2 - الفتح الرباني (حكم دخول الحمام). وصفحة 338 ج 2 تيسير الوصول (الحمام). وصفحة 20 ج 4 تحفة الاحوذي (دخول الحمام).

(وقالت) لنسوة دخلن عليها من نساء الشام: لعلكن من الكورة التي يدخل نساؤها الحمام؟ قلن نعم. قالت أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها الا هتكت ما بينها وبين الله من حجاب. أخرجه أبو داود والترمذي بسند رجاله رجال الصحيح وحسنه الترمذي (¬1) {361}. (وشدد) في أمر النساء، لأنه مبني على المبالغة في الستر (وعن) عبد الله ابن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار. وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء. أخرجه أبو داود. وفي سنده عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم تكلم فيه غير واحد (¬2) {362}. (وقال) المنذري: أحاديث الحمام كلها معلولة. وإنما يصح منها عن الصحابة أي إنما صح منها الموقوف. ومنه ما روي عن علي وابن عمر قالا: بئس البيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء هذا والمعول عليه أن دخوله في زماننا حرام للرجال وللنساء، لتحقق كشف العورة منهن ومن فسقة الرجال، ولما فيه من كثير من المفاسد. فقد خلعن برقع الحياء لدخولهن الحمام مكشوفات العورات. وإن قدر أن امرأة منهن سترت شيئاً من عورتها عبن ذلك عليها وأسمعنها ¬

(¬1) انظر صفحة 338 ج 2 تيسير الوصول (الحمام). و (الكورة) بضم الكاف البلد او الناحية. وفي رواية ابن ماجه من أهل حمص وهي بلدة في الشام (والا هتكت) لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من ان يراها اجنبي فليس لهن ان يكشفن عورتهن حتى في الخلوة الا عند ازواجهن فاذا كشفت عورتها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر التي أمرها الله به. انظر صفحة 69 ج 4 عون المعبود. (¬2) انظر صفحة 39 ج 4 سنن أبي داود (الحمام).

قوارص الكلام حتى تزيل السترة. (وهناك) محرم آخر أشد وهو رؤية اليهودية والنصرانية عورة المسلمة. ونظر الذمية إلى بدن المسلمة حرام كنظر الأجنبي لها. فلا يجوز لمسلم أن يأذن لأحد من أهله في دخول الحمام إلا إذا كانت خلوة لا ترى فيها المرأة ولا يدخل عليها أحد. وهذا متعسر بلا متعذر. وبيت المرأة هو الحصن والستر المنيع المانع لها من المفاسد "روي" ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وإنها "أقرب ما تكون إلى الله تعالى وهي في قعر بيتها". أخرجه الطبراني في الكبير. ورجاله موثقون (¬1) {363}. (والمرأة) إذا أرادت دخول الحمام تأخذ أفخر ثيابها وأنفس حليها وتتبرج وتتزين بعد الغسل. فإذا ما رأتها امرأة أخرى اقل منها شأناً في ذلك طالبت زوجها بمثله وقد يكون معسراً لا قدرة له على إجابة طلبها، فتتولد المفاسد والشحناء وتتزايد البغضاء (وليحذر) الرجل أيضاً من دخول الحمام، لأن الفسقة- وكثير ما هم- لا يتورعون عن كشف العورة داخل الحمام. ولا يجوز اجتماع مستور العورة مع مكشوفها تحت سقف واحد (فمن) علم أو ظن شيئاً من هذه المفاسد حرم عليه دخوله ومن توهم كره له (أما) من أمكنه غض بصره بحيث لا يرى عورة أحد ولا يكشف عورته لأحد ولا يقر منكراً، فيباح له دخوله. (ويجوز) للحمامي أخذ أجرة الحمام وان لم يعلم مقدار ما يستعمل من الماء ولا مقدار المكث فيه، لأن جهالة المنفعة في مثل هذا مغتفرة للتعارف وإن كان القياس يأباه، لوروده على إتلاف العين مع الجهالة. ¬

(¬1) انظر صفحة 35 ج 2 مجمع الزوائد (خروج النساء إلى المساجد).

(جـ) التيمم

(جـ) التيمم هذا هو المقصد الثالث من مقاصد الطهارة. أخر عن الوضوء والغسل اقتداء بالكتاب، ولأنه بدل عنهما، لذا لا يصار إليه إلا عند العجز. وهو لغة: القصد. وشرعاً القصد إلى الصعيد الطاهر لمسح الوجه واليدين بضربة او ضربتين بنية استباحة ما منعه الحدث لمن لم يجد الماء او خشي الضرر من استعماله. (وهو) مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: (وإن كنتم مرضى او على سفر او جاء أحد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه) من آية 6 - المائدة (وعن) ابي إمامة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: جعلت الأرض كلها لي ولامتي مسجداً وطهوراً: فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات الا سيار الاموي. وهو صدوق (¬1) {364}. (والتيمم) من خصائص هذه الأمة (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض - وفي رواية "ولأمتي" مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث لقومه خاصة وبعثت للناس عامة. أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {365}. ¬

(¬1) انظر صفحة 187 ج 2 - الفتح الرباني (اشتراط دخول الوقت للتيمم). (¬2) انظر صفحة 187 منه. وصفحة 298 ج 1 فتح الباري (التيمم).

(وهو) رخصة في المحل حيث اقتصر فيه على مسح الوجه واليدين. وفي الالة حيث اكتفى فيه بالصعيد- ثم الكلا. ينحصر في عشرة مباحث. (أ) أسباب التيمم- هي ثلاثة أقسام- (1) سبب مشروعيته ما في حديث عائشة قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض إسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي، فأقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبى بكر فقالوا: الا ترى الى ما صنعت عائشة؟ فجاء ابو بكر والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فعاتبني وقال ما شاء الله ان يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما يمنعني من التحرك الا مكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على فخذي فنام حتى أصبح على غير ماء. فأنزل الله تعالى آية التيمم "فتيمموا" قال اسيد بن حضير: ما هي أول بركتكم يا آل ابي بكر. قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. أخرجه مالك والخمسة الا الترمذي (¬1) {366}. (ب) وسبب وجوبه ما تقدم في الوضوء والغسل (¬2). (جـ) وسبب اباحته فقد الماء حقيقة او حكماً، بأن وجده ولكنه عجز عن استعماله لعذر من الاعذار الاتية في بحث الفقد الحكمي. (أما الفقد الحقيقي) فيتحقق عند الحنفيين ببعد الماء مقدار ميل (¬3) (¬4). ¬

(¬1) انظر صفحة 323 ج 2 تيسير الوصول (التيمم). (¬2) انظر صفحة 217 (سبب وجوب الوضوء) وصفحة 304 (موجبات الغسل). (¬3) (الميل) اربعة الاف ذراع فلكي. والذراع 46 سنتيمتراً. ستة واربعون وثلاثة اثمان سنتيمتر، فيكون الميل 1855 خمسة وخمسين وثمانمائة والف متر. (¬4) (الميل) أربعة آلاف ذراع فلكي. والذراع 46 سنتيمتراً. ستة واربعون وثلاثة اثمان سنتيمتر، فيكون الميل 1855 خمسة وخمسين وثمانمائة والف متر.

(وعند) المالكيين ببعده ميلين. وعند الشافعيين ببعده عنه أكثر من نصف فرسخ أي اكثر من ميل ونصف ميل (وعند) الحنبلية ببعده عرفاً. (فيتيمم) المحدث حدثاً أكبر أو اصغر - إذا فقد الماء الكافي لطهارته من حدث وخبث- لكل ما يتوقف على الطهارة المائية (لحديث) عمران بن حصين رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي؟ قال أصابتني جنابة ولا ماء قال. عليك بالصعيد فإنه يكفيك. أخرجه الشيخان والنسائي (¬1) {367}. (والصعيد) التراب الطاهر او ما على وجه الأرض من تراب وغيره على ما يأتي بيانه أن شاء الله تعالى (ودل) قوله "يكفيك" على ان المتيمم في مثل هذه الحال لا يلزمه القضاء. (ويحتمل) ان يكون المراد يكفيك للأداء. فلا يدل على ترك القضاء. والأول أظهر (والحديث) يدل على مشروعية التيمم عند عدم الماء للجنب وغيره بالأولى. وعليه الإجماع (ولم يخالف) فيه أحد إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب (وإذا) صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء، وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، للأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم "الجنب يغسل بدنه إذا وجد الماء". هذا. ولا يجوز التيمم لفاقد الماء الا بعد طلبه وتبين عدم وجوده (لقول) عائشة: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلو المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقداً وأقبل أبي فلكزني لكزة شديدة وقال: أحبست الناس في قلادة؟ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وعلى ¬

(¬1) انظر صفحة 325 ج 2 تيسير الوصول (التيمم). ورواه البخاري صفحة 305 ج 1 فتح الباري (الصعيد الطيب وضوء المسلم).

آله وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الناس الماء فلم يوجد. فنزلت: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الآية 6 - المائدة. فقال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبى بكر. ما أنتم إلا بركة لهم. أخرجه البخاري والبيهقي (¬1) {368}. "وبوجوب" طلب الماء في العمران وما قرب منه قبل التيمم "قالت" الأئمة الأربعة ظن قربه ام لا (اما المسافر) فيجب عليه عند الحنفيين طلبه ولو برسوله ان ظن قربه دون ميل بإمارة كرؤية خضرة او طير او بأخبار عدل مكلف من الامن (وإن) كان مع رفيقه ماء وظن أو شك ان سأله أعطاه، لزمه طلبه منه قبل التيمم. فإن منعه ولو دلالة بأن استهلكه تيمم وصلى (وكذا) لو غلب على ظنه أنه لا يعطيه يتيمم بلا طلب (وإن) لم يعطه الا بالثمن، لزمه شراؤه بثمن المثل في ذلك الموضع او في أقرب موضع اليه او بزيادة يسيرة ان كان قادراً عليه ولو بمال غائب اذا امكنه الشراء نسيئه وكان فاضلاً عن حاجته (فإن) لم يعطه الا بغبن فاحش "وهو ضعف القيمة" او لم يكن قادراً على الثمن، او ليس فاضلاً عن حاجته، لا يلزمه شراؤه ويتيمم (وقالت) المالكية: اذا ظن او شك وجود الماء في مكان اقل من ميلين، لزمه طلبه ان لم يشق عليه (ويلزمه) طلبه من رفقته ان اعتقد او ظن او شك او توهم انهم لا يبخلون به (فإن) تيمم حينئذ ولم يطلبه، أعاد الصلاة في الوقت وبعده ان اعتقد او ظن انهم يعطونه الماء. وأعاد في الوقت فقط ان شك في ذلك. ولا يعيد مطلقاً ان توهم (ومحل) لزوم الاعادة ان لم يتبين عدم الماء معهم، فإن تبين عدمه فلا اعادة مطلقاً. ويلزمه شراء ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 8 فتح الباري (قوله فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً).

الماء بثمن معتاد لم يحتج اليه ولو بدين ان كان غنياً ببلده (وقالت) الشافعية: يجب على فاقد الماء طلبه من رفقته ولو بمن يثق به ان كان في الوقت سعة. والا تيمم وصلى بلا طلب. وان لم يجده في رفقته. (أ) فإن كان في حدث الغوث "بأن يكون في مكان لا يبعد عن رفقته بحيث لو استغاث بهم أغاثوه" وتيقن وجوده، لزمه طلبه ان امن على نفسه وماله وان لم يأمن بقاء الوقت (وكذا) يلزمه طلبه ان توهم وجوده وأمن على نفسه وماله وأمن من الانقطاع عن رفقته ومن خروج الوقت. (ب) وإن كان الماء في حد القرب "بأن يكون بينه وبين الماء نصف فرسخ فأقل" لا يجب عليه طلبه الا ان تيقن وجوده وأمن على نفسه وماله وإن لم يامن بقاء الوقت (وقالت) الحنبلية: يجب على فاقد الماء طلبه في رحله وما قرب منه عادة ومن رفقته ما لم يتيقن عدمه (وكيفية) طلب الماء ان يطلبه اولاً في رحله ورفقته ثم إن رأى خضرة او شيئاً يدل عليه قصده. وإن كان بقربه مكان مرتفع طلبه عنده. وإن كان بمستو من الأرض نظر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره. وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن مياهه. وإن دل على ماء قصده وجوباً إن كان قريباً ما لم يخف على نفسه او ماله، او يخشى فوات رفقته او فوات الوقت. وإن تيقن عدم الماء لا يلزمه طلبه. (فائدة) من كان على بدنه نجاسة وعنده ماء لا يكفي الا لرفع الحدث او ازالة النجاسة أزالها وتيمم اتفاقاً ومن كان محدثاً وعنده ماء لا يكفي للطهارة، فهو في حكم المعدوم عند الحنفيين ومالك والثوري والاوزاعي (وقالت) الشافعية في المشهور عنهم وداود الظاهري: يجب استعماله فيما يفي به ويتيمم للباقي. وهو رواية عن أحمد (لحديث) أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {369}. ¬

(¬1) انظر ص 157 ج 1 - الفتح الرباني. وصدره: ذروني ما تركتكم. وص 329 ج 1 نيل الأوطار (من وجد ما يكفي بعض طهارته يستعمله).

(وهذا) الحديث أصل من الأصول العظيمة وقاعدة من القواعد النافعة. ويؤيده قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) من اية 16 - التغابن. فيصح الاستدلال بالحديث على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وعلى وجوب الاتيان بما دخل تحت الاستطاعة من المأمور به وأنه ليس مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجباً للعفو عن جميعه. (وأما الفقد الحكمي) فأسبابه خمسة: 1 - خوف الضرر: "فمن خاف" من استعمال الماء- بغلبة الظن او تجربة او اخبار طبيب مسلم حاذق - حدوث مرض او زيادته او تأخير برء "تيمم" (وعند) الشافعية يكفي كون الطبيب حاذقاً ولو كافراً إن صدقه المتيمم. ولا تكفي التجربة على الراجح (ودليل) اباحة التيمم لخوف الضرر حديث الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: قتلوه قتلهم الله. ألا سألوا اذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال. إنما كان يكفيه ان يتيمم ويعصر او يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده. أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني وقال: لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير وليس بالقوى وخالفه الاوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس (¬1) {370}. ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 3 - المنهل العذب (المجروح يتيمم) وص 227 ج 1 سنن البيهقي. وص 69 سنن الدارقطني. و (العي) بكسر العين وشد الياء الجهل. وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث الاوزاعي عن عطاء عن ابن عباس الى قوله صلى الله عليه وسلم: ألم يكن شفاء العي السؤال؟ وهو الصواب. انظر ص 160 ج 1 - الفتح الرباني. وص 192 ج 3 - المنهل العذب (المجروح يتيمم). وص 104 ج 1 سنن ابن ماجه (المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه ان اغتسل). و (أخرجه) البيهقي من عدة طرق وضعفه وقال: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء لكن صح عن ابن عمر فعله. انظر ص 228 ج 1 سنن البيهقي (المسح على العصائب).

(وعن) ابن عباس في قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى او على سفر) قال صلى الله عليه وسلم: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله او القرح او الجدري فيجنب فيخاف ان اغتسل ان يموت فليتيمم. أخرجه البيهقي والحاكم (¬1) {371}. (وإلى هذا) ذهب عامة العلماء الا ما روي عن الحسن وعطاء من عدم جواز التيمم للمريض الا عند عدم الماء لظاهر قوله تعالى: (فلم تجدوا ماءً فتيمموا) (ورد) بأن الاية مصروفة عن ظاهرها بالاحاديث السابقة. فمعناها والله أعلم. وإن كنتم مرضى وعجزتم او خفتم من استعمال الماء ضرراً او كنتم على سفرٍ فلم تجدوا ماءً فتيمموا (فائدة) من لم يضره استعمال الماء ولكنه لا يقدر على استعماله بنفسه ولم يجد من يوضئه تيمم. أما لو وجد من تلزمه طاعته كخادمه وولده وضأه ولا يتيمم اتفاقاً. وكذا إن وجد غيره ممن لو استعان به لأعانه عند غير أبي حنيفة. (وقال) ابو حنيفة: يتيمم لأن القادر بالغير لا يعد قادراً. 2 - خوف البرد: فمن خاف من استعمال الماء ان يهلكه البرد او يلحق به ضرر، تيمم (لقول) عمرو بن العاص: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت ان اغتسلت ان اهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح. ¬

(¬1) انظر ص 224 ج 1 بيهقي (الجريح والقريح والمجدور يتيمم اذا خاف التلف). و (القرح) بفتح فسكون، الجرح. وقيل: بالفتح الجرح وبالضم ألمه. و (الجدري) بضم الجيم وفتحها وفتح الدال، قروح تنفط عن الجلد ممتلئة ماء، ثم تنفتح. وصاحبها مجدور.

فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له. فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت ذكرت قول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) عجز اية 29 - النساء فتيممت ثم صليت. فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل شيئاً. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم (¬1) {372}. (دل) على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقر باطلاً. والتبسم والاستبشار أقوى دلالة على الجواز من السكوت "وإلى جواز" التيمم لمن خاف من البرد تلفاً او مرضاً ان تطهر بالماء، "ذهب" جمهور السلف والخلف بشرط ألا يقدر على تسخين الماء او اجرة حمام ولم يجد ثوباً يدفئه ولا مكاناً يأويه. (ومن) صلى بالتيمم لا اعادة عليه إذا وجد الماء، لأنه أتى بما قدر عليه وأمر به. ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر عمرو بن العاص بالاعادة. ولو كانت واجبة لأمره بها. (وبهذا) قال ابو حنيفة ومالك والثوري وابن المنذر. عملاً بحديث عمرو بن العاص وبحديث عمران بن حصين السابق (¬2). (وقالت) الشافعية: اذا تيمم للبرد او لنسيان الماء في رحله او اضلاله فيه، اعاد الصلاة (واذا) تيمم للمرض او لفقد آلة او الخوف نحو سبع او لخوف غرق او لحاجة ضرورية الى الماء او ثمنه فلا اعادة عليه. (واذا) تيمم لفقد الماء. اعاد ان كان عاصياً بسفره "ولو في مكان يغلب فيه فقد الماء" او كان في مكان ¬

(¬1) يأتي رقم 114 ص 82 ج 3 - الدين الخالص (اقتداء متوضيء بمتيمم). طبعة ثانية (¬2) تقدم رقم 367 ص 336 (أما الفقد الحكمي).

يغلب فيه الماء وهو حاضر او مسافر مطلقاً (وان) كان في مكان يندر فيه الماء وهو غير مسافر سفر معصية فلا اعادة عليه، ولا دليل على هذا التفصيل. وحديث عمرو بن العاص يرده. 3 - الخوف من عدو: يباح التيمم لمن (أ) خاف عدواً حال بينه وبين الماء انساناً كان او غيره كالحية والسبع. وسواء أخاف على نفسه ام ماله. وقدر بدرهم ولو وديعة. (ب) او خاف فوات مطلوبه باستعمال الماء كعدو خرج في طلبه او ابق او شارد يريد تحصيله، لأن في فوته ضرراً وهو منفي شرعاً (¬1) (ثم ان) نشأ الخوف لوعيد عبد أعاد الصلاة عند الحنفيين والا فلا (وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية: لا يعيد مطلقاً، لأنه ادى الصلاة بوجه مشروع. 4 - الاحتياج للماء: يباح التيمم لمن خاف حالاً او مآلاً عطش نفسه او رفيقه او دابته او دابة رفيقة، ولو كلباً غير عقور. وهذا اذا تعذر حفظ الغسالة لها (وكذا) الماء المحتاج اليه لعجن او ازالة نجاسة غير معفو عنها، يباح التيمم مع وجوده. بخلاف ما احتيج اليه لطبخ ما لا ضرورة اليه (ودليل) ذلك قول علي رضي الله عنه: اذا اصابتك جنابة فأردت ان تتوضأ- او قال تغتسل- وليس معك من الماء الا ما تشرب وانت تخاف فتيمم. أخرجه البيهقي (¬2) {41}. ولأنه لما خاف الضرر على نفسه أشبه المريض بل أولى (وقال) أحمد: عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا الماء لشفاههم. ولا فرق في الرفيق بين الملازم وغيره من أهل الركب، ويلزم من معه الماء بذله لعطشان يخشى تلفه. ¬

(¬1) انظر ص 121 ج 1 كشاف القناع (التيمم). (¬2) انظر ص 234 ج 1 بيهقي (الجنب او المحدث يجد ماء لغسله وهو يخاف العطش فيتيمم).

5 - فقد الالة: يباح التيمم لفقد آلة طاهرة يخرج بها الماء كحبل ودلو ولو لم يخف فوت الوقت عند الثلاثة (وكذا) عند المالكية ان يئس من وجود الماء او الته اخر الوقت (أما) المتردد في وجود ذلك فإنه يتيمم وسط الوقت (ومن) قدر على اخراج الماء بثوب يرسلها فيه لزمه ولا يتيمم ان لم تنقص قيمة الثوب بذلك قدر درهم عند الحنفيين وأكثر من ثمن ما يستخرجه بها عند غيرهم. والا تيمم ولا اعادة عليه اتفاقاً. (وعلى الجملة) أنه متى أمكنه استعمال الماء بوجه من الوجوه من غير أن يلحقه ضرر في نفسه او ماله، لزمه استعماله والا فلا. 2 - شروط التيمم: يشترط له ما يشترط في الوضوء والغسل. ويزاد له هنا (أ) في شروط الصحة فقد الماء حقيقة او حكماً وطلبه على ما تقدم. ويشترط أيضاً عند الحنفيين. 1 - النية على ما يأتي بيانه. 2 - وكون المسح باليد او بأكثرها او بما يقوم مقامها كتحريك وجهه ويديه في الغبار. فلو مسح بأصبعين لا يكفي ولو كرر حتى استوعب بخلاف مسح الرأس. 3 - وتعميم الوجه واليدين بالمسح على الصحيح المفتي به فينزع الخاتم ويخلل الاصابع. 4 - وكون التيمم بضربتين او ما يقوم مقامهما كما لو حرك رأسه ويديه في موضع الغبار بنية التيمم. وهذا هو الاصح. واختار شمس الائمة السرخسي ان الضرب ركن لما سياتي في بحث الاركان. (ب) ويزاد في شروط الصحة والوجوب عند الحنفيين. 1 - الاسلام فلا يجب التيمم على الكافر، لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة ولا يصح منه، لأنه ليس أهلاً للنية. 2 - وجود الصعيد المطهر، لقوله تعالى: (فتيمموا صعيداً طيباً) فلا يجب التيمم على فاقده ولا يصح منه بغيره ولو كان طاهراً كالأرض المتنجسة اذا جفت فإنها طاهرة تصح الصلاة عليها دون التيمم كما سيأتي في بحث ما يتيمم به إن شاء الله. (جـ) ويزداد في شروط الصحة

والوجوب عند غير الحنفيين دخول الوقت فلا يجب ولا يصح التيمم قبل الوقت عند مالك والشافعي وأحمد وداود الظاهري وغيرهم، لقوله تعالى: (إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا) الاية. ولا قيام قبل دخول الوقت "والوضوء خصه الاجماع والسنة" (وتقدم) عن أبي أمامة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: جعلت الارض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً. فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬1) {373}. (فهو) يدل بظاهره على أن دخول الوقت شرط للتيمم (وقال) الحنفيون وابن شعبان المالكي: يجوز التيمم قبل الوقت وبعده لاطلاق النصوص الواردة في التيمم، ولأنه بدل الوضوء فيجوز قبل الوقت كالوضوء. وهذا هو الظاهر. وما ذكره المخالف لا يدل على مدعاه. أما الحديث فظاهر. وأما قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) فمعناه أردتم القيام لها. وإرادته تكون في الوقت وقبله. فلا دليل على اشتراط الوقت في الطهارة مطلقاً حتى يقال خصص الوضوء بالاجماع. 3 - ما يتيمم به: اتفق العلماء على صحة التيمم بالتراب الطاهر. واختلفوا فيما عداه (فقال) أبو حنيفة ومحمد: يصح بكل طاهر من جنس الارض وهو ما لا يصير رماداً بالحرق ولا يلين بالنار كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة (¬2) والكحل والزرنيخ (أما) ما يصير رماداً اذا احترق كالحطب والخشب وما يلين بالنار كالحديد والرصاص، فلا يصح التيمم عليه اذا لم يكن ¬

(¬1) تقدم رقم 364 ص 335 (التيمم). (¬2) (النورة) بضم النون حجر يحرق ويخلط بزرنيخ وغيره يزال به الشعر.

عليه غبار (وقال) ابو يوسف: لا يصح الا بالتراب والرمل (وقال) مالك: يصح بكل ما كان من جنس الأرض اذا لم يحرق. وجوزه بعض أصحابه بكل ما اتصل بالارض حتى الثلج والنبات الذي لا يمكن قلعه ولم يوجد غيره وضاق الوقت (وقال) الشافعي وأحمد وداود الظاهري وابن المنذر: لا يجوز التيمم بالا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو لقوله تعالى: (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وما لا غبار له كالصخر لا يمسح بشيء منه (وقال) ابن عباس الصعيد تراب الحرث. (ويؤكده) حديث علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أعطيت ما لم يعط أحد من الانبياء. فقلنا يا رسول الله ما هو؟ قال نصرت بالرعب. وأعطيت مفاتيح الارض. وسميت أحمد. وجعل التراب لي طهوراً. وجعلت امتي خير الأمم. أخرجه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة. وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سييء الحفظ قال الترمذي: صدوق وقد تكلم فيه من قبل حفظه واحتج به أحمد وغيره. فالحديث حسن (¬1) {374}. (وعن) حذيفة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة. وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً. وجعلت تربتها لنا طهوراً اذا لم نجد الماء وذكر خصلة أخرى. اخرجه مسلم (¬2) {375}. (وجه) الدلالة أنه خص التراب بحكم الطهارة وهو يقتضي نفي الحكم عما عداه [وقال] الاوزاعي والثوري: يجوز بالثلج وكل ما علا الأرض (والأصح) ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 مجمع الزوائد (التيمم). (¬2) انظر ص 4 ج 5 نووي مسلم (المساجد) وكون الأرض مسجداً وطهوراً خصلة واحدة. والخصلة الأخرى قوله صلى الله عليه وسلم: "وأوتيت هذه الآيات من آخر البقرة من كنز تحت العرش".

قول ابي حنيفة ومالك، لقول الزجاج: الصعيد اسم لوجه الأرض تراباً كان او غيره. (ولحديث) عمار بن ياسر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: إنما كان يكفيك ان تصنع هكذا وضرب بيديه على الارض ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه. أخرجه ابو داود من عدة طرق ومسلم (¬1) {376}. 4 - أركان التيمم: هي (أ) عند المالكية النية، والضربة الاولى، ومسح الوجه والكفين، والموالاة. (ب) وعند الحنبلية مسح الوجه مع اللحية سوى ما تحت شعره ولو خفيفاً وسوى الفم والانف ومسح الكفين، والترتيب، والموالاة في حدث أصغر. (جـ) وعند الشافعية: النية، ومسح الوجه واليدين مع المرفقين، والترتيب وايصال التراب الطهور الى الاعضاء قصداً. (د) وعند الحنفيين: مسح الوجه واليدين مع المرفقين. 1 - (النية) هي ركن عند المالكية والشافعية. وشرط صحة عند الحنفيين وأحمد. وتكون عند وضع يد المتيمم على ما يتيمم به عند الحنفيين والمالكيين (وعند) الشافعية يشترط مقارنتها لنقل التراب ومسح شيء من الوجه. وعند أحمد يصح تقدمها على المسح بزمن يسير دفعاً للحرج (وكيفيتها) عند الحنفيين ان ينوي استباحة الصلاة، او رفع الحدث القائم به، او الطهارة منه. ولا يشترط تعيينه حتى لو كان جنباً ونوى الطهارة من الحدث الاصغر، أجزأه او ينوي عبادة مقصودة. وهي ما شرعت ابتداء تقرباً الى الله تعالى لا تصح بدون طهارة كالصلاة وسجدة التلاوة. وهذا شرط لصحة الصلاة به. فلا يصلي به اذا نوى التيمم فقط، او نواه الجنب او المحدث لمس المصحف، أو نواة الجنب لدخول ¬

(¬1) انظر ص 164 ج 3 - المنهل العذب (التيمم). وص 61 ج 4 نووي مسلم (التيمم).

المسجد للاعتكاف، أو نواه المحدث لقراءة القرآن (وكيفيتها) عند المالكية والشافعية والحنبلية: ان ينوي فرض التيمم او استباحة ما منعه الحدث ويتوقف على الطهارة كالصلاة والطواف. ولا يصح نية رفع الحدث، لأن التيمم لا يرفعه عندهم كما تقدم (ومحلها) القلب. والتلفظ بها غير مشروع بل بدعة. وتقدم تمام الكلام عليها في الوضوء (¬1). 2 - (استعمال الصعيد) يلزم استعمال الصعيد المطهر بالمسح او الضرب او بأي حال اتفاقاً. واختلفوا في كيفيته (فقال) أبو حنيفة والثوري والشافعي وأكثر الفقهاء. التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين (لحديث) جابر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين. أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني، وقال: رجاله ثقات، والصواب وقفه. وقال الحاكم والذهبي: اسناده صحيح (¬2) {377}. (وعن) نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين الى المرفقين. أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وقال: الصواب بهذا اللفظ عن ابن عمر موقوف (¬3) {42}. (وقال) عطاء ومكحول وداود الظاهري والاوزاعي واحمد واسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث: الواجب في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو رواية ¬

(¬1) انظر ص 268 (فروض الوضوء). (¬2) انظر ص 180، ج 1 مستدرك (أحكام التيمم). وص 207 ج 1 بيهقي (كيف التيمم). وص 66 سنن الدارقطني. (¬3) انظر ص 66 سنن الدارقطني. وص 180 ج 1 مستدرك. وص 207 ج 1 سنن البيهقي (كيفية التيمم).

عن مالك والزهري (لقول) عمار بن ياسر: سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (¬1) {378}. (والمشهور) عند المالكية ان الضربة الاولى فرض والثانية سنة. 3 - (مسح الوجه) هو ركن اتفاقاً لقوله تعالى: "فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم" فيفترض مسح جميع بشرة وشعر الوجه. ومنه العذار وهو الشعر النازل على اللحيين والبياض الذي بينه وبين الاذن والوترة "بفتحات" وهي الفاصل بين طاقتي الانف. والاجفان وما فوق العينين ولو ترك شعرة او طرف أنفه او أي جزء من وجهه لا يصح تيممه. 4 - (مسح اليدين) هو ركن اتفاقاً، لقوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) واختلفوا فيما يفترض مسحه من اليدين (فعند) الحنفية والشافعية يفترض مسح اليدين مع المرفقين، لما تقدم عن جابر وابن عمر (¬2) ويلزم نزع الخاتم والسوار او تحريكهما عند الحنفيين لأن الفرض هو المسح لا وصول الغبار. والتحريك مسح لما تحته (وعند) الشافعية يلزم نزعهما ولا يكفي التحريك. (وعند) المالكية والحنبلية: الفرض مسح الكفين، لحديث عمار المتقدم (¬3) ففيه دلالة على أنه يكفي ضربة واحدة للوجه والكفين جميعاً (وللاخرين) ان يجيبوا عنه بأن المراد هنا صورة الضرب للتعليم. وليس المراد بيان جميع ما يحصل ¬

(¬1) انظر ص 185 ج 2 - الفتح الرباني. وص 166 ج 3 - المنهل العذب (التيمم). وص 133 ج 1 تحفة الاحوذي (ما جاء في التيمم). (¬2) حديث جابر تقدم رقم 377 ص 345 (استعمال الصعيد) وأثر ابن عمر تقدم رقم 42 ص 345. (¬3) تقدم رقم 378 ص 346 (استعمال الصعيد).

به التيمم. فقد أوجب الله تعالى غسل اليدين الى المرفقين في الوضوء ثم قال في التيمم (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) والظاهر أن اليد المطلقة هنا هي المقيدة بالمرفقين في الوضوء في أول الآية. فلا يترك هذا الظاهر إلا بصريح (4) (ويؤيده) حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين. أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه على بن ظبيان ضعفه يحيي بن معين وقال ابو علي النيسابوري لا بأس به (¬1) {379}. ولم يختلف أحد من أهل العلم أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين (¬2) هذا. والأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين أخذ بالاحتياط وعمل بأحاديث الطرفين، لاشتمال الضربتين على ضربة ومسح الذراعين الى المرفقين على مسح الكفين دون العكس (¬3). 5 - (الموالاة) وهي ألا يفصل بين مسح العضوين بقدر ما يقطع التتابع في الوضوء. وهي ركن عند المالكية في التيمم مطلقاً. وكذا عند الحنبلية في التيمم عن حدث أصغر لا أكبر، لأن التيمم بدل عن الطهارة المائية والموالاة فرض في الوضوء دون الغسل. فكذا في التيمم القائم مقامه (وقالت) الحنفية والشافعية: الموالاة سنة في التيمم مطلقاً كالطهارة المائية. 6 - (الترتيب) هو ركن عند الشافعية في التيمم مطلقاً، وكذا عند ¬

(¬1) انظر ص 262 ج 1 مجمع الزوائد (التيمم). (¬2) انظر ص 99 ج 1 معالم السنن (التيمم). (¬3) انظر ص 150 ج 3 - المنهل العذب (صفة التيمم).

الحنبلية في التيمم عن حدث أصغر، لما تقدم في الموالاة (وقالت) الحنفية والمالكية: الترتيب سنة في التيمم مطلقاً. 7 - (إيصال التراب الطهور إلى أعضاء التيمم) هو ركن عند الشافعية وشرط عند الحنبلية (وقال) أبو حنيفة ومالك: إنه ليس بشرط، لما تقدم في بحث ما يتيمم به (وسبب) اختلافهم الاشتراك الذي في حرف "من" في قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وذلك أن "من" قد ترد للتبعيض وقد ترد لتنويع الجنس (فمن) ذهب الى إنها للتبعيض، أوجب نقل التراب إلى أعضاء التيمم (ومن) رأى أنها لتنويع الجنس قال: ليس النقل واجباً (والشافعي) إنما رجح محلها على التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء لكن يعارضه. (أ) تيمم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الحائط (¬1) (ب) وحديث عمارة وفيه: إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تمسحهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. أخرجه الدارقطني (¬2) {380}. 5 - سنن التيمم- للتيمم سنن كثيرة المذكور منها هنا ثنتا عشرة: 1 - التسمية في أوله بأن يقول: باسم الله والحمد لله (وهي) سنة عن الحنفيين والشافعية. (ومندوبة) عند المالكية، لما تقدم في الوضوء (وواجبة) على الذاكر القادر عند الحنبلية. فمن تركها عمداً بطل تيممه. 2 - السواك بعد التسمية وقبل نقل التراب 3 - 5 - إقبال اليدين بعد وضعهما في التراب ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 1 بداية المجتهد (صفة هذه الطهارة). (¬2) انظر ص 66 سنن الدارقطني.

وإدبارهما، ونفضهما بقدر ما يتناثر التراب من يده، منعاً من تلويث الوجه واتباعاً للسنة. 6 - تفريج الأصابع حال الضرب مبالغة في التطهير 7 - 8 - تخليل اللحية والأصابع قبل مسح اليدين أو بعده وهذا إذا فرق أصابعه حال الضربة الثانية، وإلا كان التخليل واجباً عند الشافعية 9 و 10 - التيامن واستقبال القبلة كالوضوء. 11 - كونه بالكيفية الآنية 12 - تأخيره إلى الوقت المستحب (¬1) لمن رجا وجود الماء ظناً أو شكاً، ليقع أداء العبادة بأكمل الطهارتين في أكمل الوقتين. فإن انتظر ووجد الماء توضأ وإلا تيمم لثبوت العجز. وإن لم ينتظر وتيمم أول الوقت وصلى، صحت صلاته ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت (لحديث) أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معها ماء فتيمما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرا ذلك له. فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين. أخرجه النسائي وأبو داود والدارمي والحاكم والدارقطني (¬2) {381}. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وأحمد (وقالت) الشافعية: إن تيمم في مكان يغلب فيه وجود الماء لزمه الإعادة وإلا فلا. ولا دليل على هذا التفصيل. ¬

(¬1) بحيث يدرك الصلاة قبل خروج الوقت التي يندب تأخيرها إليه على ما يأتي بيانه في أوقات الصلاة. (¬2) انظر ص 326 ج 2 تيسير الوصول (التيمم). وص 190 ج 1 سنن الدارمي.

(ويؤيد) القول بعدم لزوم الإعادة وإن وجد الماء في الوقت حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين. أخرجه وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه ابن السكن (¬1) {382}. "فالحق" الذي دلت عليه النصوص كحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (¬2) " وقوله في حديث أبي سعيد "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك (¬3) " "أنه لا إعادة" لا في الوقت ولا بعده (أما) من وجد الماء قبل الصلاة وبعد التيمم لزمه الوضوء عند الائمة الاربعة والجمهور (وقال) داود الظاهري: لا يلزمه الوضوء، لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) عجز آية 33 محمد (ورد) بأن التيمم شرع للضرورة بدلاً عن الوضوء وقد تمكن منه قبل الدخول في الصلاة (وأما) من وجد الماء في أثناء الصلاة، فيلزمه الخروج منها وإعادتها بالوضوء عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد والأوزاعي والثوري والمزني (وقال) مالك وداود الظاهري: يستمر في صلاته وجوباً، لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) ولا إعادة عليه، لأنه دخلها بوجه مشروع. 6 - مكروهات التيمم- يكره في التيمم تكرير المسح وترك سنة من السنن المتقدمة (ويكره) أيضاً عند الحنبلية نفخ تراب خفيف. لئلا يذهب فيحتاج الى إعادة الضرب، فإن ذهب ما على اليدين بالنفخ أعاد الضرب ليحصل المسح بتراب (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 343 ج 5 - الفتح الرباني. وص 138 ج 1 مجتبي ولفظه: لا تعاد الصلاة (سقوط الصلاة عمن صلى مع الامام). وص 292 ج 4 - المنهل العذب. (¬2) تقدم رقم 369 ص 338 (من وجد ماء يكفي بعض الطهارة). (¬3) تقدم رقم 381 ص 348 (تأخير التيمم الى الوقت المستحب). (¬4) انظر ص 130 ج 1 كشاف القناع (صفة التيمم).

7 - كيفية التيمم- هي أن ينوي استباحة ما يتيمم له، ثم يسمى ويستاك ويضرب يديه على الصعيد مفرجتي الأصابع وينفضهما ثم يمسح وجهه وكفيه، او يعيد الضرب ثانياً ثم ينفضهما ثم يمسح بكل كف ذراع الاخرى ظاهرها وباطنها إلى المرفقين (لما) في حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما، وجهك وكفيك. أخرجه الدارقطني (¬1) {383}. (وبهذا) أخذ المالكية والحنبلية كما تقدم (وعن) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في التيمم بالصعيد أن يضرب بكفيه على الثري ثم يمسح بهما وجهه ثم يضرب ضربة أخرى فيمسح بهما ذراعيه إلى المرفقين. أخرجه البزار. وفي سنده سليمان بن داود الجزري وهو متروك (¬2) {384}. (وبهذا) أخذت الحنفية والشافعية والمالكية. 8 - ما يباح بالتيمم - التيمم يرفع الحدث الأصغر والأكبر ويباح به كل ما لا يصح الا بالطهارة كدخول المسجد للجنب وحمل القرآن. ويصلى به ما شاء من فرض ونفل ما لم يحدث او يجد الماء، لأنه بدل عن الطهارة المائية (ولحديث) أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين. فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ¬

(¬1) انظر ص 67 سنن الدارقطني (التيمم لكل صلاة). (¬2) انظر ص 262 ج 1 مجمع الزوائد التيمم (والثري) كالحصى، التراب الندى.

فإن ذلك خير. أخرجه الثلاثة وحسنه الترمذي والحاكم وصححه (¬1) {385}. (فقد) جعله وضوءاً عند عدم الماء مطلقاً. فوجب أن يكون حكمه حكم الوضوء (وبهذا) قال الحنفيون وابن المسيب والزهري والليث ابن سعد. (قال) البخاري: وقال الحسن يجزئه التيمم ما لم يحدث (¬2) {43} (وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية: التيمم مبيح فقط لا يرفع الحدث (لظاهر) ما تقدم عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت ان اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكروا ذلك له. فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ (الحديث). أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني (¬3) {386}. (وعليه) فلا يصلي به عند المالكية الا فرض واحد وما شاء من نفل بعده (ويباح) به عند الشافعية فرض واحد وما شاء من نوافل قبله وبعده (ويباح) به عند الحنبلية ما شاء من فرض ونفل في الوقت (لقول) ابن عمر "يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث". أخرجه البيهقي بسند صحيح وقال: وقد روي عن علي وابن عباس وعمرو بن العاص (¬4) {44}. ¬

(¬1) انظر ص 326 ج 2 تيسير الوصول (التيمم). و (وضوء) بفتح الواو أي مطهر. وقيل بضم الواو أي كوضوء المسلم. (¬2) انظر ص 305 ج 1 فتح الباري (الصعيد الطيب وضوء المسلم). (¬3) تقدم رقم 372 ص 340 (خوف البرد) من أسباب التيمم. (¬4) انظر ص 221 ج 1 بيهقي (التيمم لكل فريضة). وص 264 ج 2 مجمع الزوائد (كم يصلي بالتيمم؟ ).

(وقال) ابن عباس: من السنة الا يصلي الرجل بالتيمم الا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى. أخرجه البيهقي والطبراني في الكبير والدارقطني (¬1) {45} وفي سنده الحسن بن عمارة. ضعفه شعبة وسفيان الثوري وأحمد. (وإذا) كان الراجح القول الأول (ويؤيده) أيضاً حديث ابي ذر قال: اجتويت المدينة فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابل فكنت فيها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: هلك أبو ذر. قال ما حالك؟ قال كنت أتعرض للجنابة وليس قربى ماء. فقال: إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح (¬2) {387}. (فهو) دليل على (1) جواز التيمم للجنب، وإن تسبب في الجنابة وهو متفق عليه. (2) وعلى أن الصعيد مطهر يباح لمن تطهر به ما يباح لمن تطهر بالماء من صلاة وقراءة ودخول مسجد ومس مصحف وغيرها (3) وعلى أنه يجوز لفاقد الماء التيمم ما دام فاقده وإن تطاول العهد واستمر على ذلك الدهر (وذكر) العشر فيه ليس للتقييد بل للمبالغة قال ابن القيم: ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم التيمم لكل صلاة ولا أمر به، بل أطلق وجعله قائماً مقام الوضوء. وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكم الوضوء الا فيما اقتضى الدليل خلافه (¬3). (فائدتان) (الاولى) اعلم ان البدلية في التيمم بين الآلتين: الماء والتراب عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومالك وأحمد. وبين الفعلين أي الوضوء والتيمم ¬

(¬1) انظر ص 221 ج 1 بيهقي. وص 264 ج 2 مجمع الزوائد. (¬2) انظر ص 192 ج 2 - الفتح الرباني. وص 181 ج 3 - المنهل العذب (الجنب يتيمم). و (اجتويت المدينة) بالجيم أي وجدت هواءها وخيما لا يوافقني. (¬3) انظر ص 50 ج 1 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم في التيمم).

عند محمد. وعليه يجوز اقتداء المتوضيء بالمتيمم عند الأولين غير أنه يكره عند مالك وقال محمد: لا يجوز الا في الجنازة. (الثانية) من وجد الماء لكنه خاف باستعماله خروج الوقت (فعند) المالكية: يتيمم لغير جمعة وجنازة ويصلي ولا اعادة عليه. أما الجمعة إذا خاف خروجها باستعمال الماء، فالمشهور أنه لا يتيمم لها. وأما الجنازة فلا يتيمم لها الا فاقد الماء ان تعينت عليه (وقال) الحنفيون: يتيمم ولو كان الماء قريباً في حالين (1) لخوف فوت صلاة عيد كلها لو اشتغل بالطهارة المائة بأن خاف فراغ الامام او زوال الشمس. أما لو رجا إدراك بعضها مع الامام بعد الطهارة المائية فإنه لا يتيمم. (2) ولخوف فوت كل تكبيرات صلاة الجنازة لو اشتغل بالطهارة المائية ولو جنباً او نفساء (لقول) ابن عباس: إذا فجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم. أخرجه ابن عدي في الكامل وابن أبي شيبة والطحاوي والنسائي في كتاب الكني (¬1) {46}. (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتى الجنازة وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها. أخرجه البيهقي في المعرفة. وهو في حكم المرفوع (¬2) {47}. (ولو) حضرت جنازة أخرى. فإن أمكنه الوضوء بينهما ثم فات التمكن أعاد التيمم اتفاقاً (وإن) لم يمكنه الوضوء بينهما صلى عليها بتيممه للأولى خلافاً لمحمد (ولا يصح) التيمم مع القدرة على استعمال الماء لخوف فوت وقتيه ولو وتراً وجمعة، لأن لها بدلاً (وقال) زفر: يصح التيمم لخوف فوت الوقتية ¬

(¬1) انظر ص 157 ج 1 نصب الراية (التيمم للجنازة). وص 52 ج 1 شرح معاني الاثار (ذكر الجنب والحائض والنفساء وقراءتهم القرآن). (¬2) انظر ص 230 ج 1 - الجوهر النقي الصحيح المقيم يتوضأ للمكتوبة والجنازة والعيد ولا يتيمم.

احتراماً للوقت. ولذا فقالوا: الأحوط أن يتيمم ويصلى ثم يعيد (وقالت) الشافعية: لا يتيمم لخوف الفوات مع وجود الماء مطلقاً (وقالت) الحنبلية: لا يجوز ذلك الا لمسافر ضاق عليه الوقت او على وجود الماء في مكان قريب وخاف خروج الوقت إن قصده فإنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه. (9) أقسام التيمم- أقسامه فرض ومندوب عند الثلاثة. وفرض وواجب ومندوب عند الحنفيين (فيفترض) لما يفترض له الوضوء والغسل ومنه الطواف عند الثلاثة. وقال الحنفيون: التيمم له واجب كالطهارة المائية. ويسن لما يسن له الوضوء والغسل. (10) نواقض التيمم- اتفق العلماء على ان التيمم ينقضه (أ) كل ما ينقض الوضوء والغسل، فلو تيمم لجنابة وأحدث حدثاً أصغر، بطل تيممه بالنسبة للحدث الأصغر دون الجنابة. ولو أحدث حدثاً أكبر بطل بالنسبة لهما. (ب) وينقضه أيضاً عند الحنفيين، القدرة على استعمال ماء كاف للطهارة زائد عن حاجته سواء أقدر على ذلك حال الصلاة أم خارجها (لما تقدم) عن أبي ذكر الغفاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته. أخرجه الثلاثة وحسنه الترمذي (¬1) {388}. (وقالت) المالكية: يبطله أيضاً أمران (أ) وجود ماء كاف قبل الدخول في الصلاة ان اتسع الوقت لاستعماله مع إدراكها. أما وجود الماء فيها فلا يبطلها الا اذا كان ناسياً لما معه من الماء فتيمم وأحرم بها ثم تذكره فيها، فإنها تبطل إن اتسع الوقت (ب) طول الفصل بين التيمم والصلاة. ¬

(¬1) تقدم رقم 385 ص 350 (ما يباح بالتيمم).

(وقالت) الشافعية والحنبلية: ينقضه ايضاً (أ) وجود الماء وإن قل ولو في اثناء الصلاة مطلقاً عند أحمد. وكذا عند الشافعي إن كان في صلاة تجب إعادتها (ب) ويبطل بالردة عند المالكية والشافعية والحنبلية وزفر (جـ) ويبطله ايضاً عند الحنبلية (1) خروج الوقت سواء أكان التيمم عن حدث أكبر أم أصغر أم نجاسة على بدنه ما لم يكن في صلاة جمعة وخرج الوقت وهو فيها فلا تبطل بل يتمها لأنها لا تقضي (2) وخلع ما يجوز المسح عليه كعمامة او جبيرة او خف لبسه على طهارة ثم تيمم. هذا ويتصل بالتيمم أمران: الأول - المسح على الجبيرة الجبيرة هي عيدان من جريد ونحوه تشد على العظام المكسورة. ومثلها الخرقة يربط بها الجرح والدواء يوضع عليه (واعلم) أنه إن تيسر غسل الجراحة ولو بماء حار بلا ضرر لصاحبها، لزمه غسلها والا لزمه مسحها. وإن ضره المسح أو الحل "ومنه عدم تمكنه من ربطها بنفسه ولم يجد من يربطها" انتقل الى المسح على الجبيرة. وإن ضره المسح عليها سقط. ثم الكلام هنا في ثلاثة مباحث. (أ) حكم المسح - (المسح) على الجبيرة عند الإمكان فرض في الوضوء والغسل بدلاً من تطهير العضو المجروح بالغسل او المسح عند الائمة الثلاثة وأبي يوسف ومحمد. وواجب عند أبي حنيفة تصح الصلاة بدونه مع الاثم ووجوب الاعادة إن تركه عمداً (لقول) علي رضي الله عنه: انكسرت إحدى زندي فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: امسح على الجبائر. أخرجه البيهقي بسند فيه عمرو بن خالد وهو متروك (¬1) {389}. ¬

(¬1) انظر ص 228 ج 1 بيهقي (المسح على العصائب والجبائر). و (زندي) تثنية زند بفتح فسكون وهو موصل طرف الذراع بالكف- وهما الكوع والكرسوع.

لكن يقويه (أولاً) حديث أبي أمامة قال: لما رمى ابن قميئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد. رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا توضأ حل بن عصابته ومسح عليها بالوضوء. أخرجه الطبراني في الكبير. وفي سنده حفص بن عمر العدني وهو- ضعيف (¬1) {390}. (وثانياً) قول ابن عمر: من كان له جرح معصوب عليه توضأ ومسح على العصائب وغسل ما حولها. أخرجه البيهقي (¬2) {48}. والموقوف في هذا كالمرفوع ولم يعرف أن أحداً من الصحابة خالف ابن عمر في هذا. (ب) الفرق بين مسح الخف والجبيرة- المسح على الجبيرة ونحوها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً. وليس بدلاً. ولذا يفارق مسح الخف في أمور. (أ) أنه لا يجوز المسح عليها الا لضرورة بخلاف الخف (2) أنه يجب استيعابها بالمسح عند غير الحنفيين ويكفي مسح أكثرها عندهم، لأنه لا ضرر في تعميمها او مسح أكثرها بخلاف الخف، فإن تعميمه بالمسح يتلفه. (3) أنه لا توقيت في مسحها اتفاقاً، لأنه للضرورة فيقدر بقدرها. (4) أن المسح عليها مشروع في الطهارة الصغرى والكبرى بخلاف المسح على الخف فإنه خاص بالوضوء. (5) أنه لا يشترط شدها على طهارة عند الحفنية والمالكية ومشهور مذهب أحمد. لإطلاق الأحاديث السابقة (فقد) أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً ان يمسح على الجبائر ولم يشترط الطهارة. وكذا من أصابته الشجة. (وقالت) ¬

(¬1) انظر ص 264 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الجيرة). و (ابن قميئة) بفتح فكسر، رمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه (وسمح عليها بالوضوء) أي بالماء. (¬2) انظر ص 228 ج 1 سنن البيهقي (المسح على العصائب والجبائر).

الشافعية: يشترط شدها على طهارة كالخف. وهو رواية عن أحمد. وعلى هذا ان لبسها على غير طهارة ثم خاف من نزعها، تيمم لها. وكذا اذا تجاوز بالشد عليها موضع الحاجة وخاف من نزعها، تيمم فقط. ولا يصح منه المسح (وقالت) الحنفية والمالكية: متى ضره نزعها أو المسح على الجرح اكتفى بالمسح عليها وغسل الصحيح مطلقاً (¬1) ان كان اكثر الأعضاء، وان كان أكثرها جريحاً تيمم. (وقالت) الحنبلية: يغسل الصحيح ويتيمم عن الجريح مطلقاً (وقالت) الشافعية: يغسل الصحيح ويمسح الجبيرة ويتيمم ويقضي الصلاة إن كانت الجبيرة في عضو من أعضاء التيمم او أخذت من الصحيح زيادة قدر الاستمساك، أو شدت على غير طهارة. ولا دليل على هذا. بل فيه حرج وهو مرفوع بالنص. ولذا قال غيرهم: من أدى صلاة على وجه مشروع لعذر من الأعذار، لا إعادة عليه بعد زوال هذا العذر. (جـ) ما يبطل المسح على الجبيرة- يبطل مسحها عند الحنفيين بسقوطها عن موضعها او نزعها عن براء. وكذا ان برأ موضعها (¬2) ولم تسقط ان لم يضره إزالتها وعليه ان كان متطهراً غسل موضعها. وان لم تسقط عن براء لا يبطل مسحها ولو في الصلاة (وقالت) المالكية: ان سقطت عن برء مسحها ولزمه تطهير موضعها فوراً. وإن سقطت عن غير برء، ردها ومسحها فوراً (وقالت) الشافعية ان سقطت في الصلاة عن برء بطلت الصلاة والطهارة. وان سقطت عن غير برء بطلت الصلاة فقط. ويرد الجبيرة ويمسح عليها (وقالت) الحنبلية: ينتقض الوضوء كله بسقوط الجبيرة مطلقاً. ¬

(¬1) أي وان شدها على غير طهارة وجاوز بالشد موضع الحاجة. (¬2) برأ من المرض من بابي نفع وتعب. وبرؤ كقرب، لغة.

الثاني - فاقد الطهورين "الممنوع" من الطهارة وفاقد الطهورين "وهما الماء والتراب" بأن حبس في مكان نجس ولا يمكنه إخراج تراب مطهر، او عجز عن استعمالها لمرض "يؤخر الصلاة" عند أبي حنيفة والثوري والاوزاعي وأصبغ المالكي (لحديث) أسامة بن عمير ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور. أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي (¬1) {391}. (وقال) أبو يوسف ومحمد: يتشبه بالمصلين احتراماً للوقت .. مكاناً يابساً والا يؤمي قائماً. وقيل يؤمي وإن تمكن من السجود لأنه لو سجد صار مستعملاً للنجاسة ثم يقضي الصلاة متى قدر على الطهارة (وقال) مالك في المشهور عنه: لا يصلي ولا يقضي (وقال) أحمد في المشهور عنه وجمهور المحدثين والمزني وسحنون وابن المنذر: يصلي ولا إعادة عليه. (لحديث) عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجالاً في طلبها فوجدوها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شكوا ذلك إليه فأنزل الله عز وجل آية التيمم. أخرجه الجماعة إلا الترمذي (¬2) {392}. ¬

(¬1) انظر ص 207 ج 1 - المنهل العذب (فرض الوضوء). وص 33 ج 1 مجتبي. وص 230 ج 1 بيهقي (الصحيح المقيم يتوضأ للمكتوبة وغيرها ولا يتيمم). والمراد بالغلول - بضم الغين المعجمة- المال الحرام أخذ خفية ام جهراً. (¬2) انظر ص 195 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 1 نيل الاوطار (الصلاة بلا ماء ولا تراب للضرورة).

الأنجاس

(وجه) الدلالة أنهم صلوا معتقدين وجوب الصلاة عليهم وأقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك. ولو كانت غير واجبة أو ممنوعة حينئذ، لأنكر عليهم ولو كانت الإعادة واجبة، لبينها لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (ورد) بأن الإعادة لا تجب على الفور، فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة (وقال) الشافعي وبعض المالكية: على فاقد الطهورين ان يصلي، لحديث عائشة. وعليه الإعادة، لأنه عذر نادر فلا يسقط الإعادة. والراجح من جهة الدليل مذهب الأولين (وأجابوا) عن حديث عائشة (أ) باحتمال أنه صلى الله عليه وآله وسلم أنكر عليهم صلاتهم بلا طهارة وعدم ذكر الإنكار في الحديث، لا يستلزم عدمه في الواقع. فتكون صلاتهم تلك اجتهاداً والمجتهد يخطئ ويصيب. والبيان يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره عن وقتها. (ب) وبأن حديث "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" صريح في عدم جواز الصلاة عند عدم الطهارة "وحديث" عائشة لو سلم عدم إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم صلاتهم بلا طهارة "يدل" على جوازها احتمالاً. فهو لا يعارض حديث المنع. (فائدة) مقطوع اليدين والرجلين من فوق المرفقين والكعبين إذا كان بوجهه جراحة، يصلي بغير طهارة ولا يعيد على الأصح عند الحنفيين وقيل لا صلاة عليه. وقيل يلزمه غسل موضع القطع. وعلى الأول فالفرق بينه وبين فاقد الطهورين أن فاقدهما يرجو إدراك المطهر بعد ذلك، وهذا أعضاؤه لا تعود، وللأكثر حكم الكل. الأنجاس هي جمع نجس بكسر الجيم (¬1) وهو لغة كل مستقذر. وشرعاً كل عين ¬

(¬1) يقال نجس الشيء نجساً من باب تعب فهو نجس، إذا كان قذراً غير نظيف. ونجس ينجس من باب قتلن لغة.

1 - النجس المشترك

مستقذرة شرعاً. ويقال هو قدر مخصوص يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم. وهو قسمان: مشترك بين الرجال والنساء وخاص بالنساء. 1 - النجس المشترك هو متفق على نجاسته ومختلف فيها. فالمتفق على نجاسته عشرة أنواع: - 1 - الدم المسفوح- هو من الحيوان البري نجس عند الأئمة الأربعة لا فرق بين قليله وكثيره، لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى الى محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير فإنه رجس) صدر آية 145 - الانعام- والرجس النجس. والضمير في قوله (فإنه رجس) راجع إلى كل ما تقدم في الآية. 2 - لحم الخنزير- أجمع العلماء على نجاسته، لقوله تعالى (فإنه رجس) أي نجس. 3 و 4 - غائط الإنسان وبوله- اتفق العلماء على نجاسة غائط الآدمي وبوله غير الأنبياء وغير بول الصبي الرضيع الذي لم يتناول الطعام للأدلة الصحيحة المفيدة للقطع بذلك بل نجاستهما من باب الضرورة الدينية، ولا يقدح في ذلك التخفيف في تطهيرهما في بعض الأحوال. (أ) أما في الغائط فكما في حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا وطئ أحدكم الأذى بنعله أو خفيه فظهورهما التراب .. أخرجه الطحاوي والحاكم وصححه (¬1) {393}. ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 1 شرح معاني الاثار .. وص 166 ج 1 مستدرك.

فإن جعل التراب مع المسح مطهر، لا يخرجه عن كونه نجساً بالضرورة، إذ اختلاف وجه التطهير لا يخرج النجس عن كونه نجساً. (ب) وأما التخفيف في تطهير البول، فكما في حديث أبى هريرة قال: بال أعرابي في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي (¬1) {394}. (فائدة) فضلات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودماؤهم طاهرة قبل النبوة وبعدها تشريفاً لمقامهم (روي) أبو مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن ام ايمن قالت: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الليل إلى فخارة له في جانب البيت فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشي فشربت ما فيها وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة. قلت قد والله شربت ما فيها. فضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه. ثم قال: أما انك لا يفجع بطنك بعده أبداً. أخرجه الدارقطني والطبراني والحاكم. وأبو مالك ضعيف. ونبيح لم يدرك أم أيمن (¬2) {395}. (وعن) عبد الله بن الزبير أنه أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، ¬

(¬1) انظر ص 224 ج 1 فتح الباري (صب الماء على البول في المسجد). وص 255 ج 3 - المنهل العذب (الارض يصيبها البول). و (السجل) بفتح فسكون، الدلو العظيمة. (¬2) انظر ص 271 ج 8 مجمع الزوائد (باب منه) في الخصائص. وص 63 ج 4 مستدرك (ذكر ام ايمن). و (يفجع) بالفاء والجيم مبني للمفعول من الفجع، وهو الوجع.

قال: فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت الى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما صنعت يا عبد الله؟ قلت جعلته في مكان ظننته أنه خاف على الناس. قال: فلعلك شربته؟ قلت: نعم. قال: ومن أمرك أن تشرب الدم، ويل لك من الناس، وويل للناس منك. أخرجه البزار والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل (¬1) {396} وقال أبو عاصم: فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم (¬2). 5 و 6 - روث وبول غير الآدمي- اتفق العلماء على نجاسة روث وبول ما لا يؤكل لحمه (لحديث) ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها ركس. أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي. وفي رواية: إنها روثة حمار (¬3) {397}. 7 - الودي - بفتح فسكون، وهو ماء ابيض ثخين يخرج بعد البول. وهو نجس من كل حيوان عند الأئمة الثلاثة، وكذا عند الحنبلية من غير مأكول اللحم، أما من مأكوله فطاهر كبوله وروثه. وخروجه موجب للوضوء دون الغسل اتفاقاً (قال) ابن عباس: المني والودي والمذي. أما المني ففيه الغسل. ¬

(¬1) انظر ص 270 ج 8 مجمع الزوائد (باب منه). و (حسوته) أي شربته. (¬2) انظر ص 70 ج 4 - الاصابة في تمييز الصحابة. (¬3) انظر ص 279 ج 1 - الفتح الرباني. وص 302 ج 2 تيسير الوصول (ما يستنجي به) والركس النجس.

وأما المذي والودي ففيهما إسباغ الطهور. أخرجه الأثرم (¬1) {49}. 8 - المذي - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة. وبفتح الميم مع كسر الذال وتشديد الياء. وبكسر الذال مع تخفيف الياء، ماء رقيق أبيض لزج يخرج من القبل عند ملاعبة من تشتهي، او عند تذكر الجماع وإرادته، وقد لا يشعر بخروجه ويكون من الرجل والمرأة، ومن المرأة أكثر. وهو من الآدمي وما لا يؤكل لحمه نجس باتفاق العلماء (¬2) (لقول) سهل بن حنيف: كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. فقلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث ترى أنه أصاب. أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح (¬3) {398}. (وعن) علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء. أخرجه الشيخان. ولمسلم "يغسل ذكره ويتوضأ" ولأحمد وأبي داود "يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ" (¬4) {399}. ¬

(¬1) انظر ص 166 ج 1 مغنى ابن قدامة (نواقض الوضوء) وتقدم نحوه أثر 21 صـ 261. (¬2) وكذا من مأكول اللحم خلافاً لأحمد، فانه قال بطهارته منه كبوله وروثه. (¬3) انظر ص 315 ج 2 تيسير الوصول (المذي). وص 94 ج 1 - ابن ماجه (لوضوء من المذي). و (ترى) بضم التاء أي تظن. (¬4) انظر ص 314 ج 2 تيسير الوصول (المذي). وتقدم نحوه رقم 224 ص 262 (نواقض الوضوء).

(وفي) الحديثين دلالة على أن المذي لا يوجب الغسل وهو مجمع عليه. (وقد) اختلف العلماء في المذي إذا أصاب الثوب (فقال) الشافعي واسحاق: لا يجزيه الا الغسل أخذاً برواية النضح مراداً به الغسل. ولكن في رواية الأثرم: يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه فيكفي فيه الرش، وإن كان الغسل أولى وأحوط على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع. ولم يعارض رواية النضح المذكورة معارض فالاكتفاء به صحيح مجزيء (وفي) رواية أحمد وأبي داود لحديث على دلالة على وجوب غسل كل الذكر والانثيين على المذي. وبه قال الاوزاعي. وهو رواية عن أحمد (وقالت) المالكية: يجب غسل الذكر كله أخذاً بظاهر قوله في رواية علي: يغسل ذكره ويتوضأ فإن الذكر اسم للعضو كله (وهل) غسل كل الذكر معقول المعنى او هو حكم تعبدي؟ وعلى الثاني تجب النية. وقيل: أمر بغسله لينكمش الذكر فلا يخرج المذي (وقال) الحنفيون والشافعي والجمهور: الواجب غسل المحل الذي أصابه المذي من البدن. ولا يجب تعميم الذكر والانثيين بالغسل، وروي عن أحمد لقوله في حديث سهل: إنما يجزئك من ذلك الوضوء. (ولقول) سعيد بن جبير: إذا أمذى الرجل غسل الحشفة وتوضأ وضوءه للصلاة. أخرجه الطحاوي (¬1) {50}. 9 - لحم مالا يحل أكله من الحيوان- ذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم الى ان لحم الحيوان الذي لا يؤكل نجس ولو ذكي ذكاة شرعية وهو الأصح عند الحنفيين (لحديث) سلمة بن الأكوع قال: لما أمسى اليوم الذي فتحت عليهم فيه خيبر أوقدوا نيراناً كثيرة. فقال رسول الله صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 1 شرح معاني الآثار (المذي).

عليه وعلى آله وسلم: ما هذه النار؟ على أي شيء توقدون؟ قالوا: على لحم. قال: على أي لحم؟ قالوا: على لحم الحمر الإنسية. فقال: أهريقوها واكسروها فقال رجل: يا رسول الله او نهريقها ونغسلها؟ فقال: أو ذاك. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {400}. (وعن) أنس قال: أصبنا من لحم الحمر يعني يوم خيبر، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس او نجس. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (¬2) {401}. (وفيهما) دلالة على تحربم الحمر الأهلية، لأن الأمر بكسر الآنية "أولاً" ثم بالغسل "ثانياً" ثم قوله فإنها رجس او نجس "ثالثاً" يدل على النجاسة، ولكنه نص في الحمر الإنسية وقياس في غيرها مما لا يؤكل بجامع عدم الأكل. 10 - ما فصل من حي- هو كميتته، ولذا اتفقوا أن "ما فصل" من آدمي حي "طاهر" وأن ما فصل من حيوان آخر حي نجس (لحديث) أبي واقد الليثي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة. أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم (¬3) {402}. ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 4 مسند احمد. وص 327 ج 7 فتح الباري (غزو خيبر) وص 93 ج 13 نووي مسلم (تحريم أكل لحم الحمر الانسية- الصيد). و (اهريقوها) أي أريقوها والهاء زائدة. (او ذاك) أي او الغسل. (¬2) انظر ص 80 ج 17 - الفتح الرباني. وص 328 ج 7 فتح الباري (غزوة خيبر). وص 94 ج 13 نووي مسلم (تحريم أكل الحمر الانسية). (¬3) انظر ص 218 ج 5 مسند أحمد. وص 346 ج 2 تحفة الاحوذي (ما قطع من الحي فهو ميت).

والميتة نجسة لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى الى محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير فإنه رجس) (أول آية 145 - الأنعام). والرجس: النجس. (واستثنى) من الميتة ميتة السمك والجراد، فإنها طاهرة (لحديث) ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أحل لنا ميتتان ودمان. أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". أخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (¬1) {403}. "وهو" وإن كان في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف "يقويه" حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال - حين سئل عن التوضؤ بما البحر - هو الطهور ماؤه الحل ميتتة. أخرجه مالك وأحمد والثلاثة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {404}. (الثاني) ما اختلف في نجاسته - وهو سبعة عشر نوعاً. (1، 2) - بول وروث ما يحل أكل لحمه - (قال) أحمد ومحمد بن الحسن وزفر من الحنفيين وابن المنذر والاصطخري والروياني من الشافية: بول وروث ما يؤكل لحمه طاهران (لقول) أنس رضي الله عنه: قدم أناس من عكل او عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {405}. ¬

(¬1) انظر ص 425 ج 2 بدائع المنن (السمك والجراد- الاطعمة) وص 255 ج 1 - الفتح الرباني. وص 163 ج 2 - ابن ماجه (الكبد والطحال). (¬2) انظر ص 290 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه) وص 201 ج 1 - الفتح الرباني. (¬3) انظر ص 246 ج 1 الفتح الرباني وص 233 ج 1 فتح الباري (أبوال الابل والدواب "عكل" بضم فسكون، وعرينه، بالتصغير، قبيلتان. و (اجتووا) أي اصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف اذا تطاول، اذ لم يوافقهم هواؤها. و (لقاح) جمع لقحة بكسر اللام وسكون القاف، وهي الناقة ذات اللبن.

"ولا يقال" هذا لا يدل على طهارة أبوالها، لأن الحالة حالة ضرورة كالمضطر يأكل الميتة "لأنه" لو كان كذلك، لأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغسل أيديهم وأفواههم وما أصابهم منها عند إرادة الصلاة ونحوها. وأيضاً لو كانت أبوال الابل نجسة، لما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالتداوي بها (فقد) روي وائل بن حجر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود (¬1) {406} وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن وائل أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التداوي بالخمر فنهاه وقال أنه ليس بدواء ولكنه داء (¬2) {407}. فإنه وإن وقع جواباً لمن سأل عن التداوي بالخمر، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (وعن) ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن في أبوال الابل شفاء للذربة بطونهم" أخرجه ابن المنذر (¬3) {408}. وقال: من زعم أن هذا خاص بأولئك الاقوام لم يصب، إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل (¬4) وما ورد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الصلاة ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 1 نيل الاوطار (الرخصة في بول ما يؤكل لحمه) وانظر رقم 1773 ص 252 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. منسوباً للطبراني عن أم سلمة. (¬2) انظر ص 368 ج 2 تيسير الوصول (الطب والرق). (¬3) انظر ص 235 ج 1 فتح الباري. الشرح (أبوال الابل والدواب) و (الذربة بطونهم) الذين فسدت معدتهم. يقال ذربت معدته فهي ذربة من باب تعب إذا فسدت. (¬4) انظر ص 235 ج 1 فتح الباري. الشرح (أبوال الابل والدواب) و (الذربة بطونهم) الذين فسدت معدتهم. يقال ذربت معدته فهي ذربة من باب تعب إذا فسدت.

في أعطان الابل "لا يستلزم" نجاسة أزبالها وأبوالها. وإنما نهى عن ذلك لضررها ونفارها حيث علل النهي بقوله: إنها من الشياطين. (قال) البراء بن عازب: سئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الابل فقال: لا تصلوا في مبارك الابل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها فإنها بركة. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1) {409}. (ويقاس) على الابل والغنم غيرهما مما يؤكل لحمه من بقية الحيوانات. (وبهذا) قالت المالكية فيما لم يتغذ بالنجس. والا فبوله وروثه نجس كغير مأكول اللحم (¬2) (وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعية: روث وبول جميع الحيوانات نجس. (لحديث) ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال: "انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول. وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة". أخرجه السبعة (¬3) {410}. ¬

(¬1) انظر ص 200 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من لحوم الابل) وجعل الابل من الشياطين لتمردها ونفارها. والشيطان كل عاد متمرد من انس او جن او دابة. وقيل المراد أنها تعمل عمل الشياطين لأنها كثيرة النفار والتشويش. (¬2) قال الشيخ الدردير في صغيره: ومن الطاهر فضلة المباح (أكله) من روث وبعر وبول وزبل ودجاج وحمام وجميع الطيور ما لم يستعمل النجاسة فإن استعمالها أكلاً او شرباً ففضلته نجسة والفأرة من المباح ففضلتها طاهرة إن لم تصل للنجاسة ولو شكاً لأن شأنها استعمال النجاسة كالدجاج بخلاف نحو الحمام فلا يحكم بنجاسة فضلته الا اذا تحقق او ظن استعمالها للنجاسة. انظر ص 17 ج 1 (الأعيان الطاهرة والنجسة). (¬3) انظر ص 127 ج 8 - الفتح الرباني. وص 307 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر).

(وجه) الدلالة أنه عمم في البول ولم يخصه ببول الإنسان، ولا أخرج منه بول ما يؤكل لحمه (وقاسوا) ما ذكر على غائط الإنسان وبوله قياساً أولوياً، فإن الإنسان طاهر حياً وميتاً. وقد حكم بنجاسة غائطه وبوله. فبول وروث غيره من الحيوانات نجس بالأولى (وأجاب) الاولون (أ) عن الحديث، بأن المراد بالبول فيه بول الإنسان فقط، لما في رواية للبخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: كان لا يستتر من بوله. فلا دلالة فيه على نجاسة الابوال كلها. (ب) وعن القياس بأن فضلة الإنسان مستقذرة بالطبع بخلاف فضلة بهيمة الأنعام فليست كذلك. وبأنه قياس في مقابلة النص، فلا يعول عليه. (فالظاهر) طهارة الابوال والازبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكاً بالأصل واستصحاباً للبراءة الأصلية. والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها الا بدليل يصلح للنقل عنهما. ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلاً كذلك. وغاية ما جاءوا به حديث القبر وهو مع كونه مراداً به الخصوص كما سلف، عمومه ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة (¬1). 3 - لعاب الكلب- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: ان لعاب الكلب نجس. ورواه ابن وهب عن مالك (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب". أخرجه مالك والخمسة (¬2) {411}. (وقال) عبد الله بن مغفل: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل ¬

(¬1) انظر ص 61 ج 1 (نيل الاوطار) (الرخصة في بول ما يؤكل لحمه). (¬2) انظر ص 295 ج 2 تيسير الوصول (الكلب وغيره من الحيوان).

الكلاب ثم قال: "مالهم ولها". فرخص في كلب الصيد وفي كلب الغنم. وقال: "إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبع مرار، والثامنة عفروه بالتراب". أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (¬1) {412}. فما ذكر صريح في نجاسة لعاب الكلب (وقال) مالك في المشهور عنه: ان الكلب طاهر، فلعابه طاهر، لقوله تعالى: "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" (من آية 4 - المائدة) ولا يخلو الصيد من التلوث بريق الكلب ولم نؤمر بالغسل (وأجاب) الجمهور بأن إباحة الأكل مما أمسكن، لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد، وعدم الأمر بالغسل للاكتفاء بعموم أدلة تطهير النجس (فالراجح) القول بنجاسته وأنه يشترط في تطهير ما ينجس بلعابه الغسل سبعاً إحداهن بالتراب عند الشافعي وأحمد ويقوم الأشنان والصابون ونحوهما مقام التراب ولو مع وجوده عند أحمد وهو قول للشافعي وصححه صاحب المهذب لأنه تطهير نجاسة بجامد فلا يختص بالتراب كالاستنجاء والدباغ وقيل لا يقوم غير التراب مقامه للنص عليه فاختص به كالتيمم (¬2). (وقال) الحنفيون: يطهر ما ينجس بلعاب الكلب بالغسل ثلاثاً كغيره من النجاسات غير المرئية ولا يشترط التتريب لما روي عطاء عن أبي هريرة في الإناء يلغ فيه الكلب او الهر قال: "يغسل ثلاث مرات". أخرجه الدارقطني والطحاوي (¬3) {51}. ¬

(¬1) انظر ص 220 ج 1 - الفتح الرباني. وص 183 ج 3 نووي مسلم (حكم ولوغ الكلب) ز وص 261 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء بسؤر الكلب) و (مالهم ولها) أي شيء ثبت للناس وحملهم على اقتناء الكلاب. (¬2) انظر ص 132 ج 1 كشاف القناع. وص 593 ج 2 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 24 سنن الدارقطني. وص 13 ج 1 شرح معاني الآثار (سؤر الكلب).

وأبو هريرة هو الراوي للغسل سبعاً فدل ذلك على نسخ السبع فيجب العمل بتأويل الراوي (¬1). 4 - المني - بتشديد الياء وقد تسكن. وهو "من الرجل" ماء ابيض ثخين ينكسر الذكر بخروجه، يشبه رطباً رائحة الطلع، ويابساً رائحة البيض "ومن المرأة" ماء رقيق أصفر (لحديث) ام سليم ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا او سبق يكون منه ألشبه. أخرجه مسلم (¬2) {413}. (وهو) نجس عند الحنفيين ومالك والثوري والجمهور وأحمد في رواية (لقول) عائشة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسل المني ثم يخرج الى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر الى أثر الغسل فيه. أخرجه مسلم (¬3) {414}. (وعن عائشة) أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالت ثم أرى فيه بقعة او بقعاً. فيخرج الى الصلاة وان بقع الماء في ثوبه. أخرجه الستة (¬4) {415}. (وقال) الشافعي وداود الظاهري وآخرون: المني طاهر وهو أصح الروايتين عن ¬

(¬1) انظر ص 254 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء بسؤر الكلب). (¬2) انظر ص 222 ج 3 نووي مسلم (وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها والمراد بالعلو السبق وقيل المراد به الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة. (¬3) انظر ص 197 ج 3 نووي مسلم (حكم المني). (¬4) انظر ص 231 ج 1 فتح الباري (غسل المني وفركه) وص 244 ج 3 - المنهل العذب (المني يصيب الثوب) وص 65 ج 1 نيل الأوطار (في المني).

أحمد (لقول) عائشة: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي به. أخرجه أبو داود والطحاوي (¬1) {416}. (وجه) الدلالة أنه لو كان نجساً لم يكف فركه كالدم وغيره (وأجاب) الأولون بأن ما ذكر لا يلزم طهارة المني، وإنما يدل على كيفية تطهيره، وأنه كما يطهر بالغسل، يطهر بالفرك إذا كان يابساً فقد خفف في تطهيره بغير الماء. (ومنه) تعلم أن القول بنجاسة المني هو الراجح "وأما قول" ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المني يصيب الثوب فقال: إنما هو بمنزلة المخط والبزاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة او باذخرة "فقد" رواه الدارقطني وقال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك (¬2) {417}. والصحيح أنه موقوف كما قاله البيهقي فلا يحتج به. (وقد) اختلف من قال بنجاسة المني في كيفية تطهير ما أصابه (فقال) الحنفيون: يلزم غسل محله إذا كان رطباً او يابساً خالطه نجس خارج المخرج، كما لو بال وانتشر البول. ويطهر بالفرك يابساً إن لم يخالطه نجس خارج المخرج، كما لو بال ولم ينتشر البول او انتشر لكن خرج المني دفقاً بلا انتشار، عملاً بالأدلة السابقة. وهو رواية عن أحمد (وقال) مالك والأوزاعي: لابد من غسل محله رطباً ويابساً (وهذا كله) في مني الآدمي. أما مني غيره (فقال) الحنفيون ومالك بنجاسته ولو من مباح الأكل، ولا يطهر محله الا بالغسل رطباً ويابساً (وقالت) الشافعية بنجاسة مني الكلب والخنزير دون سائر الحيوانات (وقال) أحمد: مني ما لا يؤكل لحمه نجس. أما مني ما يؤكل فطاهر كمذيه. ¬

(¬1) انظر ص 64 ج 1 نيل الأوطار. وص 30 ج 1 شرح معاني الآثار (حكم المني). (¬2) انظر ص 46 سنن الدارقطني (ما ورد في طهارة المني).

5 - عظم الميتة - عظم الميتة وعصبها وقرنها وظلفها وظفرها وسنها نجس عند مالك وهو المشهور عن الشافعي وأحمد سواء ميتة ما يؤكل وما لا يؤكل ولا يطهر بحال لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) وما ذكر من جملتها وتحله الحياة لقوله تعالى: (قال من يحيي العظام وهي رميم (عجز 78) (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) (79 يس) وما يحيا يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم وهو في العظم ونحوه أشد منه في اللحم (وقال) الحنفيون والثوري: ما ذكر لا تحله الحياة فهو طاهر لا ينجس بالموت كالشعر (لقول) ابن عباس: إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم فأما الجلد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال. أخرجه الدارقطني وفي سنده أبو بكر الهذلي ضعيف (¬1) {52}. ولأن علة التنجس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به ولا يوجد ذلك في العظم وما ذكر (وهذا) هو الذي يشهد له الدليل. والمراد بالإحياء في الآية الإعادة (كما بدأنا اول خلق نعيده) (من آية 104 - الأنبياء). (6) شعر الميتة وصوفها - المشهور عند الشافعية القول بنجاستهما ونجاسة كل من ريشها ووبرها لأن ما ذكر متصل بالحيوان اتصال خلقة فينجس بالموت كالأعضاء (وذهب) الحنفيون ومالك إلى طهارة كل مالا تحله الحياة من الميتة - غير الخنزير (¬2) - كشعرها وصوفها وريشها والبيض الضعيف القشر وهو ¬

(¬1) انظر ص 17 سنن الدارقطني. وصره عن ابن عباس في قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى الى محرماً على طاعم يطعمه) الى قوله: إنما حرم من الميتة. (¬2) (أما الخنزير) (فإنه بكل أجزائه نجس العين حياً وميتاً عند الجمهور. وقال مالك بطهارته حياً وطهارة شعره ولو بعد موته.

المشهور عن أحمد في شعر مأكول اللحم وصوفه (لحديث) ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في شاة: هلا أخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا يا رسول الله انها ميتة. فقال إنما حرم أكلها. وفي رواية: إنما حرم عليكم لحمها، ورخص لكم في مسكها. أخرجه مالك وأحمد والخمسة إلا أبا داود (¬1) {418}. (دل) على أن ما عدا اللحم لا يحرم وأن الشعر ونحوه طاهر (وعن) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء. أخرجه الدارقطني (¬2) {419} وفي سنده يوسف بن السفر متروك ولأن كلا من الصوف والشعر لا تفتقر طهارة المنفصل منهما إلى ذكاة أصله فلم ينجس بموته، ولأنه لا تحله الحياة، فلا يحله الموت. ومثل الشعر في ذلك الوبر وزغب الريش بخلاف قصبه (¬3) فإنه نجس لأنه تحله الحياة. (وأما) ما جزء من الشعر والصوف من الحيوان حال حياته، فإن كان مأكول اللحم، فطاهر بالإجماع وإن كان غير مأكول اللحم، فقالت الشافعية والحنبلية بنجاسته وقالت الحنفية والمالكية بطهارته. (7) لبن الميتة وأنفحتها- (قال) مالك والشافعي: هما نجسان وهو المشهور ¬

(¬1) انظر ص 296 ج 2 تيسير الوصول (الجلود) وص 233 ج 1 - الفتح الرباني بلفظ: ومر بشاة ميتة فقال: هلا استمتعتم باهابها (الحديث) و (المسك) بفتح فسكون: الجلد. (¬2) انظر ص 18 سنن الدارقطني (باب الدباغ). (¬3) (الزغب) بفتحتين. الريش أول ما يبدو (والقصب) بفتحتين منبت الزغب.

عن أحمد (وقال) أبو يوسف ومحمد بن الحسن: هما متنجسان لأنه مائع ملاق لنجاسه فهو كما لو حلب اللبن في إناء نجس. وعلى هذا فإن كانت الأنفحة جامدة تطهر بالغسل والا تعذر تطهيرها (وقال أبو حنيفة): هما طاهران وهو رواية عن أحمد لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالأنفحة وذبائح أهلها ميتة لأنهم مجوس ولا أثر للتنجس شرعاً ما دامت النجاسة في الباطن (وأجاب) الأولون بأنهم ما كانوا يذبحون بأنفسهم وكان جزاروهم اليهود والنصارى وذبائحهم ليست ميتة والاحتمال في هذا كاف والأصل الحل فلا يزول بالشك (¬1). (8) بيض الميتة- وإن ماتت الدجاجة وفيها بيضة صلب قشرها فهي طاهرة عند الحنفيين وأحمد وبعض الشافعية (وقال) مالك والليث وبعض الشافعية: بيض الميتة نجس لأنه جزء منها (وأجاب) الأولون بأنه ليس جزءاً منها فأشبه الولد إذا خرج حياً من الميتة. وإن لم تكمل البيضة فهي طاهرة عند الحنفيين وبعض الحنبلية لأن البيضة عليها غشاء رقيق وهو القشر قبل ان يقوي فلا يتنجس منها الا ما لاقى النجاسة (وقال) مالك والشافعي: بنجاستها وهو مشهور مذهب الحنبلية لأن ما عليها ليس حائلاً حصيناً (¬2). (9) ميتة ما لا دم له سائل- كالذباب والنمل والصرصار والزنبور والعقرب والبرغوث (¬3). ذهب الجمهور الى طهارتها (لحديث) أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ¬

(¬1) انظر ص 61 ج 1 مغنى ابن قدامة (لبن الميتة وأنفحتها). (¬2) انظر ص 61 ج 1 مغنى ابن قدامة (لبن الميتة وأنفحتها). (¬3) اما القمل فميتته نجسة خلافاً لسحنون حيث قال: أنه كالبرغوث لا نفس له سائلة انظر ص 18 ج 1 صاوي صغير الدردير.

كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء. أخرجه البخاري وأبو داود بسند حسن وزاد: وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله (¬1) {420}. (وجه) الاستدلال ان الطعام قد يكون حاراً فيموت الذباب بالغمس فيه، فلو كان نجساً يفسده، لما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغمسه (وعن) سلمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال، أكله وشربه ووضوءه. أخرجه الترمذي والدارقطني وقال: لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد. وهو ضعيف وأعله ابن عدي بجهالة سعيد (¬2) {421}. (ورد) ابن الهمام دعوى الضعف والجهالة وقال: والحديث مع هذا لا ينزل عن درجة الحسن (¬3) (قال) بن المنذر: لا أعلم خلافاً في طهارة ما ذكر الا ما روي عن الشافعي أنه نجس، ويعفي عنه إذا وقع في المائع ما لم يغيره، وما ذكر من الادلة حجة عليه (¬4) هذا. وحديث الذباب دليل ظاهر في جواز ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 1 فتح الباري (إذا وقع الذباب في الاناء - الطب). (¬2) انظر ص 14 سنن الدارقطني (كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم فهو طاهر). (¬3) قال ابن الهمام: بقية هذا هو ابن الوليد. روي عنه الحمادان وابن المبارك وابن عيينة ووكيع والاوزاعي وشعبة. وناهيك بشعبة واحتياطه. قال يحيي: كان شعبة مبجلاً لبقية وقد روي له الجماعة الا البخاري (وأما) سعيد هذا فذكره الخطيب وقال: اسم أبيه عبد الجبار وكان ثقة فانتفت الجهالة. انظر ص 57 ج 1 فتح القدير (وموت ما يعيش في الماء لا يفسده). (¬4) ولذا صوب النووي قول الجمهور فقال: والصواب الطهارة وهو قول جمهور العلماء عوام (قال) ابن المنذر قال عوام أهل العلم: لا يفسد الماء بموت الذباب والخنفساء ونحوهما فيه ولا أعلم فيه خلافاً الا أحد قولي الشافعي (فإذا) قلنا بالصحيح أنه لا ينجس الماء فلو كثر هذا الحيوان فغير الماء فهل ينجسه؟ فيه وجهان: أصحهما أنه ينجسه سواء أكان الماء قليلاً ام كثيراً (وإن) قلنا لا ينجس الماء المتغير به كان طاهراً غير طهور (وقال) أمام الحرمين يكون كالمتغير بورق الشجر. انظر ص 129 ج 1 مجموع النووي.

قتل الذباب دفعاً لضرره. وأنه يطرح ولا يؤكل. وأن الذباب إذا مات في مائع لا ينجسه، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه ومعلوم أنه يموت من ذلك ولاسيما إذا كان الطعام حاراً فلو كان ينجسه لكان أمراً بافساد الطعام. وهو صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإصلاحه. ويتعدى هذا الحكم الى كل مالا نفس له سائلة، كالنملة والزنبور - ومنه النحل - والعنكبوت وأشباه ذلك، إذ الحكم يعم بعموم علته، وينتقي بانتفاء سببه. فلما كان سبب التنجس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته، وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته. والأمر بغمسه، ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء منه (وقد علم) أن في الذباب قوة سمية كما يدل عليه الورم والحكة الحاصلة من لسعه، وهي بمنزلة السلاح، فإذا وقع فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه كما قال صلى الله عليه وسلم "فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء" ولذا أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن تقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى فيه من الشفاء في جناحه الآخر بغمسه كله، فتقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها (وقد) ذكر غير واحد من الأطباء ان لسعة العقرب والزنبور إذا دلك موضعها بالذباب، نفع منه نفعاً بيناً ويسكن أثرها، وما ذلك إلا للمادة التي فيه من الشفاء (¬1). (والحاصل) أن هذا الحديث الصحيح ناطق بأن الذباب فيه شفاء، فهل بعد ذلك يتخيل من عنده شائبة تمييز إنكار ذلك، ويحكم برد الحديث مستدلاً على زعمه بدعوى بعض الأطباء، أن الذباب لا شفاء فيه. ولو كان ¬

(¬1) انظر ص 30 و 31 ج 1 سبل السلام. (شرح حديث الذباب).

عند هذا الزعم مثقال ذرة من إيمان، ما توهم رد قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ولم يفقه أن قول بعض الاطباء حدس وتخمين، فكيف يرد به ما كان وحياً من رب العالمين. فإنا لله وإنا اليه راجعون (¬1). ¬

(¬1) وقد أثبت الطب الحديث صحة هذا الحديث وصدق ما جاء به (فقد ألقى) الدكتور ابراهيم مصطفى عبده يوم الخميس 29 شوال سنة 1349 هـ في جمعية الهداية الاسلامية محاضرة جاء فيها ما ملخصه: يقع الذباب على لمواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها أمراض مختلفة فينتقل بعضها بأطرافه ويأكل بعضاً فيتكون في جسمه مادة سامة تسمى مبعد البكتيريا وهي تقتل كثيراً من جراثيم الامراض ولا يمكن بقاء تلك الجراثيم حية ولا يكون لها تأثير في جسم الانسان حال وجود مبعد البكتيريا. وفي أحد جناحي الذباب خاصية تحويل البكتيريا الى ناحيته. فإذا سقط الذباب في شراب او طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الطعام او الشراب فأول مبيد لتلك الجراثيم وأقرب واق منها هو مبعد البكتيريا الذي يحمله لذباب في أحد جناحيه فإذا كان هناك داء فداؤه قريب منه وغمس الذباب كله وطرحه كاف في أبطال عملها. (انظر) المجلد الثالث من مجلة الهداية: عدد ذي الحجة سنة 1349 هـ (وفي) مجلة التجارب الطبية الانجليزية عدد [1037] سنة 1927 ما ترجمته. لقد أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم واختفى أثرها وتكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم تسمى بكتريوناج. ولو وضعت خلاصة من الذباب في محلول ملحي لاحتوت. (أ) على البكتريوناج وهي تبيد أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للامراض. (ب) وعلى مادة أخرى نافعة للمناعة ضد أربعة أنواع أخرى من الجراثيم. (وبهذا) ثبت صحة الحديث الذي عده بعض المتسرعين كذباً وخدشاً في الدين. وصار معجزة علمية خالدة فلعلهم بعد هذا لا يتسرعون في تكذيب ما لم يحيطوا به علماً ومن أين للنبي الأمي هذه المسائل الدقيقة الطبية لولا أن الله تعالى يوحي إليه (وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) علمه شديد القوى (5) (النجم).

(10) دم السمك - اختلفوا فيه فالمشهور عن المالكية والشافعية نجاسته وهو قول للحنبلية. والمشهور عنهم طهارته وهو قول لبعض المالكية والشافعية (وقال) الحنفيون: السمك لا دم له سائل لأنه يبيض إذا يبس. وعلى أنه دم فالظاهر طهارته لأنه لو كان نجساً لتوقفت إباحة السمك على اراقته بالذبح كحيوان البر ولأنه يستحيل ماء (¬1). (11) الآدمي- أجمع العلماء على أن المسلم لا ينجس بالموت، وكذا شعره وجزؤه المنفصل منه (لحديث) حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل ثم جاء فقال: كنت جنباً فقال: إن المسلم لا ينجس. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذي (¬2) [422]. وهو عام في الحي والميت (وقال) ابن عباس: المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً. ذكره البخاري معلقاً (¬3) [53]. (وعن) أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق، ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال احلقه، فحلقه فأعطاه أبا طلحة وقال أقسمه بين الناس. أخرجه أحمد ومسلم (¬4) {423}. ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 1 كشاف القناع (ولا يعفي عن يسير نجاسة). (¬2) انظر ص 253 ج 1 - الفتح الرباني. وص 67 ج 4 نووي مسلم (المسلم لا ينجس). وص 306 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يصافح) وص 99 ج 1 - ابن ماجه (مصافحة الجنب). (¬3) انظر ص 82 ج 3 فتح الباري (غسل الميت). (¬4) انظر ص 186 ج 12 - الفتح الرباني. وص 54 ج 9 نووي مسلم (السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق).

"وقول" جماعة من الشافعية: إن شعر الآدمي نجس "يرده" أحاديث الباب "وقولهم" إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يقاس عليه غيره "غير مسلم" لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل. والأصل عدمه. فلا يلتفت إلى ما وقع في كثير من كتب الشافعية مما يخالف القول بالطهارة، فقد استقر القول من أئمتهم على القول بها (¬1) (وقال) الجمهور: الآدمي المشرك طاهر أيضاً حياً وميتاً، لقوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم" أول آية 70 - الإسراء. ومن التكريم طهارته حياً وميتاً. وأما قوله تعالى "إنما المشركون نجس" من آية 28 - التوبة. فالمراد به الزجر والتنفير مما هم عليه. (والأصل) في الأشياء الطهارة، فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه مساو له أو أقوى "فما لم يرد" فيه يدل على نجاسته "فليس" لأحد أن يحكم بها بمجرد رأي فاسد أو غلط في الاستدلال، كما يدعيه البعض من نجاسة ما حرمه الله تعالى، زاعماً أن النجاسة والتحريم متلازمان، وهو زعم باطل، إذ تحريم الشيء لا يستلزم نجاسته، ولو كان كذلك للزم نجاسة ما دل الدليل على تحريمه، كالأنصاب والأزلام، وما يسكر من النبات والثمرات بأصل الخلقة ولم يقل بهذا أحد. (فالواجب) على المنصف أن لا يحكم بنجاسة شيء ولا بتحريمه إلا بحجة شرعية. (والحق) أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة. وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها (وأما) النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 1 فتح الباري (الماء يغسل به شعر الإنسان).

وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها. بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران إجماعاً (إذا) عرفت هذا فتحريم الحمر والخمر الذي دلت عليه النصوص، لا يلزم منه نجاستهما، بل لابد من دليل آخر عليه، وإلا بقيا على الأصول المتفق عليها من الطهارة. فمن ادعى خلافه فالدليل عليه (¬1). (12) القيء- هو نجس مطلقاً لأنه طعام استحال في الجوف إلى النتن والفساد سواء قيء الآدمي وغيره، وسواء خرج القيء متغيراً أو غير متغير عند الثلاثة (وقال) مالك وبعض الشافعية: القيء غير المتغير طاهر (¬2) كالقلس والصفراء ومرارة غير محرم الأكل. (13) الرطوبة تخرج من المعدة - هي نجسة عند الشافعي وأحمد لخروجها من محل النجاسة (وعن) أبي حنيفة ومحمد أنها طاهرة (¬3) (وقالت) المالكية: المعدة طاهرة، فما خرج منها فهو طاهر ما لم يستحل إلى فساد كالقيء المتغير. (وأما) رطوبة الفرج وهي ماء ابيض متردد بين المذي والعرق، فهي نجسة عند الحنفيين ومالك ورجحه بعض الشافعية لأنها رطوبة متولدة في محل النجاسة. (ولحديث) زيد بن خالد أنه قال لعثمان بن عفان: رأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره. سمعته من ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 1 سبل السلام (حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية). (¬2) انظر ص 551 ج 2 مجموع النووي والقلس (بفتحتين ماء تقذفه المعدة عند امتلائها فهو طاهر عند المالكية ما لم يصل في التغيير إلى أحد أوصاف العذرة. فلا تضر حموضته لخفته وتكرره. انظر ص 17 صاوي صغير الدردير (الأعيان الطاهرة والنجسة). (¬3) انظر ص 551 ج 2 مجموع النووي.

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الشيخان (¬1) {424}. وهذا الحديث ونحوه منسوخ في جواز الصلاة بالوضوء بلا غسل إذا جامع ولم ينزل كما تقدم في التقاء الختانين من موجبات الغسل (¬2) وأما الأمر بغسل الذكر وما أصابه منها فغير منسوخ (وقال) أحمد: رطوبة الفرج طاهرة وهو الأصح عند الشافعية للحكم بطهارة المني فلو حكمنا بنجاسة رطوبة الفرج لزم الحكم بنجاسة المني وحملوا الأمر بالغسل في الحديث على الاستحباب لكن مطلق الأمر للوجوب عند الجمهور (¬3). 14 - ما يسيل من فم الإنسان- المختار أنه طاهر لا يجب غسله إلا إذا علم أنه عن المعدة ومتى شك فلا يجب غسله لكن يستحب احتياطاً وعلى القول بنجاسته إذا عمت بلوى إنسان به وكثر فالظاهر أنه يعفي عنه في حقه (¬4). 15 - الجرة - بكسر فشد هي ما يخرجه البعير ونحوه من جوفه إلى فمه للاجترار وهي نجسة عند الجمهور. وقال مالك انها طاهرة (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 273 ج 1 فتح الباري (غسل ما يصيب- الرجل- من رطوبة فرج المرأة) وص 39 ج 4 نووي مسلم (الجماع كان لا يوجد إلا أن ينزل وبيان نسخة) "ولا يقال" إذا كان منسوخاً كيف يصبح الاستدلال به "لأنا" نقول المنسوخ عدم وجوب الغسل وناسخه الأمر بالغسل وأما الأمر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل. انظر ص 199 ج 1 فتح الباري الشرح (من لم ير الوضوء إلا من المخرجين). (¬2) انظر ص 304 (الثاني من موجبات الغسل). (¬3) انظر ص 751 ج 2 مجموع النووي. وص 140 ج 1 كشاف القناع. (¬4) انظر ص 551 ج 2 مجموع النووي. (¬5) انظر ص 552 منه.

16 - العلقة والمضغة- العلقة بفتحات مني استحال في الرحم فصار دماً عبيطاً (¬1) فإذا استحال بعده فصار قطعة لحم فهو مضغة. والعلقة نجسة عند الثلاثة وهو قول للشافعية لأنها دم خارج من الرحم (وقال) بعضهم: هي طاهرة لأنها دم غير مسفوح كالكبد والطحال. وأما المضغة فهي طاهرة عند الجمهور كالولد ومشيمته (¬2) (وقال) بعض الشافعية بنجاستها كالعلقة (¬3). 17 - اللبن- هو أربعة أقسام (أ) لبن مأكول اللحم وهو طاهر بالكتاب والسنة وإجماع الأمة (ب) لبن الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو نجس بالإجماع (جـ) لبن الآدمي وهو طاهر بالإجماع "وما نقل" عن بعض الشافعية من أنه نجس حل شربه للطفل للضرورة "فهو" خطأ ظاهر. (د) لبن باقي الحيوانات الطاهرة غير ما ذكرنا. وهو نجس عند مالك وأحمد وهو الصحيح عند الشافعية لأنه يتناول كما يتناول اللحم المذكي. ولحم ما لا يؤكل نجس فكذا لبنه (وقال) الحنفيون وبعض الشافعية: هو طاهر لأنه من حيوان طاهر فكان طاهراً كلبن الشاة. فإن قلنا بالطهارة فهل يحل شربه؟ فيه وجهان أصحهما جواز شربه لأنه طاهر. والثاني تحريمه لأنه متقذر ويؤذي فأشبه المخاط (وحكى) الدارمي في كتاب السلم في لبن الأتان ونحوها ثلاثة أوجه: الصحيح أنه نجس لا يجوز بيعه وشربه والثالث طاهر لا يجوز بيعه ولا شربه (¬4). (فوائد) (الأولى) النجاسة المستقرة في الباطن لا حكم لها ما لم يتصل بها ¬

(¬1) الدم العبيط الطري الخالص لا خلط فيه. (¬2) (مشيمة) كفعليه هي كيس الولد. (¬3) انظر ص 559 ج 3 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 569 ج 2 مجموع النووي.

شيء من الظاهر مع بقاء حكم الظاهر عليه كما إذا ابتلع بعض خيط فاستقر بعضه في المعدة وبعضه خارج في الفم او دخل أصبعه او عوداً في دبره وبقي بعضه خارجاً فوجهان أصحهما الحكم بنجاسة ما ذكر فلا تصح صلاته ولا طوافه (عند من يشترط في الطواف الطهارة) لأنه مستحب بمتصل بالنجاسة. والثاني لا يثبت حكم النجاسة (¬1) (الثانية) الولد الخارج من الرحم طاهر لا يحتاج الى غسله بالاجماع وكذلك البيض لا يجب غسله ظاهره. والنجاسة الباطنة لا حكم لها فإن اللبن يخرج من بين فرث ودم وهو طاهر حلال (¬2) (الثالثة) الوسخ المنفصل من بدن الآدمي طاهر، لأنه عرق متجمد. والوسخ المنفصل من حيوان آخر حكمه حكم ميتته (¬3) (الرابعة) إذا أكلت البهيمة حباً وخرج منها صحيحاً فإن كان صلباً بحيث لو زرع نبت فهو طاهر لكن يجب غسل ظاهره لملاقاة النجاسة كما لو ابتلع نواة وخرجت فباطنها طاهر ويطهر ظاهرها بالغسل. وإن كان الحب قد زالت صلابته بحيث لو زرع ينبت فهو نجس (¬4). (الخامسة) الزرع النابت على السرجين ونحوه ليس نجساً لكن يتنجس منه ما لاقى النجاسة. ويطهر بالغسل وحبه الخارج منه طاهر قطعاً وكذا القثاء والخيار ونحوهما يكون طاهراً وكذا الشجرة إذا سقيت ماء نجساً فأعصانها وأوراقها وثمرها طاهرة (¬5) (السادسة) الزباد- كسحاب: طيب معروف فهو طاهر يصح بيعه كالمسك وفأرته- وهي الجلدة المتكون فيها- لاستحالته الى صلاح (وغلط) من قال انه لبن سنور بحري. وإنما هو رشح يجتمع تحت ذنب ¬

(¬1) انظر ص 572 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 572 ج 2 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 573 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 573 ج 2 مجموع النووي. (¬5) انظر ص 573 ج 2 مجموع النووي.

2 - النجس المختص بالنساء

السنور ثم يسلت بسكين او خرقه (¬1) (وقيل) الزباد عرق سنور بري فهو طاهر عند الحنفيين ومالك والشافعية- لكن يغلب فيه اختلاطه بما يتساقط من شعره فينبغي أن يحترز عما فيه شيء من شعره لأنه نجس عند الشافعية (¬2) - وعلى هذا فهو نجس عند الحنبلية لأنه من حيوان بري غير مأكول (¬3). 2 - النجس المختص بالنساء هو دم الحيض والنفاس والاستحاضة. وهو نجس بالاجماع، لا فرق بين قليلة وكثيرة (لحديث) أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: احدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة فكيف تصنع به. قال: تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه. أخرجه مالك والخمسة (¬4) {425}. (وعن أم قيس) بنت محصن أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب. فقال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر. أخرجه ¬

(¬1) انظر مادة زبد بالقاموس. (¬2) انظر ص 574 ج 2 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 137 ج 1 كشاف القناع (ولا يعفي عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف). (¬4) انظر ص 294 ج 2 تيسير الوصول (دم الحيض). و (تحته) بفتح الفوقية وضم الحاء المهملة وتشديد المثناة الفوقية، أي تحكه. والمقصود من ذلك إزالة عينه. و (تقرصه) بفتح أوله وسكون القاف وضم الراء والصاد المهملة (وحكى) القاضي عياض، ضم المثناة الفوقية وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة، أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها، ليتحلل ويخرج ما يشربه الثوب منه. و (تنضحه) أي تغسله (وقيل) المراد بالنضح الرش. وفي رواية تغسله مكان تقرصه.

أبو داود (¬1) {426}. قال ابن القطان: اسناده في غاية الصحة ولا أعلم له علة. وهاك بيان أحكام هذه الدماء. (أ) الحيض - هو لغة السيلان. يقال حاضت المرأة تحيض إذا سأل دمها، وعرفاً على أنه حدث. صفة شرعية مانعة مما لا يحل بسبب الدم من الرحم لغير ولادة. وعلى أنه خبث: الدم الخارج من قبل امرأة لاداء بها ولا حبل. ثم الكلام ينحصر في سبعة مباحث. 1 - الوانه - هي ما تراه المرأة من ألوان الدم في مدة الحيض. وهي ستة: السواد والحمرة والصفرة والكدرة والخضرة والتربية. فالسواد والحمرة حيض اتفاقاً (لحديث) عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكى عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئ وصلى. أخرجه أبو داود. وهذا لفظه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححاه (¬2) {427}. "أما الصفرة" وهي ماء تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار "والكدرة" بضم الكاف وسكون الدال. المراد بها دم يكون بلون الماء الوسخ (والتربية) وهي دم لونه كلون التراب "فقد اختلفوا" فيها (فقال) الحنفيون والشافعي: هي حيض في أيام الحيض. وهي عشرة عند الحنفيين وخمسة عشر عند الشافعية. ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 3 - المنهل العذب (المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها). (الضلع) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام في لغة الحجاز وسكونها في لغة تميم وهي عظام الجنين. وروي بصلع بفتح الصاد وسكون اللام وهو الحجر بفتحات. (¬2) انظر ص 126 ج 3 - المنهل العذب (من قال توضأ لكل صلاة). وص 64 ج 1 مجتبي (ذكر الاستحاضة واقبال الدم وادباره).

(والمشهور) عند المالكية أنها حيض في أيام عادتها وثلاثة أيام بعدها استظهاراً (وقالت) الحنبلية: هي في أيام العادة حيض. ولا اعتداد بها في غير أيام العادة (ودليل) ذلك أثر علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة قالت: كانت النساء يبعثن الى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض. أخرجه مالك ومحمد بن الحسن والبيهقي. وعلقه البخاري (¬1) {54}. "ولا تنافي" بينه وبين قول أم عطية: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه (¬2) {55}. "لحمل هذا" على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض "وحمل" أثر عائشة على ما إذا رأتهما في أيام الحيض (قال) محمد بن الحسن: وبهذا نأخذ لا تطهر المرأة ما دامت ترى حمرة او صفرة او كدرة حتى ترى البياض خالصاً. (وقال) أبو يوسف: الكدرة لا تعتبر حيضاً الا بعد الدم (وقال) ابن حزم والثوري والأوزاعي: الكدرة والصفرة ليستا بحيض مطلقاً. وهو مروي عن ¬

(¬1) انظر ص 104 ج 1 زرقاني الموطا (طهر الحائض). وص 336 ج 1 سنن البيهقي (الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض). (الدرجة) بكسر الدال وفتح الراء: وعاء صغير تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها (وقيل) الدرجة بضم فسكون ففتح: خرقة ونحوها تدخلها المرأة في فرجها لتعرف هل زال الدم؟ (والكرسف) القطن و (القصة) بفتح القاف وتشديد الصاد، الجص. والمعنى هنا على التشبيه. والمراد أن تخرج المرأة القطنة او الخرقة التي تختشي بها كأنها قصة لا يخالطها صفرة. (¬2) انظر ص 128 ج 3 - المنهل العذب (المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر). وص 337 ج 1 سنن البيهقي.

علي، لأنهما ليستا بدم بل هما من الرطوبات التي تخرج من الرحم، ولحديث "إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف (¬1) " (ورد) بأنه إنما خص بالذكر لأنه الأصل والغالب في دم الحيض، فلا ينافي أن غيره من الصفرة والكدرة حيض في أيامه (وأما الخضرة) فالصحيح أن المرأة إن كانت من ذوات الحيض تكون الخضرة حيضاً. وتحمل على فساد الغذاء. وإن كانت المرأة كبيرة لا ترى غير الخضرة لا تكون حيضاً. هذا واتفقوا على أن أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين قمرية (¬2). 2 - مدة الحيض - أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة عند الحنفيين والثوري (لحديث) واثلة بن الأسقع ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام. أخرجه الدارقطني وضعفه بجهالة محمد بن منهال، وضعف محمد بن أحمد بن أنس. وأخرجه هو والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أمامة (قال) الهيثمي: وفيه عبد الملك السكوفي عن العلاء بن كثر لا ندري من هو؟ (¬3) {428}. (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة. فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة. أخرجه ابن عدي في الكامل وأعله بالحسن بن دينار مجمع على ضعفه (¬4) {429}. ¬

(¬1) تقدم رقم 427 ص 378 (ألوان الحيض). (¬2) السنة القمرية 354 أربعة وخمسون وثلثمائة يوم تقريباً. (¬3) انظر ص 81 سنن الدارقطني. وحديث أبي أمامة بص 80 منه. وص 280 ج 1 مجمع الزوائد (الحيض والمستحاضة). (¬4) انظر ص 192 ج 1 نصب الراية (الحيض).

(فهذه) عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم متعددة الطرق وذلك يرفع الضعيف الى الحسن. والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأي فالموقوف فيها حكمه الرفع (¬1). (وعن) الربيع بن صبيح عمن سمع أنساً يقول: لا يكون الحيض أكثر من عشرة. أخرجه الدارقطني (¬2) {56}. والربيع وثقه ابن معين وقال أحمد لا بأس به رجل صالح. وقال ابن عدي له أحاديث صالحة مستقيمة. ولم أر له حديثاً منكراً. وشيخه وإن كان مجهولاً. فالأظهر أنه معاوية بن قرة لأنه هو الذي روي ذلك عن أنس (¬3). (وعن عثمان) بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال: الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي. أخرجه الدارقطني. وقال البيهقي هذا الأثر لا بأس بإسناده (¬4) {57}. (ولا يخفى) أنه لا يشترط امتداد الدم ثلاثة أيام او عشرة بدون انقطاع. بل المعتبر وجوده في أول المدة وآخرها على ظاهر الرواية. فلو رأت الدم عند طلوع فجر يوم السبت مثلاً وانقطع عند غروب شمس يوم الاثنين لا يكون حيضاً. (وقال) المالكيون: أقل الحيض في العبادة قطرة وفي العدة والاستبراء يوم أو أكثره. وأكثره لمبتدأة نصف شهر ولمعتادة عادتها ثلاثة أيام بعدها ¬

(¬1) انظر ص 112 ج 1 فتح القدير لابن الهمام. (¬2) انظر ص 77 سنن الدارقطني. (¬3) انظر ص 322 ج 1 - الجوهر النقي على البيهقي. (¬4) انظر ص 77 سنن الدارقطني. وص 322 ج 1 - الجوهر النقي.

ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً. فلو كانت عادتها اثنى عشر يوماً تستظهر بثلاثة. وإن كانت عادتها ثلاثة عشر يوماً تستظهر بيومين. وهكذا (وقالت) الشافعية والحنبلية أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً على الأصح عندهم (قالوا) لأنه لم يرد فيه تحديد من الشارع ولا حد له في اللغة، فوجب الرجوع فيه الى العرف والعادة (ورد) بأن العادة مختلفة فلا تعتبر. وأنه قد ورد ما يقوى المذهب الأول فللتحديد بثلاثة أيام في الأقل وعشرة أيام في الأكثر أصل في الشرع. بخلاف قولهم "خمسة عشر يوماً" لم نعلم فيه حديثاً حسناً ولا ضعيفاً وإنما تمسكوا فيه بما رووا أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في صفة النساء: تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي. قال البيهقي: لم أجده. وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا حديث لا يعرف. وأقره صاحب التنقيح (¬1). هذا ما قاله الفقهاء (وقال) بعضهم: الصحيح أنه لم يأت في تقدير أقل الحيض وأكثره ما تقوم به الحجة، لأن ما ورد في تقديرها إما موقوف ولا تقوم به الحجة، او مرفوع ولا يصح. فلا تعويل على ذلك ولا رجوع إليه. بل المعتبر - لذات العادة المتقررة - العادة. وغير المعتادة تعمل بالقرائن المستفادة من الدم (فقد) صح في ذات العادة أحاديث كثيرة فيها اعتبار الشارع للعادة. (كحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي" أخرجه البخاري وأبو داود (¬2) {430}. (وعن) أم سلمة أنها استفتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأة ¬

(¬1) انظر ص 322 ج 1 - الجوهر النقي على البيهقي. (¬2) انظر ص 288 ج 1 فتح الباري (إقبال المحيض وأدباره). وص 83 ج 3 المنهل العذب (المرأة تستحاض).

تهراق الدم فقال: لتنتظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل. أخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بسند على شرط الشيخين وحسنه المنذري (¬1) {431}. (وقد) صح رجوع غير المعتادة الى القرائن ففي (حديث) فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان دم المحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة. وإذا كان الآخر فتوضئ وصلى فإنما هو عرق. أخرجه أبو داود والنسائي. وصححه ابن حبان والحاكم (¬2) {432}. 3 - سبب الحيض - سببه ابتلاء الله تعالى لبنات آدم ففي (حديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الحيض: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم. أخرجه الشيخان (¬3) {433}. 4 - ركنه - ركن الحيض بروز الدم من الرحم في وقته. ¬

(¬1) انظر ص 109 ج 1 زرقاني الموطا (المستحاضة) وص 171 ج 2 - الفتح الرباني. وص 61 ج 3 - المنهل العذب (المرأة تستحاض .. ) وص 65 ج 1 مجتبي (المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر). و (خلفت) بشد اللام وفتح الفاء أي إذا تركت قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضها. و (لتستفر) بسكون اللام والسين والثاء وفتح التاءين وكسر الفاء أي لتشد على فرجها خرقة عريضة بعد حشوها قطناً وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها ليمتنع سيلان الدم. (¬2) تقدم رقم 427 ص 278 (ألوان الحيض). (¬3) انظر ص 276 ج 1 فتح الباري (الأمر بالنفساء إذا نفسن). ص 146 ج 8 نووي مسلم (وجوه الاحرام).

5 - شرطه - هو (أ) تقدم نصاب الطهر حقيقة او حكماً كالمستحاضة. (ب) وعدم نقصان الدم عن أقله. 6 - مدة الطهر بين الحيضتين: أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوماً عند الحنفيين ومالك والشافعي وروي عن أحمد (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة. وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً. أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (¬1) {434}. وهو وإن كان ضعيفاً، لكنه ارتفع إلى درجة الحسن لتعدد طرقه. والصحيح عند الحنبلية أن أقل الطهر ثلاثة عشرة يوماً (ولا حد) لأكثره اتفاقاً إلا عند نصب العادة في زمن الاستمرار كما لو بلغت مستحاضة فيكون حيضها عشراً وطهرها عشرين عند أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف يوقت لها في الصلاة والصوم والرجعة بأقل الحيض. وفي الوطء والتزوج بأكثره. وهذا في المبتدأة (وأما) المعتدة فترد إلى عادتها في الطهرة ما لم تكن ستة أشهر فأكثر، وإلا جعل طهرها ستة أشهر إلا ساعة (وقالت) الشافعية: المبتدأة غير المميزة ومن في حكمها يعتبر حيضها يوماً وليلة وطهرها تسعة وعشرين يوماً (وقال أحمد) في البكر تستحاض: تنظر حيض قريباتها فيعتبر حيضاً لها. ثم تغتسل وتصلي باقي الشهر بالوضوء لوقت كل صلاة. 7 - وطء المرأة بعد انقطاع الدم: (قال) الجمهور: يحرم وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها ولو لأكثره قبل أن تغتسل. لقوله تعالى: "ولا تقربوهن ¬

(¬1) انظر ص 192 ج 1 نصب الراية (الحيض).

حتى يطهرن" (من آية 222 - البقرة) (وقال) الحنفيون: إذا مضى على الحائض زمن أكثر الحيض "وهو عشرة أيام" حل وطؤها قبل الانقطاع والغسل. لكن يستحب الغسل قبل الوطء. (وإن) انقطع لتمام عادتها قبل الأكثر، لا يحل وطؤها حتى تغتسل أو تتيمم عند فقد الماء وتصلي به على الصحيح، أو تصير الصلاة ديناً في ذمتها (بأن يمضي عليها أدنى وقت صلاة من آخر الوقت. وهو قدر ما يسع الغسل واللبس والتحريمة) سواء أكان الانقطاع قبل الوقت أم في أوله أم قبيل آخره بهذا القدر. فإذا انقطع قبل الظهر مثلاً او في أول وقته أو في آخره وقد بقي من وقته ذلك القدر، لا يحل الوطء بلا غسل حتى يدخل وقت العصر. لقوله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله" (وجه) الدلالة أن المراد بالطهر في قوله: "حتى يطهرن" انقطاع الدم، وفي قوله: "فإذا تطهرن" الاغتسال. فعملاً بهما حملوا الأول على ما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض. فيجوز وطؤها وإن لم تغتسل. وحملوا الثاني على ما إذا انقطع لأقل من الأكثر ولتمام العادة فلا يجوز وطؤها حتى تغتسل أو تصير الصلاة ديناً في ذمتها (وإن) انقطع الدم لأقل من عادتها لا يحل وطؤها وإن اغتسلت حتى تمضي العادة، لأن عود الدم غالب (وقال) الأوزاعي وابن حزم: إن غسلت فرجها بالماء جاز وطؤها (والأحوط) عدم قربان الحائض إلا بعد أن تغتسل وإن انقطع دمها لأكثر الحيض، تغليباً للحاظر على المبيح. (ب) النفاس - هو بكسر أوله لغة: الولادة. واصطلاحاً على أنه حدث صفة مانعة شرعاً مما لا يحل بسبب خروج الدم من رحم عقب الولد. وعلى أنه خبث، هو الدم الخارج من قبل المرأة حال الولادة أو بعدها (¬1) ¬

(¬1) (الدم) فلو لم ترد دماً لا تكون نفساء ولا يلزمها الا الوضوء ولا يبطل صومها عند أبي يوسف ومحمد واحمد لعدم النفاس (وقال) أبو حنيفة ومالك والشافعي: هي نفساء = يلزمها الغسل احتياطاً لأن الولادة لا تخلو من دم. و (من قبل المرأة) فلو ولدت من السرة او غيرها بأن كان ببطنها جرح فانشقت وخرج الولد تكون ذات جرح سائل لا نفساء إلا إذا سال الدم من الاسفل فهي نفساء. و (حال الولادة) أو حال الطلق عند الثلاثة (وقال) الحنفيون: لا يعد نفاساً الا ما كان بعد خروج أكثر الولد ولو منقطعاً او سقطاً استبان بعد خلقه. فإن نزل برأسه فالعبرة بصدره. وإن نزول برجليه فالعبرة بسرته. وبخروج اقل الولد لا تكون نفساء عند الحنفيون فلا تسقط عنها الصلاة فتتوضأ إن قدرت والا تتيمم وتوميء في الصلاة إن لم تقدر على الركوع والسجود ولا تؤخرها، فإن لم تصل فهي عاصية، فما عذر الصحيح القادر؟

ثم الكلام ينحصر في أربعة مباحث: 1 - مدة النفاس - لا حد لأقله عند الأئمة الثلاثة. وكذا عند الحنفيين بالنسبة للعبادة أما بالنسبة للعدة (فقال) أبو حنيفة: أقله خمسة وعشرون يوماً. وقال أبو يوسف: أقله أحد عشر يوماً. وقال محمد: أقله ساعة (¬1). (وأكثر مدته) أربعون يوماً عند الحفيين وابن المبارك وسفيان الثوري وأحمد وحكاه الترمذي عن الشافعي (لحديث) أبي سهل كثير ابن زياد الأسلمي عن مسة عن أم سلمة قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ¬

(¬1) فإذا قال رجل لامرأته: إذا ولدت فأنت طالق، فولدت ثم قالت مضت عدتي، فأقل مدة تصدق فيها عند الامام خمسة وثمانون يوماً (خمسة وعشرون نفاساً، وخمسة عشر طهراً، ثم ثلاث حيضة، كل حيضة خمسة أيام، وطهران بين الحيض ثلاثون يوماً) وقال أبو يوسف: أقل مدة تصدق فيها خمسة وستون يوماً (أحد عشر نفاساً، وخمسة عشر طهراً بعده وثلاث حيض كل حيضة ثلاثة أيام، بينها طهران ثلاثون يوماً) وقال محمد: تصدق في أربعة وخمسين يوماً وساعة (ساعة للنفاس وخمسة عشر يوماً طهراً بعده، ثم ثلاث حيض بتسعة أيام بينها طهران ثلاثون يوماً).

وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً، أو أربعين ليلة. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد والترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة عن ام سلمة. قال محمد بن إسماعيل: وأبو سهل ثقة. وقال عبد الحق: أحاديث هذا الباب معلولة، وأحسنها حديث مسة الأزدية وأثنى البخاري على حديثها (¬1) {435}. (وقال) الترمذي: قد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. فإنها تغتسل وتصلي. فإذا رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين (وقالت) المالكية والشافعية: أكثره ستون يوماً وروي عن الشعبي وعطاء. (وقال) الحسن البصري أكثره خمسون يوماً (والراجح) الأول. والحديث الوارد فيه له شواهد تقويه (منها) حديث عثمان ابن أبى العاص قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنفساء في نفاسهن أربعين يوماً. أخرجه الحاكم والدارقطني والطبراني في الكبير وأخرجه في الأوسط من حديث جابر (¬2) {436}. وفي سند حديث (عثمان) إسماعيل ابن موسى المكي وهو ضعيف. وفي سند حديث (جابر) أشعث بن سواد وثقة ابن معين (وحديث) أبي الدرداء وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنتظر النفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإن بلغت أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة. أخرجه ابن عدي في الكامل (¬3) {437}. ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 2 - الفتح الرباني. وص 133 ج 3 - المنهل العذب (وقت النفساء). وص 115 ج 1 ابن ماجه (النفساء كم تجلس). وص 129 ج 1 تحفة الاحوذي. و (مسة) بضم الميم وتشديد السين المهملة. (¬2) انظر ص 176 ج 1 مستدرك. وص 281 ج 1 مجمع الزوائد (النفساء). (¬3) انظر ص 206 ج 1 نصب الراية (النفاس).

2 - نفاس أم التؤمين: وهما ولدان من بطن واحد بين ولادتهما أقل من ستة أشهر- "يعتبر" نفاسها من الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف وأحمد علي الصحيح. والمرئي عقب الثاني إن كان في مدة النفاس فنفاس وإلا فاستحاضة. لما روي أن أبا يوسف قال للامام أبي حنيفة: أرأيت لو كان بين الولدين أربعون يوماً؟ قال هذا لا يكون. قال فإن كان؟ قال: لا نفاس لها من الثاني. ولكنها تغتسل عقب وضع الثاني وتصلي (وقالت) المالكية: إذا كان بين التوءمين أقل من شهرين فنفاسها من الأول على المعتمد وقيل من الثاني. وقيل تستأنف للثاني نفاساً آخر. وهذا إن لم يتخلل بين الدمين أقل الطهر وإلا كان الثاني نفاساً جديداً اتفاقاً. وكذا إذا كان بين التوءمين شهران فأكثر (وقال محمد) وزفر والشافعي: يعتبر نفاسها من الأخير والدم النازل قبله استحاضة. وانقضاء العدة بوضع الأخير اتفاقاً. 3 - الطهر بين الدمين: (قال) الحنفيون: الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض حيض. فلو رأت مبتدأة يوماً دماً وثمانية أيام طهراً ويوماً دماً، فالكل حيض. ولو رأت يوماً دماً وتسعة طهراً ويوماً دماً، لا يكون شيء منها حيضاً. وكذا الطهر المتخلل في مدة النفاس يعتبر نفاساً عند أبي حنيفة (وقال) صاحباه: إذا بلغ الطهر في مدة النفاس خمسة عشر يوماً، فهو فاصل بين النفساء والحيض. فيكون المرئي بعده حيضاً إن صلح، وإلا فهو استحاضة (والمشهور) من مذهب الشافعية: أن الطهر المتخلل في مدة الحيض حيض وفي مدة النفاس نفاس (وقالت) المالكية والحنبلية: إنه طهر. فيجب عليها الغسل في اليوم الذي ينقطع فيه الدم، وتصوم وتصلي وتوطأ (ويعتبر) الدم المنقطع حيضاً عند المالكية ما لم يتجاوز مجموعه خمسة عشر يوماً. وكذا عند

الحنبلية ما لم ينقص مجموع الدم عن يوم وليلة، ولا يتجاوز مجموع الطهر والحيض خمسة عشر يوماً. (4) - ما يحرم بالحيض والنفاس: يحرم بهما ثمانية أمور: 1 - الصلاة مطلقاً ولو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر، فلا تصح. ويحرم على الحائض والنفساء أداؤها ولا تجب مع الحيض والنفاس وعليه الإجماع. 2 - (الصوم) ولو نفلاً، فلا يصح ويحرم مع الحيض والنفاس إجماعاً (لقول) أبي سعيد الخدري: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلي فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أهل النار. فقلن ولم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفر العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ؟ قلن بلى، قال فذلك من نقصان دينها. أخرجه أحمد والبخاري (¬1) وأخرجه مسلم عن ابن عمر (¬2) {437}. (وهو) يدل أيضاً على أن العقل والإيمان يقبلان الزيادة والنقصان. وليس المراد من ذكر نقصان عقول النساء لومهن على ذلك، لأنه لا مدخل لاختيارهن فيه. بل المراد التحذير من الاقتنان بهن (وليس) نقص الدين منحصراً فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك. لأنه أمر نسبي فالكامل مثلاً ناقص عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك صلاتها زمن الحيض لكنها ناقصة ¬

(¬1) انظر ص 279 ج 1 فتح الباري (ترك الحائض الصوم) وص 65 ج 2 نووي مسلم (نقصان الإيمان بنقص الطاعات). (¬2) انظر ص 279 ج 1 فتح الباري (ترك الحائض الصوم) وص 65 ج 2 نووي مسلم (نقصان الإيمان بنقص الطاعات).

عن المصلي. قال الحافظ ابن حجر (وهل) تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟ قال النووي: الظاهر أنها لا تثاب. والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته. والحائض ليست كذلك بل نيتها ترك العبادة زمن الحيض. وعندي في كون هذا الفرق مستلزماً لكونها لا تثاب وقفة (¬1). (واعلم) أن الحيض والنفاس لا يمنعان وجوب الصوم. ولذا يلزم الحائض قضاؤه على التراخي دون الصلاة (لقول) معاذة البدوية: سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. أخرجه السبعة والبيهقي (¬2) {439}. (وقد) أجمع المسلمون على أنه يجب على الحائض قضاء الصوم ولا يجب عليها قضاء الصلاة. "والحكمة" في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة أن الصلاة تتكرر دون الصوم فإيجاب قضائها مفض إلى حرج ومشقة- (وما جعل عليكم في الدين من حرج) من آية 78 - الحج وأولها: وجاهدوا في الله حق جهاده- بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة، وربما لا يأتيها فيه إلا أقل الحيض والنفاس. (وقضاء) الحائض والنفساء الصلاة ينبغي ان يكون خلاف الأولى عند الحنفيين. والصحيح أنه مكروه عند الشافعية (وقد اختلفوا) ¬

(¬1) انظر ص 280 ج 1 فتح الباري الشرح (ترك الحائض الصوم). (¬2) انظر المراجع بهامش 2 ص 276 ج 8 - الدين الخالص طب 2 (القدوة على الصوم- السادس من شروط وجوب الصوم).

فيمن طهرت من الحيض والنفاس بعد العصر وبعد العشاء (فقالت) الشافعية والحنبلية والفقهاء السبعة (¬1) وغيرهم: يلزمها صلاة الظهر والعصر في الأول والمغرب والعشاء في الثاني (وقال) الحسن وقتادة والثوري والحنفيون: لا تجب عليها الظهر ولا المغرب (وقالت) المالكية: لو انقطع الحيض ونحوه من الأعذار بعد العصر أو العشاء وقد بقي من الوقت بعد الطهارة ما يسع الصلاة الأولى وركعة من الثانية وجبت الصلاتان وإلا - بأن بقي من الوقت ما يسع الثانية فقط أو ركعة منها - لا تقضي الأولى. 3 - (الطواف بالكعبة) ولو نفلاً (لما تقدم عن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام. فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير. أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد (¬2) {440} (وقالت) عائشة رضي الله عنها: دخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا أبكي فقال: أنفست يعني الحيضة. قلت: نعم. قال: إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي. أخرجه مسلم (¬3) {441}. (فيحرم) الطواف ولا يصح مع الحدث الأكبر عند مالك والشافعي والجمهور وهو المشهور عن أحمد. ويصح عند الحنفيين مع الحرمة وهو رواية عن أحمد. 4 - (دخول المسجد) ولو للعبور من غير مكث ولا ضرورة عند الحنفيين ¬

(¬1) (الفقهاء السبعة) سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد والخارجة ابن زيد وأبو بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. (¬2) تقدم رقم 266 ص 287 (الثاني من أقسام الوضوء الواجب- يجب للطواف). (¬3) انظر ص 146 ج 8 نووي مسلم (وجوه الإحرام).

والمالكية (لما) تقدم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب. أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة (¬1) {442}. (وجوز) الشافعي وأحمد للحائض والنفساء عبور المسجد إن لم يتلوث بالدم، لقوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل) من آية 43 - النساء (وأجاب) الأولون بأن معناه ولا عابري سبيل. ومحل الخلاف إن لم يكن هناك ضرورة. فإن كانت- كأن يكون باب البيت إلى المسجد ولم يمكن تحويله ولا السكنى في غيره- فلا يحرم العبور اتفاقاً. 5 - (قراءة شيء من القرآن) بقصده ولو بعض آية عند الحنفيين (لما تقدم) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي (¬2) {443}. (وهو) بعمومه يشمل الآية وما دونها (وقالت) المالكية: يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن وإن لم تخش نسيانه (وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف، لأنه من رواية ابن عياش عن موسى بن عقبة وهو حجازي. وروايته عن الحجازيين ضعيفة لا يحتج بها (ومحل) الخلاف إذا قرأت بقصد القرآن. أما لو قرأت بقصد الذكر أو الثناء أو الدعاء أو التحصن أو افتتاح أمر فلا بأس بذلك اتفاقاً على الأصح إن اشتمل المقروء على ما قصدت. 6 - (مس شيء من القرآن) ولو في لوح أو درهم أو حائط أو مكتوباً بغير العربية. ¬

(¬1) تقدم رقم 357 ص 330 (ويحرم على الجنب دخول المسجد). (¬2) تقدم رقم 355 ص 329 (ويحرم عليه قراءة شيء من القرآن).

7 - (وحمله) لغير ضرورة عند الأئمة الأربعة (لحديث) حكيم ابن حزام أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر. أخرجه الطبراني والدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1) {444}. نعم يجوز مسه وحمله لضرورة كخوف عليه من حرق او غرق او نجاسة. وتقدم تمام الكلام في بحث الطهارة لمس المصحف (¬2). 8 - (مباشرة الحائض والنفساء) بالوطء وغيره فيما بين السرة والركبة. أما حرمة الوطء فبالكتاب والسنة والإجماع: قال الله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) من آية 222 - البقرة. وأولها: ويسألونك عن المحيض (وعن أنس) أن اليهود كانوا إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فأنزل الله (ويسألونك عن المحيض، قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض) الاية فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اصنعوا كل شيء غير النكاح. أخرجه الخمسة الا البخاري (¬3) {445}. "ووطء" الحائض والنفساء في الفرج عامداً مختاراً عالماً بالحرمة "كبيرة" يجب التوبة منها اتفاقاً (ويستحب) له عند الحنفيين ومالك والزهري والجمهور أن يتصدق بدينار إذ كان الدم أسود وبنصفه إن كان اصفر. وهو أصح الروايتين عن الشافعي وأحمد (لحديث) ابن عباس ان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار او نصف ¬

(¬1) انظر رقم 9866 ص 421 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 285 (ب) (الطهارة لمس المصحف). (¬3) انظر ص 339 ج 2 تيسير الوصول (الحائض وأحكامها).

دينار. أخرجه أحمد والأربعة والحاكم وصححه. وقال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة (¬1) {446}. وفي رواية للترمذي: إذا كان دماً أحمر فدينار. وإن كان دماً أصفر فنصف دينار (وقال) ابن عباس والاوزاعي وإسحاق وأحمد في رواية والشافعي في القديم: يجب التصدق بما ذكر (وإن) وطئها ناسياً أو جاهلاً وجود الحيض أو مكرها، فلا إثم عليه ولا كفارة (ولو) أخبرته بالحيض وهي فاسقة ولم يغلب على ظنه صدقها، لا يقبل قولها. وإن غلب على ظنه صدقها، حرم وطؤها (وأما) المباشرة فيما بين السرة والركبة بغير الوطء، ففيها ثلاثة أقوال: (الأول) أنها حرام، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء. وهو الصحيح عند الشافعية (لقول) معاذ: قلت يا رسول الله ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ما فوق الازار والتعفف عن ذلك أفضل. أخرجه أبو الحسن رزين ابن معاوية (¬2) {447}. (وعن) زيد بن أسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها. أخرجه مالك والدارمي (¬3) {448}. ¬

(¬1) انظر ص 156 ج 2 - الفتح الرباني، وص 177 ج 1 تحفة الاحوذي. وص 114 ج 1 سنن ابن ماجه (كفارة من أتى حائضاً) وص 45 ج 3 - المنهل العذب (اتيان الحائض). (¬2) انظر ص 340 ج 2 تيسير الوصول (الحائض وأحكامها). (¬3) انظر ص 103 ج 1 زرقاني الموطا (ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض وص 241 ج 1 سنن الدارمي (مباشرة الحائض).

(وإذا) حرم على الرجل مباشرة ما تحت أزار امرأته، حرم عليها تمكينه منها وأن تباشره بما تحت إزارها بالأولى (الثاني) الجواز مع الكراهة التنزيهية وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد وداود الظاهري ومحمد بن الحسن وأصبغ المالكي، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنس السابق "اصنعوا كل شيء غير النكاح" (¬1) (وأجاب) الأولون بأن هذا مبيح وما استدلوا به مانع، والمانع مقدم على المبيح (الثالث) التفصيل فإن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق باجتنابه لضعف شهوته أو لشدة ورعه، جازت المباشرة وإلا فلا (أما) مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة بالقبلة أو المعانقة او اللمس ولو بالذكر، فهي حلال بالإجماع كالاستمتاع بالنظر ولو بشهوة، والاستمتاع بما بين السرة والركبة بغير الوطء مع الحائل. (جـ) الاستحاضة: هي لغة السيلان. واصطلاحاً الدم الخارج لعلة من الفرج دون الرحم في غير أيام الحيض والنفاس. وعلامته ألا يكون منتناً. ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث. 1 - أنواع الاستحاضة: هي ستة أنواع: ما نقص عن أقل الحيض وما زاد على أكثره. وما زاد على أكثر النفاس. وما زاد على العادة في الحيض والنفاس وجاوز أكثرهما وإلا فهو حيض أو نفاس. وما تراه الحامل عند الحنفيين وأحمد لانسداد فم الرحم وسيأتي تمامه. 2 - حكمها: الاستحاضة حدث دائم لا يمنع صلاة ولا صوماً ولا غيرهما مما يمنعه الحيض والنفاس (لما تقدم) من قوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: ¬

(¬1) تقدم رقم 425 ص 384 (مباشرة الحائض والنفساء).

دعي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة (¬1). فقد أمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصلاة فجواز غيرها أولى. 3 - أقسام المستحاضة: هي ستة أقسام تفصيلاً: معتادة ذاكرة عادتها مع التمييز وعدمه. ومعتادة نسيت عادتها كذلك. ومبتدأة مميزة وغير مميزة. وثلاثة أقسام إجمالاً: معتادة ذاكرة عادتها أو ناسيتها أو مبتدأة. (أ) فإن كانت معتادة ذاكرة عادتها تعتبر أيام عادتها حيضاً، ميزت بين القوى وغيره أم لم تميز فتترك فيها الصلاة والصيام وغيرهما مما يمنعه الحيض. فإذا انقضت أيام عادتها، اغتسلت وصلت وصار حكمها حكم الطاهرة، لكنها تتوضأ لوقت كل صلاة عند الحنفيين وأحمد. فتصلي في الوقت ما شاءت من فرائض ونوافل. فإذا خرج الوقت بطل وضوءها. (وقال) الشافعي: تتوضأ المستحاضة ونحوها من المعذورين لكل فرض على حدته ويصلون النوافل تبعاً، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم للمستحاضة: دعي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة (¬2) (وقال) مالك: لا يجب عليهم الوضوء وإنما هو مستحب لكل صلاة، لما تقدم في حديث أم سلمة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لتنتظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر. فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل (¬3). (وهو) يدل على أن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق ¬

(¬1) تقدم رقم 260 ص 283 (أحكام طهارة المعذور). (¬2) تقدم رقم 260 ص 283 (أحكام طهارة المعذور). (¬3) تقدم رقم 431 ص 388 (وقد صح في ذات العادة اعتبار الشارع للعادة).

تمييزها عادتها أم خالفها. وبه قال الحنفيون والشافعي في رواية وأحمد في المشهور عنه، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسألها أهي مميزة ام لا؟ وترك الاستفصال منزل منزلة العموم. (وقالت) المالكية: ترد لعادتها إذا لم تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة وإلا ردت إلى تمييزها وهو أصح قولي الشافعي بشرط ألا يزيد القوى عنده عن خمسة عشر يوماً ولا ينقص عن يوم وليلة. (ب) وإن كانت معتادة نسيت الوقت والعدد (فقال) الحنفيون: تتحرى، ومتى ترددت بين حيض وطهر تتوضأ لوقت كل صلاة. وإن ترددت بينهما والدخول في الطهر، تغتسل لوقت كل صلاة، وتترك السنن غير المؤكدة، ولا تدخل مسجداً ولا تجامع. وإن لم يكن لها رأي فهي متحيرة لا يحكم لها بشيء من الحيض والطهر على التعيين بل تأخذ بالأحوط في الأحكام. فتجتنب ما تجتنبه الحائض كالقراءة في غير الصلاة ومس المصحف وقربان الزوج وتغتسل لوقت كل صلة وتصلي به الوتر والفرض، وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط، وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان (وإن حجت) تطوف طواف الإفاضة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام. ثم تطوف طواف الوداع لأنه واجب. وتصوم رمضان. ثم تقضي خمسة وعشرين يوماً لاحتمال أنها حاضت عشرة من أوله وخمسة من آخره أو بالعكس ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشراً فسلم لها خمسة عشر يوماً. والفتوى على أن طهرها في العدة مقدر بشهرين (وقال) الشافعي: المعتادة الناسية للعدد والوقت، لها حكم الحائض في كل ما لا يتوقف على نية غير الطلاق كمباشرة ما بين السرة والركبة وقراءة القرآن في غير الصلاة ومس المصحف والمكث في المسجد لغير عبادة متوقفة عليه وعبوره إن خافت تلويثه. ولها حكم الطاهر في الطلاق وكل عبادة تفتقر إلى نية كالصلاة والصوم والاعتكاف

وعليها أن تغتسل لكل فرض في وقته ان جهلت زمن انقطاع الدم. أما إذا علمت في زمن الصحة وقت انقطاعه كعند الغروب، لزمها الغسل كل يوم وقته فتصلي به المغرب، وتتوضأ لباقي الصلوات. (جـ) وإن بلغت مستحاضة (فعند) الحنفيين: يعتبر حيضها عشرة من كل شهر ثم تغتسل وتصلي باقي الشهر بوضوء لوقت كل صلاة (وقال) الشافعي: المستحاضة المبتدأة إن لم تميز تدع الصلاة وغيرها مما يحرم على الحائض من وقت رؤيتها الدم فإذا انقطع لخمسة عشر يوماً فأقل اعتبر الكل حيضاً. وإن استمر أكثر من خمسة عشر يوماً، اعتبر حيضها يوماً وليلة وباقي الشهر طهراً، فتقضي الصلاة فيما عدا اليوم والليلة. وفيما عدا الشهر الأول يعتبر حيضها يوماً وليلة، وطهرها تسعة وعشرين. وكذا المبتدأة المميزة ان نقص القوى عن يوم وليلة او زاد عن خمسة عشر، أو نقص الضعيف عن خمسة عشر يوماً (وقال) أحمد: المستحاضة المبتدأة والمعتادة الناسية لعادتها ولم تميز دمها - بأن كان كله أسود أو احمر مثلاً - أو كانت مميزة - بأن تراه تارة أسود ثخيناً منتناً وتارة تراه رقيقاً أحمر أو اصفر أو لا رائحة له ولم يصلح الأسود أن يكون حيضاً - بأن نقص عن يوم وليلة او جاوز خمسة عشر - تترك الصلاة وغيرها من كل ما يمنعه الحيض ستة أيام او سبعة من كل شهر وهي غالب الحيض باجتهادها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها او عادة نساء قومها او ما يكون أشبه بكونه حيضاً ثم تغتسل وتصلي ثم تتوضأ لوقت كل صلاة (وقال) مالك: المستحاضة المبتدأة والمعتادة الناسية لعادتها غير المميزة، يعتبر حيضها خمسة عشر يوماً ثم تغتسل، وتصلي باقي الشهر أما المميزة مبتدأة او معتادة فترد الى التمييز، فيكون الدم القوي حيضاً والضعيف استحاضة. 4 - وطء المستحاض- يجوز وطؤها في غير أيام حيضها عند الجمهور (لما روي) عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان

زوجها يجامعها. أخرجه أبو داود والبيهقي وقال: ويذكر عن ابن عباس أنه أباح وطأها (¬1) {58}. (وقال) عكرمة: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند حسن (¬2) {59}. (وقال) أحمد: لا يجوز وطء المستحاضة إلا أن يطول ذلك بها (وعنه) لا يجوز وطؤها مطلقاً. وكره ابن سيرين لقول عائشة: المستحاضة لا يغشاها زوجها. أخرجه الخلال (¬3) {60}. ولأن بها أذى فلا توطأ كالحائض (ورد) بأن الأصل الإباحة، والمنع لا يكون إلا بدليل من كتاب او سنة. ولم نعلم لذلك دليلاً. ولذا روي عن أحمد إباحة وطئها مطلقاً. (5) الدم تراه الحامل - اختلف الفقهاء فيه أهو حيض أم استحاضة؟ (قال) الحنفيون وأحمد والثوري وجماعة: الحامل لا تحيض وأن ما تراه من الدم هو دم فساد إلا أن يصيبها الطلق فهو دم نفاس عند غير الحنفيين (وقال) مالك: الدم الذي تراه الحامل حيض. وأكثره فيما بعد الشهرين إلى ستة أشهر عشرون يوماً، وفي ستة أشهر فأكثر ثلاثون يوماً فإن زاد على ذلك فهي مستحاضة تصلي وتصوم وتوطأ وإن تقطع الدم. وهذا بالنسبة للعبادة. أما بالنسبة ¬

(¬1) انظر ص 131 ج 3 - المنهل العذب (المستحاضة يغشاها زوجها). وص 329 ج 1 سنن البيهقي (صلاة المستحاضة واعتكافها في حال استحاضتها ولزوجها ان يأتيها). (¬2) انظر ص 329 منه (صلاة المستحاضة واعتكافها). وص 130 ج 3 - المنهل العذب (المستحاضة يغشاها زوجها). (¬3) انظر ص 357 ج 1 مغنى ابن قدامة (حكم وطء المستحاضة).

(د) تطهير محل النجاسة

للعدة فالمعتبر وضع الحمل (وقالت) الشافعية: ما تراه الحامل حيض إن كان لا ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يوماً، لأنه دم لا يمنعه الرضاع فلا يمنعه الحمل. وهذا بالنسبة لغير العدة. وأما هي فتعتبر بوضع الحمل. والله الموفق للصواب. (د) تطهير محل النجاسة هذا هو المقصد الرابع من مقاصد الطهارة: وتطهير محل النجاسة بالماء من خصائص هذه الأمة. والكلام ينحصر في خمسة مباحث. (الأول) صفة التطهير- (قال) أكثر العلماء يشترط: لصحة الطهارة طهارة ثوب المصلي ومكانه وبدنه من كل نجاسة غير معفو عنها عند القدرة من غير ارتكاب ما هو أشد منعاً فإن لم يتمكن من تطهير جسده مثلاً- الا بإبداء عورته لمن لا يحل له نظرها- صلى بالنجاسة ولا إعادة عليه لأن من ابتلى بأحد محظورين لزمه ارتكاب الأخف وكشف العورة أشد منعاً من الصلاة بالنجاسة (ودليل) لزوم تطهير ما ذكر أمر به في الكتاب والسنة (أما الثوب) فقد قال تعالى (وثيابك فطهر) (4 - المدثر) أي طهر ثيابك الملبوسة من النجاسة على الأرجح في تفسيرها. (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" أخرجه الدارقطني وقال: المحفوظ مرسل (¬1) {449}. وتقدم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للمستحاضة: فإذا أقبلت حيضتك ¬

(¬1) انظر ص 47 سنن الدارقطني (نجاسة البول والأمر بالتنزه منه).

فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم توضئي لكل صلاة (¬1). (وقال) جابر بن سمرة: سمعت رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال نعم إلا ان ترى فيه شيئاً فتغسله. أخرجه أحمد وابن ماجه ورجاله ثقات (¬2) {450}. (وقال) معاوية: قلت لأم حبيبة هل كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت نعم إذا لم يكن فيه أذى. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ورجاله ثقات (¬3) {451}. والمراد بالشيء في حديث جابر والأذى في حديث معاوية، النجس (فهما) يدلان على عدم صحة الصلاة في الثوب المتنجس وهو مذهب غير مالك في حق القادر. (أما) من عجز عما يزيل النجاسة الحقيقية ولو حكماً بأن وجد المزيل لكنه لم يقدر على استعماله لمانع فإنه يصلي مع النجاسة ولا يعيد الصلاة إذا وجد المزيل ولو في الوقت (وعن مالك) ثلاث روايات (الأولى) أن إزالتها شرط في صحة الصلاة مطلقاً كالجمهور (الثانية) أن إزالتها شرط في صحة الصلاة مع الذكر والقدرة. وهي أشهرها. فإن صلى عالماً بها قادراً على إزالتها لم تصح صلاته. ووجب عليه إعادتها أبداً. وهو قول قديم للشافعي (لقول) عائشة: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال رجل يا رسول الله: هذه لمعة من دم فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما يليها فبعث بها إلى مصرورة في يد الغلام فقال: ¬

(¬1) تقدم رقم 227 ص 263 (الدم الخارج من الجسد- نواقض الوضوء). (¬2) انظر ص 112 ج 3 - الفتح الرباني. وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة في الثوب يصيب أهله فيه). (¬3) انظر ص 112 ج 3 - الفتح الرباني. وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة في الثوب يصيب أهله فيه).

اغسلي هذه وأجفيها وأرسلي بها إلى فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه. (الحديث) أخرجه أبو داود (¬1) {452}. (ففيه) أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالنجاسة غير عالم بها. فلما علم بها أزالها ولم يستأنف الصلاة (الثالثة) أن إزالتها سنة مع الذكر والقدرة وليست بشرط (¬2). (وأجابوا) عن الأدلة السابقة بأنها لا تقتضي الشرطية، لأن الأمر بالشيء نهى عن ضده. والنهي يقتضي الفساد "لأن ها هنا" مانعاً يمنع من الاستدلال بها على الشرطية، وهو عدم إعادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة التي صلاها في الكساء المتنجس بالدم، "فبناؤه" صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما فعله من الصلاة "دليل" على عدم الشرطية وهذا هو الراجح. (وأما) المكان فلأمره عليه الصلاة والسلام بصب دلو من ماء على بول ¬

(¬1) انظر ص 269 ج 3 - المنهل العذب (الإعادة من النجاسة تكون في الثوب). و (مصرورة أي مجموعة مشدودة (فأحرتها) بالحاء المهملة والراء أي رددتها. (¬2) حاصل مذهب مالك ما قال العلامة الدردير في الصغير: يجب شرطاً إزالة النجاسة بالماء عن محمول المصلي من ثوب أو عمامة أو نعل أو حزام أو منديل وعن بدنه وعن مكان قدميه وركبتيه وجبهته فلا يضر نجاسة ما تحت صدره وما بين ركبتيه ولو تحرك بحركته. (ومحل) كون الإزالة شرط صحة للصلاة إن ذكر وقدر. فإن صلى بنجاسة ناسياً لها أو لم يعلم بها حتى فرغ من صلاته فهي صحيحة. ويندب له إعادتها في الوقت. (وكذا) من عجز عن إزالتها ولم يجد ثوباً غير متنجس فإنه يصلي بالنجاسة وصلاته صحيحة. (وهذا) أحد المشهورين في المذهب. وعليه فإن صلى بالنجاسة عامداً قادراً على إزالتها أعاد الصلاة أبداً وجوباً لبطلانها (والمشهور) الثاني أن إزالتها سنة إن ذكر وقدر فإن لم يذكرها أو لم يقدر على إزالتها أعاد بوقت كالأول. وأما العالم القادر فيعيد ندباً على الثاني. انظر ص 22 ج 1 - الشرح الصغير (إزالة النجاسة).

الأعرابي الذي بال في المسجد (قال) أنس بن مالك: بينما نحن في المسجد مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مه مه. فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال، ثم دعاه، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه. أخرجه مسلم (¬1) {453}. ومنه يعلم لزوم تطهير جسد المصلي بالأولى. (ب) أقسام النجاسة- هي عند الحنفيين مغلظة ومخففة فما ورد النص بنجاسته بلا معارض ولا حرج في اجتنابه كالدم وفضلة الإنسان وما لا يؤكل لحمه ولعاب الكلب والخنزير فهو مغلظ عند الإمام، وإن عارض نصان في نجاسته وطهارته كبول ما يؤكل لحمه والفرس وخرء طير لا يؤكل لحمه فهو مخفف عنده (وقال) الصاحبان: ما اتفق على نجاسته ولم يكن في إصابته بلوى فهو مغلظ كالمتفق على نجاسته فيما تقدم وإلا فمخفف كالمختلف في نجاسته ما عدا المني. فالتخفيف عند الإمام كما يكون بالتعارض يكون بعموم البلوى بالنسبة إلى جنس المكلفين وإن ورد نص واحد في نجاسته من غير معارض، وكذا عندهما كما يكون التخفيف بالاختلاف يكون بعموم البلوى في إصابته وإن اتفق على نجاسته. وإذا كان النص الوارد في نجاسة شيء يضعف حكمه باختلاف العلماء في عندهما فيثبت به التخفيف فضعفه بما إذا ورد نص آخر ¬

(¬1) انظر ص 193 ج 3 نووي مسلم (الأرض تطهر بالماء). و (مه) اسم فاعل مبني على السكون معناه اكفف. و (لا تزرموه) بضم التاء الفوقية واسكان الزاي بعدها راء، أي لا تقطعوا عليه بوله (فشنه) يروي: بالشين المعجمة والسين المهملة ومعناه صبه. وفرق بعض العلماء بينهما فقال: هو بالمهملة الصب بسهولة. وبالمعجمة التفريق في صبه.

يخالفه أولى فيكون التخفيف بتعارض النصين اتفاقاً، وإنما الخلاف في ثبوت التخفيف بالاختلاف في النجاسة. ولا يظهر خلاف بينهم إلا في فضلة ما يؤكل لحمه لثبوت الخلاف فيها مع عدم تعارض النصين ويرد على قول الإمام سؤر الحمار والبغل فقد تعارض النصان مع أنه لم يقل بنجاسته أصلاً بل قال: إنه مشكوك في طهوريته. وعلى ولهما المني فإنه مغلظ اتفاقاً مع ثبوت الخلاف في نجاسته. هذا، وخفة النجاسة تظهر في الثياب إلا في الماء (¬1). (جـ) ما يعفي عنه من النجاسة- يعفي عند الحنفيين (1) عن قدر الدرهم الكبير (وزناً) في الثخينة كالعذرة وهو ما يبلغ وزنه مثقالاً (¬2) (ومساحته) في الرقيقة، وهو قدر مقعر الكف من نجاسة مغلظة كالدم المسفوح غير دم الشهيد والمراد أن يكون شأن السيلان، فلو جمد المسفوح ولو على اللحم فهو نجس، ومنه ما يبقى في المذبح ودم الحيض والنفاس والاستحاضة وكل دم ينقض الوضوء وإنما عفي عن قدر الدرهم مما ذكر لعدم إمكان التحرز عن القليل فقدر به اعتباراً لموضع الاستنجاء. (2) يعفي عما دون ربع الثوب الكامل والجسد كله على الصحيح من نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه. والعفو إنما ظهر في غير المائع. أما المائع فيتنجس متى أصابته نجاسة وإن قلت أو خفت. هذا. وما زاد على الدرهم في الغليظة أو بلغ الربع في الخفيفة لا يعفي عنه لعدم الضرورة. ¬

(¬1) انظر ص 240 وما بعدها ج 1 - البحر الرائق (الأنجاس). (¬2) المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.

(3) ويعفي عن دم السمك لأنه ليس بدم عندهم حقيقة، وإنما هو دم صورة لأنه إذا يبس يبيض والدم يسود. (4) ويعفي عن لعاب البغل والحمار على القول بنجاسته. وظاهر الرواية طهارته ويعفي عن بول انتشر قدر رؤوس الابر للضرورة وإن امتلأ الثوب. (وقال) غير الحنفيين: يعفي عن يسير دم وقيح وصديد وماء قروح في الصلاة لأن الإنسان غالباً لا يسلم منه ولأن يشق التحرز منه فعفي عن يسيره. كأثر الاستجمار وإنما يعفي عن ذلك إذا كان من حيوان طاهر او آدمي من غير سبيل. (5) ويعفي عن يسير طين شارع تحققت نجاسته، وعن يسير سلس بول مع كمال التحفظ منه للمشقة وعن يسير دخان نجاسة وغبارها وبخارها ما لم تظهر له صفة في الشيء الطاهر، وقيل: ما لم يتكاثف لعسر التحرز عن ذلك (¬1) ويعفي عن يسير ماء تنجس بما عفي عن يسيره لأن كل نجاسة نجست الماء فحكم هذا الماء المتنجس بها حكمها، ويعفي عن نجاسة أصابت العين للتضرر بغسلها، وعن حمل نجس كثير في صلاة الخوف، ويعفي عن أثر دم على جسم صقيل بعد المسح لأن الباقي بعده يسير وإن كثر محله (¬2)، ولا يعفي عن يسير مذي وقي وودي وبول وغائط من آدمي وما لا يؤكل وعرق بغل وحمار وسباع البهائم وجوارح الطير وأبوالها وأرواثها وبول الخفاش والخطاف والجلالة، لأن الأصل عدم ¬

(¬1) هذا على مذهب الشافعي وأحم من نجاسه ما ذكر (وقال) الحنفيون ومالك: دخان النجاسة وغبارها طاهر لأن النار مطهرة عندهم. (¬2) انظر ص 138 ج 1 كشاف لقناع. (ولا يعفي عن يسير نجاسة) وما ذكر في العفو عن أثر المسح مبني على أن مسح الصقيل لا يطهره وهو مذهب الشافعي وأحمد.

العفو عن النجاسة إلا ما خصه الدليل. وعن أحمد في المذي والقيء ولعاب البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش أنه كالدم يعفي عن يسيره لمشقة الاحتراز عنه (¬1). (د) المطهرات - كل نجاسة يطهر محلها ثوباً وجسداً وإناء وغيرها. ولو مأكولاً أمكن تطهيره بأمور. (1) بالماء المطلق اتفاقاً. وكذا المستعمل عند غير الشافعية. (2) وبكل مائع طاهر مزيل للنجاسة كالخل وماء الورد والريق عند الحنفيين. ورواية عن أحمد فإذا قاء الولد على الثدي. يطهر إذا رضعه حتى زال أثر القيء. ولو تنجس الأصبع ونحوه يطهر بلحسة حتى يذهب الأثر (لحديث) مجاهد أن عائشة قالت: ما كانت لإحدانا الا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها فمصعته بظفرها. أخرجه البخاري وأبو داود (¬2) {454}. ولكن تكره إزالة النجاسة عندهم بنحو الخل لغير ضرورة. (3 - 12) ومن المطهرات الدبغ والذكاة والدلك والفرك والمسح والجفاف والاستحالة والنار والنحت والتراب وغيرها. (هـ) كيفية تطهير المتنجس- النجاسة قسمان مرئية وهي ما ترى بعد الجفاف وغير مرئية وهي ما لا ترى بعده. والكلام ينحصر في ستة وعشرين بحثاً. ¬

(¬1) انظر ص 139 ج 1 كشاف القناع. (¬2) انظر ص 283 ج 1 فتح الباري (هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟ ). وص 227 ج 3 - المنهل العذب (المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها). (المصع) التحريك والفرك.

(1) كيفية التطهير بالماء - يلزم غسل المتنجس بنجاسة مرئية كالدم حتى تزول عينها فلو زالت بمرة طهر عند الجمهور (وقال) الطحاوي: لا يطهر الا بالغسل مرتين بعد زوال العين ويعفي عن لون او ريح شق زواله بأن احتاج في إزالته الى نحو صابون او ماء حار. أما طعم النجاسة فلابد من زواله (والمتنجس) بنجاسة غير مرئية كبول يطهر بالغسل حتى يغلب على الظن أنه قد زال ولا يشترط عدد على المفتي به عند الحنفيين وهو مذهب مالك والشافعي والراجح عند أحمد (لقول) ابن عمر: كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار وغسل البول من الثوب سبع مرار فلم يزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة وغسل البول من الثوب مرة. أخرجه أحمد وأبو داود وهذا لفظه. والبيهقي (¬1) {455} وفي سنده أيوب ابن جابر وعبد الله بن عصم ضعيفان. (وعليه) لو جرى الماء على ثوب نجس وغلب على الظن أنه قد طهر جاز استعماله وإن لم يحصل غسل ولا عصر. (ولو) كان الماء غير جار فلابد من العصر في كل مرة عند أحمد هو ظاهر الرواية عند الحنفيين (وقيل) يكفي العصر مرة وهو أرفق (وعن) أبي يوسف: العصر ليس بشرط وهو الأصح عند الشافعي. (2 - 6) تقدم كيفية تطهير جلد الميتة بالدباغ. وتطهير ما تنجس بدم الحيض ونحوه والمذي ولعاب الكلب والمني (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 198 ج 2 الفتح الرباني. وص 18 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابة). (¬2) جلد الميتة تقدم ص 166. ودم الحيض قدم ص 377 والمذي ص 360. ولعاب الكلب ص 365. والمني ص 366.

(7) تطهير الماء النجس- الماء ثلاثة أقسام (أ) أن يكون قليلاً (أقل من قلتين) فيطهر بماء كثير طاهر يصب عليه او ينبع فيه يجري اليه فيزيل تغيره إن كان متغيراً وإلا طهر بمجرد صب الماء الكثير لأن الماء الكثير لا يحمل الخبث ولا ينجس الا بالتغيير فكذا إذا ورد على النجاسة ولم يتغير فيحكم بطهارة ما خالطه (ب) أن يكون قلتين غير متغير بالنجاسة فيطهر بمجرد صب الماء الكثير وإن كان متغيراً يطهر بالمكاثرة إن زالت تغيره او بتركه حتى يزول تغيره بطول المكث (جـ) أن يكون زائداً عن قلتين متنجساً بغير التغير فيطهر بالمكاثرة وإن كان متغيراً يطهر بالمكاثرة او بزوال تغيره بالمكث او ينزح منه ما يزول به التغير ويبقى قلتان فأكثر فإن بقي أقل منهما قبل زوال تغيره ثم زال تغيره لم يطهر لأن التنجس في القليل لمجرد ملاقاة النجاسة فلم تزل العلة بزوال التغير فلا يطهر إلا بالمكاثرة ولا يعتبر فيها صب الماء دفعة واحدة بل تكون بالمتابعة من ساقية او دلو فدلو او ماء المطر او النبع قليلاً قليلاً حتى يبلغ قلتين فيحصل به التطهير. وإن كوثر بقليل فزال تغيره أو طرح فيه تراب او مائع غير الماء فزال تغيره فقيل لا يطهر بذلك لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى ولأنه ليس بطهور فلا يطهر غيره (وقيل يطهر) لأنه علة النجاسة التغير وقد زال كما لو زال بمكثه واختار بعضهم هذا لأنه أيسر (¬1). (8) تطهير المائع غير الماء- لا يطهر غير الماء من المائعات عند مالك والشافعي على الأصح وهو المشهور عن أحمد الا الزئبق فإنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد (لحديث) سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها ¬

(¬1) انظر ص 34 و 35 ج 1 مغنى ابن قدامة (تطهير الماء النجس).

وإن كان مائعاً فلا تقربوه. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1) {456}. (ولو) كان إلى تطهيره سبيل لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن قربانه. (وقال) الحنفيون: يطهر الزيت ونحوه بصب الماء عليه سواء أكان قدره ام لا على المختار ورفعه عنه ثلاثاً او يوضع في إناء ذي ثقب يصب عليه الماء فيعلو الزيت ويحركه ثم يفتح الثقب إلى ان ينزل الماء (واختار) ابن سريج الشافعي وأبو الخطاب الحنبلي أن ما يتأتى تطهيره كالزيت يطهر بالماء لأنه أمكن غسله فيطهر كالجامد وطريق تطهيره جعله في ماء كثير ويخاض فيه حتى يصيب الماء جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وإن تركه في جرة فصب عليه ماء فخاضه به وجعل لها ثقباً ليخرج معه الماء جاز (قالوا) والحديث ورد في السمن والظاهر أنه لا يمكن تطهيره لأنه يجمد في الماء ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الأمر بتطهيره لمشقة ذلك وقلة وقوعه (¬2). (9) تطهير السمن والدهن - ما ذكر أما أن يكون جامداً او مائعاً. (أ) فإن كان جامداً يطهر برفع النجاسة وما حولها اتفاقاً (لحديث) ابن عباس عن ميمونة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم. أخرجه البخاري والثلاثة وأحمد وزاد هو والنسائي في سمن جامد (¬3) {457}. ¬

(¬1) انظر ص 239 ج 1 - الفتح الرباني. وص 429 ج 3 عون المعبود (الفأرة تقع في السمن- الأطعمة). (¬2) انظر ص 35 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 239 ج 1 فتح الباري (ما يقع من النجاسات في السمن). وص 429 ج 2 عون المعبود (الفأرة تقع في السمن). وص 80 ج 3 تحفة الاحوذي (الفأرة تموت في السمن). وص 240 ج 1 - الفتح الرباني.

(ب) وإن كان مائعاً لا يطهر عند الجمهور ولا يستصبح به ولا يباع لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث أبي هريرة: وإن كان مائعاً فلا تقربوه (¬1) (وقال) مالك والشافعي وأحمد: يجوز الاستصباح به في غير مسجد والانتفاع به في كل شيء الا الأكل والبيع. اما الأكل فمجمع على تحريمه وأما حرمة البيع فلقول ابن عباس: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة الم يعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها. أخرجها الشيخان وابن ماجه (¬2) {458}. (وقال) الحنفيون والليث: يجوز بيعه والانتفاع به في غير الأكل لقول ابن عمر: إن كان السمن مائعاً انتفعوا به ولا تأكلوه. أخرجه البيهقي (¬3) {61}. (وعن) نافع عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت قال: استصبحوا به وادهنوا به أدمكم. أخرجه البيهقي بسند على شرط الشيخين إلا أنه موقوف (¬4) {62}. (وأما قوله) في حديث ابن المسيب: وإن كان مائعاً فلا تقربوه، فيحتمل أن يراد به الأكل. وقد أجرى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التحريم في شحوم الميتة من كل وجه ومنع الانتفاع بها وقد أباح في السمن تقع فيه الميتة ¬

(¬1) تقدم رقم 456 ص 402 (تطهير المائع غير الماء). (¬2) انظر ص 281 ج 4 فتح الباري (لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه). وص 7 ج 11 نووي مسلم (تحريم بيع الخمر والميتة). وص 172 ج 2 - ابن ماجه (التجارة في الخمر). (وجملوها) بفتحتين أي أذابوها. (¬3) انظر ص 530 ج 9 فتح الباري الشرح (إذا وقعت الفأرة في السمن). (والادم) بضمتين جمع أديم وهو الجلد. (¬4) انظر ص 530 ج 9 فتح الباري الشرح (إذا وقعت الفأرة في السمن). (والادم) بضمتين جمع أديم وهو الجلد.

الانتفاع به فدل على جواز وجوه الانتفاع به غير الأكل. وأيضاً فإن شحوم الميتة محرمة العين والذات. وأما الزيت ونحوه تقع فيه الميتة فإنما ينجس بالمجاورة وما ينجس بها فبيعه جائز كالثوب تصيبه النجاسة من الدم وغيره (¬1) (ويطهر) مائع السمن عند الحنفيين وابن سريج وأبي الخطاب كما يطهر الزيت المتنجس. 10 - تطهير العسل والربس- (بكسر فسكون) عسل الرطب والعنب- وما ذكر يكون جامداً ومائعاً فإن كان جامداً يطهر- اتفاقاً كالسمن- بإلقاء النجاسة وما حولها. وإن كان مائعاً لا يطهر عند الجمهور (وقال) الحنفيون: يطهر بصب الماء عليه وغليه ثلاثاً حتى يعود كما كان. 11 - تطهير اللحم- اللحم المطبوخ بنجس حتى نضج لا يطهر أبداً عند مالك والنعمان وأحمد (وقال) أبو يوسف: يغلي ثلاثاً كل مرة بماء طاهر ويجفف كل مرة بتبريده ومرقته تراق لا خير فيها. وعلى هذا الدجاج وغيره المغلي قبل إخراج أمعائه أما لو وضعه بقدر انحلال المسام لنتف الريش فيطهر بالغسل اتفاقاً. (وقال) الشافعي: يطهر اللحم المطبوخ بنجس بالغسل ولو بماء غير مغلي ثم العصر. وقيل يشترط ان يغلي اللحم مرة أخرى بماء طهور (¬2). 12 - تطهير الحبوب- لو طبخ البر والذرة ونحوهما في نجس لا يطهر عند النعمان ومالك إلا إذا جعل في خل (وقال) أحمد: لا يطهر باطن حب تشرب ¬

(¬1) انظر ص 162 ج 3 عمدة القاري (ما يقع من النجاسة في السمن والماء). (¬2) انظر ص 60 ج 2 مجموع النووي (النجاسة).

النجاسة ولا عجين تنجس لأنه لا يمكن غسله ولا لحم تنجس وتشرب النجاسة (¬1). (وقال) أبو يوسف: يطهر بالطبخ ثلاثاً في الماء والتجفيف في كل مرة. (وقال) الشافعي: يطهر بالغسل بماء ولو غير مغلي ثم العصر. وقيل يشترط أن يغلي مرة أخرى بماء طهور. 13 - تطهير السكين ونحوها- السكين ونحوها من كل صقيل لا مسام له كالسيف والمرآة والظفر والزجاج والأواني المدهونة والخشب المخروج إذا تنجس يطهر بالغسل اتفاقاً وكذا بالمسح عند الحنفيين ومالك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقاتلون بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون بها (وقال) الشافعي وأحمد: لا يطهر ما ذكر ولو صقيلاً فلا يطهر إلا بالغسل اتفاقاً. وإذا سقيت السكين ونحوها ماء نجساً ثم غسلت طهر ظاهرها لا باطنها عند الحنفيين وهو قول الشافعي وعنه أنه يطهر باطنها أيضاً (وقال) أحمد: لا يطهر إناء تشرب نجاسة ولا سكين سقيت ماء نجساً او بولاً او نحوه من النجاسات (¬2). وإن سقيت بعد بماء طاهر طهرت ظاهراً وباطناً عند الحنفيين والشافعي (قال) في الأم: ولو أحمى حديدة ثم صب عليها شيئاً نجساً او غسلها فيه فتشربته الحديدة ثم غسلت بالماء طهرت لأن الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف (¬3) وإذا غسل السكين طهر ظاهره دون باطنه ويجوز استعماله في الأشياء الرطبة كما يجوز في اليابسة لكن لا تصح الصلاة وهو حامله وإنما جاز استعماله في الرطب مع قولنا بنجاسة باطنه لأن ¬

(¬1) انظر ص 136 ج 1 كشاف القناع (وتطهر أرض متنجسة بمائع). (¬2) انظر ص 136 ج 1 كشاف القناع (وتطهر ارض متنجسة بمائع). (¬3) انظر ص 195 ج 1 - الأم (صلاة الخوف).

الرطوبة لا تصل باطنه إذ لو وصلت لطهرت بالماء (¬1). (وقال) العلامة منصور بن إدريس: ولا يكفي مسح المتنجس ولو كان صقيلاً كسيف ومرآة لعموم الأمر بغسل الأنجاس والمسح ليس غسلاً فلو قطع بالسيف المتنجس ونحوه قبل غسله ما فيه بلل كبطيخ ونحوه نجسه لملاقاة البلل للنجاسة فإن كان ما قطعه به رطباً لا بلل فيه كجبن ونحوه فلا بأس به كما لو قطع به يابساً لعدم تعدي النجاسة إليه (¬2). 14 - تطهير الخف ونحوه- يطهر الخف والنعل ونحوهما- إذا أصابته نجاسة ولو رطبة لا جرم لها كالبول - بالدلك بالأرض عند الأوزاعي واسحق والظاهرية والشافعي في القديم (وروي) عن أحمد لعموم حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم بسند جيد (¬3) {459}. وهو بعمومه يتناول الرطب واليابس. وما لا جرم له يصير باختلاطه بالتراب ونحوه ذا جرم. (وقال) أبو يوسف: إذا تنجس الخف ونحوه بنجاسة ذات جرم ولو مكتسباً كتراب أصاب الخف قبل جفافه من نجاسة مائعة يطهر- ولو قبل الجفاف- بدلكه بالأرض او التراب حتى يذهب أثر النجاسة لعموم حديث أبي هريرة أن ¬

(¬1) انظر ص 600 ج 3 مجموع النووي (النجاسة). (¬2) انظر ص 134 ج 1 كشاف القناع (إزالة النجاسة). (¬3) يأتي رقم 207 ص 162 ج 3 - الدين الخالص طب 2 (الصلاة في النعل والخف).

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا وطئ أحدكم الأذى بنعله او خفيه فطهورهما التراب. أخرجه الطحاوي وابن حبان والحاكم وصححه (¬1) {460} وفي سنده محمد بن كثير ضعيف ومحمد بن عجلان ضعفه ووثقه الأكثر. فهو يتناول الرطب واليابس (وخص) أبو حنيفة ذلك بالنجاسة الجافة لأن الرطبة تزداد بالدلك انتشاراً وتلوثاً (وعلى) قول أبي يوسف أكثر العلماء وهو المختار لعموم البلوى ونعلم أن الحديث يفيد طهارتها بالدلك مع الرطوبة إذ ما بين المسجد والمنزل ليس مسافة تجف في مدة قطعها ما أصاب الخف رطباً فلإطلاق الحديث مساعد بالمعنى وأما مخالفته في الرقيق فقيل هو مأخوذ من قوله "فإن التراب له طهوره" أي مزيل نجاسته ونحن نعلم أن الخف إذا تشرب البول ونحوه مما لا جرم له لا يزيله المسح ولا يخرجه من أجزاء الجلد فإطلاق الحديث مصروف الى الأذى الذي يقبل الإزالة بالمسح. ولا يخفي ما فيه إذ معنى طهور مطهر واعتبر ذلك شرعاً بالمسح المصرح به في حديث أبي سعيد وكما لا يزيل ما تشربه من الرقيق كذلك لا يزيل ما تشربه من الكثيف حال الرطوبة على المختار للفتوى .. والحاصل فيه بعد إزالة الجرم كالحاصل قبل الدلك في الرقيق فإنه لا يشرب إلا ما في استعداده قبوله وقد يصيبه من الكثيفة الرطبة مقدار كثير يشرب من رطوبته مقدار ما يشربه من بعض الرقيق (¬2). (وقال) مالك ومحمد بن الحسن والشافعي في الجديد وأحمد في المشهور عنه: لا يطهر الخف والنعل ونحوهما إلا بالغسل كسائر النجاسات. وحملوا الأذى في ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 166 ج 4 مستدرك (ومحمد ابن كثير ضعيف) لكن تابعه غير واحد من الثقات. (¬2) انظر ص 136 ج 1 فتح القدير لابن الهمام (الأنجاس).

الحديثين على النجاسة اليابسة التي تزول بالدلك. وهو تأويل بعيد لا يتفق وإطلاق الحديث. وحمل النووي الأذى على ما يستقذر ولا يلزم منه النجاسة كمخاط ونخامة ونحوهما مما هو طاهر أو مشكوك فيه (¬1) وحمله بعض الحنبلية على يسير النجاسة يكون على أسفل الخف والحذاء بعد الدلك فإنه يعفي عنه (¬2). (والراجح) القول بعدم الفرق بين النجاسة الرطبة واليابسة والمرئية بعد الجفاف وغيرهما لعموم الأحاديث ودعوى التخصيص بالجافة أو المرئية لا دليل عليها. (والظاهر) أن الحديثين محمولان على الأرض الرملية الصحراوية والجبلية كجزيرة العرب فإن النعال بها لا تتشرب النجاسة وإذا علقت بها يزيلها الدلك وإن بقي منها أثر كان يسيراً يعفي عنه. أما النعال والأحذية يوطأ بها أرض المدن والأمصار والقرى غير الرملية فتتشرب النجاسة وتعلق بها فلا يزيلها الدلك وإن أزال بعض ما علق بها لا يزيل ما تشربته بحال فلا تطهر به. (ويؤيده) صدر حديث أبي سعيد قال: بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً (الحديث (¬3)). ¬

(¬1) انظر ص 599 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 137 ج 1 كشاف القناع (ولا يعفي عن يسير نجاسة). (¬3) (الحديث) تقدم تمامه رقم 459 ص 406 (تطهير الخف ونحوه) ومما ذكر يعلم بطلان ما يقع من بعض الناس يدخلون بيوت الخلاء ويسيرون في الطرقات الممتلئة بالقاذورات وقد تلوثت نعالهم وتشربت النجاسات ثم يأتي أحدهم مكان الصلاة ويدلك أسفل النعل ثم يصلي به زاعماً أنه يعمل بالحديث وصاحب الحديث منه بريء فحسبنا الله ونعم الوكيل.

(فهو) صريح في أنه لا تصح الصلاة بالنعل وفيه قذر. 15 - الأواني- هي ثلاثة: خزف وخشب وحديد ونحوها. وتطيرها على أربعة أوجه: حرق ونحت ومسح وغسل. فإذا كان الإناء من خزف او حجر وكان جديداً ودخلت النجاسة في أجزائه يحرق. وإن كان عتيقاً يغسل وإن كان من خشب وكان جديداً ينحت وإن كان قديماً يغسل. وإن كان من حديد او نحاس او رصاص او زجاج وكان صقيلاً يمسح وإن خشنا يغسل (¬1). 16 - تطهير ما أصابه بول الغلام - (قال) الشافعي وأحمد واسحاق والثوري وداود الظاهري: يكفي رش ما أصابه بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ولابد من غسل ما أصابه بول الصبية وإن لم تأكل الطعام. وروي عن مالك (لحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح والترمذي وحسنه (¬2) {461} وفي رواية لأحمد وأبي دود (قال قتادة) ¬

(¬1) انظر ص 186 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح. (¬2) انظر ص 244 ج 1 - الفتح الرباني. وص 253 ج 3 المنهل العذب (بول الصبي يصيب الثوب). وص 97 ج 1 - ابن ماجه (بول الصبي الذي لم يطعم) و (الرضيع) صفة للغلام. وهو قيد أيضاً للفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث (وقد شذ ابن حزم) فقال أنه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد الذي يجب مل المطلق عليه كما تقرر في الأصول.

أحد رجال السند وهذا ما ل يطعما، فإذ طعما غسلا جميعاً. وعن أبي السمح خادم رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم (¬1) {462}. (والأحاديث) في ذلك كثيرة. والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة (وعند) أحمد يلحق ببول الغلام- الذي لم يأكل الطعام- قيئة فيكفي نضحه لأنه أخف من البول ولا يكفي نضح قيء الأنثى (¬2). (وقال) الحنفيون ومالك: بول الغلام والجارية سواء في وجوب الغسل (لحديث) عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمذي والمني والدم والقيء. أخرجه البيهقي والدارقطني والبزار وأبو يعلي (¬3) {463} وفي سنده ثابت بن حماد متهم بالوضع. وهو عام يشمل كل بول. لكن الحديث ضعيف. (قال) البيهقي فهذا باطل لا أصل له وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد وهذا غير محتج به. وثابت متهم بالوضع وعلى فرض صحته، فهو مخصوص بالأحاديث الدالة على أنه ينضح من بول الصبي. ¬

(¬1) انظر ص 251 ج 3 - المنهل العذب (بول الصبي يصيب الثوب). وص 57 ج 1 مجتبي (بول الجارية). وص 97 ج 1 ابن ماجه (بول الصبي الذي لم يطعم). (¬2) انظر ص 126 ج 1 كشاف القناع (إزالة النجاسة). (¬3) انظر ص 14 ج 1 سنن البيهقي (إزالة النجاسة بالماء). وص 47 سنن الدارقطني. وص 283 ج 1 مجمع الزوائد (ما يغسل من النجاسة).

17 - تطهير الأرض- (قالت) المالكية والشافعية والحنبلية: الأرض المتنجسة رخوة أو صلبة، تطهر بصب ماء كثير عليها (لقول) أبي هريرة: قام أعرابي فبال في المسجد. فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء. فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعوا معسرين. أخرجه أحمد والبخاري والأربعة (¬1) {464}. (وتقدم) نحوه عن أنس (¬2) (وقال) الحنفيون: تطهر الأرض: (أ) بأن يصب عليها الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة بخرقة طاهرة. (ب) يصب ماء كثير عليها يزيل لون النجاسة وريحها (لحديث) أبي هريرة. (جـ) وتطهر الأرض أيضاً وما اتصل بها اتصال قرار كالشجر والبناء بالجفاف، أي ذهاب الندوة ولو بريح، وذهاب أثر النجاسة كلون وريح، بالنسبة للصلاة لا للتيمم، عند الحنفيين وبه قال الشافعي في التقديم (¬3) فتصح الصلاة عليها ولا يصح التيمم منها (لقول) أبي قلابة: جفاف الأرض طهورها. أخرجه عبد الرازق (¬4) {63}. ¬

(¬1) انظر ص 224 ج 1 فتح الباري (صب الماء على البول في المسجد). وص 255 ج 3 - لمنهل العذب (الأرض يصيبها البول). وص 98 ج 1 - ابن ماجه (الأرض يصيبها البول .. ) و (السجل) بفتح السين المهملة وسكون الجيم، هي والذنوب، الدلو العظيمة ملأى. (¬2) تقدم رقم 453 ص 397 (دليل لزوم تطهير مكان المصلي). (¬3) انظر ص 596 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 52 ج 1 نيل الاوطار (تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة).

(وقال) ابن عمر: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك. أخرجه البخاري وأبو داود (¬1) {465}. (فلولا) اعتبارها تطهر بالجفاف، لكان ذلك إبقاء لها على وصف النجاسة، وهو ينافي الأمر بتطهير المسجد. فلزم كونها تطهر بالجفاف (وقال) مالك وأحمد والشافعي في الجديد: لا تطهر الأرض ولا غيرها بشمس ولا ريح ولا جفاف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسل أمر بغسل بول الأعرابي ولو كان يطهر بذلك لاكتفى به (¬2) (وأجابوا) عن الحديث باحتمال أن الكلاب كانت تبول في غير المسجد ثم تقبل وتدبر فيه وعلى فرض أنها كانت تبول فيه، فيحتمل أن عدم الرش لخفاء محل بولها، أو لكونه معفواً عنه لعلة. 18 - تطهير اللبن- هو بكسر الباء الطوب النيء وهو قسمان: (أ) مختلط بنجاسة جامدة كالروث والعذرة وعظام الميتة فهو نجس لا طريق إلى تطهيره عند مالك والشافعي وأحمد لأن الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل وإن أحرق لا يطهر عند الجمهور (وقال) بعض الشافعية: يطهر ظاهره بالغسل وتصح الصلاة عليه مع الكراهة ويكره أن يبنى به مسجد. وعلى الأول لا يجوز بناء مسجد به ولا يصلي عليه فإن بسط عليه شيء صحت صلاته مع الكراهة. ولو حمله مصل ففي صحة صلاته الوجهان فيمن حمل قارورة فيها نجاسة وسد رأسها ¬

(¬1) انظر ص 196 ج 1 فتح الباري (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم). وص 260 ج 3 - المنهل العذب (طهور الأرض إذا يبست). (¬2) انظر ص 135 ج 1 كشاف القناع (وتطهير أرض متجسة بمائع). وص 596 ج 2 مجموع النووي.

بنجاس ونحوه. الصحيح أنه لا تصح صلاته (¬1) (وقال) الحنفيون: يطهر الطوب النجس بالإحراق وبه قال بعض الشافعية بناء على أن الأرض تطهر بالشمس. والنار أبلغ. (ب) وغير المختلط بنجاسة جامدة كالمعجون ببول او بماء نجس فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل الى جميع أجزائه عند الحنفيين وبعض الشافعية ولا يطهر عند مالك وأحمد والشافعي في الجديد. ولو أحرق هذا اللبن طهر ظاهره وباطنه عند الحنفيين وبعض الشافعية (وقال) غيرهم: يطهر ظاهره بالغسل بعد الحرق ولا يطهر باطنه إلا أن يدق حتى يصير تراباً ثم يفاض عليه الماء. ولو كان بعد الحرق رخواً لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الحرق أي يطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع أجزائه عند بعض الشافعية (¬2). 19 - الاستحالة - هي تحول الشيء إلى شيء آخر مخالف له في اللون والطعم والريح كصيرورة العذرة رماداً. وهي مطهرة عند محمد بن الحسن وعليه الفتوى. فيطهر زيت نجس أو متنجس بجعله صابوناً. ويطهر حيوا ألقى في مملحة حتى صار ملحاً او ترابا أو أطروناً أو احترق بالنار حتى صار رماداً لأن زوال الحقيقة يستتبع زوال الوصف ولا بأس بالخبز في تنور رش بماء نجس. ويطهر طين تنجس صنع منه كوز او قدر ثم أحرق ولم يظهر فيه أثر النجاسة بعد الحرق. ويطهر قذر وقع في بئر فصار طيناً لانقلاب العين (وقال) أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد: الاستحالة لا تطهر إلا جلد الميتة يطهر بالدبغ، والخمرة إذا تخللت بنفسها كما يأتي، والدم إذا استحال مسكاً، والعلقة إذا صارت حيواناً فإنها ¬

(¬1) انظر ص 597 ج 2 مجموع النووي (اللبن النجس ضربان). (¬2) انظر ص 597 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).

تصير طاهرة كالماء المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره بالمكاثرة (وزاد) مالك وأبو يوسف النجس إذا استحال رماداً بالإحراق فإن النار مطهرة عندهما. 20 - تطهير التراب- إذا اختلطت عين النجاسة بتراب نجس ولم يتميز لا يطهر بصب الماء عليه لأن العين النجسة لا تطهر بالغسل وطريقه أن يزال التراب الذي وصلت اليه النجاسة او يطرح عليه تراب طاهر يغطيه فلو طرح على النجاسة تراب طاهر جازت الصلاة عليه مع الكراهة كما لو دفن ميتة وسوى فوقها التراب الطاهر تصح الصلاة مع الكراهة لأنه مدفن النجاسة (¬1) ولو وقع بول او نحوه على أرض فرفع التراب الذي أصابه البول حتى ظهر ما لم يصبه البول طهر الموضع وصحت الصلاة عليه (¬2). 21 - تطهير الفم- إذا غسل شخص فمه النجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما هو في حد الظاهر ولا يبتلع طعاماً ولا شراباً قبل غسله لئلا يكون أكل نجاسة (¬3). 22 - تطهير المصبوغ- لو غمس شخص يده في دهن نجس أو اختصبت المرأة بالحناء النجس أو صبغ الثوب بنجس يطهر كل بالغسل ثلاثاً حتى تزول العين ولا يضر بقاء اللون على الصحيح لأنه لا يضر بقاء لون شق زواله (وقال) بعض الحنفيين: ينبغي غسله حتى يصفو الماء. وأثر الوشم يطهر بالغسل ثلاثاً عند الحنفيين (وقيل) يغسل حتى يسيل الماء صافياً ولا يضر بقاء اللون لأنه يشق زواله وكذا المصبوغ بالدم. ¬

(¬1) انظر ص 600 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب). (¬2) انظر ص 601 و 603 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب). (¬3) انظر ص 601 و 603 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب).

23 - ويطهر المتنجس بالتصرف في بعضه كما لو بالت دواب على نحو حنطة تدوسها فقسم أو غسل بعضه أو ذهب بهبة أو أكل أو بيع فإنه يطهر الباقي والذاهب لاحتمال أن تكون النجاسة في الباقي أو الذاهب فلم يحكم على احدهما بعينه ببقاء النجاسة (¬1). 24 - تطهير السكر- هو أن تنجس قبل أن ينعقد بأن تنجس مائعاً ثم طبخ سكراً لا يطهر عند الثلاثة (وقال) أبو يوسف: يطهر كالعسل بالغلي ثلاثاً حتى يعود كما كان وإن تنجس بعد أن انعقد طهر بغمره في الماء عند الحنفيين والشافعي فإن تنجس مائعاً لم يطهر عند الثلاثة (وقال) أبو يوسف: يطهر بالغلي ثلاثاً حتى يصير كما كان. 25 - تطهير الدقيق- هو إذا عجن بماء نجس يجفف او يضم إليه دقيق حتى يجمد ثم ينقع في الماء فيطهر وإن كان جامداً فأصابته نجاسة يغمر في الماء فيطهر. 26 - تخلل الخمر- الخمر ما اتخذ من عصير العنب وشرعاً كل مسكر ولو متخذاً من نبيذ التمر أو القصب أو العسل او غيرهما (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. أخرجه مالك والخمسة (¬2) {446}. وهي قسمان (أ) محترمة وهي ما عصرها غير المسلم او عصرها مسلم لا بقصد الخمرية (ب) وغير محترمة وهي ما عصرها مسلم بقصد الخمرية. وهي بقسميها تطهر بالتخلل أي بصيرورتها خلا بنفسها فيجوز الانتفاع بها اجماعاً. ¬

(¬1) انظر ص 602 ج 2 مجموع النووي (مسائل تتعلق بالباب). (¬2) انظر ص 103 ج 2 تيسير الوصول (تحريم المسكر).

(وإن) صارت خلال بطرح شيء فيها كالماء والخبز والبصل او بنقلها من شمس إلى ظل وعكسه، او بفتح رأس الدن تطهر عند الحنفيين والأوزاعي والليث بن سعد، لأن العصير غالباً لا يتخلل الا بعد التخمر. فلو لم نقل بالطهارة لتعذر اتخاذ خل من الخمر وهو حلال اجماعاً. ولعموم حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: نعم الادام الخل. أخرجه السبعة الا البخاري (¬1) {467}. وهو بعمومه يتناول أنواع الخل ولأن التخليل إصلاح كدبغ الجلد بإزالة صفة الاسكار فلا يكره لأن التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل الآدامي كتطهير الثوب والبدن والأرض وغيرها. ويطهر دنها معها للضرورة. ولو صب ماء في خمر او بالعكس ثم صار خلا كان طاهراً على الصحيح عند الحنفيين اما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت فهو نجس على الصحيح لأنها تنجست بعد التخلل بخلاف ما لو أخرجت قبله وقبل التفسخ. وكذا لو وقعت في العصير او ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر في المختار. (وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر به (لقول) أنس: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال: لا. أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح (¬2) {468}. ¬

(¬1) انظر ص 9266 ص 285 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 152 ج 13 نووي مسلم (تحريم تخليل الخمر). وص 263 ج 2 تحفة الاحوذي (بيع الخمر) ولفظه عند أبي داود: عن أنس ان ابا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال: أهرقها قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال لا. انظر ص 317 ج 3 عون المعبود (الخمر تخلل).

(وهذا) نهى يقتضي التحريم ولو كان إلى إصلاحها سبيل لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم كما صرح به في رواية أبي داود. (أما) إذا نقلت من الشمس إلى الظل او العكس، ففي طهارتها وجهان عند الشافعي وأحمد أصحهما تطهر. وإن نقلها بقصد التخلل لم تطهر عند أحمد. ودنها يطهر بطهارتها (وعن) مالك في تخليلها ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام ولو خللها أثم وطهرت. (عشر فوائد) (الأولى) قد يصير العصير خلا من غير تخمر في ثلاث صور: (أ) أن يصب العصير في الدن المعتق في الخل فينقلب خلاً. (ب) أن يصب عليه خل أكثر منه او مساو له فيصير الجميع خلا. (جـ) أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملأ منها الدن ويغطي رأسه بغطاء محكم حتى يصير خلا. (الثانية) يجوز إمساك ظروف الخمر والانتفاع بها إذا غسلت وإمساك ظروف الخمرة المحترمة لتصير خلا وغير المحترمة يجب إراقتها فلو لم يرقها فتخللت لأن النجاسة للشدة وقد زالت (¬1). (الثالثة) (قال) الحنفيون وأحمد في رواية "العصير" والخل وماء الورد ونحوها من كل مائع مزيل للنجاسة "حكمه" حكم الماء في أنه تزال به النجاسة الحقيقية وأنه إذا كان كثيراً لا ينجس الا بظهور أثر النجاسة فيه. (الرابعة) لو طرح شخص في العصير بصلاً او ملحاً واستعجل به الحموضة قبل الاشتداد فصار خمراً ثم انقلبت بنفسها خلاً، والبصل فيها يطهر عند الحنفيين. وبه قال غيرهم لأنه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن. والأصح ¬

(¬1) انظر ص 577 ج 2 مجموع النووي (الرابعة متى عادت الطهارة بالتخلل طهرت اجزاء الظرف للضرورة).

عند غيرهم أنه لا يطهر لأن المطروح ينجس بالتخمر فتستمر نجاسته بخلاف أجزاء المدن للضرورة (¬1). (الخامسة) التصرف في الخمر حرام على أهل الذمة عند مالك لأنهم مخاطبون عنده بفروع الشريعة على المعتمد. وكذا عند الشافعي لأنهم معذبون على تركها وإن لم يخاطبوا بأدائها في الدنيا (وقال) الحنفيون: يجوز لهم التصرف فيها لأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة. (السادسة) الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة، فإن سائر الأطعمة تفسد بطول المكث ولا تنجس، لكن يحرم الأكل في هذه الحالة للإيذاء لا للنجاسة كاللحم إذا أنتن يحرم أكله ولا يصير نجساً، بخلاف السمن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن. وكذا الأشربة لا تحرم بالتغير، ويتفرع على حرمة أكل اللحم إذا أنتن للإيذاء لا للنجاسة حرمة أكل الفسيخ لما ذكر. وفي تذكرة داود عند ذكر السمك قال: والمقدد الشهير بالفسيخ رديء يولد السداد والقوالنج والخصي والبلغم الحصى وربما أوقع في الحميات الربعية والسل ويهزل (¬2). والفسيخ أيضاً حرام عند مالك والشافعي للضرر والنجاسة (فقد) سئل العلامة الشيخ محمد عليش المالكي: ما قولكم في حكم أكل الفسيخ المعروف. ¬

(¬1) انظر ص 577 و 578 ج 2 مجموع النووي. (وقال النووي): أما الكافر الاصلي فاتفق اصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة وغيرهما من فروع الاسلام. وفي كتب الاصول قال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كأصل الايمان. وقيل: لا يخاطب بالفروع. وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والخمر والربا دون المأمور به كالصلاة. الصحيح الاول وليس هو مخالفاً لما في الفروع لأن مرادهم أنهم لا يطالبون بها في الدنيا. والمراد بما في كتب الاصول انهم يعذبون في الاخرة زيادة على عذاب الكفر. انظر ص 4 ج 3 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 22 حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (الاستحالة الى فساد لا توجب نجاسة- فصل في مسائل الابار).

(فأجاب) بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. حكمه الحرمة لنجاسته بشربه من الدم المسفوح الذي يسيل منه حال وضع بعضه على بعض (قال) في المجموع: ودم مسفوح وإن من سمك فما شربه من المملح بعد انفصاله نجس (¬1). (وقال) العلامة أحمد الحلواني الشافعي: قد أجمع المسلمون على طهارة ميتة السمك. نعم الفسيخ المعروف متنجس لختلاطه بدمه وصديده وما في جوفه فلو أخرج ما في جوفه قبل تفسيخه وغسل ثم فسخ فمتنجس، إذ مجرد اختلاطه بصديد نفسه المنبث فيه كاف في التنجس، فلا يجوز أكله ولا بيعه ولا التصرف فيه لا فرق بين الفسيخة الواحدة تفسخ وحدها وبين الأكثر ولا بين الطبقة العليا والطباق السفلى. فألف سيخ في عين من يحلل الفسيخ عندنا (وكذا) عند الحنفية فإنهم حرموه لكونه يضر. وقيل: إذا اشتد تغيره تنجس وعليه فحرمة الفسيخ عندهم للضرر والنجاسة فإنه شديد التغير والنتن. وظاهر قولهم لكونه يضر أن المعتبر فيه الشأن فيحرم ولو على من لا يضره مس اعتاده كالأصحاء الأقوياء الذين لا يظهر لهم ضرره. وهذه العلة وحدها ناهضة بالتحريم عندنا (وأما) المالكية فقد ذكروا أنه إن تحقق ضرر ميتة البحر حرمت للضرر. وأما مذهبهم في خصوص الفسيخ فالمشهور أنه نجس (وأما) بطارخ الفسيخ فالمعتمد عندنا فيها الحل لأن غلافها ولو رقيقاً يمنع الصديد والدم وهو مذهب المالكية أيضاً كما نص عليه العلامة الأمير (¬2). (السابعة) البيضة الطاهرة إذا استحالت دماً ففي نجاستها وجهان. الأصح ¬

(¬1) انظر 134 ج 1 فتح العلي المالك على مذهب الامام مالك. (¬2) انظر ص 36 و 37 - الوسم في الوشم.

النجاسة كسائر الدماء. والثاني الطهارة كاللحم وغيره من الأطعمة إذا تغيرت. ولو صارت مذرة وهي التي اختلط بياضها بصفرتها فطاهرة اتفاقاً وكذا اللحم اذا انتن فطاهر على الصحيح (¬1). (الثامنة) إزالة النجاسة التي لم يعص الشخص بالتطلخ بها في بدنه واجبة لا على الفور بل عند إرادة الصلاة ونحوها. لكن يستحب تعجيل إزالتها (¬2). (التاسعة) لا ينجس الماء بوروده على محل النجاسة بل يبقى مطهراً فلو صبه على موضع النجاسة من الثوب فانتشرت الرطوبة فيها لا يحكم بنجاسة موضع الرطوبة ولو صب الماء في إناء نجس ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور فإذا إدارة على جوانبه طهرت وهذا قبل الانفصال فلو انفصل الماء متغيراً وقد زالت النجاسة عن المحل. فالماء نجس وكذا المحل على الصحيح لأن الماء المنفصل نجس. وقد بقيت منه أجزاء في المحل. ولو وقع بول على ثوب فغسل بماء موزون فانفصل زائد الوزن. فالزيادة بول والماء نجس كما لو تغير ولا يطهر المحل على الصحيح (¬3). (العاشرة) لو رأى شخص في ثوب غيره نجاسة مانعة فإن غلب على ظنه أنه لو أخبره أزالها وجب أخباره وإلا فلا. والأمر بالمعروف على هذا. وإن علم انه لا يتعظ ولا ينزجر بالقول ولا بالفعل ولو بإعلام سلطان أو زوج او والد له قدرة المنع لا يلزمه ولا يأثم بتركه. لكن الأمر والنهي افضل وإن غلب على ظنه أنه يضربه أو يقتله لأنه يكون شهيداً قال تعالى (أقم الصلاة وأمر ¬

(¬1) انظر ص 556 ج 2 مجموع النووي (البيضة اذا استحالت دماً ففي نجاستها وجهان ... ). (¬2) انظر ص 599 منه (مسائل تتعلق بالباب). (¬3) انظر ص 600 ج 2 مجموع النووي (للماء قوة عند الورود على النجاسة).

بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (¬1) (17 - لقمان). (تنبيهات) (الأول) اشتمل (التوحيد) بهذا الجزء - أصل وهامش- على 184 - أربعة وثمانين ومائة دليل من السنة (منها) 170 سبعون ومائة حديث (ومنها) 14 - أربعة عشر أثراً. (الثاني) اشتمل (الفقه) بهذا الجزء- أصل وهامش - على 531 أحد وثلاثين وخمسمائة دليل من السنة (منها) 468 ثمانية وستون وأربعمائة حديث المكرر منها 15 خمسة عشر حديثاً (ومنها) 63 ثلاثة وستون أثراً. (الثالث) قد بين بالهامش أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أحاديث هذا الجزء ومراجع النصوص العلمية فلينظر بيانها بصفحتي 375، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد السادات وآله الأطهار وصحابته الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تم بعون الله تعالى الجزء الأول من الدين الخالص ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى وأوله (الصلاة) ¬

(¬1) انظر ص 257 ج 1 رد المختار على الدر المختار (باب الانجاس) (وعزم) مصدر بمعنى المفعول أي الامر بالمعروف من مفروضات الامور.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء الثاني عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الرابعة 1406 هـ/1986 م

الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم الصلاة قدمت على باقى العبادات، لأنها عماد الدين، وللإجماع على أفضليتها، (روى) ابن مسعود أنّ رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أىُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: الصلاةُ لوقتها. أخرجه الشيخان (¬1) {1} وهى لغة الدعاء. وشرعا عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، وهى مشتقة من الصلة، لأنها توصل البعد وتقرّبه من رحمة ربه. وهى ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {وَأقيمُوا الصَّلاَةَ} وقال: {إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِين كَتاَباً مَوْقُوتاً} (¬2)، أى مفروضاً مقدّراً وقتها فلا تؤخر عنه (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ حين أرسلَه إلى اليمن: " إيك ستأتى قوما أهلَ كتابٍ فادْعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسولُ اللهِ، فإِنْ هُم أطاعوك لذلك فأعْلِمهم أنّ الله تعالى قد افْترض عليهم خمسَ صلواتٍ فى كل يوم وليلة " (الحديث) أخرجه السبعة وقال الترمذى حسن صحيح (¬3) {2} ¬

(¬1) انظر ص 393 ج 13 فتح البارى (وسمى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا - التوحيد) وص 73 ج 2 نووى (الإيمان بالله افضل الأعمال) والسائل ابن مسعود كما فى رواية للشيخين. وتمام الحديث: وبر الوالدين ثم الجهاد فى سبيل الله. وكما يأتى رقم 13 ص 10 (¬2) سورة النساء: عجز آية 103 وصدروها " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا ". (¬3) انظر رقم 5 ص 83 ج 8 - الدين الخالص (دليل الزكاة).

(وقد فرضت) ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف. (قال) أنس بن مالك رضى الله عنه: " فُرِضَتْ على النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أُسِرىَ به الصلاة خمسين، ثم نُقِصتْ حتى جُعِلتْ خمسا. ثم نودِى يا محمد: إنه لا يُبدَّل القول لدىّ، وإن لك بهذا الخمس خمسين " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وهذا لفظه (¬1) {3} أى أنها خمس فى العدد وخمسون فى الأجر: {مَنْ جاَء بِالْحَسْنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمثَالِهاَ} (¬2) (وحكمة مشروعيتها) القيام بشكر المنعم وتكفير الذنوب بأدائها. (روى) أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أرأيتُم لو أنّ نهراً بباب أحدِكم يغتسلُ فيه كلَّ يوم خمسَ مرات ما تقولون؟ هل يَبقى من دَرَنه؟ قالوا: لا يبقى من درَنه شئ، قال " فدّلك مثَلُ الصلوات الخمسِ يمحو الله بها الخطايا " أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {4} والإجماع على أنّ المفروض منها خمس (قال) طلحة بن عُبيد الله: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم من قِبَل نْجدٍ ثائرَ الرأس يسألُ عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمسُ صلوات فى اليوم والليلة. قال: هل علّى غيرهنّ؟ قال لا، إلا أن تطوّع " (الحديث) أخرجه مالك وأحمد والشيخان. (¬4) ¬

(¬1) انظر ص 197 ج 2 - الفتح الربانى. وص 77 ج 1 مجتبى (فرض الصلاة) وص 186 ج 1 تحفة الأحوذى (كم فرض الله على عباده من الصلاة) (¬2) الأنعام: آية 160 (¬3) انظر ص 202 ج 2 - الفتح الربانى، وص 8 ج 2 فتح البارى (الصلوات الخمس كفارة) وص 170 ج 5 نووى (فضل المشى إلى الصلاة - المساجد). (¬4) انظر ص 68 ج 1 - الفتح الربانى. ومن 78 ج 1 فتح البارى (الزكاة من الإسلام - الإيمان) = وص 166 ج نووى (الصلوات الخمس أحد أركان الإسلام) وتطوع: بتشديد الطاء والواو، أصله تتطوع بتاءين أدغمت ثانيتهما فى الطاء، ويجوز تخفيف الطاء بحذف إحدى التاءين.

(وثمرة أدائها) سقوط الطلب والبعد عن المخالفات فى الدنيا، ونيل الثواب في العقبى، قال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (¬1). (وعن أبى أُمامة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الله ربكم وصلُّوا خمسَكم، وصوموا شهرَكم، وأدّوا زكاةَ أمواِلكم، وأطيعوا ذا أمْرِكم، تدخلوا جنة ربكم " أخرجه البيهقى والترمذى وقال حسن صحيح (¬2) {6} هذا. وقد اختلفوا فى صلاته صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء. فقال جماعة: إنّ النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه الصلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أُمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفَه وثلثَه، وقام معه المسلمون نحواً من حول حتى شقّ عليهم ذلك فأنزل الله التخفيف فى ذلك. فنسخه فضلا من رحمة. فلم يبق فى الصلاة فريضة إلا الخَمس. قال ابن عبد البر (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسيره: قم الليل يعنى قم الليل كله إلا قليلا منه، فاشتدّ ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وقاموا الليل كله ولم يعرفوا ما حدّ القليل، فأنزل الله تعالى: {نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} فاشتدّ ذلك أيضاً عليهم وقاموا حتى انتفخت أَقدامهم. ففعلوا ذلك سنة فأنزل الله ناسختها فقال: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} يعنى قيام الليل من الثلث والنصف. وكان ¬

(¬1) سورة العنكبوت: آية 45 (¬2) انظر ص 416 ج 1 تحفة الأحوذى (فضل الصلاة).

(الأول) أقسام الصلاة

هذا قبل فرض الصلوات الخمس. فلما فرضت نسخت هذه كما نَسَخَت الزكاةُ كلَّ صدقة، وصومُ رمضان كلَّ صوم أهـ (¬1). (وقال) الحربى: إنّ الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل الغروب وصلاة قبل طلوع الشمس (¬2). هذا. وقد فرضت الصلاة الرباعية أولا ركعتين ثم أربعاً (قالت) عائشة رضى الله عنها: " فُرِضَت الصلاة ركعتين ثم هاجر فُفرِضت أربعاً وتُرِكتْ صلاةُ السفر على الأولى " أخرجه البخارى وأحمد وزاد من طريق ابن كيسان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا (¬3). {7} ويأتى تمامه فى مبحث (صلاة المسافر) إن شاء الله تعالى. ثم الكلام بعد ينحصر فى أربعة عشر بحثاً: (الأول) أقسام الصلاة هى ثلاثة عند الحنفيين: فرض وواجب ونفل. وهو يشمل المسنون والمندوب وعند غيرهم فرض ونفل (فالفرض) قسمان: (أ) عينى وهو ما يُلَزُم بتحصيله كلُّ من كُلِّف به كالصلوات الخمس والجمعة. (ب) فرض كفائى وهو ما يَلزم تحصيلُه فى ذاته. فإن أدّاه البعض سقط الطلب عن ¬

(¬1) انظر ص 223 ج 7 - المنهل العذب (نسخ قيام الليل) والمراد بالنسخ فى قوله " فلما فرضت نسخت " الانتقال من حكم إلى حكم فإن الناسخ لفرضية قيام الليل إنما هو الحديث رقم 5 فقوله فيه: " لا إلا أن تطوع " ينفى وجوب أى صلاة كانت غير الخمس فينفى وجوب قيام الليل كثيراً كان أو قليلا. انظر ص 224 ج 7 المنهل العذب. (¬2) انظر ص 317 ج 1 فتح البارى - الشرح (كيف فرضت الصلاة فى الإسراء). (¬3) انظر ص 190 ج 7 منه (التاريخ - الهجرة) وص 317 ج 1 منه (الشرح).

(الثانى) سببها (وقتها)

الجميع كصلاة الجنازة وإلا أثم الكل (والواجب) قسمان: (أ) واجب لعينه وهو مالا يتعلق وجوبه بعارض كالوتر وصلاة العيدين وسجدة التلاوة. (ب) واجب لغيره وهو ما يتعلق وجوبه بعارض كسجدتى السهو وركعتى الطواف وقضاء نفل أفسده والمنذور (والنفل) قسمان: مؤكد كركعتى الفجر. وغير مؤكد كأربع قبل العصر. (الثانى) سببها (وقتها) السبب الحقيقى لافتراض الصلاة، إيجاب الله تعالى فى الأزل. لكن لما كان غيبيا عنا جعل الله تعالى لها أسبابا ظاهرية تيسيرا وهى الأوقات. قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬1)، أى زوالها، وقال: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} (¬2)، وقد جاء بيان أوقات الصلاة المكتوبة فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أمّنى جبريلُ عليه السلام عند البيتِ مرتين: فصلّى بىَ الظهرَ حين زالت الشمس وكانت قدرَ الشِّراك. وصلى بىَ العصرَ حين كان ظِلُّ كلِّ شئ مثله. وصلّى بى المغربَ حين أفطر الصائمُ. وصلى بى العشاءَ حين غاب الشفقُ. وصلى بى الفجرَ حين حرُم الطعامُ والشرابُ على الصائم. فلما كان الغدُ صلى بى الظهرَ حين كان ظلّ كل شئ مثلَه. وصلى بى العصرَ حين كان ظلُّه مِثْليه. وصلى بى المغربَ حين أفطر الصائم. وصلى بى العشاءَ إلى ثُلثِ الليل. وصلى بى الفجر فأسفرَ. ثم التفت إلىّ وقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى ¬

(¬1) سورة الإسراء آية: 78. (¬2) سورة هود آية: 114.

وابن حبان والحاكم بسند صحيح والترمذى وقال: حديث حسن وصححه ابن عبد البر (¬1). {8} وهناك بيان الأوقات على ترتيب الحديث: (أ) وقت الظهر: دل الحديث على أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء فى رأى العين، ومتفق عليه، وأن آخره أن يصير ظل كل شئ مثله (وقد اختلف) العلماء فى هذا (فقال) مالك وطائفة: إن وقت الظهر يبقى بعد أن يصير ظل الشئ مثله قدر أربع ركعات، ويدخل وقت العصر به، لقوله فى الحديث "فلما كان الغد صلّى بىَ الظهر حين كان ظلّ الشئ مثلّه " وقد صلى العصر فى اليوم الأوّل حين صار ظل كل شئ مثله. فظاهره اشتراكهما فى قدر أربع ركعات (وقال) النعمان: آخر وقت الظهر إذا صار ظل الشئ مثليه سوى ظل الزوال. لكنه خلاف ظاهر الحديث. ولذا قال أبو يوسف ومحمد والشافعى والجمهور: إنه لا اشتراك بين الظهر والعصر فى الوقت، بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثلَه - غير ظل الزوال - دخل وقت العصر (لحديث) عبد الله بن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " وقتُ الظهر إذا زالت الشمسُ وكان ظلّ الرجلِ كطوله ما لم يحضُر العصرُ " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬2). {9} ¬

(¬1) انظر ص 239 ج 2 - الفتح الربانى. وص 282 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت) وص 140 ج 1 تحفة الأحوذى. و (أمنى) أى صلى بى إماما عند الكعبة. وكان ذلك صبيحة ليلة الإسراء. و (الشرك) بكسر أوله أحد سيور النعل و (أسفر) أى أخره على وقت الإسفار وهو ظهور نور الصبح جليا. (¬2) انظر ص 242 ج 2 - الفتح الربانى. وص 112 ج 5 نووى (أوقات الصلوات) وص 90 ج 1 مجتبى (آخر وقت المغرب) وص 302 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت)

(وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأن معناه فرغ من الظهر فى اليوم الثانى حين صار ظل الشئ مثله وشرع فى العصر فى اليوم الأوّل حينذاك. فلا اشتراك بينهما. فهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث، ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا، لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شئ مثله، لم يعلم متى فرغ منها. وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات. وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث (¬1) وهذا تأويل حسن لو لم يعارضه ما فى حديث جابر أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم يُعلّمه مواقيتَ الصلاة، فتقدّم جبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلفَه والناسُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى الظهر حين زالت الشمس. وأتاه حين كان الظلّ مثلَ شخْصه فصنع كما صنع. فتقدّم جبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر (الحديث) وفيه: ثم أتاه فى اليوم الثانى حين كان ظلُّ الرجل مثل شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى الظهر. ثم أتاه جبريل حين كان ظل الرجل مثلى شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر " أخرجه النسائى (¬2). {10} فهذا صريح فى أنه تقدم للظهر فى اليوم الثانى بعد صيرورة ظل الرجل مثل شخصه كما صنع فى العصر فى اليوم الأول. (فائدة) طريق معرفة الزوال أن يُنصَب عود مستقيم على أرض مستوية ويجعل عند منتهى الظل علامة، فما دام ظل العود ينقص فالشمس لم تزل ¬

(¬1) انظر ص 110 ج 5 شرح مسلم. (¬2) انظر ص 89 ج 1 مجتبى (التشديد فى آخر العصر).

ومتى وقف فهو وقت الاستواء. وحينئذ تجعل علامة على رأس الظل. فما بين العلامة وأصل العود هو المسمى فئ الزوال. وإذا أخذ الظل فى الزيادة، علم أن الشمس زالت، فتوضع علامة على رأس الزيادة. فإذا صار ظل العود مثله من العلامة - لا من العود - جاء وقت العصر. هذا. ويستحب الإبراد بظهر الصيف (أى تأخير صلاته عن أوّل وقتها إلى أن تنكسر شدة الحر) بشرط أن يُصَلَّى قبل أن يصير الظل مثله. ويستحب تعجيل ظهر الشتاء عند الجمهور ومنهم الحنفيّون (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا اشتد الحر فأبرِدوا بالصلاة (وفى رواية بالظهر) فإن شدة الحر من فيح جهنم " أخرجه مالك وأحمد الشيخان (¬1). {11} (وقال) أبو خلْدة خالد بن دينار: صلى بنا أميرنا الجمعة ثم قال لأنس: كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر؟ قال: " كان إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة. وإذا اشتد الحر أبرد الصلاة " أخرجه البخارى (¬2). {12} ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 2 - الفتح الربانى. وص 12 ج 2 فتح البارى الإبراد (الإبراد بالظهر فى شدّة الحر) وص 118 ج 5 نووى. و (فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون الياء: شدّة حرها وغليانها قال القاضى عياض: اختلف فى معناه. فقيل هو على ظاهره. وقيل بل هو من باب التشبيه. وتقديره إن شدة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره. والأوّل أظهر. قال النووى وهو الصواب، لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حملة على حقيقته. انظر ص 120 ج 5 شرح مسلم. = ويدل له حديث: شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعض بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشدها ما تجدون من الحر. واشد ما تجدون من الزمهرير. أخرجه البخارى عن أبى هريرة. انظر ص 210 ج 6 فتح البارى (صفة النار - بدء الخلق). (¬2) انظر ص 265 ج 2 منه (إذا اشتد الحر يوم الجمعة).

والجمعة كالظهر. والأمر فى الحديث للندب عند الجمهور وقيل للإرشاد. والقرينة الصارفة له عن الوجوب: الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالهاجرة (شدة الحر) وأيضاً لما كانت الحكمة فى الإبراد دفع المشقة عن المصلى، كان ذلك من باب النفع له، فلو كان الأمر للوجوب لكان حرجاً وتضييقاً عليه، فيعود الأمر عليه بالضرر (وظاهر) الأحاديث يدل على أنه لا فرق فى الإبراد بظهر الصيف بين الجماعة والمنفرد والبلاد الحارة وغيرها. وبه قال الحنفيون وأحمد وإسحاق (وقال) أكثر المالكية: الأفضل للمنفرد التعجيل. لكن مقتضى التعليل الذى يتسبب عنه ذهاب الخشوع أنه لا فرق بين المنفرد وغيره (وخصه) الشافعى بالبلد الحار لظاهر التعليل. وقيد الجماعة بما إذا كانوا يأتون المسجد من بعيد. أما إذا كانوا مجتمعين أو يمشون فى ظل، فالأفضل التعجيل. لكن ظاهر الأحاديث عدم الفرق (وقال) الهادى والقاسم وغيرهما: تعجيل الظهر أفضل مطلقاً متمسكين بأحاديث أفضلية أول الوقت كحديث ابن مسعود قال: " سألت النبى صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال: الصلاة فى أول وقتها " أخرجه الدار قطنى والحاكم وقال: هو صحيح على شرط الشيخين (¬1). {13} وبحديث خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والبيهقى وابن المنذر، وزاد: وقال إذا زالت الشمس فصلوا (¬2). {14} (وتأولوا حديث) الإبراد بأن معنى أبردوا: صلوا أول الوقت أخذا من ¬

(¬1) انظر ص 91 - الدار قطنى. وص 188 ج 1 مستدرك. (¬2) انظر ص 251 ج 2 - الفتح الربانى (وقت الظهر وتعجيلها) وص 121 ج 5 نووى 3. وص 86.ج 1 مجتبى (المواقيت) و (الرمضاء) الرمل إذا اشتدت حرارته (فلم شكنا) بضم فسكون فكسر - أى لم يعذرنا ولم يزل شكوانا.

برد النهار وهو أوله. وهو تأويل بعيد يرده التعليل بشدة الحر (ويجاب) (أ) بأن الأحاديث الواردة فى تعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد، ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد. فتأخير الظهر عن أول وقتها مطلوب فى شدة الحر. ويطلب التعجيل فيما عدا ذلك. (ب) عن حديث خباب بأنه منسوخ بحديث المغيرة بن شعبة قال: صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهجير ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح وابن حبان فى صحيحه والطحاوى (¬1). {15} وقال: فأخبر المغيرة أن أمر النبى صلى الله عليبه وسلم بالإبراد بالظهر بعد أن كان يصليها فى الحر فثبت بذلك نسخ تعجيل الظهر فى شدة الحر أهـ أو يحمل حديث خباب على أن القوم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد. لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان ظل يمشون فيه ويتناقص الحر (وقال) النووى: اختلف العلماء فى الجمع بين هذين الحديثين فقال بعضهم: الإبراد رخصة والتقديم أفضل. واعتمدوا حديث خباب، وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف فى التأخير (وبهذا قال) بعض أصحابنا وغيرهم أهـ (¬2) (أقول) والظاهر أن حديث الإبراد خباب منسوخ. ولو سلمنا جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر فأحاديث الإبراد أرجح، لأنها فى الصحيحين وغيرهما بطرق متعددة. وحديث خباب فى مسلم فقط. ولا شك أن المتفق عليه مقدم. وكذا ما جاء من طرق. ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 2 - الفتح الربانى. وص 120 ج 1 - ابن ماجه (الإبراد بالظهر فى شدة الحر) وص 111 ج 1 شرح معانى الآثار. (¬2) انظر ص 117 ج 5 شرح مسلم.

(ب) وقت العصر: يدخل وقته بصيرورة ظل الشئ مثله بعد الزوال لحديث جبريل السابق وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد وزفر والطحاوى. ورواية الحسن بن زياد عن النعمان. وبه يفتى عند الحنفيين. (وروى) محمد عن النعمان أن وقت العصر إنما يدخل بصيرورة ظل الشئ مثليه مستدلا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالظهر بمعنى صلوها إذا سكنت شدة الحر. واشتداد الحر فى بلادهم يكون وقت صيروة ظل الشئ مثله ولا يفتر الحر إلا بعد المثلين (ورد) بأن هذا غير مسلم (قال) أبو ذر: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد مرتين أو ثلاثا حتى رأينا فئ التلول (الحديث) أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1). {16} فقوله: حتى رأينا فئ التلول يدل على أن نهاية الإبراد مجرد ظهور الظل لا صيرورة ظل الشئ مثله. على أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة صريحة فى أن وقت العصر يدخل بصيرورة ظل الشئ مثله وأحاديث المثلين ليست صريحة فى أنه لا يدخل وقت العصر إلا بصيرورة ظل الشئ مثليه. وإنما استنبط منها ما ذكر. والمستنبط لا يعارض الصريح. ولذا روى رجوع النعمان ¬

(¬1) انظر ص 14 ج 2 فتح البارى (الإبراد بالظهر فى السفر) وص 118 ج 5 نووى. وص 313 ج 3 - المنهل العذب (وقت صلاة الظهر) والفئ: الظل بعد الزوال سمى بذلك لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أى رجع. والفئ الرجوع والمراد أنه أخر الظهر حتى صار للتلول ظل وهى منبطحة لا يصير لها ظل فى العادة إلا قرب العصر.

إلى قول الجمهور (واختلف) فى آخر وقت العصر (فقال) الجمهور آخر وقته غروب الشمس (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من العصر قبل أن ترعب الشمس. فقد أدرك العصر. أخرجه الستة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) {17} (وقال) الاصطخرى: آخره مصير ظل الشئ مثليه ويكون قضاء بعده، مستدلا بحديث جبريل أنه صلى العصر فى اليوم الأول عند مصير ظل الشئ مثله، وفى اليوم الثانى عند مصير ظل الشئ مثليه ثم قال " الوقت ما بين هذين الوقتين (وأجاب) الجمهور بحمل قوله فى حديث جبريل " الوقت ما بين هذين (¬2) " على الوقت غير المكروه. ولذا قالوا تأخير المغرب مطلقا مكروه. وكذا تأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل. وليس المراد فى حديث جبريل استيعاب وقت الاضطرار والجواز، وهذا التأويل لابد منه جمعا بين الأحاديث. فمن كان مضطرا امتد وقت العصر فى حقه إلى الغروب. وغير المعذور يصلى ما دامت الشمس بيضاء نقية. فإن أخر العصر إلى ما بعد الاصفرار كره. (قال) العلاء بن عبد الرحمن: دخلنا على أنس بن مالك فقام يصلى العصر فلما فرغ ذكرنا تعجيل الصلاة فقال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: تلك الصلاة المنافقين ثلاثا. يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرنى شيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله عز وجل ¬

(¬1) انظر ص 38 ج 2 فتح البارى (من أدرك من الفجر ركعة) وص 106 ج 5 نووى (من أدرك ركعة من الصلاة) وص 330 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة الوسطى) وص 90 ج 1 مجتبى (من أدرك ركعتين من العصر) وص 165 ج 1 تحفة الأحوذى وص 123 ج 1 - ابن ماجه (وقت الصلاة فى العذر). (¬2) تقدم رقم 8 ص 6.

فيها إلا قليلا. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬1) {18} (وفى الحديث) التنفير من الإسراع فى الصلاة، وعدم إكمال الاطمئنان والخشوع والأذكار المطلوبة فيها. (فائدة) قال النووى: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة وهو أول وقتها. ووقت اختيار يمتد إلى أن يصير ظل الشئ مثليه. ووقت جواز بلا كراهة إلى الاصفرار. ووقت جواز مع كراهة حال الاصفرار إلى الغروب ووقت عذر وهو وقت الظهر لمن جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم لسفر أو مطر. ويكون فى هذه الأوقات أداء. فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء (¬2) (والمشهور) عند المالكية أن تأخير العصر إلى وقت الاصفرار وما بعده إلى الغروب لا يجوز إلا لذى عذر كحائض ونفساء فهو وقت ضرورة. و (جملة) القول عندهم أن للظهر وقتين: (أ) وقت اختيارى من الزوال إلى ما يسع أربع ركعات بعد صيرورة ظل كل شئ مثله (ب) وقت ضرورة لذى العذر وهو ما بعد ذلك إلى ما قبل الغروب بما يسع خمس ركعات. وللعصر وقتان: (أ) وقت اختيار من صيرورة ظل ¬

(¬1) انظر ص 265 ج 2 - الفتح الربانى (وعيد من أخر العصر عن وقتها) وص 123 ج 5 نووى (التكبير بالعصر) وص 334 ج 3 - المنهل العذب (التشديد فى تأخير العصر) وص 149 ج 1 تحفة الأحوذى (تعجيل العصر). (واختلفوا) فى المراد من قوله بين قرشى شيطان. فقيل هو على حقيقته فالمراد أنه يحاذيها بقرينه عند غروبها وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها الشيطان، ليكون الساجد حينئذ كأنه ساجد له (وقيل) إنه من باب المجاز والمراد بقرينه علوه وارتفاعه وغلبه أعوانه (قال الخطابى) هو تمثيل، لأن تأخيرها إنما هو بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه والصحيح الأول. انظر ص 124 ج 5 شرح مسلم. (¬2) انظر ص 110 منه (أوقات الصلوات).

كل شئ مثله إلى الاصفرار. (ب) وقت ضرورة لذى العذر من الاصفرار إلى الغروب (وقال) الحنفيون: يستجب تأخير العصر صيفا وشتاء فى غير يوم الغيم إلى ما قبل اصفرار الشمس. ويكره تأخيرها إلى الاصفرار وما بعده، (لقول) على بن شيبان: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. أخرجه أبو داود. وفى سنده يزيد بن عبد الرحمن بن على بن شيبان. وهو مجهول (¬1) {19} (ج) وقت المغرب: يدخل وقت صلاة المغرب بغروب الشمس وهو مجمع عليه، لحديث سلمة بن الأكوع أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب. أخرجه السبعة إلا النسائى وقال الترمذى حسن صحيح (¬2). {20} (واختلفوا) فى آخره: فمشهور مذهب المالكية أن وقتها المختار ينتهى بمضى ما يسعها بعد الأذان والإقامة وتحصيل شروطها. وهى الطهارة من الحد والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة. وبه قال الأوزاعى والشافعى فى الجديد، لحديث جبريل السابق. ففيه أنه عليه السلام صلى بالنبى صلى الله عليه وسلم المغرب فى اليومين حين أفطر الصائم (ومشهور) مذهب الشافعية أنه يمتد وقتها إلى قبيل مغيب الشفق الأحمر. وبه قالت الحنبلية وأبو يوسف ومحمد. وهو قول للمالكية ورواية عن النعمان، لحديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الشفق الحمرة فإذا غاب ¬

(¬1) انظر ص 320 ج 3 المنهل العذب (وقت العصر). (¬2) انظر ص 266 ج 2 - الفتح الربانى. وص 29 ج 2 فتح البارى (وقت المغرب) وص 25 ج 5 نووى وص 340 ج 3 - المنهل العذب. وص 151 ج 3 تحفة الأحوذى. وص 121 ج 1 ابن ماجه.

الشفق وجبت العشاء. أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة وصححه والبيهقى (¬1) {21} وفى حديث ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق (¬2) (والمشهور) عن النعمان أنه يمتد إلى مغيب الشفق الأبيض (لما فى) حديث أبى هريرة: وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس. وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق. أخرجه أحمد والنسائى والترمذى والدار قطنى والطحاوى والحاكم وقال: صحيح الإسناد وصححه ابن السكن (¬3). {22} والمراد بالأفق الشفق ففى رواية الترمذى " وإن آخر وقتها حين يغيب الشفق. فلا يدل على الدعوى لأن الشفق الحمرة. ولا تنافى بين أحاديث الشفق وحديث جبريل، لأنها محمولة على وقت الجواز. وهو محمول على وقت الفضيلة. والراجح القول بانتهاء وقت المغرب بمغيب الشفق الأحمر، لقوة أدلته. واتفقوا على استحباب تعجيل المغرب، لحديث جبريل، ولحديث أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجوم " أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله ثقات (¬4) {23} (قال) النووى: إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه ¬

(¬1) انظر ص 100 - الدار قطنى. وص 373 ج 1 بيهقى (دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق). (¬2) هذا بعض حديث تقدم صدوره رقم 9 ص 07 و (فور الشفق) بالفاء مفتوحة بقية حمرة الشمس بعد الغروب. وفى رواية مسلم (ثور الشفق) بالثاء أى انتشاره. (¬3) انظر ص 292 ج 2 - الفتح الربانى. وص 141 ج 1 تحفة الأحوذى (مواقيت الصلاة) وص 97 - الدار قطنى. وص 89 ج 1 شرح معانى الآثار. (¬4) انظر ص 266 ج 2 - الفتح الربانى. وص 310 ج 1 مجمع الزوائد (وقت المغرب).

(وأما) الأحاديث الواردة فى تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير وأحاديث التعجيل المذكورة فى هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التى واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها أهـ بتصرف (¬1). (د) وقت صلاة العشاء: أول وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على الخلاف السابق. والراجح الأول (قال) ابن سيد الناس فى شرح الترمذى: وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول. وهو الذى حدّ عليه السلام خروج أكثر الوقت به. فصح يقيناً أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين. فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذى هو البياض. فتبين بذلك يقيناً أنّ الوقت داخل بالشفق الذى هو الحمرة (¬2) وأما الآخر وقتها الاختيارى فثلث الليل الأول عند الشافعى فى أحد قوليه. وهو مشهور مذهب المالكية، لما فى حديث جبريل (¬3) (وقال) الشافعى فى أحد قوليه: إن آخر وقتها الاختيار نصف الليل وهو رواية عن مالك. لقوله فى حديث عبد الله بن عمرو " ووقت العشاء إلى نصف الليل (¬4) " (ولقول) أنس: أخَّر النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: قد صلى الناس وناموا. أَمَا إنكم فى صلاة ما انتظرتموها. قال أنس: كأنى أنظر إلى وبيص خاتمه لَيْلَتَئِذٍ " أخرجه الشيخان (¬5) {24} ¬

(¬1) انظر ص 136 ج 5 شرح مسلم (أول وقت المغرب). (¬2) انظر ص 411 ج 1 نيل الأوطار (وقت صلاة العشاء). (¬3) تقدم رقم 8 ص 6. (¬4) هذا بعض حديث تقدم صدره رقم 9 ص 7. (¬5) انظر ص 35 ج 2 فتح البارى. وص 139 ج 5 نووى (وقت العشاء) و (الوبيص) بالباء الموحدة والصاد المهملة: البريق، والخاتم بكسر التاء وفتحها.

(ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشُقَّ على أمتى لآمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه (¬1) {25} وهو نص فى أن ترك التأخير إنما هو للمشقة (قال) النووى التأخير المذكور فى الأحاديث كلُّه تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار. وهو نصف الليل أو ثلث الليل (¬2) (وقد) اختلف العلماء فى أن الأفضل تقديمها أو تأخيرها. وهما قولان لمالك والشافعى. فمن فضل التأخير احتج بهذه الأحاديث، ومن فضل التقديم، احتج بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هى التقديم. وإنما أخرها فى أوقات يسيرة لعذر أو لبيان الجواز. ولو كان تأخيرها أفضل مطلقاً لواظب عليه وإن كان فيه مشقة (¬3). وينبغى للإمام أن يعجل بها إذا اجتمع الناس فى أول الوقت وأن يؤخرها إذا تأخروا (لقول) جابر: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يُصلى الظهر بالهاجِرة والعصرَ والشمسُ نقّية. والمغربَ إذا وجبت الشمسُ. والعشاء أحيانا يؤخّرها وأحياناً يعِّجلُ. كان إذا رآهم اجتمعوا عجَّل. وإذا رآهم أبطئوا أخّر. والصبح كانوا أو كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغلَسٍ " أخرجه أحمد والشيخان (¬4) {26} ¬

(¬1) انظر ص 274 ج 2 الفتح الربانى. وص 121 ج 1 ابن ماجه (وقت العشاء) وص 152 ج 1 تحفة الأحوذى (تأخير العشاء). (¬2) انظر ص 137 ج 5 شرح مسلم. (¬3) ص 136، 138 منه. (¬4) ص 244 ج 2 الفتح الربانى (جامع الأوقات) وص 28 ج 2 فتح البارى (وقت المغرب) و 144 ج 5 نووى (التبكير بالصبح) و (الهاجرة) شدة الحرّ نصف النهار. و (جبت) أى غابت. و (الغلس) محرّك: ظالمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.

(فالحديث) يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء إذا لم يجتمع المصلون. والمبادرة بالصلاة عند اجتماعهم. (وأما) وقت الجواز والاضطرار فهو ممتدّ إلى الفجر، لما فى حديث أبى قتادة من قوله صلى الله عليه وسلم: " أمَا إنه ليس فى النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى " أخرجه مسلم (¬1) {27} فإنه ظاهر فى امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى، إلا أن صلاة الصبح مخصوصة من هذا العموم، لإجماعهم على أن وقتها ينتهى بطلوع الشمس، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس (¬2) " وتقدم الجواب عن حديث جبريل. (فائدتان) (الأولى) قالت المالكية: للمغرب وقتان: (أ) وقت اختيار، من الغروب إلى ما يسع أداء المغرب بعد تحصيل شروطه من الطهارة وغيرها كما تقدم. وقيل إلى مغيب الشفق الأحمر. (ب) وقت ضرورة - لذى العذر كالحائض والنفساء - يكون بعد الاختيارى إلى أن يبقى ما يسع أربع ركعات قبل الفجر. وللعشاء وقتان: (أ) وقت اختيار، من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل. وقيل إلى نصفه. (ب) وقت ضرورة - لذى العذر - من ثلث الليل أو نصفه إلى الفجر. (الثانية) يكره النوم قبل صلاة العشاء والكلام بعدها إلا فى مصلحة، (لحديث) أبى بَرْزة الأسلَمىِّ: "أنِّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يَستحِب ¬

(¬1) هذا بعض حديث طويل ذكره مسلم فى (قضاء الفائتة) ص 184 ج 5 نووى. (¬2) هذا عجز حديث تقدم صدره رقم 9 ص 7.

أن يُؤَخِّرَ العشاءَ التى يسمونها العتَمة. وكان يكره النومَ قبلها والحديثَ بعدها " أخرجه السبعة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {28} (وقال) ابن سيد الناس فى شرح الترمذى: وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه: منهم عمر وابنه وابن عباس. وإليه ذهب مالك (ورخص) فيه بعضهم. منهم علىّ وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين (وشرط) بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها. وروى عن ابن عمر مثله. وإليه ذهب الطحاوى (وقال) ابن العربى: إنّ ذلك جائز لمن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه (والحكمة) فى كراهة النوم قبلها، لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب، أو يترخص فى ذلك الناس فينامون عن إقامة جماعتها (¬2) (واحتج) من قال بالجواز بلا كراهة (بحديث) عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعْتَمَ بالعشاء حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (¬3) {29} وجه الدلالة أنهم ناموا قبل العشاء ولم ينكر عليهم (لكن) قال ابن سيد الناس: وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم فى المسجد وهم فى انتظار الصلاة من النوم المنهى عنه. وإنما هو من السِّنَة التى هى مبادئ النوم (¬4) (وقد) أشار الحافظ إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهى عنه ¬

(¬1) ص 272 ج 2 - الفتح الربانى. وص 34 ج 2 فتح البارى. وص 91 ج 1 مجتبى وص 153 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها) وص 123 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) ص 416 ج 1 نيل الأوطار. (¬3) ص 276 ج 2 الفتح الربانى (تأخير العشاء) وص 34 ج 2 فتح البارى (النوم قبل العشاء لمن غلب) وص 137 ج 5 نووى. وص 93 ج 1 مجتبى (آخر وقت العشاء). (¬4) ص 416 ج 1 نيل الأوطار.

قال: (باب النوم قبل العشاء لمن غُلِب) فى الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصة بمن تعاطى ذلك مختاراً (¬1) (ومما) يدل على كراهة الحديث بعدها (حديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا سمَر بعد الصلاة يعنى العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين مصلّ أو مسافر " أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬2) {30} (وقالت) عائشة: " السمَر لثلاثة: لعروس أو مسافر أو متهجد بالليل " أخرجه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (¬3) {31} وكان عمر يضرب الناس على الحديث بعد العشاء لغير مصلحة ويقول: أسمَراً أول الليل ونوما آخره؟ (وحكمه الكراهة) أنه يؤدّى إلى السهر فيخشى منه إذا نام أن يفوته قيام الليل أو صلاة الصبح فى وقتها المختار أو الجائز. ولأنّ السهر فى الليل سبب للكسل فى النهار عما يطلب من الطاعات والمصالح (ويدل) على جواز الحديث بعد العشاء لمصلحة، قول عمر ابن الخطاب رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسُمر مع أبى بكر فى الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما " أخرجه أحمد النسائى والترمذى. ورجاله رجال الصحيح. وفيه انقطاع بين علقمة وعمر. ولذا حسنه الترمذى. ولم يصححه (¬4) {32} وقال: وقد اختلف أهل العالم فى السمر بعد العشاء الآخرة (فكرهه) ¬

(¬1) ص 34 ج 2 فتح البارى. (¬2) ص 271 ج 2 الفتح الربانى. وص 314 ج 1 مجمع الزوائد (النوم قبلها والحديث بعدها) و (مصل) أى متهجد. (¬3) ص 314 ج 1 مجمع الزوائد. (¬4) ص 272 ج 2 الفتح الربانى وص 153 ج 1 تحفة الأحوذى (الرخصة فى السمر بعد العشاء) ويسمر، كينصر من السمر وهو الحديث ليلا.

قوم منهم بعد صلاة العشاء. ورخص فيه بعضهم إذا كان فى معنى العلم وما لابُدَّ منه من الحوائج. وأكثر أهل الحديث على الرخصة أهـ (وهذا) الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامّة أو خاصة. وحديث أبى برزة وابن مسعود وغيرهما، يدل على الكراهة. وهى محمولة على الكلام المباح الذى ليس فيه فائدة تعود على صاحبه. (هـ) وقت صلاة الصبح: اتفق العلماء على أنّ أوّل وقت الصبح طلوع الفجر الصادق. وآخره طلوع الشمس إلا ماروى عن ابن القاسم وبعض أصحاب الشافعى من أنّ آخر وقتها الإسفار (واختلفوا) فى وقتها المختار (فقال) مالك والشافعى وأحمد وإسحاق: يستحب المبادرة بصلاة الصبح أوّل الوقت (لقول) عائشة رضى الله عنها: " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُصلى الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بمروطهن ما يُعْرَفْن من الغَلَس " أخرجه مسلم والثلاثة. وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) {33} ولقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} وتعجيل الصلاة ¬

(¬1) ص 44 ج 5 نووى (التبكير بالصبح) وص 348 ج 3 المنهل العذب (وقت الصبح) وص 194 ج 1 مجتبى (التغليس فى الحضر) وص 142 ج 1 تحفة الأحوذى (ومتلفعات) بالعين المهملة بعد الفاء، أى متلففات بأكسيتهن (والمروط) بضم الميم جمع مرط بكسر فسكون، الأكسية المعلمة من صوف أوخز (وأما) حديث ابن عمر مرفوعا: الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والوقت الآخر عقو الله. فقد أخرجه الترمذى (ص 154 ج 1 تحفة الأحوذى) والبيهقى وقال: هذا حديث يعرف بيعقوب ابن لويد المدنى. منكر الحديث ضعفه يحيى بن معين وكذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ ونسبوه إلى الوضع (ص 435 ج 1 بيهقى. التعجيل بالصلوات).

من باب المسارعة إلى الخير (وفى حديث أبى مسعود) وصلى - يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم - الصبح مرة بغلس. ثم صلى مرة أخر فأسْفَر. ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يُسْفِر " أخرجه أبو داود (¬1) {34} وما إلى ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى الصبح بغلس (وقال) الحنفيون والثورى وأكثر العراقيين: الإسفار بالصبح أفضل (لحديث) رافِع بن خَديج أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أسفروا بالفجر فإنه أعظُم للأجر " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وقال: حسن صحيح وابن ماجه وابن حبان والطبرانى وصححه غير واحد (¬2) {35} وأيضاً فإن الإسفار يؤدىّ إلى كثرة الجماعة واتصال الصفوف (وجمع) الطحاوى بين أحاديث التغليس وأحاديث الإسفار، بأنه يدخل فى الصلاة مغلساً ويطوّل القراءة حتى ينصرف منها سفراً ولعل حديث عائشة (¬3) مبنى على بعض أحوال. فإن الظاهر من الأدلة أنه كان يبتدئ بغلس وهو الغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم، وينصرف منها بغلس كما فى حديث عائشة، وتارة بإسفار كما فى حديث أبى برزة قال: " وكان يَنفَتِلُ من صلاة الغداة حين يَعْرف الرجلُ جَليسَه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة. أخرجه النسائى (¬4) ¬

(¬1) هذا عجز حديث طويل صره: نزل جبريل فأخبرنى بوقت الصلاة. انظر ص 290 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت). (¬2) ص 279 ج 2 - الفتح الربانى (وقت صلاة الصبح) وص 49 ج 1 مجتبى (الإسفار) وص 144 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 119 ج 1 - ابن ماجه. ولفظه: أصبحوا. (¬3) تقدم رقم 33 ص 22. (¬4) هذا عجز الحديث رقم 28 ص 19 عند النسائى (كراهية النوم بعد صلاة المغرب).

(الثالث) الصلاة الوسطى

وكان ذلك على حسب طول القراءة وقصرها. فقد كان يقرأ فيها من الستين إلى المائة (قال) أنس بن مالك: " صلّى بنا أبو بكر صلاةَ الصبح فقرأ بسورة آل عِمْران فقالوا كادت الشمسُ تطلعُ فقال: لو طلعت لم تّجدْنا غافلين " أخرجه الطحاوى (¬1) {36} (وقال) عبدُ الله بنُ الحارث بنِ جَزْى الزَّبيدى: " صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ سورةَ البقرة فى الركعتين جميعا فقال له عمر: كادت الشمسُ تطلُعُ. فقال: لو طلَعَت لم تجدنا غافلين " أخرجه الطحاوى (¬2) {37} وقال: فهذا أبو بكر قد دخل فيها فى وقت غير الإسفار ثم مدّ القراءة فيها حتى خيف طلوع الشمس. وهذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله لعيه وسلم، وبقرب عهدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلِه، لا ينكر عليه منهم منكر. فذلك دليل على متابعتهم له. ثم فعل ذلك عمر من بعده فلم ينكره عليه من حضره منهم أهـ (إذا) علمت هذا تبين لك أنّ الراجح القول بأن التغليس أفضل لصحة أدلته وقوّتها. (الثالث) الصلاة الوسطى ... هى صلاة العصر عند الحنفيين وأحمد (لحديث) على رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬3) {38} ¬

(¬1) ص 107 ج 1 شرح معانى الآثار (وقت الفجر). (¬2) ص 107 ج 1 شرح معانى الآثار (وقت الفجر). (¬3) ص 261 ج 2 الفتح الربانى. وص 128 ج 5 نووى (الصلاة الوسطى) = وص 322 ج 3 - المنهل العذب. ولفظه: حبسونا. وغزوة الخندق كانت فى شوال سنة أربع من الهجرة. انظر بيانها بهامش ص 12 ج 7 الدين الخالص.

و (لحديث) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاةُ الوسطى صلاةُ العصر " أخرجه مسلم الترمذى وقال حديث صحيح (¬1) {39} (وهذا) مذهب الحسن البصرى والجمهور (قال) الماوردى: هذا مذهب الشافعى رحمه الله لصحة الأحاديث فيه. وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم يبلغه الأحاديث الصحيحة فى العصر ومذهبه اتباع الحديث أهـ (¬2) (وقال) ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم. الصلاة الوسطى صلاة الصبح. وله قال مالك والشافعى (قال) ابن عباس رضى الله عنهما " أدْلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرّس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضُها، فلم يُصلِّ حتى ارتفعت الشمسُ. وهى الصلاة الوسطى " أخرجه النسائى (¬3) {40} (وهو) معارض (بما روى) ابن عباس قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوّا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها. فلما رأى ذلك قال: " اللهم من حبَسنا عن الصلاة الوسطى فاملأ بيوتهم نارا، أو قبورهم نارا أو نحو ذلك " أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط ورجاله موثقون (¬4) ¬

(¬1) ص 160 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 128 ج 5 شرح مسلم. (¬3) ص 395 ج 1 نيل الأوطار (بيان أنها الوسطى) وأدلج، أى سار الليل كله. و (عرس) من التعريس، أى نزل آخر الليل ليستريح. (¬4) ص 261 ج 2 - الفتح الربانى. وص 309 ج 1 مجمع الزوائد (الصلاة الوسطى) (والعدو) كفار غزوة الأحزاب (الخندق).

(الرابع) ما تدرك به الصلاة

(وبما روى) أيضا أنً النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الوسطى صلاة العصر " أخرجه البزار ورجاله موثقون (¬1) {42} وقد تقرر أنه عند مخالفة الراوى روايته، فالعبرة بما روى لا بما رأى. (قال) النووى: الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار (قال) صاحب الحاوى: نص الشافعى رحمه الله تعالى أنها الصبح. وصحت الأحاديث أنها العصر فمذهبه اتباع الحديث. فصار مذهبه أنها العصر. ولا يكون فى المسألة قولان كما وهم بعض أصحابنا أهـ (¬2) (وعن سعيد بن جبير) وشريح القاضى ونافع أنها واحدة من الخمس غير معينة واختاره إمام الحرمين. فقد روى أن رجلا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تصبها فهى مخبوءة فى جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة فى ساعات يوم الجمعة، وليلة القدر فى ليالى رمضان، والاسم الأعظم فى جميع الأسماء. (الرابع) ما تدرك به الصلاة ... من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فقد أدركها، (لحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " أخرجه السبعة (¬3) {43} ¬

(¬1) ص 309 ج 1 مجمع الزوائد. (¬2) ص 61 ج 3. شرح المهذب. (¬3) ص 284 ج 2 - الفتح الربانى. وص 38 ج 2 فتح البارى (من أدرك من الصلاة ركعة) وص 104 ج 5 نووى. وص 290 ج 6 - المنهل العذب (من أدرك من الجمعة ركعة).

وهو صادق بالصلوات الخمس لا فرق بين عصر وصبح وغيرهما: فهو أعم من حديث أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح. ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر " أخرجه السبعة (¬1) (قال النووى) أجمع المسلمون على أن هذا ليس على ظاهره، وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل الصلاة بهذه الركعة، بل هو متأوّل وفيه إضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها (¬2) أهـ. والحديث بعمومه يشمل من كان معذوراً بجنون أو حيض أو نفاس أو إغماء أو صبا وزال عذره وقد بقى من الوقت قدر ما يسع ركعة وعليه فتلزمه تلك الصلاة. وبهذا قال الجمهور (وقال) الحنفيون: تبطل صلاة الصبح إذا أدرك منها ركعة قبل الشمس وركعة بعدها. وقيل تقع كلها قضاء. وقيل ما وقع فى الوقت أداء وما بعده قضاء، والحديث ظاهر فى أن الكل أداء (ومفهومه) أنّ من أدرك اقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وأنّ صلاته تكون قضاء وهو مذهب الجمهور (وقيل) تقع أداء. والحديث يردّه (واختلفوا) فيمن أدرك من الوقت دون ركعة وهو ممن لا تجب عليه الصلاة لعذر - كالحائض تطهر، والمجنون يعقل، والمغمى عليه يفق، والكافر يسلم - أتجب عليه الصلاة؟ فيه قولان للشافعى (أحدهما) لا تجب وروى عن مالك عملا بمفهوم الحديث. وأصحهما أنها تلزمه وبه قال الحنفيون، لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره (وأجابوا) عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرّج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد (وأما) إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة اتفاقا (ومقدار) هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أمّ القرآن ويركع ويرفع ¬

(¬1) انظر المراجع رقم 17 ص 13. (¬2) ص 105 ج 5 - شرح مسلم.

(الخامس) الأوقات المنهى عن الصلاة فيها

ويسجد سجدتين. قال النووى: هل يشترط مع التكبيرة أو الركعة إمكان الطهارة؟ فيه وجهان لأصحابنا. أصحهما أنه لا يشترط (¬1) (وقالت) المالكية يشترط فى حق المعذور غير الكافر أن يدرك من الوقت زمناً يسع الطهر المحتاج إليه وركعة كاملة. أما الكافر فلا يقدّر له الطهر، لأنّ إزالة عذره بإسلامه فى وسعه (وقال) الحنفيون: يشترط فى وجوب الصلاة على من طرأ عليه سبب الوجوب أن يدرك فى آخر الوقت زمناً يسع الطهارة وستر العورة وتكبيرة الإحرام. وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت. (الخامس) الأوقات المنهى عن الصلاة فيها هى ثمانية أوقات يجمعها خمسة أنواع: (1) الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. وعن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس (روى) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاةَ بعد الصبح حتى ترتفعَ الشمس. ولا صلاة بعد العصر حتى تغيبَ الشمس " أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {44} وقد اختلف العلماء فى الصلاة فى هذين الوقتين (فقال) الحنفيون: يكره فيهما التنقل ولو كان له سبب. وبه قال مالك والحسن البصرى وجماعة ¬

(¬1) ص 105 ج 5 شرح مسلم. (¬2) ص 291 ج 2 - الفتح الربانى وص 41 ج 2 فتح البارى (لا تتحرى الصلاة قبل الغروب) وص 112 ج 6 نووى (الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها).

من الصحابة. منهم على وابن مسعود وأبو هريرة. وكان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير (وقال) الشافعى: يجوز أن يصلى فى هذين الوقتين ماله سبب. واستدل بصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد صلاة العصر (وأجاب) الجمهور عنه بأنه من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم (وقالت) الحنبلية: يحرم التطوّع مطلقاً ولو له سبب فى هذين الوقتين، لظاهر النهى إلا ركعتى الطواف (لحديث) جُبير ابن مُطعم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يا بنى عبدِ منافٍ لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيتٍ وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار " أخرجه أحمد والثلاثة وصححه ابن خزيمة والترمذى والحاكم وابن حبان (¬1) {45} ومشهور مذهب الظاهرية المنع من الصلاة مطلقا ولو فرضا بعد الصلاة الصبح وبعد صلاة العصر، لعموم النهى فى الأحاديث. ويردّه أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرّ قيس بن عمرو على صلاته ركعتى الفجر بعد صلاة الصبح (قال) قيس بن عمرو: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليتُ معه الصبح ثم انصرف فوجدنى أصلى فقال: مهْلا ياقيسُ، أصلاتان معا؟ قلت يا رسول الله إن لم أكن ركعتُ ركعتى الفجر قال: فلا إذاً " أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى. وهذا لفظه (¬2) {46} ¬

(¬1) ص 54 ج 12. الفتح الربانى. وص 36 ج 2 مجتبى (إباحة الطواف فى كل الأوقات) وص 180 ج 2 سنن أدبى داود (الطواف بعد العصر) ولفظه: لا تمنعوا أحدا يطوف .. وص 94 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 157 ج 7 - المنهل العذب (من فاتته - سنة الفجر - متى يقضيها) وص 324 ج 1 تحفة الأحوذى (من تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح) (فلا إذا) أى فلا حرج عليك حيث إنهما ركعتا الفجر.

(وقد أجمع) العلماء على جواز قضاء الفوائت فى هذين الوقتين لعموم حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من نسِىَ صلاة فلْيُصلِّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {47} وحديث " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفَل عنها فلْيصلها إذا ذكرها " أخرجه مسلم عن أنس (¬2) {48} (وقال) جماعة من السلف: تباح الصلاة مطلقا فى جميع الأوقات. وحكى عن داود. وبه جزم ابن جزم (لحديث): لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (¬3) (وزعموا) أن أحاديث النهى منسوخة بهذا الحديث وحديث أبى هريرة: " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح. ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (¬4) " وردّ استدلالهم (أ) بأن حديث جُبير ابن مُطْهِم خاص بالصلاة فى الحرم المكى ودعواهم عامّة. فلا يصلح الاستدلال به عليها. ولا يصلح لنسخ الأحاديث الدالة على النهى عن الصلاة فى أوقات المذكورة (ب) وحديث أبى هريرة خاص بالمكتوبة صاحبة الوقت. وأحاديث النهى فى غير صاحبة الوقت. فلا يصح دعوى نسخها به على فرض تأخره (وروى) عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، لظاهر الأحاديث المذكورة، وإباحتها بعد العصر حتى تصفر الشمس، (لحديث) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة ¬

(¬1) ص 47 ج 2 فتح البارى (من نسى صلاة فليصل إذا ذكر) وص 193 ج 5 نووى (قضاء الفائتة) وص 37 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) (¬2) ص 193 ج 5 نووى. (¬3) تقدم رقم 45 ص 29. (¬4) تقدم أول ص 27.

بعد العصر إلا والشمس مرتفعة " أخرجه أبو داود (¬1) {49} (2) الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها: نهى النبى صلى الله لعيه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح، ووقت استوائها وسط السماء - إلا يوم الجمعة - حتى تزول، ووقت اصفرارها حتى يتم الغروب (قال) عقبة بن عامر: " ثلاثَ ساعاتٍ كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نُصلىّ فيهن أو نقُبرَ فيهن موتانا: حين تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميلَ الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغربَ " أخرجه الجماعة إلا البخارى (¬2) {50} وقد اختلف الفقهاء فى الصلاة فى هذه الأوقات (فقال) الحنفيون: لا تصح فى هذه الأوقات صلاة مطلقا مفروضة أو واجبة أو نافلة قضاء أو أداء مستدلين بعموم النهى عن الصلاة فى هذه الأوقات، بناء على أن النهى يقتضى الفساد (واستثنوا) من ذلك عصر اليوم، لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرُبَ الشمس فقد أدرك العصر (¬3) " فيصح أداؤه وقت الغروب، لأنه أدّاة كما وجب. ويكره تحريما تأخيره إلى هذا الوقت (واستثنوا) أيضا صلاة الجنازة إن حضرت فى وقت من هذه الأوقات فإنها تصلى فيها بلا كراهة، لحديث علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث لا يؤخَّرن: الصلاةُ إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيِّم ¬

(¬1) ص 168 ج 7. المنهل العذب (من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة). (¬2) انظر رقم 497 ص 282 ج 7 الدين الخالص (وقت صلاة الجنازة) و (تضيف) بتاء وضاد مفتوحتين فياء مشدّدة. أى تميل. (¬3) تقدم رقم 17 ص 13.

إذا وجدت كفئاً " أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال غريب ليس بمتصل (¬1) {51} (واستثنوا) أيضا سجدة تلاوة تليت آيتها فى وقت من هذه الأوقات، فإنه يصح تأديتها فيه، لأنها أدّيت كما وجبت. لكنه يكره تنزيها، لنقصان الوقت بالنهى عن الصلاة فيه. والأفضل تأخيرها لتؤدى فى الوقت المستحب، لأنها لا تفوت بالتأخير (وقد فرقوا) بين الصبح والعصر حيث قالوا بعدم صحة أداء الصبح وقت الطلوع، وبصحة أداء العصر وقت الغروب (ويرده) قول النبى صلى الله عليه وسلم: " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (¬2) " فقد ستوى بينهما (واستثنى) أبو يوسف أيضا التنفل يوم الجمعة وقت الاستواء لحديث أبى قتادةَ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كَرِه الصلاةَ نصف النهار إلا يومَ الجمعة، وقال: " إن جهنم تُسَجّر إلا يوم الجمعة " أخرجه أبو داود (¬3) {52} وفيه انقطاع. لأنه من رواية مجاهد عن أبى الخليل عن أبى قتادة قال أبو داود: وهو مرسل مجاهد أكبر من أبى الخليل. وهذا لم يَسمع من أبى قتادة وفى سنده ليث بن أبى سليم وهو ضعيف وقد ذكر له البيهقى شواهد ضعيفة يقوى بها وبحديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصفَ النهار حتى تزولَ الشمس إلا يوم الجمعة " أخرجه الشافعى فى مسنده (¬4) {53} ¬

(¬1) انظر رقم 364 ص 205 ج 7. الدين الخالص (المبادرة بتجهيز الميت) و (الأيم) بفتح الهمزة وكسر الياء مشدّدة من لا زوج له ذكرا أو أنثى. (¬2) تقدم رقم 17 ص 13، 27. (¬3) ص 239 ج 6 المنهل العذب (الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال). (¬4) ص 52 ج 1 بدائع المنن (الأوقات المنهى عن الصلاة فيها).

(وقالت) الحنبلية: لا ينعقد النفل مطلقا فى هذه الأوقات الثلاثة حتى ماله سبب كسجود تلاوة وشكر وصلاة كسوف وتحية مسجد، لعموم أدلة النهى. ولا فرق فى ذلك بين مكة وغيرها ولا يوم الجمعة وغيره إلا تحية المسجد يوم الجمعة. فإنهم قالوا بجواز فعلها بلا كراهة وقت الاستواء وحال الخطبة، لحديث أبى قتادة (¬1) (وردّ) بأنه يفيد إباحة الصلاة مطلقا وقت الاستواء يوم الجمعة. وهم لا يقولون إلا إباحة تحية المسجد حينئذ (ويحرم) عندهم أيضا صلاة الجنازة فى هذه الأوقات إلا إن خيف عليها التغير، فتجوز للضرورة، ويجوز بلا كراهة قضاء الفوائت فى هذه الأوقات لحديث أنس مرفوعا: "من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {54} جعلوه مخصصا لأحاديث النهى (وجوّزوا) أيضا فى هذه الأوقات الصلاة المنذورة ولو نذر أن يوقعها فيها - بأن قال لله علّى أن أصلى ركعتين عند طلوع الشمس مثلا - لأنها صلاة واجبة فأشبهت الفرائض (وأباحوا) تأدية ركعتى الطواف ولو نفلا فى كل وقت، لحديث خبير بن مطعم (¬3) (وقالت) المالكية: تحرم النوافل ولو لها سبب والمنذورة وسجدة التلاوة وقت الطلوع والغروب لأحاديث النهى، وكذا تحرم صلاة الجنازة فى هذين الوقتين إلا إن خيف تغيرها فتجوز، وأباحوا الفرائض العينية قضاء أو أداء فى هذين الوقتين (وأباحوا) الصلاة مطلقا فرضا أو نفلا وقت الاستواء (قال الزرقانى) فى شرح الموطأ: قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة ¬

(¬1) تقدم رقم 52 ص 32. (¬2) ص 300 ج 2 - الفتح الربانى (قضاء الفوائت) وص 193 ج 5 نووى. (¬3) تقدم رقم 45 ص 29. ... ...

عند الاستواء. وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث (¬1) (قال) ابن عبد البر: فإما أنه لم يصح عنده، أورده بالعمل الذى ذكره بقوله: ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار أهـ. والثانى أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير. وعلى تقدير أنه مرسل فقد تقوّى بحديثى عقبة وعمرو بن عَبَسَة وقد صححهما مسلم أهـ (¬2) (أقول) وحيث ثبتت صحة الحديث فهو مذهب مالك ولا وجه للتفرقة بين أجزائه بعمل الناس. فإنه لا كلام لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. على أن عمل الناس إنما هو فى الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة. وقد تقدّم ما يدل على استثنائه. ولذا قال الباجى فى شرح الموطأ: وفى المبسوط عن ابن وهب. سئل مالك عن الصلاة نصف النهار فقال أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار. وقد جاء فى بعض الحديث نهى عن ذلك، فأنا لا أنهى عنه الذى أدركتُ الناس عليه، ولا أحبه للنهى عنه أهـ (¬3) وقول مالك لا أحبه للنهى عنه، محمول على أنه لم يثبت عنده الحديث الدال على إباحة الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة. وقد تقدّم ما فيه (وقالت) الشافعية: يكره النفل الذى لا سبب له فى هذه الأوقات. أما الفرض مطلقا والنفل الذى له سبب، ¬

(¬1) يعنى حديث أبى عبد الله الصنابحى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها. ثم إذا استوت قارنها. فإذا زالت فارقها. فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى تلك الساعات. أخرجه مالك واحمد والنسائى وابن ماجه. انظر ص 395 ج 1 زرقانى. وص 288 ج 2 - الفتح الربانى (أوقات النهى). (¬2) انظر ص 395 ج 1 زرقانى (النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر) وحديث عقبة تقدم رقم 50 ص 31. وحديث عمرو يأتى رقم 57 ص 35. (¬3) انظر ص 362 ج 1 - المنتقى شرح مسلم.

فلا يكرهان لحديث: من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها. أخرجه أحمد ومسلم عن أنس (¬1) (وأباحوا) أيضا التنفل فى الحرم المكى فى هذه الأوقات، لحديث جبير بن مطعم (¬2) (وأباحوا النفل) أيضا وقت الاستواء يوم الجمعة، لحديث أبى قتادة (¬3). هذا والمعوّل عليه أن الصلاة مطلقا ممنوعة فى هذه الأوقات الثلاثة إلا أداء الصبح وقت الطلوع، والعصر وقت الغروب والنفل وقت الاستواء يوم الجمعة. (3) الصلاة بعد طلوع الفجر: تكره الصلاة بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح بأكثر من سنته عند الحنفيين وهو المشهور عن أحمد (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تُصلوا بعد الفجر إلا سجدتين أخرجه أبو داود والترمذى (¬4) {55} (ولقول) حفصة رضى الله عنها: كان النبى صلى اله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلى إلا ركعتين خفيفتين. أخرجه مسلم (¬5). {56} (وقال) الحسن البصرى والشافعى: يجوز التنفل مطلقا بلا كراهة بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، لما فى حديث عمرو بن عبسة قال: قلت يا رسول الله أى الليل أسمع؟ قال جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلى الصبح (الحديث) أخرجه أبو داود (¬6) {57} ¬

(¬1) تقدم رقم 54 ص 33. (¬2) تقدم رقم 45 ص 29. (¬3) تقدم رقم 52 ص 32. (¬4) انظر ص 178 ج 7 - المنهل العذب. وص 321 ج 1 تحفه الأحوذى (لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين). (¬5) انظر ص 2 ج 6 نووى (استحباب ركعتى الفجر). (¬6) انظر ص 172 ج 7 - المنهل العذب (من رخص فيهما) = أى الركعتين بعد العصر - إذا كانت الشمس مرتفعة، و (أسمع) أى أقرب إلى إجابة الدعاء وقبول العمل. و (جوف الليل الآخر) أى ثلثه الأخير أقرب للإجابة. فجوف مبتدأ خبره محذوف. و (مشهودة مكتوبة) أى تحضرها الملائكة وتكتب ثوابها.

فهو يدل بظاهرة على إباحة التطوّع بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتيه. ولكن ينافيه ما فى رواية عن عمرو بن عَبَسَة قال: قلتُ أىّ الساعاتِ أفضل؟ قال: جوف الليل الآخر ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتين حتى تُصَلِّىَ الفجر (الحديث) أخرجه أحمد (¬1) {58} فهو صريح فى كراهة التطوع بعد طلوع الفجر بغير ركعتى الفجر، ولعله وقع اختصار فى رواية أبى داود (وقال) مالك: يجوز ذلك لمن فاتته صلاة الليل لعذر، لقول سعيد بن جبير: إن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ ثم قال لخادمه أنظر ما صنع الناس وهو يومئذ قد ذهب بصره. فذهب الخادم ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من الصبح. فقام عبد الله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح (وعن هشام) بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن مسعود قال: ما أُبالى لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتِر (وقال) يحيى بن سعيد: كان عبادة بن الصامت يؤمّ قوما فخرج يوما إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح فأسكته عُبادة حتى أو تر ثم صلى بهم الصبح. أخرج هذه الآثار مالك (¬2). (4) التنفل بعد الإقامة: التطوّع بعد الشروع فى إقامة الصلاة غير مشروع (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقيمت ¬

(¬1) انظر ص 385 ج 4 مسند أحمد. (¬2) انظر ص 234 ج 1 زرقانى الموطأ (الوتر بعد الفجر).

فلا صلاة إلا المكتوبة " أخرجه أحمد ومسلم والأربعة. وذكره البخار ترجمة (¬1) {59} " والنفى " فيه " بمعنى النهى " وهو متوجه إلى الشروع فى غير المكتوبة المقامة. أمّا تمام ما شرع فيه قبل الإقامة، فلا يشمله النهى بل يتمّه. وإلا لزم إبطاله وهو منهى عنه بقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ويحتمل إبقاء النفى على أصله، أى فلا صلاة صحيحة أو كاملة. وحمله على نفى الصحة أولى، لأن نفيها أقرب إلى نفى الحقيقة. لكنه معارض بحديث عبد الله بن سَرْجِسَ قال: " جاء رجل والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فلما انصرف قال يا فلانُ: أيتُهما صلاتُك التى صلّيتَ وحدَك، أو التى صليتَ معنا؟ أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه وأبو داود (¬2) {60} فقد أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على الرجل صلاتَه بعد الإقامة ولم يأمره بإعادة ركعتى الفجر. فدل ذلك على أن المراد نفى الكمال لا ننفى الصحة. وحكمه النهى عن التنفل بعد الإقامة، التفرغ للفريضة من أوّلها والمحافظة على إكمالها مع الإمام، وعلى أسباب الاتفاق والبعد عما يؤدّى إلى الخلاف على الأئمة والطعن فيهم. ¬

(¬1) انظر ص 221 ج 5 نووى (كراهة الشروع فى نافلة بعد الشروع فى الإقامة) وص 154 ج 7 - المنهل العذب (إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتى الفجر) وص 323 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 181 ج 1 - ابن ماجه (إذا أقيمت الصلاة ... ) وص 102 ج 2 فتح البارى. (¬2) انظر ص 223 ج 6 نووى. وص 139 ج 1 مجتبى (من يصلى ركعتى الفجر والإمام فى الصلاة) وص 182 ج 1 - ابن ماجه. وص 151 ج 7 - المنهل العذب (إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتى الفجر).

هذا. وقد دل الحديث على أنه لا ينبغى لمن حضر حال الإقامة أن يشرع فى غير الصلاة المقام لها لا فرق بين سنة الصبح وغيرها (وللعلماء) فى ذلك أقوال: (أولا) قال ابن المبارك والشافعى وأحمد إسحاق: يكره لأن المراد بالنفى فى الحديث النهى، وهو محمول على الكراهة. أو أن النفى فيه باقى على حقيقته والمراد به نفى الكمال. (ثانيا) قال ابن عبد البر والظاهرية: لا يجوز صلاة شئ من النوافل إذا أقيمت المكتوبة لا فرق بين ركعتى الفجر وغيرها ولو خارج المسجد، حملا للنفى فى الحديث على نهى التحريم. (ثالثا) قال الحنفيون والثورى: لا بأس بصلاة سنة الصبح خارج المسجد أو فيه والإمام فى الفريضة إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة مع الإمام. وروى عن ابن مسعود وابن عمر، وابن عباس والأوزاعى وغيرهم لحديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتى الفجر" أخرجه البيهقى من طريق حجاج بن نُصَير عن عبّاد بن كثير وقال: هذه الزيادة لا اصل لها. وحجاج وعباد ضعيفان (¬1). {61} (وقال) أبو عثمان الأنصارى: جاء عبد الله بن عباس والإمام فى صلاة الغداة ولم يكن صلى الركعتين فصلى الركعتين خلف الإمام ثم دخل معهم (وعن) أبى الدرداء أنه كان يدخل المسجد والناس صفوف فى صلاة الفجر فيصلى الركعتين فى ناحية المسجد ثم يدخل مع القوم فى الصلاة. أخرجهما الطحاوى (¬2) (وقال) أبو موسى: " أقيمت الصلاة فتقدم عبد الله بن مسعود ¬

(¬1) انظر ص 483 ج 2 بيهقى (كراهية الاشتغال بهما بعدما أقيمت الصلاة). (¬2) انظر ص 219 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل يدخل المسجد والإمام فى صلاة الفجر ولم يكن ركع أيركع؟ ).

إلى أُسْطُوانة فى المسجد فصلى ركعتين ثم دخل يعنى فى الصلاة" أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات (¬1) (رابعاً) قال مالك: يركعهما خارج المسجد إذا لم يخف فوات الركعة الأولى مع الإمام وإلا تركهما ودخل معه. لما روى زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه جاء والإمام يصلى الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما فى حُجْرة حفصةَ وصلى مع الإمام. أخرجه الطحاوى (¬2) (قالوا) ويبعد أن يكون حديث عبد الله بنِ سَرْجِسَ على إطلاقه ويفعلَ خلافهَ هؤلاء الصحابةُ الأجلاء (وفيه نظر) لأن ظاهر الحديث الإنكار على من دخل فى النافلة والإمام فى الفريضة. ويؤيد بقاءه على ظاهره، حديث أبى هريرة المذكورة (¬3). فإن فيه النهى عن ابتداء صلاة أخرى بعد إقامة الصلاة الحاضرة. ويؤيده أيضاً (حديث) أبى موسى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلَّى ركعتى الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمز النبى صلى الله عليه وسلم منكبه وقال: "ألا كان هذا قبل هذا"أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط ورجاله موثقون (¬4) {62} " وما ذكروه " من أن ما ذهبوا إليه فيه الجمع بين الفضيلتين " متعقَّب " بأنه يمكن الجمع بين الفضيلتين بصلاة الركعتين بعد الفراغ من الفريضة قبل الشمس أو بعدها (لقول) قيس بن عمرو: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُقيمت الصلاةَ فصليتُ معه الصبحَ ثم انصرف النبى صلى الله عليه وسلم فوجدنى اصلى فقال " مهلا يا قيسُ، أصلاتان معاً؟ قلت: يا رسول الله إنى لم أكن ركعت ركعتى الفجر قال فلا إذاً (¬5) " ولحديث أبى هريرة أنّ ¬

(¬1) انظر ص 75 ج 2 مجمع الزوائد (إذا أقيمت الصلاة هل يصلى غيرها؟ ). (¬2) انظر ص 220 ج 1 شرح معانى الآثار. (¬3) تقدم رقم 59 ص 36. (¬4) انظر ص 75 ج 2 مجمع الزوائد (إذا أقيمت الصلاة هل يصلى غيرها). (¬5) تقدم رقم 46 ص 29.

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يصل ركعتى الفجر فَليُصلها بعد ما تطلع الشمس " أخرجه الترمذى وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفى سنده قتادة وهو مدلس رواه عن النضر بن أنس بالعنعنة (¬1). {63} (وما ذكروا) من الآثار معارض بالمثل فقد ثبت عن عمر وابنه وأبى هريرة وغيرهم أنهم كانوا يمنعون الشروع فى النافلة بعد إقامة الصلاة (فعن عمر) رضى الله عنه أنه كان إذا رأى رجلا يصلى وهو يسمع الإقامة ضربه (وعن) نافع عن ابن عمر أنه أبصر رجلا يصلى الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال: أتصلى الصبح أربعا؟ أخرجهما البيهقى (¬2) وعلى تقدير عدم ما يعارضها فهى لا تقوى على معارضة الأحاديث المرفوعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عبد البر وغيره: الحجة عند التنازع السنة. فمن أدلى بها فقد أفلح. وتَرْكَ التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقربُ إلى أتباع السنة. ويتأيد ذلك من حيث المعنى، بأن قوله فى الحادث حىّ على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة التى يقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لا يتشاغل عنه بغيره أهـ. (5) الصلاة وقت خطبة الجمعة: يمنع التنفل وقت الخطبة ولو لداخل المسجد عند الحنفيين ومالك. لأن استماع الخطبة فرض والأمر بالمعروف حرام وقتها (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنْصِت فقد لغوت " أخرجه الجماعة إلا الترمذى (¬3). {64} ¬

(¬1) انظر ص 326 ج 1 تحفة الأحوذى (ما جاء فى إعادتها بعد طلوع الشمس). (¬2) انظر ص 483 ج 2 بيهقى (كراهية الاشتغال بهما بعد الإقامة). (¬3) انظر رقم 54 ص 83 فتاوى أئمة المسلمين.

(السادس) جاحد الصلاة وتاركها

فالتنفل أولى. ولا يصلى من الفرض حينئذ إلا صبح اليوم عند المالكية. وله قضاء فائتة يتوقف على تأديتها صحة الجمعة عند الحنفيين (وقالت) الحنبلية: له صلاة التحية وقضاء الفوائت وقت الخطبة (وقالت) الشافعية: لا يصلى إلا تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب. وهذا الذى يشهد له الدليل كما سيأتى فى بحث تحية المسجد إن شاء الله. (السادس) جاحد الصلاة وتاركها من أنكر فرضية الصلاة أو استخف بها ولو مع أدائها فهو كافر بالإجماع لإنكاره أو استخفافه بأمر معلوم من الدين بالضرورة (وحكمه) حكم المرتد - إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدّة يبلغه فيها فرضية الصلاة - وعليه يحمل عند الجمهور (حديث) جابر بن عبد الله أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن بين الرجل وبين الشرك والفكر تركَ الصلاة " أخرجه مسلم (¬1). {65} (وحديث) بريدة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة. فمن تركها فقد كفر " أخرجه أحمد والنسائى والحاكم (¬2). {66} (ومن تركها) عمداً كسلا مع اعتقاده فرضيتها كما هو حال كثير من الناس. فقد اختلف العلماء فيه (فقال) جمهور السلف والخلف: إنه لا يكفر ¬

(¬1) انظر ص 70 ج 2 نووى (إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة الإيمان). (¬2) انظر ص 232 ج 2 - الفتح الربانى (حجة من كفر تارك الصلاة) ولفظه: العهد. وص 81 ج 1 مجتبى (الحكم فى تارك الصلاة).

بل يفُسق فإن تاب وإلا قتل حدا بالسيف. وبه قالت المالكية إلا أنهم قالوا يؤخر إلى آخر الوقت الضرورى. فإن أدَّاها خلى سبيله وإلا قتل (وقالت) الشافعية: يؤخر إلى آخر وقت العذر ثم يستتاب ندباً أو وجوبا. فإن تاب وصلى خُلّىَ سبيله وإلا قتل. ولا يقتل لترك الظهر والعصر حتى تغرب الشمس. ولا لترك المغرب والعشاء حتى يطلع الفجر. ويقتل فى الصبح بطلوع الشمس بشرط مطالبته بالأداء فى الوقت إذا ضاق، ويتوعد بالقتل إن أخرها عنه (واستدلوا) على عدم كفره بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ (¬1)} وبحديث عبادة ابن الصامت أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهُنّ الله على العباد، فمن جاء بِهن لم يُضيِّع منهنّ شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهُد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " أخرجه مالك وأحمد والنسائى وأبى داود (¬2) {67} (واستدلوا) على قتله بقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (¬3)} وبحديث ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أُمِرْت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا نمى دماءهم وأموالهم إلا بحقها " أخرجه الشيخان (¬4) {68} ¬

(¬1) سورة النساء الآية: 46 (¬2) انظر ص 234 ج 2 - الفتح الربانى. وص 80 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات الخمس) وص 46 ج 8 - المنهل العذب (من لم يوتر) (¬3) التوبة أية: 12. (¬4) انظر ص 57 ج 1 فتح البارى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة .... - الإيمان) وص 212 ج 1 نووى (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ... - الإيمان).

وتأوّلوا قوله صلى الله عليه وسلم: " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " ونحوه، على معنى أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهى القتل، أو أنه محمول على المستحل تركها، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو على أن فعله فعل الكفار (وقال) الحنفيون والمزنى: تارك الصلاة كسلا لا يكفر لما تلونا ولما روينا. ولا يقتل، (لحديث) ابن مسعود أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَحِل دم امرئ مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفُس، والثيُب الزانى، والمفارقُ لدينه التارك للجماعة " أخرجه الشيخان والنسائى (¬1). {69} وجه الدلالة: أنه لم يذكر فيه تارك الصلاة. بل هو فاسق يضرب ضربا شديداً حتى يسيل دمه ويحبس ويتفقد بالوعظ والزجر والضرب حتى يصلى أو يموت. فإن مات مسلماً ولم يتب لقى الله وهو عليه غضبان محروم من كامل الثواب (روى) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك صلاة لقى الله تعالى وهو عليه غضبان " أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير بسند حسن (¬2). {70} ويعذب عذاباً أليما فى واد فى جهنم أشدّها حرا وأبعدها قعرا، فيه آبار يسيل إليها الصديد والقيح. أُعِدّت لتارك الصلاة. قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ (¬3)}. (والغى) قال ابن مسعود: نهر فى جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، أخرجه ¬

(¬1) انظر ص 162 ج 12 - فتح البارى (قول الله إن النفس بالنفس - الديات) وص 164 ج 11 نووى (ما يباح به دم المسلم - القسامة) وص 166 ج 2 مجتبى (ما يحل به دم المسلم). (¬2) انظر ص 295 ج 1 مجمع الزوائد (تارك الصلاة). (¬3) سورة مريم آية: 60.

الحاكم وصححه (¬1). والمراد باللقّى الاجتماع والملابسة مع الرؤية (وعن) أبى أمامة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو أنّ صخرة زنة عشرة أواق قُذِف بها من شَفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفا. ثم تنتهى إلى غىّ وأثام. قلت: وما غىّ وما أثام؟ قال: بئران فى أسفل جهنم يسيب فيهما صديد أهل النار، وهما اللتان ذكر الله فى كتابه: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} وقوله فى الفرقان: {وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} أخرجه الطبرى (¬2) (وقال) جماعة من السلف: إنّ تارك الصلاة كسلا كافر. وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعى (وقالت) الحنبلية: من ترك الصلاة كسلا دعاه الإمام أو نائبه إلى فعلها. فإن امتنع حتى ضاق وقت التى بعدها وجب استتابته ثلاثة أيام كالجاحد لها. فإن تاب وأدّاها خلى سبيله وإلا ضرب عنقه كفرا، لما تقدّم (ولقول) عبد الله ابن شقيق العُقيلى: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرَوْن شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " أخرجه الترمذى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬3) {72} (قال) الشوكانى: والحق أنه كافر يقتل (أما كفره) فلأن الأحاديث قد صحت أنّ الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم. وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة. فتركها مقتض لجواز الإطلاق. ¬

(¬1) انظر ص 374 ج 2 مستدرك. (¬2) انظر ص 75 ج 16 جامع البيان. وقال ابن كثير: حديث غريب ورفعه. منكر. و (شفير جهنم) حرفها. (¬3) انظر ص 372 ج 1 نيل الأوطار (حجة من كفر تارك الصلاة).

ولا يلزمنا شئ من المعارضات التى أوردها الأوّلون. لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التى سماها الشارع كفراً. فلا ملجئ إلى التأويلات التى وقع الناس فى مضيقها (وأما) أنه يقتل فلأن حديث: أمرت أن أقاتل الناس ونحوه، يقضى بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له. ولا أوضح من دلالتها على المطلوب. وقد شرط الله - فى القرآن - التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإبتاء الزكاة. فقال {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فلا يخلى سبيل من لم يقم الصلاة. وعن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن أنكر فقد برئ. ومن كره فقد سلم. ولكن من رضى وتابع. فقالوا ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا " أخرجه مسلم (¬1) {73} فجعل الصلاة هى المانعة من مقاتلة أمراء الجور (وحديث) لا يحل دم أمرى مسلم، لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة. والمراد بقوله فى حديث جابر "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر تركَ الصلاة (¬2) " كما قال النووى - أن الذى يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة. فإن تركها لم يبق بينه وبين الكفر حائل (واختلف) القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة. قال الجمهور يضرب عنقه بالسيف. وقيل يضرب بالخشب ¬

(¬1) انظر ص 242 ج 12 نووى (وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع) (ولكن) الإثم (على من رضى) بالمنكر (وتابع) مرتكبه. (¬2) تقدم رقم 65 ص 41.

حتى يموت (واختلفوا) أيضا فى وجوب الاستتابة. فالهادوية توجها، وغيرهم لا يوجبها، لأنه يقتل حدّا. ولا تسقط التوبة الحدود كالزانى والسارق (واختلفوا) هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر؟ (قال) الجمهور: يقتل لترك صلاة واحدة. والأحاديث قاضية بذلك. والتقييد بالزيادة على واحدة لا دليل عليه. وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال قبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنا أو شرطا أهـ بتصرف (¬1). إذا علمت ذلك عرفت أن ترك الصلاة جريمة كبرى تفضى بمرتكبها إلى وقوع فى مهاوى العطب دنيا وأخرى. وقد ورد فى زجر تارك الصلاة أحاديث كثيرة (منها) حديث ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " عُرى الإسلاِم وقواعُد الدينِ ثلاثة عليهنّ أسُس الإسلاِم. من ترك واحدةً منهنّ فهو بها كافُر حلالُ الدم: شهادةُ أن لا إله إلا الله، والصلاةُ المكتوبةُ، وصوم رمضان " أخرجه أبو يعلى والديلمى بسند حسن وقال الذهبى: حديث صحيح (¬2) {74} (وحديث) عبد الله بن عمرو بن العاصى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوما فقال: " من حافظ عليها كانت له نورا وبُرهانا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة. وكان يوم القيامة مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأبىِّ بنِ خلَف " أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات (¬3) {75} ¬

(¬1) انظر ص 370 إلى 372 ج 1 نيل الأوطار (حجة من كفر تارك الصلاة). (¬2) انظر رقم 53 ص 390 ج 8 - الدين الخالص (التفريط فى رضمان). (¬3) انظر ص 232 ج 2 - الفتح الربانى. وقوله (وكان يوم القيامة مع قارون الخ) يدل على أن تركها كفر. لأن هؤلاء المذكورين أشد أهل النار عذابا. وعلى تخليد = تاركها فى النار كتخليد من جعل معهم فى العذاب فيكون هذا الحديث - مع صلاحيته للاحتجاج - مخصصا لأحاديث خروج الموحدين من النار. وقد يقال مجرد المعية لا يدل على الاستمرار والتأييد، لصدق المعنى اللغوى بلبثه معهم مدة. لكن مقام المبالغة يأبى ذلك (انظر ص 338 ج 1 نيل الأوطار)

(السابع) الأذان والإقامة

وفيه أنه لا ينتفع المصلى بصلاته إلا إذا كان محافظا عليها، لأنه إذا انتفى كونها نورا وبرهانا ونجاة مع عدم المحافظة، انتفى نفعها. (فالواجب) على كل مكلف أن يحافظ على تأدية الصلاة فى أوقاتها، ولا يشغله عن أدائها شاغل مهما كان، لينجو من ورطة دخول النار مع الكفرة ويخلص من عذاب الله عز وجل وغضبه. نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ عباده المؤمنين من المخالفات ويوفقنا جميعا لخالص الطاعات. (السابع) الأذان والإقامة الأذان لغة الإعلام. وشرعا إعلام مخصوص للصلاة وقتية أو فائتة بألفاظ مخصوصة على وجه مخصوص بأن يكون على مكان مرتفع لأذان الجماعة من جهير الصوت مترسلا فيه عالما بالوقت. وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً (¬1)} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه (¬2)}. (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ليؤذن لكم خياركم. وليؤمكم قراؤكم " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وفى سنده حسين بن عيسى الحنفى. فيه مقال (¬3) {76} ¬

(¬1) سورة المائدة آية: 58. (¬2) سورة الجمعة آية: 9. (¬3) انظر ص 309 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) وص 128 ج 1 ابن ماجه (فضل الأذان).

(وعن) ابن عمر رضى الله عنهما قال: " كان النبى صلى الله عليه وسلم مؤذنان: " بلالُ وابنُ أم مكتوم الأعمى " أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {77} وشرع فى السنة الأولى من الهجرة على الراجح (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " كان المسلمون حين قدمِوا المدينةَ يجتمعون فيتحيّنون الصلاة وليس يُنادِى بها أحد، فتكلموا يوما فى ذلك. فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم اتخِذوا قَرْناً مثل قرن اليهود. فقال عمر: أوَلا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " يا بلالُ قم فنادِ بالصلاة " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح (¬2) {78} ثم الكلام هنا فى عشرين عاماً: (1) حكم الأذان والإقامة: هما من خصائص هذه الأمة، وسنة مؤكدة على سبيل الكفاية فى حق الرجل ولو منفرداً أو مسافراً للفرائض أداء وقضاء. ومنها الجمعة لما تقدم (ولقول) أبى الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِن ثلاثة فى قرية فلا يؤذَّن ولا تُقام فيهم الصلاةُ إلا اْستحوذَ عليهم الشيطان (الحديث) أخرجه أحمد والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد (¬3) {79} ¬

(¬1) انظر ص 82 ج 4 نووى (اتخاذ مؤذنين لمسجد الواحد). (¬2) انظر ص 13 ج 3 - الفتحر الربانى. وص 53 ج 2 - فتح البارى (بدء الأذان) وص 75 ج 4 نووى. وص 102 ج 1 مجتبى. وص 169 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 3 ج 3 - الفتح الربانى (الأمر بالأذان).

(وقال) مالك بن الُحوَيْرَث: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابنُ عّمٍ فى فقال لنا: " إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما. ولْيؤمّكما أكبركما، أخرجه النسائى والترمذى وقال حسن صحيح (¬1) {80} فهما من شعائر الدين يأثم تاركهما عند الحنفيين وهو مشهور مذهب الشافعية. لأنّ ترك السنة المؤكدة بمنزلة ترك الواجب العملى فى الإثم (ولا يطلبان) لغير الفرائض كصلاة الجنازة والتطوع والعيدين والوتر (لقول) جابر بن سَمُرة رضى الله عنه: " صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم العيدين غيرَ مرة ولا مرتين بلا أذان إقامة " أخرجه مسلم (¬2) {81} (وقالت) المالكية: الأذان سنة مؤكدة على سبيل الكفاية فى كل مسجد وجماعة طلبت غيرها. وفرض كفاية فى المصر. والإقامة سنة عين لذكر بالغ منفرد أو مع نساء أو صبيان يصلِّى بهم. وسنة كفاية لجماعة الذكور البالغين. ومندوبة لصبى. (وقالت) الحنبلية: الأذان فرض كفاية للفرائض المؤداة دون غيرها لجماعة الرجال فى الحضر ويشرع للمسافر والراعى ونحوه. (وقال) داود. الأذان فرض لصلاة الجماعة وليس شرطا لصحتها. والسبب فى الاختلاف، جعل الأمر فى الأحاديث للوجوب أو الندب فحمله جماعة على الوجوب عملا بالأصل. ويؤيده مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على الأذان والإقامة حضرا وسفرا. وحمله آخرون على الندب لأن الغرض من الأذان الدعاء إلى الاجتماع للصلاة، ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم ترك الأذان ليلة المزمنة. وهذا فى حق الرجال (وأما النساء) فليس لهنّ أذان ولا إقامة، لأن الأصل فى الأذان الإعلام برفع الصوت وهو غير مشروع ¬

(¬1) انظر ص 104 ج 1 مجتبى (أذان المنفردين فى السفر) وص 181 ج 1 - تحفة الحوذى. (¬2) انظر ص 176 ج 6 نووى (صلاة العيدين). (م 4 - ج 2 - الدين الخالص)

للمرأة. ومن لا يشرع له الأذان لا تشرع له الإقامة (وقال) ابن عمر: ليس على النساء الأذان ولا إقامة. أخرجه البيهقى بسند صحيح (¬1) وقال: ورويناه عن أنس بن مالك موقوفا ومرفوعا. ورفعه ضعيف. وهو قول الحسن وابن المسيب وابن سيرين والنخعى أهـ وبه قالت الحنبلية. (وقال) الحنفيون يكره أذان المرأة تحريما، لأن المؤذن يستحب له رفع الصوت، وأن يكون على مكان مرتفع مُشْهرا نفسه. والمرأة منهية عن ذلك. والإقامة فى حقها كالأذان، لقول عائشة: كنا نصلى بغير إقامة. أخرجه البيهقى (¬2) (ولا ينافيه) ما رواه عطاء عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقوم وسَطَهن. أخرجه البيهقى (¬3) (لاحتمال) أنها أذَّنَت وأقامت بلا رفع صوت أو أنها فعلته مرة وتركته لما تقدم. قال البيهقى: هذا إن صح مع الأول فلا يتنافيان، لجواز فعلها ذلك مرة وتركها أخرى (¬4). (وقالت) المالكية: يحرم أذان المرأة، لأن صوتها عورة، ويندب لها الإقامة سرا. (وقالت) الشافعية: يكره أذانها ويستحب لها الإقامة. (2) فضل الأذان: فضله عظيم وثوابه جزيل وقد ورد فى ذلك عدّة أحاديث (منها) حديث معاوية رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذنونَ أطولُ الناس أعناقا يومَ القيامة " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقى (¬5) {82} ¬

(¬1) انظر ص 408 ج 1 بيهقى (ليس على النساء الأذان ولا إقامة). (¬2) انظر ص 408 ج 1 بيهقى. (¬3) انظر ص 408 ج 1 بيهقى. (¬4) انظر ص 408 ج 1 بيهقى. (¬5) انظر ص 9 ج 3 - الفتح الربانى (فضل الأذان ... ) وص 89 ج 4 نووى. وص 128 ج 1 - ابن ماجه. وص 432 ج 1 بيهقى (الترغيب فى الأذان) و (أطول الناس أعناقا) أى يعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم. فهو على حقيقته. ويحتمل أن يكون كناية عن رفعة شأنهم.

(وحديث) عبد الله بن الرحمن أن أبا سعيد الخدرى قال له: " إذا كنتَ فى غنمك أو باديتك فأذّنتَ بالصلاة فارفع صوتَك بالنداء فإنه لا يَسمع مَدَى صوتِ المؤذن جنّ ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يومَ القيامة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك وأحمد والبخارى والنسائى (¬1) {83} (وحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذن يُغفَر له مدَى صوتِه ويشهد له كلُّ رطب ويابس " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وان خزيمة وابن حبان (¬2) {84} وعلى الجملة فقد صحت أحاديث كثيرة فى بيان فضل الأذان والمؤذنين، وأنه من أجلّ الطاعات التى يتنافس فيها المتنافسون. (3) أخذ الأجدة على الأذان: ينبغى للمؤذن ألاّ يأخذ أجراً على الأذان (لقول) عثمان بن أبى العاص: قلت يا رسول الله اجْعلنى إمامَ قومى قال: " أنت إمامُهم واقْتدِ بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " أخرجه النسائى وأبو داود وحسنه الترمذى (¬3) {85} وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم. كرهوا أن يأخذ على الأذان أجرا. واستحبوا للمؤذن أن يستحب فى أذانه (وقال) يحيى البكّاء: سمعت رجلا قال لابن عمر: إنى لأحِبُّك فى الله، فقال له ابن عمر: إنى لأبغَضك ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 1. زرقانى الموطأ (النداء للصلاة) وص 11 ج 3 - الفتح الربانى. وص 59 ج 2. فتح البارى (رفع الصوت بالنداء) وص 106 ج 1. مجتبى. (¬2) انظر ص 8 ج 3 - الفتح الربانى. وص 173 ج 4 - المنهل العذب (رفع الصوت بالأذان) وص 106 ج 1 مجتبى. وص 128 ج 1 - ابن ماجه (فضل الأذان). (¬3) انظر ص 109 ج 1 مجتبى (اتخاذ مؤذن لا يأخذ على أذانه أجرا) وص 208 ج 4 - المنهل العذب (أخذ الأجرة على التأذين) وص 184 ج 1 - تحفة الأحوذى.

فى الله. فقال سبحان الله أحِبك فى الله، وتُبْغُضنى فى الله؟ قال نعم. إنك لتسأل على أذانك أجرا. أخرجه ابن حبان (¬1) (وقال) ابن مسعود: أربع لا يؤخذ عليهن أجر: الأذان، وقراءة القرآن، والمقاسم (قسمة الغنائم) والقضاء. أخرجه ابن حزم (¬2). (وقد اختلف العلماء) فى أخذ الأجر على الأذان. فعند الجمهور يكره أخذه (وقال) النعمان: يحرم إن كان الأجر مشروطا لما تقدم. والصحيح عند المالكية جوازه (قال) ابن العربى: الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء، وجميع الأعمال الدينية. فإن الخليفة يأخذ أجرة على هذا كله. فكذا نائبه (¬3) قاس ابن العربى المؤذن على العامل وهو قياس فى مقابلة النص (والأصح) عند الشافعية أنه يجوز للإمام أو نائبه أن يعطى للمؤذن أجرة من بيت المال أو من مال نفسه. ويجوز لآحاد الناس أن يعطوه من مالهم (وقالت) الحنبلية: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان إن وجُد متبرع به، وإلا رزُق من بيت المال. وللناس أن يجعلوا للمؤذن جُعلا على الأذان. (4) لإقامة أفضل أم الأذان؟ : الإمامة أفضل عند الحنفيين وبعض المالكية والشافعية وهو المختار عند أحمد لأنّ النبى صلى الله عليه وسلم وخلفاءه تولّوْها ولم يتولَّوا الأذان (ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الإمام ضامن: " والمؤذن مُؤتَمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين " أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود وصححه ابن حبان (¬4) {86} ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان). (¬2) انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان). (¬3) انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان). (¬4) انظر ص 57 ج 1 بدائع المنن (الأمر بالأذان وفضله) وص 8 ج 3 - الفتح = الربانى. وص 177 ج 4 - المنهل العذب (ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت).

وجه الدلالة ما فيه من أن الإمام متكفل بأركان الصلاة وكل أعمالها. والمؤذن متكفل بالوقت فحسب وأن الدعاء بالمغفرة يؤذن بالتقصير بخلاف الدعاء بالرشاد (وقال) الشافعى وأكثر أصحابه وبعض الحنبلية: الأذان أفضل، لما روينا فى فضله، ولحديث أبى هريرة السابق. فإن الأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الرشاد. وإنما لم يؤذِّن النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه، لاشتغالهم بالأهم. ولذا قال عمر: لولا الخلافة لأذنت. هنا. والراجح القول الأوّل فإن الإمام كفيل بأعمال الصلاة وهى المقصودة. والأذان ونحوه وسيلة إليها. (5) شروط الأذان والإقامة: يشترط كون الأذان باللفظ العربى مرتباً موالى بين كلماته عرفا والجهر به لجماعة بحيث يسمعه واحد منهم. وكون المؤذن والمقيم عاقلين مميزين مسلمين. ودخول الوقت فى غير الصبح. فلا يصح مجنون وسكران وكافر ولو مرتداً. ويحكم بإسلامه إذا أذن، لإتيانه بالشهادتين. ولا يؤذَّن لصلاة - غير الصبح - قبل دخول وقتها. فلو وقع كله أو بعضه قبل دخول الوقت فهو غير صحيح، ويعاد فى الوقت كما سيأتى بيانه، ويشترط عند غير الحنفيين كون المؤذن ذكراً، فلا يصح أذان الأنثى والخنثى، لأنه من مناصب الرجال كالقضاء والإمامة، وزادت الحنبلية كونه عدلا ولو مستورا، فلا يعتدّ بأذان ظاهر الفسق، لأنه عليه الصلاة والسلام وصف المؤذنين بالأمانة. والفاسق غير أمين. (تنبيه) علم مما تقدم: (أ) اتفاق الأئمة الأربعة على صحة أذان الصبى المميز، غير أن المالكية

يشترطون فى صحة أذانه أن يعتمد فى دخول الوقت على بالغ عدل (وقال) داود: لا يصح أذانه. وكرهه جماعة من الشافعية. (ب) اتفق العلماء على جواز أذان الأعمى بلا كراهة إذا كان معه من يُعْلِمُه بدخول الوقت (لقول) عائشة: "كان ابنَ أم مكتوم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬1) {87} (فائدة) الأكمل أن يكون المؤذن حرّاً فيصح أذان العبد. فإن أذن لنفسه لم يلزمه استئذان سيده، لأن ذلك لا يضر بخدمته. وإن أذن الجماعة لزمه استئذانه، لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات فيضر بخدمة سيده. (6) كيفية الأذان: للأذان ثلاث كيفيات مشهورة (الأولى) تثنية التكبير وترجيع الشهادتين بأن يأتى بكل واحدة منهما مرتين بصوت منخفض أوّلا. ثم يرفع بهما صوته مثنى كبقية الأذان. ما عدا لا إله إلا الله فإنه متفق على إفرادها (روى) عبد الله بن مُحيريز عن أبى مَحذورةَ أن نبى الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذانَ: " الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله. أشهد أن محمداً رسول الله. ثم يعودُ فيقول: أشهد أن لا إله إلا اللهُ مرتين. أشهد أنّ محمداً رسولَ الله مرتين. حىَّ على الصلاة مرتين. حىَّ على الفلاح مرتين. الله أبكر. الله أبكر. لا إله إلا الله " أخرجه مسلم (¬2) {88} ¬

(¬1) انظر ص 83 ج 4 نووى (اتخاذ مؤذنين للمسجد) وص 216 ج 4 - المنهل العذب (الأذان الأعمى). (¬2) انظر ص 80 ج 4 نووى (صفة الأذان) وهو هكذا فى أكثر أصول مسلم بتثنية التكبير فى أوله. والذى فى غير مسلم تربيعه. قال القاضى عياض: ووقع فى بعض طرق الفارسى فى صحيح مسلم أربع مرات. وكذلك اختلف فى حديث عبد الله بن زيد فى التثنية والتربيع. والمشهور فيه التربيع (وحىّ) اسم فعل أمر بفتح الياء المشدّدة، أى أقبلوا وهاموا إلى الفوز والنجاة.

واختار هذه الكيفية مالك وأهل المدينة وأبو يوسف. (الثانية) تربيع التكبير الأوّل وتثنية باقى الأذان بلا ترجيع (قال) عبد الله بن زيد: لما أَمر رسول الله صلى الله لعيه وسلم بالنّاقوس يُعملُ ليُضْربَ به للناس لِجْمع الصلاة طاف بى وأنا نائم رجل يحمِل ناقوساً فى يده، فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوسَ؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقتل له بلى. فقال تقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح. حىَّ على الفلاح. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة صححه. وكذا الترمذى مختصراً وقال حسن صحيح (¬1) {89} واختار هذه الكيفية النعمان والثورى ومحمد بن الحسن. وهى رواية عن احمد والشافعية. (الثالثة) تربيع التكبير الأوّل وترجيع كل من الشهادتين وتثنية باقى الأذان (قال) أبو محذورة: قلتُ يا رسول الله علّمنى سنةَ الأذانِ، فمسح مُقدّم رأسى قال: تقول الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. ترفع بها صوتَك ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. تخفِض بها صوتَك. ثم ترفع ¬

(¬1) انظر ص 14 ج 3 - الفتح الربانى. وص 129 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 124 ج 1 - ابن ماجه (بدء الأذان) وص 168 ج 1 - تحفة الأحوذى و (طاف) أى ألم ونزل (بى) طائف حال النوم.

صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح. حىَّ على الفلاح. فإن كان صلاةَ الصبح، قلتَ: الصلاةُ خير من النوم. الصلاةُ خير من النوم. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. وفى سنده محمد بن عبد الملك بن أبى محذورة غير معروف والحراث بن عُبيد، فيه مقال. لكن رواه النسائى والطحاوى من طرق أخرى يقوى بها (¬1) {90} واختار هذه الكيفية الشافعى واحمد وكثيرون. وهذه الكيفيات ثابتة بالروايات الصحيحة كما ترى. فمن شاء ربّع التكبير ومن شاء ثنّاه. ومن شاء رَجَّع فى الشهادتين ومن شاء ترك الترجيع. (7) التثويب: هو لغة الترجيع فى القول مرة بعد أخرى. وشرعا أن يقول فى أذان الصبح بعد الحيعلتين. الصلاة خير من النوم مرتين، لما فى حديث أبى محذورة المذكور. ولا يشرع التثويب إلا فى الصبح (لقول) عائشة: جاء بلال إلى النبى صلى الله عليه وسلم يُؤْذنِه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال: " الصلاة خير من النوم فأقِرت فى أذان الصبح " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه صالح بن أبى الأخضر مختلف فى الاحتجاج به (¬2) {91} (وقال) مجاهد: " كنتُ مع عبد الله بن عمر فثوب رجل فى الظهر ¬

(¬1) انظر ص 22 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان) وص 135 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 394 ج 1 - بيهقى (الترجيع فى الأذان) وهو هكذا بتربيع التكبير فى أوله فى رواية أبى داود والبيهقى. وفى رواية أحمد بتثنيته (فإن كان) ما يؤذن له (صلاة الصبح). (¬2) انظر ص 330 ج 1 مجمع الزوائد (كيف الأذان).

أو العصر، فقال أخرج بنا فإن هذه بدعة " أخرجه أبو داود (وقال) الترمذى: وروى عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أُذِّن فيه ونحن نريد أن نصلّىَ فيه فثوب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه. وإنما كَرِه عبد الله ابن عمر التثويبَ الذى أحدثه الناُس بعدُ (¬1) أهـ. أى وهو التثويب فى غير الصبح. وذلك لأنّ كل حدَث فى الدين مردود على صاحبه غير مقبول منه. لقوله عليه الصلاة والسلام: " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان عن عائشة (¬2) {92} (8) كيفية الإقامة: لها ثلاث كيفيات. (الأولى) أنها سبعَ عشرةَ كلمة (روى) أبو مَحْذورة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه الأذانَ تِسعَ عشْرة كلمة، والإقامةَ سبعَ عشرة كلمة. ثم قال: والإقامةُ الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح حى على الفلاح. قد قدمت الصلاة قامت الصلاة. الله أكبر الله أبكر. لا إله إلا الله" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وكذا النسائى والترمذى مختصراً. وقال الترمذى حسن صحيح (¬3) {93} ¬

(¬1) انظر ص 220 ج 4 - المنهل العذب (التثويب) وص 177 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) انظر رقم 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين. (¬3) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان والإقامة ... ) وص 142 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 125 ج 1 - ابن ماجه (الترجيع فى الأذان) وص 103 ج 1 مجتبى (كم الأذان من كلمة) وص 171 ج 1 تحفة الأحوذى (الترجيع فى الأذان).

واختار هذه الكيفية الحنفيون والثورى وابن المبارك. (الثانية) أنها عشر كلمات (قال) أنس: " أُمِر بلال أن يشَفْع الأذان وُيوِترَ الإقامة، أخرجه أحمد وابن ماجه النسائى والترمذى وقال حسن صحيح (¬1) {94} " ويوتر الإقامة " أى يقول كلمات الإقامة مفردة مرة مرة إلا التكبير أوّلها وآخرها. فإنه مَثْنَى كما صرح بذلك فى روايات كثيرة. وصورتها أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حىّ على الصلاة، حىّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله، وبها أخذ مالك وعليها أعمل أهل المدينة المستفيض. وهو قول للشافعى فى القديم. (الثالثة) أنها إحدى عشْرة كلمة بتكرير قد قامت الصلاة مرتين (قال) أنس: " أُمِرَ بلال بشفع الأذان ووتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة " أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬2) {95} أى فإنه يقولها مرتين كالتكبير أوّلها وآخرها (وصورتها) أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حىّ على الصلاة، حىّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أبكر، لا إله إلا الله. كما فى حديث عبد الله بن زيد (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان والإقامة) وص 128 ج 1 ابن ماجه (إفراد الإقامة) وص 103 ج 1 مجتبى (تثنية الأذان) وص 171 ج 1 تحفة الأحوذى (إفراد الإقامة). (¬2) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى. وص 55 ج 2 فتح البارى (الأذان مثنى) وص 77 ج 4 نووى (الأمر بشفع الأذان ... ) وص 163 ج 4 - المنهل العذب (ما جاء فى الإقامة). (¬3) تقدم رقم 89 ص 55.

(وبهذه الكيفية) قال الشافعى وأحمد والزهرى والأوزاعى. وهو قول للمالكية. (فتحصل) أن الإقامة ورد فيها: (أ) تربيع التكبير مع تثنية جميع كلماتها ما عدا لا إله إلا الله. (ب) إفراد جميع كلماتها إلا التكبير أوّلها وآخرها وقد قامت الصلاة فإنها مثناة. (ج) وردت منفردة أيضاً ما عدا التكبير أوّلها وآخرها كما عليه عمل أهل المدينة. (فهذه الوجوه) كلها ثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم. فمن فعل أى وجه منها فقد أصاب السنة. (9) سنن الأذان والإقامة: هى سبع عشرة: (1، 2، 3، 4) يسنّ أن يكون المؤذن والمقيم رجلا صالحاً ثقة طاهراً من الحدثين الأصغر والأكبر (لقول) أبى هريرة: " لا ينادِ بالصلاة إلا متوضى " أخرجه الترمذى والبيهقى مرفوعا وموقوفا. وقال الترمذى وحديث أبى هريرة لم يرفعه ابن وهب وهو أصح (¬1) {96} (5، 6، 7) ويسنّ أن يكون المؤذن مستيقظا قائما على مرتفع ارتفاعا ظاهراً عن احتيج إليه كمئذنة وسطح مسجد أو غيره لما فى حديث ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يا بلال قم فناد بالصلاة (¬2) " وكان مؤذنوه عليه الصلاة والسلام يؤذنون قياما (قال ابن المنذر) الإجماع على أنّ القيام فى الأذان من السنة، لأنه أبلغ فى الإسماع (وقالت) امرأة من ¬

(¬1) انظر ص 178 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهة الأذان بغير وضوء) وص 397 ج 1 بيهقى (لا يؤذن إلا طاهر). (¬2) هذا عجز الحديث رقم 78 ص 48.

بنى النجار: " كان بيتى من أطولِ بيت كان حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتى بسَحَرٍ فيجلس على البيت ينظر على الفجر، فإذا رآه تمطّىِ ثم قال: اللهم إنى أحَمدُك وأستعينك على قريش أن يُقيموا دينك. ثم يؤذن " أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1) {97} وفيه: قال أ**بو برزة الأسلمى: من السنة الأذان فى المنارة والإقامة فى المسجد. (هذا) وينبغى ألا يكون مكان الأذان مرتفعاً ارتفاعا متفاحشاً كما يفعل الآن فى المآذن، لما فيه من السرَف وفقد حكمة الأذان التى هى الإعلام. فإن صوت المؤذن عليها قلّ من يسمعه لفًحْش ارتفاعها (قال) ابن الحاج: من السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار. فإن تعذر فعلى سطح المسجد.** فإن تعذر فعلى بابه. وكان المنار عند السلف بناء يبنونه على سطحه المسجد مدوّراً وكان قريباً من البيوت خلافاً لما أحدثوه اليوم من تعليه المنار. وذلك يمنع لوجوه. (الأول): مخالفة السلف. (الثانى): أنه يكشف على حريم المسلمين. (الثالث): أن صوته يبعد عن أهل الأرض. ونداؤه إنما هو لهم. وهذا إذا كان المنار تقدّم وجوده على بناء الدار. وأما إذا كانت الدور مبنية ثم جاء بعض الناس يريد أن يعمل المنار، فإنه يمنع من ذلك لأنه يكشف عليهم. اللهم إلا أن يكون بين المنار والدور سكك وبُعْد بحيث إنه إذا طلع المؤذن على المنار ورأى الناس على أسطح بيوتهم لا يميز بين الذكر والأنثى منهم. فهذا جائز على ما قاله علماؤنا أهـ (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 4 - المنهل العذب (الأذان فوق المنارة) وص 425 ج 1 بيهقى. (¬2) انظر ص 102 ج 2 - المدخل (موضع الأذان).

(8) ويسن رفع الصوت بالأذان (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا كنتَ فى غنمك أو بأديتك فأذْنتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنداء. فإنه لا يَسْمع مَدَى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة (¬1) " (ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذن يغفر له مَدَى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس (¬2) " " يغفر له مدى صوته " أى أن المؤذن يستكمل مغفرة الله تعالى إذا بذل جهده فى رفع الصوت بالأذان. وقيل إن الكلام على التمثيل والتشبيه. والمعنى أن المكان الذى ينتهى إليه صوت المؤذن لو قدّر أنه ارتكب ذنوبا لو حسمت تملأ ذلك المكان يغفرها الله له. والغرض من الأذان الإعلام بدخول وقت الصلاة، فطلب فيه رفع الصوت لتتحقق ثمرته. (9) ويسن أن يستقبل بالأذان والإقامة القبلة. لأنّ مؤذنى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلى القبلةِ. (10) ويسن عند الحنفيين وإسحاق أن يلتفت برأسه وعنقه وصدره يمينا عند حىَّ على الصلاة ويسارا عند حىَّ على الفلاح ولا يستدير، وروى عن أحمد، لقول أبى جُحَيْفةَ: وأذّن بلال فجعلتُ أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يقول يمينا وشمالا: حىَّ على الصلاة حىَّ على الفلاح. أخرجه مسلم (¬3) {98} من حديث طويل. ولأبى داود عن أبى جُحَيفة: رأيتُ بلال خرج إلى الأبْطح فأذَّن فلما بلغ حىَّ على الصلاة حىَّ على الفلاح. لوَى عُنقه يمينا وشمالا ولم يستدر (¬4). والالتفات المذكور مقيد بوقت الحيعلتين. ولا يدور ¬

(¬1) تقد رقم 83 ص 51. و (مدى صوت المؤذن) أى غاية صوته. (¬2) تقدم رقم 84 ص 51. (¬3) هذا بعض حديث انظر ص 219 ج 4 نووى (سترة المصلى). (¬4) هذا عجز حديث انظر ص 182 ج 4 - المنهل العذب (المؤذن يستدير فى أذانه).

عند الحنفيين إلا أن يكون على منارة فيدور (وقال) الشافعى والثورى والأوزاعى: يستجب الالتفات بالعنق فى الأذان يمينا وشمالا بلا تحوُّل عن القبلة بصدره وقدميه ولا دوران سواء أكان المؤذن على الأرض أم على غيرها وروى عن أحمد (وقال) مالك: لا يدور ولا يلفت يمينا ولا شمالاً إلا أن يريد الإسماع. هذا وقد اختلفت الروايات فى الاستدارة ففى بعضها أنه كان يستدير وفى بعضها ولم يستدر. ولكنها لم ترو الاستدارة إلا من طريق حجاج بن أرطاة وإدريس الأودىّ ومحمد العرزمى وهم ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون قال فى حديثه ولم يستدر. أخرجه أو داود (قال) الحافظ: ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عَنى بها استدارة الرأس. ومن نفاها عنى بها استدارة الجسد كله (¬1). (وفى كيفية) الالتفات أوجه (الأصح) أنه يلتفت عن يمينه فيقول: حى على الصلاة حى على الصلاة. ثم يلتفت عن يساره فيقول: حى على الفلاح حى على الفلاح. (الثانى) أنه يلفت عن يمينه فيقول: حى على الصلاة ثم يعود إلى القبلة. ثم يلتفت عن يمينه فيقولها ثانية. ثم يلتفت عن يساره فيقول: حى على الفلاح. ثم يعود إلى القبلة. ثم يلتفت عن يساره فيقولها ثانية. (الثالث) يقول حى على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره، ثم يقول حى على الفلاح كذلك (¬2) (وقال) ابن سيرين: يكره الالتفات ويرده الحديث. هذا ولم يرد التفات فى الإقامة. ولذا رجح البغوى القول بعد استجابه فيها، والأصح عند الشافعية استجابه، وقيل لا يلفت إلا أن يكون المسجد كبيرا (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 78 ج 2 فتح البارى (هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا)؟ (¬2) انظر ص 106 ج 3 شرح المهذب. (¬3) انظر ص 107 منه.

(11) ويسن المؤذن وضع طرف أصبعيه فى أذنيه حال الأذان (لقول) أبى جُحيفة: رأيتُ بلالا يؤذن ويدور وأتتبّع فاه هاهنا هاهنا يعنى يمينا وشمالا وأُصبعاه فى أنيه. أخرجه أحمد الترمذى وقال: حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم. يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه فى أذنيه فى الأذان. وقال الأوزاعى: وفى الإقامة أيضا (¬1) {99} (قال) الحافظ: فى ذلك فائدتان: (إحداهما) أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف. أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القَرْظ عن بلال. (ثانيتهما) أنه علامة للمؤذن ليَعرف مَنْ يراه على بعد أو مَن كان به صمم أنه يؤذن، ثم قال: لم يرد تعين الأصبع التى يستحب وضعها، وجزم النووى بأنها المسبحة. وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة (¬2). (12) ويسنّ المبادرة بالأذان فى أول الوقت (لقول) جابر بن سَمُرة: " كان بلال يؤذن إذا زالت الشمسُ لا يَخْرُم ثم لا يقيم حتى يخرُج النبىُّ صلى الله عليه وسلم. فإذا خرج أقام حين يراه. أخرجه أحمد وابو داود والنسائى (¬3) {100} (13 و 14) ويسنّ التأنى فى الأذان بأن يفصل بين كل كلمتين بسكتة. والإسراع فى الإقامة. بألاّ يفصل بين كلماتها (لحديث) جبار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " يا بلالُ إذا أذّنت فترسل فى أذانك. وإذا ¬

(¬1) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان ... ) وص 176 ج 1 - تحفة الأحوذى (إدخال الأصبع الأذن عند الأذان). (¬2) انظر ص 78 ج 2 فتح البارى. (¬3) انظر ص 35 ج 3 - الفتح الربانى (الأذان فى أول الوقت) وص 219 ج 4 المنهل العذب (المؤذن ينتظر الإمام) و (لا يخرم) كينصر أى لا يترك شيئاً من ألفاظه، أو لا يؤخره عن أول الوقت.

أقمت فاحدر، (الحديث) أخرجه البيهقى وابن عدى والترمذى (¬1) {101} وضعفوه، لأن فى سنده: (أ) عبد المنعم صاحب السقاه ضعفه الدار قطنى. وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به. (ب) يحبى بن مسلم مجهول. وقال الترمذى: لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول أهـ (وقد) روى من عدة طرق لا تخلو من مطعن (ويقويه) قول أبى الزبير مؤذن بيت المقدس: قال لى عمر بن الخطاب: " إذا أَذّنْتَ فترسّلْ وإذا أقمت فاحدُر " أخرجه البيهقى (¬2) (قال) محمد بن عبد الرحمن فى شرح الترمذى: الحديث يدل على أنّ المؤذنّ يقول كل كلمة من كلمات الأذان بِنفَس واحد. فيقول التكبيرات الأربع فى أول الأذان بأربعة أنفاس (¬3). وهذا ما اختاره أئمة المذاهب. (قال) الكمال ابن الهمام: قوله ويترسل فى الأذان. هو أن يفصل بين كل كلمتين من كلماته بسكته (¬4) (وقال) ابن نجيم: ويترسل فيه ويحدر فيها أى يتمهل فى الأذان ويسرع فى الإقامة، وحده أن يفصل بين كل كلمتى الأذان بسكتة بخلاف الإقامة للتوارث، ولحديث الترمذى أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: إذا أذنت فترسل فى أذانك. وإذا أقمت فاحدر. فكان سنة. فيكره تركه (¬5) (وقال) ابن عابدين: رأيت لسيدى عبد الغنى رسالة فى هذه المسألة سماها " تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر " حاصلها أن السنة أن يسكن الراء من الله أكبر الأولى، أو يصلها بالله أكبر الثانية. ¬

(¬1) انظر ص 428 ج 1 بيهقى. وص 175 ج 1 تحفة الأحوذى (الترسل فى الأذان) والترسل التمهل (فاحدر) بضم الدال وكسرها، أى أسرع. (¬2) انظر ص 428 ج 1 بيهقى. (¬3) انظر ص 175 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬4) انظر ص 170 ج 1 فتح القدير (الأذان). (¬5) انظر ص 157 ج 1 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق.

فإن سكنها كفى. وإن وصلها نرى السكون فحرك الراء بالفتحة. فإن ضمها خلاف السنة، لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح (¬1) (وقال) العمة الدردير فى صغيره: التكبير مجزوم أى ساكن الجمل لا معرب (قال) محشيه الصاوى: نقل البنانى عن أبى الحسن وعياض وابن يونس وابن راشد والفاكهانى أن جزم الأذان من الصفات الواجبة (¬2). وفى الرهونى على شرح عبد الباقى قال النخعى: الأذان والتكبير كل ذلك جزم، وقال غيره: عوام الناس يضمون الراء من الله أكبر والصواب جزمها، لأن الأذان سمع موقوفا ومن أعرب الله أكبر لزمه أن يعرب الصلاة والفلاح بالخفض (¬3) (وقال) ابن حجر الهيثمى الشافعى: يسن الوقف على أواخر الكلمات من الأذان لأنه روى موقوفا ولا ينافيه ما مر من ندب قرن كل تكبيرتين فى صوت لأنه يوجد مع الوقف على الراء الأولى بسكتة لطيفة جدا (قال) محشيه: " قوله يسن الوقف على أواخر الكلمات " أى مطلقاً سواء التكبير وغيره " وقوله روى موقوفا " أى ورد موقوفا على أواخر الكلمات. ومبنى العبادات على الاتباع (¬4) (وقال) الكردى: وعبارة الإمداد: السنة تسكين راء التكبير الثانية وكذا الأولى (¬5) (وقالت) الحنبلية: يسن الوقف على كل كلمة من كلمات الأذان والإقامة (قال) الشيخ منصور الحنبلى: " ولا يعربهما " أى الأذان والإقامة " بل يقف على كل جملة " منهما. قال إبراهيم النخعى: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان والإقامة (¬6). ولا دليل على هذه التسوية ¬

(¬1) انظر ص 284 ج 1 رد المحتار (الأذان). (¬2) انظر ص 79 ج 1 - بلغة السالك، لأقرب المسالك (الأذان). (¬3) انظر ص 93 ج 2 موهبة ذى الفضل على شرح مقدمة بأفضل. (¬4) انظر ص 93 ج 2 موهبة ذى الفضل على شرح مقدمة بأفضل. (¬5) انظر ص 242 ج 1 - إعانة الطالبين على فتح المعين. (¬6) انظر ص 165 ج 1 - كشاف القناع. (م 50 - ج 2 - الدين الخالص)

(وقول) النووى: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد. فيقول فى أول الأذان: الله أكبر الله أكبر بنفس واحد، ثم يقول الله أكبر الله أكبر بنفس آخر أهـ. (رده) الحافظ فى الفتح بأن هذا إنما يتأتى فى أول الأذان لا فى التكبير الذى فى آخره. وعلى ما قاله النووى ينبغى للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين فى آخره بنفس (¬1). (ولا يستدل) لما قاله النووى بحديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله. قال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حى على الصلاة، قال لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حى على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة " أخرجه مسلم وأبو داود (¬2) {102} لاحتمال أن التكبير فيه موقوف لا معرب. وذكر الجملة الثانية بعد الأولى لا يستلزم عدم الوقف عليها. ولم يثبت فى الرواية أن الراء فى الجملة الأولى مضمومة. ويؤيده أن سائر جمل الأذان موقوفة بالاتفاق، لاسيما أن الأصل الوقف على كل جملة من الكلام فلا يصح الاستدلال-بحديث عمر المذكور-على أن الجملة الأولى معربة. ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 2 - فتح البارى (الأذان مثنى). (¬2) انظر ص 85 ج 4 نووى (استحباب القول مثل قول المؤذن .. ) وص 199 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع المؤذن).

(15) ويستحب - عند الحنفيين والشافعى وأحمد - إجابة المقيم بأن يقول السامع كما يقول المقيم إلا فى الحيعلتين فيقول بدلهما لا حول ولا قوة إلا بالله. وإلا قد قامت الصلاة فيقول بدلها أقامها الله وأدامها (لحديث) أبى أمامة أن بلالا أخذ فى الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة، قال النبى صلى الله عليه وسلم: " أقامها الله وأدامها، وقال فى سائر الإقامة كنحو حديث عمر فى الأذان " أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1) {103} وقال: وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعى رحمه الله من قولهم: اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من صالحى أهلها عملا. (وقالت) المالكية: الإقامة لا تحكى. والراجح، القول الأول، للحديث المذكور. وهو " إن كان ضعيفاً " لأن فى سنده محمد بن ثابت وهو ضعيف. وشهر بن حوشب وهو مختلف فى عدالته " فضعفه " لا يضر فإن الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال باتفاق العلماء. (16) ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة. فقد كان أبو هريرة يقوله إذا سمع المؤذن يقيم. أخرجه ابن السنى {104} وهو فى حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأى. (17) ويستحب ألا يفصل بين كلمات الأذان بكلام أجنبى أو فعل. فإن حصل فصل يسير بذلك لا يبطل الأذان. وإن طال بطل. كما إذا ¬

(¬1) انظر ص 203 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع الإقامة) وص 411 ج 1 بيهقى. وحديث عمر تقدم رقم 102.

سكت أو نام طويلا أو أغمى عليه أو جن جنونا يقطع الموالاة. ولا يتكلم سامع الأذان والإقامة ولا يشتغل بشئ سوى الإجابة. (10) أذان المرأة والمحدث: يكره أذان المرأة وإقامتها عند الحنفيين. وعند غيرهم لا يصح أذان المرأة كما تقدم. ويكرهان من الفاسق والجنب والقاعد لغير عذر من مرض ونحوه (قال) ابن القاسم: قال مالك لم يبلغنى أن أحدا أذن قاعدا. وأنكر ذلك إنكاراً شديداً وقال إلا من عذر به فيؤذن لنفسه إن كان مريضاً (¬1) (وتكره) إقامة المحدث حدثا أصغر اتفاقا (واختلفوا) فى أذانه فالصحيح عند الحنفيين أنه لا يكره أذانه. وهو مذهب أحمد وسفيان وابن المبارك، ورواية عن مالك (وكرهه) الشافعى والحسن البصرى وداود وقتادة (قال) البدر العينى. قال صاحب الهداية: وينبغى أن يؤذن ويقيم على طهر، لأن الأذان والإقامة ذكر شريف فيستحب فيه الطهارة. فإن أذن على غير وضوء جاز، وبه قال الشافعى وأحمد وعامة أهل العلم. وعن مالك أن الطهارة شرط فى الإقامة دون الأذان. (وقال) عطاء والأوزاعى وبعض الشافعية تشترط فيهما (¬2) أهـ. والمعتمد عند المالكية صحة إقامة المحدث مع الكراهة. ويؤيد القول بالكراهة فيهما حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة ألا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم. أخرجه البيهقى والدار قطنى (¬3). وفيه انقطاع. فإن عبد الجبار لم يسمع من أبيه. ولكن له شاهد من حديث ابن عباس بلفظ: يا بن عباس إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 1 - مدونة مالك (الأذان والإقامة). (¬2) انظر ص 148 ج 5 - عمدة القارى (هل يتبع المؤذن فاه .. ). (¬3) انظر ص 397 ج 1 بيهقى (لا يؤذن إلا طاهر).

أحدكم إلا وهو طاهر. أخرجه أبو الشيخ ابن حبان (¬1) {105} (11) أذان المنفرد: يستحب الأذان المنفرد سفرا وحضرا، لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى سعيد فإذا كنت غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء (¬2). وبه قال الحنفيون وأحمد. وهو الراجح عند الشافعية. ومحله عندهم إذا لم يسمع أذان الجماعة ويريد الصلاة معهم (قالت) المالكية: يندب لمن كان فى فلاة. ويكره للحاضر. (12) الأذان قبل الوقت: قد اتفق العلماء على أنه لا يؤذن للصلوات قبل وقتها ما عدا الصبح. فإنهم اختلفوا فيها (فقال) النعمان ومحمد والثورى وزيد بن على: لا يجوز الأذان لها قبل وقتها كبقية الصلوات (لحديث) نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادى: ألا إن العبد قد نام. فرجع فنادى: ألا إن العبد قد نام. أخرجه أبو داود والترمذى وفى سنده حماد بن سلمة. ضعفه غير واحد. قال ابن المدينى: حديث حماد بن سلمة غير محفوظ، وأخطأ فى رفعه والصواب وفقه (¬3). {106} (وقال) الجمهور: يجوز الأذان قبل الفجر مطلقا فى رمضان وغيره خلافات لابن القطان فإنه خصه برمضان (واستدلوا) بحديث ابن عمر وعائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ¬

(¬1) انظر ص 292 ج 1 نصب الراية (الطهارة فى الأذان). (¬2) تقدم رقم 83 ص 51. (¬3) انظر ص 210 ج 4 - المنهل العذب (الأذان قبل دخول الوقت) و (قد نام) أى غلب النوم على عينيه فمنعه من تبين الفجر فوقع الأذان قبله.

يؤذن ابن أم مكتوم " أخرجه أحمد والخمسة، زاد البخارى فى رواية " فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) {107} (وبحديث) ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم قال. " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادى بليل، ليرجع قائمكم وينبه نائمكم " أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬2) {108} (وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف كما تقدم وعلى تقدير صحته فيحمل على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأول. فإن بلالا كان المؤذن الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم اتخذ ابن أم مكتوم مؤذنا معه. فكان بلال يؤذن أولا، إرجاع القائم وإيقاظ النائم. فإذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم (قال) فى الموطأ وشرحه (لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر) فى أول السدس الأخير من الليل (فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها) لحرمته قبل الوقت فى غير الصبح (قال) الكرخى من الحنفية: كان أو يوسف يقول بقول أبى حنيفة لا يؤذن لها " يعنى قبل الفجر " حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه علمهم ¬

(¬1) انظر ص 36 ح 3 - الفتح الربانى. وص 71 ج 2 فتح البارى (الأذان قبل الفجر) وص 97 ج 4 منه. وص 203 ج 7 نووى (الدخول فى الصوم بطلوع الفجر) وص 105 ج 1 مجتبى (المؤذنان للمسجد الواحد) وص 179 ج 1 تحفة الأحوذى (الأذان بالليل). (¬2) انظر ص 35 ج 3 - الفتح الربانى. وص 71 ج 2 فتح البارى. وص 203 ج 7 نووى. وص 68 ج 10 - المنهل العذب (وقت السحور) وص 105 ج 1 مجتبى (الأذان فى غير وقت الصلاة) وص 266 ج 1 - ابن ماجه (تأخير السحور) و (السحور) بضم أوله، تناول طعام السحر. وبفتحه اسم يؤكل فى السحر. و (يرجع) بفتح الياء وكسر الجيم (وينبه) بضم الياء وفتح الباء مشددة أى ليرجع المتهجد إلى النوم ليستريح ويتنبه النائم ليستعد لصلاة الصبح.

المتصل (¬1) (واختلف) القائلون بجواز الأذان قبل الفجر فى الوقت الذى يكون فيه (فقيل) وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعى. وهو ظاهر مذهب المالكية. وقيل نصف الليل الأخير، ورجحه النووى (والظاهر) أنه يكون وقت السحر، ويؤيده حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال."إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم قلت: ولم يكن بينهما إلا ينزل هذا ويصعد هذا"أخرجه النسائى والطحاوى (¬2) {109} وهل يكتفى بالأذان قبل الفجر للصلاة أم يعاد بعده؟ (قالت) الشافعية والحنبلية: يكتفى به للصلاة. وعند المالكية قولان أرجحهما عدم الاكتفاء. (13) حكاية الأذان: ويطلب ممن سمع الأذان المسنون الإجابة. وهى أن يقول كما قال المؤذن إلا الحيعلتين. فللسامع أن يقولهما مثله. وله أن يقول بدل كل واحدة منهما. لا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث عمر السابق (¬3) ولقول علقمة بن وقاص: " إنى عند معاوية إذا أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن حتى إذا قال: حى على الصلاة، قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قال حى على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل ذلك " أخرجه البخارى وأحمد والنسائى وهذا لفظهما (¬4) {110} ¬

(¬1) انظر ص 135 ج 1 زرقانى (الندءا للصلاة). (¬2) انظر ص 105 مجتبى (هل يؤذنان جميعا؟ ... ) وص 82 ج 1 شرح معانى الآثار. (¬3) تقدم رقم 102 ص 66. (¬4) انظر ص 63 ج 2 فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى) وص 32 ج 3 - الفتح الربانى. وص 109 ج 1 مجتبى (القول إذا قال المؤذن حى على الصلاة حى على الفلاح).

(وعن) أبى سعيد: أن النبى صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " أخرجه الجماعة والشافعى (¬1) {111} هذا وظاهر قوله فى الحديث إذا سمعتم اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا فى الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم، لا تشرع له الإجابة (¬2) (والظاهر) أيضاً من قوله فقولوا التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار الإجابة على القلب (واختلف) العلماء فى ذلك فذهب الجمهور إلى أنه يحكى الأذان كالمؤذن فى جميع ألفاظه إلا فى الحيعلتين فإنه يقول بدل كل واحدة منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله حملا للعام على الخاص جمعا بينهما. وهو رواية عن مالك. وهذا ليس بمتعين طريقا للجمع. بل يمكن الجمع بأن يجيب المؤذن تارة فى جميع الكلمات على وفق الراويات الثانية. وتارة يجيب على حسب الروايات الأولى. وعلى هذا جرى ابن حزم (قال) ابن المنذر: يحتمل أن يكون هذا من الاختلاف المباح. فيقول: تارة مثل قول المؤذن حتى فى الحيعلتين وتارة يبدلهما بالحوقلتين (¬3) (ومشهور) مذهب المالكية: أن السامع يحكى الأذان لمنتهى الشهادتين، وما زاد تكره حكايته حتى التكبير الأخير والتهليل، وقيل يخير فى حكايته ¬

(¬1) انظر ص 124 ج 1 زرقانى (النداء للصلاة) وص 31 ج 3 - الفتح الربانى وص 61 ج 2 فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى) وص 84 ج 4 نووى. وص 188 ج 4 - المنهل العذب. وص 109 ج 1 مجتبى. وص 183 ج 1 تحفه الأحوذى. وص 127 ج 1 - ابن ماجه (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) قال القارى: إلا فى قوله: الصلاة خير من النوم فإنه يقول: صدقت وبررت وبالحق نطقت. وبرر كعلم أو فتح أى صرت ذا بر وخير كثير. انظر ص 423 ج 1 مرقاة المفاتيح (فضل الأذان) ولم نقف على ما يدل على هذا. قال الصنعانى: وهذا استحسان من قائلة وليس فيه سنة تعتمد. انظر ص 202 ج 1 سبل السلام. (¬2) انظر ص 61 ج 2 فتح البارى. (¬3) انظر ص 61 ج 2 فتح البارى.

لظاهر قول عبد الله بن ربيعه السلمى. كان النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فسمع مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. قال النبى صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن محمداً رسول الله: قال النبى صلى الله عليه وسلم: أشهد أنى محمد رسول الله. وقال: تجدونه راعى غنم أو عازبا عن أهله (الحديث) أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {112} ورد بأنه لا دليل فيه على كراهة حكاية ما بعد الشهادتين، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم حكى كل الأذان كما أمر فعند النسائى عن عبد الله ابن ربيعة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فسمع صوت رجل يؤذن فقال مثل قوله (الحديث) (¬2) واقتصار الراوى على الإخبار بحكاية الشهادتين، لا يدل على عدم حكاية غيرهما، والراجح الذى يشهد له الدليل أنه يطلب حكاية الأذان لآخره إلا أنه يدل الحيعلة فى كل مرة بالحوقلة. (قال) العلامة الدسوقى: والحاصل أن الأذان قيل تندب حكايته لآخره إلا أنه يبدل الحيعلة بحوقلة. ورجحه فى المجموع (¬3) وظاهر الأحاديث يدل على وجوب إجابة المؤذن فى جميع الحالات، وبه قال الحنفيون وابن وهب المالكى والظاهرية (وقال) مالك والشافعى وأحمد وجمهور الفقهاء: الأمر فى الأحاديث للاستحباب وهو اختيار الطحاوى. قالوا والصارف له عن الوجوب ما فى قوله أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع ¬

(¬1) انظر ص 28 ج 3 - الفتح الربانى (ما يقول عند سماع الأذان) وص 335 ج 1 مجمع الزوائد (الأذان فى السفر) و (عازب) أى بعيد. (¬2) انظر ص 108 ج 1 مجتبى (أذان الراعى). (¬3) انظر ص 161 ج 1 حاشية كبير الدردير (الأذان).

الفجر. وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار. فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من النار. فنظروا فإذا هو راعى معزى، أخرجه مسلم (¬1) {113} وأخرج الطحاوى نحوه عن ابن مسعود وقال: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع المنادى ينادى فقال غير ما قال. فدل ذلك على أن قوله " إذا سمعتم المنادى فقولوا مثل الذى يقول " ليس على الإيجاب. وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل كما علم الناس من الدعاء الذى أمرهم به أن يقولوه فى دبر الصلوات وما أشبه ذلك (¬2). (قال) الحافظ: وتعقب بأنه ليس فى الحديث أنه لم يقل مقل ما قال. فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوى اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قل صدور الأمر، يعنى بإحالة المؤذن (¬3) وللجمهور أيضاً أن الأذان الذى هو الأصل ليس بواجب كما عليه الأكثر، فالإجابة لا تكون واجبة بالطريق الأولى. (فوائد): (الأولى) أيحكى الترجيع أم لا؟ ظاهر قوله فقولوا مثل ما يقول أنه يحكيه لن الترجيع مما يقوله. وهذا أظهر وأحوط. (الثانية) روى سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 4 - نووى (ترك الإغارة على من سمع فيهمن الأذان) و (على الفطرة) أى على الإسلام. (¬2) انظر ص 87 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬3) انظر ص 62 ج 2 - فتح البارى (ما يقول إذا سمعه المنادى).

وسلم قال: " من قال حين يسمع الأذان وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، غفر له " أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) {114} وظاهر هذه الرواية يدل على أنه يقول هذا الذكر حال الأذان عقب سماعه الشهادتين. ويحتمل أنه يقول بعد تمام الأذان، إذ لو قال ذلك حال الأذان لفاته إجابة المؤذن فى بعض كلمات الأذان. (الثالثة) هل باشر النبى صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟ (قال) علاء الدين الحصنى: وفى الضياء أنه عليه الصلاة والسلام أذن فى سفر بنفسه وأقام وصلى الظهر (¬2) (وروى) يعل ابن مرة نه صلى الله عليه وسلم أذن فى سفر وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم " أخرجه الترمذى وقال: حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخى (¬3) {115} (قال) الحافظ: وجزم به النووى وقواه. ولكن وجدناه فى مسند أحمد من هذا الوجه فأمر بلالا فأذن فعلم أن فى رواية الترمذى اختصارا، وأن معنى قوله أذن أمر بلالا به، كما يقا أعطى الخليفة العالم الفلانى كذا، وإنما باشر العطاء غيره (¬4) " لكن قال السندى وفى السراج (قال) عقبة بن عامر، ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 3 - الفتح الربانى. وص 86 ج 4 - نووى. وص 110 ج 1 مجتبى (الدعاء عند الأذان) وص 123 ج 1 - ابن ماجه. وص 197 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع المؤذن) وص 184 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا أذن المؤذن) (¬2) انظر ص 295 ج 1 - الدر المختار. (¬3) انظر ص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى (الصلاة على الدابة فى الطين) وهذا بعض حديث يأتى تاما. فى بحث (صلاة الفرض على الدابة) إن شاء الله تعالى. (¬4) انظر ص 52 ج 2 فتح البارى (بدء الأذان).

" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فلما زالت الشمس أذن بنفسه وأقام صلى الظهر (وقال) السيوطى فى شرح البخارى، ظفرت بحديث آخر مرسل " أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن ابن أبى ملكية قال: " أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقال: حى على الفلاح (¬1) " {116} وهذه رواية لا تقبل التأويل. (14) الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم: يسن لمن سمع الأذان أن يصلى على النبى صلى الله لعيه وسلم بعد حكاية الأذان وأن يسال له الوسيلة "لحديث " عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: " إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإن م صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة ل تنبغى إلا لعبد من باد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل الله لى الوسيلة حلت له الشفاعة " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬2) {117} ومثل السامع فيما ذكر المؤذن، لدخوله فى عموم قوله " من صلى على الصلاة " وقوله " فمن سأل الله لى الوسيلة " (قال) النووى: فيه استحباب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن. واستحباب سؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم وأنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها ولا ينتظر فراغه من كل الأذان (¬3). والأمر فى الحديث ¬

(¬1) انظر ص 124 ج 1 زرقانى. (¬2) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الربانى. وص 85 ج 4 نووى (القول مثل قول المؤذن) وص 191 ج 4 - المنهل العذب. وص 110 ج 1 مجتبى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان). (¬3) انظر ص 87 ج 4 شرح مسلم.

للندب عند الجمهور. وحمله الطحاوى على الوجوب. وظاهر الحديث جواز إفراد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عن السلام بلا كراهة. وبه قال الجمهور، ولا وجه لمن قال بالكراهة (روى) جابر أن النبى صلى الله لعيه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذى وعدته، حلت له شفاعتى يوم القيامة " أخرجه أحمد والبخارى والأربعة (¬1) {118} هذا. وقد ورد فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان (أفضلها) ما فى حديث كعب بن عجرة: " قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه. فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم حميد مجيد. اللهم بارك ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 3 - الفتح الربانى. وص 64 ج 23 فتح البارى (الدعاء عند النداء) وص 204 ج 4 - المنهل العذب. وص 110 ج 1 مجتبى (الدعاء عند الأذان) وص 185 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 127 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا أذن المؤذن) و (الدعوة) بفتح الدال المراد بها الأذان. سمى بذلك لاشماله عل كلمة التوحيد والدعوة إلى الصلاة. و (التامة) أى التى لا يدخلها تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة (والوسيلة) ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرب به. والمراد بها هنا أعلى منزلة فى الجنة (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر مراتب الخلق. ويحتمل أن تكون مرادفة للوسيلة أو مغايرة لها (وقوله مقاما محموداً) بالتنكير. وفى رواية: المقام المحمود بالتعريف أى الذى يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو مقام الشفاعة فى فصل القضاء المشار إليه بقوله تعالى: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " والحكمة فى سؤال ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم مع تحقق وقوعه، إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم وبيان عظم منزلته عليه الصلاة والسلام (حلت له شفاعتى) أى من قال هذه الكلمات عقب الأذان، وجبت له شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم واستحقها يوم القيامة وهى تختلف باختلاف المقامات، والشفاعة طلب الخير للغير.

على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة. ولفظ أبى داود قولوا: اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد (¬1) {119} (وقال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: " قلنا هذا السلام يا رسول الله قد علمناه فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا: اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (¬2) {120} والمطلوب فيها الإسرار من المؤذن والسامع. (15) الدعاء بين الأذان والإقامة: يسن الدعاء بينهما. وهو مجاب لحديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنة الترمذى (¬3) {121} (وعن) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " عند أذان المؤذن ¬

(¬1) انظر ص 23 ج 4 - الفتح الربانى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقب التشهد) وص 377 ج 8 - فتح البارى (قوله إن الله وملائكته يصلون على النبى) وص 126 ج 4 - نووى. وص 190 ج 1 - مجتبى (كيف الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم) (¬2) انظر ص 24 ج 4 - الفتح الربانى. وص 377 ج 8 - فتح البارى. وص 191 ج 1 - مجتبى. (¬3) انظر ص 12 ج 3 - الفتح الربانى. وص 186 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 186 ج 4 - المنهل العذب (الدعاء بين الأذان والإقامة) ولفظه: لا يرد الدعاء.

يستجاب الدعاء. فإذا كانت الإقامة لا ترد دعوته " أخرجه الخطيب وضعفه السيوطى (¬1) {122} ويستحب أن يقال بعد أذان المغرب فما فى حديث أم سلمة قالت: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب " اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك فاغفر لى " أخرجه أبو داود والبيهقى والترمذى، وقال حديث غريب والحاكم وصححه (¬2) {123} وإجابة الدعاء عامة فى الأمور الدينية والدنيوية ما لم يكن بإثم أو قطعية رحم وللإجابة شروط (منها) ألا يستعجل الداعى الإجابة، لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطعية رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعرت وقد دعوت فلم أن يستجاب لى. فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. أخرجه مسلم (¬3) {124} ومنها (إقبال) العبد على ربه حال دعائه. وأن يكون موقنا بالإجابة. لكن تكون على حسب مراد الله تعالى وفى الوقت الذى يريده. لا على حسب مراد الداعى، ولا فى الوقت الذى يريده، إذ قد يدعو بما تكون عاقبته وبالا عليه كما وقع لثعلبة بن حاطب (¬4). ¬

(¬1) انظر رقم 5629 ص 365 ج 4 - فيض القدير. (¬2) انظر ص 206 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول عند أذان المغرب) وص 199 ج 1 - مستدرك. وص 410 ج 1 - بيهقى (الدعاء بين الأذان والإقامة). (¬3) انظر ص 52 ج 17 - نووى (يتجاب للداعى ما لم يعجل - كتاب الذكر) (فيستحسر) أى ينقطع عن الدعاء. (¬4) (قال) أبو أمامة الباهلى: جاء ثعلبة بن حاطب الأنصارى إلى رسول الله =

(16) الأحق بالإقامة: اتفق العلماء على أنه يجوز إقامة غير المؤذن ¬

= صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقنى مالا قال " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدى شكره، خير من كثير لا تطيقه ": أمالك فى رسول الله أسوة حسنة؟ والذى نفسى بيده لو أردت أن تيسر الجبال معى ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقنى مالا فوالذى بعثك بالحق لئن رزقنى الله مالا، لأعطين كل ذى حق حقه. فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: " اللهم أرزق ثعلبة مالا. ثلاثا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود. فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها وهى تنمو كالدور. فكان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر. ويصلى فى غنمه سائر الصلوات. ثم كثرت ونمت حتى تباعد بها عن المدينة. فصار لا يشهد إلا الجمعة. ثم كثرت فنمت فتباعد أيضاً حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة. فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار. فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ما فعل ثعلبه؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما ما يسعها واد. فال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. فأنزل الله آية الصدقات. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى سليم ورجلا من بنى جهينة. وكتب لهما أسنان الصدقة كيف يأخذانها. وقال لهما: مرآ على ثعلبه بن حاطب ورجل بنى سليم فخذا صدقاتهما. فخرجا إلى ثعلبة حتى أتياه فسألاه الصدقة وأقرأاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلى. فانطلقا وسمع بهما السلمى فنظر على خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها. فلما رأياها قالوا ما هذه عليك قال خذاها فإن نفسى بذلك طيبة. فمرا على الناس فأخذا الصدقة ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أرونى كتابكما فقرأة ثم قال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية اذهبا حتى رأى رأنى فاقبلا. فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه قال: يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. ثم دعا للسلمى بخير. فأخبراه بالذى صنع ثعلبة. فأنزل الله تعالى فيه {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لتصدقن ولتكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع =

واختلفوا فى الأولوية (فقال) الشافعى وأحمد: الأولى أن يكون المؤذن هو المقيم (لقول) زياد بن الحارث الصدائى: " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن فى صلاة الفجر فأذنت. فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: إنما نعرفه من حديث الإفريقى وهو ضعيف ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد لا أكتب حديث الإفريقى ورأيت محمد بن إسماعيل " يعنى البخارى"يقوى أمره ويقول: هو مقارب الحديث. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم (¬1) {125} ¬

= ذلك فخرج حتى أتاه فقال: يا ويحك يا ثعلبة. لقد أنزل الله فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبى صلى الله لعيه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة. فقال عن الله عزوجل منعنى أن أقبل منك صدقتك. فجعل يحثو التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك وقد أمرتك فلم تطعنى. فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى أبا بكر فقال: أقبل صدقتى فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه ولم فأنا لا أقبلها فقبض أبو بكر ولم يقبلها. فلما ولى عمر أتاه فقال: اقبل صدقتى. فقال لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر: فأنا لا أقبلها منك. فلم يقبلها منك رسول الله صلى الله علهي وسلم ولا أبو بكر. فأنا لا اقبلها منك. فلم يقبلها. فلما ولى عثمان أتاه فلم بقبلها منه. وهلك ثعلبة فى خلافه عثمان. أخرجه البغوى وابن جرير والبطرانى. وفيه على بن يزيد الألهانى وهو متروك. انظر ص 208 ج 4 - تفسير البغوى. وص 130 ج 10 - جامع البيان. ص 31 ج 7 - مجمع الزوائد - (سورة براءة) ولإخبار الله تعالى بموت ثعلبة على النفاق وعدم الإخلاص، لم تكن توبته صادقة. فلاذ لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه منه الزكاة. (¬1) انظر ص 41 ج 3 - الفتح الربانى. وص 169 ج 4 - المنهل العذب (من أذن فهو يقيم) وص 126 ج 1 - ابن ماجه (السنة فى الأذان) وص 178 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(وقال) الحنفيون وأكثر أهل الكوفة ومالك وأكثر أهل الحجاز وأبو ثور: لا فرق بين أن يقيم المؤذن أو غيره. فإن الأمر واسع (لحديث) عبد الله بن زيد أنه أرى الأذان قال: "فجئت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ألقه على بلال فألقيته فأذن. فأراد أن يقيم فقلت: يا رسول الله أنا رأيت أريد أن أقيم**. قال: فأقم أنت. فأقام هو وأذن بلال " أخرجه أبو داود وأحمد واللفظ له وفى سنده محمد بن عمرو الواقفى الأنصارى البصرى. وهو ضعيف ضعفه القطان وابن نمير ويحيى بن معين (وقال) ابن عبد البر إسناده أحسن من حديث الإفريقى (¬1) {126} (لكن) الأخذ بحديث الصدائى أولى، لأن حديث عبد الله بن زيد كان أول ما شرع الأذان فى السنة الأولى من الهجرة، وحديث الصدائى بعده بلا شك. وقوى حديث الصدائى البخارى والعقيلى وابن الجوزى وحسنه الحازمى (¬2). والظاهر أن إقامة عبد الله بن زيد كانت خصوصية له حيث قال للنبى لى الله عليه وسلم: أنا رأيته وأريد ان أقيم. فلا يلحق به غيره. (17) متى تقام الصلاة؟ : يطلب من المؤذن ألا يقيم إلا إذا أراد الإمام الصلاة (لقول) جابر بنم سمرة: " كان بلال يؤذن ثم يمهل فإذا رأى انبى صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة " أخرجه أبو داود والترمذى ومسلم. وفى رواية له: فلا يقيم حتى يخرج النبى صلى الله عليه وسلم (¬3) {127} ¬

(¬1) انظر ص 41 ج 3 - الفتح الربانى. وص 167 ج 4 - المنهل العذب (الرجل يؤذن ويقيم آخر). (¬2) انظر ص 178 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 219 ج 4 - المنهل العذب (المؤذن ينتظر الإمام) وص 179 ج 1 = تحفة الأحوذى (الإمام أحق بالإقامة) وص 102 ج 5 - نووى (متى يقوم الناس للصلاة).

(ولا منافاة) بين هذا وبين حديث موسى بن عقبة عن سالم أبى النصر"أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء على المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى" أخرجه البيهقى (¬1) {128} (لأنه) كان يفعل ذلك أحيانا. (18) الخروج من المسجد بعد الأذان: يكره تحريماً - عند الحنفيين والشافعى - الخروج من مسجد أذن فيه قبل الصلاة إلا لعذر (لقول) أبى الشعثاء: " كنا مع أبى هريرة فى المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن بالعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم والأربعة وأحمد وزاد: ثم قال أبو هريرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنتم فى المسجد فنودى بالصلاة، فلا يخرج أحدكم حتى يصلى. ورجاله رجال الصحيح. وقال الترمذى: حسن صحيح (¬2) {129} (وقالت) المالكية: يكره الخروج بعد الأذان وقبل الإقامة ويحرم بعدها (وقالت) الحنبلية: يحرم الخروج بعد الأذان. (عبرة) قال الإمام مالك: بلغنى أن رجلا قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد ابن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة. ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 2 - بيهقى (الإمام يخرج فإن رأى جماعة أقام). (¬2) انظر ص 157 ج 5 - نووى (النهى عن الخروج من المسجد إذا أن المؤذن) وص 217 ج 4 - المنهل العذب. وص 111 ج 1 - مجتبى (التشديد فى الخروج من المسجد بعد الأذان) وص 181 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 129 ج 1 - ابن ماجه. وص 43 ج 3 - الفتح الربانى.

فقال له سعيد: لا تخرج فإنه بلغنى أنه من خرج بعد الأذان - خروجا لا يرجع إليه - أصابه أمر سوء. قال فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة. فقال: ما أراه إلا قد حبسنى فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال: قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره. (قال) ابن رشد: قول ابن المسيب (بلغنى) معناه عن النبى صلى الله عليه وسلم إذ لا يقال مثله بالرأى. وهى عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه. لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التى أذن لها وحضر وقتها (¬1). هذا. والنهى عن الخروج بعد الأذان مقيد عند الحنفيين بما إذا لم يكن صلى وليس ممن تنتظم به جماعة أخرى. بأن كان إماما أو مؤذنا تتفرق الناس بغيبته فله الخروج ولو عند الشروع فى الإقامة. وكذا لا يكره الخروج بعد الأذان لمن صلى منفرداً فى كل الصلوات إلا فى الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع فى الإقامة لا قبله (قال) أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهاره، وكذا إن كان قد صلى وحده - إلا ما لا يعاد من الصلوات - فلا يحل له الخروج من المسجد بالإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوى الرجوع (¬2) وكذا يباح الخروج لعذر آخر كمدافعة الأخبثين أو الريح أو حصول رعاف، وما أحدث فى المساجد من البدع كرفع صوت بقراءة أو ذكر على وجه يشوش على المتعبدين، والتبليغ لغير حاجة، وفسق الإمام بارتكاب محرم، ومنه نقر الصلاة وعدم الاطمئنان فيها، لما تقدم عن مجاهد بن جبر قال: كنت مع ابن عمر رضى الله عنهما فثوب رجل " أى قال الصلاة خير من النوم " فى ¬

(¬1) انظر ص 218 ج 4 - المنهل العذب (الخروج من المسجد بعد الأذان). (¬2) انظر ص 218 ج 4 - المنهل العذب (الخروج من المسجد بعد الأذان).

الظهر أو العصر فقال ابن عمر: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه أبو داود والترمذى (¬1). (19) الأذان والإقامة للفائتة: يستحب الأذان والإقامة للفائتة، عند الحنفيين وأحمد وهو مشهور مذهب الشافية (لقول) أبى هريرة، " عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من خبير فقال: من يحفظ علينا الصلاة؟ فقال بلال أنا. فناموا حتى طلعت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة يا بلال نمت؟ فقال: أخذ بنفسى الذى أخذ بأنفاسكم. فأمر بلالا فأذن وأقام (الحديث) أخرجه البيهقى وقال: والأذان فى هذه القصة صحيح ثابت قد رواه غير أبى هريرة. وأخرج الحديث أبو داود مختصراً عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة قال: فأمر بلالا فأذن وأقام صلى (¬2) " {130} (وقال) مالك والأوزاعى والشافعى فى الجديد " لا يستحب الأذان للفائتة، لحديث أبى هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: اكلأ لنا الليل فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته. فلم يستيقظ النبى صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا - إلى أن قال - فاقتادوا رواحلهم شيئاً. ¬

(¬1) تقدم ص 56 (التثويب). (¬2) انظر ص 403 ج 1 بيهقى (الأذان والإقامة للفائتة) وص 27 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) و (عرس) من التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للراحة.

ثم توضأ النبى صلى الله عليه وسلم وأملا بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى لهم الصبح " (الحديث) أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {131} ففيه انه اقتصر على الإقامة للفائتة ولم يؤذن لها، (ولقول) أبى سعيد الخدرى: " حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوىّ من الليل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى فى وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك. ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك "، أخرجه أحمد والشافعى والنسائى بسند رجاله رجال الصحيح وصححه ابن السكن (¬2) {132} وقالوا الأذان إنما هو إعلام بدخول الوقت ودعاء للناس إلى الجماعة. ووقت القضاء ليس وقت إعلام بدخول الوقت، ولا دعاء للجماعة. وفى الأذان فى غير أوقات الصلاة تخليط على الناس. ,إذا اختص بأوقات الصلاة لم يكن مشروعا فى الفوائت، لأنها لا تختص بوقت كالنوافل " وما ورد " فى بعض الروايات من أنه أذن للفائتة " فهو " محمول على الإعلام ¬

(¬1) انظر ص 181 ج 5 نووى (قضاء الفائتة .. ) وص 20 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) والكرى - بفتحتين - النعاس (ولا يقال) كيف نام النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حتى طلعت الشمس مع قوله فى حديث عائشة: إن عينى تنامان ولا ينام قلبى. أخرجه البخارى ص 22 ج 3 فتح البارى (قيام النبى صلى الله عليه وسلم) (لأنا نقول) لا منافاة بينهما. لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين. وإنما يدرك ذلك بالعين. والعين نائمة وإن كان القلب يقظان. انظر ص 184 ج 5 شرح مسلم. (¬2) انظر ص 309 ج 2 - الفتح الربانى (تأخير الصلاة لعذر) وص 55 ج 1 بدائع المنن (قضاء الفوائت) وص 107 ج 1 - مجتبى (الأذان للفائت من الصلوات) و (هوى) كغنى أى زمن طويل.

بالصلاة، لا الألفاظ المخصوصة ف الإعلام بدخول الوقت (والظاهر) الأول لما تقدم عن أبى هريرة من الجمع بين الأذان والإقامة " وحمل الأذان " فيه على مجرد الإعلام " خلاف الظاهر " "وأما ترك " الأذان فى رواية أبى هريرة الأخيرة، وفى حديث أبى سعيد " فلا يستلزم " عدم حصوله. فيتحمل أنه حصل وتركه الراوى اختصارا. ويؤيده ما جاء فى رواية النسائى لحديث أبى سعيد: ثم أذن للمغرب فصلاها فى وقتها. وفيه قال أبو عبيدة: وقال عبد الله: " إن المشركين شغلوا النبى صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء " أخرجه النسائى (¬1) {133} (ودعوى) أن الأذان للوقت والدعاء للجماعة " غير مسلمة " قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬2)، وقال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً} (¬3)، ولذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالأذان للفائتة. وأمر به المنفرد (¬4) " وقولهم " إن فى الأذان للفائتة تخليطا " مردود " بأنه إنما يؤذن لها على وجه لا تخليط فيه. (وعلى الراجح) إذا تعددت الفائتة فهل يؤن لكل؟ (قال) النعمان وأبو يوسف: يؤذن للأولى ويقيم لها وللباقى. ويخير فيه بين الأذان وعدمه (وقالت) الشافعية ومحمد بن الحسن: يؤذن ويقام للأولى، ويقتصر فى الباقى على الإقامة. ¬

(¬1) انظر ص 107 ج 1 مجتبى (الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد والإقامة لكل واحدة). (¬2) صورة الجمعة أية: 9. (¬3) سورة المائدة أية: 58. (¬4) تقدم ص 69 (أذان المنفرد).

(20) بدع الأذان: هى كثيرة المذكور منها هنا تسع: 1) رفع الصوت بالصلاة السلام على النبى صلى الله عليه وسلم بعده كما جرت به عادة غالب مؤذنى الزمان. فهو بدعة مخالفة لهدى النبى صلى الله عليه وسلم حدثت سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وقيل سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وجمع بينهما علاء الدين الحصنى (قال) التسليم بعد الأذان حدث فى ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فى عشاء ليلة الاثنين، ثم يوم الجمعة. ثم بعد عشر سنين حدث فى الكل إلا المغرب (¬1) فينبغى ترك هذه البدعة والاقتصار على الوارد. فإن كل محدث فى الدين مردود على صاحبه لا ثواب فيه بل إذا فعله على أنه قربة كان آثما، لأن الله تعالى إنما يعبد بما شرع لا بما ابتدع (وفى الحديث) " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان والنسائى وأبو داود وابن ماجه عن عائشة (¬2) - وفى رواية لأحمد ومسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " (¬3) {134} (وعن) جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله. وإن أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها. وكل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم. وكذا أحمد من حديث عمرو بن ثعلب. وزاد فيه " وكل ضلالة فى النار " (¬4) {135} ومنه تعلم أن رفع الصوت بالصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 287 ج 1 - الدر المختار (الأذان). (¬2) انظر رقم 22 و 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى التاسعة). (¬3) انظر رقم 22 و 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى التاسعة). (¬4) انظر رقم 101 ص 160 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى 22).

من المؤذن بعد الأذان بالكيفية المتعارفة فى زماننا بدعة مكروهة (ومن قال) باستحسانها من متأخرى المقلدين (فقوله) مردود عليه بهذه الأحاديث الصحيحة، لأن شرط الاستحسان ألا يكون مصادرا لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضلا عن كون المقلد لا يصح منه التحسين. ولذا حذر علماء المذاهب من ارتكاب هذه البدعة ونحوها. (قال) ابن الحاج: يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من صفه الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم عند الأذان وإن كانت الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم من أكبر العبادات. فينبغى أن يسلك بها مسلكها، فلا توضع إلا فى مواضعها التى جعلت لها. ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات ومع ذلك ل يجوز للمكلف أن يقرأه فى الركوع ولا فى السجود ولا فى الجلوس فى الصلاة، لأن ذلك لم يرد، والخير كله فى الاتباع. وهى بدعة قريبة الحدوث جدا (¬1). (وقال) ابن حجر الهيثمى: وقد استفتى مشايخنا وغيرهم فى الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على الكيفية التى يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة أهـ (¬2). (وقال) الشعرانى: قال شيخنا لم يكن التسليم الذى يفعله المؤذنون فى أيامه صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين، بل كان فى أيام الروافض بمصر (¬3). (وقد سئل) الأستاذ المرحوم الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية بإفادة من مديرية المنوفية فى 24 مايو سنة 1904 نمرة 765 عن ست مسائل ¬

(¬1) انظر ص 109 ج 2 مدخل الشرع الشريف (النهى عما أحدثوه بالليل). (¬2) انظر ص 131 ج 1 - الفتاوى الكبرى الفقهية (الأذان). (¬3) انظر ص 80 ج 1 كشف الغمة.

(منها) ما اشتهر من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان فى الأوقات الخمس إلا المغرب. (فأجاب) بقوله: أما الأذان فقد جاء فى الخانية أنه ليس لغير المكتوبات وأنه خمس عشرة كلمة، وآخره عندنا لا إله إلا الله. وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات المبتدعة ابتدعت للتحلين لا لشئ آخر. ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين ولا عبرة بقول من قال إن شيئاً من ذلك بدعة حسنة، لأن كل بدعة فى العبادات على هذا النحو فهى سيئة. ومن ادعى أن ذلك ليس فيه تلحين فهو كاذب (¬1). (وقال) العلامة المقريزى فى كتابة الخطط: وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر سنة سبع وستين وخمسمائة فأبطل من الأذان قول حى على خير العمل. وصار يؤذن فى مصر والسام بأذان أهل مكة وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين إلى أن انتشر مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه فى مصر. فصار يؤذن بأذان أهل الكوفة إلا أنه فى ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين، سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شئ أحدثه صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسى بعد سنة ستين وسبعمائة. وفى شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فى عهد الملك الصالح المنصور أمير حاج، سمع بعض الفقراء الحلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ليلة جمعة، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه. ¬

(¬1) هذه بعض فتوى منقولة من دفاتر دار إفتاء الديار المصرية رقم 311 جزء ثالث بتارخي 22 ربيع الأول سنة 1322 هـ. انظرها تامة ص 357 ج 4 - الدين الخالص (بدع الجمعة) وهامش ص 85 فتاوى أئمة المسلمين (طبعة ثالثة).

فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام فى كل أذن؟ قالوا نعم فبات وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أذان. فمضى إلى محتسب القاهرة نجم الدين محمد الطنبدى - وكان شيخاً جهولا سيئ السيرة متهافتاً على الدرهم لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعى فى مؤمن إلا (¬1) ولا ذمة - وقال له: رسول الله صلى الله لعيه وسلم يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا فى كل أذان " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل فى ليالى الجمع فأعجب الجاهل هذا القول. وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه فى حياته وقد نهى الله تعالى عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور " (¬3). {136} فأمر بذلك فى شعبان من السنة المذكورة. وعمت هذه البدعة واستمرت فى مصر والشام. وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذى لا يحل تركه. وأذى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد فى الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا. فإنا لله وإنا إليه راجعون (¬4) أهـ. ¬

(¬1) إلا بكسر الهمزة وشد اللام مونا أى عهداً. (¬2) سورة الشورى آية: 21. (¬3) هذا بعض الحديث رقم 13 ص 22 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى 3). (¬4) انظر ص 172 ج 2 - الخطط طبعة بولاق (ذكر الأذان بمصر).

(وقال) العلامة ابن حجر: لم نر فى شئ من الأحاديث ولا فى كلام أئمتنا التعرض للصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم قبل الأذان ولا إلى محمد رسول الله بعده فحينئذ كل واحد من هذين ليس سنة فى محله المذكور فمن أتى بواحد منهما فى ذلك معتقداً سنيته فى ذلك المحل، ينهى ويمنع منه، لأنه تشريع بغير دليل. ومن شرع بغير دليل يزجر ويمنع أهـ (¬1). 2) ومنه يتبين لك أن من البدع المذمومة قول كثير من المؤذنين عقب أذان الفجر. ورضى الله تبارك وتعالى عنك يا شيخ العرب ونحوه من الألفاظ بأعلى صوت. ومع ذلك لا تجد منكراً عليهم بل لو نهى شخص عن ذلك رموه بألسنة حداد. فإنا لله وإنا إليه راجعون. 3) ومن البدع المذمومة. التلحين فى الأذان والتغنى فيه بما يؤدى إلى تغيير الحروف والحركات والسكنات والنقص والزيادة محافظة على توقيع النغمات. فهذا لا يحل فى الأذان كما لا يحل فى قراءة القرآن. ولا يحل سماعه، لأن فيه تشبهاً بفعل الفسقة حال فسقهم، وفيه خروج عن المعروف شرعا فى الأذان. (4) ومنها، أذان الجماعة المسمى بالأذان السلطانى، فإنه مذموم ومكروه اتفاقا، لما فيه من التلحين والتغنى وإخراج كلمات الأذان عن وضعها العربى وكيفيتها الشرعية بصورة قبيحة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 131 ج 1 - الفتاوى الكبرى الفقهية. (¬2) أمر بإبطال هذا الأذان يوم الجمعة 3 من رجب سنة 1355 هـ. 12 من أكتوبر سنة 1934 م. وفى العاشر من رجب المذكور والتاسع عشر من أكتوبر - أمر بعدم رفع الصوت والتصفيق فى المسجد حال دخوله للصلاة احتراما للمساجد، حفظا لها مما لم تبن له = (روى) نافع أن عمر بينما هو فى المسجد عشاء إذ سمع ضحك رجل فأرسل إليه. فقال من أنت؟ فقال أنا رجل من ثقيف. فقال أمن أهل البلد أنت؟ فقال بل من أهل الطائف فتوعده فقال: لو كنت من أهل البلد لنكلت بك. إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات.

5) ومنها: الإتيان بالسيادة فى الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الأذان والإقامة، لأنه لم يثبت أن أحداً ممن أذن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين قال فى الأذان أو الإقامة: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، ولو كانت السيادة هنا مشروعة ما تركها أحد منهم. وما أقر على تركها. وما ترك مع قيام المقتضى فتركه سنة وفعله بدعة. 6) ومنها: ما يقع من الجهلة من تقبيل ظفرى الإبهامين ومسح العينين بهما عند قول المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله معتقدين أن فاعله لا يرمد. قال الشيخ إسماعيل العجلونى: مسح العينين بباطن أنملتى السبابتين بعد تقبيلهما عند سماع قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله مع قوله أشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. رواه الديلى عن أبى بكر أنه لما سمع قول المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله قاله. وقبل باطن الأنملتين السبابتين وسمح عينيه فقال صلى الله عليه وسلم: من فعل فعل خليلى فقد حلت له شفاعتى، قال فى المقاصد: لا يصح. وكذا ل يصح ما رواه أبو العباس بن أبى بكر الرداد اليمانى المتصوف فى كتابه " موجبات الرحمة وعزائم المغفرة " بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول أشهد أن محمداً رسول الله: مرحبا بحبيبى وقرة عينى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه

لم يعم ولم يرمد أبدا. ونقل غير ذلك ثم قال: ولم يصح فى المرفوع من كل هذا شئ أهـ (¬1). 7) وكذا: قولهم بعد الأذان بصوت مرتفع: اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك. 8) ومن البدع المكروهة جهر بعضهم بقراءة شئ من القرآن بعد الأذان وهو تشويش منهى عنه (قال) أبو سعيد الخدرى: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة " أخرجه أبو داود (¬2). {137} (وقال) علاء الدين الحصنى: ويحرم فى المسجد رفع الصوت بذكر إلا للمتفقهة (¬3) (وقال) فى مختصر خليل وشروحه: يكره رفع الصوت بالقرآن أو ذكر فى المسجد خشية التشويش على المصلين أو الذاكرين. فإن شوش حرم اتفاقا (¬4) (وقال) ابن العماد الشافعى: تحرم القراءة على وجه يشوش على نحو مصل أهـ (¬5). 9) ومن البدع المكروهة؛ التسبيح والاستغفار وغيرهما مما يأتى به غالب المؤذنين قبل أذان الصبح، لمخالفته الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يفعل فى عهده ولا فى عهد خلفائه والسلف الصالح (قال) ابن الحاج: يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل وإن كان ذكر الله تعالى حسنا سرا وعلنا، ¬

(¬1) انظر ص 206 ج 2 - كشف الخفاء. (¬2) انظر رقم 17 - ص 25 فتاوى أئمة المسلمين. (¬3) انظر ص 488 ج 1 - الدر المختار (رفع الصوت بالذكر). (¬4) انظر ص 74 ج 4 - الدسوقى على كبير الدردير. (¬5) انظر ص 5 - ابن العماد.

لكن فى المواضع التى تركها الشارع صلوات الله عليه وسلامه ولم يعين فيها شيئا معلوماً وقد رتب الشارع صلوات الله عليه وسلامه للصبح أذاناً قبل طلوع الفجر وأذاناً عند طلوعه (¬1) ثم قال ومع ذلك ترتب عليه مفاسد (ومنها) ارتكاب نهيه عليه الصلاة والسلام بقوله: " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " (¬2) {138} (فإذا نهى) صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن وتلاوته من أكبر العبادات. وما ذاك إلا لما يدخل من التشويش على من فى المسجد ممن يتعبد إذا جهر به " فما بالك " بما يفعلونه فيه من هذه الطرق التى يعملونها فى التسبيح وما يفعلونه فيه ما يشبه الغناء فى وقت، والنوح فى وقت. وندب الأطلال (¬3) فى وقت، وينشدون فيه القصائد وفى المسجد من المتهجدين ما هو معلوم. فلا يبقى أحد منهم إلا وقد وصل له من التشويش ما لا خفاء فيه. فيتفرق أمرهم وتتشوش خواطرهم. ولو قدرنا أن المسجد ليس فيه أحد لمنع أيضا، لأنه بصدد أن يأتى الناس إليه. فأين هذا مما روى عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى حين كان فى المسجد آخر الليل يتهجد ثم دخل عمر بن عبد العزيز، وكان إذ ذاك خليفة. وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة. فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه: أذهب إلى هذا المصلى فقل له إما أن تنخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد. ثم أقبل على صلاته. فجاء الخادم فوجد المصلى عمر بن عبد العزيز فرجع ولم يقل له شيئا. فلما سلم سعيد بن المسيب قال لخادمه. ¬

(¬1) انظر ص 108 ج 2 مدخل. (¬2) هذا عجز حديث أخرجه مالك وأحمد عن فروة بن عمرو. انظر هامش رقم 7 ص 16 فتاوى أئمة المسلمين. (¬3) جمع طلة - بفتح وشد اللام - والمراد بها العجوز والبذية.

ألم أقل لك تنهى هذا المصلى عما يفعل؟ فقال هو الخليفة عمر بن عبد العزيز. قال أذهب إليه وقل له ما أخبرتك به. فذهب إليه فقال له: إن سعيداً يقول لك: إما أن تخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد. فخفف فى صلاته. فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد (¬1). ولا يخفى عليك تحريفهم لأسماء الله تعالى، وهو من الإلحاد فى الدين، وتهويشهم على من كان نائماً إلى يغر ذلك. ومع هذا يعطون أجراً من مال الوقف لمن يقوم بهذه التهويشات. فإنا لله وإنا إليه راجعون. (قال) أبو الفضل الألوسى فى تفسير آية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ}: يطلب صيانة المساجد مما لم تبن له فى نظر الشارع كحديث الدنيا. ومن ذلك الغناء على مآذنها كما هو معتاد الناس اليوم. لاسيما بالأبيات التى غالبها هجر من القول. وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام: " الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل الهيمة الحشيش (¬2) " وهذا فى الحديث المباح فما ظنك بالمحرم مطلقاً أو المرفوع فوق المآذن (¬3) (وقال) الحافظ ابن حجر: ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ليس من الأذان لا لغة ولا شرعا (¬4) (وقال) فى الإقناع وشرحه: وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك فى المآذن أو غيرها، ليس بمسنون. وما أحد من العلماء قال ¬

(¬1) انظر ص 111 ج 2 - مدخل الشرع الشريف (النهى عما أحدثوه بالليل). (¬2) كذا فى الكشاف وهو كذب وذكره القارى فى الموضوعات. وقال العلامة العجلونى: والمشهور على الألسنة. الكلام المباح فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب انظر ص 354 ج 1 - كشف الخفاء. (¬3) انظر ص 284 ج 3 روح المعانى. (¬4) انظر ص 92 ج 2 - فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى).

(الثامن) شروط الصلاة

إنه يستحب بل هو من جملة البدع المكروهة، لأنه لم يكن فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه. وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به لأنه إعانة على بدعة. ولا يلزم فعله ولو شرطه الواقف لمخالفته السن (وقال) عبد الرحمن بن الجوزى فى كتاب تلبيس إبليس: قد رأيت من يقوم بليل كثيراً على المنارة فيعظ ويذكر ويقرا سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات (¬1). (الثامن) شروط الصلاة هى جمع شرط. وهو لغة العلامة. وشرعا ما يتوقف عليه الشئ ولم يكن داخلا فيه، وهى قسمان: شروط فرضية، وشروط صحة. (أ) فشروط الفرضية ستة: (الأول) الإسلام. فلا تفترض على كافر افتراض أداء على الصحيح عند الحنفيين، والشافعى وأحمد، لأنه غير مخاطب بأداء الشرائع كالصلاة والصوم لأن الإيمان شرط فيه. ولا يجوز أمر الكافر بالأداء بشرط تقديم الإيمان لأنه أصل فلا يكون تبعاً، وعليه فلا يعذب على تركها عذابا زائدا على عذاب الكفر عند الحنفيين. (وقال) الشافعى وأحمد: يعذب على تركها وإن لم يطالب بأدائها فى الدنيا (وقالت) المالكية: الإسلام شرط صحة بناء على المعتمد عندهم من أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. وأما على القول بأنهم غير مخاطبين بها، ¬

(¬1) انظر ص 168 ج 1 كشاف القناع (الأذان).

فالإسلام شرط وجوب وصحة معاً (واتفق) العلماء على أن الكافر إذا أسلم لا يكلف قضاء ما فاته من الصلوات وغيرها من أعمال الإسلام، لقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (¬1)، (ولحديث) عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الإسلام يجب ما قبله " أخرجه أحمد والطبرانى. وكذا مسلم بلفظ: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم مكان كان قبله؟ " (¬2) {139} ... فمن أسلم فقد فحيت عنه جميع الخطايا، وكان بإسلامه كيوم ولدته أمه. وأما الطاعات التى أسلفها قبل إسلامه، فلا يقطعها الإسلام لحديث حكيم ابن حزام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ أموراً كنتُ أتَحَنّث بها فى الجاهلية هل لى فيها من شئ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمتً على ما أسلفت من خير. أخرجه مسلم (¬3) {140} (وقال) المازرى: الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على العمل ¬

(¬1) سورة الأنفال آية: 38. (¬2) انظر رقم 363 ص 127 ج 1 - كشف الخفاء. وص 138 ج 2 نووى (الإسلام يهدم ما قبله ... ) وانظر تمام الحديث بهامش ص 371 ج 7 - الدين الخالص، ولا ينافيه ما فى حديث ابن مسعود رضى الله عنه: قال: قال رجل. يا رسول الله نؤاخذ بما عملنا فى الجاهلية؟ قال: من أحسن فى الإسلام لم يؤاخذ بما عمل فى الجاهلية، ومن أساء فى الإسلام أوخذ بالأول والآخر. أخرجه الشيخان. انظر ص 216 ج 12 - فتح البارى (استتابة المرتدين) وص 136 ج 2 - نووى (هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية) " فإن المراد " بالإساءة فى قوله ومن أساء " الكر بعد لإيمان " أو من دخل فى الإسلام منافقا. لا مطلق الإساءة، للإجماع على أن من أسلم ل يؤاخذ بما عمله فى الجاهلية. (¬3) ص 140 ج 2 - نووى (عمل الكافر إذا أسلم)، (أتحنث) أتعبد.

الصالح الصادر منه فى شركة، لأن من شرط المتقرِّب أن يكون عارفا بمن تقرّب إليه. والكافر ليس كذلك. وتابعة القاضى عياض وأستضعف ذلك النووى فقال: الصواب الذى عليه المحققون بل نقل بعضهم الإجماع فيه أنّ الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام يكتب له ثواب ذلك (¬1) (الثانى) العقل، فلا تلزم الصلاة المجنون لعدم تكليفه وهو شرط وجوب صحة عند المالكية. (الثالث) النقاء من دم الحيض والنفاس، فلا تلزم الحائض ولا النفساء إذا كان كل من الحيض والنفاس مستغرقا للوقت أو لآخره. وهو عند المالكية شرط وجوب وصحة (الرابع) بلوغ دعوة النبى صلى الله عليه وسلم، فلا تلزم من نشأ فى جهة لم تبلغه فيها الدعوة، وهو شرط وجوب وصحة عند المالكية (الخامس) القدرة على تأديتها. فلا تلزم العاجز عن تأديتها ولو بالإيماء. ويتحقق العجز عند الشافعية بفقد الحواس. فالقدرة عندهم تكون بسلامة الحواس ولو السمع والبصر. وعند المالكية تكون بِعدَمِ الإكراه على تركها فلا تجب على مُكْرَهٍ حال إكراهه بقتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع (¬2) لذى مروءة بملإ، لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه الطبرانى عن ثوبان وفيه يزيد بن ربيعة الرحى وهو ضعيف وأنكره أحمد (¬3) {141} والذى لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة. وإلا ¬

(¬1) ص 74 ج 1 - فتح البارى (حسن إسلام المرء). (¬2) الصفع بفتح فسكون، الضرب الكف مبسوطة. (¬3) انظر رقم 4461 ص 34 ج 4 فيض القدير. وفيه: ونقل الخلال عن أحمد: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة. وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله.

فمتى تمكن من الطهارة، وجب عليه فعل ما يقدر عليه من نية وإحرام وقراءة وإيماء. فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله (السادس) البلوغ، فلا تلزم الصغير لعدم تكليفه ولكن يجب على ولىّ أمره أبا أو جدّا أو وصيا من جهة القاضى ذكرا أو أنثى أن يأمره بها لتمام سبع سنين ويضربه عليها لتمام عشر، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه (عبد الله بن عمرو) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر. وفرّقوا بينهم فى المضاجع ". أخرجه أحمد أبو داود والحاكم بسند حسن ورمز السيوطى لصحته (¬1) {142} والأمر فى الحديث للوجوب عند الجمهور القائلين بأن الأمر بالأمر بالشئ ليس أمراً به. فيكون الصبى غير مكلف فى هذه الحالة، لا يمنع من وجوب الأمر على الولىّ (وقالت) المالكية: الأمر للندب لأن الأمر بالأمر بالشئ أمر بذلك الشئ فالصبى عندهم مأمور بالصلاة ندبا وتكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات. والضرب يكون بيد لا بنحو جريدة ولا يتجاوز الثلاث. ¬

(¬1) ص 83 ج 3 - الفتح الربانى. وص 121 ج 4 - المنهل العذب (متى يأمر الغلام بالصلاة) والتفريق بينهم فى المضاجع، يكون لعشر سنين إذا جعل معطوفا على قوله واضربوهم، ولسبع سنين إذا جعل معطوفا على قوله مروهم. ويؤيد هذا قول أبى رافع: وجدنا صحيفة فى قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم فرّقوا بين مضاجع الغلمان والجوارى والإخوة والأخوات لسبع سنين واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا تسع سنين. أخرجه البزار وفيه غسان بن عبيد الله عن يوسف بن نافع قال الهيثمى: ولم أجد من ذكرهما انظر ص 294 ج 1 - مجمع الزوائد (أمر الصبى بالصلاة).

(قال) النووى: قال الشافعى فى المختصر: على الآباء والأمهات أن يؤدّبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا. قال أصحابنا: ويأمره الولىّ بحضور الصلوات فى جماعات، وبالسواك وسائر الوظائف الدينية. ويعرّفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها (¬1). (ب) يشترط لصحة الصلاة خمسة شروط: (الأول) طهارة بدن المصلى من الحدث إجماعا (الثانى) طهارة ثوبه المصلى من الحدث إجماعا (الثانى) طهارة ثوبه ومكانه وبدنه من الخبث كما تقدم (¬2) (الثالث) العلم بدخول الوقت. وهو شرط وجوب وصحة (الرابع) ستر العورة. وهو شرط عند القدرة عليه اتفاقا وكذا عند الذكر على الراجح عند المالكية. فلو كشف عورته مع القدرة على سترها، لا تصح صلاته ولو كان منفرداً فى مكان مظلم للإجماع على أنه فرض فى الصلاة، ولقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد (¬3)} فإن المراد بالزينة محلها وهو الثوب. وبالمسجد الصلاة. أى البسوا ما يوارى عورتكم عند كل صلاة، ولحديث أبى قتادة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارىَ زينتَها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تَخْتمِرَ " أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط وقال: تفرّد به إسحق بن إسمعيل بن عبد الأعلى الأُبُلِّى. قال الهيثمى: ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله موثقون (¬4) {143} (ويشترط) فى الساتر أن يكون كثيفا. فلا يجزئ الساتر الرقيق الذى ¬

(¬1) ص 11 ج 3 - شرح المهذب. (¬2) انظر ص 268 ج 1 - الدين الخالص (أقسام الصلاة) وص 387 منه (تطهير محل النجاسة). (¬3) سورة الأعراف أية: 31. (¬4) ص 52 ج 2 - مجمع الزوائد (ما تلبس المرأة فى الصلاة).

يصف لون البشرة، ولا يضر التصاق الكثيف بالعورة بحيث يحدّد جرمها (وكذا يجب) سترها خارج الصلاة (لقول) معاوية بن حَيْدَةَ: قلت يا رسول الله: عوراتُنا ما نأتى منها وما نذَرُ؟ قال: احفَظ عورتَك إلا مِن زَوجتك أو ما ملكت يمينُك. قلت فإذا كان القوم بعضهم فى بعض؟ قال إن استطعتَ أن لا يراها أحد فلا يَرَيَنَّها. قلت فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فاللهُ أحقّ أن يُستحْيا منه " أخرجه أحمد والأربعة، وحسنة الترمذى وصححه الحاكم (¬1) {144} ومفهوم قوله إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، يدل على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه. وقياسه أنه يجوز له النظر إلى عورة نفسه وعورتيهما. ويدل أيضاً على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى. ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة. وفى الحديث دليل على انه لا يجوز التعرّى فى الخلاء مطلقا. وقد استدل البخارى على جوازه فى الغسل (بحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أيوبُ يغتسلُ عُرياناً فخرّ عليه جراد من ذهب فجعل يحتَثىِ فى ثوبه فناداه ربه يأَيوبُ ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟ قال بلى وعزتِك ولكنْ لا غنىِ بى عن بركتك " أخرجه البخارى (¬2) {145} ¬

(¬1) ص 87 ج 3 - الفتح الربانى (وجوب ستر العورة) وص 40 ج 4 سنن أبى داود (ما جاء فى التعرى) و (ما ناتى) أى ما يجوز النظر إليه منها وما لا يجوز (أو ما ملكت يمينك) من الإماء ملكا شرعيا، كسبايا حرب الكفار. أما من بيعت لفقر، أو سرقت أو اغتصبت فلا يجوز شراؤها ولا التمتع بها إلا بعقد شرعى. و (فى بعض) أى من بعض كما فى رواية: كأصل وفرع، أو المراد الجنس مع جنسه كالرجال والإناث (فلا يرينها) بفتحات ثم ون التوكيد مشدّدة أو مخففة. أى اجتهد فى حفظها ما استطعت و (يستحيا) مبنى للمفعول. (¬2) ص 267 ج 1 - فتح البارى (من اغتسل عرياناً وحده) والحثية: الأخذ باليد.

(وقال) ابن بطال: إنّ الله تعالى عاتب أيوب على جمع الجراد. ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه (¬1) (وقد ورد) فى التحذير من كشف العورة أحاديث (منها) حديث أبى سعيد الخدرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظرُ الرجلُ إلى عَورةِ الرجُلِ. ولا المرأةُ إلى عورة المرأة. ولا يُفْضى الرجلُ إلى الرجل فى الثوب الواحد. ولا تُفْضى المرأةُ إلى المرأة فى الثوب الواحد " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وحسنه (¬2) {146} (وقول) جَرْهَدٍ: " مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ بُردة وقد انكشفَتْ فخذِى فقال: غطّ فخذك فإن الفخذ عورة " أخرجه أحمد والترمذى وحسنه وابن حبان وصححه. وذكره البخارى معلقا بلفظ: الفخذ عورة (¬3) {147} ثم الكلام فى ثلاثة فروع: (أ) حد العودة: اختلف العلماء فى القدر الواجب ستره من الرجل والمرأة خارج الصلاة وداخلها (قال) الحنفيون وعطاء: عورة الذكر وإن كان صغيراً بلغ سبعاً أو رقيقاً - فى الصلاة وخارجها - من تحت السرة إلى ما تحت الركبة وهو قول للشافعى فالسرة ليست من العورة بخلاف الركبة. ¬

(¬1) ص 267 ج 1 - فتح البارى. (¬2) ص 87 ج 3 - الفتح الربانى (ستر العورة) وص 30 ج 4 نووى (تحريم النظر إلى العورات - الحيض) وص 141 ج 4 سنن أبى داود (التعرى - الحمام) (ولا يفضى ... ) من أفضيت إلى الشئ وصلت إليه. والمراد هنا نوم شخص مع آخر فى لحاف واحد ليس بينهما ما يمنع تماس جسديهما. (¬3) ص 84 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 325 ج 1 فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ - ستر العورة) و (جرهد) بفتح فسكون ففتح كجعفر.

(لقول) عُمير بن إسحاق: " كنتُ أمشى مع الحسن نِ علىّ فى بعض طُرُق المدينة فَلَقِيَناَ أبو هريرة فقال: أرِنى منك حيث رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يقبل. فقال بقميصه فقبل سؤتَه " أخرجه أحمد والبيهقى وفى عُميرٍ مقال (¬1) {148} (وعن) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا زوّج أحدُكم عبدَه أمتَه أو أجيرهَ، فلا تنظر الأمة إلى شئ من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة " أخرجه أحمد والدار قطنى والبيهقى (¬2) {149} (قالوا): والغاية داخلة وإلى بمعنى مع، كما فى قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِق (¬3)}. (وعورة) الأمة ولو مكاتبة أو مبعَّضة كعورة الرجل مع زيادة البطن والظهر على الصحيح. وما سوى ذلك من جسدها ليس بعورة، لما روى أنس عن عمر أنه ضرب أمة مُتَقنعِّةُ وقال: اكشِفى رأسك لا تتشبّهى بالحرائر أخرجه عبد الرازق بسند صحيح (¬4). (وعورة) الحرّة - ولو صغيرةَ بلغت سبعا - داخل الصلاة وخارجها جميعُ بدنها حتى شعرهَا النازلَ من الرأس فى الأصح، ما عدا الوجه والكفين، لقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (قال) ابن عباس ¬

(¬1) ص 86 ج 3 - الفتح الربانى. وص 232 ج 2 - بيهقى (فقال) أى فعل. (¬2) ص 83 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 85 الدار قطنى. وص 229 ج 2 - بيهقى. وهذا عجز حديث وصدره: مروا صبيانكم بالصلاة لسبع. (¬3) سورة المائدة آية: 6. (¬4) ص 300 ج 1 - نصب الراية.

وعائشة رضى الله عنهم: هو الوجه والكفان. ولا فرق فى ذلك بين باطن الكف وظاهره (لحديث) خالد بن دُرَيكٍ عن عائشة أن أسماءَ بنتَ أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرَض عنها ثم قل: " ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلُح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه " أخرجه البيهقى وأبو داود، وقال: هذا مرسل. خالد بن دُريك لم يدرك عائشة (¬1) {150} (وقال) البيهقى: مع المرسل قول من مضى من الصحابة فى بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة. فصار القول بذلك قويا أهـ. فالقدمان عورة داخل الصلاة وخارجها فى الأصح. وقيل إنهما عورة خارج الصلاة فقط. والراجح الأوّل (لحديث) أمّ سلمة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أنصلى المرأة فى دِرعْ وخِمار وعليها إزار؟ فقال: إذا كان الدِّرع سابغا يُغطى ظهور قدميها " أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى (¬2) {151} هذا وعورة كل من الرجل والمرأة فى الخلوة ما بين السرة والركبة. وأعلم أن العورة عند الحنفيين غليظة وهى القبل والدبر ما حولهما. وخفيفة وهى ما عدا ذلك. ولابد من دوام ستر العورة من ابتداء الدخول فى الصلاة إلى الفراغ منها. فلو انكشف ربع عضو من العورة فى أثناء الصلاة زمنا يؤدىَّ فيه ركن بلا صنعه " كأن انكشف بنحور ريح " بطلت الصلاة، لأنّ للربع حكم الكل. أما إذا انكشف ذلك أو ¬

(¬1) ص 62 ج 4 - سنن أبى داود (ما تبدى المرأة من زينتها - اللباس) وص 226 ج 2 بيهقى (عورة المرأة الحرة). (¬2) ص 27 ج 5 - المنهل العذب (فى كم تصلى المرأة) وص 250 ج 1 مستدرك. وص 233 ج 2 بيهقى.

أقل منه بصنعه فإنها تفسد ولو كان زمن الانكشاف أقل من أداء الركن. هذا. وشعر المرأة والبطن والفخذ والقبل والدبر والأنثيان والألية كل واحد مما ذكر عضو بانفراده. (وقالت) المالكية: عورة الرجل التى يجب سترها خارج الصلاة ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجل والَمْحرَم والأمِة. ومثله الأمة. وكذلك الحّرة مع امرأة مثلها. وأما الحرّة مع محرمها فجميع بدنها ما عدا الأطراف وهى الرأس واليدان والرجلان، وأما مع أجنبى فجميع بدنها ماعدا الوجهَ والكفين وأماهما فليسا بعورة. ويجب عليها سترهما لخوف الفتنة على المشهور. وأما بالنسبة للصلاة فهى ما بين السرة والركبة أيضا إلا أنها مغلظة ومخففة. فالمغلظة للرجل السوءتان وهما القبل والأنثيان وحلقة الدبر. والمخففة ما زاد على ذلك مما بين السرة والركبة. وما حاذى ذلك من الخلْف والمخففة من الأمة كالرجل. أما المغلظة منها فهى الأليتان وما بينهما والفرج والعامة. والمغلظة للحرّة جميع بدنها ماعدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر. والمخففة لها هى الصدر وما حاذاه من الظهر والذراعين والعنق والرأس من الركبة إلى آخر القدم. فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلا أو بعضا مع القدرة على الستر ولو بشراء أو استعارة أو قبول إعارة، بطلت صلاته إن كان قادرا ذاكرا. وأعادها وجوبا أبدا ولو بعد خروج الوقت. وأما المخففة من الرجل فإن انكشف منها الأليتان أو العائلة كلا أو بعضا، فصلاته صحيحة مع الكراهة. وندب إعادتها فى الوقت. أما إذا انكشف الفخذان كلا أو بعضا فيكره ذلك ولا إعادة عليه. وأما الأمة فتعيد أبدا بالنسبة لكشف الأليتين والعانة والقبل والدبر. وتعيد فى الوقت إن

انكشف فخذها كلا أو بعضا. ولا تعيد فيها عدا ما بين السرة والركبة. (وأما الحرة) فإن صلت مكشوفة الرأس أو العنق أو الكتف أو الذراع أو النهد أو الصدر أو ما حاذاه من الظهر أو الركبة أو الساق إلى آخر القدم ظهراً لا بطنا، فتعيد فى الوقت ندبا. وأن صلت مكشوفة السرة أو الركبة أعادت أبدا، ويندب لكل من الرجل والمرأة فى غير الصلاة، ستر العورة المغلظة بخلوة ولو بظلام (وقالت) الشافعية: عورة الرجل فى الصلاة وخارجها مع الرجال ومع النساء المحارم، ما بين السرة والركبة. ومع النساء الأْجانب جميع بدنه. وفى الخلوة السوءتان. وعورة الآمة فى الصلاة وخارجها مع النساء ومع الرجال المحارم وفى الخلوة ما بين سرتها وركبتها، ومع الرجال الأجانب جميع بدنها. وعورة الحرّة فى الصلاة جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين. ومع النساء والرجال المحارم وفى الخلوة ما بين السرة والركبة. ومع الرجال الأجانب جميع بدنها. ووافقهم الحنبلية إلا أنهم يرون أنّ الكفين عورة من الحرّة (ومما تقدم) يعلم أنّ السرة والركبة ليستا من العورة بالنسبة للرجل عند المالكية والشافعية والحنبلية (لقول) عبد الله بن عمرو: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فَرجع من رَجَع وعقَّبَ من عقّب. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفَرَه النفَسُ قد حسَر عن رُكبتيه فقال: " أبشِروا هذا ربُّكم قد فتح باباً من أبواب السماء يُباهى بكم يقول: انظروا إلى عبادى قد صلُّوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (¬1) {152} ¬

(¬1) ص 138 ج 1 ابن ماجه (لزوم المساجد وانتظار الصلاة) و (عقب) من = التعقيب، أى أقام فى مصلاه بعد ما فرغ من الصلاة و (حفزه) بفتح الحاء والفاء من باب ضرب، أعجله.

(وعن) ابن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا زوّج أحدكم خادمَه عبدهَ أو أجيرَه، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة " أخرجه أبو داود (¬1) {153} (وعن) أبى أيوب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما فوق الركبتين من العورة. وما أسفل من السرة من العورة " أخرجه البيهقى (¬2) {154} والسبب فى اختلافهم فى عورة المرأة، الاحتمال فى المستثنى فى قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (فمنهم) من فهم منه الوجه والكفين والقدمين (ومنهم) من فهم منه الوجه والكفين فقط (ومنهم) من فهم أن جميع بدن المرأة عورة ماعدا ما يبدو منه قهراً عند هبوب ريح مثلا أو ما تدعو الحاجة إلى النظر إليه كشهادة ومعالجة طبيب (وقالت) الظاهرية وابن أبى ذئب: عورة الرجل فى الصلاة القبل والدبر، وهو رواية عن أحمد (لحديث) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا خَيبر ثم حسَر الإزار عن فخِذه حتى إنى لأنظر إلى بياض فخذ النبى صلى الله عليه وسلم " أخرجه البخارى (¬3) {155} لكنه معارض بما تقدم عن جَرهدٍ (¬4) (وبحديث) علىّ كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبْرِزْ فَخِذك ولا تنظُر إلى ¬

(¬1) ص 64 ج 4 - سنن أبى داود (فى قوله: غير أولى الإربة - لباس النساء) و (خادمه) أى أمته. (¬2) ص 229 ج 2 - بيهقى. (¬3) ص 326 ج 1 - فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ). (¬4) تقدم رقم 147 ص 103.

فخِذ حتّى ولا ميت " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقى وفيه حبيب بن ثابت لم يسمع م عاصم بن ضَمرة (¬1) {156} (لقول) محمد بن جحش: " مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَعْمَر وفخذاه مكشوفتان فقال: يا معمرُ غِّط فخذيك، فإن الفخذين عورة " أخرجه أحمد والبخارى فى تاريخه وعلقه فى الصحيح. ورجاله رجال الصحيح إلا أبا كثير (¬2) {157} وأيضا فإن حديث جَرْهَد وعلىّ أمر من النبى صلى الله عليه وسلم للأمة. وحديث أنس ونحوه فعل من صلى الله عليه وسلم. وإذا تعارض الأمر والفعل قدّم الأمر، لاحتمال أن يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم (¬3) (وقالت) الظاهرية عورة الحرّة والأمة جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين. فسوّوا بين لحرّة والأمة (ويردّه) ما تقدم عن عمر وغيره من التفرقة بينهما. (ب) العجز عن السائر: م لم يجد ما يستر به عورته ولو بإعارة، صلى عريانا وصحت صلاته والأفضل عند الحنفيين وأحمد أن يصلى قاعدا مادّا رجليه إلى القبلة مضمومتين موميا بالركوع والسجود (روى) أن قوما انكسرت مراكبهم فخرجوا عراة فقال ابن عمر يصلون جلوسا يومئون إيماء برءوسهم. أخرجه الخلال (¬4) ويليه فى الفضل صلاته قائما موميا بالركوع ¬

(¬1) انظر رقم 427 ص 244 ج 7 - الدين الخالص (كيفية غسل الميت). (¬2) ص 84 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 325 ج 1 - فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ). (¬3) قال القرطبى. حديث أنس وما معه إنما ورد فى قضايا معينة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة مالا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه لأنه يعطى حكما كلما وشرعا عاما فكان العلم به أولى. ولذا قال البخارى: وحديث جرهد أحوط. انظر ص 327 ج 1 - فتح البارى. (¬4) ص 634 ج 1 - مغنى ابن قدامة (صلاة العراة).

والسجود. ودونهما صلاته قائما يركع ويسجد. ولو كان عريانا ووعده صاحبه أن يعطيه الثوب إذا صلى، لزمه انتظاره ما لم يخف فوت الوقت على الراجح عند الحنفيين. ومن وجد ثوبا ربعه طاهر ولم يجد ما يطهره به لزمه الصلاة فيه فلا تصح صلاته عريانا خلافا للشافعية. وكذا إن كان كله تجسا، أو طهر اقل من ربعه عند المالكية والحنبلية ولا يعيد. وعند الحنفيين يخير بين الصلاة فيه والصلاة عريانا والأفضل الصلاة فيه، لما فيه من الإتيان بالركوع والسجود مع ستر العورة. (ج) الصلاة فى ثوب غير حلال: تحرم الصلاة فى ثوب غير خالص الحل، لحديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من اشترى ثوبا بعشرةِ دراهم وفيه دِرهْم حرام، لم يقبل الله له صلاةً مادام عليه " أخرجه أحمد بسند ضعيف جدا وقال: هذا الحديث ليس بشئ (¬1) {158} وإذا صلى فى ثوب مغصوب (قال) أحمد فى المشهور عنه: لا تصح الصلاة فيه، أخذا بظاهر الحديث، بخلاف ما لو صلى بعمامة مغصوبة أو بخاتم من ذهب، فإن الصلاة تصح لأنه لا يتوقف عليهما صحتها بخلاف الثوب (وقال) الحنفيون ومالك والشافعى وكثيرون: تصح الصلاة فى الثوب المغصوب مع الحرمة. وهو رواية عن أحمد. لأن التحريم لا يختص بالصلاة. والنهى عن المغصوب، فإنه لا يعود إليه فلم يمنع صحتها، كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب، فإنه يطهر اتفاقا (وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف لا يحتج به. وعلى فرض صحته، فنفى القبول لا يستلزم نفى الصحة، لأنه قد يراد به نفى الكمال والفضيلة (واختلفوا) أيضا فى صلاة الرجل فى الثوب الحرير ¬

(¬1) انظر رقم 8444 ص 64 ج 6 - فيض القدير.

(فقال) الجمهور: يحرم عليه وتجزئه صلاته (وقال) مالك: يعيد فى الوقت ومحل هذا إذا وجد ما يستر عورته من غير الحرير. فإن لم يجد إلا هو صلى فيه وجوباً عند الأكثر (وقال) أحمد فى المشهور عنه: لا يجوز له ذلك. ولو صلى فيه لا تصح صلاته. ولو لم يجد إلا هو صلى عاريا. (الخامس) من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة. وهو شرط بالكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (¬1)} والمراد بالمسجد الحرام الكعبة (وعن) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة " (الحديث) أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2) {159} (وقد اتفق) المسلمون على أنّ التوجه نحو الكعبة حال الصلاة فرض عند القدرة والأمن، وعلى أنّ من كان قريباً منها بحيث يمكنه رؤيتها يجب عليه استقبال عينها. واختلفوا فيمن كان بعيداً عنها. فالمشهور عند الشافعية أنه يلزم استقبال عينها أيضا، لظاهر قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} إلا أنه يكفى فى هذه الحالة الظن بخلاف القرب فلابُدَّ فيه م اليقين (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد وكثيرون: يجب فى هذه الحالة استقبال الجهة لا العين وهو قول للشافعى (لحديث) أبى هريرة أن النبى ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 144 (وأولها: قد نرى تقلب وجهك فى السماء). (¬2) ص 29 ج 11 فتح البارى (من رد فقال عليك السلام - الاستئذان) وص 107 ج 4 نووى (واجبات الصلاة) وص 299 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع والسجود) (الحديث) يأتى تاما فى (ترتيب الأركان) إن شاء الله تعالى.

صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين المشرق والمغرب قِبْلَة " أخرجه ابن ماجه والترمذى، وقال حسن صحيح (¬1) {160} ولأنه لو كان الفرض استقبال العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو. فإنه لا يمكن أن توجه إلى الكعبة كلُّ مَنْ بالصف الطويل مع اتفاقهم على صحة صلاة الكل " ولا ينافيه " قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} " فإنه " على تقدير مضاف أى فولوا وجوهكم جهة شطر المسجد الحرام. أو يراد بالشطر الجهة جميعاً بين الأدلة، وهذا هو الظاهر. فإن فى استقبال عين الكعبة فى هذه الحالة حرجا ومشقة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فقبلة غير المشاهد ولو بمكة جهة الكعبة وهى التى إذا توجه إليها الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها تحقيقا أو تقريبا. فلا يضر انحراف لا تزول به المقابلة بالكعبة بأن يبقى شئ من سطح الوجه مقابلا لها أو لهوائها. هذا. وتُعْرَفُ القبلة فى هذه الحالة فى الأمطار والقرى: (أ) بالأدلة التى نصبها الصحابة والتابعون فى المساجد. ولا يجوز الاجتهاد مع وجودها. فإن لم تكن لزمه السؤال ممن يعلمها من أهل ذلك الموضع ولو واحدا فاسقا إن صدقه عند الحنفيين (وقالت) الشافعية يجب عليه أن يسأل ثقة ولو عبدا أو امرأة ولا يكفى سؤال الصبى والفاسق وإن صدقهما (وقالت) الحنبلية يلزمه السؤال ولو بقرع الأبواب ويكفى إخبار ¬

(¬1) ص 164 ج 1 - ابن ماجه (القبلة) وص 279 ج 1 - تحفة الأحوذى وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن كانت قبلته على سمتها.

عدل الرواية كالأنثى والعبد (وقالت) المالكية: يلزمه التحرى ولا يسأل إلا إذا خفيت عليه علامات القبلة، فيلزمه سؤال عدل مكلف عارف بالأدلة ولو أنثى أو عبدا (ب) وتعرف أيضاً بالشمس والنجم القطبى والفجر والشفق وغير ذلك (فالشمس) يستدل بها على القبلة فى كل جهة بحسبها: فإن مطلعا يُعَيِّن جهة الشرق، ومغربها يعين جهة الغرب. ومتى عُرِف المشرف أو المغرب عُرِف الشمال أو الجنوب. وبهذا يتيسر لأهل كل جهة معرفة قبلتهم. فمن كان فى مصر فقبلته الجنوب الشرقى، لأن الكعبة بالنسبة لمصر واقعة بين الشرق والجنوب وهى للشرق أقرب. (والنجم القطبى) نجم صغير فى بنات نعش الصغرى لا يبرح مكانه. وهو أقوى الأدلة. ففى مصر يجعله المصلى خلف أذنه اليسرى قليلا وكذا فى أسيوط وفوّة ورشيد ودمياط والإسكندرية وتونس والأندلس (أسبانيا) ونحوها. وفى العراق وما وراء نهر دجلة والفرات، يجعله المصلى خلف أذنه اليمنى. وفى المدينة المنوّرة والقدس وغزة وبعلبك وطرسوس ونحوها، يجعله مائلا إلى نحو الكتف الأيسر. وفى الجزيرة وأرمينية والموصل ونحوها، يجعله المصلى على فقرات ظهره. وفى بغداد والكوفة وخوارزم والرىّ ببلاد العجم ونحوها يجعله المصلى على خدّه الأيمن. وفى البصرة وأصبهان وفارس ونحوها، يجعله فوق أذنه اليمنى. وفى الطائف وعرفات والمزدلفة ومنى، يجعله على كتفه الأيمن. وفى اليمن يجعله أمامه مما يلى جانبه الأيسر. وفى الشام يجعله وراءه مما يلى جانبه الأيسر. وفى نجران يجعله وراء ظهره. (ج) وتعرف ببيت الإبرة المسمى (بالبوصلة) متى كان منضبطاً وغير ذلك (أما المحاريب) المجوّفة جهة القبلة فى كثير من المساجد، فإنها وإن

كانت تدل على القبلة، فلا ينبغى اتخاذها، لأنها من البدع المنهى عنها (قال) السيوطى فى رسالته " إعلام الأريب. بحدوث بدعة المحاريب ": إنّ قوماً خفى عليهم كون المحراب فى المساجد بدعة وظنوا أنه كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى زمنه. ولم يكن فى زمانه قط محراب ولا فى زمن الخلفاء فمن بعدهم إلى آخر المائة الأولى. وقد ورد الحديث بالنهى عن اتخاذه وأنه من شأن الكنائس وأن اتخاذه فى المساجد من أشرط الساعة (روى) عبد الله بن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا هذه المذابح يعنى المحاريبَ " أخرجه البيهقى (¬1) {161} (قال) السيوطى: هذا حديث ثابت صحيح. ولهذا احتج به البيهق مشيراً إلى كراهة اتخاذ المحاريب. وهو من كبار الحفاظ ومن كبار أئمة الشافعية الحاملين للفقه والأصول والحديث (وعن) ابن مسعود أنه كره الصلاة فى المحراب وقال: " إنما كانت للكنائس، فلا تَشَبَّهوا بأهل الكتاب يعنى أنه كره الصلاة فى الطاق " أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (¬2) (وقال) ابن بى شيبة: ثنا وكيع ثنا إسرائيل عن موسى الجهنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال هذه الأمة أو ال أمتى بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى " قال السيوطى: هذا مرسل صحيح الإسناد {162} والمرسل حجة عند الأئمة الثلاثة مطلقا. وكذا عند الإمام الشافعى إذا اعتُضِد بمرسَل آخر أو مسند ضعيف أو قول صحابى أو فتوى أكثر أهل ¬

(¬1) ص 439 ج 2 - بيهقى (كيفية بناء المساجد). (¬2) ص 51 ج 2 - مجمع الزوائد (الصلاة فى المحراب).

العلم بمقتضاه. وقد عضّده قول ابن مسعود وأحاديث أخر مرفوعة وموقوفة وفتوى جماعة من الصحابة والتابعين بمقتضاه (قال) أبو ذرّ: إنّ من أشراط الساعة أن تُتّحذ المذابح فى المساجد. أخرجه ابن أبى شيبة، وهو فى حكم المرفوع، لأنه لا مدخل للرأى فيه (وقال) عُبيد بن أبى الجَعْد: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إنّ من أشراط الساعة أن تُتّخذ المذابح فى المساجد. يعنى الطاقات. أخرجه ابن أبى شيبة. وهو بمنزلة عدة أحاديث مرفوعة (وقال) ابن مسعود: اتقوا فى هذه المحاريب. أخرجه ابن أبى شيبة وأخرج عبد الرازق عن الثورى عن منصور بن المعتمر والأعمش عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره أن يصلى فى طاق الإمام. قال الثورى: ونحن نكره ذلك. وأخرج عن الحسن أنه اعتزل الطاق أن يصلى فيه (¬1). (فائدة) روى الطبرانى فى الوسط عن جابر بن أسامة الجهنى قال: لقيت النبى صلى الله عليه وسلم فى أصحابه بالسوق فقلت: أين يُريد رسوبُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا يُريد أن يَخُط لقومك مسجدا، فأتيتُ وقد خَطّ لهم مسجداً وغرز فى قبلته خشبة فأقامها قبلة (¬2) أهـ كلام السيوطى ملخصا (¬3) (وقال) القضاعى: أوّل من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز وهو عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة حينما جدّد المسجد وزاد فيه أهـ (وقال) الألوسى: ¬

(¬1) ص 239 ج 4 - المحل لان حزم. وفيه: وتكره المحاريب فى المساجد وروينا عن على بن أبى طالب أنه كان يكره المحراب فى المسجد. وهو قول محمد بن جرير الطبرى وغيره. (¬2) (قال الهيثمى) وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمة. انظر ص 15 ج 2 - مجمع الزوائد (علامة القبلة). (¬3) انظر رقم 521 مجاميع بدار الكتب المصرية ضمن مجموعة رسائل للسيوطى.

الصلاة فى المحاريب المشهورة ف المساجد قد كرهها جماعة من الأئمة. وهى من البدع التى لم تكن فى العصر الأوّل (¬1) (وقال) السمهودى فى تاريخ المدينة: أسند يحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه قال: مات عثمان وليس فى المسجد شرفات ولا محراب. فأوّل من أحدث المحراب والشرفات عمر ابن عبد العزي أهـ (وقال) النووى: إذا صلى فى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فمحراب الرسول فى حقه كالكعبة، فمن يعاينه يعتمده. ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال. ويعنى بمحراب الرسول مصلاه وموقفه، لأنه لم يكن هذا المحراب المعروف موجوداً فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم. وإنما أحدثت المحاريب بهده أهـ (¬2) (وقال) العلامة البجرمىّ: والمحراب لغة صدر المجلس سمى المحراب المعهود بذلك، لأن المصلى يحارب فيه الشيطان. ولم يكن فى زمانه صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى آخر المائة الأولى محراب. وإنما حدثت المحاريب فى أوّل المائة الثانية، مع ورود النهى عن اتخاذها لأنها بدعة ولأنها من بناء الكنائس أهـ (¬3). ثم الكلام فى ثلاثة فروع: (أ) اشتباه القبلة: قد علمت أن القبلة تختلف باختلاف البقاع. فإن فقدت الأدلة واشتبهت على مريد الصلاة ولم يجد بحضرته من يسأله، اجتهد وصلى. وليس له الاجتهاد قبل السؤال. ولا يلزمه طلب من يسأله خلافا للحنبلية كما تقدم (¬4). والأصل فى ذلك قول عامر بن ربيعة: " كنا فى سفر مع النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة مُظْلمة، فلم ندر أين القبلةُ؟ فصلى كلُّ رجل منا على حِياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 571 ج 1 - روح المعانى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب). (¬2) ص 203 ج 3 - شرح المهذب. (¬3) ص 164 ج 1 - حاشية البجرمى على شرح المنهج (التوجه شرط). (¬4) تقدم ص 112.

فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وأشعث يُضَعَّف فى الحديث (¬1) {163} ويؤيده قول معاذ بن جبل: " صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم غيم فى سفر إلى غير القبلة فلما قَضى الصلاةَ تجلّت الشمس فقلنا يا رسولَ الله صلّينا إلى غير القبلة فقال: قد رفُعت صلاتكم بحقها إلى الله عز وجل " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه شْمر بن يقظان. ذكره ابن حبان فى الثقات (¬2) {164} ولو سأل قوما فلم يخبروه حتى صلى بالتحرّى ثم أخبروه بعد فراغه أنه لم يصل على القبلة فلا إعادة عليه. فإن اجتهد فى القبلة وأخطأ ففى ذلك خلاف (قال) الحنفيون وأحمد: إن تبين خطؤه بعد الفراغ من الصلاة لم يعدها، لأنّ الطاعة على حسب الطاقة لما ذكر. وإن علم بالخطأ فى أثناء الصلاة استدار إلى القبلة وبنى على ما مضى من صلاته. وهو قول للشافعى (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " بينما الناس بقُباه فى صلاة الصبح إذْ جاءهم أُمِر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها. وكانت وُجوهُهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة " أخرجه الشيخان (¬3) {165} ¬

(¬1) ص 165 ج 1 - ابن ماجه (من يصلى لغير القبلة وهو لا يعلم) وص 280 ج 1 - تحفة الأحوذى (الرجل يصلى لغير القبلة فى الغيم). (¬2) ص 15 ج 2 - مجمع الزوائد (الاجتهاد فى القبلة). (¬3) ص 343 ج 1 فتح البارى (ما جاء فى القبلة) وص 10 ج 5 - نووى (تحويل القبلة ... ) و (قباء) بضم القاف - يقصر ويمد، مصروف وغير مصروف - موضع على نحو ميلين جنوب المدين ة (فاستقبلوها) روى بكسر الياء وفتحها والكسر أصح.

(وعن) أنس: " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} فمرّ رجل من بنى سلمة وهم ركوع فى صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إنّ القبلة قد حُوّلت. فمالوا كما هم نحو البيت"أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {166} ومثل هذا لا يخفى على النبى صلى الله عليه وسلم. فكان ما مضى من صلاتهم بعد تحويل القبلة إلى الكعبة صحيحا، ولأن المجتهد أتى بما أُمِر به فخرج عن العهدة كالمصيب، ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر فلم تجب عليه الإعادة كالخائف يصلى إلى غيرها إذا تعذر عليه استقبالها. ولأنه شَرْطً عَجَزَ عنه فأشبه سائر الشروط (وقالت) المالكية: إن تبين خطؤه فى أثناء الصلاة يقيناً أو ظنا، قطعها البصير المنحرف كثيراً بأن كان مستديراً للقبلة أو مشرِّقا عنها أو مغرِّباً وابتدأها بإقامة، وغن كان الانحراف من البصير يسيراً أو كان من أعمى مطلقا، تحوّل إلى القبلة وأتم صلاته، وإن تبين الخطأ بعد تمام الصلاة، أعاد البصير المنحرف كثيرا بوقت. ولا إعادة على غيره. (ومشهور) مذهب الشافعية أنه إن تبين خطؤه فى أثناء الصلاة بأن كان مستدبرا لها أو منحرفا يَمَنةً أو يَسْرة استأنفها، وكذا إذا تبين له الخطأ بعد الفراغ منها، لأنه بأن له الخطأ فى شرط من شروط الصلاة، فلزمه الإعادة، كما لو بأن له صلى قبل الوقت أو بغير طهارة، بخلاف ظنّ الخطأ فإنه لا يؤثر فى صحة الصلاة. ¬

(¬1) ص 11 ج 5 - نووى. وص 178 ج 5 - المنهل العذب (من صلى لغير القبلة ثم علم).

(ب) سقوط الاستقبال: يسقط الاستقبال فى ثلاث حالات: (الأولى) صلاة شدّة الخوف من عدوّ أو سبع أو لصّ، سواء أخاف على نفسه أم دابته، وسواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلا، فليس الاستقبال بشرط حينئذ. لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً (¬1)} ولقوله تعال: : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (¬2)} ولحديث نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سُئِل عن صلاة الخوف وصفَها ثم قال: فإن كان خوفً هو أشدُّ من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركباناً مستقبلى القبلة أو غيرّ مستقبليها. قال نافع: لا أرى ابنَ عمر ذكر ذلك إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك والبخارى وابن خزيمة والبيهقى (¬3) {167} (الثانية) يجوز للمسافر التنفل على راحلته حيث توجهت (لقول) ابن عمر: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يُسبِّح على الراحة قِبَلَ أىِّ وجه توجّه. ويوُتِر عليها غير انه لا يصلى عليها المكتوبة " أخرجه البخارى وأبو داود (¬4) {168} (وقال) جابر: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته النوافل فى كل جهة، ولكنه يخفض السجود من الركعة ويومئ إيماء " أخرجه أحمد (¬5) {169} هذا. وجواز تطوّع المسافر على الراحلة مجمع عليه، غير أنه يلزم التوجه ¬

(¬1) سورة البقرة: أية 239. (¬2) سورة التغابن: أية 16. (¬3) ص 139 ج 8 - فتح البارى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا). (¬4) ص 389 ج 2 - فتح البارى (ينزل للمكتوبة) وص 82 ج 7 - المنهل العذب (التطوع على الراحلة). (¬5) ص 123 ج 3 - الفتح الربانى.

إلى القبلة حال التحريمة عند الشافعى وابن حبيب المالكى، وروى عن أحمد ولا يلزم عند غيرهم، وسواء فى ذلك قصير السفر وطويله عند الأكثر (وعن) مالك: لا يجوز ذلك إلا فى سفر القصر (وقال) الحنفيون: لا يشترط السفر بل تجوز صلاة النافلة خارج العمران - فى محل يجوز للمسافر القصر فيه ولو مقيما خرج لحاجة - على الراحلة مومياً بالركوع والسجود فرادى لا جماعة إلا على دابة واحدة على الصحيح (لقول) عامر بن ربيعة: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسِّبح يومئ برأسه قِبَل أىّ وجه توجه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فى الصلاة المكتوبة " أخرجه البخارى (¬1) {170} (وعن) أبى يوسف: جواز النافلة على الراحلة فى المصر أيضا. وبه قال أبو سعيد الاصطخرى الشافعى والظاهرية مستدلين بالأحاديث المطلقة التى لم يصرح فيها بذكر السفر. وبما روى منصور بن المعْتَمِر عن إبراهيم** النخعى قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابّهم حيثما توجهت. ذكره ابن حزم قال: وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عموما فى الحضر والسفر أهـ (¬2) وهو مبنى على عدم حمل المطلق على المقيد. لكن الجمهور يقولون بحمل الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر (وظاهر) الأحاديث أنّ جواز التنفل على الراحلة إلى الجهة التى قصدها، مختص بالراكب. وهو مذهب الحنفيين وأحمد والظاهرية (وقال) الشافعى والأوزاعى: يجوز للماشى التنفل إلى الجهة التى يقصدها قياساً على الراكب بجامع التيسير للمتطوّع، إلا أنه قيل لا يعفى له ¬

(¬1) ص 389 ج 2 - فتح البارى (ينزل للمكتوبة). (¬2) ص 58 ج 3 - المحلى (مسألة 297).

عدم الاستقبال فى الركوع والسجود وعدم إتمامهما، وأنه لا يمشى إلا فى قيامه وتشهده 0 وهل يمشى حال الاعتدال من الركوع؟ قولان. ولا يمشى** فى الجلوس بين السجدتين. ودلت الأحاديث أيضا على جواز الوتر على الراحلة فى السفر. وهو مذهب الجمهور ومالك والشافعى وأحمد (وقال) الحنفيون: لا يجوز الوتر على الدابة كالفرض إلا العذر (لما روى) نافع أنّ ابن عمر كان يصلى على راحلته ويُوتِر بالأرض، ويزعُم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل " أخرجه البخارى (¬1) {171} (وروى) سعيد بن جبير أن ابن عمر كان يصلى على راحلته تطوّعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض. أخرجه أحمد والطحاوى بسند جيد (¬2) (وأجابوا) عن إيتار النبى صلى الله عليه وسلم على الدابة، بأن ذلك كان قبل إحكام أمر الوتر وتأكيده. فلما أحكم وأكد أمره، كان يصليه على الأرض، أو أن إيتاره صلى الله عليه وسلم** على الدابة كان من خصوصياته. لكن ما استدلوا به لا يستلزم عدم جواز الوتر على الدابة. وما أجابوا به عن حديث ابن عمر مردود بأنه تفرقة لم يدل عليها دليل صريح. وبأن الأصل عدم الخصوصية، لاسيما وأن ابن عمر كان يوتر على الدابة وأنكر على من كان يوتر على الأرض (قال) سعيد بن يسار: كنت مع ابن عمر بطريق مكة فلما خَشِيت الصبحَ نزلتُ فأوترتُ. فقال ابن عمر: أليس لك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوَة حسنة؟ قلت بلى. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُوتِر عل البعير " أخرجه مالك والشيخان والبيهقى (¬3) {172} ¬

(¬1) ص 249 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬2) ص 312 ج 4 - الفتح الربانى. (¬3) ص 333 ج 2 - فتح البارى (الوتر على الدابة) وص 210 ج 5 نووى (صلاة النافلة على الدابة) وص 5 ج 2 بيهقى.

(وقال) جرير بن حازم: قلت لنافع أكان ابنُ عمر يُوتِر على الراحلة ظ قال وهل للوتر فضيلة على سائر التطوّع؟ إى والله لقد كان يوتر عليها. أخرجه البيهقى (¬1) (فالراجح) جواز الوتر على الدابة (ودلت) الأحاديث أيضا على أن المكتوبة لا تصح إلى غير القبلة، ولا على الدابة. وهو مجمع عليه إلا حال العذر. وهى: (الثالثة) لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إلا لعذر يتعذر معه النزول كخوف مرض أو زيادته وخوف عدوّ وسبع ونِفار دابة لا يقدر على ركوبها إلا بمعين، وكثرة طين ووحَل وفوات رُفقة. فيجوز حينئذ عند الحنفيين أن يصلى على الدابة بإيماء للسجود أخفض من الركوع. وقبلتُه حيث توجهت دابته. ولا تضر نجاسة السرج والركابين والدابة. وكالفرص فيما ذكر صلاة الجنازة والواجب كقضاء نفل أفسده ومنذورة، وسجدة التلاوة إذا تلا آيتها أو سمعها على الأرض. فلا تجوز على الدابة لغير ضرورة، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدّى بما هو ناقص. وكذا يسقط الاستقبال عن العاجز عنه لمرض وإن وّجد من يُوجهه إلى القبلة عند النعمان (وقال) الصاحبان: يلزمه التوجه إن وجد موجِّها ولو بأجر مثله إذا كان له مال. ولو خاف إنسان أن يراه العدوّ إن قام أو قعد صلى مضطجعا بالإيماء. وكذا الراكب الهارب من العدوّ يصلى على دابته ولا إعادة علا من ذكر، لأنّ الطاعة بحسب الطاقة (وقالت) المالكية: لا يصح فرض على الدابة ولو كان مستقبل القبلة إلا فى حرب جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، أو خوف من نحو سبعُ إن نزل عن دابته. ويعيد الخائف فى الوقت إن أمن، أو كان راكبا ¬

(¬1) ص 6 ج 2 - بيهقى.

فى طين رقيق لا يمكنه النزول فيه. فله أن يصلى على الدابة إيماء. سواء أكان مسافرا أم حاضرا، أو كان به مرض لا يطيق النزول معه وأمكنه أن يؤدّيها على الدابة كما يؤدّيها على الأرض. فإن أمكنه أن يؤدّيها على الأرض كاملة الأركان، وجب عليه أن يؤدّيها على الأرض. ويجب عليه استقبال القبلة فى هذه الأحوال كلها متى أمكنه ذلك وإلا صلى حيثما اتجه. (وقالت) الشافعية: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إلا إذا أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود والدابة واقفة. فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح. وقيل تصح كالسفينة فإنها تصح فيها الفريضة بالإجماع. ولو كان فى ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر يصلى الفريضة على الدابة حسب قدرته. وتلزمه إعادتها لأنه عذر نادر وتجوز عند أحمد وإسحاق صلاة الفريضة على الدابة إذا لم يجد موضعا يؤدّيها فيه نازلا ورواه العراقى فى شرح الترمذى عن الشافعى رحمه الله (¬1). (وحكى) النووى الإجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة من غير ضرورة. والأصل فى ذلك حديث يعلى بن مرة أمن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه والسماءُ من فوقهم والبِلّة من أسفَل منهم وحضَرت الصلاةُ فأمر المؤذنّ فأقام. فتقدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع " أخرجه أحمد والدار قطنى والبيهقى وقال فى إسناده ضعف، والترمذى وقال غريب. تفرّد به عمر بن الرماح. والعمل على هذا عند أهل العلم. وبه يقول أحمد وإسحاق (¬2) {173} ¬

(¬1) ص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬2) ص 126 ج 3 - الفتح الربانى = (صلاة الفرض على الراحلة لعذر) وص 146 - الدار قطنى. وص 7 ج 2 - بيهقى (النزول للمكتوبة) وص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم أذن فى سفر وهو على راحلته وأقام كما تقدم رقم 115 ص 75 (هل أذن النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه؟ ) والمراد بالسماء المطر. وبالبلة - بكسر الباء وسد اللام - الوحل.

(وأما حديث) النعمان بن المنذر عن عطاء بن أبى رباحٍ أنه سأل عائشة هلى رُخِّص للنساء أن يُصلِّينَ على الدواب؟ قالت لم يُرخَّصْ لهنَ فى ذلك فى شدة ولا رَخاء. قلا محمد بن شعيب هذا فى المكتوبة. أخرجه أبو داود والبيهقى والدار قطنى وقال: تفرّد به النعمان بن المنذر (¬1) {174} " فالمراد " بالشدّة فيه العذر الذى لا حرج معه فى الصلاة على الأرض. أما العذر الشديد فيباح معه أداء الفريضة على الراحلة للرجال والنساء إجماعا، لعموم ما تقدم من الأدلة. (ج) الصلاة فى السفينة ونحوها: اتفق الأئمة الأربعة على جواز الصلاة فرضا وغيره فى السفينة والقاطرة والطائرة ونحوها (فإن كانت) واقفة أو مستقرة على الأرض، صحت الصلاة فيها وغن أمكنه الخروج منها اتفاقا، لأنها إذا استقرّت كان حكمها حكم الأرض. ولابد من الركوع والسجود والتوجه إلى القبلة فى كل الصلاة. ويلزم أيضا القيام فى الفرض للقادر عليه (وإن كانت) سائرة فغن لم يمكنه الخروج إلى الشط وصلى قائماً بركوع وسجود، أو قاعداً لعجزه عن القيام - بأن كان يعلم أنه يدور رأسه لو قام - صحت صلاته اتفاقا (وإن كان) قادر على القيام أو على الخروج إل ىالشط فصلى فيها قاعدا بركوع وسجود صحت صلاته عند النعمان (لقول) ابن سيرين: صلى بنا أنس رضى الله عنه فى السفينة قعودا، ولو شئنا لخرجنا إلى الجدّ (¬2) ¬

(¬1) ص 86 ج 7 - المنهل العذب (الفريضة على الراحلة من عذر) وص 7 ج 2 - بيهقى. (¬2) الجد بضم الجيم، شاطئ النهر. وكذا الجدة، وبه سمى ثغر مكة " جدة ".

(وقال) مالك والشافعى وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا تصح الصلاة فى السفينة من قعود إلا لمن تعذر عليه الخروج وعجز عن القيام (لحديث) عِمْران بن حُصَين أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صَلِّ قائما. فإن لم تَسْتَطِعُ فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جنب " أخرجه البخارى والنسائى وزاد: فغن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (¬1) {175} وخذا مستطيع القيام (وقال) ابن عمر: " سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى السفينة قال: صلِّ قائما غلا أن تَّخافَ الغرَقَ " أخرجه الدار قطنى والحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم (¬2) {176} وهذا هو الراجح لقوّة أدلته. هذا. وإذا دارت السفينة ونحوها فى أثناء الصلاة استدار إلى القبلة حيث دارت إن أمكنه، لأنه قادر على تحصيل هذا الشرط بغير مشقة. فيلزمه تحصيله اتفاقا. فغن عجز عن الاستقبال صلى إلى جهة قدرته ولا إعادة عليه عند الأئمة الثلاثة (وقالت) الشافعية: إن هبت اريح وحوّلت السفينة فتحوّل صدره عن القبلة، وجب ردّه إلى القبلة ويبنى على صلاته، بخلاف ما لو كان فى البر وحوّل إنسان صدره عن القبلة قهرا فإنها تبطل صلاته. والفرق أن هذا ف البر نادر وفى البحر غالب، وربما تحوّلت ف ساعة واحدة مرارا (¬3). وما تقدّم م التفصيل والبيان يجرى فى الصلاة فى القاطرة والطائرة " وما قيل " من أنه لا تصح الصلاة فى الطائرة، لأنه يشترط فى السجود أن يكون على الأرض أو متصل بها " غير صحيح " لأن هذا بالنسبة لمن وقف بمكان وسجد على مرتفع أمامه ¬

(¬1) ص 3969 ج 2 - فتح البارى (إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب). (¬2) ص 152 - الدار قطنى. وص 275 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 242 ج 3 - شرح المهذب.

(التاسع) أركان الصلاة

(قال) العلامة الدسوقى: وأما السجود على غير المتصل بالأرض كسرير معلق، فلا خلاف فى عدم صحته، أى والحال أنه غير واقف فى ذلك السرير وإلا صحت كالصلاة فى المحمل (¬1). (التاسع) أركان الصلاة هى جمع ركن. وهو لغة الجانب القوى. ومنه قوله تعالى حكاية عن سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (¬2)} واصطلاحا ما تتوقف عليه صحة الماهية وكان جزءا ذاتيا لها. وللصلاة أركان. المذكور منها هنا ستة عشر: (1) النية: هى لغة العزم. وشرعا العزم على الشئ مقترناً بفعله. وصحت فى الصوم مع عدم المقارن للضرورة. فإنه يشق على الصائم مراقبة الفجر وهى ركن فى الصلاة عند المالكية والشافعية. وشرط عند الحنفيين وأحمد لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (¬3)} فإن الإخلاص هو النية، لأنه علم من أعمال القلب، ولحديث: " إنما الأعمال بالنيات " أخرجه الشيخان عن عمر (¬4) {177} أى صحتها بالنية. وقد أجمع العلماء على أنها فرض فى الصلاة وغيرها من مقاصد العبادات. ولابد من التعيين فى الفرض اتفاقا. كأن ينوى ظهرا أو عصرا وكذا الواجب عند الحنفيين كوتر وعيد وركعتى الطواف (وعند ¬

(¬1) ص 200 ج 1 حاشية الدسوقى على كبير الدردير (مكروهات الصلاة). (¬2) سورة هود: أية 80. (¬3) سورة البينة: أية 5. (¬4) انظر رقم 29 ص 106 ج 8 - الدين الخالص (شروطه صحة الزكاة).

الشافعية) لابد من تعيين الفرض بنية الفرضية، وقصد الفعل وتعيين الصلاة، بأن يقصد إيقاع صلاة فرض الظهر مثلا. ولابد أن يكون ذلك مقارنا لجزء من تكبيرة الإحرام (وعند) الحنفيين يشترط لصحة النية أن تكون سابقة تكبيرة الإحرام بلا فاصل أجنبى من الصلاة كالأكل والشرب والكلام. أما غير الأجنبى من الصلاة كالوضوء والمشى لها، فلا يضر الفصل به (وعند) المالكية والحنبلية: يصح تقدم النية على التحريمة بزمن يسير عرفا. (ويكفى) مطلق النية فى صلاة النفل ولو راتبة أو تراويح عند الحنفيين إلا أن الأحوط فى صلاة التراويح أن ينوى التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل. (وقالت) المالكية: يلزم التعيين فى السنة المؤكدة كالوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء. وكذا فى الرغيبة " وهى صلاة فجر " ويكفى مطلق النية فى المندوبات كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد. (وقالت) الشافعية: إن كانت النافلة لها وقت معين كالرواتب والضحى، أولها سبب كصلاة الاستسقاء والكسوف، فلابد من قصدها وتعيينها بأن ينوى سنة الظهر القبلية أو البعدية. ولابدّ من مقارنة ذلك لجزء من التحريمة. أما النفل المطلق فيكفى فيه مطلق قصد الصلاة حال النطق بأي جزء من أجزاء التحريمة (وقالت) الحنبلية: يشترط التعيين فى الرواتب وصلاة التراويح. ويكفى فى النفل المطلق نية مطلق الصلاة. هذا. ولا يشترط نية الفرضية فى الفرض عند غير الشافعية. ولا نية النفلية فى النفل، ولا نية عدد الركعات، ولا الأداء لقضاء اتفاقا. ولا يضر الغلط فى عدد الركعات عند الحنفيين ومالك فمن نوى الظهر مثلا خمس ركعات، فإن كان متعمدا بطلت صلاته عند غير الحنفيين وكذا عندهم

إن لم يقعد على راس الرابعة ثم يسلم. وإن قعد وسلم صحت صلاته ولغت نية الخامسة. وإن كان غالطا وصلاها أربعا، صحت عند الحنفيين ومالك. هذا. ويشترط أيضا فى حق المأموم أن ينوى الاقتداء بأن ينوى متابعة الإمام فى أوّل الصلاة. فلو أحرم شخص بالصلاة منفردا ثم وجد إماما فنوى الاقتداء به لا تصح صلاته عند الحنفيين ومالك (وقالت) الشافعية: إذا نوى الاقتداء فى أثناء الصلاة صحت إلا فى صلاة الجمعة، وما جمعت جمع تقديم للمطر. فإنه لابد أن ينوى الاقتداء فيهما أول صلاته. وإلا فلا تصح (وقالت) الحنبلية: يشترط فى صحة صلاة المأموم أن ينوى الاقتداء بالإمام أول الصلاة غلا إذا كان مسبوقا، فله أن يقتدى بعد سلام إمامه بمسبوق مثله فى غير الجمعة. وكذا إذا اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة، فله أن يقتدى بمقيم مثله بعد فراغ الإمام (وأما) نية الإمام الإمامة فشرط فى كل صلاة عند الحنبلية وتكون فى أول الصلاة إلا فى الصورتين السابقتين (وقال) الحنفيون: نية الإمام الإمامة شرط لحصول الثواب له. ولا يلزمه نيتها إلا إذا كان إماما للنساء، فإنه يشترط لصحة اقتدائهن به أن ينوى إمامتهن (وقالت) المالكية: يشترط نية الإمامة فى كل صلاة تتوقف صحتها على الجماعة وهى: الجمعة، والمغرب والعشاء المجموعتان جمع تقديم ليلة المطر، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف. فلو ترك نية الإمامة فى الأوليين بطلتا. وإن تركها فى صلاة الخوف بطلت على الطائفة الأولى لمفارقتها فى غير محل المفارقة. وصحت فى حق الإمام والطائفة الثانية. والخليفة إن نوى الإمامة صحت له وللمأمومين. وإن لم ينوها صحت صلاته وبطلت صلاة المأمومين (وقالت) الشافعية: يجب على الإمام أن ينوى الإمامة فى أربع مسائل:

(أ) الجمعة (ب) الصلاة المجموعة للمطر جمع تقديم، فإنه يلزمه أن ينوى الإمامة فى الثانية منهما دون الأولى، لأنها وقعت فى وقتها (ج) الصلاة المعادة فى القوت فلابد للإمام فيها من نية الإمامة (د) الصلاة التى نذر أن يصليها جماعة، فيلزمه أن ينوى فيها الجماعة. فإن لم ينوها صحت، ولا يزال آثما حتى يعيدها جماعة ناوياً الإمامة. هذا ما قاله الفقهاء. والثابت بالدليل أن شرط النية، عمله بقلبه أىّ صلاة يصلى. هذا. والنية محلها القلب. ولم يرد التلفظ بها عن أحد ممن يقتدى بهم، ولا عبرة باللسان وغن خالف القلب (قال) ابن الهمام: قال بعض الحفاظ: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ولا ضعيف، أنه كان يقول عند الافتتاح: أصلى كذا، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين. بل المنقول أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر. وهذه بدعة أهـ (¬1) (وقال) ابن نجيم: وزاد فى شرح المنية أنه لم ينقل عن الأئمة أيضا أهـ (¬2) (وقال) الشيخ منصور الحنبلى: والتلفظ بالنية فى الوضوء والغسل وسائر العبادات بدعة. ويكره الجهر بها وتكريرها. قال الشيخ تقى الدين: اتفق الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها وتكريرها، بل من اعتاده ينبغى تأديبه. والجهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه لاسيما إذا آذى به أو كرره. والجهر بها منهى عنه عند الشافعى وسائر أئمة المسلمين. وفاعله مسئ. ويجب نهيه ويعزل عن الإمامة عن لم ينته (¬3) (وقال) العلامة أبو بكر العامرى: ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم منطوقاً ولا مفهوما أنه تلفظ ¬

(¬1) ص 186 ج 1 - فتح القدير (شروط الصلاة). (¬2) ص 278 ج 1 - البحر الرائق. (¬3) ص 63 ج 1 - كشاف القناع (الوضوء).

بالنية ولا بالمنوى ولا دَخَلَ فى الصلاة بغير التكبير. وأما ما اعتاده الناس أمام التكبير من الشغل بالأشياء التى تشترط نيتها كقصد فعل الصلاة وتعيينها ومفروضها فلا بأس به. ولا كلام أنه إن تكلم بلسانه من غير نية لم يجزه. وإن نوى بقلبه وتكلم بالتكبير فقط كما هو المنقول عنه صلى الله عليه سلم، أجزأه وبعض الناس يزيد فى التحريم ألفاظا. فيذكر النية واستقبال القبلة وعدد الركعات فى تطويل وتهويل أحدثوه، لم يد به كتاب ولا سنة ولا أثر عمن تصح به القدوة " ومما أحدث " أيضاً وعم العلم به حتى توهم كثير من الناس أنه سنة أو واجب " ما اعتاده " المأمومون بأجمعهم من التكبير لتكبير إحرام إمامهم. ثم يعودون ينظمون الألفاظ ويكررونها لإحرام أنفسهم حتى يطول الفصل وتفوته فضيلة إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام وما أحسن تلك التكبيرة الزائدة لو كانت عقب إحرامهم وأدركوا بها الفضيلة أهـ بتصرف (¬1) (وقال) ابن الحاج: لا يجهر إمام ولا مأموم ولا فذّ بالنية، فإنه لم يرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء ولا الصحابة رضوان الله عليهم، جهروا بها فكان بدعة (¬2) (وقال) ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر ولم يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية ألبتة، ولا قال أصلى لله صلاة وكذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماماً أو مأموماً أداء أو قضاء ولا فرض الوقت. وهذه عشر بدع. لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مُسنّد ولا مرسَل، لفظة واحدة منها ألبتة بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه ¬

(¬1) ص 309 ج 2 - بهجة المحافل (صلاة سلف الصالحين). (¬2) ص 103 ج 2 مدخل (دخوله فى الصلاة).

أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة وإنما غرّ بعضَ المتأخرين قولُ الشافعى رضى الله عنه فى الصلاة: إِنها ليست كالصيام ولا يدخل فيها إلا بذكر. فظنّ أن الذكر تلفظ المصلى بالنية. وإنما أراد الشافعى رحمه الله بالذكر تكبيرة الإحرام ليس إلا. وكيف يستحب الشافعى أمراً لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة واحدة ولا أحد من خلفائه وأصحابه. وهذا هديهم وسيرتهم. ولا هَدّىَ أكمل من هديهم. ولا سُنة إلا ما تلقوه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم (¬1). (2) التحريمة: هى ركن عند الجمهور. وشرط صحة فى غير جنازة للقادر عليها - وليست ركنا على الصحيح - عند الحنفيين " وإنما اشترط لها " ما اشترط للصلاة من الطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها " لا تصالها " بالقيام الذى هو ركن. وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمّة. قال الله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (¬2) أجمع العلماء على أنّ المراد به تكبيرة الإحرام، لأن الأمر للوجوب وغيرها ليس بواجب (وعن) على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مِفْتاح الصلاة الطُّهورُ وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه والترمذى وقال: هذا أصح شئ فى هذا الباب وأحسن (¬3) {178} ¬

(¬1) ص 51 ج 1 - زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة). (¬2) سورة المدثر: أية 3. (¬3) انظر رقم 139 ص 68 ج 1 - بدائع المنن (صفة الصلاة) وص 159 ج 3 - الفتح الربانى (افتتاح الصلاة) وص 211 ج 1 - المنهل العذب (فرض الوضوء) وص 5 ج 5 منه (تحريم الصلاة وتحليلها) وص 60 ج 1 - ابن ماجه (مفتاح الصلاة الطهور) وص 132 ج 1 - مستدرك وص 12 = ج 1 تحفة الأحوذى. والمعنى أن الطهور أوّل شئ يبتدأ به من أعمال الصلاة لكونه شرطا ن شروط صحتها (والطهور) بضم الطاء اسم الفعل وهو التطهر بالماء أو التراب. ويحتمل أن يكون بفتح الطاء اسما لما يتطهر به.

وبقوله (وتحريمها التكبير) استدل الجمهور على أن افتتاح الصلاة إنما يكون بالتكبير دون غيره من الأذكار (ويتعين) فيه لفظ الله أكبر عند مالك وأحمد واكثر السلف، لأن أل فى التبكير للعهد. والمعهود هو التكبير الذى نقلته الأمة خلفا عن سلف عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله فى كل صلاة ولم يقل غيره ولا مرة واحدة (ولحديث) رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنه لا تتمّ صلاة لأحد من الناس حتى يتَوضأَ فيَضعَ الوُضوءَ مواضعه ثم يكبرُ " (الحديث) أخرجه أبو داود (¬1) {179} (وقال) الشافعى: يتعين أحد اللفظين الله أكبر أو الله الأكبر، لأن المعرّف ف معنى المنكّر. فاللام لم تخرجه عن موضوعه. بل هى زيادة فى اللفظ غير مخلة بالمعنى (وقال) أبو يوسف: يتعين ألفاظ التكبير وهى الله الكبير، والله أكبر، والله الأكبر، والله كبير، والله الكُبَّّار كرمّان ويخفف لدخول ذلك كله تحت قوله: وتحريمها التكبير (وقال) النعمان ومحمد: يصح الشروع فى الصلاة بكل ذكر خالص دال على تعظيم الله تعالى لقوله: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (¬2)} المراد ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لأنه عطف صَلىّ على ذكَرَ بالفاء الدال على التعقيب بلا فاصل. والذكر الذى تعقبه الصلاة بلا فاصل هو التحريمة. ولإطلاق الآية قالا: يصح الشروع بما ذكر. فلو شرع بغير التبكير، بأن قال الله أجل أو أعظم، أو الرحمن ¬

(¬1) ص 303 ج 5 - المنهل العذب (صلاة م يقيم صلبه فى الركوع). (¬2) سورة الأعلى: أية 15.

أكبر أو تبارك الله أو سبّح او هلّل، صح مع الكراهة التحريمية، لحديث " وتحريمها التبكير" ونحوه. وهو حديث آحاد يفيد الوجوب. ولمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على الافتتاح بالله أبكر. (وجملة القول) أنّ الثابت بالنص عندهم الافتتاح بذكر خالص يدل على التعظيم. ولفظ التكبير ثبت الدليل ظنى يفيد الوجوب. فيكره تحريما الافتتاح بغيره لن يحسنه. وخرج بالذكر الخالص غيره. فلا يصح الشروع فى الصلاة بنحو اللهم أغفر لى، لأنه مشوب بالدعاء، ولا بالتعوّذ والحوقلة، لنهما فى معنى الدعاء. ولا البسملة لأنهما للتبرك. هذا. ويشترط لصحة التحريمة تسعة شروط: (1) أن تكون متصلة بالنية حقيقة أو حكما كما لو وجد فاصل غير أجنبى من الصلاة كالوضوء على ما تقدم بيانه فى النية (2) الإتيان بها قائما أو منحنيا قليلا فيما يلزم فيه القيام. فإن أتى بها منحنياً قليلا ل يضر، خلافاً للمالكية حث قالوا ببطلانها إذا أتى بها غيرُ المسبوق منحنياً ولو قليلا. أما المسبوق إذا ابتدأ التكبير من قيام حال الانحناء بلا فصل فصلاته صحيحة. ويعتد بالركعة على القول الراجح. وإن ابتدأ التكبير حال الانحناء صحت صلاته ولا يعتدّ بالراكعة. وإن أتى بالتحريمة منحنياً وهو إلى الركوع أقرب، لا تصح صلاته خلافاً للحنبلية حيث قالوا تصح ما لم يكن راكعاً أو قاعدا. فإن أتى بها من قعود أو ابتدأها قائما وأتمها راكعا انعقدت نفلا واستأنف الفرض. (3) النطق بها بحيث يسمع نفسه إن أمكن (وقالت) المالكية: لا يشترط إسماع نفسه ولو لم يكن مانع كصمم وضوضاء. ولا يلزم الأخرس ولا الأمى تحريك اللسان بها. بل يكفيهما مجّرد النية عند المالكية والحنبلية وهو

الصحيح عند الحنفيين وكذا إن كان الخرس أصليا عند الشافعية. وإن كان طارئا فلا بد عندهم من تحريك لسانه وشفتيه بالتكبير ... (4) أن تكون بجملة عربية صحيحة إن كان قادرا عليها عند الأئمة الثلاثة وهو المشهور عند الحنفيين. لكن قال العلامة ابن عابدين: ولو كبر بالفارسية أو بأى لسان - سواء أكان يسحن العربية أم لا - جاز بالاتفاق (¬1) (5) ألاّ يمدّ همزا فيها ولا باء أكبر. فإن فعل بطلت صلاته عند الجمهور وعند المالكية لا يضر مدّ الهمزة إلا إذا قصد الاستفهام، ولا مدّ باء أكبر إلا إذا قصد به جمع كَبَر بفتحتين. وهو الطبل له وجه واحد. (6) عدم حذف الهاء من لفظ الجلالة. (7) ألاّ يأتى لا بواو متحركة بين الكلمتين بأن يقول الله وأكبر، أما زيادة واو ساكنة ناشئة م إشباع الهاء فلا يضر خلافا للحنبلية (وقالت) الشافعية: يغتفر للعامى زيادة واو متحركة أو ساكنة ولو بلا عذر. (8) ألاّ يشرع فيها المأموم قبل فراغ إمامه منها عند الجمهور (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جّعِل الإمامُ لِيؤتمّ به. فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر " (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود (¬2) {180} (وقالت) المالكية: يشترط أن يبدأ التحريمة بعد بدء الإمام وألاّ يختمها قبله. (9) الموالاة فى النطق بين لفظى التحريمة عند من يرى تعين لفظ الله أكبر بحيث لا يفصل بين لفظى الله وأكبر بكلام طويل أو قصير أو سكوت طويل عرفا عند المالكية (وقالت) الشافعية: يضر ¬

(¬1) ص 358 ج 1 - رد المحتار. (¬2) ص 197 ج 3 - الفتح الربانى (قراءة المأموم وإنصاته) وص 330 ج 4 المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود).

الفصل بسكوت زائد على سكتة النفس والعىّ، وبكلام أجنبى أو بذكر ليس وطبقاً لله ولو قصيرا. أما الفصل بوصف للفظ الجلالة، فلا يضر إن لم يزد على كلمتين، كأن يقول: الله الرحمن الرحيم أبكر. ولا يضرك الفصل بأداة التعريف. (فائدة) يسن للمأموم والمنفرد الاقتصار فى التكبير على ما يسمع نفسه فقط. ويسن للإمام رفع صوته به بقدر ما يسمع المأمومين. ويكره له الجهر أزيد من ذلك (ومن البدع) السيئة ما يفعله كثير ممن استحكم عليهم تلبيس إبليس من الجهر بالتكبير والتهويش على المصلين. فقد عدلوا فى ذلك عن المشروع وجانبوا المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصاروا يرفعون أصواتهم بالتكبير ويردد أحدهم التحريمة ويلتوى حتى كأنه يحاول أمراً فادحا، أو يتسوغ أُجاجا مالحا. ويكرر التكبير حتى تفوته الفتحة بل الركعة بل الصلاة جملة. فيقع فى الخيبة والحرمان، ويبلغ الشيطان منه مراده ويؤذى من حوله بالجهر بالتكبير وترديده. ويظن أنه لا يسمع نفسه إلا بذلك فيتضاعف وزره. وقد بلغ الشيطان منهم أن أغواهم وأخرجهم عن سلوك طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم. فصاروا من المتنطعين الغالين فى الدين الذين ضل سعيهم فى العقل أو جهل بالسنة. وفيه اقتدى الجاهلون بالمهملين (قال) عماد الدين يحيى العامرى: قلا السيد الجليل أحمد بن عطاء الرُّوذَبارى (¬1): كنت أستقصى فى أمر الطهارة حتى ضاق صدرى ليلة لكثرة ¬

(¬1) الروذبارى، بضم الراء وفتح الذال المعجمة والباء الموحدة: نسبة إلى روذبار، مدينة بالشام.

ما صببن من الماء ولم يسكن قلبى. فقلت: يارب عفوَك عفوَك. فسمعت هاتفاً يقول: العفو فى العلم. فزال عنى ذلك. وَنَعَم لقد صدق " فلو تأمل " الموسوسون أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وتعرفوها، وعلموا تيسيره وأنه لم ينقل عنه أنه تردّد فى التكبير ولا تلفظ بقول أصلى ولا غيره سوى التكبير " لرأوا " ما هم فيه من ضلال وخروج عن حدّ الاعتدال. وقد أوجب الله علينا اتباعه صلى الله عليه وسلم فى الأفعال والأقوال. قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (¬1)} وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (¬2)} وأخبر تعالى أن الشيطان واقف لما بالمرصاد، يمنع عن الطاعات، ويرغِّب فى المخالفات: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (¬3)} وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع على الكتاب والسنة عند التنازع فقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (¬4)} وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (¬5)} وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (¬6)} فقد حتم الله على الخلق اتباعه ¬

(¬1) سورة آل عمران: أية 31. (¬2) سورة الأنعام: أية 153. (¬3) سورة الأعراف: أية 16، 17. (¬4) سورة النساء: أية 59 وأولها: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول). (¬5) سورة النساء. أية 65 (¬6) سورة الحشر: أية 7.

صلى الله عليه وسلم فى أحكام الشريعة وإن لم تكن على هوى الأنفس. ففى الحديث " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به " ذكره النووى فى كتاب الحجة بسند صحيح (¬1). {181} (وقال) السيد الجنيد بن محمد البغدادى: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر النبى صلى الله عليه وسلم. إذا علمت أيها الموسوس ما ذكر، ثبت عندك أن الصلاة النبى صلى الله عليه وسلم وصلاة أصحابه والسلف الصالح، كانت خالية عن مثل ما استحدثه جهلك أو سوء رأى من اقتديت به. فتخل عنه وتحل بهدى النبى صلى الله عليه وسلم فإنه ليس بعد الحق إلا الضلال. ولا خير فى صلاة اشتملت على بدعة أو ترك فيها سنة. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (¬2)} هذا. وقد علمت أن هذه الوساوس من من تلبيس إبليس. وطريق دفعها أن يذكر الله تعالى ويتعوذ بالله من الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثا (قال) عثمان بن أبى العاص رضى الله عنه: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بينى وبين صلاتى وقراءتى يَلْبسها علّى. فقال صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خَنْزَبُ فإذا أحسته فتعوذ بالله منه واتْفل عن يسارك ثلاثا، ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عنى " أخرجه أحمد ومسلم (¬3) {182} ¬

(¬1) وأخرجه الحاكم وغيره عن ابن عمرو. انظر رقم 46 ص 73 فتاوى أئمة المسلمين .. (¬2) سورة الأحزاب: أية 21 أهـ ملخصا من ص 311 - 315 ج 2 - بهجة المحافل. (¬3) ص 139 ج 4 - الفتح الربانى (وسوسة الشيطان للمصلى .. ) وص 189 ج 14 - نووى (التعوذ من شيطان الوسوسة فى الصلاة) و (يلبسها) بفتح فسكون فكسر: أى يخلطها علّى ويشككنى و (خنزب) بتثليث الخاء وسكون النون وفتح الزاى، لقب للشيطان. والخنزب فى الأصل قطعة لحم منتنة.

(وقال) أبو زُمَيل: قلت لابن عباس ما شئ أجده فى صدرى؟ قال: ما هو؟ قلت والله لا أتكلّم به. فقال لى أشئ من شك؟ إذا وجدت فى نفسك شيئاً فقل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أخرجه أبو داود (¬1) (وقال) النووى: يستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلى بالوسوسة فى الوضوء والصلاة وأشباههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنَس. ويؤيده حيدث الحارث الأشعرى: أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ الله أمرَ يحيى بنَ زكريا بخمس كلمات، أن يعمل بها ويأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها (الحديث) وفيه: وأمرَكم بذكر الله كثيرا. فإن مثَل ذلك كمثَل رجل طلبه العدوّ سِراعا فى أثره، فأتى حِصْناً حصينا فتحصن فيه. وإن العبدَ أحصنُ ما يكون من الشيطان إذا كان فى ذكر الله " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى. وقال: حسن غريب صحيح (¬2) {183} ومما يدفع الوَسواس، قراءة المعوذتين. فإن لهما تأثيرا عجيبا فى دفع شر الشيطان والتحصن منه (قال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الجانّ وعينِ الإنسان حتى نزلت المعوذتان. فأخذ بهما وترك ما سواهما " أخرجه الترمذى وحسنه (¬3) {184} ومما يدفع الوسواس. قراءةُ آية الكرسى. ففى حديث أبى هريرة: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسى. فإنه لن يزالَ عليك من الله حافظ ولا يقربُك شيطان حتى تُصبِحَ (الحديث) أخرجه البخارى مطولا (¬4) {185} ¬

(¬1) انظره تاما ص 309 ج 4 - سنن أبى داود (ردّ الوسوسة - أبواب النوم) و (أبو زميل) بالتصغير - سماك بن الوليد. (¬2) ص 130 ج 4 - مسند أحمد. وص 37 ج 4 - تحفة الأحوذى (مثل الصلاة والصيام والصدقة) ويأتى الحديث تاما بهامش ص 225 ج 3 - الدين الخالص (الالتفات فى الصلاة (إن شاء الله. (¬3) ص 165 ج 3 - تحفة الأحوذى (الرقية بالمعوّذتين). (¬4) ص 212 ج 6 = فتح البارى (صفة إبليس وجنوده -بدء الخلق) وسيأتى تاما إن شاء الله تعالى فى بحث (الدعاء والاستغفار بعد الصلاة).

(3) القيام: هو ركن فى الفرض للقادر عليه إجماعا، لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (¬1)} أى مطيعين. والمراد القيام فى الصلاة بإجماع المفسرين (ولقول) عمِران بن حُصيْن رضى الله عنه: " كانت بى بَواسيرُ فسألتُ النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: صل قائماً. فإن لم تستطع فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جَنْب " أخرجه البخارى والنسائى وزاد: فغن لم تستطع فمستلقيا " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها (¬2) " وهو ركن أيضاً عند الحنفيين فى الواجب وما ألحق به كسنة الفجر للقادر عليه وعلى الركوع والسجود. وحدّه أن يقف منتصباً بحيث لو مدّ يديه لا ينال ركبتيه. وهو فرض من التحريمة إلى الركوع عند الجمهور (وقالت) المالكية: هو فرض فى صلاة الفرض للتحريمة وقراءة الفاتحة والهوىّ للركوع. وسنة حال قراءة السورة. فلو استند حال قراءتها إلى ما لو أزيل لسقط، لا تبطل. لكنه إذا جلس وقت قراءتها بطلت صلاته، لإخلاله بهيئة الصلاة. هذا. ومن قدر على القيام دون الركوع والسجود، لزمه القيام عند الجمهور (وقال) الحنفيون: يخير بين القيام والقعود وهو أفضل. ومن ضعُف عن القيام، لزمه القيام معتمدا على نحو عصا، عند الحنفيين وأحمد وجماعة من الشافعية (لحديث) أم قيس بنت فُحْصَنٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم لما أسَنَ وحمَل اللحم اتخذ عمودا فى مُصلاّه يعتِمد عليه " أخرجه أبو داود. ¬

(¬1) سورة البقرة عجز أية: 238 وأولها: حافظوا على الصلوات. (¬2) تقدم رقم 175 ص 125 (الصلاة فى السفينة).

وفى سنده عبد الرحمن بن صخر. قال فى التقريب مجهول (¬1) {186} ولا يلزمه القيام مستندا عند المالكية والقاضى حسين الشافعى بل يستحب. وإن كان الاعتماد لغير عذر، فالصلاة صحيحة مع الكراهة عند الحنفيين (وقالت) المالكية وجمهور الشافعية والحنبلية: تبطل الصلاة لو كان الاستناد إلى ما لو أزيل لسقط المصلِّى وهذا كله فى المكتوبة. وأما التطوّع فيجوز الاعتماد فيه بلا كراهة عند الجمهور. وحكى عن ابن سيرين كراهته. وهو قول للحنفيين. (فائدة) اختص النبى صلى الله عليه وسلم بجواز صلاة الفرض قاعدا بلا عذر (¬2). وبأن تطوّعه قاعدا بلا عذر كتطوّعه قائما فى الأجر (لقول) ابن عمرو رضى الله عنهما: " حُدِّثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاةُ الرجل قاعدا نصفُ الصلاة فأتيتُه فوجدتُه يصلى جالسا فوضعتُ يدى على رأسه فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت: حُدّثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة وأنت تصلى قاعدا. قال أجَلْ ولكنى لست كأحد منكم " أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى (¬3) {187} ¬

(¬1) ص 53 ج 6 - المنهل العذب (الرجل يعتمد فى الصلاة على عصا). (¬2) ذكره المناوى فى شرح الخصائص. (¬3) ص 14 ج 6 - نووى (جواز النافلة قامئا وقاعدا) وص 56 ج 6 - المنهل العذب (صلاة القاعد) وص 245 ج 1 - مجتبى (فصل صلاة القائم على القاعد) (فوضعت يدى ... ) أى بعد فراغه صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال القارى: وإنما وضعها ليتوجه إليه، وكأنه كان هناك مانع من أن يحضر بين يديه. ومثل هذا لا يسمى خلاف الأدب عند العرب، لعدم تكلفهم وكمال تألفهم أهـ وفى رواية أبى داود: فوضعت يدى على رأسى. فعله تعجبا وليلتفت إليه و (أجل) كنعم وزنا ومعنى.

وهو محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام. أما صلاة الفرض قاعدا مع القدرة على القيام، فلا تصح. ويكون آثما. وإن استحله كفر وجرى عليه أحكام المرتدين. وإذا صلى الفرض أو النفل قاعدا لعجزه عن القيام، فثوابه كثواب القائم (لحديث) أبى موسى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مرض العبد أو سافر، كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم " أخرجه البخارى (¬1) {188} (4) القراءة: هى فرض على من قدر عليها بالعربية إماما ومنفردا اتفاقا، وفى أحكامها تفصيل عند الأئمة (قال) الحنفيون: هى فرض على غير أمىّ وأخرس ومأموم فى ركعتين غير معينتين من الفرض. وفى كل ركعات النفل والوتر. وفرضها عند النعمان آية لو قصيرة مركبة من كلمتين كآية " ثمَّ نظَرَ " أما المركبة من كلمة "كَمُدْهَاَّمتَان (¬2) " فالأصح أنها لا تكفى (وقال) أبو يوسف ومحمد: فرضها ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تعِدلها. والمفروض عندهم مطلق القراءة لا قراءة الفاتحة بخصوصها، لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآن (¬3)} (ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاةَ إلا بقراءة " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (¬4) {189} (ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: ¬

(¬1) ص 83 ج 6 - فتح البارى (يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة - الجهاد). (¬2) تثنية مدهامّة، من الداهمة وهى السواد، أى خضراوان تضربان إلى السواد لكثرة بساتينهما. (¬3) المراد القراءة فى الصلاة، لأنها المكلف بها. (¬4) ص 144 ج 2 - تيسير الوصول (القراءة) ذكره رواية فى حديث أبى هريرة

" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن (¬1) (وقالت) الحنبلية: تفترض القراءة على غير مأموم فى كل ركعات الفرض والنفل. وهو الصحيح عند المالكية (لقول) جابر رضى الله عنه: " من صلّى ركعةً لم يقرأْ فيها بأمّ القرآن فلم يُصلِّ إلا أن يكون وراءَ الإمام " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح (¬2) قال أحمد: فهذا صحابى تأوّل قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أنّ هذا إذا كان وحده. واختار أحمد مع هذا القراءة خلف الإمام (¬3) (وقالت) الشافعية: تفترض القراءة على كل مصلى فى كل ركعة، لقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته-من حديث أبى هريرة -: " ثم أفعل ذلك فى صلاتك كلها (¬4) " وفى رواية لأحمد والبيهقى " ثم أفعل ذلك فى كل ركعة " (وعن) مالك بن الحُويرث أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قلا: " صلوا كما رأيتمونى أصلى " أخرجه البخارى (¬5) {190} وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ الفاتحة فى كل ركعة (قال) أبو قتادة رضى الله عنه: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين الأولَييْنِ من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورةٍ ويُسمِعُنا الآية أحيانا، ويقرأ فى الركعتين الآُخْرَيْين بفاتحة الكتاب " أخرجه مسلم (¬6) {191} هذا. وتتعين الفتحة للقادر عليها عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور لحديث عُبادةَ بن الصامت أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ ¬

(¬1) تقدم رقم 159 ص 111 (استقبال القبلة). (¬2) ص 261 ج 1 - تحفة الأحوذى (ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر بالقراءة). (¬3) ص 257 منه. (¬4) تقدم رقم 159 ص 111. (¬5) هذا بعض حديث ص 76 ج 2 - فتح البارى (الأذان للمسافرين). (¬6) ص 172 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر).

بفاتحة الكتاب " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (¬1) {192} وجه الدلالة أنّ النفى فى قوله: لا صلاة، متوجه إلى ذات الصلاة، لأنّ المراد الصلاة الشرعية. وهى تنتفى بفقد جزء منها كما تنتفى بإنتفاء الكل. ويحتمل توجه النفى إلى صحة الصلاة أو إجرائها - لا إلى كمالها - لأنّ نفيتهما أقرب إلى نفى الحقيقة، ولأنّ نفيهما يستوجب نفى الكمال من غير عكس، (ولحديث) عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قلا: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب " أخرجه الدار قطنى وقال إسناده صحيح (¬2) {193} (وأجابوا) عن أدلة الحنفيين بأنها مجملة بينتها الأحاديث المفصلة. (وقال) الحنفيون: قراءة الفاتحة واجبة، لأن هذه الأحاديث منها ما هو قطعى الثبوت ظنى الدلالة كحديث عبادة بن الصامت الأوّل. والباقى ظنى الثبوت فتفيد الوجوب لا الفرضية. ويشترط فى القراءة أن تكون صحيحة شرعا مسموعة للقارئ حيث لا مانع عند الجمهور. ويكفى عند المالكية أن يحرّك بها لسانه. والأولى أن يُسمع بها نفسه مراعاة للخلاف. هذا. ومن عجز عن القراءة كأمىّ وأخرسَ، لا تكون ركنا فى حقه اتفاقا، واختلفوا فيما يطلب منه (قال) الحنفيون: يقف ساكنا ولا يجب عليه الذكر بل يندب. وعلى الأمىّ أن يجتهد فى تعلم القراءة (وقالت) المالكية: يلزمه الاقتداء بمن يحسن القراءة إن أمكنه. ¬

(¬1) ص 193 ج 3 - الفتج الربانى. وص 163 ج 2 - فتح البارى (وجوب القراءة للإمام والمأموم). وص 100 ج 4 - نووى. وص 145 ج 1 - مجتبى (إيجاب قراءة الفاتحة فى الصلاة). (¬2) ص 122 الدار قطنى.

وإلا سقطت القراءة عنه. فيكون فرضه الذكر عند محمد بن سحنون. ومعتمد المذهب أنه لا يجب عليه تسبيح ولا تحميد. بل يندب له أن يفصل بين التحريمة والركوع بذكر الله تعالى (وقالت) الحنبلية: من عجز عن الفاتحة، لزمه قراءة قدرها فى عدد الحروف والآيات من غيرها. فإن لم يسحن إلا آية من الفاتحة أو من غيرها، كرّرها بقدرها. وإن كان يحسن شيئاً آيه منها وآية من غيرها، كرّر آيتها بقدرها دون الأخرى. فإن لم سحن شيئاً من القرآن، لزمه أن يقول: سبحان لله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لما فى حديث رِفاعةَ بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: " فإن كان معك قرآن فاقرأ. وإلا فاحْمدَ الله وكبّره وهلّله ثم أرجع " أخرجه أبو داود (¬1) {194} (وقال) عبد الله بن أبى أوفى: " جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن لا أستطيعُ أن آخُذَ من القرآن شيئاً فعلِّى ما يجزئنى منه. فقال قل: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلا اللهُ والله أكبرُ ولا حولَ ولا قوّةَ غلا بالله. قال يا رسول الله هذا لله فما لى؟ قال قل: اللهم ارحمنى وارزقنى وعافِنى واهِدنى. فلما قام، قال هكذا بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا هذا فقد ملأ يَده من الخير: أخرجه النسائى وأبو داود والدار قطنى والحاكم (¬2) {195} ¬

(¬1) ص 306 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع والسجود). (¬2) ص 146 ج 1 - مجتبى (ما يجزئ مم القراءة لمن لا يحسن القرآن) وص 265 ج 5 المنهل العذب (ما يجزئ الأمى والأعجمى من القراءة) وص 118 الدار قطنى (فقال) أى أشار (بيده) ضاما لبيان أنه حفظ ما سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم. ويؤيده قوله: عند الدار قطنى - بعد ولا حول ولا وقة إلا بالله - قال: فضم عليها بيده وقال: هذا لربى: فما لى؟ قال ل: اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى وارزقنى وعافنى. فضم بيده الأخرى وقام.

فإن لم يُحْسنْ إلا بعض هذا الذكر كرّره بقدره فى الحروف والجمل. فإن لم يحسن شيئاً من الذكر وقف بقدر الفاتحة كالأخرس. زلا يلزمه الاقتداء بالقارئ بل يستحب خروجا من خلاف من أوجبه. وكذا قالت الشافعية إلا أنهم اختلفوا فى الذكر. فقال بعضهم: يجب ان يقول: سبحان الله والحمد لله الخ ما فى الحديث. ولا يزيد عليه. والصحيح أنه لا يتعين شئ من الذكر. بل يِجزئه التهليل والتسبيح والتكبير وغيرها. ويجب سبعة أنواع من الذكر. ويشترط ألاّ ينقص ما أتى به عن حروف الفاتحة. هذا (واختلف) فيمن عجز عن القراءة بالعربية فى الصلاة، هل يقرأ بغير العربية؟ (قال) الجمهور: لا تجوز القراءة بغير العربية ولو فى غير الصلاة. وإن قرأ فيها بطلت، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، لم يقرءوا القرآن بغير العربية ولو خارج الصلاة. وغير العربىّ لا يكون قرآنا. وقد قال تعالى: {قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (¬1)} وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (¬2)} (وقال) النعمان: تجوز القراءة بغير العربية حتى لمن يُحسنها، لقول الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ (¬3)} قال: ولا يُنْذّركم قوم إلا بلسانهم (وأجيب) بأن الإنذار يحصل بنقل معناه. ولا يتوقف على قراءته بغير لفظة المنزل (قال) النووى: مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، سواء أمكنه العربية ¬

(¬1) سورة الشعراء: أية 193 - 195. (¬2) سورة الأنعام من أية: 19 وأولها: (قل أى شئ أكبر شهادة) أى لأنذركم بهذا القرآن ومن سيبلغه من بعدى فكأنى أنذرته وبلغته. (¬3) سورة الأنعام من أية: 19 وأولها: : (قل أى شئ أكبر شهادة) أى لأنذركم بهذا القرآن ومن سيبلغه من بعدى فكأنى أنذرته وبلغته.

أم عجز عنها، وسواء أكان فى الصلاة أم فى غيرها. فإن أتى بترجمته فى صلاة لم تصح صلاته وغن لم يسحن القراءة. وبه قال الجمهور منهم مالك وأحمد وداود (¬1) (ثم قال) " وإذا علم " أنّ الترجمة ليست قرآنا، وقد ثبت أنه لا تصح صلاة إلا بقرآن " حصل " أنّ الصلاة لا تصح بالترجمة. والصلاة مبناها على التعبد والاتباع لا على الرأى والاختراع " وإذا نظرنا " فى أصل الصلاة أعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها فى كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها، وأن مدارها على الاتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلا " لوجدنا هذا " يسدّ باب القياس. حتى لو قال قائل: مقصود الصلاة الخضوع فيقوم السجود مقام الركوع، لم يقبل ذلك منه وإن كان السجود أبلغ فى الخضوع. ثم عجبت من قولهم: إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن فى تحريمها على الجنب، ويقولون لها حكمه فى صحة الصلاة التى مبناها على التعبد والاتباع، وهذا بخلاف تكبيرة الإحرام التى قلنا يأتى بها العاجز عن العربية بلسانه، لأن مقصودها المعنى مع اللفظ. وهذا بخلافه أهـ بتصرف (¬2). (5) الركوع: هو لغة مطلق الانحناء والميل. وشرعا الانحناء بالظهر والرأس جميعاً فى الصلاة. وهو فرض فى كل صلاة - غير الجنازة - للقادر عليه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (¬3)} أى فى الصلاة (وعن) أبى هريرة فى حديث المسئ صلاتَه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ¬

(¬1) ص 379 ج 3 - شرح المهذب. (¬2) ص 381 منه. (¬3) سورة الحج: أية 77.

أخرجه السبعة (¬1) (وأقله) بالنسبة للقائم - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - انحناؤه بالرأس بحيث لومدّ يديه لمس ركبتيه إذا كان معتدل الخلقة لا طويل اليدين ولا قصيرهما. وبالنسبة لغير الوسط الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لو كان وسطا (وقالت) المالكية: أقله أن ينحنى حتى تقرُب راحتاه من ركبتيه إن كان متوسط اليدين، بحيث لو وضعهما لكاننا على رأس الفخذين مما يلى الركبتين (وأكمله) عند الكل: يكون بتسوية الرأس والعجز والاعتماد بيديه على ركبتيه وتفريج أصابعه وبسط ظهره (لقول) أى حُميد الساعدى رضى الله عنه: " كان النبىّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع اعتدل ولم يُصَوّبْ رأسه ولم يُقْنِعْه ووضَع يديه على ركبتيه " أخرجه النسائى (¬2) {196} " وأقله " بالنسبة للقاعد - عند الحنفيين - يحصل بطأطأة الرأس مع انحناء الظهر. وأكمله أن تحاذى جبهتُه قدّام ركبتيه (وعند) الشافعية وأحمد: أقله للقاعد مقابلة وجهه ما أمام ركبتيه. وأكمله عند الشافعية أن تحاذى جبهته موضع سجوده بحيث تكون قريباً منه. وعند أحمد أن تتم مقابلة وجهه لما قدّامَ ركبتيه. (6) السجود: هو فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمّة. وتكريره ¬

(¬1) ص 155 ج 3 - الفتح الربانى. وص 141 ج 1 - مجتبى (فرض التكبيرة الأولى) وص 249 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة) وتقدم باقى المراجع رقم 159 ص 111 (استقبال القبلة). (¬2) ص 159 ج 1 - مجتبى (الاعتدال فى الركوع) و (لم يصوّب رأسه .. ) أى لا يميل بها إلى أسفل، ولا يرفعها أعلى من ظهره. فالتصويب انخفاض الرأس إلى أسفل (ويقنع) من أقنع إذا رفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره.

فى كل ركعة فرض بالسنة والإجماع. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاتّه: ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم ارفع حتى تطمئن جالسا. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا (الحديث) أخرجه أحمد والخمسة (¬1). وهو لغة الخضوع. ويتحقق عند النعمان وابن القاسم المالكى بوضع الجبهة أو الأنف على الأرض أو على متصل بها بشرط أن يكون ثابتاً لا يلين بالضغط كالحصير والبساط، بخلاف القطن الندوف والتبن والأرز ونحوها مما لا تستقرّ الجبهه عليه. فإنه لا يصح السجود عليه. وتمامه يكون بالإيتان بالواجب فيه. وهو وضع جميع الكفين والركبتين والقدمين والجبهة والأنف فى مكان السجود. فإن اقتصر على أحدهما بلا عذر صح السجود مع الكراهة. ولو لعذر فلا كراهة (لحديث) العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سجدا العبدُ سجد معه سبعةُ آرابٍ: وجهُه وكفاه وركبتاه وقدماه " أخرجه أحمد ومسلم والأربعة (¬2) {197} وهو خير بمعنى الأمر. أى فليسجد معه سبعة أعضاء. والمراد بالوجه الجبهة والأنف، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أّمِرْتُ أن أسجدَ على سبْع ولا أكْفِتَ الشعْرَ ولا الثياب ¬

(¬1) انظر المراجع ص 111 و 147. (¬2) ص 285 ج 3 - الفتح الربانى (أعضاء السجود .. ) وص 207 ج 4 - نووى. وص 343 ج 5 - المنهل العذب وص 165 ج 1 مجتبى. وص 232 ج 1 - تحفة الأحوذى (السجود عل سبعة أعضاء) وص 149 ج 1 - ابن ماجه (السجود) و (آراب) بالمدّ جمع أرب بكسر فسكون، العضو:

الجبهِة والأنفِ واليدين (الحديث) أخرجه مسلم (¬1) {198} (وقال) أبو يوسف ومحمد: يتحقق السجود بوضع الجبهة. ويجب عليها وعلى الأنف. فلو اقتصر فى سجوده عليها بلا عذر صح مع الكراهة. وإن اقتصر على الأنف بلا عذر بالجهة لا يصح لما تقدم، ولأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم الاقتصار على الأنف، ولإجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف فقط. نقله ابن المنذر. (ويشترط) لصحة السجود عند الحنفيين عدم ارتفاع مكان الجبهة عن موضع القدمين بأكثر م نصف ذراع إلا لعذر كالزحام. (وقالت) المالكية: فرض السجود يتحقق بوضع جزء من الجهة. ويندب السجود على أنفه. ويعيد الصلاة من تركه فى الوقت مراعاة للقول بوجوبه. فلو سجد على أنفه دون جبهته لم يكف. وإن عجز عن السجود على الجبهة ففرضه الإيماء له. ويسنّ السجود على اليدين والركبتين وأطراف أصابع القدمين (ويندب) إلصاق جميع الجبهة بالأضر وتمكينها (ويشترط) عندهم ألاّ يكون موضع السجود مرتفعاً عن الأرض ارتفاعا كثيراً ككرسىّ متصل بها. فإن سجد عليه بطلت صلاته عل المعتمد. أما السجود على أرض مرتفعة فمكروه فقط. (وقالت) اشافعية: فرض السجود يتحقق بوضع كل عضو من الأعضاء السبعة، ويندب السجود على الأنف لقول جابر بن عبد الله: رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فى أعلى جبهته على قُصاص الشعْر. أخرجه الدار قطنى وقا ل: تفرد به بعد العزيز بن عُبيد الله عن وهب، وليس بالقوى (¬2) {199} وجه الدلالة أن من سجد على أعلى الجبهة لا يسجد على الأنف. ¬

(¬1) ص 207 ج 4 - نووى. (¬2) ص 133 - الدار قطنى. و (قصاص الشعر) بتثليث القاف منتهى منبته فوق الجبهة.

(ويشترط) عندهم: كون السجود على بطون الكفين والركبتين وبطون أصابع القدمين. ورفع العجيزة على الرأس والكتفين حال السجود. فلو رفع رأسه على عجيزته بطلت صلاته. وكذا إن تساويا على الأصح إلا لعذر كالحبَل. فلا يلزم الحبلى رفع عجيزتها إذا خافت الضرر. (وقال) أحمد والأوزاعى وإسحاق وابن حبيب المالكى. يفترض السجود على اليدين والركبتين والقدمين والجبهة والأنف. فلو سجد على أحدهما لم يجزه، لحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى لا يصيبُ أنفُه الأرضَ فقال: لا صلاةَ لمن لا يصيبُ انفُه الأرضَ. أخرجه ابن أبى شيبة، وكذا الدار قطنى بلفظ: لا صلاةَ لمن لا يصيبُ أنفُه م الأرض ما يصيبُ الجبينُ وقال: الصواب أنه مرسل عن عكرمة ورواته ثقات (¬1) {200} هذا. والراجح القول بوجوب السجود على كل من الجبهة والأنف (وعند) الحنبلية يشترط لصحة السجود ألاّ يكون موضع الجبهة مرتفعاً عن موضع القدمين ارتفاعا يخرج المصلى عن هيئة الصلاة. هذا. وظاهر الأدلة أنه لا يجب كشف شئ من أعضاء السجود، لأنّ مسماه يحصل بوضعها دون كشفها. وهو متفق عليه فى الركبتين والقدمين وأما اليدان فقال الجمهور لا يجب كشفهما، لقول عبد الله بن عبد الرحمن: جاءنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم وصّى بنا فى مسجد بنى عبِد الأشْهِل، فرأيتُه واضعاً يدَيه فى ثوبه إذا سجد. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2) {201} وعن الشافعى قول بوجوب كشفهما ¬

(¬1) ص 133 - الدار قطنى. (¬2) ص 288 ج 3 - الفتح الربانى (سجود المصلى على ثوبه لحاجة) وص 166 ج 1 - ابن ماجه (السجود على الثياب فى الحر والبرد)

(وقالت) الحنبلية: يكره سترهما وأما الجبهة فقد قال بوجوب كشفها داود والشافعية وأحمد فى رواية. فلا يجوز السجود على كور العمامة، لحديث صالح بن خَيوانَ السَّبائى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسجدُ إلى جنبه وقد اعْتمّ على جبهته فحسَر عن جبهته. أخرجه البيهقى وأبو داود فى المراسيل. وصالح لا يحتج به (¬1) {202} (وقال) مالك الحنفيون والأوزاعى وإسحاق والجمهور: لا يجب كشف الجبهة وهو رواية عن أحمد لكن يكره سترها. واستدلوا على عدم وجوب كشفها بحديث ابن عباس رضى الله عنهما أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كَور عمامته. أخرجه أبو نُعَيم فى الحلية. ورواه الطبرانى عن ابن أبى أوفى. وابن عدىّ عن جابر. لكن كان طرقه ضعيفة. بل قال أبو حاتم: هو حديث باطل (¬2) {203} (وقال) البيهقى: وأما ماروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شئ من ذلك (¬3). وعلى تقدير ثبوته يحمل على حالة العذر. وما تقدم يحمل على غير العذر. هذا. ويشترط فى السجود ألا يضع جبهته على كفه. فإن وضعها عليه بطلت صلاته، خلافا للحنفيين حيث قالوا بكراهته فقط. (فائدة) يجوز لعذر - عند الحنفيين ومالك وأحمد - سجود المصلى على ثوبه المتصل به وغيره، وعلى كور العمامة لعذر بلا كراهة. ويكره عند عدمه (قال) انس بن مالك: " كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فى شدة الحر ¬

(¬1) ص 105 ج 2 - بيهقى (الكشف عن الجبهة فى السجود). (¬2) ص 384 ج 1 - نصب الراية. (¬3) ص 106 ج 2. بيهقى (من بسط ثوبا فسجد عليه).

فإذا لم يستطع أحدنُا أن يُمكِّنَ وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه"أخرجه أحمد والأربعة (¬1) {204} (وقال) الحسن البصرى: " كان أصحابُ النبى صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم فى ثيابهم. ويسجدُ الرجلُ على عمامته " أخرجه البيهقى (¬2). (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى ثوبٍ واحد متوشحاً به يتقى بفُضوله حرّ الأرض وبردَها. أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط والكبير بسند: رجاله رجال الصحيح (¬3) {205} ففى هذه الأحاديث دلالة على أن الأفضل السجود على الأرض، وأنه يجوز على الثياب ونحوها سيما عند الضرورة. وبه قال الجمهور (وقالت) الشافعية: لا يجوز للمصلى السجود على طرف ثوبه المتحرك بحركته، ولا على كور عمامته، ولا على متصل بالجبهة. فإن سجد عليه عامداً عالما بالتحريم بطلت صلاته (لقول) خَبّاب: "شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّ الرمْضاءِ فى جِباهِنا وأكُفِّنا فلم يُشْكِنا"أخرجه البيهقى (¬4) {206} (وقال) عياض بن عبد الله: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده ارفع عمامتَك وأومأ إلى جبهته " أخرجه ابن أبى شيبة والبيهقى (¬5) {207} ¬

(¬1) ص 288 ج 3 - الفتح الربانى (سجود المصلى على ثوبه ... ) وص 49 ج 5 - المنهل العذب. وص 167 ج 1 - مجتبى. وص 166 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) ص 106 ج 2 بيهقى. (¬3) ص 287 ج 3 - الفتح الربانى. (¬4) ص 105 ج 2 - بيهقى (الكشف عن الجبهة فى السجود) (فلم يكشنا) بضم فسكون فكسر، أى لم يجبنا إلى ما طلبناه ولم يزل شكوانا. يقال أشكيت الرجل إذا أزلت شكايته (وكور العمامة) بفتح فسكون دورها: (¬5) ص 105 ج 2 - بيهقى (الكشف عن الجبهة فى السجود) (فلم يكشنا) بضم فسكون فكسر، أى لم يجبنا إلى ما طلبناه ولم يزل شكوانا. يقال أشكيت الرجل إذا أزلت شكايته (وكور العمامة) بفتح فسكون دورها:

(وأما) إن سجد عليه ساهيا أو جاهلا فيلزمه إعادة تلك السجدة ولا تبطل الصلاة (وأجاب) الجمهور عن حديث خباب بأنه ليس نصا فى منع السجود على الحائل المتصل إذا يجوز أن يكون المراد فى قوله، فلم يُشْكِنا، أن ذلك كان لأجل تأخير الصلاة حتى يذهب حرّ الشمس، لا لأجل السجود على الحائل إذ لو كان كذلك، لأذن لهم بالسجود على الحائل المنفصل، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى على الخُمرة (¬1) وعلى الفَرُوة المدبوغة. (وقال) المغيرة بن شعبة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى على الحصيرة والفروة المدبوغة " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (¬2) {208} وقد ورد فى هذا عدة أحاديث (وحديث عياض) بن عبد الله لم يثبت مرفوعاً، وعلى فرض ثبوته فيحمل على عدم العذر من حرّ أو برد. وتحمل الأحاديث الدالة على جواز السجود على الحائل المتصل على العذر. والراجح القول الأول لقوة أدلته. (7 - 11) الرفع من الركوع، والاعتدال، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فى الأركان. هذه الخمسة قال بفرضيتها مالك وأبو يوسف والشافعى وأحمد والجمهور. (أما) الرفع من الركوع، فيتحقق عند المالكية بالخروج عن حالة الركوع (والاعتدال) ركن مستقل للفصل بين الأركان. فيجب حال التحريمة وبعد الركوع وبعد السجود وحال السلام (والطمأنينة) ركن مستقل ¬

(¬1) الخمرة، كغرفة، الحصيرة الصغيرة. (¬2) ص 111 ج 3 - الفتح الربانى (الصلاة على الحصير .. ). وص 48 ج 5 - المنهل العذب. وص 420 ج 2 - بيهقى (الصلاة فى الجلد المدبوغ).

أيضاً فى جميع أركان الصلاة. وتحصل باستقرار الأعضاء زمنا مّا زيادة على ما يحصل به الفرض من الاعتدال والانحناء. (وعند) الشافعية يتحقق الرفع بالعود إلى الحالة التى كان عليها قبل أن يركع من قيام أو قعود مع طمأنينة فاصلة بين رفعه من الركوع ونزوله للسجود. وهذا هو الاعتدال عندهم. (وأما) الرفع من السجود الأول، فهو عندهم الجلوس بين السجدتين. ويتحقق بالجلوس مستويا مع طمأنينة بحيث يستقر كل عضو فى موضعه. فلو لم يستو لم تصح صلاته وإن كان إلى الجلوس أقرب. ويشترط عندهم ألاّ يقصد بالرفع من الركوع أو السجود غيره. فلو رفع من أحدهما لِفَزَعِ أو نحوه، وجب عليه أن يعود إلى الحالة التى كان عليها من ركوع أو سجود ثم يعيد الاعتدال، وإلا بطلت صلاته. (ويتحقق) الرفع من الركوع عند الحنبلية بمفارقة القدر المجزئ فى الركوع بحيث لا تصل يداه إلى ركبتيه (والاعتدال) بعده يتحقق بالاستواء قائما بحيث يرجع كل عضو إلى موضعه (والرفع) من السجود يتحقق بمفارقة جبهته الأرض (والاعتدال) فيه يتحقق بالجلوس مستويا بحيث يرجع كل عضو إلى موضعه. ودليل فرضية ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته: ثم أركع حتى تطمئن راكعا. ثم أرفع حتى تعتدل قائما. ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم أرفع حتى تطمئن جالسا. ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أفعل ذلك فى صلاتك كلها (¬1) (وحديث) أبى مسعود البدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجزئ صلاة يقيم الرجل فيها صلبه فى الركوع والسجود " أخرجه الأربعة والبيهقى وقال إسناده صحيح وقال الترمذى حسن صحيح. وفى رواية أبى داود ¬

(¬1) انظر المراجع هامش ص 111 (استقبال القبلة) وص 147 (الركوع).

ولا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيمَ ظهره فى الركوع والسجود (¬1) {209} (وحديث) رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: " إذا أردتَ أن تصلىَ فتوضأ فأحسن وضوءَك ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ثم أركع حتى تطمئن راكعا ثم أرفع حتى تطمئن قائما ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أرفع حتى تطمئن جالسا ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم قم فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد أتممتها وما انتقصت من هذا من شئ فإنما انتقصته من صلاتك " أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والترمذى وحسنه (¬2) {210} (وعن) أبى عبد الله الأشعرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لا يتم ركوعَه وينقُر فى سجوده وهو يصلى. فقال: " لو ماتَ هذا على حاله هذه، مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم " (الحديث) أخرجه الطبرانى فى الكبير وأبو يعلى بسند حسن وابن خزيمة فى صحيحه (¬3) {211} (وقال) زيد بن وهب: " رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود فقال: ما صليت، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفِطْرة التى فطَر اللهُ عليها محمداً صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد والبخارى وهذا لفظه (¬4). ¬

(¬1) ص 158 ج 1 - مجتبى (إقامة الصلب فى الكوع) وص 298 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبهن فى الركوع) وص 226 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 88 ج 2 - بيهقى (الطمأنينة فى الركوع) و (صلبه) أى ظهره كما فى رواية أبى داود. (¬2) ص 156 ج 3 - الفتح الربانى (حديث المسئ فى صلاته) وص 303 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع) وص 247 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة). (¬3) ص 121 ج 2 - مجمع الزوائد (من لا يتم صلاته). (¬4) ص 260 ج 3 - افتح الربانى. ص 186 ج 2 - فتح البارى (إذا لم يتم الركوع) و (الفطرة) بكسر فسكون، الملة والدين.

والأحاديث والآثار فى ذلك كثيرة. وفيها الوعيد الشديد لمن لا يتم ركوعه وسجوده وفيها عظات وعبر لمن ألقى السمع وهو شهيد. فليتنبه الغافل وليعتبر المضلل فهى تدل على وجوب الطمأنينة فى الركوع والسجود والرفع منهما، وعلى أنّ الإخلال بشئٍ منها يبطل الصلاة (وقال) النعمان ومحمد: الرفع من الركوع والاعتدال والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيها وفى الأركان، من واجبات الصلاة لا من فرائضها (والواجب) فى الرفع من الركوع القدر الذى يتحقق به معنى الرفع، وما زاد عليه إلى أن يستوى قائما هو الاعتدال (أما) الرفع من السجود بحيث يكون إلى القعود أقرب فهو فرض. وما زاد على ذلك إلى أن يستوى جالسا، فهو واجب بمقتضى الدليل وقيل إنه سنة (والطمأنينة) تسكين الجوارح حتى تطمئن المفاصل ويستقرّ كل عضو فى مقتره، وأدناها قدر تسبيحة. ودليل وجوب ما ذكر، قول النبى صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته: " فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك وما انتقصت من هذا شيئا فإنما انتقصته من صلاتك " أخرجه السبعة من حديث أبى هريرة (¬1) (وجه) الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم وصفَها بالنقص والباطلة إنما توصف بالانعدام، وأيضا قد سماها صلاة. والباطلة ليست صلاة. يدل على هذا ما فى حديث رفاعة بن رافع من قوله: وكان هذا أهونَ عليهم من الأوّل، أنه من انتقص من ذلك شيئا انتقص من صلاته ولم تذَهب كلُّها. أخرجه الترمذى (¬2) (وإنما أمر) صلى الله عليه وسلم المسئ بإعاة الصلاة، ليوقعها على غير ¬

(¬1) انظر المراجع بهامش ص 111، 147. (¬2) ص 248 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة).

كراهة لا الفساد " ويحمل " قوله صلى الله عليه وسلم له: فإنك لم تصل على " الصلاة " الخالية من الإثم، ويصح حمل قول أبى يوسف بفرضية ما ذكر على الفرض العملى. وهو الواجب. فيرتفع الخلاف بين الحنفيين (وقال) الجمهور: المراد بالصلاة فى قوله: فإنما انتقصته من صلاتك، الصلاة المطلوب تأديتها، لا الصلاة التى تلبس بها وترك شيئا من أركانها " فإن ظاهر " قو النبى صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته: فإنك لم تصل " فساد " تلك الصلاة. فإنّ النفى أصل لنفى الحقيقة، ولا مقتضى للعدول عنه. فالراجح ما ذهب إليه الجمهور. (فائدة) ذكر كثير من الشافعية أنّ كلا من الاعتدال والجلوس بين السجدتين، ركن قصير تفسد الصلاة بإطالته. ولا دليل على ذلك بل يردّه الثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من إطالتهما كباقى أركان الصلاة (قال) أنس رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقولَ الناسُ قد نَسِىَ. وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول الناسُ قد نَسِى. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {212} ولذا صحح النووى فى التحقيق أنّ الاعتدال ركن طويل (قال) الشوكانى: والحديث يدل على مشروعية تطويل الاعتدال من الركوع والجلسة بين السجدتين، وقد ذهب بعض الشافعية إلى بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين محتجا بان طولهما ينفى الموالاة. وما أدرى ما يكون ¬

(¬1) ص 269 ج 3 - الفتح الربانى (وجوب الرفع من الركوع .. ) وص 204 ج 2 - فتح البارى (المكث بين السجدتين) (قد نسى) أىنسى الهوىّ إلى السجود، أو أنه فى صلاة.

جوابه عن حديث الباب؟ وعن حديث البراء أنه قال: كانت الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى فركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وبين السجدتين قريبا من السواء. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {213} (قال) ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل عل أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس أصرح فى الدلالة على ذلك بل هو نص فيه. فلا ينبغى العدول عنه الدليل ضعيف، وهو قولهم لم يسنّ فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود، ووجه ضعفه أنه قياس فى مقابلة النص فهو فاسد أهـ (على) أنه قد ثبتت مشروعية أذكار فى الاعتدال أكثر من التسبيح المشروع فى الركوع والسجود كما سيأتى (وأما) القول بأن طولهما ينفى الموالاة، فباطل، لأن معنى الموالاة ألاّ يتخلل فصل طويل بين الأركان مما ليس فيها. وما ورد به الشرع من أذكارها لا يعقل نفى كونه منها (وقد) ترك الناس هذه السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة، محدّثهم وفقيههم ومجتهدهم ومقلدهم. فليت شعرى ما الذى عوّلوا عليه فى ذلك؟ والله المستعان أهـ (¬2). (12) القعود الأخير: هو ما يكون آخر الصلاة وإن لم يتقدمه أول، وهو شرط للخروج من الصلاة عند الحنفيين والصحيح أنه ليس ركناً أصليا عندهم، لعدم توقف الماهية عليه شرعا. فغن من حلف لا يصلى، يحنث بمجرّد الرفع من السجود الثانى فى الركعة الثانية. ويشترط تأخيره عن ¬

(¬1) ص 256 ج 3 - الفتح الربانى (مقدار الركوع .. ) وص 196 ج 2 - فتح البارى (الطمأنينة حين يرفه رأسه من الركوع). (¬2) ص 293 ج 2 - نيل الأوطار (الجلسة بين السجدتين).

الأركان. فيعاد لسجدة صلبية تذكرها أو تلاوية لا لسهوية، فإنها ترفع التشهد لا القعود (ويلزم) أن يكون قدر أدنى قراءة التشهد إلى عبده ورسوله وهو فرض بالإجماع وقد روى الشيخان وغيرهما من طرق عديدة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: فإذا رفعتَ رأسَك من آخرِ سجدة وقعدتَ قدر التشهد، فقد تّمت صلاتك. ذكره ابن نُجَيْم وقال: قد وردت أدلة كثيرة بلغت مبلغ التواتر على أنّ القعدة الأخيرة فرض (¬1). (وقالت) المالكية: إنه فرض بقدر السلام المفروض (وقالت) الشافعية: هو فرض بقدر التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، والتسليمة الأولى، لأنه محل للفرائض الثلاثة المذكورة. فهو كالقيام للفاتحة. (وقالت) الحنبلية: هو فرض بقدر التشهد والتسليمتين، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عيه وقال: صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬2). (13) التشهد الأخير: هو ركن - عند الشافعى وأحمد والحسن البصرى - لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وأمر به (قال) ابن مسعود رضى الله عنه: " كنا نقول فى الصلاة قبل أن يُفْرضَ التشهدُ: السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، فإن اللهَ هو السلامُ، ولكنْ قولوا: " التحيات والصلوات والطيبات " أخرجه النسائى والدار قطنى. وقال: هذا إسناد صحيح. وقال ابن عبد البر تفرد ابن عيينة بقوله: قبل أن يفرض (¬3) {214} ¬

(¬1) ص 294 ج 1 - البحر الرائق (صفة الصلاة). (¬2) تقدم رقم 190 ص 142 (القراءة). (¬3) ص 187 ج 1 - مجتبى (إيجاب التشهد). وص 133 - الدار قطنى.

(وقال) أيضا: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا التشهد كما يعلِّمنا السورةّ من القرآن. ويقولُ تعلّموا فإنه لا صلاة إلا بتشهدٍ " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده صفَدى بن سنان. ضعفه ابن مَعيٍ. ورواه البزار برجال موثقين. وفى بعضهم خلاف لا يضر (¬1) {215} (وقال) الحنفيون إنه واجب لا فرض (روى) ابن مسعود: أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل هو السلام فإذا قعد أحدُكم فلْيقُل التحياتُ لله، والصلواتُ والطيباتُ " (الحديث) أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد (¬2) {216} وهو سنة عند المالكية كالتشهد الأول. لأنه لم يُذكر فى حديث المسئ صلاتَه (وأجابوا) عن الأمر به فى أحاديث التشهد، بأنه محمول على الندب لما ذكر. وعن قول ابن مسعود - قبل أن يفرض التشهد - بأن المراد بالفرض فيه التقدير (وردّ) بأن عدم ذكره فى حديث المسئ صلاته، لا يدل على عدم وجوبه، لاحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكره له لأنه لم يره تركه حتى يعلّمه إياه، وبأن حمل الفرض على التقدير خلاف الظاهر من اللفظ، لو ورده فى مقام بيان حقيقة شرعية لا لغوية. هذا. وأقل التشهد عند الشافعية الحنبلية التحيات لله، سلاُم** عليك أيُّها النبى ورحمة الله وبركاته. سلاُم** علينا** وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. (ويشترط) فى صحته عندهم، كونه بالعربية للقادر عليها، وإسماعُ نفسه ¬

(¬1) ص 140 ج 2 مجمع الزوائد (التشهد والجلوس ... ). (¬2) ص 4 ج 4 - الفتح الربانى. وص 188 ج 1 - مجتبى (كيف التشهد).

حيث لا مانع، والموالاةُ بين كلماته، وترتيبُها. فإن لم يرتبها وتغير المعنى لعدم الترتيب، بطلت صلاته إن كان عامداً. وإلا فلا. (قال) ابن قدامة: ولا يجوز لمن قدر على العربية التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بغيرها كالتكبير. فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه (وقال) القاضى: لا يتشهد. وحكمه كالأخرس. ومن قدر على تعلم التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، لزمه ذلك. فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه لم تصح صلاته. وإن خاف فوت الوقت أو عجز عن التعلم، أتى بما يمكنه وأجزأه للضرورة. وإن لم يحسن شيئاً سقط. والسنة ترتيب التشهد وتقديمه على الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. وإن أتى به منكّساً من غير تغيير للمعنى ولا إخلال بشئ من الواجب فيه، فالأصح أنه لا يصح، لإخلاله بالترتيب فى ذكْر ورد الشرع به مرتبا فلم يصح كالأذان. وقيل يجزئه، لأن المقصود المعنى وقد حصل أهـ (¬1). (وأكمله) عند الشافعية تشهد ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا التشهد كما يُعلِّمنا القرآن. وكان يقول: التحيات المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ لله. السلام عليك أيها النبىّ ورحمةُ الله وبركاتُه. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح غريب والشافعى (¬2). {217} ¬

(¬1) ص 586 مغنى. (¬2) ص 8 ج 4 - الفتح الربانى. وص 118 ج 4 نووى (التشهد فى الصلاة) وص 81 ج 6 - المنهل العذب. وص 151 ج 1 - ابن ماجه. وص 239 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 89 ج 1 - بدائع المنن (التحيات) جمع تحية. وهى فى الأصل الدعاء بطول الحياة والمراد بها هنا كل عبادة قولية وأنواع =

وقال: رُويت أحاديث فى التشهد مختلفة. وكان هذا أحب إلىّ، لأنه ¬

= التعظيم وصفاته. وجمعها لأنّ كل واحد من الملوك يُحياَّ بتحية مخصوصة. فقيل هنا جميع تحياتهم لله تعالى وهو المستحق لها حقيقة. و (المباركات) جمع مباركة، أى كثيرة الخير (الصلوات الطيبات) بحذف حرف العطف اختصارا. و " الصلوات " العبادات البدنية. وقيل المراد بها الرحمة، أى أن العبادات البدنية مستحقة لله تعالى. والرحمات هو المتفضل بها دون سواه. و " الطيبات " العبادات المالية، أو ك قول وعمل ووصف صالح خالص لله تعالى. ولذا كان طيبا. " وأما " قوله (السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته) " فهو " حكاية سلام الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم ردا لما أثنى به النبى صلى الله عليه وسلم على ربه جل شأنه ليلة الإسراء. هذا والسلام معناه الأمان من سلم الله عليه أى أعطاه الأمان وسلمه من الآفات. وقيل السلام أسم من أسمائه تعالى، أى السلام حافظ لك من الآفات. والمراد بالرحمة الإحسان منه تعالى. والبركة النماء والزيادة من الخير. وجمع البركة دون السلام والرحمة، لأنهما مصدران. ثم أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى سهما من هذه التحية الإلهية لإخوانه الأنباء والملائكة والصالحين من الإنس والجن، لأنه قوله (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) يعمهم، لقوله عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود " فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح فى السماء والأرض " فينبغى للمصلى أن يستحضر بذلك جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، ليتوافق لفظه وقصده. (قال) الحكيم الترمذى: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذى يسلمه الخلق فى الصلاة فليكن عبداً صالحاً، والإحرام هذا الفضل العظيم. انظر ص 213 ج 2 - فتح البارى. والمراد بقوله (السلام علينا) الحاضرون من الإمام والمأموم والملائكة. و " الصالحون " القائمون بحقوق الله تعالى وحقوق العباد. هذا. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه بتعريف السلام فيهما. ورواه الشافعى والترمذى بالتنكير فيهما كرواية لأحمد. وفى رواية الدار قطنى بتعريف الأول وتنكير الثانى. وأخرجه الطبرانى بالعكس ولا خلاف فى جواز الأمرين وأن التعريف أفضل. هذا. وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نفرد بالذكر لشرفه ومزيد حقه علينا، وأن نخص أنفسنا بعده بالسلام للاهتمام. ثم نعممه على الصالحين إرشادا إلى أنه ينبغى التعميم فى الدعاء (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله) أى =

أكملها. وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس فال: لّما رأيته واسعاً وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندى أجمع وأكثر لفظا م غيره وأخذتُ به غير مَعَنِّفٍ لمن يأخذ بغيره مما صح (¬1) (وقال) النووى: تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظ المباركات فيه. وهى موافقة لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً (¬2)} ولأنه أكده بقوله: يعلِّمنا التشهد كما يعلمنا السورة م القرآن (¬3). هذا. ويصح التشهد عند الحنفيين بالعربية وغيرها ولو مع القدرة عليها (وأكمله) عندهم وعند الحنبلية تشهد ابن مسعود قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة قلنا: السلام على الله قبْل عباده السلام على وَفلانٍ وفلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدُكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فإنكم إذا قُلتم ذلك أصاب كل عبد صالح فى السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدا عبده ورسوله. ثم ليتخيَّرْ أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به. أخرجه السبعة (¬4) {218} ¬

= أقر بسلانى وأتيقن بجنانى بأنه لا يستحق العبادة يغر الله سبحانه وتعالى، كما أقر أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. (¬1) ص 214 ج 2 - فتح البارى (التشهد فى الآخرة). (¬2) من أية " 61 سورة النور. (¬3) ص 115 ج 4 - شرح مسلم (التشهد فى الصلاة). (¬4) ص 6 ج 4 - الفتح الربانى. وص 218 ج 2 - فتح البارى (ما يتخير من الدعاء بعد التشهد .. ) وص 115 ج 4 - نووى (التشهد فى الصلاة) وص 70 ج 6 - المنهل العذب = وص 187 ج 1 مجتبى (إيجاب التشهد) وص 238 ج 1 - تحفة =

واختار جمهور الفقهاء العمل بهذه الرواية لوجوه (منها) اتفاق السبعة ¬

= الأحوذى. وص 150 ج 1 - ابن ماجه و (قبل عباده) أى قبل السلام عليهم. فقبل ظرف. وفى رواية: قبل - بكسر ففتح - منصوب على نزع الخافض، أى السلام على الله من قبل عباده. ويؤيد هذا ما فى رواية لأحمد: قلنا السلام على الله من عباده. كأنهم رأوا السلام من قبيل الحمد. فجّوزوا ثبوته لله تعالى. لكن لما كان السلام بمعنى السلامة من الآفات والنقائص والله هو الذى يسلم منها من يشاء، فلا يدعى بالسلامة له. ولذا نهاهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال: لا تقزلزا السلام على الله فإن السلام اسم من أسمائه تعالى. ومعناه السليم من الشريك والنقائص، أو المسلم على عباده المؤمنين ىف الجنة، أو المؤمن عباده من المخاوف والمهالك. و (فلان وفلان) يعنى جبريل وميكائيل. ففى رواية لأحمد وغيره: السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان .. وفى رواية لابن ماجه: السلام على فلان وفلان يعنون الملائكة (السلام علينا) هكذا أكثر الروايات فى حديث ابن مسعوزد بتعريف السلام فى الموضعين. وقد بالغ الحافظ فى الفتح فقال: لم يقع فى شئ من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام أهـ لكن قال فى التلخيص: ووقع فى رواية النسائى سم علينا بالتنكير. وفى رواية للطبرانى: سلام عليك أهـ. وأل فى السلام للعهد الذهنى أى السلام - الذى وجه على الرسل والأنبياء - عليك أيها النبى. والسلام - الذى وجه إلى الأمم السالفة - علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويحتمل أن تكون أل للجنس، أى حقيقة السلام - الذى يعرفه كل واحد عليك - أيها النبىِّ وعلينا وعلى عباد الله الصالحين (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) قدم العبودية على الرسالة، لأنها أسبق وأبقى وأشرف الصفات. فإنها الرضا بما يفعله الرب تعالى وتبقى فى الآخرة دون الرسالة (قال) عطاء: بينا النبى صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل: وأشهد أن محمدا ورسوله وعبده - فقال صلى الله عليه وسلم: لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا. قل عبده ورسوله - أخرجه عبد الرزاق مرسلا بسند رجاله ثقات (انظر ص 214 ج 2 - فتح البارى) و (قال) ابن عبد الملك: روى أنه صلى الله عليه وسلم لما عرج به أثنى على الله تعالى بهذه الكلمات، يعنى التحيات لله الخ فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته - فقال صلى الله عليه وسلم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - فقال جبريل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (انظر ص 74 ج 6 - المنهل العذب).

وغيرهم على تخريجها، ولذا قال الترمذى وغيره: حديث ابن مسعود أصح حيدث فى التشهد. وقال مسلم: أجمع الناس على تشهد ابن مسعود، لأنّ أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا. وغيره قد اختلف أصحابه (ومنها) أنّ التصدّيق رضى الله عنه علّمه الناس على المنبر (واختار) مالك تشهد عمر (روى) عبد الرحمن بن عبد القارىُّ أنه سمع عمَر بن الخطاب وهو على المنبر يعلِّم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله. أخرجه مالك والشافعى موقوفا وابن مردويه مرفوعا (¬1) {219} وإنما اختاره مالك، لأنه يجرى مجرى الخبر المتواتر. فقد علَّمه عمر الناس على المنبر بحضرة الصحابة وأئمة المسمين ولم ينكره عليه أحمد ولا خافه فيه (وروى) القاسم بن محمد أنّ عائشة رضى الله عنها كانت تقول إذا تشهدتُ: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم. أخرجه مالك وصححه النووى فى المجموع (¬2) {220} هذا. ويجوز العمل بكل من هذه الروايات اتفاقا. والخلاف إنما هو ¬

(¬1) ص 167 ج 1 - زرقانى (التشهد ف الصلاة) وص 90 ج 1 بدائع المنن و (الزاكيات) أى صالح الأعمال لله. وهذه زيادة فى تشهد عمر كما ذكر فيه لفظ. لله ثلاث مرات وفى غيره مرة. وزيد تشهد فى ابن عباس المباركات، وفى تشهد ابن مسعود واو العطف. (¬2) ص 170 ج 1 - زرقانى. وقال (السلام عليكم) للخروج من الصلاة.

فى المختار والأفضل (قال) ابن قدامة: وبأىّ تشهد تشهد مما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم جاز. قلا أحمد: تشهد عبد الله أعجب إلىّ وغن تشهد بغيره فهو جائز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما علمه أصحابة مختلفا دل على جواز الجميع كالقراءات المختلفة. وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هى ساقطة فى بعض التشهدات المروية ضح تشهده. وعليه يكون أقل ما يجزئ من التشهد التحيات لله السلام عليك أيها النبى الخ (¬1) (وقال) النووى: فهذه الأحاديث الواردة ف التشهد كلها صحيحة. وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس. قال الشافعى: وأبيها تشهد أجزأه. وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها أهـ (¬2). (فائدتان) الأولى: قد ورد فى بعض طرق حديث ابن مسعود ما يدل على أنه يقال فى التشهد حال حياة النبى صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبى " وبعد انتقاله يقال " السلام على النبى " (قال) أبو معمر " سمعت ابن مسعود يقول: " علّمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفِّى بين كفيه التشهدَ كما يعلمنى السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهو بني ظهر انَيْنا فلما قُبض قلنا السلام على النبى " أخرجه أحمد والبخارى (¬3) {221} (قال) السبكى فى شرح المنهاج بعد ذكر هذه الرواية: إن صح هذا دل ¬

(¬1) ص 589 ج 1 - مغنى. (¬2) ص 457 ج 3 - شرح المهذب. (¬3) ص 5 ج 4 - الفتح الربانى. وص 44 ج 11 - فتح البارى (الأخذ باليد - الاستئذان) و (بين ظهر انينا) بفتح الظاء والنون وسكون الياء أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم منه والمتأخر.

على أن السلام بالخطاب بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم غير واجب. فيقال السلام على النبى (قال) الحافظ: قلت قد صح بلا ريب ووجدت له متابعا قويا (قال) عطاء: عن الصحابة كانوا يقولون والنبى صلى الله عليه وسلم حىّ: السلام عليك أيها النبى. فلما مات قالوا: السلام على النبى. أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح (¬1) والمعمول به ما تقدم فى روايات التشهد لا فرق بين زمان حياته ومماته. ولا نعلم أحدا من الأئمة قال بالتفرقة. (الثانية) قال الرافعى فى كتاب الأذان: المنقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول فى تشهده: وأنى رسول الله. ولا دليل عليه بل المنقول خلافه (قال) الحافظ: ألفاظ التشهد متواترة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، أو عبده ورسوله أهـ. نعم ورد عنه أنه كان يقول فى غير التشهد وأنى رسول الله. (14) الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد: هى ركن عند الشافعى وإسحاق وروى عن أحمد. واختاره ابن العربى المالكى، لما فى حديث فُضالة بن عَبيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدُكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه. ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وصححه الحاكم والترمذى (¬2) {222} (وعن) أبى مسعود الأنصارى رضى الله عنه أن بَشِير بن سعد قال ¬

(¬1) ص 213 ج 2 - فتح البارى (التشهد فى الآخرة). (¬2) ص 22 ج 4 - الفتح الربانى. وص 146 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء). وص 147 ج 2 - بيهقى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد) وص 268 ج 1 - مستدرك.

للنبى صلى الله عليه وسلم: أرمنا الله أن نصلِّىَ عليك فكسف نصلى عليك؟ قال: قولوا اللهم صلِّى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد. والسلام كما علمتم. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وصححه (¬1) {223} وهذا يدل على أن فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة، كان معروفا عندهم (قال ابن قدامة) وظاهر مذهب أحمد وجوبها، فإنّ أبازرعة الدمشقى نقل عنه أنه قال: كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة أهـ (¬2) (وقال) الحنفيون ومالك والجمهور: إنها سنة لا واجبة، (لحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فرغ أحدكم ن التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وأبو داود (¬3) {224} أمر بالاستعاذة عقب التشهد ولم يذكر الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ولو كانت ركنا لذكرها، ولأن الوجوب إنما يكون بدليل شرعىّ. ¬

(¬1) ص 21 ج 4 - الفتح الربانى. وص 124 ج 4 - نووى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد) وص 189 ح 1 مجتبى (الأمى بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم) و (أمرنا الله أن نصلى عليك) أى بقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم وتسليما) و (علمتم) بفتح العين وكسر اللام. وروى بضم العين وتشديد اللام، أى علمتوه، وهو قولهم: السلام عليك أيها النبى فى التشهد. (¬2) ص 574 ج 1 - مغنى. (¬3) ص 29 ج 4 - الفتح الربانى. وص 87 ج 5 نووى. وص 97 ج 6 - المنهل العذب (ما يقول بعد التشهد) وص 193 ج 1 - مجتبى (التعوذ فى الصلاة). وص 152 ج 1 - ابن ماجه.

ولم يرد. وحديث فضالة لا يدل على وجوبها لأنه صلى الله عليه وسلم أرم فيه بالدعاء فى آخر الصلاة وهو غير واجب اتفاقا. والأمر فى حديث أبى مسعود ونحوه بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم إنما ورد لتعليم الكيفية وهو لا يفيد الوجوب كما فى حديث: " إذا قام أحدكم م الليل فليصلّ ركعتين خفيفتين " أخرجه أحمد وأبو داود عن أبى هريرة (¬1) {225} (قال) المروزى قيل لأبى عبد الله إنّ ابن راهويه يقول: لو أنّ رجلا ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد بطلت صلاته. قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال فى موضع: هذا شذوذ أهـ (¬2) (وقال) العلامة يحيى بن أبى بكر العامرى: وقد تتبعت دليل الوجوب فلم يظهر لى كل الظهور. وجميع روايات التشهد خالية عن ذكرها أهـ (¬3). فهذا هو الراجح لقوة أدلته (وقال) الشوكانى: نحن لا ننكر أن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم من أجلّ الطاعات التى يتقرب بها الخلق إلى الخالق. وإنما النزاع فى إثبات واجب من واجبات الصلاة بلا دليل يقتضيه أهـ (¬4). (فائدة) لا خلاف فى وجوب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى العمر مرة للأمر بها فى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (¬5)} وهو للوجوب عند الأكثر. بل ذكر بعضهم الإجماع عليه (وقال) الطحاوى: تجب كلما ذكر صلى الله عليه وسلم. واختاره الحليمى من الشافعية، لحديث: رغِم أنفُ رجُلٍ ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ علىَّ ¬

(¬1) ص 268 ج 4 - الفتح الربانى. وص 252 ج 7 - المنهل العذب (افتتاح صلاة الليل بركعتين). (¬2) ص 583 ج 1 - مغنى. (¬3) ص 332 ج 2 = بهجة المحافل. (¬4) ص 234 ج 2 - نيل الأوطار (الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم). (¬5) سورة الأحزاب أية: 56.

أخرجه الترمذى والحاكم عن أبى هريرة (¬1) {226} (وقيل) تجب فى كل مجلس مرة وإن تكرر ذكر النبى صلى الله عليه وسلم والاحتياط الصلاة عند كل ذكر (¬2) هذا وتصح الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بأى صيغة والأفضل أن تكون بصيغة من الصيغ الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها أكثر ثوابا من غيرها وهى كثيرة (أفضلها) ما فى حديث كعب بن عُجْرة قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلى عليك؟ قال: فقولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كمال باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة (¬3) {227} وفى لفظ لأبى داود: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم (¬4) وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك ¬

(¬1) ص 549 ج 1 - مستدرك. (¬2) ص 233 ج 14 - تفسير القرطبى. (¬3) ص 23 ج 4 - الفتح الربانى. وص 118 ج 11 - فتح البارى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم - الدعوات). وص 126 ج 4 - نووى. وص 83 ج 6 - المنهل العذب (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد) وص 190 ج 1 - مجتبى. وص 151 ج 1 - ابن ماجه (وقد علمنا كيف نسلم عليك) يعنى ما تقدم فى أحاديث التشهد. وهو السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. وهو يدل على تأخر مشروعية الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عن التشهد. وصلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه فى الدنيا بإعلاء ذكره، وفى الآخرة بإجزال ثوابه وقبول شفاعته و (آل إبراهيم) إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وقد حيتهم الملائكة بقولهم (رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت) و (البركة) الزيادة من الخير والكرامة. و (حميد) فعيل من الحمد، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها، ومجيد من المجد وهو من كمل فى العظمة والشرف. (¬4) (كما صليت على إبراهيم) لا يقال الأصل فى التشبيه أن = يكون المشبه أقل من المشبه به وها هنا ليس كذلك، لأنا نقول التشبيه هنا فى أصل الصلاة لا فى قفدرها على حد (كتب عليكم الصيام كما كب على الذين من قبلكم) أو نقول: المشبه الصلاة على آل محمد. فالمعنى وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فهو من عطف الجمل. وخص سيدنا إبراهيم بالذكر دون سائر الأنبياء لأنه أفضلهم بعد نبينا صلى اله عليه وسلم. وقد ورد أنه لما مر به النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، قال له أقرئ أمّتك منى السلام. فأمرنا بالثناء عليه فى كل صلاة مجازاة له على إحسانه.

حميد مجيد. وفى رواية له ولأحمد: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم. إنك حميد مجيد. (ومنها) ما تقدم فى حديث أبى مسعود الأنصارى (¬1) (قال) النووى: ينبغى أن يجمع ما فى الأحاديث الصحيحة فيقول: اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك النبى الأمى وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين. إنك حميد مجيد. وأقل الصلاة: اللهم صلى على محمد. فلو قال: صلى الله على محمد فالصحيح انه يجزئه. وكذا لو قال: اللهم صلى على النبى أو على أحمد أجزأه (¬2) وفيما ذكر نظر، بل الأفضل أن يؤتى بكل رواية على حدتها فى أوقات مختلفة كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه. (فائدتان) الأولى. اختلف العلماء فى الإتيان بالسيادة حال الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والأذان ونحوهما (فقالت) المالكية وكثيرون يؤتى بها فى غير الصيغ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تأدبا. وأما الصيغ ¬

(¬1) تقدم رقم 223 ص 167. (¬2) ص 466 ج 3 - شرح المهذب.

الواردة كالأذان والإقامة والتشهد فيقتصر فيها على ما ورد وقوفا على ما حدّه الشارع، واتباعا للفظه وفرارا من الزيادة على ما ورد، لكونه خُرِّجَ مخرج التعليم (قال) الحنفيون والحنبليون: تكره السيادة فى الأذان والإقامة والتشهد والأفضل تركها فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند الحنبلين ومحققى الحنفيين والشافعية. (قال) الشهاب فى شرح الشفاء: إن اتباع الآثار الواردة أرجح ولم تنقل السيادة عن الصحابة والتابعين ولم ترو إلا فى حديث ضعيف عن ابن مسعود. ولو كان مندوبا لما خفى عليهم. وهذا يقرب من مسألة أصولية وهى أنّ الأدب أحسن أم الاتباع؟ ورجح الثانى بل قيل إنه الأدب (وقال) بعضهم: لا بأس بالسيادة فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لما تقرّر أنه سيد ولد آدم (قال) الحصنى: وندبت السيادة لأنّ زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب، فهو أفضل من تركه. ذكره الرملى الشافعى وغيره " وما قيل " لا تسوّدونى فى الصلاة " فكذب " وقولهم لا تسبدونى بالياء لحن أيضاً. والصواب بالواو أهـ (¬1). والمشهور عند الشافعية أنه يستحب الإتيان بها فى الصيغ الواردة وغيرها " لأنه " صلى الله عليه وسلم لما جاء وأبو بكر يَوُمُّ الناس فتأخر أمره أن يثبت مكانه فلم يثبت. ثم سأله بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فقال: ما كان ينبغى لابن أبى قحافه أن يتقدم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك (وهو مردود) بأنّ الإيتان بها فى الصيغ الواردة زيادة على ما شرعه وبينه صلى الله عليه وسلم. والزيادة فى الوارد تؤدّى إلى ردّ العمل وعدم قبوله ¬

(¬1) ص 379 ج 1 - الدر المختار (صفة الصلاة).

(روت) عائشة رضى الله عناه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ " أخرجه أحمد ومسلم (¬1). (وأما) قصة أبى بكر رضى الله عنه، فهى فى خصوص الإمامة فلا تصلح دليلا على جواز الزيادة فيما شرعه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فما يفعله) بعض الناس من زيادة لفظ سيدنا فى الأذان ونحوه (مخالف) لهديه صلى الله عليه وسلم وهدى الخلفاء الراشدين وأصحابه الكرام. (الثانية) اختلف فى حكم إفراد الصلاة عن السلام عليه صلى الله عليه وسلم وعكسه فقيل بكراهته. والأولى الجمع بينهما خروجا من هذا الخلاف (قال) الشهاب الأوسى: والأمر بالصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم من خواص هذه الأمّة فلم تؤمر أمّة غيرها بالصلاة والسلام على نبيها أهـ (¬2). والصلاة على سائر الأنبياء مشروعة (روى) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلّيتم علىَّ فصلوا على أنبياء الله، فإن الله بعثهم كما بعثنى " أخرجه الطبرانى بسند ضعيف (¬3) {228} والضعيف يعمل به فى مثل هذا كما لا يخفى. " وأما " ما حكى عن مالك من أنه ل يصلى على غير نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء " فأوله " أصحابه بأنّ معناه إنا لم نتعبد بالصلاة عليهم كما تعبدنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. ذكره الألوسى فى تفسيره (وقال) وقد صرح بعض أجلة الشافعية بوجوب الصلاة عليه صلى اله عليه وسلم فى صلاته وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى على نفسه خارجها كما هو ¬

(¬1) تقدم رقم 134 ص 88 (بدع الأذان). (¬2) ص 99 ج 7 - روح المعانى. (¬3) ص 205 ج 4 - فيض القدير للمناوى.

ظاهر الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم - حين ضلّتْ نافتُه وتكلم منافق فيها - إن رجلا من المنافقين شِمت أنْ ضلّتْ ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله - حين عرض على المسلمين ردّ ما أخذه من أبى العاص زوج ابنته زينب قبل إسلامه - وإن زينبَ بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتنى (الحديث) فذكر الصلاة والتسليم على نفسه بعد ذكره (واحتمال) أن ذلك فى الحديثين من الراوى بعيد جدا (¬1). (15) السلام: السلام للخروج من الصلاة ركن عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور (لحديث) مفتاحُ الصلاةِ الطُّهورُ وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (¬2) (ولحديث) صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬3). وقد واظب صلى الله عليه وسلم على الخروج من لاصلاة والسلام. (وشرطه) عند المالكية والحنبلية أن يكون معرّفا بالألف واللام مرتبا بلفظ الجمع. فلو قال سلامُ عليكم أو عليكم السلام، أو السلام عليك، لا يجزئ (وقالت) المالكية: أم فى لغة حْميَر كأل. فيغتفر لمن عجز منهم - دون غيرهم - عن الإيتان بال أن يقول: أم سلامُ عليكم. واللحن عندهم فى السلام كاللحن فى الإحرام. وهو أنه إِنْ عرَف الصوابَ وتعمّد اللحنَ بطلت صلاته. وإِن لم يَعْرِفْه فصلاته صحيحة على المعتمد. وعند الشافعية لا يشترط الترتيب فى السلام، فلو قال عليكم السلام صح مع الكراهة. والمفروض عندهم وعند المالكية تسليمة واحدة لكل مصل. (وعن) ابن سيرين والأوزاعى أن الشرع تسليمه واحدة (لحديث) ¬

(¬1) ص 98 ج 7 - روح المعانى. (¬2) تقدم رقم 178 ص 131 (التحريمة). (¬3) تقدم رقم 190 ص 143 (القراءة).

عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّّم فى الصلاة تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه " أخرجه الترمذى وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬1) {229} (ورد) بأن فى سنده زُهَيرَ بن محمد. وهو إن كان من رجال الصحيحين لكن له منا كير وهذا الحديث منها. قال أبو حاتم: هو حديث منكر وأصله الوقف على عائشة. وقال الترمذى: لا نعرفه مرفرعا إلا من هذا الوجه. وقال النووى: إنه غير ثابت عند أهل النقل. وقال فى الخلاصة: هو حديث ضعيف ولا نقبل تصحيح الحاكم له، وليس فى الاقتصار على تسليمه واحدة شئ ثابت أهـ (وقال) ابن عبد البر: روى عن النبى صلى الله علهي وسلم أنه كان يسلم تسليمه واحدة من حديث سعد بن أبى وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس إلا أنها معلولة ولا يصححها أهل العلم بالحديث أهـ. ولذا ذهب الجمهور إلى مشروعية التسليمتين لكل مصل لما سيأتى. (ومشهور) مذهب الحنبلية أن التسليمتين فرض فى الفرض لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليهما. وقيل المفروض عندهم تسليمه واحدة. وصححه ابن قدامه قال: وليس نص أحمد بصريح فى وجوب التسليمتين إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يذهب إليه فى المشروعية لا الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره. وقد دل عليه قوله فى رواية: وأعجب إلىّ التسليمتان، ولأن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة ¬

(¬1) ص 242 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 153 ج 1 - ابني ماجه (من يسلم تسليمة واحدة 9 وص 230 ج 1 - مستدرك.

واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة. وفيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة فى أن يكون المشروع والمسنون تسليميتن، والواجب واحدة. ويدل على هذا قول ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمه واحدة جائزة (¬1). (أما) النافلة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر فلا خلاف عندهم فى أن المفروض فيها تسليمه واحدة (وعلى) القول بأن التسليمتين فرض فى الفرض فهما من الصلاة كسائر الأركان، فلا يقوم المسبوق قبلهما. (وقال) الحنيفون وعطاء بن أبى رباح وسعيد بن المسيب وإسحاق بن رَاهَوَيْهِ: لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل يكتفى الخروج بكل فعل اختيارى مناف للصلاة بعد تمام فرضها (لحديث) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الإمامُ الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ومنَ كان خلفه ممن أتم الصلاة " أخرجه أحمد وأبو داود، وكذا الترمذى بلفظ: إذا أحدث الرجلُ وقد جلس فى آخر صلاته قبل أن يُسلِّم فقد جازت صلاتهُ. وقال: ليس إسناده بذاك القوى (¬2) {230} أى لأن فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم الأفريقى (قال) النووى: إنه ضعيف باتفاق الحفاظ (ورد) بأنه قد وثقه غير واحد منهم زكريا الساجى وأحمد بن صالح المصرى وقال فيه ابن معين ويعقوب بن سفيان: ليس به بأس. ذكره الشوكانى (¬3) ¬

(¬1) ص 594 ج 1 - مغنى. (¬2) ص 3 ج 5 - المنهل العذب (الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة) (¬3) ص 345 ج 2 - نيل الأوطار (كون السلام فرضا).

(وأجاب) الجمهور عنه بأنه ضعيف، لأنّ فى سنده عبدَ الرحمن بنَ رافع وعبدَ الرحمن بن زياد، وفيهما مقال (قال) البيهقى فى المعرفة: عبد الرحمن ابن زياد قد ضعفه أهل العلم بالحديث، وإن صح ذلك فإنما كان قبل فرض التسليم (قال) عطاء بن أبى رباح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد فى آخر صلاته فقضى التشهدَ أقبل على الناس بوجهه، وذلك قبل أن يَنزِل التسليمُ (¬1). هذا. والواجب عند الحنفيين السلام مرتين، لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليهما (وأقله) السلام دون عليكم، أو سلام عليكم، أو عليكم السلام (وأكمله) - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - السلام عليكم ورحمة الله يميناً وشمالا (لحديث) ابن مسعود رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شمِاله حتى يُرَى بياُض خدّه: السلام عليكم ورحمة الله. والسلام عليكم ورحمة الله " أخرجه أحمد والطحاوى والأربعة، وقال الترمذى حسن صحيح (¬2) {231} دل على مشروعية التسليمتين لكل مصل إماما وغيره. وعلى أنّ السنة الالتفات فى السلام الأوّل إلى اليمين وفى الثانى إلى اليسار (قال) النووى: ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت التسليمتان ولكن فاتنه الفضيلة فى كيفيتهما أهـ (¬3). ¬

(¬1) ص 4 ج 5 - المنهل العذب. (¬2) ص 38 ج 4 - الفتح الربانى (كيفية السلام) وص 158 ج 1 - شرح معانى الآثار. وص 109 ج 6 - المنهل العذب. وص 194 ج 1 - مجتبى (كيف السلام عن اليمين) وص 242 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 153 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) ص 83 ج 5 - شرح مسلم.

(ومشهور) مذهب مالك أن الإمام والمنفرد يسلم تسليمة واحدة يقصد بها الخروج م الصلاة (وقال) المازرى: رُوى عن مالك أنّ الإمام والفذ يسلم كلّ تسليمتين. ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الإمام منهما. ورَوى مطرّف فى الواضحة عن مالك أن المنفرد يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره. وبه كان يأخذ مالك فى خاصته أهـ (¬1) والمأموم يسلم واحدة عن يمينه يتحلل بها من صلاته وأخرى يردّ بها على إمامه (لقول) سَمُرة بن جُنْدبٍ رضى الله عنه: " أمرنَا النبى صلى الله عليه وسلم أن نردّ على الإمام وأن نتحابَّ وأن يسلِّم بعضُنا على بعض " أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد وسعيد بن بشير إمام أهل الشام فى عصره أهـ. لكن قال ابن حبان: كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ يروى عن قتادة ما لا يتابع عليه. وضعفه ابن معين والنسائى وابن المدينى وغيرهم (¬2) {232} (ومشهور) المذهب أن المأموم يسلم ثالثة يردّ بها على من على يساره، لقول سَمُرَة: وأن يُسلم بعضنا على بعض، ولقول نافع: كان ابن عمر يسلَم عن يمينه ثم يردّ على الإمام. ثم إن كان على يساره أحد ردّ عليه. رواه ابن القاسم عن مالك. وبه تعلم ردّ قول ابن العربى: التسليمة الثالثة احذروها فإنها بدعة لم تثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضى الله عنهم. وحديث سمرة وإن كان ضعيفا، يقوّيه فعل ابن عمر لأنه لا يفعل مثل هذا إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 111 ج 6 - المنهل العذب (السلام). (¬2) ص 119 منه (الرد على الإمام) وص 270 ج 1 - مستدرك (وأن يسلم بعضنا) أى فى الصلاة. ففى رواية البزار " وأن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض فى الصلاة " ويدخل فيه سلام كل من الإمام والمأموم على غيره. وخص السلام بالذكر لأنه سبب المحبة.

والراجح القول بالاقتصار على التسليمتين لكل مصل لقوّة أدلته. هذا. وحديث سمرة يدل على أنه يطلب من المصلى أن ينوى بسلامه القوم والحفظةَ عن الجانبين الأيمنِ والأيسر وهو مندوب عند الحنفيين والشافعية (وقالت) المالكية وبعض الحنبلية: ينوى بالأولى الخروج من الصلاة وبالثانية السلام على القوم والحفظة إن كان مأموما. ولا يقلب يديه وقت السلام (لقول) جابر بن سمرة: " كنا إذا صلبنا خلف النبى صلى الله عليه وسلم فسلّم أحدُنا أشار بيده مَنْ عن يمينه ومَن عن يساره، فلما صلى قال: ما بال أحدكم يومئ بيده كأنها أذنابُ خيل شُمْشٍ إنما يكفى أحدَكم أن يضعَ يده على فخذه ثم يسلم على أخيه مَنْ عن يمينه وشماله " أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {233} (فادئة) يندب - عند بعض الحنفيين والحنبليين والشافعيين - زيادة وبركاته فى التسليمة الأولى (لقول) وائل بن حُجْر رضى الله عنه: " صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يُسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله " أخرجه أبو داود بسند صحيح (¬2) {234} (قال) الحافظ فى التلخيص: وقع فى صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة وبركاته. وهى عند ابن ماجه أيضاً وعند أبى داود فى حديث وائل بن حجر. فالعجب من ابن الصلاح فى قوله: إن هذه الزيادة ليست فى ¬

(¬1) ص 153 ص ج 4 - نووى (السكون فى الصلاة والنهى عن الإشارة باليد) وص 117 ج 6 - المنهل العذب (السلام) و (شمس) بضم فسكون جمع شموس بفتح فضم وهو النفور من الدواب. و (من عن يمينه) من اسم موصول أى أشار بيده إلى من عن يمينه .. ومن الثانية بدل من أخيه. (¬2) ص 116 ج 6 - المنهل العذب.

شئ من كتب الحديث أهـ (¬1) (ومنه) تعلم " بطلان " ما قاله بعضهم من أن زيادتها بدعة " وردُّ " ما قاله بعض المالكية من أنه يندب عدم زيادة " **ورحمة الله وبركاته " لثبوت الحديث بها. ولذا قال العلامة النفراوى: والذى يظهر أنه لا بأس بزيادة ورحمة الله وبركاته، خلافا لمن كرهها (¬2). (16) ترتيب الأركان: هو ركن** عند المالكية والشافعية والحنبلية بأن قدّم القيام على الركوع والركوع على الاعتدال. وهو على السجود. وهكذا على حسب ترتيبها فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاتهَ: " إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلةَ فكبرْ. ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن. ثم اركع حتى تطمئن راكعا. ثم ارفع حتى تعتدِل قائما. ثم اسجدْ حتى تطمئن ساجدا. ثم ارفع حتى تطمئن جالسا. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم أفعل ذلك فى صلاتك كلِّها " أخرجه السبعة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬3) (وقال) الحنفيون: الترتيب شرط فيما لا يتكرر كالقيام والركوع لقعود الأخير. فلو ركع ثم قام لم يعتبر ذلك الركوع، فإن ركع ثانياً صحت صلاته لوجود الترتيب المفروض ولزمه سجود السهو لتقديمه الركوع على القيام. ولو سجد ثم ركع، فإن سجد ثانياً صحت صلاته وإلا فلا. ¬

(¬1) ص 523 ج 3 - التلخيص الحبير مع شرح المهذب. (¬2) ص 224 ج 1 - الفواكه الدوانى. (¬3) انظر المراجع بهامش ص 111 و 147.

ولو تذكر بعد القعود الأخير سجدة صلبية أو تلاوية، سجدها وأعاد القعود وسجد للسهو. ولو تذكر ركوعا قضاه مع ما بعده من السجود. ولو تذكر قياما أو قراءة صلى ركعة " أما ما يتكرّر " فى كل ركعة كالسجود أو فى كل الصلاة كالركعات " فإن الترتيب " فيه واجب لا فرض. فلو نسى سجدة من الركعة الأولى **مثلا قضاها ولو بعد السلام قبل الكلام. ثم يتشهد إلى عبده** ورسوله ثم يسجد للسهو ثم يتشهد ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ويدعو **ثم يسلم. وكذا الترتيب بين القراءة والركوع واجب فى الأوليين من الفرض إن لم يقرأ فيهما. فإن ركع فيهما بلا قراءة صح الركوع، لأنه لا يشترط فيه أن يكون مسبوقا بقراءة فى كل ركعة. أما لو قرأ فى الأوليين صار الترتيب فرضا، حتى لو تذكر السورة راكعاً فعاد وقرأها، لزم إعادة الركوع، لأن السورة التحقت بما قبلها وصارت القراءة كلها فرضا. فلزم تأخير الركوع عنها. ومنه يعلم أن هذا الترتيب واجب قبل تحقق** القراءة فرض بعدها، كقراءة السورة فإنها قبل قراءتها تسمى واجب وبعدها تسمى فرضا. وفرضيته حينئذ عارضة كما إذا ضاق وقت القراءة بأن لم يقرأ فى الأوليين. (تنبيه) علم أن أركان الصلاة أفعال وأقوال (فالأفعال) أحد عشر فعلا. وهى: النية، والقيام فى الفرض للقادر عليه، والركوع، والرفع منه، والاعتدال، والسجود فى كل ركعة مرتين، والرفع منه، والجلوس بين السجدتين والقعود الأخير، وتعديل الأركان " أى الطمأنينة فيها " والترتيب. (والأقوال) خمسة وهى: التحريمة، والقراءة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده، والسلام. وأن منها ما هو متفق على فريضته ومنها ما هو مختلف فيه

وهاك جدولا يتجلى لك منه حكم كل منها عند الأئمة الأربعة: المطلوب ... حكمه عند النعمان ... مالك ... الشافعى ... أحمد 1 النية ... شرط ... ركن ... ركن ... شرط 2 التحريمة ... " ... " ... " ... ركن 3 القيام ... ركن ... " ... " ... " 4 القراءة ... " ... " ... " ... " 5 الركوع ... " ... " ... " ... " 6 الرفع منه ... واجب ... " ... " ... " 7 الاعتدال ... " ... " ... " ... " 8 السجود مرتين ... ركن ... " ... " ... " 9 الرفع منه ... واجب ... " ... " ... " 10 الجلوس بين السجدتين ... " ... " ... " ... " 11 الطمأنينة فى الأركان ... " ... " ... " ... " 12 القعود الأخير ... شرط ... " ... " ... " 13 التشهد الأخير ... واجب ... سنة ... " ... " 14 الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده ... سنة ... " ... " ... ركن أو سنة 15 السلام ... واجب ... ركن ... " ... ركن 16 الترتيب ... فرض وواجب على ما تقدم بيانه ... " ... " ... "

(العاشر) واجبات الصلاة

(العاشر) واجبات الصلاة هى جمع واجب. وهو لغة اللازم أن الثابت. وشرعا عند المالكية والشافعية المطلوب طلبا جازما بدليل قطعى أو ظنى. فلا فرق عندهم بين الفرض وبين الواجب إلا فى الحج كما سيأتى إن شاء الله تعالى (وعند) الحنفيين الواجب ما ثبت بدليل ظنى الثبوت أو الدلالة. كقراءة الفاتحة فى الصلاة. وحكمه عندهم أنه لا يكفر منكره ولا تفسد العبادة بتركه عمدا بل يكون آثما وعليه إعادتها للخروج من الإثم. ويجبر فى الصلاة بسجود السهو إن ترك سهوا (وعند) الحنبلية: الواجب ما تبطل الصلاة بتركه عمدا لا جعلا أو سهوا، ويجبر حينئذ بسجود لسهو. (أ) فواجباتها عند الحنفيين كثيرة. المذكور منها هنا أربعة عشر. (1) قراءة الفاتحة: هى واجبة بتمامها عند النعمان فى كل ركعات النفل والوتر، وفى الأوليين من الفرض، لحديث عُبادة بن الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (¬1). وهو قطعى الثبوت ظنى الدلالة، فيفيد الوجوب كما تقدم. فلا تبطل الصلاة بتركها عمدا أو سهوا، بل يجب سجود السهو إذا تركها سهوا وإعادة الصلاة إذا تركها عمدا أو سهوا ولم يسجد (وقال) أبو يوسف ومحمد: الواجب قراءة أكثرها لأن للأكثر حكم الكل (وقال) الجمهور قراءة الفاتحة فرض كما تقدم. (2) ويجب عند الحنفيين أن يضم إلى الفاتحة سورة ولو قصيرة أو ثلاث آيات قصار أو ما يماثلها من آية كآية الكرسى (لقول) أبى سعيد ¬

(¬1) تقدم رقم 192 ص 143 (القراءة).

الخدرى رضى الله عنه: أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسرّ. أخرجه أبو داود بسند صحيح رجاله ثقات (¬1) {235} (ولحديث) عُباده بن الصامت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لمن يقرأ بفاتحِة الكتاب فصاعدا. لأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن حبان (¬2) {236} (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وآيتين معها. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده الحسن بن يحيى الخشَى ضعفه النسائى والدار قطنى ووثقة ابن عدى وابن معين (¬3) {237} ولأنه المعتاد من فعل النبى صلى الله عليه وسلم كما تضافرت عليه الأحاديث الصحيحة. وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬4)، وهذه أخبار آحاد فلا تفيد الفرضية بل الوجوب، وبه قال بعض أصحاب مالك. ومحل وجوب ما ذكر إذا اتسع الوقت. فإن خاف فوته لو قرأ الفاتحة والسورة أو قرأ الفاتحة، اكتفى بآية واحدة فى كل ركعة من الصلاة عند الحنفيين (وقال) الجمهور: الأمر بقراءة ما بعد الفاتحة محمول على السنة لحديث عطاء بن أبى رباح أنّ أبا هريرة رضى الله عنه قال: فى كلّ الصلاة يُقرأ، فما أسمَعنا النبى صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم. وما أخفى عنا أخفينا عنكم. وإن لم تزد على أم القرآن أجزأَتْ. وإن زِدتَ فهو خير ¬

(¬1) ص 242 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة فى صلاته). (¬2) 194 ج 3 - الفتح الربانى. وص 101 ج 4 - نووى (قراءة الفاتحة) وص 251 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة .. ). (¬3) ص 115 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى الصلاة). (¬4) تقدم رقم 190 ص 142.

أخرجه الشيخان (¬1) {238} " فهو " ظاهر فى عدم وجوب ما زاد على الفاتحة (وقالوا) امراد بقوله فى حديث عبادة فصاعدا " دفع " توهم حصر الحكم على الفاتحة. لكنه بعيد (قال) الشوكانى بعد ذكر أدلة وجوب السورة: وهذه لأحاديث لا تقتصر عن الدلالة على وجوب قرآن مع الفاتحة. وإليه ذهب عمر وابنه عبد الله وعثمان ب أبى العاص، والظاهر ما ذهبوا إليه أهـ (¬2) (أما السورة) ف الركعة الثالثة والرابعة من الفر فليست سنة عند احنفيين وأحمد والجمهور (لقول) أبى قتادة: " كان التبى لى الله عليه وسلم يُصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأولَيَين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويُسمعُنا الآية أحيانا. ويقرأ فى الركعتين الأخرَيين بفاتحة الكتاب " أخرجه أحمد ومسلم (¬3) {239} وإن قرأ فيهما فهو مباح عند الحنبلية. وخلاف الأولى عند الحنفيين (وقال) الشافعى فى الجديد: " تستحب السورة بعد الفاتحة فيما بعد الأوليين (لحديث) أبى سعيد رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأولَيين فى كل ركعة قدرَ ثلاثين آية، وفى الآخْرَيين قدرَ خمسَ عْشرة آيةً. وفى العصر فى الركعتين الأوليين، فى كل ركعة قدرَ خمس عشرة آية، وفى الآخْريين قدرَ نصفِ ذلك ¬

(¬1) ص 171 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى الفجر) ص 105 ج 4 - نووى (وجوب قراءة الفاتحة). (¬2) ص 235 ج 2 - نيل الأوطار (إيجاب قرآن مع الفاتحة). (¬3) ص 207 ج 3 - الفتح الربانى. وص 172 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر).

" أخرجه أحمد ومسلم ... (¬1) {240} فإنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الأخريين بأزيد من الفاتحة، لأنها سبع آيات فقط (وقال) أبو عبد الله الُّبابحى: قدِمتُ المدينة فى خلافه أبى بكر الصديق فصليتُ وراءه المغرب فقرأ فى الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورةٍ سورة من قِصار المفصّل ثم قام فى الثالثةِ فدنوتُ منه حتى إنّ ثيابى تكاد تمسّ ثيابهَ فسمعتُه قرأ بأمّ الكتاب وبهذه الآية {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} أخرجه مالك (¬2) (وقال) مالك: تكره السورة فى غير الأوليين لأن عمر كتب إلى شُريح أن اقرأ فى الركعتين الأوليين بأمّ الكتاب وسورة، وفى الأخريين بأمّ الكتاب. ذكره ابن قدامه (¬3). ولمالك الجواب عن حديث أبى سعيد بأنه من باب التقدير والتخمين وليس نصا فى قراءة زائد على الفاتحة فى الأخريين؛ لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم كان يبالغ فى ترتيلها حتى يخيل لمن خلفه أنه قرأ زائداً عليها (قال الأبىّ) فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوّل السورة حتى تكون أطول من أطول منها أهـ ويجاب عن قراءة أبى بكر آية {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} بأنه قراها بقصد الدعاء لا التلاوة. هذا. والظاهر ما ذهب إليه الأوّلون من عدم كراهة قراءة ما زاد على الفاتحة فى الأخريين. بل هو مباح عملا بالحديثين، بحمل حديث أبى قتادة على الكثير من أحواله صلى الله عليه وسلم. ويحمل حديث أبى سعيد على النادر القليل. ¬

(¬1) ص 208 ج 3 - الفتح الربانى. وص 172 ج 4 نووى. (¬2) ص 150 ج 1 - زرقانى (القراءة فى المغرب والعشاء). (¬3) ص 618 ج 1 - مغنى (ما يقرأ بعد الفاتحة).

هذا. ويجوز قراءة سورتين بعد الفاتحة (لقول) أنس رضى الله عنه " كان رجل من الأنصار يؤمُّهم فى مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورةً يقرأ بها لهم فى الصلاة - مما يقرأ به - افتتح بقل هو الله أحمد حتى حتى يفرغَ منها. ثم يقرأُ سورةً أخرى معها. فكان يصنع ذلك فى كل ركعة. فلما أتاهم النبى صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر. فقال: " وما يَحمِلك على لزوم هذه السورةِ فى كل ركعة؟ قال: إنى أحبها. قال. حُبك إياها أدخلك الجنة " أخرجه البزار والبيهقى والطبرانى والترمذى، وقال حسن غريب. وأخرجه البخارى مطولا (¬1) {241} ... (ولقول) عبد الله بن شقيق: " قلت لعائشة رضى الله عنها هلْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السُّور فى ركعة؟ قالت من المفضَّل " أخرجه أحمد والبيهقى بسند جيد (¬2) {242} ... (ولقول) ابن مسعود: " لقد عرفتُ النظائرَ التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرِن بينهن فذكَر عشرين سورة من المفصّل: سورتين فى كل ركعة " أخرجه الشيخان والنسائى (¬3) {243} ... ولإطلاق هذه الأحاديث قال الحنفيون والثورى والشافعى وأحمد ¬

(¬1) ص 62 ج 2 - بيهقى (إعادة سورة فى كل ركعة) وص 174 ج 2 - فتح البارى (الجمع بين السورتين فى ركعة) و (الرجل) كلثوم بن هدم " بكسر فسكون " من بنى عمرو بن عوف و (افتتح الخ) أى كان يقرأ بعد الفاتحة فى كل ركعة قل هو الله أحمد ثم سورة أخرى، وليس المراد أنه ترك الفاتحة مفتتحا بقل هو الله أحمد. (¬2) ص 211 ج 3 - الفتح الربانى (قراءة سورتين ... فى ركعة .. ) وص 60 ج 2 - بيهقى و (المفصل) السبع الأخير من القرآن. (¬3) ص 175 ج 2 - فتح البارى (الجمع بين السورتين فى ركعة .. )

فى رواية بجواز الجمع بين السورتين فى كل ركعة فى الفرض وغيره. (وقالت) المالكية: باستحبابه فى النفل وكراهته فى الفرض. وهو رواية عن أحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقتصر فى الفرض على سورة، وأمر معاذا أن يقرأ فى صلاته كذلك (وأجيب) بأن الأحاديث السابقة مطلقة فى الفرض وغيره. واقتصاره صلى الله عليه وسلم على سورة فى الركعة فى أكثر أحواله لا ينافى مشروعية الجمع بين السورتين فى ركعة. فالراجح الأوّل ويؤيده قول نافع: ربما أمّنا ابن عمر بالسورتين والثلاث فى الفريضة. أخرجه أحمد والبيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) ... (فائدة) يجوز بلا كراهة عند أحمد قراءة سورة فى ركعة وإعادتها فى الثانية وهو مشهور مذهب الحنفيين (لما روى) معاذ بن عبد الله أنّ رجلا من جُهَينةَ أخبره أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الصبح إذا زُلزلت الأرض فى الركعتين كِلتيهما. فلا أدى أنِسىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا؟ أخرجه أبو داود بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {244} ... (وظاهر) كلام الشافعية أنه خلاف الأولى (وقالت) الحنفيون وزيد بن على: يجب قراءة الفاتحة فى الأوليين من المكتوبة. ولا تتعين فى الأخريين، بل إن شاء قرا وإن شاء سبّح بقدرها أو ثلاث تسبيحات أو سكت على الصحيح. ¬

(¬1) ص 212 ج 3 - الفتح الربانى. وص 60 ج 2 - بيقهى (الجمع بين سورتين فى ركعة). (¬2) ص 239 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يعيد سورة واحدة فى الركعتين).

وقال بعض الحنفيين: القراءة فيما بعد الأوليين واجبة. وعلى كل فلو قرأ فى الأخريين فقط أو فى إحدى الأوليين ساهيا، لزمه سجود السهو، وإن فعل ذلك عامدا أثم ولزمه إعادة الصلاة (وقالت) الأئمة الثلاثة: القراءة فرض فى كل ركعات الصلاة على ما تقدم بيانه فى بحث القراءة. ... (4) ويجب عند الحنفيين تقديم السجدة الثانية على ما بعدها وهو فرض عند غيرهم على ما تقدم بيانه فى بحث الترتيب. (5، 6، 7) ويجب - عند النعمان ومحمد بن الحسن - الرفع من الركوع، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيهما وفى الأركان حتى تسكن مفاصله وقال أبو يوسف وباقى الأئمة ما ذكر فرض على ما تقدّم فى بحث الأركان. ... (8) ويجب - عند الحنفيين وأحمد - القعود الأول (¬1) ولو فى نفل على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا، لأنّ النبى صلى الله عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به. ولم يكن فرضا (لحديث) ابن بُحَيْنَةَ أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فقام فى الركعتين فسبحوا فمضى. فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين صم لم " أخرجه النسائى (¬2) {245} سبحوا له فلم يرجع، فلو كان فرضا لرجع (وقالت) المالكية والشافعية وجمهور العلماء: إنه سنة يجبر بسجود السهو مطلقا عند الشافعية، وإن ترك سهوا عند المالكية لأن النبى صلى الله عليه وسلم تركه ولم يرجع إليه وقد سبح له الصحابة فمضى فى صلاته حتى فرغ. ¬

(¬1) المراد بالأول غير الأخير، ليشمل ما إذا صلى أكثر من أربع فى النفل بتسليمه واحدة، وما إذا قعد فى الفرض أكثر من قعودين كالمسبوق بثلاث فى الرباعية. (¬2) ص 176 ج 1 - مجتبى (ترك التشهد الأول) و (ابن ماجه) عبد الله بن مالك. وبحينة والدته على المشهور.

وتابعه الصحابة، ولم ينكر عليهم متابعته فى الترك. بل جبره بسجود السهو. ولا خلاف فى الواقع لأنّ من قال بوجويه يرى أن الواجب كالسنة المؤكدة التى قال بها الجمهور. (9) قراءة التشهد: هو واجب عند الحنفيين فى كل قعود، وعند الحنبلية فى القعود الأول لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليه، وسنة عند المالكية فى كل قعود. وعند الشافعة فى القعود غير الأخير يجبر بسجود السهو مطلقا، لما تقدم فى القعود الأول، وركن عندهم وعند الحنبلية فى القعود الأخير. وتقدم بيان ألفاظ التشهد. (10) ويحب التسليمتان عن الحنفيين وهما فرض فى المشهود عن أحمد وتقدم بيانه فى بحث السلام. (11) يجب على الإمام عند الحنفيين الجهر بقدر ما يُسمع المأمومين فيما جهر فيه النبى صلى الله عليه وسلم؛ وهو صلاة الصبح والجمعة والأوليان المغرب والعشاء، وصلاة العيدين والتراويح والوتر فى رمضان، للمواظبة على ذلك. أما المنفرد والمتنفل ليلا فيخير بين الإسرار والجهر وهو أفضل (¬1) (لحديث) أبى قتادة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبى بكر يصلى يَخِفض من صوته. ومرّ بعمر بن الخطاب وهو يصلى رافعاً صوتهَ. ¬

(¬1) يباح له الجهر ما لم يهوش على نائم أو مصل آخر، وإلا حرم الجهر إجماعا لحديث فروة بن عمرو البياض أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علمت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلى يناجى ربه عز وجل فلينظر ما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. أخرجه مالك واحمد بسند صحيح (انظر ص 202 ج 3 - الفتح الربانى).

فلما اجتمعا عند النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر مررتُ بك وأنت تصلى تَخِفض صوتَك. قال أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله. وقال لعمر مررتُ بك وأنت تصلى رافعاً صوتَك. فقال يا رسول الله أوقِظ الوَسْنان وأطرُد الشيطان. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر ارفَع من صوتك. وقال لعمر اخِفض من صوتك شياَ " أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم (¬1) {246} (وأقل) الجهر عندهم إسماع من ليس بقربه، فلو أسمع رجلا أو رجلين لا يكفى (وأعلاه) فى حق الإمام إسماع الكل. والأولى ألا يجهد نفسه بالجهر فإن سماع بعض القوم يكفى. ولا يستحب للمرأة الجهر بالقراءة فى الصلاة الجهرية دفعا للفتنة وإن كان الأصح أن صوتها ليس بعورة. (12) ويجب عند الحنفيين الإسرار على كل مصل فى محل الإسرار. وهو صلاة الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريان من العشاء، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونفل النهار. وهو واجب على الإمام اتفاقا وعلى المنفرد فى الأصح، لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك. (وأقل) السر إسماع نفسه أو من بقربه. أما مجرد حركة اللسان ولو مع تصحيح الحروف فلا يكفى على الأصح. (وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية: يسنّ الجهر بالقراءة للأمام والمنفرد فى صلاة الصبح والجمعة وأولى المغرب والعشاء. ولا فرق فى ذلك بين القضاء والأداء (وعن) أحمد أن المنفرد يخير بين الجهر وعدمه فيما ذكر. وكذا م فاته بعض الصلاة فقام ليقضيه. ¬

(¬1) ص 258 ج 7 - المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل) (والوسنان) النائم نوما خفيفاً.

ويسنّ الإسرار لكل مصل فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس، لأن ذلك هو المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى اليوم. فإن جهر فى موضع الإسرار أو أسر فى موضع الجهر فقد ترك السنة. ومن نسى فجهر فى موضع الإسرار ثم تذكر بنى على قراءته ولا شئ عليه مطلقا عند الشافعية والحنبلية. وكذا عند المالكية إن جهز بآيتين فقط. وإن جهر بأكثر وتذكر قبل أدنى الركوع أعاد القراءة على الوجه المسنون وسجد للسهو. وإن أسرّ فى موضع الجهر مضى فى قراءته عند الشافعية والحنبلية مطلقا. (وقالت) المالكية بالتفصيل السابق قيما إذا جهر فى موضع الإسرار. (وقال) بعض الحنبلية يعود إليها جاهراً ليأتى بها على الوجه المستحب. أما الجهر والإسرار فى النوافل، فذهبت الشافعية والحنبلية إلى أنه يسنّ الجهر فى صلاة العيد وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان. وكذا ركعتا الطواف ليلا أو وقت الصبح عند الشافعية. ويسنّ الإسرار فى غير ما ذكر إلا النفل المطلق ليلا فيتوسط فيه بين الجهر والإسرار عند الشافعية (وقالت) المالكية: يندب الجهر فى النوافل الليلية والسر فى النوافل النهارية إلا ماله خطبة كالعيد والاستسقاء فيندب الجهر فيه. هذا. وعند المالكية اقل جهر الرجل إسماع من يليه ولا حدّ لأكثره. وأقل سره حركة اللسان. وأعلاه إسماع نفسه. وجهر المرأة إسماع نفسها. وسرها حركة لسانها على المعتمد. وعند الشافعية والحنبلية أقل الجهر إسماع من يليه ولو واحدا. وأقل السر إسماع نفسه حيث لا مانع. ولا تجهر المرأة بحضرة أجبنى. (13) يجب عند النعمان القنوت فى ثالثة الوتر قبل الركوع فى كل السنة،

(لحديث) أبىِّ بن كعبٍ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُوتِر فيقنُت قبل الركوع. أخرجه ابن ماجه. وعند النسائى: كان يُوتِر بثلاث وَيقنُت قبل الركوع (¬1) {247} (وقال) الصاحبان وأحمد: القنوت فى الوتر سنة. ورجحه ابن الهمام. وليس فيه دعاء معين (فقد) روى فيه أدعية مختلفة يأتى بعضها فى مبحث الوتر إن شاء الله تعالى (وقالت) الشافعية: يسنّ القنوت فى وتر النصف الثانى من رمضان، ومشهور مذهب مالك عدم مشروعية القنوت فى الوتر كما يأتى بيانه. (14) يجب عند الحنفيين الخروج من الصلاة بفعل اختيارى مناف لها بعد تمام فرضها على الصحيح. وقيل إنه فرض عند النعمان (وقالت) الأئمة الثلاثة يفترض الخروج منها بالسلام على ما تقدم بيانه فى بحث السلام. (ب) واجبات الصلاة عند الحنبلية ثمانية: - (1) تكبيرات الانتقال: هى واجبة عند الظاهرية. ورواية عن أحمد (لقول) أبى هريرة: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقومُ ثم يكبر حين يركع، ثم يقولُ سَمِع اللهُ لمن حَمِدَهُ حين يرفعُ صُلبَه من الركعة. ثم يقولُ وهو قائم ربّنا لك الحمدُ قبل أن يسجدَ: " ثم يكبر حين يّهْوِى ساجداً ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يهوى ساجداً ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعلُ ذلك فى الصلاة كِّلها حتى يقضِيَها ويكبر حين يقومُ من اللتين بعد الجلوس " أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {248} ¬

(¬1) ص 186 ج 1 - ابن ماجه (القنوت قبل الركوع وبعده). وص 248 ج 1 - مجتبى (ذكر اختلاف ألفاظ .. خبر أبىّ .. ) (¬2) ص 247 ج 3 - الفتح الربانى. وص 184 ج 2 - فتح البارى (التكبير إذا قام من السجود). وص 97 ج 4 - نووى (التكبير فى كل خفض ورفع .. )

(ولقول) ابن مسعود رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر فى كل خفض ورفع وقيام وقعود. وأبو بكر وعم ر" أخرجه الترمذى، وقال حسن صحيح (¬1) {249} ويجب عندهم أن يكون التكبير بين الانتقال إلى الركن والانتهاء منه. فلو ابتدأ التكبير قبل انتقاله كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هُويّه إليه أو كمّل التكبير بعد انتهائه لم يجزئه، لأنه لم يأتى به فى محله، فأشبه من تعتمد قراءته راكعا، أو أخذ فى قراءة التشهد قبل قعوده (قال) الشيخ منصور الحنبلى: وهذا قياس المذهب. ويحتمل أن يُعفى عن ذلك لأن التحرز يعسُر، والسهو به يكثر، ففى الإبطال به والسجود له مشقة أهـ (¬2). واستثنوا تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعا فقالوا: إنها سنة للاجتزاء عناه بتكبيرة الإحرام. (وقال) النووى فى شرح حديث أبى هريرة (¬3) هذا دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات وبسطه عليها. فيبدأ بالتكبير حين يشرع فى تسبيح الركوع. ويبدأ فى قوله سمع الله لمن حمده حين يشرع فى الرفع من الركوع ويمده حتى ينتصب قائما. ثم يشرع فى ذكر الاعتدال وهو ربنا لك الحمد إلى آخره ويبدأ بالتكبير حين يشرع فى الهُوىّ إلى السجود. ويشرع فى التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع فى الانتقال ويمده حتى ينتصب قائما أهـ (¬4) ¬

(¬1) ص 218 ج 1 - تحفة الأحوذى (التبكير عند الركوع والسجود). (¬2) ص 256 ج 1 - كشاف القناع (واجبات الصلاة). (¬3) تقدم رقم 248 ص 193. (¬4) ص 99 ج 4 - شرح مسلم.

(وقال) الصنعانى: ظاهر قوله يكبر حين كذا وحين كذا ن أن التكبير يقارن فى هذه الحركات. فيشرع فى التكبير عند ابتدائه الركن. وأما القول بأنه يمدّ التكبير حتى يتم الحركة فلا وجه له. بل يأتى باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه (¬1) وعلى تسليم ما قاله النووى فى مدّ التبكير إلى انتهاء حركات الانتقال، فينبغى للمصلى أن يسرع بحركات الانتقال ويراعى عدم مد لفظ الجلالة أزيد من حركتين، فإنه مد طبيعى (وقد) اتفق القراء على أنه لا يجوز مدّه أزيد من حركتين خلافاَ لما يفعله بعضهم من مبالغتهم فى هذا المدّ إلى نحو ست حركات أو أكثر. (وقالت) المالكية: لا يكبر للقيام من اثنتين حتى يستقل قائما لأنه كمفتتح صلاة جديدة. لكن الحديث يردّه. (وقال) الحنفيون ومالك والشافعى والجمهور: تكبير الانتقال سنة وهو رواية عن أحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعلّمه المسئَ صلاته، ولو كان واجبا ما ترك بيانه، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة هذا. وحكمه مشروعية التكبير فى كل خفض ورفع أن المصلى مأمور بنية الصلاة مقرونة بالتكبير. ومن حقه استصحاب النية إلى آخر الصلاة. فأمر بتجديد العهد فى أثنائها بالتكبير الذى هو شعرا النية. (وحكى) الطحاوى أن بنى أمية كانوا يتركون التكبيرة فى الخفض دون الرفع. وما هذه بأول سنة تركوها. (2، 3) قال أحمد وإسحاق بن رَاهَويْه: التسبيح فى الركوع والسجود واجب على الذاكر العالم، فإن تركه عمدا بطلت صلاته وإن سهوا أو جهلا لا تبطل ويجبر بسجود السهو (وقال) داود الظاهرى إنه واجب مطلقا. ¬

(¬1) ص 209 ج 1 - سبل السلام (حكم تكبير الانتقال).

فلا يجبر بالسجود لو نسيه. وأشار الخطابى فى معالم السنن إلى اختياره، (لقول) عقبة بن عامر رضى الله عنه: لما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: اجعلوها فى سجودكم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والدرامى والحاكم بسند جيد (¬1) {250} (ولحديث) عون بن عبد الله عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ركع أحدكم فليقل ثلاثَ مراتٍ: سبحان ربَى العظيم ". وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربَى الأعلى ثلاثا. وذلك أدناه. أخرجه الأربعة والنسائى. وقال أبو داود: هذا مرسل. عونُ لم يدرك عبد الله. وقال الترمذى: ليس إسناده بمتصل (¬2) {251} (والواجب) تسبيحة واحدة عند أحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالتسبيح فى حديث عقبة ولم يذكر عددا. فدل على أنه يجزئ أدناه؛ وأدنى الكمال ثلاث لقوله فى حديث ابن مسعود (وذلك أدناه) ذكره ابن قدامة (¬3) (وقال) الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم. يستحبون أن لا ينقص الرجل فى الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات أهـ. ¬

(¬1) ص 261 ج 3 - الفتح الربانى. وص 314 ج 5 - المنهل العذب (ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده و (اجعلوها فى ركوعكم الخ) أى قولوا فى الركوع سبحان ربى العظيم. وفى السجود سبحان ربى الأعلى. (¬2) ص 334 ج 5 - المنهل العذب (مقدار الركوع والسجود) وص 149 ج 1 - ابن ماجه. وص 224 ج 1 - تحفة الأحوذى (التسبيح فى الركوع والسجود) و (عون بن عبد الله) ثقة أخرج له مسلم. (¬3) ص 546 ج 1 مغنى.

(وقال) أبو مطيع البلخى الحنفى: يفترض التسبيح ثلاثا. وقال فى الحلية: الأمر به والمواظبة عليه متظافران على الوجوب. فينبغى لزوم سجود السهو أو الإعادة لو تركه ساهياً أو عامداً. ووافقه العلامة الحلبى فى شرح المنية. ذكره ابن عابدين. وقال: والحاصل أن فى تثليث التسبيح فى الركوع والسجود ثلاثة أقوال عندنا. أرجحها من حيث الدليل الوجوب تخريجا على القواعد المذهبية. فينبغى اعتماده أهـ (¬1). (وقال) الجمهور: التسبيح فى الركوع والسجود سنة وليس بواجب. وهو مشهور مذهب الحنفيين ورواية عن أحمد، لأن النبى صلى الله لعيه وسلم لم يعلمه المسئ صلاتَه، ولو كان واجبا لذكره له. فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فدل ذلك على أن الأمر الوارد بالتسبيح فى الركوع والسجود للاستحباب. (وأجاب) الأولون بأنه إنما يلزم ذلك إن لم يكن للصلاة واجب لم يذكر فى حديث الأعرابّى وليس كذلك. بل تعيين الفاتحة وضم السورة أو ثلاث آيات ليس مما علمه الأعرابى بل ثبت بدليل آخر فلم لا يكون هذا كذلك؟ ذكره ابن عابدين (¬2). هذا. والحكمة فى تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى، أن السجود لما كان غاية فى التواضع لما فيه من وضع الجبهة التى هى أشرف الأعضاء على موطئ الأقدام، كان أفضل من الركوع. فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل وهو الأعلى. (فائدة) لا بأس بزيادة وبحمده فى تسبيح الركوع والسجود. (روى) حُذَيفُة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه سبحان ربى العظيم ¬

(¬1) ص 365 ج 1 - رد المحتار (صفة الصلاة). (¬2) ص 365 ج 1 - رد المحتار (صفة الصلاة).

وبحمده ثلاثا. وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وبحمده ثلاثا. أخرجه الدار قطنى وفيه محمد بن أبى ليلى ضعيف. (¬1) {252} (وقال) ابن مسعود: من السنة أن يقول الرجل فى ركوعه سبحان ربى العظيم وبحمده. وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وبحمده. أخرجه الدار قطنى وفى سنده السرى ابن إسماعيل وهو ضعيف (¬2). (وقال) عقبة بن عامر رضى الله عنه: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا. وإذا سجد قال: سبحان ربى الأعلى وبحمده ثلاثا. أخرجه أبو داود. وقال: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة (¬3) {253} وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة، فلا مانع من الأخذ بها لأنه يقوى بعضها بعضا (وعن) أحمد أنه قال: أما أنا فلا أقول وبحمده. وحكاه ابن المنذر عن الشافعى والحنفين. (تتميم) قوله فى حديث ابن مسعود (¬4) (وذلك أدناه) أى أدنى التمام. فمن نقص عن ثلاث لا يكون آتيا بالسنة، وقيل هو أدنى ما يجزئ فى الركوع والسجود. والجمهور على الأول فأفل ما يجزئ عندهم قدر تسبيحة واحدة كاملة، وأقل الكمال ثلاث. (قال) الإمام أحمد فى رسالته: جاء عن الحسن البصرى أنه قال: التسبيح التام سبع. والوسط خمس. وأدناه ثلاث (¬5). وأعلاه عشر تسبيحات (لقول) أنس بن مالك: " ما صليتُ وراء أحد بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى " يعنى عمر ¬

(¬1) ص 130 - الدار قطنى. (¬2) ص 130 - الدار قطنى. (¬3) ص 316 ج 5 - المنهل العذب (ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده). (¬4) تقدم رقم 251 ص 196. (¬5) ص 546 ج 1 - مغنى.

ابن عبد العزيز " قال فحزّرنا فى ركوعه عشْرَ تسبيحات، وفى سجوده عشْرَ تسبيحات " أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود (¬1) {254} (قال) الشوكانى: فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات. والأصح أن المنفرد يزيد فى التسبيح ما أراد. وكلما زاد كان أولى. والأحاديث الصحيحة فى تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا. وكذا الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذّوْن بالتطويل (¬2). والمختار أن أعلى الكمال لينضبط بعدد. بل يكون التسبيح فى الركوع والسجود على حسب طول القراءة وقصرها، لأن السنة تَقارُب الأركان. هذا. ولم يثبت من طريق صحيح اقتصاره صلى الله عليه وسلم على ثلاث تسبيحات فى الركوع والسجود " وأما " حديث السعدى (عبد الله) عن أبيه أو عمه قال: رمَقْتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته فكان يتمكن فى ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا " أخرجه أحمد وأبو داود (¬3) {255} ¬

(¬1) ص 255 ج 3 - الفتح الربانى. وص 337 ج 5 - المنهل العذب (مقدار الركوع والسجود) و (فحزرنا الخ) أى قدّرنا فى ركوع عمر بن عبد العزيز عشر تسبيحات، وهو بيان لوجه شبه صلاته بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) ص 278 ج 2 نيل الأوطار (الذكر فى الركوع والسجود). (¬3) ص 255 ج 3 - الفتح الربانى. وص 533 ج 5 - المنهل العذب (مقدار الركوع والسجود) وقد ورد فى هذا أحاديث فيها مقال (منها) حديث أبى بكرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم. كان يسبح فى ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وفى سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثا. أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار وقال: لا نعلمه روى عن أبى بكره إلا بهذا الإسناد (وحديث) جبيرين مطعم رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه: سبحان ربى العظيم ثلاثا، وفى = سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثا. أخرجه الطبرانى والبزار وقال: لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد، وفيه عبد العزيز بن عبد الله. صالح ليس بالقوىّ. انظر ص 128 ج 2 - مجمع الزوائد (ما يقول فى ركوعه وسجوده).

" فلم يثبت " لأن السعدى مجهول العين والحال (قال) الحافظ فى التقريب: لا يعرف ولم يسم أهـ. وأبوه أو عمه ليس من مشاهير الصحابة الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كملازمة أنس والبراء بن عازب وابن عمر وغيرهم ممن ذكروا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وقد قالوا: كان ركوعه وسجوده نحواً من قيامه. ومحال أن يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات (وعلى) فرض ثبوت الحديث، فلعله صلى الله عليه وسلم خفف مرة لعارض فشهده عمّ السعدى أو أبوه فأخبر به (إذا علمت) هذا تعلم أن صلاة غالب أهل الزمان غير صحيحة. فإنهم لا يطمئنون ولا مقدار تسبيحة فى أركان الصلاة كما هو مشاهد. ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله مخاطباً ابنه عبد الله: وأمر يا عبد الله الإمام أن يهتم بصلاته ويتمكن - ليتمكنوا " يعنى المأمومين " - إذا ركع وسجد. فإنى صليت يومئذ فما تمكنت من ثلاث تسبيحات فى الركوع، ولا ثلاث فى السجود. وذلك لعجلته لم يُمكن ولم يتمكن وعجِل فأعجل، فأعلمه أن الإمام إذا أحسن الصلاة كان له أجر صلاته وأجر من يصلى خلفه (وجاء) الحديث عن الحسن البصرى أنه قال: التسبيح التامّ سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث تسبيحات. فلا ينبغى له أن يعجَل بالتسبيح ولا يسرع فيه ولا يبادر ولكن بتمام من كلامه وتؤدة وتمكّن. فإنهن إذا عجل بالتسبيح وبادر به لم يدرك من خلفه التسبيح وصاروا مبادرين إذا بادر وسابقوه ففسدت صلاتهم. وكان عليه مثل وزرهم جميعا. وإذا لم يبادر الإمام وتمكن

وأتمّ كلامة وتسبيحه أدرك من خلفه ولم يبادروا. فيكون الإمام قد تضمن ما عليه وليس عليه إثم ولا وزر (¬1). الذكر فى الركوع والسجود: قد ورد فى ذك أحاديث غير ما تقدم (منها) حديث عائشة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه وسجوده: " سُبوَّح قُدوس ربُ الملائكة والرُّوح " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬2) {256} (وحديث) عَوفِ بن مالك الأشجعى قال: " قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فقام فقرأ سورةَ البقرة، لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف فسال، ولا يُمر بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ. ثم ركع بقدر قيامه يقولُ فى ركوعه: سبحان ذى الجَبروت والملَكوت والكِبْرياء والعظمة. ثم سجد بقدر قيامه. ثم قال فى سجوده مثل ذلك (الحديث) أخرجه أبو داود وكذا النسائى مختصراً (¬3) {257} (ومنها) حديث عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقولَ فى ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لى " أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬4) {258} ¬

(¬1) ص 11 كتاب الصلاة للإمام أحمد. (¬2) ص 262 ج 3 - الفتح الربانى وص 204 ج 4 - نووى (ما يقال فى الركوع والسجود) وص 160 ج 1 - مجتبى (الذكر فى الركوع) وص 318 ج 5 - المنهل العذب. و (سبوح) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، أى أنت سبوح (قدوس) أى مبرأ من النقائص والشريك مطهر من كل ما لا يليق بالإلهية (والروح) هو جبريل، وقيل ملك عظيم. (¬3) ص 319 ج 5 - المنهل العذب. وص 161 ج 1 - مجتبى (الذكر فى الركوع). (¬4) ص 263 ج 3 - الفتح الربانى. وص 191 ج 2 - فتح البارى (الدعاء فى الركوع) وص 201 ج 4 - نووى. وص 325 ج 5 - المنهل العذب. وص 160 ج 1 - مجتبى (الذكر فى الركوع) وص 149 ج 1 - ابن ماجه (التسبيح فى الركوع والسجود).

(وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى سجوده: " اللهم اغفر لى ذنبى كله دِقه وِجُله وأوله وآخره وعلانيته وسره ". أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {259} (وحديث) عائشة قالت: فقدتُ النبى صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فلمستْه فى المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول: " أعوذ برضاك من سخط، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك. لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ". أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى (¬2) {260} (وقالت) فقدت النبى صلى الله عليه وسلم من مصجعه فلمسته بيدى فوقَعَتْ عليه وهو ساجد وهو يقول: " رب أعطِ نفسى تقواها، زَكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬3) {261} (وقال) جابر رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ¬

(¬1) ص 201 ج 4 - نووى. وص 326 ج 5 - المنهل العذب (الدعاء فى الركوع والسجود) و (دقه وجله) بكسر أولهما وبضم الجيم أيضا، أى صغيرة وكبيرة (وأوله وآخره) أى ما تقدم من ذنبه وما تأخر. (¬2) ص 203 ج 4 - نووى. وص 326 ج 5 - المنهل العذب. وص 165 ج 1 - مجتبى (الدعاء فى السجود) و (أعوذ برضاك) أى أتحصن بفعل يوجب رضاك من فعل يوجب سخط. والمراد أسألك التوفيق لفعل الطاعات الموجبة لرضاك. وأسألك الحفظ من المعاصى الموجبة لسخط. وأتحصن بعفوك من عقوبتك الناشئة من غضبك. واستعاذ صلى الله عليه وسلم بصفات الرحمة، لأن رحمة الله تعالى سبقت غضبه (وأعوذ بك منك) أى أتحصن برحمتك من عذابك (لا أحصى ثناء .. ) أى لا أحصى نعمك وإحسانكم والثناء بها عليك لكثرتها فأنت مستحق لأن يثنى عليك ثناء كالثناء الذى أثنيته على ذاتك. (¬3) ص 292 ج 3 - الفتح الربانى (الدعاء فى السجود).

ركع قال: اللهم لك ركعتُ وبك آمنتُ ولك أسلمتُ وعليك توكلتُ. أنت ربى خشع سمعى وبصرى ولحمى ودمى وعظمى وعصبى الله رب العالمين. أخرجه النسائى (¬1) {262} (وقال) على رضى الله عنه: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال: " اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ. سجد وجهى الذى خلقه وصورة فأحسن صورته وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين. (الحديث). أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود (¬2) {263} (4 و 5) التسميع والتحمير: قال أحمد: يجب على الإمام والمنفرد أن يقول حال رفعه من الركوع: سمع الله لمن حمده. وعلى كل مصل أن يقول: ربنا ولك الحمد. يأتى به المأموم فى رفعه، وغيره فى اعتداله. أما وجوب اقتصار المأموم على التحميد " فلحديث " أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه الخمسة وقال الترمذى حسن صحيح (¬3) {264} (وأما) وجوب التسمع والتحميد على كل من الإمام والمنفرد " فلحديث " بريدة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يا بُريدة إذا رفعت ¬

(¬1) ص 161 ج 1 - مجتبى (نوع آخر). (¬2) ص 291 ج 3 - الفتح الربانى. وص 169 ج 1 - مجتبى. وص 167 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة من الدعاء). (¬3) ص 192 ج 2 - فتح البارى (فضل اللهم ربنا لك الحمد) وص 128 ج 4 - نووى (التسميع والتحميد) وص 289 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع) وص 162 ج 1 - مجتبى (قوله ربنا ولك الحمد) وص 227 ج 2 - تحفة الأحوذى.

رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السمواتِ وملءَ ما شئت من شئ بعدُ. أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف (¬1) {265} وهو عام يشمل الإمام والمنفرد. وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك (روى) عبد الله بن أبى أوفى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده. اللهم ربنا لك الحمد، ملئ السموات وملئ الأرض، وملئ ما شئت من شئ بعدُ. أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه (¬2) {266} ولأن ما شرع من القراءة والذكر وغيرهما فى حق الإمام فهو مشروع فى حق المنفرد (وقال) النعمان ومالك: يسنّ للإمام التسميع، وللمؤتم التحميد. وللمنفرد الجمع بينهما. أما الاقتصار الإمام على التسميع والمأموم على التحميد، فلحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جَعل الإمام ليؤتم به. فإذا كبر فكبروا. وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد " (الحديث) أخرجه الخمسة إلا الترمذى (¬3) {267} فقد جعل التسميع للإمام والتحميد للمؤتم. وأما جمع المنفرد بينهما، فلحديث بريدة السابق ونحوه (وقال) الثورى والأوزاعى وأبو يوسف ¬

(¬1) ص 278 ج 2 - نيل الأوطار (ما يقول فى رفعه من الركوع وبعد انتصابه). (¬2) ص 192 ج 4 - نووى (ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع) وص 285 ج 5 - المنهل العذب. وص 148 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) ص 133 ج 4 - نووى (ائتمام المأموم بالإمام) وص 330 ج 4 - المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود).

ومحمد: يقتصر المؤتم على التحميد لما تقدم ويسن للإمام والمنفرد الجمع بينهما لما تقدم، ولحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: " سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد (الحديث) (¬1) (وأجابوا) عن حديثى أبى هريرة السابقين (¬2) بأن المقصود منهما بيان أن المؤتم يأتى بالتحميد بعد تسميع الإمام يجمع بينهما كما صرح به أبو هريرة وابن أبى أوفى م فعل النبى صلى الله عليه وسلم. (وقالت) الشافعية وعطاء: يسنّ الجمع بين التسميع والتحميد لكل مصل لظاهر حديث بربدة السابق (¬3). ولأنه ذكر يستحب للإمام فيستحب لغيره كالتسبيح فى الركوع وغيره، ولأن الصلاة مبنية على أن لا يُفتَرّ عن الذكر فى شئ منها، فإن لم يُقل بالذكرين فى الرفع والاعتدال بقى أحد الحالين خاليا عن الذكر. قاله النووى (¬4) (فائدة) كان النبى صلى الله عليه وسلم يكبر فى كل رفع وخفض حتى فى الرفع من الركوع. وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه جِدّ حريص على حضور الصلاة لأولها خلف النبى صلى الله عليه وسلم فتأخر يوما عن صلاة العصر حتى ظن أنها فاتته. فجاء المسجد فوجد النبى صلى الله عليه وسلم راكعا فحمد الله تعالى لإدراكه الركوع مع النبى صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل والنبى صلى الله عليه وسلم راكع فأوحى إليه أن قل: سمع الله لمن حمده، فقالها حال الرفع من الركوع فقال أبو بكر: اللهم ربنا لك الحمد. ذكر الاعتدال: قد ورد فى هذا عدة أحاديث ير ما تقدم (منها) ¬

(¬1) تقدم رقم 248. وص 193 (تكبير الانقال). (¬2) تقدم رقم 264 ص 203 ورقم 267 ص 204. (¬3) تقدم رقم 265 ص 203. (¬4) ص 420 ج 3 - شرح المهذب.

حديث رفاعة بن رافع الزرقى قال: كما نصلى يوما وراء النبى صلى الله عليه وسلم. فلما رفع رأسه من الركعة وقال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المتكلم؟ قال الرجل أنا. قال لقد رأيت بَضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولُ. أخرجه مالك وأحمد والبخارى وأبو داود (¬1) {268} (وحديث) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: " سمع الله امن حمده. اللهم ربنا لك الحمد ملئ السموات ملئ الأرض، وملئ ما شئت من شئ بعدُ أهلَ والثناءِ والمجد. أحقُّ ما قال العبد - وكلنا لك عبدٌ - لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬2) {269} ¬

(¬1) ص 273 ج 3 - التفح الربانى. وص 194 ج 2 - فتح البارى (فصل اللهم ربنا لك الحمد) وص 179 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة من الدعاء). (¬2) ص 274 ج 3 - الفتح الربانى. وص 194 ج 4 - نووى (ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع) وص 163 ج 1 - مجتبى (ما يقول فى قيامه ذلك) ص 287 ج 5 - المنهل العذب. و (سمع الله الخ) يعنى قبل الله حمد من حمده وجازاه عليه. و (اللهم) أى يا الله يا ربنا الثناء الجميل ثابت لك. و (ملء السموات) بالنصب صفة لمصدر محذوف، أى أحمدك حمدا لو جسم لملأ السموات والأرض. ويصح رفعه على أنه صفة للحمد و (أحق ما قال العبد) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أى أنت أحق من غيرك بما قاله العبد من الثناء والمجد، أو هو مبتدأ خبره جمله لا مانع لما أعطيت، أى أثبت قول قاله العبد: لا مانع لما أعطيت الخ لما فيه من التفويض إلى الله تعالى والاعتراف بوحدانيته، وأن الحول والقوة والخير وغيره منه تعالى دون غيره. و (الجد) بفتح الجيم عل الصحيح الغنى. ويطلق على العظمة والحظ، أى لا ينفع صاحب الغنى من عذابك غناه وغنما ينفعه العمل الصالح. وضبط بكسر الجيم بمعنى الاجتهاد. أى لا ينفع صاحب الاجتهاد منك أجتهاده. وغنما ينفعه التوفيق والرحمة والقبول.

(فائدة) قال النووى: ثبت فى الأحاديث الصحيحة ربنا لك الحمد. وربنا ولك الحمد بالواو. واللهم ربنا ولك الحمد. واللهم ربنا لك الحمد وكلها فى الصحيح. قال الشافعى: كله جائز (¬1) (وقال) ابن القيم: لم يأت فى حديث صحيح الجمع بين لفظ اللهم وبيم الواو (وردّ) بأنه قد ثبت الجمع بينهما فى حديث أنس بلفظ: وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد "أخرجه البخارى (¬2). (6) الدعاء بين السجدتين: المشهور عن أحمد أنه يجب على المصلى أن يقول بين السجدتين: رب اغفر لى. وبه قال إسحاق وداود، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله (روى) حذيفة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: " رب اغفر لى، رب اغفر لى " أخرجه النسائى وابن ماجه (¬3) {270} (وعن ابن عبسا رضى الله عنهما أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: " اللهم اغفر لى وارحمنى واجْبُرنى واهْدِنى وارزُقْنى"أخرجه الترمذى وأبو داود إلا أنه قال فيه"وعافنى" مكان " واجبرنى " وأخرجه ابن ماجه بلفظ: كان يقول بين السجدتين فى صلاة الليل: رب اغفر لى واجبرنى وارزقنى وارفعنى (¬4) {271} ¬

(¬1) ص 418 ج 3 - شرح المهذب. (¬2) ص 394 ج 2 - فتح البارى (صلاة القاعد) وهو عجز حديث أوله: إنما جعل الإمام. (ولك الحمد) معطوف على محذوف، أى ربنا استجب لنا، أو ربنا حمدناك ولك الحمد. ويحتمل أن تكون الواو زائدة أو للحال. (¬3) ص 172 ج 1 - مجتبى (الدعاء بين السجدتين) وص 150 ج 1 - ابن ماجه. (¬4) ص 236 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 292 ج 5 - المنهل العذب. ص 150 ج 1 - ابن ماجه.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬1) " والأمر للوجوب (وقال) الحنفيون ومالك والشافعى والجمهور: الدعاء بين السجدتين مستحب وروى عن أحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ صلاته. ولو كان واجباً لبينه، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة هذا. وتكريره مستحب. وأدناه ثلاث. والكمال فيه كالكمال فى تسبيخ الركوع والسجود. (7 و 8) التشهد الأول والجلوس له: هما واجبان عند أحمد لغير مأموم قام إمامه عند سهوا. وتقدم بيانهما، فى الواجبات عند الحنفيين. (تنبيه) قد علم أن الحنفيين وأحمد يفرقون بين الواجب والفرض فى الصلاة، وأنهم قالوا: إنّ للصلاة واجبات. وخالفهم فى ذلك المالكية والشافعية. وهناك جدولا يتجلى لك مه حكم ما لم يذكر منها فى جدول الأركان عند الأئمة الأربعة: ¬

(¬1) تقدم رقم 190 ص 142 (القراءة).

المطلوب ... حكمه عند النعمان ... أحمد ... مالك ... الشافعى 1 قراءة الفاتحة للقادر ... واجب ... ركن ... ركن ... ركن 2 قراءة السورة بعد الفاتحة ... " ... سنة ... سنة ... سنة خفيفة 3 تعيين أولى الفرض للقراءة ... " ... ركن فى الكل لغير مأموم ... ركن لكل مصل 4 تقديم السجدة الثانية على ما بعدها ... " ... ركن ... ركن ... ركن 5 القعود الأول ... " ... واجب ... سنة ... سنة 6 قراءة التشهد ... واجب فى كل قعود ... واجب فى الأول وفرض فى الأخير ... سنة فى الكل ... سنة فى الأول وفرض فى الأخير 7 الجهر فى محله ... واجب على الإمام ... سنة عند الثلاثة للإمام والمنفرد 8 الإسرار فى محله ... واجب على كل مصل ... " " " لكل مصل 9 القنوت فى الوتر ... واجب وسنة عند صاحبيه ... سنة ... غير مشروع ... سنة فى النصف الثانى من رمضان 10 تكبير الانتقال ... سنة ... واجب إلا تكبيرة مأموم أدرك الإمام راكعا ... سنة ... سنة خفيفة 11 التسبيح فى الركوع ... سنة ... واجب فى المشهور مسرة ... مندوب ... سنة خفيفة 12 التسبيح فى السجود ... سنة 13 التسميع ... سنة للإمام والمنفرد ... واجب على الإمام والمنفرد ... سنة للإمام والمنفرد ... سنة خفيفة لكل مصل 14 التحميد ... سنة للمؤتم والمنفرد ولكل مصل عندهما ... واجب على كل مصل ... مندوب للمقتدى والمنفرد ... سنة خفيفة لكل مصل 15 الدعاء بين السجدتين ... سنة ... واجب ... مندوب ... سنة خفيفة

(الحادى عشر) سنن الصلاة

(الحادى عشر) سنن الصلاة السنن جمع سنة. وهى لغة الطريقة، وشرعا الطريقة المسلوكة فى الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها وليست خصوصية. وهى قسمان (مؤكدة) وهى ما واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم بلا إنكار على تاركها (وغير مؤكدة) وهى ما تركها النبى صلى الله عليه وسلم أحيانا. هذا. وسنن الصلاة قسمان: داخل فيها وخارج عنها. فالسنن الداخلة فيها كثيرة: المذكور منها ثلاث وثلاثون. (1) يسنّ رفع اليدين لافتتاح الصلاة عند الأئمة الأربعة والجمهور. واختلفوا فى كيفيته ووقته (فقال) أكثر الحنفيين يرفع الرجل يديه محاذيا بإبهاميه شحمتى أذنيه، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين ويتمه مع إتمامه لحديث وائِل بن حُجْرٍ أنه أبصر النبى صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بِحيال مَنكِيَه، وحاذى بإبهاميه أذنية ثم كبر. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1) {272} والمراد بالمحاذاة أن يمَسّ بإبهاميه شحمتى أذُنيه (وعن) أبى يوسف أنه يرفع مع التكبير. واختاره غير واحد م الحنفيين. وهو المشهور عن مالك والشافعى وأحمد (لحديث) وائِل بنِ حُجْرٍ أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير. أخرجه البيهقى وأبو داود (¬2) {273} (وروى) أنه يكبر ثم يرفع (روى) مالكُ بنُ الحُويرث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا كبّر رفع يديه حتى يُحاذِىَ بهما أذنيه. أخرجه مسلم والبيهقى وقال: ورواية من دلت روايته على الرفع مع التكبير أثبت وأكثر ¬

(¬1) ص 126 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين) وص 25 ج 2 - بيهقى. (¬2) ص 26 منه (رفع اليدين فى الافتتاح) وص 126 ج 5 - المنهل العذب.

فهى أولى بالاتباع (¬1) {274} (ويمكن) الجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كلَّ ذلك. (وقال) أحمد وإسحاق: يرفع الرجل يديه حال الإحرام مبسوطة مضمومة الأصابع، مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه (لحديث) أبى هريرة " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل فى الصلاة رفع يديه مدًّا " أخرجه أحمد والترمذى بسند لا مطعن فيه (¬2) {275} (ولقول) ابن عمر رضى الله عنهما " رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاةَ رفع يديه حتى يُحاذِىَ مَنكِبيه " (الحديث) أخرجه الجماعة (¬3) {276} (وقال) الشافعى: يرفع يديه حال التكبير إلى حَذو منكبيه ناشرا أصابعه مفرّقة مستقبلا ببطون يديه القبلة، لما تقدم (ولحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا استفتح أحدُكم الصلاة فلْيرفَعْ يديه، ولْيستقبل بباطنهما القبلةَ فإن الله أمامه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده ¬

(¬1) ص 94 ج 4 - نووى (رفع اليدين حذو المنكبين) وص 27 ج 2 - بيهقى (الابتداء بالتكبير قبل الرفع). (¬2) ص 166 ج 3 - الفتح الربانى (رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام) وص 200 ج 1 - تحفة الأحوذى (نشر الأصابع عند التكبير). و (مدّا) مصدر منصوب بفعل مقدر اى يمدّهما مدّا. ويحتمل أن يكون منصوبا برفع لأن الرفع بمعنى المدّ. وأن يكون منصوبا على الحال، أى رفعه يديه - حال كونه مادّا لهما إلى الرأس. (¬3) ص 142 ج 1 - زرقانى (افتتاح الصلاة) وص 166 ج 3 - الفتح الربانى وص 148 ج 2 - فتح البارى (رفع اليدين فى التكبير الأولى) وص 93 ج 4 - نووى. وص 118 ج 5 - المنهل العذب. وص 140 ج 1 - مجتبى. وص 146 ج 1 ابن ماجه.

عُمير بن عمران. وهو ضعيف (¬1) {277} (وقال) الجمهور: المستحب حال الرفع مدّ الأصابع مضمومة (وقال) الغزالى: لا يتكلف ضمَّا ولا تفريقا، بل يتركهما على حالهما (وقال) مالك: يرفع يديه حال التكبير إلى منكبيه جاعلا بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء (ويجمع) بين أحاديث الرفع إلى الأذنين وأحاديث الرفع إلى المنكبين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذْر منكبيه بحيث تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتى أذنيه وراحتاه منكبيه. أو أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا تارة وذلك تارة. وصحح الرافعى أنه يبتدئ الرفع من ابتداء التكبير. ولا حدّ لهما فى الانتهاء والكل واسع. والخلاف إنما هو فى الأكمل. وأصل السنة يحصل بأى كيفية وردت لصحة الروايات بكل (وقال) داود والأوزاعى وابن خزيمة والنيسابورى وأحمد بن سيَّار: يجب رفع اليدين للتحريمة (وقال) الحافظ: ونقل بعض الحنفية عن أبى حنيفة أنه يأثم تاركه (¬2). ولا دليل على الوجوب ولا على بطلان الصلاة بالترك. هذا. والمرأة ترفع يديها حذاء مَنْكِبيها على الصحيح عند الحنفيين لما رواه الخلاّل بإسناده على أم الدرداء وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما. وبه قال الأئمة الثلاثة إلا أن رفعها يكون دون رفع الرجل. (وعن أحمد) لا يشرع الرفع فى حقها لأنه فى معنى التجافى، وهو غير مشروع لها. والحكمة فى شرع رفع اليدين عند الإحرام تعظيم الله تعالى والإشارة ¬

(¬1) ص 102 ج 2 - مجمع الزوائد (رفع اليدين فى الصلاة). (¬2) ص 149 ج 2 - فتح البارى قبل (رفع اليدين إذا كبر).

إلى استعصام ما دخل فيه وإلى نبذ الدنيا وراءه، والإقبال بكليته على صلاته ومناجاة ربه ليطابق فعله قوله: الله أكبر (روى) البيهقى عن الشافعى رضى الله عنه أن صلى بِجَنْب محمد بن الحسن فرفع الشافعى يديه للركوع والرفع منه فقال له محمد: لَمِ رفعت يديك؟ قال: إعظاما لجلال الله تعالى واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء لثواب الله تعالى (¬1). (2، 3) ويسنّ - عند الشافعى وأحمد وإسحاق - رفع اليدين عند الركوع والرفع منه كحال الإحرام (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ر فع يديه حتى تكونا حَذو مَنْكِبيه، ثم كبَّر وهما كذلك فيركع. ثم إذا أراد أن يرفعَ صُلْبَه رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه، ثم قال سمع الله لمن حَمِده. ولا يرفع يديه فى السجود ويرفعهُما فى كل تكبيرة يكبرُها قبل الركوع حتى تنقِضَى صلاتُه " أخرجه أبو داود والدار قطنى (¬2) {278} (4) ويسن عند الشافعية رفع اليدين عند القيام من ثنتين (روى) نافع أن ابن عمر كان إذا دخل فى الصلاة كبَّر ورفع يديه. وإذا ركع رفع يديه. وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه. وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم. أخرجه البحارى (¬3) {279} (وروى) علّى بن أبى طالب رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حَذْوَ مَنْكِبيه ويصنعُ ¬

(¬1) ص 309 ج 3 - شرح المهذب. (¬2) ص 122 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين) وص 107 - الدار قطنى. (¬3) ص 151 ج 2 - فتح البارى (رفع اليدين إذا قام م الركعتين).

مثلّ ذلك إذا قَضى قراءتَه وأراد أن يركع ويصنعُه إذا رفع رأسه من الركوع. ولا يرفع يديه فى شئ من صلاته وهو قاعد. وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر. أخرجه أحمد والأربعة وقال أبو داود. وفى حديث أبى حُمَيْدٍ الساعدِىِّ حين وصف صلاةَ النبى صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنكِبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة وصححه أحمد والترمذى (¬1) {280} (وقال) صاحب التهذيب: لم يذكر الشافعى رفع اليدين إذا قام من ركعتين. ومذهبه اتباع السنة وقد ثبت ذلك. وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين فى هذه المواضع الأربعة. منهم على وابن عمر وأبو هريرة وأبو حُميد بحضرة أصحابه وصدقوه كلهم (أما لقول) الشيخ أبى حامد فى التعليق: انعقد الإجماع على أنه لا يرفع فى هذه المواضع " فاستدلاله " بالإجماع على نسخ الحديث مرود غير مقبول ولم ينعقد الإجماع على ذلك أهـ بتصرف (¬2) (واختلفت) الرواية عن مالك: " فروى ابن القاسم عنه عدم الرفع عند الركوع والرفع منه والقيام من اثنتين. وبه قال الحنفيون والثورى وغيرهم (لحديث) البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتَح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أُذُنَيه ثم لا يعود " أخرجه أبو داود والدار قطنى والطحاوى والبيهقى. وفى سنده يزيد بن أبى زِاد وهو ضعيف (¬3) {281} ¬

(¬1) ص 164 ج 3 - افتح الربانى. وص 149 ج 5 - المنهل العذب. وص 147 ج 1 - ابن ماجه (رفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه م الركوع) ولا مفهوم لقوله: المكتوبة إذا النافلة كذلك. ولعله قيد بالمكتوبة نظرا لما رآه (وهو قاعد) أى لا يرفع يديه حال الرفع من السجود ولا الهوى إليه. والمراد بالسجدتين الركعتان، كما فى الروايات الأخرى. (¬2) ص 448 ج 3 - شرح المهذب. (¬3) ص 155 ج 5 - المنهل العذب = (من لم يذكر الرفع عند الركوع). وص 110 - الدار قطنى. وص 132 ج 1 - شرح معانى الآثار. وص 76 ج 2 - بيهقى (من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح).

ولذا اتفق الحفاظ على أن قول " ثم لا يعود " مدرج فى الحديث من يزيد بن أبى زياد. وقد رواه بدونه شعبة والثورى وخالد الطحان وزُهير وغيرهم من الحفاظ (وقال) أحمد: لا يصح هذا الحديث، حديث واه (وقال) البزار: قوله فى الحديث: ثم لا يعود. لا يصح (وقال) ابن حزم: إن سح قوله لا يعود دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز. فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره (وقال) ابن مسعود: " صليتُ خَلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح " أخرجه ابن عدىّ والدار قطنى والبيهقى وقالا: تفرّد به محمد بن جابر - وكان ضعيفاً - حماد. وحسنه الترمذى وصححه ابن حزم (¬1) {282} وتضعيف محمد بن جابر ممونه (قال) ابن عدى: كان إسحاق بن أبى إسرائيل يفضل محمدَ بن جابر على جماعة هم أفضل مه وأوثق. وقد رَوى عنه من الكبار: أيوب وابن عوف وهشام بن حسان والثورى وشعبة وابن عيينة وغيرهم. ولولا أنه ف المحل الرفيع لم يَرو عنه هؤلاء (ومما) يؤيد مذهب الحنفيين قول سليمان بن الشاذ كونى: سمعتُ سفيانَ بن عُيينة يقول: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعى فى دار الحنّاطين بمكة، فقال الأوزاعى لأبى حنيفة: ما بالكم ل ترفعون عند الركوع والرفع منه؟ قال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئٌ. فقال الأوزاعى: كيف لم يصحَّ وقد حدثنى الزهرى عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله ¬

(¬1) ص 111 - الدار قطنى. وص 79 ج 2 - بيهقى (من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح).

عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتَح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه. فقال أبو حنيفة: حدّتنا حمّاد عن إبراهيم عن علقمةَ والأسودِ عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفعُ يديه إلا عند افتتاح الصلاةِ ولا يعود لشئ من ذلك. فقال الأوزاعى: أحدِّثك عن الزهرى عن سالم عن أبيه وتقول: حدثنا حمّاد عن إبراهيم. فقال أبو حنيفة: كان حمّاد افقهَ من الزهرى .. وكان إبراهيمُ أفقهَ من سالم. وعلقمةُ ليس بدون ابن عمر فى الفقه وإن كانت لابن عمرَ صحبهٌ وله فضل صحبته، فالأسود له فضلٌ كبير. وعبد الله عبد الله. فسكت الأوزاعى. أخرجه الحارثى فى مسنده قال: سليمان الشاذكونى واه مع حفظه إلا أن القصة مشهورة (¬1) (قال) ابن الهمام: واعلم أنّ الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع. والقدر المتحقق بعد ذلك ثبوت كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم: الرفع عند الركوع وعدمه. ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم انه كانت أقوال مباحة فى الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد نسخت. فلا يبعد أن يكون هو أيضاً مشمولا بالنسخ. وتمامه فيه (¬2) (أقول) الحق أن ما استدلوا به على عدم الرفع فى غير التحريمة لا تعارض بينه وبين الأحاديث المثبتة للرفع الركوع والرفع منه لأنها متضمنة للزيادة التى لا منافاة بينها وبين المزيد، وهى مقبولة بالإجماع ¬

(¬1) ذكره الكمال ابن الهمام وقال: فرجح - أبو حنيفة - بفقه الراوى كما رجح الأوزاعى بعلو الإسناد. وهو المذهب المنصور عندنا. انظ ص 219 ج 1 - فتح القدير (صفة الصلاة). (¬2) ص 219 منه.

لسيما وقد نقلها جماعة من الصحابة وافق على إخراجها الجماعة. ولا دليل على نسخ ارفع عند الركوع والرفع منه (¬1) فالراجح أنه سنه لقوة أدلته (ومنها) حيدث ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة يرفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. وكان لا يفعل ذلك فى السجود. فما زالتْ تلك صلاتهُ حتى لقى الله تعالى. أخرجه البيهقى (¬2) (قال) ابن المدينى: هذا الحديث حجة على الخلق. كل من سمعه فعليه أن يعلم به لأنه ليس فى إسناده شئ أهـ. وآخر ما روى عن مالك ترك الرفع فى المواطن الثلاثة (قال) ابن عبد الحكم: لم يرَو أحد عن مالك ترك الرفع فى غير تكبيرة الإحرام إلا ابن القاسم. والذى نأخذ به الرفع، لحديث ابن عمر. وهو الذى رواه ابن وهب وغيره عن مالك. ولم يحك الترمذى عن مالك غيره. وقد رواه أيضا عنه أشهب وأبو مصعب وابن مهدى ومحمد ابن الحسن وعبد الله بن يوسف وابن نافع وغيرهم. قال ابن عبد البر: هو الصواب (¬3) (وقال) البخارى فى جزء رفع اليدين: من زعم أنه بدعة فقد طعن فى الصحابة لنه لم يثبت عن أحد منهم تركه ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع (¬4) (5) ويسنّ - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - وضع اليمنى على اليسرى حال القيام فى الصلاة ولو حكما كقعود العاجز والقعود فى النفل. ¬

(¬1) أما ما روى. عن أبى عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلم رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك. وما روى نحوه عن ابن الزبير " فقد ذكرهما " ابن الجوزى فى التحقيق وقال: وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا. وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير خلاف ذلك (انظر ص 392 ج 1 - نصب الراية). (¬2) ص 69 ج 2 - بيهقى (رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه) وص 409 ج 1 - نصب الراية. (¬3) ص 143 ج 1 - زرقانى. (¬4) ص 144 منه (افتتاح الصلاة).

وهو سنة قيام طويل - وما يقوم مقامه - فيه ذكر مسنون فيضع حال الثناء والقراءة والقنوت وبين تكبيرات الجنازة (لقول) وائِل بنِ حَجْرٍ: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما فى الصلاة قبض بيمينه على شماله " أخرجه النسائى (¬1) {283} (واختلفوا) فى كيفية القبض وموضعه (فقال) الحنفيون والثورى وإسحاق وأبو إسحاق المروزى الشافعى: يسنّ القبض بخنصر وإبهام اليمنى على رسغ اليسرى واضعاً باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى، مادًّا باقى الأصابع على ساعده. ويضعها الرجل تحت سرته (قال) الحجاج بن حسّان: سألت أبا مِجُلز " لاحِقَ بنَ حُميد " كيف يضع؟ قال يضع باطنَ كفّ يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلُهما أسفل عن السُّرة. أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة (وأما) المرأة فتضع يديها على صدرها، لأنه أستر لها. (ومشهور) مذهب أحمد أنه يسن قبض اليمين على ركوع الشمال وجعلهما تحت السرة (لقول) علّى رضى الله عنه: إن من السنة فى الصلاة وضعَ الكف على الكف تحت السرة " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. وفى سنده عبد الرحمن بن إسحاق عن زيادة بن زيد وفيهما مقال (¬2) {284} (وعن) أحمد أنه يضعهما فوق السرة (لقول) وائل بن جُحْر: " صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره " أخرجه ابن خزيمة وصححه (¬3) {285} ¬

(¬1) ص 141 ج 1 - مجتبى (وضع اليمين على الشمال فى الصلاة). (¬2) ص 171 ج 3 - الفتح الربانى. وص 163 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمينى على اليسرى فى الصلاة. وص 31 ج 2 - بيهقى. (¬3) ص 204 ج 2 - نيل الأوطار (وضع اليمين على الشمال).

(ولقول) طاوسٍ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشدّ بينهما على صدره وهو فى الصلاة " أخرجه أبو داود (¬1) {286} وهو إن كان مرسلا، فهو حجة عند أكثر الأئمة مطلقا وعند الشافعى إذا ورد ما يقويه. وقد ورد (روى) قَبيصة بن هُلْبٍ عن أبيه قال: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فيأخذ شِماله يمينه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسَّنه (¬2) {287} (وعن) أحمد أيضا أنه مخير فى ذلك، لن الكل مروىّ عن النبى صلى الله عليه وسلم. والأمر فيه واسع (وقالت) الشافعية: يسن للرجل والمرأة وضع بطن كف اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته باسطا أصابع اليمنى على رسغ اليسرى أو على ساعدها لما تقدّم عن وائل عند أبى خُزيمة وعن طاوسٍ (¬3) (ولقول) جَرير بن عبد الحميد: " رأيت عليا رضى الله عنه يُمْسِك شماله بيمينه على الرُّسْغ فوق السرة " أخرجه أبو داود (¬4). وهو إن كان من فعل على فهو حجة لأن مثل هذا لا يكون من قبل الرأي. وعلى الجملة فقد صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال. وثبت أن محله الصدر أو فوق السرة أو تحتها. هذا. والحكمة فى هذا الوضع إظهار التضرع والخشوع للواحد المعبود، ¬

(¬1) 166 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة). (¬2) ص 172 د 3 - الفتح الربانى. وص 140 ج 1 - ابن ماجه. وص 213 ج 1 - تحفة الأحوذى (وضع اليمنى على الشمال فى الصلاة) و (هلب) - بضم فسكون - صحابى. وقيل اسمه يزيد بن قنافة الطائى. وهلب لقب. (¬3) تقدما رقم 285 و 286. (¬4) ص 164 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة) و (الرسغ) بضم الراء وسكون السين، المفصل بين الساعد والكف

والبعد عن العبث (روى) أبو حنيفة عن حّمادٍ عن إبراهيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتِمد بيمينه على يساره يتواضع بذلك لله عز وجل. أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى الآثار وابن خسرو (¬1) {288} (واختلف) على مالك فروى ابن القاسم عنه أنه لا بأس به فى النافلة وأنه مكروه فى الفريضة. لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة عامة تشمل الفرض والنفل. ولا دليل على التفرقة. ولذا روى عنه مطرِّف وابن الماجشون وأشهب وغيرهم أنه لا باس به فى الفريضة والنافلة. (وقال) ابن عبد البر: لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيه خلاف. وهو قول جمهور الصحابة والتابعين. وذكره مالك فى الموطأ، ولم يحرك ابن المنذرة وغيره عن مالك غيره (¬2) أهـ. يشير " إلى حديث " أ [ى حازِم بن دينار عن سهِل بن سعدٍ قال: " كان الناس يؤمَرون أن يضَع الرجلُ اليد اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة. قال أبو حازم ل أعلم إلا أنه يَنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك وأحمد والبخارى، وصححه النووى (¬3) {289} (وعلى الجملة) فالأحاديث مثبتة لهذه السنة قولا وفعلا وتقريرا. وليس عند من نفاها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم سدل يديه أو أمر به. ولم يُرو عن صحابى قط القول به، إلا رواية ضعيفة عن ابن الزبير. ورواية القبض عنه أصح ¬

(¬1) انظر رقم 332 ص 67 آثار أبى يوسف. (¬2) ص 286 ج 1 - زرقانى (وضع اليدين إحداهما على الأخرى فى الصلاة). (¬3) ص 286 منه. وص 172 ج 3 - الفتح الربانى. وص 152 ج 2 فتح البارى (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة) و " ينمى " كيرمى، أى يرفع.

(قال) زُرْعة بن عبد الرحمن: سمعت ابن الزبير يقول: صَفّ القدمين ووضعُ اليد على اليد من السنة. أخرجه أبو داود (¬1). (قال) ابن عبد البر: لم يزل مالك يقبض حتى لقى الله عز وجل أهـ " ما روى " عن مالك من الإرسال وصار إليه بعض أصحابه " فسببه " أن الخليفة المنصور ضربه على يديه فشَلَّت فلم يستطع ضمها إلى الأخرى لافى الصلاة ولا فى غيرها. فرآه الناس يرسل فقالوا: آخر الأمرين من فعل مالك الإرسال ولم يتفطنوا للسبب (ومنه تعلم) أنّ الثابت الصحيح عن مالك القول بسنية قبض اليدين فى الصلاة مطلقا. (فائدة) قال الحنفيون: توضع اليمنى على اليسرى بمجرّد الفراغ من التكبير بلا إرسال. وهو الأصح عند الشافعية لما فيه من قلة الحركة فى الصلاة (وقالت) الحنبلية: يسن إرسال اليدين عقب الإحرام من غير ذكر لعدم وروده. ثم يقبض لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يُرسِلُ يديه إذا كبّر. وإذا أراد أن يقرا وضع يده اليمنى على اليسرى. (وأجاب) الأولون بأنه على فرض ثبوته، فالمراد بالإرسال فيه إرسال اليدين إلى الصدر، لا أنه كان يرسلهما ثم يستأنف رفعها. أفاده الحافظ على التلخيص. (6) ويسنّ - عند جمهور العلماء - لكل مصل أن يأتى بدعاء الاستفتاح سرًّا بعد تكبيرة الإحرام بأى صيغة وردت (والمختار) عند الحنفيين وأحمد أن يكون بما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمُك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك. أخرجه أبو داود وقال: هذا الحديث ليس بالمشهور. والدار قطنى وقال: ليس بالقوىّ. وأخرجه من عدة طرق ¬

(¬1) ص 158 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة).

موقوفا على عمر، وقال هو الصواب. وأخرجه الترمذى من طريق حارثة ابن أبى الرِّجال عن عَمْره عن عائشة وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحارثة قد تُكلم فيه من قِبَل حفظه (¬1) {290} فالحديث روى من عدّة طرق مرفوعا وفى بعضها مقال، لكن لكثرتها يقوّى بعضها بعضا، وروى موقوفا على عمر، وهو فى حكم المرفوع، لأن مثله لا يقال من قبل الرأى، فالحديث قوىّ والعمل به صحيح. وقد أخرج مسلم فى صحيحه أنّ عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (وروى) سعيد ابن منصور عن أبى بكر الصديق أنه كان يستفتح به. وكذا رواه الدار قطنى عن عثمان وابن المنذر عن ابن مسعود (¬2) " واختيار "هؤلاء وجهر عمر به أحياناً بمحضر من الصحابة ليتعلّمه الناس مع أنّ السنة إخفاؤه " يدلّ " على أنه الأفضل وأنه الذى كان النبى صلى الله لعيه وسلم يداوم عليه غالباً (¬3). وهو سنة عند الحنفيين حتى فى صلاة الجنازة وللمأموم، لكن المسبوق لا يأتى به حال جهر الإمام. بل يأتى به إذا قام لقضاء ما سُبق به. وإذا أدرك الإمام فى الركوع أو السجود أو القعود، فإن غلب على ظنه أنه ل أتى به أدرك الإمام فيما هو فيه، أتى به قائما، وإلا لا يأتى به. ¬

(¬1) 188 ج 5 - المنهل العذب (الاستفتاح بسبحانك). وص 112 - الدار قطنى. وص 203 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما يقول عند افتتاح الصلاة) و (سبحانك .. ) أى اعتقد أنك يالله منزه عن كل نقص وأحمدك بحمدك. فالواو عاطفة لا زائدة (وتبارك) (اسمك) أى تكاثر برك وإحسانك (وتعالى جدك) أى علت عظمتك، ارتفع سلطانك وغناك عما سواك. (¬2) ص 211 ج 2 - نيل الأوطار. (¬3) ص 212 منه (الاستفتاح).

(ويستحب) عند الشافعية الاستفتاح بما فى حديث علىّ رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبّر ثم قال: وجْهتُ وجهى للذى فطَر السمواتِ والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إنّ صلاتى ونُسُكى ومحياىَ ومماتى لله ربِّ العالَمين، لا شريك له، وبذلك أكرتُ وأنا أولُ المسلمين. اللهم أنت الملِكُ لا إله إلا أنت، أنت ربى وأنا عبدك، ظلمت نفسى، واعترفتُ بذنبى، فاغفِرْ ذنوبى جميعا، إنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت، واهْدنى أحْسن الأخلاق لا يهدى لأحْسَنها إلا أنت، واصْرِف عنى سيئها لا يصرِف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله فى يديك، والشرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ أستغفرك وأتوب إليك " (الحديث) أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬1). {291} ¬

(¬1) ص 72 ج 1 - بدائع المنن. وص 181 ج 3 - الفتح الربانى. وص 57 ج 6 - نووى (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل) وص 142 ج 1 - مجتبى (الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة) وص 167 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة) و (وجهت وجهى) أى توجهت بذاتى وأخلصت فى عبادتى لله تعالى، فالمراد بالوجه الذات. ويحتمل أن يراد به القلب، أى وجهت قلبى لعبادة الله تعالى. فينبغى =للمصلى أن يتحلى بالحضور والإخلاص ولا سيما حال تلاوة هذا الدعاء، وإلا كان كاذبا. واقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدى مولاه الذى يعلم سره ونجواه (فطر السموات والأرض) أى خلقهما على غير مثال سابق .. وقدم السموات لشرفها وخلوها من المفسدين، وجمعها لما بينها من التفاوت. وافرد الأرض وإن كانت سبعا لانطباقها ولنها من جنس واحد. و (حنيفا مسلما) أى مائلا عن كل دين باطل منقادا للدين الحق مطيعا لأمره تعالى، مجتنبا نهيه (ومحياى ومماتى) أى حياتى وموتى مخلوقان لله تعالى، أو ما أعمل فى حياتى من الطاعات، وما أموت عليه من الإيمان، خالص لمالك السموات والأرضين وما فيهما (وأنا أول المسلمين) هكذا عند أبى داود ورواية لأحمد = ومسلم. وفى رواية لهما والنسائى " وأنا من المسلمين " ويستوى فيها الرجل والمرأة (أنت الملك) أى المتصرف فى جميع المخلوقات. و (ظلم النفس) يكون بالتقصير فى الطاعات واقتراف السيئات، قاله النبى صلى الله عليه وسلم تواضعا منه وتعليما لنا واعترافا لله تعالى بالقدرة التامة والإرادة الشاملة. و (لبيك وسعديك) أى أجيبك إجابة بعد إجابة، وأسعد بطاعتك وإجابتى لدعوتك سعادة بعد سعادة (والخير كله فى يديك) أى فى تصرفك يجرى = بقضائك ولا يدرك من غيرك " لا معطى لما منعت " (والشر ليس إليك) أى لا يتقرب به إليك أو لا يضاف إيك تأدبا (أنا بك وإليك) أى أستعين بك وألتجئ إليك أو بك وجدت وإليك ينتهى أمرى وبك أحيا وأموت وإليك المصير.

(واختار) أبو يوسف وبعض الشافعية الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ. يبدأ بأيهما شاءَ (لحديث) جابر رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إلهَ غيرُك. وجهتُ وجهىَ للذى فطر السمواتِ والأرضَ حنيفا مَسْلما إلى الله رب العالمين " أخرجه البيهقى (¬1) {292} هذا. وينبغى لأن يقول فى دعاء التوجه وأنا من المسلمين، وله أن يقول وأنا أول المسلمين بقصد التلاوة أو على معنى وأنا ألو المنقادين إلى الخير. وقد ثبت عند مسلم وأحمد والنسائى الروايتان (وروى) عن مالك استحباب الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ وحديث أبى هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر فى الصلاة سكت بين التكبير والقراءة فقلتُ له: بأبى أنت وأمى، أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة، أخبرنى ما تقول؟ قال: اللهم باِدْ بينى وبين خطاياىَ كما باعدتَ بين المشِرق والمغرب اللهم نقِّنى من خطاياىَ كالثوب الأبيض من الدنسَ. اللهم اغْسِلنى بالثلْج والماء والبردَ " أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬2) {293} ¬

(¬1) ص 35 ج 3 - بيهقى (الجمع بينهما). (¬2) ص 176 ج 3 - الفتح الربانى = وص 156 ج 2 فتح البارى (ما يقول بعد التبكير) وص 96 ج 5 - نووى. وص 193 ج 5 - المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح) وص 142 ج 1 - مجتبى (الدعاء بين التكبيرة والقراءة) وص 139 ج 1 - ابن ماجه (افتتاح الصلاة).

(قال) الزرقانى: وعن مالك استحباب قول المصلى قبل القراءة وبعد تكبير الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وجهت وجهى الآية. اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين الشمرق والمغرب. ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. واغلسنى من خطاياىَ بالماء والثلج والبردَ أهـ بتصرف (¬1). (ومنه) تعلم أن ما اشتهر عن المالكية من أن الدعاء الاستفتاح مكروه لا دليل له. فهاهو ذا الإمام مالك يستحبه ويفعله. (فائدة) اتفق العلماء على أن الاستفتاح لا يشرع غلا فى الركعة الأولى (لقول) أبى هريرة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت " أخرجه مسلم والنسائى وان ماجه (¬2) {294} ولأن الاستفتاح لمجموع الصلاة فلا يتكرر. (7) ويسنّ - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - التعوّذ فى الصلاة قبل القراءة، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬3) (وقال) ابن المنذر: جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وقالت) المالكية: يكره فى الفرض دون النفل (لقول) أنس رضى الله عنه: " صليتُ خلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر ¬

(¬1) ص 217 ج 1 - شرح خليل. (¬2) ص 303 ج 2 - نيل الأوطار (افتتاح الثانية بالقراءة). (¬3) سورة النحل: أية 98.

وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا النسائى (¬1) {295} ولكنه لا دليل فيه على هذه التفرقة، فإن افتتاح القراءة بالحمد لله، لا ينافى الإتيان بالاستعاذة قبلها، لما تقدّم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ قبل القراءة (واختلف) القائلون باستحباب التعوّذ فى محله وصيغته والجهر به وتكريره فى الركعات (فمحله) قبل القراءة عند الحنفيين والشافعى وأحمد وأكثر الفقهاء والمحدثين، لما تقدم (ولقول) جُبَير بن مُطِعمٍ: " سمعت النبى صلى الله لعيه وسلم يقول فى التطوّع: الله أكبر كبيراً ثلاث مرات والحمد لله كثيراً ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات. اللهم إن أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْثِه ونفخه. قلت يا رسول الله: ما هَمْزُه ونفْثُه؟ قال: " أما همزة فالمُوتَةَ التى تأخذ ابن آدم. وأما نفخه الكِبْرُ ونفثه الشِّعْر " أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه وابن حبان (¬2) {296} ¬

(¬1) ص 186 ج 3 - افتح الربانى. وص 111 ج 4 - نووى (حجة من لا يجهر بالبسملة). وص 196 ج 5 - المنهل العذب. وص 205 ج 1 - تحفة الأحوذى (افتتاح القراءة بالحمد لله). وص 140 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) ص 178 ج 3 - افتح الربانى. وص 174 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة). وص 139 ج 1 - ابن ماجه (الاستعاذة فى الصلاة) و (الهمز) بفتح فسكون ف الأصل العصر. يقال همزت الشئ فى كفى أى عصرته. وهمز الإنسان اغتيابه. وسمى به المجنون لأنه سببه. و (الموتة) بضم الميم وسكون الواو. والمراد بها نوع من الجنون والصرع. وكان الكبر من نفخ الشيطان، لأن المتكبر يتعاظم لاسيما إذا مدح بسبب وسوة الشيطان. و (النفث) فى الأصل قذف النفس مع شئ م الريق. وكان الشعر م نفث الشيطان، لأنه يحمل الشعراء على المدح والذمّ فى غير موضعهما. وهذا أمر ينبغى للعاقل البعد عنه كالشئ ينفثه من فيه. ويصح أن يراد بالنفث السحر كما فى قوله تعالى (ومن شر النفاثات فى العقد).

(وقال) أو هريرة وابن سيرين والنخعى: يتعوّذ بعد القراءة أخذاً بظاهر الآية (والراجح) الأوّل لصراحة أدلته. ومعنى قوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ} أردت قراءته جميعاً بين الأدلة. (وصيغته) عند الجمهور: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله من السميع العلمي من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، لقوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} (¬1) وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ فهو حسن. (ويسنّ) (الإسرار به عند الحنفيين وأحمد والجمهور. وهو الراجح عند الشافعية 0 ويستحب) لكل مصلّ تكريره فى كل ركعة عند الشافعية وهو رواية عن أحمد، لعموم الآية (وقال) الحنفيون وعطاء والحسن والنخعى والثورى: يختص التعوّذ بالركعة الأولى. وهو رواية عن أحمد (لقول) أبى هريرة رضى الله عنه: " كان النبى صلى الله علهي وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت (¬2) ". وهو يدل على أنه لم يكن يستفتح فيما عدا الأولى ولا يتعوّذ ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كقراءة واحدة. وهذا هو الموافق لظاهر الروايات. هذا. والتعوّذ تابع للقراءة عند النعمان ومحمد فيأتى به غير المأموم، وعند أبى يوسف تابع للثناء فيأتى به كل مصل ولو مأموما. (8) التسمية: اختلف العلماء فى حكم التسمية فى الصلاة قبل الفاتحة؟ (فقالت) المالكية: يكره الإتيان بها فى الفرض دون النفل (قال) مالك: ¬

(¬1) فصلت عجز آية: 36 وأولها: وإما ينزغنك. (¬2) تقدم رقم 294 ص 225.

لا يقرأ فى الصلاة المكتوبة " بسم الله الرحم الرحيم " لا سرا ولا جهراً إماما أو مأموما. وهى السنة وعليها أدركتُ الناسَ. وفى النافلة إنْ أحَبَّ ترَك وإن أحبّ فعَل أهـ (¬1). قالوا: ومحل الكراهة ما لم يقصد بالإتيان بها الخروج من خلاف من يوجبها أو يعتقد أنّ الصلاة لا تصح إلا بها، وإلا طلب الإتيان بها (وقال) الأوزاعى: لا يقرأها مطلقا (قال) أنس رضى الله عنه: صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول القراءة ولا فى آخرها (¬2) (وقال) ابن عبد الله بن المغفل: سمعنى ابى وأنا فى الصلاة أقول " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال: أى نُبَىَّ مُحْدَثٌ إياك والحدَثَ، وقال: قد صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ومع أبى بكر وعمرَ وعثمانَ فم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلْها. إذا أنت صليتَ فقل: " الحمد لله رب العالمين " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسنه (¬3) {297} (وقال) الحنفيون: يسنّ الإتيان بها سرا لكل قارئ فى الصلاة السرية والجهرية وهو مشهور مذهب الحنبلية (لقول) أنس رضى الله عنه: " صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وكاناو لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أحمد والنسائى والدار قطنى والطحاوى بسند على شرط الصحيح (¬4) {298} ¬

(¬1) ص 68 ج 1 - المدونة (القراءة فى الصلاة). (¬2) تقدم رقم 295 ص 225. (¬3) ص 187 ج 3 - الفتح الربانى. وص 140 ج 1 - ابن ماجه (افتتاح القراءة) وص 204 ج 1 - تحفة الأحوذى (ترك الجهر بالبسملة). (¬4) ص 186 ج 3 - الفتح الربانى. وص 144 ج 1 - مجتبى (ترك الجهر بالبسملة) وص 119 - الدار قطنى. وص 119 ج 1 - شرح معانى الآثار (قراءة البسملة .. )

والأحاديث فى هذا كثيرة، وهى وإن كان فى بعضها مقال إلا أنها لكثرتها تصلح للاحتجاج بها. (وأجابوا) عن أدلة المالكية (أ) بأن حديث أنس الذى استدلوا به ضعيف لا يصلح لاحتجاج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها فقد قال فيه " مرة " كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، " مرة " فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " ومرة " قال: فلم أسمع أحداً منهم يقرا بسم الله الرحمن الرحيم. ذكر هذه الروايات الدار قطنى (ولذا) قال ابن عبد البر: قال أهل الحديث حديث أنس هذا النقل فيه مضطرب اضطراباً لا تقوم به معه حجة (¬1) (ب) بأن حديث ابن عبد الله بن المغفل غير صحيح من جهة النقل، لأن ابن عبد الله بن المغفل مجهول لا تقوم به حجة، ولو صح وجب تأويله جمعا بين الأدلة. إما بأنّ أنساً كان يقف قريباً من النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه، فروى أنهم كانوا يأتون بالبسملة سرا بخلاف عبد الله بن مغفل، فإنه كان يقف بعيداً عنهم فلم يسمع ما حفظه أنس (وقالت) الشافعية: يجب الإتيان بالبسملة أوّل الفاتحة. وبه قال ابن المبارك وإسحاق وروى عن أحمد: ويستحب عند الشافعية الجهر بها فى ¬

(¬1) وعلى تقدير ترجيح رواية منها وردّ باقيها إليها فلا يرجح إلا رواية: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، لأن أكثر الرواة عليها. وهى لا تدل على عدم الإتيان بالبسملة. لإمكان أن يراد بالحمد لله رب العالمين، السورة بتمامها. ومنها البسملة ويؤيده. (أ) حديث أنس المتقدّم رم 298 ص 228 (ب) وقوله " إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر " أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط. انظر ص 108 ج 2 - مجمع الزوائد (بسم الله الرحمن الرحيم)

الصلاة الجهرية والإسرار بها فى الصلاة السرية. وهو قول الليث بن سعد وإسحاق بن راهوية وغيرهم (لقول) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: " الحمدُ لله ربِّ العالمين سبعُ آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم. وهى السبعُ المثانى والقرآنُ العظيم. وهى أم القرآنِ وفاتحةُ الكتاب " أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (¬1) {299} (ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أُمُّ القرآنِ وأُمُّ الكتاب والسبعُ المثانى وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها " أخرجه الدار قطنى بسند رجاله ثقات وصحح غيرُ واحد وقفهَ (¬2) {300} (ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه الدار قطنى (¬3) {301} وأخرج نحوه عن عائشة وأنس رضى الله عنهما. والأحاديث فى هذا كثيرة ولا منافاة بينها وبين الأحاديث الدالة على الإسرار بها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسرّ بها تارة ويجهر بها أخرى والمختار عند الحنفيين والجمهور الإسرار بها (قال) ابن قدامه: ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون. قال الترمذى: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين: منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وابن الزبير وحماد والأوزاعى والثورى وابن المبارك وأصحاب الرأى (¬4) ¬

(¬1) ص 109 ج 2 - مجمع الزوائد (بسم الله الرحم الرحيم). (¬2) ص 118 - الدار قطنى. (¬3) ص 116 منه. (¬4) ص 525 ج 1 - مغنى هذا وقد زعم (أ) الحنفيون والحنبلية أن الجهر بالبسملة = منسوخ لقول سعيد بن جبير: كان النبى صلى الله عليه وسلم يجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) - وكان أهل مكة يدعون مسيلمة. الرحمن - فقالوا: إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر النبى صلى الله عله وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات. أخرجه أبو داود فى المراسيل (انظر ص 361 ج 1 - نصب الراية) (ب) وزعم الشافعية أن الإسرار بها منسوخ لقول ابن عباس: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر فى السورتين (ببسم الله الرحمن الرحيم) حتى قبض. أخرجه الدار قطنى. وفى سنده عمر بن حفص ضعيف أجمعوا على ترك حديثه فلا يجوز الاحتجاج به (انظر ص 347 ج 1 - نصب الراية) (وقال) الحازمى: وطريق الإنصاف أن ادعاء النسخ فى كلا المذهبين متعذر لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة. وقد فقدناها هاهنا فلا سبيل إلى القول به. وأحاديث الإخفاء أمتن ثم قال: والحق أن كل من ذهب إلى أى هذه الروايات فهو متمسك بالسنة (انظر ص 362، 363 ج 1 - نصب الراية).

(فائدتان) (الأولى) قال النعمان وأبو يوسف: لا تسنّ التسمية بين الفاتحة والسورة ولا تكره (وقال) الشافعى: تسنّ جهراً فى الجهرية وسرًّا فى السرية (وقال) محمد بن الحسن: تسنّ سرًّا فى السرية (وقال) أحمد: تسنّ سرًّا فى الجهرية والسرية (الثانية) اختلف فى أن البسملة آية من الفاتحة أو من القرآن أو ليست آية (فقال) الحنفيون: إنها آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور وليست آية من الفاتحة ولا من كل سورة. وهو رواية عن أحمد (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: " كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يعرِف فصلَ السورة حتى يَنزِل عليه ببسم الله الرحمن الرحيم. وفى رواية لا يعلم ختْم السورة " أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1) {302} فهو يدل على أنها آية من القرآن لوصفها بالإنزال (ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: قسمتُ الصلاةَ بينى وبين عبدى نصفين نصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل. يقولُ العبدُ: ¬

(¬1) ص 231 ج 1 - مستدرك.

الحمدُ لله ربِّ العالمين. يقول الله تعالى: حَمِدنى عبدى. يقول البعد: الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى: أثْنى علىّ عبدى. يقول العبد: مالكِ يومِ الدين. يقول الله تعالى: مجَّدنى عبدى. يقول العبد: إياك نعبُدُ وإياك نستعين. فهذه بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. يقول العبد: اهدنا الصراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنْعْمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين. فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سأل " أخرجه الجماعة إلا البخارى (¬1) {303} فالابتداء بالحمد لله دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وإذا لم تكن منها لا تكون من غيرها (وقالت) المالكية: ليست البسملة آية من القرآن إنما هى بعض آية من سورة النمل. وهو رواية عن أحمد (لقول) عبد الله ابن معبد والأوزاعى: ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا فى سورة: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " ورد " بما تقدم عن ابن عباس (¬2) فإنه صريح فى أنها نزلت آية مستقلة " واستدلالهم " بأن القرآ، لا يثبت إلا بالتواتر ولم يوجد " يردّة " أن القراء السبعة اتفقوا عليها، وقراءتهم متواترة، وأن إثباتها فى المصحف دليل قطعىّ على التواتر بل هو أقوى من الرواية القولية ¬

(¬1) ص 191 ج 3 - الفتح الربانى. وص 101 ج 4 - نووى (وجوب قراءة الفاتحة) وص 246 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة فى صلاته) وص 144 ج 1 مجبتى (ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم) (فإن قيل) فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان الحديث وفيه: قال عز وجل: إنى قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين يقول عبدى إذا افتتح الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى: ذكرنى عبدى (لقنا) ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به. قاله الدار قطنى. واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب. (¬2) تقدم رقم 302 ص 231.

(وقالت) الشافعية: هى آية من الفاتحة. وروى عن أحمد. وكذا هى آية من كل سورة على الأصح عندهم. وهو قول ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن المبارك. قال: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية. (واحتجوا) (أ) بأن الصحابة أجمعوا على إثباتها فى المصحف بخطه فى أوائل السور سوى براءة. فلو لم تكن قرآناً لما أثبتوها بخط المصحف من غير تمييز، لأنه يحمل الناس على اعتقاد أنها قرآن، وفيه تغرير بالمسملين وحملهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا. وهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة. (ب) وحديث أبى هريرة: الحمد لله ربِّ العالمين سبع آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) (ج) وبما تقدّم عنه عند الدار قطنى وفيه: وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها (¬2) (د) وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أُنْزلت علىّ آنِفاً سورةٌ. فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها: (الحديث) أخرجه مسلم وأبو داود (¬3) {304} فهو يدل على أن البسملة آية من السورة. حيث جعلها من مسماها. (وأجاب) الأوّلون ... (أ) بأن إثباتها فى المصحف بين السور للفصل بينها لا يدل على أناه آية من كل سورة وإن كانت آية من القرآن. (ب) وأن الصحيح فى حديث أبى هريرة وقفه عليه كما تقدم. (ج) وأن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم لها فى حديث أنس " ليس " ¬

(¬1) تقدم رقم 299 ص 230. (¬2) تقدم رقم 300 ص 230. (¬3) ص 112 ج 4 - نووى (حجة من قال البسملة آية من كل سورة) وص 201 ج 5 - المنهل العذب.

صريحاً فى أنها من السورة، لاحتمال أنه ابتدأ بها للتبرك. ومما تقدم تعلم أنه لا وجه لمن قال بكراهة البسملة فى الصلاة وأنها ليست فى القرآن (قال) الشوكانى: وقد أجمعت الأمة على انه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها، لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفا مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع ولا خلاف أنها بعض آية من سورة النمل، ولا فى إثباتها خطا فى أوائل السور فى المصحف إلا فى أول سورة التوبة. ولا خف بين القرّاء السبعة فى تلاوتها فى أول الفاتحة وأول كل سورة إذا ابتدأ بها القارئ ما خلا سورة التوبة. أما إذا وصلها بسورة سابقة، فأثبتها ابن كثير وقالون وعاصم والكسائى إلا فى أول التوبة. وحذفها أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر (¬1). (9) ويسن كل مصل التامين بعد الفاتحة (لحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمّن الإمام فأمّنوا. فإن مَنْ وافق تأمينهُ تأمينَ الملائكِة غُفر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه السبعة (¬2) {305} وفى رواية: إذا قام الإمام غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالِّينَ، فقولوا آمين، فإن الملائكة تقول آمين. وإن الإمام يقول آمين. فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة عِفُر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه أحمد والنسائى (¬3) {306} ¬

(¬1) ص 118 ج 2 - نيل الأوطار. (¬2) ص 204 ج 2 - الفتح الربانى. وص 178 ج 2 - فتح البارى (جهر الإمام بالتامين) وص 128 ج 4 - نووى (التسميع والتحميد والتأمين) وص 39 ج 6 - المنهل العذب. وص 147 ج 1 - مجتبى (جهر الإمام بآمين). (¬3) ص 203 ج 3 - الفتح الربانى. وص 147 ج 1 - مجتبى (الأمر بالتأمين خلف الإمام) (فمن وافق) المراد بالموافقة ف وقت التأمين بأن يؤمن مع تأمينهم والحكمة فى طلب الموافقة فى القول والزمان حمل المأموم على الاهتمام بالإتيان بالوظيفة ف محلها. وقيل: المراد الموافقة فى الصفة والخشوع والإخلاص

ولا تنافى بين الروايتين فإن قوله إذا أمّن الإمام، أى إذا أراد التأمين فأمّنوا معه، فإن الملائكة تؤمِّن معه. وقيل يؤخذ من الروايتين تخيير المأموم فى التامين مع الإمام أو بعده. قاله الطبرى. والأمر فى هذا الحديث محمول على الندب عند الجمهور. وبه قال الحنفيون والثورى وأحمد والشافعى. وكذا المالكية فى حق المأموم والمنفرد. أما الإمام فالمشهور عندهم أنه يؤمن فى السرية فقط، وقيل لا يؤمّن أصلا، وقيل يؤمن مطلقا. وهذا الذى يشهد له الدليل. (فائدة) ظاهر الحديث أنه يسنّ الاقتصار على التأمين بعد الفاتحة لكن (روى) وائل بن حُجْرٍ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: ربِّ اغفر لى آمين " أخرجه البيهقى والطبرانى. وفى سنده أحمد بن عبد الجبار العطاردى وثقه الدار قطنى وأثنى عليه أبو كريب وضعفه جماعة، وقال ابن عدى لم أر له حديثاً منكرا (¬1) {307} وأما زيادة ولو الدىّ وللمسلمين بعد رب اغفر لى، فلم يرد ما يدل عليها. (واختلفوا) فى صفة التأمين (فقال) الحنفيون ومالك: يسنّ الإسرار به ف السرية والجهرية، لأنه دعاء فاستحب إخفاؤه كالتشهد (ولحديث) شعبة عن سلمه بن كُهيل بسنده إلى وائل بن حُجْر قال: " صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم فلما قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال آمين وأخفى بها صوته " أخرجه أحمد والحاكم فى كتاب القراءة وقال: صحيح الإسناد والدار قطنى. ¬

(¬1) ص 58 ج 2 - بيهقى (جهر الإمام بالتأمين) وص 113 ج 2 - مجمع الزوائد (التأمين).

وقال: كذا قال شعبة " أخفى بها صوته " ويقال إنه وهمِ فيه، لأن سفيان الثورى ومحمد بن سلمه بن كَهيل وغيرهما رَووه عن سلمه فقالوا. ورفع صوته بآمين. وهو الصواب (¬1) {308} (ولقول) أبى حنيفة حدثنا حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم المخعى قال: أربع يُسِرُّهُنَّ الإمام فى نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم وسبحانك اللهم والتعوّذ وآمين " أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار (¬2). (وقالت) الشافعية والحنبلية وإسحاق: يسن الجهر به لكل مصل فى الجهرية. والإسرار به ف السرية (لقول) أبى هريرة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالينَ، قال آمينِ، حتى يسْمَع من يليه من الصف الأول " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وقال: حتى يَسمعَها أهلُ الصفّ الأوّل فيرتجّ بها المسجد. أخرجه الدار قطنى وقال: إسناده حسن. والحاكم وقال صحيح على شرطهما (¬3) {309} وقال الترمذى: وبه يقول غير واحد من أله العلم يرون الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها (¬4). ويؤيده " قول " عطاء: أدركت مائتين من ¬

(¬1) ص 205 ج 3 - الفتح الربانى. وص 369 ج 1 - نصب الراية. وص 127 - الدار قطنى. و (آمين) بالمد والتخفيف فى كل الروايات وعن جميع القراءة. وهو اسم فعل تفتح نونه فى الوصل، ومعناه استجب يا ألله. وليس من الفاتحة ولا من القرآن. ولذا يسنّ فضله عن الفاتحة بسكته ليميز القرآن عن غيره. (¬2) انظر رقم 106 ص 21 (آثار أبى يوسف). (¬3) ص 37 ج 6 - المنهل العذب (التأمين وراء الإمام) وص 145 ج 1 ابن ماجه (الجهر آمين) وص 127 - الدار قطنى. وص 223 ج 1 - مستدرك (¬4) ص 209 ج 1 - تحفة الأحوذى.

أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المسجد إذا قال الإمامُ ولا الضالين سمعت لهم رَجَّةً بآمين. أخرجه البيهقى (¬1). (وأجابوا) عن حديث وائل بن حر بأنه مضطرب وأن شعبة أخطأ فيه (قال) البيهقى فى المعرفة: أجمع الحفاظ البخارى وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من أوجه: فجهر بها أهـ. وتقدم أن الحاكم صحح إسناد رواية شعبة وقد وردت من عدة طرق تنفى إعلالها باضطرابه. ولذا قال بعضهم: والصواب أن الخبرين بالجهر والإسرار بالتامين صحيحان وعمل بكل مهما جماعة. هذا (ويسنّ) ختم الدعاء بآمين لأنه أضمن للإجابة وهو مثل الطابع على الصحيفة (قال) أبو زُهَير النَّميرىّ: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فأتينا على رجل قد الحّ فى المسألة فوقف النبى صلى الله عليه وسلم يستمِع منه فقال: أوْجبَ عن ختَّم. فقال رجل من القوم بأىِّ شئ بختِمُ؟ فقال آمين (الحديث) أخرجه أبو داود (¬2) {310} هذا. والتأمين من خصوصيات هذه الأمة (لقول) أنس رضى الله عنه: " كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: إن الله قد اعطانى خِصالا ثلاثة: أعطانى صلاةً فى الصفوف وأعطانى التحية (السلام) إنها لَتَحيةُ أهلِ الجنةِ وأعطانى التامين ولم يعطِه أحدا من النبيين قبلى، إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى ويؤمّن هارون " أخرجه ابن خزيمة (¬3) {311} ¬

(¬1) ص 59 ج 2 - بيهقى (جهر المأموم بالتأمين). (¬2) ص 41 ج 6 - المنهل العذب (التأمين) و (أوجب إن ختم) يعنى أجيب دعاؤه إن ختمه بآمين (¬3) ص 43 ج 6 - المنهل العذب.

(10 - 14) قد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه يسن فى الركوع أخذ الركبتين باليدين وتفريج الأصابع فى الركوع وبسط الظهر. وتسوية الرأس بالعجز. ومباعدة المرفقين عن الجنبين لما تقدم فى بحث الركوع (ولحديث) أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال له: " يا بُنَىّ إذا ركعتَ فضَعْ كفَّيْك على رُكْبتيك، وفرِّج بين أصابعك، وارفع يديك عن جَنْبين " أخرجه الطبرانى فى الصغير والوسط (¬1) {312} (ولقول) عائشة من حديث طويل: " وكان - أى النبى صلى الله عليه وسلم - إذا ركع لم يُشْخصْ رأسه ولم يُصَوِّبْه ولكنْ بين ذلك " أخرجه مسلم (¬2) {313} (وأما قول) ابن مسعود رضى الله عنه: " إذا ركع أحدكم فليفرِش ذراعيه على فخِذيه ولْيُطبّق بين كفَّيه فكأنى أنظُرُ إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم وأبو داود (¬3) {314} (فمنسوخ) بحديث مُصْعَبِ بن سعد قال: " صليتُ إى جنْب أبى فجعلتُ يَدىّ بين رُكْبتى فنهانى عن ذلك فُعدتُ فقال: لا تصنعْ هذا فإنا كنا نفعله فنُهينا عن ذلك وأُمِرنْا أن نضع أيديَنا على الركَب"أخرجه السبعة (¬4) {315} ¬

(¬1) ص 372 ج 1 - نصب الراية. (¬2) ص 213 ج 4 - نووى (ما يجمع صفة الصلاة .. ) (لم يشخص) م أشخص أى لم يرفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره (ولم يصوبه) من التصويب أى لم يخفضه خفضا بليفا. (¬3) ص 16 ج 5 - نووى (وضع الأيدى على الركب فى الركوع) وص 313 ج 5 - المنهل العذب (أبواب الركوع والسجود) (وليطبق) من التطبيق وهو الجمع بين الكفين ووضعهما بين الفخذين حال الركوع. (¬4) ص 253 ج 3 - الفتح الربانى. وص 185 ج 2 - فتح البارى (وضع الأكف على الركب فى الركوع) وص 17 ج 5 - نووى. وص 313 ج 5 - النهل العذب. وص 159 ج 1 - مجتبى (نسخ ذلك).

(قال) النووى: اتفق العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على كراهة التطبيق فى الركوع إلا عبد الله بن مسعود فإنه كان يقول: التطبيق سنة (¬1). (15 و 16) ويسن - عند الحنفيين وأحمد والثورى وإسحاق والجمهور - البداءة بوضع ركبتيه قبل يديه حال هُويّه للسجود. ورفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه فى القيام منه (لقول) وائل بن حُجْر " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. وإذا نهَض رفع يديه قبل ركبتيه " أخرجه الأربعة وقال الترمذى حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه غير شَريكٍ أهـ (¬2) {316} وشَريك ليس بالقوى فيما ينفرد به. لكن يقوّيه حديث أنس قال: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كبّر فحاذى بإبهاميه أذنيه إلى أن قال: ثم انحطّ بالتكبير حتى سبقتْ ركبتاه يديه " أخرجه الدار قطنى والبيهقى وقالا: تفرّد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول. وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬3) {317} (وقال) مالك والأوزاعى: الأفضل تقديم اليدين على الركبتين عند الهُوىّ إلى السجود ورفعُ الركبتين قبل اليدين عند القيام، وبه قال أصحاب الحديث وروى عن أحمد (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يبرك البعير، ولْيضع يديه قبل ركبتيه، ¬

(¬1) ص 411 ج 3 - شرج المهذب. (¬2) ص 275 ج 5 - المنهل العذب (كيف يضع ركبتيه قبل يديه). وص 165 ج 1 - مجتبى (ألو ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده). وص 228 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 149 ج 1 ابن ماجه (السجود). (¬3) ص 132 - الدار قطنى. وص 99 ج 2 - بيهقى (وضع الركبتين قبل اليدين).

أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود بسند جيد (¬1) {318} (ولحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة وصححه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2) {319} (وروى) عن مالك التخيير بين الكيفيتين (وفضّل) الأولى بان القيم قال وكان صلى الله عليه وسلم - إذا هوى إلى السجود - يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا هو صحيح ولم يُروَ فى فعله ما يخالف ذلك. (وأما حديث) أبى هريرة يرفعه: إذا سجد أحدكم فلا يبْرك كما يبرُك البعير. ولْيضع يديه قبل ركبتيه (فالحديث) والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة. فإن أوّله يخالف آخره. فإنه إذا وضع يديه قبل ركبته فقد برك كما يبرك البعير. فإن البعير إنما يضع يديه أوّلا. ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا: ركبتا البعير فى يديه لا فى رجليه. فهو إذا برك وضع ركبتيه أوّلا. فهذا هو المنهى عنه. وهو فاسد لوجوه (أحدها) أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أوّلا وتبقى رجلاه قائمتين. فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض وهذا هو الذى نهى عنه صلى الله عليه وسلم وفَعل خلافه (وكان) صلى الله عليه وسلم أولَ ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقرب. وأول ما يرتفع عن الأرض منه الأعلى فالأعلى (وكان) يضع ركبتيه أولا ثم يديه ثم جبهته. وإذا رفع رفع رأسه أولا ثم يديه ثم ركبتيه. وهذا عكس فعل البعير. وهو صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 276 ج 3 - الفتح الربانى. وص 165 ج 1 - مجتبى (أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده). وص 280 ج 5 - - المنهل العذب (¬2) ص 131 - الدار قطنى.

نهى فى الصلوات عن التشبه بالحيوانات. فنهى عن بُروكٍ كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب (فهدْى) المصلى مخالف لهدى الحيوانات (الثانى) أن قولهم ربتا البعير فى يديه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة. وإنما الركبة فى الرجلين وإن أطلق على اللتين فى يده اسم الركبة فعلى سبيل التغليب. (الثالث) أنه لو كان كما قالوه، لقال فليبرك كما يبرك البعير. وإنّ أوّل ما يمس الأرض من البعير يداه. ومن تأمل بروك البعير وعلم أنه نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حُجْر هو الصواب " وكان " يقع لى أن حديث أبى هريرة مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله. ولعله " ولْيَضعْ ركبتيه قبل يديه " ثم قال " حتى رأيت " أبا بكر بن أبى شيبة قد رواه كذلك بسنده إلى أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قلا: " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركيته قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفحل {320} (ورواه) الأثرم فى سننه أيضاً عن أ [ى بكر كذلك (وقد) روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يصدّق ذلك ويوافق حديث وائل ابن حجر (قال) ابن أبى داود بسنده إلى أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه. {321} (وقد) روى ابن خزيمة فى صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأُمِرْنا بالركبتين قبل اليدين {322} (وعلى هذا) فإن كان حديث أبى هريرة محفوظا فإنه منسوخ (ولكن) للحديث علتان: (إحداهما) أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كُهيل وليس

ممن يحتج به (قال) النسائى متروك. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا لا يحتج به. وقال ابن معين: ليس بشئ (الثانية) أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه، إنما هو قصة التطبيق، وهو قول سعد كنا نضع هذا " يعنى اليدين بين الركبتين " فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب ثم قال (فهذه) الأحاديث المرفوعة من الجانبين (وأما الآثار) عن الصحابة (فالمحفوظ) عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه. ذكره عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما. وهو المروى عن ابن مسعود رضى الله عنه. ذكره الطحاوى بسنده إلى علقمة والأسود. قالا: حَفِظنا عن عمر فى صلاته أنه خرّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يخِرّ البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه. ثم ساق من طريق الحجاج بن أرْطاةَ قال: قال إبراهيم النخعى: حَفظِ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه (¬1) ثم قال: قلت وقد روى حديث أبى هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقى وهو: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل ولْيضع يديه على ركبتيه (¬2). (وحديث) وائل بن حْجْر أولى لوجوه (أحدها) أنه أثبت من حديث أبى هريرة. قاله الخطابى وغيره (الثانية) أحد حديث أبى هريرة مضطرب المتن (فمنهم) من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه (ومنهم) من يقول العكس (ومنهم) من يقول وليضع يديه على ركبتيه (ومنهم) من يحذف هذه الجملة رأسا (الثالث) ما تقدّم من تعليل البخارى والدار قطنى ¬

(¬1) ص 151 ج 1 - شرح معانى الآثار (ما يبدأ بوضعه فى السجود .. ) (¬2) ص 100 ج 2 - بيهقى (من قال يضع يديه قبل ركبتيه) وقال: كذا قال: على ركبتيه فإن كان محفوظا كان دليلا عى انه يضع يديه عى ركبتيه عند الإهواء إلى السجود.

وغيرهما (الرابع) أنه الموافق لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل فى الصلاة، بخلاف حديث أبى هريرة (الخامس) أن أكثر الناس عليه (السادس) أنه حديث فيه قصة محكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم. فهو أولى أن يكون محفوظا، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية دل على أنه حفظ. (السابع) أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره. فهى أفعال معروفة صحيحة. وهذا واحد منها فله حكمها. ومعارضه ليس مقاوماً له. فيتعين ترجيحه والله أعلم (¬1). (وخالفه) الشوكانى فقال: ومن المرجحات لحديث أبى هريرة أنه قول. وحديث وائل حكاية فعل. والقول أرجح. مع أنه قد تقرّر فى الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمّة. ومحل النزاع م هذا القبيل. وأيضاً حديث أبى هريرة مشتمل على النهى المقتضى للحظر. وهو مرجح مستقل ولذا قال النووى: لا يظهر لى ترجيح أحد المذهبين أهـ (¬2)، والخلاف إنما هو فى الأفضل. وأىّ الكيفيتين فعل المصلى فصلاته صحيحة. (17 إلى 22) ويسن فى السجود تمكين الجبهة والأنف وسائر أعضاء السجود من الأرض حال السجود. ووضع الوجه بين الكفين. وضم أصابع اليدين محاذية الأذنين. وجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه ومجافاه بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه فى السجود. وتوجيه المصلى أصابع يديه ورجليه نحو القبلة حال السجود لأنّ النبى صلى الله لعيه وسلم كان يفعل ذلك فى سجوده " ففى حديث " وائِل بنِ حُجْرِ قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا ¬

(¬1) ص 56 إلى 59 ج 1 - زاد المعاد (كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم). (¬2) ص 283 ج 2 - نيل الأوطار (هيئات السجود وكيف الهوى إليه).

كبر رفع يديه إلى أن قال: ثم سجد ووضع وجهه بين كفّيه (الحديث). أخرجه أبو داود (¬1) {323} (وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرّج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه. أخرجه ابن حبان والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم (¬2) {324} (وعنه) قال: رمَقْنُ النبى صلى الله عليه وسلم فلم سجد وضع يديه حِذاء أُذنيه. رواه الأثرم (¬3) {325} وإلى هذا ذهبت الحنفية والمالكية، وروى عن أحمد قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله " يعنى الإمام أحمد " ويداه بحذاء أذنيه (وقال) الشافعى: يستحب وضع اليدين حذو المنكبين. وهو مشهور مذهب أحمد (لحديث) أبى حُميدٍ الساعِدى أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سجد أمْكن أنفَه وجبهتَه الأرضَ ونحىَ يديه عن جَنْبيه ووضع كفّيه حَذو مَنْكِبيه. أخرجه ابن خزيمة والترمذى وقال: حسن صحيح (¬4) {326} (والجمع) بينهما حسن بأن يجعل راحتيه حَذْو منكبيه، وطرف الإبهامين حذو الأذنين. وهو قول المالكية (قال) عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَة: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدُوَ بباضُ إبْطيه أخرجه الشيخان (¬5) {327} ¬

(¬1) ص 123 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين). (¬2) ص 224، 227 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 381 ج 1 - نصب الراية. (¬4) ص 231 تحفة الأحوذى (السجود على الجبهة والأنف). (¬5) ص 199 ج 2 - فتح البارى (بيدى ضبعيه ويجافى فى السجود) وص 210 ج 4 - نووى (الاعتدال فى السجود).

ومحل طلب التفريج إذا لم يكن المصلى فى الصف، وإلا فلا يجافى حذراً من إيذاء جاره (وعن) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذِراعية افتراشَ الكلب ولْيضُم فخِذَيه " أخرجه أبو داود وابن خزيمة (¬1) {328} والأمر فى قوله وليضم فخذيه للندب عند الجمهور، وللإباحة عند الحنبلية لأن المستحب عندهم أن يفرّق بين ركبتيه (لقول) أبى حُمَيدٍ فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإذا سجد فرّج بين فخِذيه غيرَ حاملٍ بطنَه على شئ من فخِذيه " أخرجه أبو داود (¬2) {329} (وقال) ابن عباس: " أتيت النبى صلى الله عليه وسلم من خلفه " يعنى وهو ساجد " فرأيت بباضَ إبْطيه وهو مُجَخّ قد فرّج بين يديه " أخرجه أبو داود والبزار (¬3) {330} والأمر بمجافاة اليدين حال السجود للندب (لحديث) أبى هريرة قال: " اشتكى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم على النبى مشقةّ السجود عليهم إذا تفرّجوا فقال: استعينوا بالركب " أخرجه أحمد وأبو داو والترمذى من طريق ابن عجلان، وزاد أحمد " قال ابن عجلان: وذلك أن يضع مِرْفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا " (¬4) {331} ¬

(¬1) ص 350 ج 5 - المنهل العذب (صفة السجود). (¬2) ص 140 منه (افتتاح الصلاة). (¬3) ص 349 ج 4 - المنهل العذب (صفة السجود) ومجخ، اسم فاعل من جخى بتشديد الخاء إذا جافى عضديه عن جنبيه. (¬4) ص 289 ج 3 - افتح الربانى. وص 351 ج 5 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) أى فى عدم تفريج اليدين. وص 236 ج 1 تحفة الأحوذى (الاعتماد فى السجود) وتفرّجوا، بتشديد الراء، أى باعدوا أيديهم عن جنوبهم، ورفعوا بطونهم عن أفخاذهم. وفى أبى داود: إذا انفرجوا.

ففيه دليل على جواز ترك التجافى حال السجود للضرورة فيكون قرينة صارفة لأحاديث الأمر بالتجافى إلى الندب. (والحكمة) فى استحباب التجافى حال السجود أن يخف اعتماده على جبهته ولا يتأثر أنفه ولا يتأذى بملاقاه الأرض. قاله القرطبى. وقال غيره: هو أشبه بالتواضع وأبلغ فقى تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع بعده عن هيئة الكسلان (¬1)، وهو مستحب فى حق الرجل اتفاقا. أما المرأة فيستحب لها ضم بعضها إلى بعض لأنه أستر لها (ولحديث) يزيد بن أبى حبيب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم مرّ على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتُها فضُما بعض اللحم إلى الأرض فإنّ المرأة فى ذلك ليست كالرجل. أخرجه أبو داود فى المراسيل. {332} (23) الافتراش والنورك: (الافتراش) أن يبسط المصلى رجله اليسرى ويجلس عليها ناصباً رجله اليمنى موجِّها أصابعها نحو القبلة مثنياً رجله اليسرى تحتها. وكلاهما وارد عن النبى صلى الله عليه وسلم. ولذا اتفق العلماء على جواز الجلوس فى الصلاة على أى كيفية منهما. واختلفوا فى المستحب والأفضل (فقال) الحنفيون والثورى: يستحب الافتراش فى كل جلوس فى الفرض وغيره (لقول) عائشة فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم: وكان يقول فى كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصبُ رجله اليمنى. أخرجه أحمد ومسلم من حديث طويل (¬2) {333} ¬

(¬1) ص 199 ج 2 - فتح البارى (يبدى ضبعيه). (¬2) ص 14 ج 4 - الفتح الربانى. وص 213 ج 4 - نووى (ما يجمع صفة الصلاة).

(ولحديث) أبى حُميدٍ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى للتشهد فافترش رجله اليُسرى وأقْبل بصدر اليمنى على قِبلته " أخرجه الترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {334} (وقالت) المالكية: يستحب التورّك فى كل جلوس (لما روى) يحيى ابن سعيد أنّ القاسم بن محمد أراهم الجلوس فى التشهد فنصَب رجله اليمنى وثنَى رجله اليسرى وجلس على وِرْكه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال: أرانى هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدّتنى أنّ أباه كان يفعل ذلك. أخرجه مالك (¬2) (وأجاب) الحنفيون عنه أنه من عمل ابن عمر والثابت م روايته أنّ السنة الافتراش (روى) يحيى أن القاسم حدّثه عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال: " من سنة الصلاة أن تنصِب أقدم اليمنى واستقبالُه بأصابعها القبلة والجلوُس على اليسرى " أخرجه النسائى (¬3) {335} ... وهو أقوى من رواية مالك، لقوله فيه " من سنة الصلاة " وهو يقتضى الرفع (قال) فى المدوّنة: الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس فى التشهد يفضى بأليتيه على الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى رجله اليسرى. وإذا نصب رجله اليمنى جعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهره (¬4). (وقالت) الشافعية: يسنّ الافتراش ف كل جلوس لا يعقبه سم، والتورّك ف جلوس يعقبه سلام، لما فى حديث أبى حُميد الساعدىّ قال: ¬

(¬1) ص 241 ج 1 - تحفة الأحوذى (كيف الجلوس فى التشهد). (¬2) ص 166 ج 1 - زرقانى. (¬3) ص 173 ج 1 - مجتبى (الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد) واستقباله والجلوس، بالرفع عطف على أن تنصب. (¬4) ص 74 ج 1 - المدونة الكبرى (جلوس الصلاة).

ثم يَهْوى إلى الأرض فُيجافى يديه عن جَنْبيه ثم يرفع رأسه ويَثنى رجله اليسرى ويقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى ثم يصنع فى الأخرى مثل ذلك إلى أن قال: حتى إذا كانت السجدة التى فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متورّكا على شقه الأيسر. أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح وأبو داود. وفى رواية له: فإذا قعد فى الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كان فى الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة (¬1). {336} (والحكمة) فى ذلك أن الافتراش اقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأنّ السنة تخفيف التشهد الأوّل فيجلس مفترشاً ليكون أعون له وأمكن. وإذا جلس المسبوق مع الإمام فلى آخر صلاته ن فالصحيح أنه يجلس مفترشاً لأنه ليس آخر صلاته. وقيل يتورّك تبعاً للإمام. وقيل إن كان جلوسه فى محل التشهد الأول له افترش، وإلا تورّك لأن جلوسه حينئذ لمجرّد المتابعة. وإذا جلس فى آخر صلاته وعليه سجود سهو افترش على الأصح. وقيل يتورّك لأنه آخر صلاته. أفاده النووى (¬2). (وقال) أحمد: إذا كان الصلاة ذات تشهدين يستحب الافتراش فى الأوّل والتورّك فى الثانى. وإن كانت ذات تشهد واحد يستحب فيه الافتراش (قال) ابن قدامه: ولنا حديث وائل بن حُجْر أن النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 169 ج 1 - ابن ماجه (إتمام الصلاة). وص 249 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة) وص 131 ج 5 - المنهل العذب (فاتتاح الصلاة). (¬2) ص 451 ج 3 - شرح المهذب.

لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى. ولم يفرّق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم (وقالت) عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى كل ركعتين التحية. وكان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى. رواه مسلم (¬1) وهذان يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه، لحديث أبى حُميد ف التشهد الثانى فيبقى فيما عداه على قضية الأصل، ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورّك فيه كالأول. وهذا لأنّ التشهد الثانى إنما تورّك فيه للفرق بين التشهدين، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيع فلا حاجة إلى الفرق أهـ (¬2). وهذه الهيئات كلها جائزة وحسن فعلها لثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (24) اتفق العلماء على أنه يسنّ للمصلى إذا جلس بين السجدتين أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، بحيث تكون أطراف الأصابع على طرفى الركبتين موجهة نحو القبلة، ناشراً أصابعه مفرّجة قليلا وكذلك فى الجلوس حال التشهد. إلا أنهم اختلفوا فى قبض بعض أصابع اليمنى وكيفيته وكيفية الإشارة بالسبابة (فقال) الحنفيون فى ذلك ثلاث كيفيات: (الأولى) أنه يسنّ للمصلى أن يضع يده عل فخذيه حال التشهد كحال الجلوس بين السجدتين غير أنه يشير بسبابته اليمنى، أى يرفعها عند النفى بقوله " لا " ويضعها عند الإثباب بقوله " إلا الله " (لقول) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا جلس فى الركعتين أضْجَع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده اليمنى على فخِذه اليمنى، ونصب أصبعه ¬

(¬1) تقدم رقم 333 ص 246. (¬2) ص 582 ج 1 - مغنى.

للدّعاء، ووضع يده اليسرى على رجله اليسرى " أخرجه النسائى (¬1) {337} (الثانية) أن يضع يديه على فخذيه وأطراف أصابعه على طرفى ركبتيه وعند الشهادة يقبض أصابع اليمنى إلا المسبِّحة فإنه يرسلها ويشير بها عند النفى ويضعها عند الإثبات (لحديث) ابن عمر " كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى الصلاة وضع كفّه اليمنى على فخِذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعُه التى تلى الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬2) {338} (قال) ابن الهمام: ولاشك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق، فالمراد والله أعلم، وضع الكف ثم قبض الأصابع عند الإشارة وهو المروى عن محمد وأبى يوسف فى كيفيتها (¬3). (الثالثة) أن يضع يديه على فخذيه مبسوطتين وعند الشهادة يقبض م يده المينى الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى، ويشير بالمسبِّحة عند النفى ويضعها عند الإثبات (لقول) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحدَّ مِرْفقه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض ثِنْتين وحلق حَلقْه ورأيته يقول هكذا وحلق بِشْرٌ الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة " أخرجه النسائى وأبو داود (¬4) {339} ¬

(¬1) ص 173 ج 1 - مجتبى (موضع اليدين عند الجلوس للتشهد). (¬2) ص 16 ج 4 - افتح الربانى 3. وص 81 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة) وص 101 ج 6 - المنهل العذب (الإشارة فى التشهد). (¬3) ص 221 ج 1 - فتح القدير (صفة الصلاة). (¬4) ص 63 ج 6 - المنهل العذب (كيف الجلوس فى التشهد) و (حدّ مرفقه) أى طرفه. وهو مرفوع مبتدأ. ويحتمل أنه فعل = ماض يعنى رفع مرفقه عن فخذه (وقبض ثنتين) أى ما أصابعه وهما الخنصر والبنصر. ففى رواية البيهقى، ثم عقد الخنصر والبنصر ثم حلق الوسطى بالإبهام (انظر ص 131 ج 2 - بيهقى) و (حلقة) بسكون اللام جمعها حلق كقصعة وقصع. (بشر) بن المفضل شيح مسدد فى نسد الحديث.

(ومشهور) مذهب مالك أنه يستحب وضع اليدين على الفخذين أو الركبتين حال التشهد قابضاً أصابع يده اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها جاعلا جنبها إلى السماء مادّا الإبهام بجنبها على الوسطى محرّكا السبابة يميناً وشمالا إلى أن يفرغ من التشهد وما بعده (لقول) وائل بن حُجْر - فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم - ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبتِه اليسرى، وجعل حَدَّ مِرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثلاثة من أصابعه وحلّق حلْقة ثم رفع أصبعَه فرايته يحُرِّكها يدعو بها " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى وقال: يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها، فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير (¬1) {340} ويؤيد هذا الاحتمال ما فى رواية أبى داود السابقة عن وائل من قوله: وأشار بالسبابة (والحكمة) فى تحريك السبابة أن بها عرقا يتصل بالقلب فإذا تحركت تحرك وعلم أنه فى الصلاة وتنبه لوساوس الشيطان فلا يسهو فى صلاته. ولذا ورد أنها شديدة على الشيطان (روى) نافع أنّ ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبُعه وأتبعها بصرَه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَهِىَ أشدُّ على الشيطان م الحديد " يعنى السبابة " أخرجه أحمد والبزار. وفى سنده كثير بن زيد. ¬

(¬1) ص 14 ج 4 - الفتح الربانى. وص 132 ج 2 - بيهقى (من روى أنه أشار بها ولم يحركها) ورواية ابن الزبير تأتى رقم 342.

وثقه ابن حبان، وضعفه غيره (¬1) {341} (ولا ينافى) هذا ما فى حيدث عبد الله بن الزبير " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها " أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2) {342} (فإن فى صحة) هذه الزيادة " أعنى ولا يحركها " نظر فقد ذكر مسلم الحديث بطوله ولم يذكرها بل قال: عن ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد فى الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرشَ قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه (¬3) {343} وأيضاً فحديث وائل مقدم لصحته. وحديث ابن الزبير فيه مقال وعلى فرض التساوى فيحمل النفى فى حديث ابن الزبير على بعض الأحيان لبيان أن التحريك دائما ليس بواجب، وهذا هو الأقرب جمعاً بين الأحاديث. (وقالت) الشافعية. المستحب أن يضع يديه على فخذيه حال التشهد قابضا أصابع اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها ويشير بها بلا تحريك عند قوله " إلا الله " إشارة إلى التوحيد والإخلاص ويديم رفعها حتى يقوم أو يسلم (لقول) ابن الزبير: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدْعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بأصبعه السبابة، ووضع ¬

(¬1) ص 15 ج 4 - الفتح الربانى. وص 140 ج 2 - مجمع الزوائد (التشهد والجلوس والإشارة بالأصبع فيه) و (لهى أشد .. ) أى أن الإشارة بالسبابة عند التشهد أشد على الشيطان من الضرب بالحديد، لأنها تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص فى العبادة. وهذا أعظم شئ يكرهه الشيطان. (¬2) ص 103 ج 6 - المنهل العذب (الإشارة فى التشهد) وص 132 ج 2 - بيهقى. (¬3) ص 79 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة ... ).

إبهامه على أصبعه الوسطى ويُلْقِم كفّه اليسرى ركبته. أخرجه مسلم (¬1) {344} (وقالت) الحنبلية: يستحب للمصلى إذا جلس للتشهد وضعُ يديه على فخذيه باسطاً أصابع اليسرى موجهة للقبلة قابضاً الخِنصر والبنصَر من اليمنى محلقاّ الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسباحة كلما مرّ على لفظ الجلالة إشارة للتوحيد. ولا يحرّكها بما تقدّم عن وائل بن حجر فى الكيفية الثالثة عند الحنفيين (¬2) (وعن) أحمد أنه يستحب ضم أصابعه الثلاث وعقد الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسبابة (لحديث) عبد الله بن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد فى التشهد وضع يدَه اليمنى على ركبته اليمنى وعقَد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة. أخرجه مسلم (¬3) {345} (تنبيه) قد علم انه ورد فى وضع اليمين على الفخذ حال التشهد روايات مختلفة ذكر فى بعضها القبض دون البعض. والعمل بكل سائغ. (25) جلسة الاستراحة: هى الجلوس بعد الرفع من السجدة الثانية من الركعة الأولى؛ وكذا من الثالثة فى الرباعية. وقد اختلف العلماء فى مشروعيتها (فقال) باستحبابها الشافعية وداود وأحمد فى آخر أمره. لقول أبى قلابة: جاء مالك بنُ الحُويرث إلى مسجدنا فقال: والله إنى لأُصلى وما أريد الصلاة ولكنى أريد أن أُريكم كيف رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقعد فى الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة. أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى (¬4) {346} ¬

(¬1) ص 79 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة .. ). (¬2) تقدم رقم 339 ص 250. (¬3) ص 80 ج 5 نووى (وعقد ثلاثا وخمسين) أى قبض الخنصر والبنصر والوسطى ووضع رأس إبهامه على المفصل الأوسط من الوسطى ورفع السبابة. (¬4) ص 295 ج 3 - الفتح الربانى (جلسة الاستراحة) وص 205 ج 2 - فتح = البارى (كسف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة) وص 173 ج 1 - مجتبى (الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين) وص 282 ج 5 - المنهل العذب (النهوض فى الفرد)

(وعن) مالك بن الحويرث أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا كان فى وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوى جالسا. أخرجه أحمد والخمسة إلا مسلما. وقال الترمذى حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم (¬1) {347} (وقال) الحنفيون ومالك والثورى وإسحاق: جلسة الاستراحة غير مشروعة بل إذا رفع المصلى رأسه من السجود الثانى نهض قائما بلا جلوس وهو رواية عن أحد. وأكثر الأحاديث على هذا (ومنها) حديث وائلِ بن حُجْرٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قائما. أخرجه البزار وذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف (¬2) {348} وهو لا ينفى استحباب جلسة الاستراحة لن تركها أحيانا إنما ينافى وجوبها (واستدلوا) أيضاً بقول عبد الرحمن بن يزيد: رمقت عبد الله بن مسعود فى الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس قال: ينهض على صدور قدميه فى الركعة الأولى والثالثة. أخرجه ابن أبى شيبة والطبرانى ف الكبير ورجاله رجال الصحيح (¬3) وهذا لا ينافى أنها سنة كما تقدم. (وأجابوا) عن حديث مالك بنِ الحُويرث ونحوه بأنها محمولة على حال ¬

(¬1) ص 204 ج 2 - فتح البارى (من استوى قاعدا فى وتر من صلاته ثم نهض) وص 282 ج 5 - المنهل العذب. وص 173 ج 1 مجتبى. وص 137 ج 1 - تحفة الأحوذى (كيف النهوض من السجود). (¬2) ص 302 ج 2 - نيل الأوطار (كيف النهوض للثانية). (¬3) ص 136 ج 2 - مجمع الزوائد (صفة الصلاة).

الكبَر أو أنه صلى الله عليه وسلم جلس لعلة من ضعف ونحوه، ولذا قال أبو إسحاق المروزى: إن كان المصلى ضعيفا جلس للراحة، وإن كان قوياً لم يجلس (وردّة) الحافظ فى الدراية بأنّ هذا تأويل يحتاج لدليل، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬1) " ولم يفصل. فالحديث حجة فى الاقتداء به فى ذلك. ولذا ثبت أنّ الإمام أحمد رجع إلى القول يجلسة الاستراحة (قال) ابن قدامة: واختلف الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة؟ فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقى. والرواية الثانية أنه يجلس واختارها الخلال قال: رجع أبو عبد الله إلى هذا " يعنى ترك قوله بترك الجلوس " لما روى مالك بن الحويرث أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض. متفق عليه (¬2) وذكره أيضاً أبو حُميد ف صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو حديث حسن صحيح. فتعين اعمل به والمصير إليه. فإذا قلنا يجلس فيتحمل أنه يجلس مفترشا، وهو مذهب الشافعى (¬3). (26) يسنّ عند الحنفيين وأحمد النهوض إلى غير الركعة الأولى صدور القدمين غير معتمد بيديه على الأرض (لقول) وائل بن حُجْرٍ فى صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه. أخرجه أبو داود (¬4) {349} (وقال) ابن عمر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل ¬

(¬1) تقدم رقم 190 ص 142. (¬2) تقدم رقم 347 ص 254. (¬3) ص 571 ج 1 - مغنى. (¬4) ص 279 ج 5 - المنهل العذب (كيف يضع ركبتيه قبل يديه).

على يديه إذا نهض فى الصلاة. أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1) {350} (وقال) علىّ كرّم الله وجهه: إنّ من السنة فى الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل فى الركعتين الأُوليْين ألا يعتمدَ بيديه على الأرض إلا أن يكونا شيخا كبيرا لا يستطيع. أخرجه الأثرم (¬2) (وقال) مالك والشافعى: السنة أن يعتمد على يديه ف النهوض (قال) أبو قِلابة: كان مالك بن الحوَيرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلى فى غير وقت الصلاةِ فإذا رفع رأسه م السجدة الثانية استوى قاعدا ثم قام فاعتمد على الأرض. أخرجه النسائى (¬3) {351} ولأن ذلك أعون للمصلى (وأجاب) الأوّلون عن الحديث بحمله على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حال ضعفه وكبر سنه. ومنه تعلم أنه لا خلاف فى جواز الاعتماد على الأرض باليدين حال النهوض لمن شق عليه القيام على صدور القدمين لضعف أو كبر أو سمن أو مرض. (27) اتفق العلماء على أنه يسنّ التفريق بين القدمين حال القيام تفريقا يسيرا، غير أنّ المالكية عدّوه مندوبا. واختلفوا فى تقديره (فقدّره) الحنفيون بقدر أربع أصابع. فإن نقص أو زاد لغير عذر كسِمَن كره. وقدره الشافعية بشبر. والحنبلية والمالكية بالعرف بحيث لا يضمهما ولا يفرّقهما كثيرا حتى يتفاحش عرفا. ¬

(¬1) ص 106 ج 6 - المنهل العذب (كراهية الاعتماد على اليد فى الصلاة) وص 230 ج 1 - مستدرك. (¬2) ص 572 ج 1 - مغنى. (¬3) ص 173 ج 1 - مجتبى (الاعتماد على الأرض عند النهوض).

(28) يسنّ اتفاقا تخفيف القعود الأول (لحديث) أبى عُبيدة عن أبيه (ابن مسعود) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان فى الركعتين الأوليين كأنه على الرّضْف حتى يقومَ " أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن، إلا أنّ أبا عُبيدة لم يسمع من أبيه (¬1) {352} ولهذا قال الثلاثة والشافعى ف القديم: يستحب الاقتصار على التشهد وعدم النقض منه، فلو نقص أو زاد فيه شيئاً ولو دعاء أو صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كان مكروها (وقال) الشافعى فى الجديد: تسنّ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله فى التشهد الأوّل. ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبين موضعها وتقييدها بالتشهد الأخير (¬2). وعليه فلا دليل لمن قال بأن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد الأوّل سنة. (29) اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يصلى على آل النبى صلى الله عليه وسلم بصيغة من الصيغ الواردة. وقد تقدّم بعضها فى بحث الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الأركان. واختلفوا فى حكمها (فقال) بعض الشافعية والحنبلية: إنها واجبة للأمر بها فى عدّة أحاديث (كحديث) كعب بن عُجْرة قال: قلنا يا رسول الله قد عَلِمنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلِّى عليك؟ قال: فقولوا اللهم صل على محمد ¬

(¬1) ص 108 ج 6 - المنهل العذب (تخفيف القعود). وص 175 ج 1 - مجتبى (التخفيف فى التشهد الأول) (والرضف) بسكون الضاد، جمع رضفة، وهى الحجارة المحماة. وهو كناية عن تخفيف الجلوس. (¬2) ص 62 ج 1 - زاد المعاد (ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه .. )

وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (¬1). (وقال) الحنفيون ومالك وجمهور السلف: الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير سنة. وهو مشهور مذهب الشافعى وأحمد. وقالوا الأمر بها فى الأحاديث لا يقتضى الوجوب، لأنه إنما ورد لتعليم الكيفية. ولم يبتدئهم به، فهو محمول على الندب لذلك، ولعدم ذكر الآل فى الآية. هذا. والمعول عليه أن المراد بالآل فى مقام الدعاء أمة الإجابة. وفى مقام الثناء كل تقّى. وفى الزكاة من حرمت عليهم الصدقة. (30) يسنّ لكل مصلّ الدعاء فى القعود الأخير بعد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وآله، يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة (لقوله) عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد: ثم ليتخير أحدكم من الداء أعجبَه إليه فيدعو به (¬2). (ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فرغ أحدُكم من التشهد الأخير فليتعوّذ بالله من أربعٍ: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال " أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى (¬3) {353} (ولحديث) عائشة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فى صلاته: ¬

(¬1) تقدم رقم 227 ص 170 (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم). (¬2) هذا عجز الحديث رقم 218 ص 163. (¬3) ص 29 ج 4 - الفتح الربانى وص 87 ج 5 - نووى (التعوذ من عذاب القبر ... ) وص 97 ج 6 - المنهل العذب (ما يقول بعد التشهد) وص 193 ج 1 - مجتبى (التعوذ فى الصلاة) وص 152 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال بعد التشهد).

" اللهم إن أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فِتنة المسيح الدجّال وأعوذ بك م فتنة المحيا والممات اللهم إنى أعوذ بك من الماثم والمغرم فال له قائل: ما أكثر ما تستعيذُ م المغرَم؟ فقال: إن الرجل إذا غرِمَ حدّث فكذَب، ووعد فأخلف " أخرجه السبعة إلا ابن ماجه (¬1) {354} (وقد) حمل الجمهور الأمر بالدعاء والتعوّذ فى هذه الأحاديث على الندب (وحمله) الظاهرية على الوجوب. وقال ابن حزم: يجب التعوّذ بعد التشهدين، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم - فى حديث أبى هريرة - إذا تشهّد أحدكم فليستعِذْ بالله من أربع. يقول: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم (الحديث) أخرجه مسلم والنسائى (¬2) {355} وهو مطلق فى التشهدين (وأجاب) الجمهور بأن ما استدل به مطلق ¬

(¬1) ص 30 ج 4 - الفتح الربانى. وص 215 ج 2 - فتح البارى (الدعاء قبل السلام) وص 87 ج 5 - نووى. وص 328 ج 5 - المنهل العذب (الدعاء فى الصلاة) وص 193 ج 1 - مجتبى .. و (فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدّة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله تعالى ما يكون عند الموت (وفتنة الممات) يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضفيت إليه لفر بها منه، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، فقد صح أنهم يفتنون فى قبورهم. وقيل المراد بفتنة المحيا الابتلاء مع عدم الصبر، وبفتنة الممات سؤال القبر مع الحيرة. و (المأثم) ما يأثم الإنسان بارتكابه من المعاصى (والمغرم) مصدر وضع موضع الاسم. والمراد به الدين فيما يكرهه الله تعالى، أو فيما يحل ولا يقدر على أدائه، فأما دين احتيج إليه شرعا ويقدر على أدائه، فلا يستعاذ منه. واستعاذ صلى الله عليه وسلم مما ذكر تعليما للأمة، ولينتشر خبر الدجال بأنه كذاب ساع فى الأرض بالفساد، فلا يلتبس حاله على المؤمنين عند خروجه و (قائل) هو عائشة رضى الله عنها. ففى رواية للنسائى عنها: قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟ (¬2) انظر المراجع بهامش.

وما استدلوا به مقيد بالتشهد الأخير، فينبغى المصير إليه حملا للمطلق على المقيد. (فائدة) اتفق العلماء على جواز الدعاء بخيرى الدنيا والآخرة فى الصلاة قبل السلام وأن أفضله ما كان بالمأثور فى القرآن والسنة " ومنه " ما فى حديث محِجَنِ بن الأدرِع أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل يتشهد وهو يقول: اللهم إنى أسألك يا أللهُ الواحد الأحد الصمد الذى لم يِلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُواً أحدٌ أن تغِفرَ لى ذنوبى إنك أنت الغفورُ الرحيم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم قد غَفِر له ثلاثَ مراتٍ " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى (¬1) {356} (ومنه) اللهم ألْف بين قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا واهْدنا سُبل السلام، ونجِّنا من الظلُّمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ، وبارك لنا فى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مُثْنين بها قابليها وأتمها علينا " أخرجه أبو داود عن ابن مسعود (¬2) {357} (ومنه) اللهم إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً ولا يغِفرُ الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفورُ الرحيم. أخرجه الشيخان عن أبى بكر (¬3) {358} (واختلفوا) فى جواز الدعاء بما يشبه كلام الناس، وهو ما لا يستحيل ¬

(¬1) ص 31 ج 4 - الفتح الربانى. وص 98 ج 6 - المنهل العذب (ما يقول بعد التشهد). وص 193 ج 1 - مجتبى (الدعاء بعد الذكر). (¬2) ص 75 ج 6 - المنهل العذب (التشهد). (¬3) ص 277 ج 2 - فتح البارى (الدعاء قبل السلام) وص 27 ج 17 نووى (خفض الصوت بالذكر).

طلب مثله منهم، نحو اللهم زوّجنى فلانة اللهم اقض دينى، اللهم ارزقنى طعاما طيباً وبستاناً أنيقا (فقالت) المالكية والشافعية: يجوز لعموم قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه (وقال) الحنفيون وأحمد: لا يجوز الدعاء به، لأنه يعد من كلام الناس. وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن هذه الصلاةَ لا يحل فيها شئ من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أخرجه مسلم وأبو داود من حديث طويل عن معاوية بن الحكم (¬1) {359} وهو مقدم على عموم حديث " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه فيدعو به " لأنه مانع وهذا مبيح (وأجاب) الأولون بأن المراد بكلام الناس فى حديث معاوية بن الحكم توجيه الكلام إليهم بالخطاب، لا خطاب الله بالدعاء المأذون به فى الأحاديث الصحيحة، لأن سبب حديث معاوية أنه شّمت عاطساً وهو يصلى فأنكر عليه الصحابة، فلما فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة ذكر له الحديث. (31) ويسنّ تحويل وجهه يمينا ثم يسارا بالسلام كما تقدم فى بحث السلام. (32) يسنّ درج لفظ السلام والوقوف عليه وألا يزيد فيه على المد الطبيعى وهو حركتان، لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " حذْف السلام سنة ". أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم وفى سنده قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف، وأخرجه الترمذى موقوفا (¬2) {360} ¬

(¬1) ص 29 ج 6 - المنهل العذب (تشميت العاطس فى الصلاة). (¬2) ص 42 ج 4 - الفتح الربانى. وص 122 ج 6 - المنهل العذب (حذف السلام) وص 243 ج 1 - تحفة الأحوذى.

والحذف بفتح فسكون. عدم مدّه أزيد من حركتين. قال الترمذى وهو الذى يستحبه أهل العلم. (33) ويجب عند الحنفيين جهر الإمام بالتحريمة وتبكير الانتقال والتسميع والسلام بقدر إسماع المأمومين وهو سنة عند الشافعية والحنبلية ومندوب عند المالكية. أما المؤتم والمنفرد فيقتصر كل على إسماع نفسه، فإن رفع صوته كره كما يكره " رفع الإمام " صوته زيادة على حاجة المأمومين " والتبليغ " عند عدم الحاجة إليه بأن كان يبلغ المأمومين صوت الإمام. وأما عند الحاجة إليه فمستحب، لحديث عائشة رضى الله عنها فى قصة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم وهو مريض قالت: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جنبه يُسْمِع الناسَ. أخرجه مسلم (¬1) {361} (قال الكمال) ابن الهمام وفى الدراية: وبه يعرف جواز رفع المبلغين أصواتهم فى الجمعة والعيدين وغيرهما أهـ. أقول ليس مقصوده خصوص الرفع فى زماننا بل أصل الرفع لإبلاغ الانتقالات. أما خصوص الذى تعارفوه فى هذه البلاد فلا يبعد أنه مفسد، فإنه غالبا يشتمل على مدّ همزة الله أو أكبر أو بائه وذلك مفسد. وغن لم يشتمل فإنهم يبالغون فى الصياح زيادة على حاجة الإبلاغ والاشتغال بتحرير النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة والصياح ملحق بالكلام أهـ (¬2). (هذا) ويشترط لصحة صلاة الإمام أو المبلغ أن لا يقصد بالتحريمة الإعلام فقط. وإلا لم تنعقد صلاته اتفاقا وكذا إن قصد بها الإعلام والإحرام ¬

(¬1) ص 141 ج 4 - نووى (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر). (¬2) ص 262 ج 1 - فتح القدير (الإمامة) وقد سئل الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية عن حكم تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام، فقال: صرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة. فإن زاد عليه أساء. وصرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن يبلغ الجماعة صوت الإمام مكروه = بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أى مكروهة وأما عند الاحتياج إليه فمستحب. وصرحوا بأن المبلغ تكره له الزيادة فى الإعلام على قدر الحاجة أهـ. وهو بعض فتوى صادرة من دار الإفتاء بمصر بتاريخ 2 رجب سنة 13187 مسجلة برقم 2 سجل و 380 مسلسلة. وسنذكرها بتمامها فى بدع الجمعة إن شاء الله تعالى.

عند الشافعية. أما تكبير الانتقال والتسميع والسلام إذا قصد بها الإمام أو المبلغ التبليغ مع الذكر فإنّ صلاته صحيحة اتفاقا. وكذا إن قصد بها التبليغ فط خلافا للشافعية حث قالوا: إن قصد بها التبليغ فقط أو لم يقصد شيئا بطلت صلاته. (خاتمة) الخشوع قسمان ظاهرى وباطنى (فالظاهرى) سكون الجوارح عن العبث وجعل بصره موضع سجوده (والباطنى) خوف القلب وخضوعه ورقته وسكونه وحفظه عن الاشتغال بغير ما هو فيه من التأمل فى معانى القرآن، فينشأ عنه سكون الجوارح (وقد) اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يكون خاشعا خاضعا مستحضرا عظمة الله وهيبته، وأنه يناجى من لا تخفى عليه خافية، لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} أى خائفون من الله متذللون له، جاعلون أبصارهم إلى مواضع سجودهم (وعن) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أولُ شئ يرفع من هذه الأمة الخشوعُ حتى لا ترى فيها خاشعا. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن (¬1) {362} وقد عدّ الغزالى الخشوع ركنا من أركان الصلاة. وقال بعض السلف ¬

(¬1) ص 136 ج 2 - مجمع الزوائد (الخشوع).

(الثانى عشر) آداب الصلاة

الخشوع للصلاة كالروح للجسد (وقال) ابن رجب الحنبلى فى رسالة الخشوع فى الصلاة: (مرّ) عصام بن يوسف رحمه الله بخاتم الأصم وهو يتكلم فى مجلسه فقال: يا حاتم تحسن تصلى؟ قال نعم. قال كيف تصلى؟ قال حاتم أقوم بالأمر وأمشى بالخشيبة، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفرك وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بانية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل، وأرجع على نفسى بالخوف، أخاف أن لا يُقْبَل منى، وأحفظه بالجهد إلى الموت. قال تكلم فأنت تحسن تصلى أهـ. (الثانى عشر) آداب الصلاة جمع أدب، وهو والمندوب والمستحب والسنة بمعنى واحد عند الشافعية والحنبلية (وقال) الحنفيون ومالك: الأدب والمندوب والمستحب بمعنى وهو ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليه، وللصلاة آداب كثيرة المذكور هنا تسعة. (1) السكنات فى الصلاة: يندب للمصلى أن يسكت فى الصلاة أربع سكتات (الأولى) بعد تكبير الإحرام وقبل القراءة. وهى مستحبة لكل مصل عند من يقول بدعاء الاستفتاح. وهذه ليست سكتة حقيقية، بل الرماد عدم الجهر بشئ من الذكر، لاشغاله بدعاء الاستفتاح كما تقدم (¬1) وشرعت هذه السكتة ليتسنى للمأمومين تأدية النية والتكبير ويتفرغوا لسماع القراءة (الثانية) سكتة بين ولا الضالين وآمين، ليتسنى للمأموم موافقة الإمام فى التأمين (لقول) سمرة بن جُنْدُبٍ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) تقدم ص 221.

سكتتين: سكتةً إذا كبرّ وسكتة إذا فرغ من قراءةِ غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين " أخرجه أحمد وأبو داود وهذا لفظه (¬1). {363} (الثالثة) السكتة بين الفاتحة والسورة. وهى مستحية للإمام عند الشافعية والحنبلية. ليقرأ المأموم فيها الفاتحة، ويشتغل الإمام بالذكر والدعاء والقراءة سرا. ومكروهة عند الحنفيين ومالك لعدم ما يدل على مشروعيتها. واستدل الأولون بقول عروة بن الزبير: أما أنا فأغْتَمِ من الإمام اثنتين إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرأ قبل أن يركع. وهذا يدل على اشتهار ذلك بينهم. رواه الأثرم (¬2) (الرابعة) السكتة بعد قراءة وقبل الركوع. وهى سكتة لطيفة لفصل القراءة من الركوع وترادّ النَّفَس. وهى مستحبة عند الشافعى وأحمد وإسحاق (لقول) سمُرة: " حِفظتُ سكتتين فى الصلاة: سكتةً إذا كبر الإمام حتى يقرأ. وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسور عند الركوع. فأنكر ذاك عليه عمران بن حُصين، فكتبوا فى ذلك إلى المدينة إلى أبىّ فصدّق سَمُرة " أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى (¬3) {364} (2) يستحب للمصلى أن لا يجاوز بصرُه موضع سجوده حال القيام وغيره عند الشافعى وأحمد وهو ظاهر الرواية عند الحنفيين (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رواية حنبل: الخشوع فى الصلاة أن يجعل نظره موضع سجوده وروى ذلك عن مسلمة بن يسار وقتادة (¬4) (وقال) أبو هريرة: " كان النبى ¬

(¬1) ص 175 ج 3 - الفتح الربانى. وص 191 ج 5 - المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح). (¬2) ص 535 ج 1 - معنى. (¬3) ص 190 ج 5 - المنهل العذب. وص 144 ج 1 - ابن ماجه (فى سكتتى الإمام). (¬4) ص 644 ج 1 - مغنى (مستحبات الصلاة).

صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصرهَ إلى السماء فنزلت {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فطأطأ رأسه " أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬1) {365} (وقال) عد الله بن الزبير: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة ولم يُجاوز بصرهُ إشارتهَ " أخرجه أحمد والنسائى (¬2) {366} " ولم يجاوز بصره إشارته " أى أنه يستحب للمصلى أن لا يرفع بصره حال التشهد إلى ما يجاوز الأصبع التى يشير بها. ولذا قالت الشافعية: يستحب نظره إلى سبابة اليمنى حال التشهد (وقالت) المالكية: يستحب أن يكون نظره موجهاً للقبلة. قال ابن رشد الذى ذهب إليه مالك أن يكون بصر المصلى أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شئ ولا يُنكِّس رأسه، وهو إذا فعل ذلك خشع بصره ووقع فى موضع سجوده على ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم (وقال) بعض الحنفيين: يندب نظر المصلى إلى موضع السجود حال القيام، وإلى ظهر القدمين حال الركوع، وإلى طرف أنفه حال السجود، وإلى حِجْره حال التشهد، وغلى المنكب الأيمن والأيسر حال السلام، لأن المقصود والخشوع وهذا أدعى له. ولم نقف على دليل لهذا التفصيل إلا ما حكى عن شَريك أنه قال: ينظر فى حال قيامه إلى موضع سجوده وفى ركوعه إلى قدميه وفى سجوده إلى أنفه، وفى التشهد إلى حِجْره (قال) العلامة ¬

(¬1) ص 283 ج 2 - بيهقى (لا يجاوز بصره موضع سجوده) وص 459 ج 2 - تفسير الشوكانى. (¬2) ص 15 ج 4 - الفتح الربانى. وص 187 ج 1 - مجتبى (موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة).

ابن عابدين: المنقول فى ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصر المصلى فى صلاته إلى محل سجوده كما فى المضمرات، وعليه اقتصر فى الكنز وغيره. وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوى والكرخى وغيرهما (¬1). (3) ويندب للمصلى أن يسدّ فمه عند التثاؤب ما استطاع ولو بأخذ شفته السفلى بسِنّه فإن لم يقدر غطاه بكمه أو بظهر يده اليمنى وقيل باليمنى فى القيام وباليسرى فى غيره (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " التثاؤب نم الشيطان، فإذا تثاءبَ أحدكم فليردّه ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال هاضحك الشيطان " أخرجه البخارى (¬2) {367} وفى رواية: إذا تثاءب أحدكم فى الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخلُ (¬3). وفى رواية ابن ماجه: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه. (4) ويستحب دفع السعال الطارئ بقدر الإمكان. أما المتصنَّع وهو الحاصل بلا عذر، فإنه مبطل للصلاة إذا اشتمل على حروف كالجشاء كما سيأتى. (5) ويندب للرجل إخراج كفيه من كميه حال الصلاة إلا لضرورة كبرْد. أما المرأة فلا تفعل ذلك محافظة على الستر. (6) ويستحب تطويل الركعة الأولى عن الثانية فى جميع الصلوات عند مالك وأحمد ومحمد بن الحسن وجمهور الشافعية سواء أكان التطويل بالقراءة أن بترتيلها مع استواء المقروءة فى الركعتين (لقول) أبى قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويُسمِعُنا الآية أحيانا. وكان يطوّل الركعة الأولى من الظهر ويُقَصِّر الثانية ¬

(¬1) ص 353 ج 1 - رد المختار (آداب الصلاة). (¬2) ص 214 ج 6 - فتح البارى (صفة إبليس من كتاب بدء الخلق) (¬3) ص 465 ج 10 - فتح البارى (إذا تثاءب فليضع يده على فيه).

وكذلك فى الصبح. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى (¬1) {368} والحكمة فى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوّل الأولى ليدركها الناس (وقال) عطاء: إنى لأحب أن يطوّل الإمام ركعة الأولى من الصلاة من كل صلاة حتى يكثر الناس. أخرجه عبد الرزاق (وقيل) الحكمة أنّ النشاط فى الركعة الولى يكون أكثر فلا يمنع التطويل من الخشوع. وخُفِّف غيرها حذراً من الملل (وقال) النعمان وأبو يوسف: يستحب تطويل الأولى عن الثانية فى صلاة الصبح دون غيره، إعانة للناس على إدراك الجماعة، فإنه وقت نوم وغفلة (وقال) جماعة من الشافعية وغيرهم: يستحب التسوية بين الأوليين فى القراءة فى كل صلاة (لقول) أبى سعيد الخدرى: حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر. فحزَرْنا قيامة فى الأوليين من العصر على قدر الأُخريين من الظهر. وحزرنا قيامه فى الأخريين من العصر على النصف من ذلك. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائى والطحاوى (¬2) {369} (وأجابوا) عن حديث أبى قتادة ونحوه بأنّ تطويل الركعة الأولى ¬

(¬1) ص 207 ج 3 - الفتح الربانى. وص 165 ج 2 - فتح البارى. وص 171 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر) وص 153 ج 1 - مجتبى (تطويل القيام فى الركعة الأولى .. ) (وسورتين) أى فى كل ركعة سورة. ففى رواية للبخارى عن أبى قتادة قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة. انظر ص 167 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العصر). (¬2) ص 222 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى الظهر) وص 172 ج 4 نووى. وص 227 ج 5 - المنهل العذب (تخفيف الأخريين) وص 122 ج 1 - شرح معانى الآثار (وحزرنا) بزاى فراء، أى قدّرنا قيامه للقراء فى الصلاة.

إنما هو لدعاء الاستفتاح والتعوّذ. وقد جمع البيهقفى بين حدثيى التطويل والتسوية بأنّ الإمام يطوّل فى الأولى إن كان منتظراً لحد، وإلا سوّى بين الأوليين. والراجح القول الأول (قال) النووى: تطويل القراءة فى الأولى قصداً هو الصحيح المختار لظاهر السنة (¬1) (وقال) ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى على الثانية من صلاة الصبح ومن كمل صلاة، وربما كان يطيلها حتى لا يُسمع وقع قدم. وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات. وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، شهده الله تعالى ملائكته. وقيل يشهده ملائكة الليل والنهار. وأيضاً فإنها لما نقصت عدد ركعات جعل تطويلها عوضاً عما نقصته من العدد، ولأنها تكون عقيب النوم والناس مستريحون لم يأخذوا بعد فى استقبال المعاش وأسباب الدنيا، ولأنها تكون فى وقت تواطأ فيه السمع واللسان والقلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال فيه. فيفهم القرآن ويتدبره. وأيضا فإنها أساس العمل وأوّله فأعطيت فضلا من الاهتمام به أو تطويلها. وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها. والله المستعان (¬2). (7) ويستحب - عند الحنفيين وأحمد - لمصلى النافلة دون الفريضة السؤال إذا مرّ بآية فيها سؤال أو رحمة أو عذاب أو جنة أو استغفار أو موجوّ، والتعوّذ إذا مرّ بآية فيها تعوّذ أو نار أو وعيد، والتسبيح إذا مرّ بآية فيها تسبيح (لقول) أبى ليلى: " سمعتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاةٍ ليست بفريضة فمرّ يذكر الجنة والنار فقال: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل ¬

(¬1) ص 175 ج 4 - شرح مسلم. (¬2) ص 55 ج 1 - زاد المعاد (إطالة الركعة الأولى).

النار " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (¬1) {370} (ولقول) حذيفة: " صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة " (الحديث) وفيه ثم افتتح آل عمران فقراها يقرؤها مُتَرسِّلا إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مر بسؤال سأل. وإذا مر يتعوّذ تعوّذ (الحديث) أخرجه مسلم وكذا أحمد بلفظ: كان إذا مرّ بآية رحمة سأل. وإذا مر بآية فيها عذاب تعوّذ. وإذا مر بآية فيها تنزيه الله عز وجل سبح (¬2) {371} وبهذا قالت المالكية غير أنهم قالوا: يكره الدعاء أثناء القراءة فى الفريضة لغير مأموم. أما المأموم فله أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الإمام فى قراءته. وأن يسأل الجنة إذا سمع آية فيها ذكرها وأن يستعيذ من النار إذا سمع آية فيها ذكرها. ولكن لا نعلم دليلا على هذه التفرقة (وقالت) الشافعية: يستحب ما ذكر لكل مصل إماما أو غيره فى الفرض والنفل، لعموم حديث حذيفة أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يقول فى ركوعه: " سبحان ربىَ العظيم، وفى سجوده سبحان ربىَ الأعلى، وما مرّ بآية رحمة إلا وقف عندها فسال، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوّذ " أخرجه أحمد والدارمى وأبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح (¬3) {372} ¬

(¬1) ص 238 ج 3 - الفتح الربانى. وص (211 ج 1 - ابن ماجه (القراءة فى صلاة الليل) (¬2) ص 61 ج 6 - نووى (تطويل القراءة فى صلاة الليل). وص 238 ج 3 - الفتح الربانى. (¬3) ص 262 ج 3 - الفتح الربانى (الذكر فى الركوع) وص 299 ج 1 - سنن الدارمى. وص 317 ج 5 - المنهل العذب (ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده). وص 225 ج 1 - تحفى الأحوذى (التسبيح فى الركوع والسجود).

(وأجاب) الأوّلون بأنه محمول على النافلة، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه دعا فى الفريضة حال قراءته مع كثرة من وصف قراءته صلى الله عليه وسلم فيها. (8) ويندب للرجل إذا أصابه فى صلاته حادث هامّ - كإذنه لداخل وإنذار أعمى وتنبيه غافل - التسبيح، وللمرأة التصفيق بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى أو عكسه أو بضرب ظهر إحداهما على الأخرى (لحديث) سهل بن سعد الساعدى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نابه شئ فى صلاته فلْيُقلْ سبحان الله، إنما التصفيقُ للنساء والتسبيح للرجال. أخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وهذا لفظه (¬1) {373} ولذا قال الحنفيون والشافعى وأحمد: يستحب للرجل إذا نزل به شئ فى الصلاة التسبيح ولا تضر كثرته، أنه قول من جنس الصلاة وإن لم يحصل المقصود م التسبيح غلا بالكلام أو الفعل المبطل أتى به وتبطل الصلاة لأنه عمل من غير جنسها، والمرأة تصفق بقدر الضرورة فإن أكثرت بطلت الصلاة، لأنه عمل من غير جنسها، وخص النساء بالتصفيق لأن حالهن مبنى على الستر وفى رفع أصواتهنّ فتنة، وقال الكمال فى الفتح (فرع) صرح فى النوازل بأنه نغمة المرأة عورة، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب من تعلمها من الأعمى. ولذا قال عليه الصلاة والسلام: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. فلا يحسن أن يسمعها الرجل أهـ. وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة فى الصلاة فسدت كان متجها أهـ كلام الكمال، لكن قال ابن نجيم فى البحر: وفى شرح المنية: والأشبه أن صوتها ليس بعورة وإنما يؤدى على الفتنة ولعلهنّ إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح فى الصلاة لهذا المعنى، ولا يلزم ¬

(¬1) ص 56 ج 3 - فتح البرى (رفع الأيدى فى الصلاة - العمل فى الصلاة). وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة). وص 109 ج 4 - الفتح الربانى.

من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة أهـ. ومنه تعلم بطلان ما قاله الشوكانى من أن الحنفيين يقولون ببطلان صلاة المرأة إذا صفقت إذا نابها شئ، وإنما تسبح كالرجل (وقالت) المالكية: يطلب التسبيح للرجل والنساء، لحديث سهل بن سعد الساعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من نابه شئ فى صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التُفت إليه وإنما التصفيق للنساء " أخرجه مالك والشيخان وأبو داود (¬1) {374} (قال) الزرقانى: وإنما التصفيق للنساء، أى هو من شأنهنّ فى غير الصلاة فلا ينبغى فعله فى الصلاة لالرجل ولالامرأة، بل التسبيح للرجال والنساء جميعا، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ " ولم يخص رجالا من نساء. هكذا تأوّله مالك وأصحابه ومن وافقهم على كراهة التصفيق للنساء (وتعقبه) ابن عبد البر بحديث حماد بن زيد عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا نابكم ش فى الصلاة فلْيُسبِّح الرجالُ ولْيُصفِّق النساءُ " أخرجه البخارى وأبو داود (¬2) {375} فقد فرّق بين حكم الرجال والنساء فهو قاطع فى محل النزاع (قال) القرطبى: القول بمشروعية والتصفيق للنساء هو الصحيح خبراً ونظرا، لأنها مأمورة بخفض صوتها فى الصلاة مطلقاً لما يخشى من الافتتان. ومنع ¬

(¬1) ص 296 ج 1 - زرقانى (الالتفات والتصفيق فى الصلاة). وص 115 ج 2 - فتح البارى (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام .. ). وص 146 ج 4 - نووى. وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة). (¬2) ص 146 ج 13 - فتح البارى (الإمام يأتى قوما فيصلح بينهم من كتاب الأحكام) وص 48 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة).

الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء (¬1). (9) ما يقرأ فى الصلاة: اتفق العلماء على أنه لا يتعين شئ من القرآن لصلاة سوى الفاتحة للقادر عليها على ما تقدم بيانه، فأى شئ قرأ به المصلى بعدها أجزأه، غير أنه يستحب القراءة بطوال المفصل فى الصبح عند الأئمة الأربعة، وكذا الظهر عند غير الحنبلية، وبأوساطه فى العصر عند غير المالكية وفى العشاء اتفاقا، وكذا فى الظهر عند الحنبلية، وبقصاره فى المغرب اتفاقا وكذا فى العصر عند المالكية. وطوال المفصل عند الحنفيين من الحجرات إلى الانشقاق، وأوساطه من سورة البروج إلى القدر، وقصاره من سورة لم يكن إلى آخر القرآن. (وقالت) المالكية: طواله من الحجرات إلى النازعات. وأوساطه من سورة عبس إلى سورة الليل. وقصاره من سورة الضحى إلى الآخر. (وقالت) الشافعية: طواله من الحجرات إلى المرسلات. وأوساطه من سورة عمّ إلى سورة والليل. والباقى قصاره. وبه قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا: مبدأ المفصل من ق. وهناك بيان الوارد من القراءة فى الصلوات: (أ) القراءة فى الصبح: كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فيها غالبا (قال) عبد الله بن السائب: " صلى لنا النبى صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى، أخذت النبىَّ صلى الله عليه وسلم سَعْلة فركع " أخرجه مسلم (¬2) {376} (وقال) أبو برزة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح وكان يقرأ ¬

(¬1) ص 297 ج 1 - زرقانى الموطأ. (¬2) ص 177 ج 4 - نووى (القراءة فى الصبح).

فى الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " أخرجه البخارى (¬1) {377} (وقال) ابن مسعود: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الفجر يوم الجمعة الَمَ تنزويلُ السجدة. وهل أتى على الإنسان " أخرجه البخارى (¬2) {378} (وقال) عبد الله بن الحارث: صلى بنا أبو بكر رضى الله عنه صلاة الصبح فقرأ سورة البقرة فى الركعتين جميعا فقال له عمر كادت الشمس تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. أخرجه الطحاوى (¬3). (وقال) عبد الله بن عامر بن ربيعة: " صلَّينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسفَ وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: والله إذاً لقد كان يومُ حين يطلُع الفجرُ قال: أجل. أخرجه مالك (¬4). (وروى) سِماكُ بن حَرْب عن رجل من أهل المدينة أنه صلى خلف النبى صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ فى صلاته الفرج بق والقرآن المجيد ويسنّ والقرآن الحكيم. أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح (¬5) {379} وربما قرأ صلى الله عليه وسلم فى الصبح بغير الطوال (قال) عقبه بن عامر كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فى السفر فقال لى: " يا عقبة ألاَ أعلِّمك خيرَ سورتين قُرِئَتا؟ فعلّمنى قل أعوذُ بربّ الفلق وقل أعوذ برب الناس، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس " (الحديث) ¬

(¬1) ص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى الفجر). (¬2) ص 257 ج 2 - فتح البارى (ما يقرا فى صلاة الفجر يوم الجمعة). (¬3) تقدم رقم 37 ص 24 (وقت صلاة الصبح). (¬4) ص 155 ج 1 - زرقانى (القراءة فى الصبح) (فقلت) هو عروة بن الزبير. (¬5) ص 231 ج 3 - الفتح الربانى (ويسن) الواو لا تقتضى الترتيب، فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الركعة الأولى يسن وفى الثانية ق.

أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1) {380} (وعن معاذ بن عبد الله الجهنى أنّ رجلا من جُهَينة سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرا فى الصبح إذا زُلْزِلت الأرض فى الركعتين كِلْتَيهما، فلا أدرى أنسِىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرا ذلك عمدا؟ أخرجه أبو داود بسند جيد رجاله رجال الصحيح (¬2) (وقال) عمرو بن حُريث: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا فى الفجر إذا الشمسُ كُوِّرت} وسمعتُه يقول: والليلِ إذا عَسْعَس " أخرجه أحمد (¬3) {381} (ب) القراءة فى الظهر والعصر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فى الظهر أحيانا ويقصرها أحيانا. وكان يقرا فى العصر نصف ما يقرأ فى الظهر إذا أطالها، وقدرها إذا قصرها (قال) أبو سعيد الخدرى: " كانت صلاة الظهر تقُام فينطِلق أحدنُا إلى البَقيِع فيقضى حاجته ثم يأتى أهله فيتوضأ ثم يرجِع إلى المسجد فيدرِك النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى مما يُطيلها " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬4) {382} (وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قد ثلاثين آية وفى الأخْرَيَين قدْرَ خمسَ عشرة آية. وفى العصر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية وفى الأُخريين قدر نصفِ ذلك " أخرجه مسلم (¬5) {373} ¬

(¬1) ص 116 ج 8 - المنهل العذب (فى المعوذتين). وص 394 ج 2 - بيهقى. (¬2) تقدم رقم 244. وص 188 (فائدة). (¬3) ص 231 ج 3 - الفتح الربانى و (كوّرت) ذهب بضوئها و (عسعس) أقبل ظلامه أو أدبر. (¬4) ص 223 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى الظهر والعصر) وص 173 ج 4 - نووى. وص 153 ج 1 - مجتبى (تطويل الأولى من صلاة الظهر) (¬5) ص 172 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر)

(وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرا تنزيل السجدة. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والطحاوى (¬1) {384} (وعن) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر يسبِّح اسم ربِّك الأعْلى، وهل أتاك حديثُ الغاشيِة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح (¬2) {385} (وقال) علقمة: صليت إلى جَنب عبد الله الظهرَ فما علِمتُه قرأ شيئا حتى سمعتُه يقول {ربِّ زِدْنِى عِلماّ} فعلمتُ أنه فى طه. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (¬3) (وعن) جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر بالسماء ذات البُروج والسماءِ والطارق وشِبْهها أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن صحيح (¬4) {386} (وقال) أنس صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين فى الركعتين بسبِّح اسم بِّك الأعْلى، وهل أتاك حديث الغاشية. أخرجه النسائى (¬5) {387} وهذه الأحاديث صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر ¬

(¬1) ص 162 ج 4 - الفتح الربانى (قراءة السجدة فى الصلاة .. ) وص 230 ج 5 - المنهل العذب (قدر القراءة فى الظهر والعصر) وص 122 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬2) ص 116 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى الظهر والعصر). (¬3) ص 117 منه. (¬4) ص 228 ج 5 - المنهل العذب (القراءة فى صلاة الظهر والعصر) وص 153 ج 1 - مجتبى (القراءة فى الأوليين من العصر). وص 250 ج 1 - تحفة الأحوذى. و (ذات البروج) أى صاحبة الطرق والمنازل التى تسير فيها الكواكب. (¬5) ص 153 ج 1 - مجتبى (القراءة فى الظهر).

والعصر وبه قال جمهور السلف والخلف (وعن) ابن عباس أنه لا قراءة فيهما. (قال) عبد الله بن عَبيدة دخلتُ على ابن عباس فى شباب من بنى هاشم فقلنا لشابْ منا سَلِ ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الظهر والعصر؟ فقال لا لا، فقيل له لعله كان يقرا فى نفسه. فقال خَمْشا هذه شّر من الأولى كان عبداً مأمورا بلّغ ما أرسل به (الحديث). أخرجه أحمد وأبو داود الطحاوى. {388} ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول (روى) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر (وعنه) قال: سمعت ابن عباس يقول: لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب. أخرجهما الطحاوى (¬1) {388} ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول (روى) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر (وعنه) قال: سمعت ابن عباس يول: لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب. أخرجهما الطحاوى (¬2). (ج) القراءة فى المغرب: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرا فى صلاة المغرب بالسور الطوال وطوال المفصل وقصاره (قال) مروانُ بن الحكم قال لى زيد بن ثابت: مالك تقرأُ فى المغرب بقصار المفصَّل؟ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بطُولى الطُوليين قلتُ ما طولَى الطوليين؟ قال الأعرافُ والأنعام. أخرجه أحمد والبخارى ¬

(¬1) ص 219 ج 3 - الفتح الربانى. وص 230 ج 5 - المنهل العذب (قدر القراءة فى الظهر والعصر). وص 120 ج 1 - شرح معانى الآثار و (خما) مصدر خمش من باب ضرب ونصر، أى دعا عليه بخموش جلده أو وجهه و (هذه شر من الأولى) أى مسألتك الثانية شر، لأنها تتضمن اتهامه صلى الله عليه وسلم بالكتمان ولذا قال: كان عبداً مأموراً الخ فأفعل التفضيل ليس على بابه، لأنّ المسألة الأولى لا شر فيها. (¬2) ص 121 ج 1 - شرح معانى الآثار.

وأبو داود والنسائى (¬1) {389} (وقال) زيد بن ثابت لمروان: يا أبا عبد الملك أتقرأ فى المغرب بقل هو الله أحدٌ، وإنا أعطيناك الكوثْر؟ قال نعم قال فمحلوفه لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين: المص. أخرجه النسائى (¬2) {390} (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم فى المغرب: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ}. أخرجه الطبرانى فى الثلاثة بسند رجاله رجال الصحيح (¬3) {391} (وقال) جُبَير بن مُطعم: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور فى المغرب " أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬4) {392} (وعن) ابن عباس أن أمّ الفضل بنت الحارث سعته وهو يقرأ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} فقالت: يا بنىّ لقد ذكّرتنى بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فى المغرب. أخرجه الجماعة (¬5) {393} ¬

(¬1) ص 226 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى المغرب) وص 167 ج 2 - فتح البارى. وص 235 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 - مجتبى (القراءة فى المغرب بالمص). (¬2) ص 154 منه (فمحلوفه) هو الله، والخبر محذوف، أى الله قسمى. (¬3) ص 118 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى المغرب). (¬4) ص 225 ج 3 - الفتح الربانى. وص 168 ج 2 - فتح البارى (الجهر فى المغرب) وص 180 ج 4 - نووى. قبل (القراءة فى العشاء) وص 234 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 - مجتبى (القراءة فى المغرب بالطور). (¬5) ص 227 ج 3 - الفتح الربانى. وص 167 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى المغرب) وص 180 ج 4 - نووى. وص 233 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 مجتبى (القراءة فى المغرب بالمرسلات) و (أم الفضل) هى أم ابن عباس واسمها لبابة. وفى قوله " سمعته " التفات من التكلم إلى الغيبة.

(قال) ابن عبد البر: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فى المغرب بالمص وبالصافات وبحم الدخان وبسبح اسم ربك الأعلى وبالتين والزيتون وبالمعوذتين وبالمرسلات وبقصار المفصل. وكلها الآثار صحاح مشهورة أهـ. (وأما) المداومة فيها على قراءة قصار المفصل فهو فعل مروان بن الحكم وخلافُ السنة، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت كما تقدم. وكذا ما اعتاده الكثير من قراءة الآية القصيرة خلاف السنة (قال) الشوكانى: وأما المغرب فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستمر فيها على قراءة قصار المفصل. بل قرا فيها بطوال السور وطوال المفصل، وكانت آخر قراءته فيها بالمرسلات. (قال) الحافظ فى الفتح: وطريق الجمع بين الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة فى المغرب إما لبيان الجواز وغما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين أهـ، ويقدح فى هذا الجمع إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل فى المغرب، ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم السور الطويلة فى المغرب لبيان الجواز، لما كانت مواظبة مروان على قصار المفصل إلا محض السنة، ولما حُسن من زيد بن ثابت الإنكار عليه ولما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فى مقام الإنكار عليه. وأيضاً فإن بيان الجواز يكفى فيه مرة واحدة. وقد علمت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة (¬1). (د) القراءة فى العشاء: يسنّ القراءة فيها بأوساط المفصل (لحديث) البراء بن عازب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء الأخيرةِ ¬

(¬1) ص 260 ج 2 - نيل الأوطار (جامع القراءة فى الصلوات).

فى إحدى الركعتين بالتين والزيتونِ. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {394} (ولحديث) بُرَيدة الأسلمىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة العشاء بالشمسِ وضُحاها وأشباهها من السور. أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وحسنه (¬2) {395} (وقال) أبو رافع صليت مع أ [ى هريرة العتَمة فقرا إذا السماءُ انشقتْ فسجد، فقلت ما هذه؟ قال سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجدُ فيها حتى ألقاه. أخرجه البخارى (¬3) {396} وقال الترمذى: وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ فى العشاء بسورة من أوساط المفصل نحو سورة المنافقين وأشباهها وروى عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم قرءوا بأكثر من هذا وأقل، كأن الأمر عندهم واسع، وأحسن شئ فى ذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قرا بالشمس والتين والزيتون (¬4). وبهذا قال العلماء من السلف والخلف، وقد أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على معاذ قراءته فى العشاء البقرة فى حديث مشهور. (وبذلك) تزداد علماً بخطأ من " ينكر " على من يؤم الناس من صلاة ¬

(¬1) ص 230 ج 3 - الفتح الربانى. وص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العشاء). وص 181 ج 4 - نووى. وص 155 ج 1 - مجتبى (القراءة فيها بالتين والزيوت). وص 253 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬2) ص 230 ج 3 - الفتح الربانى. وص 155 ج 1 مجتبى (القراءة فى العشاء بالشمس وضخاها) وص 252 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) ص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العشاء بالسجدة) و (العتمة) العشاء. (¬4) ص 253 ج 1 - تحفة الأحوذى.

الصبح أو الظهر فيقرأ سورتين من طوال المفصل أو أوساطه، أو فى صلاة العشاء فيقرأ بقصار المفصل او أوساطه: ويطمئن فى الركوع والرفع والسجود حسب الوارد عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم " ويستدل " بحديث معاذ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء، وأمر أن يقرا فيها من أوساط المفصل (قال) ابن القيم: وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالتين والزيتون ووقت لمعاذ فيها والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها. وأنكر عليه قراءته فيها بالبقرة بعدما صلى معه ثم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ البقرة ولهذا قال: أفتان أنت يا معاذ؟ فتعلق النقادون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها (¬1) (وقال) ابن عبد البر: التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه لا أن ذلك إنما هو أقلّ الكما (وأما) الحذف والنقصان فلا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نقر الغراب ورأى رجلا يصلى ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل (وقال) لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه فى ركوعه وسجوده (وقال) أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الماس صلاة فى تمام أهـ (قال) ابن دقيق العيد: وما احسن ما قال عن التخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشئ خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى آخرين أهـ. (فائدة) الحكمة فى إطالة الصبح والظهر أنهما فى وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفى القائلة، فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ¬

(¬1) ص 53 ج 1 - زاد المعاذ (القراءة فى الصلاة).

ليست كذلك، بل تؤدىّ فى وقت تعب أهل الأعمال فخففت عنهما، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم. والعشاء تفعل فى وقت غلبة النوم ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر. وهذا هو الهدى الذى استمر عليه صلى الله عليه وسلم إلى أن لقى الله عز وجل لم ينسخه شئ. ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدين من بعده، فقرأ أبو بكر رضى الله عنه فى الفجر بسورة البقرة حتى سلم منها قريباً من طلوع الشمس (وكان) عمر رضى الله تعالى عنه يقرأ فيها بيوسف والنحل، وبهود وبنى إسرائيل " أى الإسراء " ونحوها من السور. (وأما) حديث جابر بن سمرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الفجر سبق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفا. أخرجه مسلم (¬1) {397} " فالمراد " بقوله بعد، أى بعد الفجر، أى أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وكانت صلاته بعد الصبح أخف. (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم. أيكم أمّ الناس فليخفف وقول أنس رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة فى تمام " فالتخفيف " أمر نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه، وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة (فالذى) فعله هو التخفيف الذى أمر به. فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة. فهى خفيفة بالنسبة إلى أطول منها. وهديه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون (قال) ¬

(¬1) ص 179 ج 4 - نووى (القراءة فى الصبح).

ابن عمر رضى الله عنهما: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات " أخرجه النسائى (¬1) {398} فالقراءة بالصافات م التخفيف الذى كان يأمر به. وكان صلى الله عليه وسلم ل يعين سورة فى الصلاة بعينها لا يقرا إلا بها فى الجمعة والعيدين (وأما) فى سائر الصلوات فقد قال ابن عمرو: ما مِن المفصَّل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ بها فى الصلاة المكتوبة أخرجه أبو داود (¬2) (وكان) م هديه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة. وربما قرأها فى الركعتين. وربما قرأ أول السورة (وأما) قراءة أواخر السور وأوساطها. فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم (وأما) قراءة السورتين فى ركعة فكان يفعله فى النافلة (وأما) فى الفرض فلم يحفظ عنه (¬3) (وأما) قراءة سورة واحدة فى ركعتين معا فقلما كان يفعله والله المستعان (¬4). (هـ) قراءة المأموم: اختلف العلماء فى هذا فقال مالك وأحمد: لا يجب على المأموم قراءة خلف الإمام، ويستحب له القراءة فى السرية دون الجهرية، لقوله تعالى " وإذا قُرِئَ القرْآنُ فاستَمِعوا لهُ وأنْصتُوا " (¬5) والإنصات السكوت لاستماع الحديث. وجمع بينه وبين الاستماع للتأكيد والاهتمام بسماع القرآن (قال) ابن عبد البر: لا خلاف فى أنه نزل فى هذا ¬

(¬1) ص 54 ج 1 - زاد المعاد. (¬2) ص 238 ج 5 - المنهل العذب (التخفيف فيها). (¬3) لكن تقدم فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " أنه صلى الله عليه وسلم أقر من فعله، وأن ابن عمر كان يقرأ فى المكتوبة بالسورتين والثلاث فى ركعة، وابن عمر لا يفعل هذا إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم. (¬4) نقل ملخصا من ص 54 ج 1 - زاد المعاد. (¬5) سورة الأعراف آية: 204.

المعنى دون غيره. ومعلوم أنه فى صلاة الجهر، لأن السر لا يسمع. فدل على أنه أراد الجهر خاصة. وأجمعوا على أنه لم يُرِد كلَّ موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة. ويؤيده قول مجاهد: قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فنزلت " وإذا قرئ القرآن الخ. أخرجه البيهقى (¬1) (وعن) أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قُمتم إلى الصلاة فلْيؤمكنم أحدُكم. وإذا قرا الإمام فأنِصتوا. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) (وقال الحنفيون) والثورى وابن وهب المالكى: لا يقرأ المؤتم خلف الإمام لا فى سرية ولا فى جهرية، لقوله تعالى " وإذا قرئَ القرْآن فاستمِعوا لَهُ وأنصتُوا " أى استمعوا فى الجهرية، وأنصتوا فى السرية، لأن التأسيس خير من التأكيد (قال) الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية فى الصلاة (وروى) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة: أخرجه محمد بن الحسن وابن عدى والحاكم بسد صحيح على شرط مسلم (¬3) {399} (وقال) ابن عمر: إذا صلى أحدُكم خلفَ الإمام فحسبْه قراءة الإمام، وإذا صلىّ وحدَه فلْيقرا قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام. ¬

(¬1) ص 155 ج 2 - بيهقى (يترك المأموم القراءة فيما جهر فيه الإمام). (¬2) ص 197 ج 3 - الفتح الربانى (قراءة المأموم وإنصاته). (¬3) ص 7 ج 2 - نصب الراية (ورواه) عبد بن حميد بالسند إلى أبى الزبير عن جابر. وأحمد بن ميع فى مسنده عن سفيان. وشريك بالسند إلى جابر. فهؤلاء أبو الزبير وسفيان وشريك قد رفعوه بالطرق الصحيحة. فبطل عدّهم فيمن لم يرفعه وتمامه فى فتح القدير على الهداية. انظر ص 239 ج 1.

أخرجه مالك والطحاوى (¬1) (وعن) عبُيد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله ابن عمرو وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم فقالوا: لا تقرءوا خلف الإمام فى شئ من الصلاة. أخرجه الطحاوى (¬2). (وقال) أبو وائل: قال رجل لابن مسعود أقرأ خلف الإمام؟ قال أنصت للقراءة فإن فى الصلاة شَغْلا، وسيكفيك ذلك الإمام. أخرجه الطحاوى والبطرانى فى الكبير والأوسط بسند رجاله موثقون (¬3). (وقال) ابن مسعود رضى لله عنه: ليتً الذى يقرأ خلف الإمام مُلئ فُوه ترابا (وقال) أبو حمزة قلت لابن عباس: أقرأ والإمام بين يدى؟ قال لا. أخرجهما الطحاوى (¬4) (وقالت) الشافعية: يجب على المؤتم قراءة الفاتحة فى السرية والجهرية وإن سمع قراءة الإمام (لقول) عُبادة بن الصامت: " صلى بنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداةِ فثقُلتْ عليه القراءة فلما انصرف قال: إن لأراكم تقرءون وراءَ إمامكم؟ قلنا نعم والله يا رسول الله. قال فلا تفعلوا إلا بأمّ القرآن، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرا بها " أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والدار قطنى وقال: هذا إسناد حسن ورجاله ثقات (¬5) {400} ¬

(¬1) ص 161 ج 1 - زرقانى (ترك القراءة خلف الإمام .. ). وص 129 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬2) ص 129 منه. (¬3) ص 110 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى الصلاة). (¬4) ص 129 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬5) ص 194 ج 3 - الفتح الربانى. وص 251 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة فى صلاته) وص 120 الدار قطنى (فقلت) أى شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة. ويحتمل أن يراد أنها التبست عليه القراءة. ففى رواية لأبى داود: فالتسبت عليه القراءة.

(وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقرَأنّ أحدٌ منكم شيئاً من القرآن إذا جهرتُ بالقراءة إلا بأمّ القرآن " أخرجه الدار قطنى. وقال هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم (¬1) {401} (وأخرجه) أيضاً أحمد والبخارى فى جزء القراءة وصححه وابن حبان والحاكم والبيهقى والدار قطنى من عدة طرق (وعن) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال: أتقرءون فى صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ؟ فسكتوا قالها ثلاث مرات، فقال قائل، أو قال قائلون إنا لنفعلُ، قال فلا تفعلوا، ليقرأُ أحدكم بفاتحة الكتاب فى نفسه. أخرجه أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ورجاله ثقات (¬2) {402} وفى هذا أحاديث أخر: (وأجاب) الأولون: بأن النهى فى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تفعلوا " محمول على الصلاة الجهرية (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معى أحد منكم آنفا؟ فقال رجل نعم يا رسول الله قال: إنى أقول مالى أُنَازَع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جهر فيه النبى صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك. أخرجه مالك والشافعى وأحمد والأربعة وحسنة الترمذى (¬3) {403} ¬

(¬1) ص 121 - الدار قطنى. (¬2) ص 110 ج 2 مجمع الزوائد (القراءة فى الصلاة). (¬3) ص 161 ج 1 - زرقانى (ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه) وص 139 ج 1 - بدائع المنن. وص 197 ج 3 - افتح الربانى. وص 258 ج 5 - المنهل العذب. وص 146 ج 1 - مجتبى. وص 254 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 144 ج 1 - ابن ماجه (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) و (أنازع) بضم الهمزة وفتح الزاى ـ مبنى للمفعول، = أى غالب فى قراءاتى. كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه " فانتهى الناس عن القراءة الخ " مدرج فى الخبر. والمراد أنهم تركوا الجهر بها.

وفى لفظ للدار قطنى: إذا أسررت بقراءتى فاقرءوا، وإذا جهرت بقراءتى فلا يقرأ معى أحد. (وأجاب) الحنفيون عن حديث عبادة ونحوه، بأنه معارض بحديث أبى سعدي الخدرى مرفوعا: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وابن عدىّ فى الكامل وغيرهما من عدة طرق (¬1) {404} وفيه منع المأموم من القراءة والمنع مقدم على الإطلاق عند التعارض. وبأنّ حديث " من كان له إمام الخ " أقوى سنداً فيقدم عليه. (وأجاب) الشافعية عن أدلة القائلين إنّ المؤتم لا يقرأ خلف الإمام فى الصلاة الجهرية، بأنها عمومات، وحديث عبادة خاص، وبناء العام على الخاص واجب كما تقرّر فى الأصول، وعليه فيحمل قوله " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " على غير الفاتحة، وهذا لا محيص عنه، ويؤيده الأحاديث المتقدّمة القاضية بوجوب قراءة فاتحة الكتاب فى كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم، أن البراءة عن عهدتها إنما تحصل بناقل ¬

(¬1) ص 111 ج 2 - مجمع الزوائد. ص 11 ج 2 - نصب الراية (قال) ابن الهمام: " ولا يقال " ليس فى حديث " من كان له إمام الخ " منع، إنما فيه الاكتفاء بقراءة الإمام " لأنا نقول " هذا بالنظر إليه بمجرده " أما " بالنظر إليه من آثار الصحابة المبينة له، فهو مانع لما فيها من الوعيد كقول عمر: ليت فى فمه حجرا كما تقدم. ورجح الطحاوى العلم بحديث " من كان له إمام الخ " لما اتفقوا عليه من أن من أتى الإمام وهو راكع يكمر ويركع معه وتجزئه تلك الركعة وإن لم يقرا فيه شيئاً. فلو كانت القراءة فرضا فيهما لما أجزأته كما لو تجزئ من ركع مع الإمام من غير أن يقف لتكبيرة الإحرام باتفاقهم أهـ.

صحيح لا بمثل هذه العمومات التى اقترنت بما يجب تقديمه عليها. (وأجابوا) عن قوله فى حديث أبى هريرة فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه (¬1) " بأنهم " تركوا قراءة غير الفاتحة جميعاً بين الأحاديث. (وروى) صدُقه بن يَسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اَعتمرتْ فى سنة ثلاثَ مرات، قلا صدقه: قُلْت: هل عابَ ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله أُمّ المؤمنين. أَخرجه الشافعى والبيهقى. (وقال) مالك: يُكْرَه تكرير العمرة فى السنة، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم (قال) المالك: يكره تكرير العمرة فى السنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكرها فى عام (ورد) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله: فثبت الاستحباب من غير تقييد، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه. 4 - مواقيت العمرة: هى: (أ) لمن كان خارج المواقيت، مواقيت الحج، المتقدمة، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام، لقول زهير ابن معاوية، حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسالته: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة. أخرجه البخارى. (ب) أَمَّا مَنْ كان داخل المواقيت، فميقاتُه فى العمرة الحل ولو كان بالحرم، لحديث الأَسْوَد أَن عائشةَ رضى الله عنها: قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنُسُكَيْن وأَصْدُرُ بنًسكُ؟ فقِيل (واختلفت) الشافعية فى قراءة الفاتحة أتكون عند سكتات الإمام أم عند قراءته؟ (قال) الشوكانى: وظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام. وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط، لأنه يجوز عند أهل القول الأول، فيكون فاعل ذلك آخذاً بالإجماع (وأما) اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط، أو حال قراءته للسورة فقط " فليس " عليه دليل، بل الكل جائز وسنة، نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب " من جهة " عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذى هو بعد التوجه، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها فى محلها أوّلا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة " ومن جهة " الاكتفاء بالتأمين مرّة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام ن قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق فى التمام، بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة (¬2). (فائدة) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أنّ المأموم يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام وإن لم يقرا شيئا، إلا أنهم اختلفوا فيما يتحقق به إدراك المأموم الركوع (فقال) الحنفيون والمالكية والحنبلية: يدرك الركوع بوضع يديه على ركبتيه قبل رفعه الإمام رأسه من الركوع ولو لم يطمئن ¬

(¬1) تقدم رقم 403 ص 286. (¬2) ص 237 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه).

إلا بعد رفعه (وقالت) الشافعية: لا يدركه إلا إذا اطمأنّ مع الإمام قبل رفعه. (واستدلوا) على إدراك الركعة بإدراك الركوع (بحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يُقيَم الإمامُ صُلبه " أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة (¬1) {405} (وبحديثه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جئتم على الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاةَ " أخرجه أبو داود والدار قطنى وابن خزيمة والحاكم (¬2) {406} (وبقول) زيد بن وهب: دخلتُ أنا وابن مسعود المسجد والإمامُ راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمامُ قمتُ أقضى فقال قد أدركته. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات (¬3) (وعن) على وابن مسعود قالا: من لم يُدْرك الركعةَ فلا يعتدّ بالسجدة. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (¬4) (وقال) جماعة من الظاهرية: إن من أدرك الإمام راكعاً ولم يدرك معه القراءة لم تحسب له الركعة وهو مروى عن أبى هريرة. قاله ابن سيد الناس فى شرح الترمذى. واحتجوا لذلك بما روى أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مَن أدرك الإمام ¬

(¬1) ص 132 - الدار قطنى (فقد أدركها) مقدم من تأخير. والأصل من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقين الإمام صلبه فقد أدرك الصلاة. كما رواه ابن حبان وصححه. (¬2) ص 338 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يسمع) وص 132 - الدار قطنى. (¬3) ص 77 ج 2 - مجمع الزوائد (من أدرك الركوع). (¬4) ص 76 منه. وهذان الأثران لهما حكم الفرع، إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأى، ولا مجال للاجتهاد فيه. وقولهما " من لم يدرك الركعة " أى الركوع " فلا يعتد بالسجدة " مفهومه أن من أدرك الركعة " أى الركوع " يعتد به فتحسب له الركعة.

فى الركوع فليركع معه ولْيُعِد الركعة " أخرجه ابن خزيمة (¬1) {407} ورواه البخارى فى القراءة خلف الإمام من حديث أبى هريرة قال: إن أدركَت القومَ رُكوعا لم تعتدّ بتلك الركعة (¬2) (قال) الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبى هريرة موقوفا. وأما المرفوع فلا أصل له أهـ. وحكى البخارى هذا المذهب فى القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وحكاه فى الفتح عن جماعة من الشافعية. وقوّاة الشيخ تنقى الدين السبكى وغيره من محدِّثى الشافعية (¬3). واستدلوا أيضاً بحديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أُقيمت الصلاةُ فلا تأتوها تسْعَون وأْتُوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه الشيخان وأبو داود (¬4) {408} قالوا: فيه الأمر بإتمام ما فاته وقد فاته الوقوف والقراءة (ويجاب) بأن قوله: وما فاتكم فأتموا عام مخصوص بغير القراءة والقيام للمسبوق الذى أدرك الإمام راكعاً فلا يقضيها للأحاديث المتقدّمة. (خاتمة) من توابع بحث القراءة فتح المأموم على الإمام إذا التبست عليه القراءة وهو مشروع (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فالْتبس عليه فيها فلما فرغ قال لأبىّ أصليت معنا؟ قال نعم. قال فما منعك أن تفتَحَ علىّ؟ أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬5) {409} ¬

(¬1) ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته). (¬2) ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته). (¬3) ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته). (¬4) ص 266 ج 2 - فتح البارى (المشى إلى الجمعة .. ) وص 98 ج 5 - نووى (إتيان الصلاة بوقار .. ) وص 271 ج 4 - المنهل العذب (السعى إلى الصلاة) (¬5) ص 3 ج 6 - المنهل العذب (الفتح على الإمام) وص 69 ج 2 - مجمع الزوائد (تلقين الإمام).

(ولقول) أنس: " كنا نفتح على الأئمة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه الحاكم وصححه (¬1) {410} (وهو) واجب فى الفاتحة مستحب فى غيرها عند مالك والشافعى وأحمد وإسحاق (ومشهور) مذهب الحنفيين استحباب الفتح على الإمام فى الفاتحة وغيرها ناوياً الفتح لا التلاوة. وقيل إن قرأ الإمام القدر المجزئ فى الصلاة (¬2) لا يفتح عليه وإلا فتح (قال) الشوكانى: وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤدّ الواجب من القراءة، وبآخر ركعة " مما لا دليل عليه " وكذا تقييده بأن يكون فى القراءة الجهرية (والأدلة) قد دلت على مشروعية الفتح مطلقاً فعند نسيان الإمام الآية فى القراءة الجهرية، يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية. وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون الفتح عليه بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء أهـ (¬3). أما الفتح على غير الإمام مصلياً أم غيره فهو مبطل عند الحنفيين إلا إذا قصد به التلاوة. وكذا عند المالكية مطلقاً إلا إذا فتح المأموم على إمام آخر. ففيه خلاف 0 والأصح البطلان (وقالت) الحنبلية: الفتح على غير الإمام مكروه والصلاة صحيحة (وقالت) الشافعية: هو جائز بلا كراهة، ¬

(¬1) ص 276 ج 1 مستدرك. (¬2) القدر المجزئ فيها عند النعمان آية ولو قصيرة مركبة من كلمتين كآية " ثم نظر " وعند الصاحبين ثلاث آيات قصار أو آية طويله تعدلها " وأما حديث " أبى إسحاق عن الحارث الأعور عن على مرفوعا: يا على لا تفتح على الإمام فى الصلاة " فقد " أخرجه عبد الرازق وابو داود وقال: أبو إسحاق لم يسمع من الحارق إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. انظر ص 4 ج 6 - المنهل العذب (الفتح على الإمام) (وقال المنذرى) الحارث الأعور قال غير واحد: إنه كذاب " فهو " لا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة القاضية بمشروعية الفتح على الإمام. (¬3) ص 373 ج 2 - نيل الأوطار (الفتح على الإمام .. )

(الثالث عشر) سنن الصلاة الخارجة عنها

إلا أنه يقطع الموالاة فى قراءة الفاتحة إن فتح وهو يقرؤها فيستأنفها بخلاف الفتح على إمامه. (الثالث عشر) سنن الصلاة الخارجة عنها هى كثيرة المذكور منها هنا خمس عشرة: (1 و 2) الأذان والإقامة وقد تقدّم بيانهما. (3) الرواتب: جمع راتبة، وهى ما شرعت تابعة للفرائض، لتكفير السيئات ورفع الدرجات وترغيم الشيطان وقطع طماعيته فى منع الإنسان من تأدية الفرائض على الوجه الأكمل، وتكميل ما عساه يقع من نقص فى الفرائض بنقص شئ من آدابها كخشوع وتدبر فى قراءة وغيرها (لحديث) تميم الدارىِّ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أوّلُ ما يحُاسَبُ به العبد يومَ القيامة صلاتُه، فإن أكملها كُتبتْ له تامةً. وغن لم يكن أكملها قال الله لملائكته: انظُروا هل تجدون لعبدى من تطوّع فأكملوا بها ما ضيّع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك " أخرجه أحمد وابن ماجه وهذا لفظه وأشار إليه أبو داود (¬1) {411} (ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ أولَ ¬

(¬1) ص 225 ج 1 - ابن ماجه (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) وص 312 ج 5 المنهل العذب (قول النبى صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتمم من تطوعه).

ما يُحاسَبُ الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة يقول ربُّنا لملائكته - وهو أعلم -: انظروا فى صلاة عبدى أتمّها أو نفصّها؟ فإن كانت تامة كتِبتْ له تامّة. وإن كان انتقص منها شيئا قال: انظروا هل لعبدى من تطوّع؟ فإن كان له تطوّع قال: أتمّوا لعبدى فريضته من تطوّعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلك " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) {412} (قال) ابن دقيق العيد: فى تقديم النوافل على الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيف مناسب " أما فى تقديم " فلأن النفوس لاشتغالها بأسباب الدنيا بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور التى هى روح العبادة، فإذا قدّمت النوافل على الفرائض أنِسَت النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع " وأما تأخيرها " عنها، فقد ورد أن النوافل جابرة لنقص الفرائص فإذا وقع فى الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الذى يقع فيه أهـ. لكنه يكره نية الجبر به لعدم العلم بل يفوّض وإن كان حكمه الجبر فى الواقع (¬2). ¬

(¬1) ص 309 ج 5 المنهل العذب (كل صلاة لا يتمها صاحبها تنم من تطوعه) وص 224 ج 1 - ابن ماجه و (أتمها أم نقصها) أى أتم سننها وآدابها كالخشوع وألذكار والأدعية أم ترك شيئا منها؟ أما من أفسدها بترك شرط أو ركن فقد خاب وخسر ففى رواية الترمذى إن أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد افلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضة شيئا قال الرب: انظروا الخ (ص 318 ج 1 - تحفة الأحوذى) ويحتمل أن يراد بالانتقاص ما ترك من الفرائض فلم يصله فيعوّض عنه من التطوّع تفضلا من الله (قال) ابن العربى: الأظهر عندى أنه يكمل ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بنفل التطوّع، لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم الزكاة كذلك، وسائر الأعمال، وليس فى الزكاة إلا فرض ونفل، فكما يكمل فرض الزكاة بنفلها كذلك الصلاة. وفضل الله أوسع وكرمه أعم وأن لم يكن له تطوّع بقيت ناقصة فلا يجازى عليها جزأه صلاة كاملة (¬2) ص 123 ج 1 - بلغة السالك لأقرب المسالك (النوافل).

هذا. والرواتب قسمان مؤكدة وغير مؤكدة (أ) فالمؤكدة - عند الحنفيين وبعض الشافعية - اثنتا عشرة ركعة وهى المذكورة فى حديث أم حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مّن صلى فى يوم وليلة ثِنْتَى عشْره ركعة بُنى له بيت فى الجنة: أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر صلاةِ الغداةِ " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح. وأخرجه النسائى ولكنْ فيه ذِكْر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء (¬1) {413} وفيه ردّ على الحسن البصرى فى قوله بوجوب الركعتين بعد المغرب وركعتى الفجر (وقالت) الشافعية والحنبلية: المؤكد منها عشْرُ ركعات (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما كانت صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التى لا يدَع ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح " أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {414} (وقالت) المالكية: السنة المؤكدة ما كثر ثوابها وأكد طلبها بلا وجوب كالوتر. وركعتا الفجر رغيبةَ اى رغب فيهما الشارع كما سيأتى. والمندوب المؤكد ركعتان قبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب والعشاء. وللإنسان التطوّع بما شاء، والأكمل التطوّع بما دلت عليه أحاديث الباب. ويؤيد ما ذهب إليه الحنفيون (قول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله ¬

(¬1) ص 319 ج 1 - تحفة الأحوذى (من صلى فى يوم وليلة 12 ركعة من السنة ماله من الفضل). وص 256 ج 1 - مجتبى. (بنى له بيت فى الجنة) أى جعل الله لمن أدى هذه الركعات بيتا فى الجنة، ومحله إذا كان أتم الفرائض، وإلا كملت من تطوعه كما تقدم. (¬2) ص 197 ج 4 - الفتح الربانى (جامع تطوع النبى صلى الله عليه وسلم .. )

عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الفجر لعى حال " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (¬1) {415} وهناك البيان على ترتيب الحديث: - (1) يتأكد صلاة أربع قبل الظهر بتشهدين وسلام، وركعتين بعده (لقول) أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى قبل صلاة الظهر أربعا إذا زالت الشمس، فسألته عن ذلك. فقال: إن أبوابَ السماءِ تَفتّح فى هذه الساعة فأجِبّ أن يَصْعَدَ لى فيها خيرٌ. قلت أفى كلِّهن قراءة؟ قال نعم. قلت أَتَفْصِلُ بينهنَ بسلام؟ قال لا " أخرجه أحمد والطحاوى ومحمد بن الحسن وهذا لفظه (¬2) {416} (وقال) عبد الله بن شقيق: " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطّوِع، فقالت: كان يصلى قبل الظهر أربعا فى بيتى، ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين " (الحديث) وفيه " وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬3) {417} (2) ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة المغرب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركهما سفرا ولا حضرا (ولحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله ¬

(¬1) ص 202 ج 4 - الفتح الربانى. وص 39 ج 3 - فتح البارى (باب الركعتين قبل الظهر). وص 253 ج 1 - مجتبى (المحافظة على الركعتين قبل الفجر). (¬2) ص 201 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬3) ص 198 ج 4 - الفتح الربانى. وص 8 ج 6 - نووى (فضل السنن الراتبة). وص 134 ج 7 - المنهل العذب (أبواب التطوع)

عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد المغرب فى بيته. أخرجه أحمد والترمذى وصححه (¬1) {418} ويسنّ أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد (لقول) ابن مسعود ما أُحصى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين بعد المغرب وفى الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد. أخرجه ابن ماجه والترمذى وفيه عبد الملك ابن معدان ضعيف ولكن للحديث شواهد تعضده (¬2) {419} (3) ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة العشاء (لقول) عائشة: وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخلُ بيتى فصلى ركعتين (¬3) ... (4) ويتأكد صلاة ركعتين قبل صلاة الصبح والمحافظة عليهما (لقول) عائشة لم يكن البنى صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشدّ معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬4) {420} (ولحديث) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ". أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وصححه (¬5) {421} ولظاهر هذه الأحاديث قال الحسن البصرى بوجوبهما. وروى عن النعمان والراجح أنهما سنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ذكرهما مع سائر ¬

(¬1) ص 213 ج 4 - الفتح الربانى. وص 329 ج 1 - تحفة الأحوذى (فى الركعتين بعد المغرب). (¬2) ص 329 منه. وص 184 ج 1 - ابن ماجه (ما يقرأ فى الركعتين بعد المغرب). (¬3) هذا بعض الحديث رقم 417 ص 295. (¬4) ص 222 ج 4 - الفتح الربانى. وص 30 ج 3 - فتح البارى (تعاد ركعتى الفجر). وص 4 ج 6 نووى (استحباب سنة الفجر). وص 137 ج 7 - المنهل العذب. (¬5) ص 5 ج 6 - نووى. وص 253 ج 1 مجتبى (المحافظة على الركعتين قبل الفجر). وص 320 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما فى ركمعتى الفجر من الفضل).

السنن فى عدة أحاديث ما تقدم (ويستحب) عند الجمهور تأديتهما فى أول الوقت مع التخفيف (لقول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما " أخرجه أحمد والشيخان وهذا لفظ مسلم (¬1) {422} والحكمة فى تخفيفهما المبادرة إلى صلاة الصبح فى أول الوقت، واستفتاح صلاة النهار بركعتين خفيفتين ليدخل فى الفرض بنشاط واستعداد تام كما يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين (ويستحب) الإسرار فى سنة الصبح وأن يقرأ فى الأولى بعد الفاتحة قل يأَيها الكافرون، وفى الثانية قل هو الله أحد، أو يقرأ فى الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (¬2)} وفى الركعة الثانية (إما قوله) {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (¬3)} أو قوله {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا ¬

(¬1) ص 224 ج 4 - الفتح الربانى. وص 30 ج 3 - فتح البارى (ما يقرأ فى ركعتى الفجر). وص 3 ج 6 - نووى. وخص بعضهم استحباب التخفيف بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذى اعتاد قراءته ليلا. فمن تأخر فى شئ منه قرأة فى سنة الصبح. قال الحسن البصرى: لا بأس أن يطيل ركعتى الفجر يقرأ فيهما من حزبه. رواه ابن أبى شيبة (وقال) النعمان: ربما قرأت فى ركعتى الفجر حزبى من الليل. (¬2) سورة البقرة: آية 136 (والأسباط) أولاد يعقوب وهم اثنا عشر. ولكل واحد منهم جملة أولاد. والبسط فى بنى إسرائيل كالقبيلة فى العرب. وسموا أسباطا من السبط بفتح فسكون وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون. (¬3) سورة آل عمران آية: 52 (والحواريون) جمع حوارى وهو صفوة الرجل وخاصته.

وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (¬1) } (قال) ابن عمر: " رمَقْتُ النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قبل الفجر قل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحدٌ " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وحسنه (¬2). {423} ¬

(¬1) سورة آل عمران: آية 64 (والسواء) العدل، وقرأ ابن مسعود " إلى كلمة عدل " فالمعنى أقبلوا إلى ما دعيتم إليه وهى الكلمة العادلة التى لا ميل فيها عن الحق وهى: أن لا نعبد إلا الله الخ .. (¬2) ص 225 ج 4 - الفتح الربانى. وص 181 ج 1 - ابن ماجه (ما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر) وص 320 ج 1 - تحفة الأحوذى (تخفيف ركعتى الفجر ... ) وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفرج هاتين السورتين لما فيهما من الفضل العظيم. فإن سورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب " من الأحدية " المنافية لمطلق المشاكرة بأى وجه من الوجوه " والصمدية " المثبتة له جميع صفات الكمال ومنها استغناؤه عن كل ما سواه، وافتقار كل ما عداه إليه. فهو لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه " ونفى الولد والوالد " الذى هو من لوازم أحديته وصمديته وغناه " ونفى الكف " المتضمن لنفى الشبيه والمثيل والنظير. فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ونفى كل نقص عنه، ونفى مماثلة شئ له فى أى زمان كان كما تقدّم بيانه باتم من هذا فى بحث الوحدانية. وهذه الأصول هى مجامع التوحيد العلمى الاعتقادى الذى بياين صاحبه جميع فرق الضلال ولذلك كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن وذلك لأنّ المقصود من القرآن بيان التوحيد والصفات، والأوامر والنواهى والقصص والمواعظ. وهذه السورة قد تضمنت بيان التوحيد والصفات وسميت السورة قل يأيها الكافرون من الشرك اعملى الإرادى القصدى (ولما كان) العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله. كانت سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن. وقل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن .. ووجهه أن القرآن مشتمل على بيان التوحيد والنبوات وأحكام المعاش والمعاد وهى مستقلة ببيان التوحيد ولكونهما سورتى الإخلاص والتوحيد كان النبى صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما عمل النهار ويختمه بهما فيقرؤهما فى الركعتين بعد المغرب وفى ركعتى الطواف فى الحج الذى هو شعار التوحيد.

(وقال) ابن عباس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ فى ركعتى الفجر فى الأولى منهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية التى فى البقرة وفى الآخرة منهما {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أخرجه مسلم والنسائى وأبو داود (¬1) {424} (وقال) كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} والتى فى آل عمران {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أخرجه مسلم والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقى (¬2) {425} (وقال) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتيه قبل الفجر بفاتحة القرآن والآيتين من خاتمة البقرة فى الركعة الأولى وفى الركعة الآخرة بفاتحة القرآن وبالآية من سورة آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} حتى يختم الآية. أخرجه أحمد. وفى سنده من لم يسم (¬3) {426} وبهذا قال الجمهور. ورواه ابن القاسم عن مالك ومشهور مذهبه أنه ¬

(¬1) ص 5 ج 6 - نووى (استحباب ركعتى الفجر). وص 142 ج 7 - المنهل العذب (تخفيفهما) (وآمنا بالله) يعنى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله الآية. (¬2) ص 6 ج 6 - نووى. وص 307 ج 1 - مستدرك. وقوله. ولمن يخرجاه مردود فقد خرجه مسلم. وص و (تعالوا) يشير إلى قوله تعالى " ق يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية. (¬3) ص 213 ج 3 - الفتح الربانى. ويشهد له أحاديث الباب " وأما ما قيل " من قرأن فى الفجر بألم نشرح والم تر كيف لم يرمد " فقد قال " السخاوى فى المقاصد: لا أصل له سواء أريد بالفجر سنته أو الفرض لمخالفته سنة القراءة فيهما أهـ. ونقل عن الغزالى أن من قرأ فى ركعتى الفجر بهما قصرت عنه يد كل ظالم. قال الشيخ العجلونى: ولم أره فى الإحساء (انظر رقم 2566 ص 270 ج 2 - كشف الخفاء).

يستحب الاقتصار فى ركعتى الفجر على الفاتحة، لظاهر (قول) عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الركعتين قبل الغداة فيُحففَّهما حتى إنى لأشك أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا؟ أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود (¬1) {427} (وأجاب) الجمهور بأن المراد من الحديث المبالغة فى تخفيف القراءة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة النوافل ليلا ونهارا، فلا يصلح دليلا، ولا يقوى على رد الأحاديث الصحيحة الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فى سنة الصبح بغير أم القرآن، كما تقدم. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل (وقال) بعض الظاهرية يقتصر فيها على قل يأيها الكافرون فى الركعة الأولى. وقل هو الله أحد فى الركعة الثانية، أو على آيتين من الآيات السابقة (وردّ) بحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (¬2). (وقال) أبو بكر بن الأصم وبان عُلية وبعض الظاهرية: لا قراءة فيها، لقول عائشة فى حديثها السابق حتى إنى لأشك أقرأ فيها بفاتحة الكتاب أم لا؟ (وهو) مردود بالأحاديث السابقة بل بحديث عائشة نفسه فإن الغرض منه المبالغة فى التخفيف (قال) القرطبى: ليس معنى الحديث أنها شكت فى قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة فى النوافل، ¬

(¬1) ص 325 ج 1 - زرقانى (ما جاء فى ركعتى الفجر). وص 224 ج 4 - الفتح الربانى. وص 31 ج 3 - فتح البارى (ما يقرأ فى ركعتى الفجر). وص 4 ج 6 - نووى. وص 138 ج 7 - المنهل العذب (تخفيفهما). (¬2) تقدم رقم 192. ص 142 (القراءة).

فلما خفف قراءة ركعتى الفجر صار كأنه لم يقرأ فيهما بالنسبة لغيرهما من الصلوات (¬1). (فائدة) يستحب - عند بعض العلماء - لمن صلى ركعتى الفجر فى البيت الاضطجاع بعدهما على شقه الأيمن. وعليه يحمل (قول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتى الفجر اضطجع على شِقّه الأيمن " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى والترمذى (¬2) {428} (وحكمة) هاذ الاضطجاع أنه يكون عونا للمصلى على تأدية صلاة الصبح بنشاط (وحكمة) كونه على الشق الأيمن أن القلب فى جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق فى النوم لاستراحته بذلك أما لو اضطجع على اليمين كان القلب معلقا فيكون أبعد من النوم (وقال) الشافعى وأحمد: يسنّ الاضطجاع بعد ركعتى الفجر مطلقا، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه (¬3) {429} (وقال) ابن حزم الاضطجاع واجب بعد ركعتى الفجر فمن صلاهما ولم يضطجع لا تجزئه صلاة الصبح، حاملا الأمر فى حديث أبى هريرة على الوجوب وحمله الجمهور على الاستحباب (لقول) عائشة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتى الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة ¬

(¬1) ص 235 ج 1 - زرقانى. (¬2) ص 228 ج 4 - الفتح الربانى. وص 29 ج 3 - فتح البارى (الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتى الفجر). وص 253 ج 1 - مجتبى. وص 322 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) ص 228 ج 4 - الفتح الربانى. وص 145 ج 7 - المنهل العذب (الاضطجاع بعدهما). وص 322 ج 1 - تحفة الأحوذى.

حدّثنى " أخرجه البخارى وأبو داود وهذا لفظه (¬1) {430} (فهو ظاهر) أنه ما كان يضطجع حال استيقاظها فكان ذلك قرينة صرف الأمر عن الوجوب (وقال) ابن مسعود والنخعى ومجاهد والحنفيون ومالك والجمهور: الاضطجاع بعدهما بدعة (قال) ابن مسعود: ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار. إذا سلّم فقد فَضَل. أخرجه ابن أبى شيبة (¬2). (وقال) أبو الصديق الناجى: رأى ابن عُمر قوماً اضطجَعوا بعد الركعتين قبل صلاة الفجر. فقال: ارجع إليهم فسلْهم ما حملهم على ما صنعوا؟ فأتيتُهم وسألتُهم فقالوا: نريد بذلك السُّنة. فقال ابن عمر ارجع فأخبرهم أنها بدعة. أخرجه البيهقى (¬3). وقالوا إنما اضطجع صلى الله لعيه وسلم للراحة من تعب القيام (وردّ) بأنه لا ينافى كونه للتشريع ولا سيما وقد ورد الأمر به. (وفرّق) ابن العربى بين من يقوم الليل فيستحب له الاضطجاع للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له (لقول) عائشة: لم يضطجع النبى صلى الله عليه وسلم لسُنة ولكن كان يدْأب ليله فيستريح. أخرجه الطبرانى وعبد الرزاق. لكن فى سنده من لم يسم فلا قتوم به حجة. قاله الحافظ (¬4). (والظاهر) القول الأول ويقوّيه أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 29 ج 3 - فتح البارى (من تحدث بعد الركعتين) وص 147 ج 7 - المنهل العذب (الاضطجاع بعدها). (¬2) ص 26 ج 3 - نيل الأوطار (تأكيد ركعتى الفجر .. ) (فقد فصل) أى بين السنة والفرض. (¬3) ص 149 ج 7 - المنهل العذب. (¬4) ص 29 ج 3 - فتح البارى (الضجعة على الشق الأيمن).

أنه فعله فى المسجد، ولذا نهى ابن عمر عن فعله فى المسجد وقال إنه بدعة، وأمر بحصْب من فعله فى المسجد، فإنه يبعد أن يقع من النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد ولا يعلم به مثل ابن عمر وابن مسعود. هذا. ويستحب أن يقال بعد ركعتى الفجر ما فى قول عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلا ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يقول: اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وربَّ إسرافيل ورب محمد أعوذ بك من النار ثم يخرج إلى الصلاة " أخرجه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيع وهو ضعيف (¬1) {431} (ويزاد) فى يوم الجمعة ما فى حديث أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحىّ القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر " أخرجه ابن السنى (¬2) {432} هذا. واعلم أنّ آكد الرواتب المؤكدة راتبة الصبح ثم راتبة الظهر القبلية ثم البعدية. والتى بعد المغرب والعشاء سواء. (ب) الرواتب غير المؤكدة: هى سته أنواع: (1) يندب صلاة ركعتين بعد صلاة الظهر يضمان إلى المؤكدتين (لحديث) أمّ حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرّمه الله على النار. أخرجه أحمد والأربعة بسند صحيح من عدة طرق وصححه الترمذى (¬3) {433} ¬

(¬1) ص 104 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد ركعتى الفجر). (¬2) الزبد بفتحتين كالرغوة. (¬3) ص 200 ج 4 - الفتح الربانى. وص 160 = ج 7 - المنهل العذب. ولفظه: من حافظ عى أربع ركعات (الأربع قبل الظهر وبعدها). وص 257 ج 1 - مجتبى (قبل الجنائز) وص 183 ج 1 - ابن ماجه. وص 328 ج 1 - تحفة الأحوذى. و (حرمه على الناس) أى أنذ المواظبة على هذه الركعات تكون سببا فى عدم ارتكابه ما يوجب دخول النار، وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار.

(2) ويندب صلاة أربع أو ركعتين قبل صلاة العصر (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه، وابن حبان وصححه وفى سنده محمد بن مسلم بن مهران، وثقه ابن حبان وابن عدى (¬1) {434} (ولحديث) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل العصر ركعتين " أخرجه أ [وداود. وفى سنده عاصمُ بن ضَمْرة مختلف فيه (¬2) {435} ولورود الآثار بالركعتين والأربع خير بينهما. والأربع أفضل، لكثرة رواياتها ولثبوتها قولا وفعلا (وهى) مستحبة عند الجمهور لا مؤكدة، لأنه لم يثبت مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليها. والأفضل أن تكون بسلام واحد عند الحنفيين وإسحاق. وقال غيرهم الأفضل أن تكون بتسليمتين. (3) ويندب - عند الشافعى وأحمد ومحققى الحنفيين والمحدثين - صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب وروى عن مالك (لحديث) عبد الله بن مُغفّل أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال صلوا قبل المرغب ركعتين. ثم قال عند الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذَها الناسُ ¬

(¬1) ص 203 ج 4 - الفتح الربانى. وص 162 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل العصر). وص 329 ج 1 - تحفة الأحوذى (الأربع قبل العصر). (¬2) ص 163 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل العصر).

سنةُ " أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والبيهقى (¬1) {436} (وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن حبان (¬2) {437} (ولقول) أنس: " كان المؤذِّنُ إذا أن أذن قام ناي من أصحاب النبى صلى الله علهي وسلم يبندِرون السوارىَ حتى يخرجَ النبى صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يُصلون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بينهما شئ " أخرجه البخارى. وفى رواية لمسلم فيجئ الغريب فيحِسب أنّ الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما (¬3) {438} (وقال) جماعة من الحنفية والمالكية والشافعية: يكره التنفل قبل صلاة المغرب (لقول) طاوس: " سُئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحداً على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يصليِّهما " أخرجه أبو داود والبيهقى (¬4) (وردّ) بأنه لا يدل على الكراهة، إذا عدم رؤية ابن عمر أحداً يصلى قبل المرغب لا يقتضى الكراهة، ولأنه نفى ما لم يعلمه وأثبته غيره ممن ¬

(¬1) ص 217 ج 4 الفتح الربانى. وص 39 ج 3 - فتح البارى (الصلاة قبل المغرب) وص 181 ج 7 - المنهل العذب (وكراهية الخ) أى مخافة أن يتخذها الناس طريقة لازمة يواظبون عليها كالفرائض (قال) المحب الطبرى: لم يرد نفى استحبابها، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها. وقوله سنة، أى شريعة وطريقة لازمة. وكأن المراد بيان انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية فى الرواتب (انظر ص 39 ج 3 - فتح البارى). (¬2) ص 183 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب). (¬3) ص 73 ج 2 - فتح البارى (كم بين الأذان والإقامة) وص 123 ج 6 - نووى (استحباب ركعتين قبل المرغب) (ولم يكن بينهما شئ) وفى رواية لم يكن بينهما إلا قليل، أى لم يكن بين الأذان والإقامة شئ كثير. (¬4) ص 185 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب).

علمه، فوجب تقديم رواية المثبت لكثرتها ولما معه من علم ما لم يعلمه ابن عمر على أنه ثبت أن ابن عمر كان يصليهما (قال) عبد الله بن برُيدَة: لقد أدركتُ عبدَ الله بنَ عمرَ يصلى تَيْنِك الركعتين عند المغرب لا يدَعُهما على حال قال: فقمنا فصلينا الركعتين قبل الإقامة ثم انتظرنا حتى خرج الإمامُ فصلينا معه المكتوبة. أخرجه الدار قطنى (¬1) (قال) العلامة ابن نُجَيم: وما ذكر من استلزام تأخير المغرب، فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذا تُجوِّز فيهما. وفى صحيح البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل المرغب ركعتين. وهو أمر ندب، وهو الذى ينبغى اعتقاده فى هذه المسألة (¬2) (وقال) النووى: وأما قولهم إنّ فعلهما يؤدى إلى تأخير المرغب فهو خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها (¬3) (وقال) الحافظ فى الفتح: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما ف ركعتى الفجر (¬4) وبما تقدّم تعلم أن الركعتين قبل صلاة المغرب من المستحب الثابت بالقول والفعل والتقرير. (4) ويندب صلاة أربع ركعات بعد صلاة المغرب تضم إلى المؤكدتين (لقول) عّمار بن ياسِر: " رأيت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى بعد المغرب ستَّ ركعات وقال: من صلى المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مِثل زبدّ البحر " أخرجه الطبرانى فى الثلاثة وقال: تفرّد به صالح بن قَطَنٍ البخارى قال الهيثمى: ولم أجد من ترجمه (¬5) {439} ¬

(¬1) ص 186 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب). (¬2) ص 253 ج 1 - البحر الرائق (قبل الأذان). (¬3) ص 24 ج 6 - شرح مسلم (استحباب ركعتين قبل المغرب). (¬4) ص 74 ج 2 - فتح البارى (كم بين الأذان والإقامة). (¬5) ص 230 ج 2 - مجمع الزوائد (الصلاة قبل المغرب وبعدها).

(5) ويندب صلاة ركعتين قبل صلاة العشاء (لحديث) عبد الله بن مُغَفلٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال فى الثالثة لمن شاء " أخرجه الجماعة (¬1) {440} فهو يدل بعمومه على استحباب الصلاة قبل العشاء والمغرب (¬2) وغيرهما، لكنه مخصوص بغير الجمعة فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بين أذانها وإقامتها كما سيأتى فى بحث الجمعة إن شاء الله تعالى (وحكمه) مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة أنّ المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت ليتأهب الناس للصلاة بالطهارة ويحضروا لناديتها، ووصل الأذان بالإقامة يفوِّت هذا المقصود. (6) ويندب صلاة ركعتين أو أربع تضم للمؤكدتين بعد صلاة العشاء (لقول) شُرَيح بن هانئ: " سألتُ عائشة عن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 218 ج 4 - الفتح الربانى. وص 75 ج 2 - فتح البارى (بين كل أذانين صلاة). وص 124 ج 6 - نووى (استحباب ركعتين قبل المغرب) وص 185 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب) وص 183 ج 1 - ابن ماجه (فى الركعتين قبل المغرب) والرماد بالأذانين الأذان والإقامة باتفاق العلماء، كما قال الترمذى. والمراد " بصلاة " النافلة ونكرت لتشمل الركعتين وغيرهما. والتكرير للتأكيد (¬2) " ولا ينافيه " حديث بريدة مرفوعا: بين كل أذانين صلاة إلا المغرب. أخرجه البزار " لأنه ضعيف " ففيه حيان بن عبيد الله قيل إنه اختلط. انظر ص 231 ج 2 - مجمع الزوائد (جامع فيما يصلى قبل الصلاة وبعدها) (وقال) الحافظ: وأما رواية حيان فشاذة لأنه خالف الحفاظ م أصحاب عبد الله بن بريدة فى سند الحديث ومتنه. وعن القلاس أنه كذب حيانا (انظر ص 73 ج 2 - فتح البارى - كم بين الأذان والإقامة).

فقالت: ما صلى العشاء قطُّ فدخل علىّ إلا صلى أربعَ ركعاتٍ أو ستَّ ركعات " (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند رجاله ثقات (¬1) {441} أى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى تارة أربعاً وأخرى ستا. وفى بعض الأحيان كان يقتصر على الركعتين المؤكدتين كما تقدم فى بحث الرواتب المؤكدة. (فائدة) السنة المؤكدة محسوبة من المندوب فى الأربع بعد الظهر وبعد العشاء وفى الست بعدها وبعد المغرب. والأفضل عند النعمان أن يؤدى الكل بسلام واحد مع التشهد فى كل ركعتين، لما تقدم فى راتبه الظهر القبلية (¬2) (ولقول) يحيى بن مَعين: صلاة النهار أربعٌ لا يُفْضَل بينهن، فقيل له: فإن أحمد بن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأى حديث؟ فقيل له بحديث الأزْدِى فقال: ومن الأزدىّ؟ حتى أقبلَ منه وأدَع حديث يحيى بن سعد الأنصارى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعاً لا يفصِل بينهن. لو كان حديثُ الأزدى صحيحاً ما خالفه ابنُ عمر. أخرجه ابن عبد البر (¬3) (وقال) أبو يوسف ومحمد: الأفضل فى صلاة النهار أن تكون أربعاً لما تقدم، وفى صلاة الليل أن تكون مثنى (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل مثنى مثنى " أخرجه الجماعة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬4) {442} ¬

(¬1) ص 220 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة بعد العشاء). (¬2) تقدم رقم 416. ص 295. (¬3) ص 203 ج 7 - المنهل العذب (صلاة النهار). (¬4) ص 235، 267 ج 4 - الفتح الربانى. وص 325 ج 2 - فتح البارى (أبواب الوتر) وص 30 ج 6 - نووى (صلاة الليل والوتر) وص 255 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل مثنى مثنى). وص 331 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 246 ج 1 - مجتبى (كيف صلاة الليل)

(وقالت) المالكية: يكره التنفل بأربع بسلام، ويردّه ما تقدم (وحديث) أبى أيوب الأنصارى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ قبلَ الظهر ليس فيهن تسليم تُفتَح لهن أبواب السماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه وفيه عُتَيبة بن مُعْتِب الضبى ضعيف لكن الحديث روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا (¬1) {443} (وقال) الشافعى وأحمد: الأفضل أن يكون تطوّع النهار والليل مثنى (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " أخرجه أحمد والأربعة والحاكم والبيهقى وصححاه (¬2) {444} (وأجاب) من فرق بين تطوّع النهار والليل عنه، بأن زيادة النهار فيه وَهَمُ، وأنه اختلف فى رفعه ووقفه (قال) الترمذى: اختلف أصحاب شعبة فيه، فوقفه بعضهم ورفعه بعضهم، والصحيح ما رواه الثقات عن ابن عمر فلم يذكروا فيه صلاة النهار أهـ (وقال) النسائى: هذا الحديث عندى خطأ. هذا. ويتصل بالرواتب فصلان. (أ) مكان صلاة التطوع: يستحب تأدية النفل المطلق فى البيت اتفاقا. وكذا الرواتب عند الجمهور ولا فرق بن راتبه النهار والليل (لقول) عبد الله بن شقيق: " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوّع فقالت: كان يصلى قبل الظهر أربعاً فى بيتى، ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين وكان يصلى بالناس المغرب ¬

(¬1) ص 161 ج 7 - المنهل العذب (الأربع قبل الظهر وبعدها). وص 182 ج 1 ابن ماجه. (¬2) ص 266 ج 4 - بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى. وص 202 ج 7 - المنهل العذب (صلاة النهار) وص 246 ج 1 مجتبى (كيف صلاة الليل)

ثم يرجِعُ إلى بيته فيصلى ركعتين، وكان يصلى بهم العشاءَ ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين (¬1) (وعن) مالك والثورى: الأفضل فعل نوافل النهار فى المسجد وراتبة الليل ف البيت (وعن) أحمد تفصيل. قلا ابن قدامة: قال الأثرم: سئل أحمد عن ركعتين بعد الظهر أين يصليان قال فى المسجد، أما الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب ففى بيته، وذكر حديث ابن إسحاق: صلوا هاتين الركعتين فى بيوتكم. قيل لأحمد: فإن كان منزل الرجل بعيداً؟ قال لا أدرى وذلك لما روى كعب بن عُجْره أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بنى عبد الأشهل فصلى فيه المرغب فلما قَضَوْا صلاتَهم رىهم يُسبّحون بعدها. " فقال هذه صلاة البيوت " أخرجه أبو داود. وفى سنده إسحاق بن كعب وهو مجهول تفرّد به (¬2) {445} (وقال) ابن أبى ليلى: ل تصح راتبة المغرب البعدية إلا فى البيت أخذاً بظاهر الأمر ف هذه الأحاديث، واستحسنه أحمد (قال) محمود بن لَبيد: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد الأشهل فصلى بهم المرغب، فلما أسلم قال: اركعوا هاتين الركعتين فى بيوتكم " (الحديث) أخرجه أحمد (¬3) {446} (والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور حملا للأمر على الاستحباب. ويؤيده (حديث) زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة المرء ¬

(¬1) تقدم رقم 417. ص 295. (¬2) ص 217 ج 7 - المنهل العذب (باب ركعتى المغرب أين تصليان). وص 768 ج 1 معنى. (¬3) ص 214 ج 4 - الفتح الربانى (الحديث) وفيه (قال أبو عبد الرحمن) عبد الله بن أحمد (قلت لأبى إن رجلا) محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: من صلى ركعتين بعد المغرب فى المسجد لم تجره إلا أن يصليهما فى بيته، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هذه صلاة البيوت قال: ما أحسن ما قال.

فى بيته أفضل من صلاته فى مسجدى هذا إلا المكتوبة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى (¬1) {447} والمراد بالمكتوبة الواجبة بأصل الشرع وهى الصلوات الخمس دون المنذورة. والأحاديث ف هذا كثيرة وهى تدل على أن صلاة التطوّع ومنه راتبة المغرب فى البيوت أفضل من صلاته فى المسجد ولو كان فاضلا كالمسجد الحرام ومسجد المدينة. فلو صلى فيه نافلة كانت بألف صلاة. ولو صلاها فى بيته كانت أفضل من ألف صلاة. أما المكتوبة فصلاتها فى المسجد أفضل فى حق الرجال. أما النساء فالأفضل فى حقهن الصلاة - ولو فرضاً - فى البيوت وغن أبيح لهن حضور الجماعات (روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتُهن خير لهن " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة وصححه (¬2) {448} وسيأتى تمامه فى بحث " حضور النساء المساجد " إن شاء الله تعالى. هذا. والحكمة فى طلب تأدية النافلة فى البيت أنه أخفى وأبعد من الرياء ومحبطات العمل، ولتنزل فى البيت الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء فى الحديث وهذا فى غير ما ورد الشرع بطلاته فى غير البيوت ¬

(¬1) ص 192 ج 4 - الفتح الربانى. ولفظه: صلوا أيها الناس فى بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة. وص 177 ج 6 - المنهل العذب (صلاة الرجل التطوع فى بيته). وص 334 ج 1 - تحفة الأحوذى. ولفظه: أفضل صلاتكم فى بيوتكم إلا المكتوبة. (¬2) ص 195 ج 5 - الفتح الربانى. وص 265 ج 4 - المنهل العذب (خروج النساء إلى المساجد).

كركعتى الطواف والإحرام وتحية المسجد والتراويح وصلاة الاستقاء والكسوف والعيدين. (ب) وقت الرواتب وقضاءها: الراتبة القبلية وقتها من دخول وقت الصلاة إلى تأديتها، والبعدية وقتها من تأدية الصلاة إلى خروج وقتها. فإن لم تؤدّ فى وقتها لا يقضى منها إلا راتبه الصبح ولو فاتت لغير عذر تقضى عند الشافعى وأحمد قبل طلوع الشمس وبعده إذا حلت النافلة ولو فاتت وحدها (لحديث) قيس بن عمرو أنه خرج إلى الصبح فوجد البنىَّ صلى الله عليه وسلم فى الصبح ولم يكن ركع ركعتى الفجر، فصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتى الفجر، فمرّ به النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه الصلاة؟ فأخبره فسكت النبى صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا " أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد وهذا لفظه وحسنه العراقى (¬1) {449} (ولحديث) عمران بن حُصينٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحرِّ الشمس فارتفعوا قليلا حتى استعلت الشمسُ ثم أمر مؤذِّناً فأذّن فضلى ركعتين قبل الفجر ثم اقام ثم صلى الفجر " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه (¬2) {450} (وقال) الأوزاعى ومالك والثورى ومحمد بن الحسن: يستحب قضاؤهما ¬

(¬1) ص 157 ج 7 - المنهل العذب (من فاتته " سنه الصبح " متى يقضيها). وص 182 ج 1 - ابن ماجه. وص 312 ج 2 - الفتح الربانى. (¬2) ص 38 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها). وص 403 ج 1 - بيهقى (الأذان والإقامة للفائتة). وص 274 ج 1 - مستدرك (فارتفعوا الخ) أى انتقلوا حتى ارتفعت الشمس.

بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال فقط، لظاهر حديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مَن لم يصلِّ ركعتى الفجر فلْيُصلِّهما بعدما تطلُعُ الشمس " أخرجه الترمذى وفيه قتادة بن دعامة مدلس وقد عنعنه (¬1) {451} وقالوا يكره فعلهما قبل طلوع الشمس لإطلاق النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع. (وأجاب) الأولون " بأن حديث " أبى هريرة ليس صريحا فى انهما لا يقضيان إلا بعد طلوع بل المغنى من لم يصلهما قبل الطلوع فليصلهما بعده (ويدل) عليه ما فى رواية الدار قطنى والبيهقى والحاكم بلفظ: من لم يصل ركعتى الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما (¬2) " وبان عموم " النهى فى حديث " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (¬3) " مخصوص " بغير المكتوبة إجماعا وبغير سنة الصبح، لحديث قيس بن عمرو (¬4). (وقال) النعمان وأبو يوسف: لا تقضى سنة الصبح إلا إذا فاتت مع الصبح فتقضى قبله إلى الزوال فقط، ولا تقضى إذا فاتت وحدها لا قبل الشمس ولا بعدها، لأن الأصل فى السنن ألاّ تقضى. وخصت سنة الصبح إذا فاتت معه بحديث عمران بن حصين المتقدم. ولم يقولوا بمقتضى حديث قيس بن عمرة، لأن فى سنده سعد بن سعيد. ضعفه احمد وابن معين، وقال الترمذى: وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل. محمد بن إبراهيم التيمى لم يسمع ¬

(¬1) ص 326 ج 1 - تحفة الأحوذى (إعادتهما بعد طلوع الشمس). (¬2) ص 484 ج 2 - بيهقى وقال: تفرد به عمرو بن عاصم وهو ثقة. وص 274 ج 1 - مستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين. (¬3) تقدم رقم 44 ص 28 (الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر). (¬4) تقدم رقم 46 ص 29 ورقم 449 ص 312.

من قيس (¬1) (ورد) بأنه روى من طرق أخرى متصلا، ومجموعها يقوى بعضها بعضا (وأما باقى) الرواتب إذا فات، فلا يقضى عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد قال: لم يبلغنا أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التطوّع إلا ركعتى الفجر والركعتين بعد العصر وهما راتبة الظهر البعدية (¬2). ولم يقولوا بقضائهما، أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم العصرَ ثم دخل بيتى فصلى ركعتين، فقلتُ يا رسول الله صليتَ صلاة لم تكن تصليها؟ فقال قدِم علىّ مال فشغلَنى عن الركعتين كنتُ أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن، فقلتُ يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتنا؟ قال لا " أخرجه الطحاوى بسند رجاله موثقون (¬3) {452} (وقال) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أحداً أن يصلى بعد العصر قضاء عما كان يصلبه بعد الظهر. فدل على أن حكم غيره فيهما إذا فاتنا خلاف حكمه. فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر، ولا أن يتطوع بعد العصر أصلا أهـ (والصحيح) أن هاتين الركعتين كانتا قضاء لراتبة الظهر البعدية (لقول) أم سلمة: " لَمْ أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر قطَّ إلا مرةً واحدة، جاءه ناسٌ بعد الظهر فشغلوه فى شئ فلم يُضلِّ بعد الظهر شيئا حتى صلى العصر، فلما صلى العصر دخل بيتى فصلى ركعتين " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى بسند جيد (¬4) {453} ¬

(¬1) ص 25 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬2) ص 769 ج 1 - مغنى. (¬3) ص 180 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬4) ص 209 ج 4 - الفتح الربانى. وص 457 ج 2 - بيقى (هذا النهى مخصوص ببعض الصلوات .. )

(ولقول) عبد الله بن أبى قيس: " سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر فقالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد الظهر فُشِغلَ عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما فى بيت فما تركهما حتى مات " أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد (¬1) {454} (ومشهور) مذهب الحنبلية أنه يستحب قضاء كل الرواتب فى غير أوقات النهى. وقيل لا يقضى منها إ الراتبه الصبح وبعدية الظهر (قال) ابن حامد: تقضى جميع السنن الرواتب فى جميع الأوقات إلا أوقات النهى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بعضها وقسنا الباقى عليه. وقال القاضى وبعض أصحابنا لا يُقضى إلا ركعتا الفجر تقضى على وقت الضحى، وركعتا الظهر (¬2). (وقالت) الشافعية والأوزاعى: تقضى كل الرواتب فى أى وقت (لقول) أم سلمة: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أتى بمال فقعد يقْسِمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر ثم انصرف إلىّ وكان يومى فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا ما هاتان الركعتان يا رسول الله؟ أُمِرْتَ بهما؟ قال لا ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلنى قَسْمُ هذا المال حتى جاء المؤذِّن بالعصر، فكرهت أن أدَعَهُما " (لحديث) أخرجه أحمد (¬3) {455} ¬

(¬1) ص 210 ج 4 - افتح الربانى " وأما قول " ميمونة: إن النبى صلى الله عليه وسلم فاتته ركعتا العصر فصلاهما بعد. أخرجه أحمد "ففى سنده" حنظلة السدوسى، ضعفه أحمد وابن معين، ووثقه ابن حبان (انظر ص 223 ج 2 مجمع الزوائد) فهو لا يعارض الصحيح على أنه يحتمل أن المراد فاتته ركعتان بعد الظهر وهما يؤديان قبل العصر. (¬2) ص 769 ج 1 - مغنى. (¬3) هذا بعض حديث بصفحة 207 ج 4 - الفتح الربانى.

وقد تقدم أن قضاء هاتين الركعتين خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم " ولو سلم " أن الذى اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة عليهما لا أصل القضاء " لم يدل " الحديث إلا على جواز قضاء راتبة الظهر البعدية، لا جواز قضاء كل الرواتب. (4) ويسنّ لمن خرج إلى المسجد أن يدعو بما فى (حديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل فى قلبى نوراً واجعل فى لسانى نورا. واجعل فى سمعى نوراً واجعل فى بصرى نورا، واجعل خلفى نوراً وأمامى نوراً، واجعل من فوقى نوراً ومن تحتى نوراً. اللهم وأعْظِم لى نوراً. أخرجه أبو داود والنسائى وسملم وزاد: وعن يمينى نوراً وعن شمالى نوراً واجعل فى نفسى نوراً (¬1) {456} " وبما فى حديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق مَمشاى هذا فإنى لم أخرج أشَراً ولا بطَراً ولا رِياء ولا سُمْعة وخرجتُ اتّقاءَ سَخَطك وابتغاءَ مرضاتك فأسألك أن تُعيذنى من النار، وأن تغفِرَ لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقْبَلَ الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألفَ ملَك " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة. وفى سنده عطية العوفى مدلس. ولكن أخرج الحديث أبو نُعيم عن فُضَيل عن عطية قال: حدّثنى أبو سعيد فذكره، وبه أُمِن تدليس عطية العُوفىّ. وأخرجه ابن خزيمة فى صحيحة من طريق فُضَيل بن مرزوق فهو صحيح ¬

(¬1) ص 284 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل) وص 50 ج 6 - نووى (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالليل) والرماد بهذا الدعاء طلب حلول الهداية بهذه الأعضاء، لأن النور يقشع ظلمات الذنوب ويرفع سدمات " أى هموم " الآثام.

عنده. وفْضَيل هذا مختلف فيه، ضعفه جماعة ووثقه آخرون، ولذا قال الحافظ حديث حسن (¬1) {457} (فائدة) يسنّ لمن خرج م بيته ولو لغير صلاة أن يدعو بما فى (حديث) أم سلمة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: باسم الله توكلتُ على الله. اللهم إنى أعوذ بك أن أَضِل أو أُضِل أو أَزِلْ أو أُزَلّ أو أَظْلِم أو أُظلَم، أو أجْهَل أو يُجهلَ علىّ " أخرجه الأربعة، وقال الترمذى حسن صحيح (¬2) {458} " وبما فى حديث " أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال إذا خرج من بيته: باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك هُديتَ وكُفِيت ووُقِيتَ، وتَنحى عنه الشيطان " ¬

(¬1) ص 135 ج 1 - ابن ماجه. والباء فى بحق للتعدية، لأن سال يتعدى بنفسه وبالباء، والمعنى أسألك حق السائلين وهو إجابة دعائهم الذى وعدت بإجابته بقولك: أجيب دعوة الداع إذا دعان (وبحق ممشاى) أى أسألك أرج مشى إلى المسجد المبين فى حديث: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة تحبسه. أخرجه ابن ماجه وغيره عن أبى هريرة. انظر ص 134 ج 1 - ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) وينهزه من باب نفع أى لا ينهضه إلا الصلاة و (الأشر) بفتحات مصدر أشر كتعب، وهو والبطر كفران النعمة وعدم شكرها. ويحتمل أن يكون بفتح فسكون أى لم أخرج متكبرا و (بوجهه) لفظ وجه من المتشابه المصروف عن ظاهره، لقوله تعالى " ليس كمثله شئ " كما تقدم فى التوحيد. (¬2) ص 19 ج 2 - تيسير الوصول (أدعية الخروج من البيت .. ) وأضل من الضلال، الأول مبنى للفاعل، والثانى مبنى للمفعول. وكذا ما بعده. وأزل من الزلل. والجهل فى الأصل ضد العلم. وهو إدراك الشئ على غير ما هو عليه. والمراد به هنا ارتكاب ما لا تحمد عقباه.

أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه (¬1) {459} (5 و 6) ويسنّ لمن يريد الصلاة الخروج إليها متطهراً متحلياً بالتؤدة والوقار والخشية (قال) أبو ثُمامة: " أدركنى كعبُ بن عُجْره وهو يريدُ المسجد وأنا مشبّك بيدَىّ فنهانى عن ذلك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدُكم فأحسن وضُوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يُشيِّكنَ يديه فإنه فى صلاة " أخرجه أحمد وأبو داود (¬2) {460} (ولقول) أبى قتادة: " بينما نحن تصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ سمع جَلبة رجال. فلما صلى قال ما شأنكم؟ قالوا استعْجلنا إلى الصلاة، قال فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {461} (والحكمة) فى طلب المشى إلى الصلاة بالوقار وكراهية الإسراع بينّها النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: " فإن أحدكم إذا كان يَعْتَمد إلى الصلاة فهو فى صلاة " أخرجه مسلم عن أبى هريرة (¬4)، أى أنه فى حكم المصلى فينبغى له فعل ما ينبغى للمصلى فعله واجتناب ما ينبغى للمصلى اجتنابه. ويستحب ان يقارب خطاه لتكثر حسناته (قال) زيد بن ثابت: " كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يُقارِب الخُطا، فقال: أتدرون لَمِ أُقاربِ الخطا؟ قلتُ الله رسول له أعلم. قال: لا يزال العبدُ ¬

(¬1) ص 20 ج 2 - تيسير الوصول (أدعية الخروج من البيت). (¬2) ص 259 ج 4 - المنهل العذب (الهدى فى المشى إلى الصلاة) (¬3) ص 211 ج 5 - الفتح الربانى. وص 79 ج 2 فتح البارى (قول الرجل فاتتنا الصلاة - والأذان). وص 99 ج 5 - نووى (إتيان الصلاة بوقار وسكينة) والجلبة، بفتحات أصوات حركات المشى و (السكنية) الوقار والتأنى حال السير. (¬4) انظر ص 98 ج 5 - نووى.

فى الصلاة ما دام فى طلب الصلاة " أخرجه الطبرانى فى الكبير، وله فى رواية أخرى: إنما فعلت هكذا لتكثير خُطاىَ فى طلب الصلاة. وفى سنده الضحاك بن نبراس وهو ضعيف. ورواه موقوفا على زيد بن ثابت، ورجاله رجال الصحيح (¬1) {462} (7) ويطلب من الإمام قبل الدخول فى الصلاة الأمر بتسوية الصفوف بمحاذاة المناكب والكعوب ولا تشترط مساواة الأصابع. فيقول للحاضرين اعتدلوا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ونحو ذلك من الوارد (روى) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف وحاذُوا المناكب وسُدّوا الخَلل وليِنوا بأيدى إخوانكم، ولا تذَروا فُرُجات للشيطان. ومن صل صفًّا وصله الله. ومن قطع صفًّا قطعه الله " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (¬2) {463} (وعن) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رُصّوا صفوفَكم، وقارِبوا بينها، وحاذُوا بالأعناق. فهو الذى نفسى بيده إنى لأَرى الشياطينَ تدخل من خَلَل الصف كأنها الحَذَف " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى (¬3) {464} ¬

(¬1) ص 31 ج 2 - مجمع الزوائد (كيف المشى إلى الصلاة). (¬2) ص 312 ج 5 - الفتح الربانى. وص 56 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) و (الخلل) بفتحتين فرجة بين الصفوف و (صل الصف) بإتمامه أو سد فرجه فيه (وقطعة) بترك فرجة فيه أو بالجلوس فيه بلا صلاة أو منع غيره من الدخول فيه (¬3) ص 57 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) وص 131 ج 1 - مجتبى (حث الإمام على رص الصفوف) و (الحذف) بفتحتين جمع حذفه وهى الغنم الصغار.

(وعن) النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو لَيخالِفَنّ اللهُ بيم وجوهكم " أخرجه الخمسة وصححه الترمذى (¬1) {465} (والمراد) بالمخالفة بين الوجوه والقلوب، حصول التنافر والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب لأن اختلافهم فى الصفوف مخالفة فى الظاهر، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. ولظاهر الأمر فى هذه الأحاديث قال ابن حزم بوجوب تسوية الصفوف للوعيد الشديد فيها. وقد ثبت عن عمر رضى الله عنه أنه ضرب قدَم أبى عثمان النهْدىّ لإقامة الصف (¬2) (وقال) سُويَد بن غفْلة: كان بلال يضرب أقدامنا فى الصلاة ويسوّى مناكبنا. وقال: ما كان عمر وبلال يضربان على غير فرض (¬3) (وقال) الجمهور: إقامة الصفوف سنة. وادّعى بعضهم الإجماع على ذلك. وقالوا: الأمر والوعيد المذكوران من باب التغليظ والتشديد تأكيداً وتحريضاً على تسوية الصفوف وتعديلها. وأما ضرب عمر وبلال الناس على تركه فلا يدل على الوجوب، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. وقد كان عمر يوكّل رجالا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يُخبَر أن الصفوف قد استوت. وروى عن عثمان وعلىّ أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان استووا. وكان علىّ يقول تقدم يا فلان تأخير يا فلان قاله الترمذى (¬4). ¬

(¬1) ص 141 ج 2 - فتح البارى (تسوية الصفوف). وص 159 ج 4 - نووى. وص 53 ج 5 - المنهل العذب. وص 193 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬2) ص 58 ج 4 - المحل مسألة 415. (¬3) ص 59 منه. (¬4) ص 193 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(8 و 9) ويسنّ الاهتمام بتكميل الصفوف الأوّل فالأوّل وتراصّ المأمومين، وسدّ الفُرَج (لحديث) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أتموا الصف المقدّمَ ثم الذى يليه فما كان من نقص فليكن فى الصف المؤجَّرِ " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى (¬1) {466} (ولحديث) أبى جُحَيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من سدّ فُرجة فى الصف غفر له " أخرجه البزار بسند حسن (¬2) {467} (10) اتخاذ السترة: السترة بضم السين وهى فى الأصل ما يستتر به مطلقا. ثم غلبت على ما يجعله المصلى بين يديه لمنع المرور أمامه. فيسنّ للإمام والمنفرد اتخاذها سفراً وحضرا (لعموم) حديث سهل بن أبى حَثْمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سُترة، ولَيدْن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاتَه " أخرجه أحمد والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين وكذا أبو داود عن أبى سعيد الخدرى (¬3) {468} (ولحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كانت تُرْكز له الحرْبة فى العيدين فيُصلّى إليها " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه (¬4) {469} (ولحديث) أبى جُحيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء - وبين يديه عنَزة - الظهر ركعتين، والعصر ركعتين " أخرجه الشيخان وأبو داود (¬5) {470} ¬

(¬1) ص 60 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) وص 131 ج 1 - مجتبى (الصف المؤخر). (¬2) ص 91 ج 2 - مجمع الزوائد (صلة الصفوف وسد الفرج). (¬3) ص 130 ج 3 - الفتح الربانى. وص 251 ج 1 - مستدرك. وص 92 ج 5 - المنهل العذب (ما يؤمر المصلى ان يدرأ عن الممر بين يديه) (¬4) ص 129 ج 3 - الفتح الربانى. وص 122 ج 1 - مجتبى (سترة المصلى). (¬5) ص 384 ج 1 - فتح البارى (السترة بمكة وغيرها) وص 221 ج 4 = نووى (سترة المصلى) وص 79 ج 5 - المنهل العذب (ما يستر المصلى) والبطحاء واد بين جبل النور والحجون فى الشمال الشرقى لمكة. و (العنزة) بفتحتين رمح صغيرة فى أسفله حديدة. وهى الحربة.

وعلى هذا اتفق العلماء إلا أن الشافعية والحنبلية قالوا: يسنّ اتخاذ السترة وإن لم يخش مرور أحد بين يديه (وقال) الحنفيون ومالك: إنما يسنّ اتخاذ السترة لمن خشى مرور أحد بين يديه (لحديث) ابن عباس " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم فى فَضاءٍ ليس بين يديه شئ " أخرجه أحمد وأبو يعلى. وفى سنده الحجاج بن أرطاة، ضعفه بعضهم. وقال أحمد وشعبة كان من الحفاظ (¬1) {471} (وأجاب) الأولون: بأن عدم اتخاذه صلى الله عليه وسلم سترة حينئذ لبيان أن اتخاذها غير واجب. وأمام المأموم فسترة الإمام سترة له عند الحنفيين والشافعى وأحمد وهو قول لمالك (لقول) ابن عباس: " أقلبتُ راكباً على أتَانٍ وأنا يومئذ قد ناهَزْتُ الاحتلام والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى فمررتُ بين يَدىْ بعض الصف. فأرسلتُ الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكِر ذلك أحدٌ " أخرجه الجماعة والبيهقى (¬2) {472} (وقال) مالك: وأنا أرى ذلك واسعاً إذا أقمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف. قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضى أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدا. وغيره لا يرى بذلك بأسا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على إن سترة الإمام ¬

(¬1) ص 144 ج 3 - الفتح الربانى (من صلى إلى غير سترة). (¬2) ص 281 ج 1 - زرقانى (الرخصة فى المرور بين يدى المصلى). وص 142 ج 3 - الفتح الربانى. وص 381 ج 1 - فتح البارى (سترة الإمام سترة من خلفه). وص 221 ج 4 - نووى. وص 110 ج 5 - المنهل العذب (الحمار لا يقطع الصلاة)

سترة لمن خلفه وهو الظاهر (¬1) وعليه يجوز المرور أمام الصف الأول وخلف الإمام، لأنّ الإمام حائل بين المأموم وسترته. وعلى أن الإمام سترة المأموم يحرم المرور أمام الإمام وبينه وبين الصف الذى خلفه لأنه مرور بين المصلى وسترته. أما غير الصف الأول فيجوز المرور أمامه اتفاقا لأنه وإن كان مروراً بين المصلى وسترته - لأن الإمام سترة للصفوف كلهم - إلا أنه قد صار بينهما حائل وهو الصف الأول فالإمام سترة لمن يليه حسا وحكما ولمن بينه وبينه فاصل حكما لا حسا. والممتنع فيه الأول لا الثانى (¬2). ثم الكلام هنا فى سبعة فروع: (أ) مقدار السترة: ينبغى أن يكون ارتفاعها كذراع. وعرضها لا حدّ له، فيكفى الغليظ والدقيق عند الحنفيين (¬3) والشافعى وأحمد (لقول) عائشة: " سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن سُترة المصلى فقال مثل مُؤْخِرة الرجل " أخرجه مسلم (¬4) {473} والمؤخرة ارتفاعها ذراع. (وحديث) سبرة بن معبد أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدكم فليسِتّرْ لصلاته ولو بسهْم" أخرجه أحمد والطبرانى بسند صحيح (¬5) {474} ¬

(¬1) ص 282 ج 1 - زرقانى الموطأ. (¬2) ص 202 ج 1 - حاشية الدسوقى على كبير الدردير (سنن الصلاة). (¬3) " وأما قول " الشر نبلالى فى نور الإيضاح: وأن تكون فى غلظ الإصبع " فهو " خلاف المذهب قاله الطحاوى مستدلا بحديث أبى هريرة مرفوعا يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل ولو بدقة شعره. أخرجه الحاكم وصححه (انظر ص 252 ج 1 - مستدرك). (¬4) ص 217 ج 4 - نووى (سترة المصلى) والمؤخرة بضم فسكون فكسر الخاء أو فتحها وروى بفتح الهمزة وتشديد الخاء، وهى الخشبة تكون فى مؤخر الرجل يستند إليها الراكب. (¬5) ص 128 ج 3 - الفتح الربانى. وص 58 ج 2 - مجمع الزوائد (سترة المصلى).

(وقالت) المالكية: يلزم أن تكون السترة طول الذراع وغلظ الرمح لحديث أبى جُحَيفة السابق (¬1). ورد بأنه لا يدل على ذلك، فإنْ الاستتار بالعنزة وهى الرمح لا ينافى جوازه بأدق منه كالسهم. (ب) يستحب أن تكون السترة عن يمين المصلى أو يساره، وهذا هو الأولى عند الشافعية، وأن يقرب منها على نحو ثلاثة أذرع من ابتداء قدميه (لحديث) بلال أنّ النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فترك عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة خلفَه، ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (¬2) {475} (ولا ينافيه) حديث سهل بن سعد قال: " كان بين مقام النبى صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنْز " أخرجه الشيخان وأبو داود (¬3) {476} " لأن هذا " محمول على حالة السجود، وحديث بلال محمول على حالة القيام (والحكمة) فى اتخاذ السترة، كف البصر عما وراءها، ومنه من يمرّ أمام المصلى. (ج) إذا تعذر إقامة السترة وتثبيتها بالأرض لصلابتها، وضعها بين يديه عرضا عند أحمد، وروى عن أبى يوسف أنها توضع طولا كأنها غرزت ثم سقطت. وإن لم يجد ما ينصبه سترة أو يضعه أمامه فليخط بالأرض خطا عند أحمد وأكثر الشافعية وبعض الحنفيين وهو قول الشافعى فى القديم. ¬

(¬1) تقدم رقم 470 ص 321. (¬2) ص 131 ج 3 - الفتح الربانى. وص 386 ج 1 - فتح البارى (الصلاة بين السوارى فى غير جماعة) وص 122 ج 1 - مجتبى (مقدار ذلك) (¬3) ص 383 ج 1 - فتح البارى (قدركم ينبغى أن يكون بين المصلى والسترة). وص 225 ج 4 - نووى. وص 88 ج 5 - المنهل العذب (الدنو من السترة).

(لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم فليجعلْ تِلْقاءَ وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينِصبْ عصا، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطا، ثم ل يضرّه ما مر أمامهَ " أخرجه أحمد وابن حبان وصححاه، وأبو داود وابن ماجه والبيهقى (¬1) {477} (واختلفوا) فى كيفية الخط (فقال) أحمد: يكون معترضاً أمام المصلى مقوّساً كالهلال فى انعطاف طرفيه. واختار بعض الحنفيين أن يكون مستقيما من بيد يدى المصلى إلى القبلة (قال) أبو داود: وسمعت أحمد يعنى ابن حنبل سئل عن وصْف الخط، فقال هكذا عرْضا مثلّ الهلال. قال أبو داود: وسمعتُ مسدَّدا قال: قال ابنُ داود الخّط بالطول (¬2). (وقالت) الشافعية: يكون عرضا بلا انعطاف (وقالت) المالكية والشافعى فى الجديد وبعض الحنفيين: لابد من وضع الساتر منصوبا. ولا يكفى وضعه على الأرض ولا الخط، لأنّ الغرض من السترة الإعلام بأنه فى صلاة وهذا لا يحصل بما ذكر (وأجابوا) عن الحديث بأنه مضطرب وقد ضعفه ابن عيينة والبغوى والشافعى (وتعقب) بتصحيح الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما له كما تقدم (قال) الحافظ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن (¬3). ولذا قال ابن الهمام: واختار المصنف الأول (يعنى عدم كفاية الخط فى السترة إذ لا يظهر من بعيد) والسنة أولى بالاتباع ¬

(¬1) ص 127 ج 3 - الفتح الربانى. وص 79 ج 5 - المنهل العذب (الخط إذا لم يجد عصا). وص 156 ج 1 - ابن ماجه (ما يستر المصلى) (وتلقاء وجهه) يعنى أمامه مائلا عنه يمينا أو يسارا، جمعا بين الروايات. (¬2) ص 81 ج 5 - المنهل العذب و (هكذا) أى قال أحمد هكذا وأشار بيديه عرضا مقوسا كالهلال فى انعطاف طرفيه و (مسدّد) بن مسرهد شيخ أبى داود، وابن داود هو عبد الله الخريبى. (¬3) ص 234 ج 1 - سبل السلام (سترة المصلى) ولو سلم أنه ضعيف فإنه يجوز العمل بالضعيف فى فضائل الأعمال دون الحلال والحرام اتفاقا وهذا من فضائل الأعمال.

مع أنه يظهر فى الجملة إِذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كى لا ينتشر (¬1) وإذا لم يجد شاخصاً بسط مصلاه. هذا. ويستحب - عند غير الشافعى - فى السترة الترتيب على مافى الحديث، فتكون بالحائط ونحوه ثم العصا ثم الخط. وقاس بعضهم فرش المصلِّى على الخط، فقال: نهاية فرشه يعتبر سترة، بل هو أولى من الخط، لأنه أظهر فى الإعلام بأنه فى صلاة، لكن محله ما لم يطل الفرش جدا، وإلا فلا يعتبر سترة (وقالت) الشافعية: الترتيب المذكور واجب، غير أنهم قالوا بتقديم فرش المصلى من سجادة وعباءة ونحوهما على الخط بالأرض. (د) يجوز - عند الحنفيين وأحمد - الاستتار بالحيوان إذا كان مستقرا. وكذا يجوز عند احمد الصلاة إلى آدمى ولو امرأة أجنبية أو نائمة (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على بعيره. أخرجه مسلم وأبو داود (¬2) {478} (ولقول) على رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبِّح من الليل وعائشة معتِرضة بينه وبين القبلة " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬3) {479} (وقال) الحنفيون: يكره تحريماً الصلاة إلى إنسان وإلى امرأة أجنبية ومجنون ومأبون (وقالت) المالكية: يجوز الاستتار بظهر الرجل وبحيوان ¬

(¬1) ص 289 ج 1 - فتح القدير (ما يفسد الصلاة). (¬2) ص 218 ج 4 - نووى (سترة المصلى) وص 83 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة إلى الراحلة). (¬3) ص 140 ج 3 - الفتح الربانى. وص 62 ج 2 - مجمع الزوائد (لا يقطع الصلاة شئ) و (يسبح) بالتشديد، أى يصلى تطوّعا.

مأكول اللحم إن كان مربوطا، وإلا كره كما يكره الاستتار بغير مأكول اللحم مطلقاً وبوجه الرجل وبالمخنث والمأبون وبالمرأة الأجنبية وكذا بالنائم خشية ما يبدو منه مما يلهى المصلى عن صلاته (لحديث) ابن عباس أنّ البنى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدِّث " أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى (¬1) {480} (وأجاب) عنه الحنبلية بأنه معارض بحديث عائشة الصحيح وهذا ضعيف باتفاق الحفاظ (¬2) (قال) الخطابى: هذا الحديث لا يصح لضعف سنده. (وقال) أبو داود: طرقه كلها واهية (وأجاب) الحنفيون ومالك بأنه قد روى من عدة طرق يقوّى بعضها بعضا (روى) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " نُهيتُ أن أصلَى خلف النائم والمتحدِّث " أخرجه البزار. وروى ابن عدى نحوه عن ابن عمر، والطبرانى فى الأوسط نحوه عن أبى هريرة (¬3) {481} ولذا قال بكراهة الصلاة خلف المتحدث ابن مسعود وسعيد بن جُبير وأحمد ومالك والشافعى. ولضعف الحديث ضعفا قويا (قال) الثورى والأوزاعى: يجوز الاستتار بالنائم وهو الراجح. ومحل الخلاف إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلى عن صلاته وذهاب خشوعه، وإلا فلا خلاف فى الكراهة. (وقال) الشافعى لا يجوز الاستتار بامرأة ولا دابة (قال) النووى: ¬

(¬1) ص 85 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة إلى المتحدثين والنيام). وص 158 ج 1 - ابن ماجه (من صلى وبينه وبين القبلة شئ). (¬2) (ضعيف) لأن فى سنده (أ) عبد الملك بن محمد بن أيمن. قال فى التقريب: مجهول (ب) مجهول. ولعله أبو المقدام هشام بن زياد الذى فى سند ابن ماجه وهو ضعيف لا يحتج به. (¬3) انظر حديث أبى هريرة ص 62 ج 2 - مجمع الزوائد.

أما قوله فى المرأة فظاهر، لأنه ربما شغلت ذهنه. وأما الدابة فقد روى ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كلن يُعرِّض راحلته فيصلى إليها. أخرجه الشيخان (¬1) {482} ولعل الشافعى رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث، وهو حديث صحيح لا معارض له. فتعين العمل به ولا سيما وقد أوصانا الشافعى بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه (¬2) ومنه تعلم ردّ القول بكراهة الاستتار بالحيوان مطلقا، ويرده أحاديث (منها) قول الفضل بن عباس: " زاد النبى صلى الله عليه وسلم عبّاساً فى بادية لنا ولنا كلَيبةٌ وحِمارةٌ تَرعى فصلى النبى صلى الله عليه وسلم العصرَ وهما بين يديه، فلم تؤخَّرا ولم تُزجرا " أخرجه أحمد والبيهقى وأبو داود بسند جيد (¬3) {483} (وأما حديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يقطع الصلاةَ المرأةُ والكلبُ والحمار " أخرجه أحمد وابن ماجه، وكذا مسلم وزاد: وبقى ذلك مثلُ مُؤْخِرِة الرجْلِ (¬4) {484} (فالمراد) بقطع الصلاة فيه قطعها عن الخشوع والتذكر، للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة (قال) النووى: وهذا أصح ¬

(¬1) ص 387 ج 1 - فتح البارى (الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر) وص 218 ج 4 - نووى. و (يعرض) بضم أوله وتشديد الراء من التعريض أى يجعلها عرضا إلى جهة القبلة. والراحلة الناقة يوضع عليها الرجل. (¬2) ص 248 ج 3 - شرح المهذب. (¬3) ص 141 ج 3 - الفتح الربانى. وص 278 ج 2 - بيهقى. وص 114 ج 5 - المنهل العذب (الكلب لا يقطع الصلاة) (¬4) ص 79 ج 4 الفتح الربانى (ما يقطع الصلاة) وص 157 ج 1 - ابن ماجه. وص 228 ج 4 - نووى.

الأجوبة وأحسنها، أجاب به الشافعى والخطابى والمحققون من الفقهاء والمحدثين. (هـ) يحرم - عند مالك وأحمد والجمهور - المرور بلا عذر بين يدى المصلى ولو لم يتخذ سترة فى الفرض والنفل (لحديث) أبى النضر بسنده إلى أبى جُهَيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم المارّ بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقِفَ أربعين خيراً من أن يمُرّ بين يديه قال أبو النضر لا أدرى قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة؟ " أخرجه الستة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) {485} وذكر الأربعين لا مفهوم له بل الغرض المبالغة فى تعظيم الأمر (روى) أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم أحدُكم ماله فى أن يَمشِىَ بيد يدى أخيه مُعترِضاً وهو يناجى ربه لكان أنْ يقفَ فى ذلك المقام مائة عامٍ أحبَّ إليه من أن يخطُوَ " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان (¬2) {486} (وفى الحديثين) إبهامْ ماَعَلَى المارِّ بين يدى المصلى من الإثم زجرا له وقد ورد فى التنفير من ذلك عدة أحاديث (وقال) الحنفيون: إن اتخذ سترة يكره تحريماً المرور بينه وبينها. وإن لم يتخذ سترة يكره المرور فى موضع سجوده فقط فى الأصح، للأحاديث السابقة (وقالت) الشافعية: من لم يتخذ سترة لا يحرم ولا يكره المرور بين يديه ولكنه خلاف الأولى. ¬

(¬1) ص 389 ج 1 فتح البارى (إثم المار بين يدى المصلى). وص 224 ج 4 - نووى. وص 94 ج 5 - المنهل العذب. وص 123 ج 1 - مجتبى (التشديد ف المرور بين يدى المصلى وبين سترته). وص 275 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 156 ج 1. ابن ماجه (وأبو النضر) مولى عمر ابن عبيد الله و (أبو جهيم) عبد الله بن الحارث. (¬2) ص 139 ج 3 - 0 الفتح الربانى. وص 156 ج 1 - ابن ماجه (المرور بين يدى المصلى)

هذا. وقد اختلفوا فى تحديد المكان الذى يمنه المرور فيه أمام المصلى (فقال) الحنفيون: إن كا يصلى فى مسجد كبير أو فى الصحراء كره المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده. وإن كان فى مسجد صغير " أربعين ذراعا فأقل " كره المرور من موضع قدمه إلى حائط القبلة. والأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة الخاشعين جاعلا بصره حال قيامه فى موضع سجوده لا يقع بصره على المار لا يكره مروره واختاره فخر الإسلام وصاحب النهاية قال الكمال: والذى يظهر ترجيح ما اختاره فى النهاية وكونه من غير تفصيل بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحد فى حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسى من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا (¬1). (وقالت) المالكية: إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبينها، وإن صلى لغير سترة حرم المرور فى موضع ركوعه وسجوده فقط (وقالت) الشافعية: إن اتخذ سترة يحرم المرور أمامه فى ثلاثة أذرع فأقل (وقالت) الحنبلية: إن اتخذ سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت. وإن لم يتخذها حرم المرور فى ثلاثة أذرع ابتداء من قدمه. وإن احتاج أحد إلى المرور ألقى شيئا أما المصلى ثم مر من ورائه. (فائدة) للمرور بين يدى المصلى أربع صور: (الأولى) أن يكون للمار مندوحة عن المرور أمامه ولم يتعرّض المصلى فى طريق المارة، فالإثم على المار اتفاقا (الثانية) أن يتعرّض المصلى بصلاته فى مكان المرور وليس للمار مندوحة فيأثم المصلى عند غير الحنبلية، لتعرضه لا بترك السترة، ¬

(¬1) ص 288 ج 1 - فتح القدير (ما يفسد الصلاة).

فإن اتخاذها ليس واجبا. ولذا قالت الحنبلية لا إثم عليه (الثالثة) أن يتعرّض المصلى وللمار مندوحة، فيأثمان جميعا عند المالكية والحنفية، لتفريط كل منهما (وقالت) الحنبلية: يأثم المار دون المصلى لعدم لزوم اتخاذ السترة (وقالت) الشافعية: لا إثم على المار لعدم اتخاذ السترة، ويكره تعرّض المصلى بصلاته فى موضع يحتاج للمرور فيه. (الرابعة) ألا يتعرّض المصلى ولا مندوجة للمار، فلا إثم عليهما اتفاقا، كما لا إثم على من دخل المسجد فوجد فرجة فى الصف الأمامى فمرّ أمام الصف الخلفى وسدّ الفرجة لتقصيرهم بتركها. (و) يندب - عند الجمهور - للمصلى لسترة أن يدفع المار أمامه آدميا أو بهيمة ما استطاع (لحديث) أبى سعيد الخدرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم إلى شئ يْستُره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فلْيدفعه فإن أبى فلْيقاتِلْه فإنما هو شيطان " أخرجه الشيخان والنسائى وأبو داود (¬1) {487} فقد دل على أنه لا يجوز دفع المار إلا لمن اتخذ سترة، ومثله من صلى فى مكان يأمن فيه المرور بين يديه. أما من لم يتخذ سترة أو اتخذها وتباعد عنها فلا يجب عليه دفع المار لتقصيره، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره. ¬

(¬1) ص 388 ج 1 فتح البارى (يرد المصلى من مر بين يديه) وص 224 ج 4 - نووى. وص 93 ج 5 - المنهل العذب. والمراد بالمقاتلة الدفع بالأشد، ففى رواية البخارى: فإن أبى فليجعل يده فى صدره وليدفعه (فإنما هو شيطان) أى يفعل فعل الشيطان، وإطلاق الشيطان على المخالف شائع فى القرآن والسنة.

وظاهر الأمر وجوب الدفع وبه قال أهل الظاهر وحمله الجمهور على الندب. والدفع يكون باليد إن كان قريبا منه، وبالإشارة أو التسبيح للبعيد، وليس له الانتقال من موضعه انتقالا يؤدى إلى بطلان الصلاة وفى قوله: " فإن أبى فليقاتله " دليل على انه يطلب الدفع أوّلا بالأسهل ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد، وإن أدّى إلى قتله فلا شئ عليه عند الجمهور. قال القاضى عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزم مقاتله بالسلاح ولا بما يؤدى إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهالك فلا قَوَدَ عليه اتفاقا (¬1) وكذا لادية له عند الحنفيين والشافعة وأحمد وهو قول لمالك. هذا. ويطلب دفع المار ولو صبيا وإذا مرّ لا يردّه ثانيا لئلا يصير مروا ثانيا (لقول) أم سلمة رضى الله عنها: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى حجرة أم سلمةَ فمرّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبى سلمة، فقال بيده فرجع، فمرّت زينب بنت أمِّ سلمة فقال بيده هكذا فمضتْ. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هنّ أغلبُ " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه مجهول (¬2) {488} (فائدة) هل الحكمة فى دفع المار أمام المصلى جبرُ خلل يقع فى صلاته أم لدفع الإثم عن المار؟ الأظهر الأول (لقول) ابن مسعود رضى الله عنه إن المرور بين يدى المصلى يقطعُ نصف صلاته. أخرجه ابن أبى شيبة (¬3) ¬

(¬1) ص 223 ج 4 - شرح مسلم (سترة المصلى). (¬2) ص 135 ج 3 - الفتح الربانى. وص 136 ج 1 - ابن ماجه (ما يقطع الصلاة) (فقال) أى أشار. وهنّ أغلب: أى أكثر ارتكابا للمخالفة والمعصية. (¬3) ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى).

(ولقول) عمر: لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه لما صلى إلا إلى شئ يستره من الناس. أخرجه أبو نعيم (¬1). فهذان الأثران يدلان على أن الدفع لجبر خلل يقع فى صلاة المصلى. وهما وإن كانا موقوفين فهما فى حكم المرفوع، لأن مثلهما لا يقال من قبل الرأى (¬2). (قال) القاضى عياض: ينبغى أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله. أما إذا لم يمكنه فصلاته تامة، لأنه لم يوجد منه ما ينقصها ولا يؤثر فيها ذنب غيره أهـ. (ز) ترك السترة: ما تقدم من طلب اتخاذ السترة إنما هو فى غير الحرم المالكى. أما هو فيجوز فيه ترك اتخاذ السترة عند أحمد. وحينئذ يجوز المرور أمام المصلى وإن اتخذ سترة (لقول) المطلب بن أبى وَدَاعة السهمى: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سُبْعه جاء حاشيةَ المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطَّوَّافين أحد " أخرجه النسائى وابن ماجه وقال: هذا بمكة خاصة (¬3) {489} (ولقول) ابن عباس رضى الله عنهما: أقبلت راكباً على أتانٍ وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جَدار فنزلت فأرسلت الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكر ذلك أحد (¬4). ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكه فى ذلك. ¬

(¬1) ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى). (¬2) ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى). (¬3) ص 40 ج 2 - مجبتى (أين يصلى ركعتى الطواف). وص 116 ج 2 - ابن ماجه (باب الركعتين بعد الطواف) (وسبع) بضم فسكون، أى فرغ من أشواطه السبعة. (¬4) تقدم رقم 472. ص 322 (اتخاذ السترة) و (إلى غير جدار) هكذا فى رواية البخارى " ولا ينافية " قول أبى جحيفة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم = بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة (انظر رقم 470 ص 321) " لأنه " صلى الله عليه وسلم اتخذ السترة أحيانا وتركها أحيانا، لبيان أن اتخاذها ليس بواجب.

(وقال) الحنفيون: يجوز المرور أمام المصلى فى المسجد الحرام حول المطاف وداخل الكعبة وخلف مقام إبراهيم (وقالت) المالكية: يجوز للطائف المرور أمام مصل لم يتخذ سترة، ويكره المرور أمامه إذا اتخذ سترة وكان للطائف مندوحة. وأما مرور غير الطائف أمام المصلى فى المسجد الحرام فحكمه حكم مروره أمام المصلى فى غيره على التفصيل السابق. (وقالت) الشافعية: يباح للطائف المرور أمام المصلى مطلقاً لما تقدّمن. (والحكمة) فى الترخيص فى ترك السترة بالمسجد الحرام ازدحام الناس فيه وكثرة الطائفين به، فلو منع المرور بين يدى المصلى لكان فيه حرج ومشقة وقد قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1). (11) ويسنّ للمصلى إذا سلم من صلاته أن يستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام، اللهم أعِنّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ويقرأ آية الكرسىّ، وقل هو الله أحد، والمعوذتين. ويقول سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. ثم يدعو بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة. والدعاء بالمأثوم أحب. وقد ورد فى ذلك أحاديث (منها) حديث ثوبان مولى النبى صلى الله عليه وسلم قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ¬

(¬1) سورة الحج بعض آية: 78 وأولها: وجاهدوا فى الله حق جهاده.

وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام " أخرجه السبعة إلا البخارى وصححه الترمذى (¬1). {490} (وحديث) معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فال له: " أوصيك يا معاذ لا تدعن دُبُرَ كل كللاةٍ أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسْنِ عبادتك " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2) {491} ولظاهر النهى قالت الظاهرية بوجوب هذه الكلمات دبر كل صلاة. والجمهور على أنه نهى إرشاد (وحديث) الحسن بن على رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ آية الكرسىّ فى دبُر الصلاة المكتوبة كان فى ذمة الله إلى الصلاة الأخرى " أخرجه الطبرانى بسند حسن (¬3). {492} ¬

(¬1) ص 62 ج 4 - الفتح الربانى. وص 89 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة). وص 177 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم) وص 196 ج 1 - مجتبى (الاستغفار بعد التسليم). وص 244 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما يقول إذا سلم) والسلام الأول من أسماء الله، والثانى معناه السلامة أى نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة (وتباركت) أى تعاظمت وكثر خيرك وتزايد برّك (ياذا الجلال والإكرام) أى = يا صاحب الغنى المطاق والفضل التامّ والإحسان لعباده. واستغفاره صلى الله عليه وسلم تواضعا وخضوعا لله وتعليما للأمة .. واستغفار غيره عقب الصلاة إشارة إلى أن اعبد لا يقوم بحق عبادة مولاه لما يعرض له من الوساوس والخواطر، فشرع الاستغفار تداركا لذلك. (¬2) ص 54 ج 4 - الفتح الربانى. وص 185 ج 8 - المنهل العذب (الاستغفار). (¬3) ص 148 ج 2 - مجمع الزوائد (الذكر والدعاء عقيب الصلاة) و (فى ذمة الله) أى فى حفظه وولايته وآية الكرسى هى (الله لا إله إلا هو الحى القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات والأرض، من ذا الذى يشفع عنده =

(وحديث) عقبة بن عامر قال: " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات دبر كل صلاة" أخرجه أحمد والثلاثة (¬1). {493} ¬

= إلا بإذنه؟ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما، وهو العلى العظيم) وهى أعظم آية فى القرآن، لاشتمالها عل أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمال لله تعالى ونفى انقص عنه، وعلى توحيده وتعظيمه وذكر أسمائه وصفاته، فقد ذكر فى سبعة عشر موضعاً منها اسم الله تعالى ظاهرا ومضمرا، ودلت على أنه منفرد بالإلهية حى واجب الوجود لذاته، موجد لغيره، منزه عن التحيز والحلو، مبرأ عن التغير والفتور، مالك الملك والملكوت، ذو البطش الشديد، العالم بجلى الأمور وخفيها كليها وجزئيها، واسع الملك تام القدرة، متعال عن كل مالا يليق به، عظيم لا تصل العقول والأفكار لكنه ذاته وصفاته فقوله (الله) إشارة إلى ذات الله وجلاله و (القيوم) القائم بنفسه ولا يقوم به غيره القائم بتدبير الكون وما فيه (لا تأخذه سنة ولا نوم) السنة النعاس، وفيه تنزيه وتقديس لله تعالى عن صفات الحوادث. و (له ما فى السموات وما فى الأرض) دليل لما قبله وإشارة إلى وحدانية الأفعال. وأن الأفعال كلها منه وإليه. و (من ذا الذى) أى لا أحد (يشفع عنده إلا بإذنه) إشارة إلى انفراده بالملك والحكم .. وأنه لا يملك الشفاعة عنده فى أمر من الأمور إلا من أذن له فيها (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أى من أمر الدنيا والآخرة (ولا يحيطون بشئ من علمه) أى لا يعلمون شيئا من معلوماته (إلا بما شاء) أن يعلمهم به. وهو إشارة إلى صفة العلم وأنه متفرد به حتى إنه لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه بمشيئته وإرادته (وسع كرسيه السموات والأرض) أى أحاط علمه بهما، فالمراد بالكرسى العلم، ومنه الكراسة لتضمنها العلم. والكراسى العلماء، وسمى العلم كرسيا تسمية له بمكانه الذى هو كرسى العالم، وفيه إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته (ولا يئوده حفظهما) أى لا يثقله تدبير شأن السموات والأرض وما فيهما، وهو إشارة إلى صفة العزة وكمالها وتنزيهه عن الضعف والنقص (وهو العلى العظيم) أى المنزه عن صفات الحوادث المتصف بالكبرياء والعظمة. وفيه إشارة إلى أصلين عظيمين فى الصفات. إذا تأملت هذا لا تجد آية غيرها جمعت كل هذه المعانى (¬1) ص 70 ج 4 - الفتح الربانى. وص 186 ج 8 - المنهل العذب (الاستغفار). وص 196 ج 1 - مجتبى (قراءة المعوذات بعد الصلاة) والمعوّذات. بكسر الواو =

(وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مَن سبّح الله دبُر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمِد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وإن كانت مِثلَ زبَد البحر " أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {494} ¬

= المشددة معوذة. أى محصنة، والمرادسورتا الفلق والناس والجمع باعتبار أن ما يتعوذ مه كثيرا فيهما. وقد كان انبى صلى الله عليه وسلم يتعوذ فى الشدائد ويأمر أصحابه بذلك لاشتمالهما على جوامع المستعاذ به والمستعاذ منه " أما الأول " فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض ربانى يزيل كل ظلمة فى الاعتقاد أو العمل، لأن الفلق الصبح. وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق. وذلك مناسب للمستعاذ به وهو الرب تعالى " وأما الثانى " فلأنه فى السورة الأولى ابتدأ فى ذكر المستعاذ منه " بالعام " وهو شر كل مخلوق حى أو جماد فيه شر فى البدن أو المال أو الدنيا أو الدين " ثم بالخاص " وهو الغاسق أى الظلمة الشديدة، اعتناء به لخفاء الضرر فيه إذ قد يلحق الإنسان من حيث لا يعلم. ثم ذكر نفث الساحرات فى عقدهن الموجب لسريان شرهن فى الروح على أبلغ وجه وأخفاه. فهو أدق من الأول. ثم ذكر شر الحاسد فى وقت التهاب نار جسده، لأنه حينئذ يسعى فى إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين، فهو أدق وأعظم من الثانى. وفى السورة الثانية خص شر الموسوس فى الصدور من الجنة والناس، لأن شره حينئذ يعادل = تلك الشرور بأسرها، لأنها إذا كانت فى صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة، ومن ثم زاد التأكيد والمبالغة فى جانب المستعاذ به إيذانا بعظمة المستعاذ منه، وكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقته، وهو إلههم ومعبودهم الذى يستعيذون به من شياطين الإنس والجن، ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه، وختم به لأنه مختص به بخلاف الأولين، فإنهما قد يطلقان على غيره (¬1) ص 57 ج 4 - الفتح الربانى. وص 95 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة) ولفظ (صلاة) يشمل الفرض والنفل ولكن حمله العلماء على الفرض لما فى حديث كعب بن عجرة عند مسلم من التقييد بالمكتوبة (والزبد) بفتحتين الرغوة تعلو الماء عند تلاطم الأمواج.

(وحديث) سُمَىّ عن أبى صالح عن أبى هريرة أن فقراء المهاجرين أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: " ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم. قال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويَعتقون ولا نَعتقُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أُعلِّمُكم شيئا تَدركون به من سبقكم وتَسبِقون بع من بعدكم، ولا يكون أحد أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال تُسبَّحون وتكبِّرون وتحمَدون دبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة، فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخوانُنا أهلُ الأموال بما فعلْنا ففعلوا مثلَه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضْلُ الله يؤتيه م يشاء. قال سُمىّ: فحدّثتُ بعضَ أهلى بهذا الحديث فقال: وِهمْتَ إنا قال تُسبِّح ثلاثا وثلاثين، وتحمَد ثلاثا وثلاثين، وتكبر أربعا وثلاثين، فرجعتُ إلى أبى صالح فقلتُ له ذلك، فأخذ بيدى فقال / اللهُ أكبر وسبحان الله والحمد لله. الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهنّ ثلاثا وثلاثين " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (¬1) {495} (وروى) سُهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: " يا رسول الله ذهب أهل الدثور بمثل الحديث ¬

(¬1) ص 221 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة) وص 92 ج 5 - نووى. و (الدثور) الأموال الكثيرة (حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين) لذا قال فى الإقناع: والأفضل أن يفرغ من عدد الكل معا. لكن قال النووى: وذكر " يعنى ملمسا " بد هذه الأحاديث من طرق غر طريق أبى صالح وظاهرها أنه يسبح 33 مستقلة ويكبر كذلك ويحمد كذلك. قال القاضى وهو أولى م تأويل أبى صالح (انظر ص 93 ج 5 - شرح مسلم)

السابق. وزاد فى الحديث: يقول سهيل إحدى عشرة إحدى عشرة فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون. أخرجه مسلم (¬1) {496} (وحديث) محمد بن أبى عائشة عن أبى هريرة أنه حدّثهم أن أباذرّ قال: يا رسول الله ذهب فُضول أموالهم يتصدّقون بها، وليس لنا ما نتصدّق به. فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أدُلّك على كلمات إذا عِلمت بهن أدركت من سبقك، ولا يلْحَقُك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قلت بلى يا رسول الله. قال: تَكبِّر دبَر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين وتُسبِّح ثلاثا وثلاثين، وتَحْمَد ثلاثا وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " أخرجه أحمد وأبو داود والدارمى وفى رواية: تسبح الله خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمَد ثلاثا وثلاثين، وتكبر أربعا وثلاثين (¬2) {497} فينبغى العلم بإحدى الروايتين تارة وبالأخرى تارة جمعا بينهما. (وقول) زيد بن ثابت: " أُمِرنْا أن نُسبِّح فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونَحمَد ثلاثا وثلاثين، ونكبِّر أربعا وثلاثين. فأُتَىِ رجل فى النام من الأنصار فقيل له: أمرَكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبِّحوا فى دبُر كلِّ صلاة كذا وكذا؟ قال الأنصارى فى منامه: نعم. قال: فاجعلوها خمسا وعشرين خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل. فلما أصبح غداً على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعلوا" أخرجه أحمد ¬

(¬1) ص 93 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة). (¬2) ص 58 ج 4 - الفتح الربانى. وص 168 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 213 ج 1 - درامى (التسبيح فى دبر الصلاة)

والنسائى والدارمى وهو حديث صحيح (¬1) {498} (وحديث) عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خَلّتان مَنْ حافظ عليهما أدخلَتاه الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل. قالوا وما هما يا رسول الله؟ قال أن تحمَد الله وتكبره وتسبحه فى دبُر كلِّ صلاة مكتوبة عشراً عشرا، وإذا أتيتَ إلى مضجعك تسبِّح الله وتكبره وتحمُده مائةَ مرة، فتلك خمسون ومائتان باللسان، وألفان وخمسمائة فى الميزان، فأيُّكم يعلم فى اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة " (الحديث) وفيه: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهنّ بيده. أخرجه أحمد والنسائى بسند صحيح (¬2) {499} فعلم من هذه الروايات أن التسبيح عقب الصلوات وارد على أعداد مختلفة، فأى عدد منها عمل به الإنسان فقد وافق الوارد. وأكثرها وأقواها رواية التسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد والتكبير كذلك. فالعمل بها أولى. وأخذ من هذه الروايات أنّ مراعاة العدد المخصوص فى الأذكار عقب الصلوات معتبرة، فلا يتعدّاها الذاكر وإلا حرم ثوابها (قال) الحافظ: قد كان بعض العلماء يقول: إنّ الأعداد الواردة فى الذكر عقب الصلوات إذا رُتِّب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتى بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد. ثم قال: وقد بالغ القرافى فى القواعد ¬

(¬1) ص 58 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - مجتبى (نوع آخر من عدد التسبيح). وص 312 ج 1 - دارمى (فافعلوا) هو تقدير لرؤيا الأنصارى بوحى. (¬2) ص 59 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - مجتبى (عدد التسبيح بعد التسليم) و (يعقدهن) أى يعدهن بيده الشريفة وهو يذكر الحيدث.

فقال: من البدع المكروهة الزيادة فى المندوبات المحدودة شرعا، لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أحبوا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئا للآداب أهـ. وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، ول اقتصر على الأوقية فى الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع أهـ (¬1). ويمثل أيضا بأسنان المفتاح إذا زيد فيها أو نقص منها لا تفتح، فكذلك العدد المذكور إذا زيد فيه أو نقص لا يحصل الثواب الموعود به، فعليك بالاتباع، واترك الاختراع والنزاع. (فائدة) يجوز عدّ هذه الأذكار ونحوها بالأصابع أو النوى أو السبحة أو غيرها (لقول) ابن عمرو: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقِد التسبيح بيمينه " أخرجه الثلاثة والحاكم وصححه، والترمذى وحسنه (¬2) {500} (ولحديث) سعد بن أبى وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوًى أو حصًى تسبح به فقال: أخْبرِك بما هو أيْسرُ عليك من هذا أو أفضل. فقال: سبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما خلَق فى الأرض وسبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه الذهبى، وقال الترمذى حسن غريب (¬3) {501} ¬

(¬1) ص 224 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة). (¬2) ص 166 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 199 ج 1 - مجتبى (عقد التسبيح). وص 255 ج 4 - تحفة الأحوذى. (¬3) ص 163 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 277 ج 4 - تحفة الأحوذى (دعاء النبى صلى الله عليه وسلم .. ). وص 548 ج 1 = مستدرك.

وفى هذا دلالة على أنّ الذكر يتضاعف ويتعدّد بتعدّد ما أحال الذاكر على عدده وإن لم يتكرر الذكر فى نفسه، فيحصل مثلا لمن قال مرة واحدة: سبحان الله عدد كل شئ من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالى وأياما بدون الإحالة على عدد. وهذا مما يشكل على القائلين إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضيل الثابت بصريح الأدلة (وقد) أجابوا عن هذا الحديث ونحوه كقوله صلى الله عليه وسلم: " من فطِّر صائما كان له مثل اجره ". و " من عزِّى مصابا كان له مثل أجره " بأجوبة " متعسفة متكلفة (¬1) (وفيه) دلالة على جواز عدّ الذكر بالنوى والحصى. وكذا بالسبحة إذ لا فارق، لتقريره صلى الله عليه وسلم إياه وعدم إنكاره. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: " نعم المذكّرُ السُبحة " أخرجه الدليمى فى مسند الفردوس عن علىّ (¬2) {502} (وعن) أ [ى سعيد الخدرى أنه كان يسبح بالحصى (وعن) أبى هريرة أنه كان معه كيس فيه حصى أو نوى فيسبح به حتى ينفدّ. أخرجهما ابن أبى شيبة (¬3). وقد ذكر السيوطى آثاراً أخرى فى رسالة " المنحة فى السبحة " ثم قال: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدّ الذكر بالسُّبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها (¬4). ومحل جواز اتخاذ السبحة للذكر ما لم يترتب عليه رياء أو سمعة وإلا منع، كا يمنع وضعها فى العنق كما يفعله بعض الجهلة، ووضعها فى اليد وإدارتها ¬

(¬1) ص 359 ج 2 - نيل الأوطار (عقد التسبيح باليد ... ). (¬2) ص 141 ج 2 - الحاوى للفتاوى (المنحة فى السبحة). (¬3) ص 141 منه. (¬4) ص 143 منه.

من غير ذكر (وقد) سئل العلامة الشيخ على العدَوى عن اتخاذ السبح (فأجاب) بأن اتخاذ سبحة من السبح المعتادة التى لا يحصل بها شهرة، وبعد اتخاذها على هذا الوجه لا يضعها فى رقبته أو نحوها مما يفيد أن حاملها من المتصوفة، فيؤول أمره إلى الرياء المحرم بالإجماع. ويحذر أيضاً مما يفعله بعض الناس من كونه يتكلم مع الناس فى اللهو واللعب، ويدير السبحة من أولها إلى آخرها ويوهم أنه يسبح فى تلك الحالة. والحاصل أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة والعجب والرياء لأن ذلك كله محبط للعمل أهـ. (خاتمة) وهناك أدعية أخرى رواه عقب الصلاة: (1) ما فى حديث أبى بكرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول دبُر كل صلاة: " اللهم عافنى فى بدنى اللهم عافنى فى سمعى اللهم عافنى فى بصرى اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت " أخرجه أبو داود والحاكم وصححه السيوطى (¬1) {503} (2) وما فى حديث عبد الله بن الزبير قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم فى دبُر الصلاة أو الصلوات يقول: لا إله إلا الله وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبدُ إلا إياه، أهلَ النعمِة والفضِل والثناءِ الحسن، لا إله إلا الله ¬

(¬1) انظر رقم 1510 ص 135 ج 2 - فيض القدير (والفقر) أى الذى لا خير معه ولا ورع، وقرنه بالكفر لأنه قد يجر إليه ففى الحديث " كاد الفقر ان يكون كفراً " أخرجه أو نعيم فى الحلية عن أنس وهو ضعيف (انظر رقم 6199 ص 542 ج 4 - فيض القدير).

مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {505} (4) وما فى حديث أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم اللهم أذهب عنى الهم والحزن " أخرجه ابن السنى، وكذا الطبرانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال: باسم الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عنى الهم والحزن. وفيه زيد العمىّ وثقه غير واحد وضعفه الجمهور (¬2) {506} (5) وما فى حديث الحارث بن مسلم التميمى قل: " قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتلكم اللهم أجِرْنى من النار سبع ¬

(¬1) ص 94 ج 1 بدائع المنن (الخروج من الصلاة بالسلام وما يقال ويفعل عقبه) وص 66 ج 4 - الفتح الربانى. وص 91 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة) وص 171 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم). وص 196 ج 1 - مجتبى (التهليل بعد التسليم) و (أهل النعمة) بالنصب على الاختصاص أو المدح أو البدل من مفعول نعبد أو الرفع بتقدير هو. ولفظ الشافعى ومسلم: له النعمة وله الفضل. (¬2) ص 110 ج - 10 - مجمع الزوائد (الدعاء فى الصلاة وبعدها)

مرات فإنك إن مُتّ من يومك ذلك الكتب الله لك جِواراً من النار. وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم: اللهم إنى أسألك الجنة اللهم أجِرنْى من النار سبعْ مرات فإنك إن مُتّ من ليلتك تلك كَتب الله لك جِواراً من النار " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند جيد (¬1) {507} (6) وما فى حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال قبل أن ينصرف ويَثنَى رجله من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير، يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مرات كُتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومُحِيتْ عنه عشر سيئات، ورفُعِ له عشر درجات، وكانت له حِرزاً من كل مكروه، وحِرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحِلّ لذنْب أن يدركه إلا الشرك، فكان من أفضل الناس عملا إلا رجلا يفُضلُه يقول أفضل مما قال " أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط والترمذى بسند صحيح خلا شهر بن حوشب فإنه مختلف فيه. ضعفه بعضهم ووثقه البعض وحديثه حسن (¬2) {508} (7) وما فى حديث أم سلمة أن فاطمة جاءت إلى نبى الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 56 ج 4 - الفتح الربانى. وص 321 ج 4 - سنن أبى داود (ما يقول إذا أصبح - أبواب النوم). (¬2) ص 67 ج 4 - الفتح الربانى. وص 107 ج 1 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب). وص 252 ج 4 - تحفة الأحوذى (فضل التسبيح والتبكير .. ) (وحرزاً من شيطان) يعنى أنه إذا قالها بإخلاص ومراقبة لله تعالى كانت سبباً فى حفظه من وساوس الشيطان. و (يدركه) أى يهلكه ويبطل عمله. والمعنى أنّ الله تعالى يغفر لمن قال هذا الذكر فى يومه وليلته ما اكتسبه من ذنب ولا ينبغى لأى ذنب أن يدركه وحبط به سوى الشرك. قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

تشتكى إليه الخِدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجِلَتْ يدِى من الرحى أطَحن مرة وأعجِن مرة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يرزقكِ الله شيئاً يأتِك، وسأدلك على خيرٍ من ذلك: إذا لزِمْتِ مضجعك فسبّحى الله ثلاثاً وثلاثين وكبِّرى ثلاثاً وثلاثين واحَمدىِ أربعاً وثلاثين، فذلك مائة، فهو خير لك من الخادم. وإذا صلّيت صلاةَ الصبح فقولى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تُكتَب عشر حسنات، وتَحُط عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كُسِبَ ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك. لاإله إلا الله وحده لا شريك له وهو حَرَسُكِ - ما بين أن تقوليه غُدْوَة إلى أن تقوليه عَشِيَّةً - من كل شيطان ومن كل سوء " أخرجه أحمد والطبرانى بسند حسن (¬1) {509} (8) وما فى حديث أبى أُمامة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال دبُر كل صلاة الغداة: لا إله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير، وهو على كل شئ قديرٌ مائة مرة قبل أن يَثنى رجليه، كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال " أخرجه الطبرانى فى الكبير والوسط ورجال الأوسط ثقات (¬2) {510} ¬

(¬1) ص 68 ج 4 - الفتح الربانى. وص 108 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب) و (مجلت) بفتح الجيم وكسرها أى ثخن جلدها وظهر فيها بثر من آثار العمل الشاق. (¬2) ص 108 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب).

(9) وما فى حديث علىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم من الصلاة قال: اللهم اغفر لى ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما أعلنت وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به منى، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت " أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى (¬1) {511} (10) وما فى حديث شداد بن أسو قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا كلماتٍ ندعو بهنّ فى صلاتنا أو قال فى دبُر صلاتنا اللهم إن أسألك الثبات فى الأمر وأسألك عزيمة الرُّشد وأسألك شكر نعمتِك وحسنَ عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأستغفرك لما لا أعلم وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى (¬2) {512} فينبغى للعاقل أن يحرص ويحافظ على هذه الأذكار ليكون بها فى حرم منيع وحصن حصين لا يستحله الشيطان ولا يهتك حرمته ولا يبقى للذنب معها أثر (وليحذر) مما يفعله بعض الجهلة من قراءة الفاتحة بعد الصلاة بنية كذا لعدم وروده (قال) الصنعانى: وأما قراءة الفاتحة بينه كذا وبنية كذا كما يفعل الآن، فلم يرد بها دليل بل هى بدعة (وأما) الصلاة على النبى صلى الله علهي وسلم بعد تمام التسبيح وأخويه ن الثناء، فالدعاء بعد الذكر سنة، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أمام الدعاء كذلك سنة أهـ (¬3). ¬

(¬1) ص 56 ج 4 - الفتح الربانى. وص 174 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم). (¬2) ص 56 ج 4 - الفتح الربانى (الأدعية الواردة عقب الصلاة) و (العزيمة) الجد فى الطلب. و (الرشد) بفتحتين أو بضم فكسور، الاهتداء والثبات على القح. وهذا من جوامع الدعاء لأن من ثبته الله فى أمره عصم من الوقوع فى الموبقات ووفق للطاعات. و (سليما) أى خالياً من كدر المعصية كالغل والحقد. (¬3) ص 323 ج 1 - سب السلام (صفة الصلاة).

(فوائد) الأولى: هذه الأذكار والأدعية بعد الصلاة مستحبة لكل مصل اتفاقا. ويسنّ استقبال القبلة حالها، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل شئ سيدا، وسيد المجالس قبالة القبلة " أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن (¬1) {513} وقد استقبل صلى الله عليه وسلم القبلة حال الدعاء فى غير موطن كدعاء الاستسقاء ويوم بدر. ووجهه أنّ الدعاء عبادة والقبلة هى الجهة التى يتوجه إليها العابدون والعابدات. ومنه تعلم ما فى قول الصنعاتى: ودعاء الإمام مستقبل القبلة مستدبراً للمأمومين فلم تأت به سنة، بل الذى ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل المأمومين إذا سلم (قال) سمرة بن جندب: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى (¬2) {514} وظاهرة المداومة على ذلك أهـ (¬3). ولا دليل فى هذا الحديث على ما ادعاه، لأن غاية ما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد السلام يقبل على المأمومين، وهو لا يقتضى أنه كان يستمر مستدبراً القبلة حال الذكر والدعاء. (الثانية) يطلب الإسرار بالذكر بعد الصلاة إلا الإمام يريد تعليم القوم فيجهر لحاجة التعليم فقط. وعليه يحمل (قول) ابن عباس: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وقال: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " أخرجه السبعة (¬4) {515} ¬

(¬1) ص 512 ج 2 فيض القدير (شرح رقم 2421) وقبالة الشئ بالضم تجاهه. (¬2) ص 227 ج 2 - فتح البارى (يستقبل الإمام الناس إذا سلم). (¬3) ص 323 ج 1 - سبل السلام (صفة الصلاة). (¬4) ص 71 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة) وص 84 ج 5 نووى. وص 121 ج 6 - المنهل العذب (التكبير بعد الصلاة).

(وحديث) ابن الزبير رضى الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى (¬1). وقال فى الأم بعد هذين الحديثين: وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يحب أن يُتعَلم منه فيجهر حتى يرَى أنه قد تُعِلِّم منه ثم يُسِرّ، فإن الله عز وجل يقول: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا (¬2)} يعنى الدعاء (ولا تجهر) ترفع (ولا تخافت) حتى لا تُسمع نفسك. وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبى صلى الله عليه وسلم (وما روى) ابن عباس من تكبيره كما روينا، وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم النسا مه، وذلك لأن عامة الروايات التى كتبناها مع هذا وغيرها، ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير. وقد ذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهرا. وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر قال: وأسحتب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة (¬3). (وقال) النووى: واحتج البيهقى وغيره لتفسيره الآية بحديث عائشة رضى الله عنها قالت فى قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} ¬

(¬1) تقدم رقم 504 ص 343. (¬2) سورة الإسراء عجز آية: 110 وصدرها: قل ادعوا الله. (¬3) ص 110 ج 1 - الأم (كلام الإمام وجلوسه بعد السلام).

نزلت فى الدعاء. أخرجه الشيخان (¬1). وهكذا قال أصحابنا إن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكونإماما يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا، فإذا تعلموا أسرها. واحتج البيهقى وغيره على الإسرار بحيث أبى موسى الأشعرى قال: " كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشْرَفنا على واد هللَّنا وكبّرنا وارتفعت أصواتُنا. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اربَعوا على أنفسِكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنه معكم سميع قريب " أخرجه الشيخان (¬2) {516} ومنه تعلم " أن ما عليه " غالب الناس اليوم من رفعهم الصوت بالاستغفار وبعض الأذكار على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة " أمر محدث " مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، والخير فى الاتباع (قال) ابن الحاج: فى المدخل وينبغى للإمام أن ينهى الذاكرين جماعة فى المسجد قبل الصلاة أو بعدها أو غيرهما من الأوقات، لأنه مما يشوش به وفى الحديث " لا ضرر ولا ضرار " (¬3) {517} فأى شئ كان فيه تشويش منه أهـ بتصرف. (الثالثة) يسنّ للداعى رفع يديه حال الدعاء، ومسح وجهه بهما بعده خارج الصلاة (¬4) (لحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " سَلوا الله ببطون أكُقِّكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا ¬

(¬1) ص 140 ج 1 - تيسير الوصول (قبل سورة الكهف). (¬2) ص 332 ج 7 - فتح البارى (غزوة خيبر). وص 487 ج 3 - شرح المهذب. واربعوا بفتح الباء، أى ارفقوا. (¬3) أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس بسند حسن (انظر رقم ص 32 فتاوى أئمة المسلمين). (¬4) أما الدعاء فى الصلاة فلم يثبت فيه مسح الوجه بعده.

بها وجوهكم " أخرجه أبو داود. وقال: روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد ابن كعب كلها واهية. وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا (¬1) {518} (قال) الحافظ فى بلوغ المرام: وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره. ومجموعهما يقضى بأنه حديث حسن (¬2) (ولحديث) يزيد ابن سعيد أنّ النبى صلى اله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه " أخرجه أبو داود، وفى سنده عبد الله بن لهيعة متكلم فيه، وحفص ابن هشام مجهول، فالحديث ضعيف (¬3). {519} وهو يدل بمفهومه على أنه إن لم يرفع يديه فى الدعاء لم يمسح وجهه وهو مسلِّم فقد كان النبى صلى الهل عليه وسلم يرفع يديه فى الدعاء تارة وتارة لا يرفع. (وهذه) الأحاديث وإن كانت ضعيفة غلا أنها لكثرتها يقوّى بعضها بعضا (وأما) حديث أنس أنّ النبى صل الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه فى شئ من الدعاء إلا فى الاستسقاء فإنه كان يرفه يديه حتى يُرى بياضُ إبْطيه أخرجه الشيخان وأبو داود (¬4) {520} (فيجمع) بينه وبين هذه الأحاديث بأن الرماد به أنه كان لا يرفع يديه رفعاً مبالغاً فيه إلا فى الاستسقاء. ¬

(¬1) ص 150 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء) وأمثلها: أى أحسنها. ووجه ضعفه أن فى سنده عبد الله بن يعقوب عمن حدّثه وهو أبو المقدام هشام بن زياد. ضعفه غير واحد من الحفاظ وقال فيه ابن حبان: يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. (¬2) ص 343 ج 4 - سبل السلام (الذكر والدعاء). (¬3) ص 156 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء). (¬4) ص 352 ج 2 - فتح البارى (رفع الإمام يده فى الاستسقاء). وص 190 ج 6 - نووى. وص 11 ج 7 - المنهل العذب (رفع اليدين فى الاسقاء).

والحاصل " أن رفع اليدين " فى الدعاء أى دعاء كان، وفى أى وقت كان بعد الصلوات الخمس أو غيرها "أدب" من أحسن الآداب، دلت عيه الأحاديث عموما وخصوصا ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع فى الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوما لجميعهم فلم يعنوا بذكره فى هذا الحين. وإنكار الحفاظ ابن القيم رفع اليدين فى الدعاء بعد الصلوات وهم منه (قال) القسطلانى: الصحيح استحباب الرفع فى سائر الأدعية. رواه الشيخان وغيرهما (وحديث) أسن فى الصحيحين لا يرفع إلا فى الاستسقاء " مؤول " على أنه لا يرفعهما رفعاً بليغا. وورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام فى مواضع كرفع يديه حتى رؤى غُفْره إبطيه حين استعمل ابن اللُّتْبية (¬1) على الصدقة كما فى الصحيحين. ورفعهما أيضاً فى قصة خالد بن الوليد قائلا: اللهم إنى أبرا إليك مما صنع خالد. رواه البخارى والنسائى. ورفعهما عى الصفا. رواه مسلم وأبو داود. ورفعهما ثلاثاً بالبقيع مستغفراً لأهله. رواه البخار فى رفع اليدين ومسلم. وحين تلا قوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ} قائلا: اللهم أمتى أمتى. وراه مسلم. ولما بعث جيشاً فيهم على قائلا: اللهم لا تُمِتنْى حتى تَرِينى عليا. رواه الترمذى. ولما جمع أهل بيته وألقى عليهم الكساء قائلا: اللهم هؤلاء أهل بيتى. رواه الحاكم وقد جمع النووى فى شرح المهذب نحواً من ثلاثين حديثا فى ذلك من الصحيحين وغيرهما (¬2) ثم قال: والحاصل استحباب الرفع فى كل دعاء إلا ما جاء مقيداً بما يقتضى عدمه ¬

(¬1) العفرة كغرفة بياض غير خالص. وابن اللتبية: بلام مضمومة وتاء ساكنة وباء مكسورة وياء مشددة نسبة إلى لتب حى من أزد، واسمه عبد الله. (¬2) ص 240 ج 2 - إرشاد السارى. شرح صحيح البخارى (رفع الناس أيديهم مع الإمام فى الاستسقاء) ..

كدعاء الركوع والسجود ونحوهما (¬1). (الرابعة) يستحب استفتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وختمه بهما وعليه الإجماع (لقول) فَضالة بِن عُبيد: " بينا رسول الله صلى الله لعيه وسلم قاعد غذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لى وارحمنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجِلتَ أيها المصلِّى، إذا صليت فقعدْتَ فاحمدَ الله بما هو أهله وصلّ علىّ ثم ادْعُه. ثم صلّى رجل آخر فحمِد الله وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أيها المصلى ادع تُجَب " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنة الترمذى. هذا لفظه (¬2) {521} (ولقول) علىّ رضى الله عنه: كل دعاء محجوب حتى يُصلَّى عل محمد وآل محمد. أخرجه البطرانى فى الأوسط والبيهقى فى الشعب بسند رجاله ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصح. قاله المنذرى (¬3). هذا. ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام. ولقارئ الحديث وغيره إذا ذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته بالصلاة والسلام عليه بلا مبالغة فاحشة. وتقدم أنها تصح بأى صيغة، وأن الأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة لأنها أكثر ثواباً وهى كثيرة تقدم بعضها (¬4). (ومنها) ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من سرّة أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلَّى عليما أهلَ البيت فليقل: اللهم صلى ¬

(¬1) ص 241 ج 2 - إرشاد السارى (رفع الإمام يده فى الاستسقاء). (¬2) ص 22 ج 4 - الفتح الربانى. وص 146 ج 8 - النهل العذب (الدعاء). وص 253 ج 4 - تحفة الأحوذى (جامع الدعوات .. ). (¬3) ص 160 ج 10 مجمع الزوائد (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء وغيره). (¬4) انظر ص 170 (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

على محمد النبىّ وأزواجِه أمّهاتِ المؤمنين وذرّيِته وأهلِ بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1). {522} ¬

(¬1) ص 95 ج 6 - المنهل العذب (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم) وعلى الجملة فقد ورد فى صيغها أخبار وآثار كثيرة منها الصحيح والسن والضعيف، فليأخذ السالك ما صح وما حسن منها وهو ما تقدم، ويترك الضعيف وما الأصل له ولا دليل عليه ومنه صلاة الفاتح وهى: اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق، والهادى إلى صراطك المستقيم. وقد بالغ بعض المتصوفة فى هذه الصيغة مبالغة لا تحتمل لا يشهد لها نقل ولا يقبلها عقل. قال العلامة الصاوى فى شرح صلوات الدردير: ثم شرع فى صيغة تسمى صلاة الفاتح تنسب لسيدى محمد البكرى وذكر أن من صلى بها مرة واحدة فى عمرة لا يدخل النار. قال بعض سادات المغرب: إنها نزلت عليه فى صحيفة من الله وأن قراءتها مرة تعدل ثواب ست ختمات قرآنية وأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبرنى بذلك أهـ. وهذا القول إن صح يجب تأويله. وقال بعضهم المرّة منها تعدل عشرة آلاف، وقيل ستمائة ألف. من داوم عليها أربعين يوما تاب الله عليه من جميع الذنوب. ومن تلاها ألف مرة فى ليلة الخميس أو الجمعة أو الاثنين اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم، وفى الثانية الزلزلة كذلك، وفى الثالثة الكافرون كذلك، وفى الرابعة المعوذتين كذلك أهـ (انظر ص 39 الأسرار الربانية على الصلوات الدرديرية) سبحانك هذا بهتان عظيم وضلال مبين يحمل من لا عقل له على عدم تلاوة شئ من القرآن وارتكاب ما يراه من الزور والبهتان، مكتفياً بتلاوة هذه الصيغة المبتدعة .. والله سبحانه وتعالى إنما بعيد بما شرع ويتقرب إليه بما ورد لا بالمحدثات والبدع. قا لالشيخ محمد حسنين مخلوف فى المنهج القويم: ولعله أشار بقوله قال بعض سادات المغرب وقال بعضهم الخ - إلى الشيخ التجانى وأتباعه. وعلى كل حال سواء أكانت منسوبة إلى سيدى محمد البكرى أو يغره فهى ليست من كلام الله القديم أو كلام من أنزلت عليه صحيفتها النورية. ولم ينقل عن أحد أنها ليست من تأليف القطب البكرى سوى الضيخ التجانى فيما رواه عنه = تلميذه الشيخ على حرازم وتبعه سائر التجانية زاعمين أن الشيخ محمد عبد الواحد التجانى قال: أخبرنى صلى الله عليه وسلم أن صلاة الفاتح لم = تكن من تأليف القطب البكرى ولكنه توجه إلى الله = مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فنزلت عليه هذه الصلاة مكتوبة فى صحيفة من النور أهـ. وهذا الخبر على تقدير صحته لا يفيد أن الصيغة الفتحية من كلام الله القديم. انظر تزييف هذا الزعم بالمنهج القويم فى بيان أن الصلاة الفتحية ليست من كلام الله القديم.

(12) ويسنّ للإمام إذا سلم من الصلاة أن يبقى فى مكانه مستقبلا القبلة حتى يستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام الخ. ثم ينحرف عن يمينه أو عن يساره أو يستقبل المأمومين بوجهه (لقول) عائشة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لم يقعدْ إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {523} (ولحديث) قَبيصة بن هُلْب عن أبيه قال: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فينصرف عل جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله " أخرجه أ [وداود وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أى جانبيه شاء. وقد صح الأمران عن النبى صلى الله عليه وسلم (¬2) {524} (ولقول) سُمرة بن جُنْدُب: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى (¬3) {525} فقد دلت هذه الأحاديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ¬

(¬1) ص 46 ج 4 - الفتح الربانى. ولفظه: ما كان النبى صلى الله عليه وسلم الخ. وص 90 ج 5 - نووى. وص 154 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال بعد التسليم). وص 244 ج 1 - تحفة الأحوذى (استحباب الذكر بعد الصلاة). (¬2) ص 174 ج 6 - المنهل العذب (كيف الانصراف من الصلاة) وص 154 ج 1 - ابن ماجه. وص 247 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) ص 227 ج 2 - فتح البارى (يستقبل الإمام الناس إذا سلم).

ينصرف بعد السلام من الصلاة عن يمينه، وأحيانا ينصرف عن شماله. وأحيانا يقبل على الناس بوجهه (واختلف) العلماء فى الأفضل من هذه الكيفيات (فقالت) المالكية والشافعية والحنبلية: الأفضل الانصراف عن اليمين بأن يجعل يساره إلى القبلة ويمينه إلى الناس إلا إذا كانت له حاجة جهة اليسار فينصرف إليها (لقول) أنس: " أما أنا فأكثُر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يميِنه " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬1) {526} (ولقول) علىّ رضى الله عنه: إن كانت حاجتُه عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجتُه عن يساره أخذ عن يساره. أخرجه الترمذى (¬2). (وقال) الحنفيون: يستحب الانصراف إلى جهة اليسار بأن يجعل يمينه إلى القبلة ويساره إلى الناس (لقول) ابن مسعود: " لا يجعل أحدُكم للشيطان شيئا من صلاته، يرَى أن حقا عليه ألاّ ينصرف إلا عن يمينه. لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره " أخرجه السبعة إلا الترمذى، وهذا لفظ البخارى (¬3) {527} وهو لا يعارض حديث أنس السابق. وفى رواية مسلم: أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله، وهى تعارض حديث أنس، لأن كلا منهما بصيغه أكثر (قال) الحافظ: ويجمع بينهما بأنه صلى الله ¬

(¬1) ص 47 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 5 - نووى (الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال). (¬2) ص 247 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬3) ص 46 ج 4 - الفتح الربانى. وص 219 ج 5 - نووى (الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال). وص 175 ج 6 - المنهل العذب (كيف الانصراف من الصلاة) وص 154 ج 1 - ابن ماجه. وص 229 ج 2 - فتح البارى (الانصراف عن اليمين والشمال) و (يرى) بفتح الياء، أى يعتقد أن الانصراف للمين فقط حق عليه.

عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وهذا تارة. فأخبر كل بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف إلى اليمين. ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة فى المسجد. لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر. ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأني رجح رأى ابن مسعود لأنه أعلم وأسنّ وأجل وأكثر ملازمة للنبى صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه فى الصلاة من أنس، ولأن فى إسناد حديث أنس من تُكِلِّم فيه وهو السُّدى، ولأن حديث ابن مسعود متفق عليه ويوافق ظاهر الحال، لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت على يساره بخلاف حديث أنس فى الأمرين. ثم ظهر لى أنه يمكن الجمع بوجه آخر وهو أن من قال أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته فى حال الصلاة. ومن قال أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته فى حال استقباله القوم بعد سلامة من الصلاة. فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء: يستحب الانصراف إلى جهة حاجته، وإذا استوى الجهتان فاليمين أفضل لعموم الأحاديث فى فضل التيامن (¬1). والحكمة فى طلب انحراف الإمام عن القبلة بعد انقضاء الصلة واستقباله المأمورين كلا أو بعضاً أن يُعلِّمهم ما يحتاجون إليه. وقيل ليعرف الداخل انقضاء الصلاة إذا لو استمر الإمام على هيئته لتوهم أنه فى التشهد مثلا. (وقال) ابن المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة. ¬

(¬1) ص 229 ج 2 - فتح البارى.

فإذا انقضت الصلاة زال السبب واستقبلهم حينئذ لرفع الخيلاء ولارتفع عن المأمومين أهـ. (13) ويستحب الإمام - عند الأئمة والجمهور - تعجيل الانتقال من مصلاه بعد سلامه، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام الخ (¬1). وهو يرد ما قاله بعض المالكية من كراهية قيام الإمام من مكان صلاته بعد السلام (وقالت) أم سلمة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساءُ حين يقضِى تسليمَه ويمكث فى مكانه يسيراً قبل أن يقوم (قال) ابن شهاب: فنُرى والله أعلم أن ذلك كان لكى ينصرف النساءُ قبل أن يدركَهُن الرجال " أخرجه الشافعى وأحمد والبخارى (¬2) {528} ومقتضى هذا التعليل أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يطلب هذا المكث، وأن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع. ولا يعارض هذا ما تقدم من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة، لأنهلا يلزم من طلب الذكر بعد الصلاة تأديته فى المكان الذى صلى فيه، لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها سواء أكان ماشياً أم قاعداً فى محل آخر " نعم " ما ورد مقيداً بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: من قال قبل أن ينصرف ويثنى رجله من صلاة المغرب والصبح (¬3) " ظاهره " المعارضة لحديث عائشة المذكور، ويمكن دفعها بحمل مشروعية الإسراع بانتقال على الغالب، أو على ماعدا ما ورد مقيداً ¬

(¬1) تقدم رقم 523 ص 355. (¬2) ص 92 ج 1 - بدائع المنن. وص 50 ج 4 - الفتح الربانى. وص 238 ج 2 - فتح البارى (صلاة النساء خلف الرجال). (¬3) تقدم رقم 508 ص 345.

بذلك من الصلوات، أو على أن اللبْثَ مقدار الإتيان بالذكر المقيد لا نافى الإسراع فإنه أمر نسبى. واللبث بمقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك. (14) ويستحب لكل مصل الفصل بين الفرض والنافلة بنحو كلام أو ذكر أو انتقال (روى) عبد الله بن رباح ع رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلى فرآه عمر فقال له: اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَضل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن ابن الخطاب " أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح (¬1) {529} وهذا متفق عليه غير أنهم اختلفوا فى قدر الفاصل (فقال) الحنفيون: يستحب ألا يفصل بين الفرض والنافلة إلا بقدر ما فى حديث عائشة: اللهم أنت السلام الخ. أو بقدر ما فى حديث المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ (¬2). وقال جمهور السلف والخلف: يستحب الفصل بين الفرض والنافلة بالأذكار الواردة عقب الصلوات كالاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل. (15) ويستحب لكل مصل أراد التنفل بعد الفرض الانتقال إلى موضع آخر يتطوّع فيه (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أيعجِز أحدُكم أن يقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله فى الصلاة؟ ¬

(¬1) ص 234 ج 2 - مجمع الزوائد (الفصل بين الفرض والتطوع). (¬2) تقدم رقم 505 ص 344.

يعنى فى السُّبحة " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى. وفى سنده إبراهيم بن إسماعيل، قال أبو حاتم مجهول (¬1) {530} (وقال) علىّ رضى الله عنه: من السنة ألا يتطوّعَ الإمام حتى يتحوّل من مكانه. أخرجه ابن أبى شيبة. ولهذا قالت الأئمة: يكره التنفل فى مكان الفرض. وكذا يطلب الانتقال لكل صلاة يفتتحها من النوافل. فإن لم ينتقل ينبغى أن يفصل بالكلام (لقول) السائب بن يزيد: " صليتُ مع معاويةَ بن أبى سفيان الجمعةَ فلما سلّم قمت فى مقامى فصليت فقال: لا تعُدْ لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تِصلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أمر ألاّ توصَلّ صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلى أو يخرج " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقى (¬2) {531} والحكمة فى استحباب الانتقال خشية التباس النافلة بالفريضة وتكثير مواضع العبادة والشهود، فإن مكان المصلى يشهد له يوم القيامة (قال) أبو هريرة: " قرأ صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: أتدرون ما أخبارُها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهدَ على كل عبد وأمة بما عمِل على ظهرها تقول: عمِل يوم كذا وكذا، كذا وكذا " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وصححه (¬3) {532} ¬

(¬1) ص 51 ج 4 - الفتح الربانى. وص 1524 ج 6 - المنهل العذب (الرجل يتطوع فى مكانه الذى صلى فيه المكتوبة). وص 225 ج 1 - ابن ماجه (صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة) و (يعجز) من باب ضرب وفى لغة من باب تعب. و (السبحة) التطوع. (¬2) ص 51 ج 4 - الفتح الربانى. وص 170 ج 6 - نووى (الصلاة بعد الجمعة) وص 300 ج 6 - المنهل العذب. (¬3) ص 217 ج 4 - تحفة الأحوذى (سورة إذا زلزلت).

(الرابع عشر) هديه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة

ومحل استحباب الانتقال إن لم تدع الحاجة إلى عدمه كضيق المكان. (الرابع عشر) هديه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة قد بينت لك أيها المؤمن أعمال الصلاة من فرائض وواجبات وسنن وآداب داخل الصلاة وخارجها مفصلة بالأدلة تفصيلا لم تره من قبل. وإنى ذاكر لك هنا ثلاثة أحاديث فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون سراجا منيرا يتضئ بها المعتدى ويهتدى بها الضال. (1) قالت عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتِتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله ربِّ العالمين، فإذا ركع لم يُشْخِصْ رأسَه ولم يُصَوِّبه ولكن بين ذلك. وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوىَ قائما وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجدْ حتى يستوىَ قاعدا، وكان يقول فى كل ركعتين التحيةَ وكان يكره أن يفترش ذراعية افتراشَ السبُع وكان يفرِشُ رجله اليسرى وينصبُ رجله اليمنى وكان ينهى عن عَقِب الشيطان وكان يختم الصلاة بالتسليم " أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {533} (2) وقال وائل بن حُجْر: " لأنظُرَنّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلى فنظرت إليه قام فاستقبل القبلة فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرسِغ والساعدى، ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلَها، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، ثم ¬

(¬1) ص 145 ج 3 - الفتح الربانى. وص 213 ج 4 - نووى (ما يجمع صفة الصلاة) و (افتراش السبع) أن يبسط الرجل ذراعيه فى السجود كما يبسط الكلب والذئب يديه. و (عقب) بفتح فكسر، وهو الإقعاء فى الجلوس بأن يلصق الرجل أليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض.

رفع رأسه فرفع يديه مثلَها، ثم سجد فجعل كفيه بحِذاء أذنيه، ثم قعد فافترَش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبتِه اليسرى، وجعل حدّ مِرْفَقه الأيمن على فخذِه اليمنى ثم قبض بين أصابعه فخلّق بالوسطى والإبهام وأشار بالسبابة ثم رفع أُصبُعَه فرأيتُه يحرّكها يدعو بها " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند جيد (¬1) {534} (3) وقال محمد بن عطاء: سمعت أبا حُميد الساعدى فى عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة. قال أبو حُميد أنا أَعْلَمُكْم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فَلِمَ؟ فوالله ما كنتِ بأكثرِنا له تبعا، ولا أقدَمِنا له صُحبة. قال بلى قالوا فاعِرض قال: كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنْكِبيه، ثم يكبر حتى يِقرّ كلُّ عظم منه فى موضعه مُعْتدلا، ثم يقرأ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنكِبيه ثم يركع ويضعُ راحَتَيه على ركبتيه ثم يعتدِلُ ولا يَطُبّ رأسه ولا يُقْنِع ثم يرفعُ رأسه فيقول سمع الله لمن حمده. ثم يرفع يديه حتى يُحاذِىَ بهما منكبيه معتدلا. ثم يقول: الله اكبر ثم يهوى إلى الأرض فيُجافى يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويَثنى رجلَه اليسرى ويقعد عليها ويَفْتخُ أصابع رجلَيه إذا سجد ثم يسجدُ ثم يقول اللهُ أكبر. يورفع رأسه ويثنى رجله اليسرى فيقعدُ عليها حتى يَرْجِع كل عظم على موضعه. ثم يصنعُ فى الأخرى مثل ذلك. ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يُحاذى بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يضع ذلك فى كل بقية صلاته حتى إذا كانت السجدُ التى فيها التسليم أخّر ¬

(¬1) ص 147 ج 3 - الفتح الربانى. وص 63 ج 6 - المنهل العذب (كيف الجلوس فى التشهد). وص 141 ج 1 - مجتبى (موضع اليمين من الشمال فى الصلاة) و (حدّ المرفق) طرفه.

رجله اليسرى وقعد مُتورِّكا على شقه الأيسر ثم سلم. قالوا صدقتَ. هكذا كان يصلى صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى (¬1) {535} فقد اشتملت هذه الأحاديث على كيفية الصلاة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى معظم أركان الصلاة وواجباتها وسننها على ما تقدم بيانه، ودلت على وجوب الطمأنينة فى الركوع والسجود وباقى الأركان والاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين. ومنه تعلم سوء حال من لا يرفعون رءوسهممن الركوع والسجود إلا شيئاً يسيراً بدون طمأنينة محتجين بأنه ليس ركناً عند الحنفيين وقد تقدم أنه فرض عند أبى يوسف وواجب عند النعمان ومحمد. وعلى فرض أنه سنة فقط فَلِمَ يتركون السنة؟ ألم يتذكروا قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (¬2)} ألم يسمعوا (قول) البنى صلى الله عليه وسلم: " يا معشر المسلمينَ: إنه لا صلاة لم لا يُقيمُ صُلبه فى الركوع والسجود " أخرجه أحمد وابن ماجه وابنحبان وابن خزيمة بسند جيد رجاله ثقات عن علىّ بن شبيان (¬3) {536} ¬

(¬1) ص 153 ج 2 - الفتح الربانى (جامع صفة الصلاة). وص 131 ج 5 - المنهل العذب (فاتتاح الصلاة). وص 249 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة). وص 146 ج 1 - ابن ماجه (رفع اليدين إذا ركع .. ) (فلا يصب) بفتح فضم. وفى نسخة فلا يصوّب رأسه أى لم يُمِلْه إلى أسفل (ويقنع) بضم أوله من أقنع إذا رفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره (ويفتخ) بالخاء المعجمة، أى يثنيها بأن يجعل بطون الأصابع إلى الأرض ورءوسها إلى القبلة. (¬2) سورة الأحزاب: آية 21. (¬3) ص 268 ج 3 - الفتح الربانى (وجوب الرفع من الركوع). وص 147 ج 1 - ابن ماجه (الركوع فى الصلاة).

(وقوله) صلى الله عليه وسلم: " لا ينظُر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صُلْبه بين ركوعها وسجودها " أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات عن طلق بن على الحنفى (¬1) {537} والأحاديث فى هذا كثيرة وكلها تدل على أن صلاة غالب أهل الزمان غير صحيحة، فإنهم لا يطمئون فى ركوعهم واعتدالهم وسجودهم وجلستهم بين السجدتين كما هو مشاهد ويدّعون أنهم اطمأنوا طمأنينة كافية، ولا يقبلون النصيحة ممن نصحهم بل يشنعون عليه تشنيعاً لا يصدر بعضه منهم لمن اقترف إثماً عظيما. وياليتهم وقفوا عند هذا الحدّ، بل تجاوزوه إلى إيذاء من رأوه يصلى صلاة صحيحة، وإذا صلى أحدهم خلف من وقفه الله للصلاة الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب عليه وربما قطع الصلاة وصار يقبح فعله ويجهله ويقول: قال صلى الله عليه وسلم: " من أَمّ بالناس فليخفف " جهلا منه بالتخفيف المأمور به فى الحديث وقد تقدّم بيانه (¬2). نعوذ بالله من نفوسنا ومن الجهل المركب وعمى البصيرة. (ولا تستغرب) أيها العاقل هذا من أهل زمانك، فقد وقع التساهل فى الصلاة من زمن بعيد (قال) الإمام أحمد رحمه الله: وقد جاء فى الحديث: يأتى على الناس زمان يصلون ولا يصلون، وقد تخوّفت أن يكون هذا الزمان، ولقد صليت فى مائة مسجد فما رأيت أهل مسجد يقيمون الصلاة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم ¬

(¬1) ص 268 ج 3 - الفتح الربانى. وص 120 ج 2 - مجمع الزوائد (فى الركوع والسجود). (¬2) ص 281 (القراءة فى العشاء).

فاتقوا الله وانظروا فى صلاتكم وصلاة من يصلى معكم (¬1) أهـ (وهذا) بالنسبة لأهل زمانه رحمه الله تعالى (¬2) فما بالك بأهل زماننا الذى صار المعروف فيه منكرا، المنكر معروفا، والسُّنَّة بدعة، والبدعة سنة، ومُظْهِر الحق ماله من نصير، ومظهر الباطل له أنصار، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (وما) أجهل هؤلاء الذين لم يطمئنوا فى صلاتهم: (أ) بأن من ينقر صلاته يموت على غير ملة الإسلام والعياذ بالله تعالى كما تقدم (¬3). (ب) بأن من فرط فى شئ من الصلاة دعت عليه ورُدّت عليه (روى) عُبادة بن الصامت أنّ النى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحسن الرجلُ الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتنى فترفع، وإذا أساء الصلاة فلم يُتِم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضَيعّك الله كما ضّعتنى فتَلَفّ كما يُلف الثوب الخلَق فيُضرب بها وجهُه " أخرجه أبو داود الطيالسى (¬4) {538} (وقال) عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأ العبدُ فأحسن الوضوءَ ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت: حفظ الله كما حفظتنى. ثم أُضعِد بها إلى السماء ولها ضَوء ونور ¬

(¬1) انظر ص 5 - كتاب الصلاة للإمام أحمد. (¬2) وهم أهل القرن الثانى والثالث، فقد ولد الإمام أحمد ببغداد فى العشرين من ربيع الأول سنه 164 وتوفى فى العاشر أو الحادى عشر من ربيع الأول سنة 241. (¬3) تقد رقم 211 ص 155 (الرفع من الركوع .. ). (¬4) انظر رقم 364 ص 294 ج 1 - فيض القدير. وفى سنده: (أ) محمد بن مسلم بن أبى وضاح وثقه جمع وتكلم فيه البخارى. (ب) أحوص بن سليم ضعفه النسائى. و (الخلق) بفتحتين البالى.

وفَتحِت لها أبوابُ السماء وإذا لم يحُسن البعد الوضوء ولم يتم الركوعوالسجود والقراءة قالت: ضيعك الله كما ضيعتنى، ثم أضْعِد بها على السماء وعليها ظلمة وغلِّقتْ دونها أبواب السماء، ثم تُلف كما يُلف الثوب الخلَق، ثم يضرب بها وجه صاحبها " أخرجه البطراى فى الكبير والبزار بنحوه. وفيه الأحوص بن حكيم وثقه ابن المدينى والعجلى وضعفه جماعة وبقية رجاله موثقون (¬1) {539} فليحرص العقال على إحسان الصلاة وإكمالها بحضور القلب والخشوع فيها. وليحذر التفريط فيها والتساهل فى إتمامها. وليجعل نَصْبِ عينه قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (¬2)} (فإنما) كبرت على غير الخاشعين لخلوّ قلوبهم من محبة الله تعالى وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد فى الصلاة وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وُسْعَهُ فى إقامتها وإتمامها على قدر رغبته فى الله تعالى (قال) الإمام أحمد: وقد جاء فى الحديث: لاحظَّ فى الإسلام لمن ترك الصلاة: فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به. وإنما حظهم من الإسلام على قدر رغبتهم فى الصلاة، فاعرف نفسك يا عبد الله وأحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام فى قلبك كقدر الصلاة فى قلبك (¬3) (وقال) ابن القيم: وليس حظ القلب - لعامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه - من الصلاة كحظ القلب الخالى الخراب من ذلك. فإذا وقف الإنسان بين يدى الله فى الصلاة ¬

(¬1) ص 122 ج 2 - مجمع الزوائد (من لا يتم صلاته ونسى ركوعها وسجودها). (¬2) سورة البقرة: آية 45، 46. (¬3) ص 7 كتاب الصلاة.

وقف هذا بقلب مُخْبِت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء قد امتلآت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان وكُشِف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات، فيرتع فى رياض معانى القرآن، ويُخالط قلبَه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم وتفردُّ الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله، فاجتمع همه على الله وقَرَّت عينه به وأحسّ بقربه من الله قرباً لا نظير له، ففرّغ قلبه له وأقبل عليه بكليته. هذا " ومن " تفقه فى معانى القرآن وعجائب الأسماء والصفات وخالط بشاشة الإيمان به قلبه " يرى " لكل اسم وصفة موضعاً من صلاته ومحلا منها (فإنه) إذا انتصب قائماً بين يدى الرب تبارك وتعالى، شاهد بقلبه فيوميته (وإذا) قال الله أكبر شاهد كبرياءه (وإذا قال) سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك ولا إله غيرك، شاهد بقلبه رباًّ منزهاً عن كل عيب، سالماً من كل نقص، محموداً بكل حمد. فحُمدْه يتضمن وصفَه بكل كمال. وذلك يستلزم براءته من كل نقص، تبارك اسمه، فلا يُذكر على قليل إلا كثَرة، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على شيطان إلا ردّة خاسئاً مدحورا. وكمال الاسم من كمال مسماه. فإذا كان هذا شأن اسمه الذى لا يضر معه شئ فى الأرض ولا فى السماء، فشأن المسمى أعلى وأجل (وتعالى جدّ) أى ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنه على كل شان، وقهر سلطانه كل سلطان. فتعالى جدّه أن يكون معه شريك فى ملكه وربوبيته أو فى إلهيته أو فى أفعاله أو فى صفاته كما قال مؤمنو الجن {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً} (وإذا) قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد

واعتصم بحوله وقوّته من عدوّه الذى يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالا (فإذا) قال الحمد لله رب العالمين وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدنى عبدى (فإذا) قال الرحمن الرحيم، انتظر جوابه مجَّدَنى عبدى. فيالّذة قلبه وقُرَّة عينه وسرورَ نفسه بقول ربه: عبدى ثلاث مرات (فوالله) لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيْم النفوس لطارت فرحاً وسروراً بقول ربها وفاطرها ومعبودها: حمدنى عبى وأثنى علىّ عبدى ومجدنى عبدى. ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التى هى أصول الأسماء الحسنى وهى الله والرب والرحمن " فشاهد " قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلهاً معبوداً موجوداً مخوفا لا يستحق اعبادة غيره، ولا تنبغى إلا له، قد عنت له الوجوه وخضعت فه الموجودات، وخشعت له الأصوات: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ (¬1)} {وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (¬2)} وشاهَد من ذكر اسمه " رب العالمين " قيوما قام بنفسه وقام بسببه كل شئ فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد تفرّد بتدبير ملكه (ثم يشهد) عند ذكر اسم الرحمن جل جلله ربًّا محسنا إلى خلقه بأنواع الإحسان، متحبباً إليهم بصنف النعم وَسِعَ كلَّ شئ رحمة ولما، وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلا، فوسعت رمته كل شئ ووسعت نعمته كل حى، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه، وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته، وأرسل رسله برحمته، وشرع شرائعه برحمته، وخلق الجنة برحمته، ¬

(¬1) سورة الإسراء: آية 44. (¬2) سورة الروم: آية 26.

والنارَ أيضاً برحمته، فإنها سوطه الذى يسوق به به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران المودين من أهل معصيته، وسبحنه الذى يسجن فيه أعداءه عن خليقته (فتأمّل) ما فى أمره ونهيه ووصايا هـ ومواعظه من الرمة البالغة والنعمة السابغة (فالرحمة) هى السبب المتصل منه بعبادة كما أنّ العبودي هى السبب منهم المتصل به. فمنهم إليه العبودية، ومنه إلهيم الرحمة (فإذا) قال " مالك يوم الدين " فهنا يشهد المجد الذى لا يليق بسوى الملك الحق المبين. فيشهد ملكا قاهراً قد دانت له الخليفة، وعنت له الوجوه، وذلت لعظمته الجبابرة، وخضع لعزته كل عزيز، فيشهد بقلبه حقائق الأسماء والصفات التى تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له. فإن المَلِك الحق التام المُلِك لا يكون إلا حياًّ قيّوما سميعا بصيراً مدبراً قادراً متكلما آمراً ناهيا، يرسل رسله إلى أقاصى مملكته بأوامره، فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدينه، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويُقْضيه. فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، ويعطى م يشاء ويقرّب من يشاء، ويقصى من يشاء. له دار عذاب وهى النار. وله دار سعادة وهى الجنة (فمن) أبطل شيئاً من ذلك أو جحده وأنكر حقيقته، فقد قدح فى ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامه (وكذلك) من أنكر عموم قضائه وقدَره فقد أنكر عموم ملكه وكماله. فيشهد المصلى مجد الرب تعالى فى قوله " مالك يوم الدين " (فإذا) قال " إياك نعبد وإياك نستعين " ففيهما سرّ الخلق والأمر والدنيا والآخرة. وهى متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل. فأجلّ الغايات عبوديته. وأفضل الوسائل إعانته. فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غير. فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته، ويهدى إلى الصراط المستقيم برحمته (ثم) يشهد الداعى - بقوله " اهدنا الصراط المستقيم " - شدّة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التى ليس هو إلى شئ

أشدَّ فاقةً وحاجة منه إليها ألبتَّة. فإنه محتاج إليه فى كل نفَس وطرُفة عين (وهذا) المطلوب م هذا الدعاء لا يتم إلا بالهداية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه والهداية فيه. وهى هداية التوفيق وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوفيقه لإيقاعه له على الوجه المرضى المحبوب للرب سبحانه وتعالى وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله (ثم بيّن) أنّ أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمته دون المغضوب عليهم، وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه، ودون الضالين وهم الذين عبدوا الله بغير علم (فالطائفتان) اشتركتا فى القول فى خلقه وأمره وأسمائه وصفاته بغير علم. فسبيل المنعَم عليهم مغايرة لسبيل أله الباطل كلها علما وعملا (فلما فرغ) من هذا الثناء والدعاء والتوحيد، شرع له أن يطبع على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له وافق فيه ملائكة السماء (وهذا) التامين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذى هو زينة الصلاة واتباع للسنة وتعظيم أمر الله وعبودية اليدين وشعار الانتقال من ركن إلى ركن (ثم يأخذ) فى مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الإمام بالإنصات وحضور القلب وشهوده (وأفضل) أذكار الصلاة ذكر القيام. وأحسن هيئة المصلى هيئة القيام. فخصت بالحمد الثناء والمجد وتلاوة كلام الربِّ جل جلاله. ولهذا نهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض، ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه فى حال انخفاضه هو وخضوعه فيقول: سبحان ربى العظيم وهو أفضل ما يقال فيه. وبالجملة فسر الركوع تعظي الرب عز وجل بالقلب والقاَلب والقول (¬1) ثم قال: ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله بحسب نصيبه من ¬

(¬1) نقل ملخصاً من ص 179 إلى 185 كتاب الصلاة لابن القيم.

عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية كانت أفضل أعمال العبد. وكان السجود أفضل أركانها الفعلية وسرها التى شرعت لأجله. وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربى الأعلى. وهذا أفضل ما يقال فيه (¬1) (وأطلت) فيما نقلت لما اشتمل عليه من نفائس الفوائد. وعجائب الأسرار. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل تم بحمد الله وتوفيقه الجزء الثاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث. وأوله: الجماعة في الصلاة ¬

(¬1) ص 190 منه ..

جـ 3

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء الثالث عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الثالثة سنة 1401 هـ - 1980 م

(الأول) الوتر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. هذا والكلام هنا ينحصر فى اثنى عشر أصلا. (الأول) الوتر ... لما كان للوتر شبه واتصال برواتب الصلاة وسننها، ذكر بعدها. وهو - بفتح الواو وكسرها - لغة: ضد الشفع. وشرعاً: صلاة مخصوصة يأتى بيانها. والكلام فيه ينحصر فى ثلاثة عشر فرعاً. (1) حكمه: هو سنة مؤكدة عند مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد بن الحسن والجمهور " لقول " علىّ رضى الله عنه. الوتر ليس بحتم كالصلاة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وحسنه والحاكم وصححه (¬1) {1} " وقال "عاصمُ بنُ حمزة: سألت علياً عن الوتر أحقٌّ هو؟ فقال: أمّا كحق الصلاة فلا ولكن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغى لأحد أن يتركه. أخرجه أبو حنيفة وكذا عبد بن حُميد بلفظ: ليس الوتر بحتم كالصلاة ولكنه سنة فلا تدَعوه (¬2) {2} " وروى " عبد الرحمن بن أبى عَمرة البخارى أنه سأل عبادة بن الصامت عَن الوتر فقال: أمرٌ حسن عمل به النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬3) {3} ¬

(¬1) ص 278 ج 4 - الفتح الربانى. وص 246 ج 2 مجتبى (الأمر بالوتر). وص 336 ج 1 تحفة الأحوذى (ما جاء أن الوتر ليس بحتم). وص 300 ج 1 - مستدرك (الوتر). (¬2) ص 83 ج 1 - عقود الجواهر المنيفة (الوتر). (¬3) ص 300 ج 1 - مستدرك.

والصحيح عن أبى حنيفة أنه واجب " لحديث " عبد الله بن بُريدة عن أبيه أبن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حقٌ فمن لم يوتر فليس منا. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه، وفى سنده عَبَيْد الله العُتَكىُّ وثقه الحاكم وابن معين، وقال أبو حاتم صالح الحديث وتكلم فيه النسائى، وقال البيهقى لا يحتج به (¬1) {4} " وعن " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الوتر واجب على كل مسلم. أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير وفى سنده. (أ) جابر الجُعفى ضعفه الجمهور، ووثقه الثورى. (ب) والنضر أبو عمرو هو ضعيف جداً (¬2) {5} (وأجاب) الجمهور عن هذا بأنه ضعيف لا يحتج به، وعن حديث بريدة بأنه محمول على تأكيد سنية الوتر، جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على عدم الوجوب. (وأجاب) أبو حنيفة عن أدلة الجمهور بأنها كانت قبل الوجوب، أو أنها محمولة على أن الوتر ليس بفرض كالمكتوبة، وإنما هو واجب ثبت بالسنة. قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة فى هذا (وروى) حماد بن زيد عنه أنه فرض، وبهذا أخذ زفر (وروى) نوح عنه أنه سنة. وجمع بين الروايات بأنه فرض عملا، وواجب اعتقاداً، وسنه دليلا. (قال ابن الهمام) والحق أنه لم يثبت عندهما دليل الوجوب فنفياه. وثبت عنده (¬3) فهو سنة عندهما عملا واعتقاداً ودليلا، إلا أنه آكد من سائر. السن المؤقتة. ¬

(¬1) ص 274 ج 4 - الفتح الربانى. وص 44 ج 8 - المنهل العذب (منا لم يوتر). وص 470 ج 2 - السنن الكبرى (تأكيد صلاة الوتر). وص 305 ج 1 - مستدرك. وحق: أى ثابت من حق الشئ ثبت و " ليس منا " أى ليس من أهل طريقتنا الكاملة. (¬2) ص 240 ج 2 - مجمع الزوائد (ما جاء فى الوتر). (¬3) ص 300 ج 1 - فتحد القدير (صلاة الوتر).

(2) وقت الوتر: وقته عند الأئمة الثلاثة والجمهور من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " لحديث " عمرو بن العاص عن أبى بصرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله زادكم صلاة، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر. أخرجه أحمد والطحاوى والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح، خلا علىّ بن إسحاق شيخ أحمد وهو ثقة. قاله الهيثمى (¬1) {6} (وقال الحنفيون) وقته وقت العشاء " لحديث " خارجةَ بن حُذافة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قد أمدكم بصلاة وهى خير لكم من حُمُر النَّعَم وهى الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر. أخرجه البيهقى والدار قطنى والحاكم والأربعة إلا النسائى. وقال الترمذى حديث غريب (¬2) {7} لكنهم قالوا: لا يقدم الوتر عند التذكر على صلاة العشاء للترتيب، فلو قدمه ناسياً لا يعيده، وكذا لو صلاها بلا طهارة ثم نام فقام وتوضأ وصلى الوتر ثم تذكر أنه صلى العشاء بلا طهارة أعادها دونه. (وعن) بعض الشافعية أنه يدخل وقته بمغيب الشفق ولو لم تصلّ العشاء، لكنه ضعفه العراقى وغيره. هذا. وقد أوتر النبى صلى الله عليه وسلم فى أول الليل وأوسطه وآخره واستقر فعله صلى الله عليه وسلم له آخر الليل " قالت " عائشة رضى الله عنها: ¬

(¬1) ص 397 ج 6 مسند أحمد. وص 250 ج 1 شرح معانى الآثار (الوتر). وص 239 ج 2 مجمع الزوائد (ما جاء فى الوتر). (¬2) ص 469 ج 2 - السنن الكبرى. وص 274 - الدار قطنى. وص 36 مستدرك. وص 43 ج 8 المنهل العذب (استحباب الوتر). وص 335 ج 1 تحفى الأحوذى (ما جاء فى فضل الوتر). وص 184 ج 1 - سنن ابن ماجه. و (النعم) بفتحتين، المراد بها الإبل، وخصت بالذكر ترغيباً فى فعل الوتر، لأن (النعم الحمر) أعز الأموال عند العرب والغرض التقريب إلى الأفهام، وإلا فموضع سوط فى الجنة خير من الدنيا. وكذا الوتر خير من الدنيا وما فيها.

من كل الليل قد أوتر النبى صلى الله عليه وسلم، من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر. أخرجه الشافعى والسبعة وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬1) {8} (وقال) أبو مسعود الأنصارى: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولَ الليل وأوسطه وآخره. أخرجه أبو داود الطيالسى وكذا أبو حنيفة وزاد ليكون ذلك واسعاً على المسلمين. أىّ ذلك أخذوا به كان صواباً. غير أن من طمع بقيام الليل فلْيَجعل وتره الليل، فإن ذلك أفضل (¬2) {9} هذا. ويستحب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه، ومن لم يثق يوتر قبل النوم لما تقدم، ولحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من خاف ألا يقوم آخرَ الليل فليوتر أوله ثم لْيرقد. ومن طمِع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخرِ الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل. أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه (¬3) {10} (3) الوتر لا يتكرر: ومن أوتر قبل النوم ثم استيقظ صلى ما كُتب له ولا يعيد الوتر، لقول طلق بن علىّ: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: لا وتران فى ليلة. ¬

(¬1) ص 110 ج 1 بدائع المنن (وقت الوتر). وص 283 ج 4 - الفتح الربانى. وص 333 ج 2 فتح البارى (ساعات الوتر) وص 24 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر) وص 74 ج 8 - المنهل العذب (وقت الوتر) وص 247 ج 1 - مجتبى. وص 337 ج 1 تحفة الأحوذى (الوتر من أول الليل وآخره) وص 186 ج 1 - سنن ابن ماجه (الوتر آخر الليل). (¬2) ص 86 سند الطيالسى (أحاديث ابن مسعود البدرى .. ) وص 87 ج 1 عقود الجواهر المنيفة (سعة وقت الوتر). (¬3) 287 ج 4 - الفتح الربانى (وقته المستحب) ولفظه من ظن. وص 34 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر) وص 337 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية النوم قبل الوتر) ولفظه من خشى منكم. وص 186 ج 1 - سنن ابن ماجه (الوتر آخر الليل) و (مشهودة محضورة) أى تشهدها وتحضرها الملائكة.

أخرجه أحمد وابن حبان وصححه الثلاثة وحسنه الترمذى (¬1) {11} " وروى " سعيد بن المسيب. أن أبا بكر وعمر تذاكر الوتر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أما أنا فأوتِر أول الليل فإذا استيقظتُ صليت شفعاً حتى الصباح. وقال عمر: لكنى أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر. فقال النبى صلى الله عليه سلم لأبى بكر: حَذرَ هذا: وقال لعمر: قَوِىَ هذا. أخرجه الشافعى والطحاوى وهذا لفظه (¬2) {12} ورواية الشافعى ليس فيها زيادة: فإذا استيقظت صليت شفعاً شفعاً. وزيادة العدل مقبولة، فصح الاستدلال بها على جواز التنفل بعد صلا الوتر، وأن الوتر لا يعاد. وبه قال أكثر العلماء من السلف والخلف منهم الثورى والأئمة الأربعة وابن المبارك، وحكاه القاضى عياض عن كافة أهل الفتيا. وقال الترمذى: وهذا أصح لأنه قد روى من غير وجه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعد الوتر (¬3) (وقال) إسحاق بن راهويه وجماعة: يجوز لمن أوتر قبل النوم ثم استيقظ نقض وتره الأول بأن يضم إليه ركعة ثم يصلى ما بدا له ثم يُوتر آخر صلاته " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً. أخرجه أحمد والشيخان والثلاثة (¬4) {13} ¬

(¬1) ص 308 و 309 ج 4 - الفتح الربانى. وص 77 ج 8 - المنهل العذب (نقض الوتر) وص 247 ج 1 مجتبى (النهى عن الوترين فى ليلة) وص 344 ج 1 تحفة الأحوذى (لا وتران فى ليلة) أى لا يجتمع أو لا يجوز وتران فى ليلة. فوتران فاعل لمحذوف. ويحتمل أن لا عاملة عمل ليس، أو عمل إن على لغة من يلزم المثنى الألف. والنفى فيه بمعنى النهى، أى لا توتروا مرتين فى ليلة. (¬2) ص 111 ج 1 بدائع المنن (وقت الوتر) وص 202 ج 2 شرح معانى الآثار. و (حذر) كتب أى أخذ بالحزم والاحتياط حذراً من أن يأخذه النوم. و (قوى) أى أخذ بقوة العزيمة على القيام آخر الليل. (¬3) ص 345 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬4) ص 287 ج 4 - الفتح الربانى (وقته المستحب آخر الليل) وص 333 ج 2 فتح البارى (ليجعل آخر صلاته وتراً) وص 32 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر) وص 76 ج 8 المنهل العذب (وقت الوتر) وص 247 ج 1 مجتبى (وقت الوتر).

وقد سئل ابن عمر عن الوتر فقال: أمّا أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردتُ أن أصلى بالليل شفعتُ بواحدة ما مضى من وترى ثم صليت مثنى مثنى، فإذا قضيتُ صلاتى أوترتُ بواحدة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُجعل آخِر صلاة الليل الوتُر. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {14} (وقال علىُّ) الوتر ثلاثة أنواع: فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلىَ ركعتين ركعتين حتى يُصبحَ ثم يوتر فَعَل، وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يُصبحَ. وإن شاء أوتر آخر الليل. أخرجه الشافعى فى مسنده بسند رجاله ثقات. وأخرجه الطحاوى عن حطّانَ ابن عبد الله قال: سمعت علياً رضى الله عنه يقول: الوتر على ثلاثة أنواع: رجل أوتر أول الليل ثم استيقظ فصلى ركعتين. ورجل أوتر الليل فاستيقظ فوصل إلى وتره ركعة فصلى ركعتين ركعتين ثم أوتر. ورجل أخّرَ وتره على آخر الليل (¬2) {1} وروى ابن نصر نحوه عن عثمان وابن عباس: (وأجاب) الأولون: (أ) بأن الأمر فى حديث: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، للندب جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر (كحديث) عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعات وركعتين وهو جالس. فلما ضعُف أوتر بسبع وركعتين وهو جالس. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3) {15} (وحديث) أبى أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع حتى إذا بدُن أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ بإذا زلزلت وقل ¬

(¬1) ص 310 ج 4 - الفتح الربانى (ختم صلاة الليل بالوتر .. ) و (مثنى مثنى) أى اثنتين اثنتين. ومثنى غير منصرف للوصفية والعدل وكرر للمبالغة. (¬2) ص 110 ج 1 بدائع المنن (وقت الوتر) وص 201 ج 1 شرح معانى الآثار (التطوع بعد الوتر). (¬3) ص 297 ج 4 - الفتح الربانى (الوتر بسبع وتسع .. ) وص 281 ج 7 - المنهل العذب (صلا ة الليل)

يأيها الكافرون. أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬1) {16} وأيضاً فإن حديث " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " يدل على أنه لا يجوز نقضه، لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره، فإذا نام ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك، ولا يعقل أن تتصل هذه الركعة بالتى صلاها أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام، بل هما صلاتان متباينتان. فمن فعل ذلك فقد أوتر ثلاث مرات: مرة فى أول الليل، ومرة بهذه الركعة التى نقض بها الوتر، ومرة بما يوتر به آخر صلاته، وخالف حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، لأنه جعله فى أول الليل ووسطه وآخره، وخالف حديث لا وتران فى ليلة، لأنه أوتر ثلاث مرات. (ب) بأن ما ذكر من الآثار عن علىّ وغيره لا تعارض المرفوع. (وروى) محمد بن نصر آثاراً تؤيد أن الوتر لا ينقض فقال: سُئِلَتْ عائشة عن الرجل يُوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة ثم يوتر بعد. قالت: ذاك الذى يلعب بوتره. {2} (وقال أبو هريرة) إذا صليتُ العشاء صليت بعدها خمسَ ركعات ثم أنام. فإن قمت صليت مثنى مثنى. {3} (وسئل) رافع بن خديج عن الوتر فقال: أمّا أنا فإنى أوتر من أول الليل فإن رًزّقْتُ شيئاَ من آخره صليتُ ركعتين ركعتين حتى أُصْبحَ. {4} وقال مالك: من أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلى فليصل مثنى مثنى وهو أحب ما سمعتُ إلىَّ. قال ابن نصر: وهذا هو مذهب الشافعى ¬

(¬1) ص 297 ج 4 - الفتح الربانى. وص 241 ج 2 - مجمع الزوائد (عدد الوتر) و (بدن) كقرب وقعد: أى عظم بدنه بكثرة لحمه.

وأحمد وهو أحب إلىَّ، وإن شفع وتره اتباعاً للأخبار التى رويناها رأيته جائزاً (¬1). (4) عدد ركعات الوتر: أقله ركعة، وأكثر إحدى عشرة وأدنى الكمال ثلاث، وأوسطه خمس وسبع وتسع " لحديث " أبى أيوب الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال: أوْتِرْ بخمس فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {17} وأخرجه الدار قطنى والطحاوى والنسائى والحاكم وأبو داود بلفظ: الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل (¬3). {18} (وقال) عبد الله بن أبى قيس: سألت عائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث. ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاثَ عشْرةَ ولا أنقص من سبعٍ. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند جيد (¬4). {19} والرماد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصل ليلا أقل من سبعِ ولا أكثر من ثلاث عشرة ركعة بالوتر. ولاختلاف الروايات فى عدد ركعات الوتر، اختلف الأئمة فى ذلك. فقال مالك: الوتر يكون بواحدة يسبقها شفع، لقول ابن عمر: قال رجل: يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلى من الليل؟ قال: يصلى أحدكم ¬

(¬1) ص 129 قيام الليل (من أنكر أن يوتر مرتين فى ليلة). (¬2) ص 292 - ج 4 - الفتح الربانى. (¬3) ص 171 - سنن الدار قطنى. وص 249 ج 1 مجتبى (الاختلاف فى حديث أبى أيوب فى الوتر) وص 303 ج 1 - مستدرك. وص 48 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل). (¬4) ص 298 ج 4 - الفتح الربانى. وص 294 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل).

مثنى مثنى فإذا خَشِىَ الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى من الليل أخرجه السبعة. وهذا لفظ أحمد (¬1). {20} (وقال) أبو مِجْلز: سألت ابن عباس وابن عمر عن الوتر فقال كلٌّ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوتر ركعة من آخر الليل. أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {21} (وقال) الحنفيون: لا يكون الوتر إلا بثلاث بسلام فى آخرهن. وبه قال عُمر وعلىّ وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس " لقول " عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاثٍ لا يسلم إلا فى آخرهن. أخرجه البيهقى والحاكم وصححه وقال: على شرطهما (¬3). {22} " ولحديث " علىّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث. أخرجه أحمد والترمذى وقال: قال سفيان: والذى أستحب أن يوتر بثلاث ركعات. وهو قول ابن المبارك وأهل الكوفة (¬4). {23} (وعن) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات أخرجه أبو حنيفة والطحاوى (¬5). {24} " وقال " الشافعى وأحمد: يكون الوتر بواحدة وثلاث إلى إحدى عشرة والأفضل فى الثلاث أن تكون بسلامين، وتجوز بسلام واحد لا يجلس إلا فى آخرها، وبتشهدين وسلام كالمغرب. ويجوز فى الخمس وما فوقها السلام ¬

(¬1) ص 291 ج 4 - الفتح الربانى. وص 325 ج 2 فتح البارى (أبواب الوتر) وص 31 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر). وص 255 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل مثنى .. ) وص 247 ج 1 مجتبى (كم الوتر) وص 204 ج 1 - سنن ابن ماجه (ما جاء فى صلاة الليل وركعتين). (¬2) ص 292 ج 4 الفتح الربانى. وص 303 ج 6 نووى مسلم. و (مجلز) كمنبر. (¬3) ص 38 ج 3 - السنن الكبرى. وص 304 ج 1 مستدرك. (¬4) ص 295 ج 4 - الفتح الربانى. و 338 ج 1 تحفة الأحوذى (الوتر بثلاث). (¬5) ص 85 ج 1 عقود الجواهر المنيفة (الوتر ثلاث ركعات).

من كل ركعتين ثم صلاة ركعة بتشهد وسلام، وهذا أفضل فى الإحدى عشرة، وكذا فيما دونها عند الشافعية. ويجوز صلاة الكل بتشهد واحد وسلام. وهو الأفضل فى الخمس والسبع والتسع عند الحنبلية. ويجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام. ومذهب الشافعى وأحمد هو الراجح الذى تشهد له الأدلة (قال) الترمذى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاثَ عشْرة ركعة وإحدى عشرة ركعة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة. قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " كان يوتر بثلاث عشرة ركعة " أنه كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر " يعنى من جملتها الوتر " فنسبت صلاة الليل إلى الوتر (¬1) وعلى الجملة فقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فى الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة " كحديث " أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس وسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا بكلام. أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه بسند جيد (¬2) {25} " وكقول " عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاثَ عشْرة ركعةً يوتر من ذلك بخمس لا يجلس فى شئ إلا فى آخرها أخرجه مسلم (¬3) {26} والأحاديث هنا كلها صحاح صريحة لا معارض لها سوى قوله صلى الله ¬

(¬1) 338 ج 1 تحفة الأحوذى (الوتر يسبع). (¬2) ض 297 ج 4 - الفتح الربانى. وص 249 ج 1 - مجتبى (كيف الوتر بخمس) وص 187 ج 1 - سنن ابن ماجه (الوتر بثلاث وخمس وسبع) والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر أحياناً بخمس - وبعدم الفصل يصرن وتراً. فإذا فصل بسلام فما بعد الفصل هو الوتر. (¬3) ص 17 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل) و (ثلاث عشرة) منها ركعتا الفجر، ففى رواية عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل من الليل ثلاث عشر ركعة بركعتى الفجر. أخرجه مسلم ص 17 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل).

عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، وهو حديث صحيح (¬1)، لكن الذى قاله هو الذى أوتر بالسبع والخمس. وسننه كلها حق يُصدّق بعضها بعضاً. فالنبى صلى الله عليه وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى، ولم يسأله عن الوتر. وأما السبع والخمس والتسع والواحدة، فهى صلاة الوتر. والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة. فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة، كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها كما قال صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشى الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى (¬2) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وصدًق بعضُه بعضاً. (5) ما يقرأ فى الوتر: يقرأ فى كل ركعة منه الفاتحة وسورة. ويُسَنُّ - عند الحنفيين وأحمد - أن يقرأ فى الأولى سبح اسم ربك الأعلى، وفى القانية قبل يأيها الكافرون، وفى الثالثة قل هو الله أحمد " لقول " أُبىً: بن كعب: كان النبى صلى الله عليه وسلم يُوتر يسبح اسم ربك الأعلى، وقل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى، وزاد: ولا يُسلِّم إلا فى آخرهن. وأخرجه أبو حنيفة والطحاوى عن ابن مسعود، وأخرجه أبو حنيفة والحاكم وصححه عن عائشة (¬3). {27} هذا. والجلوس الأول واجب عند الحنفيين فى الوتر كالفرض والنفل. ¬

(¬1) أخرجه السبعة عن أبى عمر. وتقدم بلفظ آخر رقم 20 ص 9 و 10. (¬2) أخرجه السبعة عن أبى عمر. وتقدم بلفظ آخر رقم 20 ص 9 و 10. (¬3) ص 306 ج 4 - الفتح الربانى. وص 51 ج 8 - المنهل العذب (ما يقرأ فى الوتر). وص 184 ج 1 - سنن ابن ماجه. وص 248، 249 ج 1 مجتبى (اختلاف الناقلين لخبر أبى بن كعب). وص 86 ج 1 عقود الجواهر المنيفة (ما يقرأ فى ركعات الوتر).

(وقالت) المالكية والشافعية: يستحب أيضاً قراءة المعوذتين فى الثالثة بعد قل هو الله أحد، لقول عبد العزيز بن جُريج: سألت عائشة بأى شئ كان يُوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ فى الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفى الثانية بقل يأيها الكافرون، وفى الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: حسن غريب (¬1). {28} لكن فى سنده خُصَيف وفيه لين، وعبد العزيز بن جريج وفيه مقال. قال فى التقريب: لم يسمع من عائشة، وأخطأ خُصَيف فصرح بسماعه. وإنما حسنة الترمذى، لأنه روى من عدة طرق إسناد بعضها جيد (فقد رواه) الترمذى والدار قطنى وابن حبان والحاكم من حديث عَمْره عن عائشة، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وتفرد به يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد. وفيه مقال لكنه صدوق. وقال العقيلى: إسناده صالح لكن حديث ابن عباس وأبىّ بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح (¬2). وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسور أُخر. قال علىّ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتر بتسع سور من المفصّل، يقرأ فى الركعة الأولى ألهاكم التكاثر، وإذا أنزلناه فى ليلة القدر، وإذا زلزلت الأرض. وفى الركعة الثانية والعصر، وإذا جاء نصر الله والفتح، وإنا أعطيناك الكوثر. وفى الثالثة قل يأيها الكافرون، وتبت يدا أبى لهب، وقل هو الله أحد. أخرجه أحمد ومحمد بن نصر، وفى سنده الحارث الأعور. قال فى التقريب: ¬

(¬1) ص 356 ج 4 - الفتح الرباى. وص 52 ج 8 - المنهل العذب وص 184 ج 1 - سنن ابن ماجه (ما جاء فيما يقرأ فى الوتر) وص 341 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 176 سنن الدار قطنى. وص 305 ج 1 مستدرك (الوتر).

كذبه الشعبى فى رأيه وفى حديثه ضعف (¬1). {29} وورد عن بعض الصحابة التابعين القراءة بغير ما ذكر، فعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ فى الوتر فى أول ركعة خاتمةَ البقرة، وفى الثانية إنا أنزلناه فى ليلة القدر. وربما قرأ قل يأيها الكافرون، وفى الثالثة قل هو الله أحد. {5} (ولما أمر) عمر بن الخطاب أُبىَّ بن كعب أن يقوم بالناس فى رمضان كان يوتر بهم فيقرأ فى الركعة الأولى إنا أنزلناه فى ليلة القدر، وفى الثانية بقل يأيها الكافرون، وفى الثالثة بقل هو الله أحد. {6} (وقال) علىّ رضى الله عنه ليس من القرآن شئ مهجور فأوتر بما شئت. روى هذه الآثار محمد بن نصر (¬2). {7} (وعن أبى مِجْلز) أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين، ثم صلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمىّ حيث وضع رسول الله صل الله عليه وسلم قدميه، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه النسائى (¬3). {30} (6) حكم القنوت فى الوتر: تقدم بيان ذلك فى واجبات الصلاة مختصراً (¬4). ويزاد هنا (قال) ابن سيرين والزهرى والشافعى: لا قنوت فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان، وروى عن أحمد واختار، أبو بكر الأثرم وأبو داود " لقول " الحسن البصرى: إن عمَر جمع الناس على أُبىّ بن كعب فكان يصلى لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا فى النصف الباقى، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى فى بيته فكانوا يقولون: أبَقَ أُبَىٌّ. أخرجه أبو داود ¬

(¬1) ص 304 ج 4 - الفتح الربانى. وص 126 قيام الليل (ما يقرأ به فى الوتر). (¬2) ص 127 منه. (¬3) ص 251 ج 1 مجتبى (القراءة فى الوتر) (ما ألوت) أى ما قصرت فى (أن أضع قدمى) الخ. (¬4) تقدم ص 192، 193 ج 2.

والبيهقى (¬1) وفيه انقطاع، فإن الحسن لم يدرك عمر (¬2) {8} وكان ابن عمر لا يقنت فى الصبح ولا فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان. أخرجه محمد بن نصر بسن صحيح. {9} وقال الزهرى: لا قنوت فى السنة كلها إلا فى النصف الآخر من رمضان أخرجه محمد بن نصر (¬3). {10} ومحل القنوت عند الشافعية وأحمد بعد الركوع وروى عن الخلفاء الأربعة (لقول) الحسن بن علىّ: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وترى إذا رفعت رأسى ولم يبق إلا السجود: اللهم اهدنى فيمن هديتَ (الحديث) أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين والبيهقى وقال: تفرد به أبو بكر بن شيبة الخزاعى (¬4) وقد روى عنه البخارى وذكره ابن حبان فى الثقات، فلا يضر تفرده. {31} ولا منفافاة بين روايات القنوت فى الوتر بعد الركوع وقبله لأنه من باب المباح، فيجوز القنوت قبله وبعده، لورود كلٍّ عن النبى صلى الله عليه وسلم. قال حُميد: سألت أنساً عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع فقال: كنا نفعل قبل وبعد. أخرجه محمد بن نصر (¬5). {11} وقال طاوس: القنوت فى الوتر بدعة وروى عن مالك، فقد سئل عن ¬

(¬1) ص 66 ج 8 المنهل العذب (القنوت فى الوتر) وص 498 ج 2 - السنن الكبرى (من قال لا يقنت فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان) و (أبق) بفتح الياء وكسرها أى هرب، شبهوه بالعبد الآبق لكراهتهم تخلفه. (¬2) لأن الحسن ولد سنة إحدى وعشرين ومات عمر فى آخر سنة ثلاث وعشرين، أو فى أول أربع وعشرين. (¬3) ص 132 قيام الليل (ترك القنوت فى الوتر إلا فى النصف الآخر من رمضان). (¬4) ص 172 ج 3 مستدرك. (¬5) ص 133 قيام الليل (القنوت قبل الركوع).

الرجل يقوم لأهله فى رمضان أَيَقْنت بهم فى النصف الباقى من الشهر؟ فقال لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أولئك قنت وما هو بالأمر القديم وما أفعله أنا فى رمضان أخرجه محمد بن نصر (¬1). {12} وقال ابن العربى: اختلف قول مالك فيه فى صلاة رمضان قال: والحديث لم يصح والصحيح عندى تركه إذ لم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم من فعله ولا قوله. وفيه نظر. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم القنوت فى الوتر فى كل السنة كما تقدم. قال العراقى: الحديث فيه صحيح أو حسن. (7) دعاء الوتر: ليس فيه دعاء معين فقد ورد فيه أدعية (منها) ما قال الحسن بن علىّ: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن فى قنوت الوتر: اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يُقضى عليك، وإنه لا يَذِل من واليت، ولا يَعِز من عاديتَ، تباركتَ ربنا وتعاليتَ. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى بسند صحيح. وقال الترمذى. حديث حسن لا يعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم وأله وسلم شئ أحسن من هذا. وأخرجه البيهقى والنسائى من طريق موسى بن عُقبة عن عبد الله بن علىّ عن الحسن، وزاد بعد قوله تباركت وتعاليت " وصلى الله على النبى محمد " (¬2). {32} ¬

(¬1) ص 132 قيام الليل (من يقنت فى الوتر). (¬2) ص 199 ج 1 - مسند أحمد (حديث الحسن بن على .. وص 54 ج 8 - المنهل العذب (القنوت فى الوتر) وص 252 ج 1 مجتبى (الدعاء فى الوتر) وص 185 ج 1 - سنن ابن ماجه (القنوت فى الوتر) وص 342 ج 1 تحفة الأحوذى وص 290 ج 2 - السنن الكبرى (دعاء القنوت) و (اهدنى) أى ثبتنى على الهداية مع من هديتهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وإذا كان إماماً عمم فى الدعاء فيقول: اللهم اهدنا = الخ (وقنى شر) أى احفظى من السخط = وعدم الرضا ونحوها مما يترتب على ما قضيته على (فانك تقضى .. ) أى تحكم بما تريد، ولا يحكم عليك، فإنه لا راد لما قضيت (وإنه لا يذل .. ) يذل بفتح الياء وكسر الذال، أى لا يخذل من واليته من عبادك ولا يكون لمن عاديته عز فى الدنيا ولا فى الآخرة وإن أعطى من نعيم الدنيا ما أعطى (تباركت) أى كثر برك وإحسانك، وتنزهت عما لا يليق بجلالك وكمالك.

(قال النووى) هذا لفظه فى رواية النسائى بإسناد صحيح أو حسن (¬1). وردَّة الحافظ فى التلخيص بأنه منقطع فإن عبد الله بن على لم يدرك الحسن بن على (وتوقف) ابن حزم فى صحة الحديث قال: وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج به فإنا لم نجد فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم غيرهَ. وقد قال أحمد رحمه الله: ضعيفُ الحديث أحبُّ إلينا من الرأى (¬2) " ومنها " ما رَوى عُبيدُ الله بن عُمير أن عمر قنت فى الوتر قبل الركوع فقال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك ويكذِّبون رُسُلك ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذى لا تردُّه عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونُثنى عليك ولا نكفرُك ونخلع ونترك من يفجرُك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد، ولك نسعى ونَحفِد نرجو رحمتك وتخاف عذابك الجِدَّ، إن عذابك بالكافرين مُلحِق. أخرجه محمد بن نصر والبيهقى وقال: هذا صحيح موصول (¬3). {13} " وروى " علىُّ كرم الله وجهة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول ¬

(¬1) ص 499 ج 3 شرح المهذب (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد القنوت). (¬2) ص 148 ج 4 - المحلى (القنوت فى الوتر). (¬3) ص 134 قيام الليل (ما يدعى به فى قنوت الوتر) وص 210 ج 2 - السنن الكبرى (دعاء القنوت) و (قنت قبل الركوع) فى رواية البيهقى: قنت بعد الركوع و (أهل الكتاب) خصهم لأنهم كانوا يقاتلون المسلمين حينئذ. وأما الآن فالمختار أن يقال: اللهم العن الكفرة ليعم أهل الكتاب وغيرهم. و (نحفد) كنضرب أى نسرع فى العمل والخدمة. و (الجد) بكسر الجيم، أى الحق. و (ملحق) بكسر الحاء أى لاحق. ويجوز فتحها أيصابون به، لكن الرواية بالكسر.

فى آخر وتره: اللهم إن أعوذ برضاك من سَخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك. أخرجه أحمد والأربع إلا الترمذى (¬1). {33} هذا. ويصح الجمع بين ما فى هذه الأحاديث. ومن لم يحسن الوارد فليدْعُ بنحو {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (¬2)} و {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (¬3)} و {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (¬4)} أو يقول: {اللَّهُمْ اغْفِرْ لَنَاَ وَارْحَمْنَا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}. (8) سن القنوت: هى ثلاث: 1 - يُسَنّ عند الحنفيين وأحمد أن يُكبر رافعاً يديه محاذياً بإبهاميه شحمتى أذنيه قبل القنوت، لما ثبت عن علىّ رضى الله عنه أنه كبر فى القنوت حين فرغ من القراءة وحين ركع. {14} (وعن ابن مسعود) أنه كان يكبر فى الوتر إذا فرغ من قراءته حين يقنت، وإذا فرغ من القنوت. وكان يرفع يديه فى القنوت إلى صدره {15} (وعن البراءة بن عازب) أنه كان إذا فرغ من السورة كبر ثم قنت {16} (وعن أحمد) أنه إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة {17} روى هذه الآثار محمد بن نصر (¬5). ¬

(¬1) ص 96 ج 1 مسند أحمد (مسند على رضى الله عنه) وص 59 ج 8 المنهل العذب (القنوت فى الوتر). وص 225 ج 1 مجتبى (الدعاء فى الوتر) وص 185 ج 1 سنن ابن ماجه و (إنى أعوذ برضاك) أى أتحصن بفعل ما يرضيك مما يوجب سخطك، وبفعل ما يوجب عفوك مما يوجب عذابك (وأعوذ بك منك) أأتحصن بذاتك من عذابك (ولا أحصى ثناء عليك) أى لا أستطيع إحصاء نعمك التى تستحق بها الثناء. و (أنت كما أثنيت) أى أنت ثابت على الأوصاف والكمالات التى أثنيت بها على ذاتك. (¬2) سورة البقرة: أية 201 وأولها: ومنهم من يقول: ربنا. (¬3) الأعراف عجز أية: 126 وصدرها: وما تنقم منا. (¬4) الحشر: آية 10 وصدرها: والذين جاءوا من بعدهم. (¬5) ص 133 قيام الليل (التكبير فى القنوت).

2 - يُسَنُ عند الحنفيين - لكل مصلًّ الإسرار بقنوت الوتر. وقالت الشافعية: يَسنّ للإمام الجهر به ولو قضاء، والمأموم يؤمّن على دعاء الإمام. والمنفرد يُسِرُّ به ولو أداء. (وقالت) الحنبلية: يُسَنّ للإمام والمنفرد الجهر به. أمّا المأموم فيؤمن جهراً على دعاء إمامه (قال) ابن قدامة: إذا أخذ الإمام فى القنوت أمَّنَ مَنْ خلفه. وإن دعوا معه فلا بأس. وقيل لأحمد إذا لم أسمع قنوتَ الإمام أدعو؟ قال نعم (¬1). 3 - يُسَنّ - عند الحنبلية وبعض الشافعية - رفع اليدين فى قنوت الوتر إلى الصدر مبسوطتين وبطونهما إلى السماء. " قال " ابن قدامة: كان أبو عبد الله يرفع يديه فى القنوت إلى صدره، لأن ابن مسعود فعله. وروى عن عُمر وابن عباس (¬2) وهو الصحيح عند الشافعية. واختاره كثير، منهم البيهقى (لقول) أبى رافع: صليت خلف عُمر بن الخطاب فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء. أخرجه البيهقى وصححه (¬3). {18} " قال " الحنفيون ومالك والجمهور: لا يستحب رفع اليدين فى القنوت لغير النازلة. واختاره صاحب المهذب والقفال. ونقله إمام الحرمين عن كثير من الشافعية محتجين بأن الدعاء فى الصلاة لا ترفع له اليد كدعاء القعود والتشهد. (وأما مسح) الوجه باليدين بعد فراغ من القنوت، فلا يستحب عند من قال بعدم رفع اليدين فيه، وكذا عند من قال بالرفع على الصحيح (قال البيهقى) فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلستُ أحفظه عن أحد من السلف فى دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم فى الدعاء ¬

(¬1) ص 790 ج 1 مغنى. (¬2) ص 790 ج 1 مغنى. (¬3) ص 212 ج 2 - السنن الكبرى (رفع اليدين فى القنوت).

خارج الصلاة وقد روى فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف (¬1) وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة. فأما فى الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضى الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه فى الصلاة (¬2). (وقال) ابن قدامة: روى عن أحمد انه قال: لم أسمع فيه بشئ، ولأنه دعاء فى الصلاة فلم يُستحبّ مسحُ وجهه فيه كسائر دعائها (¬3). (وقال) علىّ الباشانىّ: سألت عبد لله " يعنى ابن المبارك " عن الذى إذا دعا مسح وجهه. قال: لم أجد له ثبتاً. أخرجه البيهقى (¬4). {19} (9) الجماعة فى الوتر: لا يُصلى فى جماعة - عند الحنفيين والشافعى وأحمد إلا فى رمضان فتستحب فيه الجماعة لمن أحب أن يوتر قبل النوم، لقول قيس بن طلْق: زارنا طلق بن علىّ فى يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى إذا بقى الوتر قدّم رجلا فقال. أوتر بأصحابك فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا وتران فى ليلة. أخرجه أحمد والثلاثة (¬5). (وعن جابر) بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قام بهم فى رمضان فصلى ثمان ركعات وأوتر ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج إليهم فسألوه فقال: ¬

(¬1) هو حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتّم فامسحوا بها وجوهكم. أخرجه أبو داود. وقال: روى هذا الحديث من غير وجه كلها واهية. وتمامه بص 351 ج 2 دين. (¬2) ص 212 ج 2 - السنن الكبرى. (¬3) ص 790 ج 1 - مغنى. (¬4) ص 212 ج 2 - السنن الكبرى. (¬5) تقدم عجزه رقم 13 ص 6 (ثم انحدر إلى مسجده) أى ثم خرج إلى المسجد الذى كان يصلى فيه إماماً. فالإضافة فى مسجده لأدنى ملابسة. ولفظ أحمد " ثم انحدر إلى مسجد ريمان " بفتح الراء، موضع أضيف إليه المسجد.

خشيتُ أن تُكتب عليكم الوترُ. أخرجه ابن حبان وابن نصر وأبو يعلى والطبرانى فى الصغير. وفيه عيسى بن جاريةً وثقه ابن حبان وغيره. وضعفه ابن معين (¬1). {34} هذا واختلفوا هل الجماعة فيه أفضل؟ فعند الحنفيين الصحيح أن الجماعة فيه أفضل. واختار بعضهم أن يوتر فى منزله لا بجماعة، لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة فى رمضان كما اجتمعوا على التراويح. وقد علم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان أوتر بهم ثم بين العذر فى عدم مواظبته على الجماعة فى الوتر وهذا يقتضى سنيتها فيه " فلعل " من تأخر عن الجماعة فيه " أحبّ " أن يصلبه آخر الليل فإنه أفضل عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً (¬2) فأخره لذلك. والجماعة فيه إذا ذاك متعذرة فلا يدل ذلك على أن الأفضل فيه ترك الجماعة لمن أحب أن يوتر أول الليل أفاده ابن الهمام (¬3) وقال ابن قدامة: قال أبو داود: سمعتُ أحمدَ يقول: يُعجبنى أن يصلى مع الإمام ويُوتر معه قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له بقية ليله (¬4) قال: وكان أحمد يقوم مع الناس ويُوتر معهم. قال الأثرم: فأخبرنى الذى كان يؤمه فى شهر رمضان أنه كان يصلى معهم التراويح كلها والوتر (¬5). ¬

(¬1) ص 152 ج 2 نصب الراية (قيام رمضان) وص 90 قيام الليل (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم جماعة ليلا تطوعاً ف رمضان) وص 172 ج 3 مجمع الزوائد (قيام رمضان). (¬2) تقدم رقم 13 ص 6 (الوتر لا يتكرر). (¬3) ص 335 ج 2 فتح القدير (قيام رمضان). (¬4) هو بعض حديث أخرجه أحمد عن أبى ذر. ص 159 ج 5 مسند أحمد. وفيه حسب له قيام ليلة (حديث أبى ذر رضى الله عنه). (¬5) ص 805 ج 1 مغنى.

وقالت المالكية: تندب الجماعة فى الشفع والوتر فى رمضان فقط. (10) قضاء الوتر: من تركه عامداً أو ناسياً يطلب منه قضاؤه " لحديث " عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نام عن وتره أو نسيه فَلْيُصَلِّهِ إذا ذكره. أخرجه أبو داود، وكذا الحاكم وابن نصر بلفظ: من نام عن وتره أو نسيه فَلْيُصَلِّهِ إذا أصبح أو ذكره. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (¬1). {35} " ولحديث " عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبى صل الله عليه وسلم قال: من نام عن وتره فليصله إذا أصبح. أخرجه الترمذى مرسلا. {36} وقال: وهذا أصح من الحديث الأول. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا فقالوا: يُوتر الرجلُ إذا ذكر وإن كان بعدما طلعت الشمس وبه يقول سفيان الثورى (¬2). ولذا اتفق الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين على أن الوتر يقضى إذا فات. لكنهم اختلفوا إلى متى يقضى. فقال الحنفيون: يجب قضاؤه فى غير أوقات النهى وهى وقت طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح، ووقت استوائها حتى تزول، ووقت اصفرارها حتى يتم الغروب. (وقالت) الشافعية: يسن قضاؤه فى أى وقت. وهو ظاهر الحديث. (وقال) مالك وأحمد وإسحاق: يُقضى بعد الفجر ما لم تُصلَّ الصبحُ " قال " الترمذى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا وتر بعد صلاة الصبح. {37} ¬

(¬1) ص 68 ج 8 - المهل العذب (الدعاء بعد الوتر) وص 301 ج 2 مستدرك. وص 238 قيام الليل (أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل الصبح). (¬2) ص 343 ج 2 تحفة الأحوذى (فى الرجل ينام عن الوتر أو ينسى).

وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعى وأحمد وإسحاق لا يَرَون الوتر بعد صلاة الصبح (¬1) " وعن " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر. أخرجه البيهقى (¬2). {38} " وقال " أبو الدرداء: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح. أخرجه البيهقى والحاكم وصححه (¬3). {39} (وذكر) ابن نصر فى هذا آثاراً كثيرة وقال: والذى أقول به أنه يصلى الوتر ما لم يُصلّ الغداة. فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك وإن قضاه على ما يقضى التطوع فحسن. قد صلى النبى صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس فى الليلة التى نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس (¬4) (وفرّق) ابن حزم بين من تركه لنوم أو نسيان أو تركه عمداً قال: ومن تعمد ترك الوتر حتى طلع الفجر فلا يقدر على قضائه فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبداً متى ذكره (¬5) وكذا من نام عنه. والراجح أنه يطلب قضاؤه مطلقاً فى غير أوقات النهى، جمعاً بين أحاديث النهى وحديث من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره (¬6). وهو إن كان خاصاً بالنائم والناسى فقضاء العامد أولى. كما فى قضاء المكتوبة عند الجمهور " وأما " حديث أبى هارون العبدىّ عن أبى سعيد الخدرى قال: نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وتر بعد الفجر. وفى رواية: من أدركه الصبح فلا وتر له. أخرجه ابن نصر (¬7). {40} ¬

(¬1) 344 ج 1 تحفة الأحوذى فى (مبادرة الصبح بالوتر). (¬2) ص 479 ج 2 - السنن الكبرى (من أصبح ولم يوتر فليوتر " قبل " أن يصلى الصبح). (¬3) كذلك. وص 303 ج 1 مستدرك. (¬4) ص 141 قيام الليل (فى الوتر بعد طلوع الفجر). (¬5) ص 101 ج 3 - المحلى. (¬6) تقدم رقم 35 ص 22. (¬7) ص 138 قيام الليل (أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل الصبح).

(فهو) ضعيف، لأن أبا هارون ضعفه غير واحد، وقال النسائى متروك الحديث، وقال الجوزجانى كذاب مفتر، وقال ابن حبان كان يروى عن أبى سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه. وقد تقدم حديث صحيح عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد مخالف حديث أبى هارون (¬1). (وكذا) حديث سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال: إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوترِ فأوتروا قبل طلوع الفجر (فقد) أخرجه الترمذى وقال: قد تفرد به سليمان ابن موسى على هذا اللفظ (¬2). {41} وقال البخارى عنده منا كير وقال النسائى ليس بالقوى. وقال ابن عدى: روى أحاديث ينفرد بها ولا يرويها غيره. فالحديث ضعيف لا يقوى على معارضة الأحاديث الدالة على طلب قضاء الوتر. (11) ما يقال بعد الوتر: يستحب أن يقال بعد السلام من الوتر: سبحان الملك القُدُّوس ثلاث مرات رافعاً صوته بالثالثة ثم يقول: ربّ الملائكة والرّوح " لقول " أُبى ابن كعب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الوتر بسبّح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. فإذا سَّلم قال: سبحان الملك القُدُّوس ثلاث مرات. أخرجه أحمد والنسائى. وفيه: لا يسلم إلا فى آخرهن، والدار قطنى وزاد: يمدّ بها صوتَه فى الأخيرة يقول: رب الملائكة والروح (¬3). {42} ¬

(¬1) تقدم رقم 35 ص 22. (¬2) ص 344 ج 1 تحفة الأحوذى (مبادرة الصبح بالوتر). (¬3) ص 123 ج 5 مسند أحمد (حديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبى بن كعب .. ). وص 175 الدار قطنى. ومرجع النسائى تقدم بالحديث رقم 27 ص 12 و (القدوس) بضم القاف وقد تفتح: الطاهر المنزه عن العيوب.

(12) قنوت النوازل: لا يُسنّ القنوت فى غير الوتر إلا لنازلة، فيُقنت لها بعد الركوع فى كل الصلوات عند محققى الحنفيين والشافعى وأحمد وابن حبيب المالكى " لحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقنت فى الفجر قطُّ إلا شهراً واحداً، لأنه حارب حياً من المشركين قنت يدعو عليهم. أخرجه أبو حنيفة عن أبَان. وأخرج عن عطية العُوفى عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا أربعين يوماً يدعو على عُصَيَّةَ وذكْوان ثم لم يقنت بعدُ إلى أن مات. وأخرجه الطحاوى بلفظ: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على عُصَيَّةَ وذكْوان، فلما ظهر عليهم ترك القنوت (¬1). {43} وفى سنده أبو حمزة القصاب تركه أحمد ويحيى بن معين وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ كثير الوهَم (¬2) " وروى " أسعد بن طارق بن أيشم الأشجعى عن أبيه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبى بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت. وصليت خلف علىّ فلم يقنت. ثم قال: يا بُنَىَّ إنها بدعة. أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وصححه والطحاوى (¬3). {44} وعند غير النسائى: أىّ بُنَى مُحْدَث أى أن المواظبة على القنوت فى الصبح لغير نازلة محدث ليس من هدى النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه. ¬

(¬1) ص 88 عقود الجواهر المنيفة (نسخ القنوت فى الفجر) وص 144 ج 1 شرح معانى الآثار (القنوت فى صلاة الفجر وغيرها) وعصية، تصغير عصا اسم قبيلة من بىّ سليم. وذكْوان بفتح الذال المعجمة بطن من بىّ سليم. (¬2) ص 117 ج 2 نصب الراية. (¬3) ص 309 ج 3 (الفتح الربانى) وص 164 ج 1 مجتبى (ترك القنوت) وص 194 ج 1 سنن ابن ماجه (القنوت فى صلاة الفجر) وص 311 ج 1 تحفة الأحوذى (ترك القنوت) وص 146 ج 1 شرح معانى الآثار (القنوت فى صلاة الفجر وغيرها) (إنها) أى القنوت أو الدوام عليه. وتأنيث الضمير باعتبار الخبر.

وإلا فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قنت فى الصبح وغيرها للنوازل (قال) ابن عباس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً فى صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فى دُبُر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياءٍ من بنى سليم على رِعْل وذكران وعُصَيَّة ويؤمِّنُ مَنْ خَلفه. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط البخارى (¬1). {45} وقد اتفق العلماء على الجهر فى قنوت النازلة (وروى) عن ابن عباس والبراء وجماعة منهم مالك وإسحاق وابن أبى ليلى أن القنوت للنوازل يكون قبل الركوع " لقول " عاصِمٍ الأحول: سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال: قد كان القنوت. قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال قبله، قلت فإن فلاناً أخبرنى عنك أنك قلت بعد الركوع. قال: كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بعد الركوع شهراً. يدعو على ناس قتلوا أناساً من أصحابه يقال لهم القُّرّاء. أخرجه أحمد والشيخان (¬2). {46} (ولقول) عبد الله بن شداد: صليت خلف عُمَر وعلى وأبى موسى فقنتوا فى صلاة الصبح قبل الركوع. أخرجه ابن نصر (¬3). {20} ¬

(¬1) ص 307 ج 3 - الفتح الربانى. وص 82 ج 8 - المنهل (القنوت فى الصلوات) وص 225 و 226 ج 1 مستدرك. ورعل، بكسر فسكون بطن من بنى سليم. (¬2) ص 302 ج 3 الفتح الربانى (القنوت فى الصبح) وص 335 ج 2 فتح البارى (القنوت قبل الركوع وبعده) وص 179 ج 5 نووى مسلم (القنوت فى جميع الصلوات إذا نزلت نازلة) و (كذب) أى أخطأ فإن الكذب يطلق على الخطأ فى لغة الحجاز. ويحتمل أن المعنى كذب فى دعوى أن القنوت دائماً بعد الركوع. (¬3) ص 133 قيام الليل (القنوت قبل الركوع).

(ورد) بأن حديث عاصم بّبن أن قنوت النازلة بعد الركوع وأن غيره قبله. وعليه يحمل قول عبد الله بن شداد. وأيضاً فإن عاصماً انفرد بما ذكر عن أنس وقد خالفه سائر الرواة عنه (قال الأثرم) قلت لأحمد: أيقول أحد فى حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحداً يقوله غيرُه (¬1) (وعن مالك) وأحمد وأيوب السختيانى أنه يكون قبل الركوع وبعده " لقول " حُميَد: سئل أْنسٌ عن القنوت فى صلاة الصبح فقال: كنا نقنت قبل الركوع وبعده. أخرجه ابن ماجه والطحاوى وابن نصر بسند صحيح (¬2). {47} (وقال مالك) فى القنوت فى الصبح: كل ذلك واسع قبل الركوع وبعده والذى آخُذ به فى خاصّة نفسى قبل الركوع (¬3) والراجح فى قنوت النوازل كونه بعد الركوع، لكثرة الروايات فيه كما تقدم (قال البيهقى): ورواة القنوت بعد الركوع أكثر واحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون (¬4) ولا تنافى بين ما روى فى هذا عن أنس، فإن القنوت يطلق على الدعاء، وهو ما رُوى عنه أن بعد الركوع وعلى طول القيام، وهو ما رُوى أنه قبل الركوع. (ومشهور) مذهب الحنفيين والحنبلية أنه لا قنوت للنوازل إلا فى الصبح قال العلامة إبراهيم الحلبى الحنفى قال الحافظ الطحاوى: إنما لا يُقنت عندنا فى صلاة الفجر من غير بلية. فإذا وقعت فتنة أو بلية فلا بأس بها. فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما القنوت فى الصلوات كلها عند النوازل ¬

(¬1) ص 72 ج 1 زاد المعاد (القنوت فى الفجر). (¬2) ص 186 ج 1 - سنن ابن ماجه (القنوت قبل الركوع وبعده) وص 133 قيام الليل (القنوت قبل الركوع). (¬3) ص 100 ج 1 مدونة (القنوت فى الصبح). (¬4) ص 208 ج 2 - السنن الكبرى (يقنت بعد الركوع).

فلم يقل به إلا الشافعى، وكأنهم حملوا ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قنت فى الظهر والعشاء والمغرب على النسخ، لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين فى الفجر (¬1) (وقال ابن قدامة): فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت فى صلاة الصبح ويؤمن مَنْ خلفه. وبهذا قال أبو حنيفة والثورى لما ذكرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حىّ من أحياء العرب ثم تركه، وأن علياً قنت فقال: إنما استنصرنا على عدوّنا هذا. ولا يقنت آحاد الناس. ويقول فى قنوته نحواً مما قال النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال: ولا يُقنت فى غير الصبح من الفرائض. قال عبد الله عن أبيه: كلُّ شئ يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى القنوت إنما هو فى الفجر، ولا يقنت فى الصلاة إلا فى الوتر والغداة إذا كان مستنصراً يدعو للمسلمين. (وقال) أبو الخطاب: يقنت فى الفجر والمغرب، لأنهما صلاتا جهر فى طرفى النهار. (وقيل) يقنت فى صلاة الجهر كلها قياساً على الفجر، ولا يصح هذا. لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه القنوت فى غير الفجر والوتر (¬2). ويرده ما تقدم عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً فى الصلوات الخمس يدعو على أحياءٍ من العرب (¬3). ولا دليل على النسخ. (قال) الكمال بن الهمام: يجبّ أن يكون بقاء القنوت فى النوازل مجتهداً فيه، لأنه لم ينقل عنه من قوله صلى الله عليه وسلم إلا قنوت فى نازلة بعد هذه، بل مجرد العدم بعدها، فيتجه الاجتهاد أن ذلك إنما هو لعدم وقوع نازلة بعدها يستدعى القنوت، فتكون شرعيته مستمرة، وهو محمل قنوت ¬

(¬1) ص 420 غنية المتملى شرح منية المصلى (الوتر). (¬2) ص 792 ج 1 مغنى. (¬3) تقدم رقم 45 ص 26.

من قنت من الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (¬1). فقد ثبت أن أبا بكر قنت عند محاربة مسيلِمة، وكذلك قنت عمرو علىّ ومعاوية للنوازل. فهذا يدل على أن القنوت للنازلة مستمر لم ينسخ. (13) القنوت لغير نازلة: (أمّا) عند عدم النوازل فلا قنوت فى غير الصبح من الصلوات الخمس اتفاقاً. وكذا فى الصبح عند الحنفيين والحنبلية وإسحاق والثورى وابن المبارك وبه قال ابن عباس وغيره، لما تقدم عن طارق الأشجعى (¬2) وغيره " ولقول " أبى هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت فى صلاة الصبح إلا أن يدعَو لقوم أو يدعَو على قوم أخرجه ابن حبان بسند صحيح (¬3). {48} وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى بكر وعمر وعثمان وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير: أنهم كانوا لا يقنتون فى صلاة الفجر (¬4). {21} (وقالت المالكية) يقنت فى الصبح سراً قبل ركوع الثانية. (وقالت) الشافعية وابن حبيب المالكى: يقنت فيه جهراً بعد ركوع الثانية " لحديث " محمد بن سيرين أن أنس بن مالك سئل هل قنت النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح؟ فقال نعم، فقيل له قبل الركوع أو بعده؟ قال بعد الركوع يسيراً. أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬5). {49} " ولقول " أنس: مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر ¬

(¬1) ص 310 ج 1 فتح القدير (صلاة الوتر). (¬2) تقدم رقم 44 ص 25. (¬3) ص 130 ج 2 نصب الراية. (¬4) ص 131 منه. (¬5) ص 301 ج 3 الفتح الربانى. وص 334 ج 2 فتح البارى (القنوت قبل الركوع وبعده) وص 178 ج 5 نووى مسلم (القنوت فى جميع الصلوات) وص 87 ج 8 - المنهل العذب (القنوت فى الصلوات) وص 186 ج 1 سنن ابن ماجه (القنوت قبل الركوع وبعده).

حتى فارق الدنيا. أخرجه أحمد والبزار والدار قطنى والطحاوى بسند رجاله موثقون، وصححه الحاكم والبيهقى، وأخرجه الدار قطنى والحاكم من عدة طرق عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه فأما فى الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا (¬1). {50} وأجاب الأولون: (أ) " عن حديث " ابن سيرين عن أنس، بأنه محمول على قنوت النازلة، فقد تقدم فى حديث عاصم الأحول عن أنس أنه قال: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً يدعو على أناس قتلوا أناساً من أصحابه يقال لهم القُرّاء (¬2). (ب) وعن حديث أنس الثانى بأنه ضعيف لا تقوم به حجة، لأن فى سنده أبا جعفر الرازى، وهو وإن وثقه جماعة ففيه مقال، قال عبد الله ابن أحمد: ليس بالقوى. وقال ابن المدينى: إنه يخلط. وقال أبو زَرَعة: يهم كثيراً. وقال ابن معين: ثقة لكنه يخطئ. ويقوى ضعفه ما ثبت أن أنسَاً نفسه لم يكن يقنت فى الصبح. قال غالب ابن فرْقدٍ الطحَّان: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت فى صلاة الغداة. أخرجه الطبرانى بسند حسن (¬3). {22} وعلى فرض صحة حديث أنس فيحمل على القنوت للنوازل، أو المراد أنه كان يطيل الاعتدال بعد الركوع للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا. قد روى ثابت عن أنس قال: إن لا آلو أن أصلىَ بكم كما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بنا. قال ثابت: كان أنس يصنع شياً لم أركم تصنعونه، ¬

(¬1) ص 162 ج 3 مسند أحمد. وص 139 ج 2 مجمع الزوائد (القنوت) وص 178 سنن الدار قطنى وص 143 ج 1 شرح معانى الآثار (القنوت فى صلاة الفجر وغيرها) وص 201 ج 2 السنن الكبرى (لم يترك أصل القنوت فى صلاة الصبح). (¬2) تقدم رقم 46 ص 26. (¬3) ص 132 ج 2 نصب الراية.

كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسى وبين السجدتين حتى يقول القائل قد نسى. أخرجه البخارى (¬1). {51} فهذا هو القنوت الذى مازال صلى الله عليه وسلم يفعله حتى فارق الدنيا ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه ويثنى عليه فى هذا الاعتدال وهو غير القنوت المؤقت بشهر، فإنه كان دعاءً على رِعْل وذكْوانَ وعُصيَّة. ودعاءً للمستضعفين. " ولما صار " القنوت فى لسان الفقهاء وغيرهم هو الدعاء المعروف: اللهم اهدنى فيمن هديت إلخ. وسمعوا أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت فى الفجر حتى فاروق الدنيا، وكذا الخلفاء والصحابة " حملوا " القنوت فيما ذكر على مصطلحهم ونشأ من لا يعرف غيره فلم يشكّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا مداومين عليه كل غداة، فنازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن هذا من فعله صلى الله عليه وسلم الراتب (ومما يدل) على أن الرماد بالقنوت فى حديث أنس القيام للدعاء (قول) حنظلة السدوسى اختلفت أنا وقتادة فى القنوت فى صلاة الصبح، فقال قتادة قبل الركوع، وقلت بعد الركوع، فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك فقال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الفجر فكبر وركع ورفع رأسه ثم سجد ثم قام فى الثانية فكبر وركع ثم رفع رأسه فقام ساعة ثم وقع ساجداً. أخرجه سليمان ابن حرب (¬2). {52} فهذا القيام والتطويل هو مراد أنس. ومنه تعلم: (أ) أن الراجح أن القنوت خاص بالنّوازل فى الصبح وغيرها. وأما تخصيصه بالصبح فى حديث ابن سيرين عن أنس، فبالنظر لسؤال السائل. ¬

(¬1) ص 204 ج 2 فتح البارى (المكث بين السجدتين). (¬2) ص 73 ج 2 زاد المعاد (القنوت).

(ب) وأنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم القنوتُ فى النوازل خاصة، وتركهُ عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة، ولأنها الصلاة المشهودة التى تشهدها ملائكة الليل والنهار، ولذا كان أهل الحديث يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتركونه حيث تركه. ومع هذا لا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة، كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة، بل من قنت فقد أحسن. ومن تركه فقد أحسن، وهذا من الاختلاف المباح الذى لا يَعنّف فيبه من فعله ولا من تركه كرفع اليدين فى الصلاة وتركه، وكالخلاف فى ألفاظ الأذان والإقامة وأنواع النسك من الإفراد والقرآن والتمتع، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدى وأفضله. (وعلى الجملة) فالذى يؤخذ من أحاديث الباب أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يقنت فى غير الوتر إلا فى النوازل، فكان يقنت جهراً بعد الركوع ويؤمِّنُ مَنْ خلفه ويرفع يديه فيه كما تقدم أن أبا بكر فعله وكذا عمر وعلىّ ومعاوية. وتقدم حديث ابن عباس (¬1) وحديث أنس فى قصة القُرّاء (¬2). (وقال) الأسود: كان عبد الله بن مسعود يرفع يديه فى القنوت إلى صدره. {23} (وقال) أبو عثمان النهدى: كان عمر يَقْنُتُ بنا فى صلاة الغداة ويرفع حتى يخرج ضبعيه. أخرجهما ابن نصر (¬3). {24} وبهذا قال الحنفيون وأحمد وإسحاق وهو الصحيح عند الشافعية. ومما يتصل اتصالا وثيقاً بسنن الصلاة وواجباتها. ¬

(¬1) تقدم رقم 45 ص 26. (¬2) تقدم رقم 46 ص 26. (¬3) ص 154 قيام الليل (رفع الأيدى عند القنوت) و (ضبعيه) تثنية ضبع بفتح فسكون وهو المضد.

(الثانى) الجماعة

(الثانى) الجماعة هى ربط صلاة المقتدى بصلاة الإمام. وهى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمتْ لهم الصلاة فلتقمْ طائفةٌ منهم معك. الآية (¬1) أمر بها فى الخوف ففى الأمن أولى. وعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الرجل فى جماعة تزيد على صلاته فى بيته وصلاته فى سوقه خمساً وعشرين درجة. وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجةٌ أو حُط عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم مادام فى مجلسه الذى صلى فيه. يقولون: اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه. أخرجه الشيخان وأبو داود وهذا لفظه (¬2). {53} وعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، أخرجه الشافعى والسبعة إلا أبا داود (¬3). {54} ولا منافاة بين الروايتين لأن الإخبار بالقليل لا ينفى الكثير. والتخصيص ¬

(¬1) النساء آية 102. (¬2) ص 92 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة الجماعة) وص 165 ج 5 نووى مسلم. وص 252 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) و (صلاة الرجل فى جماعة) أى ثواب صلاته فى المسجد جماعة، كما يدل عليه مقابلته بالصلاة فى البيت والسوق، وكما يدل عليه قوله فى =الحديث (وأتى المسجد) ومثل الرجل فى ذلك المرأة إذا أبيح لها الخروج إلى المسجد. و (خطوة) بفتح الخاء المعجمة. وهى واحدة الخطأ. ويحتمل أن تكون بالضم. وهى ما بين القدمين (أو حط). وفى رواية وحط عنه (بالواو) فالمعنى أن الخطوة الواحدة يكتب له بها حسنة ويحط عنه بها خطيئة. وهو المناسب لسعة فضل الله تعالى. (¬3) ص 122 ج 1 بدائع المنن. وص 165 ج 5 الفتح الربانى. وص 89 و 90 ج 2 فتح البارى. وص 152 ج 5 نووى مسلم. وص 134 ج 1 مجتبى (فضل الجماعة) وص 187 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 137 ج 1 سنن ابن ماجه.

بهذا العدد من أسرار الشريعة التى تقصُر العقول عن إدراكها. والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد 25 أو 27 مرة. وهى من خصائص هذه الأمة شرعها الله تعالى لما فيها من التعارف والتآلف وارتباط القلوب وتعوّد الامتثال والصبر والشجاعة وحسن النظام. ويتعلق بها ثمانية وعشرون فرعاً. (1) حكم الجماعة: هى فى المكتوبات غير الجمعة سنة مؤكدة للرجال عند مالك والشافعى والجمهور. وهو المشهور عند الحنفيين، لحديثى أبى هريرة وابن عمر (¬1) ووجه الدلالة أن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين، ولو كانت الصلاة فرادى غير مجزئه لما كان لها فضيلة (ولقول) أبى موسى الأشعرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها مَمْشى فأبعدهم. والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظمُ أجراً من الذى يصليها ثم ينام. أخرجه الشيخان (¬2). {55} والراجح عند الحنفيين أن الجماعة واجبة لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها مع الإنكار على تاركها بلا عذر فى عدة أحاديث (منها) حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع المنادّ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التى صلى. قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض. أخرجه أبو داود والدار قطنى (¬3). {56} " وحديث " أبى هريرة أن رجلا أعمى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ¬

(¬1) هما رقم 53 و 54. (¬2) ص 94 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة الفجر فى جماعة) وص 167 ج 5 نووى مسلم (فضل الصلاة المكتوبة فى جماعة). (¬3) ص 239 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 161 سنن الدار قطنى.

يا رسول فقال يا رسول الله إنه ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد وسأله أن يرخِّص له فرخّص له. فلما وِّلى دعاه فقال له: هل تسمع النداء؟ قال نعم. قال: فأجب. أخرجه مسلم والنسائى (¬1). {57} وهذه أحاديثُ آحاد فتفيد الوجوب لا الفرضية (وقال) أحمد وإسحاق وابن المنذر وأهل الظاهر: صلاة الجماعة فرض عينى فى الصلوات المكتوبة مستدلين: (أ) " بحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقادم ثم آمُر رجلا فيصلى بالناس ثم أنطلق معى برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحّرِّقُ عليهم بيوتهم بالنار. أخرجه أبو داود. وكذا أحمد والشيخان بلفظ: إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة (الحديث) (¬2) {58} (ب) " وبحديث " عمرو بن أمّ مكتوم أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى رجل ضريرُ البصرِ شاسِعُ الدار ولى قائد لا يلائمنى فهل لى رخصة أن أصلى فى بيتى؟ قال: هِل تسميع النداء؟ قال: نعم. قال: لا أجد لك رخصةً. أخرجه ¬

(¬1) ص 155 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة) وص 136 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن) والأعمى هو عمرو بن أم مكتوم. (¬2) ص 233 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 177 ج 5 الفتح الربانى وص 96 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة العشاء فى الجماعة) وص 54 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة فى بيوتهم) و (فأحرق عليهم بالنار) لا يعارضه حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنى كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً بالنار. وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما. أخرجه البخارى ص 71، 72 ج 6 فتح البارى (التوديع عند السفر - الجهاد) لأن النهى عن الإحراق بالنار عام. وحديث الهم بتحريق من تأخر عن الجماعة خاص. وهو لا يعارض العام. وقيل عن التعذيب بالنار كان مشروعاً ثم نسخ.

أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وابن حبان وأحمد وزادا فى رواية: فأتها ولو حبواً (¬1). {59} (ج) ويقول ابن مسعود رضى الله عنه: حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادَى بهن فإنهن من سُنن الهدى وإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنَن الهدى، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّنُ النفاق. ولقد رأيتنا وإن الرجل ليُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ فى الصف. وما منكم من أحد إلا وله مسجد فى بيته، ولو صليتم فى بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم. ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى. وهذا لفظ أبى داود. وأوله عند غيره: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليْحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس (¬2) {25} وفيه الحث على حضور صلاة الجماعة وتحمل المشاق فى سبيلها. وأنه إذا أمكن المريضَ ونحوه الوصول إلى المسجد، استجب له حضور الجماعة. (قال) أحمد ومن معه: هذه الأحاديث تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين، ¬

(¬1) ص 241 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 137 ج 1 سنن ابن ماجه (التغليظ فى التخلف عن الجماعة) وص 247 ج 1 مستدرك. وص 423 ج 3 مسند احمد (حديث عمرو ابن أم مكتوم رضى الله عنه). (¬2) ص 382 ج 1 مسند أحمد (مسند عبد الله بن مسعود رضى الله عنه) وص 156 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة) وص 27 ج 5 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 136 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن) وص 135 ج 1 سنن ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) وسنة الهدى، هى ما طلب فعله طلباً غير جازم، ويثاب فاعلها ويساء تاركها كالجماعة والأذان والإقامة. وسنة الزوائد ما يثاب فاعلها ولا يساء تاركها كأحوال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى لباسه وقيامه وقعوده. و (يهدى) بضم الياء وفتح الدال مبنى للمفعول، أى يمشى بين الرجلين معتمداً عليهما من ضعفه. (وتركمّ سنة نبيكم) أى تركتم طريقته صلى الله عليه وسلم. فإنه كان يواظب على الصلوات الخمس فى المسجد العام ولا يصليها فى بيته إلا لعذر. (لكفرتم) وفى رواية غير أبى داود لضللتم. وهو محمول على التغليظ والتنقير من ترك الجماعة أو محمول على الترك تهاوناً. وقال الخطابى معناه أنه يؤدى بكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئاً فشيئاً حتى تخرجوا من الملة. ص 159 ج 1 معالم السنن.

ولو كانت فرض كفاية لسقط بفعله صلى الله عليه وسلم ومن معه. ولو كانت سنة ماَهمّ بقتلهم، لأن تارك السنة لا يقتل. فتعين أن تكون فرضاً على الأعيان " ولا يقال " إذا كانت الجماعة واجبة عيناً فكيف يجوز أن يتخلف عناه صلى الله عليه وسلم " لأن تخلفه " كان لتكميل أمر الجماعة فكأنه حاضرها. وهؤلاء اختلفوا، أهى شرط فى صحة الصلاة أم لا؟ فقال بشرطيتها داود وابن حزم قال: ولا تجزرئ صلاة فرض أحداً من الرجال - إذا كان بحيث يسمع الأذان - أن يصليها إلا فى المسجد مع الإمام. فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته. وإن كان بحيث لا يسمع أذاناً ففرض عليه أن يصلى فى جماعة مع واحد إليه فصاعداً، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا ألا يجد أحداً يصليها معه فيجزئه حينئذ، وإلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة (¬1). (وقال) بعض الشافعية والمالكية: إنها فرض كفاية وهو اختيار الطحاوى والكرخى من الحنفيين. ولكن خصه الشافعية بالصلاة المؤداة بخلاف المقضية فالجماعة فيها مستحبة إذا اتفق الإمام والمأموم فيها كأن يفوتهما ظهر. واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العينى " وصرفها " من فرض العين إلى فرض الكفاية " حديث " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (¬2) فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد الوجوب المستفاد منها وجوباً كفائياً. (والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من القول بالسنية، لما فيه من الجمع بين الأدلة وعدم إهمال بعضها. فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التى يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم. وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا (¬3). ¬

(¬1) ص 188 ج 4 - المحلى (المسألة 485). (¬2) تقدم رقم 54 ص 33 (الجماعة). (¬3) ص 138 ج 3 نيل الأوطار (صلاة الجماعة).

(وأجاب) الجمهور عن حديث لهم بتحريقى البيوت بوجوه (منها) أن الحديث ورد فى قوم م المنافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى كما يدل عليه أثر ابن مسعود المتقدم وفيه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عناه إلا منافق بيّن النفاق (¬1) (ومنها) أنه صلى الله عليه وسلم همّ بالتحريق ولم يفعله. ولو كان واجباً لما تركه (ومنها) ما حكاه القاضى عياض من أن فرضية الجماعة كانت أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ الوجوب (قال الحافظ) ويدل على النسخ الأحاديث الواردة فى تفضيل صلاة الجماعة، لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك فى أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز (¬2). (2) الجماعة فى غير الصلوات الخمس: هى عند الحنفيين: (أ) شرط صحة فى الجمعة والعيدين لما سيأتى فى بحثهما. (ب) وسنة كفاية فى صلاة التراويح والجنازة. (ج) ومستحبة فى صلاة الكسوف. وكذا فى وتر رمضان على قول رجحه الكمال ابن الهمام، لما تقدم فى الوتر من أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتر بأصحابه ثم بيّن العذر فى تأخره كما صنع فى التراويح. قال العلامة الحلبى الصحيح أن الجماعة فيه أفضل، لأنه لما جازت الجماعة فيه كانت أفضل اعتبارً بالمكتوبة (¬3). (د) ومكروهة تنزيهاً فى النفل ووتر غير رمضان إذا كان على سبيل التداعى بأن يكون مع الإمام أربعة فأكثر وإلا فهى مباحة. وقالت المالكية: الجماعة شرط لصحة الجمعة. وسنة فى العيدين والكسوف والاستسقاء، ومندوبة فى الجنازة، ومستحبة فى التراويح. ومكروهة فى النفل ¬

(¬1) تقدم رقم 25 ص 36. (¬2) ص 87 ج 2 فتح البارى الشرح (وجوب صلاة الجماعة). (¬3) ص 420 غنية المتملى فى شرح منية المصلى (صلاة الوتر).

المطلق إذا كان الجمع كثيراً مطلقاً أو قليلا بمكان مشهور كالمسجد وإلا جازت. (وقالت) الشافعية: الجماعة فرض عين فى الركعة الأولى من الجمعة. وفى كل الصلاة المعادة، وفى المجموعة جمع تقديم لمطر وفى المنذورة جماعتها ومندوبة فى العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان وفى صلاة مقضية خلف مثلها من نوعها كظهر خلف ظهر. ومباحة فى غير ما ذكر من النوافل. وسنة فى صلاة الجنازة. (وقالت) الحنبلية: الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة والعيد وسنة لصلاة الجنازة والاستسقاء والتراويح ومباحة فى التهجد والرواتب. (تنبيه) علم أن الجماعة فى النفل المطلق مباحة عند الأئمة الأربعة. لكن محله عند الحنفية والمالكية إذا لم تكن على سبيل التداعى " لقول " أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم حَرام فأتوه بسَمُن وتمر فقال: ردوا هذا فى وعائه وهذا فى سقائه فإنى صائم. ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فأقامنى عن يمينه على بِساط، وقامت أمُّ سليم وأم حرام خلفنا أخرجه أبو داود (¬1) {58} " ولقول " ابن عباس: بتُّ فى بيت خالتى ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأطلق القِرْبَة فتوضأ ثم أوكى القربة ثم قام إلى الصلاة. فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمتٌّ عن يساره فأخذنى بيمينه فأدارنى من ورائه فأقامنى عن يمينه فصليت معه. أخرجه السبعة إلا الترمذى وهذا لفظ أبى داود (¬2). {59} ¬

(¬1) ص 335 ج 4 - المنهل العذب (الرجلان يؤم أحدهما الآخر كيف يقومان). (¬2) ص 268 ج 5 - الفتح الربانى. وص 131 ج 2 فتح البارى (يقوم عن يمين الإمام بحذائه) وص 44 = ج 6 نووى مسلم (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل) وص 339 ج 4 - المنهل العذب. وص 129 ج 1 - مجتبى (موقف الإمام والمأموم صبى) وص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة) (فأطلق القربة) أى حل وذكاءها (ثم أوكى القربة) أى شد فمها بالوكاء وهو الحبل.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: تباح الجماعة فى النفل المطلق ولو كثر الجمع، لظاهر قول محمد بن الربيع: سمعت عتْبَان بنَ مالك الأنصارىَ قال: استأذن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فأَذنتُ له فقال: أين تحبَ أن أصلىَ من بيتكَ؟ فأشرتُ له إلى المكان الذى أحبّ فقام وصفَفَنَا خلفه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا. أخرجه البخارى (¬1). {60} (3) جماعة النساء: اختلف العلماء فى حكمها (قالت) الشافعية والحنبلية: تستحب الجماعة لنساء اجتمعن منفردات عن الرجال سواء أكان إمامهن منهن أم لا. وهو رواية عن مالك وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثورى والأوزاعى وإسحاق وأبى ثور " لقول " رائطة الحنفية أمتنا عائشة فقامت بيننا فى الصلاة المكتوبة. أخرجه الدار قطنى والبيهقى. وعبد الرازق فى مصنفه بسند صحيح (¬2). {26} وعن إبراهيم النخعى عن عائشة أنها كانت تؤم النساء فى رمضان تطوعاً وتقوم فى وسط الصف. أخرجه أبو يوسف ومحمد فى كتاب الآثار (¬3) {27} " ولقول " حُجَيْرة بنت حُصين: أمّتنا أمّ سلمةَ فى صلاة العصر فقامت بيننا. أخرجه الدار قطنى والبيهقى وابن أبى شيبة وعبد الرازق والشافعى فى مسنده بسند صحيح (¬4). {28} (وروى) الوليد بن جُمَيع عن ليلى بنت مالك عن أم وَرَقة الأنصارية أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا بنا إلى الشهيدة فنزورها وأمر ¬

(¬1) ص 118 ج 2 فتح البارى (إذا زار الإمام قوماً فأمهم). (¬2) ص 155 سنن الدار قطنى وص 131 ج 3 - السنن الكبرى (المرأة تؤم النساء). (¬3) رقم 212 ص 41 - الآثار. وص 31 ج 2 نصب الراية. (¬4) ص 155 سنن الدار قطنى. وص 131 ج 3 - السنن الكبرى. وص 129، 130 ج 1 بدائع المنن.

أن يؤذّنَ لها ويُقامَ وتؤُمّ أهلَ دراها فى الفرائض. أخرجه البيهقى والحاكم وقال: قد احتج مسلم بالوليد بن جميع (¬1). {61} (وقال) الحنفيون: تكره جماعة النساء وحدهن، فإن فعلنَ يقف الإمام وسطهن وجوباً، لفعل عائشة وأم سلمة ذلك حين كانت جماعتهن مستحبة، ثم نسخ الاستحباب. ومال الكمال ابن الهمام إلى جواز جماعتهن بدون كراهة لأنه لا دليل على النسخ. وعليه فلا كراهة فى قيام إمامهن وسطهن. (وقال) الحسن البصرى والمالكية: لا تجوز جماعة النساء فى فرض ولا نفل. ولا دليل عليه (وقال) الشعبى والنخعى وقتادة: تجوز إمامة المرأة فى النفل دول الفرض. ويرده ما تقدم عن عائشة وأم سلمة وأم ورقة. (وقال) داود والمزنى والطبرى: تجوز إمامة المرأة ولو للرجال، لظاهر حديث عبد الرحمن بن خَلاّد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزورها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها. قال عبد الرحمن: وأنا رأيت مؤذّنها شيخاً كبيراً. أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة (¬2). {62} (وأجاب) الجمهور بأنه ليس صريحاً فى أن المؤذن صلى خلفها، لاحتمال أنه أذن ثم ذهب إلى المسجد ليصلى فيه. ومما تقدم أن الراجح القول بجواز إمامة المرأة للنساء فقط بلا كراهة وتقف وسطهن (قال) أبو الطيب محمد شمس: الحق بعد ذكر الروايات السابقة وهذه الروايات كلها تدل على استحباب إمامة المرأة للنساء فى الفرائض ¬

(¬1) ص 130 ج 3 - السنن الكبرى (إثبات إمامه المرأة) وص 203 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 313 ج 4 - المنهل العذب (إمامة النساء).

والنوافل. وهذا هو الحق وبه يقول الشافعى والأوزاعى والثورى وأحمد وأبو حنيفة وجماعة (¬1). (4) حضور النساء المساجد: يجوز للنساء حضور الجماعة بالمساجد إذا خرجن متسترات غير متبرجات ولا متطيبات ولا متحليات بما يثير الفتنة وعدمُ حضورهن أفضل " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا نساءكم المساجد ويبوتهن خير لهنّ. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة (¬2). {63} " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا إماء الله مساجدَ الله. وليخرُجن وهنّ تَفِلاتٌ. أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والبيهقى والدارمى بسند جيد. وأخرج مسلم صدره عن ابن عمر (¬3). {64} (وقالت) أم حميد: يا رسول الله إنى أحب الصلاةَ معك. قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معى وصلاتك فى بيتك خير لك من صلاتك فى دارك وصلاتك فى دارك خير لك من صلاتك فى مسجد قومك وصلاتك فى مسجد قومك خير لك من صلاتك فى مسجدى. (الحديث) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة بسند رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سُويدٍ الأنصارى وثقه ابن حبان (¬4). {65} ¬

(¬1) ص 155 - التعليق المغنى على سنن الدار قطنى. (¬2) ص 195 ج 5 الفتح الربانى. وص 265 ج 4 - المنهل العذب (خروج النساء إلى المسجد). وص 131 ج 3 - السنن الكبرى (خير مساجد النساء قعر بيوتهن). (¬3) ص 127 ج 1 بدائع المنن. وص 193 ج 5 - الفتح الربانى. وص 263 ج 4 المنهل العذب. وص 134 ج 3 - السنن الكبرى (المرأة تشهد المسجد لا تمس طيباً). وص 293 ج 1 سنن الدرامى (النهى عن منع النساء عن المساجد) وص 161 ج 4 نوى مسلم (خروج النساء إلى المساجد) والإماء جمع أمة. والمراد بها هنا المرأة ولو حرة. والنهى للتنزيه لقوله فى حديث ابن عمر: وبيوتهن خير لهن. و (تفلات) جمع تفلة بفتح فكسر وهى المرأة تترك الطيب والزينة. يقال: تفلت المرأة من بابا تعب إذا أنتن ريحها. (¬4) ص 198 ج 5 - الفتح الربانى. وص 33 ج 2 مجمع الزوائد (خروج النساء إلى المساجد) والمراد بالبيت المسكن الخاص بالمنزل كحجرة النوم. وبالحجرة غرفة الاستقبال. وبالدار الصالة تكون فيها أبواب الحجرات.

فجواز خروجهن إلى المساجد مشروط بأمن الفتنة، وإلاُ منِعْنَ الخروج كما هو الحال فى زماننا (قالت عائشة) رضى الله عنها: لو أدْرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ بعده لمنعَهُنّ المسجد كما مُنِعَه نساء بنى إسرائيل. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (¬1). {29} قال البدر العينى: لو شاهدتْ عائشة ما أحدث نساءُ هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشدّ إنكاراً ولاسيما نساء مصر، فإنهن أحدثن من البدع والمخالفات ما لا يوصف. منها الشاشات على رءوسهن كأسنمة البُخْت المائلة. ومنها مشيهن فى الأسواق فى ثياب فاخرة وهن متبخرات متعطرات مائلات متزاحمات مع الرجال مكشوفات الوجوه (¬2) وقد تحقق فيهن قول النبى صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرَهما: قوم معهم سِياط كأذناب بالقر يضربون بها الناسَ. ونساء كاسيات عاريات مُميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخُلْن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. أخرجه مسلم عن أبى هريرة (¬3). {66} وهو من أعلام نبوته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظاهرة. وقال النووى: قوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وشبههه من أحاديث الباب ظاهرة فى أنها لا تمنع المسجد لكن بشرط إلا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يُسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ولا نحوها ممن يفتتن بها، وألا يكون فى الطريق ما يخاف ¬

(¬1) ص 201 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 2 فتح البارى (خروج النساء إلى المساجد) وص 163، 164 ج 4 - نووى مسلم. وص 268 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ذلك) أى فى خروجهن إلى المساجد. وص 133 ج 3 - السنن الكبرى. (¬2) ص 158 ج 6 عمدة القارى. (¬3) ص 109 ج 14 نووى مسلم (النساء الكاسيات العاريات .. اللباس).

منه مفسدة ونحوها. وهذا النهى للتنزيه إذا كان للمرأة زوج ووجدت الشروط. وإن لم يكن لها زوج حرم المنع إذا وجدت الشروط (¬1). وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء لما تقدم " ولقولِ " أبى هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهَدَنّ عشاء الآخِرةِ. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (¬2). {67} والتقييد بالعشاء لأنه وقت ظلمه فيكثر فيه الفسق والفجور. وإلا فكل صلاة كذلك إذا خيفت الفتنة من حضورها. (5) ما نحقق به الجماعة: تنعقد الجماعة فى غير الجمعة - عند الحنفيين والشافعى - بواحد مع الإمام ولو امرأة أو صبياً مميزاً فى مسجد أو غيره فى الفرض وغيره " لحديث " أبى إمامة الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اثنان فما فوقهما جماعة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه مسلمة بن علىّ وهو ضعيف. وأخرجه ابن ماجه والبيهقى والدار قطنى عن أبى موسى الأشعرى بسند ضعيف. والدار قطنى عن ابن عمرو بن العاص. وفى سنده متروك (¬3). {68} وقال إبراهيم النخعى: الرجل مع الرجل جماعة، لهما التضعيف خمساً وعشرين. أخرجه ابن أبى شيبة. {29} " وقال " ابن عباس: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه عن يساره فأخذنى فأقامنى عن يمينه وأنا يومئذ ابن عشر سنين. أخرجه أحمد (¬4). {69} ¬

(¬1) ص 161 ج 4 شرح مسلم (خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة ولا تخرج متطيبة). (¬2) ص 201 ج 5 - الفتح الربانى. وص 163 ج 4 نووى مسلم (خروج النساء إلى المساجد). وص 133 ج 3 - السنن الكبرى (المراة تشهد المسجد للصلاة لا تمس طيباً). (¬3) ص 45 ج 2 مجمع الزوائد (من تحصل بهم فضيلة الجماعة) وص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة) وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (الاثنان فما هو فوقهما جماعة) وص 105 سنن الدار قطنى. (¬4) ص 364 ج 1 مسند أحمد (مسند عبد الله بن العباس).

(وقال) شر حبيل: سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى المغرب فجئت فقمت عن يساره فأقامنى عن يمينه. أخرجه ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما. وشر حبيل ضعفه غير واحد، واتهم بالكذب لكن ذكره ابن حبان فى الثقات (¬1). {70} وكانت عائشة يؤمها عبدُها ذكوانُ من المصحف. ذكره البخارى معلقاً (¬2). {30} (وقالت) الحنبلية تنعقد الجماعة بالصبى المميز فى النفل دون الفرض. وهو رواية عن مالك، لظاهر حديث ابن عباس السابق. وردّ بأن الأصل عدم التفرقة بين الفرض والنفل (وقالت) المالكية: لا تعقد الجماعة بصبى لا فى الفرض ولا فى النفل. ويرده حديث ابن عباس السابق. (أما الجمعة) فسيأتى بيان ما تتحقق به جماعتها فى بحثها إن شاء الله تعالى. (6) ما تدرك به الجماعة: يدرك فضل الجماعة بإدراك جزء منها مع الإمام قبل السلام. فمن أحرم قبل الإسلام إمامه فقد أدرك فضل الجماعة ولو لم يقعد معه فى الجمعة وغيرها عند أبى حنيفة وأبى يوسف والجمهور وبعض المالكية، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَون وأتوها تمشُون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. أخرجه الشافعى والسبعة (¬3). {71} ¬

(¬1) ص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة). (¬2) ص 127 ج 2 فتح البارى (إمامة العبد). (¬3) ص 146 ج 1 بدائع المنن. وصدره: إذا سمعتم الإقامة. وص 209 ج 5 - الفتح الربانى. وص 266 ج 2 فتح البارى (المشى إلى الجمعة) وص 98 ج 5 نووى (إتيان الصلاة بوقار وسكينة) وص 271 ج 4 - المنهل العذب (السعى إلى الصلاة). وص 138 ج 1 مجتبى (السعى إلى الصلاة) وأوله: إذا أتيتم الصلاة. وآخره: وما فاتكم فاقضوا. وص 271 ج 1 تحفة الأحوذى (فى المشى إلى المسجد) وص 135 ج 1 سنن ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) و (عليكم السكينة) بالنصب أى ألزموها. ولكن المشهور فى الرواية الرفع على أن الجملة فى موضع الحال.

وهو بعمومه بتناول الجمعة وغيرها (وقالت) الشافعية وأحمد ومحمد بن الحسن: هو خاص بغير الجمعة. أما الجمعة فلا تدرك فيها الجماعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام. لما روى يحيى بن المتوكل عن صالح بن أبى الأخضر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك من الجمعة ركعة فليْصلِّ إليها أخرى، فإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً. أخرجه البيهقى والدار قطنى. ويحيى وصالح ضعفهما غير واحد فلا يقبل ما زيد فى روايتهما من قوله: فإن أدركهم الخ. أخرجه ابن ماجه بغير هذه الزيادة وفى سنده عمر بن حبيب وقد اتفقوا على ضعفه. وأخرجه الحاكم من ثلاث طرق وقال: أسانيدها صحيحة "ورد" بأن فى أحدها صالح بن أبى الأخضر وقد ضعفه غير واحد. وفى أخرى حيى بن أيوب. وهو متروك لا يحتج به، وقال النسائى ليس بالقوى (¬1). {72} " ولقول " ابن مسعود: إذا أدركتَ ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصلّ أربعاً. أخرجه البيهقى. وأخرج نحوه عن ابن عمر (¬2). {31} (ومشهور) مذهب المالكية أنه لا يدرك فضل الجماعة فى الجمعة وغيرها إلا بإدراك ركعة مع الإمام، لمفهوم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى. وأخرجه مسلم بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة. وفى رواية للنسائى: فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته (¬3). {73} ¬

(¬1) ص 203 ج 3 - السنن الكبرى (من أدرك ركعة من الجمعة) وص 167 سنن الدار قطنى وص 187 ج 1 سنن ابن ماجه (من أدرك م لجمعة ركعة). وص 291 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 204 ج 3 - السنن الكبرى. (¬3) ص 107 ج 6 - الفتح الربانى. وص 290 ج 6 - المنهل العذب (من أدرك من الجمعة ركعة) وص 210 ج 1 مجتبى (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة) وص 371 ج 1 تحفة الأحوذى (فيمن يدرك من الجمعة ركعة) وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 104 ج 5 نووى مسلم (من أدرك ركعة من الصلاة - المساجد).

بقوله: إلا أنه يقضى ما فاته، اتضح معنى الحديث، لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركاً كل الصلاة بحيث تبرأ ذمته: منها، فلابد من إضمار تقديره: فقد أدرك فضل الجماعة بإدراك ركعة مع الإمام. ولا دليل لهم فى الحديث، لاحتمال أن المعنى أدرك وقتها فيكون من أدرك ركعة فى الوقت فقد أدركها أداء ولو أتمها خارج الوقت: أو المراد أدرك حكمها فيما يفوته من سهو الإمام ولزوم الإتمام والوجوب فيكون الحديث محمولا على أرباب الأعذار. فمن زال عذره من نحو حيض أو جنون وقد بقى من الوقت ما يسع ركعة وجبت عليه تلك الصلاة. (7) تفاوت الجماعة فى الفضل: أصل فضل الجماعة يحصل بأقلها وفى أى مكان. فيجوز عند الجمهور فعلها فى البيت والصحراء (لحديث) جابر أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلى: نُصِرْتُ بالرُّعب مسيرة شهر، وجُعِلتْ الأرضٌ لأمتى طَهوراً ومسجداً، فأيما رجلٍ من أمتى أدركته الصلاة صلى حيث كان (الحديث) أخرجه الشيخان (¬1). {74} وعن بعض الحنبلية أن تأديتها فى المسجد واجب على من كان قريباً منه " لحديث " جابر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد. أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف. وأخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة وقال: وقد صحت الرواية عن أبى موسى: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له (¬2). {75} (وأجاب) الجمهور بأنه لا يعرف مرفوعاً إنما هو من قول على رضى الله عنه. وعلى فرض رفعه فليس له إسناد ثابت. قاله ابن حجر فى تخريج الرافعى (¬3) ¬

(¬1) تقدم رقم 458 ص 312 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (التيمم). (¬2) ص 161 سنن الدار قطنى. وص 246 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 431 ج 6 فيض القدير للمناوى.

وعلى فرض ثبوته فالمراد من النفى نفى الكمال والفضيلة. فإن الأخبار الصحيحة صريحة فى أن الصلاة فى غير المساجد صحيحة. هذا. ويكثر فضل الجماعة ويتزايد ثوابها بأمور أربعة: (الأول) كثرة العدد: فكلما كثر عدد المصلين فيها زاد الثواب " لقول " أبىّ بن كعب: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ فقال: أشاهدٌ فلان؟ قالوا لا. قال: أشهد فلان؟ قالوا لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلواتِ على المنافقين. ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حَبواً على الركب. وإن الصف الأولَ على مِثْلَ صفِّ الملائكة ولو علمتم ما فى فضيلته لا بتدر تموه. وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاتُه مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل. وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى، وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما، وصححه ابن السكن والعقيلى والحاكم وابن معين (¬1). . {76} ففيه دليل على أن الصلاة فى المسجد الذى يكثر جمعه أفضل. ويستثنى منه مسألتان. ¬

(¬1) ص 170 ج 5 الفتح الربانى. وص 244 ج 4 - المنهل العذب (فضل صلاة الجماعة) وص 135 ج 1 مجتبى (الجماعة إذا كانوا اثنين) وص 61 ج 3 - السنن الكبرى (فضل صلاة الجماعة) والرماد (بهاتين الصلاتين) صلاة الصبح وصلاة العشاء. كما فى البيهقى. وهو يدل على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين. قال تعالى " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " وأثقلها عليهم الصبح والعشاء لأنهما مظنة التهاون والتكاسل، فإنهما يؤديان فى وقت غفلة لا ينتهض لله عز وجل فيهما من فراشه ويترك لذيذ نومه إلا مؤمن تقىّ، ولأنهما يؤديان فى ظلمة الليل وداعى الرياء الذى يصلى لأجله المنافقون، منتف لعدم مشاهدة من يراءونه من الناس إلا القليل، وليس لهم داع دينى يبعثهم ويسهل عليهم الإتيان لهما فانتفى عنهم الباعث الدينى والدنيوى. و (على مثل صف الملائكة) أى أن الصف الأول فى إتمامه واعتدال ونزول الرحمة على أهله كصف الملائكة يصطفون لعبادة الله تعالى، أو أن أهل الصف الأول فى القرب من رحمة الله وبعد الشيطان عنهم، لهم فضل وأحر مثل فضل وأجر الملائكة. و (أزكى) اى أكثر ثواباً وأبلغ فى تكفير الذنوب .. و (ما كثر الخ) أى والصلاة التى كثر فيها المصلون أكثر ثواباً (ومحبه الله) كناية عن الرحمة والإحسان.

(أ) إذا تعطل مسجد بغيبة واحد أو جماعة، فالصلاة فيه أفضل وإن قل جمعه. (ب) إذا كان إمام مسجد الأكثر مبتدعاً، فالصلاة فى غيره أفضل وإن قل جمعه. (الثانى) بعدُ المنزل عن المسجد: كلما كان المنزل أبعد كان الثواب أكثر، لما فيه من كثرة الخطأ "ولحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الأبعدُ فالأبعدُ من المسجد أعظم أجراً. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه (¬1). {77} " ولحديث " سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولا يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرِّب أحدكم أو ليبعِّد فإن أتى المسجد فصلى فى جماعة غُفِر له. فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقى بعضٌ، صلى ما أدرك وأتم ما بقى كان كذلك. فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كذلك. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2) {78} ¬

(¬1) ص 306 ج 5 - الفتح الربانى. وص 247 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) وص 136 ج 1 سنن ابن ماجه (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) وص 64، 65 ج 3 - السنن الكبرى (فضل بعد المشى إلى المسجد). (¬2) ص 261 ج 4 - المنهل العذب (الهدى فى المشى إلى الصلاة). وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (من خرج يريد الصلاة فسبق بها) (فليقرب أو ليبعد) بضم ففتح فشد الراء والعين مكسورتين، أى فليقرب قدمه اليمنى من اليسرى إن أراد كثرة الحسنات أو يباعد بينهما إن لم يرد ذلك، أو المراد ليقرب مسكنه من المسجد فتقل خطاه فيقل أجره، وليباعد سكنه من المسجد فيكثر خطاه ويزداد أجره. ففيه تسلية للقاطنين البعيدين عن المسجد بكثرة الثواب المترتب على كثرة الخطأ حتى لا يحزنوا لبعدهم عنه، وقد يستأنس لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث = أبى موسى: إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم: تقدم رقم 55 ص 34 (حكم الجماعة) والأمر فى فليقرب للإتاحة. والمراد بقوله: أو ليبعد، النهى والزجر كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرد عليه: افعل ما شئت، وليس مراده بالأمر التمرد بل الزجر عن ذلك.

" ولقول " جابر بن عبد الله: كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقتربَ من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لكم بكل خطوة درجة. أخرجه مسلم (¬1). {79} " ولا تعارض " بين هذه الأحاديث وحديث حذيفة بن اليمان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازى على القاعد. أخرجه أحمد وحسنه المناوى وصححه السمِوطى (¬2). {80} " لأن " هذا وارد فى فضل البيت القريب من المسجد، وأحاديث الباب فى فضل المشى إلى المسجد، فالبعيد داراً مشيه أكثر وثوابه أعظم والبيت القريب أفضل. وقيل أحاديث الباب محمولة على من لم تتوقف عليه الجماعة ولا مصلحةُ المسجد. وحديث حذيفة محمول على من تتوقف عليه الجماعة أو مصلحة المسجد من إمام وغيره فسكناه قريباً من المسجد أفضل من بعده عنه. ولذا كانت مساكن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورؤساء الصحابة كأبى بكر قريبة من المسجد، أو لقربه مزية أخرى وهى التمكن من ملازمة المسجد وكثرة التعبد فيه. فلكل مِنْ قُرب المسجد وبعده مزية خاصة. (الثالث) الصلاة فى الفلاة: ومما يزيد فى فضل الجماعة تأديتها فى الفلاة وهى الأرض المتسعة التى لا ماء فيها " لحديث " أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلاةُ فى جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها فى فلاة فأتمّ ركوعَها وسجودها بلغت خمسين صلاة. ¬

(¬1) ص 168 ج 5 نووى مسلم (فضل كثرة الخطأ إلى المساجد). (¬2) ص 387 ج 5 مسند أحمد (حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه).

أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (¬1). {81} وهو يدل على أفضلية الصلاة فى الفلاة مع تمام الركوع والسجود وأنها تعدل خمسين صلاة فى جماعة. وعليه فالصلاة فى الفلاة تعدل خمسين ومائتين وألف صلاة فى غير جماعة. وهذا على فرض أن المصلى فى الفلاة صلى منفرداً فإن صلى فى جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الانفراد. وفضل الله واسع (وقد ورد) فى فضل الصلاة فى الصحراء أحاديث أخَر "كحديث" عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يعَجْب ربك من راعى غنم فى رأس شَظِيَّةٍ بجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقولُ الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا يُؤذّن ويقيم الصلاةَ يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة. أخرجه أبو داود والنسائى (¬2). {82} (والحكمة) فى اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزّية أن المصلىَ فيها يكون فى الغالب مسافراً. والسفر مظِنَّة المشقة فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار. وأيضاً الفلاة فى الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع البشرية من التوحّش عند مفارقة النوع الإنسانى، فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا من بلغ فى التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول. وأيضاً فى مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التى تقود إلى الرياء فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الإخلاص (ومن) ها هنا كانت صلاة الرجل فى البيت المظلم الذى ¬

(¬1) ص 255 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) وص 208 ج 1 مستدرك (فإذا صلاها فى فلاة) أى إذا صلى الصلاة المعلومة من السياق وهى الصلاة فى جماعة كما قال ابن رسلان. (¬2) ص 56 ج 7 - المنهل العذب (الأذان فى السفر) وص 108 ج مجتبى (الأذان لمن يصلى وحده) و (شظية) بفتح الشين وكسر الظاء وشد الياء، أى قطعة مرتفعة فى رأس الجبل.

لا يراه فيه أحد إلا الله عز وجل أفضل الصلوات على الإطلاق. وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء الشيطانية التى يقتنص بها كثيراً من المتعبدين. فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة؟ (الرابع) الصف الأول: وهو الذى يلى الإمام ولو تخللته مقصورة ونحوها على الصحيح الذى يقتضيه ظاهر الأحاديث. والصلاة فيه أفضل لأن الله تعالى ينزل رحمته أولا على أهل الصف الأول والملائكة تستغفر لهم. ولأنهم حازوا فضيلة السبق والقرب من الإمام. وقد ورد فى ذلك أحاديث " كحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وخيرُ صفوف النساء آخرها وشرها أولها أخرجه السبعة إلا البخارى وقال الترمذى حديث حسن صحيح (¬1). {83} وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لما فيه من بعدهن عن الرجال بخلاف الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة وتعلق قلوبهن بالرجال. " وحديث " النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى. أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات (¬2). {84} " وحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال قوم ¬

(¬1) ص 307، 308 ج 5 - الفتح الربانى. وص 159 ج 4 نوى مسلم (تسوية الصفوف وفضل الأول فالأول) وص 69 ج 5 - المنهل العذب (صف النساء وكراهة التأخر عن الصف الأول) وص 131 ج 1 مجتبى (خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال) وص 192 ج 1 تحفة الأحوذى (فضل الصف الأول) وص 162 ج 1 سنن ابن ماجه (صفوف النساء). (¬2) ص 319 ج 5 - الفتح الربانى. وص 91 ج 2 مجمع الزوائد (فى الصف الأول).

يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله فى النار. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى. وأخرجه مسلم من حديث أبى سعيد بلفظ: لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله (¬1). {85} ففى هذه الأحاديث الترغيب فى المبادرة إلى الصف الأول، لما فيه من كامل الثواب. لكن محله ما لم يترتب على الدخول فيه ضرر، وإلا فلا ثواب فيه بل من تأخر عنه خشية الإضرار فله أجر زائد على الصف الأول " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى أحداً أضعف الله له أجر الصف الأول. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده نوح بن أبى مريم وهو ضعيف (¬2). {86} (8) شروط الجماعة: هى قسمان: ما يتعلق بالإمام، وما يتعلق بالمأموم. (أ) فيشترط فى إمام الرجال الأصحاء تسعة شروط: (الأول) الإسلام: وهو شرط عام، فلا تصح إمامة الكافر إجماعاً. (الثانى) العقل: فلا تصح إمامة المجنون المطبِق جنونهُ، والسكران المعتوه أما من يُجنّ ويُفيق فتصح إمامته حال إفاقته. ¬

(¬1) ص 70 ج 5 المنهل العذب (كراهة التأخر عن الصف الأول) وص 103 ج 3 - السنن الكبرى. وص 158 ج 4 نووى مسلم (تسوية الصفوف .. وفضل الأول فالأول). وتأخيرهم فى النار بعدم إخراجهم منها أولا، او عدم إدخالهم الجنة مع السابقين. وقلا النووى: يتأخرون عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك ولعل هذا التشديد فى حق م أداه تأخيره عن الصف الأول إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، وإلا فمن أداها فى غير الصف الأول أو صلاها منفرداً لا يستحق دخول النار (¬2) ص 95 ج 2 مجمع الزوائد (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى غيره).

(الثالث) البلوغ: فلا تصح إمامة الصبى ولو مراهقاً للرجال لا فى فرض ولا فى نفل عند الحنفيين "لحديث" على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رُفِع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يبلغ (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). {87} فإنه يفيد أن الصبى غير مكلف وصلاته نافلة فلا يجوز الاقتداء به ولأن الإمام ضامن وليس الصبى من أهل الضمان، لأنه غير مكلف فأشبه المجنون والإمامة ولاية والصبى ليس من أهلها فأشبه المرأة (وقالت) المالكية والحنبلية: لا تصح إمامة صبى بالغ فى الفرض. وفى النافلة روايتان. (وقال) الحسن البصرى والثورى وإسحاق: تصح إمامة الصبى للبالغ فى الفريضة والنافلة. وبه قالت الشافعية إلا فى الجمعة إذا كان الإمام من العدد الذى لا تصح إلا به، فإنه يشترط أن يكون الإمام بالغاً. وهذا التفضيل لا دليل عليه. ويدل على جواز إمامة الصبى مطلقاً (قول عمرو) بن سلِمة: كنا بحاضرٍ يمرّ بنا الناس إذا أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً فحفظت من ذلك قرآنا كثيراً، فانطلق أبى وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال: يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدمونى فكنت أؤمهم وعلىّ بُرْدةٌ لى صغيرة صفراء فكنت إذا سجدت تكشفت عنى، فقالت امرأة: واروا عنا عورة ¬

(¬1) 238 ج 2 - الفتح الربانى (أمر الصبيان بالصلاة) وص 140 ج 4 سنن أبى داود (المجنون يسرق أو يصيب حداً).

قارئكم. فاشتروا لى قميصاً عُمَانيًّا فما فرحت بشئ بعد الإسلام فرحى به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين. أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود. واللفظ له (¬1). {88} (وأجاب) الأولون عنه بأنه كان فى ابتداء الإسلام حيث لم تكن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام. (وقال) الخطابى: كان الإمام أحمد يضعف أمر عَمرو بن سلِمة وقال مرة: دعه ليس بشئ بّين (¬2) ورُدّ بأن عمرو بن سلِمة صحابى مشهور. وقد ورد ما يدل على أنه وفد على النبى صلى الله عليه وسلم. " وأما القدح " فى الحديث بأن فيه كشف العورة وهو لا يجوز " فهو " من الغرائب، كيف وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدى أُزُرهم، ويقال للنساء لا ترفعْنَ رءُوسكُنّ حتى يستوىَ الرجال جلوساً. (وقال) الصنعاتى: دليل الجواز (أى جواز إمامة الصبى) وقوع ذلك فى زمن الوحى ولا يُقًرّ فيه على فعل ما لا يجوز سيما فى الصلاة، وقد نبه صلى الله عليه وسلم بالوحى على القذى الذى كان فى نعله، فلو كانت إمامة الصبى لا تصح لنزل الوحى بذلك. واحتمال أنه أمهم فى نافلة يبعده سياق القصة، فإنه صلى الله عليه وسلم علمهم أوقات الفرائض ثم قال: يؤمكم أكثركم قرآناً. وفى رواية لأحمد وأبى داود: قال عمرو: فما شهدتُ مجمعاً من جَرْمِ إلا كنتُ ¬

(¬1) ص 231 ج 5 - الفتح الربانى. وص 3 ج 5 مسند أحمد (حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه) وص 16 ج 8 فتح البارى (باب من شهد الفتح) وص 127 ج 1 مجتبى (إمامة الغلام قبل أن يحتلم) وص 300 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) و (الحاضر) فى الأصل القوم ينزلون على ماء يقيمون به. والمراد به مكان إقامتهم (وعمانياً) نسبى إلى عمان بالضم والتخفيف، موضع على بحر العرب فى الجنوب الشرقى من بلاد العرب (أو ثمان) وفى رواية البخارى: وأنا ابن ست أو سبع سنين. وفى رواية النسائى وأنا ابن ثمان سنين. (¬2) ص 169 ج 1 معالم السنن.

إمامهم وكنت أصلى على جنائزهم إلى يومى هذا (¬1). وهذا يعم الفرائض والنوافل. ويحتاج من يدعى التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبى فى هذا دون ذاك إلى دليل (¬2). (الرابع) الذكور: فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى للرجال، ولا إمامة المرأة للخنثى عند الأئمة والجمهور. " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تؤُمَّنَّ امرأة رجلا. أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند رواهٍ فيه عبد الله بن محمد العدوى عن على بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان، بل العدوى اتهمه وكيع بوضع الحديث. وله طرق أخرى فيها عبد بن حبيب متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد (¬3). {89} أما إمامة المرأة للنساء فقد تقدم بيانه وافياً (¬4). وجملة القول أن كلا من الإمام والمقتدى إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وكل منهم إمام بالغ أو غيره. فالذكر البالغ تصح إمامته للكل اتفاقاً، ولا يصح اقتداؤه إلا بمثله عند غير الشافعية. وقالت الشافعية. يصح اقتداؤه بمثله وبصبى مميز. والأنثى البالغة تصح إمامتها لأنثى مطلقاً بلا كراهة عند الشافعى وأحمد ومع الكراهة عند الحنفيين، ولا تصح إمامتها مطلقاً عند المالكية. ويصح اقتداؤها بالرجل اتفاقاً. واقتداؤها بمثلها وبالخنثى البالغ صحيح ¬

(¬1) ص 29 ج 5 مسند أحمد. وص 34 ج 4 المنهل العذب. و (جرم) بكسر أو فتح فسكون بلاد قرب بذخشان. وبالفتح بطن من طيئ. (¬2) ص 37 ج 2 سبل السلام شرح الحديث رقم 13 (صلاة الجماعة). (¬3) ص 38 منه. وص 90 ج 3 - السنن الكبرى (لا يأتم رجل بامرأة). (¬4) تقدم ص 40 (جماعة النساء).

بلا كراهة عند الشافعى وأحمد. ومع الكراهة عند الحنفيين. ولا يصح عند المالكية. والخنثى البالغ تصح إمامته للخنثى مطلقاً عند غير المالكية. ولا تصح إمامته لرجل ولا لمثله اتفاقاً. ويصح اقتداؤه برجل لا بمثله ولا بأثنى مطلقاً اتفاقاً. والذكر غير البالغ تصح إمامته لغير البالغ مطلقاً اتفاقاً. وكذا يؤم البالغ عند الشافعية. ويصح اقتداؤه بالذكر اتفاقاً. والأنثى غير البالغة تصح أمامتها لمثلها فقط عند غير المالكية، ويصح اقتداؤها بالكل اتفاقاً. والخنثى غير البالغ تصح إمامته لأنثى غير بالغة فقط خلافاً لمالك. ويصح اقتداؤه بالذكر مطلقاً فقط اتفاقاً. (الخامس) كون الإمام قارئاً: أى يحفظ ما تصح به الصلاة. فلا تصح إمامة الأمى للقارئ، لأن القراءة ركن الصلاة، فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كالطهارة وستر العورة، لأن الإمام يتحملها عن المأموم كما تقدم. وليس الأمى من أهل التحمل. وهو: (أ) من لا يسحن ما تصح به الصلاة من الفاتحة أو ما تيسر من القرآن كما تقدم بيانه (¬1). (ب) أو ينطق بالحروف على غير وجهها عند غير المالكية، كأن يبدل السين ثاء. أو الذال زاياً أو الراء غيناً أو لاماً وهو الألثغ، أو يدغم منها حرفاً لا يدعم كأن يقول (المتَّقيم) بدل (المستقيم) وهو الأرت. وقيل هو الذى فى لسانه عجلة تسقط بعض الحروف. (ج) أو يَلْحَنَ فى القرآن لحناً يخل المعنى كفتح همزة (اهدنا) وضم أو كسر تاء (أنعمت). ¬

(¬1) تقدم ص 141 - 144 ج 2 الدين الخالص (القراءة).

(د) ومن الأمى عند الحنفيين التأتاء (وهو الذى يكرر التاء) والفأفاء (وهو الذى يكرر الفاء) فلا تصح إمامتهما إلا لمثلها عندهم. وقال غيرهم: تصح إمامتهما لغير من يماثلهما مع الكراهة. ومثلهما عن المالكية الألثغ والأرت وكل من لا يستطيع النطق ببعض الحروف أو يدغم حرفاً فى غير موضعه فتصح إمامته للسالم من هذا النقص ولو وَجد من يعلمه واتسع الوقت لتعليمه ولا يلزمه الاجتهاد فى إصلاح لسانه. ويجب على الأمى أن يجتهد فى حفظ ما تصح به الصلاة وفى إصلاح لسانه ورده إلى الصواب، أو يقرأ ما يستقيم فيه لسانه من القرآن. فإن قصرّ مع القدرة بطلت صلاته وإمامته لمثله. وإن عجز عن ذلك صحت صلاته وإمامته لمثله وإن وُجد قارئ يصلى بهما خلافاً للمالكية حيث قالوا: إن وجد قارئ وجب عليهما الاقتداء به، وإلا بطلت صلاتهما. (السادس) سلامة الإمام من الأعذار: كالرعاف الدائم وانفلات الريح وانطلاق البطن وسلس البول. فلا تصح إمامة معذور لغير معذور ولا لمعذور مبالى بغير عذره كاقتداء مبطون بمن به سلس عند كافة العلماء، خلافاً للمالكية حيث قالوا: لا يشترط فى صحة الإمامة سلامة الإمام من عذر معفوّ عنه فى حقه كسلس بول لازمه ولو نصف الزمن، كما تقدم فى بحث " وضوء المعذور " فتصح إمامته للصحيح مع الكراهة. (السابع) سلامة الإمام من فقد شرط من شروط صحة الصلاة: كستر العورة والطهارة من الحدث والخبث. فلا تصح إمامة العارى القدر على الستر للمكتسى اتفاقاً، وكذا إمامة العارى العاجز عن السترة للمكتسى خلافاً للمالكية حيث قالوا بجوازها مع الكراهة.

ولا تصح إمامة غير المتطهر من الحدث والنجس لمن هو متطهر منهما. ولا تصح صلاة المحدث مطلقاً اتفاقاً، لفقد شرط صحة الصلاة، وكذا إذا صلى بالنجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة خلافاً للمالكية حيث قالوا: إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، لأن الطهارة من الخبث شرط لصحة الصلاة مع الذكر كما تقدم. أما صلاة المأموم ففيها تفصيل: (أ) إن كان الإمام متعمداً الحدث ولم يعلم المأموم حاله أصلا فصلاته صحيحة اتفاقاً. وإن علم بحاله قبل الصلاة فصلاته باطلة اتفاقاً وكذا إن علم به أثناء الصلاة خلافاً للشافعية حيث قالوا: من علم بحدث إمامه فى أثناء الصلاة لزمه نية المفارقة وأتم صلاته، فإن استمر متابعاً ولم ينو المفارقة بطلت. وإن علم بحدث إمامه بعد الصلاة فصلاته باطلة عند الحنفيين ومالك. وصحيحة وله ثواب الجماعة عند الشافعية والحنبلية. (ب) وإن لم يتعمد الإمام الحدث بأن دخل فى الصلاة ناسياً الحدث، فصلات باطلة اتفاقاً لفقد الشرط. وأما صلاة المأموم فصيحة إن لم يعلم بحال إمامه أصلا. وكذا إن علم به بعد الصلاة عند المالكية والشافعية والحنبلية والثورى وإسحاق"لحديث"جُويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيُّمَا إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم ليغتسل هو ثم ليْعد صلاته، فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك. أخرجه الدار قطنى وهو حديث ضعيف فإن جويبراً متروك. والضحاك لم يلق البراء (¬1) {90} " ولحديث " أبى جابر البيَاضى عن سعيد بن المسيب أن النبى صلى الله عليه ¬

(¬1) ص 139 سنن الدار قطنى. وص 58 ج 2 نصب الراية (الإمامة).

وسلم صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا. أخرجه الدار قطنى وقال: هذا مرسل وأبو جابر البياضى متروك الحديث. وقال يحيى بن معين: هو كذاب (¬1). {91} " ولحديث " أبى أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الإمام ضامن والمؤذن مُوتمنٌ. أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقّون وأخرجه أحمد والبيهقى والبزار عن أبى هريرة بسند صحيح على شرط مسلم بزيادة: فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين (¬2). {92} فقد دل على أن الإمام ضامن صلاة المأمومين، وأن صحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام. وفسادها بفسادها (روى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه. أخرجه محمد فى الآثار وقال: وبه نأخذ إذا صلى الرجل بأصحابه جنباً أو على غير وضوء أو فسدت صلاته بوجه من الوجه فسدت صلاة من خلفه (¬3). {32} وهو عام فى العمد والنسيان، لكن هذه الأدلة كما ترى لا وزن لها بجانب الأحاديث الصحيحة القاضية بأنه لا إعادة على من لم يعلم بحدث إمامه إلا بعد الصلاة. هذا. وجملة القول ما قال ابن رشد: اتفقوا على أنه إذا طرأ على الإمام الحدث فى الصلاة فقطع أن صلاة المأمومين لا تفسد. واختلفوا إذا صلى بهم وهو جنب وعلموا بذلك بعد الصلاة. فقال قوم " يريد الشافعى وأحمد " صلاتهم صحيحة. وقال قوم " يعنى الحنفيين " صلاتهم فاسدة. وفرّق قوم " يعنى مالك " بين أن يكون الإمام عالماً بجنابته فتفسد صلاتهم أو ناسياً لها فلا ¬

(¬1) ص 139 سنن الدار قطنى. وص 58 ج 2 نصب الراية (الإمامة). (¬2) ص 260 ج 5 مسند أحمد (حديث أبى أمامه الباهلى رضى الله عنه) وص 419 ج 2 منه (مسند أبى هريرة رضى الله عنه). وص 127 ج 3 - اسنن الكبرى (كراهية الإمامة) وص 2 ج 2 مجمع الزوائد (الإمام ضامن). (¬3) رقم 144 ص 30 - الآثار لأبى يوسف.

تفسد. وسبب اختلافهم هل صحة انعقاد صلاة المأموم مرتبطة بصحة صلاة الإمام أم ليست بمرتبطة؟ فمن لم يرها مرتبطة " كالشافعى وأحمد " قال: صلاتهم جائزة. ومن رآها مرتبطة "كالحنفيين" قال صلاتهم فاسدة. ومن فرّق بين السهو والعمد قصد إلى ظاهر حديث أبى بكر أن النبى صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر ثم أومأ إليهم أنْ مكانَكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطرُ فصلى بهم. فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشِر وإنى كنت جنباً. أخرجه أبو داود وأحمد. وهذا لفظه (¬1). {93} فإن ظاهره أنهم بنوا على صلاتهم والشافعى يرى أنه لو كانت الصلاة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلاة مرة ثانية (¬2). (أ) بأن هذا الحديث مختلف فى وصله وإرساله فلا يحتج به. (ب) بأن قوله فيه: فكبر يعارضه حديث أبى هريرة قال: أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم وهو جنب فقال: على مكانِكم فرجع فاغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم. أخرجه البخارى وأبو داود (¬3). {94} فهذا الحديث صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر وهو أصح فهو مقدم. والظاهر القول بصحة صلاة المأموم الذى تبين فساد صلاة إمامه لنسيان الحدث. وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد "وأجابوا" " أولا " عن حديث أبى جابر البياضى بأنه ضعيف لا يحتج به، وعلى فرض ثبوته فهو محمول على غير نسيان الحدث " وثانياً " عن حديث: الإمام ضامن ¬

(¬1) ص 315 ج 2 - المنهل (الجنب يصلى بالقوم وهو ناس) وص 252 ج 5 الفتح الربانى. (¬2) ص 122 ج 1 بداية المجتهد (الفصل السابع) فيما إذا فسدت صلاة الإمام هل يتعدى الفساد إلى المأمومين؟ (¬3) ص 83 ج 2 فتح البارى (إذا قال الإمام مكانكم) وص 321 ج 2 المنهل العذب (الجنب يصلى بالقوم وهو ناس).

بأن المعنى أنه ضامن لما يقع من أعمال لا تبطل صلاتهم ما دام إماماً لهم. وهذا لا يستلزم أنه إذا بأن حدثه فسدت صلاة من خلفه. (الثامن) من شروط الإمام صحة صلاته فى اعتقاد المأموم عند الحنفيين: فلو فسدت صلاة الإمام فى زعم المقتدى كأن صلى حنفى خلف شافعى قاء ملء الفم ولم يتوضأ، أو صل شافعى خلف حنفى مس ذكره مثلا، فصلاة المأموم باطلة، لفساد صلاة الإمام فى زعمه، ومتى عُلم أن الإمام يراعى الخلاف فى الشروط والأركان صح اقتداء به بلا كراهة (قال) العلامة الحلبى: وأما الاقتداء بمخالف فى الفروع كالشافعى فيجوز ما لم يُعلم منه ما يُفسد الصلاة على اعتقاد المقتدى (¬1). (وقالت) المالكية والحنبلية: ما كان شرطاً فى صحة الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام. وما كان شرطاً فى صحة الاقتداء فالعبرة فيه مذهب المأموم. فلو اقتدى من يرى فرضية مسح كل الرأس كمالكىّ وحنبلى بمن لم يمسحها كلِّها كحنفىّ وشافعىّ فصلاته صحيحة، لصحة صلاةِ إمامه فى مذهبه. ولو اقتدى مالكى فى فرض بشافعى متنفّل فصلاته باطلة، لأن اتحاد صلاة الإمام والمأموم شرط فى صحة الاقتداء كما سيأتى. هذا ما قاله الفقهاء. والمعوّل عيه صحة الاقتداء بالمخالف فى الفروع من غير كراهة، لأن الصحابة والسلف الصالح كان يؤم بعضهم بعضاً مع اختلافهم فى الفروع فكان إجماعاً. (قال) ابن عابدين: والذى يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع فى الفرائض، لأن كثيراً من الصحابة والتابعين ¬

(¬1) ص 516 غنية المتملى فى شرح منية المصلى (الأولى بالإمامة).

كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذاهبهم (¬1). (التاسع) ألا يكون الإمام مأموماً: فلا تصح إمامة المأموم حال اقتدائه اتفاقاً وكذا بعد سلام الإمام وإن أدرك معه أقل من ركعة عند الحنفيين. (وقالت) المالكية: لا يصح الاقتداء به إن أدرك ركعة أو أكثر مع الإمام وإلا صح الاقتداء به، لأنه لم تثبت له حكم المأمومية. (وقالت) الشافعية والحنبلية: يصح الاقتداء بالمسبوق مطلقاً فى غير الجمعة ولا يصح الاقتداء به فى الجمعة. (ب) وشروط المأموم " وتسمى شروط الاقتداء سبعة ": (الأول) نية المأموم الاقتداء. وهى شروط فى غير صلاة الجماعة شرط فى صحتها كالجمعة والعيد عند الحنفيين. وشروط فى كل الصلوات عند غيرهم ويلزم مقارنتها للتحريمة خلافاً للشافعية حيث قالوا: تصح نية الاقتداء فى أثناء الصلاة مع الكراهة إلا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة، فإنه لابد فيه من من مقارنة نية الاقتداء للتحريمة. وهو رواية عن أحمد. والصحيح عنه ما عليه الجمهور. قال ابن قدامة: قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة، سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم، قيل له فإن دخل فى الصلاة مع القوم واحتسب به، قال: لا يجزيه حتى ينوى الصلاة مع الإمام فى ابتداء الفرض (¬2) هذا. ولا يجوز لمن بدأ صلاته فى جماعة أن يخرج مها بنية المفارقة إلا لضرورة كأن أطال عليه الإمام " لحديث " أبى الزبير عن جابر قال: كان معاذ يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع فيصلى بقومه فأخر النبى ¬

(¬1) ص 147 ج 2 رد المختار (الاقتداء بشافعى ونحوه هل يكره؟ ). (¬2) ص 62 ج 2 مغنى (نية الإمامة).

صلى الله عليه وسلم ليلة العشاء فصلى معاذ مع النبى صلى الله عليه وسلم. ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فقيل نافقتَ يا فلان قال: ما نافقت. فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك. فقال: يا معاذ أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا، قال أبو الزبير: بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود بألفاظ متقاربة (¬1). {95} ولم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله. ومن الضرورة التى تبيح نية المفارقة طروء مرض أو خشية غلبة النعاس أو شئ يفسد صلاته أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقة. وإن فعل ذلك لغير عذر فسدت صلاته عند الجمهور، لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر (وقالت) الشافعية: تصح صلاته مع الكراهة. وهو رواية عن أحمد كما لو نوى المنفرد كونه مأموماً. واستثنوا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة. والأفضل عدم تعيين الإمام لعدم وروده، لأنه لو عينه فظهر خلافه فسدت صلاته. وأما نية الإمام فليست شرطاً بل مستحية، ليحوز ثواب الجامعة " قال " أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى رمضانَ فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل فقام إلى جنبى ثم جاء آخر حتى كنا رهْطاً فلما أحس النبى صلى الله عليه وسلم أنّا خلفه تجوّز فى صلاته (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {96} ¬

(¬1) ص 240 ج 5 الفتح الربانى. وص 132 ج 2 فتح البارى (إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى). وص 181 ج 4 نووى مسلم (القراءة فى العشاء) وص 212 ج 5 المنهل العذب (تخفيف الصلاة). (¬2) ص 193 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه) وص 213 ج 7 نووى مسلم (النهى عن الوصال) والرهط ما دون العشرة من الرجال و (تجوز) أى خفف واقتصر على الأركان مع بعض المندوبات للمصلحة.

وهو ظاهر فى أنه صلى الله عليه وسلم ينو الإمامة ابتداء وقد ائتموا به وأقرهم " وعن " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلّى وحده فقال: ألا رجل يتصدقُ على هذا يصلّى معه؟ فصلّى معه رجل. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والبيهقى والحاكم وصححه (¬1). {97} والظاهر أن الرجل كان يصلى فريضة. وتقدم حديث اقتداء ابن عباس بالنبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الليل (¬2). وفى المسألة تفصيل تقدم بيانه فى بحث " النية " من أركان الصلاة (¬3). ويزداد هنا أن الحنابلة قالوا: لا تشترط نية الإمامة فى النافلة لما تقدم. أما فى الفريضة فإن كان يَنتظر أحداً كإمام المسجد يحرمِ وحده وينتظر من يأتى فيصلى معه فيجوز؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أحرم وحده ثم جاء جابر وجُبارة فأحرما معه فصلى بهما ولُم ينكر فعلَهما. والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة لنهم كانوا مسافرين. وإن لم يكن كذلك فقد روى عن أحمد أنه لا يصح. ذكره ابن قدامة (¬4). (الثانى) عدم تقدم المأموم على الإمام عند غير مالك؛ لحديث: إنما جعل الإمام لِيُؤتمَّ به فقلا تختلفوا عليه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى عن أبى هريرة (¬5). {98} ¬

(¬1) ص 434 ج 5 - الفتح الربانى. وفيه: من يتجر على هذا. وص 276 ج 4 - المنهل العذب (الجمع فى المسجد مرتين) وص 189 ج 1 تحفة الأحوذى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه) وعنده: أيكم يتجر على هذا؟ وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه) وص 209 ج 1 مستدرك. والمراد بالتصدق تحصيل الثواب لأنه بصلاته معه صار كأنه تصدق عليه بثواب ست وعشرين صلاة، ولو صلى منفرداً لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة و (الرجل) المتصدق هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه كما فى رواية البيهقى. (¬2) تقدم رقم 59 ص 39 (الجماعة فى غير الصلوات الخمس). (¬3) تقدم ص 128 ج 2 طبعة ثانية. (¬4) ص 60 ج 2 - مغنى. (¬5) ص 273 ج 5 - الفتح الربانى. وص 147 ج 2 = فتح البارى (إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة) وص 233 ج 4 نووى مسلم (ائتمام المأموم بالإمام) وص 330 ج 4 المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 92 ج 2 - السنن الكبرى.

ومن شأن التابع ألاَّ يتقدم على متبوعه لا فى فعل ولا فى مكان. والعبرة فى القائم بالعقب وإن تقدمت أصابع المأموم، وفى القاعد بالألية، وفى المومى بالرأس حتى لو كان رأسه خلف الإمام ورجلاه قدّام صح، وعلى العكس لا يصح. والمصلى على جنبه بالإيماء يلزم أن يكون خلف ظهر الإمام أو محاذياً له. فإن تقدم المأموم على إمامه بشئ مما ذكر لم تصح صلاته لأن هذا لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا هو فى معنى المنقول كمن صلى فى بيته بصلاة الإمام كما سيأتى. وقد واظب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقدمه فى الإمامة. (وقالت) المالكية: يصح فى غير الجمعة تقدّم المأموم على إمامه مع الكراهة إلا لضرورة (قال) العلامة الرهونى: قال مالك: لا بأس بالصلاة فى دور محجورة بصلاة الإمام فى غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام والناسِ من كُوى لها أو مقاصير، أو سمعوا تكبيره فيكبرون ويركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائز. وقد صلى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى حُجَرهنّ بصلاة الإمام. قال مالك: ولو كانت الدور بين يدى الإمام كرهتُ ذلك. فإن صلّوا فصلاتهم تامة. وقد بلغنى أن دار آل عمر بن الخطاب وهى أمام القبلة كانوا يصلون فيها بصلاة الإمام فيما مضى ولا أُحبّه فإن فعله أحد أجزأه (¬1). أما لو ساوى المأموم الإمام فصلاته صحيحة بلا كراهة خلافاً للشافعية حيث قالوا بكراهة المساواة. ¬

(¬1) ص 102 ج 2 حاشية الرهونى على شرح الزرقانى لخليل (الإمامة).

(الثالث) علم المأموم بانتقالات الإمام برؤية أو سماع مه أو من المقتدى فيصح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت أبنية لا تمنع من العلم بانتقالات الإمام وإن لم يكن الوصل إليه. أو اختلف المكان كمسجد وبيت " لقول " عائشة رضى الله عنها: كان رسولُ الله صل الله عليه وسلم يصلى من الليل فى حُجرته وجِدار الحُجْرة قصير، فرأى الناسُ شخصَ النبى صلى الله عليه وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك فقام الليلةَ الثانيةَ فقام معه ناس يصلون بصلاته (الحديث). أخرجه البخارى والبيهقى (¬1). {99} " ولحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى ليلة فى حُجْرته فجأة أناس فصلوا بصلاته فخفّف فدخل البيت ثم خرج فعاد مراراً كل ذلك يصلى. فلما أصبح قالوا: يا رسول الله صلينا معك البارحة ونحن نحب أن تمد فى صلاتك، قال علمتُ بمكانكم وعمداً فعلتُ ذلك. أخرجه أحمد (¬2). {100} ففى هذه الأحاديث دلالة على جواز اقتداء المأموم بالإمام وبينهما حائل إذا عَلم انتقالات إمامه. وبه قال البخارى وغيره (قال فى صحيحه) وقال الحسن: لا بأس أن تصلى وبينك وبينه نهر. وقال أبو مْجِلَز: يأتم بالإمام وإن كان بينهما طريق أو جِدار إذا سمع تكبير الإمام (¬3) وقد أخرجه عبد الرازق عن معتمر بن التيمى عن أبيه عن أبى مجلز. وهو مسند صحيح وروى سعيد بن منصور بسند صحيح أن الحسن البصرى قال فى الرجل يصلى ¬

(¬1) ص 145 ج 2 فتح البارى (إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة) وص 110 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم بصلاة الإمامم فى المسجد إن كان بينهما مقصورة). (¬2) ص 199 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه). (¬3) ص 145 ج 2 فتح البارى (إذا كان بين الإمام والقوم حائط أو سترة).

خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به: لا بأس بذلك. أفاده الحافظ (¬1). وفى المسألة تفصيل للفقهاء. فعند الحنفيين المالكية: العبرة بمعرفة انتقالات الإمام برؤية أو غيرها، لا فرق فى ذلك بين سجد وغيره، غير أن المالكية يشترطون فى الجمعة أن تكون فى المسجد، ويلحق به رحبته والطرق الموصلة إليه. فلو اقتدى فيها من لم يكن بالمسجد بمن فى المسجد لا تصح. (والحنفيون) يشترطون ألاّ يفصل بين الإمام والمأموم والمأموم طريق تمر فيه العجلة أو نهر يمر فيه الزورق. فلو اقتدى من كان بمنزله بمن فى المسجد صح إن لم يوجد مانع من نحو طريق ونهر ولم يشتبه عليه حال الإمام، وإلا لا تصح صلاة المأموم " لقول " عمر رضى الله عنه فى الرجل يصلى بصلاة الإمام: إذا كان بينهما نهر أو طريق أو جدار فلا يأتم به. أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنّفه وعبد الرزاق فى جامعه. {33} (وقالت) الشافعية والحنبلية: إن كان المأموم والإمام فى المسجد وحالت بينهما أبنية صحت الصلاة إن علم المأموم بانتقالات الإمام وإن بعدت المسافة بينهما. وإن كانا خارج المسجد أو كان الإمام فيه والمأموم خارجه صحت القدوة عند الحنبلية إن رأى المأموم الإمام أو مَن خلفه ولو كانت الرؤية من نافذة أو زادت المسافة بينها على ثلثمائة ذراع. وعند الشافعية إن كانت الصلاة بغير المسجد يشترط ألا يزيد ما بين الإمام والمأموم وبين كل صف وآخر على ثلثمائة ذراع. وألاّ يكون بينهما حائل يمنع المرور والرؤية اتفاقاً، أو يمنع أحدهما على الأصح. ويُغفر الشارع المطروق والنهر ولو احتاج إلى سباحة. والظاهر ما ذهب إليه الأولون من أن المدار على ضبط المأموم أحوال الإمام، ولا دليل على ما ذكر من اعتبار الأذرع (¬2). ¬

(¬1) ص 145 ج 2 فتح البارى (الشرح). (¬2) تنبيه: علم مما ذكر فى الشرط الثالث من شروط الاقتداء أنه لا تصح صلاة الجمعة فى غير المسجد من الأماكن التى يصل إليها صوت = الخطيب بوساطة المذياع " الراديو " لأن المؤتم العالم بانتقالات الإمام بوساطة المذياع ل يخلو، إما أن يكون متقدماً على الإمام أو متأخراً عنه. فإن كان متقدماً فصلاته باطلة عند غير المالكية لتقدمه على إمامه، ولوجود الحائل الذى يمنع من الوصول للإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه عند الشافعية والحنبلية، وباطلة عند المالكية لأنها لا تصح فى غير المسجد عندهم. وإن كان المأموم متأخراً عن الإمام فصلاته باطلة عند الحنفية للفصل بين الإمام والمأموم بالطريق التى تسير فيها المجلات، وعند الشافعية والحنبلية لوجود الحائل المانع من الوصول إلى الإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه، وعند المالكية لتأديتها فى غير المسجد وهو شروط فى صحتها عندهم.

(الرابع) متابعة المأموم الإمام: وهى أن يكون شروع المأموم فى أعمال الصلاة بعد شروع الإمام فيها لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. فإذا كبّر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر. وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد (¬1) " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يأيها الناس إنى إمامكم فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف. أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {101} " والحديث " يدل على أن مشروعية الإمامة ليُقتدىَ بالإمام، ومن شأن التابع والمأموم ألاّ يقتدم على متبوعه ولا يساويه فى أعماله ولا يتقدم عليه فى موقفه بل يراقب أحواله ويأتى على أثرها بنحو فعله، فلا يخالفه فى شئ من الأحوال وقد فصل الحديث ذلك بقوله: فإذا كبر الخ، فمن خالفه فى شئ مما ذكر فد أثم. ولا تفسد صلاته بذلك إلا إن خالف فى تكبيرة الإحرام بتقديمها على تكبيرة الإمام فإنها لا تنعقد صلاته معه لأنه لم يجعله إماماً. ويدل على عدم فساد الصلاة بمخالفته لإمامه أنه صلى الله عليه وسلم توعّد من سبق الإمام فى ركوعه أو سجوده بأن الله يجعل رأسه رأس حمار، ولو يأمره بإعادة ¬

(¬1) تقدم رقم 98 ص 65. (¬2) ص 102 ج 3 مسند أحمد (مسند أنش رضى الله عنه) وص 105 ج 4 نووى مسلم (تحريم سبق الإمام) والمراد بالانصراف: السلام.

صلاته ولا قال فإنه لا صلاة له. قال الصنعانى (¬1). وعلى اشتراط المتابعة اتفقت الأئمة. وفيها تفصيل للفقهاء (فعند) الحنفيين المتابعة هى مشاركة المأموم للإمام فى فعل الأركان، بأن يشرع فيها معه أو عقبه أو يأتى بها متراخياً عن الإمام ولكنه يدركه فى الركن قبل الدخول فى الركن الذى بعده؛ فلو ركع إمامه فشرع معه أو عقبه وشاركه فيه أو ركع بعد رفع إمامه وقبل أن يهبِط للسجود يكون متابعاً له فى الركوع. أما أو ركع ورفع قبل الإمام ولم يعد إليه معه أو بعده ولو فى ركعة جديدة بطلت صلاته. ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام، وإلا بطلت صلاته. ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام، وإلا بطلت صلاته. وهذا بيان للمتابعة التى تركُها يبطل الصلاة، فلا ينافى أن مساواة المأموم الإمام فى الأركان مكروهة مفوّتة لفضيلة الجماعة، وعليه يحمل حديث أبى هريرة السابق أول البحث. (وقالت) المالكية: المتابعة هى أن يشرع المأموم فى الفعل بعد شروع الإمام فلا يسبقه ولا يساويه ولا يتأخر بحيث لا يركع حتى يفرغ الإمام من الركوع، ولا يسجد حتى يرفع الإمام من السجود. وهى قسمان: (أ) ما هو شرط فى صحة صلاة المأموم وهى المتابعة فى الإحرام والسلام فلو بدأ بواحد منهما قبل الإمام أو ساواه بطلت صلاته ولو ختمه بعده إلا إذا سلم قبله سهواً فإنه يعيد السلام بعده وتصح صلاته. (ب) ما ليس شرطاً ولكن يحرم تركه أو يكره، وهى المتابعة فى غير الإحرام والسلام، فلو ساوى المأموم إمامه فى الركوع أو السجود مثلا صحت ¬

(¬1) ص 29 ج 2 سبل السلام (صلاة الجماعة).

صلاته مع كراهة، ولو سبقه إلى الركوع أو السجود فإن انتظر الإمام حتى ركع واطمأن معه صحت صلاته مع الحرمة إن تعمد السبق. وإن لم ينتظره بل رفع قبله بطلت صلاته لعدم متابعته فى الركوع إلا إن رفع ساهياً فإنه يعود. وإن تأخر عن إمامه حتى انتهى من الركن كأن لم يركع حتى رفع إمامُه منه. فإن تعمد ذلك فى الركعة الأولى بطلت صلاته، وإن كان ساهياً ألغى هذه الركعة وقضاها بعد سلام الإمام. وإن فعل ذلك فى غير الركعة الأولى متعمداً صحت صلاته مع الإثم (وقالت) الشافعية: المتابعة تشمل ثلاثة أمور: (الأول) ألاّ يشرع المأموم فى الإحرام إلا بعد انتهاء إحرام الإمام وإلا لم تنعقد صلاة المأموم. (الثانى) ألاّ يسلم قبل إمامه وإلا بطلت صلاته، أمام مقارنته فى السلام فمكروهة. (الثالث) ألاّ يسبق المأموم إمامه وألاّ يتأخر عنه بركنين فعليين متواليين بلا عذر وإلا بطلت صلاته، كأن هوى للسجود وإمامه قائم للقراءة أو تأخر عنه كذلك، أما لو سبقه بهما ساهياً أو جاهلا فلا يضر، لكنه يلزمه العَوْد للموافقة متى تذكر أو علم وإلا بطلت صلاته. (وقالت) الحنبليّة: المتابعة تشمل ثلاثة أمور: الأول والثانى كما تقدم عند الشافعية (الثالث) ألا يسبق المأموم إمامه بفعل من أفعال الصلاة وألاّ يتخلف عنه فى فعل منها. فإن سبقه بالركوع عمداً بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام بطلت صلاته. وإن سبقه بغير الركوع بأن نزل للسجود قبل نزول إمامه عمداً أو قام للركعة الثانية قبله لم تبطل صلاته، لكن يلزمه الرجوع ليأتى بما فعله بعد إمامه. وإن فعل شيئاً من ذلك سهواً لا تبطل صلاته لكن

يلزمه إعادة ما فعله بعد أن يأتى به إمامه وإلا لم تحسب له الركعة. وإن سَبق إمامه بركنين عمداً بطلت صلاته، وإن كان سهواً فإن أتى بهما بعد فعل الإمام احتسبت له الركعة وإلا ألغيت ولزمه الإتيان بها بعد سلام إمامه بالسلام عمداً بطلت صلاته. وإن كان سهواً أتى به بعد سلام الإمام وإلا بطلت صلاته. هذا. ويكره مساواة المقتدى لإمامه فى أفعال الصلاة. ويحرم سبقُه إمامَه اتفاقاً " لقول " البرَاء بن عازبِ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمِده لم يَحْنِ منا أحدٌ ظهرَه حتى يقعَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ساجداً. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه بألفاظ متقاربة (¬1). {102} " ولقول " ابن مسعود: إذا كنتَ خلف الإمام فلا تركعْ حتى يركعَ، ولا تسجدْ حتى يسجدَ، ولا ترفع رأسك قبله. وإذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف وكانت لك حاجة فاذهب وَدَعْهُ فقد تمت صلاتك. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬2). {34} وهذا لا يقال من قبل الرأى فهو مرفوع حكماً " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه م ركوع أو سجود قبل الإمام أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمار أو صورتَه صورة حمار؟ أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬3). {103} ¬

(¬1) ص 274 ج 5 الفتح الربانى. وص 124 ج 3 فتح البارى (متى يسجد من خلف الإمام؟ ) وص 190 ج 4 نووى مسلم (متابعة الإمام) وص 8 ج 5 - المنهل العذب (إتباع الإمام) وص 132 ج 1 مجتبى (مبادرة الإمام) وص 234 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية أن يبادر الإمام) و (لم يحن) بفتح فسكون، أى لم يثن يقال حنيت العود وحنوته إذا ثنيته. والمعنى لا ينتقل المأموم من ركن حتى يتلبس الإمام بالركن الذى يليه. (¬2) ص 78 ج 2 مجمع الزوائد (متابعة الإمام). (¬3) ص 276 ج 5 - الفتح الربانى. وص 125 ج 2 فتح البارى (إثم من رفع = رأسه قبل الإمام) وص 151 ج 4 نووى مسلم (تحريم سبق الإمام) وص 133 ج 1 مجتبى (مبادرة الإمام) وص 158 ج 1 سنن ابن ماجه (النهى أن يسبق الإمام بالركوع والسجود) وأما، مخففة حرف استفتاح والاستفهام للتوبيخ.

وأخرجه ابن حبان فى صحيحه بلفظ: أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأس كلب؟ " وعنه " أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: " الذى يَخفض ويرفعُ قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان " أخرجه البزار والطبرانى بسند حسن (¬1). {104} وظاهر هذه الأحاديث تحريم سبق الإمام للتوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات. فإن سبقه فى الإحرام أو السلام بطلت صلاة المأموم اتفاقاً وإن سبقه فى غيرهما وانتظر حتى أدركه الإمام فهو حرام يأثم فاعله وصلاته صحيحة. (وعن) ابن عمر وأحمد أنها باطلة بناء على أن النهى يقتضى الفساد (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رسالته: ليس لمن يسبق الإمام صلاةٌ لهذا الحديث. ولو كانت له صلاةٌ لرُجى له الثواب ولم يُخش عليه العقاب. هذا. وليس لسبق الإمام سبب إلا طلب الاستعجال واستحواذ الشيطان ودواؤه استحضار أنه لا يُسلِّم قبل الإمام فلا ثمره فى الاستعجال، بل فيه الإثم والعقاب واختلف فى معنى التحويل المذكور، فقيل هو باق على ظاهره فيمسخه الله مسخاً حسِّياَّ. ويؤيده ورود الوعيد بلفظ المستقبل " ولا يقال " ليس فى الحديث ما يدل على وقوع المسخ، بل غايته أن فاعل ذلك متعرض لهذا الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ " لأنه " لا مانع من وقوعه. وقيل إن التحويل المذكور يقع يوم القيامة. ويحتمل ¬

(¬1) ص 78 ج 2 - مجمع الزوائد (متابعة الإمام).

أن يراد المسخ المعنوى الذى هو طمس القلوب والبصائر فيكون أعمى القلب عن طريق الحق فلا يسلكه. (الخامس) من شروط الاقتداء: علم المأموم بحال إمامه من سفر أو إقامة إذا صلى الرباعية مقصورة فى العمران، فلا يصح الاقتداء بمن جهل المأمومُ حالَه وهو يقصر فى العمران. أما من أتم مطلقاً أو قصَر خارج العمران فالاقتداء به صحيح ولو ممن جعل حاله لظهوره شأناً. فيصح اقتداء المقيم بالمسافر ولو بعد خروج الوقت بلا كراهة. فإذا سلم الإمام أتم المقيم صلاته ويستحب للإمام أن يقول: أتموا صلاتكم فإنى مسافر " لقول " عمرانَ بن حصين: غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدتُ معه الفتح فأقام بمكة ثمانىَ عشْرَة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول: يأهل البلد صلوا أربعاً فإنا قومً سفْر. أخرجه أبو داود وأخرج أحمدُ نحوه. وفى سنده علىّ بن زيد ابن جُدعان. وهو ضعيف (¬1). {105} وله شواهد تقويه " منها " ما روى سالمُ بن عبد الله عن أبيه أن عُمر بن الخطاب، كان إذا قِدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر. أخرجه مالك والبيهقى من طريقين صحيحين (¬2). {35} وعلى هذا أجمع العلماء. ويجوز اقتداء المسافر بالمقيم ويتم لزوماً تبعاً لإمامه ولو أدرك معه أقل من ركعة أو اقتدى به بعد الوقت عند الشافعى وأحمد، لما روى موسى بن سلمةَ قال: كنّا مع ابن عباس بمكة فقلتُ إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رِحالنا صلينا ركعتين. قال: سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 88 ج 7 المنهل العذب (متى يتم المسافر) وص 279 ج 5 - الفتح الربانى. و (سفر) بفتح فسكون أى مسافرون. (¬2) ص 269 ج 1 زرقانى الموطأ (المسافر إذا كان إماماً) وص 126 ج 3 - السنن الكبرى (المسافر يؤم المقيمين).

أخرجه أحمد. وكذا مسلم والنسائى عن موسى بن سلمة: قلت لابن عباس: كيف أصلى إذا كنتُ بمكة إذا لم أصلِّ مع الإمام؟ قال: ركعتين سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم (¬1). {106} وبهذا قال ابن عمر وابن عباس والثورى والأوزاعى " وقال " الحنفيون إنما يصح اقتداء مسافر بمقيم فى الوقت. أما لو اقتدى به بعد خروج الوقت فلا يصح لتقَرّر فرض المسافر ركعتين بخروج الوقت، فيكون القوىّ بانياً على الضعيف فى القَعدة الأولى لو اقتدى فى الأوليين، فإنها فرض فى حقه واجبه فى حق الإمام فيهما وهى سنة (وقالت) المالكية: يكره اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه لمخالفته نية إمامه والكراهة فى العكس أشد لمخالفته سنة القصر. ويجب عليه الإتمام تبعاً لإمامه إن أدرك معه ركعة فأكثر. ولا دليل لهم على ذلك. (السادس) ألا يكون المأموم أعلى من إمامه فى الشروط والأركان والفرضية، فيلزم أن يكون مثله أو دونه فيها: (أ) فلا يصح مثلا اقتداء طاهر بمعذور ولا اقتداء متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة. لما فيه من بناء القوى على الضعيف، ولا اقتداء مكتسٍ بعارٍ ولا قارئ بأمىٍ كما تقدّم، ولا اقتداء راكع وساجد بِمُومٍ بالركوع والسجود. ويصح اقتداء غاسل بماسح على الخف أو الجبيرة، واقتداء العارى بمثله لاستوائهما فى الشروط، واقتداء ¬

(¬1) ص 102 ج 5 - الفتح الربانى (إتمام المسافر إذا اقتدى بمقيم) وص 197 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافر وقصرها) وص 212 ج 1 مجتبى (الصلاة بمكة) و (معكم) أى فى المسجد مقتدين بإمام مقيم.

المومى بالراكع والساجد لعلو الإمام فى الأركان، واقتداء العارى بالمكتسى لعلوه فى الشروط. ولا يصح - عند الحنفيين ومالك - اقتداء مفترض بمتنفل. وهو رواية عن أحمد. واختارها أكثر أصحابه لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه (¬1) ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه صلاة الجمعة خلف الظهر وهو لا يصح اتفاقاً. وبهذا قال الحسن البصرى ومجاهد والزهرى والنخعى (وقالت) الشافعية والأوزاعى وطاوس وعطاء وابن المنذر: يصح اقتداء مفترض بمتنفل. وهو رواية عن أحمد " لحديث " جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة. أخرجه أحمد الشيخان وأبو داود. وكذا الشافعى والطحاوى والبيهقى والدار قطنى وعبد الرزاق وزادوا: هى له تطوع ولهم مكتوبة العشاء (¬2). {107} قال الشافعى: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثاً يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه (وقال) الحافظ: هو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح (¬3). ¬

(¬1) تقدم رقم 98 ص 65، 69. (¬2) ص 279 ج 5 - الفتح الربانى. وص 139 ج 2 فتح البارى (إذا صلى ثم أم قوماً) وص 183 ج 4 نووى مسلم (القراءة فى العشاء) وص 323 ج 4 - المنهل العذب (إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة) وص 143 ج 1 بدائع المنن (جواز اقتداء المفترض بالمتنفل) وص 86 ج 3 - السنن الكبرى (الفريضة خلف من يصلى النافلة) وص 102 سنن الدار قطنى. وص 238 ج 1 شرح معانى الآثار. (¬3) ص 135 ج 2 فتح البارى اشرح (إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة) (وقال) البيهقى فى المعرفة: كذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج، وزيادة الثقة مقبولة. والأصل أن ما كان موصولا بالحديث فهو منه لاسيما إذا روى م وجهين أهـ. وفيه رد على قول ابن الجوزى: إن هذه الزيادة لا تصح، وعلى زعم الطحاوى أنها مدرجة.

(وأجاب) عنه من لم يجوّز اقتداء المفترض بالمتنفل بأجوبة لا تُشفى (منها) أن معاذاً كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضاً " لحديث " معاذ بن رِفاعه عن رجل م بنى سَليم يقال له سُلَيمٌ أنه أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذَ بنَ جبل يأتينا بعدما ننام ونكونُ فى أعمالنا فى النهار فينادى بالصلاة فنخرجُ إليه فيطوّلُ علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ لا تكن فتاناً. إمّا أن تصُلى معى وإما أن تخفف عن قومك. أخرجه أحمد والطحاوى والطبرانى فى الكبير ومعاذ بن رِفاعة لم يدرك سُليمًا لنه استُشهد بأحد ومعاذ تابعى. ورجال أحمد ثقات (¬1). {108} وجه الدلالة أن النبى صلى الله عليه وسلم خيَّر معاذاً بين أمرين: إمّا أن يصلى معه أو يصلى بقومه مع التخفيف " قال " الطحاوى: فهو يدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين وأنه لم يكن يجمع بينهما " ورُدَّ " بأن غاية ما فيه أنه أذن له بالصلاة معه والصلاةِ بقومه مع التخفيف، أو بالصلاة معه فقط إن لم يخفف. وقد تقدم فى حديث جابر عند الشافعى وغيره التصريح بأنها لمعاذ تطوّع ولهم مكتوبة (¬2) (ومنها) أن صلاة المفترض خلف المتنفل فيها اختلاف وفى الحديث " إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " (¬3) " ورُدَّ " بأن المعنى لا تختلفوا عليه فى الأفعال كما بيَّنه بقوله: فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا " الخ " ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث معاذ ونحوه مخصص له " وقولهم " إن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام الخ " تعليل " فى معارضة ¬

(¬1) ص 242 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل يصلى الفريضة خلف المتطوع) وص 71 ج 2 مجمع الزوائد (من أم بالناس فليخف). (¬2) تقدم رقم 107 ص 76. (¬3) تقدم ص 65، 69، 76.

النص فلا يلتفت إليه. فالراجح الفول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل. (ج) وكذا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض عند الحنفيين والشافعية والحنبلية لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبْصر رجلا يصلى وحده فقال: ألاَ رجل يتصدّق على هذا فيصلى معه؟ فصلى معه رجل (¬1) فإن الظاهر أن المتصدق عليه كان يصلى فريضة وهى الظهر كما صُرح به فى رواية لأحمد والدار قطنى، ولما فيه من بناء الضعيف على القوى. (وقالت) المالكية: لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض " لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. وقد علمتَ أنه لا دلالة فيه على هذا. (د) ويصح اقتداء راكع وساجد بمثله واقتداء مُوم بالركوع والسجود بمثله واقتداء جالس لعذر بقائم إجماعاً " لقول " أنس عائشة رضى الله عنهما: صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه خلف أبى بكر قاعداً. أخرجه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬2). {109} (هـ) ويصح اقتداء قائم بقاعد لعذر يركع ويسجد عند أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعى والثورى. وهو رواية عن أحمد " الحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى مرضه الذى تُوفىِّ فيه أبا بكر أن يُصلىَ بالناسِ، فلما دخل فى الصلاة وجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّة، فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخُطَّان الأرضَ. فجاء فجلس عن يسار أبى بكر فكان رسولً الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة ¬

(¬1) تقدم رقم 97 ص 65 (شروط الاقتداء). (¬2) 289 ج 1 تحفة الأحوذى (باب منه).

أبى بكر. أخرجه الشافعى وأحمد مختصراً والشيخان مطولا (¬1). {110} وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إماماً جالساً وأبو بكر والناس قائمين (وقالت) المالكية ومحمد بن الحسن: لا يصح اقتداء القائم بالقاعد لعذر " لما روى " جابرٌ الجُعفى عن الشعبى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحد بعدى جالساً. أخرجه الدار قطنى وقال: لم يروه غير جابر الجُعفى عن الشعبى وهو متروك. والحديث مرسل لا تقوم به حجة. وأخرجه البيهقى وقال: قال الشافعى: قد علم الذى احتج بهذا أنَ ليست فيه حجة وأنه لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغَب الناس عن الرواية عنه (¬2). {111} ولأن القيام ركن فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان. (وأجابوا) عن حديث عائشة بأنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم لما تقدم عن الشعبى (قال) القاضى عِياض: لا يصح لأحد أن يؤمَّ جالساً بعده صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور قول مالك وجماعة من أصحابه. وروى ابن حبيب عن مالك أن حديث عائشة منسوخ، لترك أبى بكر وعمر وعثمان الإمامة حال الجلوس أهـ (ورُدِّ) بأن عدم صلاة من ذكر جلوساً بعد النبى صلى الله عليه وسلم لا يدل على النسخ، لاحتمال أنه لم يطرأ عليهم ما يقتضى جلوسهم حال الصلاة. وأما حديث الشعبى من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم. وهم أسَيْد بن حُضَير وجابرٌ وقيسُ بن فهد وأنس بن مالك. والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وغيرهم. ¬

(¬1) 141 ج 1 بدائع المنن. وص 249 ج 6 مسند أحمد (حديث عائشة رضى الله عنهما) وص 118 ج 2 فتح البارى (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 141، 142 ج 4 نووى مسلم (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر). (¬2) ص 153 سنن الدار قطنى (صلاة المريض جالساً بالمأمومين) وص 80 ج 3 - السنن الكبرى (ما روى فى النهى عن الإمامة جالساً وبيان ضعفه).

بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد يعنى لعذر أفادة الحافظ (¬1). (وقال) إسحاق والأوزاعى وابن المنذر والظاهرية: لا يجوز اقتداء القادر على القيام بالجالس لعذر، بل عليه أن يجلس تبعاً له " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرعَ عنه فجُحِشَ شِقه الأيمنُ فصلى صلاة وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً. فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به. فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً. وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد. وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون. أخرجه الشافعى والجماعة. والبيهقى. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬2) {112} (وأجاب) الأولون عنه بأنه منسوخ بحديث عائشة لتأخره فقد أخرجه الشافعى فى الأم. وقال: " وأمرُ " رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس ومن حدّث معه فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالساً ومن خلفه جلوساً " منسوخ " بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فى مرضه الذى مات فيه جالساً وصلوا خلفه قياماً. فهذا مع أنه سنة ناسخة معقول. ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطِق القيام صلى جالساً وكان ذلك ¬

(¬1) ص 119 ج 2 فتح البارى (الشرح). (¬2) ص 248 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الإمام وهو جالس) وص 141 ج 1 بدائع المنن وص 162 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه) وص 123 ج 2 فتح البارى (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 130 ج 4 نووى مسلم (ائتمام المأموم بالإمام) وص 326 ج 4 المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 133 ج 1 مجتبى (الائتمام بالإمام يصلى قاعداً) وص 287 ج 1 تحفة الأحوذى (إذا صلى الإمام قاعداً) وص 193 ج 1 سنن ابن ماجه (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 87 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً) و (جحش) بالبناء للمفعول، أى انخدش شقه فلم يتمكن من القيام. وفى رواية (جحش ساقه أو كتفه).

فرْضَه، وأن المأمومين إذا أطاقوه صلِّوا قياماً. وعلى كل واحد منهم فرْضُه فكان الإمام يصلى فرضَه قائماً إذا أطاق جالساً إذا لم يُطق وكذلك يصلى مضطجعاً ومومياً إن لم يُطِق الركوعَ والسجودَ ويصلى المأمومون كما يُطيقون فيصلى كلٌّ فرضه فتُجزى كلاٍّ صلاتُه (¬1). (وقال) الكمال ابن الهمام: قال الشافعى - بعدما أسند عن جابر وأُسَيد ابن حُضَير اقتداء الجالسين بهما وهما جالسان للمرض - وإنما فعلا ذلك لأنهما لم يعلما بالناسخ. وكذا ما حُكى عن غيرهم من الصحابة رضى الله عنهم أنهم أمُّوا جالسين والناس جلوس محمول عليه. وعلم الخاصة يوجد عند بعض ويغُرب عند بعض (¬2). (وقالت) الحنبلية: لا يصح اقتداء القائم بعاجز عن القيام إلا إذا كان إماماً راتباً أو إماماً أعظم يُرجى زوالُ عذره، فلهم أن يصلوا وراءه قياماً وجلوساً لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى وراءه أبو بكر ومن معه قياماً لم يأمرهم بالإعادة " ولقول " جابر: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جَدْمِ نخلة فانفكّتْ قدمهُ فأتيناه نعوده فوجدناه فى مَشْرُبَة لعائشة يُسبّح جالساً فقمنا خلفه فسكتَ عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعودُه فصلى المكتوبةَ جالساً فقُمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا فلما قَضى الصلاةَ قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً. وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً. (الحديث) أخرجه أبو داود وأخرج أحمد البيهقى نحوه (¬3). {113} ¬

(¬1) ص 151 ج 1 كتاب الأم (صلاة الإمام قاعداً). (¬2) ص 262 ج 1 فتح القدير (الإمامة) (¬3) ص 329 ج 4 - المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 285 ج 5 - الفتح الربانى وص 80 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً) و (الجذم) بكسر الجيم وفتحها وسكون الذال: أصل النخلة. و (المشربة) بفتح فسكون ففتح أو ضم، الغرفة. و (يسبح أى يصل نافلة.

والأفضل للإمام الراتب أن يستخلف إذا مرض وعجز عن القيام خروجاً من الخلاف (وجمعوا) بين الأحاديث " بحمل " حديث عائشة على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم عجز عن القيام، فليزم المأمومين إتمامُها من قيام " وحَمْلِ " الحديثين الأخيرين على إذا ما ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى زواله فيصلون خلفه قعوداً، والجمع متى أمكن أولى من النسخ. (قال) الكمال ابن الهمام: واعلم أن مذهب الإمام أحمد أن القاعد إن شرع قائماً ثم جلس صح اقتداء القائمين به، وإن شرع جالساً فلا. وهو أنهض من جهة الدليل، لأنا صرحنا بان ذلك خلاف القياس صِير إليه بالنص وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى محل الصلاة قائماً يُهادِى ثم جلس فالظاهر أنه كبرّ قبل الجلوس. وصرّحوا فى صلاة المريض أنه إذا قدر على بعضها قائماً ولو التحريمة وجب القيام فيه. وكان ذلك متحققاً فى حقه صلى الله عليه وسلم إذا مبدأ حلوله فى ذلك المكان كان قائماً، فالتكبير قائماً مقدوره حينئذ، وإذا كان كذلك فمورد النص حينئذ اقتداء القائمين بجالس شرع قائماً (¬1). (و) ويصح اقتداء المتوضئ بالمتيمم مطلقاً عند النعمان وأبى يوسف وأحمد وإسحاق والظاهرية لاستوائهما فى الشرط " ولقول " عمرو بن العاص احتملتُ فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهْلِكَ فتيممتُ ثم صليتُ بأصحابى الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرُو صليتَ بأصحابك وأنت جُنُب؟ فقلتُ ذكرتُ قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فتيممت وصليت ¬

(¬1) ص 262 ج 1 فتح القدير (الإمامة).

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. أخرجه أحمد وأبو دواد والبيهقى وابن حبان والحاكم مسنداً. وأخرجه البخارى معلقاً (¬1). {114} (وقالت) الشافعية: يجوز اقتداء متوضئ بمتيمم إذا كان لا تلزمه إعادة الصلاة - بأن كان تيممه لمرض أو لفقد الماء فى مكان يغلب فيه فقده - ولا يصح اقتداؤه بمتيمم تلزمه الإعادة - بأن تيمم لشدة برد الماء أو لفقده فى مكان يندر فقده فيه - ولا دليل على هذا التفصيل. بل يرده ما تقدم عن عمرو بن العاص وقد تيمم لشدّة البرد (وقال) محمد بن الحسن: يصح اقتداء متوضئ بمتيمم فى الجنازة دون غيرها " لحديث " محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤم المتيمم المتوضئين. أخرجه البيهقى والدار قطنى. وقالا إسناده ضعيف (¬2). {115} فلا تقوم به حجة (وقال) مالك والنخعى: يكره اقتداء المتوضئ بالمتيمم، ويؤمهم إذا كان أميراً. والراجح من جهة الدليل القول الأول. فقد أقرَّ النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ولم ينكر عليه شيئاً ولا فصَّل له ولا أمر من صلى وراءه بالإعادة. قال ابن حزم: النهى عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس. وكذلك تقسيم من قسَّم (¬3). (السابع) من شروط الاقتداء " اتحاد صلاة الإمام والمأموم فى الأداء ¬

(¬1) ص 281 ج 5 - الفتح الربانى. وص 184 ج 3 المنهل العذب (إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ ) وص 225 ج 1 - السنن الكبرى (التيمم فى اسفر إذا خاف الموت أو العلة من شدة البرد) وص 310 ج 1 فتح البارى (إذا خاف الجنب على نفسه المرض .. تيمم). و (ذات السلاسل) جمع سلسل بفتح فسكوت سميت بذلك لأنها كانت على ماء بأرض جذام يعرف بالسلسل. (¬2) ص 334 ج 1 - السنن الكبرى. وص 68 سنن الدار قطنى (كراهة إمامه المتيمم المتوضئين). (¬3) ص 144 ج 1 - المحلى (مسالة 248).

والفرضية وغيرهما. (أ) فلا يصح عند الحنفيين ومالك اقتداء مفترض بمفترض فرضاً آخر كمصلى الظهر خلف العصر. ولا اقتداء الناذر بالناذر إلا إن اتحد منذورهما " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنَّماَ جُعِلَ الإماَم لِيُؤْتَمَّ بهِ فَلاَ تَخْتَلُفِوا عَلَيْهِ (¬1). (وروى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجال يدخل مع الإمام وهو لا ينوى صلاة الإمام فصلاة الإمام تامة ويستقبلُ الرجلُ. أخرجه أبو يوسف فى الآثار. وكذا محمد بلفظ: إذا دخلتَ فى صلاة القوم وأنت لا تنوى صلاتهم لم يجزئك، وإن صلى الإمامُ صلاته ونوى الذى خلفه غيرَها أجزأتِ الإمام ولم تجزيهم (¬2). {36} وعن أحمد روايتان (قال) ابن قدامة: فإن صلى الظهر خلف مَن يصلى العصر ففيه روايتان: نقل إسماعيل بن سعد جوازَه، ونقل غيرُه المنع منه (¬3). (وقالت) الشافعية والظاهرية: يصح الاقتداء بكل من صحت صلاته وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء والأوزاعى " لما تقدم " عن جابر أن معاذاً كان يصلى بقومه العشاء وقد صلاها مع النبى صلى الله عليه وسلم (¬4) قالوا: إذا جاز اقتداء المفترض بالمتنفل فجواز اقتداء المفترض بمفترض فرضاً آخر أولى. ولا يمنعه قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تختلفوا عليه، لأن المنهى عنه الاختلاف فى الأفعال كما بينه بقوله: فإذا كبر فكبروا الخ. ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث جابر ونحوه مخصص له كما تقدم. ¬

(¬1) تقدم رقم 98 ص 65، 69، 76. (¬2) رقم 169 ص 34 كتاب الآثار (اتحاد نية الإمام والمأموم) (ويستقبل الرجل) أى يستأنف المأموم صلاته. (¬3) ص 53 ج 2 مغنى (اختلاف صلاة الإمام والمأموم). (¬4) تقدم رقم 107 ص 76 (اقتداء مفترض بمتنفل).

(9) الأحق بالإمامة: إذا لم يوجد إمام راتب ولا صاحب منزل صالح للإمامة فالأولى بها عند الثورى وأحمد وأبى يوسف أقرؤهم: أى أحسنهم تلاوة لكتاب الله تعالى. ثم أعلمهم بأحكام الصلاة صحة وفساداً. ثم أورعهم أى أكثرهم اجتناباً للشبهات. ثم أكبرهم سناً ثم أحسنهم خَلْقًا وخُلُقًا. ثم أشرفهم نسباً. ثم أنظفهم ثوباً "لحديث" أبى مسعود عقبةَ بن عمرو أن النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤمُّ القومَ أتمرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا فى الهجرة سواءً فأقدمهم سناً ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه. أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن صحيح (¬1). {116} والمراد بأقرإ القوم أحسنهم تلاوة وإن كان أقلهم حفظاً. وقيل المراد به أكثرهم حفظاَ للقرآن " لقول " عمرو بن سَلِمةَ الجرمى: كانت تأتينا الركبان من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستقرئهم فيحدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً. أخرجه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (¬2). {117} وتقدم مطولا (¬3). ففيه دليل على أنه الأقرأ لكتاب الله الذى عنده فقه أحق بالإمامة من الفقه. (وقال) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ومالك والشافعى والأوزاعى والجمهور الأفقه مقدم على الأقرأ ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر على غيره ¬

(¬1) ص 172 ج 5 نووى مسلم (من أحق بالإمامة) وص 196 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 30 ج 5 مسند أحمد (حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه) وص 63 ج 2 مجمع الزوائد (الإمامة) و (نستقرئهم) أى نتعلم منهم القراءة. (¬3) تقدم رقم 88 ص 54 (الثالث البلوغ).

وقد قال صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأقرؤهم أُبَىُّ بن كعب أخرجه الترمذى عن أنس بن مالك من حديث طويل (¬1). {118} (وقال) ابن عمر: لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العَصْبة قبل مَقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمُّهم سالمٌ مولى أبى حُذيفة وكان أكثرهم قرآناً وفيهم عمرُ بنُ الخطاب وأبو سلمَة بنُ عبِد الأسدِ. أخرجه البخارى وأبو داود. وهذا لفظه (¬2). {119} ولأنه قد ينوبه فى الصلاة ما لا يدَرى ما يَفعل فيه إلا بالفقه فيكون أولى (وأجابوا) عن حديث أبى مسعود ونحوه بأن الصحابة كانوا يتلقُّون القرآن بأحكامه. فكان أقرؤهم أعلمَهم. فيكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث: أقرؤهم لكتاب الله، أى أعلمهم به (قال) ابن مسعود كان أحدُنا إذا حفِظ سورة من القرآن لم يخرُج عنها إلى غيرها حتى يُحْكِمَ علمَها ويَعرفَ حلالها وحرامها. {37} (وقال) ابن عمر: ما كانت تنزل السورةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها. {38} هذا. والهجرة المقدم بها فى الإمامة لا تختص - عند الجمهور - بالهجرة فى عهده صلى الله عليه وعلى ىله وسلم، بل المراد بها ما يشمل كل هجرة من أى بلد من بلاد الكفر إلى بلد إسلامى (وقال) الحنفيون: الرماد بها هجر المعاصى " لحديث " ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. أخرجه البخارى (¬3). {120} ¬

(¬1) ص 344 ج 4 تحفة الأحوذى (مناقب معاذ بن جبل رضى الله عنه). (¬2) ص 128 ج 2 فتح البارى (إمامة العبد والمولى) وص 305 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) و (العصبة) فتح أو ضم فسكون أو بفتحتين، موضع بقباء معروف (بالمعصب) بالتشديد. (¬3) ص 41 ج 3 فتح البارى (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وهو صدر الحديث.

فلذا جعلوا الورع مكان الهجرة فى الحديث لانقطاع الهجرة بفتح مكة. ففى الحديث: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحَ. أخرجه البخارى عن ابن عباس (¬1). {121} (وأجاب) الجمهور (أ) بأن المنفى فيه الهجرة من مكة إلى المدينة. أو المعنى: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبله. (ب) وبأن " حديث " والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " لا ينافى " أن الأفضل تقديم الأسبق هجرة وكان تقيا. هذا. والمراد الرجل فى سلطانه ذو الولاية فيشمل السلطان الأعظم ونائبه. فيقدّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما، لعموم ولايته ولو كان غيره أكثر قرآنا وفقهاً وورعاً وفضلا منه. فيكون آخر الحديث مخصِّصاً لعموم أوله. ومثل السلطان فى ذلك صاحب البيت (روى) علقمة أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعرىَّ فى منزلهِ فحضرت الصلاة فقال أبو موسى: تقدم يا أبا عبد الرحمن فإنك أقدمُ سِنًّا وأعلم قال: بل أنت تقدم فإنما أتيناك فى منزلك ومسجدك فأنت أحق. فتقدم أبو موسى (الأثر) أخرجه أحمد. وفيه رجل لم يُسَمَّ. وأخرجه الطبرانى متصلا برجال ثقات (¬2). {29} " وكذا " الإمام الراتب أحقُّ بالإمامة، لأنه إن كان مُوَلًّى من قبل السلطان أو نائبه فهو فى حكمه، وإن كان وُلًّىَ باتفاق أهل المسجد فقد صار أحق. وهى ولاية خاصة " هذا " ويستحب لصاحب البيت ونحوه أن يأذن لمن هو أفضل منه أن يصلى إماماً (والحكمة) فى النهى عن التقدم على السلطان ونحوه إلا بإذنه أن الجماعة شُرِعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادّهم. فإذا أمّ الرجلُ الرجلَ فى بيته أو سلطانه من غير إذنه أدَّى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع رِبْقَة الطاعة من السلطان، وإلى التباغض والتقاطع ¬

(¬1) ص 25 ج 6 - فتح البارى (وجوب النفير - الجهاد). (¬2) ص 66 ج 2 مجمع الزوائد (إمامة الرجل فى رحله).

وظهور الخلاف الذى شرع لدفعه الاجتماع. فلا يتقدم رجل على ذى السلطنة ولاسيما فى الأعياد والْجُمعات. ولا على إمام الحىّ ورب البيت إلا بإذنه. (10) إمامة المفضول: يجوز اقتداء الفاضل بالمفضول الذى تصح إمامته. فقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم خلف أبى بكر وغيره من الصحابة " قال " المغيرة بن شعبة: خَصلتان لا أسأل عنهما أحداً من الناس، رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَهما: صلاةُ الإمام خلف الرجل من رعِيَّته، وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبدِ الرحمنِ ابن عوفٍ ركعةً من صلاة الصبح. ومسحُ الرجل على خُفّيه. وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين. أخرجه أحمد بسند جيد (¬1). {122} (وعنه) وقد سئل هل أمَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجلٌ من هذه الأمة غيرُ أبى بكر؟ قال نعم كنا فى سفر كذا كذا (الحديث) وفيه فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته ومسح على العمامة وعلى الخفين ثم لَحِقَنَا الناسَ وقد أقيمت الصلاة وعبدُ الرحمن بن عوف يؤمهم وقد صلى ركعة فذهبتُ لأوذِنه فنهانى، فصلينا التى أدركْنا وقَضينا التى سُبِقنا بها. أخرجه الشافعى وأحمد وهذا لفظه ومسلم (¬2). {123} وفى هذه الأحاديث دلالة أيضاً على فضل تقديم الصلاة فى أول الوقت وأنه إذا تأخر الإمام عنه يستحب للجماعة تقديم أحدهم إذا علموا بحسن خُلق ¬

(¬1) ص 247 ج 4 مسند أحمد (حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه). (¬2) ص 247 منه وص 144 ج 1 بدائع المنن. وص 171 ج 3 نووى مسلم (المسح على الرأس والحنفين) و (كنا فى سفر كذا) هو سفر غزوة تبوك، كانوا سائرين فعدل النبى صلى الله عليه وسلم عن الطريق لقضاء الحاجة ومعه المغيرة بن شعبة، ثم توضأ فأدرك القوم وقد قاموا عبد الرحمن ابن عوف لما خافوا خروج وقت الفضيلة، فأدركهم النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الثانية.

الإمام، ولم يترتب عليه فتنة، وإلا صلوا فى أول الوقت فرادى. (11) إمامة الأعمى: يصح الاقتداء بالأعمى اتفاقاً " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أُمِّ مكتومٍ على المدينة مرتين يِّصلىِّ بهم وهو أعمى. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (¬1). {124} " وقال " محمود بن الربيع: إن عِتْبَانَ بنَ مالك كان يؤم قومه وهو أعمى. (الحديث) أخرجه الشافعى والبخارى والنسائى (¬2). {125} وهل إمامته أفضل؟ قال أبو إسحاق المِرْوزى والغزالى: إن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير، لأنه أكثر خشوعاً منه، لما فى البصر من شغل القلب بالمبْصَرَات (وقالت) الشافعية: الأعمى والبصير فى الإمامة سواء، لأن فى الأعمى فضيلة أنه لا يرى ما يلهيه وفى البصير فضيلة تجنب النجاسة واستقبال القبلة بنفسه. (وقالت) المالكية والحنفية والحنبلية: البصير أوْلى بالإمامة. لأنه أقدر عل اجتناب النجاسة واستقبال القبلة باجتهاده. وهذا هو الراجح. واختاره بعض الشافعية (قال) المِرْوَزِى: وعندى أن البصير أوْلى، لأنه يجتنب النجاسة التى تفسد الصلاة. والأعمى يترك النظر إلى ما يليهه ولا تفسد الصلاة به (¬3) ومحل الخلاف إن كان البصير مثلَ الأعمى فى أحقية الإمامة. أما إن لم يوجد بصير يساوى الأعمى فإمامته أفضل اتفاقاً. وعلى هذا يحمل استنابة النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أم مكتوم، لأنه لم يكن بالمدينة وقتئذ أفضل منه متفرغاً للإمامة. فلا يرد على ذلك وجودُ علىّ رضى الله عنه فى المدينة حين ¬

(¬1) ص 230 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 4 المنهل العذب (إمامه الأعمى) وص 88 ج 3 - السنن الكبرى. وابن أم مكتوم، اسمه عمرو بن قيس، وأمه عاتكة بنت عبد الله. (¬2) ص 129 ج 1 بدائع المنن (الإمامة ومن أحق بها) وص 108 ج 2 فتح البارى (الرخصة فى المطر والعلة) وص 127 ج 1 مجتبى (إمامة الأعمى). (¬3) ص 286 ج 4 شرح المهذب.

استخلف النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أُمِّ مكتوم، لأن علياً كان مشغولا بالقيام بحفظ مَنْ وكل إليه حفظهم من أهل البيت حذراً من أن ينالَهم عدوُّ بمكروه. (12) إمامة العبد: تصح إمامته بلا كراهة عند الشافعى وأحمد وإسحاق والثورى. والحرّ أوْلى، لما تقدم عن ابن عمر أن سالما مولى أبى حذيفة كان يؤم المهاجرين الأولين وفيهم عمرُ بن الخطاب ,أبو سلمة بن عبد الأسد (¬1). وكانت إمامته بهم قبل أن يعَتِقَ وقال ابن قدامه: وروى أن أبا سعيد مولى أبى أُسَيْد قال: تزوجتُ وأنا عبد فدعوتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابونى، فكان فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفةُ، فحضَرَت الصلاةُ وهم فى بيتى، فتقدم أبو ذر ليصلى بهم فقالوا له وراءكَ فالتفت إلى ابن مسعود فقال أكذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال نعم. فقدّمونى وأنا عبدٌ فصليتُ بهم. رواه صالح فى مسائله. {40} وهذه قصة مثلها ينتشر ولم تنكر ولا عُرف مخالف لها فكان ذلك إجماعاً (¬2) (وعن ابن أبى مُليكة) أنهم كانوا يأتون عائشةَ بأعلى الوادى هو وعُبيدُ بنُ عُميْر والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشةَ وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يَعتِق. أخرجه الشافعى وعبد الرازق (¬3). {41} (وقال) الحنفيون وأبو مِجْلز التابعى: تكره إمامته تنزيهاً، لأنه لا يتفرغ للتعلم فيغلب عليه الجهل وتقل رغبة الناس فى الاقتداء به فيؤدى إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها، فإن عُدمتْ علة الكراهة بأن كان أفضل من غيره فلا كراهة فى إمامته. ¬

(¬1) تقدم رقم 119 ص 86 (الأحق بالإمامة). (¬2) ص 29 ج 2 مغنى (إمامة العبد). (¬3) ص 129 ج 1 بدائع المنن (الإمامة ومن أحق بها).

(وقالت) المالكية: تكره إمامته راتباً فى الصلوات الخمس والسنن المؤكدة كالعيد والكسوف، وتمنع فى الجمعة راتباً وغير راتب. وتجوز بلا كراهة فى النوافل كالتراويح، وفى الفريضة غير الجمعة إن لم يكن راتباً. (13) إمامة الصالح والطالح: ينبغى أن يكون الإمام من أهل الصلاح والاستقامة والفضل والهداية متخلياً عن السفاسف متحلياً بالمكارم " لحديث " مِرْثد الغنَوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِنْ سَرَّكُمْ أَن تُقْبَلَ صَلاَتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدُكم بينكم وبين ربكم. أخرجه الحاكم والطبرانى فى الكبير والدار قطنى وقال: إسنادٌ غيرُ ثابت وفيه يحيى بن يعلى الأسلمى وعبد الله بن موسى. وهما ضعيفان (¬1). {126} " ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا أئمتكم خيارَكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم. أخرجه الدار قطنى والبيهقى وقال: إسناده ضعيف (¬2). {127} (ويُكره) عند الحنفيين إمامة الفاسق تحريماً. وهو من خرج عند حدّ الاستقامة " لحديث " السائب بن خَلاّد أن رجلا أمّ قوماً فبصَق فى القبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينظرُ إليه فقال صلى الله عليه وسلم حين فرغ لا يُصَلى لكم فأراد بعد ذلك أن يُصلىَ بهم فمنعوه وأخبروه بقول النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم إنك آذيت الله ورسوله. أخرجه أبو داود وابن حبان (¬3). {128} ¬

(¬1) ص 222 ج 3 مستدرك. وص 64 ج 2 مجمع الزوائد (الإمامة). وص 197 سنن الدار قطنى. (¬2) ص 197 منه. و 90 ج 3 - السنن الكبرى (اجعلوا أئمتكم خياركم). (¬3) ص 103 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) و (لا يصلى لكم) بإثبات الياء، وهو نفى بمعنى النهى، أى لا يؤمكم هذا الرجل بعد، لإخلاله بالأدب وعدم احترامه القبلة.

ولأنه لا يهتم لأمر دينه وفى تقديمه تعظيم له وليس من أهل التعظيم. وهو الراجح عند المالكية بناء على أن العدالة شرط كمال فى الإمام (¬1). وقيل تحرم إمامته وقيل تبطل صلاته بناء على أن العدالة شرط صحة، لأن الإمامة من باب الأمانة والفاسق خائن، ولهذا لا شهادة له لكون الشهادة من باب الأمانة (والمشهور) عند الشافعية كراهة إمامته، ونقل العلامة الشِّرْوَانى فى حاشيته على شرح التحفة عن البِرْماوى أنه يحرم على أهل الصلاح والخير الصلاةُ خلف الفاسق والمبتدع ونحوهما، لأنه يحمل الناس على تحسين الظن بهم. (ومشهور) مذهب الحنبلية أنه لا تصح إمامة الفاسق - وهو من أتى كبيرة أو دوام على صغيرة - ولو لمثله، لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى فى دينه فأشبه الكافر، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، إلا أن خيف أذاه فَيُصَلَّى خلفه دفعاً للمفسدة وتُعاد، وإلا فى صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتصح إمامته فيهما للضرورة. ودليل ذلك ما تقدم عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلا ولا فاجر مؤمناً إلا أن يَقهرَه بسلطان يخاف سيفه أو سوطه. أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند واه كما تقدم (¬2) (قال) البهوتى: ولا تصح إمامة فاسق مطلقاً أى سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة (¬3) (وقال) ابن إدريس الحنبلى: ولا تصح إمامة فاسق " بفعل " كزان وسارق وشارب خمر ونَمَّام ونحوه " أو اعتقاد " كخارجىّ ورافضىّ ولو كان مستوراً ثم قال: فلا يصح أن يؤم فاسق فاسقاً لأنه يمكنه رفع ما عليه من النقص بالتوبة عُلم فسقه ¬

(¬1) محله إذا لم يتعلق فسقه بالصلاة كأن يقصد بتقدمه الكبر أو يخل بركن أو شرط. وحينئذ تبطل صلاته اتفاقاً. وكذا إن أخل بسنة على القول ببطلان صلاة من تعمد تركها. ص 134 ج 1 حاشية الصاوى على صغير الدردير. (¬2) تقدم رقم 89 ص 56 (الرابع الذكورة). (¬3) ص 291 ج 1 شرح المنتهى (فصل فى الإمامة).

ابتداء أولا، فيعيد المأموم إذا علم فسق إمامه. واختار الشيخان أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيِّه (قال) فى الوجيز: لا تصلح خلف الفاسق المشهور فسقه، لكن ظاهر المذهب مطلقاً قاله فى المبدع. وتصح الجمعة والعيد خلف فاسق بلا إعادة إن تعذرت خلف غيره لأنهما يختصان بإمام واحد فالمنع منهما خلفه يؤدى إلى تفويتهما. نعم لو أقيمتا فى موضعين فى أحدهما عَدْلٌ فعلهما وراءه ونُقل عن ابن عبد الحكم أنه كان يصلى الجمعة ثم يصلى الظهر أربعاً. وإن خاف أذى بترك الصلاة خلف الفاسق صلى خلفه دفعاً للمفسدة وأعاد لعدم براءته (¬1). (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور من صحة الصلاة خلف الفاسق مع الكراهة (وأجابوا) عن حديث جابر بأنه ضعيف لا تقوم به حجة كما تقدم. وعلى فرض صحته فالنهى فيه محمول على الكراهة كما أن الأمر فى حديث: مِرْثد وابن عمر محمول على الندب " ولا ينافى " الكراهة (حديث) مكحول عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلوا خلف كل بّر وفاخر. أخرجه الدار قطنى وقال: مكحول لم يسمع من أبى هريرة ومَن دونه ثقات (¬2). {129} " لأنه " ورد فى سد باب الخروج على الأئمة، ولأنه مجمع على ضعفه حتى قال بعض العلماء بوضعه. وأخرجه أبو داود والبيهقى بلفظ: الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم بَرُّا كان أو فاخراً وإن عمِل الكبائر (¬3). {130} وهو منقطع فإن مكحولا لم يدرك أبا هريرة. وسئل عنه أحمد فقال: ما سمعناه بهذا. وقال الحاكم: هو حديث منكَر. وللبيهقى فى هذا الباب أحاديث ¬

(¬1) ص 306 ج 1 كشاف القناع (فصل فى الإمامة) وأراد بالشيخين: موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة. وأبا العباس أحمد بن تيمية. (¬2) ص 185 سنن الدار قطنى. (¬3) ص 316 ج 4 المنهل العذب (إمامة البر والفاجر) وص 121 ج 3 - السنن الكبرى (الصلاة خلف من لا يحمد فعله).

كلها ضعيفة غاية الضعف (قال) الصنعانى: وهى أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كل بّر وفاجر، إلا أنها كلها ضعيفة، وقد عارضها حديث: لايؤمَّنَّكم ذو جرأة فى دينه. ونحوه، وهى أيضاً كلها ضعيفة. فلما ضعفت الأحاديث من الجانبين رجعنا إلى الأصل، وهو أن من صحت صلاته صحت إمامته. وأيَّدَ ذلك فعل الصحابة. فقد أخرج البخارى فى التاريخ عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصلون خلف أئمة الجور (¬1) ويؤيده أيضاً حديث مسلم وأبى داود وابن ماجه عن أبى ذر قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذَرّ كيفَ أنتَ إذا كانت عليك أمراء يمُيتون الصلاة أو قال: يؤخرون الصلاة؟ قلتُ يا رسول الله فما تأمُرُنى؟ قال صلّ الصلاةَ لوقتها فإن أدركتَهَا معهم فصلها فإنها لك نافلة (¬2). {131} فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخروها عن وقتها. وظاهره أنهم لو صَّلوها فى وقتها لكان مأموراً بصلاتها خلفهم فريضة (¬3) ويؤيد القول بصحة الصلاة خلف الفاسق أيضاً حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لعلّكم ستدركون أقواماً يُصلّون صلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا فى بيوتكم فى الوقت الذى تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سُبْحَةً. وأخرجه أحمد. وأخرج نحوه أبو داود عن عبادة بن الصامت بسند رجاله رجال الصحيح (¬4). {132} ¬

(¬1) وأخرجه البيهقى ص 122 ج 3. (¬2) ص 147 ج 5 نوى مسلم (كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار) وص 13 ج 4 - المنهل العذب. وص 196 ج 1 سنن ابن ماجه. (¬3) ص 39 ج 2 سبل السلام (صلاة الجماعة). (¬4) ص 221 ج 5 - الفتح الربانى. وص 17 ج 4 - المنهل العذب (إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت) و (لغير وقتها) أى لغير وقتها المختار وهو أول الوقت.

(وعلى الجملة) فالأصل عدم اشتراط عدالة الإمام. وأن كل من صحت صلاته لنفسه تصح صلاته لغيره. ويؤيده ما ذكرنا من الأدلة وإجماع الصدر الأول عليه. فمن قال باشتراط العدالة كالحنبلية ورواية عن مالك يحتاج إلى دليل ينقل عن هذا الأصل. واعلم أن محل النزاع إنما هو فى صحة الصلاة خلف الفاسق ولا خلاف فى أنها مكروهة، ولذا كان بعض الصحابة يصارح من يراه مخالفاً فى شئ من الصلاة بعدم الصلاة خلفه " روى " موهوب ابن عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه كان يُخالفِ عمرَ بن عبد العزيز فقال له عمر: ما يحملك على هذا؟ فقال إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى صلاةً متى تُوافِقُها أصلى معك ومتى تخالفها أصلى وأنقلب إلى أهلى. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬1). . {133} (وعن) أبى أيوب الأنصارى أنه كان يخالف مروانَ بنَ الحكم فى صلاته فقال له مرَوانُ: ما يحملك على هذا؟ قال، إنى رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يصلى صلاة إن وافقتهَ وفافقتكَ. وإن خالفتهَ صليتُ وانقلبت إلى أهلى. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬2). {134} (14) إمامة المبتدع: هو من يرتكب - بنوع شبهة أو استحسان - ما أُحْدِث على خلاف الحق المتلقى عن النبى صلى الله عليه وسلم " من عِلم " كمنكر الرؤية قائلا لا يرُى سبحانه وتعالى لعظمته وجلاله " أو عمل " كمن يؤذّن بحىّ على خير العمل " أو حال " كمن يسكت معتقداً أن مطلق السكوت ¬

(¬1) ص 190 ج 5 - الفتح الربانى. و (يخالف) أى يتخلف عن الصلاة معه وهو أمير على المدينة فى خلافه الوليد بن عبد الملك، لأنه كان يؤخرها عن أول وقتها كعادة بنى أمية ثم رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك. و (أصلى) بإثبات الياء فى الموضعين. وعليه فتى ظرفية بمعنى حين، أو شرطية رفع جوابها على لغة ضعيفة. قال ابن مالك: وبعد ماض رفعك الجزاء حسن ورفعه بعد مضارع وهن (¬2) ص 68 ج 2 مجمع الزوائد (الإمام يسئ الصلاة).

قربة وهو - إن لم يكفُر بيدعته - فاسق تكره إمامته تحريماً عند الجمهور لما تقدم. " ولقول " مجاهد كنت مع عبد الله بن عمر فثوّب رجل فى الظهر أو العصر فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه أبو داود (¬1). {42} (وقالت) الحنبلية: لا تصح الصلاة خلف مبتدع مُعْلنْ بدعتَه إلا أن خافه فيصلى ثم يعيد. وعن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال (قال) ابن قدامة بعد كلام: وعن مالك أنه لا يصِّلى خلف أهل البدع. فحصل من هذا أن من صلى خلف مبتدع معْلن بدعتَه فعليه الإعادة ومن لم يعلنها ففى الإعادة خلفه روايتان (¬2) (وعلى الجملة) من أراد حفظ دينه وسلامةَ عبادته من الخلل فلا يصلى خلف المخالفين لشرع الله عز وجل ولا يصاحب بدعياً ولا يدخل مساجد البدع، وإلا ضل سعيه وَبعُدَ عن سبيل الخير (قال) ابن الحاج فإن فُرِضَ ألا يجدَ مسجداً سالماً من البدع. فْليصل فى بيته فهو أفضل له وأقرب إلى رضاء ربه، ولا سيما فى هذا الزمان، إذ أقرب ما يتَقرب به المتقربون إلى الله سبحانه وتعالى اليومَ بُغْضُ البدع ومحبة السنن والعمل عليها ومحبةُ أهلها وموالاتهم، فإن هذا الفن قد اندرس إلا عند من وفقه الله وقليل مّاهم (وهذا) بالنظر لأهل زمانه " القرن السابع " فما الذى نقوله فى أهل زماننا " القرن الرابع عشر " وبدعِهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون. (15) إمامة الأعرابى: الأعرابى من يسكن البادية. فإن كان من أهل العلم والفضل صالحاً للإمامة لا تكره إمامته ولو للحضرى عند الجمهور. لعموم ¬

(¬1) ص 220 ج 4 - المنهل العذب (التثويب) (فثوب رجل) أى قال: الصلاة خير من النوم أو نادى على باب المسجد: الصلاة رحمكم الله. (¬2) ص 22 ج 2 مغنى (الإمامة).

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله (¬1) ولأنه مكلّف أهلٌ للإمامة. وإن غلب عليه الجهل والفسق، كرهت إمامته تحريماً اتفاقاً لما تقدم. (وقالت) المالكية: تكره إمامته للحضرىِّ وإن كان أقرا القوم وأفضلهم لقوله تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (¬2)} ولأَن شأَنَه الجفاءُ والغِلْظة. والإِمامُ شافع فينبغى أن يكون ليِّن الجانب رحيم القلب (وَرُدَّ) بأَنه ليس كلُّ بدوى كذلك. بل منهم أَهل الفضل والإِيمان والرحمة والعطف، قال تعالى {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ (¬3)}. (16) إمامة ولد الزنا: ولد الزنا لا تكره إمامته إذا كان تقياً مرضياً عند الحنفيين وأحمد إسحاق، لقول عائشة: ما عليه من وِزْر أبويه شئ، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (¬4)} تعنى ولد الزنا. {43} وعن الشعبى والنخعى والزهرى فى ولد الزنا أنه يؤم. ذكره البيهقى (¬5) (وعن أبى حنيفة) عن عطاء بن أبى رباح أنه سئل أيؤمُّ ولدُ الزنا، قال نعم أوَ ليس منهم مَنْ هو أكثُر مِنَّا صلاة وصوماً؟ أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬6). {44} وإن كان غير مرضىّ كرهت إمامته اتفاقاً، للنفرة منه (وكره) مالك أن يُتَّخّذّ إماماً راتباً (وقالت) الشافعية: تكره إمامته " روى " يحيى بن سعد أن رجلا كان يؤم ناساً بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه. قال مالك ¬

(¬1) تقدم رقم 116 ص 85 (الأحق بالإمام). (¬2) التوبة أية: 97. (¬3) التوبة آية: 99. (¬4) الزمر آية: 7. (¬5) ص 914 ج 3 - السنن الكبرى (إمامة ولد الزنا). (¬6) رقم 279 ص 56 كتاب الآثار.

وإنما نهاه لأنه كان لا يُعرَف أبوه. ذكره البيهقى (¬1) {45} ولأن الإمامة تعظيم وفضل وهو ليس من أهلها فكرهت إمامته كالعبد (ورُدّ) بأنهم لا يرَون كراهة إمامه العبد، والعبد أقل من ولد الزنا، لأنه لا يلى النكاح ولا المال ولا تقبل شهادته أحياناً بخلاف ولد الزنا، فلا يقاس عليه. (17) إمامة من يكرهه المأمومون: ينبغى للإمام أن يكون متحلياً بالكمال متخلياً عما يعاب حتى لا يكرهه أهل الخير والصلاح. ويكره له تحريماً - عند غير المالكية - أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم إذا كانوا أهل دين وتقوى " لحديث " ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ لا تُرفَعُ صلاتُهم فوق رءوسهم شبراً: رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط. وأخوان متصارمان. أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (¬2). {135} " ولحديث " أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ لا تُجَاوز صلاتُهم آذانَهم: العبد الآبق حتى يرجعَ، وامرأت باتت وزوجها عليها ساخِط وإمام قوم وهم له كارهون. أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب. وأقره المنذرى والنووى فى الخلاصة (¬3). {136} (وفى الباب) أحاديث كثيرة فيها مقال، ولكنها لكثرتها يُقوّى بعضُها بعضاً فتقوم بها الحجة على أنه يكره للرجل أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم لأمر دينى، أو لأنهم أحق الإمامة منه. وإن لم تكن كراهتم لما ذكر بل لإتمامه الصلاة وهم يرغبون فى نقرها، فلا تكره إمامته (قال) ابن قدامة: ¬

(¬1) ص 90 ج 3 - السنن الكبرى. (¬2) ص 59 ج 1 سنن ابن ماجه (من أم قوماً وهم له كارهون) (متصارمان) أى متقاطعان فوق ثلاث لغير سبب شرعى. (¬3) ص 287 ج 1 تحفة الأحوذى. و (لا تجاوز صلاتهم آذانهم) هو كناية عن عدم القبول وعدم الثواب.

قال أحمد: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهة أكثر القوم. وإن كان ذا دين وسّنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته (¬1) وقال الترمذى: وقد كره قوم أن يؤمّ الرجل قوماً وهم له كارهون. فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه (¬2) (وقال) الغزالى فى الإحياء: لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم. (وقالت) المالكية: تكره إمامته إن كرهه القليل من غير أهل الفضل والشرف. وتحرُم إمامته إن كرهه جميع القوم أو أكثرهم أو ذَوُو الفضل والشرف منهم وإن قلوا. وإن شك فى كراهتهم له استأذن أهل محلته دون الطارئين. (18) موقف المأموم: له فى هذا أربع حالات: (أ) إذا كان المأموم واحداً ذكراً ولو صبياً، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام متأخراً عنه قليلا أو مساوياً له " لقول " ابن عباس: صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمتُ عن يساره فأخذ برأسى من ورائى فجعلنى عن يمينه. أخرجه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬3). {137} وتقدم بلفظ آخر (¬4) " ولقول " أنس: صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فأقامنى عن يمينه. أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (¬5). {138} فإن قام خلف الإمام أو عن يساره، صح مع الكراهة عند الأئمة الثلاثة لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أداره عن يمينه ولم تَبطل تحريمتُه، ولو بطلتْ لما أقرّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أول صلاته، ولأن اليسار موقف للمأموم إذا كان معه آخر ¬

(¬1) ص 58 ج 2 مغنى. (¬2) ص 286 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬3) ص 195 ج 1 منه (الرجل يصلى ومعه رجل). (¬4) تقدم رقم 59 ص 39 (الجماعة فى غير الصلوات الخمس). (¬5) ص 95 ج 2 مجمع الزوائد (إذا كان إمام ومأموم).

(وقال) أحمد والهادوية: تبطل صلاته، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس عن يمينه. وعدمُ أمره له باعادة التحريمة، لا يدل على صحة صلاة من وقف على يسار الإمام فى الصلاة كلها عالماً بموقف المأموم الواحد. غاية ما فيه تقرير مَنْ جهل الموقف والجهل عذر، ولأن ما فعله ابن عباس قبل الركوع لا يؤثر، فإن الإمام يُحرم قبل المأمومين ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة. (وَرُدَّ) بأن سماحة الدين ويسرَه لا يتفقان وهذا التشديد فى موقف المأموم، وسيأتى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكرة - وقد أحرم وركع قبل أن يصل الصفّ - زَادك الله حِرْصاً ولا تعُد (¬1) فقد خالف الموقف ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم ولم يخبره ببطلان صلاته. والظاهر مذهب الجمهور. (ب) " إذا كان " مع الإمام اثنان فأكثر تقدم الإمام ووقف المأمومون خلفه عند الأئمة الأربعة والجمهور "لقول" أنس: صلىّ النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت أم سُليم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا. أخرجه الشافعة والبخارى والبيهقى (¬2). {139} " ولقول "، جابر بن عبد الله: قام النبى صلى الله عليه وسلم ليصلى المغرب فجئتُ فقمتُ إلى جنبه عن يساره فأخذ بيدى فأدرانى حتى أقامنى عن يمينه، فجاء جُبارُ بنُ صَخرٍ حتى قام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذَنا بيديه فدفعنا حتى أقامنا خلفه (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). {140} ¬

(¬1) يأتى ص 115 رقم 158 (انفراد المأموم خلف الصف). (¬2) ص 137 ج 1 بدائع المنن. وص 238 ج 2 فتح البارى (صلاة النساء خلف الرجال) وص 106 ج 3 - السنن الكبرى (من جوز الصلاة دون الصف). (¬3) ص 294 ج 5 - الفتح الربانى. وص 20، 21 ج 5 - المنهل العذب (إذا كان الثوب ضيقاً).

(وروى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عُمر بن الخطاَّب أمَّ رجلين فجعلهما خلفه. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬1). {46} وليس ذلك شرطاً ولكنه الأولى والأسن. (ج) " ولو صلى " مع الإمام ذكر وامرأة وقف الذكر عن يمينه والمرأة خلفهما " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أمَّةُ وامرأةً منهم فجعله عن يمينه والمرأةَ خلف ذلك. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى. وهذا لفظ أبى داود (¬2). {141} (د) " وإذا كان " مع الإمام رجال وغيرهم وقف خلفه الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء " لحديث " أبى مسعود الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحْلام والنُّهى، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلونهم. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى والنسائى وحسنه الترمذى (¬3). {142} " ولقول " أبى مالك الأشعرى: يا معشرَ الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أُعَلمْكم صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أنْ فاء الفئ وانكسر الظلّ قام فأذَّن فصف الرجالَ فى أدنى الصفِّ وصف الوِالدانَ خلفهم. وصف النساء خلف الولدان ثم أقام الصلاة فتقدم ¬

(¬1) رقم 253 ص 50 كتاب الآثار (الإمامة). (¬2) ص 107 ج 3 - السنن الكبرى. وص 297 ج 5 الفتح الربانى. وص 164 ج 5 نووى مسلم (جواز الجماعة فى النافلة) وص 338 ج 4 - المنهل العذب (باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه) وص 129 ج 1 سنن ابن ماجه (الإثنان جماعة). (¬3) ص 97 ج 3 - السنن الكبرى. وص 303 ج 5 - الفتح الربانى. وص 155 ج 4 نووى مسلم (تسوية الصفوف) وص 63 ج 5 - المنهل العذب (من يستحب أن يلى الإمام) وص 193 ج 1 تحفة الأحوذى. وليلينى بياء مفتوحة ونون مشددة. وعند مسلم: ليلنى بحذف الياء وتخفيف النون. و " الأحلام " جمع حلم بكسر فسكون. وهو الأناة والعقل، أو بضم فسكون. وهو البلوغ "والنهى" جمع نهية بضم فسكون، وهى العقل.

(الحديث) أخرجه أحمد وابن أبى شيبة. وفى سنده شهر بن حَوْشَبٍ تكلم فيه غير واحد ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل (¬1). {143} (ومحل) تأخير الصبيان عن الرجال إن تعدّدوا بأن كانوا اثنين فأكثر. أما الصبى الواحد فيدخل مع الرجال فى الصف عند الحنفيين ومالك الشافعى والجمهور " لحديث " أنس بن مالك أن جدته مُلَيكة دعت النبى صلى الله عليه وسلم لطعام صنعتْه فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلىِ لكم، فقمتُ إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبِس فنَصحتهُ بماء فقام عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وصَففتُ أنا واليتيم وراءه والعجوزُ مِنْ ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف. أخرجه الشافعى والبيهقى والجماعة إلا ابن ماجه. وصححه الترمذى (¬2). {144} (وقال) أحمد: يكره أن يقوم الصبى مع الرجال خلف الإمام إلا إذا بلغ خمسَ عشْرة سنة. وروى عن عمر أنه كان إذا رأى صبياً فى الصف أخرجه. {47} والراجح ما ذهب إليه الجمهور لما روينا. (19) وقوف المرأة فى صف الرجال: دل حديث أنس على أن المرأة تقف خلف الرجل ولو انفردت. ولا تقف مع الرجل لما فيه من خشية الافتتان. فلو وقفت فى صف الرجال صحت صلاتها وصلاة من يليها مع الكراهة عند ¬

(¬1) ص 343 ج 5 مسند أحمد. وص 36 ج 2 نصب الراية. (¬2) ص 137 ج 1 بدائع المنن وص 96 ج 3 - السنن الكبرى (الرجل يأتم بالرجل ومعهما صبى وامرأة) وص 299 ج 5 الفتح الربانى. وص 234 ج 2 فتح البارى (وضوء الصبيان - الصلاة) وص 162 ج 5 نووى مسلم (الجماعة فى النافلة) وص 341 ج 4 - المنهل العذب (إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون؟ ) وص 129 ج 1 مجتبى (إذا كانوا ثلاثة وامرأة) وص 196 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل يصلى ومعه رجال ونساء) و (فلأصل لكم) بكسر اللام وفتح الياء منصوباً بلام كى، والفاء زائدة وروى بكسر اللام وحذف الياء مجزوماً. واللام فى قوله " لكم " للتعليل، أى أصلى لتعليمكم والتعليم عبادة أخرى تحصل مع الصلاة. و (لبس) بضم فكسر، أى من كثرة ما استعمل وعند الشافعى والبخارى: ما لبث بالثاء، أى من طول مكثه.

الجمهور. قال النووى: وكذا إذا تقدمت المرأة على صفوف الرجال ولم تتقدم على الإمام أو وقفت بجنب الإمام أو بجنب مأموم صحت صلاتها وصلاة الرجال مع الكراهة بلا خلاف عندنا (¬1) (وقال) الحنفيون وأبو بكر الحنبلى: تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها " روى " أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يصلى وعن يمينه أو عن يساره أو بحذائه امرأة تصلى: إنه يعيد الصلاة. وإن كان بينهما مقدارُ مُؤخِرة الرَّجْل. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬2). {48} ووجهه أن الرجل منهى عن الوقوف وراءها وإلى جانبها، لقول ابن مسعود: أخروهن من حيث أخرهن الله. أخرجه الطبرانى وعبد الرازق (¬3). {49} وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخيرهن إليه إلا مكان الصلاة. والمأمور بتأخيرها الرجال. فإذا حاذت الرجلَ امرأةٌ فسدت صلاته (¬4). دون صلاتها، لأنه ترك ما أُمر به، فأشبه ما لو تقدم على الإمام. (قال الحلبى) الحنفى: وعند الثلاثة المحاذاة غير مفسدة وهو القياس إلا أن أئمتنا استحسنوا بالحديث "أخروهنّ .. " وهو أمر يقتضى الافتراض فيكون ترك التأخير من الرجل مفسداً، لتركه فرض المقام. ولا تفسد صلاتها وإن كانت مأمورة بالتأخّر ضمناً ويحرم عليها تركه فرقاً بين القصدى ¬

(¬1) ص 297 ج 4 شرح المهذب. (¬2) رقم 240 ص 47 كتاب الآثار (ما يفسد الصلاة) (ومؤخرة الرحل) بضم فسكون الخشبة يستند إليها راكب البعير. (¬3) رقم 156 ص 67 ج 1 كشف الخفاء. وص 255 ج 1 فتح القدير (الإمامة). (¬4) المحاذاة، هى قيام المرأة المشتهاة بجنب الرجل أو أمامه بلا حائل بينهما بحيث تحاذيه بساقها أو كعبها فى الأصح. ويشترط لفساد الصلاة بها عشرة شروط تنظر ص 521، 522 غنية المتملى شرح منية المصلى.

والضمنى، وكان وزانه معها فى لزوم تقدمه وتأخيرها وزان المأموم مع الإمام فى لزوم تأخيره وتقديم الإمام " فكما " أن المأموم لا يجوز له التقدم وتفسد صلاته والإمام لا يجوز له التأخر ولا تفسد صلاته " كذلك " الرجل لا يجوز له التأخر عن المرأة وتفسد صلاته والمرأة لا تجوز لها المحاذاة ولكن لا تفسد صلاتها. ثم قال: ثم هذا مبنى على كون الحديث مرفوعاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولم يثبت ذلك. وإنما روى موقوفاً على ابن مسعود (¬1). وعلى فرض رفعه فالمقرر عندهم أن النهى لا يقتضى الفساد، فقد ثبت النهى عن الصلاة فى الثوب المغصوب وَأُمِرَ غاصبه بنزعه، ولو خالف وصلى فيه أثم وأجزأته صلاته، وأيضاً فإن المرأة منهية عن الوقوف مع الرجال ولم تفسد صلاتها، فصلاة من يليها ومن خلفها أوْلى. فالراجح القول بعدم فساد صلاة الرجل بمحاذاة المرأة. (20) آداب الجماعة: للجماعة آداب كثيرة تقدم بعضها كتسوية الصفوف وسدّ الفرج (ومنها) ألاّ يقومَ المأمومون للصلاة إذا كان الإمام غائبا حتى يرونه " لحديث " أبى قتادة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تَرَوْنى. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وأبو داود (¬2). {145} فقوله " حتى ترونى " إذنٌ بالقيام عند رؤية الإمام بلا تقييد بشئ من ألفاظ الإقامة. أما إذا كان الإمام حاضراً. فالأمر موسّع فى وقت قيامهم (قال) مالك فى الموطأ: وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإن لم أسمع فى ذلك ¬

(¬1) ص 522 غنية المتملى شرح منية المصلى (شروط المحاذاة). (¬2) ص 322 ج 5 - الفتح الربانى. وص 81 ج 2 فتح البارى (متى يقوم الناسي عند الإقامة) وص 101 ج 5 نووى مسلم (متى يقوم الناس للصلاة) وص 111 ج 1 مجتبى (إقامة المؤذن عند خروج الإمام) وص 222 ج 4 المنهل العذب (الصلاة تقام ولم يأت الإمام).

بحد يقام له إلا أنى أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد (¬1). (وقال) ابن حبيب: كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة. ورُوى نحوه عن أنس ابن مالك. {50} (وقالت) الشافعية وأبو يوسف وإسحاق وأهل الحجاز: لا يقوم كل من الإمام والمأموم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. وهو رواية عن أحمد (وقال) أبو حنيفة ومحمد: يقومون إذا قال حىّ على الصلاة، فإذا قال قد قامت الصلاة كبرّ الإمام " لما روى " الحجاج بن فروخ ثنا العوّام بن حَوْشّبٍ عن عبد الله بن أبى أوفى قال: كان إذا قال بلال قد قامت الصلاة نهض النبى صلى الله عليه وسلم فكبر. أخرجه البيهقى وقال: وهذا لا يرويه إلا الحجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه (¬2). {146} ولأن المقيم أمين قد أخبر بقيام الصلاة فينبغى تصديقه. (ورُدّ): (أ) " بأن " الحديث ضعيف، لأن الحجاج بن فروخ مجهول. وضعفه ابن معين والنسائى والدار قطنى. والعوّام بن حَوْشبٍ لم يدرك ابن أبى أوفى ولم يسمع أحداً من الصحابة (ب) بأن ما قالاه مخالف لما تقدم فى بحث " حكاية الإقامة " عن أبى أمامة أن بلال أخذ فى الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبى صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها. وقال فى سائر الإقامة كنحو حديث عمر فى الأذان (¬3) أى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكى الإقامة كالأذان إلا قد قامت الصلاة فكان يقول بدلها أقامها الله وأدامها. وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل فى الصلاة إلا بعد الفراغ ¬

(¬1) ص 133 ج 1 زرقانى الموطأ (النداء للصلاة). (¬2) ص 22 ج 3 - السنن الكبرى (من زعم أنه يكبر قبل فراغ المؤذن من الإقامة). (¬3) تقدم رقم 103 ص 67 ج 2 - الدين الخالص. وحديث عمر تقدم رقم 102 ص 66 منه.

من الإقامة، ولأنها دعاء للصلاة كالأذان، فلا يسن الدخول فيها إلا بعد الفراغ من الإقامة. وقد تقدم فى بحث تسوية الصفوف أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل الصلاة إلا بعد تسوية الصفوف (¬1) واقتدى به خلفاؤه والسلف الصالح (ومنه) تعلم أن السنة عدم الدخول فى الصلاة إلا بعد الفراغ من الإقامة وقول المقيم " قد قامت الصلاة " معناه قرب الدخول فيها. (ومنها) الوقوف فى المكان الفاضل - فيسن للإمام الوقوف فى مقابلة وسط الصف ليستوى القوم من جانبيه " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: وسِّطوا الإمام وسدُّوا الخَلَل. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2). {147} أى اجعلوا الإمام مقابلا لوسط الصف الأول، وليس المراد اجعلوه وسطكم، لأن رتبة الإمام التقدم. والأمر فيه للندب للاتفاق على صحة الصلاة إذا كان كل المأمومين عن يمينه أو يساره. والحديث وإن كان ضعيفاً (¬3) لكن عليه عمل سلف الأمة وخلفها (قال) أبو حنفية: أكره أن يقوم بين الساريتين أو فى زاوية أو فى ناحية المسجد أو إلى سارية، لأنه خلاف عمل الأمة. والظاهر أن هذا فى حق الإمام الراتب لجماعة كثيرة، لئلا يلزم عدم قيامه فى الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره قيامه إلى سارية ونحوها. ذكره ابن عابدين (¬4) (ويستحب) للمأمومين ابتداء الصف من خلف الإمام إلى نهاية الجهة اليمنى ثم يتمونه من اليسار، وألا يُبتدأ صفِّ حتى يتم الصف الأمامى " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله وملائكته ¬

(¬1) تقدم ص 319 جح 2 - الدين الخالص. (¬2) ص 72 ج 5 - المنهل العذب (مقام الإمام من الصف) وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. و (الخلل) بفتحتين، الفرجة فى الصف. (¬3) (ضعيفاً) لأن فى سنده يحيى بن بشير عن أمه. وهو مستور وهى مجهولة. (¬4) ص 419 ج 1 رد المحتار.

يُصلّون على ميامن الصفوف. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى ثم قال: معاوية بن هشام ينفرد بهذا المتن فلا أراه محفوظاً (¬1). {148} " ولحديث " جابرِ بنِ سَمُرَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا تَصُفون كما تَصُفّ الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصُف الملائكةُ عند ربهم؟ قال يُتمون الصفوف المقدَّمة ويتراصّون فى الصف. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى (¬2). {149} وتقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أتموا الصف المقدّمَ تم الذى يليه، فما كان من نقصٍ فليكن فى الصّف المؤخرّ (¬3). (ومنها) قرب أهل الفضل من الإمام - فيسنّ أن يتقدم فى الصف الأول أولو الفضل وأن يلى الإمامَ أفضلُهم " لما تقدم " عن أبى مسعود الأنصارىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحلام والنهُّىَ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (¬4). (ومنها) تخفيف الإمام الصلاة - فيسن للإمام مراعاة حال المأمومين، فلا يطول فى الصلاة بالزيادة عن القدر المسنون فى القراءة وغيرها " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخَفّف ¬

(¬1) ص 65 ج 5 - المنهل العذب (من يستحب أن يل الإمام فى الصف) وص 163 ج 1 سنن ابن ماجه (فضل ميمنة الصف) وص 103 ج 3 - السنن الكبرى. (¬2) ص 311 ج 5 - الفتح الربانى. وص 51 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) (وص 131 ج 1 مجتبى - حث الإمام على رص الصفوف) وص 162 ج 1 سنن ابن ماجه (إقامة الصفوف) و (تصفون) بفتح التاء وضم الصاد مبنياً للمفعول. و (عند ربهم) أى عند قيامهم لعبادته. (¬3) تقدم رقم 466 ص 321 ج 2 - الدين الخالص. (¬4) تقدم رقم 142 ص 101 (موقف المأموم).

فإن فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبير، فإذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وفى رواية البخارى. فإن منهم المريضَ والضعيف. وفى رواية له أيضاً عن ابن مسعود: فإن فيهم الضعيف والكبير إذا الحاجة (¬1). {150} (ومعلوم) أن التخفيف أمرُ نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة فالذى فعله هو التخفيف الذى أمر به وهديُه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون وبما ذكر تزداد علماً بجهل وخطأ من ينكر على من يؤمّ الناس فى صلاة الصبح أو الظهر فيقرأ فيهما بالوارد، ويطمئن فى الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين حسب الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدل بحديث أبى هريرة وقد تقدم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء، وأمره أن يقرأ فيها من أوساط المفصّل وقد تقدم الكلام على هذا بأتمِّ وجه وأكمله فى "بحث القراءة فى العشاء " (¬2). (ومنها) أنه يندب للإمام فى يُخلص فى صلاته، ويتضرعَ فى دعائه، ويُحسِنَ طهارته وقراءته ويحضُر إلى المسجد أول الوقت، فإن اجتمع الناس بادر بالصلاة وإلا انتظر الجماعة ما لم يفحش الانتظار. وبالجملة فينبغى له أن يأتى بصلاته على أكمل ما يطيقه من الأحوال (ومنها) انتظار الإمام من يريد الصلاة معه: فمتى أحس الإمام بداخل يريد الصلاة معه، استحب له - عند الحنفيين والشافعى - انتظاره حال القيام ¬

(¬1) ص 235 ج 5 - الفتح الربانى. وص 137 ج 2 فتح البارى (إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) وص 185 ج 4 نووى مسلم (أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام) وص 217 ج 5 - المنهل العذب (تخفيف الصلاة) وص 122 ج 1 مجتبى (ما على الإمام من التخفيف) والمراد بالضعيف ضعيف الخلقة. والسقيم، من به مرض. (¬2) انظر ص 280، 281 ج 2 - الدين الخالص.

أو الركوع أو القعود الأخير، ليدرك فضل الجماعة، لما فيه من التعاون على البر والتقوى. وهذا إن سوىّ بين المأمومين فى ذلك وقصد به التقرب إلى الله تعالى، واتسع الوقت ولم يبالغ فى الانتظار بما يشقُّ على المؤمنين، أما إن انتظره تودداً إليه، أو حَياء منه، فهو مكروه تحريماً عند أكثر العلماء " قال " الكاسانى: ثم الإمام إذا كان فى الركوع فسمع خفق النعل ممن دخل المسجد هل ينتظره؟ قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة وابنَ أبى ليلى عن ذلك فكرهاه. وقال أبو حنيفة: أخشى عليه أمراً عظيماً يعنى الشرك (¬1) وروى هشام عن محمد أنه كره ذلك. وقال الشافعى لا بأس به مقدار تسبيحة أو تسبيحتين. وقال أبو القاسم الصفار: إن كان الرجل غنياً لا ينتظره وإن كان فقيراً يجوز. وقال الفقيه أبو الليث: إن كان الإمام قد عرف الجائى فلا ينتظره لأنه يشبه الميل وإن لم يعرفه فلا بأس به، لأن ذلك إعانه على الطاعة (¬2) (وقال) ملاّ على القارى: والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائى لا تقرباً بالركوع لله، فهو مكروه تحريماً ويخشى عليه منه أمر عظيم لكن لا يكفر به لأنه لم ينوِ به عبادة غير الله (¬3) (وقال) الجرانى فى فتح العلام: ويكره الانتظار فى غير الركوع والتشهد الأخير، لعدم الفائدة، كما يكره فيهما عند فقد شرط مما مرّ. ويحرم عند ضيق الوقت ولقصد التودد (¬4). ¬

(¬1) فهم بعضهم من كلام الإمام أنه يصير مشركاً فأفتى بإباحة دمه وليس كذلك وإنما أراد الشرك فى العمل لأن أول الركوع كان لله تعالى وآخره للمجائى فلا يكفر لأنه لم يرد التذلل والعبادة له. (¬2) ص 209 ج 1 بدائع الصنائع (سنن الصلاة). (¬3) ص 96 ج 2 مرقاة المفاتيح (ما على الإمام). (¬4) وأهم شروط ندب الانتظار عند الشافعية سبعة (الأول) ألا تكون الجماعة مكروهة كمقضية خلف مؤداة (الثانى) ألا يخاف خروج الوقت فى الجمعة مطلقاً، وفى غيرها إن شرع فيها ولم يبق من وقتها ما يسعها كلها. (الثالث) ألا يبالغ فى الانتظار بأن يطوله تطويلا لو وزع على أركان الصلاة لعد كل منها طويلا عرفاً. (الرابع) ألا يميز بين الداخلين. (الخامس) أن يكون الانتظار لله. (السادس) أن يظن أنه أتى بالإحرام من قيام. فلو كانت عادته الركوع قبل تمام التكبيرة كما يفعله كثير من الجهلة لم ينتظره. (السابع) ألا يعتاد البطء فى المشى أو تأخير الإحرام إلى الركوع. وتمامه فى فتح العلام.

(ومشهور) مذهب الحنبلية أنه يكره الانتظار عن شق على المأمومين، وإلا استحب (قال ابن قدامة) متى أحسّ بداخل فى حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة كثيرة، كره انتظاره، لأنه يبعد ألاَّ يكون فيهم من يُشق عليهم، وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل، فلا يشق عليهم لنفعه. وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره. وهذا مذهب أبى مجلز والشعبى والنخعى وإسحاق (¬1) (وقالت المالكية) يكره الانتظار مطلقاً. (21) مكروهات الجماعة: يكره فيها أمور المذكور منها هان خمسة: 1 - يكره توسط الإمام بين اثنين أو أكثر، لما فيه من مخالفة موقفه كما تقدم فى بحث " موقف المأموم " (¬2) 2 - تكره الصلاة بين الأعمدة للإمام وغيره عند مالك وإسحاق وإبراهيم النخعى " لحديث " معاوية بن قرّة عن أبيه قال: كنا نُنْهَى أن نَصُفَّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطردُ عنها طرداً. أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقى. وفى سنده هارون بن مسلم البصرى. وهو مجهول (¬3). {151} لكن يقويه " قول " ابن مسعود: لا تَصُفُّوا بين السوارى. أخرجه البيهقى، وقال: ورواه الثورى عن أبى إسحاق فقال: لا تصفوا بين الأساطين وهذا لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف. فإن كان منفرداً أو لم يجاوزا ما بين الساريتين لم يكره (¬4). {51} " وقول " عبد الحميد بن محمود: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فَدُفِعْنَا إلى السوارى فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس: كنا نتقى هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبيهقى والثلاثة والحاكم وصححه. ¬

(¬1) ص 16 ج 2 - الشرح الكبير. (¬2) تقدم ص 100 (موقف المأموم) وص 106 (الوقوف فى المكان الفاضل). (¬3) ص 163 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة بين السوارى) وص 104 ج 3 - السنن الكبرى (كراهية الصف بين السوارى). (¬4) ص 104 منه.

وقال الترمذى حديث حسن صحيح (¬1). {152} حملوا النهى فى هذه الأحاديث عن الكراهة. وروى سعيد بن منصور النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة. ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة. وحكمة النهى عن ذلك ما فيه من قطع الصف ولأنه مُصَلىَّ الجن المؤمنين (وقال) الشافعى وابن المنذر والحنبلية: تكره الصلاة بين السوارى للمأمومين إذا أدى ذلك إلى قطع الصف. ولا تكره لغير المأمومين " لحديث " معاوية بن قرة السابق، فإنه يدل بمفهومه على جواز صلاة المنفرد بين السوارى، لأنه ليس فيه إلا النهى عن الصف بينها، فما ورد من النهى عن الصلاة بين السوارى مطلقاً يحمل على المقيد. فيكون النهى مختصاً بالمؤتمين دون الإمام والمنفرد " لقول " مجاهد: أتِىَ ابنُ عمر فقيل له: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة قال ابن عمر: فأقبلتُ فسألتُ بلالاً أصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة؟ قال: نعم ركعتين بين السّاريتين (الحديث) أخرجه البخارى (¬2). {153} (وقال) أبو حنيفة: يكره للإمام فقط. قال فى الدراية: الأصح ما روى عن أبى حنيفة: أكره للإمام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية من المسجد أو إلى سارية، لأنه خلاف عمل الأمة (¬3) وأجازه مطلقاً بلا كراهة الحسن البصرى وابن سيرين والكوفيون مستدلين بحديث ابن عمر " وبقوله " دخل النبى صلى الله عليه وسلم البيتَ ثم خرج فسألت بلالا أين صلى؟ فقال: ¬

(¬1) ص 324 ج 5 - الفتح الربانى. وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. وص 61 ج 5 - المنهل العذب (الصفوف بين السوارى) وص 131 ج 1 مجتبى. وص 194 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 210 ج 1 مستدرك. و (دفعنا) مبنى للمفعول. والسوارى جمع سارية وهى العمود (فتقدمنا) أى تقدم البعض وتأخر البعض فراراً من الصلاة بين السوارى. وعند أحمد: فتقدمنا أو تأخرتا بالشك. (¬2) ص 338 ج 1 فنح البارى (فوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). (¬3) ص 352 ج 1 فتح القدير (الإمامة).

بين العمودين المقدمين، أخرجه الشيخان (¬1). {154} (وأجابوا) عن حديث معاوية بن قرة بأنه ضعيف كما تقدم، وعن حديث أنس بأنه مردود بفعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم (ورد) بأن حديث معاوية وإن كان ضعيفاً فله شواهد تقويه كما تقدم " وبأن فعل " النبى صلى الله عليه وسلم، وهو صلاته بين الساريتين فى الكعبة مخصص لحديث النهى فلا يُردّ حديث أنس (وأجاب) الأولون عن صلاته صلى الله عليه وسلم فى الكعبة بين الساريتين، بأنه لا يعارض النهى الخاص بالأمة لعدم شموله له. وعلى فرض شموله له فيكون فعله صلى الله عليه وسلم صارفاً للنهى عن التحريم إلى الكراهة. (والراجح) قول الشافعية والحنبلية بكراهة الصلاة بين الأعمدة للمأمومين فقط، فإن الأصل فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم عدم الكراهة وعدم الخصوصية. ومحل الخلاف إذا كان المكان متسعاً. أما إن كان ضيقاً فلا خلاف فى جواز الصلاة بين السوارى بلا كراهة. 3 - يكره - عند الأئمة - علوّ الإمام وحده على المأمومين لغير ضرورة فى المسجد وغيره " لحديث " همام بن الحارث أن حُذيفة بن اليمان أمّ الناس بالمدائن على دُكّان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه. فلما فرغ من صلاته قال: ألَمْ تعلم أنهم كانوا يُنْهَوْن عن ذلك؟ قال: بلى فذكرتُ حين جذبتنى. أخرجه الشافعى وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه وابن خزيمة وابن حبان (¬2). {155} " ولقول " حذيفة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقمْ فى المكان أرفعَ من مقامهم. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬3). {156} ¬

(¬1) ص 385 ج 1 فتح البارى (الصلاة بين السوارى .. ) وص 85 ج 9 نووى مسلم (دخول الكعبة .. ). (¬2) ص 137 ج 1 بدائع المنن. و 320 ج 4 - المنهل العذب (الإمام يقوم بمكان أرفع). وص 108 ج 3 - السنن الكبرى (مقام الإمام) وص 210 ج 1 مستدرك (والمدائن) مدينة على دجلة قرب بغداد. و (دكان) بضم الدال وشد الكاف، المراد به دكة أو مكان مرتفع. ويطلق على الحانوت. و (جبذه) بتقديم الباء على الذال مقلوب جذب، أى أخذه بقوة. (¬3) ص 321 ج 4 - المنهل العذب. وص 190 ج 3 - السنن الكبرى.

والنهى هنا مطلق. لكنه مقيد بعدم الضرورة اتفاقاً (ومنها) قصد التعليم " قال " أبو حازم: سألوا سهلَ بن سعد السَّاعدىَّ من أى شئ منبرُ النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما بقى أحد أعلمُ به منى، من أثْل الغابة. ولقد رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر أول يوم وُضِع فكبّر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى وسجد فى أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعتُ هذا لتأتموا بى ولتَعلمَّوا صلاتى. أخرجه البيهقى والسبعة إلا الترمذى (¬1). {157} واختلفوا فى قدر الارتفاع المكروه (قال) الحنفيون: يكره ارتفاع الإمام وحده عن المأمومين قدر ذراع أو ما يقع به الامتياز. وهذا أوجَه لما تقدم ولما فيه من الكبْر ومشابهة أهل الكتاب فى تخصيص الإمام بمكان مرتفع. أما إذا كان معه أحد من المأمومين فلا كراهة فيه. (وقالت) المالكية: يكره علوّ الإمام وحده لغير ضرورة علوّاً فاحشاً إذا لم يقصد به الكبْر. أما إذا كان معه جماعة من المأمومين فالمعوَّل عليه عدم الكراهة. وإن قصد بعلوه الكبر بطلت صلاته. ويغتفر العلو اليسير كثير وذراع " وقالت " الشافعية: يرجع فى قدر الارتفاع للعرف. ¬

(¬1) ص 108 ج 3 - السنن الكبرى (مقام الإمام) وص 300 ج 5 - الفتح الربانى. وص 270 ج 2 - فتح البارى (الخطبة على المنبر .. ) وص 335 ج 6 - المنهل العذب (اتخاذ المنبر) وص 223 ج 1 سنن ابن ماجه (فى بدء شأن المنبر) و (أثل الغابة) شجر شبيه بالطرفاء أعظم منه أو هو الطرفاء " قال " يا قوم الرومى: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طرفاء له ثلاث درجات: القعدة ودرجتان. ذكره ابن عبد البر وقال: إسناد لين ليس بالقائم. ص 72 ج 1 - الاستيعاب (باقوم الرومى) ولم يذكر فى الحديث القراءة بعد التكبير والقيام بعد الركوع، وقد ذكرهما البخارى فى رواية من طريف سفيان عن أبى حازم بلفظ: كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى ص 330 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى السطوح) والقهقرى. المشى إلى خلف. وإنما فعله محافظة على استقبال القبلة. و (لتعلموا) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية مشددة، أى لتتعلموا صلاتى.

(وقالت) الحنبلية: يكره ارتفاع الإمام ذراعاً فأكثر ولو بقصد التعليم، وإن كان أقل فلا كراهة. وعليه حملوا حديث سهل بن سعد الساعدى (وَرُدَّ) بأن قوله فيه " ولتعلموا صلاتى " صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم إنما ارتفع لقصد التعليم (قال) ابن دقيق العيد: من أراد أن يستدل به " يعنى بحديث سهل " على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم، لأن اللفظ لا يتناوله (¬1). (وظاهر) الأدلة كراهة ارتفاع الإمام على المأمومين لغير ضرورة. ومنها قصد التعليم فى المسجد وغيره، لا فرق بين القائمة وغيرها. 4 - يكره ارتفاع المأموم على إمامه عند الشافعية. (والمشهور) عند الحنفيين أنه مكروه تنزيهاً إذا ارتفع كل المأمومين لغير عذر، لما فيه من الأزدراء بالإمام (وقالت) المالكية: لا يكره علو مأموم على إمامه ولو بسطح المسجد فى غير الجمعة إن لم يقصد بعلوه كبراً وإلا بطلت صلاته كما لا تصح جمعة المأموم فوق المسجد (وقالت) الحنبلية: لا يكره علو المأموم على الإمام مطلقاً. واختاره الطحاوى وقاضيخان وقال: وعليه عامة المشايخ لعدم النهى. ولذا فعله بعض الصحابة "قال" صالح مولى التوأمة: رأيت أبا هريرة يصلى فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام فى المسجد. أخرجه الشافعى والبيهقى ذكره البخارى تعليقاً (¬2). {52} وجملة القول أن ارتفع المؤتم إن كان مُفرطاً بحيث لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام، فهو ممنوع بالإجماع فى المسجد وغيره. وإن كان الارتفاع غير مفرط فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع. ويعضِّد هذا الأصل ¬

(¬1) ص 331 ج 1 فتح البارى (الشرح). (¬2) ص 138 ج 1 بدائع المنن. وص 111 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم فى المسجد أو على ظهره أو فى رحبته) وص 330 ج 1 - فتح البارى (الصلاة فى السطوح والمنبر) وصالح مولى التوأمة فيه ضعف لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر فاعتضد.

فعل أبى هريرة المذكور ولم يُنكَر عليه. 5 - تكره صلاة الرجل منفرداً عن الصف عند الجمهور " لما روى " أبو بَكَرة أنه دخل المسجد ونبى الله صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصفِّ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: زادك الله حِرْصاً ولا تعدُ. أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود. وهذا لفظهما (¬1). {158} وجه الدلالة أنه أدى بعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالإعادة ونهاه عن العود إلى ذلك إرشاداً إلى ما هو الأفضل، فدل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف مع الكراهة (وقالت) الحنبلية وإسحاق وابن المنذر والنخعى: من أحرم خلف الصف ثم دخله وأدرك فيه الركوع مع الإمام صحت صلاته " لحديث " أبى بَكرة. وإن صلى ركعة كاملة خلف الصف بطلت صلاته " لحديث " وابصةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يُصلى خلف الصفِّ وحده فأمره أن يُعيدَ الصلاة. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والترمذى وحسنه (¬2). {159} " ولقول " علىّ بن شيبانَ قدمِنا على النبى صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصّلينا خلفه ثم صلينا وراءه صلاة أخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فرداً يصلى خلف الصف فوقف عليه نبى الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف ثم قال: ¬

(¬1) ص 329 ج 5 - الفتح الربانى. وص 182 ج 2 فتح البارى (إذا ركع دون الصف) وص 139 ج 1 مجتبى (الركوع دون الصف) وص 74 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يصل خلف الصف) و (لا تعد) بفتح فضم من العود. أى لا تعد على السعى الشديد والركوع دون الصف ثم المشى إليه وأنت راكع، ويؤيده حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يكع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف. أخرجه الطحاوى بسند حسن ص 231 ج 1. وروى: ولا تعد بضم فكسر من الإعادة. (¬2) ص 74 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يصلى وحده خلف الصف) وص 163 ج 1 - سنن ابن ماجه. وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. وص 194 ج 1 - تحفة الأحوذى.

اسْتَقْبِلْ صلاتَك لا صلاة الذى صلى خلف الصفِّ. أخرجه أحمد وحسنه والبيهقى وابن ماجه بسند رواته ثقات. وهذا لفظه (¬1). {160} (وأجاب) الجمهور عنه: (أ) بأن الأمر بإعادة الصلاة محمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة وزجراً لمن فعله كى لا يعود. (ب) وبأن قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة للذى خلف الصف، معناه لا صلاة كاملة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ من الصلاة، ولو كانت باطلة ما أقره على الاستمرار فيها (وجملة) القول أن الجمهور حملوا حديث وابصة على الندب، وحديث على بن شيبان على نفى الكمال، ليوافقا حديث أبى بكرة إذ ظاهرة عدم لزوم الإعادة لعدم أمره بها (هذا) ومن حضر ولم يجد فى الصف فرجه قال إبراهيم النخعى وأكثر الشافعية: يُحرم ويختار واحداً فيجذبه إليه. ويستحب للمجذوب موافقته وهو مشهور مذهب أحمد " لحديث " وابصة أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلى خلف الصفوف وحده فقال: أيها المصلى وحده ألا وَصَلت إلى الصف أو جرَرْتَ رجلا فقام معك؟ أعِدْ صلاتك. أخرجه أبو يعلى والبيهقى. وفى سنده السرى بن إسماعيل وهو ضعيف (¬2). {161} " ويُقَوِّيه " حديث مقاتل بن حَيّان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن جاء رجل فلم يجد أحداً فْليَخْتَلِجْ إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظمَ المُخْتَلَج. أخرجه البيهقى وأبو داود فى المراسيل (¬3). {162} (وقال) الحنفيون: من لم يجد فرجه فى الصف ينتظر حتى يجئ آخر ¬

(¬1) ص 327 ج 5 - الفتح الربانى. وص 105 ج 3 - السنن الكبرى. وص 163 ج 1 - سنن ابن ماجه (صلاة الرجل خلف الصف وحده). (¬2) ص 96 ج 2 - مجمع الزوائد (ما يفعل من جاء بعد تمام الصف) وص 105 ج 3 - السنن الكبرى (كراهية الوقوف خلف الصف وحده). (¬3) ص 105 منه.

فيقفان معاً. فإن لم يجئ أحد حتى ركع الإمام يختار عالماً بالحكم فيجذبه ويقفان. وعليه حملوا الأحاديث الواردة فى هذا. فإن لم يجد عالماً بالحكم صلى خلف الصف بحذاء الإمام ولا كراهة حينئذ للضرورة (قال) ابن الهُمَام: إذا جاء والصف ملآن يجذب واحداً منه ليكون معه وينبغى لذلك ألا يجيبه فتنتفى الكراهة عن هذا لأنه فعل وسُعه (¬1) (وقال) مالك والأوزاعى وإسحاق وداود: من لم يجد سعة فى الصف يقف منفرداً ويكره له جذب أحد وهو رواية عن الشافعى وأحمد، لأنه لو جذب واحداً لفوّت عليه فضل الصف ولأوقع الخلل فيه (قال مالك) فى المدونة: من صلى خلف الصفوف وحده فصلاته تامة مجزئة ولا يجبذ إليه أحداً، ومن جبذ أحداً ليقيمه معه فلا يتبعه (¬2) ولعل الأحاديث لم تبلغهم، أو لم يقولوا بها لضعفها، لكن قد علمتَ أنها لكثرتها يقوى بعضها بعضاً، فيحتج بها. (22) أعذار ترك الجماعة: يباح التخلف عن الجمعة والجماعة لأعذار، المذكور منها هنا أحد عشر. (1) المرض الذى يشق معه الذهاب إلى المسجد. (2) والمطر الشديد، وهو ما يحمل الناس على تغطية رءوسهم (3 - 9) والبرد. والريح، والظلمة الشديدة والخوف من ظالم على نفس أو عرْض أو مال، وحضور طعام تتوقه النفس، ومدافعة البول أو الغائط أو الريح. والخوف من حبس ظالم أو دائن وهو معسر " لما تقدم " عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع المنادىَ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تُقبلْ منه الصلاة التى صلى قالوا: ¬

(¬1) ص 352 ج 1 فتح القدير (الإمامة). (¬2) ص 102 ج 1 - المدونة الكبرى (صلاة الرجل وحده خلف الصفوف).

وما العذر يا رسول الله؟ قال خوف أو مرض. أخرجه أبو داود والدار قطنى (¬1) وفى سنده أبو جَناب يحيى بن الكلبى وأبو المخارق الكوفى، وفيهما مقال (قال) ابن المنذر: لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض. وقد تخلف النبى صلى الله عليه وسلم عنها وهو مريض قال: مروا أبا بكر أن يُصلىَ بالناس " ولحديث " مالك عن نافع أن ابن عمر أذَّن للصلاة فى ليلة ذات برْد وريح فقال. ألا صلوا فى الرحال. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذاتُ مطر يقول: ألا صلوا فى الرِّحال. أخرجه الأئمة والشيخان والنسائى وأبو داود (¬2). {163} ومثلُ البرد الحرُّ الشديد والريح الباردة فى ليلة مظلمة وإن لم تكن شديدة عند الحنبلية والشافعية (وقال) الحنفيون: لا تكون عذراً إلا إن كانت شديدة وقد أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة فى شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح (وعن عائشة) أن النبى صلى الله عليه وسلم. قال: لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. أخرجه مسلم وأبو داود (¬3). {164} (وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم على ¬

(¬1) تقدم رقم 56 ص 34 (حكم الجماعة) و (لم تقبل منه) جواب الشرط. والمعنى أن من سمع المؤذن فلم يمنعه من إجابته - بحضور الجماعة - عذر، لم تقبل صلاته، أى لم يثب عليها ثواباً كاملا. (¬2) ص 124 ج 1 بدائع المنن. وص 184 ج 5 - الفتح الربانى. وص 108 ج 2 فتح البارى (الرخصة فى المطر والعلة أن يصلى فى رحله) وص 205 ج 5 - نووى مسلم (الصلاة فى الرحال فى المطر) وص 106 ج 1 - مجتبى (الإذن فى التخلف عن حضور الجماعة فى الليلة المطيرة) وص 205 ج 6 المنهل العذب (التخلف عن الجماعة فى الليلة المطيرة) (والحديث) صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان بأمر المؤذن أن ينادى بالصلاة فى الرحال بعد الأذان، وهو الراجح لما فيه من عدم تغيير نظم الأذان. (¬3) ص 47 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة بحضرة الطعام .. ) وص 295 ج 1 - المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن؟ ) ولفظه: لا يصلى.

الطعام فلا يعجَل حتى يَقضىَ حاجته منه وإن أقيمت الصلاةُ. أخرجه البخارى (¬1). {165} (وعن أم سلمة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضر العَشاء وحضَرت الصلاةُ فابدءوا بالعَشاء. أخرجه أحمد وابن شيبة بسند جيد (¬2). {166} دل ما ذكر على أنه يطلب تقديم تنازل الطعام الحاضر على الصلاة ولو كان غير محتاج إليه ولم يخش فساده. ولذا قال ابن حزم والظاهرية يجب تقديم الطعام وتبطل الصلاة إذا قُدّمتْ. ورَوى القولَ بالوجوب الترمذىُّ عن أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق (وقال) الجمهور: يكره تقديم الصلاة على الطعام إذا حضر. وظاهر الأحاديث أنه يقدَّم الطعام وإن خشى خروج الوقت، وبه قال ابن حزم وبعض الشافعية (وقال) الجمهور: محله إن اتسع الوقت وإلا لزم تقديم الصلاة " وظاهر " قوله فى حديث ابن عمر: فلا يعجَل حتى يقضى حاجته "أنه" يأخذ حاجته من الطعام كاملة، وهو يردّ ما قاله بعض الشافعية من أنه يقتصر على تنازل لُقَيَمات يكسِر بها سَورة الجوع. ومثل الطعام فى ذلك كله ما يحصل بتأخيره شغل البال بجامع ذهاب الخشوع الذى هو روح الصلاة. (10) العمى: هو عذر إن لم يجد الأعمى قائداً ولم يهتد بنفسه " لقوله " تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} فإن وجد قائداً أو اهتدى بنفسه فلا ¬

(¬1) ص 110 ج 3 - فتح البارى (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة). (¬2) ص 189 ج 5 - الفتح الربانى (الأعذار التى تبيح التخلف فى الجماعة).

عذر له فى التخلف عن الجماعة عند الجمهور، لأن النبى صل الله عليه وسلم لما أعلم أن ابنَ أُم مكتوم الأعمى يهتدى إلى المسجد لم يرخص له فى التأخر عن صلاة الجماعة وقد سمع النداء كما تقدم (¬1) (وقال) أبو حنيفة: يباح للأعمى التخلف عن الجماعة وإن وجد قائداً، لأن القادر بقدرة الغير لا يعدّ قادراً والحديث يرده. (11) القيام بأمر مريض يتضرر بغيبته. هذا. ومن تخلف عن الجماعة لعذر مما سبق ونحوه - ولولاه لحضر - فله ثواب الجماعة " لحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا مِرض العبدُ أو سافر كتَب اللهُ له من الأجر مثلَ ما كان يعمَل صحيحاً مقيماً. أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود (¬2). {167} (23) أحوال المقتدى: المقتدى إما مدرك، أو لاحق، أو مسبوق أو لاحق مسبوق. (أ) (فالمدرك) من أدرك الصلاة كلها مع الإمام. (ب) (واللاحق) غير المسبوق، من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وفاته غيرها لعذر كنوم أو غفلة أو زحمة أو سبْق حدَث (وحكمه) عند الحنفيين أنه إذا زال عذره بدأ بقضاء ما فاته بلا قراءة، ثم يتابع إمامه إن أدركه. ولو تابعه ثم قضى ما فاته صح مع الكراهة، فلو نام فى الثالثة واستيقظ فى الرابعة أتى بالثالثة بلا قراءة فإذا فرغ منها وأدرك الإمام فى الرابعة صلاها معه، وإن لم يدركه صلاها وحده بلا قراءة. ¬

(¬1) تقدم رقم 59 ص 35 (حكم الجماعة). (¬2) ص 410 ج 4 مسند أحمد (حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه) وص 83 ج 6 - فتح البارى (يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة) وص 218 ج 8 - المنهل العذب. وأوله: (إذا كان الرجل يعمل صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر - الجنائز)

(وقالت المالكية) من دخل مع الإمام ثم فاته شئ من الصلاة لعذر كرحمة أو نوم لا ينقض الوضوء، فله أحوال ثلاثة: (الأولى) أن يفوته الركوع أو الرفع منه مع الإمام. فإن كان فى الركعة الأولى تابع الإمام وألغى هذه الركعة لعدم انعقادها بفوات الركوع مع الإمام. فإن ركع عمداً بطلت صلاته وإن ركع سهواً ألغى الركوع وقضى ركعة بعد سلام الإمام. وإن كان فى غير الركعة الأولى، فإن ظن أنه لو ركع أدرك الإمام ولو فى سجدة أتى بما فاته، فإن تحقق ظنه فيها. وإن تخلف ظنه ألغى ما فعله وتابع الإمام وقضى ركعة بعد سلامه. وكذا إن لم يظن إدراك سجدة مع الإمام. فإن خالف وأتى بما فاته فإن أدرك سجدة مع الإمام صحت صلاته وحُسِبَتْ له الركعةُ، وإلا بطلت صلاته لقضائه ما فاته فى صلب إمامه (الثانية) أن تفوته سجدة أو سجدتان. فإن ظن إدراك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أتى بما فاته ولحق الإمام وحُسِبَتْ له الركعة. وإن لم يظن إدراك الإمام فى ركوع الركعة التالية ألغى الركعة وتابع الإمام وأتى بركعة بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه لتحمل الإمام الزيادة التى لغت (الثالث) أن تفوته ركعة أو أكثر. وحكمه أنه يقضى ما فاته بعد سلام الإمام كالمسبوق. (وقالت) الشافعية: اللاحق ويسمى الموافق هو من أدرك مع الإمام قبل ركوعه زمناً يسع الفاتحة (وحكمه) أنه لا يضر تأخره عن الإمام بركن فعلىّ كالركوع ولو بلا عذر، ولا تأخره بركنين أو ثلاثة بعذر "كبطء" المأموم فى القراءة بطأ خِلْقِيًّا لا لوسوسة والإمام معتدل القراءة " وكغفلة " المأموم وسهوه عن قراءة الفاتحة. فعلية أن يتخلف عن إمامه حتى يتم قراءتها، ويُغتفرُ له ثلاثةُ أركان طويلة وهى الركوع والسجدتان. فإن فرغ من قراءته قبل رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية، بنى على نظم صلاته حتى يدرك

إمامه. وإن لن يفرغ من القراءة إلا بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية، لزمه متابعة الإمام فيما هو فيه وقضاء ركعة بعد سلام الإمام " أما " إذا كان الإمام سريعَ القراءة ولم يتمكن المأموم الموافق من إتمام الفاتحة " فإنه " يقرا ما يمكنه منها ويتحمل عنه الإمام الباقى كالمسبوق، ولا يغتفر له التخلف ثلاثة أركان. (وقالت) الحنبلية: من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وتخلف عنه بركن لعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء، لزمه أن يأتى بما فاته بعد زوال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام. فإن خشى فوتها لزمه متابعة الإمام ولغت الركعة ولزمه قضاؤها بعد سلام الإمام كمسبوق. وإن تخلف عنه بركعة فأكثر تابعة وقضى ما فاته على صفته فإن كان ما فاته الركعة الأولى استفتح وتعوذ وقرأ الفاتحة وسورة. وإن كانت الثانية قرأ الفاتحة وسورة. وإن كانت الثالثة أو الرابعة اقتصر على الفاتحة. (ج) (والمسبوق فقط) هو من سبقه الإمام بركعة أو أكثر قبل أن يقتدى به فيدخل الصلاة مع الإمام على الحالة التى وجده عليها من ركوع أو سجود أو جلوس أو غير ذلك. وبعد سلام الإمام يأتى بما سبُق به " روى " عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن معاذ قال: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سبُق الرجلُ ببعض صلاته سألهم فأومئوا إليه بالذى سبُق به من الصلاة فيبدأ فيقضى ما سبُق به ثم يدخل مع القوم فى صلاتهم فجاء معاذ بن جبل والقومُ قعود فى صلاتهم فقعد. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما كان سبُق به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كما صنع معاذ. أخرجه أحمد وأخرج البيهقى نحوه من طريق أبى داود (¬1). {168} ¬

(¬1) 233 ج 5 مسند أحمد (حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه) وص 93 ج 3 - السنن الكبرى (من كره أن يفتتح الرجل الصلاة لنفسه ثم يدخل مع الإمام) و (اصنعوا كما صنع معاذ) أى أنه صلى الله عليه وسلم استحسن ما صنع معاذ فأمر الناس به بعد أن أقره الوحى.

(وقال) عطاء بن أبى رباح: كان الرجل إذا جاء وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً من صلاته سأل فإذا أخْبِرِكْم سُبِق به، صلى الذى سُبِق به ثم دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته فأتى ابنُ مسعود فدخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته ولم يسأل. فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما بقى. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن ابنَ مسعودٍ قد سَنَّ لكم سُنَّة فاتبعوها: أخرجه الشافعى (¬1). {169} (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (¬2). {170} وقال الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام قال بعضهم: لعله لا يرَفع رأسه من السجدة حتى يُغفرَ له (¬3). هذا. والمسبوق منفرد فيما يقضيه، وما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته عند الشافعى وإسحاق والأوزاعى. وروى عن مالك وأحمد. فيبنى عليه فى الأفعال والأقوال. فلو أدركه فى ركعة من الرباعية يأتى بعد سلام الإمام بركعة بفاتحة وسورة ويتشهد ثم يأتى بركعتين بفاتحة فقط " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَوْنَ وأتوها تمشُون وعليكم السكينةُ فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (¬4). (وقال) أبو حنيفة والسفيانان ومجاهد وابن سيرين: ما أدركه مع الإمام ¬

(¬1) ص 145 ج 1 - بدائع المنن (ما يفعل المسبوق). (¬2) ص 338 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ ) وص 273، 274 ج 1 - مستدرك. (¬3) ص 407 ج 1 - تحفة الأحوذى. (¬4) تقدم رقم 71 ص 45 (ما تدرك به الجماعة).

فهو آخر صلاته. وما يقضيه فهو أولها. يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة جهراً، وهو مشهور مذهب أحمد ورُوى عن الشافعى، فمن أدرك ركعة من الرباعية يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد، ثم يأتى بركعة بفاتحة فقط. ومن أدرك ركعة من المغرب يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية من حديث أبى هريرة، وما فاتكم فاقضوا. أخرجها النسائى والبيهقى وقال: رواه مسلم عن سفيان بن عُيينة. وحكى عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهرى غيرُ ابن عيينة وأخطأ (¬1) ولكن تابع ابنَ عيينة ابنُ أبى ذئب فرواها عن الزهرى كذلك. وكذا أخرج الحديث أبو نُعيم فى المستخرج على الصحيحين. ذكره ابن التركمانى (¬2). (وأجاب) الأولون بأن هذه الرواية شاذة. قال البيهقى: والذين قالوا " فأتموا " أكثر وأحفظ وألزم لأبى هريرة راوى الحديث فهو أولى (¬3) وأيضاً فإن القضاء يطلق بمعنى الأداء كما فى قوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} وقوله {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} وهو المراد هنا جمعاً بين الروايات. (وقال) أبو يوسف ومحمد: ما أدركه مع الإمام فهو ألو صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبنى عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها. وهو مشهور مذهب مالك. فمن أدرك ركعة من غير الصبح يأتى بعد سلام إمامه بركعتين بفاتحة وسورة ويتشهد بينهما ثم يأتي برابعة فى الرباعية بفاتحة فقط " لما روى " قتادة أن علياً قال: ما أدركتَ مع الإمام فهو أول صلاتك واقضِ ما سبقك به من القرآن. أخرجه البيهقى وقال: هذا وإن كان مرسلا عن على رضى الله عنه فهو شاهد لرواية الحارث عنه (¬4). {53} ¬

(¬1) ص 297 ج 2 - السنن الكبرى (ما أدرك من صلاة الإمام فهو أول صلاته). (¬2) ص 297 ج 2 - الجوهر النقى. (¬3) ص 298 منه - السنن الكبرى. (¬4) ص 299 ج 2 - السنن الكبرى.

(فائدتان) (الأولى) المسبوق عند الحنفيين، منفرد فيما يقضيه إلا فى أربع: (1) لا يجوز الاقتداء به. (2) ويأتى بتكبير التشريق اتفاقاً، والمنفرد لا يأتى به عند الإمام. (3) ولو كبر ينوى استئناف الصلاة يصير مستأنفاً بخلاف المنفرد فإنه لا يصير مستأنفاً. (4) ولو قام لقضاء ما سُبِقَ به وسجد إمامه لسهو تابعة فيه إن لم يقيّد الركعة - التى قام إليها - بسجدة، فإن لم يتابعه سجد فى آخر صلاته وينبغى له أن ينتظر بعد السلام حتى يتبين له أنه لا سهو على الإمام، ولو قام قبل قعود الإمام قدر التشهد لا يعتدّ بما أدّاه من قيام وقراءة قبل ذلك، وإنما يعتد بما أداه بعده. فإن قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد ما تجوز به الصلاة جاز وإلا فلا. وهذا فى المسبوق بركعة أو ركعتين. فإن كان مسبوقاً بثلاث وقام بعد تشهد الإمام جاز وإن لم يقرأ، لأنه سيقرأ فى الباقيتين. والقراءة فرض فى ركعتين (ويكره) تحريماً قيامه للقضاء قبل سلام الإمام بعد قعوده قدر التشهد إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد السلام لا قبله. (الثانية) من أدرك الإمام راكعاً فالأفضل أن يكبر للإحرام قائماً ثم يكبر للركوع. وإن اقتصر على تكبيرة الإحرام كفته. رُوى هذا عن زيد بن ثابت وابن عمر ولا يُعرفُ لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعاً. وبه قال سعيد بن المسيَّب وعطاء والحسن البصرى والثورى ومالك والحنفيون وأحمد (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رواية ابنه صالح فيمن جاء والإمام راكع: يكبر تكبيرة واحدة، قيل له: ينوى بها الافتتاح؟ قال: نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة؟ ولن نية الركوع لا تنافى نية الافتتاح. ولهذا حكمنا بدخوله فى الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع فى فسادها والأفضل تكبيرتان (قال أبو داود) قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف. وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه، لأن تكبيرة

الإحرام ركن ولم يأت بها (¬1) ومن أدرك الإمام بعد الرفعِ من الركوع كبر للإحرام ثم كبر هاوياً للسجود خلافاً للحنبلية حيث قالوا: يهوى بلا تكبير. وإن أدركه فى السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام، لأنه صار مأموماً فيتابعه فى التكبير اتفاقاً. وإن سلم الإمام قام المأموم لإتمام ما عليه بتكبير عند أبى حنيفة والثورى وإسحاق وأحمد، لأنه قام إلى ركن معتدّ به كالقائم من التشهد الأول، وكما لو قام مع الإمام (وقالت) المالكية والشافعية: يقوم بلا تكبير إن لم يدرك ركعتين بأن أدرك ركعة أو ثلاثاً، وإلا قام بتكبير. (د) (والمسبوق اللاحق) ومن لم يدرك الركعة الأولى وفاته بعد الاقتداء ركعة أو أكثر لعذر كنوم وزحمة (وحكمه) أنه كالمسبوق فيما سُبِق به، وكاللاحق فيما فاته بعد الاقتداء. (24) تعدد الجماعة فى وقت واحد: نرى فى كثير من المساجد الجامعة عند شروع الإمام الراتب فى صلاة الفريضة جمعاً من الأئمة: منهم من يصلى بواحد، ومنهم من يصلى باثنين، ومنهم من يصلى بأربعة أو أكثر، ومنهم جملة أئمة فى صف واحد، ومنهم المتقدم والمتأخر فيقع الاختلاط والاشتباه فى الصلاة وتلتبس الأئمة ويشوش بعضهم على بعض بالقراءة ويختلط الحال على المأموم. فقد لا يميز إمامه من غيره. وقد يقتدى بالمأموم. وهذا ممنوع اتفاقاً لوجوه (الأول) أنه مخالف لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، فإن ما ذكر لم يحصل فى زمنهم. وفى الحديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. أخرجه أحمد ومسلم عن عائشة وذكره البخارى بلا سند (¬2). {171} ¬

(¬1) ص 9، 10 ج 2 - الشرح الكبير (إدراك الجماعة والركعة). (¬2) ص 195 ج 1 - الفتح الربانى (التحذير من الابتداع .. ) وص 16 ج 12 - نووى مسلم (نقض الأحكام الباطلة - الأقضية) وص 246 ج 13 - فتح البارى (إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ - الاعتصام بالكتاب والسنة).

(الثانى) أنه مناف لحكمه مشروعية الجماعة من ائتلاف القلوب وجمع الكلمة، ولذا شرعت صلاة الجمعة والعيدين والخوف، وفى تعد الجماعة فى وقت واحد تفريق لا جمع. (الثالث) أن فيه تشويشاً بالقراءة وتخليطاً على المتعبدين وهو حرام " لحديث " البياضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد عَلتْ أصواتُهم بالقراءة فقال: إن المصلىَ يَناجى ربه فلينظر بم يناجيه؟ ولا يجهرْ بعضُكم على بعض بالقرآن. أخرجه أحمد بسند صحيح (¬1). {172} " ولقول " أبى سعيد الخدرىّ: اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال: ألا إن كلَّّكم مناج ربه، فلا يُؤْذِيَنَّ بعضكم بعضاً، ولا يرفعْ بعضُكم على بعض فى القراءة. أو قال فى الصلاة. أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2). {173} (الرابع) أن فيه إخلالا بتسوية الصفوف وهو مخالف لتعاليم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة كما تقدم فى بحث " تسوية الصفوف ". (الخامس) أن فيه افتياتاً وطعناً فى حق الإمام الراتب، وقد حث الأئمة خصوصاً الشافعية والحنبلية على حفظ حق الإمام الراتب ولو غائباً ولم يرخصوا لغيره فى إقامة الجماعة فى غيبته إلا لعذر كاليأس من حضوره وخوف فوات الوقت (قال النووى): قال الشافعى: إذا حضرت الجماعة ولم يحضر إمام، ¬

(¬1) ص 344 ج 4 مسند أحمد (حديث البياضى رضى الله عنه) وص 265 ج 2 - مجمع الزوائد (الجهر بالقرآن .. ) (¬2) ص 262 ج 7 - المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل) وص 11 ج 3 السنن الكبرى (من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ) وتقدم رقم 137 ص 94 ج 2 (بدع الأذان).

فإن لم يكن للمسجد راتب صلى بهم أحدهم. وإن كان له إمام راتب فإن كان قريباً بعثوا إليه ليحضر أو يأذن لمن يصلى بهم. وإن كان بعيداً أو لم يوجد فى موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أنه لا يتأذى بتقديم غيره ولا تحصل بسببه فتنة، استحب أن يصلى بهم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام. وإن خافوا أذاه أو فتنة، انتظروه إن لم يخافوا فوات الوقت، وإلا صلوا جماعة (¬1). (وقال) ابن قدامة: ولا يُؤَمُّ فى مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه، لأن الإمام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق " لقوله " عليه الصلاة والسلام: لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ فى بيته إلا بإذنه (¬2) " وقد رُوى " عن ابن عمر أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصِّلى فيه مولى لابن عمر فصلى معه، فسألوه أن يصلى بهم فأبى وقال: صاحب المسجد أحق إلا أن يتأخر لعذر فيصلى غيره لأن أبا بكر صلى حين غاب النبى صلى الله عليه وسلم. وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبى صلى الله عليه وسلم " أحسنتم " فإن لم يُعلم عذرُه انتُظر وروسِلَ إلا أن يُخشى خروجُ الوقت فيقدَّم غيره لئلا يفون الوقت (¬3). (ونقل الحطَّاب) عن الشيخ عبد الرحمن بن الحسين السعدى المالكى أنه أفتى فى سنة 550 خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة بالمسجد الحرام على مذاهب الأئمة الأربعة. وردّ على من جوّز ذلك وبالغ فى الرد فقال: قولهم عن هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الإجماع فإن الأئمة مُجْمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأنَّ أقلّ أحوالها الكراهة. لأن الذى اختلف فيه العلماء إنما هو مسجد ليس له إمام راتب، أوله إمام صلى جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة، فأما حضور جماعتين أو أكثر فى مسجد واحد ¬

(¬1) ص 207 ج 4 - شرح المهذب. (¬2) هذا بعض الحديث رقم 116 ص 85 (الأحق بالإمامة). (¬3) ص 5 ج 2 - الشرح الكبير (الإمامة).

فيصلى الإمام الراتب والبعض عُكوف من غير ضرورة لا يصلون معه ثم يصلون جماعة بعده، أو يقيمون معه جماعة أخرى. فهذا مجمع على عدم جوازه، وأقل أحواله الكراهة. فمن قال يجوازه بلا كراهة فد خرق إجماع الصحابة والقرون الستة بعدهم إلى حين ظهور هذه البدعة. (ونُقل) عن الإمام أحمد أنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين فى المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وغيرهم وقال: " فأما " إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضُر أحدهما فيصلى إماماً وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم " فهذا " مما لم يقل به أحد فكيف بإمامين يقيمان الصلاة فى وقت واحد، يكبر كل والمقتدون بهما مختلطون يسمع كلٌّ قراءة الآخر، فهو مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ولا يجهرْ بعضكم على بعض بالقرآن (¬1) " وَلِمَا " عليه سلف الأمة فى القرون الستة الأولى ثم قال: وسئل القاضى جمال الدين بن ظَهيرةَ الشافعى عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب فى وقت واحد، وعن قول بعضهم: إن المسجد الحرام كأربعة مساجد (فأجاب) بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة م البدع الشنيعة التى لم تزل العلماء قديماً وحديثاً ينكرونها ويردونها على مخترعها. وقوُلهُم إن المسجد الحرام كأربعة مساجد، هو قول سخيف باطل مخالف " لقوله " تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} و " لقول " البنى صلى الله عليه وسلم: صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (¬2). {174} ولم يقل المساجد الحرام ثم قال: وعلى الجملة فذلك من البدع التى ¬

(¬1) هذا عجز الحديث رقم 172 ص 127 .. (¬2) أخرجه السبعة إلا أبا داود عن أبى هريرة (رقم 5104 ص 226 ج 4 - فيض القدير).

يجب إنكارها والسعى فى خفض منارها وجمع الناس على إمام واحد، ويثاب ولىّ الأمر على إزالة هذا المنكر، وكل من قام بذلك فإنه فله الجر الوافر والخير العظيم المتكاثر (قال الحطَّاب) وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه، إذ لا يشك عاقل فى أن هذا الفعل مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة. ولذا لم يَسمح بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة، وهى حال قتال العدو بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد (¬1). (وقد سئل) الشيخ محمد عليش عن حكم هذه المسألة بما ملخصه: ما قولكم فى صلاة جماعتين فأكثر فى محل واحد يقيمون الصلاة معاً أو متعاقبين ويقرءون معاً الفاتحة أو يقرأ أحدكم الفاتحة والآخر السورة، وهكذا فهل هذا من البدع والمحدَثات التى يجب على أهل العلم وأولى الأمر وإنكارها؟ وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوّغه؟ (فأجاب) بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة، أول ظهوره فى القرن السادس، ولم يكن فى القرون التى قبله، وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة " لمنافاته " لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذى هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض، وله شرعت الجمعة والعيد والوقوف بعرفة " ولتأديته " للتخليط فى الصلاة التى هى أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها، فهو مناف " لقوله " تعالى {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ (¬2)} " وقوله " تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى (¬3)} ¬

(¬1) من ص 109 - 111 ج 2 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (الجماعة). (¬2) سورة الحج: آية 32 وصدرها: ذلك ومن يعظم. (¬3) سورة البقرة: آية 238.

" وقوله " صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أصلى (¬1). {175} " وقوله " صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله فى الصلاة، اتقوا الله فى الصلاة اتقوا الله فى الصلاة " (¬2). {176} " وقوله " صلى الله عليه وآله وسلم: أتموا الصفّ المقدّم (¬3) ثم قال: " ومناف " لمشروعية صلاة القسمة حال الجهاد وتلاطم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة كما فى القرآن العزيز، ولم يشرع حالهَ تعدُد الجماعة فكيف يُشرع حال السعة والاختيار؟ فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القُلوبُ التى فى الصُّدُور (¬4). وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذى اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن بتفريقهم وهم بمحل واحد للصلاة مجتمعين، وقال صلى الله عليه وسلم: حسْب المؤمن الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يُثِّوب للصلاة فلا يُجيبه (¬5). {177} وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهى عنه، فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهى عنها وهو فى المسجد؟ وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا فى محل واحد ووقت واحد؟ (وقال) عُرفجة بن أسعْد الأشْجعىّ: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إنه ستكون بعدى ¬

(¬1) هذا عجز حديث أخرجه أحمد والبخارى عن مالك بن الحويرث ص 227 ج 5 - الفتح الربانى (من أحق بالإمامة) وص 76 ج 2 - فتح البارى (الأذان للمسافرين .. ). (¬2) هو صدر حديث أخرجه البيهقى عن أنس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا: اتقوا الله الخ. وفيه بشر بن منصور الخياط قال الذهبى: متروك مجهول. وتمامه: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فى الضعيفين: المرأة الأرملة، والصبى اليتيم. رقم 127 ص 128 ج 1 - فيض القدير. (¬3) هو صدر حديث تقدم ص 107 (آداب الجماعة). (¬4) سورة الحج عجز آية 46 وأولها: أفلم يسيروا فى الأرض. (¬5) أخرجه الطبرانى فى الكبير عن معاذ بن أنس. وفيه زيان بن فائد. ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم. ص 42 ج 3 - مجمع الزوائد (التشديد فى ترك الجماعة).

هَنَات وهنات. فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان (¬1). {178} (وأخرج) ابن ماجه فى سننه عن حُذيفه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين (¬2). {179} (وعن أبى ذر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صل الصلاة لوقتها. فإن أدركت الإمام يصلى بهم فصل معهم، فهى لك نافلة وإلا فقد أحرزتَ صلاتك (¬3) فلم يأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى تعدد الجماعة ولا فى التخلف عنها فيجب على العلماء وأولى الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها. وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوغها. أهـ ملخصاً (¬4) وساق ما تقدم عن لحطَّاب مع زيادة. وقال العلامة السِّندى الحنفى: ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مرتبة، مكروه اتفاقاً. وذكر أنه أفتى بعض المالكية: بعدم جواز ذلك على مذاهب العلماء الأربعة، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 هـ ذكره ابن عابدين وقال: وأقَّرهُ الرَّملى فى حاشية البحر ولكن يشكل عليه أن نحو المسجد الملكى والمدنى ليس له جماعة معلومون فلا يصدق عليه أنه مسجد ¬

(¬1) أخرجه أحمد. ص 23 ج 5 مسند (حديث عرفجة بن أسعد رضى الله عنه) وهنات جمع هنة مؤنث هن، وهو كناية عما يستقبح ذكره كالزنا وشرب الخمر. والمراد هنا خصال الشر. يقال: فى فلان هنات، أى خصال شر، ولا تقال فى الخير. (¬2) ص 13 ج 1 سنن ابن ماجه (اجتناب البدع) و (الصرف) التوبة (والعدل) الفدية. (¬3) تقدم بأتم من هذا رقم 131 ص 94 (غمامه الصالح والطالح). (¬4) من ص 92 - 94 ج 1 - فتح العلى المالك فى الفتوى على مذهب الإمام مالك (مسائل إمامة الصلاة).

مَحِلَّه بل هو كمسجد شارع وقد مرَّ أنه لا كراهة فى تكرار الجماعة فيه إجماعاً. وقدمنا فى باب الأذان عن شرح المنية عن أبى يوسف انه إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا تكره وهو الصحيح. وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة وبه نأخذ (¬1). (25) إقامة جماعة فى المسجد بعد جماعة الراتب: إذا صلى إمام المسجد وحضر جماعة أخرى، فلهم أن يصلوا جماعة عند أحمد وبه قال ابن مسعود وأنس وداود " لما تقدم " عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلى وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه فصلى معه رجل (¬2) وقال الترمذى: حديث حسن. وهو قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين. قالوا: لا بأس أن يصلى القوم جماعة فى مسجد قد صلى فيه. وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال آخرون: يصلون فرادى وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعى (¬3) " ولحديث " أنس أن رجلا جاء وقد صلَّى النبى صلى الله عليه وسلم فقام يصلى وحده، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من يتجر على هذا فيصلى معه؟ أخرجه الدار قطنى بسند جيد (¬4). {180} (وعن سلمة) بن كُهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلَّوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. أخرجه ابن أبى شيبة بسند صحيح. {54} وقال البخارى: وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صُلِّى فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة. وأخرجه البيهقى عن أبى عثمان اليشْكُرِى قال: صلَّينا الغداة فى ¬

(¬1) ص 409 ج 1 - رد المحتار (تكرار الجماعة فى المسجد). (¬2) تقدم رقم 97 ص 65 (شروط الاقتداء) وص 78 (اقتداء المتنفل بالمفترض). (¬3) ص 190 ج 1 - تحفة الأحوذى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه). (¬4) ص 103 سنن الدار قطنى (إعادة الصلاة فى جماعة).

مسجد بنى رِفاعة وجلسنا فجاء أنس بن مالك فى نحو من عشرين من فِتيانه فقال أصليتم؟ قلنا نعم. فأمر بعض فتيانه فأذّن وأقام ثم تقدم فصلى بهم (¬1). {55} (وقال الليث) والثورى وابن المبارك وأبو حنيفة ومالك والأوزاعى والشافعى: يكره تكرار الجماعة فى مسجد له إمام راتب فى ممرّ الناس " لحديث " أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحى المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلَّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم. أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط، وفى سنده معاوية بن يحيى متكلم فيه، ذكر الحافظ الذهبى فى الميزان له أحاديثَ منا كير، منها هذا الحديث. ومنه يعلم ما فى قول الهيثمى: رجاله ثقات (¬2). {181} وجه الدلالة أنه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى (قال الشافعى) فى الأم: وإن كان لرجل مسجد يُجَّمع فيه ففاتته فيه الصلاة، فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحبَّ إلى: وإن لم يأته وصلى فى مسجده منفرداً فحسن. وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتتْ رجلا أو رجالا فيه الصلاةُ صلَّوا فرادى ولا أحبُّ أن يصلوا فيه جماعة. فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه. وإنما كرهتُ ذلك لهم، لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم، وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرُّق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد فى وقت الصلاة فإذا قُضيت دخلوا فجمَّعوا، فيكون فى هذا اختلافٌ وتفرّقُ كلمة وفيهما المكروه. وإنما ¬

(¬1) ص 89 ج 2 - فتح البارى (فضل صلاة الجماعة) وص 70 ج 3 - السنن الكبرى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه .. ). (¬2) ص 45 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا).

أكره هذا فى كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجد بُنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه، لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفتُ من تفرّق الكلمة (¬1) (وعن) أبى حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره تكرار الجماعة، وإلا فلا (وعن) أبى يوسف إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا كرهت. وهو الصحيح (ومشهور) مذهب الحنبلية: أنه لا تكره إعادة الجماعة فى غير المساجد الثلاثة، ولكن لا دليل على هذه التفرقة (قال) ابن قدامة: فأما إعادة الجماعة فى المسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، فقد رُوِى عن أحمد كراهتُها فيها لئلا يتوانى الناس فى حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتْهم الصلاةُ فى الجماعة مع غيره. وظاهر خير أبى سعيد وأبى أمامه أن ذلك لا يكره. لأن الظاهر أن هذا كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والمعنى يقتضيه أيضاً لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها فى غيرها (¬2) ومنه تعلم أن الراجح القول بعدم كراهة إعادة الجماعة فى المسجد مطلقاً (والجواب) عما استدل به القائلون بالكراهة وهو حديث أبى بكرة (أنه) لا يصلح للاحتجاج به لما تقدم، ولأنه ليس نصاً فى أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم فى منزله، بل يحتمل أنه صلى بهم فى المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله للصلاة فيه (ومنه) يعلم ردّ قولهم: لو كانت الجماعة الثانية جائز بلا كراهة لما ترك صلى الله عليه وسلم فضلَ المسجد النبوى. وأيضاً فإنه يلزم منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً فى مسجد قد صُلِّى فيه جماعة، فإنه يقال: لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة فى مسجد قد صُلى فيه جماعة لما ترك النبى ¬

(¬1) ص 136 ج 1 - الأم (صلاة الجماعة). (¬2) ص 8 ج 2 - مغنى (الإمامة).

صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى. وقد تقدم عن أنس بن مالك من طرق صحيحة أنه أعاد الصلاة فى المسجد جماعة بأذان وإقامة " وأما قول " الحسن البصرى: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا فى مسجد قد صُلِّى فيه، صلوا فرادى. أخرجه ابن أبى شيبة." فقد صرح " الحسن بأن هذا إنما كان الخوف السلطان (قال) ابن أبى شيبة: حدثنا هُشيم أخبرنا منصور عن الحسن قال: إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان. وعليه يحمل القول بكراهة إعادة الصلاة جماعة فى المسجد، ويدل له " ما تقدم " عن الشافعى من قوله: وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة " وقول " البيهقى: كراهية الحسن البصرى محمولة على موضع تكون الجماعة فيه بعد أن صلى تُفرِّق الكلمة (¬1). وبهذا يجمع بين أقوال الأئمة رضى الله عنهم. (26) إعادة الصلاة: من صلى فريضة ولو جماعة ثم أدركها فى جماعة استحب له إعادتها بنية التطوع، لا فرق بين الصبح وغيره عند إسحاق والشافعى وابن حبيب المالكى. وروى عن علىّ وحذيفة وأنس رضى الله عنهم " لقول " يزيد بن الأسود: صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم الفجرَ بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما فأمر بهما صلى الله عليه وسلم فجئ بهما تَرْعُدُ فرائُضُهما فقال لهما: ما منعكما أن تُصليا مع الناس؟ ألستهما مُسلمين؟ قالا: بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا فى رحالنا. فقال لهما: إذا صَلَيَّتْمُا فى رِحالكما ثم أتيما الإمامَ. فصليَّا معه فإنها لكما نافلةٌ. أخرجه أحمد والثلاثة والدار قطنى والحاكم والبيهقى، وهذا لفظه، وصححه ابن السكن. وقال الترمذى: حسن صحيح (¬2). {182} ¬

(¬1) ص 70 ج 3 - السنن الكبرى. (¬2) ص 337 ج 5 - الفتح الربانى. وص 285 ج 4 - المنهل العذب (من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى منعهم) وص 137 ج 1 - مجتبى (إعادة الفجر مع الجماعة) وص 188 ج 1 - تحفة الأحوذى (الرجل يصلى وحده ثم يدرك الجماعة) وص 158 - سنن الدار قطنى. وص 245 ج 1 = مستدرك. وص 300 ج 2 - السنن الكبرى (الرجل يصلى وجه ثم يدركها مع الإمام) و (ترعد) كتنصر اى تضطرب وتتحرك خوفاً. و (الفرائض) جمع فريضة، وهى لحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة، استعير لما يرجف من الإنسان عند الخوف.

(وعن حذيفة) أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وقد كان صلاهن فى جماعة. {56} (وقال) أنس: صلى بنا أبو موسى الغداة فى المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاةُ فصلينا مع الغيرة بن شعبة. أخرجهما الأثرم (¬1). {57} ويشترط عند الشافعية للإعادة شروط (منها) أن تكون الصلاة الثانية كلها فى جماعة. وأن ينوى إعادة الصلاة المفروضة. وأن تؤدى الثانية ولو ركعة منها قبل خروج الوقت " وبه " قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا: إن أعاد المغرب شفعها برابعة، لأن التطوّع لا كون بوتر (وقالت) المالكية: من صلى فريضة وحده أو إماماً لصبى فى غير المساجد الثلاثة استحب له إعادتها جماعة فى الوقت إلا المغرب والعشاء بعد الوتر فتحرم إعادتهما. وكذا من صلى منفرداً بمسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فلا يندب له إعادتها جماعة فى غيرها، ومن صلى جماعة لا يعيد (قال) ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة جماعة من صلى وحده. أما من صلى فى جماعة وإن قلت فلا يعيد فى أخرى قلت أو كثرت، لقول سليمان بن يسار مولى ميمونة: أتيتُ ابن عمر على البَلاط وهم يصلّون فقلت ألا تصَلِّى معهم؟ قال: قد صليتُ إن سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين. أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود والبيهقى وقال: تفرد به الحسين المعّلم عن عمرو بن شعيب وهذا إن صح فمحمول على أنه قد صلاها فى الجماعة فلم يُعدها (¬2). {183} ¬

(¬1) ص 6 ج 2 - الشرح الكبير لابن قدامة. و (المزيد) كمنبر موضع تجفيف الحبوب والتمر. (¬2) ص 343 ج 5 - الفتح الربانى. وص 138 ج 1 - مجتبى (سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام فى المسجد جماعة) وفيه: لا تعاد الصلاة. وص 291 ج 4 - المنهل العذب (إذا صلى = فى جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟ ) وص 32 ج 2 - السنن الكبرى (من لم ير إعادتها إذا كان قد صلاها فى جماعة) وفيه لا صلاة مكتوبة (والبلاط) موضع مفروش بالبلاط بين المسجد وسوق المدينة.

وبهذا يجمع بين الأحاديث. وبالحديث تمسك من قال إن من صلى فى جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلى معهم، لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له. وحمل الأولون النهى فى قوله: لا تصلوا صلاة يوم مرتين. على ما إذا صلى الثانية فرادى. وهذا متفق عليه (قال) ابن حجر: من صلى وأراد أن يعيد منفرداً لا تنعقد صلاته عندنا، لأن الأصل منع الإعادة إلا ما ورد به الدليل ولم يرد إلا فى الإعادة فى جمعة أهـ. وحينئذ لا يكون مخالفاً لسائر الأحاديث ولا لمذهب من المذاهب (وقال) ابن عبد البر: اتفق أحمد وإسحاق على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين. أن ذلك أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ فيعيدها على جهة الفرض أيضاً " وأما " من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فى أمره بذلك " فليس " ذلك من إعادة الصلاة فى يوم مرتين، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ (¬1) (وقال) الحنفيون: من صلى الظهر والعشاء منفرداً. استحب له إعادتهما جماعة بنية التطوع خلف مفترض لتحصيل فضيلة الجماعة. أما من صلاهما جماعة فلا يعيدهما لما تقدم عن ابن عمر. وكذا لا يعاد الصبح ولا العصر مطلقاً، لعموم أحاديث النهى عن الصلاة بعدهما. ولا المغرب " لأن " التطوع لا يكون بوتر "ولقول" ابن عمر: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يَعُدْ لهما. أخرجه مالك والشافعى (¬2) {58} (وأجيب) (أ) عن التعليل بأنه تخصيص للنص بالرأى فلا يعول عليه. (ب) وعن قول ابن عمر بأنه معارض بحديث يزيد بن الأسود وهو صحيح كما تقدم (¬3). (قال) الشوكانى: والحديث " أى حديث يزيد " يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية ¬

(¬1) ص 189 ج 2 - نيل الأوطار (من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة). (¬2) ص 247 ج 1 - زرقانى الموطأ (إعادة الصلاة مع الإمام) وص 147 ج 1 - بدائع المنن. (¬3) رقم 182 ص 136.

التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة، للتصريح بأن ذلك كان فى صلا ة الصبح، فيكون هذا مخصصاً لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد الصبح، ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة (¬1). " تنبيه " علم أن الصلاة المعاذة نافلة والأولى هى الفرض " لقوله " صلى الله عليه وسلم فى حديث يزيد بن الأسود: فصليِّا معه فإنها لكما نافلة " ولأن " الأولى أسقطت الفرض فلا تجب ثانياً، وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة (قال) إبراهيم النخعى: إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها؟ فما صلى بعدُ فهو تطوّع، وبه قال الثورى وإسحاق وأبو حنيفة والشافعى فى الجديد وأحمد. وهو رواية عن مالك. وعليه لا ينوى الثانية فرضاً بل ينويها ظهراً معادة. وإن نواها نفلا صح (وقال) الشافعى فى القديم: فرضه إحداهما لا بعينها فالأمر مفوّض إلى الله تعالى فى أيتهما شاء الفرض. وهو المشهور عن مالك (فقد رَوى) عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال: إنى أصِّلى فى بيتى ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلى معه؟ فقال له عبد الله بن عمر نعم. فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتى. فقال ابن عمر: وذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله تعالى يجعلُ أيتَهُما شاء. {59} (وعن يحيى) بن سعيد أن رجلا سأل سعيد بن المسيَّب فقال: إن أصلى فى بيتى ثم آتى المسجدَ فأجدَ الإمامَ يُصلى أفأصِّلى معه؟ قال نعم. قال الرجل: فأيتهما صلاتى؟ فقال سعيد: أوَ أنت تجعلُها؟ إنما ذلك إلى الله أخرجهما مالك (¬2). {60} (قال) ابن حبيب: معناه أن الله تعالى يعلم التى يتقبلها منه. ¬

(¬1) ص 115 ج 2 - نيل الأوطار (الرخصة فى إعادة الجماعة). (¬2) ص 246 ج 1 - زرقانى الموطأ (إعادة الصلاة مع الإمام).

فأما على وجه الاعتداد بها فهى الأولى، وهذا يقتضى أن يصلى الصلاتين بنية الفرض. ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هى فرضه (¬1) (وتقدم) عن مالك قول آخر وهو أن الأولى فرض والثانية نفل. والقولان مبنيان عندهم على صحة رفض الصلاة بعد تمامها. وأما على القول بعدم صحته فيتعين القول الثانى (وعن سعيد) بن المسيَّب وعطاء والشعبى أن الأولى نافلة والثانية هى الفرض " لقول " يزيد بن عامر: جئتُ والنبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فجلست ولم أدخل معهم فى الصلاة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رآنى جالساً فقال: ألم تُسْلم يا يزيد؟ قلت: بلى يا رسول الله قد أسلمتُ. قال: فما منعك أن تدخل مع الناس فى صلاتهم؟ قال: إن كنت قد صليتُ فى منزلى وأنا أحسِب أنْ قد صليتم. فقال: إذا جئت إلى المسجد فوجدتَ الناس فصل معهم. وإن كنت قد صليتَ تكن لك نافلة وهذه مكتوبة. أخرجه أبو داود والبيهقى وقال: حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى (¬2). {184} (وأجاب) الجمهور بأن المعنى تكن الصلاة التى صليتها مع الجماعة زائدة فى الثواب على ثواب الفرض، وهذه الصلاة التى أديتها فى رحلك هى الفريضة، فالضمير المستتر فى تكن عائد على الصلاة مع الجماعة، واسم الإشارة عائد على الصلاة التى صلاها فى بيته. وهذا أقرب لموافقته للأحاديث، خلافاً لمن زعم أن الضمير فى تكن عائد على الصلاة فى بيته، واسم الإشارة عائد على التى صلاها مع الجماعة، فإن ظاهره يكون معارضاً للحديث المتقدم لأنه صريح فى أن صلاته فى بيته فريضة والتى صلاها مع الجماعة نافلة. وعلى ¬

(¬1) ص 246 ج 1 - زرقانى الموطأ. (¬2) ص 289 ج 4 - المنهل العذب (من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى معهم) وص 302 ج 2 - السنن الكبرى (من قال الثانية فريضة).

تسليم هذا الاحتمال فلا معارضة أيضاً لأن حديث يزيد بن عامر هذا من رواية نوح بن صعصعة وفيه مقال. فهو ضعيف "وكذا " لا حجة فى حديث ابن أبى الخريف عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى الرجل المكتوبة فى البيت ثم أدرك جماعة فليصل معهم تكون صلاته فى بيته نافلة، أخرجه الطبرانى فى الكبير " لأن " ابن أبى الخريف وأباه مجهولان، قال الهيثمى: لا أدرى من هما (¬1). {185} " وما قاله " ابن عمر مذهبه فلا يكون حجة فى مقابلة النص، فالحق ما قاله الأولون. (27) قطع الصلاة: هو حرام وواجب ومباح ومسنحب (فيحرم) قطعها بمفسد بلا عذر (ويجب) قطعها ولو فرضا لإخراج مصحف ملقى فى نجاسة، ولإحياء نفس " فمن " استغاث به ملهوف لمهم أصابه كأن تعلق به ظالم أو وقع فى ماء أو صال عليه حيوان وقدر على إنقاذه " لزمه " قطعها لذلك. وكذا لو غلب على ظنه سقوط من لا علم له كأعمى وصبى ودابة فى بئر ونحوه " ولو غلب " على ظن الأم أو القابلة موت الولد أو تلف عضو منه أو من أمه بتركه " وجب " عليها تأخير الصلاة وقطعها لو كانت فيها. (ويجب) أيضاً عند المالكية قطعها لتخليص مال يَخشى بذهابه هلاكاً أو شديد أذى، ولو كان المال قليلا وضاق الوقت، وأما إذا لم يَخش بذهاب المال هلاكاً أو شديد أذى فلا يقطعها إن كان يسيراً، ويقطعها إن كان كثيراً واتسع الوقت. والكثرة والقلة بالنسبة للمال فى حد ذاته (ويجب) قطع النافلة لإجابة أحد والديه الأعمى الأصم. وإلا خفف الصلاة وسلم ثم أجابه كما لو كان فى فرض (ويجب) قطع الفرض وقيل يندب إن تذكر يسير الفوائت وهو خمس صلوات أو أربع سواء أكان فذاً أم إماماً، ولا يقطع ¬

(¬1) ص 44 ج 2 - مجمع الزوائد (من صلى فى بيته ثم وجد الناس يصلون فى المسجد).

النافلة لذكر الفائتة اليسيرة إلا إن خشى فوات الوقت ولم يأت بركعة وإلا أتمها ولو خرج الوقت (ويجب) قطعها إن أحرم بها فى وقت حرمة، ويندب إن أحرم بها فى وقت كراهة. (وقال) الحنفيُّون وأحمد: يحرم قطع الفرض بنداء أحد أبويه إلا أن يستغيث به، لأن قطعة لا يجوز إلا لضرورة. لندائه له مع علمه بأنه فى الصلاة معصية " ولا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى " فلا تجوز إجابته. أما إذا لم يعلم أنه فى الصلاة، فإنه يجيبه وجوباً لما فى قصة جُرَيْجٍ الراهب (¬1) ودعاء أمه عليه وما ناله من العناء لعدم إجابته لها. هذا. ويفترض على المصلى ولو فرضاً إجابةُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم إذا دعاه " لحديث " أبى سعيد بنِ المُعلىَّ أن النبى صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يصلى فدعاه قال: فصليتُ ثم أتيته فقال: ما منعك أن تُجِيبنى؟ قال كنتُ أصلى. قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ¬

(¬1) وهى ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم عليهما السلام .. وصاحب جريح، الجريج رجلا عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت: يا جريج فقال: اللهم أمى وصلاتى، فأقبل على صلاته. فقالت بعد ثالث يوم فى ثالث مرة: اللهم لا تمته حتى ينتظر فى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له فلم يلتت إليها، فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه فأنزلوه من صومعته وهدموها وجعلوا يضربونه فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زينت بهذه البغى فولدت منك. فقال: أين الصبى؟ فجاءوا به فقال: دعونى حتى أصلى فصلى، فلما انصرف أتى الصبى فطعن فى بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعى. فاقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبىْ صومعتك من ذهب قال: لا. أعيدوها م لبن كما كانت ففعلوا. وبينما صبى يضع من أمه مر رجل على دابة فارهة، وشارة حسنة. فقالت المرأة: اللهم اجعل ابنى مثل هذا، فترك الثدى وأقبل ينتظر إليه وقال: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم اقبل على ثديه وجعل يرتضع (الحديث) أخرجه الشيخان. و " المومسات " جمع مومسة وهى الفاجرة " والبغى " الزانية " والفاره " الحاذق "والشارة الحسنة " جمال الظاهرة فى الهيئة والملبس ونحوهما. ص 207 ج 3 تيسير الوصول (قصة المتكلمين فى المهد).

إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الحديث أخرجه البخارى والبيهقى والدارمى وأبو داود والنسائى (¬1). {186} (واختلف) العلماء أتبطل الصلاة بإجابته صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فعند الشافعية لا تبطل إلا إذا زاد فى الجواب على المطلوب أو أجابه بغير المطلوب، كأن طلب منه القول فأجاب بالفعل. والمعتمد عند المالكية عدم البطلان. وتبطل عند الحنبلية وهو الصحيح عند الحنفيين، لأنه خطاب آدمىّ. (ويباح) قطع الصلاة عند الحنفيين والحنبلية لو خاف ضياع مال له أو لغيره ولو قليلا أو ندَّت " أى هربت " دابة، أو فار القِدْر، أو خافت امرأة تألَّم ولدها من البكاء، أو طلب منه كافر عرض الإسلام عليه، أو خاف نحو ذئب على نحو غنم، أو خاف سقوط مالا علم له كأعمى فى نحو بئر (ويباح) قطع النفل لخوف فوت صلاة جنازة. ويجوز إخراج المرأة من النفل لحق الزوج والسيد، لأنه واجب فيقدم على النفل بخلاف الفرض (ويستحب) عند الحنفيين والشافعيين قطع الفرض لإدراك الجماعة، فمن شرع فى أداء صلاة مفروضة منفرداً فأحرم الإمام بها فى محل أدائه قبل أن يسجد للركعة الأولى، استحب له قطعها عند الحنفيين بتسليمة وهو على حاله واقتدى بالإمام، لإحراز ما لم يسجد للثانية ولا يضيف للأولى ركعة، لأنه لو أضافها فى الصبح تم الفرض وتفوته الجماعة ولا يتنفل بعدها، وإن ¬

(¬1) ص 45 ج 9 - فتح البارى (فضل فاتحة الكتاب) وص 368 ج 2 - السنن الكبرى (ليس حديث ابن مسعود فى تحريم الكلام ناسخاً لحديث أبى هريرة ... ) وص 445 ج 2 - سنن الدارمى (فضل فاتحة الكتاب) وص 105 ج 8 - المنهل العذب (فى فاتحة الكتاب) وص 85 ج 1 - تيسير الوصول (فاتحة الكتاب) و (استجيبوا) أى أجيبوا الله ورسوله بالطاعة فالسين والتاء زائدتان للتأكيد. و (إذا دعاكم .. ) أى طلبكم لما فيه حياتكم الأبدية من الإيمان والسمع والطاعة. وأفراد الضمير فى دعا، للإشارة إلى أن دعوة الرسول فى الحقيقة هى دعوة الله تعالى.

أضافها فى المغرب كان كمن أتمها، لأن للأكثر حكم الكل فتفوته الجماعة ولا يتنفل بها مع الإمام، لكراهة النفل بالوتر. وإن سجد للثانية فيهما أتم ولا يقتدى، لما تقدم. فإن اقتدى فى المغرب بعد أن صلاها، صلى أربعاً لكراهة التنفل بالوتر تحريماً. ومخالفة الإمام مشروعة فى الجملة كالمسبوق فيما يقضى والمقتدى المسافر. وإن سجد للأولى فى رباعى، ضم ركعة ثانية وجوباً وتشهد وسلم صيانة للصلاة عن البطلان ثم اقتدى. وإن صلىَّ ثلاثاً من الرباعية ثم أحرم بها الإمام أنمها منفرداً وجوباً، لأن للأكثر حكم الكل (وعن محمد) يتمها جالساً لتنقلب نفلا ثم يقتدى بالإمام متنفلا لإحراز فضل الجماعة إلا فى العصر للنهى عن التنفل بعده " ولا يرد " أن التنفل بجماعة مكروه فى غير رمضان " لأن محله " إذا كان الكل متطوعاً. أما إذا كان الإمام مفترضاً والقوم متنفلين فلا، لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن صليا فى رحلهما: إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة (¬1). وهذا مذهب الحنفيين (وحاصله) أن من شرع فى فرض فأقيم قبل أن يسجد للأولى قطع واقتضى " فان سجد " لها فى رباعى أتم شفعا واقتدى ما لم يسجد للثالثة. فإن سجد لها أتم واقتدى متنفلا إلا فى العصر " وإن سجد للأولى " فى غير رباعى قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية. فإن سجد لها أتم ولم يقتد. (قالت) الشافعية: من شرع فى فرض الوقت منفرداً ثم أحرم به الإمام، استحب له إتمام ما نوى ركعتين إن لم يخف فوت الجماعة ويكونان له نافلة ثم يدخل مع الإمام. فإن خاف فوت الجماعة، استحب له قطع ما نوى ودخل مع الجماعة. ويجوز له الدخول مع الجماعة على حاله بلا قطع وهو قول للحنبلية. ¬

(¬1) تقدم رقم 182 ص 136 (إعادة الصلاة).

(قال) النووى: ويستدل للصحة بحديث سهل بن سعد (¬1) أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بنى عَمرو بن عوف فحضرت الصلاةُ قبل مجئ النبى صلى الله عليه وسلم فقدّموا أبا بكر رضى الله عنه ليصلىَ ثم جاء النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهم فى الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة. فصار أبو بكر مقتدياً فى أثناء صلاته (¬2) (وأجاب) الجمهور عن هذا الحديث بأنه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن عبد البر (وردّ) بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل عليها هنا (والمشهور) عند الحنبلية أنه إذا شرع فى فرض الوقت ثم أقيمت الصلاة، قطع الصلاة ودخل مع الإمام " قال " ابن قدامة: قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة: سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم (¬3). (وقالت) المالكية: إذا شرع فى نفل أو فرض فأحرم الإمام وجب قطع ما شرع فيه بسلام أو كلام ودخل مع الإمام إن خشى فوات الركعة الأولى ¬

(¬1) حديث سهل بن سعد هو ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب على بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال: أتصلى بالناس فأقيم؟ قال: نعم. فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فى الصلاة فتخلص " أى شق صلى الله عليه وسلم الصفوف " حتى وقف فى الصف " المقدم ". فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت فى الصلاة. فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأجر أبو بكر حتى استوى فى الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى. فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تلبث إذ أمرتك؟ قال أبو بكر: ما كان لابن أبى قحافة أن يصلى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالى رأيتكم أكثر تم من التصفيح؟ من نابه شئ فى صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإن التفصيح للنساء. أخرجه الشيخان وأبو داود. وص 114 ج 2 فتح البارى (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام فتأخر الأول .. ). وص 144، 145 ج 4 نووى مسلم (تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام .. ) وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة). (¬2) ص 29 ج 4 شرح المهذب .. (¬3) ص 62 ج 2 مغنى (نية الإمامة فى أثناء الصلاة).

معه. وإن لم يخش فواتها أتم النافلة وكذا الفريضة إن كانت غير المقامة، أما إن كانت هى المقامة وعقد منها ركعة ضم إليها أخرى وانصرف واقتدى بالإمام فى غير المغرب والصبح. وإن لم يعقد منها ركعة أو كانت مغرياً أو صبحاً، قطعها فى الحال ودخل مع الإمام. وإن أتم الركعة الثانية من الصبح والمغرب والثالثة من الرباعية، أتم فرضه وحده ثم دخل مع الإمام فى غير المغرب متنفلا. أما فى المغرب فيلزمه الخروج من المسجد ولا يعيدها مع الإمام، لعدم مشروعية التنفل بالوتر. ويباح عندهم قطع الصلاة لمن أدرك أقل من ركعة مع الجماعة إن رجا جماعة أخرى وإلا لا يقطع. (28) الاستخلاف: هو إنابة الإمام أو غيره من المقتدين من كان صالحاً للإمامة لإتمام الصلاة إذا طرأ على الإمام عذر. فإذا طرأ عليه عذر لا يتمكن معه من إتمام الصلاة، استحب له- عند الحنفيين والثورى والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد فى المشهور عنه - أن يستخلف من هو صالح للإمامة بأن يشير إليه أو يجره إلى مكانه ليتم الصلاة بالقوم " لقول " عمرو ابن ميمون: إنى لقائم ما بينى وبينه يعنى عمر إلا عبدُ الله بن عباس رضى الله عنهما غداة أصيبَ وكان إذا مرّ بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا قال: استووا حتى إذا لم ير خلَلا تقدم فكبرّ، فربما قرأ سورةَ يوسفَ أو النحلِ أو نحوَ ذلك فى الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر فسمعته يقول: قتلنى أو أكلنى الكلب حين طعنه فطار العِلْج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً ولا شمالا إلا طعنه حتى طعنَ ثلاثةَ عشر رجلا فمات منهم تسعة. وفى رواية سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمرُ رضى الله عنه عبدَ الرحمن بن عوف فقدّمه. فأما من كان يلى عمر فقد رأى الذى رأيتُ.

وأما نواحى المسجد فإنهم لا يدرون ما الأمر؟ غير أنهم فقدوا صوتَ عمر وهو يقول: سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة (الأثر) أخرجه البخارى (¬1). { 61} " ولقول " ابن رزين: صلى على رضى الله عند ذاتَ يوم فرعَفَ فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف. أخرجه سعيد بن منصور (¬2) {62} فقد دل هذان الأثران على أنه يجوز للإمام استخلاف غيره عند طَروِّ هذر يقتضى ذلك، لإقرار الصحابة عمر وعليا عى ذلك، فكان إجماعاً، وعن أحمد قول بالتخيير (قال) ابن تيمية: وقال أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمامُ فقد استخلف عمر وعلىّ وإن صلوا وحدانا فقد طُعن معاوية وصلى الناس وُحدانا من حيث طُعِن أتموا صلاتهم (¬3) وإن لم يستخلف الإمامُ أحداً فتقدم رجل بنفسه أو قدَّم القومُ واحداً جاز اتفاقاً غير أن الحنفّيين اشترطوا أن يقوم الخليفة مطلقاً مقام الأول قبل خروجه م المسجد وإلا فسدت صلاة المأمومين (واختلف) العلماء فى حكم الاستخلاف وسببه وثمرته (فحكمه) عند الحنفيين الجواز إلا إذا ضاق الوقت فيكون ¬

(¬1) ص 334 ج 1 تيسير الوصول (ذكر الخلفاء الراشدين .. ) و (حين طعنه) وفى رواة: فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات. و (العلج) بكسر فسكون الرجل الضخم الشديد. وهو فيروز أبو لؤلؤة المذكور. وسبب فعلته الشنعاء أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذى ضربه عيه المغيرة فقال عمر: كم خراجك؟ قال: درهمان فى كل يوم فقال عمر: وما صناعتك؟ قال نحات نقاش حداد. قال: فما أرى خراجك بكثير فى جنب ما تعمل .. فقال: وسع عدلك الناس غيرى فانصرف ساخطاً. ثم قال عمر: ألم تقل لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فقال لعمر: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فقال عمر: توعدنى العبد فاصطنع له الغلام خنجراً ذا حدين وسه ثم تحين خروج عمر لصلاة الصبح وقام وراءه فلما كبر عمر طعنه الغلام فى كتفه وخاصرته فسقط رحمه الله. و (البرنس) بضم فسكون فضم، قلنسوة طويلة لثوب رأسه منه ملتزق به. (¬2) ص 215 ج 3 - نيل الأوطار (فرعف) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة. والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف. (¬3) ص 215 ج 3 - نيل الأوطار (فرعف) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة. والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف.

واجباً (وسببه) أن يعرض للإمام حدث اضطرارى لا اختيار للعبد فيه ولا فى سببه موجب للوضوء، وغير نادر الوقوع كإغماء وقهقهة. فمن طرأ عليه ذلك استخلف وانصرف فوراً وتوضأ وبنى على صلاته إن لم يأت بمناف لها. وهذا رواية عن أحمد " لحديث " إسماعيل بن عياش عن ابن جُريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى، فلينصرف، فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم. أخرجه ابن ماجه وكذا الدار قطنى بلفظ: ثم ليبن على صلاته ما لم يتكلم (¬1). { 187} وإسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره (وقال) عمر بن رَباح: حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رَعَفَ فى صلاته توضأ ثم بنى على ما بقى من صلاته. أخرجه الدار قطنى وقال: عمر بن رباح متروك (¬2). {188} (وعن أبى حنيفة) عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يَسْبِقه الحدثُ فى الصلاة: إنه ينصرف فيتوضأ، فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم اعْتَدَّ بما مضى وصلى ما بقى، وقال إبراهيم: يتكلم ويستقبل الصلاة أحبُّ إلىّ. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬3). {63} (وعن أبى حنيفة) عن عبد الملك ابن عُمَير عن عْبَدِ بنِ صُبيح أن رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحدث خلف عثمان بن فان فى الصلاة فَانْفَتَل فتوضأ ثم أقبل وهو حاسِر عن ذراعه وهو يقول (وَلَمْ يُصِرُّوا وَعَلَى مَا فَعَلُوا وهُم يَعْلَمُونَ) ¬

(¬1) ص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى البناء على الصلاة) و 56 سنن الدار قطنى (الوضوء من الخارج من البدن ... ) و (القلس) بفتحتين طعان أو شراب يخرج إلى الفم. (¬2) ص 57 سنن الدار قطنى. (¬3) رقم 192 ص 37 - الآثار (الحدث فى الصلاة).

فاعتدْ بما مضى وصلى ما بقى. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬1). {64} (ويشترط) لصحة الاستخلاف عند الحنفيين ثلاثة شروط: (الأول) أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة فلو كان أمياً (¬2) أو صبياً بطلت صلاة الجميع (الثانى) ألا يجاوز الإمام الصفوف فى الصحراء، وألا يخرج من المسجد إن كان فيه قبل الاستخلاف، وإلا لم يصح الاستخلاف منه ولا من القوم لبطلان صلاة الجميع بمجاوزته الصفوف أو خروجه من المسجد. (الثالث) تحقق شروط البناء على ما سبق من الصلاة وهى شعرة. (1) أن يكون الحدث قهرياً، ليس للعبد فيه ولا فى سببه اختيار. فلا يبنى من تعمد الحدَث اتفاقاً، وكذا من وقع عليه نحو طوبة فشجته خلافاً لأبى يوسف (2، 3) أن يكون موجباً للوضوء فقط، غير نادر الوقوع فلا يبنى من نام فاحتلم فى الصلاة، ولا من أغمى عليه فيها أو قهقه. (4) أن ينصر فوراً إلا لعذر. فلو مكث قدر أداء ركن بلا عذر لا يبنى، ولو مكث لعذر كنوم أو زحمة بنى (5، 6) ألا يفعل منافياً للصلاة وماله منه بد. فلو أحدَث عمداً أو ذهب إلى الوضوء من طريق بعيد ل يبنى. (7، 8) ألا يؤدى ركناً مع الحدث أو ماشياً. فلو سبقه فى سجوده فرفع رأسه بقصد الأداء أو قرأ بعد الوضوء ماشياً لا يبنى (9) ألا يتذكر فائنة وهو ذو ترتيب. (10) ألا يتبين أنه كان محدَثاً قبل الدخول فى الصلاة. (فإن) كان من سبقه الحدث إماماً أو مأموماً ذهب وتوضأ وعاد حتماً إن لم يكن إمامه قد فرغ وإلا خير بين العود والإتمام فى مكان الوضوء. وإن ¬

(¬1) رقم 193 ص 38 - الآثار (فانفتل) أى انصرف. و (حاسر) أى كاشف ذراعه يقال: حسره يحسره من باب ضرب أي كشفه. (¬2) الأمى من لا يحسن ما تصح به الصلاة على ما تقدم تفصيله فى إمامه الأمى ص 57 (الخامس كون الإمام قارئاً).

كان منفرداً خُيرَ بعد الوضوء بين العود والإتمام فى مكانه. والأفضل له الإستئناف بخلاف الإمام والمأموم فإن الأفضل لهما البناء، لما فيه من إتمام الصلاة على وجه أكمل (وإن سبقه) الحدث ولم يبق عليه من أعمال الصلاة سوى السلام توضأ فوراً وسلم لبقاء واجب السلام (¬1). (وقالت) المالكية والشافعية: من سبقه الحدَث بطلت صلاته ويستأنفها ولا يبنى وهو مشهور مذهب أحمد. وبه قال الحسن وعطاء والنخعى ومكحول " لقول " على بن طلق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فَسَا أحدكم فى الصلاة فلينصرف فليتوضأ ولْيُعِدِ الصلاة. أخرجه أبو داود والدار قطنى والبيهقى وابن حبان وقال: لم يقل: وليعد الصلاة إلا جرير (¬2). {189} (وقال) البيهقى فى باب إقرار الوارث بوارث: نُسب جرير بن عبد الحميد إلى سوء الحفظ فى آخر عمره، وقال ابن حنبل: لم يكن بالذكى فى الحديث (¬3) وفى سنده أيضاً مسلم بن سلام الحنفى مجهول الحال، ولذا قال ابن القطان: هذا حديث لا يصح (¬4) وعلى فرض صحته فهو محمول على من تعمد الحدَث جمعاً بين الأدلة. هذا وأسباب الاستخلاف عند الملالكية ثلاثة: (الأول) الخوف على مال للإمام أو غيره أو على نفْس من التلف لو استمر فى صلاته. فإن خاف ما ذكر لزمه قطع الصلاة، وندب له أن يستخلف من يتمم الصلاة. ¬

(¬1) أما إن تعمد الحدث فى هذه الحالة، فقد تمت صلاته، لخروجه بصنعه وتعذر البناء لوجود القاطع، لكن يلزمه الإعادة لترك واجب السلام. وإذا حصل قبل القعود الأخير بصنعه ما يمنع البناء، بطلت الصلاة عند الحنفيين. وإن حصل بعد القعود وقبل السلام لا تبطل عند الصاحبين، وتبطل عند الإمام، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما فرض عنده، وتمامه فى شرح المنحة. (¬2) ص 255 ج 2 وص 123 ج 6 - المنهل العذب (من يحدث فى الصلاة) وص 56 سنن الدار قطنى. وص 255 ج 2 - السنن الكبرى (من أحدث فى صلاته). (¬3) ص 254 منه الجوهر النقى. (¬4) ص 62 ج 2 نصب الراية (الحدث فى الصلاة).

(الثانى) أن يطرأ عليه ما يمنعه من الإمامة كالعجز عن الركوع أو القراءة، فيندب له الاستخلاف ويلزمه أن يتأخر مأموماً. فإن أتم صلاته وحده بطلت. (الثالث) أن يتحقق بطلان صلاته " بسبق " حدَث أو حصول رُعاف يوجب القطع " أو تَذكر " أنه كان محدثاً قبل الدخول فى الصلاة فتبطل صلاته ويندب له الاستخلاف. فإن انصرف بلا استخلاف ندب للقوم أن يستخلفوا من يُتم بهم، ولهم أن يتموا صلاتهم فرادى فى غير الجمعة (وسببه) عند الشافعية خروج الإمام عن الإمامة بتعمد حدَث أو سبقه أو تبين أنه كان محدثاً قبل دخول الصلاة، فتبطل صلاة الإمام ويندب له أن يستخلف من يتم بالقوم إلا فى الركعة الأولى من الجمعة فإنه واجب. وحينئذ يشترط أن يكون الخليفة مقتدياً بالإمام، وأن يكون الاستخلاف عن قرب بأن لا يمضى زمن قبل الاستخلاف بسع ركناً من أركان الصلاة. فإن كان الخليفة فيها قد أدرك الركعة الأولى تمت الجمعة للكل. وإن لم يدرك ركعة تمت للمقتدين لا له فيتمها ظهراً. ولا يشترط لصحة الاستخلاف فى غير الجمعة شئ سوى أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة. وللإمام أن يستخلف بلا سبب. وللقوم أن يقدّموا واحداً صالحاً للإمامة. وله أن يتقدم بنفسه (وسببه) عند الحنبلية طروُّ عذر للإمام فى أثناء الصلاة كمرض شديد أو عجز عن ركن قولى كقراءة الفاتحة، أو واجب كتسبيح الركوع والسجود فله حينئذ استخلاف آخر وإن لم يكن مقتدياً ليتم بهم الصلاة. وإن لم يستخلف فلهم أن يستخلفوا بدله أو يتموها فرادى. هذا. ولو استخلف الإمام مسبوقاً صح اتفاقاً، ويشير الإمام لبقاء ركعة بأصبع وبأصبعين لركعتين، ويمشى الخليفة على نَظْمِ صلاة الإمام. فإن أتم صلاة الإمام قدّم واحداً ممن كان مع الإمام من أول الصلاة ليسلم بهم ثم

(الثالث) ما يباح فى الصلاة

يقضى هو ما فاته عند الحنفيين (وقالت) المالكية: يشير لهم بالانتظار ويقوم لقضاء ما فاته ثم يسلم بهم. فإن سلموا ولم ينتظروه بطلت صلاتهم. (وقالت) الشافعية والحنبلية: يستخلف من يسلم بهم، فإن لم يفعل فلهم أن يسلموا لأنفسهم وأن ينتظروه جلوساً حتى يُتم صلاته ويسلِّم بهم. (الثالث) ما يباح فى الصلاة يباح فيها أمور قد يظن أن بعضها ممنوع. المذكور منها هنا أربعة عشر. (1) يجوز البكاء فى الصلاة خوفاً من الله تعال، أو لتذكر الجنة أو النار ولا يبطلها ولو كان بصوت عند الحنفيين ومالك وأحمد " لحديث " مُطرّفٍ عن أبيه عبد الله بن الشِّخير قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى ولصدره أزيز كأزيز الْمِرْجَلِ من البكاء .. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه الترمذى وابن حبان وابن خزيمة (¬1). {190} وفى رواية أبى داود كأزيز الرحا، يعنى الطاحون والمعنى أنه يجيش جوفه ويغلى من البكاء خوفاً من الله عز وجل " ولحديث " عائشةَ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الذى تُوفِّىَ فيه: مُروا أبا بكر فلْيُصَل بالناس فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمْعه، وإنه إذا قرا القرآن بكى (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى (¬2). {191} وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أخْيِرَ أن أبا بكر إذا قرأ غلبه البكاء فصمم على استخلافه، وكذا لا تبطل عند الشافعية إن لم يظهر منه حرفان، فإن ¬

(¬1) ص 25 ج 4 مسند أحمد (حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه) وص 353 ج 5 - المنهل العذب (البكاء فى الصلاة) وص 179 ج 1 مجتبى. و (الأزيز) صوت القدر عند غليان الماء. و (المرجل) كمنبر، القدر يطبخ فيه. (¬2) ص 34 ج 6 مسند أحمد (حديث السيدة عائشة رضى الله عنها) وص 140 ج 4 نووى مسلم (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ... )

ظهرا أبطل البكاء الصلاة مطلقاً. أما البكاء لوجع أو مصيبة فإن ظهر منه حرفان فأكثر بطلت الصلاة وإلا فلا عند الحنفيين. (وقالت) المالكية: إن كان بلا صوت أو لوجع فلا بأس. وإن كان لغير وجع وبصوت فكالكلام، فإن كان عمداً أبطل قليله وكثيره. وإن كان سهواً أبطل كثيره دون يسيره، وكذا التنهُّد إن كان غلبة، وإن كان عمداً أو جهلا فمبطل. وإن كان سهواً سجد غير المأموم. (وقالت) الحنبلية: البكاء لغير خوف الله إن ظهر منه حرفان أبطل الصلاة ما لم يكن غلبة. (2) ويجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الأسودين فى الصلاة الحية والعقربَ. أخرجه أحمد والثلاثة وابن حان والحاكم وصححه. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬1). {192} ومثلهما فى ذلك كل مؤذ. وقيل يجب القتل عملا بأصل الأمر. والجمهور على الأول (فعند) الحنبلية وبعض الحنفية يجوز قتلهما فى الصلاة بلا كراهة ولو بعمل كثير " أما حديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كفاك للحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها " فقد " أخرجه البيهقى {193} وقال: وهذا إن صح فإنما أراد " والله أعلم " وقوع الكفاية بها فى الإتيان بالمأموم به ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة، بل المراد إذا امتنعت بنفسها حين أخطأتها الضربة فلا داعى لضربها ثانياً (¬2) (وقالت) المالكية: يجوز للمصلى قتلهما إذا قصدا أذاه وإلا كره القتل فى الصلاة. وهو رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة (وقالت) الشافعية وبعض الحنفية: ¬

(¬1) ص 113 ج 4 - الفتح الربانى. وص 178 ج 1 مجتبى (قتل الحية والعقرب فى الصلاة) ولفظهما: أمر بقتل الأسودين. وص 18 ج 6 - المنهل العذب (العمل فى الصلاة) وص 301 ج 1 تحفة الأحوذى (قتل الأسودين فى الصلاة) وتسميتهما بالأسودين من باب التغليب، وإلا فالمسمى بالأسود هو الحية فقط. والمراد الحية والعقرب ولو غير أسودين. (¬2) ص 266 ج 2 - السنن الكبرى (قتل الحية والعقرب فى الصلاة).

يجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة وتبطل به إن أدى إلى مشى أو عمل كثير وإلا فلا (قال) العلاقة الحلبى: ولا بأس بقتل الحية والعقرب فى الصلاة إذا لم يحتج إلى المشى الكثير كثلاث خطوات متواليات، ولا إلى المعالجة الكثيرة كثلاث ضربات متواليات، فإن احتاج إلى ذلك فمشى وعالج تفسد صلاته، لأنه عمل كثير. ذكره شمس الأئمة السرخسى فى المبسوط ثم قال: الأظهر أنه لا تفصيل فيه، لأنه رخصة كالمشى فى سبق الحدث والاستقاء من البئر والتوضى، ويؤيده إطلاق الحديث. واعترض عليه بأنه يلزمه مثله فى علاج المارّ بين يدى المصلى إذا حصل فيه عمل كثير، فإنه مأمور به بالنص مع أنه مفسد عند الكل. فالحق فيما يظهر هو الفساد. والأمر بالقتال أو القتل لا يستلزم صحة الصلاة مع وجوده كما فى صلاة الخوف، فإن المشى فيها والقتال مفسد مع الأمر به عند الحاجة، بل الأمر فى مثله لإباحة مباشرته وعدم الإثم به وإن كان مفسداً للصلاة، كما يباح قطعها لإغاثة ملهوف أو تخليص أحد من سبب هلاك، وكذا إذا خاف ضياع ما قيمته درهم له أو لغيره (¬1). (قال) الترمذى: وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب فى الصلاة قال إبراهيم (يعنى النخعى) إن فى الصلاة لشغلا (¬2) وهذا عجز حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن مسعود (¬3). {194} (وأجيب) بأن حديث الأمر بقتلهما خاص فلا يعارضه هذا ونحوه من العمومات بل هو يخصها. ¬

(¬1) ص 354 غنية المتملى (ما يكره فى الصلاة وما يكره). (¬2) ص 302 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬3) ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. ص 47 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة) وص 20 ج 6 المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة).

(3) ويجوز المشى اليسير فى الصلاة لحاجة سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلا " لقول " عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى والباب عليه مُغْلَق، فجئتُ فاستفتحتُ فمشى ففتح لى ثم رجع إلىُ مَصّلاه ووصَفتْ أن الباب فى القبلة. أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى (¬1). {195} ولقول أزرقَ بنِ قيس: كان أبو بَرْزَةَ الأسْلمّى بالأهواز على حرْف نهر وقد عل اللجام فى يده وجعل يصلى فجعلت الدابة تنكُص وجعل يتأخر معها فقال رجل من الخوارج: اللهم أخز هذا الشيخَ كيف يُصلى؟ فلما صلى قال: قد سمعتُ مقالَتكم غزوتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ستا أو سبْعاً أو ثمانياً فشهدت أمره وتيسيرَه، فكان رجوعى مع دابتى أهونَ علىَّ مِنْ تركها فتنزع إلى مألفهِا فيشُقُّ علىَّ. وصلى أبو برَزة العصر ركعتين. أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى (¬2). {196} (ففى) هذين الحديثين دلالة على جواز الفعل الخارج عن الصلاة فيها لحاجة. ومنه المشى إلى جهة القبلة (قال) ابن الملك: مشيُه صلى الله عليه وسلم وفتحه الباب ثم رجوعه إلى الصلاة، يدل على أن الفعال الكثيرة لا تبطل الصلاة وإليه ذهب بعضهم قال القارئ: وهو ليس بمعتمد فى المذهب (وما قاله) ابن رسلان من أن هذا المشى محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقاً (مردود) لأنه تقييد للحديث ¬

(¬1) ص 113 ج 4 الفتح الربانى. وص 19 ج 6 المنهل العذب (العمل فى الصلاة) وص 411 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يجوز من المشى والعمل فى صلاة التطوع). (¬2) ص 114 ج 4 - الفتح الربانى. وص 52، 53 ج 3 فتح البارى (إذا انفلتت الدابة فى الصلاة) وص 66 ج 2 - السنن الكبرى (من تقدم أو تأخر فى صلاته .. ) و (الأهواز) بفتح فسكون بلاد واسعة بين البصرة وفارس فتحت فى خلافه عمر رضى الله عنه. و (تنكص) كتقعد أى تتأخر. و (تنزع) كتضرب أى تذهب إلى المكان الذى ألفته من قبل. و (صلى ركعتين) لأنه كان مسافراً.

بالمذهب، ولا يخفى فساده (¬1) (وقال) العلامة الحلبى: فالحاصل أن المشى إذا كان بعذر لا يُفسد ولا يكره. وإن كان بغير عذر فإن كان ثلاث خطوات متواليات يفسد، وإلا يكره فقط (¬2) (وقال) الحافظ: قد أجمع الفقهاء على أن المشى الكثير فى الصلاة يبطلها فيحمل حديث أبى بَرْزة على القليل (¬3) (وقال) النووى: الفعل الذى ليس من جنس الصلاة وإن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها. واختلفوا فى ضبط القليل والكثير. والصحيح المشهور أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما بعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مارّ وذلك البصاق فى ثوبه ونحوها. وأما ما يعده الناس كثيراً كخطوات كثيرة متوالية وأفعال متتابعة، فيبطل الصلاة (¬4). (4) ويجوز لمن عطس فى الصلاة حمدُ الله تعالى " لقول " رفاعة بن رافع: صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم فعطستُ فقلتُ: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبّ ربنا ويَرضى. فلما سلم النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنِ المتكلمُ فى الصلاة؟ فلم يتكلمْ أحد، ثم قالها فقلت: أنا يا رسولَ الله، فقال والذى نفسى بيده لقد ابتدرَها بِضع وثلاثون ملَكاً أيهم يصعَد بها. أخرجه النسائى والترمذى وحسنه (¬5). {197} ¬

(¬1) ص 19 ج 6 - المنهل العذب. وقال فى شرح الترمذى: وما قال ابن الملك هو ظاهر الحديث، لكن فى صلاة التطوع عند الحاجة. وهو الراجح المعتمد المعول عليه وإن لم يكن معتمداً فى المذهب الحنفى. وص 412 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 353 غنية المتملى. (¬3) ص 53 ج 3 فتح البارى. (¬4) ص 93 ج 4 شرح المهذب (من عمل فى الصلاة ما ليس من جنسها). (¬5) 147 ج 1 مجتبى (قول المأموم إذا عطس خلف الإمام) وص 312 ج 1 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الرجل يعطس فى الصلاة). و (عطس) من باب ضرب و (ابتدرها) أى أسرع إليها. و (بضع) بكسر أو فتح فسكون، وهو العدد من الثلاثة إلى التسعة، وقيل من الأربعة يستوى فى المذكر والمؤنث.

(5) ويباح حمل الصبى فى الصلاة وتعلقه بالمصلى " لحديث " عبد الله بن شدادِ بنِ الهادِ عن أبيه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إحْدى صلاتى العَشِىّ الظهر أو العصر وهو حاملٌ الحسنَ أو الحُسَين فتقدم النبى صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضَعه ثم كبَّر للصلاة فسجد فصلى بين ظهرانىْ صلاته سجدةً أطالها فقال: إنى رفعتُ رأسى فإذا الصبىُّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعتُ فى سجودى، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهرانى الصلاةِ سجدةً قد أطلتها، فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه قد يوُحَى إليك. فقال: كلّ ذلك لم يكنْ ولكن ابنى ارتحلنى فكرهت أن أعْجِلَهُ حتى يقضىَ حاجته. أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (¬1). {198} " ولقول " أبى قتادة: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ وأمامه بنت أبى العاص وهى ابنة زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها. أخرجه الشافعى ومسلم والنسائى (¬2). {199} "وعنه " أيضاُ قال: بينما نحن ننتظر رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلالٌ للصلاة، إذْ خرج إلينا وأمامةَ بنتُ أبى العاص بنتُ ابنته على عنقِه، فقام صلى الله عليه وآله وسلم فى مصلاه وقمنا خلفه وهى فى مكانها، فكبَّر وكبَّرنا، حتى إذا أراد صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 118 ج 4 - الفتح الربانى (حمل الصغير فى الصلاة) و (ظهرانى الصلاة) وسطها و (قال) أى شداد (رفعت رأسى) ظناً منى أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من السجدة ولم أشعر. و (ارتحلنى) أى جعلنى كالراحلة فركب على ظهرى. (¬2) ص 96 ج 1 بدائع المنن وص 31 ج 5 نووى مسلم (جواز حمل الصبيان فى الصلاة) وص 132 ج 1 مجتبى (ما يجوز للإمام من العمل فى الصلاة).

أن يركعَ أخذَها فوضعها ثم ركعَ وسجَد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها فى مكانها. فما زال يصنع بها ذلك فى كل ركعة حتى فرغ من صلاته. أخرجه أبو داود (¬1). {200} وهذا صريح فى أن فعل الحمل والوضع كان منه صلى الله عليه وسلم لا منها. وهو يرد قول الخطابى: يشبه أن تكون الصبية قد ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه التزمته فينهض من سجود فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها (¬2). ففى هذه الأحاديث (أ) دلالة على أن مثل هذا العلم معفوٌّ عنه فى الصلاة لكل صلّ ولو كان إماماً فى فرض. وبه قال الجمهور (قال) القرطبى: وقد اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث، والذى أحوجهم إلى ذلك أنه علم كثير. فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان فى النافلة واستعبده المازِرى وعياض وابنُ القاسم (قال) المازرى: إمامته بالناس فى النافلة ليست بمعهودة. وأصرح من هذا ما أخرجه أب داود بلفظ: بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلال على الصلاة، إذ خرج علينا وأمامةٌ على عنقه فقام فى مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهى فى مكانها (وروى) أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها (وقال) بعض أصحابه لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغله بحملها (وفرّق) بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة (وقال) الباجى: إن وجَد من يكفيه أمرها جاز فى النافلة دون الفريضة. وإن لم يجد جاز فيهما (وقال) ابن عبد البرّ: لعلّ الحديث منسوخ بتحريم العمل ¬

(¬1) ص 15 ج 6 - المنهل العذب (العمل فى الصلاة). (¬2) ص 394 ج 1 فتح البارى (الشرح - إذا حمل جارية .. فى الصلاة).

والاشتغال فى الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن القضية كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم " إن فى الصلاة لشغلا، لأن ذلك كان قبل الهجرة. وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعاً. (وذكر) القاضى عياض عن بعضهم: أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم (ورُدّ) بأن الأصل عدم الاختصاص (¬1) (قال) النووى بعد أن ذكر هذه التأويلات: وكل ذلك دعاوٍ باطلة مردودة لا دليل عليها لأن الآدمى طاهر وما فى جوفه معفوّ عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة. والأعمال فى الصلاة لا تبطلها إذا قلّت أو تفرّقت. ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك. وإنما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز (¬2) (وقال) الحافظ: وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة فى أركان صلاته صلى الله عليه سلم (¬3) (ب) فيها دلالة أيضاً على جواز إدخال الصبيان المساجد (¬4). " ولا ينافى " هذا (حديث) مكحول عن معاذِ بنِ جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جَنِّبُوا مساجدَكم صبيانكم وخصوماتِكم وحدودكم وشراءكم وبيعَكم، وجمِّرُوها يوم جمعِكُم، واجعلوا على أبوابها مطاهرَكم. أخرجه الطبرانى فى الكبير. ومكحول لم يسمع من معاذ (¬5). {201} (ولا حديث) وائلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: جنبوا ¬

(¬1) ملخص من فتح البارى ص 394، 395 ج 1. (¬2) ص 32 ج 5 - شرح مسلم (جوز حمل الصبيان فى الصلاة). (¬3) ص 395 ج 1 فتح البارى. (¬4) وهذه الأحاديث تصلح أن تكون دليلا للمالكية الذين يقولون بسنية إزالة النجاسة لا بوجوبها، إذا يبعد كل البعد أن تخلو أمامة وهى صغيرة عن نجاسة، سيما وأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن تبول أو تتبرز. فإذا كانت النجاسة مبطلة للصلاة لاستحال أن يستمر صلى الله عليه وسلم فى عبادة فاسدة. (¬5) ص 26 ج 2 مجمع الزوائد (فى كرامة المساجد وما نهى عن فعله فيها .. ) و (جمروها) أى بخروها. (والمطاهر) جمع مطهرة. وهى أوانى الطهارة.

مساجدَكم صبيانكم ومجانينَكم وشراءكم وبيعَكم وخصوماِتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجَمَّروها فى الجمع. أخرجه ابن ماجه. وفى سنده الحارث ابن نبهان ومتفق على ضعفه (¬1). {202} " فإن الأمر " بالتجنيب فى هذين الحديثين محمول على الندب، بخلاف ما وقع من النبى صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين وأمامة، فإنه محمول على بيان الجواز ويأتى بيان المذاهب فى هذا (¬2). (6) وتجوز الصلاة بجنب الخائض " لقول " عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مِرْط وعليه بعضه. أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه (¬3). {203} " ولحديث " عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الخُمرة فيسجد فيصيبنى ثوبه وأنا على جنبه وأنا حائض. أخرجه السبعة إلا الترمذى. وهذا لفظ أحمد (¬4). {204} (وفيه) دلالة على أن وقوف المرأة بجنب المصلى لا يبطل صلاته. وهو مذهب الجمهور. وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعاً يُرى فيه أثر الدم أم النجاسة " وهذا " لا ينافى ندب تجنب ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة ¬

(¬1) ص 131 ج 1 - سنن ابن ماجه (ما يكره فى المساجد). (¬2) يأتى فى الأمر الثامن مما تصان عنه المساجد. (¬3) ص 241 ج 3 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) أى فى جواز الصلاة فى ثياب النساء. وص 125 ج 1 - مجتبى (صلاة الرجل فى ثوبه بعضه على امرأته) وص 116 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى ثوب الحائض) و (المرط) بكسر فسكون، كساء من صوف أو خز أو غيره، والمراد هان ما كان من شعر، ففى الصحيح: فى مرط من شعر أسود. (¬4) ص 111 ج 3 - الفتح الربانى. وص 395 ج 1 فتح البارى (إذا صلى إلى فراش فيه حائض) وص 164 ج 5 - نووى مسلم (الجماعة فى النافلة والصلاة على حصير وخمرة .. ) وص 240 ج 3 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) وص 116 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى ثوب الحائض) و (الخمرة) بضم فسكون، السجادة يصلى عليها.

" لقول " عائشة رضى الله عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى فى شُعُرنا. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه، ولفظه: لا يصلى فى لحُف نسائه (¬1). {205} (وهو) يدل على مشروعية تجنب المصلى ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة، وكذلك سائر الثياب التى تكون كذلك (وفيه) أيضاً أن الاحتياط والأخذ باليقين مشروع. وأن ترك المشكوك فيه على المتيقن المعلوم جائز. وليس من الوسواس. وهذا " لا ينافى " ما يأتى من أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل يصلى الرجل فى الثوب الذى يأتى فيه أهله؟ فقال نعم إلا أن يرى فيه شيئاً فيغسله (¬2) " فإن ما هنا " محمول على الاحتياط. وما تقدم محمول على الجواز. (7) - وتجوز الصلاة فى النعلين والخفين الطاهرين " لقول " أبى مَسْلمة سعيد بن يزيد: سألت أنساً: أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه؟ قال نعم. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى، وقال: حسن صحيح (¬3). {206} " ولقول " أبى سعيد الخدرى: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذْ خَلعَ نعْليه فوضعَهما عن يساره، فلما رأى القومُ ذلك ألقوا نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال: ما حملَكم على إلقائكم ¬

(¬1) ص 113 ج 3 - الفتح الربانى. وص 238 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة فى شعر النساء) و (شعر) ككتب. جمع شعار، وهو الثوب الذى يلى الجسد. وخصتها بالذكر، لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار. وهو الثوب الذى يكون فوق الشعار (قال) ابن الأثير: المراد بالشعار هنا الإزار الذى كانوا يتغطون به عند النوم. وفى رواية أبى داود فى شعرنا أو لحفنا. واللحاف اسم لما يلتحف به. (¬2) يأتى رقم 221، 222، ص 168. (¬3) ص 104 ج 3 - الفتح الربانى. وص 335 ج 1 - فتح البارى (الصلاة فى النعال) وص 43 ج 5 نووى مسلم. وص 125 ج 1 مجتبى.

نعالكم؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيهما قذراً. وقال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى فى نعليه قذراً أو أذَى فليمسحْه وليصل فيهما. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى. وكذا أحمد والحاكم مختصراً وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (¬1). {207} " ولحديث " شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم. أخرجه أبو داود وابنِ حيان والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد (¬2). {208} والأوامر فى هذه الأحاديث مصروفة عن ظاهرها إلى الاستحباب " لحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يُؤذ بهما أحداً، ليجعلْهما بين رجليه أو ليصُل فيهما. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند صحيح (¬3). {209} " ولقول " عبد الرحمن بن أبى ليلى: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى نعليه فصلى الناس فى نعالهم فخلع نعليه فخلعوا. فلما صلى قال: من شاء أن يصلى فى نعليه فليصلِّ، ومن شاء أن يخلع فليخلع. أخرجه ابن أبى شيبة ¬

(¬1) ص 40 ج 5 المنهل العذب (الصلاة فى النعل) وص 431 ج 2 - السنن الكبرى (طهارة الخف والنعل) وص 104 ج 3 - الفتح الربانى. وص 160 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 42 ج 5 المنهل العذب (الصلاة فى النعل) وص 260 ج 1 مستدرك. و (خالفوا اليهود) أى فصلوا فى نعالكم وخفافكم. وفى هذه الأحاديث دلالة على أن النعل والخف إذا أصابتهما نجاسة ولو رطبة لا جرم لها كالبول، تطهر بالدلك بالأرض. وبه قال الأوزاعى وإسحاق والظاهرية والشافعى فى القديم، وروى عن أحمد. لعموم الأحاديث. وتقدم بيان المذاهب فى هذا والراجح الذى يؤيده الدليل انظر ص 397 - 399 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (تطهير الخف ونحوه). (¬3) ص 45 ج 5 - المنهل العذب (المصلى إذا خلع نعليه أين يضعهما؟ ) وص 432 ج 2 - السنن الكبرى. وص 260 ج 1 مستدرك.

قال العراقى: هو مرسل صحيح الإسناد {210} والتخيير لا ينافى الاستحباب كما فى حديث " بين كل أذانين صلاة لمن شاء " (¬1). (8) - وتجوز الصلاة فى ثوب حلال من قطن أو كتان مخطط بما لا يشغل المصلى " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى بُردة حِبرَة عقد بين طرفيها. أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار بسند رجاله ثقات (¬2). {211} (9) - وتجوز الصلاة فى ثوب واحد ساتر العورة " لقول " أنس: آخِرُ صلاة صلاّها النبى صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى فى ثوبٍ واحدٍ مُتوشحاً به خلف أبى بكر. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح. وأخرجه البزار بلفظ: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه متوكِّئاً على أسامة مرتدياً بثوب قطنٍ فصلى بالناس (¬3). {212} " ولحديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فى ثوبٍ واحد فليخالفْ بين طرَفيه فلْيجعل طرفهُ على عاتقيه أخرجه أحمد (¬4). {213} (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى ثوب واحد فقال: ما كلكم يجد ثوبين. أخرجه أبو يوسف وأحمد والشيخان ¬

(¬1) تقدم رقم 440 ص 307 ج 2 - الدين الخالص (راتبة العشاء القبلية). (¬2) ص 120 ج 4 - الفتح الربانى (الصلاة فى الثوب المخطط) و (البردة) بضم فسكون، فى الأصل كساء أسود مربع. فإذا وصف بالحبر كعنب أو أضيف إليه فالمراد به ثياب يمنية من قطن أو كتان مخطط. و (العقد بين طرفى الثوب) هو أن يضع طرفها على منكبه الأيمن ويأخذه من تحت إبطه اليسرى، ويأخذ طرفه الذى على منكبه الأيسر من تحت إبطه اليمنى ثم يعقدهما على صدره. ومثله المخالفة بين الطرفين والتوشح بالثوب. (¬3) ص 121 ج 4 الفتح الربانى. وص 49 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة فى الثوب الواحد). (¬4) ص 121 ج 4 - الفتح الربانى.

والطحاوى والبيهقى بألفاظ متقاربة من عدة طرق (¬1). {214} (وعن أبى حنيفة) عن عطاء بن يسار أن جابراً أمّهم فى قميص صفيق ليس عليه غيرُه ولا أراه أراد إلا ليُرينا أنه لا بأس بالصلاة فى ثوب واحد. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬2) {65} " ولما ذكر " اتفق العلماء على جواز الصلاة فى ثوب واحد إذا كان ساتراً للعورة. وعلى أن الصلاة فى ثوبين أفضل، وأن المستحب للرجل أن يصلى فى إزار وقميص وعمامة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك غالباً " ولقول " أبى نضْرةَ بنِ بقية: قال أبىّ بن كعب: الصلاةُ فى الثوب الواحد سنةٌ، كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا: فقال ابن مسعود: إنما كان ذاك إذ كان فى الثياب قلة. فأما إذ وسّع الله فالصلاةُ فى الثوبين أزكى. أخرجه عبد الله ابن أحمد فى زوائد المسند. {215} وأبو نضرة لم يسمع من أبىّ ولا ابن مسعود. وأخرج الطبرانى فى الكبير نحوه من رواية زِرِّ بن حُبيش عنهما قاله الهيثمى (¬3). ويستحب للمرأة أن تصلى فى قميص وإزار ومقنعة " بكسر فسكون وهى ما توضع على الرأس وتلف تحت الحنك " " لقول " أم حرام: سألتُ أم سَلمة ماذا تصلى فيه المرأةُ من الثياب؟ فقالتْ: تصلى فى الخمار والدِّرع السَّابغ الذى ¬

(¬1) رقم 162 ص 32 كتاب الآثار. وص 97 ج 3 - الفتح الربانى. وفيه: أو كلكم وص 320، 321 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى الثوب الواحد ملتحقاً به) وفيه أو لكلكم ثوبان؟ وص 230 ج 2 - السنن الكبرى. (¬2) رقم 166 ص 33 كتاب الآثار. (¬3) ص 49 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة فى الثوب الواحد وأكثر منه).

يغيب ظُهور قدميها: أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1) {66} " ولحديث " أم سلمة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أتصلى المرأةُ فى دِرعْ وخِمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يُغطى ظهورَ قدَميها. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخارى (¬2). {216} وردّ بأن فى سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال. (10) - وتجوز الصلاة على البساط واللبَّاد وغيرها إذا كان المفروش رقيقاً ثابتاً لا يلين بالضغط، وإلا فلا يجوز كما تقدم فى " بحث السجود " (¬3) ولكن الصلاةَ على الأرض وعلى ما أنبتته كالحصير أفضل، لأنه أقرب على التواضع " ولقول " أبى سعيد الخدرى: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حَصير. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى والترمذى وقال: حديث حسن، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، إلا أن قوماً منهم اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً (¬4). {217} " ولقول " أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم رُبَّما تحضُره الصلاةُ وهو فى بيتنا فيأمر بالبساط الذى تحته فيكنس ثم يُنضح بالماء، ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم خلفه فيصلى بنا. وكان بِساطهم من جريد النخل. ¬

(¬1) ص 27 ج 5 - المنهل العذب (فى كم تصل المرأة؟ ) وص 232 ج 2 - السنن الكبرى (ما تصل فيه المرأة من الثياب) و (الخمار) بكسر الخاء المعجمة، ثوب تغطى به المرأة رأسها (والدرع السابغ) القميص الساتر لجميع بدنها. وقيه أنه يلزم المرأة ستر جميع جسدها فى الصلاة حتى ظهور قدميها، كما تقدم فى شروط الصلاة. (¬2) ص 28 ج 5 - المنهل العذب. وص 233 ج 2 - السنن الكبرى. وص 250 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 148 ج 2 طبعة ثانية. (¬4) ص 109 ج 3 - الفتح الربانى (الصلاة على الحصير .. ) وص 233 ج 4 نووى مسلم (الصلاة فى ثوب واحد .. ) وفيه. فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه. وص 421 ج 2 - السنن الكبرى (الصلاة على الحصير) وص 273 ج 1 تحفة الأحوذى.

أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (¬1). {218} " ولقول " ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل على الخُمرة. أخرجه أحمد والبيهقى والترمذى وصححه (¬2). {219} " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزور أمَّ سليم فتدركه الصلاة أحياناً فيصلى على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء. أخرجه أبو داود. وذكره الترمذى مختصراً وقال: حديث حسن صحيح (¬3). {220} والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يَروا بالصلاة على البساط والطِّنْفِسة بأساً. وبه يقول أحمد وإسحاق قاله الترمذى (¬4) وهو قول الأوزاعى والحنفيين والشافعى وجمهور الفقهاء. (وقالت) المالكية: يكره السجود على ما فيه رفاهية كالبُسُط. بخلاف الحصير لكن تركه أولى. ففى المدوّنة: وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبُسُط الشعْر والثياب والأدُم وكان يقول: لا بأس أن يقومَ عليها ويركع عليها ويقعدَ عليها ولا يسجدُ عليها ولا يضعُ كفيه. وكان لا يرى بأساً بالحصير وما أشبهها مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضعَ كفيه عليها (قال) ولا يسجدُ على الثوب إلا من حر أو برد (¬5). ¬

(¬1) ص 109 ج 3 - الفتح الربانى. وص 163 ج 5 نووى مسلم (الصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها .. ) وص 436 ج 2 - السنن الكبرى (من بسط شيئاً فصلى عليه). (¬2) ص 111 ج 3 - الفتح الربانى. وص 421 ج 2 - السنن الكبرى (الصلاة على الخمرة) وص 273 ج 1 تحفة الأحوذى. و (الخمرة) بضم فسكون سجادة صغيرة من سعف النخل وغيره. (¬3) ص 47 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة على الحصير). (¬4) ص 274 ج 1 تحفة الأحوذى. و (الطنفسة) بكسر الطاء والفاء وضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء والنون بينهما ساكنة، بساط له خمل رقيق. (¬5) ص 76 ج 1 - المدونة الكبرى. و (بسط) بضمتين جمع بساط ككتاب. و (الأدم) بضمتين، جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ.

هذا. ومن المحدث بسط بعض المصلين سجادة أو فروة فوق فرش المسجد، لأن ذلك لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه والسلف الصالح. (قال) ابن تيمية: أما الصلاة على السِّجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك، فلم تكن سنة السلف من الصحابة والتابعين، ولا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يصلون فى مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روى أن عبد الرحمن بن مهدى لما قدم المدينة بسط سجادة، فأمر مالك بحبسه، فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدى فقال: أما علمتَ أن بسْط السجادة ف مسجدنا بدعة. ثم قال: ولا نزاع بين أهل العلم فى جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة والحصير. وإنما تنازعوا فى كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض وفى الإقناع: ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه. لأنه شعار الرافضة. وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على الخُمرة فلأن المسجد لم يكن مفروشاً فاتخذها صلى الله عليه وسلم أحياناً لدفع الحر والبرد، ولذا كان الصحابة يصلون على الأرض، وفى شدة الحر يبسط أحدهم رداءه فيسجد عليه، فليس فى هذا حجة فى إباحة بسط سجادة أخرى فوق فرش المسجد لعدم الضرورة إليه، بل هو بدعة منكرة لم يفعله أحد من السلف الصالح، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ما فيه شبهة لإباحته، وفيه شئ من الرفاهية المنافية لحالة الخشوع فى الصلاة، وقد يفعل للتخصيص والتمييز، والناس فى بيت الله سواسية. (11) وتجوز الصلاة فى ثياب النوم الطاهرة اتفاقاً " لقول " معاوية بن

أبى سفيان قلت لأمِّ حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى الثوب الذى ينامُ معك فيه؟ قالت نعم ما لم ير فيه أذى. أخرجه أحمد وأبو داود بسند رجاله ثقات (¬1). {221} " ولحديث " عبد الملك بن عُمير عن جابِر بن سمُرةَ أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أصلى فى ثوبى الذى آتى فيه أهلى؟ قال: نعم إلا أن ترى فيه شيئاً تغسله. أخرجه أحمد وقال: لا يرُفع عن عبد الملك بن عُمير. وأخرجه ابن ماجه بسند رجاله ثقات (¬2). {222} (12) - ولا بأس بالصلاة وأمامهُ مصحف أو سيف معلق - عند الحنفيين والشافعة وأحمد - إن لم يشغل المصلى عن صلاته، وإلا كره (قال) ابن إدريس الحنبلى: لا يكره وضعه شيئاً فى قلبته بالأرض. ويكره التزويق فى المسجد وكل ما يشغل المصلى عن صلاته لأنه يذهب بالخشوع. قال الإمام أحمد: كانوا يكرهون أم يجعلوا فى القبلة شيئاً حتى المصحف (¬3). (13) - ويجوز قراءة سورين فأكثر فى ركعة ولو فى فرض كما يجوز بلا كراهة تكرار سورة فى ركعتين. وقد تقدم دليل هذا والمذاهب فيه فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " (¬4). (14) - ويجوز التراوح فى الصلاة. وهو الاعتماد على إحدى الرجلين مرة وعى الأخرى مرة، ليوصل الراحة إلى كل منهما. بل استحبه أحمد ¬

(¬1) ص 112 ج 3 - الفتح الربانى (الصلاة فى ثوب النوم .. ) وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة فى الثوب الذى يصيب أهله فيه). (¬2) ص 112 ج 3 - الفتح الربانى. وص 100 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى الثوب الذى يجامع فيه). (¬3) ص 246 ج 1 كشاف القناع (ما يكره فى الصلاة وما يباح .. ). (¬4) تقدم ص 187 ج 2 طبعة ثانية.

(الرابع) مكروهات الصلاة

" لقول " أبى عبيدة: إن عبد الله رأى رجلا يصلى قد صفَّ بين قدميه فقال: خالف السنة فلو راوح بينهما كان أعجب إلىّ. أخرجه النسائى والأثرم (¬1). {67} (الرابع) مكروهات الصلاة جمع مكروه. وهو لغة ضد المحبوب. واصطلاحاً ما طلب تركه طلباً غير جازم وهو قسمان: (أ) مكروه تحريماً - وهو ما ثبت النهى عنه بدليل ظنى، وكل ما أدى إلى ترك واجب أو سنة مؤكدة، أو كان أجنبياً من الصلاة غير مفسد ولا متمم لها ولا فيه دفع ضرر (¬2) كالعبث بالثوب أو البدن، وكل ما يحصل بسببه شغل القلب. (ب) ومكروه تنزيهاً وهو ما طلب تركه بلا نهى، كالإشارة فى الصلاة، وكل ما أدى إلى ترك سنة غير مؤكدة. ومتى أطلقت الكراهة عند الحنفيين تنصرف إلى كراهة التحريم (وحكم) المكروه أنه لا يكفر مستحله ويأثم فاعله ويثاب تاركه. وتعاد الصلاة وجوباً فى الوقت وندباً بعده لارتكاب مكروه تحريماً، وتعاد استحباباً لارتكاب المكروه تنزيهاً. " وأما " حديث لا تُصلوا صلاةً فى يوم مرتين (¬3). " فالنهى " فيه عن الإعادة بسبب الوسوسة أو عن تكرارها فى الجماعة، فلا يتناول الإعادة بسبب الكراهة. هذا ما قاله الحنفيون (وقال) غيرهم: المكروه تحريماً ما يثاب على تركه ويأثم بارتكابه كترك السنة المؤكدة أو المختلف فى وجوبه. والمكروه تنزيهاً ما لا إثم فى ارتكابه كترك سنة غير مؤكدة. ومتى أطلقت الكراهة عندهم تنصرف إلى التنزيهية. هذا ومكروهات الصلاة كثيرة المذكور منها هنا سبعة أربعون وضابط كلى. ¬

(¬1) ص 142 ج 1 مجتبى (الصف بين القدمين فى الصلاة). (¬2) خرج (أ) بالمتمم ما لو لم تمكنه العمامة من السجود فرفعها أو سواها بيد واحدة فإنه لا يكره (ب) وبما ليس فيه دفع ضرر قتل الحية والعقرب ونحوهما فإنه لا يكره. (¬3) تقدم رقم 183 ص 137 (إعادة الصلاة).

(1) يكره عبث المصلى بثوبه أو جسده لغير غرض مشروع " لحديث " يحيى بن أبى كثير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كره لكم ستاً: العبث فى الصلاة (الحديث). أخرجه سعيد بن منصور وابن المبارك (¬1). {223} والعبث الفعل بلا غرض صحيح فإن كان لغرض صحيح كإزالة العرق أو التراب عن وجهه فليس بعبث (قال) العلامة الحلبى: والعبث حرام خارج الصلاة ففى الصلاة أولى (¬2). (2) ويكره للمصلى مسح الحصى والتراب ونحوهما، إلا إذا دعت إليه ضرورة فيمسحه مرة ليتمكن من السجود " لقول " مُعيقيب: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فى الصلاة فقال: لا تسمح الحصى وأنت تصّلى فإن كنتَ لابدّ فاعلا فواحدةٌ تسوية الحصى. أخرجه السبعة. وقال الترمذى حديث صحيح. وهذا لفظ أبى داود. ولفظ غيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الرجل يسوى التراب حيث يسجد: إن كنت فاعلا فواحدة (¬3). {224} " ولحديث " أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنَّ الرحمةَ تواجهه فلا يمسح الحصى. أخرجه أحمد والأربعة بسند صحيح ¬

(¬1) رقم 1679 ص 250 ج 2 فيض القدير (الحديث) وتمامه: والمن فى الصدقة والرفث فى الصيام والضحك عند القبور ودخول المساجد وأنتم جنب (يعنى دخولها بلا مكث فإنه مكروه ومع اللبث حرام) وإدخال العيون (أى نظر الأجنبى إلى من بيت غيره) بغير إذن (فإنه مكروه تحريماً). (¬2) ص 349 غنية المتملى (مما يكره فى الصلاة). (¬3) ص 83 ج 4 - الفتح الربانى. وص 51 ج 3 فتح البارى (مسح الحصى فى الصلاة) وص 37 ج 5 - نووى مسلم (كراهة مسح الحصى) وص 177 ج 1 - مجتبى (الرخصة فيه مرة) وص 296 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية مسح الحصى فى الصلاة) وص 51 ج 6 - المنهل العذب (مسح الحصى فى الصلاة) وص 165 ج 1 سنن ابن ماجه. و (معيقيب) بالتصغير. و (واحدة) روى بالنصب بفعل محذوف صفة مصدر محذوف، أى فامسح مسحة واحدة. وروى بالرفع على الابتداء، أى فواحدة تكفيه، و (تسوية الحصى) تعليل لإباحة المسح مرة واحدة، لئلا يتأذى بالحصى فى سجوده. وكره الزائد لما فيه من العبث.

وحسنه الترمذى (¬1). {225} (وقال) أبو صالح مولى طلحة: دخلتُ على أم سلمةَ زوج النبى صلى الله عليه وسلم فدخل عليها ابن أخ لها فصلى فى بيتها ركعتين، فلما سجد نفخَ التراب، فقالت: لا تنتفخ فإنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لغلام له يقال لهَ يسارٌ ونفخ: تَّرب وجهك الله. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {226} ففى هذه الأحاديث دلالة على كراهة مسح الحصى والتراب حال الصلاة أكثر من مرة. وبه قال جمهور الصحابة والعلماء. بل حكى النووى اتفاق العلماء على كراهته لأنه ينافى التواضع ويشغل المصلى (¬3). (وقالت) الظاهرية يحرم ما زاد على المرة أخذاً بظاهر الأحاديث (وقال) الصنعانى: العلة فى النهى المحافظة على الخشوع، أو لئلا يكثر العمل فى الصلاة، وقد نص الشارع على العلة بقوله: فإن الرحمة تواجهه، أى تكون تلقاء وجهه، فلا يغير ما تعلق بوجهه من التراب والحصى ولا مل يسجد عليه إلا أن يؤلمه فله ذلك. ثم النهى ظاره فى التحريم (¬4). (3) ويكره فرقعة الأصابع فى المسجد. وهو مدها أو غمزها حتى تصوّت ولو خارج الصلاة، لأنه عبث "ولحديث" علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تُفرْقعْ أصابعك وأنت فى الصلاة. أخرجه ابن ماجه ¬

(¬1) ص 82 ج 4 - الفتح الربانى. وص 177 ج 1 - مجتبى (النهى عن مسح الحصى فى الصلاة) وص 50 ج 6 - النهل العذب. وص 296 ج 1 تحفة الأحوذى. و (إذا قام أحدكم الخ) يعنى إذا شرع فى الصلاة، لأنه لا ينهى عن مسح الحصى إلا بعد التلبس بها. (¬2) ص 84 ج 4 - الفتح الربانى. و (ترب وجهك) أى أو صله إلى التراب ولا تبعده عن وجهك بالنفخ، ليظهر أثر السجود وتبقى بركة الصلاة فى وجهك. (¬3) ص 37 ج 5 - شرح مسلم. وفى حكاية الاتفاق نظر، فإن مالكاً لم ير بمسح الحصى بأسا وكان يفعله فى الصلاة. وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه، ذكره العراقى شرح الترمذى. (¬4) ص 209 ج 1 - سبل السلام (الخشوع فى الصلاة).

وفى سنده الحارث الأعور " وهو ضعيف " وفى رواية لا تُفقِّع (¬1). {227} " وحديث " معاذ بن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الضاحك فى الصلاة والملتفت والمفقعُ أصابعَه بمنزلة واحدة أخرجه أحمد والبيهقى (¬2). {228} وفى سنده (أ) ابن لهيعة وهو ضعيف. (ب) وزبّانُ بن قائد قال: البيهقى: غير قوىّ. (4) ويكره تشبيك الأصابع فى الصلاة اتفاقاً. وكذا حال الذهاب إليها ولمن فى المسجد ينتظر الصلاة عند الجمهور " لحديث " كعب بن عُجْرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبِّكنَّ يديه فى صلاة. أخرجه أبو داود والترمذى والدارمى بسند صحيح (¬3). {229} " ولقوله " دخل علىّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وقد شبَّكتُ بين أصابعى فقال لى: يا كعب إذا كنت فى المسجد فلا تشبِّك بين أصابعك، فأنت فى صلاة ما انتظرت الصلاة. أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (¬4). {230} " وحديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن. فإن التشبيك من الشيطان. وإن أحدكم لا يزال ¬

(¬1) ص 158 ج 1 - سنن ابن ماجه (ما يكره فى الصلاة) و (تفقع)، بضم التاء وفتح الفاء وكسر القاف مشددة من التفقيع وهو غمز مفاصل الأصابع حتى يسمع صوتها. (¬2) ص 438 ج 3 - مسند أحمد (حديث معاذ بن أنس الجهنى رضى الله عنه) وص 289 ج 2 السنن الكبرى (كراهية تفقيع الأصابع فى الصلاة) والمراد بالضحك التبسم لا القهقهة، فإنها تبطل الصلاة " قال " جابر: التبسم لا يقطع الصلاة ولكن القرقرة. أخرجه البيهقى وقال: هذا هو المحفوظ. وقد رفعه ثابت بن محمد الزاهد. وهو وهم منه (ص 251 ج 2 - السنن الكبرى (من تبسم فى صلاته أو ضحك فيها) والقرقرة، القهقهة. (¬3) ص 259 ج 4 - المنهل العذب (ما جاء فى الهدى فى المشى إلى الصلاة) وص 300 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية التشبيك فى الصلاة) وص 237 ج 1 سنن الدارمى (النهى عن الاشتباك إذ خرج إلى المسجد). (¬4) ص 88 ج 4 - الفتح الربانى.

فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه. أخرجه أحمد بسن حسن (¬1). {231} وفى هذا بيان أن حكمة النهى عن التشبيك كونه من الشيطان. وقيل لأنه يجلب النوم. وهو مظنة الحدث وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى (¬2). (5) ويكره التمطى فى الصلاة. لما فيه من الكسل والخروج عن هيئة الخشوع. (6) ويكره - عند الأئمة والجمهور - التحضر فى الصلاة وهو وضع اليد على الخاصرة وهى من الإنسان وسطه الدقيق فوق الوركين (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مختصراً. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وهذا لفظ مسلم (¬3). {232} (وقالت) الظاهرية: يحرم الاختصار لظاهر النهى (وقال) الترمذى: وكره بعضهم أن يمشى الرجل مختصراً. ويروى أن إبليس إذا مشى مشى مختصراً (وعن) أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: لا تفرْقع أصابعك فى الصلاة ولا تعبث بلحيتك، ولا تدفن كبار الحصى، ولا تمسه، ولا تضعْ يدك على خاصرتك، ولا تغط فاك ولا تُلق رداءك على منكبك ولا تُقِع. أخرجه أبو يوسف ومحمد فى الآثار (¬4) {68} وقد اختلف فى المعنى الذى نهى عن الاختصار فى الصلاة لأجله على أقوال (الأول) التشبه بالشيطان. قاله الترمذى، وروى عن ابن عباس (والثانى) أنه تشبه باليهود (والثالث) أنه راحة أهل النار (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: الاختصار فى الصلاة راحة أهل النار أخرجه البيهقى (قال) العراقى: وظاهر ¬

(¬1) ص 53 ج 3 - الفتح الربانى. (¬2) يأتى فى بحث 22 مما تصان عنه المساجد. (¬3) ص 104 ج 4 - الفتح الربانى. وفيه: نهى عن الاختصار فى الصلاة. وص 57 ج 3 فتح البارى. وفيه: نهى عن الخصر فى لاصلاة. وص 36 ج 5 نووى مسلم (كراهة الاختصار فى الصلاة) وص 297 ج 1 تحفة الأحوذى (النهى عن الاختصار فى الصلاة) وص 52 ج 6 - النهل العذب (الرجل يصلى مختصراً). (¬4) رقم 267 ص 52 - الآثار. و (تقع) من الإقعاء.

إسناده الصحة. وأخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند فيه عبد الله بن الأزور ضعفه الأزدى (¬1). {233} (والرابع) أنه فعل المختالين والمتكبرين (والخامس) أنه شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا فى المآتم. قاله الخطابى (¬2). (7) ويكره تحريماً الاعتماد على اليدين فى الصلاة حال الجلوس وغيره لغير حاجة " لقول " ابن عمر: نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يجلسَ الرجلُ فى الصلاة وهو معتمد على يديه. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند جيد. وأخرجه أبو داود عن ابن عبد الملك بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض فى الصلاة (¬3). {234} قال البيهقى: ورواية ابن عبد الملك وهو أهـ والحق أنه لا وهم فيها. بل يعمل بها كالأولى وينهى عن الاعتماد على اليد حال الجلوس والنهوض. وهو مذهب الحنفيين والمرأة مثل الرجل فى ذلك (وحكمه) النهى عن ذلك ما فيه من التشبه بجلوس المعذّبين " روى " نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد فى الصلاة فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون. أخرجه أبو داود (¬4). {69} (وعن) ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى فى الصلاة فقال: إنها صلاة اليهود. أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (¬5). {235} ¬

(¬1) ص 287 ج 2 - السنن الكبرى (كراهية التخصر فى الصلاة) وص 85 ج 2 مجمع الروائد (الاختصار فى الصلاة). (¬2) ص 233 ج 1 معالم السنن. (¬3) ص 16 ج 4 - الفتح الربانى. وص 106 ج 6 - المنهل العذب (كراهية الاعتماد على اليد فى الصلاة) وص 135 ج 2 - السنن الكبرى (الاعتماد بيديه على الأرض إذا نهض ... ) (¬4) ص 108 ج 6 - المنهل العذب. (¬5) ص 272 ج 1 مستدرك.

(ومثل) الاعتماد على اليد الاعتماد على غيرها، بل هو أولى بالنهى عند الحاجة. (أما الاعتماد) لحاجة فلا يكره، لما تقدم عن أم قيس بنتِ مُحصِن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسنَّ وحَملَ اللحم اتخذ عموداً فى مُصلاه يَعتمِدُ علي. أخرجه أبو داود (¬1). فالحديث يدل على جواز الاعتماد على عمود أو عصا أو نحوهما عند الداعية. وبه قالت الأئمة. وفى لزوم القيام مستنداً حينئذ خلاف تقدم بيانه فى بحث " القيام " من أركان الصلاة (¬2). (8) ويكره للرجل - عند الحنفيين والشافعى وأحمد وغيرهم - عقص الشعر، وهو جمعه على رأسه وشدَّه، بنحو خيط أو تلبيدُه بنحو صمغ حال الصلاة " لقول " أبى رافع: مولى النبى صلى الله عليه وسلم: نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يُصلى الرجل ورأسه معقوص. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬3). {236} وفى سند أحمد رجل لم يسم، وسمى فى سند ابن ماجه. وحكمة النهى عن عقص الشعر أن فى إرساله وسقوطه حال السجود فضلا وثواباً، وبعقصه لا يسجد مع صاحبه فينقص ثوابه فيسر الشيطان لذلك (فقد) دخل عبد الله بن مسعود المسجدَ فرأى فيه رجلا يصلى عاقصاً شعرَه فلما انصرف قال عبد الله: إذا صليتَ فلا تعقص شعرك فإن شعرك يسجدُ معك ولك بكل شعرة أجر. فقال الرجل: إنى أخاف أن يتترَّب فقال: تتريبه خير لك. أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه بسند صحيح. {70} (وقال) مالك: إنما يكره إذا فُعل للصلاة، والخلاف فى حق الرجال دون النساء، لأن شعرهن عورة يجب ستره. فإذا نقضته استرسل وربما تعذر ستره فتبطل صلاتها. وأيضاً فى ¬

(¬1) تقدم رقم 186 ص 139 ج 2 طبعة ثانية. و (لما أسن .. ) أى لما كبر سنه وكثر لحمه. (¬2) ص 140 منه. (¬3) ص 391 ج 6 - مسند أحمد (حديث أبى رافع رضى الله عنه) وص 167 ج 1 سنن ابن ماجه (كف الشعر والثوب فى الصلاة).

نقضه للصلاة مشقة عليها (9، 10) ويكره فى الصلاة كف الشعر والثوب. وهو رفعه من بين يدى المصلى أو من خلفه إذا أراد السجود " لقول " ابن عباس: أُمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يَكُف شعراً ولا ثوباً. أخرجه الستة وصححه الترمذى (¬1). {237} ولكون النهى فيه ظنياً حمله الحنفيون على كراهة التحريم. وحمله الجمهور على التنزيه سواء أتعمد المصلى ذلك للصلاة أم فعله قبلها لشئ آخر وصادف الصلاة (قال) النووى: اتفق العلماء على النهى عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه، أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك. فكل هذا منهى عنه باتفاق العلماء، وهو كراهة تنزيه. فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته (وقال) الداودى ومالك: يختص النهى بمن فعل ذلك للصلاة. وحكى ابن المنذر وجوب الإعادة عن الحسن البصرى. والمختار الصحيح الأول. وهو ظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم (¬2). (11) ويكره سدل الثوب وهو وضعه على رأس المصلى أو كتفيه بلا إدخال يديه فى كميه " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل فى الصلاة وأن يغطى الرجل فاه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬3). {238} (ومن السدل) إرسال المنديل عل كتفيه كما يعتاده كثير. فينبغى لمن على عنقه منديل أو نحوه أن يضعه عند الصلاة. ومنه أيضاً لبس القباء ¬

(¬1) ص 202 ج 2 فتح البارى (لا يكف ثوبه فى الصلاة) وص 207 ج 4 نووى مسلم (أعضاء السجود .. ) ولفظهما: أمرت. وص 340 ج 5 - المنهل العذب. وص 233 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 165 ج 1 مجتبى (على كم السجود؟ ) وص 167 ج 1 سنن ابن ماجه. (¬2) ص 209 ج 4 - شرح مسلم. (¬3) ص 32 ج 5 - المنهل العذب (السدل فى الصلاة) وص 158 ج 1 سنن ابن ماجه (ما يكره فى الصلاة) واقتصر على عجز الحديث. وص 242 ج 2 السنن الكبرى (كراهية السدل فى الصلاة وتفطية الفم) وص 253 ج 1 مستدرك.

" بفتح القاف القفطان " من غير إدخال اليدين فى كميه (¬1). (وقال) الخطابى: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض (¬2) وعليه فهو بمعنى الإسبال (وقال) أبو عبيد: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فإن ضمهما فليس بسدل (وقال) فى النهاية: السدل وضع المصلى وسط الإزار على رأسه وإرسال طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعانى لأن السدل مشترك بينها ولظاهر الحديث قالت الظاهرية: يحرم السدل فى الصلاة (وحمل) الجمهور النهى فيه على الكراهة. وحكمة النهى عنه أنه يشبه صنع اليهود (روى) سعيد ابن وهب عن على رضى الله عنه أنه خرج فرأى قوماً يصلون وقد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود وخرجوا من قُهْرهم. أخرجه الخلال فى العلل وأبو عبيد فى الغريب (¬3). {71} (12) ويكره رفع البصر إلى السماء حال الصلاة " لحديث " جابر بن سمُرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليَنْتَهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فى الصلاة أو لا ترجعُ إليهم. أخرجه مسلم وأبو داود (¬4). {239} (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليَنْتَهِيَنَّ أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء أوْ لتُخْطفنّ أبصارهم. أخرجه مسلم (¬5). {240} والتقييد فيه بحال الدعاء لا مفهوم له، جميعاً بين الأحاديث. والوعيد الشديد فى الأحاديث يقتضى حرمة رفع البصر فى الصلاة إلى السماء، لأن ¬

(¬1) ص 293 ج 1 فتح القدير (ويكره للمصلى). (¬2) ص 179 ج 1 معالم السنن (السدل فى الصلاة). (¬3) ص 33 ج 5 - المنهل العذب. و (قهرهم) بضم فسكون، موضع مدارسهم الذى يجتمعون فيه. (¬4) ص 152 ج 4 نووى مسلم (النهى عن رفع البصر إلى السماء فى الصلاة) وص 7 ج 6 - المنهل العذب (النظر فى الصلاة) وفيه: لينتهين رجال يشخصون .. و (لينتهين) بفتح الياء مبنى الفاعل. و (يشخصون) بفتح أوله من باب فتح، أى يفتحون أعينهم، يقال شخص الرجل يصره إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف. (¬5) ص 152 ج 4 نووى مسلم.

العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرّم. وبالغ ابن حزم فقال: تبطل به الصلاة (وقال) الجمهور ومنهم الحنفيون والشافعيون: إنه مكروه مطلقاً. (وقالت) المالكية: إنه مكروه إلا إن فعله للعظة والاعتبار بآيات السماء. (وقالت) الحنبلية: يكره إلا حال التجشى إذا كان فى جماعة، لئلا يؤذى من حوله بالرائحة (وحكمة) النهى عن ذلك ما فيه من الإعراض عن القبلة والخروج عن هيئة الصلاة، أو أن يُخشى على الأبصار من الأنوار التى تنزل بها الملائكة على المصلى. (13) ويكره الالتفات بوجهه عن القبلة لغير عذر " لحديث " أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الله عزّ وجل مُقبلا على العبد وهو فى صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه. أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والنسائى والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1). {241} " ولقول " أنس: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بُنىّ إياك والالتفاتَ فى الصلاة فإن الالتفاتَ فى الصلاة هلَكة فإن كان لابدّ ففى التطوع لا فى الفريضة. أخرجه الترمذى وحسنه (¬2). {242} " ولقول " عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الالتفات فى الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان فى صلاة العبد. أخرجه أحمد والبخارى والثلاثة وحسنه الترمذى (¬3). {243} ¬

(¬1) ص 87 ج 4 - الفتح الربانى. وص 5 ج 6 المنهل العذب (الالتفات فى الصلاة) وص 177 ج 1 مجتبى (التشديد فىالالتفات فى الصلاة). وص 236 ج 1 مستدرك. والمراد من الحديث أن الله تعالى يغمر المصلى بالرحمات والإحسان والغفران ما لم يتعمد الالتفات فى الصلاة، فإذا التفت قطع الله عنه ذلك الخير. (¬2) ص 406 ج 1 تحفة الأحوذى (الالتفات فى الصلاة) وجعل الالتفات هلكة لكونه سبباً لنقصان ثواب الصلاة ولكونه نوعاً من تسويل الشيطان واختلاسه. (¬3) ص 88 ج 4 - الفتح الربانى. وص 159 ج 2 فتح البار (الالتفات فى الصلاة) وص 6 ج 6 - المنهل العذب. وص 177 ج 1 مجتبى. وص 406 ج 1 تحفة الأحوذى. والاختلاس أخذ الشئ خفية بسرعة يقال: خلست الشئ خلساً من باب ضرب، اختلعته بسرعة على غفلة. والمراد ذهاب شئ من كمال الصلاة بسبب التفاته.

قال الطيبى: سمى الالتفات اختلاساً، تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس لأن المصلى يقبل على ربه تعالى ويترصّد الشيطان فوات ذلك عليه، فإذا التفت استلبه ذلك. ونسب إلى الشيطان لأنه المتسبب فيه (¬1). ففى هذه الأحاديث دلالة على كراهة الالتفات بالوجه فى الصلاة من غير حاجة. وهو متفق عليه. أما إذا كان لحاجة فلا يكره اتفاقاً " لقول " جابر: اشتكى النبى صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا قرآنا قياماً إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعوداً (الحديث). أخرجه مسلم (¬2). {244} " ولقول " سهل بن الحنظلِيَّة: ثُوِّب بالصلاة يعنى صلاة الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وهو يلتفت إلى الشِّعْب. أخرجه أبو داود وقال: وكان أرسلَ فارساً إلى الشِّعْب من الليل يحرُسُه (¬3). {245} وهذا فى الالتفات بالوجه. أما التفاتُ البصر يَمنة ويَسْرَة من غير تحويل الوجه لغير حاجة فخلاف الأولى. ولا بأس به لحاجة عند الحنفيين ومالك، وعليه يحمل (قول) ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يُصلى يلتفتُ يميناً وشِمالا ولا يلوى عنقه خلف ظهره. أخرجه أحمد والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخارى (¬4). {246} (وقول) أنس بن سيرين: رأيت أنسَ بن مالك يستشْرِفُ لشئ وهو فى الصلاة ينظر إليه. أخرجه أحمد بسند جيد (¬5). {72} ¬

(¬1) ص 159 ج 2 فتح البارى. (¬2) ص 132 ج 4 نووى مسلم (ائتمام المأموم بالإمام). (¬3) ص 11 ج 6 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) أى فى الالتفات فى الصلاة لضرورة. و (الحنظلية) أم سهل. وأبو عمرو أو الربيع بن عمرو. و (الشعب) بكسر فسكون، الطريق فى الجبل. (¬4) ص 115 ج 4 - الفتح الربانى. وص 236 ج 1 مستدرك. (¬5) ص 115 ج 4 الفتح الربانى. و (يستشرف) أى يرفع بصره لينظر.

(أما الالتفات) والتحول عن القبلة بجميع بدنه فهو مبطل للصلاة اتفاقاً. وكذا التحول بالصدر عن الحنفية والشافعية. ولا تبطل عند الحنبلية إلا إن استدار بجملته أو استدبرها فى غير الكعبة وشدة الخوف. وكذا لا تبطل عند المالكية ما لم يكن فى القبلة التى يضر فيها الانحراف اليسير كالمصلى إلى عين الكعبة فإن صلاته تبطل متى خرج عن سَمتها بوجهه أو بشئ من بدنه ولو أصبعاً وبقيت رجلاه وجسده لها. (14) وتكره القراءة فى الركوع والسجود " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم كشف السِّتارة والناسُ صفوف خلف أبى بكر فقال: يأيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوةِ إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترُى له. وإنى نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. فأما الركوع فعظموا الرب فيه. وأما السجود فاجتهدوا فى الدعاء فقمِن أن يُستجاب لكم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1). {247} " ولقول " على: نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن أقرا القرآن راكعاً أو ساجداً. أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬2). {248} والنهى فيما ذكر نهى كراهة عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة لا فرق بين فاتحة وغيرها، وللشافعية قول بحرمة قراءة الفاتحة عمداً فى الركوع أو السجود ¬

(¬1) ص 266 ج 3 - الفتح الربانى. وص 196 ج 4 نووى مسلم (النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود) وص 323 ج 5 - المنهل العذب (الدعاء فى الركوع والسجود) وص 260 ج 1 مجتبى (تعظيم الرف فى الركوع). و (مبشرات) جمع مبشر مأخوذه من تباشير الصبح، وهو أول ما يبدو منه، أى لم يبق من علامات النبوة إلا الرؤيا الصادقة. و (قن) بفتح فكسر أو فتح، أى تحقيق وجدير. (¬2) ص 198 ج 4 نووى مسلم. وص 168 ج 1 مجتبى (النهى عن القراءة فى السجود). وص 224 ج 1 تحفة الأحوذى (النهى عن القراءة فى الركوع والسجود) وص 87 ج 2 السنن الكبرى.

وبطلان الصلاة بها. وإذا قرا فيما ذكر عمداً أعاد الصلاة وجوباً عند الحنفيّين. وإن قرأها ساهياً سجد للسهو. وعند الشافعية يسجد مطلقاً. ولا سجود عند المالكية (وحكمة) النهى عن القراءة فى الركوع والسجود، أنهما حالة ذل وانكسار ظاهراً فلا يتناسبان مع عظمة القرآن. (15) (الإقعاء فى الصلاة) وهو قسمان: الأول وضع يديه وألييه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه (وهو مكروه) تحريماً اتفاقاً " لقول " أبى هريرة نهانى النبى صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة: عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب. والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلب. أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند حسن (¬1). {249} " ولما روى " الحارث عن علىّ رضى الله عنه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علىّ إنى أحبّ لك ما أحب لنفسى، وأكره لك ما أكره لنفسى، لا تُقْعِ بين السجدتين. أخرجه الترمذى وقال: حديث لا نعرفه إلا من حديث أبى إسحاق عن الحارث عن علىّ، وقد ضعَّف بعض أهل العلم الحارث الأعور والعمل على هذا الحديث (¬2). {250} (الثانى) وضع ألْييه على عقِبيه وركبتيه على الأرض حال الجلوس بين السجدتين. وهو غير مكروه بلى مستحب عند الشافعية وبعض الحنفية وجماعة من السلف والخلف " لقول " طاوس: قلنا لابن عاس فى الإقعاء على القدمين فى السجود فقال: هى السنة قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس: هى سنة نبيك صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود ¬

(¬1) ص 86 ج 4 الفتح الربانى. وص 120 ج 2 - السنن الكبرى (الإقعاء المكروه فى الصلاة) و (نقرة الديك) بفتح النون وسكون القاف. والمراد النهى عن الإسراع فى الصلاة وترك الطمأنينة فيها. (¬2) ص 235 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهة الإقعاء بين السجدتين).

والترمذى وحسنه (¬1). {251} " ولقول " طاوس رأيت العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك " يعنى الإقعاء " عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير. {73} " وروى " أبو الزبير أنه رأى ابن عمر سجد حين يرفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه من السنة. أخرجهما البيهقى بأسانيد صحيحة (¬2). {74} (وقالت) المالكية والحنبلية: يكره هذا الإقعاء أيضاً. وهو مشهور مذهب الحنفيين لأحاديث النهى عن الإقعاء ولما تقدم فى بحث " الافتراش والتورك " (¬3) (وأجابوا) عن حديث ابن عباس ونحوه بأنه منسوخ بأحاديث النهى، أو بأن ابن عباس لم يبلغه النهى (ورُدَّ) بأنه لا دليل على النسخ، وأنه لا يصار إليه مع إمكان الجمع (قال) البيهقى والقاضى عياض وجماعة: يجمع بينها بأن الإقعاء المنهى عنه هو وضع ألييه ويديه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه. والإقعاء الذى قال ابن عباس وابن عمر: إنه من السنة هو وضع الأليين على العقبين والركبتين على الأرض وجعل صدور القدمين إلى الأرض (وقال) النووى: فالحاصل أن الإقعاء الذى رواه ابن عباس وابن عمر فعله النبى صلى الله عليه وسلم على التفسير المختار الذى ذكره البيهقى. وكذا فعل صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو حميدٍ وموافقوه من جهة الافتراش، وكلاهما سنة، لكن إحدى السنتين أكثر وأشهر وهى رواية أبى حُميد، ¬

(¬1) ص 13 ج 4 - الفتح الربانى. وص 18 ج 5 نووى مسلم (جواز الإقعاء على المقبين) وص 283 ج 5 - المنهل العذب (الإقعاء بين السجدتين). وص 235 ج 1 تحفة الأحوذى (الرخصة فى الإقعاء) و (فى السجود) يعنى فى الجلوس بين السجدتين. و (الرجل) بفتح الراء وضم الجيم على ما صوبه الجمهور، وهو المناسب لإضافة الجفاء إليه. يعنى إنا لنرى الإقعاء فظاظة وغلظة بالرجل وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم أى أن الجلوس على هذه الهيئة فى الصلاة مشقة على الرجل، ويؤيده ما فى رواية أحمد "إما لنراه جفاء بالقدم" (¬2) ص 119 ج 2 - السنن الكبرى (القعود على المقبين بين السجدتين). (¬3) تقدم ص 246 - 248 ج 2 طبعة ثانية.

لأنه رواها وصدقه عشرة من الصحابة ورواها وائل بن حُجر وغيره. وهذا يدل على مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وشهرتها عنه فهى أفضل وأرجح مع أن الإقعاء سنة أيضاً (¬1). (16) ويكره نظر المصلى على ما يلهى " لقول " عائشة: صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى خميصة لها أعلام. فقال: شغلتنى أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبى جَهم وأتونى بأنيجانيته. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود. (¬2) {252} " ولقول " أنس كان قرام لعائشة سترت له جانب بيتها، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم: أميطى عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لى فى صلاتى. أخرجه البخارى (¬3). {253} (17) ويكره - عند الأئمة والجمهور - تغميض العينين فى الصلاة بلا عذر " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم فى الصلاة فلا يغمض عينيه. أخرجه الطبرانى وابن عدى بسند فيه ¬

(¬1) ص 440 ج 3 شرح المهذب (فرع فى الإقعاء) وحديث ابى حميد تقدم رقم 334 ص 247 ج 2 طبعة ثانية. (¬2) ص 99 ج 4 - الفتح الربانى. وص 159 ج 2 فتح البارى (الالتفات فى الصلاة) وص 43 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة فى ثوب له أعلام) وص 9 ج 6 - المنهل العذب (النظر فى الصلاة) و (الخميصة) ثوب من خز أو صوف معلم. و (شغلتنى) أى كادت تشغلنى عن كمال الحضور فى الصلاة، وليس المراد أنها شغلته بالفعل (ففى حديث) عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: منت أنظر على علمها فى الصلاة فأخاف أن تفتننى. أخرجه البخارى (ص 329 ج 1 فتح البارى - إذا صلى فى ثوب له أعلام .... ) و (أبو جهم) عامر بن حذيفة و (الأنبجانية) بفتح فسكون فكسر وتخفيف الجيم، كساء غليظ له خمل (أى وبر) ولا علم له، نسبة - على غير قياس - إلى منبج - كمجلس - موضع. وأمر صلى الله عليه وسلم بردها إلى أبى جهم لأنه كان أهداها إلى النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك والطحاوى. وطلب صلى الله عليه وسلم أن يؤتى له بأنبجانيته جبراً لخاطره فلا يتأثر من رد هديته. (¬3) ص 329 ج 1 فتح البارى (إن صلى فى ثوب مصلب أو تصاوير .. ) و (القرام) ككتاب الستر الرقيق. و (تعرض) كتضرب، أى تلوح له.

ضعف، وابن أبى حاتم وقال: حديث منكر. وقال الهيثمى: وفيه ليث بن أبى سُليم وهو مدلّس وقد عنعن (¬1). {254} أما مع العذر كأن خاف فوت خشوع لرؤيته ما يشغل البال فلا يكره تغميضها لذلك. وروى عن الحسن البصرى جوازه بلا كراهة مطلقاً. (18) ويكره التربع فى الصلاة بلا عذر، لما فيه من ترك سنة القعود أما مع العذر فلا يكره " لقول " عبد الله بن عبد الله بن عمر: كان ابن عمر يتربع فى الصلاة إذا جلس ففعلتهُ فنهانى وقال: إنما سُنة الصلاة أن تنصِبَ رجلك اليمنى وتثنَى اليسرى. فقلت إنك تفعل ذلك. فقال: إن رِجْلاىَ لا تحملانى. أخرجه مالك والبخارى (¬2). {255} (ولا يكره) التربع خارج الصلاة، لأنه كان جُلَّ قعود النبى صلى الله عليه وسلم فى غير الصلاة، وإن كان الجلوس على هيئة الصلاة أولى، لقربه من التواضع. (19) وتكره - عند الشافعية والحنبلية والجمهور - الإشارة فى الصلاة بيد أو عين أو حاجب، لأنها نوع عبث يشغل عن الصلاة ويذهب بخشوعها، إلا إذا كانت لحاجة كرد السلام ودفع المار فلا تكره (روى) الليث بن سعد بسنده إلى ابن عمر عن صُهيبٍ بن سنان أنه قال: مررتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمتُ عليه فردّ إشارة، قال ليث: أحسبه قال إشارة بأصبعه. أخرجه الشافعى والبيهقى والطحاوى ¬

(¬1) ص 83 ج 2 مجمع الزوائد (تغميض البصر فى الصلاة). (¬2) ص 166 ج 1 زرقانى الموطأ (العمل فى الجلوس فى الصلاة) وص 206 ج 2 فتح البارى (سنة الجلوس فى التشهد).

والثلاثة، وحسنه الترمذى (¬1). {256} " ولقول " أمّ سلمة: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما " أى عن الركعتين بعد العصر " ثم دخل علىّ بعد أن صلَى العصر، وعندى نِسوة من بنى حَرام فقام يصليهما، فأرسلتُ إليه الجارية فقلت: قومى بجنبه وقولى له: تقول لك أمّ سلمة: يا رسول الله سمعتُك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخرى عنه ففعلتِ الجارية فأشار بيده فأستاخرت عنه (الحديث) أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2). {257} "وعن " نافع أن عبد الله بن عمر مرّ على رجل وهو يصلى فسلم عليه فرد الرجل كلاماً، فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له: إذا سُلِّمَ على أحدكم فلا يتكلمْ وَلْبُشِرْ بيده. أخرجه مالك (¬3). {75} (وقالت) المالكية: الإشارة فى الصلاة بيد أو رأس واجبة لرد السلام، وجائزة لحاجة إن كانت خفيفة وإلا منعت. وتكره للرد على مُشَمِّت. (وقال) أبو ذر وعطاء والنخعى والثورى والحنفيّون: يستحب ألا يرد المصلى السلام إلا بعد الفراغ من الصلاة، ويكره السلام بالإشارة فيها " لقول " عبد الله بن مسعود: كنا تسلم فى الصلاة ونأمرُ بحاجتنا. فقدمِتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلّمتُ عليه فلم يردّ علىّ السلامَ، فأخذنى ما قدُم وما حدُث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله عز وجل يُحدِث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد ¬

(¬1) ص 98 ج 1 - بدائع المنن. وص 107 ج 4 - الفتح الربانى. وص 258 ج 2 - السنن الكبرى (الإشارة برد السلام) وص 263 ج 1 شرح معانى الآثار (الإشارة فى الصلاة) وص 23 ج 6 - المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة) وص 177 ج 1 مجتبى (رد السلام بالإشارة فى الصلاة) وص 291 ج 1 - تحفة الأحوذى (الإشارة فى الصلاة). (¬2) ص 68 ج 3 فتح البارى (إذا كلم وهو يصلى فأشار بيده .. ) وص 120 ج 6 نووى مسلم (الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها) وص 164 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة بعد العصر). (¬3) ص 305 ج 1 زرقانى الموطأ (العمل فى جامع الصلاة).

أحدَث ألاّ تَكلموا فى الصلاة، فردّ علىّ السلام. أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والطحاوى (¬1). {258} وقال الطحاوى: ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ على الذى سلم عليه فى الصلاة بعد فراغه منها. فذلك دليل أنه لم يكن منه فى الصلاة ردّ السلام عليه لأنه لو كان ذلك منه لأغناه عن الرد عليه بعد الصلاة كما يقول الذى يرى الرد فى الصلاة بالإشارة (¬2). ويريد بهذا الردّ على من يقول " إن المنفى " فى حديث ابن مسعود الرد باللفظ لا بالإشارة، وأن رده صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة لا ينافى الرد بالإشارة فيها (وجملة) القول أن رد السلام فى الصلاة بالقول محظور. ورده بعد الخروج منها سنه، لما فى حديث ابن مسعود. ورده بالإشارة حسن، لحديث صهيب وابن عمر. (20) وتكره الإشارة بالأيدى حال السلام. " لقول " جابر بن سَمُرة دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعو أيديهم فى الصلاة، فقال: مال أراكم رافعى أيديكم كأنها أذنابُ خيل شُمْسٍ اسكنوا فى الصلاة أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (¬3). {259} وفى رواية لمسلم وأبى داود: إنما يكفى أحدَكم أن يضعَ يده على فخذه يُسلّم على أخيه من على يَمينه وشِماله (¬4). ¬

(¬1) ص 95 ج 1 بدائع المنن. وص 73 ج 4 - الفتح الربانى. وص 21 ج 6 - المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة) وص 263 ج 1 شرح معانى الآثار (الإشارة فى الصلاة) و (ما تقدم وحدث) بضم الدال فيهما، أى أخذنى ما نقدم من التكلم فى الصلاة وما حدث فيها من عدم التكلم (¬2) ص 264 ج 1 - شرح معانى الآثار. (¬3) ص 91 ج 4 - الفتح الربانى. وص 152 ج 4 - نووى مسلم (الأمر بالسكون فى الصلاة) وص 176 ج 1 مجتبى (السلام بالأيدى فى الصلاة) وص 118 ج 6 - المنهل العذب (فى السلام) و (شمس) بضم فسكون أو بضمتين جمع شموش كرسول وهو النفور من الدواب المستعصى على راكبه. (¬4) ص 154 ج 4 نووى مسلم. وص 117 ج 6 - المنهل العذب.

(21) ويكره - عند الحنفيين ومالك - التنكيس فى القراءة. وهو أن يقرأ فى الركعة الثانية سورة أو أية قبل التى قرأها فى الأولى، كأن يقرأ فى الركعة الأولى (الغاشية) وفى الثانية (الأعلى) أو يقرأ فى الركعة الأولى نصف السورة الأخير، وفى الثانية نصفها الأول، لأنه خلاف المنقول بكثرة عن النبى صلى الله عليه وسلم. (وقد) سئل ابن مسعود عمن يقرأ القرآن منكوساً فقال: ذلك منكوس القلب ذكره ابن قدامة (¬1). {76} (وقالت) الشافعية والحنبلية: إنه خلاف الأولى (قال) ابن قدامة: والمستحب أن يقرأ فى الركعة الثانية بسورة بعد السورة التى قرأها فى الركعة الأولى. فإن قرأ بخلاف ذلك فلا بأس به (قال) أحمد لما سئل عن هذه المسألة: لا بأس به. أليس يُعلّم الصبى على هذا؟ وقال فى رواية: أعجب إلىّ أن يقرأ من البقرة إلى أسفل (¬2) (وقال) البخارى: وقرأ الأحنف بالكهف فى الأولى وفى الثانية بيوسف أو يونس، وذكر أنه صلى مع عمر الصبحَ رضى الله عنه بهما (¬3). (وقد نكّس) النبى صلى الله عليه وسلم ذات قليلا لبيان الجواز. (قال) حذيفة: صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلتُ: يركعُ عند المائة ثم مضى. فقلتُ يصلى بها فى ركعة فمضى. فقلت يركع بها فمضى. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسِّلا، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان بى العظيم، وكان ركوعُه نحواً من قيامه. ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمدُ، ثم قام قياماً طويلا قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربى الأعلى. فكان ¬

(¬1) ص 540 ج 1 مغنى. (¬2) ص 540 ج 1 مغنى. (¬3) ص 174 ج 2 فتح البارى (الجمع بين السورتين).

سجوده قريباً من قيامه. أخرجه مسلم (¬1). {260} (أما تنكيس) الآيات المتلاصقة فى ركعة واحدة فحرام، مبطل للصلاة عند المالكية (وقال) الحنفيون: تنكيس الآيات مكروه ولو فى ركعتين. " فائدتان " (الأولى) اتفق العلماء على أن ترتيب آىِ القرآن توقيفى من الله. واخلفوا فى ترتيب السور. فقيل إنه توقيفى كترتيب الآيات. والأكثرُ على أنه باجتهاد من الصحابة (قال) القاضى عياض: ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف ولم يكن من ترتيب النبى صلى الله عليه وسلم. وبه قال مالك والجمهور. واختاره أبو بكر الباقلانى قال ابن الباقلانى: هو أصح القولين. والذى نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب فى الكتابة ولا فى الصلاة ولا فى الدرس ولا فى التلقين والتعليم ولا يحرم مخالفته، لأنه لم يكن من النبى صلى الله عليه وسلم نص فى ذلك، ولذا اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان " وأما من " قال: إن ذلك بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم كما استقر فى مصحف عثمان، وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف " فتأول" قراءته صلى الله عليه وسلم النساء ثم آل عمران فى حديث حذيفة على أنه كان قبل التوقيف والترتيب. ولا خلاف أن آيات كل سورة بتوقيف من الله على ما هو فى المصحف الآن، ونقلته الأمة عن النبى صلى الله عليه وسلم. أفاده النووى (¬2) (الثانية) لا يكره قراءة بعض السورة من أولها اتفاقاً، لما تقدم فى بحث "القراءة فى الصبح" أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الصبحَ بمكة فاستفتح سورةَ المؤمنين حتى جاء ذكرُ موسى وهارون، أو ذكرُ عيسى، أخذتْه سَعْلة فركع (¬3). ولا بأس ¬

(¬1) ص 61 ج 6 نووى مسلم (تطويل القراءة فى صلاة الليل) و (فى ركعة) المراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى ركعتان. ولابد من هذا التأويل لينتظم الكلم بعده. وعلى هذا فقوله (ثم مضى) معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظنى أنه لا يركع الركعة الأولى أو فى آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء. (¬2) ص 61، 62 ج 6 شرح مسلم. (¬3) تقدم رقم 376 ص 273 ج 2 طبعة ثانية.

بقراءة السورة فى ركعتين " لحديث " زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى المغرب بالأعراف فى الركعتين. أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {261} (وعن زيد) أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الركعتين من المغرب بسورة الأنفال. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح (¬2). {262} وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بالقتال وبالطور وبالمرسلات (¬3) (وكذا) لا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها عند الجمهور وأحمد فى رواية لما تقدم عن أبى سعيد قال: أمرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر (¬4) " وعن ابن مسعود " أنه كان يقرأ فى الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان. أخرجه الخلال. {77} (وقال) إبراهيم النخعى: كان بعض أصحابنا يقرأ فى الفريضة من السورة بعضها ثم يركع ثم يقوم فيقرأ فى سورة أخرى. وعن أحمد أنه يكره قراءة أواخر السور وأوساطها. نقل المروزى عن أحمد أنه كان يقرأ فى صلاة الفرض بآخر سورة، وقال: سورة أعجب إلىّ. وسئل عن الرجل يقرأ من أوسط السُّوَر وآخرها، فقال: أما آخر السورة فأرجو، وأما أوسطها فلا. أفاده ابن قدامة (¬5) هذا. ولا يكره تكرير سورة أو آية بعد الفاتحة فى أكثر من ركعة، لما تقدم فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " (¬6)? " ولقول " أى ذر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركعُ ويسجدُ بها {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ ¬

(¬1) ص 226 ج 3 - الفتح الربانى. وص 177 ج 2 مجمع الزوائد (القراءة فى المغرب). (¬2) ص 118 منه. (¬3) تقدم رقم 391، 392، 393 ص 278 ج 2 - طبعة ثانية (القراءة فى المغرب). (¬4) تقدم رقم 235 ص 184 ج 2 طبعة ثانية. (¬5) ص 539 ج 1 مغنى. (¬6) تقدم ص 187 ج 2 طبعة ثانية.

الحَكِيمُ} فلما أصبحَ قلتُ: يا رسول الله مازلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحتَ. تركعُ وتسجدُ بها. قال: إنى سألتُ اللهَ الشفاعةَ لأمتى فأعطانيها وهى نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً. أخرجه أحمد. وأخرج صدره النسائى وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1). {263} (22) ويكره ترك سورة بين سورتين قرأهما فى ركعتين عند الحنفيّين لما فيه من شبهة التفضيل والهجر. وقال بعضهم: لا يكره إذا كانت السورة طويلة ولا يكره عند غيرهم مطلقاً. (23) ويكره التخصيص فى الدعاء " لقول " أبى هريرة: قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابىّ فى الصلاة اللهم ارحمنى ومحمداً ولا ترحمْ معنا أحداً. فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابى: لقد تحجَّرْتَ واسعاً يريد رحمةَ الله. أخرجه البخارى وأبو داود (¬2). {264} (فقد أنكر) النبى صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن التعميم فى الدعاء أقرب إلى الإجابة " وقال " ثوبان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمَّ عبدٌ فيخص نفسه بدعوة دونهم. فإن فعل فقد خانهم. أخرجه ابن ماجه (¬3). {265} (24) ويكره للمصلى لصق إحدى قدميه بالأخرى حال قيامه " لقول " عُيينة بنِ عبد الرحمن: كنتُ مع أبى فى المسجد فرأى رجلا يصلىّ قد صَفّ ¬

(¬1) ص 214 ج 3 - الفتح الربانى. وص 156 ج 1 مجتبى (ترديد الآية) وص 210 ج 1 سنن ابن ماجه (القراءة فى صلاة الليل) وص 241 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 337، 338 ج 1 فتح البارى (رحمة الناس والبهائم - الأدب) وفيه: لقد حجرت. وص 330 ج 5 - المنهل العذب (الدعاء فى الصلاة) و (تحجرت واسعاً) أى طلبت ضيق رحمة الله التى وسعت كل شئ وخصصت بها نفسك. (¬3) ص 153 ج 1 سنن ابن ماجه (لا يخص الإمام نفسه بالدعاء) و (لا يؤم) بفتح الميم أو ضمها نهى أو نفى بمعنى النهى (فيخص) عطف على يؤم.

بين قدميه وألزق إحداهما بالأخرى. فقال أبى: لقد أدركتَ فى هذا المسجد ثمانيةَ عشر رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحداً منهم فعل هذا قط. أخرجه الأثرم. {78} وكان ابن عمر لا يفرِّج بين قدميه ولا يُمُّس إحداهما الأخرى، ولكن بين ذلك، لا يُقاربُ ولا يُباعد (¬1). {79} (25) ويكره الترويج فى الصلاة بيد أو طرف ثوب، لأنه من العبث المنافى لخشوع إلا لحاجة كحر شديد. وكذا التريح بِمرْوحة مرة أو مرتين، بناء على أن العمل الذى لا يبطل الصلاة ما دون ثلاث حركات، وهو مذهب الشافعية والحنبلية وقول لبعض الحنفيين. (قال) الشرنبلالى: ويكره ترويحه بثوبه أو مِروْحه مرة أو مرتين، لأنه ينافى الخشوع وإن كان عملا قليلا (¬2). (قال) ابن إدريس الحنبلى: ويكره تروُّحه بمروحة ونحوها، لأنه من العبث إلا لحاجة كحر شديد، فلا يكره للحاجة ما لم يكثر من الترويح فيبطل الصلاة إن توالى (¬3)? . (والمختار) عند الحنفيين أن العمل المبطل للصلاة ما يكون بحيث لو رآه إنسان من بُعد تيقن أنه ليس فى الصلاة، ولذا قال فى المحيط عن المنتقى: لو تروح بطرف كمه لا تفسد، ولو تروح بالمِروْحة قالوا تفسد، لأن الناظر إليه يتيقن أنه ليس فى الصلاة (¬4). (26) ويكره التمايل فى الصلاة وهو تحريك الرأس قليلا " لحديث " إذا قام أحدُكم إلى الصلاة فليُسكِّنْ أطرافهَ ولا يتميَّل كما تتميَّل اليهودُ، فإن تسْكينَ الأطراف فى الصلاة من تمام الصلاة. أخرجه أبو نعيم فى الحلية، وابن عدى فى الكامل، والترمذى فى نوادر الأصول عن أبى بكر وهو حديث ضعيف (¬5). {266} ¬

(¬1) ص 666 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) ص 194 مراقى الفلاح هامش حاشية الطحطاوى (المكروهات). (¬3) ص 245 ج 1 كشاف القناع (ما يكره فى الصلاة .. ). (¬4) ص 194 طحطاوى مراقة الفلاح. (¬5) رقم 783 ص 413 ج 1 فيض القدير.

(27) وتكره الصلاة إلى النائم عند مالك وأحمد: لما تقدم عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث (¬1)? . (وقال) الحنفيون والشافعى: تكره الصلاة إلى النائم إن خشى خروج ما يضُحك أو يُلهى وإلا فلا كراهة، وعليه يحمل قول عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشة بينه وبين القبلة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬2). {267} (وقال) الثورى والأوزاعى والكوفيون: لا تكره الصلاة إلى النائم مستدلين بعموم حديث عائشة (وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأنه ضعيف باتفاق الحافظ لضعف سنده (قال) جماعة: يكره لغير النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة إلى المرأة النائمة. (28) وتكره الصلاة إلى المتحدث عند مالك والشافعى وأحمد، لما تقدم " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: نهيتُ أن أصلىَ خلف المتحدثين والنيام. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه محمد بن عمرو ابن علقمة اختلف فى الاحتجاج به (¬3). {268} " ولضعف " الحديث ضعفاً قوياً " قال " الثورى والأوزاعى والحنفيون: لا تكره الصلاة خلف المتحدث. إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلى عن صلاته وذهاب خشوعه وإلا فلا خاف فى الكراهة. (29) وتكره الصلاة إلى تنّور أو كانون فيه جمر أو إلى مصباح، ¬

(¬1) تقدم رقم 480 ص 327 ج 2 طبعة ثانية (الاستشار بالحيوان). (¬2) ص 124 ج 4 - الفتح الربانى. وص 391 ج 1 فتح البارى (الصلاة خلف النائم) وص 228 ج 4 نووى مسلم (الاعتراض بن يدى المصلى) وص 107 ج 5 - المنهل العذب (من قال المرأة لا تقطع الصلاة) ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاته من الليل الخ. (¬3) ص 62 ج 2 مجمع الزوائد (من صلى وبين يديه أحد).

لما فى ذلك من التشبه بمن يعبد النار، وكذا الصَّلاةُ إلى الشمس والقمر حال طلوعهما، لما فى ذلك من التشبيه بمن يعبدهما، وتقدم فى بحث " الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها " بيان المذاهب فى حكم الصلاة وحينئذ (¬1)? . (30) ويكره تشمير الكمُين عن الذراعين، لما فيه من الجفاء المنافى للخشوع ف الصلاة، ولأنه من كفّ الثوب المنهى عنه (قال النووى) فى المجموع: وقد اتفق العلماء على النهى عن الصلاة وثوبُه مشمّر أو كمه أو نحوه ولو شمّرها قبل الصلاة ثم دخل فيها لا يكره عند المالكية وبعض الحنفيين. (31) وتكره الصلاة فى ثوب واحد ليس على عاتقه بعضُه كسراويلَ وإزارٍ إلا لضرورة العدم، لما فيه من التهاون والتكاسل وقلة الأدب " ولحديث " عبد الله بن بُريدةَ عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصلى الرجلُ فى لِحاف لا يتوشَّحُ به ونهى أن يصُلى الرجل فى سراويلَ وليس عليه رداء. أخرجه أبو داود والبيهقى وهذا لفظه. وفى سنده أبو ثميلة وأبو المُنيب. وفيهما مقال (¬2)? . {269} (32) ويكره الاعتجار فى الصلاة. وهو شدّ الرأس بالمنديل أو العمامة وترك وسطها مكشوفاً، أو لفّ العمامة على رأسه وردّ طرفها على وجهه ولا يجعله تحت ذقنه لما فيه من الجفاء المنافى للخشوع. (33) ويكره اشتمال الصماء وهو الاندراج فى الثوب بلا إخراج يديه منه (لقول) ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان ¬

(¬1) تقدم ص 31 ج 2 - طبعة ثانية. (¬2) ص 26 ج 5 - المنهل العذب (من قال يتزر به إذا كان ضيقاً) وص 236 ج 2 - السنن الكبرى (ما يستحب للرجل أن يصلى فيه) و (التوشح) أخذ طرف الرداء الذى على الكتف الأيمن من تحت إبطه الأيسر وأخذ الطرف الذى على الكتف الأيسر من تحت الإبط الأيمن ثم عقدهما على صدره.

لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما فإن لم يكنْ له إلا ثوب فَلْيَتَّزِرْ به ولا يشتمل اشتمال اليهود. أخرجه أبو داود والبيهقى بسند جيد (¬1). {270} " ولحديث " أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن لِبْستين الصَّماءِ، وأن يَحْتَبِىَ الرجل فى الثوب الواحد. أخرجه البخارى وأبو داود مطولا. وهذا بعض لفظه (¬2). {271} والاحتباء أن يعتمد المصلى على ألييه ناصباً ساقيه ملتفاً بثوبه. والنهى عن اللبستين المذكورتين نهى كراهة عند الجمهور. وحمله بعض الظاهرية على التحريم. (34) ويكره الاضطباع فى الصلاة. وهو جعل الثوب تحت إبطه الأيمن وطرحُ طرفيه على كتفه الأيسر. لأن ستر المنكبين مستحب فى الصلاة، فيكره تركه " لحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلِّ الرجل فى الثوب الواحد ليس على مَنكبيه منه شئ. وفى رواية لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ. أخرجه الشافعى والسبعة إلا الترمذى وابن ماجه (¬3). {272} ¬

(¬1) ص 25 ج 5 - المنهل العذب (من قال يتزر به إذا كان ضيقاً) وص 236 ج 2 - السنن الكبرى. و (اشتمال اليهود) أن يجلل بدنه بالثوب ويسبله من غير أن يرفع طرفه ولا يبقى منه ما يخرج منه يده. (¬2) ص 172 ج 4 فتح البارى (صوم يوم الفطر) وص 165 ج 10 - المنهل العذب (صوم العيدين) و (لبستين) بكسر اللام اسم لهيئة اللبس. و (الصماء) بالصاد المهملة. وهى عند أهل اللغة الاندراج فى الثوب بلا إخراج يديه منه. سميت صماء، لأنه يسد المنافذ كلها يصير كالصخرة الصماء التى ليس فيها خرق. وعند الفقهاء أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضه على منكبيه فيبدو فرجه. وعلى الأول فهى مكروهة، لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فليحقه ضرر. وعلى تفسير الفقهاء فهى حرام لانكشاف العورة. (¬3) ص 95 ج 1 بدائع المنن (ما يكره فى الصلاة) وص 92 ج 3 - الفتح الربانى. وص 321 ج 1 - فتح البارى (إذ صلى فى الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه) وص 239 ج 4 نووى مسلم (الصلاة فى ثوب واحد.) وص 14 ج 5 - المنهل العذب (ما يصلى فيه) وص 125 ج 1 - مجتبى (صلاة الرجل فى الثوب الواحد .. ) و (المنكب) كمجلس مجمع عظم العضد والكتف، و (العاتق) ما بين المنكب إلى أصل العنق.

دلّ الحديث: (أ) على أنه يطلب ستر أعالى البدن فى الصلاة وإن كانت ليست بعورة لأنه أمكن فى ستر العورة. وحكمته أنه إذا اتزر بالثوب ولم يكن على عاتقه منه شئ لم يأمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه عل عاتقه، ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما حيث شرع الرفع (¬1). (ب) وعلى النهى عن الصلاة فى الثوب الواحد إذا لم يكن على عاتق المصلى منه شئ. وقد حمل الجمهور هذا النهى على التنزيه (وعن) الإمام أحمد: لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه. وعنه تصح ويأثم (ونقل) المنع عن ابن عمر وطاوس والمخعى. واختاره ابن المنذر وابن حزم. (35) ويكره التثاؤب فى الصلاة، لأنه من التكاسل، فإن غلبه فلْيَكْظِمْ ما استطاع " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التثاؤب فى الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فلْيَكْظِمْ ما استطاع. أخرجه مسلم والترمذى وقال حسن صحيح. وقد كره قوم من أهل العلم التثاؤب فى الصلاة (¬2). {273} وتقدم لفظ آخر فى " بحث سدّ فمه عند التثاؤب " من آداب الصلاة (¬3). (36) ويكره للمصلى تغطية فمه أو أنفه إلا لعذر كالتثاؤب " لقول " أبى هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السّدْل فى الصلاة، وأن يُغطِّى الرجل فاه. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬4). {274} ¬

(¬1) ص 231 ج 4 شرح مسلم. (¬2) ص 122 ج 18 منه (تشميت العاطس وكراهة التثاؤب - الزهد) وص 292 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية التثاؤب فى الصلاة). (¬3) تقدم رقم 367 ص 267 ج 2 - طبعة ثانية. (¬4) ص 32 ج 5 - المنهل العذب (السدل فى الصلاة) وص 242 ج 2 - السنن الكبرى (كراهية السدل فى الصلاة .. ) وص 253 ج 1 مستدرك.

(وحكمة) النهى عن تغطية الفم فى الصلاة لغير عذر أنه يشبه فعل المحبوس حال عبادتهم النار. (37) وتكره الصلاة وهو يدافع الأخبثين: البول والغائط " لقول " عبد الله بن الأرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاةُ فلْيَبْدأ بالخلاء. أخرجه الإمامان وأبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح والحاكم وقال: صحيح (¬1). {275} " ولحديث " ثوبان مولى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤمّ رجل قوماً فيخُصَّ نفسه بالدعاء دونهم فإن فعلَ فقد خانهم ولا ينظرُ فى قعر بيت قبل أن يستأذنَ، فإن فعل فقد دخل. ولا يصلى وهو حَقِن حتى يتخفف. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه (¬2). . {276} ¬

(¬1) ص 288 ج 1 زرقانى الموطأ (النهى عن الصلاة والإنسان يريد حاجته) وص 92 ج 4 - الفتح الربانى. وص 291 ج 1 - المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن). وص 131 ج 1 تحفة الأحوذى (إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء) وص 257 ج 1 مستدرك. و (فليبدا بالخلاء) أى بقضاء الحاجة. (¬2) ص 280 ج 5 مسند أحمد (حديث ثوبان .. ) ولفظه: لا يحل لامرئ أن ينتظر ... وص 197 ج 1 - المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن؟ ) وص 285 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء) ولفظه كأحمد (فيخص نفسه بالدعاء) ومحله فى القنوت ونحوه مما يجهر به، لأن القوم مأمورون فيه بسماع الإمام، بخلاف ما لو خص نفسه بالدعاء فيما يسر فيه كدعاء الاستفتاح والركوع والسجود، فلا يكره، لأن كل واحد منهم يدعو لنفسه ولأنه المحفوظ فى أدعيته صلى الله عليه وسلم فى الصلاة كلها (كقوله) فى دعاء الاستفتاح اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بيت المشرق والمغرب. اللهم نقنى من خطاياى كما ينفى الثوب البيض من الدنس (الحديث) تقدم رقم 293 ص 294 ج 2 (ولقوله) فى الركوع والسجود: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لى، تقدم رقم 258 ص 201 ج 2 (وقوله) بين السجدتين: اللهم اغفر لى وارحمنى واجبرنى واهدنى وارزقنى. تقدم رقم 271 ص 207 ج 2 (وقوله) فى آخر الصلاة: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إنى أعوذ بك من المأثم والمغرب .. وتقدم رقم 354 ص 259 ج 2 (فقد خانهم) أى لتضييعه حقهم فى الدعاء حيث اعتمدوا على دعائه وأمنوا عليه اعتماداً على تعميمه (والمراد بقعر البيت) داخله، فعند أحمد والترمذى: لا يحمل لامرئ أن ينتظر فى جوف بيت امرئ حتى يستأذن (فإن نظر) فى البيت بلا إذن صار فى حكم الداخل فيه بلا إذن، لأن الاستئذان إنما شرع لئلا يقع النظر على مالا ينبغى نظره. فإن نظر قبل الاستئذان فقد ارتكب إثم من دخل بلا إذن. و (حقن) بفتح فكسر بمعنى حاقن. وهو من حبس بوله والحاقب بالموحدة من حبس الغائط.

وتقدم صدره عند ابن ماجه (¬1) فى الحديثين النهى عن الصلاة وهو يدافع الأخبثين وهما البول والغائط، ويلحِق بهما ما فى معناهما مما يشغل القلب ويُذهب كمالُ الخشوع. وهو نهى كراهة عند الجمهور إن لم يمنعه من أداء شئ من الأركان فإن منعه من ذلك بطلت صلاته (وحمله) الظاهرية على التحريم وقالوا: من صلى كذلك فصلاته باطلة (وفى حديث) ثوبان ثلاث منهيات: الأول نهى تنزيه. والثانى نهى تحريم والثالث نهى شفقة حتى لو صلى وهو حاقن فصلاته صحيحة عند الجمهور. " ولا ينافيه " قوله صلى الله عليه وسلم فيه: ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن " لأنه " خُرِّج مخرج المبالغة فى المنع. (ولذا) اختُلف فيمن صلى وهو حاقن أو حاقب (فقالت) المالكية: يعيد الصلاة على تفصيل حاصله أن ما يجده الإنسانُ من ذلك ثلاثة أنواع: (الأول) أن يكون خفيفاً. فيصلى به ولا يقطع. (الثانى) أن يكون وسطاً يدعو إلى ضم الوركين فيندب له قطع الصلاة. فإن تمادى صحت صلاته. ويستحب إعادتها فى الوقت. (الثالث) أن يكون شديداً يشغل قلبه ويعجله عن استيفاء الصلاة، فيلزمه القطع فإن تمادى لزمه الإعادة فى الوقت وبعده. وعليه يحمل نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن تقديم الصلاة على قضاء الحاجة. والنهى يقتضى فساد المنهى عنه (وعن) زيد بن أسلمَ أن عمر بن الخطاب قال: لا يُصليّنَّ أحدكم وهو ضامّ بين ورْكبه. أخرجه مالك (¬2). {79} (قال) الباجى: هو نهى عن الصلاة فى حال الحقْن الذى يبلغ بالمصلى أن يَضُمّ وركيه من شدة حقنه، لأن فى ذلك ما يشغله عن الصلاة ولا يمكنّه من استيفائها فليبدأ بقضاء حاجته خارجاً من صلاته واضعاً يده على أنفه كالراعف ¬

(¬1) تقدم رقم 265 ص 190. (¬2) ص 289 ج 1 زرقانى الموطأ (النهى عن الصلاة والإنسان يريد حاجته).

ثم يستقبل الصلاة (¬1) (وقرقرة) البطن بمنزلة الحقن " وأما الغثيان " وهو اضطراب النفس حتى تكاد تتقايأ " فقد " قال القاضى أبو الوليد: لا تقطع له الصلاة، لأنه مرض لا يُقدر على إزالته بخلاف الحقن فإنه يقدر على إزالته (وقال) الحنفيون والشافعى وأحمد: لا إعادة على من صلى حاقناً إن لم يترك شيئاً من فرائض الصلاة، بل يكره له ذلك للنهى عنه، وهو لا يقتضى الفساد لأنه لأمر خارج عن الصلاة (قال الطحاوى) لا خلاف أنه لو شَغل قلبَه شئٌ من الدنيا لم تستحب الإعادة. فكذا البول. وأحسن شئ فى هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم (¬2) وحديث عائشة قالت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُصَلِّى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬3). {277} (وأجمعوا) على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل الصلاة أنها تجزئه فكذلك الحاقن وإن كان يكره له الصلاة كذلك (قال) العلامة الرملى: تكره الصلاة حاقناً بالبول، أو حاقباً بالغائط بأن يدافع ذلك، أو حازقاً أى مدافعاً للريح، أو حاقماً بهما. بل السنة تفريغ نفسه من ذلك، لأنه يخل بالخشوع وإن خاف فوت الجماعة حيث كان الوقت متسعاً. ولا يجوز له الخروج من الفرض بطروّ ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم، فله حينئذ الخروج منه وتأخيره عن الوقت. والعبرة فى كراهة ذلك بوجوده عند التحريمة، وكذا لو عرض له قبلها وعلم من عادته أنه يعود فى أثناء الصلاة (¬4) (وقال) ابن إدريس الحنبلى: ويكره ابتداء الصلاة حاقناً ¬

(¬1) ص 283 ج 1 - المنتقى شرح الموطأ. (¬2) تقدم رقم 275 ص 196. (¬3) ص 83 ج 4 - الفتح الربانى. وص 47 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة بحضرة الطعام) ولفظه: (لا صلاة بحضرة الطعام) وص 295 ج - المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن؟ ). (¬4) ص 455 ج 1 نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (مكروهات الصلاة).

بالنون وهو من احتَبس بولَه، أو حاقباً بالموحدة وهو من احتبس غائطَه، أو ابتداؤها مع ريح محتبَسة ونحوها مما يزعجه ويشغله عن خضوع الصلاة ما لم يضق الوقت فلا يكره ابتداؤها كذلك، بل يجب فعلها قبل خروج الوقت، ويحرم اشتغاله بالطهارة إذا ضاق الوقت؛ وكذا اشتغاله بأكل أو غيره لتعين الوقت للصلاة (¬1). (38) وتكره الصلاة بحضور طعام تتوقه النفس إذا اتسع الوقت؛ لما فيه من اشتغال القلب بالطعام "ولحديث " عائشة المتقدم (¬2) (وعنها) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء: أخرجه أحمد والشيخان (¬3). {278} (وعن) أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قدم العشاء وحضرت الصلاة؛ فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم. أخرجه الشيخان (¬4). {279} (ولهذه) الأحاديث قال الجمهور: يندب تقديم تناول الطعام المرغوب فيه على الصلاة إذا كان الوقت متسعاً؛ وإلا لزم تقديم الصلاة (وقالت) الظاهرية: يجب تقديمه على الصلاة عند اتساع الوقت ونسبه الترمذى إلى أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق " روى " نافع أن ابن عمر كان يوضع له الطعامُ وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغَ وإنه يسمع قراءة الإمام. أخرجه البخارى (¬5). {80} (قال) الخطابى: إنما أمر النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 245 ج 1 كشاف القناع (ما يكره فى الصلاة). (¬2) تقدم رقم 277 ص 198. (¬3) ص 94 ج 4 - الفتح الربانى. وص 109 ج 2 فتح البارى (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) وص 45 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة بحضرة الطعام .... ). (¬4) ص 45 منه. وص 110 ج 2 فتح البارى (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) ولفظه: إذا قدم الطعام. (¬5) ص 110 منه.

أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه فيدخل المصلى فى صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوةَ الطعام فَيُعْجِله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها. وكذا إذا دافعه البول فإنه يصْنع به نحو هذا وهذا إذا كان فى الوقت متسع فإن لم يكن ابتدأ بالصلاة ولم يعرِّج على شئ سواها (¬1) (وعلى هذا) يحمل حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤخِّروا الصلاة لطعام ولا لغيره. أخرجه أبو داود والبغوى فى شرح السنة (¬2). {280} وفى سنده: (أ) المعلى بن منصور. كذبه أحمد (ب) محمد بن ميمون وهو منكر الحديث (¬3) (قال) ابن الملك: يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متماسكاً فى نفسه لا يزعجه الجوع، أو كان الوقت ضيقاً يخاف فوته توفيقاً بين الأحاديث (¬4). (وقال) ابن حزم وبعض الشافعية: يطلب تقديم الأكل على الصلاة ولو ضاق الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته، مستدلين بعموم حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا وُضِع عَشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشاء ولا يَعْجَلنَّ حتى يفرُغ منه. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬5). {281} (ورد) بأنه محمول على ما إذا اتسع الوقت جمعاً بين الأحاديث وفيها دلالة على أنه يأخذ حاجته كاملة من الطعام (قال) النووى: وهذا هو الصواب. وأما ما تأوَّله بعض أصحابنا على أنه يأكل لُقَماَ يكسِر بها شدة الجوع فليس بصحيح. ¬

(¬1) ص 45 ج 1 معالم السنن. (¬2) ص 345 ج 3 سنن أبى داود (إذا حضرت الصلاة والعشاء - الأطعمة). (¬3) ص 384 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬4) ص 110 ج 2 فتح البارى (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) وص 45 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذى يريد أكله .. ) وص 345 ج 3 سنن أبى داود (إذا حضرت والصلاة والعشاء). (¬5) ص 46 ج 5 شرح مسلم.

(39) وتكره الصلاة عند غلبه النوم. ومن شرع فيها وغلبه النوم استحب له قطعا ليأخذ حظه من النوم، لأن ذلك أدعى إلى الإقبال عليها بخشوع ونشاط " ولحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعَس أحدُكم فى الصلاة فَلْيَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ فإنه إذا صلى وهو ناعِس لعله يذهبُ يستغفرُ فيسبُّ نفسه. أخرجه السبعة والبيهقى، وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {282} وقد جاء فى هذا أحاديث كلّها تدلّ على أنه يطلب قطع الصلاة عند غلبة النوم على المصلى. وهو عام فى صلاة الفرض والنفل، لكن محله فى الفرض إذا لم يخش خروج الوقت. وحمله مالك وجماعة على نفل الليل، لأنه محل النوم غالباً. (40) ويكره لغير الإمام التزام مكان خاص من المسجد لا يصلى الفرض إلا فيه، لقول عبد الرحمن بن شِبل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقْرة الغراب وافتراش السبع، وأن يُوَطّن الرجل لمكان فى المسجد كما ¬

(¬1) ص 94 ج 4 - الفتح الربانى. وص 218 ج 1 فتح البارى (الوضوء من النوم .. ) وص 74 ج نوى مسلم (أمر من نعس فى صلاته أن يرقد .. ) وص 233 ج 7 - المنهل العذب (النعاس فى الصلاة) وص 284 ج 1 تحفة الأحوذى (الصلاة عند النعاس) وص 213 ج 1 سنن ابن ماجه (فى المصلى إذا نعس) وص 16 ج 3 - السنن الكبرى (من نعس فى صلاته .. ) و (نعس) من بابى نفع وقتل، أى أصابه النعاس. وهو النوم الخفيف (فيسب) بالنصب. فى جواب لعل، وبالرفع عطفاً على يستغفر أى يدعو عليها (ففى رواية) النسائى من طريق أيوب عن هشام قال: بأن يريد اللهم اغفر فيقول اللهم اغفر بالعين المهملة، فيكون دعاء على نفسه بالذل والهوان. وسب الإنسان نفسه منهى عنه (روى جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على خدمكم ولا على أموالكم، لا توافقوا " أى لئلا توافقوا " م الله ساعة نيل فيها عطاء فيستحب لكم. أخرجه مسلم وأبو داود. وقال: حديث متصل. ص 191 ج 8 - المنهل العذب (النهى أن يدعو الإنسان على أهله وماله).

يوطّنُ بعير. أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والأربعة إلا الترمذى (¬1). {283} " ولا يعارضه " حديث يزيدَ بن أبى عُبيد قال: كان سلمَةُ بنُ الأكوع يتحرى الصلاةَ عند الاسْطُوانة التى عند المصحف قلت: يا أبا مُسلِمِ أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها. أخرجه أحمد والبيهقى. {284} وقال: رواه البخارى عن مكى بن إبراهيم. ورواه مسلم عبن أبى موسى محمد بن مسلم (¬2) " لأنه " محمول على النفل. وحديث النهى محمول على من لازم مكانا خاصاً للفرض والنفل " قال " ابن إدريس الحنبلى: ويكره اتخاذ غير الإمام مكاناً بالمسجد لا يصلى فرضه إلا فيه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطان المكان كإيطان البعير. ولا بأس باتخاذ مكان لا يصلى إلا فيه " النفل " للجمع بين الأخبار. وظاهر أن يكره إيطان الأماكن ولو كانت فاضلة خلافاً للشافعى. وكذا لو كان لحاجة كإسماع حديث وتدريس وإفتاء وتمامه فيه (¬3). ¬

(¬1) ص 92 ج 4 - الفتح الربانى. ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى .. وص 229 ج 1 مستدرك. وص 307 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع ... ) وص 167 ج 1 مجتبى (النهى عن نقرة الغراب) وص 225 ج 1 سنن ابن ماجه (فى توطين المكان فى المسجد يصلى فيه) و (نقرة الغراب) كناية عن الإسراع فى الركوع والسجود والرفع منهما بحيث لا يطمئن فيها الاطمئنان المجزئ على ما تقدم بيانه فى بحث " الركوع والسجود " (وافتراش السبع) أن يضع المصلى ذراعية على الأرض ف السجود كما يفعل الذئب والكلب أحيانأً. والحكمة فى النهى عنه أنه يؤدى إلى الكسل حال الصلاة وهو من صفات المنافقين " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " (وأن يوطن الرجل ... ) بتشديد الطاء مكسورة وبتخفيفها، يقال: وطن الأرض واستوطنها وأوطنها، أى اتخذها وطناً، أى لا ينبغى للرجل أن يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً من المسجد لا يصلى إلا فيه كالبعير لا يبرك إلا فى مبرك اعتاده. (¬2) ص 48 ج 4 مسند أحمد (حديث سلمة بن الأكوع ... ) ولفظه: فإنى رأيت .. وص 247 ج 5 - السنن الكبرى (فى اسطوانة التوبة) و (الأسطوانة) بضم فسكون فضم: العامود. والمراد بها العامود الذى هو علم على مصلى النبى صلى الله عليه وسلم كان أمامه الجذع الذى كان يخطب إليه النبى صلى الله عليه وسلم. انظر ص 348 إرشاد الناسك. (¬3) ص 319 ج 1 كشاف القناع (أحكام الاقتداء).

(وحكمة) النهى عنه أنه قد يؤدى إلى الشهرة والرياء والسمعة. وفيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة التى تشهد له يوم القيامة. " روى " أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: أتدرون ما أخبارُها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: هو أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها. أخرجه أحمد والترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {285} (وورد) فى تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَليْهمُ الَّسماءُ وَأْلأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (¬2)} أن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. " قال " عبَّاد بن عبد الله: سأل رجل علياً. هل تبكى السماءُ والأرضُ على أحد؟ فقال: إنه ليس من عبد إلا له مُصلّى فى الأرض وَمصعد عمله من السماء. وإن آلَ فرعونَ لم يكن لهم عمل صالح فى الأرض ولا عمل يصعد فى السماء ثم قرأ الآية. أخرجه ابن حاتم (¬3). {81} (قال) ابن الهمام: يكره أن يتخذ فى المسجد مكاناً معيناً يصلى فيه، لأن العبادة فيه تصير له طبعاً وتثقل فى غيره. والعبادات إذا صارت طبعاً فسبيلها الترك، ولذاكره صوم الأبد (¬4)، هذا وإن دام شخص عل الصلاة بموضع فليس هو أولى به من غيره، فإذا قام منه فلغيره الجلوس فيه " لحديث " أْسَمَر بن مضرّسٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سبق إلى ما لم يسبقه ¬

(¬1) ص 217 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة إذا زلزلت الأرض .. ). (¬2) الدخان: آية 29 (وما كانوا منظرين) أى ممهلين إلى وقت آخر بل عوجلوا بالعقوبة لشدة تفريطهم وكمال عنادهم. (¬3) ص 428 ج 7 تفسير ابن كثير. (¬4) ص 300 ج 1 فتح القدير (قبيل صلاة الوتر).

إليه مسلم فهو له. أخرجه أبو داود بسند جيد، والضياء المقدسيى فى المختارة ورمز السيوطى إلى صحته (¬1). {286} وليس لأحد - عند الحنبلية - أن يقيم منه إنساناً ولو ولده أو عبده ويجلس مكانه أو يجلس غيره مكانه. وقواعد المذهب تقتضى عدم صحة صلاة من أقام غيره وصلى مكانه إلا الصبى فيؤخذ عن المكان الفاضل. ومن قام من موضعه لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به لأنه لم يتركه مُعرضاً. وإن قام مه بغير عذر سقط حقه بقيامه لإعراضه عنه إلا أن يترك مُصلى مفروشاً فى مكانه فليس لغيره رفعه (وقال) غر الحنبلية: يكره إقامة الرجل من مجلسه وجلوسُ غيره فيه. " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر. ولكن تفسَّحوا وتَوسَّعوا. أخرجه أحمد والشيخان (¬2). {287} " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به. أخرجه أحمد وسلم وأبو داود (¬3). {288} فهما يدلان على أن من جلس فى موضع من المسجد أو غيره من الأمكنة العامة ثم فارقه ليتوضأ أو يقضى عملا يسيراً ثم يعود، فهو أحق به. (قال) النووى: وله أن يقيم من قعد فيه ويجب عليه مفارقته إذا رجع الأول عند أصحابنا. وقال بعض العلماء: هذا مستحب وهو مذهب مالك، ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك سجادة ونحوها أم لا، فهذا أحق به فى الحالين ¬

(¬1) رقم 8739 ص 148 ج 6 فيض القدير. (¬2) ص 17 ج 2 - مسند أحمد. وص 49 ج 11 فتح البارى (إذا قيل لكم تفسحوا فى المجلس - الاستئذان) وص 160 ج 14 نووى مسلم (تحريم إقامة الإنسان من موضعه الذى سبق إليه - السلام) ولفظه أحمد: لا يقيم الرجل الرجل من مقعدة ثم يجلس فيه. والمراد بالتفسح، أن يتوسعوا فيما بينهم، والمراد بالتوسع، أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل فى المكان مجلس الداخل. (¬3) ص 161 ج 14 نووى مسلم (إذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به) وص 264 ج 4 سنن أبى داود (إذا قام من مجلس ثم رجع - الأدب).

وإنما يكون أحق به فى تلك الصلاة وحدها دون غيرها (¬1). (وظاهر) حديث أبى هريرة عدم الفرق بين المسجد وغيره من الأمكنة العامة. وأما المكان المملوك فمالكه أحق به من غيره (ويجوز) لمن سبق إلى مكان من الأمكنة العامة أن يُقيم مَنْ جلس فيه بعده عند الشافعية. ومثل ذلك الأماكن التى اعتاد التجار أو نحوهم الجلوس فيها. فمن اعتاد منهم الجلوس فى مكان فهو أحق به إلا إذا فارقه مدة طويلة عرفاً بحيث ينقطع عنه معملوه. (وظاهر) حديث ابن عمر أنه يجوز للرجل أن يجلس فى مكان غيره إذا أقعده برضاه " وأما قول " سالم بن عمر: وكان ابن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه. أخرجه أحمد ومسلم والبخارى فى الأدب (¬2). {82} " فهذا " كان تورعاً منه، لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه. ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حقه، فلمن قام له حق الجلوس. (ويكره) الإيثار بمحلِّ ذى فضيلة كالقيام من الصف الأول إلى الثانى لأن الإيثار وسلوك طرق الأدب لا يليق فى العبادات والفضائل، بل المعهود أنه فى حظوظ النفس وأمور الدنيا، فمن آثر بحظه فى أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين فى الثواب. كذا فى النيل (وقال) الحافظ: قال ابن ابى خمرة فى شرح حديث ابن عمر: هذا عام فى المجالس، لكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها. وأما المجالس التى ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها. ثم هو فى المجالس العامة، وليس عاماً فى الناس بل هو خاص بغير المجانين ¬

(¬1) ص 162 ج 14 شرح مسلم. (¬2) ص 161 ج 14 نووى مسلم. وص 50 ج 11 فتح البارى (الشرح - إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس .. ).

ومن يحصل مه الأذى كآكل الثُّوم النيئ إذا دخل المسجد، والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم (والحكمة) فى هذا النهى منع استنقاص حق المسلم المقتضى للضغائن، والحث على التواضع المقتضى للمودة، وأيضاً فالناس فى المباح كلهم سواء، قمن سبق إلى شئ استحقه ومن استحق شيئاً فأخِذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام. فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم (¬1). (41) ويكره تحريماً الصلاة فى ثوب فيه تصاوير، وكذا يكره - عند غير الحنفيين - أن يكون بين يديه ما يشغله من صورة حيوان أو غيرها " لحديث " ابن عباس عن أبى طلحة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ. أخرجه السبعة (¬2). {289} (وعن) علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلبٌ ولا جنبٌ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). {290} (وقال) الحنفيون: تكره الصلاة إلى صورة حيوان مطلقاً وإن لم تشغله أو تكون فوقه أو على يمينه أو على يساره، إلا أن تكون صغيرة لا تظهر إلا بتأمل، أو مقطوعة الرأس أو صورة غير ذى روح فلا كراهة حينئذ. لأنها لا تعبد ولا تعد تمثالا، فانتفى التشبه بعبادة غير الله تعالى الذى هو علة ¬

(¬1) ص 49 ج 11 فتح البارى. (¬2) ص 196 ج 2 منه (ذكر الملائكة) وص 83 و 84 ج 4 نووى مسلم (تحريم تصوير صورة الحيوان) وص 28 ج 3 مسند أحمد (حديث أبى طلحة زيد بن سهل .. ) وص 300 ج 2 مجتبى (التصاوير - الزينة) وص 21 ج 4 تحفة الأحوذى (الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة - الأدب) 2 و 202 ج 2 سنن ابن ماجه (الصور فى البيت - اللباس) والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة. أما الحفظة والكتبة والموكلون بقبض الأرواح فيدخلون كل بيت. (¬3) ص 83 ج 1 مسند أحمد (مسند على بن أبى طالب رضى الله عنه) وص 294 ج 3 المنهل العذب (الجنب يؤخر الفسل).

الكراهة " ولقول " سعبد بن أبى الحسن: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إنى رجل أُصَوِّر فأفتنى فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مُصَوِّر فى النار، يجعل له بكل صورة صَوَّرها نفساً فتعذِّبه فى جنهم. وقال: إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر ومالا نفْسَ له. أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {291} (ولا تكره) الصلاة فى بيت فيه صوَر مُهانه على بِساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها " لقول " أبى هريرة: استأذن جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ادخل فقال: كيف أدخل وفى بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤسها أو تجعل بساطاً يوطأ. أخرجه ابن حبان والطحاوى والنسائى (¬2). {292} " ولحديث " عائشة أنها اتخذتْ على سَهْوَة لها سِتراً فيه تماثيلُ فهتَكه النبى صلى الله عليه وسلم. فاتخذتْ منه بُمْرُقتين فَكانتا فى البيت يجلس عليهما. أخرجه البخارى وأحمد وزاد: ولقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيه صورة (¬3). {293} (وهو) يقتضى عدم كراهة الصلاة على بساط فيه صورة وإن كانت فى موضع السجود، لأن ذلك ليس بمانع من دخول الملائكة كما أفادته النصوص المخصصة. قاله ابن نجيم (¬4). (وقالت) الحنبلية: تكره الصلاة إلى صورة منصوبة أمامه ولو صغيرة لا تظهر إلا بتأمل بخلاف ما إذا كانت غير منصوبة أو لم تكن أمامه. ¬

(¬1) ص 308 ج 1 - مسند أحمد (مسند عبد الله بن العباس .. ) وص 93 ج 14 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان). (¬2) ص 365 ج 2 شرح معانى الآثار (الصور تكون فى الثياب - الكراهة) وص 302 ج 2 مجتبى (ذكر أشد الناس عذاباً) ولفظ ابن حبان: فإن كنت لابد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعهما وسائد أو اجعلهما بسطاً ص 99 ج 2 نصب الراية. (¬3) ص 75 ج 5 فتح البارى (هل تكسر الدنان - المظالم) وص 99 ج 2 نصب الراية و (السهوة) بفتح فسكون، بيت صغير منخفض يشبه الخزانة. و (نمرقتين) تثنية نمرقة بضم النون والراء وبكسرهما وسكون الميم، الوسادة الصغيرة. (¬4) ص 28 ج 2 - البحر الرائق (ما يفسد الصلاة وما يكره فيها).

" فوائد " (الأولى) اتفق العلماء على تحريم تصوير الحيوان وأنه من الكبائر، لورود الوعيد الشديد فيه "روى" ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون. أخرجه الشيخان (¬1). {294} (وعن) ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صوَّر صورة فى الدنيا كُلِّفَ أن ينفخ فيها الروحَ يومَ القيامة وليس بنافخ. أخرجه الشيخان (¬2). {295} (قال) النووى: قال أصحابنا وغيرهم: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث سواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام على كل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء أكان فى ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها (¬3). (الثانية) تصوير غير الحيوان كشجر ومنزل وغيرهما جائز اتفاقاً (لما تقدم) أن ابن عباس قال - لمن سأله عن حكم التصوير -: إن كنتَ لابدَّ فاعلا فاصنع الشجرَ وما لا نفس له (¬4) ولا فرق فى ذلك بين الشجر المثمر وغيره. (وقال) مجاهد: يكره تصوير الشجر المثمر. " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مَّمنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقىِ، فَلْيَخْلُقُوا ذَزّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِخْلُقُوا شَعِيرَةً}. أخرجه مسلم (¬5). {296} ¬

(¬1) ص 296 ج 10 فتح البارى (عذاب المصورين .. - اللباس) وص 92 ج 14 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان). (¬2) ص 303 ج 10 فتح البارى (من صور صورة كلف .. ) وص 93 ج 14 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان ... ) (وليس بنافخ) المراد أنهم يعذبون ويقال لهم: لا تزالون فى عذاب حتى تحيوا ما خلقتم. وهو محال. (¬3) ص 81 ج 14 شرح مسلم. (¬4) تقدم رقم 291 ص 207. (¬5) ص 93، 94 ج 14 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان).

(وأجاب) الجمهور بأن الحديث محمول على تصوير احيوان جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على جواز تصوير الشجر " وأما " حديث أبى أمامة أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تصور فى بيتها نخلة فمنعها أو نهاها. أخرجه ابن ماجه (¬1). {297} " فضعيف " لأن فى سنده غُفير بن مَعْدان قال أحمد: منكر الحديث ضعيف. " الثالثة " يكره تحريماً - عند الجمهور - اتخاذ ما فيه صورة حيوان من الثياب والستور والبسط وغيرها "لحديث" عائشة أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك فى بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه. أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى (¬2). {298} " ولقول " عائشة: دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سَترتُ سَهْوة لى بقِرام فيه تماثيلُ، فلما رآه هتَكه وتلوّن وجهه وقال: أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق اله قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين أخرجه الشيخان (¬3). {299} (قال) النووى: وأما اتخاذ ما فيه صورة حيوان فإن كان معلقاً على حائط، أو كان ثوباً ملبوساً أو عمامةٌ ونحو ذلك مما لا يعدّ ممتهناً، فهو حرام لا فرق فى ذلك بن ماله ظل ومالا ظل له. وإن كان فى بساط يداس ومخِدّة ووسادة ونحوها مما يمتهن، فليس بحرام. (وبهذا) قال الثورى وأبو حنيفة ومالك والشافعى وغيرهم. وقلا بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل. ¬

(¬1) ص 202 ج 2 سنن ابن ماجه (الصور فى البيت). (¬2) ص 297 ج 10 فتح البارى (نقض الصور - اللباس) وص 72 ج 4 سنن ابى داود (الصليب فى الصور - اللباس) و (التصاليب) صورة الصليب وهو ما فيه صرة عيسى أو غيره مما يعبده النصارى و (نقضه) كسره وتغيير صورته. وفى رواية أبى داود: قضبه، بالقاف والضاد المعجمة والباء الموحدة، أى قطع موضع التصليب منه فقط. (¬3) ص 299 ج 10 فتح البارى (ما وطئ من التصاوير - اللباس) وص 88 ج 14 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان).

ولا بأس بالصُّور التى ليس لها ظل. وهذا مذهب باطل، فإن السِّتر الذى أنكر النبى صلى الله عليه وسلم الصورةَ فيه، لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل ولا يتفق مع باقى الأحاديث المطلقة فى كل صورة. (وقال) الزهرى: النهى فى الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هى فيه ودخول البيت الذى هى فيه سواء أكانت رقماً فى ثوب أو غير رقم، وسواء أكانت فى حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، عملا بظاهر الأحاديث. وهذا مذهب قوى (وقال): آخرون: يجوز منها ما كان رقماً فى ثوب سواء امتهُن أم لا، عُلّق فى حائط أم لا. وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصوّراً فى الحيطان وشبهها سواء أكان رقماً أو غيره (واحتجوا) بقوله فى بعض الأحاديث: إلاّ ما كان رقماً فى ثوب (وأجمعوا) على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره إلا ما ورد فى اللعب بصورة البنات لصغار البنات، لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته (وادعى) بعضهم أن إباحة اللعب لهنّ بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث (¬1) (وجملة القول) أن اقتناء ما فيه صورة حيوان فيه أقوال (الأوّل) الجواز مطلقاً عند القاسم بن محمد وجماعة. " لقول " عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: دخلت على أبى طلحة الأنصارى أعودُه فوجدتُ عنده سهل بنَ حنَيفٍ فدعا أبو طلحة إنساناً يَنزع نمَطَاً تحته، فقال له سهل لم تنزعه؟ فقال: لأن فيه تصاويرَ وقد قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم ما قد علمتَ. قال سَهلَ: أوَ لم يقل: إلا ما كان رقْماً فى ثواب؟ فقال بلى ولكنه أطيب لنفسى. أخرجه النسائى والترمذى وقال: حسن صحيح (¬2). {300} ¬

(¬1) ص 81 ج 14 شرح مسلم (تحريم تصوير الحيوان). (¬2) ص 300 ج 2 مجتبى (التصاوير - الزينة) وص 54 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الصورة - اللباس) و (النمط) بفتحتين بساط له خمل رقيق.

(الثانى) المنع مطلقاً لإطلاق الأحاديث الواردة فى النهى عن اتخاذ ما فيه صورة. وبه قال الزهرى. (الثالث) مذهب الجمهور وهو أن الصورة إن كانت ثابتة الهيئة قائمة الشكل غير ممتهنة حرم اتخاذها. وإن كانت مقطوعة الراس أو مفرقة الأجزاء أو ممتهنة، جاز اتخاذها لما تقدم عن أبى هريرة قال: استأذن جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادخلْ. فقال: كيف أدخلُ وفى يبيتك سِتر فيه تَصاويرُ؟ فإما أن تُقطِّع رءوسُها، وإما أن تجعل بساطاً يوطَّأ. فإنا معاشِرَ الملائكة لا ندخل بيتاً فيه تصاوير (¬1). " ولحديث " عائشة أنها نصبتْ ستراً فيه تصاوير فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنزَعه قِالتْ: فقطعتُه وسادتين. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتِفق عليهما. أخرجه مسلم والطحاوى (¬2). {301} وغير ذلك من الأحاديث التى تقدم بعضها (وهذا) القول هو الراجح لكثرة أدلته الصحيحة، ولما فيه من الجمع بين الأدلة. " الرابعة " يجوز اتخاذ ما فيه صورة غير الحيوان كشجر ومنزل وجبل ومسجد وغيرها، لما تقدم م جواز تصويرها، فجواز اتخاذها أولى. هذا متفق عليه. (42) ويكره للمصلى تكرير الفاتحة كلاً أو بعضاً عند الحنفيين والشافعى لعدم وروده. فإن كرّرها سهواً سجد للسهو، وكذا إن كرّرها عمداً عند الشافعية، ويأثم عند الحنفيين وعليه إعادة الصلاة لرفع الإثم. (وقالت) الحنبلية: يكره تكرارها فى ركعة، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه. وفى إبطال الصلاة بتكريرها قولان. ¬

(¬1) تقدم رقم 292 ص 207. (¬2) ص 89 ج 4 نووى مسلم (تحريم تصوير الحيوان). وص 264 ج 2 شرح معانى الآثار (الصور تكون فى الثياب).

(وقالت) المالكية: يحرم تكريرها عمداً ولا تبطل به الصلاة، وإن كررها سهواً سجد للسهو. (43) ويكره - عن الجمهور - ترك أذكار الركوع والسجود والرفع منهما والنقص عن ثلاث تسبيحات فيهما. لمخالفته السنة. (44) ويكره - عند الجمهور - للمصلى تأخير الأذكار المشروعة فى الانتقال من ركن إلى ركن إلى غير محلها، بأن يكبر للركوع بعد إتمامه، ويقول سمع الله لمن حمده بعد اعتداله، لأن السنة تعمير الركن بذكره بأن يبتدئ الذكر عند ابتداء الانتقال وينتهى بانتهائه (وقالت) المالكية: إن ذلك خلاف المندوب (وقالت) الحنبلية: إنه مبطل للصلاة إن تعمده، ويجب عليه سجود السهو عن فعله ساهياً، لأن تعمير الأركان بالذكر واجب عندهم. (45) ويكره تطويل الركعة الثانية على الأولى بثلاث آيات فأكثر فى كل الفرائض اتفاقاً. وكذا النفل على الأصح، لأنه خلاف السنة. وهذا فيما لم يرد فيه نص خاص. أما هو فلا يكره كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى أولى الجمعة والعيدين بسبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية بالغاشية وهى تزيد على الأعْلى بسبع آيات (وقال) الزاهدى: الزيادة تختلف بحسب السوَر فإن كانت السوَر قصاراً فالثلاث آيات زيادة كثيرة مكروهة. وإن كانت طوالا فالسبع آيات زيادة يسيرة غير مكروهة (¬1). وأما إطالة الثالثة على الثانية أو الأولى، فلا تكره عند الحنفيين. (46) ويكره عد الآى والتسبيح بقبض الأصابع عند أبى حنيفة والشافعى ¬

(¬1) ص 193 الطحاوى على مراق الفلاح (فى المكروهات).

لأنه يشغل عن الخشوع فى الصلاة " وروى " أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كره عدّ الآى فى الصلاة. أخرجه أبو يوسف (¬1). {83} (وعن) أبى يوسف ومحمد والحنابلة: إنه لا باس به " لقول " أنس: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يعْقِد الآى بأصابعه. أخرجه محمد بن خلف. {302} وعدّ اتسبيح فى معنى عدّ الآى (وتوقف) أحمد فى عدّ التسبيح، لأنه يتوالى فيكثر به العمل، بخلاف عدّ الآى. ولا يكره عدّ ما ذكر بغمز الأنامل ولا إحصاؤه بالقلب اتفاقاً، كعدّ التسبيح فى صلاة التسابيح. (47) يكره تحريماً عند الحنفيين ترك واجب عمداً. هذا. والضابط الكلى أنه يكره للمصلى ترك سنة عمداً، أو فعل ما ينافى الخشوع والكمال. ومنه صلاة الرجل عارى الرأس لما فيه من ترك الزينة المأمور باتخاذها حال الصلاة (قال) الله تعالى: يا بنى آدَمَ خُذوا زِينتكم عند كل مسجد (¬2) " أُمروا بالتجمل حال الصلاة. ومنه ستر الرأس، ولذا قال العلماء: يسن للرجل أن يكون فى صلاته على أفضل الحالات وأكمل الهيئات اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم واقتداء بالصورة التى نقلها الثقات من هديه صلى الله عليه وسلم حال صلاته (قال) رجل من الأنصار لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن العمامة سنة؟ فقال نعم. أخرجه ابن أبى عاصم فى كتاب الجهاد. {84} (وقال) ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعْتمّوا تزدادوا حلْماً. أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير والحاكم وصححه ورُدّ بأن فيه عُبيد الله بن أبى حُميد وهو متروك (¬3). {303} (ومن) طريقه عن أبى المليح بن أسامة بن عُمير عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اعْتموا تزدادوا حلماً وقال على رضى الله عنه: العمائم تيجانُ العرب. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬4). {304} ¬

(¬1) رقم 174 ص 35 الآثار. (¬2) الأعراف آية: 31. (¬3) ص 119 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم). (¬4) ص 261 ج 3 تيسير الوصول (العمائم - اللباس) وانظر رقم 1143 ص 555 ج 1 - فيض القدير. والحديث وإن كان ضعيفاً فقد روى من طرق يقوى بعضها بعضاً.

(الخامس) المواضع المنهى عن الصلاة فيها

ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى - فى غير الإحرام - وهو حاسر الرأس دون عمامة مع توفر الدواعى لنقله لو فعله. ومن زعم ثبوت ذلك فعليه الدليل. والحق أحق أن يتبع. (الخامس) المواضع المنهى عن الصلاة فيها هى كثيرة المذكور منها هنا خمسة عشر: (1) تكره الصلاة فى المقبرة (¬1) عند الحنفيين والثورى والأوزاعى وابن المنذر وابن عباس وعمر وأبى هريرة وأنس وعطاء والنخعى وطاوس وعمرو بن دينار سواء أكانت المقبرة أمامه أم خلفه أم تحت ما هو واقف عليه " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا إلى قبر ولا تُصلّوا على قبر: أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفيه عبد الله بن كيسان المروزى ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان (¬2). {305} (وعن) أبى مَرثد الغنوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلوا عليها. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والبيهقى (¬3). {306} (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لعَن الله اليهودَ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. أخرجه مسلم والنسائى (¬4). {307} (ومحله) إذا لم يكن فى المقبرة موضع أعِدّ للصلاة لا تجاسه فيه ولا قذَر، وإلا فلا كراهة. وقيل لا تكره الصلاة فى المقبرة إلا إذا كان القبر بين يدى ¬

(¬1) المقبرة، بفتح الميم وكسرها وضم الموحدة وفتحها، فالضم وهو المسموعُ بمعنى البقعة المتخذة لدفن الميت، والفتح بمعنى مكان الدفن. (¬2) ص 27 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة بين القبور ... وإليها). (¬3) انظر رقم 564 ص 318 ج 7 الدين الخالص (الصلاة على القبر). (¬4) انظر رقم 7 ص 3 ج 8 منه (محظورات القبر)

المصلى بحيث يراه لو نظر موضع سجوده (وقالت) الحنبلية والظاهرية: تحرم الصلاة ولا تصح فى المقبرة، وهى ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر لا فرق بين المنبوشة وغيرها، ولا بين أن يُفْرش فيها شئ يقى من النجاسة أم لا. أما ما فيها قبر أو قبران، فالصلاة فيها صحيحة مع الكراهة إن استقبل القبر وإلا فلا كراهة (وقالت) اشافعي: إذا كانت المقبرة منبوشة واختلطت بما يخرج من الموتى لا تصح الصلاة فيها للنجاسة. فإن صلى فى مكان طاهر منها صحت مع الكراهة. وكذا إن كانت غير منبوشة أو شك فى نبشها على الأصح. (وقالت) المالكية: لا تكره الصلاة فى المقابر " لحديث " جُعلتْ لىَ الأرض طُهوراً ومسجداً. أخرجه أبو داود عن أبى ذر (¬1). {308} (وحملوا) أحاديث النهى عن الصلاة ف المقبرة على ما إذا كان بها نجاسة (وردّ) بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كلّ الأرض مسجدٌ وطَهور إلا الحمام والمقبرة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والبيهقى وابن ماجه عن أبى سعيد (¬2). {309} (فهذا) الحديث ونحوه (¬3) خاص يقيِّد عمومَ حديث: جُعلت لى الأرض طُهوراً ومسجداً. وأحاديث النهى عن الصلاة فى المقبرة مطلقة لا دليل على تقييدها بما إذا كان فيها نجاسة، بل المقبرة وغيرها فى ذلك سواء. ¬

(¬1) ص 111 ج 4 - المنهل العذب (المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة). (¬2) 99 ج 3 - الفتح الربانى. وص 116 ج 4 - المنهل العذب (المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة) وص 263 ج 1 تحفة الأحوذى (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) وهذا لفظ الحديث عند غير أحمد. وص 435 ج 2 - السنن الكبرى (النهى عن الصلاة فى المقبرة والحمام) وص 130 ج 1 سنن ابن ماجه (المواضع التى تكره الصلاة فيها). (¬3) (ونحوه) كحديث: جعلت لى كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً. أخرجه أحمد والضياء المقدسى عن أنس. فإنه يدل عى أن المراد أرض مخصوصة هى الطيبة. ومعلوم أن المقبرة ليست منها. فانتفى العموم الذى تمسك به المالكية.

(وحكمة) النهى عن الصلاة فى المقبرة ما قد يتصل بالمصلىِّ من نجاسة، وقيل لحرمة الموتى. (2) وتكره - عند الجمهور - الصلاة فى الحمام غير المتنجس " لحديث " أبى سعيد السابق (وقال) أحمد والظاهرية وأبو ثور: لا تصح الصلاة فيه، لظاهر هذا الحديث " ولقول " ابن عباس: لا يُصلَّين إلى إلى حُش (¬1) ولا فى حمام {85} (وقال) ابن حزم: لا تحل الصلاة فى حمام سواء فى ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده، ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالى حيطانه خرباً كان أو قائماً. فإن سقط نبنائه شئ وسقط عنه اسم الحمام جازت الصلاة فى أرضه حينئذ. (وقالت) المالكية: تصح الصلاة فى الحمام بلا كراهة، لعموم حديث وجعلت لى الأرض طهوراً ومسجداً (وردّ) بأنه عام مخصص بحديث النهى عن الصلاة فى حمام ونحوه. (وحكمة) النهى عن الصلاة فى الحمام أنه محل النجاسات ومأوى الشياطين. (3 - 7) وتكره الصلاة فى المزبَلة. والمجزَرة. وقارعة اطريق: وأعطان الإبل وفوق الكعبة " لحديث " ابن عمران أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلىَّ فى سبعة مواطن: فىِ المزبَلة والمجزَرة والقمبرة وقارعة الطريق وفى الحمام وفى أعطان الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى. أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال: إسناده ليس بذاك القوى (¬2). {310} " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلوا فى مَرِابض الغنم ولا تُصلّوا فى أعطان الإبل. أخرجه أحمد وابن ماجه ¬

(¬1) الحش، بضم الحاء وفتحها، بيت الخلاء. (¬2) ص 130 ج 1 سنن ابن ماجه (المواضع التى تكره فيها الصلاة) وص 280 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية يصلى إليه وفيه) و (أعطان) جمع عطن بفتحتين، وهو مبرك الإبل حول الماء. وروى بلفظ معاطن ومبارك ومزايل ومناخ. وهى أعم من المعاطن.

والترمذى وقلا حسن صحيح. {311} (وهو) يدل على جواز الصلاة فى مرابض الغنم وهو متفق عليه. وعلى تحريمها فى معاطن الإبل. وإليه ذهب أحمد فقال: لا تصح بحال وقال: من صلىَّ فى عَطن إبل أعاد أبداً (وحمل) الجمهور النهى على القول بأن علة النهى هى النجاسة، وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها. وقد تقدم فى بحث " ما اختلف فى نجاسته " بيان الخلاف فيها وأن الراجح طهارتها (¬1). ولو سلمنا نجاستها لم يصح جعلها علة، لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم، إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها. وأيضاً قد قيل إن حكمة النهى ما فيها من النفور فربما نفرت وهو فى الصلاة فيؤدى إلى قطعها أو إلى أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهى عن الخشوع فى الصلاة. وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل فى معاطنها وبين غيبتها عنها، إذ يؤمن نفورها حينئذ (وقيل) الحكمة فى النهى كونها خلفت من الشياطين (ويرشد) إلى هذا قول عبد الله بن مغفّل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُصلّوا فى عَطن الإبل فإنها من الجن خلقت، ألا ترَونَ عيونها وهبابها إذا نفرت (الحديث) أخرجه أحمد بسند صحيح (¬2). {312} (والحق) حمل النهى فيه لعى التحريم كما قال أحمد والظاهرية. (قال) ابن حزم: إن أحاديث النهى عن الصلاة فى أعطان الإبل متواترة تواتراً يوجب العلم (وأما) الأمر بالصلاة فى مرابض الغنم، فأمر إباحة ليس ¬

(¬1) تقدم ص 352 ج 1 - طبعة ثانية. (¬2) ص 55 ج 5 مسند أحمد (حديث عبد الله بن مغفل رضى الله عنه) و (الهباب) بكسر الهاء، نشاط كل سائر كالهبوب والهيب.

للوجوب اتفاقاً. وإنما نبه النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك. لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل، أو أنه اخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين، فأجاب فى الإبل بالمنع. وفى الغنم بالإذن (وأما) الترغيب المذكور فى الأحاديث بلفظ: فإنها بركة (فهو) لقصد تبعيدها عن حكم الإبل، كما وصف أصحاب الإبل بالغلظة والقسوة، ووصف أصحاب الغنم بالسكينة. (وأما) علة النهى عن الصلاة فى المزبلة والمجزرة فلكونها محلين للنجاسة فتحرم الصلاة فيهما من غير حائل اتفاقاً، ومع الحائل تكره عند الجمهور. وتحرم عند أحمد والظاهرية. وقيل إن العلة فى المجزرة كونها مأوى الشياطين. (وأما) علة النهى عنها فى قارعة الطريق، فلما فيها من شغل الخاطر بمرور الناس ولغطهم المؤدّى إلى ذهاب الخشوع الذى هو سر الصلاة ولأنها مظنة النجاسة: (وأما) علة النهى عنها فوق الكعبة، فلأنا مأمورون بالصلاة إليها لا عليها. واختلفت الأئمة فى الصلاة عليها (فقالت) المالكية: لا يجوز الفرض فوقها ولو كان بين يديه بعض بنائها (وأما النفل) ففيه أقوال ثلاثة: قيل بالمنع مطلقاً. وقيل بالجواز مطلقاً. وقيل بمنع المؤكدون غيره. والراجح الأول: ووافقهم الحنبلية فى الفريضة وقالوا بجواز النافلة من غير خلاف. (وقالت) الشافعية: تصح فوقها الفريضة والنافلة بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثى ذراع (وقال) الحنفيون: تصح الصلاة فرضاً ونفلا فوقها مع الكراهة. لما فى ذلك من ترك التعظيم. (8) وتكره الصلاة - عند الجمهور- إلى جدار مرحاض " لقول " عبد الله بن عمرو: لا يصلىّ للحُش {86} " ولقول " على: ل يصلى تجاه حش. أخرجهما ابن أبى شيبة فى مصنفه {87} (وذكر) الطبرى فى شرح التنبيه: أنه يكره استقبال الجدار والنجس والمتنجس فى الصلاة (وقال)

ابن حبيب المالكى: من تهمد الصلاة إلى نجاسة بطلت صلاته إلا أن يكون بعيداً جداً. (وقال) العراقى فى شرح الترمذى: نص الشافعى على أنه لا تكره الصلاة وبين يديه جيفة. (9) وتكره الصلاة فى أرض عُذِّبَ أهلها كأرض بابل وثمود. (قال) البخارى: ويذكر أن علياً كره الصلاة بخسْف بابل (¬1) {88} " وروى " عبد الله بن أبى المُحِلِّ العامرى قال: كنا مع علىّ فمررنا على الخسْف الذى ببابل فلم يصلّ حتى أجازه. أخرجه عبد الرازق وابن أبى شيبة (¬2) {89} (وعن) حجر بن العنبس أن علياً قال: ما كنتُ لأصلىّ فى أرض خَسَف الله بأهلها قاله ثلاثاً. أخرجه ابن أبى شيبة (¬3) {90}. (وقد كان) صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بأرض قد عُذِّب أهلها كديار ثمود جَدّ السير وقنع رأسه. (10) وتكره - عند الحنفيين - الصلاة فى الأرض المغصوبة إن كانت لذمىّ مطلقاً. أو لمسلم وهى مزروعة أو محروثة، ولم يكن بين المصلىّ وصاحبها ¬

(¬1) ص 357 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى موضع الخسف .. ) و (بابل) مدينة قديمة بالعراق. كان يجرى بها الفرات فحوله بختنصر على موضعه الآن. وأول من نزلها وعمرها عقب الطوفان سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام. والمراد بالخسف هنا ما ذكره الله بقوله: قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون آية 26. النحل وسببه أن النمروذ بن كنعان ملك بابل كان من أكبر ملوك الأرض فى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام وكان قد طغى وبغى وتجير وآثر الحياة الدنيا، ولما دعاه سيدنا إبراهيم إلى عبادة الله وحده، حمله الجهل والضلال على إنكار الصانع. فحاج إبراهيم فى ربه وادعى لنفسه الربوية. فلما حاجة إبراهيم وغلبه وبهت الذى كفر ولم يرتدع واستمر على ضلاله وطغيانه، أهلكه الله وقومه. قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاء الثانية فابى، وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعى، فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، فأرسل الله عليهم ذباباً من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وجلودهم وتركتهم عظاماً بادية، ودخلت واحدة منها فى منخر الملك فكثت فيه أربعمائة سنة عذبه الله بها، فكان يضرب رأسه المرازب فى هذه المدة حتى أملكه الله بها. أفاده ابن كثير ص 148 ج 1 - البداية والنهاية. (¬2) ص 357 ج 1 - فتح البارى (الشرح). (¬3) ص 357 ج 1 - فتح البارى (الشرح).

صداقة، أو كان صاحبها سيئ الخلق، فحينئذ يصلى فى الطريق وتكره الصلاة فيها، وعليه إثم غصبه كالصلاة فى ثوب مغصوبة. (وقالت) المالكية والشافعية والجمهور: تحرم الصلاة فى الأرض المغصوبة مع صحة الصلاة (وقالت الحنبلية): تحرم الصلاة فى المغصوب. وفى صحة الصلاة فيه روايتان (قال) ابن قدامة: هل تصح الصلاة فى المغصوب؟ على روايتين إحداهما لا تصح والثانية تصح. وهو قول أبى حنيفة والشافعى لأن التحريم لا يختص الصلاة ولا النهى يعود إليها فلم يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة. ووجه الرواية الأولى أنه استعمل ما يحرم عليه استعماله فلم تصح. كما لو صلى فى ثوب نجس. وأما إذا صلى فى عمامة مغصوبة أو بيده خاتم من ذهب. فإن الصلاة تصح. لأن النهى لا يعود إلى شرط الصلاة. وإن صلى فى دار مغصوبة، فالخلاف فيها كالخلاف فى الثوب المغصوب، إلا أن أحمد قال فى الجمعة تصلى فى مواضع الغصب، لأنها تختص بموضع معين فالمنع من الصلاة فيه إذا كان مغصوباً يفضى إلى تعطيلها (¬1) (وقال) الغزالى: المواضع التى بناها الظلمة كالقناطر والرباطات والمساجد والسقايات، ينبغى أن يحتاط فيها وينظر (أما القنطرة) فيجوز العبور عليها للحاجة. والورع الاحتراز ما أمكن، وإن وجد عنه مَعْدِلا تأكد الورع، وإنما جوزنا العبور وإن وجد معدلا، لأنه إذا لم يعرف لتلك الأعيان مالكاً كان حكمه أن يرصد للخيرات وهذا خير. فأمام إذا عرف أن الآجرّ والحجر قد نقلا من دار معلومة أو مقبرة أو مسجد معين فهذه لا يحل العبور عليها أصلا إلا لضرورة يحل بها مثل ¬

(¬1) ص 629 ج 1 مغنى (ما يحرم لبسه والصلاة فيه).

ذلك من مال الغير. ثم يجب عيه الاستحلال من المالك الذى يعرفه. (وأما المسجد) فإن بُنى فى أرض مغصوبة أو بخشب مغصوب من مسجد آخر أو ملك معين، فلا يجوز دخوله أصلا ولا للجمعة وإن كان من مال لا يُعرف مالكه، فالورع العدول إلى مسجد آخر إن وجد فإن لم يجد غيره فلا يترك الجمعة والجماعة به، لأنه يحتمل أنِ يكون من ملك الذى بناه ولو على بعد. وإن لم يكن له مالك معين فَهَو لمصَالح المسلمين. وأما الْخَلوق والتخصيص فلا يمنع من الدخول، لأنه غير منتفع به وإنما هو زينة. والأولى أنه لا ينظر إليه (¬1). (11 و 12) وتكره الصلاة فى الكنيسة والبيعة " بكسر الباء وهى معبد اليهود " إذا كان فيهما تصاوير عند الحنبلية لقول عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التى فيها الصور {90} وكان ابن عباس يصلى فى البيعة إلا بيعة فيها تماثيل. ذكرهما البخارى {91} (وقد وصل) أثر ابن عباس البغوى وزاد فيه: فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى فى المطر (ووصل) أثر عمر عبد الرازق من طريق أسْلم مولى عمر قال: لما قدِم الشامَ صنع له رجل من النصارى طعاماً وكان من عظمائهم وقال: أنا أحِب أن تجيبنى وتُكرِمَنى فقال له عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التى فيها (¬2). أما الخالية من الصور فالصلاة فيها مباحة. وعليه يُحمل ما روى سهل بن سعِد عن حَميد عنْ بكثرٍ قال: كَتِب إلى عُمر من نجران أنهم لم يجدوا مكاناً أنظف ولا جود من بيعة، فكتب: انضحوها بماء وسِدْر وصلوا فيها. أخرجه ابن أبى شيبة. ¬

(¬1) ص 114 ج 2 إحياء علوم الدين (الباب السادس من كتاب الحلال والحرام) و (الخلوق) بفتح فضم، نوع من الطيب. (¬2) ص 358 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى البيعة) و (التى) فى أثر عمر صفة لكنائسكم. وفيها غير مقدم. والصور مبتدأ مؤخر والجملة صلة التى.

(وقالت) الحنفية والشافعية: تكره الصلاة فيها مطلقاً، ولعل وجهه اتخاذُهم قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، فتصير جميع البيع والكنائس مظنة لذلك (ويؤيده) حديث عائشة أن ألم سلمة ذكرتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرتْ له ما رأَتْه فيها من الصُّور. فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك قوم إذا مات فيهم العبدُ الصالح أو الرجل الصالح. بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله. أخرجه الشيخان والنسائى (¬1). {313} (وقالت) المالكية: تكره الصلاة فيها إن دخلها اختياراً ويُعيد فى الوقت إن كانت عامرة. ولا يُعيد إن كانت دارسة. أما إن دخلها مضطراً فلا تكره الصلاة فيها (ولم ير) الشعبى وعطاء بن أبى رباح وابن سيرين بالصلاة فى الكنسية بأساً. وصلى أبو موسى الأشعرى وعمر بن عبد العزيز فى كنيسة. (13) وتكره الصلاة فى مسجد فيه بدعة " لقول " مجاهد: كنت مع ابن عمر فثوب رجل فى الظهر أو العصر فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه أبو داود: (وقال) الترمذى: وروى عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أذِّن فيه ونحن نريد أن نصلىّ فيه فثوّب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد قال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه (¬2) {92} (وقصدَ) ابن عمر بخروجه من المسجد زجرَ المبتدع عن الحدث فى الدين والتنفيرَ من البدع، وانه يطلب البعد عن المكان الذى حدثت فيه بدعة. (14) وتكره الصلاة فى بطن الوادى إن خيف سيل يُذهب الخشوع ¬

(¬1) ص 358 ج 1 فتح البارى. وص 11 ج 5 نووى مسلم (النهى عن بناء المسجد على القبور .. ) وص 115 ج 1 - مجتبى (النهى عن اتخاذ القبور مساجد) و (مارية) بتخفيف الياء آخر الحروف. (¬2) تقدم ص 56، 57 ج 2 طبعة ثانية.

وإن لم يتوقع ذلك فلا كراهة. (15) وتكره الصلاة فى مسجد الضرار (¬1) عند الجمهور لقول الله تعالى {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} (¬2) (وقال) ابن حزم: لا تجزئ الصلاة فى مسجد أحدِث مباهاة أو ضراراً ¬

(¬1) مسجد الضرار هو مسجد أسسه اثنا عشر رجلا من المنافقين مضارة لأهل مسجد قباء، بنوه بأمر أبى عامر الراهب رجل ترهب وتنصر فى الجاهلية وكان له شرف فى الخارج، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وظهر أمره، تغيظ اللعين أبو عامر وقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذى جئت به. قال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال أبو عامر: فأنا عليها. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: إنك لست عليها. قال أبو عامر: بلى ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية. فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريداً غريباً وحيداً فقال النبى صلى الله عليه وسلم: آمين، وسماه أبا عامر الفاسق، وخرج أبو عامر فاراً إلى كفار مكة فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد، فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم الله وكانت العاقبة للمتقين، وما زال الفاسق يخرج مع المشركين فى كل حرب يقاتلون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن يئس الفاسق، فخرج هارباً إلى الشام يستنصر هرقل على النبى صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من أهل النفاق: أن أعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يكون مرصداً له إذا قدم عليهم فبنوا مسجداً بجوار مسجد قباء وأحكموه قبل خروج النبى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فأتوه صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا نبينا مسجداً لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة، ونحب أن تصلى فيه وتدعو بالبركة، فقال: إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .. فلما رجع صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يبق بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما قصد بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المسلمين فى مسجد قباء الذى أسس من أول يوم على التقوى. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم من بنى سالم بن عوف، ومعن بن عدى وقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه، فخرجا سر يعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف. فقال مالك لمعن: أنظرنى حتى أخرج إليك بنار من أهلى فدخل أهله وأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرق أهله وفيهم نزل (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً) (" " أى إعداداً " لمن حارب الله ورسوله من قبل " أى قبل بنائه " " وهو أبو عامر الفاسق " وليحلفن إن أردنا إلا " الفعلة " الحسنى " وهى الرفق بالمسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعجز عن المسير إلى مسجد قباء " والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبداً) ومات أبو عامر الفاسق بالشام طريداً غريباً وحيداً إجابة لتأمين النبى صلى الله عليه وسلم. (¬2) التوبة آية: 108

(السادس) الصلاة فى الكعبة

على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول (¬1) ثم قال: ولا تجُزئ الصلاة فى مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشئ م الدين أو فى مكان يُكْفر بشئ من ذلك فيه. فإن لم يتمكن من الانتقال إلى مكان آخر صلى وأجزأته صلاته (¬2). (السادس) الصلاة فى الكعبة الكعبة هى البيت الحرام، سمى بها لتربعه وارتفاعه. وهى اسم للبقعة إلى السماء ولو بلا بناء. والصلاة فيها صحيحة بلا كراهة فرضاً ونفلا عند الحنفيين والشافعى والثورى وغيرهم " لقول " ابن عمر رضى الله عنهما: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامةُ بن زيدٍ وبلال وعثمانُ بن طلحةُ، فأغلقوا عيهم البابَ، فلما فتحوا كنتُ أولَ مَنْ وَلج فلقيتُ بلالا فسألتهُ هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم بين العمودين اليمانيْين. أخرجه أحمد والشيخان (¬3). {314} (وقال) مالك وأحمد: يجوز فيها صلاة النفل المطلق دون الفرض والسنن المؤكدة كالوتر، لظاهر ما تقدم عن مجاهد قال: أتِىَ ابنُ عمر فقيل له: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فقال ابن عمر فأقبلتُ والنبى صلى الله عليه وسلم قد خرج فسالت بلالا: أصلّى النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة؟ قال: نعم ركعتين بين السَّاريتين عن يسارك إذا دخلتَ، ثم خرج فصلىّ فى وجه الكعبة ركعتين. أخرجه البخارى (¬4). (ورد) بأنه وإن كان ظاهراً فى صلاة النفل فليس هناك ما يدل على التفرقة (وقال) ابن جرير وأصبغ المالكى وجماعة من الظاهرية: لا يجوز ¬

(¬1) ص 44 ج 4 - المحلى (مسألة 399). (¬2) ص 45 منه (مسألة 400). (¬3) ص 301 فتح البارى (إغلاق البيت ويصلى فى أى نواحيه) وص 86 ج 9 نووى مسلم (دخول الكعبة ... ). (¬4) تقدم مختصراً رقم 153 ص 111 (الصلاة بين الأعمدة).

فيها الفرض ولا النفل، وحكى عن ابن عباس (فقد) قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم دخل البيت وكبَّر فى نواحيه ولم يصلِّ فيه. أخرجه البخارى (¬1) {315} ... " وعن " ابن عباس عن أخيه الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فى الكعبة فسبّح وكبَّر ودعا الله عز وجل واستغفر ولم يركع ولم يسجد. أخرجه أحمد (¬2). {316} (وروى) مسلم نفى الصلاة فيها من طريق ابن عباس عن أسامة (¬3) (ورد) بأن إثبات بلالٍ أرجحُ، لأنه كان مع النبى صلى الله عليه وسلم دون ابن عباس. وإنما استند هذا فى نفيه إلى أخيه الفضل مع أنه لم يثبت أنه كان معهم إلا فى رواية شاذة " وما روى " عن أسامة من نفى الصلاة فيها " معارض ": (أ) بما روى محمدُ بن على أبو جعفرٍ عن أسامة بن زيد قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيت. أخرجه أحمد (¬4). {317} (ب) بما قال أبو الشعثاء: خرجت حاجاً فدخلت البيت فلما كنت عند الساريتين وجاء ابن عمر فصلى أربعاً فقلت له أين صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من البيت؟ فقال: ها هنا أخبرنى أسامة بن زيد أنه صلى (الحديث) أخرجه أحمد (¬5). {318} (فالراجح) القول بجواز الصلاة فيها مطلقاً (وعليه) فإن صلى الإمام فيها جماعة فلا يخلو من أحد وجوه أربعة (الأول والثانى): أن يجعل المأموم وجهه أو ظهره إلى ظهر الإمام، فصلاته صحيحة بلا كراهة. لأنه متوجه إلى القبلة وليس متقدماً على إمامه (الثالث) أن يجعل وجهه إلى وجه الإمام. فصلاته صحيحة - لعدم تقدمه - مع الكراهة لاستقباله الصورة بلا حائل ¬

(¬1) ص 304 فتح البارى (من كبر فى نواحى الكعبة). (¬2) ص 210 ج 1 مسند أحمد (مسند الفضل بن عباس رضى الله عنهما). (¬3) ص 87 ج 9 نووى مسلم (دخول الكعبة). (¬4) ص 201 ج 5 مسند أحمد (حديث أسامة بن زيد رضى الله عنهما). (¬5) ص 204 منه.

(السابع) أحكام المساجد

(الرابع) أن يجعل ظهره إلى وجه الإمام، فلا تصح صلاته، لتقدمه على إمامه فى جهته. (السابع) أحكام المساجد خصت هذه الأمة بجواز الصلاة فى أى موضع من الأرض غير ما تقدم من المواضع المنهى عن الصلاة فيها لما فى " حديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: وجُعِلتْ لِىَ الأرضُ طهوراً ومسجداً، فأيُّمَا رجل من أمتى أدركته الصلاة فليْصل حيث أدركته. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (¬1). {319} والكلام هنا ينحصر فى عشرة فروع: (1) فضل بناء المساجد: من بنى مسجداً مخلصاً لله تعالى فله أجر عظيم وثواب دائم. وقد ورد فى ذلك أحاديث (منها) حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ بنى لله مسجداً ولو كَمَفْحَص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً فى الجنة. أخرجه أحمد وابن حبان والبزار بسند جيد (¬2). {320} (وحديث) عثمانَ بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجداً يبتغى به وجه الله بنى الله له مثله فى الجنة. أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬3). {321} ¬

(¬1) ص 187 ج 2 - الفتح الربانى وص 298 ج 1 فتح البارى (التيمم) وص 3 ج 5 نووى مسلم (المساجد) وص 73 ج 1 مجتبى (التيمم بالصعيد) وأوله: أعطيت خمساً. (¬2) ص 47 ج 3 - الفتح الربانى. و (مفحص)، كمذهب موضع تبيض فيه القطاة. وهى طائر. وهو محمول على المبالغة، لأن المفحص لا يكفى للصلاة، أو محمول على أن يشترك جماعة فى بناء مسجد فتكون حصة كل قدر المفحص. (¬3) ص 46 ج 3 - الفتح الربانى. وص 365 ج 1 فتح البارى (من بنى مسجداً) وص 14 ج 5 نووى مسلم (فضل بناء المساجد) وص 129 ج 1 سنن ابن ماجه (من بنى الله مسجداً) (وص 264 ج 1 تحفة الأحوذى فضل بنيان المساجد).

وهذا من باب التقريب، وإلا فما فى الجنة لا مثيل له. (وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنّ مما يلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناتِه بعد موته علماً علمه ونشره، وولدا صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله فى صحته وحياته تلحقه من بعد موته أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن (¬1). {322} (وحديث) عمرو بن عتبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجداً لِيُذْكَرَ اللهُ تعالى فيه بنى الله له بيتاً فى الجنة. أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد (¬2). {323} (2) اتخاذ القبور مساجد: يجوز - عند الجمهور - نبش قبور الكفار واتخاذ أرضها مسجداً " روى " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أُمِر ببناء المسجد فأرسلَ إلى بنى النجّار فقال يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم هذا فقالوا: والله ما نطلبُ ثمنهُ إلا إلى الله وكان فيه قبورُ المشركين وفيه خرِب وفيه نخْل، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فَنُبِشتْ، ثم بالخَرِبَ فَسُوِّيتْ ثم بالنخل فَقُطِعَ. فصَفوا النخل قبله المسجد، وجعلوا عِضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجون والنبى صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول: اللهم لا خير إلا خيرُ الآخرة. فانصرَ الأنصار والمهاجِرهْ. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى من حديث طويل (¬3). {324} ¬

(¬1) انظر رقم 2497 ص 540 فيض القدير. (¬2) ص 47 ج 3 - الفتح الربانى. وص 112 ج 1 مجتبى (الفضل فى بناء المساجد). (¬3) ص 76 ج 3 الفتح الربانى وصدره: كان موضع مسجد النبى صلى الله عليه وسلم لبنى النجار فقال لهم امنونى وص 354 ج 1 فتح البارى (هل تنبش قبور مشركى الجاهلية؟ ) وص 6 ج 5 نووى مسلم (المساجد ... ) وص 52 ج 4 - المنهل العذب (بناء المساجد) وص 114 ج 1 = مجتبى (نبش القبور واتخاذها مساجد) و (أمر ببناء المسجد) أى مسجد المدينة. و (ثامنون)، أى ساومونى فى الثمن. و (إلا إلى الله) إلى بمعنى من. وقد صرح بها عند الإسماعيل قال: فقالوا لا نطلب ثمنه إلا من الله. وزاد ابن ماجه: ابداً. وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمناً " ولا ينافيه " ما رواه ابن سعد فى الطبقات عن الواقدى أن النبى صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها أبو بكر رضى الله عنه " لأن هذا " كان من بنى النجار فى مبدأ المساومة، فلما تبين أن الأرض كانت ليتيمين لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم منهما التبرع فأمر أبا بكر بدفع الثمن لهما. و (خرب) بفتح الخاء وكسر الراء بعدها موحدة، جمع خربة ككلم وكلمة (وحكى) الخطابى كسر أوله وفتح ثانيه، جمع خربة كعنب وعنبة .. و (عضادتيه) تثنية عضادة بالكسر جانب الباب.

(دل) الحديث على جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها (وقال) الأوزاعي: لا يجوز نبش قبر الكافر لبناء موضعه مسجدًا (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (الحديث) أخرجه مسلم. {325} نهى أن ندخل بيوتهم فكيف قبورهم (ورد) بأن هذا قياس معارض بالنص فلا يعول عليه (وأما بناء المساجد) فى مقابر المسلمين فلا يجوز ما لم تندرس " لحديث " جُنْدُب بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، إنى أنهاكم عن ذلك. أخرجه مسلم والنسائى (¬1). {326} فاتخاذ القبور التى لم تندرس مساجدَ حرام كما يحرم بناء المساجد على القبور ¬

(¬1) ص 111 ج 18 نووى مسلم (النهى عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكياً - الزهد) و (الحجر) بكسر فسكون، مساكن ثمود بوادى القرى بين المدينة والشام.

ويجب هدم كل مسجد بنى على قبر (¬1). وإنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة فى تعظيمه والافتتان به وربما أدّى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية. " ولما " احتاجت الصحابة والتابعون رضى الله عنهم إلى الزيادة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، وفيها حجرة عائشة مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبى بكر وعمر " بنوا " على القبر حيطاناً مرتفعة ¬

(¬1) ومن هذا المسجد الذى بنى على مغارة الخليل بفلسطين (قال) تقى الدين ابن تيمية (ولما كان) اتخاذ القبور مساجد وبناء المسجد عليها محرماً، ولم يكن شئ من ذلك على عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر، وكان الخليل عليه السلام فى المغارة التى دفن فيها وهى مسدودة لا أحد يدخل إليها، ولا تشد الصحابة الرحال لا إليه ولا إلى غيره من المقابر، لأن فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدى هذا، والمسجد الأقصى (يأتى رقم 348 ص 240) (فكان) يأتى من يأتى منهم إلى المسجد الأقصى يصلون فيه ثم يرجعون لا يأتون مغارة الخليل ولا غيرها، وكانت مغارة الخليل مسدودة حتى استولى النصارى على الشام فى أواخر المائة الرابعة، ففتحوا الباب وجعلوا ذلك المكان كنيسة. ثم إلى فتح المسلمون البلاد اتخذه بعض الناس مسجداً وأهل العلم ينكرون ذلك " والذى " يرويه بعضهم فى حديث الإسراء انه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: هذه طيبة أنزل فصل فنزل فصلى .. هذه مكان أبيك أنزل فصل " كذب " موضوع لم يصل النبى صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا فى المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك فى الصحيح، ولا نزل إلا فيه (ولهذا) لما قدم الشام من الصحابة من لا يحصى عددهم إلا الله وقدمها عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس، وبعد فتح الشام لما صالح النصارى على الجزة وشرط عليهم الشروط المعروفة، وقدمها مرة ثالثة حتى وصل إلى سرغ " بفتح فسكون، موضع قرب تبوك " ومعه أكابر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار (فلم يذهب) أحد منهم إلى مغارة الخليل ولا غيرها من آثار الأنبياء التى بالشام لا ببيت المقدس ولا بدمشق ولا غير ذلك، مثل الآثار الثلاثة التى بجبل قابسيون فى غربيه الربوة المضافة إلى عيسى عليه السلام، وفى شرقية المقام المضاف إلى الخليل عليه السلام، وفى وسطه وأعلاه مغارة الدم المضافة إلى هابيل لما قتله قابيل. فهذه البقاع وأمثالها لم يكن السابقون الأولون يقصدونها ولا يزورونها ولا يرجعون منها بركة، فإنها محل الشرك. ولهذا توجد فيها الشياطين كثيراً، وقد رآهم غير واحد على صورة الإنس، ويقولون لهم رجال الغيب، يظنون أنهم رجال من الإنس غائبين عن الأبصار، وإنما هم جن والجن يسمون رجالا كما قال الله تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعزذون برجال من الجن فزادهم رهقاً ". انظر ص 121 تفسير سورة الإخلاص.

مستديرة حوله، لئلا يظهر فى المسجد فيصلى إليه العوامّ ويؤدى إلى المحظور. ثم بنوا جدارين من ركنى القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا، فلا يتمكن أحد من استقبال القبر (وقد حمل) بعضهم الوعيد على من كان فى ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان. وهو تقييد بلا دليل. لأن التعظيم والافتتان لا يختصان بزمان دون زمان " وقد " يؤخذ: (أ) من قوله صلى الله عليه وسلم: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبو أنبيائهم مساجد. (ب) ومما روى ابن عباس قال: لعن النبى صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج. أخرجه أحمد والأربعة (¬1). {327} " أن محل " الذم على ذلك أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن، لا لو بنى المسجد أوى وجعل القبر فى جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره فليس بداخل فى ذلك (قال) العراقى: والظاهر أنه لا فرق، وأنه إذا بنى المسجد لقصد أن يدفن فى بعضه، فهو داخل فى اللعنة. بل يحرم الدفن فى المسجد. وإن شرط أحد أن يدفن فيه لم يصح الشرط، لأنه مخالف لمقتضى وقفه مسجداً. وإن قُبِرَ ميت فى مسجد وطال مكثه سوى القبر حتى لا تظهر صورته. ويحرم دفن الميت فى المسجد. (قال) النووى فى المجموع: وأما حفر القبر فى المسجد فحرام شديد التحريم أهـ. وإن اندرست القبور سُوِّيتْ وحلّ اتخاذها مسجداً. (قال) ابن القاسم المالكى: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى قوم عليها مسجداً لم أر بذلك بأساً. (وقال) ابن الماجشون: المقبرة إذا ضاقت عن الدفن وبجانبها مسجد ضاق بأهله لا بأس أن يوسّع المسجد ببعضها، والمقبرة والمسجد حبس على المسلمين (وقالت) الحنبلية: إذا صار الميت رميماً جازت زراعة المقبرة وحرثها والبناء عليها، وإلا فلا يجوز. ¬

(¬1) انظر رقم 13 ص 8 ج 8 - الدين الخالص (محظورات القبر).

(وقال) الحنفيّون: المسجد إذا خرب ودَثرَ ولم يبق حوله جماعة. والمقبرة إذا عَفتْ وَدَثرَتْ تعود ملكاً لأربابها. وجاز أن يُبنى موضعَ المسجد دار، وموضعَ المقبرة مسجدٌ وغيرُ ذلك. فإن لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال. هذا. وإذا نبشت المقبرة ونقل ترابها ولم يكن هناك نجاسة تخالط أرضها جازت الصلاة فيها. (3) يجوز جعل الكنائس والبيع مساجد " لحديث " عثمانَ بن أبى العاِص أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعلَ مسجد الطاِئف حيث كان طواغيُتهم أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسند جيد (¬1). {328} وكذلك فعل الصحابة والسلف الصالح لما فتحوا البلاد. حوَّلوا كنائسها مساجد ومدارس انتهاكاً للكفر ومحواً لأثره. (4) يسن لمن أراد دخول المسجد أن يدخل برجله اليمنى ويصلىَ ويسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وأن يدعوَ بما فى حديث من هذه الأحاديث: 1 - حديث أبى حُمْيدٍ وأبى أسيْد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدُكم المسجد فَلْيُسلِّمْ على النبى صلى الله عليه وسلم ثم لْيَقُلْ: اللهم افتح لى أبواب رحمتك. وإذا خرج فليقل: اللهم عن أسألك من فضلك. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). {329} 2 - حديث فاطمةَ بنتِ الحُسين عن جدّتها فاطمةَ الزهراء قالتْ: كان ¬

(¬1) ص 47 ج 4 - المنهل العذب (بناء المساجد) وص 130 ج 1 - سنن ابن ماجه (أين يجوز بناء المساجد؟ ) و (طواغيتهم) جمع طاغوت. يطلق على الشيطان والصْم وهو المراد هنا. والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل المسجد فى المكان الذى كانت فيه أصنامهم. (¬2) ض 73 ج 4 - المنهل العذب (فيما يقول الرجل عند دخول المسجد) وص 134 ج 1 - سنن ابن ماجه (الدعاء عند دخول المسجد).

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: باسم الله والسلامُ على رسول الله، اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح فى أبواب رحمتك. وإذا خرج قال: باسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر فى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك. أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا الترمذى بلفظ: إذا دخلَ المسجدَ صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لى ... وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لى ... وهو رواية لأحمد. وقال الترمذى: حديث حسن وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى. إنما عاشت فاطمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم أشهراً (¬1). {330} 3 - حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ منى سائر اليوم. أخرجه أبو داود بسند جيد (¬2). {331} 4 - وعن ابن عباس فى قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} قال: هو المسجد إذا دخلتَه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أخرجه أحمد وعبد الرازق والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬3) {93} 5 - حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلِّم على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لى أبواب رحمتك. وإذا خرج فليسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم ¬

(¬1) ص 52 ج 3 - الفتح الربانى. وص 134 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 261 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يقول عند دخوله المسجد). (¬2) ص 75 ج 4 - المنهل العذب (فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد). (¬3) ص 55 ج 4 فتح القدير الشوكانى. وص 401 ج 2 مستدرك.

عصمنى من الشيطان الرجيم. أخرجه ابن حبان والبيهقى وابن ماجه (¬1) {332} (5) يطلب ممن دخل المسجد غير المسجد الحرام ألاَّ يجلس حتى يصلى ركعتين تحية المسجد " لحديث " أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس. أخرجه الستة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح (¬2). {333} (والعدد) لا مفهوم له (ولظاهر) الأمر قالت الظاهرية بوجوب تحية المسجد على كل من دخله فى وقت تجوز فيه الصلاة. وقال بعضهم تجب فى كل وقت، لأن فعل الخير لا يمنع إلا بدليل (وقال) الجمهور: الأمر للندب فهى سنة لما تقدم أن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يسألُ عن الإسلام، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: خمسُ صلوات فى اليوم والليلة. قال: هل علىّ غيرُهن؟ قال لا إلا أن تطّوع (¬3). " ولقول " عبد الله بن بُسْر: جاء رجل يتخطَّى رقابَ النِاس يومَ الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت وآنيت. أخرجه أحمد والطحاوى وأبو داود والنسائى (¬4). {334} أمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة (قال) البدر العينى: لو قلنا بوجوب ¬

(¬1) ص 442 ج 2 - السنن الكبرى (ما يقول إذا دخل المسجد) وص 134 ج 1 سنن ابن ماجه (الدعاء عند دخول المسجد). (¬2) ص 361 ج 1 - فتح البارى (إذا دخل المسجد .. ) وص 225 ج 5 نووى مسلم (استحباب تحية المسجد .. ) وص 77 ج 4 - المنهل العذب (ما جاء فى الصلاة عند دخول المسجد) ولفظه: إذا جاء أحدكم. وص 119 مجتبى (الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه) وص 262 ج 1 تحفة الأحوذى (إذا دخل أحدكم المسجد .. ) وص 53 ج 3 - السنن الكبرى (تحية المسجد). (¬3) (تقدم رقم 5 ص 3 ج 2 طبعة 2 - الصلاة). (¬4) ص 71 ج 6 - الفتح الربانى وص 215 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة ... ) وص 285 ج 6 - المنهل العذب (تخطى رقاب الناس يوم الجمع) وص 207 ج 1 مجتبى (النهى عن تخطى رقاب الناس .. ) (آنيت) أى تأخرت.

تحية المسجد لَحَرُمَ على المحدث الحدثَ الأصغر دخولُ المسجد حتى يتوضأ ولا قائل به. فإذا جاز الدخول المسجد على غير وضوء، لزم منه أن لا يجب عليه صلاة تحية المسجد عن دخوله (¬1) (وهذه) الأحاديث تدل على مشروعية تحية المسجد فى كل وقت حتى وقت خطبة الجمعة. وبه قال الشافعية وابن عيينة وابن المنذر وداود وإسحاق بن راهويه والحسن البصرى، لعموم هذه الأحاديث " ولحديث " جابر بن عبد الله قال: جاء سُليك الغطفانىّ يومَ الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له: يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة والإمامُ يخطب فليْركعْ ركعتين ولْيَتَجوَّزَ فيهما. أخرجه مسلم (¬2) {335} " وأما " أحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس "فمحمولة" على مالا سبب له من الصلوات " لقول " أم سلمة: دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى سجدتين قلت: يا بنى الله أنزل عليك فى هاتين السجدتين؟ قال: لا ولكن صليت الظهر فشغلت (أى عن راتبته) فاستدركتها بعد العصر. أخرجه أحمد بسند لا بأس به (¬3). {336} (وقالت) الحنبلية: تُسنّ التحية وقت الخطبة وتحرم فى أوقات النهى ولا تنعقد (وقال) الحنفيون وابن سيرين وعطاء بن أبى رباح والليث وشُرَيح والأوزاعى: تكره تحية المسجد فى أوقات النهى وحال خطبة الجمعة. (وقالت) المالكية: تكره بعد صلاة الصبح والعصر وتحرم حال الخطبة ¬

(¬1) ص 202 ج 4 عمدة القارى (إذا دخل أحدكم المسجد .. ). (¬2) ص 164 ج 6 نووى مسلم (التحية والإمام يخطب). (¬3) ص 309 ج 6 مستدرك (حديث أم سلمة رضى الله عنها).

ووقت طلوع الشمس وغروبها "لحديث" ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدُكم المسجدَ والإمامُ على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمامُ. أخرجه الطبرانى. وفى سنده أيوب بن نهيك منكر الحديث ومتروك ضعفه جماعة وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: يخطئ (¬1). {337} فهو حديث لا يحتج به ولا يعارض الأحاديث الصحيحة. " وأما أمره " صلى الله عليه وسلم سُلَيْكاً بصلاة الركعتين " فأجابوا " عنه بوجوه كلها ضعيفة. ويعارضها ما تقدّم فى الحديث الصحيح عن جابر ابن عبد الله من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة والإمامُ يخطبُ فلْيركعْ ركعتين ولْيتَجوّزْ فيهما (¬2) (وهو) يرد ما قبل من أن قصة سليك واقعة عين لا عموم لها (وأقوى) دليل لمن قال بعدم جواز الصلاة حال الخطبة (حديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. أخرجه الجماعة إلا الترمذى (¬3). {338} (ووجه) الدلالة أنه إذا مُنع من هذه الكلمة مع كونها أمراً بمعروف ونهياً عن منكر فى زمن يسير وهو واجب، فلأن يمنع من الركعتين مع كونهما مسنونتين وفى زمن طويل من باب أولى (ورد) بأن هذا قياس فى مقابلة النص فلا يعوّل عليه. (فالراجح) القول بمشروعية تحية المسجد حال الخطبة ويؤيده أن النبى صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وهى فرض وأمر سليكاً بالصلاة (وهذا) يدلّ دلالة قاطعة على تأكد صلاة ركعتى التحية إذ معلوم أن الفرض وهو الخطبة لا يقطع إلا لمتأكد فعله. هذا. ولا تفوت التحية ¬

(¬1) ص 184 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن يدخل المسجد والإمام يخطب). (¬2) تقدم عجز رقم 335. (¬3) انظر رقم 801 ص 418 ج 1 فيض القدير.

بالجلوس ولو طال عند الحنفيين ومالك، ولما تقدّم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً بالصلاة بعد جلوسه (ولقول) أبى ذر: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فجلست فقال: هل صليت: قلت لا. قال: قم فصلّ فقمت فصليت ثم جلست (الحديث) أخرجه أحمد وأخرجه ابن حبان نحوه فى باب تحية المسجد لا تفوت بالجلوس (¬1). {339} (وقالت) الشافعية: لا تفوت بالجلوس سهواً أو نسياناً وتفوت بالجلوس عمداً ولو قصر ولا يشرع قضاؤها (ورده) الحافظ بحديث أبى ذر وقصة سليك. ثم قال: ويحتمل أن يحمل مشروعيتها بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل (¬2) (وقالت) الحنابلة: لا تفوت إلا بالجلوس الطويل. (وتتكرر) بتكرر دخول المسجد عند الشافعية، لظاهر الأحاديث. (وقال) الحنفيون: لا تتكرر بتكرر الدخول بل يكفيه ركعتان لها فى اليوم (وقال) المالكيون: إن رجع عن قرب كفته الأولى وإلا كررها. (وقال) الحنبليون: تُسنّ تحية المسجد لكل داخل فى غير وقت النهى قبل أن يجلس إذا كان متطهراً. وتتكرر بتكرر الدخول لغير مقيم بالمسجد يتكرر دخوله وغير داخل لصلاة العيد فيه لعذر كمطر، وغير خطيب دخل للخطبة، لأن المطلوب منه أن يصعد المنبر عند دخوله اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم. (وتطلب) التحية ممن دخل المسجد مجتازاً عند الجمهور، لعموم الأحاديث. (وقالت) المالكية: لا يطالب المجتاز بالتحية. لأنه صلى الله عليه وسلم علق تأديتها بالجلوس حيث قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين. أخرجه ابن ماجه عن المطلب بن عبد الله عن أبى هريرة ¬

(¬1) ص 178 ج 5 - مسند أحمد (حديث أبى ذر الغفارى رضى الله عنه). (¬2) ص 361 ج 1 فتح البارى (إذا دخل المسجد فليركع ركعتين).

بسند رجاله ثقات وهو منقطع. المطلب بن عبد الله لم يلق أبا هريرة (¬1). {340} فينتفى طلبها بانتفاء الجلوس (ورد) بان الجلوس ليس هو المقصود بالتعليق عليه بل المقصود الوجود فى البقعة " لحديث " أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء أحدكم المسجد فَلْيُصَلِّ سجدتين قبل ان يجلسَ، ثم لْيقعد بعدُ إن شاء أو لِيذْهَبْ لحاجته. أخرجه أبو داود (¬2). {341} " فوائد " (الأولى) هل يصلى التحية من دخل المسجد لصلاة العيد إذا دعت ضرورة إلى صلاتها فيه؟ (قالت) الحنبلية: لا يصليها كما تقدّم. (وعند) الجمهور يصليها، لعموم الحديث " ولا ينافيه " قول ابن عباس رضى الله عنهما: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما " الحديث " أخرجه أبو داود (¬3). {342} " لأنه " محمول على صلاته صلى الله عليه وسلم فى الصحراء كما كانت عادته صلى الله عليه وسلم. وما صلاها فى المسجد إلا لضرورة مطر كما سيأتى فى صلاة العيد إن شاء الله تعالى. (الثانية) كان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية للمسجد ثم يسلم على القوم، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق حق لهم وحق الله تعالى فى مثل هذا أحق بالتقديم. بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعاً معروفاً عند الفقهاء، وكانت عادة القوم معه صلى الله عليه وسلم هكذا يدخل أحدهم المسجد فيصلى ركعتين ثم يسلم على النبى صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 164 ج 1 - سنن ابن ماجه (من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع). (¬2) ص 82 ج 4 - النهل العذب (ما جاء فى الصلاة عن دخول المسجد). (¬3) ص 340 ج 6 منه (الصلاة بعد صلاة العيد).

(ففى حديث) رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس فى المسجد يوماً ونحن معه إذْ جاءه رجل كالبدوى فصلى فأخفَّ صلاته ثم انصرف فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل (الحديث) أخرجه أحمد والترمذى وهذا لفظه وحسِّنه (¬1). {343} (فأنكر) صلى الله عليه وسلم صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه بعد الصلاة (وعلى هذا) فَيسنّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة: أن يقول عند دخوله باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يصلى ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم. (الثالثة) ما تقدم من طلب صلاة تحية المسجد إنما هو فى غير المسجد الحرام. أما هو فتحيته الطواف، إلا لمن أراد الجلوس قبل الطواف. فإنه يشرع له أن يصلى التحية (الرابعة) يسنّ للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتين " لقول " كعب بن مالك فى حديث تخلفه عن تبوك: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً. وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين. أخرجه أحمد والشيخان والثلاثة (¬2). {344} وينبغى لمن يدخل المسجد لصلاة أو غيرها أن ينوى الاعتكاف. (6) السعى إلى المساجد والجلوس فيها للطاعة من أسباب السعادة فى الدنيا والآخرة، وقد ورد فى ذلك عدة أحاديث (منها) حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن للمساجد أوتاداً الملائكةُ جلسلؤهم، إن ¬

(¬1) ص 156 ج 3 - الفتح الربانى. وص 247 ج 1 تحفة الأحوذى (وصف الصلاة). (¬2) ص 457 ج 3 مسند أحمد. وص 82 ج 8 فتح البارى (حديث كعب بن مالك - المغازى) وص 129 ج 3 تيسير الوصول (سورة براءة).

غابوا يفتَقِدونهم، وإن مَرِضوا عادوهم، وإن كانوا فى حاجة أعانوهم. ثم قال: جليس المسجد على ثلاث خصال: أخٌ مستفاد، أو كلمةُ مْحكمة، أو رحمة مُنْتظرة. أخرجه أحمد والمنذرى. وفى سنده ابن لهيعة، متكلم فيه. وأخرج الحاكم صدره من حديث عبد الله بن سلام. وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1). {345} (دل) الحديث على فضل من لازم المسجد، وأنه لا يعدم صحبة أخ صالح يستفيد منه نصيحة أو مساعدة أو بيان آية قرآنية أو مسألة علمية، أو رجاء رحمة من رب البرية. فقد ثبت أن الجالس فى المسجد تدعو له الملائكة بالمغفرة والرحمة. ودل على أن الملائكة تجالسه، فإن غاب بحثوا عنه، وإن مرض عادوه. وفى ذلك فليتنافس المتنافسون (وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد وراح أعدّ اللهُ له الجنةَ نُزُلا كلما غدا وراح. أخرجه أحمد والشيخان (¬2). {346} (وحديث) أبى سَعيد الخدرىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الرجلَ يعتاد المسجد فاشهدوا عليه بالإيمان. قال الله عز وجل: إنَّمَا يَعْمرُ مساجدَ الله مَن آمنَ باللهِ وَاليومِ الآخرِ. أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى، وقال: حسن غريب، والحاكم وقال صحيح الإسناد (¬3). {347} ¬

(¬1) ص 22 ج 2 مجمع الزوائد (لزوم المساجد) وص 49 ج 3 - الفتح الربانى. وص 398 ج 2 مستدرك. و (الأوتاد) جمع وتد بكسر التاء وتفتح، والمراد بهم من يكثرون الجلوس فى المساجد للطاعة. (¬2) ص 50 ج 3 - الفتح الربانى. وص 103 فتح البارى (فضل من غدا للمسجد ومن راح) وص 170 ج 5 نووى مسلم (ثواب المشى إلى الصلاة) و (الغدو) الذهاب أول النهار (والرواح) الرجوع آخره. والمراد مطلق الذهاب والإياب (والنزل) المنزل وما يعد للضيف. والمراد به الأجر والثواب. (¬3) ص 50 ج 36 - الفتح الربانى. وص 138 ج 1 سنن ابن ماجه (لزوم المسجد ... ) وص 66 ج 3 - السنن الكبرى (فضل المساجد وفضل عمارتها بالصلاة فيها .. ) وص 212 ج 1 مستدرك. وقوله: صحيح الإسناد يرده أن فيه دراجاً أبا السمح قال الذهبى: دراج كثير المناكير.

وتقدم حديث: إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ الوُضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفعْ قدمه اليمنى إلا كتبَ الله عز وجل له حسنة، ولم يضعْ قدمه اليسرى إلا حطّ الله عز وجل عنه سيئةً، فَليقرِّب أحدُكم أو لِيُبعِّدْ فإن أتى المسجد فصلى فى جماعة غفر له (¬1). والأحاديث فى هذا كثيرة تقدم بعضها فى بحث " فضل الوضوء " (¬2). (7) أفضل المساجد: أفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوى ثم مسجد بيت المقدس ثم مسجد قباء ثم القدم فالأقدم (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى. أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬3). {348} ¬

(¬1) تقدم رقم 78 ص 49. (¬2) تقدم ص 239 ج 1 طبعة ثانية. (¬3) انظر رقم 9802 ص 403 ج 6 فيض القدير. وص 42 ج 3 فتح البارى (فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة) وص 167 ج 9 نووى مسلم (فضل المساجد الثلاثة). و (الرحال) جمع رحل، وهى فى الأصل الإبل. والمراد هان مطلق السفر، عليها او على غيرها. أى لا ينبغى السفر لقصد الصلاة إلا لهذه المساجد الثلاث. ففى رواية لأحمد: لا ينبغى للمصلى أن يشد رحاله إلى مسجد يبغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا (قال) الشيخ تقى الدين السبكى: ليس فى الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة. والمراد بالفضل ما شهد به الشرع ورتب عليه حكماً وأما غيرها فلا تشد إليها الرحال لذاتها، بل لطلب العلم والتجارة وصلة الرحم وزيارة الصالحين والإخوان وغير ذلك. وزعم بعضهم أن شد الرحال إلى زيارة من فى غير البلاد الثلاثة داخل فى المنع. وهو خطأ، لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه. ومعنى الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد، أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان، إلا إلى الثلاثة المذكورة. وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من فيه أهـ و (المسجد الحرام) أول مسجد وضع فى الأرض وهو مسجد مكة قال تعالى: إن أول بيت وضع الناس للذى ببكة مباركاً (آل عمران آية 96) وقال ابو ذر: قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال المسجد الحرام قلت ثم أى؟ قال المسجد القصى قلت كم بينهما؟ قال أربعون سنة (الحديث) أخرجه احمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وأبو داود الطيالسى .. ص 150 ج 5 مسند أحمد وص 2 ج 5 نووى مسلم (المساجد) وص 112 ج 1 مجتبى وص 131 ج 1 سنن ابن ماجه (أى مسجد وضع أولا) ورقم 462 (مسند الطيالسى) بنى المسجد الحرام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وبنى المسجد الأقصى حفيده سيدنا يعقوب عليه السلام بعد أربعون عاماً. ثم جدده سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام =

(وعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة فى مسجدى هذا أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام. أخرجه الشيخان والنسائى (¬1). {349} (وعن جابر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة فى المسجد الحرام ¬

= وعلى هذا يحمل حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سال الله عز وجل خلالا ثلاثة (الحديث) أخرجه النسائى بسند صحيح ص 112 ج 1 مجتبى. (فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه) قال بدر الدين محمد بن عبد الله الزوكشى: إن سليمان عليه السلام إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه. والذى أسسه يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا القدر يعنى أربعين عاماً (ص 4 إعلام الساجد بأحكام المساجد رقم 1582 فقه عام بالمكتبة الأزهرية) ومنه يعلم (أولا) أن المسجد الأقصى كان قائماً حين نزلت آية الإسراء. ويؤيده حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم (انظر هامش ص 147 ج 5 الدين الخالص) ولا حاجة إلى التأويل وصرف لفظ القرآن والحديث إلى ما يخالف الحقيقة. وما كان من عمر رضى الله عنه - حين فتح القدس سنة 16 ست عشرة هجرية صلحاً - إلا تجديد المسجد لا تأسيسه " ومن زعم " أن المسجد الأقصى لم يكن قائماً حين نزلت آية الإسراء " فزعمه " باطل يرده الواقع والكتاب والسنة (ثانياً) دلت الأحاديث السابقة على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس الذى طلب مطعم بن عدى من النبى صلى الله عليه وسلم أن يصفه لهم. فقال صلى الله عليه وسلم: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا. فأتاه جبريل عليه السلام فصوره فى جناحه فجعل يقول باب منه كذا فى موضع كذا وباب منه كذا فى موضع كذا. ويؤيده حديث ميمونة مولاة النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس. فقال صلى الله عليه وسلم: ائتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله. أخرجه أبو داود وابن ماجه (ص 64 ج 4 المنهل العذب المورود - السرج فى المساجد). (قال) ابن كثير فى تفسيره (من المسجد الحرام) وهو مسجد مكة (إلى المسجد الأقصى) وهو بيت المقدس الذى بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام. وعلى هذا اتفق العلماء ومنه يتبين أن بيت المقدس هو المسجد الأقصى وليس هو المدينة المقدسة التى تسمى القدس. ومن زعم غير ذلك فزعمه باطل مردود بما ذكر. وسمى المسجد الأقصى لبعده عن مكة بالنسبة لمسجد المدينة. وخصت المساجد الثلاثة بهذا الفضل، لأن الأول إليه الحج وبه القبلة، والثانى أسس على التقوى (روى) أبى بن كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المسجد الذى أسس على التقوى مسجدى هذا. أخرجه أحمد من عدة طرق (انظر ص 242 ج 4 تفسير ابن كثير) والثالث قبلة الأمم الماضية وكان قبلة المسلمين سبعة عشر شهراً فى أول الهجرة. (¬1) ص 44 ج 3 فتح البارى (فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة) وص 163 ج 9 نووى مسلم. و (صلاة) أى ولو نفلا (فى مسجدى هذا) يؤخذ من الإشارة أن الزيادة التى حدثت فى مسجد المدينة بعد النبى صلى الله عليه وسلم ليس لها هذا الفضل، بل هى كغيرها من المساجد، بخلاف الزيادة التى حصلت فى المسجد الحرام فلها هذا الفضل لعدم التقييد فيه بالإشارة.

مائةُ ألفِ صلاةٍ وصلاة فى مسجدى ألْفُ صلاة، وفى بيت المقدس خمُسمِائِة صلاةٍ. أخرجه البيهقى وحسنه السيوطى (¬1). {350} (وقال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى مسجد قُباء كل سبت ماشياً وراكباً فيصلِّى فيه ركعتين. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى والبيهقى والطيالسى (¬2). {351} (وَفُضِّلَ) المسجد الأقدم لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ (¬3)} ولأن قِدَمه يقتضى كثرة العبادة فيه، وهذا يقتضى زيادة فضله. فإن استوى مسجدان فى القدم فالأقرب أفضل، ولو استويا فى القدم والقرب، فالأفضل ما كثر جمعه، إلا إن كان مريدُ المسجد فقيهاً يقتدى به، فالأفضل له الذهاب إلى ما جماعته أقل تكثيراً لها. ومسجدُ الجهة وإن قلّ جمعه أفضل من الجامع وغن كثر جمعه. وهذا مذهب الحنفيين (وقالت) الشافعية: أفضل المساجد المساجد الثلاثة على الترتيب السابق ثم الأكثر جمعاً إن كان إمامُه صالحاً لا تكره إمامته ولم يترتب على الصلاة فيه تعطيل مسجد آخر، وإلا كانت الصلاة فيما قل جمعه أفضل (وقالت) الحنبلية: أفضل المساجد، المساجد الثلاثة ثم العتيق ثم ما كثر جمعه ثم الأبعد إلاّ إن تَوقف الجماعة فى غير ¬

(¬1) انظر رقم 5109 ص 228 ج 4 فيض القدير. و (مائة ألف) أى كمائة ألف، وكذا يقال فيما بعد (وبهذه) الأحاديث استدل الجمهور على أن مكة أفضل من المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها. وعكس مالك (واختلفوا) فى المراد بالمسجد الحرام على أقوال: أرجحها أنه مسجد مكة، وقيل إنه مكة كلها، وقيل الحرم كله. (¬2) ص 4 ج 2 مسند أحمد ورقم 1840 ص 252 مسند الطيالسى. وص 249 ج 2 تكملة المنهل (تحريم المدينة) وباقى المراجع بص 250 منه (¬3) الحج عجز آية: 33 وصدرها: لكم فيها (أى الأنعام) منافع. و (محلها) أى مكان نحرها عند البيت العتيق، وهو الكعبة كما قال تعالى (هدياً بالغ الكعبة) والمراد أرض الحرم وسمى عتيقاً لأنه أول بيت وضع للناس.

ما ذكر على حضور شخص، أو كان فى حضوره تشجيع لإمامه وجماعته، فصلاته فيه أفضل (ومشهور) مذهب المالكية أن أفضل المساجد مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى، ثم مسجد قباء، ثم القريب ثم المساجد كلها سواء (وقال) ابن وهب وابن حبيب: المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوى. وهو الذى تشهد له الأدلة. (8) يكره تزيين المساجد ونقشها بغير الذهب والفضة وتشييدها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تقومُ الساعةُ حتى يتباهى الناسُ بالمساجد. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى وصححه ابن حبان (¬1). {352} " ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد. أخرجه أبو داود والبيهقى وصححه ابن حبان (¬2). {353} (وقال) ابن عباس: لَتُزَخْرِفُنَّهَا ما زخرفت اليهود والنصارى. ذكره البخارى معلقاً (¬3). {94} وهو وإن كان موقوفاً فى حكم المرفوع، لنه لا يقال من قبل الرأى. والتشييد رفع البناء وتطويله " ولا ينافيه " قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ (¬4)}. " لأن المراد " برفعها تعظيمُها فلا يذكر فيها فحش القول، وتطهيرُها من الأدناس والبدع، فلا ترفع فيها الأصوات. ولا تدخلها الصبيان، ولا تقام فيها الخصومات (وقال) ابن عمر: نُهِينا أن نُصلّى فى مسجد مُشْرفٍ. أخرجه البيهقى (¬5). {354} ¬

(¬1) ص 67 ج 3 - الفتح الربانى. وص 46 ج 4 - النهل العذب (فى بناء المساجد) وص 129 ج 1 سنن ابن ماجه (تشييد المساجد) وص 439 ج 2 - السنن الكبرى (كيفية بناء المساجد) و (التباهى) التفاخر بالنقش وعلو البناء. (¬2) ص 43 ج 4 - المنهل العذب (فى بناء المساجد) وص 438 ج 2 - السنن الكبرى. (¬3) ص 362 ج 1 - فتح البارى و (لتزخرفتها) بفتح لام القسم وضم التاء والفاء وشد نون التوكيد من الزخرفة، وهى التزيين. (¬4) النور آية: 36. (¬5) ص 439 ج 2 - السنن الكبرى.

(وأمر) عمر ببناء المساجد فقال: أَكِنّ الناسَ من المطر، وإياك أن تُحمِّر أَو تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ. أخرجه ابن خزيمة وصححه. وأخرجه البخارى معلقاً. {95} وزاد: وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرُونها إلا قليلا (¬1). {96} (ولذا) قال غير المالكية: يكره تشييد المسجد وزخرفته بغير الذهب والفضة. ويحرم زخرفته بهما (وقالت) المالكية يكره نقشة وزخرفته فى المحراب وغيره ولو بالذهب والفضة. ويندب تشييده وتجصيصه، فقد شيد عثمان رضى الله عنه مسجد المدينة وجصَّصه (قال) البدر العينى: نقش المسجد وتزيينه مكروه: ولا يجوز من مال الوقف، ويغرم الذى يخرجه سواء أكان إما اشتغال المصلى به أو إخراج المال فى غير وجهه (¬2) (وقال) النووى: يكره زخرفة المسجد ونقشه وتزييه، للأحاديث المشهورة، ولئلا تشغل الزخرفه قلب المصلى (¬3). (وقال) الأذرعى: ينبغى أن يحرم لما فيه من إضاعة المال لاسيما إن كان من مال المسجد. (وقال) ابن رسلان: هذا الحديث (¬4)? فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد ¬

(¬1) ص 362 ج 1 فتح البارى. والمراد بالمسجد مسجد المدينة (وقد) وصفه ابن عمر فقال إن المسجد كان عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن (بفتح اللام وكسر الباء الطوب النيئ) وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه عل بنيانه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة (بفتح القاف وشد الصاد المهملة وهى الجص) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. أخرجه البخارى وأبو داود ص 363 ج 1 فتح البارى (بنيان المسجد) وص 48 ج 4 - المنهل العذب (فى بناء المساجد) و (أكن) بفتح فكسر فنون مشددة مفتوحة، أمر من الإكنان وهو الستر. و (تفتن) مضارع فتن من باب ضرب، أى تلهيهم عن الخشوع فى الصلاة. و (يتابهون) بفتح الهاء من المباهاة وهى المفاخرة والمعنى انهم يزخرفون المساجد ويزينونها ثم يقعدون فيها يتمارون ويتباهون ولا يشتغلون بالطاعة فيها إلا قليلا. (¬2) ص 206 ج 4 عمدة القارى (بنيان المسجد). (¬3) ص 180 - شرح المهذب (قبل باب صفة الغسل). (¬4) يعنى حديث أنس وابن عباس رقم 352، 353 ص 343.

والمباهاة برخرفتها كثر من الملوك والأمراء فى هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع، والحديث يدل عل أن تشييد المساجد بدعة، وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك فى آخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة، ورخص فى ذلك بعضهم وهو قول أبى حنيفة إذا وقع ذلك تعظيماً للمساجد ولم يكن الصرف من بيت المال. (وقال) ابن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يضع ذلك بالمساجد صوناً عن الاستهانة " وتعقب " بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال. وإن كان لخشية شغل بال المصلى بالزخرفة فلا، لبقاء العلة. قاله الحافظ (¬1)? . ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين، أن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستحسنة، وبأنه مرغِّب إلى المسجد (وهذه) حجج لا يُعوِّل عليها من له حظ من التوفيق، لاسيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة، وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها (ودعوى) ترك إنكار السلف ممنوعة، لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الجور من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتى عليه الحصر، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام فى وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين أظهرهم بنعى ذلك عليهم (ودعوى) أنه بدعة مستحسنة باطلة بالحديث الصحيح: من ¬

(¬1) ص 363 ج 1 فتح البارى الشرح (بنيان المسجد).

عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ (¬1). {355} ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة، لأن ذلك لا يكون إلا لمن كان غرضه وغاية قصده النظرَ إلى تلك النقوش والزخرفة " فأما من " كان غرضه قصدَ المسجد للعبادة التى لا تكون عبادة حقيقة إلا مع الخشوع، وإلا كانت كجسم بلا روح " فليست " زخرفة المسجد إلا شاغلة له عن ذلك كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأنبجانية التى بعث بها إلى أبى جهم (¬2)? وكهتْكه للستور التى فيها نقوش وصور. وتقويم البدع المعوجة التى يحدثها الملوك، يوقع أهل العلم فى المسالك الضيقة فيتكلفون فى ذلك من الحجج الواهية مالا ينفق " أى لا يروج " إلا على بهيمة (¬3)? (وقال) ابن الحاج: وينبغى للإمام أن يغير ما أحدثوه من الزخرفة فى المحراب وغيره، فإن ذلك من البدع ومن أشراط الساعة. قال ابن القاسم: وسمعت مالكاً يذكر مسجد المدينة وما عمل من التزويق فى قبلته فقال: كره الناس ذلك حين فُعِل، لأنه يشغلهم بالنظر إليه. وسئل مالك عن المساجد هل يكره أن يكتب فى قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسى وقل هو الله أحد والمعوذتين؟ فقال: أكره أن يكتب فى قبلة المسجد شئ من القرآن والتزويق. وقلا: إن ذلك يشغل المصلى. وينبغى للإمام أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمُد فى جدار القبلة وما يلصقونه أو يكتبونه فى الجدران والأعمدة (¬4). (9) يُسنّ لأهل كل جهة بناء مسجد. ويُسنّ اتخاذ موضع فى البيت ¬

(¬1) أخرجه أحمد ومسلم عن عائشة ص 194 ج 1 - الفتح الربانى. وص 16 ج 12 نووى مسلم (رد محدثات الأمور - الأقضية). (¬2) تقدم بهامش رقم 525 صفحة 183 بيان الأنبجانية، وأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أرسل إلى أبى جهم خميصة لها أعلام، كان أهداها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: شغلتى أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبى جهم وأتونى بأنبجانسته. (¬3) ص 157 ج 2 نيل الأوطار (الاقتصاد فى المساجد). (¬4) ص 79 ج 2 - المدخل.

للصلاة فيه وتنظيفه من الأقذار وكنسه وتطييبه " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد فى الدُّور، وأمر بها أن تنظف وتطيب. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان بسند جيد (¬1). {356} والمراد بالدور القبائل (وحكمة) أمر أهل كل محلة ببناء مسجد فيها، أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب إلى الأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه، فأَمَرُوا بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة فى مسجدهم من غير مشقة تلحقهم. قاله فى المرقاة (¬2)? (وقال) غيره: المراد بالدور البيوت أو المحال التى فيها الدور. وهذا هو الظاهر لورود النهى عن اتخاذ البيوت مثل المقابر. وقال الخطابى: فى هذا حجة لمن رأى أن المكان الأمر يتم فيه بأن يجعله مسجداً بالتسمية فقط، لكانت مواضع تلك المساجد فى بيوتهم خارجه عن أملاكهم. فدل على أنه لا يصح أن يكون مسجداً بنفس التسمية (¬3)? . ولذلك قال صاحب الهداية: إن اتخذ وسط داره مسجداً وأذن للناس بالدخول فيه، له أن يبيعه ويورث عنه، لأن المساجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع. وإذا كان ملكه محيطاً بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجداً (¬4). (وروى) أبو رافع عن أبى هريرة أن امرأة سوداء أو رجلا كان يقّم المسجد ففقده النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقيل مات فقال: ¬

(¬1) ص 79 ج 3 - الفتح الربانى. وص 61 ج 4 - النهل (اتخاذ المساجد فى الدور) ولفظه: أرم رسول الله .. وص 409 ج 1 تحفة الأحوذى (فى تطيب المساجد) وص 132 ج 1 سنن ابن ماجه (تطهير المساجد وتطييبها). (¬2) ص 459 ج 1 - مرقاة المفاتيح (الفصل الثانى - باب المساجد). (¬3) ص 142 ج 1 معالم السنن. (¬4) ص 63 ج 5 شروح الهداية (فصل فى أحكام المسجد - الوقف).

ألا آذنتمونى به؟ دلونى على قبره فصلى عليه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجه والبيهقى (¬1). {357} (قال) ابن بطّال: فيه الحض على كنس المساجد وتنظيفها لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خص المذكور فى الحديث بالصلاة عليه بعد دفنه من أجل ذلك. وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كنس المسجد ذكره البدر العينى (¬2). (10) يجوز عند الجمهور بناء مسجد فى الطريق ما لم يضرّ العامة " لقول " عائشة: لم أعقل أبوىّ إلا وهما يدينان الدينَ، ولم يمرّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية. ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجداً بفِناء داره فكان يصلى فيه ويقرأ القرآن، فتقف نساءُ المشركين وأبناؤهم يعجَبون منه وينظرون إليه، وكان رجلا بَكَّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشرافَ قريش من المشركين أخرجه البخارى (¬3). . {358} ¬

(¬1) ص 371 ج 1 فتح البارى (كنس المسجد) وانظر باقى المراجع وشرح الحديث بهامش الحديث رقم 560 ص 317 د 7 - الدين الخالص (الصلاة على القبر). (¬2) ص 231 ج 4 عمدة القارى. (¬3) ص 377 ج 1 - فتح البارى (المسجد يكون فى الطريق .. ) و (أبوى) مشى اب مضاف إلى ياء المتكلم. و (أفزع ذلك الخ) أى أخاف ما فعله أبو بكر - من الصلاة والقراءة - المشركين، خافوا أن يميل به أبناؤهم ونساؤهم إلى دين الإسلام. والحديث هنا مختصر. وأخرجه البخارى يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون (بأذى الكفار) خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك (بفتح فسكون) الغماد (ككتاب، موضع على خمس ليال جنوب مكة) لقيه ابن الدغنة (بفتح فكسر ففتح النون مخففة. وقيل بضم الدال والغين وتشديد النون) وهو سيد القارة (بتخفيف الراء قبيلة) فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجنى قومى فأريد أن أسيح فى الأرض وأعبد ربى. فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج (بفتح الياء) ولا يخرج (بضمها) إنك تكسب المعدوم (أى تعطى الفقير المال) وتصل الرحم، وتحمل الكل (بفتح الكاف وشد اللام وهو ما يقل حمله من القيام بأمر العيال ونحوه) قرى الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك .. فرجع وارتحل معه ابن الدغنة قطاف ابن الدغنة عشية فى أشراف قريش فقال لهم: إن =

(وعن) أحمد منع بناء مسجد فى الطريق أو على سقيفة تحتها ممر نافذ أو قنطرة. وعنه أنه قال: يهدم مسجد بنى فى الطريق. وعنه يجوز بناؤه ¬

= أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقرى الضعيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة (أى لم ترده) وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه فى داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك (ألا بصلاته وقراءته) ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لبى بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه فى داره ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرا فى غير داره، ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فيتقذف (بفتح التاء والقاف وشد الذال المعجمة) عليه نساء المشركين وأبناؤهم (أى يتدفعون عليه لسماع قراءته) وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفرغ ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم. فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه فى داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على ان يعبد ربه فى داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فاسأله أن يرد إليك ذمتك (أى عهدك بجواره) فإنا قد كرهنا أن تخفرك (بضم فسكون فكسر من الإخفار وهو نقض العهد) ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان. فأتى ابن الدغنة إلى أبى بكر فقال: قد علمت الذى عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلى ذمتى، فإنى لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت فى رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإنى أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل. فقال النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إنى أريت (بضم الهمزة) دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان (تثنية حرة وهى حجارة سود مرتفعة) فهاجر من هاجر قبل (بكسر ففتح أى جهة) المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك " (بكسر فسكون أى على مهلك) فإنى أرجو أن يؤذن لى، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر (بفتح فسكون) وهو الخبط (بفتحتين الورق الساقط من الشجر) قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوس فى بيت أبى بكر فى نحر (بفتح فسكون) الظهيرة (أفى أول وقت الحرارة) قال قائل لبى بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً (أى مغطياً رأسه) فى ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبى وأمى، والله ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم وسلم لأبى بكر: أخرج من عندك. فقال أبو بكر إنما هم أهلك (يعنى عائشة وأسماء) بأبى انت يا رسول الله قال نعم. قال أبو بكر: فخذ إحدى راحلتى هاتين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن. قالت عائشة: فجهرنا هما أحث الجهاز (أى أسرعه) وصنعنا لهما سفرة (بضم فسكون، الزاد يصنع للمسافر) فى جواب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها (بكسر النون الإزار) فربطت به على فم الجراب، فبذلك =

بلا إذن الإمام وحيث جاز صحت الصلاة فيه وإلا فوجهان. وتصح فيما بنى على درب مشترك بإذن أهله. هذا. ويجوز توسعة المسجد من الطريق ¬

= سميت ذات النطاقين. قالت. ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار فى جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت فى الغار عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف (بفتح فكسر او سكون، أى حاذق فطن) لقن (أى سريع الفهم) فيدلج (بشد الدال أى يخرج) من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتاذان به (من الكيد وهو المكر وطلب الغوائل) (إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة بالتصغير) مولى أبى بكر منحة (بكسر فسكون أى شاة يعطى لبنها للغير) من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبتان فى رسل (كحمل أى لبن طرى) وهو لبن منحتهما ورضيفهما الرضيف كرغيف. اللبن يجعل فيه الرضفة وهى الحجارة المحماة لتزول وخامته وثقله، حتى ينعق بها (بكسر العين أى يصبح بغنمه) عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك فى كل ليلة من تلك الليالى الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رجلا من بنى الديل (بكسر فسكون) وهو من بنى عبد بن عدى هادياً خريتاً (بكسر الخاء والراء مشددة) والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفاً (بكسر فسكون أى أخذ بنصيب) فى (أى من عهد) آل العاص بن وائل السهمى وهو على دين كفار قريش فأمناه (بكسر الميم ائتمناه) فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث. وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل. قال ابن شهاب: وأخبرنى عبد الرحمن بن مالك المدلجى. وهو ابن أخى سراقة بن مالك ابن جعشهم: أن اباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو اسره، فبينما أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى بنى مدلج، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إنى قد رأيت آنفاً أسودة (جمع أسود وهو الشخص) بالساحل أراها محمداً وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم. ثم لبثت فى المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتى أن تخرج بفرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها على، وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه (بضم الزاى وشد الجيم الالجديدة فى أسفل الرمح) الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسى فركبتها فرفعتها (أى حملتها على الإسراع فى السير) تقرب بى حتى دنوت منهم فعثرت بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهويت يدى إلى كنانى فاستخرجت منها الأزلام فاستقمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذى أكره فركبت فرسى وعصبت الأزلام تقرب بى حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلفت وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فارسى فى الأرض حتى بلغتنا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا الأثر يديها عثان (بضم العين أى دخان بلا نار ساطع فى السماء مثل الدخان) فاستقمت بالأزلام فخرج الذى أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآنى ولم يسألان إلا أن قال: =

(الثامن) ما تصان عنه المساجد

وعكسه عند الحاجة وعدم الضرر لأن كلاًّ منهما مرتفق للعامة ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض مملوكة لشخص أخذت منه بالقيمة ولو كرهاً دفعاً للضرر العام. ولو كانت وقفاً على المسجد جاز توسعته بها بإذن القاضى. (الثامن) ما تصان عنه المساجد ينبغى صيانة المساجد عن كل ما ينافى احترامها وما بنيت له. وهو أمور المذكور منها هنا ثلاثة وعشرون: (1) يطلب صيانتها من الأقذار ¬

= أخف عنا، فسألته أن يكتب لى كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب فى رقعة من أدم (أى جلد) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب (راوى الحديث) فأخبرنى عروة بن الزبير أن رسول الله وأبا بكر ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة فحرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداةو إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة. فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود (أى اطلع إلى مكان عال فأشرف منه) على أطم (بضمتين أى حصن) من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مبيضين (أى عليهم الثياب البيض) يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته، يا معشر العرب هذا جدكم (أى حظكم) الذى تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه ويلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم فى بنى عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك. فلبث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله. ثم ركب راحلته فسار يمشى معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً (كمنبر مكان تجفيف التمر) للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين فى حجر أسعد بن زرارة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً. فقالا بل نهبه لك يا رسول الله. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى اتباعه منهما، ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن (بفتح فكسر الطوب النيئ) فى بنيانه ويقول: هذا الجمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لى (الحديث) ص 164 ج 7 - فتح البارى.

كالبول والحِجامة والفصْد والبُزاق وغيرها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن هذه المساجدَ لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذَر إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن. أخرجه مسلم (¬1). {359} (قال) النووى: يحرم البول والفصد والحجامة فى المسجد فى غير إناء. ويكره الفصد والحجامة فيه ف إناء. وفى تحريم البول فى إناء فى المسجد وجهان أصحهما يحرم. ويحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما مَنْ على بدنه نجاسة أو به جُرح، فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله. وإن أمِنَ لم يحرم (¬2). (وقال) ابن نجيم: وكره تحريماً الوطء والبول والتغوط فوق المسجد، لأن سطحه له حكم المسجد حتى يصح اقتداء من به بمن تحته ولا يبطل إلا الاعتكاف بالصعود عليه ولا يحل لجنب الوقوف عليه. وصرح الزيلعى بأن الوطء فيه حرام، لقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ (¬3)}.وذكر فى فتح القدير أن الحق أنها كراهة تحريم، لأن الآية ظنية الدلالة، لاحتمال كون التحريم للاعتكاف أو المسجد، وبمثلها لا يثبت التحريم (¬4). (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ويحرم الجماع فيه، ويكره فوقه والتمسح بحائطه والبول عليه. وقلا أحمد: أكره لمن بال أن يمسح ذكره بجدار المسجد قال: وألم به الخطر. ويحرم بوله فيه ولو فى إناء، لأن الهواء تابع للقرار، ويحرم فيه فصد وحجامة وقئ ونحوه كبط سِلْعة ولو فى إباء، لأن المسجد لم يبن لهذا فوجب صونه عنه. والفرق بينه وبين المستحاضة أنها لا يمكنها التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد ونحوه. وإن دعت إليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد ففعله كسائر ما لابد منه ثم عاد إلى معتكفه. وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه كالمرض ¬

(¬1) ص 175 ج 2 - شرح المهذب (المساجد وأحكامها) وفيه: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) ص 175 ج 2 منه (يحرم البول والفصد فى المسجد). (¬3) البقرة: 187 وصدرها: أحل لكم ليلة الصيام. (¬4) ص 34 ج 2 - البحر الرائق (ما يكره خارج الصلاة).

الذى يمكن احتماله كالصداع ووجع الضرس والحمى اليسيرة، وكذا تحرم نجاسة فى هواء المسجد كالقتل على نطع ودم وقيح وصديد فى إناء، لتبعية الهواء للقرار، ويكره البول خارج المسجد وجسده فيه دون ذكره (¬1) (وعن) أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. أخرجه أحمد والخمسة (¬2). {360} والمراد دفنها فى تراب المسجد ورمله وحصبائه إن كان فى المسجد شئ من ذلك، وإلا تفل فى ثوبه وخرج به " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من دخل المسجدَ فبَزَق فيه أَو تنخَّم فلْيَحْفِرْ ولْيدفِنْهَ فإن لم يفعل فَلْيَبْزُقْ فى ثوبه ثم ليخرج به. أخرجه أبو داود (¬3). {361} (وإذا دعته) ضرورة إلى البزاق وهو فى المسجد فليبزق فى ثوبه أو عن يساره أو تحت قدمه "لحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدُكم فى الصلاة فلا يَبْزُقَنَّ أمامه، فإنما يُناجى الله تبارك وتعالى ما دام فى مُصلاه، ولا عن يمينه فإنّ عنْ يمينه ملكاً، وليبصُقْ عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها. أخرجه البخارى (¬4). {362} ¬

(¬1) ص 543 ج 1 - كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف) و (ألم) أى نزل (به الخطر) أى الهلاك. و (السلعة) بكسر فسكون خراج يتحرك بالتحريك. و (النطع) بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها، ما يتخذ من الجلد. (¬2) ص 58 ج 3 - الفتح الربانى. وفيه: النخامة. وص 345 ج 1 فتح البارى (كفارة البزاق فى المسجد) وص 41 ج 5 - نووى مسلم (النهى عن البصاق فى المسجد .. ) وص 91 ج 4 المنهل العذب. وص 118 ج 1 مجتبى (البصاق فى المسجد). (¬3) ص 92 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) و (النخامة)، البزقة تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة. يقال تنخم أخرج نخامة. و (يحفر) بكسر الفاء من باب ضرب، أى فليحفر موضعاً فى المسجد إن كان ترابياً ويدفن البزاق، أما إذا كان أملس نقياً فدلكه بشئ، فلا يعد ذلك دفناً، بل زيادة فى التقذير. لكن إذا لم يبق للبزاق أثر ألبتة فلا مانع " قال " عبد الله بن الشخير: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فبزق تحت قدمه ج 4 (المنهل العذب). (¬4) ص 346 ج 1 - فتح البارى (دفن النخامة فى المسجد).

" ولحديث " طارق بن عبد الله المحاربى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتَ فلا تبصُق بين يديك ولا عن يمينك، ولكن ابصُق تِلقاء شمالك إن كان فارغاً وإلا فَتحتَ قدَميك وادْلكه. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح (¬1). {363} (وظاهره) أن النهى عن البزاق إلى جهة القبلة أو اليمين مقيد بحالة الصلاة (ولذا) قال ملك: لا بأس بالتفل جهة اليمين خارج الصلاة (وجزم) النووى بالمنع مطلقاً داخل الصلاة وخارجها "لحديث" أبى هريرة وأبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم راى نخامة فى جِدار المسجد فتناول حَصاة فحكّها وقال: إذا تنخّم أحدُكم فلا يتنخَّمنَّ قِبَل وجهه ولا عن يمينه وليبصُق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى. أخرجه الشيخان (¬2). {364} (فهو يدل) على المنع مطلقاً. هذا والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه فيما إذا كان فى غير المسجد. أما فى المسجد فلا يبصق إلا فى ثوبه " لحديث " البزاق فى المسجد خطيئة (¬3)? (وقال) القاضى عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه. أما إذا أراد دفنه فلا. ورده النووى بأنه خلاف صريح الحديث. (وحاصل) النزاع أن ها هنا عمومين تعارضا، وهما قوله: البزاق فى المسجد خطيئة. وقوله: البزاق فى المسجد خطيئة. وقوله: وليبصق عن يساره أو تحت قدمه (فالنووى) يجعل الأول عاماً ويخص الثانى بما إذا لم يكن فى المسجد (والقاضى) عياض يجعل الثانى عاماً فيخص الأول بمن لم يُرِدْ دفنها (ويشهد) له ما رواه سعد ¬

(¬1) ص 60 ج 3 - الفتح الربانى. وص 93 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) وصدره: إذا صلى أحدكم فلا يبزقن أمامه. (¬2) ص 344 ج 1 فتح البارى (حك المخاط بالحصى من المسجد) وص 39 ج 5 نووى مسلم (النهى عن البصاق فى المسجد .. ). (¬3) تقدم رقم 360 ص 253.

ابن أبى وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا تنخَّم أحدكم فى المسجد فَلْيُغَيِّبْ نخامته أن تُصيب جلدَ مؤمن أو ثوبه فتؤذيه. أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون (¬1). {365} (وأوضح) منه فى المقصود ما رواه أبو أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تنخّع فى المسجد فلم يدفنه فسيئةٌ. وإن دفنه فحسنة. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (¬2). {366} فلم يجعل سيئة إلا عند عدم الدفن " ومما " يدل على تخصيص عموم قوله: البزاق فى المسجد خطيئة "جواز" التنخم فى الثوب. ولو كان فى المسجد بلا خلاف (ويؤيد) قول النووى تصريحه صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه بأن البزاق فى المسجد خطيئة وأن دفنها كفاره لها (فإن) دلالته عل كتب الخطيئة بمجرد البزاق فى المسجد ظاهرة غاية الظهور. ولكنها نزول بالدفن وتبقى بعدمه. وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأنه لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر: وهو تفصيل حسن. ذكره الحافظ (¬3)? . (2) ويلزم صيانة المسجد عن الروائح الكريهة، فيحرم على من تناول ذا راسخة كريهة كثوم وبصل دخول المسجد قبل إزالتها " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أكل الثوم والبصل والكُرَّاث، فلا يقرَبنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم. أخرجه مسلم والنسائى (¬4). {367} ¬

(¬1) ص 55 ج 3 - الفتح الربانى. وص 18 ج 2 - مجمع الزوائد (البصاق فى المسجد). (¬2) ص 18 منه. (¬3) ص 345 ج 1 - فتح البارى (كفارة البزاق فى المسجد). (¬4) ص 50 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو كراثاً أو نحوها عن حضور المسجد .. ) وص 116 ج 1 مجتبى (من يمنع من المسجد) وفيه: مما يتأذى منه الإنس.

(وعن جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الخضروات " الثوم والبصل والكرات والفجل " فلا يقربن من مسجدنا (الحديث) قال الهيثمى: هو فى الصحيح خلا قوله: والفجل. رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط. وفيه يحيى بن راشد البراء البصرى. وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات (¬1). {368} (والمراد) تناول ما ذكر وهو نئ لأنه ذو الرائحة الخبيثة المؤذية، بخلاف ما إذا كان مطبوخاً فلا يشمله النهى، لذهاب تلك الرائحة منه " ولقول " علىّ رضى الله عنه: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخاً أخرجه أبو داود (¬2) {369} "ولحديث"معاوية بن قرة عن أبيه أن النبى صلى الله علهي وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا. وقال: إن كنتم لابد آكليهما فأكميتوهما طبخاً قال: يعنى البصل والثوم. أخرجه أبو داود (¬3). {370} " وروى " معدان بن أبى طلحة أن عمر خطب يوم جمعة فقال فى خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين. هذا البصل والثوم. لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَد رِيحَهُمَا من الرجل فى المسجد أمر به فَاَخْرِجَ إلى البقيع. فمن أكلهما فَلْيُمِتْهُمَا طبخاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬4). {371} هذا. والنهى عام فى كل المساجد والمجامع " والإضافة " فى قوله صلى الله عليه وسلم: فلا يقر بنَّ مسجدنا " للاستغراق " أى فلا يقربن مساجد ¬

(¬1) ص 17 ج 2 مجمع الزوائد (من أكل ثوماً أو نحوه). (¬2) ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة). (¬3) ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة). (¬4) ص 61 ج 3 - الفتح الربانى. وص 51 - 53 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا عن حضور المسجد) وص 116 ج 1 - مجتبى (من يخرج من المسجد) (فليمتهما) أى من أراد أكلهما فليذهب رائحتهما بالطبخ. والمراد بإماتة الشئ غذهاب قوته وحدته.

المسلمين: (ويؤيده) حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الشجرة " يعنى الثُّوم " فلا يأتينّ المساجدَ. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬1). {372} (وهذا) يرد قول من خص النهى بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم (وقال) ابن جُريج: قلت العطاء: هل النهى للمسجد الحرام خاصة أو فى المساجد؟ قال لا بلى فى المساجد. أخرجه عبد الرازق {97} هذا. ويلحق بالثوم ونحوه كل ما له رائحة كريهة ومن به بخر (¬2) أو جُرح له رائحة. ويلحق بالمساجد مجامع الصلاة وغيرها كمصلَّى العيد والجنائز ومجامع العلم والذكر والولائم. ولا يلحق بها الأسواق ونحوها. وفى الحديث دليل على منع من أكل الثوم من دخول المسجد وإن كان خالياً، لأنه محل الملائكة، ولعموم الأحاديث أفاده النووى (¬3). (ومما تقدم) تعلم أن تناول البصل والثوم والفُجْل والكرات ونحوها من كل ماله رائحة كريهة حرام فى المسجد على من أراد دخوله، وفى المجتمعات قبل أن تذهب رائحته، وإلا فأصل أكله جائز مع الكراهة أو خلاف الأولى " لحديث " أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث، فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكله. فقال ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدِك. قال: أستحى من ملائكة الله، وليس بمحرّم. أخرجه ابن حبان وابن خزيمة (¬4). {373} " ولقول " أبى سعيد الخدرى: لم تْعدُ أن فتِحت خَيْبَرُ فوقعنا أصحابَ ¬

(¬1) ص 61 ج 3 - الفتح الربانى. وص 48 ج 5 نووى مسلم. ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة). (¬2) البخر بفتحتين، الرائحة الكريهة تخرج من الفم. (¬3) ص 48، 49 ج 5 شرح مسلم. (¬4) ص 222 ج 2 فتح البارى (الشرح - ما جاء فى الثوم النئ .. ).

رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك البقلة الثُّوم والناس جياع فأكلنا منها أكلا شديداً ثم رُحْنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريحَ فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثةِ شيئاً فلا يقرّبنّا فى المسجد، فقال الناسُ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ. فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنه ليس لى تحريمُ ما أحل الله لى ولكنها شجرة أكره ريحها: أخرجه مسلم (¬1). {374} " ولقول " أبى سعيد الخدرى: ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثومُ والبصلُ، قيل يا رسول الله وأشدُّ ذلك كلِّه الثوم، أفَتُحَرِّمُه؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله منكم فلا يقربْ هذا المسجد حتى يذهب ريحُه منه. أخرجه أبو داود (¬2). {375} ومثل الثوم والبصل ف خُبث الرائحة الدخان، بل هو أخبث ويضر فلا يجوز تعاطيه. وقد بينت حكم تناوله فى ذاته وفى مجالس القرآن ونحوه ونصوص العلماء على حرمة تناوله فى الرسالة البديعة (¬3). ¬

(¬1) ص 50 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو نحوهما عن حضور المسجد). (¬2) ص 360 ج 3 سنن أبى داود (فى أكل الثوم - الأطعمة). (¬3) وقد اهتم اعلماء بمسألة الدخان، فأفردوها بالتأليف: منهم الشيخ اللقانى، والعلامة الشيخ محمد فقهى العينى الحنفى: بين حزمته من أربع أوجه (الأول) كونه مضراً بإخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقاً. (الثانى) كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهى عن استعمالها شرعاً " لقول " أم سلمة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح (انظر رقم 9507 ص 238 ج 6 فيض القدير) وهو مفتر باتفاق الأطباء، وكلامهم حجة فى هذا. (الثالث) كون رائحته كريهة تؤذى من لا يستعمله ولا يسما فى مجامع الصلاة ونحوها، بقل وتؤذى الملائكة " روى " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من آذى مسلماً فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله تعالى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (انظر رقم 8269 ج 6 فيض القدير). (الرابع) كونه سرفاً إذ لا نفع فيه بل ضرره محقق (وقال) علاء الدين الحصنى: والتّن (بضمتين، الدخان) الذى حدث بدمشق فى سنة خمس عشرة بعد الألف، يدعى شاربه أنه لا يسكر، وإن سلم فإنه مفتر وهو حرام " لحديث " أحمد عن أم سلمة قالت: نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. ويلس من الكبائر تناله المرة والمرتين = ومع نهى ولى الأمر عنه حرم قطعاً. نعم الإصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر (انظر ص 322 ج 5 هامش رد لمحتار وتمامه به). ولا فرق فى حرمة استعماله بين مضفه واستنشاقه وتدخينه. ومضفه أقبحها وأشدها ضرراً ثم تدخينه ثم استنشاقه.

" فائدة " قال النووى: اختلف أصحابنا هل كان الثوم حراماً على النبى صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تنزهاً؟ ظاهر قوله: أيها الناس إنه ليس لى تحريم ما أحل الله لى. أنه ليس محرماً عليه. ومن قال بالتحريم يقول المراد ليس لى أن أحرِّم على أمّتى ما أحل الله لها (¬1) وهذا التأويل يعد قوله صلى الله عليه وسلم: ما أحل الله لى. (3) ويكره إخراج الريح فى المسجد اختياراً، صوناً له عن الرائحة الكريهة ولما يترتب عليه من إيذاء مَنْ بالمسجد، " ولحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة تصلِّى على أحدكم مادام فى مصلاه الذى صلى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى، وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبى صالح عن أبى هريرة مطولا. وفيه: والملائكة يصلون على أحدكم ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه: اللهم تُبْ عليه من لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه (¬2). {376} " ولحديث " أبى راع عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد فى صلاة ما دام فى مصلاّه ينتظر الصلاة تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرفَ أو يُحدثَ، فقيل وما يُحدِث؟ قال ¬

(¬1) ص 51 ج 5 شرح مسلم. (¬2) ص 362 ج 1 فتح البارى (الحدث فى المسجد) وص 166 ج 5 نووى مسلم. وفيه: ما دام فى مجليه (فصل الصلاة المكتوبة فى جماعة .. ) وص 83 ج 4 - المنهل العذب. وصدره: الملائكة تصلى (فضل القعود فى المسجد) وص 138 ج 1 سنن ابن ماجه (لزوم المساجد .. ).

يفْسو أو يَضْرَطْ. أخرجه مسلم وأبو داود (¬1). {377} (دلت) هذه الأحاديث على أن الحدث فى المسجد خطيئة يُحرم به المحدث من استغفار الملائكة ودعائهم له ومن ثواب الجلوس فى المسجد لانتظار الصلاة، وأن الحدث فى المسجد أشد من النخامة " ولمّا " لم يكن للحدث فى المسجد كفارة (¬2)? ترفع أذاه كما يرفع الدفنُ أذى النخامة فيه " عوقب " بحرمان الاستغفار من الملائكة لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة. هذا. والجمهور على انه يباح للمحدث حدثاً أصغر دخول المسجد والجلوس فيه (فقد) روى أن أبا الدرداء خرج من المسجد فبال ثم دخل فتحدث مع أصحابه ولم يمس ماء (وروى) عن على وعطاء والنخعى وابن جبير مثله. (وقال) ابن المسيب والحسن البصرى: يكره تعمد الجلوس فى المسجد على غير طهارة. (4) ويكره تحريماً رفع الصوت فى المسجد بنشد الضالة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ سمع رجلا ينشُد ضالة فى المسجد فلْيَقُل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تُبن لهذا. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (¬3). {378} ¬

(¬1) ص 166 ج 5 نووى مسلم. وص 85 ج 4 - المنهل العذب (فضل القعود فى المسجد) و (يضرط) مضارع ضرط من بابى تعب وضرب. والاسم ضرط ككتف. (¬2) " وما يقال " من أن الإنسان إذا خرج منه ريح وهو فى المسجد يتلقاه ملك بفمه ويخرج به إلى خارج المسجد، فإذا تفوه به مات الملك " فهو " كلام باطل لا أصل له. (¬3) ص 65 ج 3 - الفتح الربانى. وص 54 ج 5 نووى مسلم (النهى عن نشد الضالة فى المسجد .. ) وفيه: لا ردها الله عليك. وص 87 ج 4 - المنهل العذب (كراهية إنشاد الضالة فى المسجد .. ) وص 133 ج 1 سنن ابن ماجه. وفيه: لا رد الله عليك. و (الضالة) بتشديد اللام، الضائعة منكل ما يقتنى. يقال ضل الشئ إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا حار. (وإنشادها)، تعريفها ونشدها طلبها.

دل على جواز الدعاء على ناشد الضالة فى المسجد بعدم ردها إليه معاملة له بنقيض قصده حيث فل ما لا يجوز فعله فى المسجد من رفع الصوت بما لم يُعدَّ له المسجد من العبادة والذكر والصلاة وتعليم العلم ونحو ذلك. (روى) عاصم بن عمر ب قتادة أن عمر سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم والدنيا فى المسجد. فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله. فإذا ذكرتم تجاراتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع. أخرجه ابن أبى شيبة بسند جيد {98} ويلحق بذلك من رفع صوته فى المسجد بما يقتضى مصلحة ترجع للرافع صوته. (5) وكذا يمنع السؤال فى المسجد، لأنه كنشد الضالة. " وأما حديث " عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هل فيكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل يسأل فوجدتُ كِسرةَ خُبز فى يد عبد الرحمن، فأخذتها منه فدفعتها إليه. أخرجه أبو داود. وكذا الطبرانى فى الكبير والبزار مطولا وقال: لا نعلمه يُروى عن عبد الرحمن بن أبى بكر إلا بهذا الإسناد، وروى مرسلا (¬1)? . {379} ¬

(¬1) ص 320 ج 9 - المنهل العذب (المسألة فى المساجد) وص 163 ج 3 مجمع الزوائد (الصائم يعود المريض ويفعل الخير) ولفظ الطبرانى: عن عبد الرحمن بن أبى بكر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال: هل منكم أحد أصبح صائماً؟ فقال عمر: لم أحدث نفسى بالصوم البارحة فأصبحت مفطراً. فقلا أبو بكر: لكنى حدثت نفسى بالصوم البارحة فأصبحت صائماً. فقال صلى الله عليه وسلم: هل منكم اليوم أحد عاد مريضاً؟ فقلا عمر: يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى؟ فقال أبو بكر: بلغنى أاخى عبد الرحمن بن عوف اشتكى فجعلت طريق عليه لأنظر كيف أصبح؟ فقلا صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال عمر: صلينا ثم لم نبرح. فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة خبز شعير فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت فأبشر بالجنة. فتنفس عمر فقال: واهاً للجنة. فقال النبى صلى الله عليه وسلم كلمة رض بها عمر: رحم الله عمر رحم الله عمر لم يرد خيراً قط إلا سبقه إليه أبو بكر.

" فهو ضعيف " لأن فى سنده مبارك بن فضالة ضعفه غير واحد، وعلى فرض صحته فليس فيه تصريح بأن السائل سأل فى المسجد، لاحتمال أن يكون خارجه (ولذا) قال الحنفيون: يحرم السؤال فى المسجد مطلقاً، ويكره الإعطاء فيه مطلقاً، لأنه يحمل على السؤال. وقيل يكره إعطاؤه إن تخطى الرقاب (وقال) الجمهور: يجوز السؤال فى المسجد وإعطاء الصدقة فيه إلا إذا ألحّ السائل وتخطى الرقاب فيحرم السؤال والإعطاء. (وسئل) ابن تيمية عن السؤال فى الجامع: أهو حلال أم حرام أم مكروه؟ (فأجاب) بقوله: الحمد لله. أصل السؤال محرم فى المسجد ولم يؤذ أحداً كتخطية الرقاب ولم يكذب فيما يرويه، ولم يجهر جهراً يضر الناس، كأن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم " جاز " (¬1) (وسئل) أيضاً ما تقول فى هؤلاء الصعاليك الذين يطلبون من الناس فى الجوامع ويشوشون عليهم فهل ينكر عليهم؟ وهل يجوز تقسيم الناس بالست نفيسة والمشايخ؟ (فأجاب) بقوله: أما إذا ظهر منهم منكر كروايتهم للأحاديث المكذوبة، أو سؤالهم والخطيب يخطب، أو تخطيهم الناس؛ فإنهم ينهون عن ذلك. وكذا إذا سألوا بغير الله فالصدقة إنما تكون لوجه الله لا لأحد من خلقه. وأما إذا خلا سؤالهم عن المنكرات وكانوا محتاجين فإنه جائز فى أظهر قولى العلماء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن سائلا سال فى المسجد فأمر باعطائه. أما الإعطاء بلا سؤال فهو جائز اتفاقاً (فقد روى) البيهقى أنه صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً الغطفانى بالصلاة يوم الجمعة حال الخطبة ليراه الناس فيتصدقوا عليه. وأنه أمرهم بالصدقة وهو على المنبر. ¬

(¬1) ص 133 ج 1 فتاوى ابن تيمية (مسألة 121).

(وقال) الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى: ويكره سؤال الصدقة فى المسجد والتصدق عليه فيه، لأنه إعانة على مكروه. ولا يكره التصدق على غير السائل ولا على من سأل له الخطيب (وروى) البيهقى فى المناقب عن على ابن بدر قال: صليت يوم الجمعة فإذا أحمد بن حنبل يقُرب منى فقام سائل فسأله فأعطاه أحمد قطعة، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى السائل وقال: أعطنى تلك القطعة، فأبى فقال: أعطنى وأعطيك درهماً فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً فقال: لا أفعل فإنى أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجو أنت (¬1). (6) ولا يجوز رفع الصوت فى المسجد ولو بالقرآن والذكر. " لقول " أبى سعيد الخدرى: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى، والبيهقى، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2). {380} " ولحديث " البياضى فروة بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلى يناجى ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه؟ ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. أخرجه أحمد بسند صحيح (¬3). {381} (وقد أنكر) بعض الصحابة والتابعين على من رفع صوته فى المسجد بقراءة أو ذكر (قال) السائب بن يزي: كنت مضطجعاً فى المسجد فحصبنى ¬

(¬1) ص 544 ج 1 (أحكام المساجد). (¬2) ص 202 ج 3 - الفتح الربانى. وص 262 ج 7 - المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة فى صلا الليل) وص 11 ج 3 - السنن البكرى (من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ). (¬3) ص 202 ج 3 - الفتح الربانى.

رجل فرفعت رأسى فإذا عمر رضى الله عنه فقال: اذهب فأتنى بهذين الرجلين فجئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتمانى حتى أوجعتكما جلداً، ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخارى (¬1). {99} (وقال) البزازى: وفى فتاوى القاضى: الجهر بالذكر فى المسجد حرام (وقد صح) عن ابن مسعود أنه سمع قوماً اجتمعوا فى مسجد يهللون ويصلون على النبى صلى الله عليه وسلم جهارً فذهب إليهم وقال: ما عهدنا ذلك على عهده صلى الله عليه وسلم، وما أراكم إلا مبتدعين، فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد (¬2). {100} " وتقدم " عن سعيد بن المسيب أنه كان فى المسجد آهر الليل يتهجد، ثم دخل عمر بن عبد العزيز وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة، فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه: اذهب إلى هذا المصلِّى فقل له: إما أن تخفض من صوتك، وإما أن تخرج ن المسجد، ثم أقبل على صلاته فجاء الخادم فوج المصلِّى عمر بن عبد العزيز فرجع ول يقل له شيئا فلما سلم سعيد قال لخادمه: ألم أقل لك تنهى هذا المصلِّى عما يفعل؟ فقال: هو الخليفة عمر بن عبد العزيز. قال: اذهب إليه وقل له ما أخبرتك به، فذهب إليه فقال له: إن سعيداً يقول لك إما أن تخفض من صوتك، وإما أن تخرج من المسجد، فخفف فى صلاته فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد (¬3) {101} (وروى) مالك والبيهقى وبان أبى شيبة بسند جيد عن سالم بن عبد الله أن عمر ابن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة سماها البُطيحاء وقال: من أراد أن يلغَط أو يرفع صوتاً، أو ينشد شعراً فليخرج ¬

(¬1) ص 375 ج 1 فتح البارى (رفع الصوت فى المسجد). (¬2) ص 188 فتاوى أئمة المسلمين طبعة ثالثة. (¬3) تقدم ص 95 ج 2 - طبعة ثانية (بدع الأذان).

إليه {102} (وعلى هذا) اتفقت كلمة الفقهاء (قال) علاء الدين الحصنى: ويحرم فيه (يعنى فى المسجد) السؤال ويكره الإعطاء مطلقاً وقيل عن تخطئ ورفع صوت بذكر إلا للمتفقهة (¬1). (وقال) ابن نجيم: الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء (¬2)? (وفى مختصر) خليل وشروحه: أنه يكره رفع الصوت بقراءة القرآن فى المسجد خشية التشويش على المصلين أو الذاكرين، فإن شوّش حرم اتفاقاً (¬3)? (وقال) ابن العماد: تحم القراءة جهراً على وجه يشوش على نحو مصل (¬4). (ومن هذا) تعلم منع ما أحدث الناس من قراءة شئ من القرآن جهراً فى المسجد قبل إقامة الصلاة خصوصاً العصر، لما فيه من التشويش برفع الصوت على المصلين واعتقادهم أنه مشروع حيث جعلوه شعاراً للصلاة جماعة فى وقتها، مع أنه محدث لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح. ومن ذلك الجهر بقراءة الورد والذكر ليلا فى المسجد (¬5). (7) ويجب أن يصان المسجد عن دخول الصبيان والمجانين إذا خيف تلويثه " لحديث " واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها فى الجمع ¬

(¬1) ص 488 ج 1 رد المحتار (ما يكره فى الصلاة). (¬2) ص 335 ج 1 - البحر الرائق (وخير المنفرد فيما يجهر .. ). (¬3) ص 74 ج 4 - حاشية الدسوقى على كبير الدردير. (¬4) ص 5 - ابن العماد. (¬5) قال العلامة القاسمى: فى كتابة إصلاح المساجد، ومثل ذلك فى دمشق قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً قبل إقامة الصلاة إعلاناً بأنها ستقام، فهى بدعة لا أصل لها. وقرأت فى حواشى متن خليل أن من رفع صوته بالقراءة فى المسجد يقام ويخرج ويخرج منه إذا داوم على ذلك، وإلا فيؤمر بالسكوت أو القراءة سراً، لأن الغالب على هؤلاء قصد الدنيا. وفى الإتقان للإمام السيوطى: يكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها (فقد أخرج) الآجرى من حديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرا القرآن فليسأل الله به. فإنه سيأتى قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به.

أخرجه ابن ماجه والمنذرى بسند فيه الحارث بن نبهان متفق على ضعفه. وأخرجه الطبرانى فى الكبير. وفيه العلاء بن كثير الليثى الشامى وهو ضعيف (¬1). {382} (ولذا) قال الحنفيون: يحرم إدخال الصبيان والمجانين المسجد إذا غلب تنجيسهم إياه وإلا فيكره (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: أما الكاتب ومعلم الصبيان، فإن كان بأجرة يكره. وإن كان حسبة فقيل لا يكره. والوجه ما قاله ابن الهمام: إنه يكره التعليم (يعنى فى المسجد) إن لم يكن ضرورة، لأن نفسى التعليم ومراجعة الأطفال لا يخلو عما يكره فى المسجد مع ما تقدم من الحديث (¬2). (وقال) علاء الدين الحصنى: ويحرم إدخال صبيان ومجانين " يعنى المسجد " حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره (قال) ابن عابدين: والمراد بالحرمة كراهة التحريم لظنية الدليل (¬3) (وقالت) المالكية: يجوز إحضار الصبى المسجد إذا كان شأنه أنه لا يعبث أو يعبث ولكنه ينكف عن العبث إذا نهى، وإلا منه إدخاله (وقالت) الشافعية: يكره إدخال الصبيان الذين ل يميزون المسجد، لأنه لا يُؤْمَنُ تلويثهم إياه (وقالت) الحنبلية: يكره إدخال الصبى المسجد إذا كان لغير مصلحة ولا فائدة. أما إذا كان لها كقراءة وصلاة فيجوز (قال) النووى: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد، لأنه يخشى تلويثهم إياه. ولا يحرم ذلك لأنه ثبت فى ¬

(¬1) ص 131 ج 1 سنن ابن ماجه (ما يكره فى المساجد) وص 25 ج 2 مجمع الزوائد (كراهة المساجد وما نهى عن فعله فيها) و (سل السيوف) إخراجها من أغمادها. قال اللخمى: هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب فى المسجد " ورد " بأن هذا الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بالنسخ. ولم يعرف التاريخ حتى يثبت النسخ. واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. انظر ص 351 ج 3 فيض القدير. (¬2) ص 611 غنية المتملى شرح منية المصلى (أحكام المسجد). (¬3) ص 486 ج 1 رد المحتار (أحكام المسجد - ما يفسد الصلاة وما يكره فيها).

الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى حاملا أمامةَ بنتَ زينبَ، وطاف على بعيره. ولا ينفى هذا الكراهة، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز (¬1) (ومما تقدم) تعلم أن من المنكر اتخاذ مكاتب فى بعض المساجد لتعليم الأطفال القرآن والكتابة وغيرهما، فإن الغالب على الأطفال عدم التحفظ من النجاسات فَيُلِّوثون المسجد ويرفعون أصواتهم فيهوشون على من فيه من المصلين والمتعبدين وهو ممنوع بالإجماع ومخالف للأحاديث السابقة. وكذا لا يغتفر اتخذا بعض المساجد مخافر ومحلا لإقامة الجند، فإن المساجد لم تبن لذلك، وقد يقع مع الجند ما يتنافى وحرمة المساجد، كرفع الأصوات واللعب والزمر والغناء والتصفيق والضرب بالدفوفن وتناول بعض المكيفات كالدخان. وهذا مما لا يرضاه الشرع ولا يسوغه العقل. فعلى ولاة الأمور منع هذه المنكرات؛ احتراماً لبيوت الله تعالى. (8) ويكره الاحتراف فى المسجد بعمل دنيوى كخياطة وحياكة وغزل ونحوها (قال) القاضى عياض: والراجح مه الصنائع التى يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب بها. فلا يتخذ المسجد متجراً. وأما المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد ونحوها مما لا امتهان للمسجد فى عمله فلا بأس أهـ (وقال) النووى فى المجموع: يكره أن يجعل المسجد مقعدا لحرفة كالخياطة ونحوها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن هذه: المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا الذر، إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن. أخرجه مسلم (¬2). فأما من ينسخ فيه شيئاً من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ¬

(¬1) ص 176 ج 2 شرح المهذب (فى المساجد وأحكامها) وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة تقدم رقم 199 ص 157. وحديث ركوبه صلى الله عليه وسلم ف الطواف فى مسلم وغيره (انظر رقم 154 ص 214 ج 1 تكملة المنهل). (¬2) تقدم رقم 395 ص 252 (ما تصان عنه المساجد).

ثوباً ولم يجعله مقعداً للخياطة فلا بأس به (¬1). (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يجوز التكسب فى المسجد بالصنعة كخياطة وغيرها ولو قليلا أو لغير حاجة، لأنه بمنزلة التجارة، فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكاناً للمعايش، لأنه لم يبن لذلك. وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون م يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها. وعلى ولىِّ الأمر منعهم من ذلك. وإن وقفوا خارج أبوابه ينتظرون من يكريهم فلا بأس. ويجب أن يصان المسجد من عمل صنعة. لتحريمها فيه. ولا يكره اليسير من العمل فيه لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله ويحرم فعل ذلك للتكسب إلا الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم فهى فى معنى الدراسة. ومن ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه بالأجر بشرط ألا يحصل ضر بجبر وما أشبهه (¬2). (9 إلى 12) وينبغى صيانة المسجد عن البيع والشراء وإنشاد الشعر والتحلق يوم الجمعة " لحديث " عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع فى المسجد وأن تُنشدَ فيه الأشعارُ، وأن تَنشد فيه الضالةُ. ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وصححه ابن خزيمة (¬3). {383} " ولقول " ثوبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأيتموه ينشدُ الشِّعْر فى المسجد فقولوا: فضَّ الله فاك ثلاث مرات. ومن ¬

(¬1) ص 176 ج 2 شرح المهذب. (¬2) ص 541 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد). (¬3) ص 64 ج 3 - الفتح الربانى. وص 232 ج 6 - المنهل العذب (التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة). وص 266 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية البيع والشراء فى المسجد) و (التحلق) جلوس الناس مستديرين على هيئة الحلقة بفتح فسكون، وفتح اللام لغة.

رأيتموه يبيع ويبتاع فى المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. أخرجه الطبرانى فى الكبير م رواية عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه (قال الهيثمى) ولم أجد من ترجمه (¬1). {384} (أما البيع) والشراء فى المسجد فهو حرام وباطل عند الحنبلية. أخذاً بظاهر الأحاديث لا فرق بين المتعكف وغيره ولو قلّ البيع واحتيج إليه. قال أحمد: إنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى. ورأى عِمْرَانُ القصير رجلا يبيع فى المسجد فقال: يا هذا إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا (¬2). {103} (وقال) الحنفيون: يكره البيع والشراء فى المسجد إذا عمّ المسجد وغلب عليه، وإلا فلا كراهة (قال) الطحاوى: ما نهى عنه من البيع فى المسجد هو الذى يعمّه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق. فأما ما سوى ذلك فلا يكره. ولقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحة العمل الذى ليس من القُرَب فى المسجد " وساق " بسنجه إلى على رضى الله عنه قال: سمعُت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا معْشَر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن اللهُ به الإيمانَ، يضربُ رقابكم على الدين. فقال أبو بكر: أنا هوَ يا رسول الله؟ قال لا. فقال عمر. أنا هوَ يا رسول الله؟ قال: لا: ولكنه خاصِف النعل فى المسجد. وكان قد ألقْى إلى على رضى الله عنه نعلَه يخصفها أخرجه الطحاوى (¬3). {385} وقال: فترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه علياً رضى الله عنه ¬

(¬1) ص 25 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن نشد ضالة فى المسجد .. ) و (فض الله فاك)، أى كسر اله أسنان فمك. (¬2) ص 541 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد). (¬3) ص 408 ج 2 شرح معانى الآثار (إنشاد الشعر فى المساجد).

عن خصف النعل فى المسجد. وإن الناس لو اجتمعوا حتى يعمُّوا المسجد بخصف النعال كان ذلك مكروهاً. فلما كان ما لا يعمّ المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلب عليه مكروها، كان كذلك فى البيع وإنشاد الشعر والتحلق فيه قبل الصلاة: ما عمه من ذلك فهو مكروه، وما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه قلت: ولا دليل على ما ذكر من التفرقة. وما ذكره من خصف نعل النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد، لا يدل على مدعاهم كما لا يخفى (قال) على القارى: وجوز علماؤنا للمعتكف الشراء بغير إحضار المبيع (ومن البدع) الشنيعة بيع ثياب الكعبة خلف المقام وبيع الكتب وغيرها فى المسجد الحرام وغيره. وأشنع منه وضع المحفّات والقرِب فى المسجد سيما فى أيام الموسم ووقت ازدحام الناس (¬1) (وقالت) الشافعية: يكره البيع والشراء فى المسجد لغير المعتكف مطلقاً. أما المعتكف فيكره له فى غير ما لابدّ له منه. (وقالت) المالكية: يكرهان فى المسجد إذا كانا بغير رفع صوت وإن كان برفع صوت فحرام لجعل المسجد سوقاً (وهذه) التفاصيل لا دليل عيها. والراجح القول بالحرمة مطلقاً مع صحة البيع (اقل) العراقى والماوردى: أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع والشراء فى المسجد لا يجوز نقضه. ذكره الشوكانى. وقال: وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد، لا ينافى التحريم. فلا يصح جعله قرينة لحمل النهى على الكراهة (¬2). (وأما إنشاد) الشعر فى المسجد فالمنهى عنه ما كان على سبيل التفاخر والهجاء ومدح من لا يستحق المدح، وذم من لا يستحق الذم. ¬

(¬1) ص 467 ج 1 مرقاة المصابيح (شرح الحديث رقم 390) و (المحفات) جمع محفة بكسر ففتح. مركب كالهودج. (¬2) ص 167 ج 2 نيل الأوطار (جامع ما تصان عنه المساجد).

(أما ما فيه) أمر بمعروف ونهى عن منكر وبيان لأحكام الدين وترغيب فى العمل بها ومدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم، وحث على الزهد والمكارم (فإنشاده) فى المسجد جائز حسن " لقول " سعبد بن المسيب: مرّ عمر بن الخطاب فى المسجد وحسانُ فيه ينشد فلحَظ إليه فقال: كنتُ أنشده فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفتَ إلى أبى هريرة فقال: أنشُدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عنى اللهم أيده برُوح القدس قال نعم. أخرجه أحمد والشيخان (¬1). {386} (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الشعر بمنزلة الكلام فحسنَه كحسَن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. أخرجه البخارى فى الأدب والطبرانى فى الأوسط بسند حسن (¬2). {387} (ولذا) قال ابن العربى: لا بأس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان فى مدح الدين وإقامة الشرع (¬3) (وقال) النووى: لا أس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان مدحاً للنبوَّة أو الإسلام أو كان حكمة أو فى مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير. وأما ما فيه شئ مذموم كهَجْوِ مسلم أو صفة الخمر أو ذكر النساء أو المُرْد أو مدح ظالم أو افتخار منهى عنه أو غير ذلك فحرام (¬4) (وعلى هذا) تحمل أحاديث النهى كحديث عمرو بن شعيب ¬

(¬1) ص 73 ج 3 - الفتح الربانى. وص 194 ج 6 فتح البارى (ذكر الملائكة - بدء الخلق) وص 45 ج 6 نووى مسلم (فضائل حسان بن ثابت .. ) (فلحظ)، أى نظر إليه نظرة إنكار. وفى رواية فقال: فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد الشعر؟ و (أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين، أى أسالك بالله. و (أيده الخ) أى قوةّ بجبريل. فالمراد (بروح القدس) بضمتين جبريل، ففى حديث البراء عن البخارى: وجبريل معك. والقدس الطهر وقبل البركة. والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا البنى صلى الله عليه وسلم. (¬2) انظر رقم 4939 ص 175 ج 4 فيض القدير. (¬3) ص 168 ج 2 نيل الأوطار (جامع ما تصان عنه المساجد .. ). (¬4) ص 177 ج 2 شرح المهذب (المسألة 16 - المساجد .. ) و (المراد) بضم فسكون جمع أمرد.

عن أبيه عن جده (¬1) " وحديث " زُفَر بن وَثيمة عن حكيم بنِ حزام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُستقَادَ فى المسجد، وان تُنْشد فيه الأشعار، وان تقام فيه الحدود. أخرجه أبو داود. وزُفَر وثقه ابن معَين ذكره ابن حبان فى الثقات (¬2). {388} (وفى هذا) جمع بين الأحاديث. ومحل جواز الشعر فى المسجد ما لم يشوش على مصلىّ أو قارئ أو ذاكر وإلا منه مطلقاً. هذا. وقد اختلفوا فى حكم إنشاد الشعر مطلقاً (فقال) الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة: لا بأس بإنشاء الشهر الذى ليس فيه هجاء ولا فحش ولا سبّ فى عِرْض أحد من المسلمين لما تقدم من الأحاديث (وقال) إبراهيم النخعى والحسن البصرى: يكره رواية الشعر وإنشاده " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لأنْ يمتلئ جوفُ الرجل قيحاً يريهِ خر من أن يمتلئ شِعْراً. أخرجه السبعة إلا النسائى. وقال الترمذى: حسن صحيح (¬3). {389} (وأجاب) الأولون بأن هذا فى شعر خاص وهو ما كان فيه فحش وهجاء. (وقال) الطحاوى: هو عندنا على الشعر الذى يملأ الجوف فلا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره، فأما من كان فى قلبه القرآن والشعر، فليس ممن امتلأ جوفه شعراً، وقد كان يُنشد الشعر فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ (وأما التحلق) يوم الجمعة فى المسجد قبل صلاتها فحكمة النهى عنه ولو لمذاكرة العلم وغيره من الطاعات، لأنه ربما قطع الصفوف والناس ¬

(¬1) تقدم رقم 383 ص 268. (¬2) ص 167 ج 2 سنن أبى داود (إقامة الحد فى المسجد). (¬3) ص 288 ج 2 مسند أحمد (مسند أبى هريرة رضى الله عنه) وص 417 ج 10 فتح البارى (يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله .. ) وص 14 ج 15 نووى مسلم (الشعر) وص وص 302 ج 4 سنن أبى داود (ما جاء فى الشعر - الأدب) وص 34 ج 4 تحفة الأحوذى (لأن يمتلئ جوف أحدكم ... ) وص 214 ج 2 سنن ابن ماجه (ما كره من الشعر) و (يريه) بفتح فكسر، ايأكله يقال ورى القيح جوفه يريه ورياً إذا أكله.

مأمورون بالتبكير يوم الجمعة والتراصّ فى الصفوف الأوَّل فالأوَّل (وحمل) الجمهور النهى على الكراهة (قال) الطحاوى: التحلق المنهى عنه قبل الصلاة إذا عمّ المسجد وغلبه فهو مكروه، وغير ذلك لا بأس أهـ. (والتقييد) بقبل الصلاة ويدل على جوازه بعدها لتعليم العلم والذكر وغيرهما. (والتقييد) بيوم الجمعة يدل على جوازه فى غيره مطلقاً " لقول " أبى واقد الليثى: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعد فى أصحابه إذْ جاء ثلاثة نفر: فأما رجل فوجد فُرجة فى الحلْقة فجلس. واام رجل فجلس خلف الحْلقة. وأما رجل فانطلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألاَ أُخبركم عن هؤلاء انفر؟ أما الرجل الذى جلس فى الحْلقة فرجل آوى فآواه الله. وأما الرجل الذى جلس خلف الحلقة فاستحيا فاستحيا الله منه. وأما الرجل الذى انطلق فرجل أعرض فأعرض الله عنه. أخرجه مسلم والبيهقى (¬1). {390} (ولذا) قال النووى: يستحب عقد حلق العلم فى المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها. والأحاديث الصحيحة فى ذلك كثيرة (¬2). (وأما التحلق) فى المسجد لأمور الدنيا فغير جائز " لحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سيكونُ فى آخر الزمان قومٌ يجلسون فى المساجد حِلقاً حِلقاً أمانيهم فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجةٌ. أخرجه الطبرانى فى الكبير، وفى سنده بزيغ أبو الخليل. وهو ضعيف جداً. ونسب على الوضع (¬3). {391} (13) ويكره تحريماً - عند الحنفيين والشافعى - إقامة الحدود فى المسجد صناً له وحفظاً لحرمته " ولحديث " حكيم بن حزام أن النبى صلى الله عليه ¬

(¬1) ص 157، 158 ج 14 نووى مسلم (من أتى مجلساً فوجد فرجة - كتاب السلام) و (الحلقة) بفتح فسكون أو بفتحتين، وبجمعه حلق بفتح الحاء وكسرها وفتح اللام فيهما. (¬2) ص 177 ج 2 شرح المهذب (المسألة 15 - المساجد). (¬3) ص 24 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن دخل المسجد لغير صلاة .. ).

وسلم قال: لا تُقام الحدود فى المساجد ولا يستقاد فيها. أخرجه أحمد وأبو داود والدار قطنى والحاكم والبيهقى بسند لا بأس به. قاله الحافظ فى التلخيص، وقال فى بلوغ المرام: إسناده ضعيف (¬1). {392} حملوا النهى على الكراهة. وحمله المالكية والحنبلية على الحرمة فقالوا: يحرم إقامة الحدود والتعزيز الشديد فى المساجد. (14) ويكره تحريماً إلقاء القمل ودفنه حياً فى المسجد " لحديث " الحضْرَمى بن لاِحق عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلا: إذا وَجَد أحدُكم القمْلة فى ثوبه فَلْيَصُرّها ولا يُلقِها فى المسجد. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات، وأخرجه البيهقى بلفظ: إذا وجد أحدُكم القملةَ وهو يصلى فلا يقتُلْهَا، ولكن يُصُرُّها حتى يصِّلى (¬2). {393} (أما دفنه) فى المسجد بعد قتله فلا باس به " لقول " مالك بن يُخامِر رأيتُ معاذ بنَ جبل يقتل القمل والبراغيت فى المسجد. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬3). {104} (قال) ابن قدامة: فأما القمل فالأوْلى التغافل عنه، فإن قتلها فلا بأس، لأن أنساً كان يقتُل القمل والبراغيت فى الصلاة. وكان الحسن يقتل القمل. وقال الأوزاعى: تركه أحب إلىّ. وكان عمر يقتل القمل فى الصلاة. أخرجه ابن منصور. {105} (15) ويكره أن يُحْفَر فى المسجد بئر لأنه لا يؤمن من دخول النساء والصبيان وتقذير المسجد، إلا إن كان البئر قديماً مزمزم فإنه يترك. ¬

(¬1) ص 65 ج 3 - الفتح الربانى. ولفظه عند أبى داود: تقدم رقم 388 ص 272. و (الاستقادة) طلب القود وهو القصاص. (¬2) ص 67 ج 3 - الفتح الربانى. و (يصرها) بفتح فضم فشد الراء، أى فليقبض عليها فى ثوبه حتى يخرجها من المسجد. (¬3) ص 20 ج مجمع الزوائد (من وجد قملة فى المسجد) و (يخامر) بالياء والخاء المعجمة.

(16) ويكره غرس الشجر فى المسجد لأنه تشبيه له بالبيعة والكنيسة وفيه شغل لمكان الصلاة إلا أن تكون فيه منفعة للمسجد بأن أرضه نزة لا تستقر فيها الأعمدة فيغرس الشجر ليتحول إليه النز. قال الحلبى (¬1). (ورَدّ) ابن أمير حاج على من جوز غرس الشجر فى المسجد أخذاً من قولهم: لو غرس شجرة للمسجد. فرد عليه بأنه لا يلزم من ذلك حل الغرس إلا للعذر المذكور، لأن فيه شغل ما أعد للصلاة ونحوها وإن كان المسجد واسعاً أو كان فى الغرس نفع بثمرته. ولا يجوز إبقاؤه أيضاً " لقوله " عليه الصلاة السلام: ليس لعرقٍ ظالم حق (¬2) لأن الظلم وضع الشئ فى غير محله وهذا كذلك أهـ (وقال) النووى: يكره غرس الشجر فى المسجد ويكره حفر البئر فيه لأنه بناء فى مال غيره. وللإمام قلع ما غرس فيه (¬3). (وقال) السفارينى الحنبلى: جزم علماؤنا بعدم جواز غرس شئ فى المسجد، ويقلع ما غرس فيه ولو بعد إيقافه. وكذا حفر بئر ثم قال: وفى الرعاية الكبرى: ويحرم غرسها مطلقاً. وقيل إن ضيَّقَتْ حرُم وإلا كره فإن لم تقلع فثمرتها للمساكين. وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه فإن عُيِّنَ منصرفها عمل به، وإلا تصرف لورثة الواقف كالميراث. فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفاً عليهم. وقيل يجوز الأكل منها. وقيل تصرف فى مصالح المسجد. ثم قال: والمختار جواز حفر البئر وغرس الشجر ¬

(¬1) ص 612 غنية المتملى شرح منية المصلى (أحكام المساجد). (¬2) هو عجز حديث أخرجه أبو داود بسند حسن عن سعيد بن زيد. وصدره: من أحيا أرضاً ميتة فهى له. وروى أبو داود عن عروة بن الزبير عن صحابى، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غرس أحدهما نخلا فى ا {ض الآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها. (انظر ص 178 ج 3 سنن أبى داود إحياء الموات) وليس لعرق ظالم حق (وعرق) منون. ووصفه بالظلم مبالغة أى ليس لصاحبه حق فى الأرض. (¬3) ص 175 ج 2 شرح المهذب (العاشرة - أحكام المساجد).

للمصلحة الراجحة حيث كانتا فى غير موضع الصلاة، لأن مساجد بلادنا لا تتم مصالحها إلا بالبئر. والخلاف إنما هو فى تجديد الآبار. وأما ما كان سابقاً فحكمة كالشجر. وإن جهل الحال فالأصل عدم التجديد (¬1) قال الشيخ مصور ابن إدريس: يحرم غرس شجر فى مسجد، لأن منفعته مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان، فإن فعل قلعت الشجرة. فإن تقلع فثمرها للمساكين (¬2). (17) ويكره تطيين المسجد وبناؤه وتجصيصه بطين ولبِنٍ وجصّ نجس وتنويره بزيت نجس. والظاهر التحريم فى الكل. قاله الشيخ منصور ابن إدريس (¬3). (18) ويكره اللغط فى المسجد وحديث الدنيا (قال) ابن الحاج: إنما يجْلس ف المسجد للصلة والتلاوة والذكر والتفكر أو تدريس العلم بشرط عدم رفع الصوت وعدم التشويش على المصلين والذاكرين (وفى) حدث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يأتى على الناس زمان يُحلقون فى مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا، وليس لله فيهم حاجة ف تجالسوهم. أخرجه ابن حبان، وكذا الحاكم من حديث أنس وقال: صحيح الإسناد (¬4). {394} (وقال) السفارينى: ويسن أن يصان المسجد عن لغط ورفع صوت بمكروه. وقيل يكره الكلام فيه إلا بذكر الله تعالى " وما اشتهر " من قولهم: الحديث المباح فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو كما تأكل النار الحطب: " فكذب " لا أصل له. وذكره القارى فى الموضوعات ولا بأس بالناظرة فيه فى مسائل الفقه للوقوف على الحق لا للمغالبة (¬5). ¬

(¬1) ص 262 ج 2 غذاء الألباب. (¬2) ص 472 ج 2 كاف القناع (الوقف عقد لازم). (¬3) ص 545 ج 1 منه (أحكام المساجد). (¬4) ذكر العجلونى نحوه وعزاء للبيهقى عن السحن مرسلا انظر رقم 3247 ص 395 ج 2 كشف الخفاء. (¬5) ص 257 ج 2 غذاء الألباب (حكم رفع الصوت فى المسجد).

(وقال) النووى: يجوز التحدث بالحديث المباح فى المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحاً " لحديث " جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاّه الذى صّلى فيه الصبح حتى تطلُعَ الشمس، فإذا طلعت قام. قال: وكانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم: أخرجه مسلم (¬1). {395} (19) ويكره لمن بالمسجد إسناد ظهره إلى القبلة، بل السنة أن يستقبلها فى جلوسه. " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شئ سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (¬2). {396} " ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أكرم المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده حمزة بن أبى جمرة متروك (¬3). {397} (وعن) ابن مسعود أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (¬4). {106} (20) ولا يجوز أخذ شئ من أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيرها كالزيت والشمع الذى يُسْرَج فيه " لحديث " أبى هريرة أن النبى ¬

(¬1) ص 177 ج 2 شرح المهذب (التحدث .. فى المسجد). (¬2) ص 169 ج 1 كشف الخفاء. (¬3) ص 169 ج 1 كشف الخفاء. (¬4) ص 63 ج 2 مجمع الزوائد (كيف الجلوس فى المسجد).

صلى الله عليه وسلم قال: إن الحصاة لتُناشد الذى يُخْرجُها من المسجد. أخرجه أبو داود (¬1). {398} " ولقول " سعيد بن جُبير: الحصاة تسب وتلعن من يخرجها من المسجد. {107} (وفيما ذكر) التنفير من إخراج الحصى من المسجد. ومحله فى المساجد غير المفروشة. أما المفروشة فيطلب تنقيتها من الحصى ونحوه. لما يترتب على بقائه فيها من تعفيش المسجد وضرر المصِّلى بالسجود عليها. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ويكره فى المسجد الخوض والفضول من الكلام وحديث الدنيا والارتفاق بالمسجد، وإخراج حصاه وترابه للتبرك به وغيره، ولا يستعمل الناس حُصره وقناديله وسائر ما وقف لمصالحه فى مصالحهم كالأعراس والأعزية وغير ذلك لأنها لم توقف لذلك (¬2). (وقال) وينبغى لمن أخذ شيئاً من المسجد مما يصان عنه ألاّ يلقيه فيه، لأنه بطلب خلو المسجد منه بخلاف حصاء ونحوها من أجزاء تراب المسجد وطينه، لأن استقباء ذلك فيه مطلوب (¬3). (21) ويُمْنع الناس فى المساجد من اسْتِطراقِ حلَق الفقهاء والقرّاء ¬

(¬1) ص 67 ج 4 - المنهل العذب (فى حصى المسجد) و (تناشد) أى تسأل وتقسم على من يخرجها من المسجد أن لا يخرجها منه لأنها لا تحب مفارقته، لأنه محل العبادة والرحمة. فانظر إلى حال هذه الجمادات وحال غالب أهل الزمان يضيق بعضهم ذراعاً من بقائه فى المسجد حتى وقت الصلاة إذا أديت على الوجه الأكمل. وقد قال مالك رحمه الله: مثل المؤمن فى المسجد كمثل السمك فى الماء، ومثل المنافق فيه كمثل الطير فى القفص. (¬2) ص 543 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد). (¬3) ص 545 منه.

صيانة لحرمتها (وفى) الحديث: لا حمِى إلا فى ثلاثة: البئر والفرَس وحلقة القوم. أخرجه القاضى عياض مرسلا بسند جيد. {399} فأما حمى البئر فهو منتهى حريمها وأما طول الفرس فهو ما دار عليه برسَنه (¬1) إذا كان مربوطاً. وأما حلقة القوم فهو استدارتهم فى الجلوس للتشاور. (22) ويكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة تشبيك أصابعه لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكنّ، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه (¬2) " وأما " قول أبى هريرة: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشىّ فصَّلى بنا ركعتين ثم سّلم فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غَضْبَانُ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه (الحديث) أخرجه البخارى (¬3). {400} " فيدل " على جواز التشبيك فى المسجد لمن لم ينتظر الصلاة (ولذا) قسموا التشبيك أقساماً (أحدها) إذا كان الإنسان فى الصلاة. ولا شك فى كراهته (ثانيها) إذا كان فى المسجد منتظراً الصلاة أو كان ذاهباً إلى المسجد للصلاة. والظاهر كراهته " لحديث " أبى سعيد السابق ولما تقدم عن كعبِ بن عُجْرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ وُضُوءَه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يُشَبّكَنّ بيده فإنه فى صلاة (¬4). (وحكمة) النهى عن التشبيك أنه من الشيطان، وأنه يجلب النوم وهو من ¬

(¬1) (الرسن) بفتحتين الحبل. (¬2) تقدم رقم 231 ص 172 (مكروهات الصلاة). (¬3) ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره). (¬4) تقدم رقم 229 ص 172. (تسبيك الأصابع فى الصلاة).

مظان الحدث، وأن صورته تشبه صورة الاختلاف المنهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم للمصلين: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم (¬1) (ثالثها) أن يكون فى المسجد لا ينتظر صلاة. فلا يكره التشبيك، لحديث أبى هريرة السابق. (رابعها) أن يكون فى غير المسجد، فلا يكره بالأولى " ولحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمنَ للمؤمن كالبُنيان يشُدّ بعضُه بعضاً، وشبّك بين أصابعه. أخرجه البخارى (¬2). {401} (قال) الحافظ: حديث أبى موسى دال على جواز التشبيك مطلقاً. وحديث أبى هريرة دال على جوازه فى المسجد فهو فى غيره أجوز (¬3). (33) ويكره تحريماً اتخاذ المسجد طريقاً لغير عذر. كأن لا يجد طريقاً غيره أو يكون إماماً بابه إلى المسجد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم: لا يَبقينّ فى المسجد بابٌ إلا سُدّ إلا بابَ أبى بكر. أخرجه البخارى. (¬4) {402} (ولذا) قال الحنفيون: يَفسُق م اعتاد المرور فيه لغير عذر بلانية اعتكاف، بخلاف ما لو مرّ فيه مرة أو مرتين أو نوى الاعتكاف فلا يَفسُق. (قالت) المالكية: يكره كثرة المرور فيه إن كان بناؤه سابقاً على ¬

(¬1) هذا بعض حديث أخرجه أحمد عن البراء بن عازب (ص 310 ج 5 - الفتح الربانى) وأبو داود (ص 54 ج 5 - المنهل العذب - تسوية الصفوف). (¬2) ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره). (¬3) ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره). (¬4) هو بعض حث لفظه عند البخارى: عن أبى سعيد الخدرى قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله تعالى. فبكى أبو بكر رضى الله عنه. فقلت فى نفس ما يبكى هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله عز وجل. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد. وكان أبو بكر أعلمنا. قال يا أبا بكر: لا تبك إن أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين فى المسجد الخ انظر ص 374 فتح البارى " وأما " حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سدوا الأبواب إلا باب على " فقد أخرجه " الترمذى وقال: فري. وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحرانى عن شعبة. وقال البخارى: حديث إلا باب أبى بكر أصح

(التاسع) بدع المسجد

الطريق وإلا فلا كراهة. (قالت) الحنبلية: يكره اتخاذه طريقاً للطاهر والجنب. وكذا الحائض إن أمن تلويثه إلا لحاجة. ومنها كونه طريقاً قريباً. (وقالت) الشافعية: يجوز المرور فيه للطاهر مطلقاً وللجنب لحاجة وإلا كره كما يكره للحائض ولو لحاجة إن أمنت تلويث المسجد وإلا حرم. (التاسع) بدع المسجد المساجد بيوت الله تعالى فيلزم تطهيرها من أدران المحدثات والعوائد. وهى كثيرة تقدم بعضها كاتخاذ المحارب فيها وزخرفتها وتعدد الجماعة فيها. وهناك أربع عشرة بدعة أخرى: (1) كثرة المساجد فى البلد لغير حاجة اعلم أنه يجب بناء المساجد فى الأمصار والقرى وغيرها بحسب الحاجة، وهى أحب البقاع إلى الله تعالى. وأبغضها إلى الله الأسواق (ومن المحدث) كثرة المساجد فى الجهة الواحدة لغير حاجة، لما فيه من تفريق الجمع، وتشتيت شمل المصلين. وتعديد الكلمة وفوات حكمة مشروعية الجماعة. وهى اتحاد الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون والتعاضد (قال) الشيخ منصور بن إدريس زيحرم أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول وخوف فتنة باجتماعهم فى مسجد واحد (¬1). (2) غلق المساجد - بنيت المساجد للطاعة فى كل وقت. والجلوس فيها مستحب للعبادة كاعتكاف وقراءة قرآن أو علم وسماع موعظة وانتظار صلاة (فالسنة) فتح المساجد فى كل الأوقات إلا لضرورة كما كان الحال فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والسلف الصالح (وأما غلقها) نهاراً فى غير أول الوقت فبدعة ممنوعة قد تؤدى إلى تضييع الصلاة، فإنه لا يتيسر لكل واحد الذهاب إلى المسجد أول الوقت ¬

(¬1) ص 545 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).

وفى غلقها صدِّ عن سبيل الله وسعى فى خراب المساجد مما بنيت له قال تعالى تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (¬1)}. (ومن التخريب) منع المصلين والمتعبدين من دخولها. وقد نشأ من ذلك بدعة أخرى مذمومة، وهى ما اعتاده خدمة المساجد من طرد المصلين أو طلاب العلم بعد صلاة العشاء. ومن كان فى صلاة ألجئوه إلى تخفيفها، وفى هذا تهويش على المتعبدين وصد عن طاعة الله (قال) ابن نجيم: وكره غلق باب المسجد لأنه يشبه المنع من الصلاة. وقيل لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد (¬2). (أما غلقها) لضرورة كخوف امتهانها وخشية ضياع شئ منها، فجائز إن لم تدع حاجة إلى فتحها كتعليم العلم أو وجود معتكف فيها يتأذى بغلقها، وإلا حرم إلا إن تيقن امتهانها أو ضياع شئ من أثاثها، فيجوز غلقها حينئذ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " قال " النووى: لا بأس بإغلاق المسجد فى غير وقت الصلاة لصيانته أو الحفظ آلاته، إذا خيف امتهانها وضياع ما فيها ولم يدع إلى فتحها حاجة. فأما إذا لم يخف من فتحها مفسدة ولا انتهاك حرمتها وكان فى فتحها رفق بالناس فالسنة فتحها (¬3) (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ويباح غلق أبوابه فى غير أوقات الصلاة، لئلا يدخله من يكره دخوله إليه كمجنون وسكران وطفل لا يميز (¬4). (3) ومن البدع الرقص والغناء واستعمال آلات الطرب على الوجه المحرم - قال السيوطى فى كتاب الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع: ومن ذلك (يعنى المحدثات) الرقص والغناء فى المساجد وضرب الدفّ أو الرَّباب وغيرهما من آلات الطرب، فمن فعل ذلك فى المسجد فهو مبتدع ¬

(¬1) البقرة آية: 114. (¬2) ص 36 ج 2 - البحر الرائق (فصل كره استقبال القبلة بالفرج .. ). (¬3) ص 178 ج 2 شرح المهذب (الثانية والعشرون - أحكام المساجد). (¬4) ص 544 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).

ضالّ مستحق للطرد والضرب، لأنه استخفف بما أمر الله بتعظيمه قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (¬1) أى يتلى فيها كتابه، وبيوت الله هى المساجد (وتقدم) عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مَنْ رأيتموه ينشُد شِعْراً فى المسجد فقولوا فَضَّ الله فاك ثلاث مرات: ومن رأيتموه ينشُد ضالَّة فى المسجد فقولوا: لا وجدْتَها ثلاث مرات (الحديث (¬2)). "فما أحق" هؤلاء المشدين للقصائد الملحونة والموشَّحات المحرفة بتلك الزعقات المؤلمة والصيحات الهائلة "بالدعاء" النبوى عليهم إذ الأمر فيه إن لم يكن للوجوب فللندب. وإذا كان من يرفع صوته لحاجة مهمة كضالة يتعرفها قد شرع الدعاء عليه، فما بالك برافعى أصواتهم لا لحاجة بل للضرر والتشويش (وتقدم) أن عرم بن الخطاب رضى الله عنه بنى إلى جانب المسجد رحَبة سماها البُطيحاء وقال: من أراد أن يلغَط أو ينشُد أو يفع صوتاً فْليخرجْ إلى هذه الرحبة (¬3). (4) ومن البدع وضع كرسى مرتفع فى المسجد يتلى عليه شئ من القرآن بصوت مرتفع يوم الجمعة وقبل إقامة الصلاة فى غيرها، فيحصل من التشويش على المصلين ما لا يمكن معه أداء الصلاة على وجهها. (قال) ابن الحاج فى المدخل ومن هذا الباب الكرسى الكبير يوضع فى الجامع مكى يقرأ القارئ عليه ولا ضرورة تدعو لذلك لوجهين. (الأول) أنه يشغل من المسجد موضعاً كبيراً وهو وقف على المصلين: (الثانى) أنهم يقرءون عند اجتماع الناس لانتظار الصلاة، فمنهم المصلى، ¬

(¬1) النور آية: 36. (¬2) تقدم رقم 384 ص 268. (¬3) تقدم أثر رقم 102 ص 264.

ومنهم التالى ومنهم الذاكر ومنهم المفكر. فإذا قرأ القارئ إذ ذاك قطع عليهم ما هم فيه، وقد نهى النبى عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت بالقراءة فى المسجد بقوله: لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. وهو نص فى عين المسألة (¬1). (5) ومن البدع الاحتفال فى المسجد بالمولد وغيره - جرت العادة بالاحفال بالمولد وغيره فى المساجد. وهو أمر محدث قبيح لم يقع من السلف ولم يستحسنوه وفيه عدة مفاسد (منها) إضاعة الأموال بكثرة الوقود فى المساجد وإيقاد المصابيح فى الأضرحة، وهو من الإسراف والتبذير المنهى عنه (روى) المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كره لكم ثلاثاً قياَ وقالَ، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال. أخرجه الشيخان (¬2). {403} (وقال) النووى: من البدع المنكرة ما يفعل فى كثير من البلدان من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف فى ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة (منها) مضاهاة المحبوس فى الاعتناء بالنار والإكثار منها (ومنها) إضاعة المال فى غير وجهه (ومنها) ما يترتب على ذلك فى كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التى يجب صيانة المسجد من أفرادها (¬3). (ومنها) قراءة القرآن على غير الوجه المشروع فيرجّعون فيه كترجيع الغناء، ولا يراعون فيه ما يجب له من الاستماع والإنصاف والاحترام. وهو مخالف لما وصف الله به المؤمنين عند سماع كلامه بقوله: ¬

(¬1) ص 73 ج 2 مدخل (بعض البدع التى أحدثت فى المسجد) و (لا يجهر ... ) هون بعض حديث أخرجه أحمد بسند صحيح. تقدم تاماً رقم 172 ص 127 (تعدد الجماعة فى وقت واحد). (¬2) ص 219 ج 3 فتح البارى (قول الله عز وجل لا يسألون الناس إلحافاً ... ) وص 12 ج 12 نووى مسلم (النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة - الأقضية). (¬3) ص 177 ج 2 شرح المهذب (الثامنة عشرة - أحكام المساجد).

{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬1). وقوله: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (¬2). (ومنها) إقامة حلقات الذكر المحرَّف فى المسجد مع ارتفاع أصوات المنشدين والتصفيق الحادّ من رئيس الراقصين، وقد يضربون على البازة ونحوها أثناء الذكر وفى المسجد. وكل هذا ممنوع بإجماع العلماء ولم يكن فى عهد السلف الصالح (ومنها) اتخاذ قبور الأنبياء والأولياء عيداً وهو ممنوع " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبرى عيداً، وصلوا علىَّ فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم". أخرجه أبو داود وأحمد بسند حسن (¬3). {404} " ولحديث " الحسين عن علىّ رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجعلوا قبرى عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علىِّ وسلموا حيثما كنتم فيبلغنى صلاتكم وسلامكم " أخرجه أبو يعلى والحكيم الترمذى (¬4). {405} ¬

(¬1) المائدة أية: 83. (¬2) الأنفال أية: 2. (¬3) انظر رقم 301 ص 253 ج 2 تكملة المنهل (زيارة القبور) وص 307 ج 14 - الفتح الربانى. و (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أى لا تتركوا النافلة فيها حتى تكون بمنزلة القبور (ففى الحديث) لا تتخلوا بيوتكم قبوراً سلوا فيها. أخرجه أحمد عن زيد بن خالد بسند صحيح انظر ص 114 ج 4 مسند أحمد (حديث زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه) (ولا تجعلوا قبرى عيداً) أى بالتوجه إليه مرة بعد أخرى وإظهار الفرح والسرور بذلك كالعيد. بل اجعلوها زيارة عظة ةاعتبار (وصلوا على) أينما كنتم. كما فى رواية أحمد (فإن صلاتكم تبلغنى) أى أن القرب منم قبره والبعد عنه ساء فلا حاجة إلى اتخاذه عيداً كما اتخذ المشركون م أهل الكتاب قبور أنبيائهم وصالحيهم عيداً. (¬4) ص 467 راموز الأحاديث.

(وقد اتفقت) كلمة العلماء على إنكار ذلك (قال) السفارينى: قال الإمام ابن عقيل: أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل زماننا فى المساجد والمشاهد ليالى يسمونها إحياء، لعمرى إنها لإحياء أهوائهم، وإيقاد شهواتهم. قال فى الآداب: وهذا فى زمانه الذى بيننا وبينه نحو ثلثمائة سنة. " وما يجرى " بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام فى المواسم من المنكرات فى زماننا " أضعاف " ما كان فى زمانه (قلت) وهذا الذى قاله ابن مفلح فى آدابه فى زمانه وهو قد توفى سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة. فما بالك بعصرنا الذى هو فى المائة الثانية عشرة. وقد انطمست معالم الدين وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين. فصارت السنة بدعة. والبدعة شرعة، والعبادة عادة والعادة عبادة. فعالهم عاكف على شهواته وحاكمهم متماد فى غفلاته وأميرهم لا حلم لديه ولا دين، وغنيهم لا رأفة عنده ولا رحمة، وفقيرهم متكبر " فلو رأيت " جموع صوفية زماننا وقد أوقدوا النيران، وأحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجة والطول، وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون " لقضيتَ " بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامرىّ وهم على عبادة عجلهم يعكفون " أو حضرتَ " مجمعاً وقد حضره العلماء بعمائهم الكبار والفراء المثمنة والهيئات المستحسنة، وقدموا قِصاب الدخان التى هى لجامات الشيطان وقد ابتدر ذو نغَمة ينشد من الأشعار المهيجة فوصف الخدود والنهود والقدود. وقد ارخى القوم رءوسهم ونكّسوها واستمعوا للنغمة واستأنسوها " لقلتَ " وهم لذلك مطرقون: ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون. فإنا لله وإنا إليه راجعون (¬1). (وقال) ابن حجر الهيثمى: الموالد والأذكار التى تفعل عندنا أكثرها مشتمل ¬

(¬1) ص 260 ج 2 غذاء الألباب (ما يجب أن يمنع فى المساجد).

على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه، وعلى شرّبل شرور. ولو لم يكن فيها إلا رؤية النساء للرجال الأجانب لكفى. وبعضها ليس فيه شر لكنه قليل نادر (ولا شك) أن القسم الأول ممنوع للقاعدة المشهورة: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فمن علم وقوع شئ من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم. وبفرض أنه عمل فى ذلك خيراً فربما خيرُه لا يساوى شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطَم عن جميع أنواع الشر حيث قال: فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه (¬1). {406} (والقسم) الثانى سنة تشمله الأحاديث الواردة فى الأذكار المخصوصة والعامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمةُ ونزلتْ عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم (¬2). وروى مسلم أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لقوم جلسوا يذكرون الله تعالى ويحمَدنه على أن هداهم للإسلام: أتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرنى أن الله تعالى يُباهى بكم الملائكة (¬3) (وقال) تقى الدين بن تيمية بعد أن بيّن بدع الموالد وما اشتملت عليه من المفاسد ما نصه: وكذلك ما يحدثه بعض ¬

(¬1) هذا عجز حديث أخرجه النسائى عن أبى هريرة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النسا فقال: إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج. فقال رجل: فى كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثاً، فقال: لو قلت نعم لو جبت ولو وجبت ما قمّم بها. ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سألهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به الخ انظر ص 2 ج 2 مجتبى (وجوب الحج). (¬2) وأخرجه أيضاً الترمذى. وقال: حسن صحيح. عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى انظر ص 22 ج 17 نووى مسلم (فضل الاجتماعه على تلاوة القرآن وعلى الذكر - الذكر). (¬3) أخرجه مسلم وغيره عن أبى سعيد الخدرى مطولا بلفظ تقدم رقم 165 ص 132 ج 1 الدين الخالص. وانظر عبارة ابن حجر ص 112 - الفتاوى الحديثية (الاجتماع الموالد والأذكار).

الناس إما مضاهاة للنصارى فى ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبى صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له، والله يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبى صلى الله عليه وسلم وسد عيداً مع اختلاف النسا فى مولده. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه لو كان خيراً. ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضى الله عنهم أحق به منها، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه فى متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان (¬1). (وقد شدّد) النكبرَ ابنُ الحاجِّ فى المدخل عى ما حدث فى مجامع قراءة المولد من النكرات وأطال فى بيان مفاسدها (¬2). (وقد سئل) تقىّ الدين ابن تيمية فيمن يعمل كل سنة ختمة فى ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم: هل ذلك مستحب ام لا؟ فأجاب بعد الحمد له: جمعُ الناس للطعام فى العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التى سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين. وإعانة الفقراء بالإطعام فى شهر رمضان هو من سنن الإسلام (فقد) قال النبى صلى الله عليه وسلم: من فطر صائماً فله مثل أجره (¬3). {408} وإعطاء فقراء القرّاء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح فى كل وقت، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم فى الأجر " وأما اتخاذ " موسم غير المواسم الشرعية لبعض ليالى شهر ربيع الأول التى يقال لها ليلة المولد. أو بعض ليالى رجب. أو ثامن عشر ذى الحجة أو أول جمعة من رجب، ¬

(¬1) انظر افتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. (¬2) وكذا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله فى كتاب (تعجيل القضاء المبرم). (¬3) هو صدر حديث أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ. انظر رقم 8889 ص 187 ج 6 فيض القدير.

أو ثامن شوال الذى تسميه الجهال عيد الأبرار " فإنها " من البدع التى لم يستحينها السلف ولم يفعلوها (¬1). (وقال) الشيخ محمد بخيت فى كتابه " أحسن الكلام ": ما ليس بفرض من الطاعات إذا ترتب على فعله محرم أو مكروه تحريماً، وجب تركه تقديماً لدرء المفاسد على جلب المصالح " والمحرمات " كاختلاط الرجال بالنساء وتحريف أسماء الله تعالى والرقص وشد الرحال إلى تلك البقاع والسفر إليها وإيقاد الشموع ونحوها " مما يدخل " تحت الإسراف والتبذير. وإحراق السواريخ والشنكات ونحو ذلك مما هو إضاعة للمال فى الباطل، خصوصاً إن كان ما يصرف على ذلك من أموال بيت المال، أو من الأموال الأوقاف. وآلات الملاهى والمغانى وما أشبه ذلك فكل ذلك محرم بلا شبهة. (ولذا أبطل) الأفضل بن أمير الجيوش الموالد التى كانت فى زمانه مع أن المخالفات التى كانت تقع فيها أقل بكثير من المخالفات التى تقع فى موالد زماننا كما هو مشاهد. فعلى شيخ الأزهر والسادة العلماء أن يبينوا لولاة الأمر ما فى عمل الموالد من المفاسد والمنكرات، ليأمروا بإبطالها ولا يسمحوا بإقامتها. وعلى كل مكلف البعد عن حضورها ومشاهدتها، وإلا وقع فى الندم والعطب " يو مينظر المرء ما قدمت يداه". (6) ومن البدع المذمومة زيادة النور فى المساجد والمآذن ليلة أول جمعة من رجب، وليلة السابع والعشرين منه، وليلة نصف شعبان وليالى رمضان وليلتى العيد وغيرها من ليالى المواسم المحدثة فإنها إسراف وتبذير لم يكن فى زمن السلف الصالح (قال الإمام) أبو شامة نقلا عن الحافظ أبى الخطاب بن دحية " ومما أحدثه" المبتدعون وخرجوا به عما رسمه ¬

(¬1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.

المتشرعون. وجَرَوْا فيه على سَنَن المحبوس، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً "الوقيد" ليلة نصف من شعبان ولم يصح فيها شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد "أحد" من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية، راغب فى دين المجوسية، لأن النار معبودُهم (وأول) ما حدث ذلك فى زمن البرامكة، فأدخلوا فى دين الإسلام ما يموهون به على الطِّغام، وهو جعلهم الإيقاد فى شعبان كأنه من سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا، كان ذلك إلى النار التى أوقدوها، ومضت على ذلك سنون وأعصار. هذا. مع ما يجتمع فى تلك الليلة من الرجال والنساء واختلاطهم. فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم (¬1). (ثم قال) ولم يأت فى الشريعة استحباب زيادة الوقيد على قدر الحاجة فى موضع مّا أصلا. وما يفعله عوام الحجاج يوم عرفة بجبال عرفات وليلة النح بالمشعر الحرام، فهو من هذا القبيل يجب إنكاره لأنه بدعة منكرة خلاف الشريعة المطهرة (¬2) (وقال) ملا على القارى: ولم يأت فى الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة فى موضع مّا (¬3) وتقدم عن الإمام النووى بيان بعض المفاسد المترتبة على مثل هذه البدع (¬4). ¬

(¬1) ص 27 - الباعث على إنكار البدع والحوادث (فصل فأما الألفية .. ). (¬2) ص 30 منه. (¬3) ص 178 ج 2 مرقاة المفاتيح (قيام شهر رمضان). (¬4) تقدم ص 284 (الاحتفال بالمولد وغيره).

(7) ومما يقع فى المساجد من البدع المنكرة. (أ) صلاة الغائب، وهى صلاة ثنتى عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمع من رجب (ب) والصلاة الألفية، وهى صلاة مائة ركعة ليلة نصف شعبان يقرا فى كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد عشر مرات. (وهما صلاتان) محدثتان لا أصل لهما فى الشريعة السمحة، ولا من فعل الصحابة ومن بعدهم (قال الإمام الجزرى) فى الحصن: وأما صلاة الرغائب أول خميس من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وصلاة ليلة القدر من رمضان، فلا تصح، وسندها موضوع باطل. (وقال النووى) الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة. وهاتان الصلاتان بدعتان منكرتان. ولا يغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل. ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتاباً نفسياً فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد (¬1) (وقال) فى موضع آخر: وليس لحد ان يستدل على مشروعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوع (¬2) {409} فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه (وقد صح) النهى عن الصلاة فى الأوقات المكروهة. ¬

(¬1) ص 177 ج 2 شرح المهذب (الثامنة عشرة - أحكام المساجد). (¬2) هو مصدر حديث أخرجه الطبرانى عن أبى هريرة وتمامه: من استطاع أن يستكثر فليستكثر. واخرجه أيضاً عن أبى ذر بلفظ: الصلاة خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر. وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبى ذر. انظر رقم 1616 ص 30 ج 2 كشف الخفاء.

(وقال) العز بن عبد السلام: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التى تصلى فى رجب ولا صلاة نصف شعبان فحدث فى سنة 448 ثمان وأربعين وأربعمائة أن قدم عليهم رجل من نابلس يعرف بابن أبى الحمارء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلى فى المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا هم جماعة كثيرة. ثم جاء فى العام القابل فصلى معه خلق كثير وانتشرت فى المسجد الأقصى وبيوت الماس ومنازلهم. ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا (¬1) (وقال) أبو شامة نقلا عن الإمام الطرشوشى: وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا ببيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة. وما كنا رأيناها لا سمعنا بها قبل ذلك ثم قال (وروى) ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا أحداً من مشيختا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يرون لها فضلا على سواها. وقيل لابن أبى مُليكة: إن زياداً النمرى يقول: عن أجر ليلة الصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال: لو سمعته وبيدى عصا لضربته. وكان زيادٌ قاصًّا. وانبأنا الحافظ أبو الخطاب بن دحية قال فى كتابه أداء ما وجب: وقد روى الناس الأغفال فى صلاة ليلة النف من شعبان أحاديث موضوعة وواحداً مقطوعاً وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة، فى كل ركعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التى ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيها: من صلى الصبح ¬

(¬1) ص 422 ج 3 - إتحاف المتقين شرح الإحياء (صلاة رجب).

فهو فى ذمة الله (¬1). {410} (وقال) أبو الخطاب فى كتاب " ما جاء فى شهر شعبان " قال أهل التعديل والتجريح ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يصح. فتحفظوا عباد الله من مفتر يروى لكم حديثاً موضوعاً يسوقه فى معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وسلم. فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدم الشيطان، لاستعماله حديثاً على رسول الله صلى اله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان (¬2). (ثم قال) أبو شامة: قال الحافظ أبو الخطاب: أما صلاة الرغائب فالمتهم بوضعها علىّ بن عبد الله بن جهضم وضعها على رجال مجهولين لم يوجدوا فى جميع الكتب ومذلك عمل الحسين بن إبراهيم حديثاً موضوعاً على رجال مجهولين لا يعرفون وألصقه بأنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة النصف من شعبان ورجب أربع عشرة ركعة (الحديث) قال: وهو حديث، جمع من الكذب والزور غير قليل (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الطبرانى عن أبى عمر بلفظ: من صلى الغداة كان فى ذمة الله حتى يمسى. انظر رقم 2515 ص 257 ج 2 كشف الخفاء. (¬2) ص 26، 27 - الباعث على إنكار البدع والحوادث. (¬3) وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات والغزالى فى الإحياء مطولا وفيه: ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلى فيما بين العشاء "المغرب " والعتمة " العشاء " اثنتى عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه فى ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد ثنتى عشرة مرة. فإذا فرغ من صلاته صلى على سبعين مرة يقول: اللهم صلى على محمد النبى الأمى وعلى آله. ثم يسجد ويقول فى سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر واحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. ثم يسجد الثانية يقول فيها مثل ما قال فى السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته فإنها تقضى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده: ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل وورق الأشجار. ثم أطال فى ذكر الثواب والفضل فى هذا (قال) العراقى: أورده رزين فى كتابه، وهو حديث موضوع (وقال) ابن الجوزى: موضوع وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب. انظر ص 423 ج 3 - إتحاف المتقين شرح الإحياء (صلاة رجب).

(قال) أبو شامة: وما ذكره هذا الحافظ فى أمر صلاتى رجب وشعبان هو كان سبب تبطيلهما فى بلاد مصر بأمر سلطانها الكامل محمد بن أبى بكر رحمه الله تعالى، فإنه كان مائلا إلى إظهار السنن وإمانة البدع (وقد وقعت) هذه المسألة فى الفتاوى بدمشق قبل سنة عشرين وستمائه. صورتها: ما تقول السادة الفقهاء الأئمة رضى الله عنهم فى الصلاة المدعوة بصلاة الرغائب؟ هل هى بدعة فى الجماعات؟ وهل ورد فيها حديث صحيح؟ (فأجاب) الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح بما صورته: حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى بدعة حدثت بعد أربعمائة من الهجرة، ظهرت بالشام وانتشرت فى سائر البلاد (ولا بأس) بأن يصليها الإنسان بناء على أن الإحياء فيما بين العشاءين مستحب كل ليلة. ولا بأس بالجماعة فى النوافل مطلقاً. أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة، فهذه من البدع المنكرة، وما أسرع الناس إلى البدع. (ووقعت) هذه المسألة مرة ثانية صورتها: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين فيمن ينكر على من يصلى لا فى ليلة الرغائب وليلة النصف من شعبان، ويقول: إن الزيت الذى يشعل فيها حرام وتفريط، ويقول إن ذلك بدعة. وما لهما فضل ولا ورد فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فيهما فضل ولا شرف؟ فهل هو على الصواب؟ أفتونا رضى الله عنكم (فأجاب) أيضاً: أما الصلاة المعروفة فى ليلة الرغائب فهى بدعة، وحديثها المروىّ موضوع. وما حدثت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة، وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالى الجمع (وأما ليلة) النصف من شعبان فلها فضيلة وإحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الانفراد من غير جماعة، واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسماً وشعاراً بدعة منكرة. وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه،

فغير موافق للشريعة. (والألفية) التى تصلى فى ليلة النصف لا أصل لها ولا لأشباهها. ومن العجب حرصُ الناس على المبتدعَ فى هاتين الليلتين وتقصيرُهم فى المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان (¬1). (8) ومما تقدم تعلم أن من المبدع المنكرة الاحتفال فى المساجد بإحياء هذه الليالى بالصلاة والدعاء وغيرهما، لأنه لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد السلف الصالح، ولم يرد فيه حديث يعتمد عليه، ولما يترتب عليه من المفاسد وامتهان المساجد (قال) أبو شامة: قد أنكر الإمام الطرطوشى على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم فى صلاة التراويح فى شهر رمضان ونصب المنابر، وبين أنه بدعة ومنكر، وان مالكاً رحمه الله كرهه إن كان ذلك عل وجه السلامة من اللغط، ولم يكن إلا الرجال والنساء منفردين بعضهم عن بعض يستمعون الذكر ولم تنتهك فيه شعائر الرحمن، فهذه البدعة التى كره مالك رحمه الله " وأما إن كان " على الوجه الذى يجرى فى هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامَّة أجسامهم، ومزاحمة من فى قلبه مرض من أهل الريب، ومعانقة بعضهم لبعض كما حكى لنا أن رجلا وُجِد يطأ امرأة وهم وقوف فى زحام الناس وحكت لنا امرأة أن رجلا واقعها فما حال بنيهما إلا الثياب. وأمثال ذلك من الفسق واللغط " فهذا فسق " فيفسق الذى يكون سبباً لاجتماعهم (فإن قيل) أليس روى عبد الرزاق فى تفسير أن أنس بن مالك كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله (قلنا) هذا هو الحجة عليكم. فإنه كان يصلى فى بيته، ويجمع أهله عند الختم، فأين هذا من نصبكم المنابر وتلفيق الخطب على رءوس الأشهاد فيخلط الرجال والنساء والصبيان والغوغاء ¬

(¬1) ص 34 - الباعث على إنكار البدع والحوادث.

وتكثر الزعقات والصياح، ويختلط الأمر ويذهب بهاء الإسلام (¬1) (ثم قال) أبو شامة: وكل من حضر ليلة نصف شعبان يعلن " أنه يقع " فى تلك الليلة من الفسوق والمعاصى وكثرة اللغط والخطف والسرقة وتنجيس مواضع العبادات، وأنها تهان بيوت الله تعالى " أكثر" مما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشى فى ختم القرآن والله المستعان فكل ذلك سببه الاجتماع للتفرج على كثرة الوقيد. وكثرة الوقيد سببها تلك الصلاة المبتدعة المنكرة، وكل بدعة ضلالة (¬2). (وقال) الحافظ الزبيدى: وقد توارث الخلف عن السلف فى إحياء هذه الليلة بصلات ست ركعات بعد صلاة المغرب كل ركعتين بتسليمه يقرا فى كل ركعة منها بالفاتحة مرة والإخلاص ست مرات، وبعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة يس مرة ويدعو بالدعاء المشهور ليلة النصف ويسأل الله تعالى البركة فى العمر، ثم فى الثانية البركة فى الرزق ثم فى الثالثة حسن الخاتمة. وذكروا أن من صلى هكذا بهذه الكيفية أعطى جميع ما يطلب. وهذه الصلاة مشهورة فى كتب المتأخرين من السادة الصوفية، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً فى السنة. ثم قال: وقد قال أصحابنا: إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالى المذكورة فى المساجد وغيرها (وقال) التجم الغيطى فى صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة: إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبى مُليكة وفقهاء أهل المدينة واصحاب مالك وقالوا ذلك كله بدعة، ولم يثبت فى قيامها جماعة شئ عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه (¬3). ¬

(¬1) ص 30 - الباعث على إنكار البدع والحوادث .. (¬2) ص 31 منه. (¬3) ص 427 ج 3 شرح الإحياء (وأما صلاة شعبان).

(وأما الدعاء) المشهور ليلة نصف شعبان فلم يثبت. والاجتماع له بدعة ونسبته إلى بعض الصحابة غير صحيح. وإنما هو من اختراع بعض المشايخ (قال) العلامة أحمد الشرجى اليمنى فى كتاب الفوائد فى الصِّلات والعوائد فى بحث " ما يدعى به ليلة النصف من شعبان " من ذلك ما وجد بخط الفقيه أبى بكر بن أحمد دعير قال: أملى علىّ الخ الفقيه عبد الله بن أسد اليافعى فى طريق مدينة الرسول صلى الله علهي وسلم سنه 733 ثلاث وثلاثين وسبعمائة هذا الدعاء وهو: اللهم ياذا المن الخ. (قال) بعضهم: أولى ما يدعى به فيها: إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم الخ. فجمع الناس بينهما وروّجوه. وقد يشترطون لقبوله قراءة يس وصلاة ركعتين قبله يكررون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات: يصلون المرة الأولى بنية طول العمر، والثانية بنية دفع البلايا، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس، ويعتقدون أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا هذه الليلة حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات، فهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة. وفيهم تاركو الصلاة ومرتكبو الموبقات معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق، وانه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته، لهذا ينبغى تركه وعدم الاهتمام به، سيما وأنه يفهم منه أن ليلة النصف هى الليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم. وهو مخالف لصريح القرآن، لأن الليلة المباركة المذكورة فى قوله تعالى: {وَالْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (¬1) هى ليلة القدر، لا ليلة النصف من شعبان. ¬

(¬1) الدخان آية: 2 - 4. و (منذرين) أى معلنين الناس بما ينفعهم ويضرهم، لئلا يكون لهم على الله حجة (فيها يفرق كل أمر حكيم) أى فى ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة، أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وغيرها ..

(قال) ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم: " إنَّا أَنزَلْناُه فِى ليْلَةٍ مُبَارَكَةٍ " وهى ليلة لاقدر كما قال عز وجل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} وكان ذلك فى شهر رمضان كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ (¬1)} ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوى عن عكرمة، فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها فى رمضان " والحديث " الذى رواه عثمان بت محمد بن المغيرة بن الأخنث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تُقطع الآجالُ من شعبانَ إلى شعبانَ، حتى إن الرجل ليَنْكح ويوُلد له ود أخرْجَ اسمه فى الموتى " فهو" حديث مرسل ومثله لا يعارض النصوص (¬2). {411} (وقال) العلامة الأوسى (إنا أنزلناه) أى الكتاب المبين الذى هو القرآن على القول المعول عليه (فى ليلة مباركة) هى ليلة القدر على ما روى عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد والحسن. وعليه أكثر المفسرين. والظاهر معهم (¬3)? (وقال) وعن عكرمة أن ليلة القدر هى ليلة النصف من شعبان. وهو قول شاذ غريب. وظاهر ما هنا مع ظاهر قوله تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " يرده (¬4)? (وقال) أبو بكر بن العربى: جمهور العلماء على أنها ليلة القدر. ومنهم من قال إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل، لأن الله تعالى قال فى كتابه الصادق القاطع " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " فنص على أن ميقات نزوله رمضان ثم عبر عن زمنية الليل هنا بقوله: فى ليلة مباركة (¬5)? أى أن ابتداء نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم كان فى رمضان فى تلك الليلة المباركة التى سماها الله ليلة القدر (وظاهر) ¬

(¬1) آية البقرة: 185. (¬2) ص 419 ج 7 تفسير ابن كثير. و (النجعة) مغرفة فى الأصل طلب الكلأ فى موضعه. والمراد هنا البعد عن الصواب. (¬3) ص 37 ج 8 روح المعانى (سورة الدخان). (¬4) ص 420 ج 9 منه (سورة القدر). (¬5) ص 224 ج 2 - أحكام القرآن (سورة الدخان).

القرآن أيضاً أن الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم، هى ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان (وظاهره) أيضاً أن المحو والإثبات فى قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (¬1)? ليس المراد به محو الشقاوة والحرمان، وإقتار الرزق وإثبات ضدها، وإنما المراد المحو والإثبات فى الشرائع بالنسخ والتبديل، فإنه الذى يقتضيه سياق الكلام (¬2) ¬

(¬1) الرعد آية: 39. (¬2) وذلك أن المعاندين من كفار قريش كانوا يعيبون على النبى صلى الله عليه وسلم أموراً ثلاثة (الأول) تزوجه وتناسله، قالوا: لو كان نبياً مرسلا لشغلته النبوة والرسالة عن التزوج والتناسل. (.الثانى) عدم إجابته ما يقترفونه عليه من الآيات وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتى بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه (93) (الإسراء) (الثالث) نسخ بعض الأحكام كتحويل القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس وبالعكس، ونقل عدة المتوفى عنها زوجها من عام إلى أربعة أشعر وعشر (فرد الله) عليهم الشبهة الأولى بقوله: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية (الرعد: آية 38) أى فأنت مثلهم فى ذلك: تأكل كما يأكلون، وتمشى فى الأسواق كما يمشون، وتأتى الزوجات فيولد لك كما يأتون زوجاتهم فيولد لهم. ... (ورد الشبهة) الثانية بقوله " وما كان لرسول أن يأتى بآيه إلا بإذن الله " (غافر من آية: 78) تعالى يفعل ما يشاء، ويأتى بما أراد. وأنت كذلك ليس فى طاقتك الإتيان بما يقترفون من الآيات، وإنما أنت منذر " قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولا " (الإسراء عجز آية: 93) ... (ورد الشبهة) الثالثة بقوله " لكل أجل كتاب " (الرعد عجز آية: 38) أى لكل وقت من والوعد من (آية: 38) أى لم يكن يأتى قزمه بخارق إلا بإذن الله، ليس ذلك إليه بل إلى الله الأوقات حكم تقتضيه حاجة المرسل إليهم وتستدعيه مصالحهم. وقلا الضحاك بن مزاحم " لكل أجل كتاب " أى لكل كتاب أجل يعنى لكل كتاب أنزل من السماء مدة مضروبة، ومقدار معين عند الله، فلذا " يمحوا الله ما يشاء " منها، أى ينسخ ما يشاء نسخة من الأحكام والشرائع " ويثبت " بدله ما فيه المصلحة والخير لعباده، وهم فى ذلك كالمرض يعالجون بأدوية مختلفة على حسب اختلاف أحوالهم التى تتغير بتبديل الأوقات (وعنده أم الكتاب) أى أصل القضاء والعلم الذى لا تغيير فيه ولا تبديل (فالمحو والإثبات) إنما هو فى الأحكام الشرعية الفرعية كما يقتضيه سياق الآيات، لا فى الرزق والأجل والسعادة والشقاء فإنها لا تتغير (روى حذيفة بن أسيد ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر فى الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب؟ أشقى أم سعيد؟ فيكتبان فيقول: أى رب أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما =فيها ولا ينقص. أخرجه أحمد. انظر ص 129 ج 1 - الفتح الربانى. ومسلم (ص 193 ج 16 نووى مسلم - القدر). (وقال) حذيفة أيضاً: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سعها وبصرها وجلدها =

(وقال) العلامة الخطيب: واختلف فى قوله تعالى " فى ليلة مباركة " فقال قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين: هى ليلة القدر، وقال عكرمة، وطائفة: إنها ليلة البراءة، وهى ليلة النصف من شعبان. واحتج الأولون بوجوه. (الأول) قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} فقوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} يجب أن تكون هى تلك الليلة المسماة بليلة القدر، لئلا يلزم التناقض. (ثانيها) قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فيهِ الْقُرآنُ} فقوله تعالى ها هنا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} يجب أن تكون هذه الليلة المباركة فى رمضان فثبت أنها ليلة القدر. (ثالثها) قوله تعالى فى صفة ليلة القدر {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} وقال تعالى ها هنا {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وقال ها هنا {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وقال تعالى فى ليلة القدر: {سَلامٌ هِىَ} وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هى الأخرى. (رابعها) نقل محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لثنتى عشرة ليلة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان والليلة المباركة هى ليلة القدر. {107} (خامسها) أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب نفس الزمان، لأن الزمان ¬

= ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله. فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول يا رب رزقه فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة فى يده فلا يزيد على أمر ولا ينقص. أخرجه مسلم (ص 193 ج 16 نووى).

شئ واحد فى الذات والصفات فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم. (ومن المعلوم) أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا. وأعظم الأشياء وأشرفها شعباً فى الدين هو القرآن، لأنه ثبت به نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم: وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل، كما قال تعالى فى صفته: " وَمُهيْمِناً عَليْهِ " وبه ظهرت درجات أرباب السعادات. ودركات أرباب الشقاوات. فعلى هذا لا شئ إلا والقرآن أعظُم قدراً وأعلى ذكراً وأعظم منصباً " منه ". وحيث أطبقوا أن ليلة القدر هى التى وقعت فى رمضان، علمنا أن القرآن إنما أنزل فى تلك الليلة (وهذه) أدلة ظاهرة واضحة (واحتج) الآخرون بأنها مختصة بأربع خصال: (الأولى) فضل العبادة فيها. روى الزمخشرى أنه صلى الله عليه وسلم قلا: من صلى فى هذه الليلة مائةَ ركعة أرسل الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمِّنُونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان. {412} (الثانية) نزول الرحمة. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يرحم من أمتى فى هذه الليلة بعدد شعر أغنام بنى كلب. {413} (الثالثة) حصول المغفرة فيها. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يغفر لجميع المسلمين فى تلك الليلة غلا الكاهنَ والساحرَ ومُدْمن الخمر وعاقّ والديه والمصرّ على الزنا. {414} (الرابعة) أنه تعالى أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الليلة تمام الشفاعة فى أمته (قال) الزمخشرى: وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان الشفاعة فى أمته فأعطى الثلث منها. ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين. ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد عن

الله شرود البعير (¬1)? (ومما ورد) فى ليلة النصف حديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصموا نهارها (الحديث) أخرجه ابن ماجه وابن حبان (¬2). {415} (وأجاب) الأولون بأنها أحاديث ضعيفة لا يعارَضُ بها ظاهرُ القرآن (فالحديث) الأول ذكره صاحب الفردوس من حديث ابن عمر. وأخرجه أبو الفتح سليم بن أيوب فى الترغيب عن علىّ موقوفاً (¬3) وعلامة الوضع عليه لائحة (والحديث) الثانى أخرجه ابن ماجه والترمذى من حديث عائشة مرفوعاً: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بنى كلب (قال) الترمذى: لا نعرفه إلا من حديث الحجاج. وسمعت محمداً (يعنى البخارى) يضعفه وقال: يحى بن أبى كثير لم يسمع من عروة. والحجاج لم يسمع من يحيى (¬4)? فالحديث منقطع فى موضعين بين الحجاج ويحيى وبين يحيى وعروة. وأيضاً فإن الحجاج بن أرطاة ليس بحجة (قال) الحافظ: وفى الباب عن أنس عن عائشة فى الدعواتن للبيهقى، وفى روايته مجاهيل (¬5). ¬

(¬1) ص 545 ج 3 - السراج المنير (سورة الدخان). (¬2) ص 217 ج 1 سنن ابن ماجه (ليلة نصف شعبان). (¬3) ص 148 - الكافى الشاف رقم 379 فى تخريج أحاديث الكشاف. ونحوه ما فى سند الفردوس للديلمى من طريق محمد بن مروان الذهلى عن أبى يحيى قال: حدثنى أربعة وثلاثون من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ ليلة نصف شعبن ألف مرة قل هو الله أحمد فى مائة ركعة، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه فى منامه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من انار، وثلاثون من أن يخطئ، وشعرة يكيدون من عاداه. وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من طريق يزيد بن محمد بن مروان عن أبيه مرفوعاً: من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد فى عشر ركعات لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنون من العذاب، وثلاثون يقومونه أن يخطئ وعشرة أملاك يكتبون أعداءه. أخرجه ابن الجوازى، وقال مع كونه منقطعاً موضوع فيه مجاهيل أهـ. (¬4) ص 217 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى ليلة نصف شعبان) وص 52 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬5) ص 148 تخريج أحاديث الكشاف .. حديث رقم 380.

(والحديث) الثالث قال الحافظ: لم أجده هكذا. وفى ابن حبان من حديث معاذ بن جبل قال: يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. وفى ابن ماجه من حديث أبى موسى كذلك، والبزار من حديث أبى بكر، وفى إسناده ضعف. أخرجه البزار أيضاً من حديث عوف بن مالك، وفيه ابن لهيعة (¬1). (والحديث) الرابع لم يعرف مُخَرِّحهِ. (والحديث) الخامس ضعيف جداً فى سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة. ضعفه البخارى وغيره قال ابن معين وأحمد: إنه يضع الحديث، وقال النسائى متروك (¬2). (وعلى الجملة) فكل الأحاديث الواردة فى ليلة النصف من شعبان دائر أمرها بين الوضع والضعف (قال) أبو بكر بن العربى: ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يعول لعيه، لا فى فضلها ولا فى نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليه (¬3) (ونقل) أبو شامة عنه قال: ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يساوى سماعه " وقولهم " الحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال " محله " إن لم يشتد ضعفه كما هنا. على أننا لا ننكر استحباب إحيائها بالطاعة مغيرها من باقى الليالى على الوجه المشروع بلا ارتكاب محذور أهـ (وقال) أبو شامة: قيام الليل مستحب فى جميع ليالى السنة وهذه بعض الليالى التى كان يصلى فيها ويحييها النبى صلى الله عليه وسلم وإنما المحذور المنكر تخصيص بعض الليالى بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة أهـ. (ومن هذا) القبيل دعاء ليلتى أول السنة وآخرها والاجتماع له فى بعض ¬

(¬1) ص 148 تخريج أحاديث الكشاف حديث رقم 381. (¬2) وتمام الكلام عليه بامش ص 16 المنح الإلهية بتخريج أحاديث هداية الأمة المحمدية. (¬3) ص 224 ج 2 - أحكام القرآن (سورة الدخان).

المساجد وهو دعاء مخترع لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين، ولم يرو حتى فى كتب الموضوعات. (ومن الفرية) على الله ورسوله قول مخترعه: إن من قرأه يقول الشيطان: قد تعبنا منه طول السنة فأفسد عملنا فى ساعة. والأغرب تلقى بعض المتعلمين له بالقبول وإقرارهم إياه بدعوى أنه دعاء وهو خير. وغفلوا عما قاله أبو الخطاب بن دحية: إن استعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وعل آله وسلم فإذا علمنا أنه كذب خرج من المشروعية. وتمامه فى كتاب الباعث. (9) ومن البدع المنكرة التبرير الذى يفعله بعض المؤذنين. وهو تلاوتهم على المآذن ونحوها بصوت مرتفع عند موت عالم: قوله تعالى {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} (¬1) (الآيات) ويجتمع عدد منهم فيقرءون هذه الآيات بصوت واحد مع التنازع والتناوب. وقراءة القرآن على هذا الوجه بدعة محدثة منكرة، خالية من الخشوع والتدبر المطلوبين من قارئ القرآن. وفيها تلحين القراءة كتلحين الغناء المؤدى إلى التمطيط الفاحش وإخراج الحروف عن أوضاعها، والنقص والزيادة فى القرآن وهو حرام بالإجماع. وإن لم يؤد إلى هذا فهو مكروه، لما تقدم، ولأنه إن قصد منه الإعلام بموت عالم فهو من النعى المنهى عنه، على أن القرآن لم ينزل للإعلام بموت العلماء، وغن كان القصد منه الإخبار بأن هذا الميت من الأبرار فلم اتخذ شعاراً خاصاً بالعلماء؟ . (وعلى الجملة) فنعى الميت فى المآذن والنداء للصلاة عليه بخلاف السنة (قال) حذيفة: إذا مت فلا تؤذنوا بى أحداً فإنى أخاف أن يكون نعياً وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ¬

(¬1) الإنسان آية: 5 وما بعدها.

النعى. أخرجه الترمذى وحسنه وابن ماجه (¬1) {416} (وقال) ابن الحاج: قال القاضى ابن رشد فى البيان والتحصيل: أما النداء بالجنائز داخل المسجد فلا ينبغى ولا يجوز باتفاق، لكراهة رفع الصوت فى المسجد. وأما النداء بها على أبواب المسجد فكرهه مالك ورآه من النعى المنهى عنه (والنعى) أن ينادى فى الناس: ألآ إن فلاناً قد مات فاشهدوا جنازته. وأما الإعلام بها من غير نداء فجائز بالإجماع (¬2). (10) ومن البدع المنكرة رثاء الميت فى المسجد وتعديد محاسنه قبل الصلاة عليه وبعدها، وقد يكون عند القبر، فإنه إن خلا من الكذب والتغالى فى المدح، ففيه رفع الصوت فى المسجد لما لم يعدّله. وفيه ترك سنة التعجيل بالدفن. وإن اشتمل على الكذب والتغالى فى المدح والمبالغة فى تعداد محاسن الميت على وجه يثير الحزن والجزع كان من النياحة المحرمة (قال) ابن الحاج وينهى الإمام المؤذنين عما أحدثوه من النداء على الميت بالألفاظ التى فيها التزكية والتعظيم. لأن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تزكوا على الله أحداً (¬3) والميت مضطر إلى الدعاء. والتزكية ضد ما هو مضطر إليه، فقد تكون سبباً لعذابه أو توبيخه فيقال له أهكذا كنت؟ (¬4) (وفى فتاوى) ابن حجر: إن المرائى التى " تبعث " على النوح وتجديد الحزن كما يصنع الشعراء فى عظماء الدنيا " وتنشد " فى المحافل عقب الموت فهى نياحة محرمة بلا شك. و (قال) ابن عبد السلام: بعض المراثى حرام كالنوح لما فيه من التبرم بالقضاء (وقال) الشيخ تقى الدين: وما هيَّج المصيبة من وعظ أو إنشاد شعر فمن النياحة (¬5) نقله فى كشاف القناع. ¬

(¬1) ص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية النعى) وص 232 ج 1 سن ابن ماجه (النهى عن النعى). (¬2) ص 221 ج 2 - المدخل (كراهة نعى الميت). (¬3) لم أقف على تخريجه. (¬4) ص 12 ج 2 - المدخل. (¬5) ومن ذلك تأبين الميت ليلة الأربعين أو عند مرور كل سنة بالأشعار والخطب المشتملة على الكذب والمبالغة فى المدح. فكل هذا مما يؤذى الموتى ويعود على فاعليه بالغضب والوبال = والإثم الكبير. ولا سبيل إلى إزالة هذه المنكرات إلا أن تتعلم الأمة أحكام دينها وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم، وتتحلى به فى حركاتها وسكناتها. وعل السادة العلماء والوعاظ أن يقوموا بواجبهم نحو الأمة فيبينون لها ذلك وينفرونها من ارتكاب هذه المنكرات وغيرها بما ورد فيها من الوعد الشديد، حتى يوفق الله ولاة الأمور إلى احترام الدين وإقامة حدوده بالضرب على أيدى الخارجين عنها وإيقاف الملحدين والضالين عندها.

(11) ومن البدع المنكرة الاجتماع فى المسجد للدعاء برفع الوباء، فإنه بدعة حدثت سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة كما قال ابن حجر. (وقال) السيوطى: إن ذلك بدعة لا أصل لها، لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء برفعه ولا عن أصحابه بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا بالوباء وطلبه لأمته (وعن) مَعْمر بن قتادة أن أبا بكر كان إذا بعث جيوشاً إلى الشام قال: اللهم ازرقهم الشهادة طعناً وطاعوناً. أخرجه عبد الرزاق {108} (وقد وقع) الطاعون فى عهد عمر والصحابة متوافرون فلم ينقل عن أحد منهم أنه دعا برفع الوباء ولا أمر به، كما ورد أنهم دعوا برفع القحط. وكذلك وقع الطاعون عدة مرات فى القرن الأول والقرون الثلاثة بعده فلم ينقل عن أحد من خيار الأمة وهم كثيرون أنه فعل ذلك ولا أمر به (وقال) بعض الحنابلة: لا يقنت للطاعون، لأنه لم يثبت عن السلف. (وقال) التيمى: يكره الدعاء برفعه لأن معاذ امتنع عن ذلك واعتل بكونه شهادة ورحمة ودعوة نبينا صلى الله عليه وسلم به لأمته (ومال) ابن حجر إلى مشروعية الدعاء برفعه فرادى، ومنع الاجتماع له. أفاده العلامة القاسمى فى إصلاح المساجد، (ومن هذا) القبيل أنه إذا ألم بالبلاد نازلة مهمة كوباء أو حرب أو قحط اجتمع العلماء والأعيان فى الجامع الأزهر ونحوه ويوزعون أجزاء البخارى على الحاضرين لقراءته زاعمين أنه يرفع ما حل بالبلاد من

وباء غيره. وقد ينتدب بعض الشيوخ لقراءته فى عدة أيام ثم يختم فى اجتماع حافل لمرض والى ابلد أو عظيم عظمائها مجاناً أو بجائزة. وقد يستأجر من يقرأه لخلاص وجيه من سجن أو شفائه من مرض. وهذا لا أصل له ولا دليل يدل عليه ولم يثبت عن أحد من السلف الصالح أنه فعله أو أمر به (وقد أنكر) هذا العمل - الذى لا يشهد له نقفل ولا يقبله عقل - كثير من العلماء. وكتب بعضهم فى إحدى المجلات ف جمادى الثانية سنة 1320 الهجرية وتحت عنوان: (بماذا دفع العلماء نازلة الوباء) منتقداً هذه الحالة بما شفى صدور الناقمين على البدع. وهناك ملخصها: دفعوها يوم الأحد الماضى بقراءة متن البخارى موزعاً كراريس على العلماء جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الحبرى لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم فى الحرب مقام المدفع والصارم وفى الحريق مقام المضخة والماء. وفى الهيضة (¬1) مقام الحيطة الصحية وعقاقير الأبطاء. وفى البيوت مقام الخفراء والشرطة " ولما كان " العلماء أهل الذكر والله يقول " فاسْئلوا أهْلَ الذِّكر إن كنتْم لا تَعْلمُون " " قد جئت " أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله أو صحيح سنه رسوله، أو رأى مستدل عليه لأحد المجتهدين إن كانوا أتوا هذا العمل على أنه أمر دينى، وإلا فعن أىّ الأطباء تلقوه؟ وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوى، فلم خص بهذه المزية صحيح البخارى؟ ولم لم يكف فى هذا الموطأ مالك أو غيره من كتب السنة؟ وإذا جروا على أن الأمر من رواء الأسباب فلم لا يقرءونه لدفع ألم الجوع وغيره؟ كما يقرأ لإزالة المغص أو الإسهال. فإن لم يستطيعوا عزو هذا الدواء ¬

(¬1) الهيضة، معاودة الهم والحزن، والمرضة بعد المرضة. قاموس.

إلى حذاق الأطباء، سألت الملم منهم بالتاريخ أن يرشدنا إلى من سن هذه السنة فى الإسلام. وهل قرئ البخارى لدفع الوباء قبل هذه المرة؟ فإنا نعلم أنه قرئ للعرابيين فى واقعة التل الكبير، فلم يلبثوا أن فشلوا ومزقوا شر ممزق، فإن لم يجيبوا عن هذه المسألة إجابة شافية، خشيت كما يخشى العقلاء أن يحمل عليهم أهل الأقلام حملة تسقط الثقة بهم حتى من نفس العامة " ولولا " وقوف أهل الفكر م المسلمين على أن هذا العمل ليس من الدين، ، وأن القرآن يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (¬1) " لضلوا " وأضلوا. وقد جرأ هذا الأمر غير المسلمين على الخوص فى الدين الإسلامى وإقامة الحجة على المسلمين من عمل علمائهم. فلا حول ولا قوة إلا بالله. وإنى لا أزال ألح فى طلب الجواب الشافى عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح متن البخارى مزية لم يمنحها كتاب الله الذى نعتقد أنه متعبد بتلاوته. (أقول) لو أن هذا الكاتب الفاضل وقف على ما نقلناه أول البحث عن السيوطى وغيره: أن الدعاء برفع الطاعون والاجتماع له بدعة محدثة، لعرف الجواب وكفاه. (12) ومنها اتخذا المنبر العالى - يسن اتخاذ منبر للخطبة، لأنه أبلغ فى إسماع الناس. ومشاهدتهم للخطيب " ولقول " سهل بن سعد الساعدى: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: انظرى غلامك النجار يعمل لى أعواداً أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات فهى من طرفاء الغابة (الحديث) أخرجه مسلم (¬2). {417} ¬

(¬1) الأنفال آية: 60. (¬2) ص 34 ج 5 نووى مسلم (جواز الخطوة والخطوتين فى الصلاة - المساجد) و (هذه الثلاث درجات) لغة. والمعروف أن يقال: ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث. و (الطرفاء) شجر الأقل. و (الغابة) موضع بعوالى المدينة.

" ولقول " أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعةُ يسند ظهره على خشبة فلما كثر الناس قال: ابنوا لى منبراً. أراد أن يسمِعهم. فبنَوا له عتَبتين فتحوَّل من الخشبة إلى المِنبر فسُمِعَت الخشبةُ تَحِنُّ حنين الوالد فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فمشى إليها فاحْتضنها فسَكنتْ. أخرجه أحمد (¬1). {418} " ولقول " ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبرَ فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حَنّ فأتاه فاحتضنه فسكن قال: ولو لم أحْتضِنه لحَنّ إلى يوم القيامة. أخرجه أحمد (¬2). {419} " ولقول " باقوم الرومى: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طَرفاء، له ثلاثُ درجات المقعَدةَ ودَرجتان. أخرجه ابن عبد البر (¬3). {109} (وكان) ارتفاع المنبر ذراعين، وامتداده مما يلى القبلة إلى الجهة المقابلة لها ذراعين وكان عرضه ذراعاً، وارتفاع كل درجة نصف ذراع، وارتفاع المقعدة ذراعاً وسطحها ذراعاً فى ذراع (وكان) له رماتنان فى جانبى المقعدة مان يقبضهما صلى الله عليه وسلم بيديه إذا جلس، وارتفاع كل واحدة نصف ذراع (وكان) به خمسة أعواد من جوانبه: ثلاثة خلف الظهر كان صلى الله عليه وسلم يستند إليها، طولُ كلٌ ذراع، وفى كلْ جانب عود (وكان) فيه سبع كوُى: واحدة من خلف، وثلاثة فى الجانب الأيمن، ومثلها فى الجانب الأيسر. (ولم يزل) المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان ¬

(¬1) ص 226 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه) (عتبتين) أى درجتين غير المقعدة التى كان يجلس عليها. (¬2) ص 249 ج 1 (مسند عبد الله بن العباس رضى الله عنهما). (¬3) ص 82 ج 1 - الاستيعاب.

فى خلافة معاوية ست درجات من أسفله (قال) حُميد بنُ عبد الرحمن بن عوف: بعث معاوية إلى مروان وهو عامله بالمدينة أن يحمل النبر إليه، فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرنى أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجاراً وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التى هو عليها اليوم. ذكره الزبير بن بكار فى أخبار المدينة. ورواه من وجه آخر وفيه: فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم. قال: وزاد فيه ست درجات وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس. (واستمر) المنبر على ذلك إلى أن احترق مع المسجد سنة 654 أربع وخمسين وستمائة. ثم جدده المظفر صاحب اليمن سنة 656 ست وخمسين وستمائة. ثم أرسل الظاهر بيبرس منبراُ آخر سنة 676 ست وسبعين وستمائة فوضع بدل منبر المظفر. وفى سنة 820 عشرين وثمانمائة أرسل الملك المؤيد منبراً جديداً. ذكره ابن النجار. (ومما تقدم) تعلم أن علو المنبر وزيادته عن ثلاث درجات محدث. (قال) ابن الحاج: ومن هذا الباب - أعنى إمساك مواضع فى المسجد وتقطيع الصفوف بها - اتخاذ هذا المنبر العالى فإنه أخذ من المسجد جزءاً جيداً وهو وقف على صلاة المسلمين، وكفى به أنه لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الخلفاء بعده فهو من جملة ما أحدث فى المساجد. وفيه تقطيع الصفوف ومنبر السنة غير هذا كله. كان ثلاث درجات لا غير، والثلاث درجات لا تشغل مواضع المصلين (فإن قيل) بل تشغل ولو موضعَ واحدٍ (فالجواب) أن هذا مستثنى بفعل صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الحالات. وما عداه بدعة لا ضرورة تدعو إليه. (فإن قيل) قد كثر الناس واتسع الجامع، فإذا صعد الخطيب على المنبر

وهو ثلاث درجات قل أن يُسمع الخطيبُ الجميع أو أكثرهم (فالجواب) أن من كان على منبر على هو الذى لا يسمعهم لكونه بعيداً عنهم فكأنه فى سطح وحده، وهذا مشاهد ألا ترى أن الخطيب على هذا المنبر العالى كثير من الناس لا يسمعونه وإذا دخل فى الصلاة سمعوا قراءته أكثر من خطبته، وما ذاك إلا لكونه فى الصلاة واقفاً معهم على الأرض. وفى حال الخطبة لم يكن معم كذلك (¬1). (13) ومنها فرش المنبر بسجادة وغيره. (قال) ابن الحاج: وليحذر أن تفرش السجادة وغريها على المنبر ودرجة، لأنه بدعة إذ لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا السلف وليس بموضع صلاة، فهو من الترفه يطلب تركه (¬2). (14) ومنها وضع الأعلام على جانبى المنبر والستائر على بابه، فإنه أمر محدث لم يكنم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح وقد يمنع من رؤية الخطيب. والسنة النظر إليه حال الخطبة (قال) على رضى الله عنه وهو على منبر الكوفة: إذا كان يومُ الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق. فيرمون الناس بالرباثث ويثبطونهم عن الجمعة. وتغْدو الملائكةُ فتجلس على باب المسجد فيكتبون الرجلَ من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام. فإذا جلس الرجل مجَلساً يسْتمكنُ فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغُ، كان له كفْلان م أجر (الحديث) وفيه: ثم يقول فى آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك أخرجه أبو داود والبيهقى (¬3). {420} (قال) ابن الحاج وليحذر من جعل الأعلام السود على المنبر حال الخطبة فإنه من البدع وتقييد الأعلام بالسود لا مفهوم له فإن وضع أعلام عل المنبر ¬

(¬1) ص 78 ج 2 مدخل (المنبر العالى). (¬2) ص 124 منه (فرش السجادة على المنبر). (¬3) ص 192 ج 6 - المنهل العذب (فضل الجمعة). وص 220 ج 3 - السن الكبرى (الإنصات للخطبة .. ) و (الرباثث) جمع ربيثة وهى الأمر يحبس الإنسان عن مهامه.

(العاشر) واجبات نظار المساجد

مطلقاً بدعة مذمومة (وعلى الجملة) فهذا قليل من كثير من بدع المساجد. وقد أشبعت الكلام عليها فى كتابى إصابة السهام فانظره وانظر كتاب المدخل لابن الحاج فقد وفى الكلام فيها وفى غيرها حقه. (العاشر) واجبات نظار المساجد على الناظر واجبات كثيرة (منها) أن يكون همه إصلاح المسجد وتعميره وتثمير أوقافه وتنميتها بقدر المستطاع. وأن يكون تقياً أميناً على دخله، فلا يخلطه بماله، ولا يتساهل فى شئ من ريعه. (وإذا دعا) الحال إلى ساع يجمع ماله فليتخذ أميناً مستقيماً مجداً فى السعى، وليراقبه فى عمله كى لا يفرط ولا يزل عن الطريق السوى (وإذا دعت) الحاجة إلى كاتب فليتخذ كاتباً ماهراً ملماً بالأعمال الحسابية والكتابية إلماماً تاماً. وأن يتعهد دائماً المسجد كى لا يقصر خادمه فى كنسه وتنظيفه. ولا يتهاون مؤذن فى أذانه، ولا إمام فى إمامته. وأن يتفقد العقارات وما تحتاج إليه من إصلاح. وأن يلاحظ دورة المياه بالإصلاح والترميم أولا فأولا. وأن ينظر فيما يتحصل من ربع الوقف وغلاته نظره فى أملاكه الخاصة. وأن يلاحظ أنه مسئول عما وكل إليه، وعن حال القائمين بأعمال المسجد، وإذا رأى أن حالتهم وحالة ريع الوقف تستدعى رفع رواتبهم زاد فيها بما لا يضر بالمورد. (وعل الجملة) يلزم ناظر وقف المسجد وغيره أن يتقى ربه ويراقبه فى كل أعماله، وان يعلم أن المؤمنين إخوة، وأنه لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وان السعادة الخالدة هى السعادة الأخروية، وأن الدنيا دار ابتلاء {خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (¬1) وأن من خالف ¬

(¬1) الملك آية: 2.

(الحادى عشر) ما يباح فى المسجد

أوامر الله تعالى وأكل أموال الناس بغير حق فعاقبته الدمار والهلاك وغضب الواحد القهار، وأن السعيد من باع دنياه بأخراه. وىثر الباقى على الفانى. وليحذر من مخالفة شرط الواقف. وعليه أن يتحرى فى كل أعماله سبيل السداد. والله ولى التوفيق والرشاد. (الحادى عشر) ما يباح فى المسجد يباح فيه أمور: المذكور منها هنا اثنا عشر: (1) يباح فيه النوم عند الحاجة قال نافع: أخبرنى ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب عَزِب لا أهل له فى السجد النبىّ صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخارى (¬1). {110} (وقال) سهل بن سعد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً ف البيت فقال: أينَ ابنُ عمك؟ قالت: كان بينى وبينه شئ فغاضبنى فلم يقِلْ عندى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظرْ أين هو؟ فجاء فقال يا رسول الله هو راقد فى المسجد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنه ويقول: قم أبا تراب. أخرجه البخارى (¬2). {421} (ولهذا) قال أكثر الحنفيِّين والشافعى وأحمد والجمهور: يجوز النوم فى المسجد بلا كراهة ما لم يضيق على مصل أو يشوش عليه وإلا حرم (قال) البدر العينى: قد سئل ابن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم فيه فقالا: كيف تسألون عنه وقد كان أهل الصفة ينامون فيه وهم قوم كان مسكنهم المسجد. (وذكر) الطبرى عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان نائماً فيه ليس ¬

(¬1) ص 360 ج 1 فتح البارى (نوم الرجال فى المسجد) و (عزب) بفتح فكسر. وفى رواية أعزب. وهى لغة قليلة، أى لا زوج له. (¬2) ص 360 منه.

حوله أحد وهو أمير المؤمنين (¬1). {111} (وقال) النووى: ثبت أن أصحاب الصفة والعُرنيين وعلياً وصفوان ابن أمية وجماعات من الصحابة كانوا ينامون فى المسجد وأن ثمامة بن أثال كان يبيت فيه قبل إسلامه كل ذلك فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) الشافعى فى الأم: وإذا بات المشرك فى المسجد فكذا المسلم (وقال) فى المختصر: ولا باس أن يبيت المشرك فى كل مسجد إلا السجد الحرام (¬2) (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: يباح للمعتكف وغيره النوم فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مضطجعاً فى المسجد على بطنه فقال: إن هذه ضجْعة يبغضُها الله. رواه أبو داود وهو حديث صحيح وكذا الترمذى عن أبى هريرة (¬3). {422} فأنكر الضجعة ولم ينكر نومه بالمسجد من حيث هو. وكان أهل الصفة ينامون فى المسجد (قال) الحارثى: لا خلاف فى جواز النوم للمعتكف. وكذا وكذا مالا يستدام كبيتوتى الضيف والمريض والمسافر وقيلولة المجتاز ونحو ذلك. لكن لا ينام قدّام المصلين، لما تقدم أنه يكره للمصلى استقبال نائم. وما يستدام من النوم كنوم المقيم، عن أحمد المنع منه. وحكى القاضى رواية بالجواز. وهو قول الشافعى وجماعة (¬4) وقال: ويباح للمريض أن يكوِن فى المسجد. وان يكون فى خَيْمَة. قالت عائشة: أصيب سعدُ يومَ الخندقِ فى الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة فى المسجد يعوده من قريب. متفق عليه (¬5). {423} ¬

(¬1) ص 198 ج 4 عمدة القارى. (¬2) ص 173 ج 2 شرح المهذب (المسألة الرابعة - أحكام المساجد) و (ثمامة بن أثال) بضم ففتح فيهما. وحديث بياته فى المسجد يأتى رقم 432 ص 319. (¬3) ص 309 ج 4 سنن أبى داود (أبواب النوم) وص 12 ج 4 تحفة الأحوذى (كراهية الاضطجاه على البطن - أبواب الاستئذان). (¬4) ص 543، 544 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف) والأكحل، بفتح فسكون ففتح، عرق فى وسط الذراع هو عرق الحياة. (¬5) ص 543، 544 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف) والأكحل، بفتح فسكون ففتح، عرق فى وسط الذراع هو عرق الحياة.

(وفصل) مالك وإسحاق بين من له مسكن فيكره له، ومن لا مسكن له فيباح (وقال) بعض الحنفيين: يكره النوم فيه لغير المعتكف والغريب (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: والنوم فيه لغير المعتكف مكروه. وقيل لا بأس للغريب أن ينام فيه. والأولى أن ينوى الاعتكاف ليخرج من الخلاف (¬1) (وكره) النوم فيه مطلقاً ابن مسعود وطاوس ومجاهد والأوزاعى. (2) ويباح المبيت فى المسجد لمن يكن له بيت ولا مكان مبيت ولو امرأة إذا أمنت الفتنة (روى) عروة عن عائشة: إنَّ وليدةَ كانت سوداء لحىّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم فخرجت صَبِيةٌ لهم عليها وِشاحٌ أحمرُ من سُيور فوضعتْه أو وقع منها فمرت به حُدَيّاة وهو ملقى فحِسبته لحماً فخطفته، فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتهمونى به فطفِقوا يفُتشون حتى فتشوا قبلها قالت: والله إنى لقائمة معهم إذْ مرَّت الحدَيَّاة فألفتْه فوقع بينهم. فقلت هذا الذى اتهمتونى به زعمتم وأنا منه برئية. وهو ذا هو. فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمتْ. فكانَ لها خِباء فى المسجد أو حِفشٌ فكانت تأتينى فتحدِّثُ عندى فلا تجلس عندى مجلساً إلا قالت: ويومُ الوِشاح من تعاجيب ربنا إلا أنه من بلدة الكفر أنجانى قالت عائشة: فقلت لها ما شأنك لا تقعدين معى مَقْعداً إلا قلت هذا؟ فحدّثتنى بهذا الحديث. أخرجه البخارى (¬2). {424} ¬

(¬1) ص 612 غنية المتملى شرح منية المصلى. (¬2) ص 359 ج 1 فتح البارى (نوم المرأة فى المسجد) و (الوشاح) بكسر الواو. وتضم، ما تتوشح به المرأة (من سيور) أى من جلد. و (حديأة) بضم ففتح فياء مشددة. أصلها حديأة تصغير حداًة كعنبة. أبدلت الهمزة ياء وأدغمت فى الياء. وزيدت الألف للإشباع. و (قالت) أى الوليدة و (قبلها)، بضمتين، أى فرجها. وأتت بضمير الغيبة التفاتاً. وفى رواية قالت: فدعوت الله أن يبرأنى، فجاءت الحديأة وهم ينظرون. و (الخباء) بكسر ففتح ممدوداً، الخيمة ذات عمودين أو ثلاثة. و (الحفش)، بكسر فسكون، بيت صغير قليل السمك مأخوذ من الانخفاش وهو الانضمام.

(3) ويباح عند جمهور العلماء الوضوء فى المسجد إلا أن يقُذره أو يتأذى به الناس فإنه يكره (قال) ابن المنذر: أباح كلُّ من يحُفظ عنه العلمُ الوضوء ف المسجد إلا أن يبله أو يتأذى به الناس فإنه يكره. (ونُقِل) الترخيص فى الوضوء فى المسجد عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والنخعى وابن القاسم المالكى وأكثر أهل العلم (وعن) ابن سيرين ومالك وسحنون أنه مكروه تنزيهاً للمسجد. ذكره النووى (¬1). (وعند الحنفيّين) يكره التوضؤ فيه إلا إذا كان فى موضع أعد لذلك. (وعليه) وعلى ما قاله الجمهور يحمل حديث أبى العالية عن رجل م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حفظتُ لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فى المسجد. أخرجه أحمد بسند حسن. {425} (4) ويجوز نضح المسجد بالماء الطاهر ولو مستعملا على المختار. (5) ويجوز الاستلقاء على الظهر فى المسجد ووضع إحدى الرجلين على الأخرى " لحديث " عبَّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلياً فى المسجد على ظهره واضعهاً إحدى رجليه على الأخرى. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه وقال الترمذى: حسن صحيح. {426} وفيه جواز الإتكاء فى المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة. ¬

(¬1) ص 174 ج 2 شرح المهذب (المسألة الخامسة - أحكام المساجد)

(وقال) محمد بن سيرين ومجاهد وطاوس وإبراهيم النخعى: يكره وضع إحدى الرجلين على الأخرى فى المسجد. ورُوى عن ابن عباس وكعب ابن عُجْرة (وفى) حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجلَ إحدى رجليه على الأخرى وهو مسْتلق على ظهره. أخرجه مسلم وأبو داود (¬1). {427} (وأجاب) عنه الجمهور بأنه محمول على ما إذا كان الوضع يؤدى إلى كشف العورة (روى) سعيد بن المسيِّب أن عمَر بن الخطاب وعثمان كانا يفعلان ذلك (يعنى وضع إحدى الرجلين على الأخرى حال الاستلقاء فى المسجد). أخرجه البخارى وأبو داود وابن أبى شيبة (¬2). {112} (قال) الخطلابى النهى الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهى حيث يخشى أتبدو عورته. والجواز حين يؤمن من ذلك (قال) الحافظ: والثانى أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال. وممن جزم به ابيهقى والبغوى وغيرهما من المحدثين. وجزم ابن بطال بأنه منسوخ " ودعوى " أن الجواز خاص به صلى الله عليه وسلم، والنهى عام لغيره " يرده " ما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك، سيما وأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال. والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك ف وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس، لما عرف من هادته صلى الله عليه وسلم من الجلوس بينهم بالوقار التام (¬3). (6، 7) ويباح الأكل والشرب فى المسجد للمعتكف وغيره عند الشافعى وأحمد إن لم يكن فيه تعفيش أو تقذير للمسجد أو تضييق على مصل ولم يكن المأكول ذا رائحة كريهة كالثوم والبصل " لقول " عبد الله بن الحارث الزبيدى: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد الخبز واللحم. أخرجه ابن ماجه بسند حسن رجاله ثقات (¬4). {428} ¬

(¬1) ص 77 ج 14 نووى مسلم (النهى عن اشتمال الصماء .. ) (وص 267 ج 4 سنن أبى داود). (¬2) ص 378 ج 1 فتح البارى: وص 267 ج 4 سنن أبى داود. (¬3) ص 377 ج 1 فتح البارى (الشرح). (¬4) ص 161 ج 3 سنن ابن ماجه (الأكل فى المسجد).

" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أتِىَ بفضيخ فى مسجد الفَضيخ فشربه فلذلك سمى مسجد الفضيخ. أخرجه احمد وأبو يعلى، وفى سنده عبد الله بن نافع ضعفه البخارى وأبو حاتم والنسائى، وقال ابن معين: يكتب حديثه. قاله الهيثمى (¬1). {429} (قال) الحنفيون: يباح الأكل للمعتكف ويكره لغيره لأن المسجد لن يُبن لذلك ولا حاجة إلى الأكل فيه لغير المعتكف (وقالت) المالكية: يباح للمعتكف مطلقاً ولغيره إن كان المأكول يسيرا وإلا كره. (وأما) ما يؤدى إلى تقذير المسجد أو تضييقه على المصلى وأكل ما فيه رائحة كريه ة. فاتفقوا على تحريمه (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ومن له الأكل فيه فلا يلوث حُصْره ولا يلقى العظام ونحوها كقشور البطيخ ونوى التمر ونحوه فيه، لأنه تقذير له. فإن فعل فعليه تنظيف ذلك. وإن لم يزله فاعله وجب على من علمه غيره (¬2). (8) ويباح فى المسجد اللعب بالحراب ونحوها للتدريب عِلى حرب العدو " لقول " أبى هريرة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد والحبشَةُ يلعبون فزجرهم عمر. فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعْهم يا عمر. فإنهم بنو أرْفِدة. أخرجه أحمد - وهذا لفظه - والشيخان (¬3). {430} يعنى أن اللعب بالحراب للتدريب شأنُ أهل الحبشة وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم. كأن عمر رضى الله عنه بنى على الأصل فى تنزيه المساجد عن مثل هذا، فبين له النبى صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما ¬

(¬1) ص 21 ج 2 مجمع الزوائد (الأكل والشرب فى المسجد). و (الفضيخ) بالخاء المعجمة شراب يتخذ من البسر. (¬2) ص 543 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف). (¬3) ص 72 ج 3 - الفتح الربانى. وص 60 ج 6 فتح البارى (اللهو بالحراب - الجاهد) وص 187 ج 6 نووى مسلم (آخر العيدين) و (أرفدة) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح، لقب للحبشة أو اسم جدهم الأكبر.

كان هذا سبيله، أو لعله لم يكن يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يراهم أفاده الحافظ (¬1). (وقال) اللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشُّجعان على تعود الحرب والاستعداد للعدو (وقال) المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه (¬2). (وقال) الحافظ: قال الطبرى: فى الحديث تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لم يغتفر لغيرهم، لأن الأصل فى المساجد تنزيهاً عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص أهـ. وروى السراج من طريق أبى الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يؤمئذ: لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة. إنى بعثت بحنيفية سمحة. {431} وهذا يشعر بعدم التخصيص (¬3) (وحكى) ابن التين عن أبى الحسن اللخمى أن اللعب بالحراب فى المسجد منسوخ بالقرآن والسنة. (أما القرآن) فقوله تعالى: " فِى بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ " (¬4). (وأما السنة) فحديث: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم (¬5). (وردّ) بأن هذا الحديث ضعيف كما تقدم. وليس فيه ولا فى الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ حتى يثبت النسخ. أفاده الحافظ (¬6). (9) ويجوز عند الشافعى دخول الكافر - ولو غير كتابى - المسجِد بغذن المسلم " لقول " أبى هريرة: بعث النبى صلى الله عليه وسلم خيلا قِبل نجدٍ فجاءتْ برجل من بنى حَنيفة يقال له ثمامةُ بن أثُال فربطوه بسارية منِ سوارى المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطلقوا ثُمامة ¬

(¬1) ص 303، 304 ج 2 فتح البارى (الشرح - الحراب والدرق يوم العيد). (¬2) ص 369 ج 1 منه الشرح (أصحاب الحراب فى المسجد). (¬3) ص 303، 304 ج 2 منه. الشرح. (¬4) النور آية: 36. (¬5) تقدم رقم 382 ص 265 (صون المسجد عن دخول غير المكلف). (¬6) ص 369 ج 1 فتح البارى الشرح.

فانطلق إلى نَجْل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1). {432} (واستثنى) الشافعية: مسجدَ مكة وحرَمها. (قال) النووى: قال أصحابنا لا يمُكن كافر من دخول حرم مكة. وأما غيره فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت فيه بإذن المسلمين ويمنع منه بغير إذن. ول وكان كافر جنباً فهل يمكن من اللبث فى المسجد؟ فيه وجهان أصحهما يمكن (وقال) الحنفيّون ومجاهد: يجوز دخول الكتابى دون غيره " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل مسجدنا هذا مشرك بعد عامنا هذا غير أهل الكتاب وخدمهم. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {433} وهذا هو الظاهر. (قالت) المالكية: لا يجوز للكافر دخول المسجد الحل والحرام إلحاجة. (قال) العلامة الصاوى: يمنع دخول الكافر المسجد وإن أذن له مسلم إلا لضرورة عمل، ومنها قلة أجرته عن المسلم واتقانه على الظاهر (¬3). (وقالت) الحنبلية: لا يجوز لكافر دخول الحرم مطلقاً ولا مسجد الحل إلا لحاجة (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يجوز لكافر دخول مسجد الحل ولو بإذن مسلم، لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ (¬4)} ويجوز دخول مساجد الحل للذمى والمعاهد والمستأمن إذا استؤجر لعمارتها لأنه لمصلحتها (¬5). (10) ويجوز الجلوس فى المسجد على متكأ من فرو ووسادة وغيرهما بلا كراهة إن لم يكن للترفه، وإلا كره (وعليه) يحمل قول ابن الحاج: ¬

(¬1) ص 373 ج 1 فتح البارى (الاغتسال إذا أسلم) وص 87 ج 12 نووى مسلم (ربط الأسير فى المسجد) وص 57 ج 3 سنن أبى داود (الأسير يوثق) و (قبل) بكسر ففتح أى جهة و (نجل)، بفتح فسكون، الماء النابع من الأرض. (¬2) ص 339 ج 3 مسند أحمد. (مسند جابر بن عبد الله رضى الله عنهما). (¬3) ص 58 ج 1 بلغة السالك لأقرب المسالك (قبيل التيمم). (¬4) التوبة آية: 81. (¬5) ص 544 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف).

وقد منع مالك بأن يأتى الرجل بوسادة فى المسجد يتكئ عليها أو بفروة يجلس عليها. وأنكر ذلك وقال: تشبّه المساجد والبيوت (¬1). (11، 12) ويباح عقد النكاح والقضاء فى المسجد عند الحنفيين وأحمد " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد، واضربوا عليه بالدفوف. أخرجه الترمذى وقلا: غريب. وفى سنده عيسى بن ميمون الأنصارى ضعيف (¬2). {434} (وقال) البخارى: وقضى شريح والشعبى ويحيى بن يعمر فى المسجد (¬3). (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ويباح فيه عقد النكاح بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب، والقضاء واللعان " لحديث " سهل بن سعد، وفيه: قلا تلاعنا فى المسجد وأنا شاهد. منفق عليه (¬4). {435} (وقال) المالكيون: يستحب إجراء صيغة عقد النكاح بالمسجد بلا رفع صوت ولا ذكر شروط وإلا كره. ويستحب الجلوس للقضاء فى المسجد أو فى رحبته، (وقالت) الشافعية: لا بأس بعقد النكاح فيه، يوركه اتخاذه محلا للقضاء (قال) النووى: ينبغى للقاضى أن لا يتخذ المسجد مجلساً للقضاء فإن جلس فيه لصلاة أو غيرها فاتفقت له حكومة فلا بأس بالقضاء فيها فيه (¬5). (وهذا) هو ظاهر حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبى حدْردٍ ديْناً ¬

(¬1) ص 82 ج 2 - المدخل. (¬2) ص 170 ج 2 تحفة الأحوذى (إعلان النكاح) يعنى بالبينة. فالأمر للوجوب أو بالإظهار والإشهار فالأمر للاستحباب كما فى قوله (واجعلوه فى المساجد) (واضربوا عليه بالدفوف) يعنى خارج المسجد. والمراد بالدف ما لا جلاجل له عند الحنفيين. وعند الشافعية الضرب به مباح مطلقاً ولو بجلاجل. وظاهر قوله (واضربوا) أنه لا يختص بالنساء لكنه ضعيف. والأحاديث القوية فيها الإذن فى ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال. (¬3) ص 125 ج 13 فتح البارى (من قضى ولا عن فى المسجد). (¬4) ص 542 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد) وانظر حديث سهل ص 1426 ج 13 فتح البارى (من قضى ولا عن فى المسجد - الأحكام). (¬5) ص 178 ج 2 شرح المهذب (الرابعة والعشرون - المساجد وأحكامها).

(الثانى عشر) مسائل تتعلق بالمساجد

كان له عليه فى المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى بيته فخرج إليهما حتى كشف سَجْفَ حجرته فنادى: يا كعب فقال: لبيك يا رسول الله. فأشار بيده أن ضع الشطر من ديْنك: قال كعب: قد فعلت يا رسول الله. قال رسول الله: قم فاقضه. أخرجه الستة إلا الترمذى (¬1). {436} (الثانى عشر) مسائل تتعلق بالمساجد المذكور منها هانا ثمانية عشرة: (1) يصير المسجد موقوفاً ببنائه وإفرازه بطريقة عن مالك البانى والإذن للناس بالصلاة فيه وتأديتها فيه جماعة بأذان وإقامة على الصحيح عند أبى حنيفة ومحمد. وقيل يكفى صلاة واحدة ولو بلا أذان ولا إقامة (وقال) أبو يوسف ومالك والشافعى وأحمد: يصير مسجداً بما ذكر وبقوله جعلته مسجداً. (2) ويجوز عند المالكية وبعض الحنفيين اتخاذ مسجد فى موضع مستأجر أخذاً من جواز وقف البناء وتسرى عليه أحكام المسجد. وأفاد كلام الحاوى الحنفى اشتراط كون أرض المسجد ملكاً للبانى. وسئل فى الخيرية عمّن جعل خيمة مسجداً فأفتى بأنهن لا يصح (¬2). (3) ويستحب إضاءته كل ليلة على حسب الحالة (قالت) ميمونة مولاةُ النبى صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس: فقال: ائتوه فصلّوا فيه. وكانت البلاد إذ ذاكَ حرباً فإن لم تأتوه وتُصلّوا فيه فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله. أخرجه أحمد وأبو داود. وهذا لفظه (¬3). {437} ¬

(¬1) ص 370، 371 ج 1 فتح البارى (التقاضى والملازمة فى المسجد) وص 220 ج 10 نووى مسلم (الوضع من الدين - المسافاة) وص 304 ج 3 سنن أبى داود (فى الصلح - الأقضية) وص 310 ج 2 مجتبى (إشارة الحاكم على الخصم بالصلح) و (السجف) بفتح السين وكسرها وسكون الجيم: الستر. (¬2) ص 405 ج 3 رد المحتار (أحكام المسجد - الوقف). (¬3) ص 463 ج 6 مسند أحمد (حديث ميمونة بنتن سعد رضى الله عنهما) وص 64 ج 4 - النهل العذب (السرج فى المساجد) وتقدم بهامش ص 241.

(وكره) إنارة المسجد زيادة عن الحاجة، لأنه إضاعة مال بلا مصلحة. (4) الموقوف على الاستصباح فى المسجد يستعمل بالمعروف ولا يزاد على المعتاد. فزيادة النور فيها ليلة أول جمعة من رجب، وليلة السابع والعشرين منه، وليلة نصف شعبان وليالى رمضان بدعة كما تقدم، وفيه إضاعة مال وسرف ويؤدى إلى اللفظ واللهو وشغل قلوب المصلين. وكذا إيقاد المآذن فى ليالى رمضان وليالى المواسم. ومن أمر بهذه الزيادة أو فعلها من مال الوقف ضمن ما صرف فيها. (5) يسن أن يشتغل من بالمسجد بالصلاة والقراءة والذكر، لأن المسجد بنى لذلك، وأن يستقبل القبلة لما تقدم. وينبغى لمن قصد المسجد لصلاة أو غيرها أن ينوى الاعتكاف مدة لبثه به لاسيما إن كان صائماً. (6) من أتلف المسجد ضمنه إجماعاً. ومن غصبه فاتخذه مسكناً أو مخزناً أو غير ذلك ضمن أجرته. (7) يصح عند الحنبلية جعل أسفل البيت مسجداً والانتفاع بعُلْوه وعكسه. وقيل بالثانى فقط. وروى عن الحنفيين. ففى شروح الهداية ما ملخصه: وعن أبى حنيفة أنه إذا جعل السفل مسجداً دون العلو جاز لأنه يتأبد بخلاف العلو. وعن أبى يوسف أنه جوز ذلك فى الوجهين (يعنى فيما إذا كان تحته سرداب أو فوقه بيت) حين قدم بغداد ورأى ضيق المتازل فكأنه اعتبر الضرورة وعن محمد أنه حين دخل الرى أجاز ذلك كله (أى ما تحته سرداب وفوقه بيت مستقل أو دكاكين) (¬1) ومشهور مذهبهم: أنه يلزم أن يكون سُفْلة وعلوه مسجداً لينقطع حق العبد عنه. ولقوله تعالى " وأن المساجد لله " غير أنه يصح أن يكون تحته سرداب أو فوقه بيت لمصالح المسجد فقط (قال) ابن نجيم: وبما ذكرناه علم أنه لو بنى بيتاً على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر، لأنه من المصالح (قال) فى التتارخانية: إذا بنى مسجداً وبنى فوقه غرفة وهو فى يده فله ذلك. وإن كان حين بناه خَّلى بينه وبين ¬

(¬1) ص 63 ج 5 فتح القدير والعناية (أحكام المسجد - الوقف).

الناس ثم جاء بعد ذلك يبنى لا يترك. وإذا قال عنيت ذلك فإنه لا يصدق فإذا كان هذا فى الواقف فكيف بغيره، فمن بنى بيتاً ولو على جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة منه. ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئاً من المسجد مستغلا ولا مسكناً (¬1) (قال) ابن عابدين: وبه علم حكم ما يصنعه بعض جيران المسجد من وضع جذوع على جداره فإنه لا يحل ولو دفع الأجرة ثم قال: وعلم أيضاً حرمة إحداث الخَلواتِ فى المساجد كالتى فى رواق المسجد الأموى ولا سيما ما يترتب عى ذلك من تقذير المسجد بسبب الطبخ والغسل ونحوهما (¬2). (8) يجوز للعامة الانتفاع بحريم المسجد إن لم يضر بأهله. وإن ضر لا يجوز ولا يعتبر فيه إذن السلطان ولا نائبه للحرج. ولو أراد قيِّم المسجد أن يبنى حوانيتَ فى حرَمه وفنائه، لا يجوز له ذلك وليس لمتولى المسجد أن ينتفع بشئ من سراحه فى بيته. ولو كان المسجد فى مهب الريح يصيب المطرُ بابه ويبتل مدخله فيشق على الناس دخوله، جاز اتخاذ ظلة من غلة وقفه إن تضر بأهل الطريق. (9) يلزم الوقف ويزول ملك الواقف عنه بمجرد قوله وقفته عند أبى يوسف والثلاثة، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث " لحديث " ابن عمر أن عرم أصاب أرضاً بخبير فقال: يا رسول الله أصبتُ أرضاً بخبير لم أصَب مالا قطْ أنْفسَ عندى مه فما تأمرنى؟ فقال: إن شئت حبَّستَ اصلها وتصدّقتَ بها فتصدق بها عمر أنه لا يُباع أصلُها ولا يوهَبُ ولا يورثُ (الحديث) أخرجه الجماعة. وفى رواية للبخارى فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: تَصدقْ بأصله لا يُباع ولا يوهب. ولكنْ يُنفق من ثمره. فتصدق به عمر للفقراء والقربى والرَّقاب وفى سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقاً غير متأثل قال الترمذى: ¬

(¬1) ص 251 ج 5 (البحر الرائق). (¬2) ص 406 ج 3 رد المحتار.

هذا حديث حسن صحيح (¬1). {438} (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يصح بيع الوقف ولا هبته وإبداله ولو بخير للحديث السابق، إلا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب أو غيره بحيث لا يرُدّ الوقف شيئاً على أهله، أو يرد شيئاً لا يعد نفعاً وتتعذر عمارته وعود نفعه بأن لا يكون ف الوقف ما يعمر به. ولو كان مسجداً ضاق لعى أهله وتعذر توسيعه فى محله، أو تعذر الانتفاع به لخراب الناحية التى بها المسجد، أو كان موضعه قذراً، فيصح بيعه ويصرف ثمنه فى مثله، للنهى عن إضاعة المال، ولأن المقصود انتفاع الموقوف عليه بالثمرة لا بعين الأصل من حيث هو ومنه البيع إذاً مبطل لهذا المعنى الذى اقتضاه الوقف فيكون خلاف الأصل، ولأن فيما نقوله إبقاء للوقف بمعناه حين تعذر الإبقاء بصورته. فيكون متعيناً، وعموم (لا يباع أصلها) مخصوص بحالة تأهل الموقوف للانتفاع المخصوص لما ذكرنا (قال) ابن رجب: ويجوز فى أزهر الروايتين عن أحمد أن يباع ذلك المسجد ويعمّر بثمنه مسجد آخر فى قرية أخرى إذا لم يحتج إليه فى القرية الأولى (¬2) (وقال) برهان الدين الطرابلسى: ولو خرب المسجد وما حوله وتفرق الناس عنه لا يعود إلى ملك الواقف عند أبى يوسف فيباع نِقْضه بإذن القاضى ويصرف ثمنه إلى بعض المساجد. ويعود إلى ملكه أو إلى ورثته عند محمد (¬3). (وقال) ابن الهمام: ولو خرب ما حول المسجد واستغنى عن الصلاة فيه ¬

(¬1) ص 12، 55 ج 2 مسند أحمد (مسند ابن عمر رضى الله عنهما) وص 227، 254 ج 5 فتح البارى (الشروط فى الوقف) (قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) وص 86 ج 11 نووى مسلم (الوقف) وص 116 ج 3 سنن أبى داود (فى الرجل يوقف الوقف - الوصايا) وص 123 ج 2 مجتبى (الأحباس) وص 38 ج 2 سنن ابن ماجه (من وقف - الصدقات) وص 397 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الوقف) و (غير متأثل) أى غير جامع مالا. يقال مال مؤثل أى مجموع. (¬2) ص 470 ج 2 كشاف القناع (والوقف عقد لازم). (¬3) ص 73 - الإسعاف فى أحكام الأوقاف (بناء المساجد والربط .. ).

يبقى مسجداً على حاله عند أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة ومالك والشافعة وعن أحمد يباع نقضه ويصرف إلى مسجد آخر وكذا الدار الموقوفه إذا خربت يباع نقضها ويصرف ثمنها إلى وقف آخر، لما روى أن عمر كتب إلى أبى موسى لما نقب بيت المال بالكوفة: انقل المسجد الذى بالتمارين واجعل بيت المال فى قبلة المسجد. {113} وعن محمد: يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتاً ثم قال: وأما الحصير والقنديل فالصحيح من مذهب أبى يوسف أنه لا يعود إلى ملك متخذه بل يحول إلى مسجد آخر أو يبيعه قيِّم المسجد للمسجد. وأما استدلال أحمد بما كتبه عمر لا يفيده لأنه يمكن أنه أمره باتخاذ بيت المال فى المسجد. وتمامه فيه (¬1) (وقال) الحصنى: ومثله فى الخلاف حشيش المسجد وحُصْره مع الاستغناء عنهما. وكذا الرباط والبئر إذا لم ينتفع بهما فيصرف وقف المسجد والرباط والبئر والحوض إلى أقرب مسجد أو رباط أو بئر أو حوض إليه (¬2) (وظاهره) أنه لا يجوز صرف وقف مسجد خرب إلى حوض وعكسه. (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ويجوز نقل آلة المسجد الذى يجوز بيعه لخرابه أو خراب محلته أو قذر محله ونقل أنقاضه إلى مثله إن احتاجها مثله، لأن ابن مسعود قد حوَّل مسجد الجامع من التمارين بالكوفة. وهذا النقل أولى من بيعه لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه. وعلم من قوله إلى مثله أنه لا يعمَّر بآلات المسجد مدرسة ولا رباط ولا بئر ولا حوض ولا قنطرة. وكذا آلات كل واحد من هذه الأمكنة لا يعمّر بها ما عداه لأن جعلها فى مثل العين ممكن فتعين ويصير حكم المسجد بعد بيعه للثانى الذى اشترى بدله. وأما إذا نقلت آلات المسجد من غير بيع فالبقعة باقية على أنها مسجد ثم قال: وأفتى عبادة بجواز عمارة وقف من ريع آخر وهو قوى بل عمل الناس ¬

(¬1) ص 64، 65 ج 5 فتح القدير (أحكام المسجد - الوقف). (¬2) ص 407 ج 3 - الدر المحتار هامش رد المحتار (الوقف).

عليه (¬1) ثم قال: ولو وقف على مسجد أو حوض وتعطَّل الانتفاع بهما صرف إلى مثلهما. ول نذر التصدق بمال فى يوم مخصوص من السنة وتعذر فيه وجب متى أمكن (¬2). (10) يشترط فى الواقف أن يكون ممن يصح تصرفه فى ماله وهو المكلف الرشيد فلا يصح من صغير أو سفيه (¬3) (ويشترط) فى الوقف عند الحنفيّين أن يكون قربه عند الواقف كوقف المسلم عل مسجد أو حج أو عمرة. فلا يصح وقفه على بيعه أو كنيسة (وشرطه) عند الحنبلية أن يكون على بر من مسلم أو ذمى، لأن مالا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمى كالوقف على غير معين. وعليه فيصح التصدق بما يضاء به المسجد، لأن تنويره مندوب إليه وهو من باب الوقف. ولا يصح وقف الستور وإن لم تكن حريراً لغير الكعبة كوقفها على الأضرحة، لأنه ليس بقربة. ولا على تنوير قبر وتبخيره ولا على من يقيم عنده أو يخدمه، لأن ذلك ليس من البر. ولا على بناء مسجد على القبر ولا وقف بيت فيه قبر مسجداً (لقول) ابن عباس: لعن النبى صل الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (¬4). {439} (ويحرم) وقف قنديل من ذهب أو فضة على مسجد. بل لا يصح ويكون بمنزلة الصدقة على المسجد فيكسر ويصرف فى مصلحته وعمارته. (11) يُتَّبع شرط الواقف فى صرف غلة الوقف فيجوز صرف الموقوف على بناء المسجد لبناء منارته وإصلاحها وبناء منبره، وأن يشترى منه سلم للسطح، وأن يبنى منه ظلة، لأن ذلك من حقوقه ومصالحه. ولا يجوز صرفه فى بناء بيت الخلاء لمنافاته المسجد وإن ارتفق به أهله، ولا صرفه فى زخرفة مسجد بالذهب أو الأصباغ، لأنه منهى عنه وليس ببناء، بل لو شرط لما صح، لأنه ليس قربه، ولا فى شراء مكانس ومجارف، لأنه ليس بناء ¬

(¬1) ص 471 ج 2 كشاف القناع (الوقف عقد لازم). (¬2) ص 473 منه. (¬3) ص 446 منه. (¬4) يأتى رقم 13 ص 8 ج 8 (التحذير من إيقاد السرج على القبور).

ولا سبباً له. وإن وقف على مسجد أو مصالحه جاز صرفه فى نوع العمارة وفى مكانس وحصر ومجارف ومساحى وقناديل وإنارة ورزق إمام ومؤذون وقيم، لدخول ذلك كله فى مصالح المسجد وضعاً أو عرفاً. ولو وقف على مصالح المسجد وعمارته فالقائمون بالوظائف التى يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وغلقها وغير ذلك يجوز الصرف إليهم (¬1). هذا. وما فضل عن حاجة المسجد من حُصره وزيته ومغله وأنقاضه وآلته وثمنها إذا بيعت جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج إليه، لأنه صرف فى نوع المعيَّن. وتجوز الصدقة بما ذكر على فقراء المسلمين وفى سائر المصالح وفى بناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته (¬2). (12) لو أوصى بثلث ماله لأعمال البرّ يجوز إسراج المسجد منه ولا يزاد على سراج واحد ولو فى رمضان لأنه إسراف. ولو أوصى لعمارة المسجد يصرف فيما كان من البناء ومنه المنارة دون التزيين. (13) لو وقف أرضا على عمارة المسجد على أن ما فضل من عمارته فهو للفقراء فاجتمعت الغلة والمسجد غير محتاج إلى عمارة (قال) البلخى: تحبس الغلة لأنه ربما يحدث فى المسجد ما يحتاج إلى العمارة. وتصير الأرض بحال لا تثمر إلا إذا زادت الغلة عما يحتاج إليه المسجد لو حدث به حدث فالزائد يصرف للفقراء كما شرط الواقف. (14) يجوز إحداث تغيير فى المسجد تدعو إليه المصلحة، فيجوز تجديد بناء المسجد للمصلحة " روت " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة لولا أنَّ قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرتُ بالبيت فهُدِم فأدخلتُ فيه ما أخْرج منه، وألزقتُه بالأرض، وجعلتُ له بابين بابا شرقياً وباباً غربياً فبلغتُ به أساسَ إبراهيم. أخرجه البخارى (¬3). {440} ¬

(¬1) ص 455 ج 2 كشاف القناع (ويرجع إلى شرطه). (¬2) ص 472 منه (والوقوف عقد لازم). (¬3) ص 287 ج 2 فتح البارى (فضل مكة وبنيانها - الحج).

(15) يحوز نقض منارة المسجد وجعلها فى حائطه لتحصينه من نحو كلاب (¬1) ويجوز تحويل بابه من جهة سفله سقاية وحوانيت. وقيل لا يجوز رفعه لأجل السقاية. ولا بأس بتغيير حجارة الكعبة لإصلاحها إلا الحجر الأسود فلا يجوز تغييره ولا نقله من موضعه ولا يقوم غيره مقامه مع وجوده ولا ينقل النسك معه إذا نقل م موضعه. ويحرم نقل حجارتها لعمارة غيرها كما لا يجوز ضرب تراب المساجد لبَنِا ليبنى به غيرها (¬2) لما تقدم من أنه يتعيين صرف الوقف للجهة المعينة. (16) يجوز تغيير صورة الوقف للمصلحة كجعل الدور حوانيت ولا يجوز قسمة المسجد مسجدين ببابين إلى دربين مختلفين لأنه تغيير لغير مصلحة (¬3). (17) حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد فى وجوب صيانته وتعظيم حُرُماته وكذا سطحه والبئر التى فيه ورحبته. ولذا يصح الاعتكاف فى رحبته وسطحه، ويصح اقتداء من بهما بمن فى المسجد. (18) المصلى المتخذ للعيد وغيره ليس له حكم المسجد فلا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض. وبه قال الجمهور. والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. والصلاة والسلام على سيد الكائنات. وآله الأطهار. وصحابته الأخيار. ومن تبعهم بإحسان. تم الجزء الثالث من كتاب الدين الخالص ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى وأوله (مبطلات الصلاة) (تنبيه) قد بينا بهامش هذا الجزء أهم المراجع التى استعنَّا بها فى تخريج أحاديثه ومراجع النصوص العلمية. فلينظر بيانها بصفحتى 375، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله تعالى ولى الهداية والتوفيق. ¬

(¬1) ص 472 ج 2 كشاف القناع. (¬2) ص 473 منه. (¬3) ص 472 منه.

جـ 4

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء الرابع عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الرابعة 1406 هـ/1986 م

(الأول) مبطلات الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الهادى للصواب، والصلاة والسلام على سيد الأحباب وآله والأصحاب. هذا والكلام هنا فى ثمانية أصول. (الأول) مبطلات الصلاة الفاسد والباطل فى العبادة غير الحج سواء، وهو ما خرج عن كونه عبادة بسبب فوات بعض الفرائض من الشروط والأركان. وللصلاة مبطلات: المذكور منها هنا ثلاثة عشر: (1) الكلام: يحرم الكلام عمداً فى الصلاة، ويبطلها إذا كان لغير إصلاحها ولا لأمر يوجبه (لقول) زيد بن أرقم: كنا نتكلم فى الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة حتى نزلت: "وقوموا لله قانتين"، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وهذا لفظ مسلم. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [1] ولذا اتفق العلماء على بطلان من تكلم فيها لغير إصلاحها عامداً عالماً بتحريمه وبطلان صلاته. واختلفوا فى كلام الناسى والجاهل (فقال) الجمهور: تبطل صلاة المتكلم ولو ناسياً أو جاهلاً. ومنهم الثورى وابن المبارك والحنفيون، لعموم أحاديث النهى عن الكلام فى الصلاة. ¬

(¬1) ص 72 ج 4 - الفتح الربانى وص 48 ج 3 فتح البارى (ما ينهى عنه من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة) وص 55 ج 6 - المنهل العذب (النهى عن الكلام فى الصلاة) وص 181 مجتبى (الكلام فى الصلاة) وص 312 ج 1 تحفة الأحوذى (نسخ الكلام فى الصلاة).

(ومنها) ما تقدم عن ابن مسعود قال: كنا نسلم فى الصلاة ونأمر بحاجتنا (الحديث) وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث ألا تكلموا فى الصلاة، فرد علىّ السلام (¬1). [2] (وقال) مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور: لا يفسدها الكلام العمد، ولا تفسد بكلام الناسى والجاهل. وهو مروى عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى الصلاة ناسياً فبنى على ما صلى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده معلى بن مهدى، قال أبو حاتم: يأتى أحياناً بالمناكير. وقال الذهبى: صدوق فى نفسه (¬2). [3] (ولما يأتى) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والدارقطنى والطبرانى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬3). [4] (واستدلوا) على عدم بطلان صلاة الجاهل (بقول) معاوية بن الحكم السلمى: بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرمانى القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلى، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرنى (¬4) ولا ضربنى ولا شتمنى قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هى التسبيح ¬

(¬1) تقدم رقم 258 ص 185 ج 3 (الاشارة فى الصلاة). (¬2) ص 181 ج 2 مجمع الزوائد (الكلام فى الصلاة والاشارة). (¬3) يأتى رقم 211 ص 375 ج 8 (ما يفسد الصوم). (¬4) ما كهرنى، أى ما انتهرنى، وقيل الكهر: العبوس فى وجه من تلقاه.

والتكبير وقراءة القرآن (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى والبيهقى وابن حبان. وفى رواية أبى داود: لا يحل مكان لا يصلح (¬1). [5] (وهذا) الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم فى الصلاة بغير التسبيح والتكبير والقراءة. وقد تمسك به الحنفيون وأحمد فقالوا: يمنع الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس، وهو ما لا يستحيل طلب مثله منهم نحو: اللهم اقض دينى. وتقدم بيانه، والجواب عنه فى بحث " الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس " (¬2). وفى الحديث دليل على تحريم الكلام فى الصلاة، سواء أكان لحاجة أم لا، وسواء أكان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيه أو إلى إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة. (وقالت) طائفة منهم الأوزاعى ومالك: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم سلم فى ثلاث ركعات ¬

(¬1) ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. وص 20 ج 5 نووى مسلم (تجريم الكلام والصلاة) وص 28 ج 6 - المنهل العذب (تشميت العاطس فى الصلاة) وص 179 ج 1 مجتبى (الكلام فى الصلاة). (فرمانى القوم بأبصارهم) أى نظروا إلى نظر منكر. ولذا استعير له الرمى (واثكل) بضم المثلثة وإسكان الكاف. وبفتحها لغتان كالبخل والبخل: وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده. و (أماه) بتشديد الميم. وأصله أم زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت، وأردفت بهاء السكت. وفى رواية أبى داود أمياه بزيادة المثناة التحتية وأصله أمه زيدت عليه ألف الندبة. و (يضربون على أفخاذهم) هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. و (لكنى سكت) فى استدراك على محذوف تقديره: فلما رأيتهم يسكتوننى أردت أن أكلمهم فى ذلك لكنى .. إلخ. (فبأنى) متعلق بفعل محذوف تقديره: أفديه بابى وأمى. و (ما كهرنى) أى ما انتهرنى وما عبس فى وجهى. (¬2) تقدم ص 260 ج 2 طبعة ثانية.

من العصر ثم دخل الحجرة، فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان طويل اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ قالوا: نعم. فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد ثم سلم. أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (¬1). [6] وعند المالكية: يشترط لعدم بطلان الصلاة بالكلام لإصلاحها ألا يزيد الكلام عما به الحاجة، وألا يفهم المقصود بالتسبيح، فإن كثر كلام المصلى أو تكلم قبل التسبيح أو مع فهم المقصود بطلت صلاته. فلو قام الامام لخامسة ولم يفهم بالتسبيح، فللمأموم أن يقول له قمت لخامسة. ويزاد فى حق الامام ألا يحصل له شك فى صلاته من نفسه بأن لم يشك أصلا أو شك لكلام المأمومين. فإن شك من نفسه لزمه طرح ما شك والبناء على اليقين ولا يسأل أحداً، فإن سأل بطلت صلاته. (وأجاب) القائلون بفساد الصلاة بالكلام مطلقاً ولو جهلاً أو سهواً أو لمصلحة الصلاة: (أ) عن حديث بنائه صلى الله عليه وسلم على ما صلى وقد تكلم ناسياً، بأنه ضعيف كما تقدم. (ب) وعن حديث: " إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان" بأنه لا ينتهض الاحتجاج به، فقد أنكره أحمد وقال أبو حاتم: هذه أحاديث منكرة موضوعة. وعلى فرض ثبوته فالمراد رفع الإثم لا الحكم فإن الله أوجب فى قتل الخطأ الكفارة. ¬

(¬1) ص 100 ج 1 بدائع المنن. وص 148 ج 4 - الفتح الربانى. وص 70 ج 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة) وص 143 ج 6 - المنهل العذب (السهو فى السجدتين) وص 305 ج 3 تحفة الأحوذى (التشهد فى سجدتى السهو) وص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً).

(حـ) وعن حديث معاوية بن الحكم بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة. كذا قيل. (د) وعن قصة ذى اليدين بأن حديثها منسوخ بحديث زيد بن أرقم (¬1) أو حديث ابن مسعود (¬2) لأن صاحب القصة قتل ببدر كما قاله الزهرى. (ورد) بأن المقتول يوم بدر ذو الشمالين عمير بن عمرو الخزاعى، وهو غير ذى اليدين الخرباق بن عمرو العلمى، وقد عاش بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم زماناً وحدث بهذه القصة بعده صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه الطبرانى وغيره. أفاده الحافظ (¬3) (ولا ينافيه) قول أبى هريرة: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين وانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عمرو: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم: ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: صدق يا نبى الله. فأتم بهم الركعتين اللتين نقص. أخرجه النسائى (¬4). [7] (لاحتمال) أن كلا منهما كان يلقب بذى اليدين وذى الشمالين. وعلى تقدير أنهما واحد فالقول بأن ذا اليدين مات ببدر وهم يرده صريح الحديث المروى من عدة طرق عن أبى هريرة بلفظ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشى الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين (الحديث) وفيه: فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت .. إلخ. وهذا لفظ مسلم وأبى داود. وعند أحمد: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فسلم من ركعتين ... إلخ (¬5). [8] ¬

(¬1) تقدم رقم 1 ص 2. (¬2) تقدم رقم 2 ص 3. (¬3) ص 62 ج 3 فتح البارى الشرح (إذا سلم فى ركعتين أو فى ثلاث). (¬4) ص 183 ج 1 مجتبى (ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم). (¬5) ص 67 ج 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة) وص 127 ج 6 - المنهل العذب (السهو فى السجدتين) وص 145 ج 4 - الفتح الربانى.

(وأجاب) بعضهم بأن ذا اليدين إنما تكلم وهو يرى أن الصلاة قد قصرت. وتكلم النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليه ظاناً أنه ليس فى صلاة ثم كلم القوم فأجابوه لوجوب إجابته عليهم. وهى لا تبطل الصلاة على المعتمد عند بعض الأئمة كما تقدم بيانه فى بحث " قطع الصلاة " (¬1). هذا. ويلحق بالكلام فى الصلاة أمور منها: (أ) التنحنح فيها. قال الحنفيون والشافعية: التنحنح لغير ضرورة وبلا غرض صحيح مبطلا للصلاة إن ظهر منه حرفان وإلا فلا. وهو مشهور مذهب الحنبلية. أما إن كان لعذر بأن غلبه أو كان مريضاً لا يملك نفسه عنه، فلا تفسد به، وكذا إن كان لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإغلام أنه فى الصلاة أو ليهتدى به إمامه عند خطئه، لا تفسد على الصحيح عند الحنفيين. وخرج بالتنحنح التثاؤب والعطاس فلا تفسد بهما اتفاقاً. (وقالت) المالكية: التنحنح لا يبطل الصلاة إن كان لحاجة، وكذا إن كان لغيرها على المعتمد ما لم يكن كثيراً أو تلاعباً، وهو قول الشافعى وأحمد (لقول) علي رضى الله عنه: كان لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان: مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لى. أخرجه النسائى (¬2). [9] قال أبو محمد بن قدامة: واختلفت الرواية عن أحمد فى كراهة تلبية المصلى بالنحنحة فى صلاته، فقال فى موضع: لا تنحنح فى الصلاة، قال النبى صلى الله عليه وسلم: " إذا فاتكم شئ فى صلاتكم فلتسبح الرجال وليصفق النساء". [10] وروى عنه المروذى أنه كان يتنحنح ليعلم أنه فى صلاة. وحديث علىّ ¬

(¬1) تقدم ص 143 ج 3 طبعة ثانية. (¬2) ص 178 ج 1 مجتبى (التنحنح فى الصلاة).

يدل عليه. وهو خاص فيقدم على العام (¬1). وأجاب الجمهور بأن حديث علىّ فيه اضطراب لا ينهض معه الاحتجاج به. (ب) تشميت عاطس بيرحمك الله (لحديث) معاوية بن الحكم السابق (¬2). وهذا متفق عليه. وكذا لو شتمه بغير خطاب كيرحمه الله ويرحمنا الله فإنها تبطل عند الحنفيين ومالك، خلافاً للشافعية والحنبلية، ولو عطس وشمت نفسه لخطاب أو غيره لا تبطل، خلافاً للمالكية فقد قالوا: تبطل الصلاة بتشميت العاطس مطلقاً. (حـ) فتح المصلى على غير إمامه ولو كان الغير فى الصلاة عند الحنفيين ومالك، لأنه تعليم، فكان من كلام الناس إلا أن ينوى التلاوة دون التعليم فلا تفسد كما لو فتح على إمامه. وتقدم تمامه (¬3). (د) السلام بنية التحية، لأنه خطاب، وكذا لو سلم على ظن أنها ترويحة بأن كان يصلى العشاء فظن أنها التراويح فسلم من ركعتين، فإنها تبطل عند الحنفيين لتعمده السلام فى غير محله. ولا تبطل عند غيرهم لظنه تمام الصلاة، كما لو سلم للخروج من الصلاة قبل إتمامها ظاناً أنها تمت فلا تفسد اتفاقاً، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه حال صلاتهم، ولأن جنسه مشروع فى الصلاة، فأشبه الزيادة فيها من جنسها. (هـ) رد السلام باللسان عند الأئمة والجمهور، لأنه خطاب فأشبه تشميت العاطس (ولقول) ابن مسعود رضى الله عنه: كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا. فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا. فقال: إن فى الصلاة لشغلا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬4). [11] ¬

(¬1) ص 710 ج 1 مغنى ابن قدامة. وحديث: إذا نابكم شئ تقدم بلفظ آخر رقم 273 ص 271 ج 2 (ما يطلب من المصلى إذا نابه شئ). (¬2) تقدم رقم 3 ص 5. (¬3) تقدم ص 291 ج 2 (الفتح على غير الامام). (¬4) ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. وص 47 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة) وص 20 ج 6 - المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة).

وإن رد المصلى بعد سلامه فحسن، لما تقدم عن ابن مسعود من قوله: فردّ (النبى صلى الله عليه وسلم) علىّ السلام (¬1). (ومنه) يعلم مشروعية السلام على المصلى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أصحابه حين سلموا عليه، بل رد عليهم بالإشارة وهو يصلى، أو باللسان بعد أن فرغ، ولعموم قوله تعالى: " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم" (¬2). أى على أهل دينكم. وبهذا قال أحمد ومالك، قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: سئل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون أيسلم عليهم؟ قال: نعم. وروى ابن المنذر عن أحمد أنه سلم على مصلّ. فعل ذلك ابن عمر. وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبى وإسحاق، لأنه ربما غلط المصلى فرد عليه كلاماً. وقد روى مالك فى الموطأ أن ابن عمر سلم على رجل وهو يصلى فرد عليه السلام، فرجع إليه ابن عمر فنهاه عن ذلك (¬3) (1). وممن كره السلام على المصلى الحنفيون والشافعيون. وعن أبى هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة أن رد السلام فى الصلاة لا يبطلها. والحديث حجة عليهم. (و) الأذان فى الصلاة إن قصد به الإعلام، وحكايته إن قصدها، يبطلها عند أبى حنيفة ومحمد بن الحسن، لأنه إن قصد الاعلام والحكاية صار ككلام الناس. وقال أبو يوسف وباقى الأئمة: لا تفسد ما لم يقل حى على الصلاة، حى على الفلاح، لأن غيرهما ذكر فلا (تفسد) به بخلاف الحيعلتين فإنهما خطاب فيفسدان الصلاة، ولو سمع المصلى اسم الله تعالى فقال جلّ ¬

(¬1) تقدم رقم 2 ص 3. (¬2) سورة النور: من آية 61 وصدرها: " ليس على الأعمى حرج". (¬3) ص 716 ج 1 كغنى (إذا سلم على المصلى).

جلاله، أو سبحانه وتعالى. أو سمع اسم النبى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه، فإن قصد إجابة الذاكر فسدت صلاته، وإن قصد مجرد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، لا تفسد؛ لأن هذا لا ينافى الصلاة، ولا يقطع ما ذكر حكم الموالاة عند الشافعية إلا إذا ذكر الاسم الظاهر كأن قال: صلى الله علي محمد وآله. ولو قرأ المصلى القرآن من مصحف ونحوه، فإن كان حافظاً لا تفسد صلاته اتفاقاً، لعدم التلقن، وكذا إن كان غير حافظ عند أبى يوسف ومحمد، لكنه يكره، لقول أبى حنيفة: بلغنى عن ابن عباس أنه قال فى الرجل يؤم القوم وهو ينظر فى المصحف: إنه يكره ذلك وقال كفعل أهل الكتاب. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬1) (2). ولا يكره عند الشافعى (روى) ابن أبى مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها فى رمضان فى المصحف. أخرجه ابن ابى شيبة (3). وقال الحنفيون: تفسد لأن التلقن من المصحف تعلم ليس من أعمال الصلاة فيفسدها إذا قرأ ما تصح به الصلاة على الأظهر (وأجابوا) عن أثر عائشة بأن الذى فى الموطإ أن ذكوان، وكان عبداً لعائشة فأعتقته عن دبر منها، وكان يقوم يقرأ لها فى رمضان (¬2) (4)، فليس فيه أنه كان يقرأ فى المصحف، وإن صح ما روى ابن أبى شيبة يحمل على أنه كان يراجع المصحف قبل الصلاة ليكون قريب عهد بما يقرؤه. (ز) النفخ: فيبطلها إن ظهر منه حرف مفهم أو حرفان وإن لم يفهما لعموم حديث النهى عن الكلام فى الصلاة ولقول زيد بن ثابت: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن النفخ فى السجود، وعن النفخ فى الشراب. أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفى سنده خالد بن إياس، وهو متروك فلا تقام به حجة. وضعف البيهقى رفعه (¬3). [12]. ¬

(¬1) رقم 171 ص 34 كتاب الآثار. (¬2) ص 216 ج 1 زرقانى الموطإ (ما جاء فى قيام رمضان). (¬3) ص 83 ج 2 مجمع الزوائد (النفخ فى الصلاة).

ولحديث بريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ فى سجوده. أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. قاله الهيثمى (¬1). [13]. وهذه الأدلة وإن كان فى كل منها مقال لكن لكثرتها يقوى بعضها بعضاً. ولذا قال يمقتضاها أبو حنيفة ومحمد والشافعى وجمهور السلف والخلف. وهو مشهور مذهب الحنبلية. قال أحمد: النفخ عندى بمنزلة الكلام. وروى عنه أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة، ليس هو كلاماً. قال القاضى: الموضع الذى قال فيه أحمد: يقطع الصلاة إذا انتظم حرفين لأنه جعله كلاماً، ولا يكون كلاماً بأقل من حرفين، والموضع الذى قال فيه: لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان. أفاده ابن قدامة (¬2). وقالت المالكية: النفخ بالفم مبطل للصلاة. وكذا بالأنف إن كان عبثاً وكثر. وقال أبو يوسف وابن سيرين والنخعى وإسحاق: يكره النفخ للمصلى ولا يؤمر بالإعادة (لقول) عبد الله بن عمرو: انكسفت الشمس على عهد النبى صلى الله عليه وسلم (الحديث) وفيه: ثم نفخ فى آخر سجوده فقال: أُف أُف، ثم قال: رب ألم تعدنى ألا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدنى ألا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمحصت الشمس. أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود. وهذا لفظه (¬3). [14]. (وأجاب) الأولون بأنه إنما نفخ صلى الله عل يه وسلم غلبة حزناً على ¬

(¬1) ص 83 ج 2 مجمع الزوائد (مسح الجبهة فى الصلاة). (¬2) ص 709 ج 1 مغنى. (¬3) ص 42 ج 7 - المنهل العذب (من قال يركع ركعتين) وص 185 ج 6 - الفتح الربانى. وص 127 ج 1 مجتبى (وانمحصت الشمس) أى انجلت وظهر ضوؤها.

ما وقع من المخالفات التي هي سبب في الانتقام وتخويف الله عباده بالآيات التي منها الكسوف. (والجواب) عن هذا الحديث بأنه منسوخ بالأحاديث السابقة (مردود) بأنه لا دليل على النسخ (¬1). (ح) الأنين كأن يقول: أه بالقصر كدع. والتأفف كأن يقول: أُف أُف. والتأوه بأن يقول: أوه أو آه. والبكاء فتفسد الصلاة بها- عند الحنفيين وأحمد- إذا كانت بصوت يحصل به حروف، وكانت لوجع أو مصيبة. وكان يملك نفسه عنها. أما إذا كانت لذكر جنة أو نار أو حصلت غلبة فلا تفسد الصلاة، وإن حصل بها حروف للضرورة فتكون حينئذ كالعطاس والسعال والجشاء والتثاؤب. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان، فما كان مغلوباً عليه لم يؤثر. ¬

(¬1) وجملة القول فى هذا ما ذكره الحافظ العراقى فى شرح حديث البصاق فى المسجد قال: فى إباحة البصاق فى المسجد لمن غلبه ذلك، دليل على أن النفخ والتنحنح فى الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث وكان يسيراً، لا يضر المصلى فى صلاته ولا يفسدها لأنه قل ما يكون بصاق إلا ومعه شئ من النفخ. والتنخم ضرب من التنحنح. ومعلوم أن للتنخم صوتاً كالتنحنح، وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق. فإذا قصد النافخ أو المتنحنح فى الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئاً من العبث أفسد صلاته. وأما إذا كان نفخه تأوهاً من ذكر النار إذا مر به ذكرها فى القرآن وهو فى الصلاة فلا شئ عليه. هذا. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنهه يقطع الصلاة النفخ والتنحنح. وروى ابن عبد الحكم وابن وهب أنه لا يقطع (وقال) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يقطع النفخ إن سمع (وقال) أحمد وإسحاق: لا يقطع (وقال) الشافعى: ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام (قال) ابن عبد البر وقول من راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل. ومذهب الشافعى فى النحنحة والضحك والبكاء والنفخ والأنين أنه إن بأن منه حرفان بطلت صلاته ما لم يكن معذوراً بغلبة أو تعذر قراءة الفاتحة ما لم يكثر الضحك وإن كان مغلوباً فإنه يضره. والله أعلم. ص 385 ج 2 طرح التثريب.

وما كان من غير غلبة، فإن كان لغير خوف الله أفسد الصلاة، وإن كان من خشية الله لم تبطل صلاته (¬1). وفى منية المصلى: المصلى إذا وسوسه الشيطان فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تفسد صلاته إن كانت الوسوسة في أمر أُخروى، وتفسد إن كانت في أمر دنيوي (¬2). (وقالت المالكية) الأنين والتأوه والبكاء ونحوها الناشئة من خشية الله، لا تبطل الصلاة، وكذا الأنين من وجع إن قل. وإن كانت لغير ما ذكر فحكمها حكم الكلام إن حصلت سهواً، لا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت. وإن وقعت عمداً لغير إصلاح الصلاة تبطلها. (وقالت الشافعية) الأنين والتأوه والتأفف والتثاؤب والعطاس والجشاء إن حصلت غلبة ولم يستطع دفعها يعفى عن قليلها عرفاً لاعن كثيرها ولو كان ناشئاً من خوف الآخرة، إلا إذا صارت مرضاً ملازماً فإنه يعفى عنها للضرورة. أو إن لم تغلب، بل أمكن دفعها، لا يعفى عنها ولو قلت وكانت ناشئة عن خوف الآخرة. (ط) الضحك بصوت يسمعه المصلى أو من بجواره فتبطل به الصلاة عند غير الشافعية ولو قل، أو وقع سهواً أو غلبة ولم يشتمل على حروف وكان قبل القعود الأخير قدر التشهد، وكذا بعده وقبل السلام خلافاً لأبى يوسف ومحمد. وقالت الشافعية: والضحك لا يبطل الصلاة إلا إذا حصل اختياراً وظهر منه حرفان فأكثر أو حرف مفهم، وكذا إن حصل غلبة وكثر وإلا لا يبطل. (2 و 3) وتبطل الصلاة بالأكل والشرب عمداً اتفاقاً. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة، ¬

(¬1) ص 710 ج 7 مغنى. (¬2) ص 450 غنية المتملي.

وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور، لأن كل ما أبطل الفرض يبطل التطوع (وعن) أحمد أنه يبطل. ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع. وعن طاوس وإسحاق أنه لا بأس به لأنه عمل يسير. أما إن كثر فلا خلاف في أنه يفسدها، لأن غير الأكل من الأعمال يفسدها إذا كثر، فالأكل والشرب أولى. وإن أكل أو شرب فيها ناسياً أو وقع في فمه قطرة ماء فابتلعها، بطلت صلاته عند الحنفيين والأوزاعي، لأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه. (وقالت) الشافعية والحنبلية: لا تبطل بالأكل والشرب ناسياً أو جاهلاً، لعموم حديث: إن الله وضع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وقد أنكره أحمد، وقال أبو حاتم. هذه أحاديث منكرة موضوعة كما تقدم (¬1). (والراجح) عند المالكية أنها لا تبطل بالأكل أو الشرب ناسياً ويسجد له بعد السلام، أما إذا اجتمعا أو وجد أحدهما مع السلام ولو سهواً فإنها تبطل لكثرة المنافي (¬2). (وإذا كان) بين اسنانه مأكول دون الحمصة فابتلعه، لا تفسد صلاته عند الحنفيين ومالك، وكذا عند الشافعية والحنبلية إذا جرى به الريق وعجز عن مجه لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. أما إذا ترك في فمه ما يذوب كالسكر فذاب عنه شئ فابتلعه، فإن صلاته تبطل اتفاقاً، لأنه أكل. (4) وتبطل بالعمل الكثير وهو ما يكونه بحيث لو رآه إنسان من بعد تيقن أنه ليس في الصلاة، وإلا فهو قليل على المختار عند الحنفيين، فلو رفع العمامة من رأسه ووضعها على الأرض أو بالعكس بيد واحدة بلا تكرار متوال، لا تفسد صلاته، لأنه عمل قليل، لكنه يكره لغير عذر. ¬

(¬1) تقدم الحديث رقم 3 ص 4 والجواب عنه ص 5. (¬2) ص 107 ج 1 صغير الدردير.

قالت المالكية والحنبلية: هو ما يخيل للناظر أن فاعله ليس في الصلاة (وقدرته) الشافعية بنحو ثلاث خطوات متواليات عرفاً وما في معناه كوثبة كبيرة. وهو مبطل للصلاة إذا لم يكن من أعمالها ولا لإصلاحها ولا لدفع الأذى، فلا تفسد بزيادة نحو ركوع سهواً اتفاقاً وكذا عمداً عند الحنفيين، ولا تبطل بالمشي والوضوء لسبق الحدث لأنهما لإصلاحها ولا لقتل نحو حية خاف أذاها على ما تقدم بيانه (¬1). وكذا لا تبطل بزيادة قولية كتكرير الفاتحة ولو عمداً اتفاقاً. (5) وتبطل بالتحول عن القبلة إذا تحول بصدره عنها ولو مضطراً إذا مكث قدر أداء ركن لفقد شرط من شروط الصلاة. وكذا إن تحول مختاراً لغير عذر عند الحنفيين وإلا فلا تبطل ولو كثر التحول. (وقالت) الشافعية: إذا تحول بصدره عن القبلة أو حول غيره قهراً بطلت صلاته ولو عاد عن قرب، أما لو انحرف جاهلا أو ناسياً وعاد من قرب فلا تبطل. (وقالت) المالكية والحنبلية: التحول عن القبلة لا يبطل الصلاة ما لم تتحول قدماه عن القبلة. (6) وتبطل بترك شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها بلا عذر اتفاقاً. (7) وتبطل بحصول مبطل للطهارة غير سبق الحدث قبل القعود الأخير قدر التشهد اتفاقاً، وكذا بعده وقبل السلام عند الأئمة الأربعة لفقد شرط من شروط الصلاة. ولا تبطل عند أبى يوسف ومحمد، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما، وفرض عند أبى حنيفة". (8) وتبطل بسبق المأموم إمامه بركن عمداً كما لو ركع ورفع رأسه قبل إمامه عمداً ولم يعده معه أو بعده، وإن سبقه سهواً، فإن عاد وركع ¬

(¬1) تقدم ص 153 ج 3 (قتل الحية ونحوها فى الصلاة).

مع إمامه أو بعده وسلم صحت صلاته، وإلا فلا على ما تقدم تفصيله في "بحث المتابعة" (¬1). (9) وتبطل بزوال مسقط الركن أو الشرط وتحته صور: (أ) من صلى بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود تبطل صلاته ويستأنفها بركوع وسجود عند الحنفيين، لأنه لا يصح بناء القوى على الضعيف. وقال غيرهم: يتمها بما قدر عليه ولا يستأنفها لأنه دخلها بوجه مشروع. (ب) من صلى متيمماً ثم قدر على استعمال الماء قبل القعود الأخير قدر التشهد تبطل صلاته عند الحنفيين وأحمد والشافعي. وكذا إن قدر على استعماله بعده وقبل السلام عند أبى حنيفة والشافعي وأحمد (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا تبطل، لأن الصلاة قد تمت عندهما كما تقدم. (وقالت المالكية) إن قدر المتيمم على استعمال الماء في أثناء الصلاة لا تبطل إلا إذا كان ناسياً له واتسع الوقت لإدراك ركعة منها بعد استعماله. (حـ) من صلى عرياناً ثم قدر على الساتر الطاهر ولو ربعه فسدت صلاته واستأنفها عند الحنفيين. أما إذا كان كله نجساً فلا تبطل بل يخير بين إتمام الصلاة عارياً واستئنافها لابساً له. (وقالت المالكية) إذا كان الساتر قريباً بأن كان بينه وبينه نحو صفين من صفوف الصلاة، لزمه أخذه والستر به، فإن لم يفعل أعاد الصلاة في الوقت. وإن كان بعيداً كمل الصلاة عارياً ثم أعادها مستوراً في الوقت. (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا أمكنه الاستتار بدون عمل كثير استتر به وأتم صلاته، وإلا بطلت صلاته واستأنفها مستوراً. (د) من صلى عاجزاً عن القراءة ثم قدر عليها في أثناء الصلاة، فسدت واستأنفها بقراءة ما لم يكن مقتدياً بقارئ عند الحنفيين وأحمد. ¬

(¬1) تقدم ص 69 و 73 ج 3.

(وقالت) المالكية والشافعية: الأمي إذا تعلم شيئاً من القراءة في أثناء الصلاة، بنى على ما تقدم بقراءة ما تعلم، ولا تبطل لدخوله فيها بوجه جائز. (10) وتبطل بفقد شرط من شروط الجماعة على ما تقدم بيانه (¬1). (11) وتبطل بالاقتداء في موضع الانفراد كما لو تابع المسبوق الأمام في سجود السهو بعد تأكد انفراده، بأن قام بعد قعود الإمام قدر التشهد وقيد ركعته بسجدة ثم تذكر الإمام سجود سهو فتابعه. وهذا مذهب الحنفيين (وقالت) المالكية تبطل صلاة من لم يدرك ركعة بسجوده السهو مع الإمام، وكذا من أدرك ركعة فأكثر إذا سجد مع إمامه السجود البعدي، بخلاف السجود القبلي. (وقالت) الشافعية: إذا عاد الإمام إلى سجود السهو بعد سلامه ناسياً موجب السجود، فعلى المسبوق العود للسجود معه ولو تلبس بالقيام، لتبين أن إمامه لم يخرج من الصلاة. فإن لم يعد بطلت صلاته ولا تنفعه نية المفارقة في القيام. (وقالت) الحنبلية: لو قام مسبوق بعدم سلام إمامه ظاناً عدم سهوه فسجد الإمام رجع المسبوق وجوباً إن لم يستتم قائماً فسجد معه. وإن استتم قائماً كره رجوعه. وإن شرع في القراءة حرم رجوعه وبطلت صلاته، لأنه تلبس بركن مقصود فلا يرجع إلى واجب. (12) وتبطل الصلاة بقطعها بنية الانتقال إلى غيرها، كما لو نوى المنفرد الاقتداء بغيره، أو نوى المقتدى الانفراد، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل وبالعكس. ويستثنى من ذلك عند الشافعية الانتقال من فرض إلى نفل لمنفرد رأى جماعة يريد الدخول معهم في الفرض. ¬

(¬1) تقدم ص 53 - 84/ 3.

(13) وتبطل باستخلاف من لا يصلح إماماً كأمي ومعذور على ما تقدم بيانه في شروط الجماعة (¬1). (فائدة) لا تبطل الصلاة بأفعال القلب وتفكيره في غير أعمالها ما لم يصحبها فعل الجوارح، فمن رتب في فكره كلاماً أو عملا ولم يتكلم ولم يفعل، لا تفسد صلاته، لكنه خلاف الأولى، إن فكر في أمر أُخروى غير الصلاة، لما فيه من الإعراض عن الصلاة المقصودة بالمناجاة، ومكروه تحريماً إن فكر في أمر دنيوي لمنافاته الخشوع الذي هو للصلاة كالروح للجسد، ولما فيه من الإعراض بالقلب عن مناجاة الرب سبحانه وتعالى، وفيه من سوء الأدب مع الله تعالى ما لا يخفى، كيف ومن وقف بين يدي كبير من أكابر الدنيا يحذر كل الحذر من أن يحصل منه التفات إلى شئ آخر مع أنه عبد مثله، ولو التفت مناجيه حال مناجاته إلى غيره لاشتد سخطه عليه وعظم غضبه منه. وما أحسن ما قاله الشيخ شرف الدين إسماعيل بن المقري في تائيته: تصلى بلا قلب صلاة بمثلها ... يكون الفتى مستوجباً للعقوبة تظل وقد أتممتها غير عالم ... تزيد احتياطاً ركعة بعد ركعة فويلك، تدرى من تناجيه معرضاً ... وبين يدي من تنحني غير مخبت (¬2) تخاطبه إياك نعبد مقبلا ... على غيره فيها بغير ضرورة ولو رد من ناجاك للغير طرفه ... تميزت (¬3) من غيظ عليه وغيرة أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... صدودك عنه يا قليل المروءة ذكره الحلبي (¬4). ثم قال: قال الإمام الغزالى: لا تسجد ولا تركع إلا وقلبك خاشع متواضع على موافقة ظاهرك، فإن المراد خشوع القلب ¬

(¬1) ص 57، 58 ج 3 .. (¬2) مخبت، من الإخبات وهو الخشوع والخضوع. (¬3) تميز، أى تقطع. (¬4) ص 444 غنية المتملى فى شرح منية المصلى.

(الثاني) قضاء الفوائت

لا خضوع البدن فقط، ولا تقل الله أكبر وفى قلبك شئ أكبر من الله، ولا تقل وجهت وجهي إلا وقلبك متوجه بكله إلى الله ومعرض عن غيره، ولا تقل الحمد لله إلا وقلبك طافح بشكر نعمته عليك فرح مستبشر، ولا تقل إياك نعبد وإياك نستعين إلا مستشعر ضعفك وعجزك وأنه ليس إليك ولا إلى غيرك من الأمر شئ، وكذلك في جميع الأذكار والأعمال. أهـ (¬1). (وقال) الغزالى: وقد روى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكرى خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق (¬2). (وقال) العلامة الحلبي: وبالجملة فالتفكير في الصلاة بغير ما يتعلق بها إن كان دنيوياً فمكروه أشد الكراهة، بل مفسد عند أهل الحقيقة (¬3) لفوات الركن الأصلي المقصود بالذات، وإن كان أُخروياً فهو ترك الأولى، فإن الاشتغال في الصلاة بها أولى من الاشتغال بغيرها من أمور الآخرة؛ فإنها قد ساوت ذلك الغير في كونها من أمور الآخرة، وترجحت بأن الوقت والمحل لها. فاعلم ذلك راشداً. وبالله التوفيق (¬4). (الثاني) قضاء الفوائت اعلم أن الأداء الكامل تسليم عين المطلوب في وقته بجماعة، والأداء الناقص تسليم المطلوب في وقته بلا جماعة. والقضاء تسليم نفس المطلوب بعد وقته. ¬

(¬1) ص 445 غنية المتملى. (¬2) ص 119 ج 1 - إحياء علوم الدين (المعانى الباطنة التى بها تتم حياة الصلاة). (¬3) (أهل الحقيقة) كالغزالى وغيره ممن يرى أن الخشوع ركن من أركان الصلاة كما تقدم فى بحث "الخشوع" من سنن الصلاة. ص 263 ج 2. (¬4) ص 445 غنية المتملى.

والإعادة فعل مثل المطلوب في وقته لخلل غير الفساد. والكلام هنا في ستة فروع: (أ) حكم القضاء: هو فرض في الفرض، وواجب في الواجب كالوتر عند من يوجبه، وسنة فيه عند من يرى أنه سنة كما تقدم بيانه في بحث "قضاء الوتر" (¬1). وسنة أيضاً في سنة الصبح وغيرها من الرواتب على ما تقدم تفصيله في بحث "قضاء الرواتب" (¬2). هذا. ويفترض قضاء المكتوبة على من فاتته لعذر أو غيره (لقول) أبى قتادة: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة. فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. أخرجه النسائي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح (¬3). [15] (ولحديث) أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: "أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم (¬4). [16] (ففي) هذه الأحاديث دلالة على وجوب القضاء على من فاتته الصلاة ولو عامداً وهو مذهب الجمهور. والتقييد فيها بالنسيان أو النوم، لا للاحتراز بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي والنائم مع سقوط الإثم عنهما، فيجب على العامد بالأولى. ¬

(¬1) تقدم ص 22 ج 3. (¬2) تقدم ص 312 ج 2. (¬3) ص 101 ج 1 مجتبى (من نام عن صلاة) وص 157 ج 1 تحفة الأحوذى (النوم عن الصلاة). (¬4) ص 193 ج 5 نووى مسلم (قضاء الفائتة).

(وقال) جماعة: العامد لا يقضى الصلاة أخذاً بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا نسى" لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى (وهو مردود) بما تقدم وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: نعم فدين الله أحق أن يقضى. أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس (¬1). [17] وبأنه قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران: (الأول) ثبوت الإثم عن تاركها عمداً. والإثم سوء أكان صغيراً أم كبيراً يرتفع بالتوبة. وهى لا تتحقق إلا بقضاء ما عليه. ولا نزاع في أن تارك الصلاة عمداً إذا قضاها لا يسقط عنه إثم التأخير. ولا يلزم من عدم سقوطه أنه لا فائدة في القضاء فقد سقط به الطلب الثابت بطريق الأولى من أمر الناسي والنائم بالقضاء. (الثاني) شغل ذمة التارك بوجوب الصلاة عليه إذا دخل وقتها. وبراءة ذمته تكون إما بالأداء ولم يوجد في وقتها، وإما بالعجز ولم يتحقق فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت لخروجه، وإما بإسقاط صاحب الحق لحقه، وهذا لم يوجد لا صراحة ولا ضمناً، إنما الذي وجد خروج الوقت وهو لا يصلح مسقطاً لما تقرر في ذمته أولاً. ولما لم توجد براءة الذمة بأي نوع من تلك الأنواع كان ما ترتب في ذمته باقياً يطلب منه أداؤه، فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة. (وبما تقدم) تعلم سقوط قول الشوكاني: إن قضاء العامد لا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثاً (¬2). (قال) النووي: وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء. وهذا خطأ من صاحبه وجهالة (¬3). وهو كلام حق يجب المصير إليه. ¬

(¬1) ص 140 ج 4 فتح البارى (من مات وعليه صوم) وص 24 ج 8 نووى مسلم (قضاء الصوم عن الميت). (¬2) ص 3 ج 2 نيل الأوطار (قضاء الفوائت). (¬3) ص 183 ج 5 شرح مسلم.

(ب) وقت القضاء: الأمر في الأحاديث السابقة بفعل الفائتة عند تذكرها استدل به جماعة على وجوبها على الفور، منهم أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد، وهو الراجح من مذهب مالك. فلا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر كالسعى لتحصيل الرزق ودرس العلم الواجب عليه وجوباً عينياً والأكل والنوم. ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء بل لابد من التوبة، والاشتغال بالنوافل لا ينافى القضاء فوراً عند الحنفيين. لكن الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد. (وقالت) المالكية: يحرم على من عليه فوائت التنقل بغير السنة كصلاة العيد وركعتي الفجر والشفع المتصل بالوتر. فإن صلى نافلة غير هذه كالتراويح، فله ثواب الصلاة وعليه إثم تأخير القضاء. (وقالت) الحنبلية: يحرم عليه النفل المطلق ولا ينعقد. أما النفل المقيد كالرواتب والوتر فله أن يصليه، ولكن الأولى تركه إن كثرت الفوائت إلا سنة الفجر لتأكدها. (وقالت) الشافعية: إن فاتت الصلاة لغير عذر وجب قضاؤها فوراً إلا لضرورة كالسعى لتحصيل الرزق وضيق وقت الحاصر وتذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة، فإنه يجب تأخيرها حتى يصلى الجمعة، وكذا لو تذكرها بعد الشروع في الحاضرة فإنه يتمها ولو اتسع الوقت. ويحرم على من لزمه القضاء فوراً الاشتغال بصلاة التطوع ولو راتبة حتى تبرأ ذمته من الفوائت. (أما من فاتته) الصلاة لعذر كنوم أو نسيان فيلزمه القضاء على التراخي لما روى ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: اكلأ لنا الليل. فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع فقال: يا بلال، فقال: أخذ

بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى لهم الصبح. فلما قضى الصلاة قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: "أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الشافعي مرسلا عن ابن المسيب (¬1). [18] فقوله: فاقتادوا رواحلهم شيئاً، دليل على أن قضاء الفائتة واجب على التراخي (والأمر) في قوله صلى الله عليه وسلم: فليصلها إذا ذكرها (محمول) على الاستحباب. ووقت التذكر متسع، فإنه لو تذكرها ودام ذلك التذكر مدة وصلى أثناء تلك المدة صدق عليه أنه صلاها حين التذكر، وليس بلازم أن يكون أول حال التذكر. هذا (وقد) اتفق العلماء على أن النائم ليس بمكلف حال نومه للأحاديث السابقة (ولا ينافيه) إيجاب الضمان عليه فيما أتلفه من المال وإلزامه دية ما جناه على إنسان (لأن ذلك) من الأحكام الوضعية لا التكليفية. وأحكام الوضع تلزم النائم والصبي والمجنون بالاتفاق. (وظاهر) الأحاديث أنه لا تفريط في النوم سواء أكان قبل دخول وقت الصلاة أم بعده قبل تضييقه إلا إذا اتخذ ذلك وسيلة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه بأنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت، فإنه يكون آثماً بذلك، كما أنه يأثم إذا نام بعد ضيق الوقت. ¬

(¬1) ص 54 ج 1 بدائع المنن. وص 181 ج 5 نووي مسلم (قضاء الفاتنة) وص 20 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 122 ج 1 سنن ابن ماجه. و (الكرى) بفتحتين: النعاس وقبل النوم. و (يا بلال) أي لم نمت حتى خرج وقت الصلاة؟ وفى رواية: ماذا صنعت بنا يا بلال؟ . (للذكرى) بشد الذال وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، أي لذكراها. وفى رواية: لذكرى بلام واحدة مع كسر الراء، أي لتذكرني فيها، فهو من إضافة المصدر لمفعوله.

(جـ) القضاء لا يتكرر: لا يجب على من قضى الصلاة إعادتها في مثل وقتها من الغد إجماعاً (لقول) عمران بن حصين: سرينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يقوم دهشاً إلى طهوره. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكنوا. ثم ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام الصلاة فصلينا فقالوا: يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ فقال: أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم؟ . أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه (¬1). [19] (قال) الخطابي: وأما قوله: ومن الغد للوقت (¬2). فلا أعلم أحداً من الفقهاء قال بإعادتها وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر بها استحباباً ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت (¬3). وما قاله من استحباب الإعادة من الغد لم يقل به أحد من السلف. قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها. فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحول في المستقبل بل يبقى كما كان. فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول، وليس معناه أنه يقضى الفائتة مرتين: مرة في الحال ومرة في الغد. وإنما معناه ما قدمناه وهو الصواب (¬4). ¬

(¬1) ص 302 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 1 مجمع الزوائد (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 274 ج 1 مستدرك (وسرينا) من سرى يسرى سرياً، وهو السير ليلا. (دهش دهشاً) فهو دهش من باب تعب: ذهب عقله حياء وخوفاً. و (أينهاكم) أي لا تعيدوها فإن الله نهاكم عن الربا فلا يقبله منكم في قضاء الصلاة. (¬2) يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى قتادة عند أبى داود: فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت. وص 29 ج 4 - المنهل العذب. (¬3) ص 139 ج 1 معالم السنن (من نام عن صلاة أو نسيها). (¬4) ص 187 ج 5 شرح مسلم (قضاء الفائتة).

هذا. وقد استفيد من حديث عمران مشروعية الأذان والإقامة والجماعة للفائتة، وأن سنة الفجر تقضى إذا فاتت. وقد تقدم بيانه في محله. (فائدة) من فاتته فرائض لا يدرى عددها يلزمه القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته عند الحنفيين ومالك وحتى يتيقن براءتها عند الشافعية والحنبلية. ويكفى حال القضاء تعيين المنوي كالظهر أو العصر عند الأئمة الثلاثة. وقال الحنفيون: إنه لابد من تعيين الزمن بأن ينوى أول ظهر أو آخر ظهر عليه. (د) ترتيب الفوائت: قال الحنفيون والثوري والليث: يجب الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والوقتية (لحديث) جابر أن عمر رضى الله عنه شغل يوم الخندق وقال: يا رسول الله ما كدت أُصلى العصر حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فتوضأ وتوضأنا، فصلى العصر بعدما غربت الشمس وصلينا بعدها المغرب. أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي وقال هذا حسن صحيح (¬1). [20] فلو كان الترتيب مستحباً لما أخر النبي صلى الله عليه وسلم لأجله المغرب. وعن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وقال: ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وأخرجه ¬

(¬1) ص 45 ج 2 فتح البارى (من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) وص 159 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل تفوته الصلوات بايتهن يبدأ؟ ) وص 117 ج 2 تيسير الوصول (وجوب الصلاة أداء وقضاء).

الشافعي والطحاوى عن أبى سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة (الحديث) بنحوه إلى: ثم أقام العشاء فصلاها، قال: وذلك قبل أن ينزل فى صلاة الخوف: " فرجالا أو ركباناً" (¬1). [21]. (قال) الحلبى: ولو كان الترتيب مستحباً لتركه عليه الصلاة والسلام مرة أو أشار إلى تركة ولم ينقل. ولا نقل أيضاً عن أحد من الصحابة قولا ولا فعلا (¬2). هذا. ويسقط الترتيب عند الحنفيين بواحد من ثلاثة: (الأول) ضيق الوقت؛ لأنه يحرم تأخير الصلاة عن وقتها بالكتاب والسنة والإجماع، فرجح على دليل اشتراط الترتيب. (الثانى) نسيان الفائتة؛ لأن وقتها وقت تذكرها ولم يوجد (لحديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك: وأقم الصلاة لذكرى" أخرجه الشيخان وأبو داود والطحاوى (¬3). [22]. فلو صلى الظهر ناسياً أن عليه الصبح مثلا، أو صلى فائتة ناسياً ما قبلها ثم تذكر بعد ما صلى، فلا شئ عليه. ¬

(¬1) ص 309 ج 2 - الفتح الربانى. وص 107 ج 1 مجتبى (الاجتزاء للفائت من الصلاة بأذان واحد) وص 158 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ ) وص 55 ج 1 بدائع المنن. وص 190 ج 1 شرح معانى الآثار (وذلك قبل أن ينزل .. إلخ) ... يعنى أنهم بعد نزول هذه الآية لا يؤخرون الصلاة حال الخوف بل كانوا يصلونها رجالا أو ركباناً حسبما تيسر. (¬2) ص 530 غنية المتملى (قضاء الفوائت). (¬3) ص 47 ج 2 فتح البارى (من نسى صلاة فليصل إذا ذكر ... ) وص 193 ج 5 نووى مسلم (قضاء الفائتة) وص 37 ج 4 المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 270 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟ ).

(الثالث) كثرة الفوائت بصيرورتها ستاً، سواء أكانت فوائت حقيقية أم حكمية، كما لو كان عليه فائتة وصلى خمس صلوات متذكراً فى كل الفائتة، فإذا صلاها بعد خروج وقت الخامسة تبين صحة الكل. وإنما سقط الترتيب بكثرة الفوائت لأن فى التزامه حرجاً وهو مرفوع بنص الكتاب، وقد يؤدى الاشتغال بالترتيب إلى تأخير الوقتية، وه حرام كما تقدم. (ولا يعود) الترتيب بعود الفوائت إلى القلة بقضاء بعضها على المختار. (وحاصل) مذهب المالكية أن ترتيب الفوائت فى نفسها قلت أو كثرت واجب غير شرط عند الذكر فيقدم الظهر على العصر وهى على المغرب وهكذا، فإن نكس صحت وأثم إن تعمد. وكذا يجب ترتيب يسير للفوائت وهو خمس فأقل مع الحاصرة، فمن كان عليه المغرب والعشاء والصبح وجب عليه تقديمهما على الصبح الحاضرة وإن أدى ذلك إلى إخراجها عن وقتها. وعن أشهب: يتخير فى البدء بالحاضرة أو الفائتة. (وقالت) الشافعية: ترتيب الحاضرتين المجموعتين جمع تقديم واجب وترتيب المجموعتين جمع تأخير سنة، وكذا الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والحاضرة التى لم يضق وقتها ولم يخش فواتها بعدم إدراك ركعة منها فى الوقت. (وإذا) شرع فى الفائتة قبل الحاضرة معتقداً سعة الوقت فظهر له بعد الشروع فيها أنه لو أتمها لم يدرك من الحاضرة ركعة فى الوقت، فإما أن يقطع الفائتة أو يقبلها نفلا وهو أفضل. (وأجابوا) عن أدلة من قال بوجوب الترتيب بأن مجرد فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب. (ورد) بأن فعله صلى الله عليه وسلم قرن: (أ) بقوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى. أخرجه البخارى من حديث مالك بن الحويرث (¬1) [23]. ¬

(¬1) تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة).

(ب) وقوله: من نسى صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته فإذا فرغ منها فليصل التى نسى ثم ليعد التى صلاها مع الإمام. أخرجه مالك والطحاوى والدارقطنى وصحح وقفه والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر والبيهقى وقال: تفرد أبو إبراهيم الترجمانى برواية هذا الحديث مرفوعاً. والصحيح (أنه من قول ابن عمر موقوفاً (¬1). [24]. (ورد) بأن الترجمانى وثقه غير واحد وفى روايته زيادة الرفع، وهى زيادة ثقة فوجب قبولها. (وقالت) الحنبلية: يجب ترتيب الحاضرين بشرط التذكر، فإن كان مسافراً وأراد الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير، وجب عليه تقديم الظهر على العصر. فإن خالف وهو متذكر للظهر ولو فى أثناء العصر بطلت ويقطعها، وقيل يتمها نفلا. وإن استمر ناسياً حتى فرغ من صلاة العصر صحت. (ويجب) الترتيب بين الفائتة والحاضرة عند التذكر واتساع الوقت الاختيارى للحاضرة. فمن أحرم بالحاضرة ثم ذكر فى أثنائها أن عليه فائتة والوقت متسع، فإنه يتمها ويقضى الفائتة ثم يعيد الصلاة التى كان فيها، وقيل يقطعها. أما إذا لم يتذكر الفائتة إلا بعد فراغه من الحاضرة فإنها تجزئه ويقضى الفائتة. وكذا الترتيب بين الفوائت واجب قلت أو كثرت. فإن كان عليه ظهر وعصر مثلا وصلى العصر قبل الظهر متذكرها بطلت المتقدمة. (واستدلوا) بما تقدم للحنفيين (وبحديث) أبى جمعة حبيب بن سباع: ¬

(¬1) ص 305 ج 1 زرقانى الموطأ (العمل فى جامع الصلاة) وص 270 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟ ) وص 162 سنن الدارقطنى. وص 324 ج 1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها) وص 211 ج 2 سنن البيهقى (من ذكر صلاة وهو فى أخرى).

أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى المغرب عام الأحزاب، فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أنى صليت العصر؟ فقالوا: يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب. أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الكبير. وفى سنده ابن لهيعة وهو ضعيف (¬1). [25]. (هـ) كيفية القضاء: تقضى الصلاة على الصفة التى فاتت عليها، ففائتة الحضر تقضى أربعاً ولو قضاها فى السفر اتفاقاً. وكذا لو كان القضاء فى الحضر عند الحنفيين ومالك، لأنها وجبت مقصورة، فيجب قضاؤها كما وجبت. (وقالت) الشافعية والحنبلية: يجب قضاؤها أربعاً، لن الأصل الإتمام فيجب الرجوع إليه فى الحضر. ومن فاتته صلاة سرية كالظهر أسر فى قضائها إن قضاها نهاراً اتفاقاً، وكذا لو قضاها ليلا خلافاً للشافعى فإنه اعتبر وقت القضاء فى السر والجهر. ومن فاتته صلاة جهرية كالعشاء جهر فى قضائها إن قضاها ليلا اتفاقاً، وكذا لو كان القضاء نهاراً خلافاً للشافعى. (و) هل تقضى الفائتة فى أوقات النهى؟ تقدم بيانه مفصلا فى بحث " الأوقات المنهى عن الصلاة فيها" وما بعدها (¬2). (وجملة) القول فيه أن مذهب الحنفيين أنها تقضى فى كل وقت إلا وقت طلوع الشمس ووقت استوائها ووقت غروبها، مستدلين بعموم النى عن الصلاة فى هذه الأوقات، بناء على أن النهى يقتضى الفساد. وهذا ما يشهد له الدليل. (وقالت) المالكية: إن كانت الفائتة فى ذمته يقيناً أو ظناً قضاها فى ¬

(¬1) ص 106 ج 4 مسند أحمد. وص 220 ج 1 سنن البيهقى (ترك الترتيب فى قضائهن) وص 324 ج 1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها). (¬2) تقدم ص 28 - 40 ج 2.

(الثالث) صلاة المريض

أى وقت، مستدلين بما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها (¬1). (وإن شك) فى شغل ذمته بها قضاها فى غير أوقات النهى عن النافلة. ويحرم قضاؤها فى أوقات حرمة النافلة، ويكره فى أوقات كراهتها. (وقالت) الشافعية: يجوز قضاؤها فى كل وقت (لحديث) أنس السابق إلا وقت خطبة الجمعة، فإنه لا يجوز فيه قضاء الفوائت لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. أخرجه الشافعى والجماعة وصححه الترمذى (¬2). [26]. ووجه الدلالة أنه إذا منع من هذه الكلمة وهى أمر بمعروف-لما فيها من الاشتغال عن الخطبة- فالمنع من الصلاة أولى. ويستثنى من ذلك تحية المسجد لورود النص بها كما تقدم فى بحث " التحية" (¬3). (وقالت) الحنبلية: يجوز قضاؤها فى كل وقت بلا استثناء، لعموم حديث أنس السابق. (الثالث) صلاة المريض قال الله تعالى: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ" (¬4). قال ابن مسعود وغيره: الآية نزلت فى الصلاة، أى صلوا قياماً إن قدروا ¬

(¬1) تقدم رقم 22 ص 26. (¬2) ص 166 ج 1 بدائع المنن، ص 366 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية الكلام) (والامام يخطب) وانظر الحديث رقم 801 ص 418 ج 1 فيض القدير للمناوى. وتقدم رقم 64 ص 40 ج 2 (الصلاة وقت خطبة الجمعة). (¬3) تقدم ص 233 ج 3. (¬4) سورة آل عمران: الآية 191.

وقعوداً إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود. أخرج معناه الطبرانى وابن أبى حاتم (¬1). (وقال) عمران بن حصين: كانت بى بواسير، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة. فقال: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. أخرجه السبعة إلا مسلماً وزاد النسائى: فإن لم تستطع فمستلقياً "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (¬2). [27]. والكلام بعد ينحصر فى أحد عشر فرعاً: (1) قيام المريض: يلزمه القيام فى الفرض إجماعاً إن قدر عليه ولو معتمداً على نحو حائط وعصا لما تقدم عن أُم قيس بنت محصن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً فى مصلاة يعتمد عليه. أخرجه أبو داود، وفى سنده عبد الرحمن بن صخر، مجهول (¬3). [28]. (ويلزمه) حينئذ القيام مستنداً عند غير المالكية على ما تقدم فى بحث " القيام" من أركان الصلاة (قال) أبو عبد الله بن قدامة: وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصا، أو يستند إلى حائط، او يعتمد على أحد جانبيه لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذه ¬

(¬1) ص 329 ج 6 مجمع الزوائد (آل عمران) وص 377 ج 1 فتح القدير للشوكانى. (¬2) تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة). (¬3) تقدم رقم 190 ص 142 ج 2 (القراءة).

الأشياء (¬1). ومن قدر على بعض القيام ولو متكئاً على عصا أو حائط قام لزوماً بقدر ما يقدر ولو بقدر آية أو تكبيرة على الصحيح عند الحنفيين وغيرهم. ومن قدر على القيام إذا صلى منفرداً وعجز عنه إذا صلى مع الإمام لتطويله صلى مع الإمام قائماً، وإذا شعر بضعف قعد وأتم الصلاة جماعة حسبما يقدر عند غير الحنبلية. وعن أحمد روايتان. (قال) أبو عبد الله بن قدامة: وإن قدر المريض على الصلاة وحده قائماً ولا يقدر عليه مع الإمام لتطويله يحتمل ان يلزمه القيام ويصلى وحده، لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة، والجماعة تصح الصلاة بدونها. ويحتمل أنه يخير بين الأمرين، لأنا أبحنا له ترك القيام المقدور له مع إمام عاجز عن القيام مراعاة للجماعة، فهنا أولى ولأن الثواب يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام، بدليل أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعاً وعشرين درجة. وهذا أحسن وهو مذهب الشافعي (¬2). (2) عجز المريض عن الركوع من قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود، لم يسقط عنه القيام عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور، بل يصلى قائماً مومياً بالركوع ثم يجلس فيومئ بالسجود. ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ للسجود، لأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به، والعجز عن غيره لا يقتضى سقوطه، لأن الطاعة بقدر الطاقة. (قال) الحنفيون: يسقط عنه القيام لأن ركنيته لكونه وسيلة إلى السجود ¬

(¬1) ص 782 ج 1 مغنى (صلاة القادر على القيام متكئاً). (¬2) ص 283 منه.

فيسقط بسقوط اصله، ويخير المصلى بين القيام مومياً بالركوع والسجود وبين القعود وهو أفضل من القيام، لأن رأسه فى الإيماء قاعداً يكون أقرب إلى الأرض، ويكون إيماؤه للسجود اخفض من إيمائه للركوع. (3) عجزه عن القيام: من عجز عن القيام بنفسه او مستنداً لمرض حقيقى بأن يلحقه بالقيام ضرر، او حكمى بأن خاف زيادته أو بطأه أو دوران رأسه، أو وجد ألماً شديداً بسبب القيام، أو كان لو صلى قائماً سلس بوله او تعذر عليه الصيام صلى قاعداً كيف شاء ولو مستنداً بركوع وسجود، لما تقدم، ولقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1). (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يصلى المريض قائماً، فإن نالته مشقة صلى جالساً، فإن نالته مشقة صلى نائماً يومئ براسه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده حلس بن محمد الضبعى. قال الهيثمى: لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات (¬2) [29]. (وبهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور، لأن فى تكليفه القيام حينئذ حرجاً، والعبرة فى عدم استطاعة القيام بوجود مشقة فيه، ومنها دوران الرأس فى حق راكب السفينة ونحوها. (قال النووى) ولو جلس للغزاة رقيب يراقب العدو فحضرت الصلاة ولو قام لرآه العدو، أو جلس الغزاة فى مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير، فلهم الصلاة قعوداً وتجب الإعادة لندوره (¬3). ¬

(¬1) سورة الحج: من آية 78، وصدرها: " وجاهدوا فى الله حق جهاده". (¬2) ص 149 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة المريض والجالس). (¬3) ص 148 منه وص 306 ج 2 سنن البيهقى (الإيماء بالركوع والسجود إذا عجز عنهما).

(قال المختار) بن فلفل: سألت أنساً عن صلاة المريض، فقال: يركع ويسجد قاعداً فى المكتوبة. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬1) (6). (وعلى) أى حال إن قعد العاجز عن القيام أجزأه، واختلفوا فى الأفضل (فقال) مالك والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد: الأفضل التربع، لأنه بدل القيام، والقيام يخالف القعود فى الصلاة، فينبغى أن يكون بدله كذلك، ولأنه أبعد عن السهو والاشتباه (وعن) أبى حنيفة وزفر والزنى أن الافتراش أفضل. (4) عجزه عن السجود: من قدر على القعود وعجز عن السجود ركع وأ ومأ إلى السجود، وإن عجز عن الركوع والسجود وأومأ بهما (ويكره) تحريماً عند الحنفيين أن يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه (الحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فأخذه فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه، فأخذه فرمى به وقال: صلى على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك. أخرجه البراز والبيهقي في المعرفة والسنن بسند قوي (¬2). [30]. (وعن أبي حنيفة) عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المريض: إذا لم يستطع القيام يصلي جالساً، فإن لم يستطع يسجد فليوم إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يسجد على الحجر ولا على عود. أخرجه أبو يوسف في الآثار (¬3) (7). ¬

(¬1) انظر رقم 233 ة ص 63 - الآثار. (¬2) ص 785 ج 1 مغنى (إيماء العاجز عن الركوع والسجود). (¬3) ص 283 منه.

فإن رفع شيئاً يسجد عليه وكان ينخفض رأسه للسجود صح، وإلا فلا، لتركه فرض الإيماء للسجود (وهذا) مشهور مذهب الحنبلية. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما إن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه، فقال بعض أصحابنا لا يجزيه. وروى عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس أنهم قالوا: يومئ ولا يرفع إلى وجهه شيئاً. وهو قول عطاء ومالك والنووي. وروي الأثري عن أحمد أنه قال: أي ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها، قيل له: المروحة؟ قال: لا، أما المروحة فلا. وعن أحمد أنه قال: الإيماء أحب إلي. وإن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه أجزأه. وهو قول أبي ثور. ولابد من أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه. ووجه الأول أنه سجد على ما هو حامل له فلم يجزه كما على يديه (¬1). (5) عجزه عن القعود: من عج عن القعود بنفسه أو مستنداً ولو كان العجز حكمياً كما لو أخرج الطبيب الماء من عينيه وأمره بعدم القعود أياماً صلى بالإيماء للركوع والسجود مضطجعاً على جنبه الأيمن أو الأيسر، ووجهه إلى القبلة. (6) عجزه عن الإضطجاع: فإن عجز عن الإضطجاع على جنبه: صلى - عند الشافعية - بالإيماء فى الركوع والسجود مستلقياً على ظهره رافعاً رأسه بوسادة ليصير وجهه ورجلاه إلى القبلة (لحديث) علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً إن استطاع، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلى قاعداً صلى على ¬

(¬1) ص 175 ج 1 مغنى (إيماء العاجز عن الركوع والسجود).

جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلى على جنبه الأيمن صلى مستلقياً ورجلاه مما يلى القبلة. أخرجه الدارقطنى (¬1). [31]. وفى سنده: (أ) حسين بن زيد، ضعفه على بن المدينى. (ب) الحسن بن الحسين العرنى، قال الحافظ متروك. ولذا قال النووى: هذا حديث ضعيف. أ. هـ لكن له شواهد منها حديث ابن عباس عند الطبرانى (¬2). (قالت) المالكية والحنبلية: الترتيب بين الاضطجاع والاستلقاء مستحب، فلو صلى على ظهره، استلقى على بطنه عند المالكية وجعل رأسه للقبلة، فإن استلقى على بطنه مع قدرته على الاستلقاء على ظهره لا تصح صلاته. (7) عجزه عن الإيماء: من عجز عن الإيماء للركوع والسجود برأسه أومأ بعينه ونوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً عند جماعة من المالكية والشافعية والحنبلية (لحديث) جعفر بن محمد عن أبيه عن علىّ بن أبى طالب أن ¬

(¬1) ص 179 سنن الدارقطنى (صلاة المريض). (¬2) تقدم رقم 29 ص 33.

النبى صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يستطع أومأ بطرفه. أخرجه زكريا الساجى (¬1) [32]. ولما يأتى فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه منقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطتعم. أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (¬2). [33]. (وقال) (الحنفيون) من تعذر عليه الإيماء بالرأس تؤخر عنه الصلاة ويقضيها متى قدر إن دام عجزه خمس صلوات فأقل وهو يعقل، وإن زادت على خمس فلا يقضيها وإن كان يفهم الخطاب على الصحيح، لأن مجرد العقل لا يكفى لتوجه الخطاب، ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبه لعدم الأمر به فى حديث عمران (ولما روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه. ذكره صاحب الهداية. وقال ابن الهمام: غريب (¬3). [34]. ولأن السجود تعلق بالرأس دون العين والحاجب والقلب، فلا ينتقل إليه خلفه وهو الإيماء (واختاره) بعض الحنبلية (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإن لم يقدر على الإيماء براسه أومأ بطرفه أو نوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً. وحكى عن ابى حنيفة أن الصلاة تسقط عنه. وذكر القاضى: أن هذا ظاهر كلام أحمد فى رواية محمد بن يزيد، لما روى عن أبى سعيد الخدرى أنه قيل له فى مرضه: الصلاة. قال: قد كفانى، إنما العمل فى الصحة (8). ولأن الصلاة أفعال عجز عنها بالكلية فسقطت عنه لقول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬4). ¬

(¬1) ص 322 ج 1 كشاف القناع (صلاة أهل الأعذار) وفيه: عن على بن الحسين وهو تحريف، والصواب عن على بن أبى طالب. (¬2) يأتى رقم 238 ج 8 (من أفطر لعذر ومات قبل زواله) .. (¬3) ص 376 ج 1 فتح القدير (صلاة المريض) وص 176 ج 2 نصب الراية. (¬4) ص 786 ج 1 مغنى (الإيماء بالطرف).

(وقال) محمد بن الحسن فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين: إنه لا صلاة عليه. (وقال) علاء الدين الحصكفى: ولو اشتبه على مريض أعداد الركعات والسجدات لنعاس يلحقه، لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين ينبغى أن يجزئه (¬1). (8) تركه القيام للتداوى: ومن كان مريضاً يقدر على القيام أو القعود، فقال له طبيب حاذق مسلم ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداوتك، فله الصلاة مستلقياً عند أبى حنيفة والثورى وأحمد؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جالساً حين جحش شقه (¬2). والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بل تركه للمشقة او وجود الضرر فأشبه المريض، فهو حجة على الجواز، ولأنا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء أو وجده زائداً على ثمن المثل حفظاً لجزء من ماله، وحفظ البدن مقدم على حفظ المال. وقال مالك والأوزاعى: لا يجوز، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال: " لو صبرت سبعة ايام لم تصلّ إلا مستلقياً داويت عينك ورجوت أن تبرأ، فأرسل فى ذلك إلى عائشة وأبى هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل قال له: إن مت فى هذه الأيام ما الذى تصنع بالصلاة؟ فترك معالجة عينه. ذكره ابن قدامة (¬3) (9). (وأجاب) عنه الأولون بأنه إن صح يحتمل أن المخبر لم يخبر عن يقين وإنما قال أرجو، أو أنه لم يقبل خبره لكونه مجهول الحال. ¬

(¬1) ص 562 ج 1 - الدر المختار هامش رد المحتار (صلاة المريض). (¬2) تقدم فى الحديث رقم 112 ص 80 ج 3 (اقتداء قائم بقاعد لعذر). (¬3) ص 784 ج 1 - مغنى (ترك القيام فى الصلاة للتداوى).

المرض والصحة فى اثناء الصلاة: ومن مرض فى أثناء الصلاة أتمها بما قدر، فلو شرع فيها قائماً فعرض له مرض منعه من القيام أتمها قاعداً يركع ويسجد إن قدر، وإلا أتمها مومياً قائماً أو قاعداً إن قدر، وإلا أتمها مضطجعاً أو مستلقياً؛ لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحاً فيبنى عليه كما لو لم يتغير حاله. وهذا مجمع عليه. ولو كان مريضاً فافتتح الصلاة قاعداً بركوع وسجود ثم صح فى أثنائها أتم قائماً عند ابى حنيفة وأبى يوسف والشافعى ومالك والثورى وأحمد لما تقدم أنه يجوز عندهم اقتداء القائم بالقاعد لعذر، فجاز البناء، وشهد له الدليل. (وقال) محمد بن الحسن: يستأنف الصلاة ولا يبنى لما فيه من بناء القوى على الضعيف. ومن افتتحها بإيماء للعجز عن الركوع والسجود ثم قدر عليهما فى أثنائها بنى على ما مضى من صلاته عند الشافعية والمالكية والحنبلية. (وقال) الحنفيون: يستأنف، لما فيه منبناء القوى على الضعيف. وقد تقدم أنه لا يجوز اقتداء الراكع والساجد بالمومى. (10) من صلى جالساً لعذر فله أجر القائم من رحمة الله بعبده المؤمن وإحسانه إليه أنه إذا اعتاد تأدية طاعة من الطاعات فأقعده مانع قهرى من مرض أو سفر أو نوم عن تأديتها على وجهها يعطى ثوابها كاملا. (روى) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد من الناس يصاب ببلاء فى جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدى كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان فى وثاقى. أخرجه أحمد والبزار والطبرانى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما (¬1). [35]. ¬

(¬1) ص 144 ج 5 - الفتح الربانى. وص 303 ج 2 مجمع الزوائد (ما يجرى على المريض) وص 348 ج 1 مستدرك، وذكر الجسد ليس للاحتراز، فإن كل من اعتاد طاعة فمنعه منها أى مانع قهرى لولاه لأداها فله ثوابها كاملا كما تقد فى حديث أبى موسى الأشعرى رقم 167 ص 120 ج 3 (أعذار ترك الجماعة).

(وعن عائشة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة. اخرجه النسائى (¬1). [36]. (وعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج على المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك منأجرهم شيئاً. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند قوى (¬2). [37]. (11) كفارة الصلاة: تقدم أن الصلاة لا تجب عند الحنفيين على مريض عجز عن الإيماء براسه، فغذا مات ولم يقدر على أدائها ولو بالإيماء برأسه لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت، بأن كانت خمس صلوات فأقل (لما تقدم) عن ابن عمر مرفوعاً: يصلى المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه (¬3) (ولعدم) قدرته على القضاء بإدراك زمنه على قول من فسر قبول العذر بجواز التأخير. ومن فسره بالسقوط فظاهر. (ومن مات) وهو يقدر على أدائها ولو بالإيماء ولم يؤدها، يلزمه الإيصاء بكفارتها من ثلث ماله، وعلى من له التصرف فى ماله بوصاية أو وراثة أن يعطى الفقير لكل صلاة نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير او قيمته وهى أفضل، لأنها انفع. ونصف الصاع قدح بالكيل المصرى. والوتر كصلاة عند ابى حنيفة، لأنه فرض ¬

(¬1) ص 255 ج 1 مجتبى (من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم). (¬2) ص 166 ج 5 - الفتح الربانى. وص 262 ج 4 - المنهل العذب (من خرج يريد الصلاة فسبق بها) وص 137 ج 1 مجتبى (حد إدراك الجماعة) (¬3) تقدم رقم 34 ص 37.

عملى عنده خلافاً لبى يوسف ومحمد (وإن لم يوص) لا يلزم الولى الإطعام. وإن تبرع به هو أو غيره صح وله الثواب. ول قضاها ورثته أو غيرهم ولو بإذنه لا تسقط عنه، لأنها عبادة بدنية، ولما يأتى عن ابن عباس قال: لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة. أخرجه النسائي فى الكبير والبيهقى بسند صحيح (¬1) (10). (وقال) ابن عمر: لا يصلين أحد عن أحد، ولا يصومنّ أحد عن أحد، ولكن عن كنت فاعلا تصدقت عنه أو أهديت. أخرجه عبد الرزاق (¬2) (11). (فقد دل) الأثر على أن من مات وعليه صيام يطعم عنه وليه عن كل يوم قدر على قضائه ولم يقضه مداً من حنطة. (وقاس) الحنفيون الصلاة على الصوم، (قال) الطحاوى: اعلم أنه قد ورد النص فى الصوم بإسقاطه بالفدية. واتفقت كلمة المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحساناً، لكونها أهم منه، وإنما الخلاف بينهم فى أن صلاة يوم كصومه، أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد. إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول: إن إسقاط الصلاة لا أصل له (¬3). (وقال) غير الحنفيين: لا كفارة للصلاة إلا قضاؤها. فمن مات وعليه صلوات لا يكفى فى إسقاطها الإطعام (لما تقدم) عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (¬4). ¬

(¬1) ص 463 - نصب الراية. ويأتى ص 407 ج 8 (فدية ما فات من الصوم). (¬2) ص 463 ج 2 - نصب الراية (أحاديث فى عدم إجزاء الصوم عن الغير). (¬3) ص 237 حاشية الطحاوى على مراقى الفلاح (إسقاط الصلاة). (¬4) تقدم رقم 22 ص 26 (ترتيب الفوائت).

(الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة

(فقوله) لا كفارة لها إلا ذلك، أى قضاؤها (صريح) فى أنه لا يكفى فيها الإطعام. فقياسها على الصوم قياس معارض للنص فلا يعول عليه. (قال) الخطابى فى شرح حديث أنس: لا كفارة لها إلا ذلك، يريد انه لا يلزمه فى تركها غرم أو كفارة من صدقة أو نحوها كما تلزمه - فى ترك الصوم فى رمضان من غير عذر- الكفارة، وكما يلزم المحرم- إذا ترك شيئاً من نسكه -كفارة وجبران من دم أو طعام ونحوه. (وفيه) دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يصلى عن أحد كما يحج عنه وكما يؤدى عنه الديون ونحوها. (وفيه) دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره (¬1). (ومنه) تعلم أن من يقول: إن إسقاط الصلاة بالإطعام لا أصل له - عالم لا جاهل- كما زعمه الطحاوى. (الرابع) الأعذار المسقطة للصلاة هى ستة: (1 و 2) الحيض والنفاس، فلا يلزم الحائض والنفساء قضاء صلوات أيام الحيض والنفاس بعد زوالهما لما يأتى عن معاذة العدوية قالت: سألت عائشة: ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك (يعنى دم الحيض) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. أخرجه السبعة والبيهقى (¬2). [38]. وعلى هذا استقر الإجماع. ¬

(¬1) ص 140 ج 1 معالم السنن. (¬2) يأتى رقم 32 من الصيام ص 276 ج 8 (شروط وجوب الصيام).

(3) وتسقط بالردة، فلا يجب على المرتد إذا عاد إلى الإسلام قضاء ما فاته من العبادات زمن ردته عند الجمهور (وقالت) الشافعية: الردة لا تسقط العبادات فيلزمه قضاء ما فاته منها من ردته تغليظاً عليه، كما يلزمه قضاء ما فاته قبل الردة اتفاقاً. وهل يسقط بإسلامه ما فعله من المعاصى قبل الردة؟ الظاهر نعم (لحديث) الإسلام يجبّ ما كان قبله. أخرجه أحمد والطبرانى عن عمرو بن العاص. وابن سعد فى الطبقات عن الزبير وجبير ابن مطعم (¬1). [39]. فإنه بعمومه يشمل إسلام المرتد. (4، 5) وتسقط بالجنون والإغماء، المطبقين أكثر من يوم وليلة عند الحنفيين. فمن جنّ أو أُغمى عليه يوماً وليلة لزمه قضاء ما فاته من الصلوات لعدم الحرج فيه. وإن زاد ما ذكر على يوم وليلة وزمناً يسيراً لا يقضى ما فاته عند أبى حنيفة وأبى يوسف. (وقال محمد) يقضى ما لم يمض وقت صلاة سادسة وهو الأصح، لأن الكثرة إنما تتحقق بالدخول فى حد التكرار، وبه يكون الحرج فى القضاء {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، (ومحله) إن لم يكن متعدياً فى سبب الإغماء وإلا لزمه القضاء. (قال) شيخ زاده: وفى المحيط: لو حصل الإغماء بمعصية كشرب الخمر أكثر من يوم وليلة لا يسقط عنه القضاء اتفاقاً. ولو حصل بالبنج قال محمد: يسقط. وقال الإمام: لا يسقط (¬2). (أما) من كان جنونه أو إغماؤه غير مطبق بأن افاق إفاقة منتظمة فى وقت معلوم كوقت الصبح (فإنه) يلزمه القضاء. وإذا طرأ عذر مسقط للصلاة ولم يبق من الوقت إلا ما يسع التحريمة، فلا يجب قضاء تلك الصلاة بعد زوال ¬

(¬1) ص 204 ج 4 مسند أحمد. وانظر رقم 336 ص 127 ج 1 - كشف الخفاء. (¬2) ص 151 ج 1 - مجمع الأنهر (صلاة المريض).

العذر. أما إن زال وقد بقى من الوقت ما يسع التحريمة، فإنه يجب قضاء ذلك الفرض، غير أنه يشترط لذلك فى حق الحائض والنفساء أن يكون الانقطاع لأكثر مدة الحيض والنفاس. أما إن انقطع لأقل من ذلك فلا يلزمهما القضاء إلا إذا بقى من الوقت ما يسع الغسل والتحريمة. (وقالت الشافعية) إن استمر الجنون أو الإغماء أو السكر بلا تعد وقتاً كاملا سقطت الصلاة، وإن كان ما ذكر بتعد لا تسقط، وإذا طرأ الجنون ونحوه كالحيض بعد أن مضى من الوقت ما يسع الصلاة وطهرها الفرض يجب قضاء الصلاة، وإن ارتفع العذر وقد بقى منالوقت قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء هذه الصلاة، وما قبلها إن كانت تجمع معها كالظهر مع العصر بشرط أن يستمر ارتفاع العذر زمناً يسع الطهر والصلاتين والصلاة المؤداة وطهرها. (وقالت الحنبلية) الجنون عذر مسقط دون الإغماء، فإن استمر الجنون وقتاً كاملا لا يجب قضاء الصلاة، أما من استتر عقله بإغماء أو مرض غير الجنون أو دواء ولو مباحاً، فإنه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة مطلقاً. (وإذا) طرأ العذر بعد أن مضى من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة بعد زوال العذر، وكذا إن ارتفع وقدبقى من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، فإنه يجب عليه قضاء تلك الصلاة والتى تجمع معها كالظهر مع العصر. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ومن أدرك من أول وقت مكتوبة قدر تكبيرة ثم طرأ عليه مانع من جنون أو حيض أو نفاس ثم زال المانع بعد خروج وقتها، لزمه قضاؤها. وإن بقى قدر التكبيرة من آخر الوقت ثم زال المانع ووجد المقتضى للوجوب ببلوغ صبى أو إفاقة مجنون أو إسلام كافر أو طهر حائض أو نفساء، وجب قضاؤها وقضاء ما تجمع إليها قبلها. فإن كان زوال المانع أو طرو التكليف قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح

فقط، لأن التى قبلها لا تجمع إليها، وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزم قضاء المغرب والعشاء (لما روى) الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا فى الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلى المغرب والعشاء (12). فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً، لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها كما يلزم فرض الثانية، وإنما تعلق الوجوب بقدر تكبيرة، لأنه إدراك فاستوى فيه القليل للمسبوق، لأن الجماعة شرط لصحتها فاعتبر إدراك الركعة لئلا يفوته الشرط فى معظمها (¬1). (6) ومما يسقط الصلاة عند المالكية السكر بالحلال، كأن شرب لبناً حامضاً ظاناً أنه لا يسكر فسكر منه. (وللعذر) أربع حالات: (الأولى) أن يستغرق العذر كل وقت الصلاة الاختيارى والضرورى، كأن يحصل الإغماء مثلا من الزوال إلى الغروب، وحينئذ تسقط الصلاة ولا يجب قضاؤها بعد الإقامة. (الثانى) أن يطرأ العذر وقد بقى من الوقت ما يسع الصلاتين المشتركتين فيه (¬2) فيسقطان العذر. (الثالثة) أن يطرأ وقد بقى من الوقت ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو جزءاً منها، فتسقط ويلزمه قضاء الأولى. (الرابعة) أن يرتفع العذر وقد بقى من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة بعد الطهارة، فتجب وإلا فلا. ¬

(¬1) ص 178 ج 1 - كشاف القناع (ما يدرك به أداء الصلاة) .. (¬2) الوقت الذى يسعهما هو ما يسع خمس ركعات حضراً وثلاثاً سفراً بالنسبة للظهر والعصر، وما يسع أربع ركعات حضراً وسفراً بالنسبة للمغرب والعشاء.

(الخامس) صلاة المسافر

(الخامس) صلاة المسافر السفر لغة: قطع المسافة مطلقاً. وشرعاً: قطع مسافة تتغير بها الأحكام من قصر الصلاة، وإباحة الفطر فى رمضان، وامتداد مدة المسح على الخفين، وسقوط الجمعة والعيدين والأضحية، وحرمة الخروج على المرأة الحرة بلا محرم أو زوج. والكلام هنا ينحصر فى ثلاثة عشر فرعاً: (1) مسافة السفر: المسافة التى تقصر فيها الصلاة عند الحنفيين ثلاثة أيام أو ليال من أقصر ايام السنة بالسير الوسط، وهو سير الإبل ومشى الأقدام فى السهل، ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل بل إلى الزوال لأنه أكثر النهار الشرعى الذى هو من الفجر إلى الغروب. والمدة من الفجر إلى الزوال فى أقصر ايام السنة فى القطر المصرى سبع ساعات إلا ثلثاً. فزمن السير فى الثلاثة الأيام عشرون ساعة. وأصل تقدير المدة بما ذكر حديث خزيمة بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة " أخرجه أحمد وابو داود والبيهقى والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [40]. قالوا فى الحديث إشارة إلى أن السفر التام الذى تتغير به الأحكام - لكونه مظنة المشقة المقتضية للتخفيف- هو الثلاثة والأخذ بها هو الأحوط. وقد اتبر الشرع هذا العدد فى أحكام كثيرة. (هذا) ويعتبر فى كل شئ السير المعتاد فيه مع الاستراحة المعتادة حتى لو ركب قطاراً أو طائرة فقطع مسيرة الثلاثة الأيام فى زمن يسير، قصر الصلاة. ¬

(¬1) ص 66 ج 2 الفتح الربانى. ولفظه: يمسح المسافر. وص 125 ج 2 المنهل العذب (التوقيت فى المسح) وص 276 ج 1 سنن البيهقى. وص 97 ج 1 تحفة الأحوذى (المسح) (على الخفين للمسافر والمقيم).

(ولو) كان لموضع طريقان أحدهما يقطع فى مدة سفر والآخر فى أقل، فإن سلك الأول قصر، وإن سلك الثانى لا يقصر. ولا عبرة عندهم بالفراسخ على الصحيح (¬1)، لأن الطريق لو كان وعراً بحيث يقطع فى ثلاثة أيام اقل من خمسة عشر فرسخاً، قصر بالنص، وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة. (وقالت) الشافعية والمالكية والحنبلية والليث وإسحاق والجمهور: مسافة القصر مرحلتان وهى أربعة برد. والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، لما روى عطاء بن أبى رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران فى أربعة برد فما فوق ذلك. أخرجه البيهقى بسند صحيح وعلقه البخارى (¬2) (13). (ولقول) عطاء بن أبى رباح: قلت لابن عباس: اقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، وإن قدمت إلى أهل أو ماشية فأتم. أخرجه الشافعى والبيهقى بسند صحيح (¬3) (14). ¬

(¬1) الفرسخ ثلاثة أميال. والميل أربعة آلاف ذراع فلكى. وهو ثلاثة أثمان وستة واربعون سنتيمتراً. فيكون الميل 1855 خمساً وخمسين وثمانمائة وألف متر. والفرسخ 5565 خمسة وستين وخمسمائة وخمسة آلاف من الأمتار. والخمسة عشر فرسخاً 83475 خمسة وسبعين وأربعمائة وثلاثة وثمانين ألفاً من الأمتار، أى نحو نصف كيلو وثلاثة وثمانين كيلو متراً. (¬2) ص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى تقص 2 ر فى مثله الصلاة) وص 383 ج 2 فتح البارى (فى كم يقصر الصلاة) و (برد) بضمتين: جمع بريد. فتكون المسافة بالميل ثمانية وأربعين ميلا، وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً. (¬3) ص 115 ج 1 بدائع المنن. وص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة) و (جدة) بضم فشد: ثغر مكة على ساحل البحر الأحمر، و (عسفان) كعثمان: موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل من مكة.

(وقال) ابن عباس: تقصر الصلاة إلى عسفان والطائف وإلى جدة. وهذا كله من مكة على أربعة برد ونحو من ذلك. أخرجه الشافعى (¬1) (15) مسيرة يومين معتدلين أو يوم وليلة يسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد من سير وحط وترحال وأكل وشرب وصلاة معتبرة. (وأما حديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان. أخرجه الطبرانى فى الكبير والدار قطنى والبيهقى (فلا يحتج به) لأن فى سنده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير وهو متروك، وقد نسبه النووى إلى الكذب، وقال البيهقى: هذا حديث ضعيف فى سنده إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أنه منقول ابن عباس (¬2). [41]. (وقالت) الظاهرية: اقل مسافة القصر ثلاثة أميال (لقول) يحيي ابن يزيد الهنائى: سألت انس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال او فراسخ يصلى ركعتين. اخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬3). [42] ¬

(¬1) ص 115 ج 3 بدائع المنن. (¬2) (ما تقصر فيه الصلاة) وص 148 سنن الدارقطنى. وص 137 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة). (¬3) ص 103 ج 5 الفتح الربانى. وص 200 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين وقصرها) وص 52 ج 7 - المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟ ) و (الهنائى) بضم الهاء وتخفيف النون نسبة إلى هناءة بن عمرو بن مالك بطن من الأسد.

قال الحافظ: وهو أصح حديث ورد فى بيان ذلك (¬1) وأصرحه. وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التى يبتدأ منها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، مع أن البيهقى ذكر فى روايته أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعنى من البصرة - فأصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع. فقال أنس .. فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر فى السفر لا عن الموضع الذى يبتدأ القصر منه. ورده القرطبى بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به، فإن كان المراد به أنه لا يحتج به فى التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا يمتنع ان يحتج به فى التحديد بثلاثة فراسخ. فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطاً (¬2). (لكن) قال أبو سعيد الخدرى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً يقصر الصلاة. أخرجه سعيد بن منصور. وذكره الحافظ فى التلخيص ولم يتكلم عليه (¬3). [43]. فإن صح كان الفرسخ هو المتيقن ولا يقصر فيما دونه إلا إذا كان يسمى سفراً لغة أو شرعاً. (وقال) ابن حزم: اقل مسافة القصر ميل لإطلاق السفر فى قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} (¬4)، قال: فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون سفراً من سفر. واحتج على ترك القصر فيما دون الميل بأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر. ¬

(¬1) ولا وجه لمن قال إن يحيى بن يزيد لا يوثق به فى الضبط، فقد قال البخارى وغيره: إنه سمع منأنس بن مالك ولم يطعنوا فيه. (¬2) ص 384 ج 2 فتح البارى (فى كم تقصر الصلاة؟ ). (¬3) انظر هامش 2 ص 454 ج 4 شرح المهذب .. (¬4) سورة النساء: 101، والضرب فى الأرض السفر.

(ورده) الجمهور بأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم القصر صريحاً فى اقل من مرحلتين أو فرسخ، فهو مقيد لإطلاق الآية والأحاديث. (وعلى الجملة) فلم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد مسافة القصر. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: قال المصنف (يعنى الإمام أبا القاسم الخرقى): ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روى عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا. ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن فى قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذى ذكروه لوجهين: (أحدهما) أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التى رويناها، ولظاهر القرآن، لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب فى الأرض، لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ}. وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أُمية (¬1) فبقى ظاهر الآية متناولا كل ضرب فى الأرض. (وقول) النبى صلى الله عليه وسلم: يمسح المسافر ثلاثة ايام (¬2) (جاء) لبيان مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به ههنا، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة فى ثلاثة ايام، وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم سفراً فقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم (¬3). ¬

(¬1) سورة يأتى رقم 48 ص 52 (قصر الصلاة فى السفر). (¬2) هذا لفظ أحمد. وهو بعض حديث خزيمة بن ثابت المتقدم رقم 40 ص 46. (¬3) يأتى رقم 45 ص 51.

(والثانى) أنالتقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأى مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه. والحجة مع منأباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه (¬1). (ويؤيده) أن الأحاديث وردت مصرحة بالسفر مطلقاً، وبالسفر يوماً وليلة ويومين وثلاثة ايام فصاعداً، وأن كل ذلك يسمى سفراً , (روى) ابن عباس أن النبى صلى الله عليهوسلم قال: لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم (الحديث) أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان (¬2). [44] (وعن أبى هريرة) أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم. أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (¬3). [45]. (وعن أبى سعيد) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها. أخرجه البخارى (¬4). [46]. (وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم. اخرجه أحمد ومسلم. وهذا لفظه (¬5). [47]. ¬

(¬1) ص 94 ج 2 مغنى (نفى تحديد مسافة القصر). (¬2) يأتى رقم 48 ص 31 ج 9 (إرشاد الناسك). (¬3) ص 291 ج 1 بدائع المنن. وص 86 ج 5 - الفتح الربانى. وص 107 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) وص 261 ج 10 - المنهل العذب (المرأة تحج بغير محرم) وص 110 ج 2 سنن ابن ماجه (المرأة تحج بغير ولى). (¬4) ص 55 ج 4 فتح البارى (حج النساء). (¬5) ص 86 ج 5 الفتح الربانى وص 102 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم) ..

وسيأتى الجمع بين هذه الروايات ومزيد كلام عليها فى بحث (سفر المرأة) إن شاء الله تعالى. (2) قصر الصلاة فى السفر: هو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1)، والتقييد بالخوف ليس للاحتراز. قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، وقد أمن الناس. فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (¬2). [48]. (وقد) تواترت الأخبار على القصر فى السفر (قال) يحيى بن أبى إسحاق: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: سافرنا مع النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى بنا ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والبيهقى (¬3). [49]. ¬

(¬1) سورة النساء: 101. (¬2) ص 131 ج 1 بدائع المنن. وص 94 ج 5 الفتح الربانى: وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة فى السفر). وص 196 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 111 ج 1 تيسير الوصول (سورة النساء). وص 170 ج 1 سنن ابن ماجه (تقصير الصلاة فى السفر). (¬3) ص 104 ج 5 الفتح الربانى. وص 380 ج 2 فتح البارى (ما جاء فى التقصير). وص 201، 202 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) وص 212 ج 1 مجتبى (المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 136 ج 3 سنن البيهقى (السفر الذى تقصر فى مثله الصلاة) وعند غير أحمد: خرجنا مع النبى.

(وعن ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة لا يخاف إلا الله عز وجل فصلى ركعتين حتى رجع. أخرجه الشافعة وأحمد والنسائى والبيهقى (¬1). [50]. (وقال) ابن عمر: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ست سنين بمنى، فصلوا صلاة المسافر. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬2). [51]. (وعلى هذا) أجمع العلماء. واختلفوا فى حكم القصر (قال) الحنفيون وعمر وعلى وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر: فرض المسافر فى الرباعية ركعتان. فالقصر واجب، لأن الصلاة فرضت أولا ركعتين فزيدت فى الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر. أخرجه الأئمة والشيخان والنسائي وأبو داود (¬3). [52]. (والزيادة) فى غير الصبح والمغرب (لقول) عائشة: قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع ¬

(¬1) ص 114 ج 1 بدائع المنن. وص 101 ج 5 الفتح الربانى. وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة) وص 135 ج 3 سننالبيهقى (رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية .. ). (¬2) ص 102 ج 5 الفتح الربانى. وص 203 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). ولفظه: صلى النبى .. ثمانى سنين أو ست سنين. وص 212 ج 1 مجتبى (الصلاة بمنى) ولم يذكر المدة. (¬3) ص 265 ج 3 زرقانى الموطأ (قصر الصلاة فى السفر) وص 112 ج 1 بدائع المنن. وص 92 ج 5 الفتح الربانى. وص 386 ج 2 فتح البارى (يقصر إذا خرج من موضعه) ولفظهما: أول ما فرضت الصلاة. وص 194 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 47 ج 7 المنهل العذب.

كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى. أخرجه أحمد والبيهقى بسند رجاله ثقات (¬1). [53]. (وقال) عمر بن الخطاب: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. اخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان بسند رجاله ثقات (¬2). [54] (وعليه) فالقصر عزيمة لا رخصة، فإن صلى الفرض الرباعى أربعاً وقعد فى الثانية قدر التشهد صحت صلاته مع الكراهة التحريمية عند الحنفيين لتأخيره السلام، وما زاد على الركعتين نفل، وإن لم يقعد فى الثانية لا يصح فرضه، لأنه خلط النفل بالفرض قبل إكماله وينقلب الكل نفلا. (وقالت) المالكية: القصر سنة مؤكدة آكد من الجماعة، فإذا لم يجد المسافر مسافراً يقتدى به، صلى منفرداً حرصاً على القصر، ويكره اقتداؤه بالمقيم كما تقدم بيانه فى بحث " اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه " (¬3). (وقالت) الحنبلية: القصر جائز وهو أفضل من الإتمام. وكذا قالت الشافعية: إن بلغ السفر أقل من مسافة قصر ولم يختلف فى جواز قصره، ف، كان السفر اقل من مسافة القصر أو كان المسافر ملاحاً وهو من له دخل فى ¬

(¬1) ص 92 ج 5 الفتح الربانى. وص 145 ج 3 سنن البيهقى (إتمام المغرب فى السفر). و (زاد) أى بوحى ففى رواية لأحمد والشيخين: ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء. و (صلى الصلاة الأولى) أى صلاها مقصورة كما فرضت أولا. (¬2) ص 93 ج 5 الفتحالربانى، وص 211 ج 1 مجتبى (تقصير الصلاة). وص 170 ج 1 سنن ابن ماجه. (¬3) تقدم ص 75 ج 3 ..

تسيير السفينة فإن الإتمام له أفضل، لأن الإمام أحمد يقول: لا يباح القصر لملاح ليس له بيت سوى سفينته فيها أهله وحاجته. (ويجب) القصر إذا لم يبق من الوقت فى السفر إلا ما يسعها مقصورة. (فالقصر) فى غير هذه رخصة عند الشافعى وأحمد لا عزيمة، وهو مشهور مذهب مالك. وبه قال عثمان وسعد بن أبى وقاص وأكثر العلماء، مستدلين: (أ) بقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1)، لأن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح. (ب) وبحديث عائشة: أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت، فقال: أحسنت يا عائشة وما عاب علىّ. أخرجه النسائى والدار قطنى والبيهقى وقالا إسناده حسن (¬2). [55]. (حـ) وبقول ابن عمر: صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وابو بكر بعده وعمر بعد أبى بكر وعثمان صدراً من خلافته. ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً. فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين. أخرجه مسلم والطحاوى (¬3). [56]. (فلو كان) القصر عزيمة ما تركه عثمان ولما وافقه الصحابة على تركه. (وأجاب) الأولون: (أ) عن الآية (أولا) بأنها وردت فى قصر الصفة فى صلاة الخوف ¬

(¬1) سورة النساء: 101 .. (¬2) ص 213 ج 1 مجتبى (المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 242 سنن الدارقطنى. وص 142 ج 3 سنن البيهقى (من ترك القصر فى السفر غير رغبة عن السنة) .. (¬3) ص 203 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) وص 242 ج 1 شرح معانى الآثار.

لا فى قصر العدد (قال) ابن القيم: عمر هو الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (¬1)، ولا تناقض بين حديثيه، فإن النبى صلى الله عليه وسلم (لما أجابه) بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح (علم) عمر أنه ليس المراد منالآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس، فقال (أى عمر): صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر. وعلى هذا فلا دلالة فى الآية على أن قصر العدد مباح منفى عنه الجناح، فإن شاء المصلى فعله وإن شاء اتم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فى أسفاره على ركعتين ركعتين، لم يربع قط إلا شيئاً فعله فى بعض صلاة الخوف (¬2). (ثانياً) أن قول من يرى أن القصر رخصة: إن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح (أجاب) عنه الطحاوى بأنه قد يكون كذلك وقد يكون على غير ذلك، قال الله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (¬3). وهذا واجب عند جميع العلماء لأنه ليس لأحد حج أو اعتمر ألا يطوف بهما، فلما كان نفى الجناح قد يكون على التخيير وقد يكون على الإيجاب، لم يكن لأحد أن يحمله على أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليل يدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع (¬4). (ب) وعن حديث عائشة (¬5) بأنه ضعيف عند أكثر الحفاظ (قال) الحافظ فى التلخيص: واختلف قول الدار قطنى فيه. فقال فى السنن: إسناده ¬

(¬1) تقدم رقم 48 ص 52. (¬2) ص 129 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى سفره) ز" ولا تناقض بين حديثيه" أى حديث عمر هذا، وهو قوله: ما بالنا نقصر وقد أمنا ... إلخ. وقوله السابق: صلاة السفر ركعتان ... إلخ. (¬3) سورة البقرة: أية 158 وصدرها: " إن الصفا ... ". (¬4) ص 242 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة المسافر). (¬5) تقدم رقم 55 ص 55.

حسن. وقال فى العلل: المرسل أشبه (¬1)، فلو كان صحيحاً لكان حجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: أحسنت. ولكنه مطعون فيه فلا يصلح للاحتجاج به لا سيما وقد عارضه ما فى الصحيحين وغيرهما من الأحاديث الدالة على أن القصر عزيمة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن تصلى بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة، وهى تشاهدهم يقصرون ثم تتم وحدها بلا موجب، كيف وهى القائلة: فرضت الصلاة ركعتين فى الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر (¬2)، فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال الزهرى لعروة لما حدثه عن أبيه عنها بذلك: فما شأنها كانت تتم الصلاة؟ فقال: تأولت كما تأول عثمان، فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه، فما للتأويل حينئذ وجه، ولا يصح ان يضاف إتمامها إلى التأويل مع هذا التقدير. قاله ابن القيم (¬3). (جـ) وعن إتمام عثمان بمنى بأن كثيراً من الصحابة أنكروا عليه ذلك وتأولوا له تأويلات، أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى. والمسافر إذا أقام بموضع وتزوج به أو كان له به زوجة أتم (روى) عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبى ذباب عن أبيه ان عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات فأنكره الناس عليه، فقال: يا أيها الناس إنى تأهلت بمكة منذ قدمت، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم. أخرجه أحمد وابن أبى شيبة (¬4). [57]. ¬

(¬1) انظر هامش 1 ص 430 ج 4 شرح المهذب (القصر). (¬2) تقدم رقم 52 ص 53. (¬3) ص 130 ج 1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر) .. (¬4) ص 115 ج 5 الفتح الربانى. وص 156 ج 2 مجمع الزوائد (من سافر فتأهل فى بلد).

(قال) الشوكانى: وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بوجوب القصر، وأما دعوى أن التمام افضل فمدفوعه بملازمته صلى الله عليه وسلم القصر فى جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه كما تقدم، ويبعد أن يلازم صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل (¬1). (3) أقسام السفر: السفر ثلاثة أقسام: سفر طاعة كالحج والجهاد، وسفر مباح كالتجارة، وسفر معصية كقطع الطريق. وفى الكل تصلى الرباعية ركعتين. والعاصى بالسفر او فيه والمطيع سواء فى الأحكام من قصر وغيره عند من قال إن القصر عزيمة، لإطلاق الأدلة السابقة. (وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية وأكثر العلماء: لا يجوز القصر فى سفر معصية، لأن القصر رخصة والعاصى ليس من أهلها (قال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: والنصوص وردت فى حق الصحابة رضى الله عنهم وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم فيمن سفره مخالف لسفرهم، ويتعين حمله على ذلك، جمعاً بين النصين. وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما (¬2). (وقال) ابن رشد: اختلف العلماء فى نوع السفر الذى تقصر فيه الصلاة، فرأى بعضهم أن ذلك مقصور على السفر المتقرب به كالحج والعمرة والجهاد. وممن قال بهذا أحمد (ومنهم) من أجازه فى كل سفر، قربة كان أو مباحاً أو معصية. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثورى. والسبب فى اختلافهم معارضة المعنى المعقول أو ظاهر اللفظ لدليل الفعل، وذلك أن من اعتبر المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر ¬

(¬1) ص 248 ج 3 نيل الأوطار (اختيار القصر وجواز الإتمام). (¬2) ص 101 ج 2 مغنى (منع القصر فى سفر المعصية).

وسفر. وأما من اعتبر الفعل فقال: إنه لا يجوز إلا فى السفر المتقرب به، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصر قط إلا فى سفر متقرب به. وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ. والأصل فيه: هل تجوز الرخص للعصاة أولا؟ وهذه مسألة عارض فيها اللفظ المعنى فاختلف الناس فيها لذلك (¬1). ولذا قال الحنفيون: يجب القصر فى كل سفر ولو محرماً. (وقالت) المالكية: يسن القصر فى السفر المباح، ويكره فى المكروه، ويحرم فى المحرم. (وقالت) الشافعية: يحرم القصر فى السفر الحرام، ويجوز فى السفر المكروه. (وقالت) الحنبلية: يحرم القصر فى السفر المحرم، ويكره فى المكروه، ولا تنعقد الصلاة فيهما. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يترخص فى سفر معصية بقصر ولا فطر ولا أكل ميتة، لأنها رخص، والرخص لا تناط بالمعاصى، فإن خاف المسافر سفر معصية على نفسه، لإن لم يأكل الميتة، قيل له تب وكل لتمكنه من التوبة كل وقت. ولا يترخص فى سفر مكروه كالسفر لفعل مكروه للنهى عنه. ويترخص إن قصد مشهداً أو قصد مسجداً ولو غير المساجد الثلاثة، أو قصد قبر نبى أو غيره كولى. وحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (¬2)، أى لا يطلب ذلك، فليس نهياً (¬3) عن شدها لغيرها خلافاً لبعضهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأتى قباء راكباً وماشياً، ويزور ¬

(¬1) ص 132 ج 1 بداية المجتهد (القصر). (¬2) (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) صدر حديث تقدم رقم 348 ص 240 ج 3 (افضل المساجد). (¬3) (لا يطلب ذلك) أى الشد لغير المساجد الثلاثة (فليس نهياً .. إلخ) فيه أنه وإن لم يكن نهياً لفظاً فهو نفى أريد به النهى (قال) القاضى عياض والقاضى حسين: النهى للتحريم فيحرم شد الرحال لغيرها، ولا ينافيه إتيانه صلى الله عليه وسلم مسجد قباء راكباً، إما لأن النهى خاص بغير النبى صلى الله عليه وسلم، وإما لأنه إذا ورد نهى عام، وفعل صلى الله عليه وسلم فرداً منأفراد ذلك المنهى عنه، دل على أنه خارج عن ذلك المنهى فهو كالمخصص له. وأما زيارة القبور الزيارة الشرعية فالسنة الصحيحة آمرة بها، فهى إذن خارجة من حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.

القبور، وقال: زرزرها فإنها تذكركم الآخرة. ويقصر من ابتدأ سفراً جائزاً ولو عصى فى سفره، كأن شرب فيه مسكراً أو زنى أو قذف أو اغتاب، لنه لم يقصد السفر لذلك (¬1). (4) شروط القصر: لا يصح للمسافر قصر الرباعية إلا بشروط سبعة ذكرها الفقهاء: (1) أن يكون السفر مسافة قصر على ما تقدم بيانه، ولا يضر نقصانها نحو ميل أو ميلين عند غير المالكية (وقالت): لا يضر نقصانها نحو ثمانية أميال. واستثنوا من اشتراط المسافة اهل مكة ومنى ومزدلفة إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة، فإنه يسن لهم القصر ذهاباً وإياباً إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم، وإلا أتموا. وقد تقدم أنه لا دليل صريح صحيح فى تحديد المسافة. (2 و 3) ويشترط كون المسافر مستقلا قاصداً قطع مسافة القصر، فلا يقصر التابع كالمرأة مع زوجها إذا أوفاها معجل صداقها، والجندى مع أميره إذا كان يرتزق منه أو من بيت المال إلا إذا نوى المتبوع السفر وعلم التابع فيكون تبعاً له فى القصر، ومن خرج هائماً لا يدرى اين يتوجه لا يقصر، لأنه لو طاف الدنيا بلا قصد قطع المسافة لا يقصر، أما فى الرجوع فإن كان بينه وبين وطنه مسافة قصر قصر وإلا فلا. (4) ويشترط كون المسافر بالغاً، فلا يقصر الصبى عند الحنفيين. وقال غيرهم: لا يشترط البلوغ، فلو نوى الصبى مسافة القصر قصر. وهذا هو الظاهر. (5) ويشترط فيه القصر فى كل رباعية عند الشافعية والحنبلية. ¬

(¬1) ص 130 ج 1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر) ..

(وقالت) المالكية: تكفى نية القصر فى أول صلاة يقصرها ولا يلزم تجديدها فيما بعد. (وقال) الحنفيون: متى نوى السفر كان فرضه فى الرباعية ركعتين فلا يلزمه نية القصر، لأنه لا يلزم فى النية تعيين عدد الركعات كما تقدم فى بحث " النية" من أركان الصلاة. (6) ويشترط للقصر عدم الاقتداء بمقيم أو مسافر يتم الصلاة، فإن اقتدى المسافر بمن ذكر لزمه الإتمام على ما تقدم بيانه فى بحث" اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه". (7) ويشترط- عند الأربعة وإسحاق - مجاوزته محل إقامته من الجانب الذى خرج منه، فلا يقصر قبل أن يفارق بيوت القرية أو المصر من الجانب الذى خرج منه حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر وقد كانت متصلة به، لا يقصر ما لم يجاوزها. ولو جاوز للعمران من جهة خروجه وكان بحذائه أبنية من الجانب الآخر يقصر، غذ المعتبر جانب خروجه. ويدخل فى محل الإقامة ربضه (وهو ما حوله من المساكن) وكذا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر، بخلاف المتصلة بفنائه، فإنه لا يشترط مجاوزتها على الصحيح. أما فناء المصر أو القرية فإن كان بينه وبينها أقل من غلوة (¬1). (ودليل) هذا قول أنس: صليت الظهر مع النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً والعصر بذى الحليفة ركعتين. أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (¬2). [58] ¬

(¬1) الغلوة: كشهوة: ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، أى تسعة وثلاثون ومائة متر إلى ستة وثمانين ومائة متر. (¬2) ص 116 ج 1 بدائع المنن. وص 102 ج 5 الفتح الربانى. وصدره: صلى بنا رسول الله. وص 386 ج 2 فتح البارى (يقصر إذا خرج من موضعه) وص 199 و 200 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). وص 156 ج 7 المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟ ) وص 145 ج 3 سنن البيهقى.

وقول على بن ربيعة: خرجنا مع على بن أبى طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت. أخرجه الحاكم والبيهقى، وذكره البخارى معلقاً، قال: وخرج على رضى الله عنه فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة؟ قال: حتى ندخلها (¬1). (16). (قال الحافظ): ومناسبة أثر على لحديث أنس أن اثر على دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى نزل ذا الخليفة، إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة. واستدل به على أن من اراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد (¬2). وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال لظاهر ما تقدم من قول أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ يصلى ركعتين (¬3). قالوا: المراد به بيان المسافة التى يبتدئ منها القصر ولا يخفى بعده كما تقدم فى بحث (مسافة القصر). (قال) ابن المنذر: ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة (¬4). (5) مدة القصر: هى مدة السفر فيستمر المسافر يقصر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوى الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضوع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثورى والمزنى والليث بن سعد (لقول) ابن عباس وابن عمر: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفى نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها، ¬

(¬1) ص 385 ج 2 فتح البارى وراية الحاكم بالشرح والتعليق بالمصنف ص 145 ج 3 سنن البيهقى. (¬2) ص 385 ج 2 فتح البارى. الشرح. (¬3) تقدم رقم 42 ص 48. (¬4) ص 385 ج 2 فتح البارى.

وإن كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها. أخرجه الطحاوى (¬1). (17). وأخرج نحوه- عن ابن عمر- محمد بن الحسن فى الآثار (¬2). (وروى) أبو حنيفة عن حماد أن إبراهيم قال: إذا خرجت من البيوت فصل ركعتين، وإذا قدمت البلد الذى تريد فصل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬3). (18). والموقوف فى هذا كالمرفوع، إذ لا مدخل للرأي فى التقديرات الشرعية (فإن نوى) إقامة أقل من خمسة عشر يوماً أو نوى إقامتها بموضعين كبنها وطنطا لا يصير مقيماً إلا أن يبيت بأحدهما، لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته. (وقال) الشافعى وأبو ثور: إن المسافر إذا نوى إقامة اقل من أربعة أيام قصر، وإن نوى الإقامة أربعة ايام سوى يومى الدخول والخروج أتم. وهى رواية عن أحمد (روى) مالك عن عطاء الخرسانى أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليالى وهو مسافر أتم الصلاة. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلىّ (¬4). (19). (وبه قالت) المالكية، غير أنهم اعتبروا نية إقامة أربعة ايام صحاح (ومشهور) مذهب احمد انه إذا عزم المسافر على إقامة ثنتين وعشرين صلاة فأكثر يتم، وإن نوى اقل من ذلك قصر (لحديث) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة الرابع من ذى الحجة فأقام الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح فى اليوم الثامن ثم خرج إلى منى. ذكره فى منتقى الأخبار وقال: ومعنى ذلك فى الصحيحين (¬5). [59]. ¬

(¬1) ص 398 ج 1 فتح القدير لابن الهمام (صلاة المسافر 9 وإنى لم أجد هذا الأثر فى شرح معانى الآثار (¬2) ص 398 ج 1 فتح القدير. (¬3) انظر رقم 371 ص 75 .. (¬4) ص 268 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة المسافر إذا أجمع - عزم ونوى مكثاً) .. (¬5) ص 255 ج 3 نيل الأوطار (من دخل بلداً فنوى الإقامة فيه أربعاً يقصر).

(قال) الحافظ: وتكون مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام سواء، لأنه خرج منها فى اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى. ومن ثم قال الشافعي: إن المسافر إذا أقام ببلد قصر أربعة أيام. وقال أحمد: يقصر إحدى وعشرين صلاة (¬1) أى لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة من صبح رابع ذى الحجة إلى صبح الثامن. (وأجاب) الأولون: (أ) بأن سعيد بن المسيب تابعي فلا يعارض قوله قول الصحابي كابن عمر وابن عباس. (ب) وبأن قصره صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين صلاة بمكة حجة على من قدر المدة بأقل من ذلك، لا على من قدر بأكثر، لأنه مسكوت عنه. فالراجح ما قاله الحنفيون ومن وافقهم. وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته، فإنه يقصر مدة انتظاره قضاء حاجته، ولو بقى على ذلك سنين عند الحنفيين ومالك وأحمد. وروى عن الشافعي، لأن الأصل فى حقه السفر. (روى) يحيى بن أبى إسحاق عن أنس قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلى ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً. أخرجه الستة وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2). [60]. ¬

(¬1) ص 38 ج 20 فتح البارى الشرح (كم يقيم حتى يقصر). (¬2) ص 380 منه (البخارى) وص 202 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) الصلاة فى السفر وص 384 ج 1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة؟ ) وص 172 ج 1 سنن ابن ماجه (كم يقصر الصلاة المسافر؟ ).

(وقال) عمران بن حصين: ما سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع، وشهدت معه حنيناً والطائف فكان يصلى ركعتين. ثم حججت معه واعتمرت، فصلى ركعتين. ثم قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع ابى بكر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين، ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلى ركعتين، ثم إن عثمان أتم بمنى. أخرجه أبو داود الطيالسى والبيهقى (¬1). [61]. (وقال) جابر: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقى وقال: تفرد معمر بروايته سنداً (¬2). [62]. (ومشهور) مذهب الشافعية أن من أقام ببلد ينتظر قضاء حاجة يقصر الصلاة إلى ثمانية عشر يوماً (لما تقدم) عن عمران بن حصين قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر. أخرجه الشافعي مطولا وأبو داود (¬3). [63]. (وعن) ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة. قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام ¬

(¬1) ص 115 مسند الطيالسى. وص 135 ج 3 سنن البيهقى (رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية). و (سفر) بفتح فسكون، أى مسافرون. (¬2) ص 111 ج 5 الفتح الربانى. وص 96 ج 7 المنهل العذب (إذا اقام بأرض العدو يقصر) وص 152 ج 3 سنن البيهقى (من قال يقصر ابداً ما لم يجمع مكثاً) وتبوك بفتح فضم: موضع بين المدينة والشام، وبه كان آخر غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم، جاءها وهم ينزحون ماءها بقدح فقال: ما زلتم تبكونها (بشد الكاف، أى تزحمون عليها) وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهلها على الجزية. (¬3) ص 113 ج 1 بدائع المنن. وتقدم رقم 105 ص 74 ج 3 (علم المأموم بحال إمامه).

أكثر أتم. أخرجه أبو داود، وابن حبان بسند على شرط البخاري (¬1). [64]. (وأجاب) الأولون: (أ) بأنه ليس فى حديث عمران بن حصين ما يدل على نفى القصر فى الزيادة، كيف وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر. (ب) وبأن اختيار ابن عباس قد عارضه اختيار غيره من الصحابة ومن بعدهم. وقد ذكر الترمذى خلاف العلماء فى هذا وقال: ثم أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون (¬2). (وقال) أنس: إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة اشهر يقصرون الصلاة. أخرجه البيهقى بسند صحيح فيه عكرمة بن عمار احتج به مسلم (¬3) (20). (6) ما يوجب إتمام الصلاة: يجب على المسافر إتمام الصلاة بواحد من أربعة: (الأول) أن ينوى الإقامة بموضع صالح إقامته مدة معينة على ما تقدم تفصيله فى البحث السابق. (الثانى) اقتداء المسافر بمتم كمقيم أو مسافر نوى الإقامة كما تقدم تفصيله فى بحث (علم المأموم بحال إمامه) (¬4). ¬

(¬1) ص 89 ج 7 المنهل العذب (متى يتم المسافر؟ ). (¬2) ص 385 ج 1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة؟ ). (¬3) ص 152 ج 3 سنن البيهقى (من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً) و (رامهرمز) اسم مدينة بخوزستان. ورام بالفارسية: المراد والمقصود. وهرمز بضم فسكون فضم: احد الأكاسرة. فهى مركبة معناها فى الأصل مقصود وهرمز ومراده. (¬4) تقدم ص 74 ج 3 الدين الخالص.

(الثالث) الرجوع إلى المكان الذى ابتدأ منه السفر أو نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر، أما إن نوى الرجوع بعد قطع مسافة القصر فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل. هذا. والوطن قسمان على التحقيق: الأول: وطن أصلى: وهو المكان الذى ولد فيه أو تزوج أو قصد التعيش فيه دون الارتحال منه. الثانى: وطن إقامة: وهو ما خرج إليه ونوى الإقامة فيه خمسة عشر يوماً فأكثر ثم يسافر ولم يكن مولداً له ولا به أهل (ويبطل) الوطن الأصلى بمثله. فمن ولد بطنطا ثم تركها إلى القاهرة وتزوج بها أو قصد التعيش فيها صارت وطناً أصلياً له، فإذا سافر من القاهرة إلى طنطا لزمه القصر ما لم ينو الإقامة بها مدة تقطع السفر، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين قصروا بمكة وقد كانت وطنهم الأصلى، لكونهم استوطنوا المدينة (ولا يبطل) الوطن الأصلى بوطن الإقامة ولا بالسفر، فلو سافر من وطنه الأصلى إلى جهة وأقام بها خمسة عشر يوماً فأكثر ثم عاد إلى وطنه لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة (ويبطل) وطن الإقامة بمثله وبالسفر وبالوطن الأصلى. وهذا متفق عليه. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولو مر المسافر بوطنه أتم ولو لم يكن به حاجة سوى المرور عليه، لأنه فى حكم المقيم به، أو مر ببلد له فيه امرأة أتم ولو لم يكن وطنه حتى يفارقه لما تقدم، أو مر ببلد تزوج فيه أتم حتى يفارق البلد الذى تزوج فيه (لقول) عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم. أخرجه أحمد (¬1). (الرابع) دخول وقت الصلاة وهو مقيم فيلزمه صلاتها تامة عند الحنبلية لوجوبها عليه تامة بدخول الوقت (وقال) غيرهم: المعتبر فى كون الصلاة ¬

(¬1) ص 327 ج 1 كشاف القناع (القصر) والحديث تقدم رقم 57 ص 57.

سفرية أو حضرية آخر الوقت. وهو عند الحنفيين قدر ما يسع التحريمة، لأن وجوب الصلاة يتعلق به، فمن سافر آخر الوقت ولم يكن صلى، لزمته مقصورة فتقضى ولو فى الحضر ركعتين، كما أن فائتة الحضر الرباعية تقضى أربعاً، لأن القضاء يكون على حسب الأداء. وعند الشافعية يعتبر قدر ما يسع ركعة لأن أداء الصلاة يتعلق به؛ فمن سافر وقد بقى من الوقت ما لا يسع ركعة لزمته تامة فيقضيها أربعاً ولو فى السفر، وإن بقى من الوقت ما يسع ركعة فأكثر اعتبرت فائتة سفر تقصى فى السفر ركعتين وفى الحضر أربعاً كما تقدم فى بحث (كيفية القضاء) (¬1). (وعند) المالكية: المعتبر أن يبقى قبل الغروب بالنسبة للظهر والعصر ما يسع ثلاث ركعات، وقبل الفجر بالنسبة للمغرب والعشاء ما يسع أربع ركعات. فمن سافر قبل الغروب بقدر ما يسع أقل من ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر، لزمته الظهر تامة وتكون العصر فائتة سفر يقضيها ركعتين ولو فى الحضر. وإن بقى قبل الغروب ما يسع ثلاث ركعات فأكثر صلاهما مقصورتين إن تركهما ناسياً، وكذا إن تركهما عمداً على المنصوص ويكون آثماً بالتأخير. ومن سافر قبل الفجر بقدر ما يسع ثلاث ركعات فأقل ولم يكن صلى المغرب والعشاء لزمته العشاء تامة، وإن بقى على الفجر ما يسع أربع ركعات فأكثر كانت العشاء فائتة سفر تقضى ركعتين ولو فى الحضر. (تنبيه) علم مما تقدم أن شروط الإتمام على ما قاله الفقهاء ستة: ترك السفر، ونية الإقامة مدة تقطع السفر على ما تقدم تفصيله، وكونه مستقلا بالرأى، فلا تعتبر نية التابع إلا إذا علم بنية المتبوع، واتحاد موضع الإقامة وصلاحيته لإقامة المسافر، فلا تصح نيتها بمفازة لغير سكان البوادى. ¬

(¬1) تقدم ص 29.

(7) التطوع فى السفر: النفل المطلق والتهجد والوتر مشروعة فى السفر اتفاقاً، وكذا رواتب الفرائض عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور (لقول) ابن عباس: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فى السفر ركعتين وهى تمام، والوتر فى السفر سنة. أخرجه أحمد والبزار. وفى سنده جابر الجعفى، وثقه شعبة والثورى وضعفه آخرون (¬1). [65]. (ولقول) جابر الجعفى: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى فى السفر إلا ركعتين، غير أنه كان يتهجد من الليل. قال جدابر: فقلت لسالم: كانا يوتران؟ قال: نعم. أخرجه أحمد (¬2). [66]. (ولحديث) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه. وكان ابن عمر يفعله. أخرجه البخارى (¬3) [67]. (ولقول) ابن عمر: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحضر والسفر، فصلى الظهر فى الحضر أربعاً وبعدها ركعتين، وصلى العصر أربعاً وليس بعدها شئ، وصلى المغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين، وصلى العشاء أربعاً، وصلى فى السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين وليس بعدها شئ، والمغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين، والعشاء ركعتين وبعدها ركعتين. أخرجه أحمد. وكذا الترمذى مختصراً (¬4). [68]. ¬

(¬1) ص 141 ج 5 الفتح الربانى. وص 155 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة السفر) و (تمام) أى غير مقصورة لأنها فرضت ركعتين كما تقدم فى بحث (قصر الصلاة). (¬2) ص 141 ج 5 الفتح الربانى. و (إلا ركعتين) أى فى غير المغرب لأنها لا تقصر. و (يوتران) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وابن عمر. (¬3) ص 391 ج 2 فتح البارى (من تطوع فى السفر فى غير دبر الصلاة) و (يسبح بشد الباء: أى يصلى السبحة وهى النافلة. (¬4) ص 140 ج 5 الفتح الربانى، وص 386 ج 1 تحفة الأحوذى (التطوع فى السفر).

(ولقول) الباء بن عازب: سافرت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والترمذى وقال: حسن غريب (¬1). [69]. وقال يحيى: سئل مالك عن النافلة فى السفر فقال: لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك (¬2). (وقال) أحمد: أرجو ألا يكون بالتطوع بالسفر بأس (¬3). (وقال) الحسن البصري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون ويتطوعون قبل المكتوبة وبعدها (¬4) (21). (وقال) جماعة منهم ابن عمر: لا تستحب الرواتب فى السفر. واختاره ابن القيم (لقول) حفص بن عاصم بن عمر: صحبت ابن عمر فى طريق فصلى بنا ركعتين ثم أقبل فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون. قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتى، يا بن أخى إنى صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل. وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى. وهذا لفظ ابى داود (¬5). [70]. ¬

(¬1) ص 141 ج 5 الفتح الربانى. وص 79 ج 7 المنهل العذب. وصدره: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وص 158 ج 3 سنن البيهقى (تطوع المسافر) وص 385 ج 1 تحفة الأحوذى. ولفظه كأبى داود. (¬2) ص 270 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة النافلة فى السفر). (¬3) ص 113 ج 2 الشرح الكبير لابن قدامة. (¬4) ص 113 منه. (¬5) ص 142 ج 5 الفتح الربانى. وص 197 ج 5 نووى مسلم (صلاةالمسافرين) وص 79 ج 7 المنهل العذب (التطوع فى السفر) وص 213 ج 1 مجتبى (ترك التطوع فى السفر) وص 171 ج 1 سنن ابن ماجه، و (لأتممت) أى لو كنت مخيراً بين الإتمام وصلاة الراتبة، لكان الإتمام أحب إلى. فقد فهم أن المقصود من القصر التخفيف علىالمسافر ومنه ترك الراتبة (فإن قلت) كيف ينفى ابن عمر صلاة الرواتب فى السفر وقدتقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها؟ (قلت) يجمع بينهما بحمل النفى على غالب أحواله صلى الله عليه وسلم فى السفر، والإثبات على انه صلى الله عليه وسلم صلاها أحياناً لبيان جوازها فى السفر، أو أنه إذا كان نازلا وقت الصلاة أتى بالرواتب، وإن كان سائراً اقتصر على الفريضة.

وأجاب الجمهور: (أ) عن الحديث باحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الرواتب فى رحله ولا يراه ابن عمر، أو باحتمال أنه تركها أحياناً تنبيهاً على جواز الترك. ويؤيده ما تقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الرواتب فى السفر. (ب) وعن قول ابن عمر: ولو تطوعت لأتممت، بأن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وفيه مشقة على المسافر، وأما النافلة فهى إلى اختيار المكلف، فالرفق به يقتضى مشروعيتها، وهو بالخيار إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها (¬1) (وقول) ابن القيم: لم يحفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها فى السفر إلا ما كان من سنة الفجر (يرده) ما تقدم عن ابن عمر والبراء بن عازب (¬2). (والمختار) عند الحنفيين أن المسافر إذا كان فى حال أمن وقرار يأتى بالرواتب، وإن كان فى حال خوف وفرار لا يأتى بها. وبه يجمع بين الأحاديث. (8) الجمع بين الصلاتين: لا يجوز- عند الحنفيين - الجمع بين صلاتين فى وقت واحد سوى الظهر والعصر يجمع الحاج بينهما بعرفة جمع تقديم، والمغرب والعشاء يجمع ¬

(¬1) ص 198 ج 5 شرح مسلم للنووى. (¬2) تقدم رقم 68 ص 69 ورقم 69 ص 70.

بينهما بمزدلفة جمع تأخير. ورواه ابنالقاسم عن مالك (لقول) ابن مسعود: ما رايت رسول الله صلى الله عليهوسلم صلى صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى والطحاوى (¬1). [71]. (ولقول) الحسن وابن سيرين: ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين فى حضر ولا سفر إلا بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع. أخرجه ابن أبى شيبة (22). (وقال) الجمهور ومنهم الشافعى وأحمد فى المشهور عنه: يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فى السفر تقديماً وتأخيراً بعرفة وغيرها. وروى عن مالك (لحديث) ابى الزبير عن أبى الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري. وهذا لفظ الشافعي وأبى داود. وزاده أحمد ومسلم: قلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد ألا يخرج أمته (¬2). [72]. ¬

(¬1) ص 97 ج 1 شرح معانى الاثار (الجمع بين صلاتين كيف هو؟ ) وانظر رقم 205 ص 75 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقى المراجع بهامش 2 ص 77 منه (وجمع) بفتح فسكون: المزدلفة، سميت جمعاً لاجتماع الناس بها. وسميت بالمزدلفة لمجئ الحجاج إليها فى زلف من الليل، وهى شرقى منى، بينها وبين مكة نحو عشرة آلاف متر. (¬2) ص 171 ج 1 بدائع. وص 261 ج 1 الزرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين) وص 229 ج 5 مسند أحمد (حديث معاذ بن جبل .. ) وص 216 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 59 ج 7 - المنهل العذب. وص 171 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 98 ج 1 مجتبى (الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر وص 387 ج 1 تحفة الأحوذى. و (أراد ألا يحرج أمته) أى لأن فى السفر مشقة، فإذا كلف المسافر أداء كل صلاة فى وقتها كان فى ذلك حرج زيادة على مشقة السفر فشرع الجمع تخفيفاً ودفعاً للحرج.

(وروى) ابن عباس قال: ألا اُخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر؟ قلنا: بلى. قال: كان إذا زالت الشمس وهو فى المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر، ويجمع بينهما فى الزوال. وإذا سافر قبيل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم جمع بينهما فى وقت العصر. وإذا حانت المغرب فى منزله جمع بينها وبين العشاء. وإذا لم تحن فى منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما. أخرجه الشافعي وأحمد بسند جيد (¬1). [73]. (ولقول) أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى السفر. أخرجه أحمد (¬2). [74]. (وأجاب) الأولون عن أحاديث جمع التأخير بأن المراد بالجمع فيها الجمع الصوري، أى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها (لقول) ابن عباس: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، لا فى خوف ولا فى سفر. أخرجه مالك وقال: أرى ذلك كان فى مطر. وأخرجه الشافعي ومسلم والنسائي والطحاوى وأبو داود، وأخرجه من طريق آخر بلفظ: جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته (¬3). [75]. ¬

(¬1) ص 116 ج 1 بدائع المنن. وص 119 ج 5 الفتح الربانى. (¬2) ص 117 منه. (¬3) ص 263 ج 1 زرقانى الموطأ. وص 118 ج 1 بدائع المنن وص 215 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 99 ج 1 مجتبى (الجمع بين الصلاتين فى الحضر) وص 95 ج 1 شرح معانى الآثار (الجمع بين صلاتين كيف هو) وص 65، 68 ج 7 المنهل العذب.

(وجه) الدلالة أن الإجماع على عدم جواز الجمع الحقيقى فى الحضر بغير مطر؛ فدل على أن المراد بالجمع هنا الصورى (ولا ينافيه) حديث أيوب السخستيانى عن نافع أن ابن عمر استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس ووبدت النجوم فقال: إنالنبى صلى الله عليهوسلم كان إذا عجل به أمر فى سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق، فنزل فجمع بينهما. أخرجه أبو داود والبيهقى. وكذا الترمذى من حديث عبد الله عن نافع وقال هذا حديث حسن صحيح (¬1). [76]. (لأن المراد) بقوله: حتى غاب الشفق: أى قرب غيابه. (روى نافع) وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة. قال: سر حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذى صنعت (الحديث) أخرجه أبو داود والدار قطنى (¬2). [77]. دل على أن ذلك الجمع صوري. وبه يتم الجمع بين الأحاديث. ¬

(¬1) ص 62 منه. وص 159 ج 3 سنن البيهقى (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص 388 ج 1 تحفة الأحوذى. و (استصرخ) مبنى للمجهول، أى أتاه من يخبره باحتضار زوجه صفية بنت أبى عبيدة بن مسعود الثقفية، يقال: استصرخ الإنسالن أو به إذ أتاه الصارخ أى المصوت يعلمه بأمر حدث يستعين به عليه أو ينعى له ميتاً. و (عجل) كتعب. والباء فى (به) زائدة: أى أسرعه (أمر). (¬2) ص 70 ج 7 المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين). وص 151 سنن الدار قطنى.

(وقول) النووى: وهو ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل (مردود) فقد استحسن القرطبي القول بالجمع الصوري، رجحه إمام الحرمين وابن الماجشون والطحاوى، وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء - راوي الحديث عن ابن عباس- قال به. (روى) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً. قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك. أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم (¬1). [78]. وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره. ويقوى الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بلا عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم إخراج الصلاة عن وقتها. ويجمع بها بين الأحاديث والجمع الصوري أولى. قاله الحافظ (¬2). واستدل الجمهور على جمع التقديم فى السفر بما روى هشام بن سعد عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة تبوك إذ زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر ¬

(¬1) ص 118 ج 1 بدائع المنن. وص 132 ج 5 الفتح الربانى وص 217 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) (وثامنياً) يعنى الظهر والعصر (وسبعاً) يعنى المغرب والعشاء. وكان هذا فى المدينة (لقول) ابن عباس: صلى الله عليه وسلم فى المدينة مقيما غير مسافر سبعاً وثمانياً. أخرجه أحمد (ص 131 ج 5 الفتح الربانى) (1) و (قلت) القائل عمرو بن دينار. (¬2) ص 16 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر).

والعصر. وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر. وفى المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما. أخرجه أبو داود والبيهقى والدار قطنى (¬1). [79]. وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبى الزبير كمالك والثورى وقرة بن خالد، فلم يذكروا فى روايتهم جمع التقديم (¬2). (ولذا) لم يقل الحنفيون به. والصحيح فى هذا الباب حديث أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (¬3). [80]. احتج به من أبى جمع التقديم، لكن رواه إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال: كان إذا كان فى سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم ارتحل. أخرجه الإسماعيلى. وأعل: (أ) بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة. (ب) ثم تفرد جعفر الفريابى به عن إسحاق. وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان ¬

(¬1) (ص 63 ج 7 المنهل العذب) الجمع بين الصلاتين) وص 162 ج 3 سنن البيهقى. وص 150 سنن الدارقطنى. (¬2) ص 394 ج 2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس .. ). (¬3) ص 121 ج 5 الفتح الربانى. وص 393 ج 2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس .. ) وص 214 ج 5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين) وص 76 ج 7 المنهل العذب. وص 161 ج 3 سنن البيهقى. و (تزيغ) بزاى وغين معجمتين أى تميل إلى جهة المغرب فى رأى العين.

حافظان. وأخرج الحاكم فى الأربعين الحديث بسند جيد وفيه: فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب. قاله الحافظ (¬1). [81]. (والمشهور) عند المالكية اختصاص الجمع بحالة الجد فى السير لخوف فوات أمر أو لإدراك مهم. وبه قال أشهب (لقول) عبد الله بن دينار: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا الصلاة، فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتى هذه يقول يجمع بينهما بعد ليل. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2). [82]. (وأجاب) الجمهور بأن فى حديث معاذ وغيره التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم جمع نازلا، وهى زيادة يجب الأخذ بها. (قال) ابن عبد البر بعد ذكر حديث معاذ: فى هذا أوضح الدلائل واقوى الحجج فى الرد على من قال: لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا إذا جد به السير. وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة. وروى مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله: هل يجمع بين الظهر والعصر فى السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك، ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة (¬3)؟ (23). ¬

(¬1) (ص 393 ج 2 فتح البارى الشرح) إذا ارتحل بعد ما زالت الشمس صلى الظهر ثم ركب). (¬2) ص 74 ج 7 - المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين) وص 160 ج 3 سنن البيهقى. و (ويجمع بينهما) أى بين المغرب والعشاء. (بليل) أى بعد دخول الليل د\خولا بيناً. (¬3) ص 264 ج 1 زرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين .. ).

(وقال) ابن الماجشون وابن حبيب وأصبغ من المالكية: يجمع المسافر إذا جد به السير لمجرد قطع المسافة (لقول) ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه البخارى (¬1). [83]. (وجوابه) ما تقدم من أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع نازلا وسائراً، فقد تقدم فى حديث معاذ: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً (¬2). (قال) الشافعى فى الأم: قوله " ثم دخل ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا وسائراً (¬3). وقال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على رد من قال: لا يجمع إلا من جد به السير. ففيه أن المسافر له أن يجمع نازلا وسائراً. وكأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز (¬4). (ولتعارض) الأدلة قال مالك بكراهة الجمع (وحكى) القرطبى عنه أنه كره الجمع للرجال دون النساء (وقالت) الشافعية: ترك الجمع أفضل للخروج من خلاف من لا يجوز الجمع. وعن أحمد روايتان. {فائدة} قال الحافظ العراقى: لم يبين فى حديث ابن عمر ولا فى غيره هل كان يجمع فى كل سفر أو كان يخص به السفر الطويل وهو سفر القصر، لكن الظاهر من الجد فى السفر أنه إنما يكون فى الطويل. والحق أن هذه واقعة عين محتملة. فلا يجوز الجمع فى السفر القصير مع الشك فى ذلك. ومذهب مالك أنه لا يختص ذلك بالطويل. ومذهب أحمد اختصاصه به وهو الأصح عند الشافعية (¬5). ¬

(¬1) ص 392 ج 2 فتح البارى (الجمع فى السفر بين المغرب والعشاء). (¬2) تقدم رقم 72 ص 72. (¬3) 117 ج 1 بدائع المنن. (¬4) 262 ج 1 زرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين فى الحضر والسفر). (¬5) ص 129 ج 3 طرح التثريب (هل يختص الجمع بالسفر الطويل؟ ).

(وقال) ابن رشد: اختلفوا فى نوع السفر الذى يجوز فيه الجمع، فظاهر رواية ابن القاسم أنه سفر القربة كالحج والغزو. وقال الشافعى: هو السفر المباح، وهو ظاهر رواية المدنيين عن مالك (¬1). الجمع فى الحضر لمطر أو غيره: اختلف العلماء فى ذلك، فقال الشافعى: يجوز الجمع- فى الحضر لمطر- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم، بشرط أن يكون المطر حاصلا وقت افتتاح الصلاتين. وبه قال أبو ثور وجماعة (لما تقدم) عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً فى غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك كان فى مطر (¬2). (وقال أحمد) يجمع بين المغرب والعشاء فقط. وبه قال ابن عمر وعروة ابن الزبير والفقهاء السبعة (¬3) لقول أبى سلمة بن عبد الرحمن: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه الأثرم (24). وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال نافع: كان عبد الله بن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء (25). وقال هشام بن عروة: رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين فى الليلة المطيرة: المغرب والعشاء. فيصليهما معه عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن ولا ينكرونه، ولا يعرف لهم فى عصرهم مخالف فكان إجماعاً. رواه الأثرم (¬4) (26). ¬

(¬1) ص 136 ج 1 بداية المجتهد (السباب المبيحة للجمع). (¬2) تقدم رقم 75 ص 73 (الجمع بين الصلاتين) و (أرى) بضم الهمزة، أى أظن أن جمع النبى صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر كان لمطر ووافق مالكاً على ما ظنه جماعة منهم الشافعى. (¬3) الفقهاء السبعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة. (¬4) ص 117 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(وقال) مالك: يجمع بين المغرب والعشاء لمطر واقع أو متوقع، وللطين مع الظلمة إذا كان الطين كثيراً يمنع أواسط الناس من لبس النعل. وكره الجمع بين الظهر والعصر للمطر، لأن الغالب أن الناس وقتئذ ينتشرون فى أسواقهم وزراعائهم وأمور معايشهم ولا يمنعهم مطر ولا طين من ذلك، فيكره أن يمتنعوا لذلك من أداء فرائضهم فى أوقاتها المختارة، وأمما المغرب والعشاء فإن وقتهما ليس وقت سعى لما ذكر، بل إذا جمع بينهما رجع إلى منزله للراحة. (وجملة) القول فى هذا ما قاله النووى: ويجوز الجمع بالمطر فى وقت الأولى ولا يجوز فى الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى الثانية. ويشترط وجوده عند الإحرام للأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية. ويجوز ذلك لمن يمشى إلى الجماعة فى غير كِنّ بحيث يلحقه بلل المطر. وبه قال جمهور العلماء فى الظهر والعصر وفى المغرب والعشاء. وخصه مالك وأحمد بالمغرب والعشاء. وأما المريض فالمشهور من مذهب الشافعى والأكثرين أنه لا يجوز له الجمع. وجوزه مالك وأحمد وجماعة من الشافعية، وهو قوى فى الدليل (¬1). والدليل ما تقدم عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته (¬2). ¬

(¬1) ص 213 ج 5 شرح مسلم (الجمع بين الصلاتين) و (الكن) بكسر فشد: السترة، يقال: أكننته من باب قتل سترته فى كنه. (¬2) تقدم بالحديث رقم 75 ص 74. وفى رواية فيه: ولا سفر. بدل قوله: ولا مطر. ولم يقع مجموعاً بالثلاثة فى كتب الحديث. بل المشهور: من غير خوف ولا سفر و (ما أراد إلى ذلك؟ ) أى ما قصد بجمعه بين الصلاتين؟ فإلى بمعنى الباء. وفى رواية أحمد: وما أراد لغير ذلك، أى ما قصد بجمعه لغير الخوف والمطر.

(وأجاب) من لم يقل بالجمع للمرض ونحوه بأنه لا يصح حمل الجمع فيه على الجمع للمرض، لأنه لو كان كذلك لما صلى معه صلى الله عليه وسلم إلا من كان مريضاً. والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه كما صرح بذلك ابن عباس فى روايته. قاله الحافظ (¬1). (بل يحمل) الجمع فى الحديث على الجمع الصورى كما تقدم. ويؤيده ما تقدم عن عمرو بن دينار قال: أخبرنى أبو الشعثاء جابر بن زيد أنه سمع ابن عباس يقول: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً. قلت له: يا ابا الشعثاء أظنه أجل الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظن ذلك (¬2). (وقول) النووي: حمله على الجمع الصوري احتمال ضعيف أو باطل، لأنه مخالف للظاهر لا تحتمل (تقدم رده) (¬3). (ومما يدل) على تعيين حمل أحاديث الباب على الجمع الصوري قول ابن مسعود: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. فقيل له فى ذلك، فقال: صنعت هذا لكى لا تخرج أمتي. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والكبير. وفى سنده عبد الله بن عبد القدوس. ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه ابن حبان. وقال البخاري: صدوق. قال الهيثمى: وقد روى هذا عن الأعمش وهو ثقة (¬4). [84]. (وهذه) الرواية تعين المراد بلفظ جمع، لما تقرر فى الأصول أن لفظ جمع بين الظهر والعصر لا يعم وقتهما، بل مدلوله لغة الهيئة الاجتماعية وهى ¬

(¬1) ص 16 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر). (¬2) تقدم رقم 78 ص 75. (¬3) تقدم ص 75. (¬4) ص 161 ج 2 مجمع الزوائد (الجمع للحاجة).

موجودة فى جمع التقديم والتأخير والجمع الصورى، إلا أنه لا يتناول جميعها ولا اثنين منها، إذ الفعل المثبت لا يعم أقسامه ولا يتعين واحد إلا بدليل. وقد قام الدليل على أن الجمع فى أحاديث الباب هو الجمع الصورى. (وقول) الحافظ: وإرادة نفى الحرج تقدح فى حمل الجمع على الجمع الصورى، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج (¬1). (يجاب عنه) بأن الشارع قد عين الأوقات بعلامات لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة، فلا حرج فى مراعاتها لمن أراد الجمع الصورى. ولا شك أن فعل الصلاتين والخروج إليهما مرة واحدة أخف وأيسر من خلافه. (ولا يقال) حمل الجمع فى الأحاديث على الجمع الصورى مناف لقوله صلى الله عليه وسلم: لئلا تحرج أُمتى، وإلغاء لمضمونه (لأنا نقول) رفع الحرج ليس منسوباً إلى أقواله صلى الله عليه وسلم المبينة للأوقات الشاملة للجمع الصورى، بل الحرج منسوب لأفعاله صلى الله عليه وسلم ليس إلا (قالت) عائشة: ما صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله. ذكره الشوكانى (¬2). [85]. فربما ظن ظان أن فعل كل صلاة فى أول وقتها متحتم، لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك. فكان فى جمعه جمعاً صورياً تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل. وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر من اقتدائهم بالأقوال كما هو معروف. وتمامه فى المنهل (¬3). (ولذا) قال الحنفيون: لا يجوز الجمع بين الصلاتين لسفر ولا مطر ¬

(¬1) ص 17 ج 2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر). (¬2) ص 267 ج 3 نيل الأوطار (جمع المقيم لمطر أو غيره). (¬3) ص 69 ج 7 المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين).

ولا مرض ولا عذر آخر إلا للحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة جمع تأخير. (10) الأذان والإقامة للمجموعتين: يسن لمن جمع بين الصلاتين لسفر أو غيره أن يؤذن للأولى ويقيم لكل منهما (لحديث) جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سار حتى أتى عرفة رأى القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى إذا انتهى إلى بطن الوادى خطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً. أخرجه النسائى (¬1). [86]. وفى هذا خلاف يأتى بيانه فى الحج، وأن الراجح ما دل عليه حديث جابر (¬2): هذا. ويستحب السفر لمصلحة دينية أو دنيوية، وهو وإن كان فيه مشقة على النفس ففيه فوائد دنيوية وأُخروية عظيمة يأتى بيانها. ويطلب ممن عزم على السفر التحلى بآداب والاشتغال بالدعاء والذكر كما يأتى تفصيله فى الحج (¬3). (فائدة) يجوز ركوب اثنين على الدابة إذا كانت تطيق ذلك. ويسن أن يكون صاحبها فى المقدمة إلا إذا أذن لغيره بالركوب أمامه (لقول) بريدة الأسلمى: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى إذ جاءه رجل معه حمار فقال: يا رسول الله راكب، فتأخر الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، أنت أحق بصدر دابتك منى إلا أن تجعله لى. فقال: فإنى ¬

(¬1) ص 100 ج 1 مجتبى (الجمع بين الظهر والعصر بعرفة). (¬2) يأتى ص 184، 189 ج 9 إرشاد الناسك (الجمع بعرفة ومزدلفة). (¬3) يأتى ص 6 - 16 ج 9 (فضل السفر وآدابه وأذكاره).

جعلته لى. فركب. أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان بسند جيد (¬1). [87]. (ولقول) عمر: قضى النبى صلى الله عليه وسلم أن صاحب الدابة أحق بصدرها. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). [88]. (11) السفر يوم الجمعة: يباح السفر يوم الجمعة قبل الزوال عند الجمهور ومنهم الحنفيون ومالك وأحمد فى المشهور عنهما والشافعى فى القديم (لحديث) الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: بعث النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة فى سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه، فقال: أتخلف فأصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم رآه فقال له: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ قال: أردت أن أُصلى معك ثم أحلقهم. فقال: لو أنفقت ما فى الأرض ما أدركت فضل غدوتهم. أخرجه أحمد والبيهقى وقال: انفرد به الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف. وأخرجه الترمذى وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬3). [89]. (وروى) الأسود بن قيس عن أبيه قال: أبصر عمر رضى الله عنه رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت، فقال عمر: ¬

(¬1) ص 353 ج 5 مسند أحمد (حديث بريدة الأسلمى ... ) وص 28 ج 3 سنن أبى داود (رب الدابة أحق بصدرها). (¬2) ص 19 ج 1 (مسند عمر رضى الله عنه). (¬3) ص 224 منه (مسند عبد الله بن العباس .. ) وص 187 ج 3 سنن البيهقى (لا تحبس الجمعة عن سفر) وص 372 ج 1 تحفة الأحوذى (فى السفر يوم الجمعة) (و 0 مقسم) بكسر فسكون، ابن بجرة بضم فسكون. و (السرية) كعطية: طائفة من الجيش أكثرها أربعمائة. و (الغدوة) بفتح الغين: المرة من العدو وهو السير من أول النهار إلى الزوال. والمراد منه هنا الذهاب إلى القتال.

اخرج فإن الجمعة لا تحبس من سفر. أخرجه الشافعى والبيهقى (¬1) (27). (وقال الشافعى) فى الجديد: يمنع السفر يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر، وهو رواية عن مالك وأحمد (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب فى سفره ولا يعان على حاجته. أخرجه الدارقطنى فى الأفراد، وفى سنده ابن لهيعة متكلم فيه. [90] (ويعارضه) ما تقدم. والأولى الجواز مطلقاً، لأن ذمته بريئة من الجمعة. فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها (واختار) (أبو إسحاق المروزى وإمام الحرمين جواز السفر يومها لواجب دون غيره 0 وقال) كثير من الشافعية: يجوز السفر يومها لمطلق الطاعة واجبة أو مندوبة. (وأما السفر) بعد دخول وقتها ممن تجب عليه، فالجمهور على منعه لما تقدم فى حديث ابن عمر من أن الملائكة تدعو على من يسافر يوم الجمعة (¬2) ولأن الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع منها كاللهو والتجارة والسفر. (وروى) عن أبى حنيفة والأوزاعى جواز السفر بعد دخول وقت الجمعة كسائر الصلوات، ولما تقدم عن عمر أنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر (¬3). (وأجاب) عنه الجمهور بأنه محمول على السفر قبل الوقت جمعاً بين الأدلة، وفرقوا بين الجمعة وغيرها من الصلوات بوجوب الجماعة فى الجمعة دون غيرها (فالظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من منع السفر بعد دخول ¬

(¬1) ص 154 ج 1 بدائع المنن. وص 187 ج 3 سنن البيهقى (لا تحبس الجمعة عن سفر). (¬2) تقدم رقم 90. (¬3) تقدم أثر 27.

الوقت لمن وجبت عليه إلا أن يخشى ضرراً من تخلفه للجمعة كانقطاع رفقة لا يمكن السفر إلا معها. وقد أجاز الشارع التخلف عن الجمعة لعذر المطر ونحوه، فجوازه لما هو أشق منه أولى. (12) آداب الرجوع من السفر: يستحب لمن قدم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتى القدوم من السفر، وأن يجلس من يقصد للسلام عليه والتهنئة فى مكان بارز سهل على زائريه، وألا يأتى أهله بغتة (لقول) جابر بن عبد الله: كنت مع رسول الله ثلى الله عليه وسلم فى سفر، فلما قدمنا المدينة قال لى: ادخل المسجد فصلى ركعتين. أخرجه البخارى (¬1). [91]. (ولقول) كعب بن مالك: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يقدم من سفر إلا نهاراً فى الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه فيأتيه الناس فيسلمون عليه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬2). [92] (ولقول) أنس بن مالك: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا، كان يدخل عليهم غدوة أو عشية. اخرجه أحمد والبخارى (¬3). [93]. ¬

(¬1) ص 117 ج 6 فتح البارى (الصلاة إذا قدم من سفر - الجهاد). (¬2) ص 79 ج 5 الفتح الربانى. وص 117 ج 6 فتح البارى. وص 227 ج 5 نووى مسلم. وص 91 ج 3 سنن ابى داود (الصلاة عند القدوم من السفر) والتقييد بالنهار باعتبار الغالب وإلا ففى الحديث بعده: كان يدخل عليهم غدوة أو عشية (والغدوة) ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. (والعشية) ما بعد الزوال إلى الغروب. والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى من سفره ليلا مكث بالمسجد حتى يصلى الصبح ثم يذهب إلى بيته. وإذا أتى نهاراً مكث به ولا يدخل بيته إلا فى العشية. والحكمة فى ذلك أن يستعد أهله بالنظافة وتغيير الملابس. (¬3) ص 79 ج 5 الفتح الربانى. وص 401 ج 3 فتح البارى (الدخول بالعشى -الحج).

(ولحديث) جابر بن عبد الله أن النبىصلى الله عليه وسلم قال له: إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، وإذا دخلت فعليك الكيس الكيس. أخرجه أحمد والبخارى (¬1). [94]. (أفادت) هذه الأحاديث أنه يكره لمن طال سفره ان يقدم على امرأته ليلا بغتة (فأما) من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلا فلا بأس. ففى رواية: إذ أطال الرجل الغيبة، وكذا إذا علمت امرأته وأهله وقت قدومه فلا بأس بقدومه متى شاء، لزوال سبب النهى وهو مفاجأة أهله قبل أن يتأهبوا لقدومه. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة. (ويستحب) لمن قدم من سفر ودخل بيته أن يقول ما فى حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ 1 اراد الرجوع (يعنى من السفر) قال: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وإذا دخل على أهله قال: توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر حوباً. أخرجه أحمد وابن السنى، والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). [95]. (ويستحب) أن يقال لمن قدم من سفر: الحمد لله الذى سلمك، الحمد لله الذى سلمك، الحمد لله الذى جمع الشمل بك، ونحو ذلك (قالت) عائشة: كان رسول الله صلى الله ¬

(¬1) ص 80 ج 5 الفتح الربانى، وص 273 ج 9 فتح البارى (طلب الولد). و(المغيبة) من أغابت المرأة، من غاب عنها زوجها. واستحدادها: استعدادها بالنظافة لتستقبله على أحس حال. و (الشعثة) بفتح فكسر: من تلبد شعرها لعدم غسله وتمشيطه. و(الكيس) بفتح فسكون فى الأصل: العقل أريد به هنا الجماع، فكأنه جعل طلب الولد من الجماع عقلا. وفيه الحث على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه. (¬2) ص 75 ج 5 الفتح الربانى، و (توباً) مصدر تاب منصوص على تقدير: تب علينا توباً أو نسألك توباً. و (أوباً) من آب إذا رجع. و (الحوب) الإثم.

عليه وسلم فى غزوة، فلما دخل استقبلته فأخذت بيده فقلت: الحمد لله الذى نصرك وأعزك وأكرمك. أخرجه ابن السنى. [96]. (13) سفر المرأة: لا يحل للمرأة السفر ولو للحج إلا مع محرم أو زوج (لما تقدم) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم" (الحديث) (¬1). (وتقدم) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذى محرم " (¬2). (فهذه) الأحاديث تشمل كل سفر ومنه الحج، ولا تعارض آية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، لأن الأحاديث تضمنت أن المحرم فى حق المرأة من جملة الاستطاعة - علىالسفر- المطلقة فى الاية. هذا. والمحرم كل من حرم عليه نكاح المرأة على التأييد لسبب مباح لحرمتها. وسيأتى بيان من ليس بمحرم (¬3). ومنه عند الحنبلية المحرم الكافر فإنه لا يعد محرماً لقريبته المسلمة عندهم، لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها. (وهل العبد) كالمحرم؟ عند الجمهور لا (لحديث) ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سفر المرأة مع عبدها ضيعة. أخرجه سعيد بن ¬

(¬1) تقدم رقم 44 ص 51 (مشاقة السفر). (¬2) تقدم رقم 45 ص 51. (¬3) يأتى ص 31 ج 9 (حج المرأة).

منصور والبزار والطبرانى فى الأوسط بسند فيه ضعيف (¬1). [97]. وقيل إنه كالمحرم إذا كانافى قافلة. أما إذا كانا وحدهما فلا، لهذا الحديث. هذا. وقد أطلق السفر فى الحديث الأول وقيد فى غيره. وقد عمل أكثر العلماء فى هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات، وليس المراد بالتحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفراً، فالمرأة منهية عنه بغير زوج أو محرم (¬2). (وقال) الحنفيون: النهى مقيد بسفر القصر (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام فصاعداً إلا مع أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها أو مع ذى محرم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (¬3). [98]. (وجه) الدجلالة أنه قيد المنع من سفرها وحدها بالثلاث فيعمل به، لأنه المتحقق، وما عداه مشكوك فيه فيترك على الأصل. (وأجاب) الجمهور بأن التحديد غير مارد، لأنه مختلف باختلاف حال السائلين فلا يعمل بمفهومه، ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك وهو البريد (فعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر امرأة بريداً إلا مع زوج أو ذى رحم محرم. أخرجه الطحاوى والبيهقى (¬4). [99]. ¬

(¬1) ص 214 ج 3 مجمع الزوائد (سفر النساء) .. (¬2) ص 103 ج 9 شرح مسلم (سفر المرأة مع محرم .. ). (¬3) ص 86 ج 5 الفتح الربانى. وص 108 ج 9 نووى مسلم. وص 263 ج 10 المنهل العذب (المرأة تحج بغير محرم)، وص 109 ج 2 سنن ابن ماجه (المرأة تحج بغير ولى). (¬4) ص 356 ج 1 شرح معانى الآثار (المرأة لا تجد محرماً، هل يجب عليها فرض الحج؟ ) (وص 139 ج 3 سنن البيهقى) حجة من قال: لا تقصر المرأة الصلاة فى أقل من ثلاثة أيام).

(وقال) الشوكانى: قد ورد من حديث ابن عباس عند الطبرانى ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد. ولفظه: لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم. [100]. (وهذا) هو الظاهر، أعنى الأخذ بأقل ما ورد، لأن مافوقه منهى عنه بالأولى (والتنصيص) على ما فوقه كالثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين (لا ينافيه) لأن الأقل موجود فى ضمن الأكثر، وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل مفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه، والنهى عن الأقل منطوق، وهو أرجح من المفهوم (¬1). (فائدة) يستحب لمن له أكثر منزوجة وأراد السفر بإحداهن أن يقرع بينهن تطبيباً لخاطرهن، فمن خرج سهمها أخذها معه (لحديث) عائشة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. أخرجه أحمد والبخارى وابن ماجه وأبو داود. واللفظ له (¬2). [101]. ¬

(¬1) ص 16 ج 5 نيل الأوطار (النهى عن سفر المرأة إلا بمحرم). (¬2) ص 87 ج 5 الفتح الربانى. وص 250 ج 9 فتح البارى (القرعة بين النساء إذا أراد سفراً) وص 243 ج 2 سنن أبى داود (القسم بين النساء) وص 311 ج 1 سنن ابن ماجه (القسمة بين النساء) وص 311 ج 1 سنن ابن ماجه (القسمة بين النساء).

(السادس) صلاة الخوف

(السادس) صلاة الخوف الكلام فيها ينحصر فى تسعة فروع: (1) سببها: هو حضور العدو يقيناً ولو لم يشتد الخوف. (2) دليلها: هى مشروعة بالكتاب والسنة (قال) تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} الآية (¬1). (وقد ثبت) عن النبى صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه صلاها مع أصحابه رضى الله عنهم كما سيمر عليك. (3) شرعت فى السنة السابعة من الهجرة على الراجح (لقول) جابر بن عبد الله: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف فى السنة السابعة. أخرجه أحمد وفى سنده ابن لهيعة ضعيف (¬2). [102]. (4) حكمها: قد أجمع العلماء على أنها كانت مشوعة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم. واختلفوا فى جوازها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (فقال) الجمهور: هى جائزة بعده لا تختص بزمانه، لعموم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ}. ولفتوى ابن عمر وغيره من الصحابة بها بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وفعلهم لها فى عدة أماكن، وإجماعهم على ذلك, وقد تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتمونى أُصلى (¬3). ¬

(¬1) سورة النساء: آية 102. (¬2) ص 7 ج 7 الفتح الربانى. (ست مرار) المراد بها الغزوات التى وقع فيها قتلا. وهى بدر وأحد والخندق وقريظة والمريسيع (بنى المصطلق) وخيبر. (¬3) تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت).

(وقال) المزنى والحسن بن زياد: إنها غير مشروعة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. وروى عن أبى يوسف لمفهوم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فإنه يفيد أنه إذا لم يكن فيهم لا تصلى بهذه الكيفية. (وقال) بعض فقهاء الشام: تؤخر الصلاة فى الحرب إلى وقت الأمن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. (وسبب) الاختلاف أن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، هل هى عبادة أو لمكان فضل النبى صلى الله عليه وسلم؟ فمن رأى أنها عبادة، لم ير أنها خاصة بزمانه صلى الله عليه وسلم، ومن رآها لمكان فضله، رأى أنها خاصة به صلى الله عليه وسلم. قال الطحاوى: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن الناس إنما صلوها معه صلى الله عليه وسلم لفضل الصلاة معه. وهذا القول عندنا ليس بشئ (¬1). (وأجاب) الجمهور: (أولا) بأن الأصل فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم التشريع حتى يقوم دليل على التخصيص. فآية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} كآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. وليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم اتفاقاً، وإن كان هو المخاطب به. فالحكم بعده باق لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى. فمنطوقه مقدم على مفهوم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ}. وأيضاً فإن شرط كونه فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لخصوص وجوده، والمعنى: بين لهم بفعلك كيفية صلاة الخوف لكونه لا لخصوص وجوده، والمعنى: بينلهم بفعلك كيفية صلاة الخوف لكونه أوضح من القول (قال) ابن المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف فى ¬

(¬1) ص 189 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف).

قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (¬1). (ثانياً) بأن تأخيره صلى الله عليه وسلم يوم الخندق كان قبل مشروعية صلاة الخوف فهو منسوخ بها، ويحتمل أنه شغله المشركون فنسى الصلاة (¬2). (ويؤيده) مذهب الجمهور تأدية الصحابة والأئمة بعدهم صلاة الخوف فى عدة أماكن من غير نكير بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (قال) النووى قد ثبتت الآثار الصحيحة عن جماعة من الصحابة أنهم صلوها فى مواطن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجامع بحضرة كبار الصحابة (وممن) صلاها على بن أبى طالب فى حروبه بصفين (¬3) وغيرها، وحضرها من الصحابة خلائق لا ينحصرون (ومنهم) سعد بن أبى وقاص وأبو موسى الأشعرى البيهقى وغيره، وبعضها فى سنن أبى داود. قال البيهقى: والصحابة الذين رأوا صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى الخوف لم يحملها أحد منهم على تخصيصها للنبى صلى الله عليه وسلم ولا بزمنه، بل رواها كل واحد وهو يعتقدها مشروعة على الصفة التى رآها (¬4). (5) وشروط أربعة: (أ) حضور العدو يقيناً أو خوف من نحو سبع كحية عظيمة أو حرق أو غرق، وإن لم يخف فوت الوقت على الصحيح عند الحنفية (وقالت الشافعية): يشترط تأديتها آخر الوقت، وهو قول لبعض الحنفيين، ¬

(¬1) سورة النساء: آية 101. (¬2) حديث تأخير الصلاة يوم الخندق تقدم رقم 20 ص 25. (¬3) صفين، كسجين: موضع بشاطئ الفرات كانت به الواقعة العظمى بين على ومعاوية غرة صفر سنة 37 هجرية .. (¬4) ص 405 ج 4 شرح المهذب (مذاهب العلماء فى صلاة الخوف).

فلو صلوها مع ظن حضور العدو فى غير جهة القبلة فبان خلافه أعادوا. (قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدواً فبان أنه ليس بعدو أو بينه وبينه ما يمنعه منه فعليه الإعادة، سواء أصلى صلاة شدة الخوف او غيرها، وسواء أكان ظنهم مستنداً إلى خبر ثقة او غيره أو رؤية سواد أو نحوه، لأنه ترك بعض واجبات الصلاة ظناً منه أنه قد سقط فلزمته الإعادة، كما لو ترك غسل رجليه ومسح على خفيه ظناً منه أن ذلك يجزى فباتا مخرقين، وكما لو ظن المحدث أنه متطهر فصلى، ويحتمل ألا تلزم الإعادة إذا كان بينه وبين العدو ما يمنع العبور، لأن سبب الخوف متحقق وإنما خفى المانع (¬1). (ب) أن يكون فى المصلين كثرة يمنكن تفريطهم طائفتين كل طائفة تقاوم العدو. (حـ) وأن يخاف هجوم العدو. (د) وأن يكون قتاله مباحاً. فتجوز فى قتاله الكفار، ولأهل العدل فى قتال البغاة وقطاع الطرق، ولا يجوز للبغاة والقطاع أن يصلوا صلاة يرتكبون فيها ما لا يباح فى غير حالة الخوف لما فى ذلك من إعانتهم على معصيتهم. أما ما يباح فى حالة الأمن، كأن يصلى الإمام لكل من الطائفتين جميع الصلاة، فلا يمنع منه العصاة، إذ لا ترخص فيه. قاله العراقى فى طرح التثريب (¬2). (6) أنواعها: هى ثلاثة أنواع: أن تكون فى غير شدة الخوف، والعدو فى جهة القبلة أو فى غير جهتها، وأن تكون فى شدة الخوف. ¬

(¬1) ص 142 ج 2 الشرح الكبير (آخر صلاة الخوف). (¬2) ص 136 ج 3 (هل تجوز صلاة الخوف للبغاة وقطاع الطريق؟ ).

(7) كيفيتها: لصلاة الخوف فى غير شدته سبع كيفيات: (الأولى) أن يكون العدو فى جهة القبلة، فيصفّ الإمام القوم صفين ثم يحرم فيحرمون خلفه ويركعون إذا ركع ويرفعون إذا رفع، فإذا سجد سجد معه الصف الذى يليه وبقى الصف الآخر قائماً للحراسة، وإذا قام الإمام ومن سجد معه للركعة الثانية سجد الآخرون السجدتين، فإذا قاموا إلى الركعة الثانية تقدموا مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانه، فإذا ركع الإمام ركوع الثانية ركعوا جميعاً ثم يرفعون برفعه ثم يسجد معه الصف الذى يليه ويبقى الصف الآخر السجدتين وجلس للتشهد، فإذا سلم الإمام سلموا جميعاً، والتقدم والتأخر غير لازم. ويشترط فى الصلاة على هذه الكيفية ألا يخاف المسلمون كميناً يأتى من خلفهم، وألا يخفى بعض الكفار عنا، فإن خفنا كميناً أو خفى بعضهم عنا صلينا كما لو كانوا فى غير جهة القبلة. وبهذه الكيفية قال سفيان الثورى والشافعى وأحمد، وهى رواية عن مالك، مستدلين: (أ) بقول أبى عياش الزرقى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان (¬1) وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال المشركون: ¬

(¬1) عسفان بض 1 م فسكون: قرية بين مكة والمدينة على نحو ثلاثة مراحل من مكة، وتسمى مدرج عثمان. وكانت صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بها فى جمادى الأول سنة سبع من الهجرة. وهى أول غزوة شرعت فيها صلاة الخوف على الراجح، ويقال لها غزوة بنى لحيان. وسببها ما قاله أحمد بن عبد الجبار وغيره: لما أصيب خبيب بن عدى وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مطالباً بدمائهم ليصيب من بنى لحيان غرة، فسلك طريق الشام ليرى (بضم الياء) أنه لا يريد بنى لحيان حتى نزل بأرضهم فوجدهم قد حذروا وتنمعوا فى رءوس الجبال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش أنا قد جئنا مكة فخرج فى مائتى راكب حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين حتى جاءا كراع الغميم ثم انصرفا. فذكر أبو عياش الزرفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان صلاة الخوف. أنظر ص 81 ج 4 البداية والنهاية (غزوة بنى لحيان).

لقد أُصبنا غرة، لقد أُصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم فى الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر. فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه. فصفّ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصفّ بعد ذلك صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذى يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذى يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول. ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذى يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم والصف الذى يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً فسلم عليهم جميعاً، فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بنى سليم. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن حبان والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (¬1). [ 103]. ¬

(¬1) ص 3 ج 7 الفتح الربانى. وص 99 ج 7 المنهل العذب (صلاة الخوف) وص 231 ج 1 مجتبى. وص 256 ج 3 سنن البيهقى (العدو يكون وجاه القبلة) وص 337 ج 1 مستدرك. و (الغرة) بكسر الغين وشد الراء: الغفلة، وما بعده تأكيد له. والمراد أن المسلمين كانوا غافلين عن حفظ مقامهم وما يخشى من مهاجمة العدو. و (آية القصر) ىية صلاة الخوف (ففى رواية) أحمد: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الايات بين الظهر والعصر: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " وفى رواية النسائى: فنزلت يعنى صلاة الخوف. وأطلق عليها ىية القصر للمجاورة. و (غزوة بنى سليم) (بالتصغير) كانت بالكدر (بضم فسكون) موضع على ثمانية برد من المدنية وكان القائد فيها على رضى الله عنه، واستخلف النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغنم فيها خمسمائة بعير، فقسم أربعمائة على المجاهدين، فخص كل واحد بعيران، وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم مائة. أفاده فى بهجة المحافل (ومنه) تعلم أن " ما فى بعض" كتب التاريخ من أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بنى سليم فى ثلثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فى مياههم ولم يلق كيداً. أهـ " غير صحيح" والحديث صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان ثم أن فى أرض سليم. ولا يعارضه ما قيل إن غزوة بنى سليم كانت قبل أحد ولم تكن شرعت صلاة الخوف يومئذ، لاحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا بنى سليم مرتين: مرة قبل أحد ولم يصل فيها صلاة الخوف، ومرة بعد عسفان وصلى بها صلاة الخوف.

(ب) وبما روى عطاء عن جابر عبد الله أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وذكر أن العدو كانوا بينه وبين القبلة، وأنا صففنا خلفه صفين، فكبر وكبرنا معه جميعاً ثم ركع وركعنا معه جميعاً، فلما رفع رأسه من الركوع سجد وسجد معه الصف الذى يليه، وقام الصف المؤخر فى نحو العدو، فلما قام وقام معه الصف المقدم، فركع وركعنا معه جميعاً، ثم سجد وسجد معه الصف الذى يليه، فلما سجد الصف الذى يليه وجلس انحدر للصف المؤخر بالسجود، ثم سلم وسلمنا جميعاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والبيهقى (¬1). [104]. (الكيفية الثانية) أن يكون العدو فى غير جهة القبلة، فيجعل الإمام الجيش طائفتين بحيث تكون كل طائفة تقاوم العدو تقف بإزاء العدو، ويصلى بطائفة ركعة فى فرض ثنائى - وكذا فى العيد عند الحنفيين وركعتين فى غيره ولو مغرباً. وبعد السجدة الثانية من الركعة الأولى فى الثنائى، وبعد التشهد فى غيره تمضى هذه الطائفة مشاة إلى وجه العدو ولو مستدبرة القبلة، وتجئ الطائفة التى كانت عند العدو فيصلى الإمام بهم ما بقى له ويسلم وحده، وتذهب ¬

(¬1) ص 4 ج 7 الفتح الربانى. وص 125 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 230 ج 1 مجتبى. وص 257 ج 3 سنن البيهقى (العدو يكون وجاه القبلة).

الطائفة الثانية ندباً إلى وجه العدو، فلو أتموا الصلاة مكانهم صحت، وتجئ الطائفة الأولى إلى مكان صلاتهم ندباً ويتمون بلا قراءة عند الحنفيين، لأنهم لاحقون، ثم يذهبون إلى العدو، ولو أتموا عنده صح، ثم تجئ الطائفة الأخرى إن شاءوا ويتمون صلاتهم بقراءة اتفاقاً، لأنهم مسبوقون. وبهذه الكيفية أخذ الحنفيون والأوزاعى والشافعى وأحمد وأشهب المالكى. ورجحها ابن عبد البر: (أولا) لقوة أدلتها. وهى: (أ) (قول) ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف النبى صلى الله عليه وسلم صف مستقبل للعدو، فصلى النبى صلى الله عليه وسلم بالصف الذى يليه ركعة، ثم قاموا فذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلى العدو وجاء أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبل العدو ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا. أخرجه احمد وأبو داود والطحاوى والبيهقى بسند رجاله ثقات (¬1). [105]. (وظاهره) أن الطائفة الثانية والت بين ركعتها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها. (ب) وقو ابن عمر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة للعدو. ثم انصرفوا وقاموا ¬

(¬1) ص 10 ج 7 الفتح الربانى. وص 119 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ثم يسلم .. ) وص 184 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف) وص 261 ج 3 سنن البيهقى (من قال فى هذا كبر بالطائفتين جميعاً ثم قضى كل طائفة ركعتها الباقية .. ).

مقام اصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. أخرجه البيهقى والسبعة إلا ابن ماجه وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [106]. (وظاهره) أنهم أتموا لأنفسهم فى حالة واحدة، ويحتمل أنهم اتموا على التعاقب كما فى حديث ابن مسعود وهو الراجح، لئلا يلزم تضييع الحراسة المطلوبة. (حـ) وما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى صلاة الخوف: تقوم طائفة مع الإمام وطائفة بإزاء العدو، فيكبر الإمام بالطائفة التى معه ويصلى بهم ركعة، فإذا فرغ منها وذهبوا حتى يكونوا بإزاء العدو من غير أن يتكلموا والإمام مكانه، وتأتى الطائفة التى بإزاء العدو فيصلى بهم الإمام ركعة أخرى حتى إذا فرغ منها انصرف الإمام وذهب هؤلاء من غير أن يتكلموا حتى يكونوا بإزاء العدو، فيجئ الآخرون فيقضون وحداناً ركعة ركعة ويسلمون. فذلك قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} الآية. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬2) (28) ¬

(¬1) ص 260 ج 3 سنن البيهقى (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ثم يقضون الركعة الأخرى). وص 11 ج 7 الفتحالربانى. وص 293 ج 2 فتح البارى (صلاة الخوف) وص 124 ج 6 نووى مسلم. وص 116 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة). وص 229 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 394 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) انظر رقم 375 ص 75 (صلاة الخوف).

(ثانياً) ولموافقتها الأصول فى أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام غمامه (ولم يفرق) الحنفيون ومالك فى العمل بهذه الكيفية بين أن يكون العدو فى جهة القبلة أم لا (وفرق) الشافعى وأحمد والجمهور فحملوا حديثى ابن مسعود وابن عمر على أن العدو كان فى غير جهة القبلة. وأما إذا كان فى جهتها فيعمل بما تقدم فى حديثى ابى عياش وجابر (ويؤيده) ما تقدم فى حديث ابى عياش من (قوله) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه (وقول) عطاء عن جابر: وذكر أن العدو كانوا بينه وبين القبلة. (ولا فرق) فى ذلك بين الثنائية وغيرها، لعموم آية: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فإذا صلى الرباعية صلاة الخوف فرق القوم طائفتين فصلى بكل طائفة ركعتين وتتم لنفسها. وهل تفارقه الطائفة الأولى فى التشهد الأول أو حين يقوم إلى الثالثة؟ وجهان. (ودليل) هذا ما روى ابو سلمة عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبى صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبى صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاختر طه فقال له: تخافنى؟ فقال له: لا. قال: فمن يمنعك منى؟ قال: الله، فتنهده أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم اربع وللقوم ركعتان. أخرجه أحمد والشيخان والبيهقى (¬1). [107]. ¬

(¬1) ص 21 ج 7 الفتح الربانى. وص 302 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع) وص 129 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 259 ج 3 سنن البيهقى (الإمام يصلى بكل طائفة ركعتين) والرجل من المشركين هو غورث بن الحارث بغين معجمة مفتوحة وقد تضم. ورواه الخطابى بالتصغير وبالشك فى إعجام الغين وإهمالها اسلم وصحب النبى صلى الله عليه وسلم (فاختر طه) أى سله من غمده. و (قال) أى رسول الله (الله) يمنعنى. وفى رواية لأحمد: فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك منى؟ قال: كن خير آخذ. فخلى سبيله.

حمل الحنفيون ومالك هذا الحديث على الصلاة الرباعية فى الخوف، وتأولوا قوله: وللقوم ركعتان، بأن المراد ركعتان مع الإمام ثم أتموا لنفسهم. وحمله الشافعى وأحمد والحسن البصرى على أنه بيان لصفة أخرى لصلاة الخوف وهى أن يصلى الإمام بكل طائفة ركعتين فيكون مفترضاً فى الأولين متنفلا فى الأخريين، مستدلين بقول أبى بكرة: صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى ببعض اصحابه ركعتين ثم سلم فتأخروا، وجاء آخرون فكانوا فى مكانهم فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فصار لنبى صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. اخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والدارقطنى والطحاوى (¬1). [108]. (وأعله) ابن القطان بأن أبا بكرة اسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة (ورده) الحافظ بأن هذا ليس بعلة لنه يكون مرحل صحابى. ويرده أيضا قول أبى بكرة: صلى بنا فى رواية أحمد، وعند الطحاوى: صلى بهم. (وأجاب) الحنفيون عن حديث أبى بكرة بأنه معلول كما تقدم (لكن) يريده حديث أشعث بن عبد الملك الحمرانى عن الحسن عن أبى بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم فى صلاة الخوف صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ست ركعات وللقوم ثلاثاً ثلاثاً. أخرجه الدارقطنى والحاكم وقال: ¬

(¬1) اص 19 ج 7 الفتح الربانى. وص 126 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعتين) وص 321 ج 1 مجتبى (آخر صلاة الخوف) وص 186 سنن الدارقطنى. وص 176 ج 1 شرح معانى الآثار (صلاة الخوف).

هذا حديث غريب. أشعث الحمرانى لم يكتبه غلا بهذا الإسناد، وهو صحيح على شرط الشيخين (¬1). [109]. (وأما قول) الحافظ: لم يقع فى شئ من الأحاديث المروية فى صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب (¬2) (فمحمول) على أنه لم يرد فى صلاتها مجزأة بين الطائفتين. واختلفوا فيما إذا صليت كذلك. هل يصلى الإمام بالأولى ركعتين وبالثانية واحدة أو العكس؟ (فقال) الحنفيون ومالك وأحمد: يتعين الأول واختاره الشافعى. لما روى فى البحر عن علىّ أنه صلى بالطائفة الأولى ركعتين. قال: وهو توقيف. (وأجاز) الشافعى أن يصلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين، لما ورى عن علىّ أيضاً أنه صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين. (وأجاب) عنه فى البحر بأن الرواية الأولى ارجح من جهة المعنى، لأنها أخف وأوفق للمعتاد فى نظم الصلاة من انصراف كل طائفة عقب التشهد (وعليه) تفارق الطائفة الأولى الإمام وهو جالس للتشهد او قائم على الثالثة وتتم لنفسها، وتأتى الطائفة الثانية فتصلى معه الركعة الثالثة له ثم تفارقه بعد السلام أو حين جلوسه للتشهد. (وإذا صلى) بالطائفة الأولى ركعة تفارقه إذا قام للثانية وتتم لنفسها وتأتى الطائفة الثانية وهو فى قيام الثانية وتصلى معه ركعتين ثم تفارقه إذا جلس للتشهد الأخير او بعد سلامه. (فائدة) يستحب عند الجمهور حمل السلاح حال صلاة الخوف، لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (¬3)، ولأنهم لا يؤمنون أن يفاجئهم عدوهم ¬

(¬1) ص 187 سنن الدارقطنى. وص 337 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 296 ج 2 فتح البارى الشرح (باب يحرس بعضهم بعضاً فى صلاة الخوف). (¬3) سورة النساء: آية 102 وصدرها: " وإذا كنت فيهم".

فيميلون عليهم كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} (¬1). (وقالت) الظاهرية: يجب حمل السلاح حال صلاة الخوف. وهو قول للشافعى لظاهر الأمر، وقد اقترن به ما يدل على الوجوب وهو قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} (¬2) فنفى الحرج مشروطاً بالأذى دليل على لزوم حمل السلاح عند عدم الأذى. (وأجاب) الجمهور: بأن الأمر بأخذ السلاح للرفق بهم والصيانة. فليس للإيجاب، لأنه لو وجب لكان شرطاً فى الصلاة كالسترة. (والحجة) مع من قال بوجوب حمله، لما تقدم، وهم يقولون بأن حمل السلاح عند عدم الذى شرط فى صحة الصلاة كالسترة. (الكيفية الثالثة) إذا كان العدو فى غير جهة القبلة وهى: أن يجعل الإمام القوم طائفتين، طائفة تقف عند العدو وطائفة تصلى معه ركعة ثم تتم لنفسها وتنصرف على وجه العدو والإمام قائم للثانية، وتأتى الطائفة التى كانت عند العدو فيصلى بهم ركعة ويثبت جالساً حتى يصلى هؤلاء ركعتهم الثانية ثم يسلم بهم. وبهذا قال مالك والشافعى وأحمد لما روى صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ¬

(¬1) سورة النساء: آية 102. (¬2) سورة النساء: آية 102.

الركعة التى بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. أخرجه الشافعى والجماعة غلا ابن ماجه (¬1). [110]. ولا يقدح فيه جهالة من روى عنه صالح بن خوات، لأنه صحابى، والصحابة كلهم عدول. (الكيفية الرابعة) هى كالثالثة، غير أن الإمام لا ينتظر الطائفة الثانية حتى تتم لنفسها ويسلم بها، بل تجلس معه للتشهد، فإذا سلم أتموا صلاتهم وسلموا. وبهذا قال مالك والشافعى وأحمد والظاهرية، لما روى عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات ان سهل بن أبى حشمة حدثه أن صلاة الخوف ان يقوم الإمام وطائفة من أصحابه - وطائفة مواجهة العدو- فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت قائماً وأتموا لنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم، فكانوا وجاه العدو. ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع ¬

(¬1) ص 202 ج 1 بدائع المنن. وص 329 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 16 ج 7 الفتح الربانى. وص 297 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع) وص 128 ج 6 نووى مسلم (صلاة الخوف) وص 107 ج 7 المنهل العذب. وص 229 ج 1 مجتبى. وص 395 ج 1 تحفة الأحوذى. و (من صلى مع رسول الله) هو خوات بن جبير أبو صالح على ما جزم به النووى فى تهذيبه (وذات الرقاع) بكسر الراء: غزوة كانت بأرض غطفان من نجد سنة سبع منالهجرة على ما اختاره البخارى، سميت بذلك لأن اقدام المسلمين وقت من الحفاء فلفوا عليها الخرق. قال أبو موسى الأشعرى: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت (من باب فرح) اقدامنا ونقبت قدماى وسقطت أظفارى فكنا نلف على أظفارنا الخرق فسميت غزوة ذاتالرقاع لما كنا نعصب (بفتح فسكون فكسر) على أرجلنا من الخرق. أخرجه البخارى ص 297 ج 2 فتح البارى، وقيل: سميت باسم جبل يقال له الرقاع لن فيه بياضاً وحمرة وسواداً (وحاصلها) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه أن أنماراً وثعلبة وغطفان تجمعوا لغزو المسلمين فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج صلى الله عليه وسلم فى أربعمائة رجل أو سبعمائة فسار حتى أتى أرض غطفان فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، ولم يقع ثم قتال، لكن توقع المسلمون ذلك، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف. (وجاه) بكسر الواو وضمها: أى مقابل العدو.

بهم ويسجد بهم ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون. أخرجه مالك والبخارى والأربعة، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح لم يرفعه يحيى بن سعد الأنصارى عن القاسم بن محمد. وهكذا رواه أصحاب يحيى بن سعيد موقوفاً. ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد (¬1) (29). (الكيفية الخامسة) أن يفرق الإمام القوم فرقتين: فرقة تقف عند العدو، وفرقة تقف خلفه، فيحرم الكل بإحرامه ولو مستدبرين القبلة، ويصلى بمن خلفه ركعة ثم ينصرفون مقابل العدو، ويأتى الآخرون فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قائم، ثم يصلون معه الركعة الثانية، ثم تأتى الطائفة التى عند العدو فتصلى لنفسها الركعة الثانية والإمام والطائفة الثانية جالسون ثم يسلم بالطائفتين جميعاً. وبهذه الكيفية قال إسحاق وأحمد والظاهرية (لقول) أبى هريرة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر فقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابلة العدو ظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعاً الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 330 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 300 ج 7 فتح البارى (غزوة ذات الرقاع). وص 108 ج 7 المنهل العذب. وص 395 ج 1 تحفة الأحوذى (صلاة الخوف) وص 196 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 321 ج 1 مجتبى.

ركعة واحدة، وركعت الطائفة التى معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التى تليه، والآخرون قيام مقابلة العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التى معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التى كانت مقابلة العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو. ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التى تقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعاً. فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم وصححه والطحاوى والبيهقى بسند رجاله ثقات (¬1). [111]. (الكيفية السادسة) أن تصلى إحدى الطائفتين مع الإمام الركعة الأولى إلى الجلوس بين السجدتين ويبقى هو جالساً وتسجد وحدها السجدة الثانية وترجع إلى الوراء حتى تقف عند العدو، وتأتى الطائفة الثانية فتقف خلف الإمام فيحرمون ثم يركعون ويرفعون من الركوع وحدهم، ثم يسجد الإمام سجدته الثانية فيسجدون معه، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويسجدون ¬

(¬1) ص 23 ج 7 الفتح الربانى. وص 111 ج 7 المنهل العذب (من قال يكبرون جميعاً وإن كانوا مستدبرين القبلة) وص 229 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 338 ج 1 مستدرك. وص 185 ج 1 شرح معانى الآثار. وص 264 ج 3 سنن البيهقى (من قال قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى عند مجيئها .. ) و (ركعة ركعة) هذا لفظ ابى داود والحاكم، أى كان للنبى صلى الله عليه وسلم ركعتان مع الجماعة، ولكل طائفة ركعة معه وركعة منفردين. فعند أحمد والنسائى والطحاوى: ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان. وصوبه البيهقى.

لأنفسهم السجدة الثانية، ثم تجئ الطائفة الأولى خلف الإمام فيصلى بهم جميعاً الركعة الثانية ثم يسلم بهم جميعاً. وبهذا قال إسحاق وأحمد وابن المنذر والظاهرية لما روى عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع، فصدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس صدعين، فصفت طائفة وراءه وقامت طائفة تجاه العدو، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا خلفه ثم ركع وركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فرفعوا معه، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى حتى قاموا من ورائهم، فأقبلت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدته الثانية فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ركعته وسجدوا هم لأنفسهم السجدة الثانية. ثم قامت الطائفتان جميعاً فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع فركعوا جميعاً ثم سجد فسجدوا جميعاً ثم رفع رأسه ورفعوا معه، كل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً جداً لا يألو أن يخفف ما استطاع. ثم سلم فسلموا. فقام وقد شاركه الناس فى الصلاة كلها. أخرجه أحمد - وهذا لفظه - وأبو داود والبيهقى والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهو أتم حديث وأشفاه فى صلاة الخوف (¬1). [ 112]. ¬

(¬1) ص 25 ج 7 الفتح الربانى. وص 115 ج 7 المنهل العذب وصدره: كبر رسول الله. وص 265 ج 3 سنن البيهقى (من قال قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى عند مجيئها .. ) وص 336 ج 1 مستدرك. و (صدعين) بكسر فسكون مثنى صدع وهو القسم. و (سريعاً جداً) أى صلى الركعة الثانية مسرعاً فى سجودها الثانى إسراعاً مبالغاً فيه مع مراعاة ما يحصل به أقل الكمال (وحكمة) هذا الإسراع مخافة هجوم العدو خصوصاً حال السجود .. و (المشاركة فى كل الصلاة) باعتبار أن الطائفة الثانية قضت معظم الركعة التى فاتتها قبل سلام الإمام وسلمت بسلامه، فلا يرد أنها لم تشاركه فى الركعة إلا فى سجدة واحدة.

(الكيفية السابعة) أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة ثم تذهب تحرس العدو، وتأتى الطائفة الأخرى فتصلى معه الركعة الثانية ثم يسلم، فتكون له ركعتان ولكل طائفة ركعة بلا قضاء. وبهذا قال الثورى وأحمد وإسحاق وابن المنذر والظاهرية، مستدلين بما روى ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة بن اليمان: أنا. فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا. أخرجه أبو داود والنسائى والطحاوى والبيهقى والحاكم وقال: هذا صحيح الإسناد (¬1) [113]. (وقال) الجمهور: صلاة الخوف كصلاة الأمن، فلا يجوز الاقتصار فيها على ركعة واحدة، وتأولوا الحديث ونحوه بأن المراد أن كل طائفة صلت مع الإمام ركعة وأتموا لنفسهم ركعة (وقوله) ولم يقضوا: أى لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن، وهو بعيد، لن معناه المتبادر: لم يصلوا ركعة أخرى غير التى صلوها مع الإمام. ¬

(¬1) ص 122 ج 7 المنهل العذب (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولا يقضون) وص 228 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 183 ج 1 شرح معانى الآثار. وص 261 ج 3 سنن البيهقى (من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا) وص 335 ج 1 مستدرك. و (زهدم) بفتح الزاى وسكون الهاء، و (طبرستان) بفتح الطاء والباء الموحدة وكسر الاء: مركب من طبر، وهى بالفارسية اسم للفأس، وستان وهى الناحية، سميت بذلك لأنها لكثرة اشجارها واشتباكها لا يتمكن الجيش من سلوكها إلا بعد قطع الأشجار بالطبر. وهى بلاد واسعة بالعجم، فتحت سنة 29 من الهجرة فى عهد عثمان على يد سعيد بن العاص رضى الله عنهما.

ويؤيده (حديث) ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى قرد وصف الناس خلفه صفين: صفاً خلفه وصفاً موازى العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا. أخرجه النسائي والحاكم وقال: هذا شاهد للحديث الذي قبله وهو صحيح الإسناد (¬1). [114]. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ويجوز أن يصلى صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: كل حديث يروى فى أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز. وقال: ستة أوجه أو سبعة تروى فيها كلها جائز. قال الأثرم: قلت لبى عبد الله: تقول بالأحاديث كلها، كل حديث فى موضعه أو تختار واحداً منها؟ قال: أنا أقول: من ذهب إليها كلها فحسن، وأما حديث سهل فأنا أختاره (¬2). {فوائد}: (الأولى) إنما تلزم صلاة الخوف بكيفية مما ذكر إذا لم يرض القوم ¬

(¬1) ص 228 ج 1 مجتبى (صلاة الخوف) وص 335 ج 1 مستدرك. و (ذى فرد) بفتح القاف والراء، وهى أرض بنى سليم بين خيبر والمدينة على ليلتين منها: كانت غزوتها قبل خيبر بثلاثة ايام (لقول) (سلمة بن الأكوع فى حديث طويل عند مسلم: ثم "أى بعد غزوة ذى قرد" أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة فوالله ما لبثنا 0 أى بالمدينة) إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وص 182، 183 ج 12 نووى مسلم. (¬2) ص 268 ج 2 مغنى (ما ورد فى صفة صلاة الخوف) وحديث سهل تقدم فى الكيفية الرابعة ص 104 اثر 29.

إلا بالصلاة خلف الإمام، اما إذا رضوا فالأفضل ان يصلى بطائفة كل الصلاة ويصليها بالأخرى غمام آخر. (الثانية) تجوز صلاة الخوف فى الحضر إذا دعت غليها الحاجة بنزول العدو بالبلد أو قريباً منها، لعموم أدلة صلاة الخوف، ولأنها جوزت للاحتياط للصلاة والحرب، وهذا موجود فى الحضر. (وبهذا) قال الحنفيون والشافعي وأحمد والأوزاعى. وهو مشهور مذهب مالك. وعنه أنها لا تجوز فى الحضر؛ لأن الآية غنما دلت على صلاة ركعتين، وصلاة الحضر أربعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فى الحضر. (وأجاب) الأولون بأن الآية عامة فى الحضر والسفر. وصلاة الحضر كما تكون أربعاً تكون ركعتين كما فى الصبح والجمعة، وثلاثاً كالمغرب. وترك للنبى صلى الله عليه وسلم فعلها فى الحضر إنما كان لغناه عنها فيه. (الثالثة) تبطل صلاة الخوف بالمشي لغير اصطفاف طالباً او مطلوباً وبالركوب مطلقاً ولو لاصطفاف، لأنه عمل كثير بلا ضرورة. وبالقتال الكثير الزائد على الحاجة، وكذا إذا صلى فى المغرب بالطائفة الأولى ركعة وبالأخرى ركعتين تفسد صلاتهما عند الحنفيين ومالك وأحمد لانصراف الأولى فى غير أوان الانصراف، ولأن الثانية لما أدركت الركعة الثانية صارت من الطائفة الأولى، وقد انصرف أوان رجوعها، ولا تبطل صلاتهما عند الشافعي لما روى أن علياً رضى الله عنه صلى المغرب ليلة الهرير بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين. ذكره البيهقى بلا سند وأشار على ضعفه فقال: ويذكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً .... إلخ (¬1) (30). ¬

(¬1) ص 414 ج 4 شرح المهذب. وليلة الهرير من ليالى صفين، سميت بذلك لنهم كان لهم هرير (صوت) عند حمل بعضهم على بعض.

ولو جعلهم ثلاث طوائف فصلى بكل طائفة ركعة فسدت صلاة الأولى فقط- عند الحنفيين ومالك وأحمد - لانصرافها فى غير أوان الانصراف. والأصح عند الشافعية صحة صلاة الكل. (الرابعة) دلت أحاديث صلاة الخوف والعدو فى غير جهة القبلة على تفريق الجيش فرقتين، وأنه لا يجوز أن يفرقهم الإمام أكثر من فرقتين، فيصلى لكل فرقة ركعة أو يصلى بالأولى ركعتين وبالباقيتين ركعة ركعة فى الصلاة الرباعية، إذ لم يرد ذلك فى شئ من أحاديث الباب. والرخص يقتصر فيها على ما ورد. فإذا فعل الإمام ذلك بطلت صلاته ومن خلفه عند سحنون المالكى لمخالفتها المشروع فى صلاة الخوف. وقال الحنفيون وأحمد: تبطل صلاة الإمام لزيادته على انتظارين ولم يعهد فى صلاة الخوف سواهما. وتبطل صلاة الطائفة الثالثة والرابعة لاقتدائهم بالإمام بعد بطلان صلاته. وأما الطائفة الأولى والثانية فصلاتهم صحيحة لمفارقتهم الإمام قبل بطلان صلاته كما جزم به الرافعى. (وقال النووى) الأصح ان صلاة الإمام صحيحة، فإنه قد تدعوا الحاجة إلى ذلك، وعليه ففى صلاة المأمومين قولان: أصحهما أنها صحيحة (والصحيح) عند المالكية ان صلاة الطائفة الأولى والثالثة باطلة وصلاة غيرهما صحيحة. أفاده العراقى (¬1). (الخامسة) ظاهر إطلاق أحاديث الباب أن صلاة الخوف تجوز ايضاً فى الجمعة، وعليه فيجوز أن تصلى على هيئة صلاة عسفان بأن يرتبهم الإمام صفين خلفه ويحرس فى سجود كل ركعة صف على ما تقدم. ويجوز أن تصلى علىهيئة صلاة ذات الرقاع بشرط أن يخطب بهم جميعاً أو يخطب بفرقة تفى بالعدد الواجب حضوره فى الجمعة على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) ص 139 ج 3 طرح التثريب (هل للإمام أن يفرقهم أربع فرق فى الرباعية أو ثلاثاً فى المغرب).

(8) صلاة شدة الخوف: وإن اشتد الخوف والتحم القتال ولم يتمكن الجيش من تركه لقتلهم وكثرة العدو أو لم يلتحم، لكن لم يأمن الجيش أن ينقلب العدو عليهم لو انقسموا صلوا، بحسب الإمكان رجالا وركباناً مستقبلى القبلة وغير مستقبليها يؤمنون بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويجعلون السجود اخفض من الركوع فيسقط عنهم ما عجزوا عنه من الأركان (لقول) الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}، ولما روى نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلى بهم الإمام ركعة. (ثم قال) فإن كان خوف هو اشد من ذلك صلوا رجالا قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلى القبلة أو غير مستقبليها. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مالك والشافعي والشيخان والبيهقى، وهذا لفظ البخاري (¬1). [115]. (وبهذا) قالت الأئمة والجمهور إلا أن المالكية قالوا: لا تصلى على هذه الحالة إلا إذا ضاق الوقت (واختلفوا) هل يغتفر للجيش حينئذ التقدم والتأخر والقتال والأفعال الكثيرة المحتاج إليها؟ فعند مالك وأحمد يغتفر ذلك، وهو الأصح عن الشافعى. وقيل: تبطل الصلاة به، لكن يمضى فيها لحرمة الوقت ثم يعيد (قال) الشافعى: فأما إذا تابع الضرب أو الطعن فلا تجزئه صلاته ويمضى فيها ولا يدعها فى هذه الحال إذا خاف ذهاب وقتها ويصليها ثم يعيدها (¬2). ¬

(¬1) ص 331 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الخوف) وص 203 ج 1 بدائع المنن وص 129 ج 8 فتح البارى (قوله): " فإن خفتم فرجالا أو ركباناً فإذا أمنتم " الآية. وص 125 ج 6 نووى مسلم. وص 256 ج 3 سنن البيهقى (صلاة شدة الخوف). (¬2) ص 197 ج 1 كتاب الأم (الوجه الثانى من صلاة الخوف .. ).

(وقال) الحنفيون: إن اشتد الخوف صلوا وحداناً (رجالا) واقفين - لا مشاة - (أو ركباناً) ولو مع السير مطلوبين للضرورة لا طالبين، يؤمنون بالركوع والسجود إلى أى جهة قدروا إن عجزوات عن التوجه إلى القبلة، فليس لهم أن يقاتلوا فى حال الصلاة، فإن فعلوا بطلت صلاتهم. وإذا دعا الحال إلى القتال أخروا الصلاة لجله. (وقال) ابن أبى ليلى والحكم بن عتبة: إذا اشتد القتال ودعا الحال إلى الركوب لا تصلى الفريضة على الدابة بل تؤخر الصلاة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل يوم الخندق راكباً وأخر الصلاة. (قال) علىّ رضى الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس. أخرجه الشيخان (¬1). [116]. (وأجاب) الأولون بأن غزوة الخندق كانت قبل مشروعية صلاة الخوف فلا يحتج بما وقع فيها على ترك الصلاة فى شدة الخوف راكباً او تأخيرها إن احتاج الأمر للقتال (فقد) تقدم أن أبا سعيد الخدرى قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد الغروب بهوى من الليل حتى كفينا وذلك قوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر (الحديث)، وفيه: ثم أقام العشاء فصلاها كذلك. وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل فى صلاة الخوف: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}.أخرجه الشافعى والطحاوى وقال: فأخبر أبو سعيد أن تركهم للصلاة يومئذ ركباناً إنما كان قبل ان يباح لهم ذلك، ثم أُبيح لهم بهذه الآية (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 285 ج 7 فتح البارى (غزوة الخندق) وص 127 ج 5 نووى مسلم (دليل من قال الصلاة الوسطى هى صلاة العصر). (¬2) تقدم رقم 21 ص 25 ترتيب الفوائت: و (الهوى) بفتح الهاء وكسر الواو وشد الباء: الزمن الطويل.

(فالراجح) جواز صلاة الخوف إن اشتد الخوف والتحم القتال ركباناً ومشاة مع القتال، والضرب والكر والفر إن دعت إليه الحاجة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فى غير شدة الخوف، فأمرهم بالمشى إلى جهة العدو وهم فى الصلاة ثم يعودون لقضاء ما بقى من صلاتهم، وهذا مشى كثير وعمل طويل واستدبار للقبلة. فإذا جاز ذلك مع عدم شدة الخوف فمع شدته أولى. {فوائد}: (الأولى) اختلف العلماء فى جواز الكلام فى صلاة شدة الخوف إن احتيج إليه (فقالت) المالكية: يحل فيها كلام أجنبى لغير إصلاح الصلاة إن احتيج له فى القتال كتحذير وإغراء وأمر ونهى (لقول) حذيفة بن اليمان لسعيد بن العاص: وتأمر أصحابك إن هاجم هيج من العدو فقد حل لهم القتال والكلام. هذا بعض أثر أخرجه أحمد بسند صحيح (¬1) (31). (وقال) الحنفيون والشافعى وأحمد: تبطل صلاة الخوف بالكلام وإن احتيج إليه. قال الشافعى: وإذا تعمد فى الصلاة كلمة يحذر بها مسلماً أو يسترهب بها عدواً وهو ذاكر انه فى صلاة فقد انتقضت صلاته وعليه إعادتها متى أمكنه (¬2). (وقال) النووى: ولا يجوز الصياح ولا فيره، والكلام بلا خلاف، فإن صاح فبان معه حرفان فإن بطلت صلاته، لأنه غير محتاج إليه، بخلاف المشى وغيره. ولا تضر الأفعال اليسيرة بلا خلاف، لأنها لا تضر فى غير الخوف ¬

(¬1) ص 29 ج 7 الفتح الربانى. و (إن هاجهم .. إلخ) أى إن أزعجهم حرب من العدو فقد حل لهم القتال والكلام الضرورى وهم يصلون. (¬2) ص 197 ج 1 كتاب الأم (الوجه الثانى من صلاة الخوف).

ففيه أولى. وأما الأفعال الكثيرة فإن لم تتعلق بالقتال أبطلت بلا خلاف.، وإن تعلقت به كالطعنات والضربات المتوالية، فإن لم يحتج إليها أبطلت بلا خلاف لأنها عبث، وإن احتاج إليها ففيها ثلاثة أوجه: أصحها عند الأكثرين لا تبطل وصححه الرافعى وغيره قياساً على المشى، ولأن مدار القتال على الضرب ولا يحصل المقصود غالباً بضربة وضربتين ولا يمكن التفريق بين الضربات (¬1). (وأجابوا) عن قول حذيفة بأنه موقوف عليه فلا يعارض عموم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس (¬2). (الثانية) تجوز الجماعة فى صلاة شدة الخوف عند أحمد لإطلاق قول ابن عمر: فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياماً على أقدامهم ... إلخ (¬3). وقالت الشافعية: الجماعة أفضل، ولا يمنع من الاقتداء اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة وفيها (وقالت) المالكية: تكره الجماعة فيها (وقال) الحنفيون: لا تصح الجماعة فيها فى ظاهر الرواية إلا إذا كان المقتدى والإمام على دابة واحدة، فيصح الاقتداء لاتحاد المكان والجهة. (الثالثة) من أمن فى أثناء صلاة الخوف أتمها صلاة آمن، ومن كان آمناً فخاف أو أشتد خوفه أتم صلاة خائف (وبيانه) أن من صلى بعض الصلاة حال الخوف ثم ذهب خوفه، لا يجوز انحرافه ومشيه إلى جهة العدو، وتصلى كل طائفة فى مكانها، ومن انحرف قبل زوال الخوف بنى على ¬

(¬1) انظر ص 426 ج 4 شرح المهذب (صلاة شدة الخوف). (¬2) تقدم رقم 5 ص 3 (مبطلات الصلاة). (¬3) تقدم برقم 115 ص 112.

ما صلى، ومن ابتدأ الصلاة آمناً ثم طرأ الخوف جاز له الانحراف إلى جهة العدو فى وقته لوجود الضرورة، ومن صلى بعض الصلاة حال شدة الخوف مع الإخلال بشئ من فرائضها كالاستقبال والركوع والسجود فآمن فى أثنائها اتمها بفرائضها؛ فإن كان راكباً إلى غير القبلة نزل واستقبلها، وإن كان ماشياً وقف واستقبل حال نزوله أو أخلّ بشئ من فرائضها بعد أمنه فسدت صلاته وإن ابتدأها آمناً ثم حدث خوف أتمها بما استطاع. افاده ابن قدامة (¬1). (9) صلاة الطالب والمطلوب: من كان مطلوباً أو طالباً للعدو فخاف فوته أوفوت الوقت صلى بالإيماء ولو ماشياً إلى غير جهة القبلة عند الأوزاعى وابن حبيسب المالكى وهو رواية عن الشافعى (لقول) عبد الله بن أنيس: دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد بلغنى أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لى الناس ليغزونى وهو بعرنة فأته فاقتله. قلت: يا رسول الله انعته لى حتى أعرفه. قال: إذا رايته وجدت له قشعريرة. فخرجت متوشحاً بسيفى حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظُعُن يرتاد لهن منزلا وكان وقت العصر. فلما رأيته وجدت ما وصف لى رسول الله صلى الله عليه وسلم منالقشعريرة، فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بينى وبينه محاولة تشغلنى عن الصلاة، فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسى للركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لهذا. قال: أجل انا فى ذلك، فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكننى حملت عليه السيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله صلى الله علييه وسلم قال: ¬

(¬1) تقدم برقم 115 ص 112.

افلح الوجه. قلت: قتلته يا رسول الله. قال: صدقت (الحديث) اخرجه أحمد والبيهقى (¬1). [117]. (وقال الحنفيون) يصلى المطلوب راكباً بالإيماء بخلاف الماشى والسائح والطالب ولو راكباً (وقال) أحمد وعطاء والثورى: المطلوب يصلى سائراً بالإيماء بخلاف الطالب. وهذا هو المختار عند الشافعى، وإذا انهزم الكفار وتبعهم المسلمون خشية أنهم لو ثبتوا وكملوا للصلاة فاتهم العدو، لا تجوز لهم صلاة شدة الخوف فى هذه الحالة- عند الشافعية- إلا إن خافوا كميناً او رجوع العدو. وعند المالكية فى ذلك قول بالجواز وقول بالمنع. (وكالمطلوب) فى ذلك كل من منعه عدو عن الركوع والسجود أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من نحو لص او سبع، فإنه يصلى بالإيماء على أى جهة توجه غليها، والمختار عند مالك الإعادة فى الوقت إن أمن، ويجوز ذلك فى كل هرب مباح من سيل أو حريق إذا لم يجد معدلا عنه، أو من سبع. وكذا المدين المعسر إذا كان عاجزاً عن بينة الإعسار ولو ظفر به المستحق لحبسه ولم يصدقه، وكذا إذا كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغضب بتغيبه واستبعد إمام الحرمين جواز هربه بهذا التوقع. أفاده العراقي (¬2). ¬

(¬1) (انظر ص 26 ج 7 - الفتح الربانى. وص 256 ج 3 سنن البيهقى 0 صلاة شدة الخوف). و (أنيس) و (نبيح) مصغران. و (عرنة) بضم ففتح: موضع قرب عرفة. و (قشعريرة) بضم ففتح فسكون فكسر، أى رعدة. و (ظعن) بضمتين: جمع ظعينة وهى فى الصل الراحة يظعن (أى يسار) عليها. وقيل هى المرأة فى الهودج. ثم أطلقت على المرأة بلا هودج. و (الحديث) انظره تاماً ص 122 ج 7 المنهل العذب. (¬2) انظر ص 150 ج 3 طرح التثريب (صلاة الخوف للمنهزم والهارب).

(وأجابوا) عن حديث عبد الله بن أنيس بأنه وقعة عين خاصة به لورود الأمر الخاص به وكونه عليه الصلاة والسلام عينه لقتل هذا الرجل وجعل له علامة عليه وهى قشعريرة تحصل له عند رؤيته، فكان ذلك كما أخبر، وكان معجزة وعلماً من أعلام النبوة، فلا يلزم من اغتفار المشى الكثير له فى هذه الحالة اغتفار ذلك لغيره. ويحتمل أن يقال: كان عبد الله بن أنيس فى معنى الطالب الذى يخشى كرة العدو، إذ لا يأمن شر خالد بن سفيان لو عرفه قبل المبادرة إليه. قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلى على دابته يومئ غيماء، وإن كان طالباً نزل فصلى على الأرض. قال الشافعى: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك. وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب. ووجه الفرق ان شدة الخوف فى المطلوب ظاهرة، وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو، وهذا متعقب بكلام الأوزاعى فإنه لم يفرق بين الطالب والمطلوب: قاله الحافظ (¬1). والظاهر ان مرجع هذا الخلاف إلى الخوف المذكور فى الاية، فمن قيده بالخوف على النفس والمال من العدو فرق بين الطالب والمطلوب، ومن جعله أعم من ذلك لم يفرق بينهما وجوز صلاة الخوف للراجل والراكب عند حصول أى خوف. (تنبيه) علم مما تقدم حرص الشارع على الصلاة واهتمامه بأمرها حتى طلب تأديتها من المجاهدين فى سبيل الله تعالى والعدو يطاردهم ويطاردونه، ولم يبح لهم تأخيرها عن وقتها، وبهذا تميزت عن سائر العبادات، إذ كلها تسقط بالأعذار بخلاف الصلاة، فإنه لا يحل لمن فى راسه عقل تركها بحال من الأحوال، فإن تركها جريمة كبرى توجب قتل التارك ولو لصلاة واحدة، ¬

(¬1) (انظر ص 298 ج 2 فتح البارى) صلاة الطالب والمطلوب).

(السابع) الجمعة

كما تقدم فى بحث (جاحد الصلاة وتاركها) (¬1) فلينظر العاقل إلى هذا وما عليه غالب أهل الزمان من إضاعتهم الصلاة فى الصحة والأمن والحضر، فضلا عن حخال المرض والخوف والسفر (فإنا لله وإنا إليه راجعون). (السابع) الجمعة هى بضم الميم وإسكانها وفتحها: من الإجتماع، سمى اليوم به لأنهجمع فيه خلق آدم من الماء والطين (روى) على بن أبى طلحة عن أبى هريرة قال: قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: لأى شئ سمى يوم الجمعة؟ قال: لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم. وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفى آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). وعلى بن أبى طلحة لم يسمع من أبي هريرة. [118]. ¬

(¬1) تقم ص 41 ج 2 الدين الخالص. (¬2) انظر ص 7 ج 6 - الفتح الربانى. و (طبعت) أى خلقت (والصعقة) المرة من الصعق، وهو فى الأصل ما يغشى الإنسان من صوت شديد يسمعه ثم كثرت استعماله فى الموت. والمراد بالصعقة صوت النفخة الأولى التى بها يموت كل حى إلا رؤساء الملائكة (قال) أنس قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله " فقيل: من هؤلاء الذين استثنى الله يا رسول الله؟ قال: جبرائيل وميكائيل وملك الموت. قال: يقول: يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم. ثم يقول: يا ملك الموت من بقى؟ فيقول: سبحانك ربى ياذا الجلال =

(وقيل) سمى بذلك لاجتماع الأنصار مع أسعد بن زرارة فيه فصلى بهم وذكرهم، فسموه بالجمعة بعد أن كان يسمى يوم العروبة، أى يوم التحسين، لأنه يوم تجمل (وهو) أفضل ايام الأسبوع (لحديث) ابى هريرة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه اهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة. وما من دابة إلا وهى مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس سفقاً من الساعة إلا الجن والإنس. وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه (الحديث) أخرجه الأئمة والثلاثة، وهذا لفظ الشافعى، وزاد هو والترمذى وأبو داود: قال ابو هريرة: قال عبد الله بن سلام: هى آخر ساعة من يوم الجمعة. فقلت له: كيف هى آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله ¬

= والإكرام بقى جبريل وملك الموت. فيقول: يا ملك الموت مت، فيموت. ثم يقول: يا جبريل من بقى؟ يقول جبريل: سبحانك ربى ياذا الجلال والإكرام، بقى جبريل وهو من الله بالمكان الذى هو به. فيقول: يا جبريل لابد من موته. فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول: سبحانك تباركت وتعاليت ياذا الجلال والإكرام، أنت الباقى وجبريل الميت الفانى. ويأخذ روحه (الحديث) أخرجه ابن جرير الطبرى ص 20 ج 24 جامع البيان (4) .. وبهذا تنتهى الدنيا (وقيل) من لا يصعق بالنفخة الأولى الشهداء (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سألت جبريل عليه الصلاة والسلام عنهذه الآية: " ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله" من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم الشهداء (الحديث) أخرجه ابو يعلى بسند رجاله ثقات إلا عمرو بن محمد فإنه غير معروف. قاله ابن كثير. ص 267 ج 7 (5) (والبعثة) بفتح الباء: المرة من البعث وهو بعث للناس من قبورهم وإحياؤهم بعد الموت ليوم الجزاء. قال تعالى: " ذلك بأن الله هو الحق وأنه على كل شئ قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور " الحج: (6) والبطشة: أخذ الناس بالقهر والغلبة يوم القيامة. قال تعالى: " إن بطش ربك لشديد، إنه هو يبدئ ويعيد".

عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى؟ وتلك الساعة لا يصلى فيها، فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو فى صلاة حتى يصلى؟ فقلت: بلى. قال: هو ذاك. وصححه الترمذى (¬1). [ 119]. هذا والكلام هنا فى ستة عشر فصلا: ¬

(¬1) انظر ص 200 ج 1 زرقانى الموطأ (ما جاء فى الساعة يوم الجمعة) وص 149 ج 1 بدائع المنن: وص 5 ج 6 - الفتح الربانى- وص 180 ج 6 - المنهل العذب (فضل يوم الجمعة) وص 210 ج 1 مجتبى (الساعى التى يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة) وص 355 ج 1 تحفة الأحوذى (الساعة التى ترجى يوم الجمعة) و (خير) أفعل تفضيل حذفت همزته لكثرة الاستعمال (وظاهره) أن يوم الجمعة أفضل من يوم عرفة والنحر ويؤيده حديث: أفضل الأيام عند الله تعالى يوم الجمعة. أخرجه البيهقى بسند حسن عن أبى هريرة (6) (انظر رقم 1242 ص 28 ج 2 فيض القدير فهو أفضل الأيام مطلقاً عند الجمهور. وأما يوم عرفة فهو أفضل فهو أفضل ايام السنة لما يأتى فى (فضل يوم عرفة) (ص 97 ج 9 إرشاد الناسك. ثم يوم النحر لما يأتى فى 0 صلاة العيدين) وقالت الشافعية: يوم الجمعة أفضل ايام الإسبوع ويوم عرفة افضل ايام السنة. ويؤيده ما يأتى فى حديث أوس ابن ابى أوس مرفوعاً: إن منأفضل أيامكم يومالجمعة (الحديث) يأتى رقم 129 قال العلامة العراقى: صرح احابنا الشافعية بأنه - أى يوم الجمعة - أفضل ايام الأسبوع وأن يوم عرفة أفضل ايامالسنة، واختلفوا فى أفضل الأيام مطلقاً علىوجهين اصحهما أنه يوم عرفة، ومقتضى الحديث المصرح بأن يوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس تفضيله مطلقاً. انظر ص 217 ج 3 طرح التثريب (افضل أيام الأسبوع وأفضل ايام السنة وأفضل الأيام مطلقاً) (وأهبط) أى أنزل من الجنة فى جزيرة سرنديب (سيلان) جنوب الهند .. وكان هبوطه من مزايا يوم الجمعة، لما ترتب ع 8 ليه من خلق بنى آدم ومنهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولم يخرج منها طرداً، بل لقضاء أو طار ثم يعود إليها (وأمنا) قيام الساعة ففيه تعجيل لجزاء الأنبياء والديقين والأولياء وغيرهم، وإظهار كرامتهم عند ربهم (وفيه تيب عليه) أى وفقه الله للتوبة مما ارتكبه وهو الأكل من الشجرة التى نهاه الله عن الأكل مها فى قوله: " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة =

(1) فضل يوم الجمعة

(1) فضل يوم الجمعة قد ورد فى فضله أحاديث أخر (منها) قول أنس: أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ قال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأُمتك. فالناس لكم فيها تبع ك اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله تعالى بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد. قال النبى صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ فى الفردوس وادياً اقبح فيه كثب مسك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ¬

= وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " سورة البقرة (35). فلما ندم على ما فعل وعاد على نفسه باللائمة لقنه الله كلمات تاب الله عليه بها كما قال تعالى: " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه <" سورة البقرة (37)، وكان ذلك يوم الجمعة العاشر من المحرم (وهذه) الكلمات هى قوله: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " سورة الأعراف (23). (وقيل) هى سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله إلا أنت. ظلمت نفسى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (فإن قيل) كيف أكل آدم منالشجرة مع النهى عنه والوعيد المقترن به بقوله: " فتكونا من الظالمين" (فالجواب) أنه أكل ناسياً النهى والوعيد. وهو الحيح لإخبار الله به فى كتابه فقال: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما " سورة طه (115). لكن " لما كان" الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعاو منازلهم. لا يلزم غيرهم " كان" تشاغله عن تذكر النهى تقصيراً صار به عاصياً (ومسيخة) روى بالسين والصاد، أى مصغية ومترقبة قيام الساعة بإلهام من الله تعالى خوفاً من قيامها فيما بين الفجر وطلوع الشمس يوم الجمعة (إلا الجن والإنس)، فإنهم لا يخافون قيام الساعة ولا يترقبونه فى هذا اليوم، لكثرة غفلتهم، لا لأنهم لا يعلمون ذلك وأخفاها الله عنهم ليتحقق إيمانهم بالغيب، ولئلا تختل قاعدة الابتلاء والتكليف. و (عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام، كان اسمه الحصين فسماء النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله. اسلم حين قدم النبى صلىالله عليه وسلم المدينة. قال أنس: إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبى لى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إنى سائلك عن =

(2) مزايا يوم الجمعة

ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول الله لهم: أنا ربكم قد صدقتكم وعدى، فسلونى أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم ولكم على ما تمنيتم، ولدى مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيه فيه ربهم منالخير (الحديث) أخرجه الشافعى والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (¬1). [120]. (2) مزايا يوم الجمعة له مزايا أخر (منها) أن من مات فيه أو فى ليلته لا يفتن فى قبره وإن سئل (لحديث) عبد الله بن عمرو: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر. أخرجه أحمد والترمذى وقال. هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل وحسنه السيوطى (¬2). [121]. ¬

= ثلاث لا يعلمهن إلا نبى، ما أول اشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أول اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما الشبه فى الولد فإن الرجل إذا غشى المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله (الحديث) أخرجه البخارى ص 192 ج 7 فتح البارى (إتيان اليهود النبى صلى اللهعليه وسلم حين قدم المدينة) (7). وزيادة الكبد: قطعة منفردة متعلقة به، وهى: فى غاية اللذة. (¬1) انظر ص 148 ج 1 بدائع المنن. وص 163 ج 2 مجمع الزوائد (الجمعة وفضلها) و (وكتة) بفتح فسكون فتاء مثناة فوقية، أى نقطة. والمراد بها ساعة الإجابة. و (تبع) أى أن الله كتب يوم الجمعة على اليهود والنصارى فأعرضوا عنه واختاروا غيره. و (أفيح) أى متسع جداً و (كثب) بضمتين جمع كثيب: أى تلول مسك. (¬2) ص 7 ج 6 - الفتح الربانى. وص 164 ج 2 تحفة الأحوذى (من يموت يوم الجمعة).

(ومنها) أن فيها ساعة يستجاب فيها الدعاء (لقول) أبى هريرة: ذكر النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله عز وجل شيئاً إلا أعطاه الله إياه. وأشار بيده يقللها: أخرجه الشافعى والسبعة إلا أبا داود والترمذى (¬1). [122]. (وقد) اختلف فى تعيين هذه الساعة (فقال) عبد الله بن سلام: إنها آخر ساعة من يوم الجمعة، لما تقدم فى قصة أبى هريرة مع عبد الله بن سلام (¬2) (ولحديث) جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه الله، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر. أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح (¬3). [123]. (وقال) ابن عبد البر: إنه اثبت فى هذا الباب وأكثر الأحاديث على هذا، وبه قال أكثر أهل العلم. (وقيل) إن ساعة الإجابة من وقت جلوس الخطيب على المنبر إلى أن يفرغ من الصلاة. قال أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى: قال لى عبد الله ابن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 150 ج 1 بدائع المنن. وص 12 ج 6 الفتح الربانى وصدره: إن فى الجمعة. وص 282 ج 2 فتح البارى (الساعة فى يوم الجمعة) وص 139 ج 6 نووى مسلم (الجمعة 9 وص 211 ج 1 مجتبى (الساعة يستجاب فيها الدعاء .. ) وص 180 ج 1 سنن ابن ماجه (الساعة ترجى فى الجمعة) و (يقللها) أشار بتقليلها للترغيب فيها والحرص عليها لقلة وقتها وكثرة فضلها. (¬2) تقدم رقم 119 ص 120. (¬3) ص 188 ج 6 المنهل العذب (الإجابة أية ساعة هى فى يوم الجمعة) (و 206 ج 1 مجتبى 0 وقت الجمعة) وص 279 ج 1 مستدك وص 250 ج 3 سنن البيهقى.

(3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها

يقول: هى ما بين أن يجلس الإمام (يعنى على المنبر) إلى أن تقضى الصلاة. أخرجه مسلم والبيهقى وأبو داود (¬1). [124]. (وقيل) غير ذلك وارجح الأقوال ما دل عليه حديث أبى موسى وحديث عبد الله بن سلام. (واختار) ابن القيم ان ساعة الإجابة منحصرة فى أحد الوقتين المذكورتين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر، لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما فى وقت وعلى الآخر فى وقت آخر. وهذا كقول ابن عبد البر: الذى ينبغى الاجتهاد فى الدعاء فى الوقتين المذكورتين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد., وهو أولى فى طريق الجمع. ذكره الحافظ (¬2). (3) ما يطلب ليلة الجمعة ويومها هو أمور المذكور منها هنا عشرون: (1) يستحب الإكثار في يومها وليلتها من قراءة القرآن والذكر والدعاء، لحديث أبى أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتاً فى الجنة. أخرجه الطبرانى في الكبير والأصفهاني وفى سنده فضال بن جبير وهو ضعيف جداً (¬3). [125]. وحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى يغيب الشمس. أخرجه الطبرانى في الأوسط والكبير. وفى سنده طلحة بن يزيد الرقى وهو ضعيف (¬4). [126]. ¬

(¬1) ص 140 ج 6 نووى مسلم (الجمعة) وص 250 ج 3 سننالبيهقى (الساعة التى فى يوم الجمعة .. ) وص 189 ج 6 المنهل العذب (الإجابة اية ساعة هى فى يوم الجمعة). (¬2) انظر ص 287 و 288 ج 2 فتح البارى (الساعة التى فى يوم الجمعة). (¬3) انظر ص 168 ج 2 مجمع الزوائد (ما يقرأ ليلة الجمعة ويومها). (¬4) كسابقه.

وحديث أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين. أخرجه النسائي وكذا البيهقي والحاكم مرفوعاً وموقوفاً وقال: هذا صحيح الإسناد. ورواه الدارمى موقوفاً على أبى سعيد قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. وفى سند غير الحاكم أبو هاشم يحيى بن دينار الرماني، تكلم فيه ووثقه الأكثر. وفى سند الحاكم نعيم بن حماد. قال الأزدى: كان نعيم يضع الحديث فى تقوية السنة، وروى أحاديث منا كير عن الثقات، وضعفه النسائى ووثقه أحمد والعجلى (¬1). [127]. (فيسن) قراءة ما ذكر كله أو بعضه ليلة الجمعة ويومها لا على وجه يشوش على مصل أو نائم. أما رفع الصوت بالقراءة فى المسجد فمكروه أو حرام لما تقدم فى بحث (رفع الصوت فى المسجد) من الأحاديث والنصوص (¬2). (وقال) العلامة الشيخ عبد العزيز المليبارى الشافعى: وسن قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها لأحاديث فيها. وقراءتهما نهاراً آكد وأولاه بعد الصبح مسارعة للخير، وأن يكثر منها وم سائر القرآن فيهما. ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيرها إن حصل به تأذ لمصل أو نائم كما صرح به النووى. (وقال) شيخنا فى شرح العباب: ينبغى حرمة الجهر بالقراءة فى المسجد. وحمل قول النووى بالكراهة على ما إذا خف التأذى، وعلى كون القراءة فى غير المسجد (¬3)، فها هو ذا العلامة ابن حجر شارح العباب يقول بحرمة رفع ¬

(¬1) انظر ص 261 ج 1 (الترغيب فى قراءة سورة الكهف وما يذكر معها ليلة الجمعة ويومها) وص 249 ج 3 سنن البيهقى. وص 368 ج 2 مستدرك (سورة الكهف) وص 494 ج 2 سنن الدارمى (فضل سورة الكهف) .. (¬2) تقدم ص 263 ج 3 الدين الخالص. (¬3) انظر ص 110 فتح العين شرح قرة العين (سنن الجمعة).

الصوت بقراءة سورة الكهف فى المسجد، وبين أن قول النووى بالكراهة محمول على ما إذا كانت القراءة خارج المسجد وكان التأذى خفيفاً. (وقال ابن الحاج): وينبغى له (أى لإمام المسجد) (أن ينهى من يقرأ الأعشار بالجهر والناس ينتظرون صلاة الجمعة أو غيرها، لأنه موضع النهى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن " (¬1) ثم قال: : وينبغى له أن ينهى عن قراءة الأسباع فى المسجد لما تقدم من أن المسجد إنما بنى للمصلين والذاكرين (يعنى سراً) وقراءة الأسباع فى المسجد مشوشة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار (¬2). [128]. (وقد سئل) الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتى مصر عما اعتيد من قراءة فقيه سورة الكهف جهراً يوم الجمعة لأجل عدم غوغاء الفلاحين بالكلام الدنيوى (فأجاب) بقوله: وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة جاء فى عبارة الأشباه عند تعداد المكروهات ما نصه: ويكره إفراده بالصوم وإفراد ليلته بالقيام وقراءة الكهف فيه، خصوصاً وهى لا تقرأ إلا بالتلحين وأهل المسجد يلغون ويتحدثون ولا ينصتون، ثم أن القارئ كثيراً ما يشوش على المصلين فقراءتهما على هذا الوجه محظورة (¬3). (2) ويندب الإكثار من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه ¬

(¬1) هذا عجز حديث تقدم رقم 381 ص 263 ج 3 الدين الخالص (حرمة رفع الصوت بالمسجد). (¬2) ص 88 ج 2 المدخل (قراءة الأعشار والأسباع) والحديث أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس. وأخرجه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رقم 9899 ص 431 ج 6 فيض القدير. (¬3) هذه بعض فتوى (منقولة) من دفاتر دار إفتاء الديار المصرية رقم 311 جزء ثالث بتاريخ 22 من ربيع الأول سنة 1323 هـ.

وسلم ليلة الجمعة ويومها لحديث أوس بن أبى أوس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علىّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ. فقالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعنى وقد بليت. قال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. أخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقى والأربعة إلا الترمذى (¬1). [129]. ولحديث أبى أمامة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا علىّ من الصلاة فى كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض على فى كل يوم جمعة، فمن كان أكثركم علىّ صلاة كان أقربكم منى منزلة. أخرجه البيهقى بسند حسن (¬2). [130]. والأحاديث فى هذا كثيرة (¬3). ¬

(¬1) ص 9 ج 6 الفتح الربانى: وص 278 ج 1 مستدرك. وص 248 ج 3 سنن البيهقى (ما يؤمر به فى ليلة الجمعة ويومها ... ) وص 185 ج 6 المنهل العذب (فضل يوم الجمعة) وص 203 ج 1 مجتبى (إكثار الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم) وص 174 ج 1 سنن ابن ماجه (فضل الجمعة) والمراد بالنفخة النفخة الثانية، وهى نفخة البعث، وبالصعقة النفخة الأولى التى يموت بها كل حى إلا رؤساء الملائكة كما تقدم: و (أرمت) بفتحتين فسكون: اصله ارممت أى بليت: ، فحذفت إحدى الميمين، ويجوز كسر الراء. (¬2) ص 249 ج 3 سنن البيهقى (ما يؤثر به فى ليلة الجمعة ويومها). (¬3) منها (حديث) أكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة. فمن صلى على صلاة صلى الله عليه عشراً. أخرجه البيهقى عن أنس ص 249 ج 3 (8) و (حديث) إن عن ابن مسعود. ص 311 ج 14 الفتح الربانى (9) (ومنا) ما يأتى ص 356 ج 9 (فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم) وفى هذه الأحاديث أيضا دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام حى فى قبره. (قال الشوكانى) وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حى بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته، وأن الأنبياء لا يبلون، مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى. وقد صح عنابن عباس مرفوعاً: ما من أحد يمر على قبر اخيه المؤمن: وفى رواية: بقبر الرجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلاعرفه ورد عليه. ولابن أبى الدنيا: إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه رد عليه وعرفه، إذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام (10). (وصح) أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم (وورد) النص فى كتاب الله تعالى فىحق الشهداء أنهم أحياء يرزقون وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد. فكيف بالأنبياء والمرسلين؟ . وقد ثبت فى الحديث أن الأنبياء أحياء فى قبورهم. رواه المنذرى وصححه البيهقى. وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مررت بموسى ليلة اسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره. ص 305 ج 3 نيل الأوطار (11) (طاعة الأمة تعرض على الرسول، هو هو فى قبره حى).

(3 - 6) ويطلب الغسل والسواك والتطيب ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة (لحديث) أبى سعيد وأبى هريرة: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة واستاك ومس من طيب، إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتى المسجد فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء إن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته، كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التى قبلها. وكان أبو هريرة يقول: ثلاثة أيام زيادة، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها. أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وأخرج نحوه ابن ماجه عن أبى ذر الغفارى (¬1). [131]. ¬

(¬1) ص 43 ج 6 الفتح الربانى. وص 283 ج 1 مستدرك. وص 204 ج 2 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 176 ج 1 سنن ابن ماجه (الزينة يوم الجمعة) (وأنصت .. إلخ) أى من تحلى يوم الجمعة بالغسل وما بعده ثم سكت مستمعاً إذا خرج الإمام للخطبة إلى أن ينتهى من الصلاة، كانت هذه الخصال ماحية للذنوب التى حصلت منه طول الأسبوع وزيادة ثلاثة أيام من الجمعة الآتية. والمراد بالذنوب الصغائر لما فى رواية أبةى هريرى عند مسلم: ما لم يغش الكبائر. وظاهره أنتكفيره الذنوب فى هذه المدة مشروط بفعل كل هذه الخصال مع ترك الكبائر ..

(ولحديث) ابن عمرو: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً. أخرجه أبو داود، وفى سنده عمرو بن شعيب مختلف فيه (¬1). والأحاديث فى هذا كثيرة (¬2). ¬

(¬1) ص 211 ج 3 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة). و (كانت له ظهراً) أى كانت الجمعة كصلاة الظهر فىالثواب لا كصلاة الجمعة لنقصانه بتخطى الرقاب واللغو .. (¬2) (منها) ما تقدم فى بحث اقسام الغسل ص 306 ج 1 و (منها) ما روى أن رجلا سأل ابن عباس عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو؟ فقال: لا، ومن شاء اغتسل. وسأحدثكم عن بدء الغسل، كان الناس محتاجين وكانوا يلبسون الصوف وكانوا يسقون النخل على ظهورهم وكان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم قصيراً إنما هو ثلاث درجات فعرق الناس فى الصوف فثارت أرواحهم أرواح الصوف (أى ظهرت من أجسادهم رياح كريهة. فالأرواح جمع ريح. والثانية بدل منالأولى) فتأذى بعضهم ببعض حتى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا أيها الناس إذا جئتم الجمعة فاغتسلوا، وليمس أحدكم من أطيب طيب إن كان عنده. أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى. وأخرجه أبو داود وزاد: قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع الله مسجدهم وذهب بعض الذى كان يؤذى بعضهم بعضاً من العرق. أهـ. ص 42 ج 6 الفتح الربانى. وص 280 ج 1 مستدرك. وص 219 ج 3 - المنهل العذب وصدره: ايها الناس إذا كان هذا ... (الرخصة فى ترك الغسل يوم الجمعة) (12).

(وقد اتفق) العلماء على استحباب ذلك كله إلا الغسل فقد تقدم بيان المذاهب فى حكمه ووقته وأدلته فى بحث اقسام الغسل (¬1). (والمراد) بأحسن الثياب البيض، لما يأى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم، وكفوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والحاكم والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى (¬2). ويأتى فى هذا أحاديث كثيرة (¬3). [133]. (وحكمة) مشروعية الغسل والسواك والطيب والتجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة أن يكون المصلى على أكمل حال وأطيبه، فلا يتأذى به أحد، ولأن الملائكة تقف على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، فربما صافحوه أو لمسوه. (7 - 8) ويندب الأخذ من الشعر وقص الظفر يوم الجمعة (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة. أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط وفى سنده إبراهيم بن قدامة. ذكره ابن حبان فى الثقات. وقال البزار: ليس بحجة إذا تفرد بحديث، وقد تفرد بهذا (¬4). [134]. ¬

(¬1) تقدم بصفحة 306 ج أول. (¬2) يأتى رقم 455 ص 256 ج 7 (تكفين الميت). (¬3) منها ما يأتى فى هذا المرجع (وقد) كان الغالب من لباسه صلى الله عليه وسلم فى الجمعة البياض فلا ينافى أنه أحياناً كان يلبس غيرها (قال) جابر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة. أخرجه البيهقى. ص 247 ج 3 (الارتداء ببرد) (13). (¬4) انظر ص 170 ج 2 مجمع الزوائد (الأخذ من الشعر والظفر يوم الجمعة).

(ولحديث) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده احمد بن ثابت الملقب بفرجونة أو فرجويه، وهو ضعيف (¬1). [135]. (9) ويسن قراءة سورة " ألم تنزيل السجدة" بعد الفاتحة فى الركعة الأولى من صلاة صبح الجمعة، و" هل أتى على الإنسان " فى الركعة الثانية (لحديث) ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة فى صلاة الصبح " ألم تنزيل" و" هل أتى على الإنسان "، وفى صلاة الجمعة بسورة " الجمعة "و" المنافقين ". أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (¬2). [136]. (وظاهره) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قراءة هاتين السورتين فى صبح الجمعة كما يشعر به لفظ كان. ويؤيده (حديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى صلاة الصبح يوم الجمعة " ألم تنزيل السجدة" و" هل أتى على الإنسان" يديم ذلك. أخرجه الطبرانى فى الصغير بسند رجاله ثقات، وهوعند ابن ماجه غير قوله: يديم ذلك (¬3). [137]. ¬

(¬1) ص 171 منه. (¬2) ص 111 ج 6 الفتح الربانى. وص 167 ج 6 نووى مسلم (ما يقرأ فى يوم الجمعة) وص 224 ج 6 المنهل العذب مقتصراً على (ما يقرأ فى صلاة الصبح .. ) وص 210 ج 1 مجتبى (القراءة فى صلاة الجمعة) وص 141 ج 1 سنن ابن ماجه (القراءة فى صلاة الفجر يوم الجمعة). (¬3) ص 141 منه. وص 168 ج 2 مجمع الزوائد " ما يقرأ فيها" أى فى صلاة صبح الجمعة.

(وكان) صلى الله عليه وسلم يقرأ السورتين بتمامهما خلافاً لما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما، فهو خلاف السنة. وهذا مذهب الشافعى، وبه قال الحنفيون وأحمد، إلا أنه تكره المداومة عليهما عندهم. قال فى المحيط: يستحب قراءة هاتين السورتين فى صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحياناً لئلا يظن الجاهل أنه لا مجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة (¬1). (وقالت) المالكية: يكره تعمد قراءة سورة سجدة فى الفريضة، وهو رواية ابن القاسم عن مالك. (وروى) أشهب عنه جواز قراءة السورة التى فيها السجدة إذا كان وراء الإمام عدد قليل لا يخاف أن يختلط عليهم. (وقال) ابن حبيب: يجوز قراءة سورة فيها سجدة فى الصلاة الجهرية دون السرية لأمن التخليط فى الجهرية. ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض. (قال) ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغى أن تترك أحياناً لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك فى بعض الأوقات (¬2). ولا وجه للقول بالكراهة مطلقاً أو فى الصلاة السرية، بل يرده حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الظهر ثم ¬

(¬1) ص 258 ج 2 فتح البارى (ما يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة). (¬2) ص 258 منه.

قام فركع، فرأينا أنه قرأ " تنزيل السجدة ".أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما (¬1). [138]. (فهو) يدل على عدم التفرقة بين السرية والجهرية. (فالراجح) أن قراءة هاتين السورتين فى صبح يوم الجمعة سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا وجه للقول بتركها فى بعض الأحيان لخوف اعتقاد العوام الوجوب أو نحوه، إذ لا عبرة بتوهم خلاف الوارد وإلا لترك غالب أحكام الشريعة خوف اعتقاد العوام خلاف الوارد، وهو غير معقول. (وليس) فى هذه الأحاديث ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد حين يقرأ هذه السورة فى صبح يوم الجمعة (قال) الحافظ: لم أر فى شئ من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة " ألم السجدة" فى هذا المحل إلا فى كتاب الشريعة لابن أبى داود من طرق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غدوت علىالنبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فى صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد (الحديث) وفى إسناده من ينظر فى حاله (¬2). [139]. (وروى) على رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الصبح فى تنزيل السجدة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والصغير. وفى سنده الحارث الأعور وهو ضعيف (¬3). [140]. (والحكمة) فى قراءة النبى صلى الله عليه وسلم هاتين السورتين فى صبح الجمعة أنهما تضمنتا ما كان وما يكون فى يومها، فإنهما اشتملتا على خلق ¬

(¬1) ص 162 ج 4 الفتح الربانى. وص 230 ج 5 النهل العذب (قدر القراءة فى صلاة الظهر والعصر). (¬2) ص 258 ج 2 فتح البارى .. (¬3) ص 169 ج 2 مجمع الزوائد (ما يقرأ فيها) أى فى صلاة صبح الجمعة.

آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان فى قراءتهما فى هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه وما يكون، فتكون السجدة جاءت تبعاً وليست مقصودة. (10) ويندب التبكير إلى صلاة الجمعة (لحديث) أبى سعيد الخدري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون من جاء من لناس على منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم عصفوراً، ورجل قدم بيضة. فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر. أخرجه أحمد والضياء المقدسى بسند رجاله ثقات وحسنه المنذرى (¬1). [141]. (ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فى الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح فى الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح فى الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح فى الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الإمام اقبلت الملائكة يستمعون الذكر. أخرجه مالك والشافعى والبخارى والثلاثة والبيهقى وابن أحمد فى زوائد المسند (¬2). [142]. ¬

(¬1) انظر ص 61 ج 6 الفتح الربانى. و" الجزور": البعير ذكر أو أنثى. (¬2) ص 185 ج 1 زرقانى الموطأ (غسل يوم الجمعة) وص 156 ج 1 بدائع المنن. وص 249 ج 2 فتح البارى (فضل الجمعة) وص 206 ج 1 مجتبى (وقت الجمعة) و 359 ج 1 تحفة الأحوذى (التبكير إلى الجمعة) وص 215 ج 3 - المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 226 ج 3 سنن البيهقى (فضل التبكير إلى الجمعة) وص 57 ج 6 الفتح الربانى. و" البدنة": الواحد من الإبل ذكراً كان أو أنثى. والكبش: فحل الغنم. ووصفه بأفرن لأنه أكمل وأحسن صورة. و"الدجاجة " بفتح الدال وكسرها وتضم: تطلق على الذكر والأنثى من الدجاج. والتاء للوحدة لا للتأنيث: وفى رواية للنسائى بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة. وفى رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة كما تقدم. وهما روايتان سندهما صحيح وزيادة الثقة مقبولة. و (أقبلت) أى دخلت (الملائكة) المسجد. وفى رواية: حضرت. وفى مسلم: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، أى الخطبة. والمراد أنهم يطوون الصحف التى كانوا يكتبون فيها ثواب حاضرى صلاة الجمعة قبل الزوال. وهؤلاء الملائكة غير الحفظة.

(وقوله غسل الجنابة) من باب التشبيه، أى غسلا كغسل الجنابة فى الكيفية لا فى الحكم (ففى حديث) ابن جريح عن سمى: فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة. أخرجه عبد الرزاق (¬1) وبهذا قال الأكثر. وقيل: المراد غسل الجنابة حقيقة. فيستحب له أن يواقع زوجه ليغتسلا من الجنابة. (وحكمته) أن تسكن نفسه فى الرواح إلى الصلاة ويغض بصره. (ويؤيده) ما فى حديث أوس بن أوس الثقفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها. أخرجه البيهقى والأربعة وحسنه الترمذى وأخرجه أحمد عن ابن عمرو (¬2). [143]. (من غسل) روى مخففاً ومشدداً ومعناه: جامع امرأته قبل الخروج إلى الصلاة فاغتسلت، وقيل التشديد فيه للمبالغة، اى بالغ فى غسل الرأس لما ¬

(¬1) ص 249 ج 2 فتح البارى. (¬2) 229 ج 3 سنن البيهقى (فضل المشى إلى الصلاة .. ) وص 209 ج 3 المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة) وص 205 ج 1 مجتبى (فضل المشى إلى الجمعة) وص 357 ج 1 تحفة الأحوذى (فضل الغسل يوم الجمعة) وص 174 ج 1 سنن ابن ماجه، و 51 ج 6 - الفتح الربانى.

فيها من الشعث (واغتسل) اى غسل سائر جسده. ويؤيده ما فى رواية لأبى داود بلفظ: من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل (¬1). هذا. وقد اختلفوا فى المراد بالساعات الواردة فى هذه الأحاديث (فمشهور) (مذهب المالكية أن المراد بها أجزاء الساعة التى قبل الزوال 0 وروى) عن مالك أن المراد بها لحظات لطيفة بعد زوال الشمس. وبه قال القاضى حسين وإمام الحرمين من الشافعية، لأن الرواح الذهاب بعد الزوال، ولما فى حديث ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المهجر إلى الجمعة كالمهدى بدنة (الحديث) أخرجه أحمد وغيره (¬2). [144]. والتهجير: السير وقت الهاجرة، أى شدة الحر. (وقال) الجمهور: يستحب التبكير إلى الجمعة أول النهار. وبه قال الشافعى وابن حبيب المالكى. فالساعات عندهم من أول النهار. والمراد بالساعات الفلكية. والرواح يكون أول النهار وآخره. والتهجير: التبكير. هذا. ومن جاء فى أول ساعة من هذه الساعات، ومن جاء فى آخرها مشتركان فى تحصيل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء فى آخر الساعة، وبندة المتوسط متوسطة. هذا هو الراجح المختار. وقال الرافعى: ليس المراد من الساعات، الساعات الفلكية، وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه لئلا يستوى فى الفضيلة رجلان جاءا فى طرفى ساعة (¬3). (وقال) الصيدلانى: التبكير يكون من ارتفاع النهار وقت الضحى ¬

(¬1) انظر 211 ج 3 المنهل العذب. (¬2) انظر ص 60 ج 6 الفتح الربانى. (¬3) ص 541 ج 4 شرح المهذب.

وأول الهاجرة. وهو الظاهر من أحاديث الباب التى فيها الحث على التهجير إلى الجمعة وينتهى بالزوال حين يحضر الإمام وتطوى الملائكة الحف. وهذه المدة مقسمة إلى ست ساعات زمنية لا فلكية. (11 و 12 و 13) ويطلب المشى للجمعة، والقرب من الإمام، والإنصات له (لما تقدم) عن أوس بن أوس الثقفى وابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم بلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها (¬1). (ولحديث) عطاء الخراسانى عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت علياً رضى الله عنه على منبر الكوفة يقول: إذا كان يوم الجمعة خرج الشياطين يربثون الناس إلى أسواقهم ومعهم الرايات، وتقعد الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام. فمن دنا من الإمام وأنصت واستمع ولم يلغ، كان له كفلان من الأجر. ومن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ، كان له كفل من الأجر. ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع، كان عليه كفلان من الزور. ومن نأى عنه فلغا ولم ينصت ولم يستمع، كان عليه كفل من الوزر. ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له. ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه ¬

(¬1) تقدم رقم 143 ص 137، و" بكر" بالتشديد: أى بالغ إلى صلاة الجمعة و (ابتكر) أى أدرك أول الخطبة، أو أدى ما يؤديه المبكر من صلاة وتسبيح وغيرهما. وقيل هو بمعنى بكر، وجمع بينهما للتأكيد (والخطوة) بضم فسكون: ما بين القدمين وقت المشى، وجمعه خطاً وخطوات كغرف وغرفات. وبفتح الخاء: المرة من المشى وجمعها خطوات كسجدة وسجدات.

وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. ومولى امرأة عطاء مجهول (¬1). [145]. (وتقدم) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت (¬2). قال الترمذى: والعمل عليه عند أهل العم. كرهوا للرجل التكلم والإمام يخطب، وإن تكلم غيره فلا ينكر عليه إلا بالإشارة. (واللغو) الكلام الذى لا ثواب فيه، وقيل: الإثم والباطل. (وفى هذه) الأحاديث دليل على حرمة الكلام حال خطبة الجمعة مطلقاً ولو أمراً بمعروف، وهو قول مالك والأوزاعى وأبو يوسف ومحمد وأحمد. (وللشافعية) قولان أصحهما لا يحرم الكلام حال الخطبة. والإنصات مستحب بناء على أن المراد باللغو ما لا ثواب فيه، ويرده: ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 6 الفتح الربانى. وص 192 ج 6 المنهل العذب (فضل الجمعة) وص 220 ج 3 البيهقى (الإنصات للخطبة وإن لم يسمعها). و (يربثون) بالباء المشددة: من التربيث وهو الحبس والتثبيط. والمعنى: أن الشياطين تقعدهم عن السعى إلى الجمعة حتى تمضى الأوقات الفاضلة. و (الرايات) جمع راية. ولعله كناية عن طاعة الناس للشياطين واتباعهم لهم كما يتبع الجيش حامل الراية. و (كفلان) مثنى كفل بكسر فسكون: التنصيب وإنما كان له كفلان من الأجر لدنوه من الإمام وإنصاته (ومن نأى) أى ابتعد عن الإمام فصار لا يتمكن من السماع والنظر فأنصت ولم يلغ فله نصيب من الأجر لإنصاته (ومن دنا) أى قرب من الإمام فلغا ولم ينصت فعليه كفلان من الوزر لعدم إنصاته ولغوه (ومن نأى) أى بعد بحيث لا يمكنه السماع ولغا فعليه وزر لغوه (فلا جمعة له) أى أنه حرم من ثواب صلاة الجمعة وإن سقط بها الفرض. وقيل صارت له ظهراً. ويؤيده ما تقدم فى حديث ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً. تقدم رقم 132 ص 131. (¬2) تقدم رقم 26 ص 30 (قضاء الفائتة فى أوقات النهى).

(أ) ما تقدم فى حديث على رضى الله عنه: ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر. وقوله: ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له (¬1). (ب) (وحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذى يقول له أنصت ليس له جمعة. أخرجه أحمد والبزار والطبرانى، وفى سنده مجالد بن سعيد ضعفه كثير، ووثقه النسائى فى رواية، وقال الحافظ فى بلوغ المرام: رواه أحمد بسند لا بأس به (¬2). [146]. (وقال) أبو حنيفة: يحرم الكلام ويجب الإنصات إذا خرج الإمام إلى الخطبة إلى أن يفرغ منها. (والمراد) بخروجه صعوده على المنبر أو خروجه من الحجرة إن كانت، لما روى عن على وابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام. أخرجه ابن أبى شيبة (¬3) (32). وقول الصحابى: فى مثل هذا حجة، فإنه لا يقال من قبل الرأى، فهو فى حكم المرفوع. (وقال) مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا بأس بالكلام ما لم يشرع فى الخطبة، لأن المنع منه لما فيه من الإخلال بفرض الاستماع، ولا استماع هنا، ولقول الزهرى: خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. أخرجه مالك (¬4) (33). ¬

(¬1) تقدم رقم 145 ص 139. (¬2) ص 97 ج 6 الفتح الربانى. وص 184 ج 2 مجمع الزوائد (الإنصات والإمام يخطب). (¬3) ص 202 ج 2 نصب الراية. (¬4) ص 195 ج 1 زرقانى الموطأ (الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب).

ومحل الخلاف فى الكلام الدنيوى، أما الأخروى فلا يكره قبل الخطبة عند أبى حنيفة أيضاً على الأصح. ويشهد له قول أبي أمامة بن سهل: سمعت معاوية بن أبى سفيان وهو جالس على المنبر، أذن المؤذن، فقال: الله أكبر، الله أكبر. فقال معاوية: الله أكبر، الله أكبر. فقال أشهد أن لا إله إلا الله. قال معاوية: وأنا. فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين قال: يا أيها الناس إنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم من مقالتى. أخرجه البخاري (¬1). [147]. (وهذا) كله فى حق من سمع الخطبة، سواء أكان فى المسجد أم لا، أما من لم يسمعها بأن كان بعيداً ففيه خلاف (فقال) الجمهور: يجب الإنصات أيضاً ويحرم الكلام عليه كالسامع. (وقال) أحمد وعطاء والنخعى: لا يحرم، ويجوز له أن يسبح أو يتكلم فى مسألة علمية. (وقالت) المالكية: يحرم الكلام على من بالمسجد أو رحبته لا خارجها سداً للذريعة لئلا يسترسل الناس حتى يتكلم من يسمع الإمام. (وهذا) (كله فى الكلام حال الخطبة، أما قبل الشروع فيها وبعد صعود الخطيب على المنبر وبعد الفراغ منها، فالأكثر على الجواز 0 قال) الشافعى: لا بأس أن يتكلم والإمام على المنبر قبل كلام الإمام، فإذا ابتدأ فى الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الإمام الخطبة الآخرة، فإن قطع الآخرة فلا باس أن يتكلم حتى يكبر الإمام، وأحسن فى الأدب ألا يتكلم من حين يبتدئ الإمام الكلام حتى يفرغ من الصلاة، وإن تكلم رجل والإمام يخطب لم أحب ذلك له (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 269 ج 2 فتح الباري (يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء) .. (¬2) انظر ص 180 ج 1 كتاب الأم (الإنصات للخطبة).

(وقال) الحافظ: واستدل به، أي بحديث " إذا قلت لصاحبك أنصت " على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة. وبه قال الجمهور فى حق من سمعها، وكذا الكلام فى حق من لا يسمعها عند الأكثر، وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة (¬1). ثم قال: ونقل صاحب (المغنى) الاتفاق على أن الكلام الذى يجوز فى الصلاة يجوز فى الخطبة كتحذير الضرير من البئر. (وعبارة الشافعى): وإذا خاف على أحد لم أر باساً إذا لم يفهم عنه بالإيماء ان يتكلم. وقد استثنى من الإنصات فى الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان، بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه. وقال النووى: محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب. ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشى على نفسه (¬2). (وقال) الترمذي: واختلفوا فى رد السلام وتشميت العاطس، فرخص بعضهم فيهما والإمام يخطب، وهو قول أحمد وإسحاق. وكره بعض التابعين وغيرهم ذلك، وهو قول الشافعي. أ. هـ. وحكى ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق. (قال) العراقي: وهو أولى مما نقله عنه الترمذى. وقد صرح الشافعي فى مختصر البويطى بالجواز فقال: ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه، لأن التشميت سنة. ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه؛ لأن السلام سنة ورده فرض. وقال النووى فى شرح المهذب: إنه الأصح (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 281 ج 2 فتح الباري (الإنصات يوم الجمعة). (¬2) انظر ص 282 منه. (¬3) ص 366 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهة الكلام والإمام يخطب).

(فعلى) العاقل أن يتأدب بآداب الشريعة ويتحلى بتعاليمها ولا سيما فى صلاة الجمعة ليكون ممن سلك أحسن سبيل (روى) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يحضر الجمعة ثلاثة، فرجل حضرها يلغو فذاك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عز وجل، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهى كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، فإن الله يقول: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والبيهقى بسند جيد (¬1). [148]. (14) ويندب لمن أتى المسجد قبل الجمعة التنفل مع طول القيام ما لم يصعد الإمام المنبر (لقول) نافع: كان ابن عمر يغدو إلى المسجد يوم الجمعة فيصلى ركعات يطيل فيهن القيام، فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح، وهذا لفظ أحمد (¬2). [149]. (15) ويطلب ممن دخل المسجد ولم يجد مكاناً يجلس فيه ألا يقيم غيره ليجلس مكانه، بل يطلب التوسعة (لحديث) جابر بن عبد الله: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل أفسحوا. أخرجه أحمد ومسلم (¬3). [150]. ¬

(¬1) ص 64 ج 6 الفتح الربانى. و 280 ج 6 المنهل العذب (الكلام والإمام يخطب) وص 219 ج 3 سنن البيهقى (الإنصات للخطبة). (¬2) ص 76 ج 6 الفتح الربانى. وص 295 ج 6 المنهل العذب (الصلاة بعد الجمعة) وفيه: ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. (¬3) ص 70 ج 6 الفتح الربانى. وص 161 ج 14 نووى مسلم (تحريم إقامة الإمسان من موضعه. كتاب السلام) و (لا يقيم) روى بصيغة الخبر، والمراد النهى. ووفى رواية لمسلم: لا يقيمن احدكم الرجل من مجلسه بصيغة النهى المؤكد. وفى رواية له: لا يقيم أحد أخاه يوم الجمعة .. إلخ، بصيغة النهى بلا تأكيد.

(وذكر) يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام لا من باب التقييد، للأحاديث المطلقة (¬1). (ومن سبق) إلى مكان مباح ولو غير مسجد فى يوم جمعة أو غيره لصلاة أو غيرها، فهو أحق به. ويحرم على غيره غقامته منه والقعود فيه. وكذا من جلس فى مكان ثم قام منه لقضاء حاجته ثم يعود إليه فإنه احق به ممن جلس فيه بعد قيامه كما تقدم بيانه فى بحث (إقامة الإنسان من مكان مباح سبق إليه) (¬2). (16) ويندب لمن بالمسجد إذا غلبه النعاس فى مكان التحول منه إلى آخر (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم فى المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره. أخرجه احمد وأبو داود وابن أبى شيبة والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3). [151]. (وذكر) يوم الجمعة من التنصيص على بعض إفراد العام اعتناء به أو نظراً للغالب لطول المكث فى المسجد يوم الجمعة. ففى رواية أبى داود: إذا نعس أحدكم وهو فى المسجد. (وحكمة) الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس، أو لأن المكان ¬

(¬1) منها ما تقدم رقم 287 ص 240 ج 3 الدين الخالص: عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا (14). (¬2) مما تقدم ص 204 ج 3 الدين الخالص. (¬3) ص 69 ج 6 الفتح الربانى. وص 287 ج 6 المنهل العذب (الرجل ينعس والإمام يخطب) وص 237 ج 3 سنن البيهقي (النعاس فى المسجد يوم الجمعة) وص 72 ج 1 تحفة الأحوذى (باب فيمن ينعس يوم الجمعة يتحول .. من مجلسه).

الذى أصابه فيه النوم فيه شيطان، ولذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بالانتقال من الوادى الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس وقال: إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان (¬1). (ولا يقال) إن الانتقال وقت الخطبة عمل منهى عنه، لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة المأمور به فلا يشمله الحديث (لأن) انتقال الناعس يؤدى إلى ذهاب نعاسه فينتبه للخطبة، ولذلك أمره الشارع بالتحول. (17) ويطلب ممن دخل المسجد ألا يتخطى الرقاب (روى) عبد الله بن بسر أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اجلس فقد آذيت وآنيت. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم وصححه. وأخرجه ابن ماجه عن جابر (¬2). [152]. (دل) على حرمة تخطى الرقاب يوم الجمعة. وظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الحرمة مختصة به، ويحتمل أن التقييد به خرج مخرج الغالب لكثرة الناس فيه، فيكون باقي الصلوات كالجمعة فى عدم جواز التخطي. وهذا هو الظاهر لوجود العلة وهى الإيذاء، بل يجرى ذلك فى مجالس العلم وغيرها. ¬

(¬1) قال أبو هريرة: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل براس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، ففعلنا فدعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين (الحديث) أخرجه مسلم ص 183 ج 5 نووى مسلم (قضاء الفائتة .. ) (15) و" عرسنا " من التعريس وهو التزول آخر الليل. (¬2) ص 71 ج 6 الفتح الربانى. وهو 285 اج 6 المنهل العذب (تخطى الرقاب يوم الجمعة) وص 207 ج 1 مجتبى (النهى عن تخطى الرقاب والإمام على المنبر). وص 288 ج 1 مستدرك. وص 178 ج 1 سنن ابن ماجه: " وآنيت " أى تأخرت.

(وبحرمة) تخطى الرقاب يوم الجمعة صرح الشافعي وهو المختار للأحاديث الصحيحة. وعدّه ابن القيم من الكبائر (ومشهور) مذهب الشافعية والحنبلية كراهة التخطي إلا لفرجة فلا يكره. (وقالت) المالكية: يحرم التخطى حال الخطبة يوم الجمعة ولو لفرجة، ولا يكره قبل جلوس الخطيب إن كان لسد فرجة وإلا كره. (وقال) الحنفيون: لا بأس بالتخطى ما لم يخرج الإمام أو يؤذ أحداً إلا لسد فرجة فيجوز (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: وقد علم أن التخطى جائز بشرطين: أحدهما: ألا يؤذى أحداً، لأن الإيذاء حرام والدنو مستحب. وترك الحرام مقدم على فعل المستحب. والثانى: ألا يكون الإمام فى الخطبة، لن تخطيه حينئذ عمل وهو حرام فى حال الخطبة فلا يرتكبه لأجل أمر مستحب. وينبغى أن يقيد بما إذا وجد بداً، أما إذا لم يجد بان لم يكن فى الوراء موضع وفى القدام موضع، فله أن يتخطى إليه للضرورة (¬1). وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها غلا بالتخطى ولم يجد غيرها. ويستأنس له بحديث عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئاً من تبر كان عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته. أخرجه البخاري والنسائي (¬2). [153]. ¬

(¬1) انظر ص 565 غنية المتملى فى شرح منية المصلى. (¬2) انظر ص 229 ج 2 فتح البارى (من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم) و (التبر) بكسر فسكون: الذهب غير مضروب.

(فهو) يدل على جواز التخطى للحاجة ولمن لا يتأذى الناس بتخطيه، ولذا خص بعضهم عدم جواز التخطى بغير من يتبرك الناس بمروره. (فائدة) فرق النووى بين التخطى والتفريق بين الاثنين وهو الظاهر، لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط، وهو ممنوع إن لم يكن بينهما فرجة، وإلا فلا بأس به. (18) قال الأوزاعى وجماعة: يطلب تجنب الاحتباء فى المسجد يوم الجمعة. وهو أن يجلس على إليتيه رافعاً ساقيه ضاماً وركيه إلى بطنه بثوبه أو يديه (لحديث) معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه الحاكم وقال: هذا صحيح الإسناد والبيهقى (¬1). [154]. وفى سنده سهل بن معاذ وهو ضعيف، وابو مرحوم عبد الرحيم ضعفه ابن معين، وقال النسائى: لا بأس به. وذكر ابن حبان فى الثقات. (والحكمة) فى النهى عن الاحتباء أنه يجلب النوم ويعرض الطهارة للنقض. ويلحق به فى الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره، لأنه فى معنى الاحتباء وأكثر. (وقال) الأئمة والجمهور: لا يكره الاحتباء فى المسجد (قال) أبو داود: وكان ابن عمر يحتبى والإمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة ابن ضوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى ومكحول (¬2) (34). ¬

(¬1) ص 72 ج 6 الفتح الربانى. وص 224 ج 6 المنهل العذب (الاحتباء والإمام يخطب) وص 367 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 289 ج 1 مستدرك و 235 ج 2 سنن البيهقى (من كره الاحتباء والإمام على المنبر). و (الحبوة) بضم الحاء وكسرها والجمع حبى بالضم والكسر. (¬2) انظر ص 276 ج 6 المنهل العذب (الاحتباء والإمام يخطب). و (صوحان) بضم الصاء.

(وقال) يعلى بن شداد: شهدت مع معاوية بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من بالمسجد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) (35). (وأجابوا) عن أحاديث النهى أنها ضعيفة فلا تقوم بها حجة، وعلى فرض صحتها فيجمع بينها وبين ما تقدم بأن الاحتباء المنهي عنه ما ابتدئ أثناء الخطبة لما فيه من التشاغل عنها. والاحتباء الجائز ما ابتدئ قبلها واستمر إلى الفراغ منها. أفاده الطحاوى (¬2). (هذا) ويكره الاحتباء ولو خارج الصلاة لمن كان لابسا ثوباً واحداً مخافة أن تنكشف عورته (لقول) أبى هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبى الرجل فى ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ. أخرجه البخاري والبيهقي (¬3). [155]. ولا بأس به لمن يخش انكشاف العورة. روى أبو حاتم الرازى بالسند إلى ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم محتبياً بفناء الكعبة يقول بيده هكذا. وشبك أبو حاتم بيديه. أخرجه البخارى والبيهقى (¬4). [156]. (19) وإذا دخل وقت الجمعة وصعد الخطيب المنبر وجلس عليه، أذن واحد خارج المسجد على سطحه أو على بابه (لقول) السائب بن ¬

(¬1) ص 257 ج 6 المنهل العذب. وص 235 ج 3 سنن البيهقى (الاحتباء والإمام على المنبر). (¬2) ص 276 ج 6 المنهل العذب. (¬3) ص 325 ج 1 فتح البارى (ما يستر من العورة) وص 236 ج 3 سنن البيهقى (الاحتباء المحظور .. ) والمذكور بعض الحديث. (¬4) ص 235 منه (الاحتباء المباح .. ).

يزيد: كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، ويقيم إذا نزل، ثم كان كذلك فى زمن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى كان عثمان. أخرجه أحمد والنسائي (¬1). [157]. (ولقول السائب) إن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك. أخرجه البخاري والبيهقى والأربعة. وأخرجه الشافعي. وفيه: أمر عثمان بأذان ثان فأذن به فثبت الأمر على ذلك. وكان عطاء ينكر أن يكون أحدثه عثمان ويقول: أحدثه معاوية. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2). [158]. وقال الشافعى: وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية. وأيهما كان فالأمر الذى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلىّ (¬3). (والزوراء) موضع بسوق المدينة (وما قيل) من أنه حجر كبير على ¬

(¬1) انظر ص 81 ج 6 الفتح الربانى. وص 207 مجتبى (الأذان للجمعة). (¬2) ص 267 ج 2 فتح البارى (الأذان يوم الجمعة) وص 192 ج 3 سنن البيهقى ج 1 مجتبى وص 318 ج 6 تحفة الأحوذى وص 180 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 160 ج 1 بدائع المنن. و (أمر عثمان بالأذان الثالث) وفى رواية أحمد: فأمر بالأذان الأول بالزوراء. وعند الشافعى: أمر عثمان بأذان ثان. ولا تنافى بينهما، لأنه سمى أولا باعتبار كونه مقدماً فى الفعل على الأذان والإقامة المشروعين فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم. وسمى ثانياً باعتبار الأذان المتقدم فى المشروعية. وثالثاً باعتبار كونه مزيداً على الأذان والإقامة .. (¬3) ص 173 ج 1 كتاب الأم ..

باب المسجد (مردود) بما فى رواية ابن ماجه: فلما كان عثمان وكثر الناس، زاد النداء الثالث على دار فى السوق يقال لها الزوراء (¬1). وأمر به فى ذاك المكان ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت. (وكان) يفعل عند دخول الوقت لا قبله، فما يفعله الناس قبل دخول الوقت مما يسمونه بالأولى والثانية، لا أصل له، لأنه لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه ولا من السلف، بل هو محدث، فيتعين تركه، لأنه صلى الله عليه وسلم تركه مع وجود المقتضى - وهو تشريع الأحكام فى حياته- واستمر على ذلك حتى فارق الدنيا. وهو يدل على عدم مشروعيته، وكذلك إجماع الأمة من الصحابة والسلف الصالح على هذا الترك دليل على أن تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة. (ولا يقال) إنه داخل تحت الأوامر العامة، كقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لأن تركه صلى الله عليه وسلم إياه وكذا الصحابة، دليل على عدم دخوله فى تلك الأوامر {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئاً يبعدكم عن الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه. أخرجه الطبرانى فى التكبير عن زيد بن أرقم (¬2). [159]. وأيضا فإن هذا ليس من الخير، بل هو ضلال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً: فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعفوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أخرجه أحمد وأبو داود ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى الأذان يوم الجمعة). (¬2) انظر رقم 55 ص 90 فتاوى أئمة المسلمين.

وابن ماجه عن العرباض بن سارية، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [160]. ويكفى فى منع ما ذكر أنه بدعة مذمومة، وأن فيه تشويشاً على من بالمسجد وهو حرام بالإجماع، وأنه وسيلة إلى اعتقاد العوام أنه من الدين ومن الأمور الشرعية التى لابد منها، والآيات والأحاديث والآثار ناطقة بمنع ذلك كله. هذا. والأذان الذى زاده عثمان رضى الله عنه كان يفعل على الزوراء بعيداً عن المسجد لتنبيه من بالسوق (أما) ما يفعل من تأدية الذانين على سطح المسجد أو أحدهما فوقه والآخر داخل المسجد (فهو) مخالف لما كان عليه الأمر فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، وكذا فى عهد عثمان رضى الله عنه، فإن الغرض الذى زاد سيدنا عثمان الأذان لأجله- وهو إسماع من لا يسمع الذان على سطح المسجد- ليس موجوداً فى زماننا، فإن الكل يفعل بالمسجد أو خارجه. (ولذ 1) يطلب الاقتصار على أذان واحد فى الجمعة خارج المسجد كما كان فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر (قال) الشافعى فى الأم: وأحب أن يكون الآذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذى يخطب عليه، منبر أو شئ مرفوع له أو الأرض، فإذا فعل أخذ المؤذن فى الذان، فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه، وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين (¬2). ¬

(¬1) ص 188 ج 1 الفتح الربانى. وص 201 ج 4 سنن أبى داود (لزوم السنة) وص 11 ج 1 سنن ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين). (¬2) ص 172، 173 ج 1 الأم (وقت الذان للجمعة).

(وعلى الجملة) فقد دلت الأحاديث على أنه كان لا يؤذن للجمعة إلا آذان واحد خارج المسجد حين يجلس النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، وكذا فى عهد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما. (أما) ما يفعل الآن فى بعض المساجد أمام المنبر داخل المسجد (فمحدث) أحدثه هشام بن عبد الملك وليس من السنة فى شئ. وقد أحدثوا بدعة أخرى مذمومة وهى ما يفعلونه الآن فى بعض المساجد من جعلهم مؤذنين: أحدهما أمام المنبر، والثانى على مكان مرتفع داخل المسجد، يقول الأول جملة من الذان ويسكت فيقولها الثانى، ثم يقول الأول الجملة التى تليها من الأذان ويسكت فيقولها الثانى، وهكذا حتى ينتهى الذان بهذه الكيفية، فهذه بدعة لا اصل لها فى الدين يجب إبطالها. (وقد) اتفقت كلمة العلماء على أن الآذان داخل المسجد خلاف السنة. (وقال) ابن نجيم: وينبغى للمؤذن أن يؤذن فى موضع يكون اسمع للجيران ولا يؤذن فى المسجد (¬1). وفى فتاوى قاضيخان: وينبغى أن يؤذن على المئذنة أو خارج المسجد ولا يؤذن فى المسجد (¬2). (وقال) شمس الدين الرملى: ويستحب أن يؤذن على مكان عال كمنارة وسطح للاتباع ولزيادة الإعلام، وفى البحر: لو لم يكن للمسجد منارة من أن يؤذن على الباب. وينبغى تقييده بما إذا تعذر فى سطحه، وإلا فهو أولى (¬3). (وقال) الشيخ محمد عليش: وفعله- يعنى الأذان فى المسجد- بدعة مضيعة لثمرته من إسماع الناس الخارجين عن المسجد ليسعوا إلى ذكر الله ويذروا البيع وكل ما يشغلهم عنه نوالحاضرون فى المسجد لا حاجة لهم فى الأذان، ¬

(¬1) انظر ص 255 ج 1 البحر الرائق (الأذان). (¬2) انظر ص 74 ج 1 هامش الفتاوى الهندية (مسائل الأذان). (¬3) انظر ص 305 ج 1 نهاية المحتاج (الأذان والإقامة).

فالصواب فعله فى محل الأذان المعتاد لإسماع من ليس فى المسجد كما كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم (¬1). (وقال) ابن الحاج: السنة فى أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار (¬2) أو الباب، كذلك كان فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافه عثمان رضى الله عنهم، ثم زاد عثمان أذاناً آخر بالزوراء وهو موضع بالسوق لما كثر الناس، وأبقى الأذان الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك. ثم إنه لما تولى هشام بن عبد الملك جعل الأذان الذى فعله عثمان بالزوراء على المنار، ثم نقل الأذان الذى كان على المنار حين صعود الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان بين يديه. قال علماؤنا: وسنة النبى صلى الله عليه وسلم هى التى تتبع، فقد بان أن فعل الأذان فى المسجد بين يدى الخطيب بدعة تمسك بعض الناس بها، ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها، وهذا وما شاكله ليس له أصل فى الشرع (¬3). ¬

(¬1) ص 118 ج 1 منح الجليل على مختصر خليل (الأذان والإقامة). (¬2) أراد بالمنار سطح المسجد لارتفاعه، لأنه لم يكن منائر فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه (قال) السيوطى فى الأوائل: أول من رقى منارة مصر للأذان شرحبيل بن عامر المرادى. وفى عرافته بنى مسلمة المنائر للأذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك (وقال) ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت: كان بيتى أطول بينت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد ذلك على ظهر المسجد وقد رفع له شئ فوق ظهره (16) انظر ورقة 7 الوسائل لمعرفة الأوائل رقم 3298 تاريخ (المكتبة الأزهرية). (¬3) ص 74 ج 2 المدخل (دكك المؤذنين).

(4) صلاة الجمعة

(20) وإذا أُذن للجمعة وجب على المكلف بها السعى إليها وترك ما يشغل عنه من نحو بيع وأكل (لقوله) تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ} (¬1). (والمراد) من البيع: ما يشغل عن السعى إليها. وفى عطف ترك البيع على السعى إشارة إلى أنه لو باع أو اشترى حال السعى فهو مكروه تحريماً مع انعقاد البيع على المعول عليه عند الحنفيين. (وقالت) الشافعية: يحرم الاشتغال بنحو البيع والصنائع، فإن باع فالبيع صحيح مع الحرمة. (وقالت) المالكية: يحرم البيع وقت الأذان ويفسخ ولو حصل فى حال السعى إليها إذا كان المتبايعان أو أحدهما ممن تلزمه الجمعة، وإن كانت لا تجب على واحد منهم كره البيع ولم يفسخ (¬2). (وقالت) الحنبلية: البيع وقت الذان حرام ولا ينعقد، أما قبل الشروع فى الأذان فلا يجب السعى إلا على من كان بعيداً عن محل إقامة الجمعة، فإنه يجب عليه السعى فى وقت يدركها فيه ولو بعد طلوع الفجر. (4) صلاة الجمعة (¬3) هى ركعتان بالإجماع لما تقدم عن عمر رضى الله عنه قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (¬4). ¬

(¬1) سورة الجمعة: الآية 9 .. (¬2) ملخصاً ص 135 ج 1 مدونة (فى البيع والشراء يوم الجمعة) (¬3) هذا الفصل الرابع من فصول الجمعة. (¬4) تقدم رقم 54 ص 54 (قصر الصلاة).

(وهى) صلاة مستقلة ليست ظهراً مقصوراً على الصحيح لحديث عمر (وهى) فريضة محكمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة يكفر جاحدها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ} (¬1). (أ) (أمر) الله تعالى بالسعى إلى الذكر، والظاهر أن المراد به الصلاة وقيل الخطبة، وعلى فهو يفيد افتراض الجمعة، لأن وجوب السعى إلى الشرط وهو مقصود لغيره فرع افتراض المشروط. (ب) (نهى) الله عن مباح وهو البيع لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن فرضاً لما نهى عنه من أجلها، والمراد بالسعى الذهاب إليها لا الإسراع. وقد ورد عن عمر أنه كان يقرؤها: فامضوا إلى ذكر الله. (وقال) ابو سعيد الخدرى: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى قد كتب عليكم الجمعة فى مقامى هذا، فى ساعتى هذه، فى شهرى هذا، فى عامى هذا، إلى يوم القيامة، منتركها من غير عذر - مع إمام عادل أو جائر - فلا جمع الله له شمله، ولا بورك له فى أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا برّ له، ألا ولا صدقة له. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. قال الهيثمى: وفيه موسى بن عطية الباهلى ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله ثقات (¬2) [161]. (وعن ابن مسعود) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد همتأن آمر رجلا يصلى بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. أخرجه أحمد ومسلم (¬3) [162]. ¬

(¬1) سورة الجمعة: الآية 9. (¬2) ص 169 ج 2 مجمع الزوائد (فر ض الجمعة). (¬3) ص 22 ج 6 الفتح الربانى. وص 155 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة).

(وعن) ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو على أعواد منبره- لينتهين اقوام عن وَدْعهم الجمعات أو ليختمن الله عز وجل على قلوبهم وليكتبن من الغافلين. أخرجه أحمد والنسائى (¬1). [163]. (وقد) أجمع المسلمون على افتراض الجمعة على كل من استكمل شرائط وجوبها. (فرضت) الجمعة فى ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة. وأول جمعة صلاها النبى صلى الله عليه وسلم كانت فى مسجد بنى سالم بن عوف فى السادس عشر من الشهر المذكور. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: وفرضت بمكة قبل الهجرة، لما روى الدارقطنى عن ابن عباس قال: أذن النبى صلى الله عليه وسلم فى الجمعة قبل أن يهاجر فلم يستطع أن يجمع بمكة، فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد فانظر إلى اليوم الذى تجهر به اليهود بالزبور لسبتهم فأجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره، عند الزوال من يوم الجمعة، فتقربوا إلى الله بركعتين (¬2). [164]. فأول من جمع بالمدينة مصعب بن عمير حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجمع عند الزوال من الظهر (¬3). ¬

(¬1) ص 21 ج 6 الفتح الربانى. وص 202 ج 1 مجتبى (التشديد فى التخلف عن الجمعة) و (الختم) الطبع والتغطية واختلف فيه فقيل هو المنع من أسباب الخير وإعدام اللطف. وقيل: هو خلق الكفر والنفاق فى الصدور. وعليه أكثر أهل السنة و " ليكتبن " بضم الياء والباء ونون التوكيد. (¬2) لم أعثر على هذا الحديث بسنن الدارقطنى. (¬3) ص 341 ج 1 كشاف القناع (صلاة الجمعة) ..

(ويدل) لهذا أيضا قول ابى مسعود الأنصاري: اول من قدم من المهاجرين إلى المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم وهم اثنا عشر رجلا. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والكبير. وفى سنده صالح بن أبى الأخضر وهو ضعيف (¬1) (36). (وأما) ما روى عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لسعد بن زرارة. قال: لأنه أول من جمع بنا فى هزم النبيت من حرة بنى بياضة فى نقيع يقال له نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون. اخرجه أبو داود وابن حيان والدارقطنى والحاكم وصححه، وابن ماجه والبيهقى وقال: هذا حديث حسن الإسناد صحيح (¬2) (37). ¬

(¬1) ص 176 ج 2 مجمع الزوائد (باب فى أول من صلى الجمعة بالمدينة). (¬2) ص 217 ج 6 المنهل العذب (الجمعة فى القرى) وص 164 سنن الدارقطنى: وص 281 ج 1 مستدرك. وص 173 ج 1 سنن ابن ماجه (فرض الجمعة) وص 177 ج 3 سنن البيهقى (العدد الذين إذا كانوا فى قرية وجبت عليهم الجمعة) و (الهزم) بفتح فسكون: المنخفض من الأرض. و (النبيت) أبو حى باليمن اسمه عمرو بن مالك. (وحرة بنى بياضة) قرية على ميل من المدينة. وبنو بياضة بطن من الأنصار. و (النقيع) مستنقع يمكث فيه الماء مدة فإذا غار فى الأرض أنبت الكلأ. و (الخضمات) بفتح فكسر أو بفتحتين: موضع بناحية المدينة. والمعنى أن اسعد بن زرارة أول من أمر بصلاة الجمعة بهزم النبيت (وأول) من جمع فى الجاهلية بمكة كعب بن لؤى الجد السابع للنبى صلى الله عليه وسلم خطب وذكر وبشر بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم وحض على اتباعه، ويقال إنه أول من سمى العروبة الجمعة. ومعنى العروبة الرحمة. وكانت قريش تجتمع إليه فيها فيخطبهم فيقول (أما بعد) فاعلموا وتعلموا إنما الأرض لله مهاد، والجبال أوتاد، والسماد بناء، والنجوم أعلام. ثم يأمرهم بصلة الرحم ويبشرهم بالنبى صلى الله عليه وسلم ويقول: حرمكم يا قوم عظموه فسيكون له نبأ عظيم، ويخرج منه نبى كريم. ثم يقو فى شعره: على غفلة يأتى النبى محمد ... فيخبر أخباراً صدوق خبيرها روف رايناها تقلب أهلها ... لها عقد ما يستحيل مريرها ثم قال: يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... إذا قريش تبغى الحق خذلانا (*) ذكره السهلى. ص 269 ج 1 الروض الأنف. وكان بين موت كعب بن لؤى ومبعث النبى صلى الله عليه وسلم وخمسمائة عام.

(فيجمع) بينه وبين ما تقدم بأن اسعد كان آمراً وكان مصعب إماماً (وقيل) صليت الجمعة بالمدينة قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم على سبيل الجواز وفرضت بها بعد الهجرة (وهذا) هو الظاهر لأن سورة الجمعة مدنية. (ولقول) محمد بن سيرين: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل أن تنزل الجمعة. فقالت الأنصار: إن لليهود يوماً يجتمعون فيه كل سبعة أيام، والنصارى كذلك. فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه فنذكر الله ونصلى ونشكره، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح لهم شاة، فتغدوا أو تعشوا من شاة، وذلك لقلتهم، فأنزل الله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.أخرجه عبد بن حميد وعبد الرزاق بسند صحيح مرسل رجاله ثقات (¬1). (38). ¬

(¬1) مصحرين بضم فسكون: أى بارزين فى الصحراء.

وبه يجمع بين الأحاديث (قال) الحافظ: واختلف فى وقت فرضيتها، فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة، وهو مقتضى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (}. وقال الشيخ أبو حامد: فرضت بمكة، وهو غريب (¬1). (وحكمة) مشروعيتها ما يترتب على الاجتماع لها: من جمع الكلمة والتحاب والتعاطف والتآلف والتعلم وتعود الصبر والامتثال. ولذا أوجب الله على أهل المدينة والقرية بأسرهم ان يجتمعوا فى كل أسبوع يوماً بعينه فى مسجد يسعهم ليجمع شملهم فى كل أسبوع، كما اجتمع شمل أهل الدور والمنازل فى كل يوم، كما طلب أن يجتمع أهل المدينة مع أهل القرى المتقاربين فى كل سنة مرتين فى ملى بارزين مصحرين (¬2) ليسعهم المكان، ويتجدد الأنس بين كافتهم وتشملهم المحبة الناظمة لهم. ثم أوجب بعد ذلك ان يجتمعوا فى العمر كله مرة واحدة فى الموضع المقدس بمكة، ولم يعين من العمر وقتاً مخصوصاً ليتسع لهم الزمان، وليجتمع أهل المدن المتباعدة كما اجتمع أهل المدينة الواحدة، ويصير حالهم فى الأنس والمحبة وشمول الخبر والسعادة كحال المجتمعين فى كل سنة وفى كل أسبوع وفى كل يوم، فيجتمع بذلك الأنس الطبيعى إلى الخيرات المشتركة، وتتجدد بينهم محبة الشريعة، وليكبروا الله على ما هداهم، ويغتبطوا بالدين القويم القيم الذى الفهم على تقوى الله وطاعته. ¬

(¬1) ص 239 ج 2 فتح البارى (فرض الجمعة) .. (¬2) مصحرين بضم فسكون: أى بارزين فى الصحراء.

(5) شروط الجمعة

(5) شروط الجمعة اعلم أن للجمعة شروط افتراض زائدة على شروط سائر الصلوات من الاسلام والتكليف والطهارة من الحيض والنفاس، وشروط صحة زائدة على شروط سائر الصلوات من الطهارة وغيرها مما تقدم. (أ) فشروط افتراضها: الذكورة المحققة والحرية والصحة والقدرة على السهى إليها والإقامة بمحل تقام فيه الجمعة أو بفنائه وعدم العذر الموجب للتخلف عنها " لحديث" جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة، إلا امرأة أو مسافراً أو عبداً أو مريضاً ". أخرجه البيهقى والدارقطنى. وفى سنده أبو لهيعة ومعاذ بن محمد، وهما ضعيفان (¬1). [165]. لكن له شواهد (منها) حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمسة لا جمعة عليهم: المرأة والمسافر والعبد والصبى وأهل البادية ". اخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده إبراهيم بن حماد ضعفه الدارقطنى (¬2). [166]. (وحديث) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة واجبة إلا على امرأة أو بى أو مريض أو عبد أو مسافر".أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفى سنده ضرار بن عمرو الملطى، وهو ضعيف (¬3). [167]. (وحديث) محمد بن كعب أنه سمع رجلا من بنى وائل يقول: قال النبى صلى الله عليه وسلم: " تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً ".أخرجه الشافعى (¬4). [168]. ¬

(¬1) ص 184 ج 3 سنن البيهقى (من لا تلزمه الجمعة) وص 163 سنن الدارقطنى. (¬2) ص 170 ج 2 مجمع الزوائد (فرض الجمعة ومن لا تجب عليه). (¬3) ص 170 ج 2 مجمع الزوائد (فرض الجمعة ومن لا تجب عليه). (¬4) انظر ص 152 ج 1 بدائع المنن.

وعلى الجملة فالجمعة لا تفترض على ثمانية: الصبى والأنثى والخنثى والرقيق والمريض والعاجز عن السعى إليها والمسافر والمعذور. (1 - 4) أما الصبى والأنثى والخنثى، فلا تلزمهم الجمعة بالإجماع، وكذا الرقيق عند الأئمة الأربعة والجمهور. وللسيد منعه عن الجمعة والجماعة والعيد، وغذا أذنه فالظاهر أنه لا يلزمه الأداء، وإن لم يأذنه فله الخروج للاتها عن علم رضا سيده وإلا فلا (وأما الأجير) فليس للمستأجر منعه منها ولكن يسقط عنه من الأجرة بقدر اشتغاله بذلك إن كان طويلاً، وإلا فلا يسقط عنه شئ. (وقال) الشيخ إبراهيم الحلبى: فلا تجب على العبد، وعليه الإجماع، وفيما إذا حضر باب الجامع لحفظ الدابة خلاف، والأح أنه يصلى إذ 1 لم يخل بالحفظ. والمكاتب تجب عليه، وكذا معتق البعض. ولا تجب على العبد المأذون له فى التجارة (¬1). (وقال) النووى: أكثر العلماء على أن العبد المدبر والمكاتب لا جمعة عليهم، وهو قول عطاء والحسن البصرى ومالك وأهل المدينة والنووى وأهل الكوفة وأحمد وإسحاق وابى ثور. وقال بعضهم: تجب الجمعة على العبد، فإن منعه السيد فله التخلف. وعن الحسن وقتادة والأوزاعى وجوبها على عبد يؤدى الضريبة وهو الخراج. وقال داود: تجب عليه مطلقاً، وهى رواية عن أحمد. دليلنا الأحاديث السابقة. وأما من بعضه حر وبعضه رقيق فلا جمعة عليه على الصحيح، وبه قطع الجمهور (¬2). (واستدل) داود بدخول الرقيق فى عموم الخطاب فى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (}. (ورد) بأن الاية مجملة والحديث مبين، وقد رح بأن العبد لا تجب عليه الجمعة. ¬

(¬1) انظر ص 558 غنية المملى بشرح منية المصلى (صلاة الجمعة). (¬2) انظر ص 485 ج 4 شرح المهذب (لا تجب على المسافر ولا على العبد .. ).

(واراجح) ما ذهب إليه الأئمة والجمهور من أنها لا تلزم العبد ولو كان مدبراً أو مكاتباً لعموم الأحاديث، والحكمة فى ذلك ان فى حضوره الجمعة تعطيلا لأعمال سيده، فإن اذن له فى حضورها حضر وصحت منه. (5) وأما المريض الذى لا يقدر على الذهاب إلفى محل الجمعة أو يقدر ولكن يخاف زيادة المرض أو بطء البرء او يقدر بمشقة ظاهرة، فلا تلزمه الجمعة دفعاً للحرج والمشقة. ويلحق به من يعوله إذا كان المريض يضيع بخروجه، ومن به إسهال كثير. وكذا يلحق به الشيخ الكبير الضعيف عن السعى عند أبى حنيفة ومالك (وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعى وأحمد: إن وجد مركوباً ملكاً أو بأجرة أو إعارة وجبت عليه الجمعة وإلا فلا. (6) وأما العاجز عن السعى إليها، كمقعد، ومقطوع الرجلين، وأعمى لا يهتدى إلى محل الجمعة بنفسه ولم يجد قائداً، فلا تلزمهم الجمعة إجماعاً: أما العمى الذى يهتدى إلى محلها بنفسه فتلزمه اتفاقاً. وكذا من وجد قائداً متبرعاً او بأجر قادر عليه عند الثلاثة وابى يوسف ومحمد، لما تقدم عن عمرو بن أم مكتوم أنه قال: يا رسول الله، إنى رجل ضرير البصر شاسع الدار ولى قائد لا يلائمنى، فهل لى رخصلة أن أُصلى فى بيتى؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: لا أجد لك رخصة. اخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم (¬1). [169]. وهذا فى مطلق الجماعة، ففى الجمعة أولى. (وقال) أبو حنيفة: لا تفترض الجمعة على الأعمى الذى لا يهتدى إلى محلها بنفسه وإن وجد قائداً متبرعاً أو مملوكاً لأن الشخص لا يعد قادراً بقدرة الغير. والحديث ظاهر فى لزومها عليه متى كان قادراً على الوصول إلى محلها بأى حال. (7) أما المسافر فلا تلزمه الجمعة عند الشافعية، ولو كان سفره ¬

(¬1) تقدم رقم 59 ص 35 ج 3 الدين الخالص (حكم الجماعة).

قصيراً (وقال) الحنفيون وأحمد: لا تجب على المسافر سفر قصر. وكذا لا تجب عند الحنفيين على من كان خارجاً عن فناء المصر ولو سمع النداء منها. وقالت المالكية: لا تجب على مسافر ولو سفراً قصيراً إذا بعد عن البلد بأكثر من فرسخ. (والراجح) أنها لا تجب على المسافر ما لم ينو إقامة تقطع السفر وتوجب إتمام الصلاة على ما تقدم بيانه. (قال) ابو عبد الله بن قدامة: وأما المسافر فأكثر اهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه. وحكى عن الزهرى والنخعى أنها تجب عليه، لأن الجماعة عليه، فالجمعة أولى. ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلى الجمعة فى سفره، وكان فى حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر والعصر جمع بينهما ولم يصل جمعته، والخلفاء الراشدون رضى الله عنهم كانوا يسافرون فى الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فى سفره. وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع. ذكره ابن المنذر. وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه، فلا يسوغ مخالفته (¬1). (8) وأما المعذور بعذر يوجب التخلف عنالجماعة، كمطر ووحل شديد وغيرهما مما تقدم فى بحث " أعذار ترك الجماعة" فلا تفرض عليه الجمعة اتفاقاً (لحديث) أبى المليح بن أسامة عن أبيه قال: اصاب الناس فى يوم جمعة- يعنى مطراً- فأمر النبى صلى الله عليه وسلم ان الصلاة اليوم أو الجمعة اليوم فى الرحال. اخرجه أحمد وابو داود والنسائى والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (¬2). [170]. ¬

(¬1) ص 193 ج 2 مغنى (لا جمعة على مسافر). و (نيسابور) بفتح فسكون: مدينة عظيمة فى بلاد العجم. (¬2) ص 33 ج 6 الفتح الربانى. وص 203 ج 6 المنهل العذب (الجمعة فى اليوم المطر) وص 186 ج 3 سنن البيهقى (ترك إتيان الجمعة بعذر المطر .. ) وص 293 ج 1 مستدرك. و (أن الصلاة) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن. و (الرحال) جمع رحل وهو المنزل. والمعنى: أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر مؤذنه ان يعلم الناس بان يصلوا فى رحالهم رحمة بهم ودفعاُ للحرج بعدم تحمل مشقة المطر.

(وروى) عبد الرحمن بن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إذا كان مطر وابل فليصل أحدكم فى رحله ". أخرجه ابن أحمد والحاكم. وفى سنده ناصح بن العلاء، ضعفه ابن معين والبخارى، ووثقه ابو داود والحاكم (¬1). [171]. (ولا تفترض) على مدين معسر يخاف الحبس (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: وإنما اختصت الجمعة بهذه الشروط، لعدم تأديها فى أى مكان واختصاصها بمكان وصفه يحصل بهما الحرج كالمشقة بسبب العجز والضعف فى المريض ونحوه، وبسبب فوات مصلحة نفسه أو مولاه فى حق المسافر والعبد، والحرج مرفوع رحمة من الله ولطفاً، فلم تجب على هؤلاء لذلك، وكفاهم أداء الظهر. ولو حضروا وصلوا الجمعة أجزأتهم ولم يلزمهم الظهر، لأن سقوط الوجوب عنهم للرفق بهم، فإذا تحملوا المشقة وقعت فرضاً وأجزأت كحج الفقير (¬2). (وقال) أبو عبد الله بن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن لا جمعة على النساء وعلى أنهن إذا حضرن فلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهنّ؛ لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن؛ فإذا تحملن المشقة وصلين أجزأهنّ كالمريض. والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أكمل. (فأما العبد) فإن اذن له سيده فى حضورها فهو أفضل لينال فضل الجمعة وثوابها ويخرج من الخلاف. وإن منعه سيده لم يكن له حضورها إلا أن نقول بوجوبها عليه. ¬

(¬1) ص 194 ج 2 مجمع الزوائد (التخلف عن الجمعة للمطر) وص 292 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 594 غنية المتملى بشرح منية المصلى (صلاة الجمعة) ..

(وأما المرأة) فإن كانت مسنة فلا بأس بحضورها، وإن كانت شابة جاز حضورها وصلاتهما فى بيوتهما خير لهما، كما روى فى الخبر: وبيوتهنّ خير لهنّ. (وقال) أبو عمرو الشيبانى: رأيت ابن مسعود يخرج النساء من الجامع يوم الجمعة، ويقول: اخرجن إلى بيوتكنّ خير لكنّ (¬1). (40). (وتقدم) بيان هذا وافياً فى بحث " حضور النساء المساجد" وأن جواز خروجهن إلى المساجد مشروط بأمن الفتنة وإلا مُنِعْنَ الخروج كما هو الحال فى زماننا (¬2). (فائدة) أجمع العلماء على أن من كان مقيماً ببلدة وتحققت فيه شروط افتراض الجمعة لزمته وإن لم يسمع النداء للأحاديث المتقدمة، وأما من كان خارجها فإن أمكنه سماع النداء من مؤذن بطرف بلد الجمعة والأصوات هادئة والريح ساكنة وهو يستمع، لزمته الجمعةوسعى لها وإلا فلا، عند الشافعى وأحمد ومحمد بن الحسن. (روى) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة على كل من سمع النداء ". أخرجه البيهقى والدارقطنى وابو داود وقال: روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو، ولم يرفعوه، وإنما اسنده قبيصة (¬3). [172]. ¬

(¬1) ص 196 ج 2 مغنى (صحة الجمعة ممن لا تجب عليهم). (¬2) تقدم بص 42 ج 2 الدين الخالص. (¬3) ص 173 ج 3 سنن البيهقى (وجوب الجمعة على من كان خارج المصر .. ) وص 165 سنن الدارقطنى. وص 200 ج 6 المنهل العذب (من تجب عليه). و (قبيصة) هو ابن عقبة راوى الحديث عنالثورى. قال ابن معين وغيره: قبيصة ثقة إلا فى حديث النووى.

(1) مكان الجمعة

وفى سنده ابو سلمة بن نبيه وعبد الله بن هارون، وهما مجهولان. (وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: لا تجب الجمعة على من كان خارج البلد ولو سمع النداء (لقول) على رضى الله عنه: لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا فى مصر جامع أو مدينة عظيمة. أخرجه ابن أبى شيبة، وهذا لفظه، وعبد الرازق والبيهقى والطحاوى فى المشكل وصححه ابن حزم (¬1). (41). (وأجاب) الأولون عنه بأن معناه لا تصح الجمعة إلا فى مصر كما سيأتى لا ينافى وجوبها على من سمع النداء منالمصر (وقال) مالك والليث: تجب الجمعة على من كان بينه وبين بلدها ثلاثة أميال وثلث فأقل. (ب) وأما شروط صحتها فأربعة: المكان والوقت والخطبة والجماعة. (1) مكان الجمعة اختلف العلماء فى المكان الذى تصح فيه إقامة الجمعة. فقال الحنفيون: لا تقام إلا فى المصر او فنائه بكسر الفاء، وهو الموضع المعد لمصالح المصر، بشرط الا ينفصل عنه بغلوة (¬2)، فلا تصح فىقرية ولا مفزة. وبه قال على وحذيفة وعطاء وإبراهيم النخعى ومجاهد وابن سيربن والثورى وسحنون لما تقدم أن علياً رضى الله عنه قال: لا جمعة ولا تشريق ولا صلاةفطر ولا أضحى إلا فى مصر جامع أو فى مدينة عظيمة (¬3) والموقوف فى مثله كالمرفوع، لأنه من شروط العبادة ولا مدخل للرأى فيها، وكفى بقول على رضى الله عنه قدوة. ¬

(¬1) ص 195 ج 2 نصب الراية (صلاة الجمعة) وص 179 ج 3 سنن البيهقى (العدد الذين إذا كانوا فى قرية وجبت عليهم الجمعة) وص 54 ج 2 مشكل الاثار (العيدان يجتمعان) وص 52 ج 5 المحلى (صلاة الجمعة). (¬2) الغلوة بفتح فسكون فى الأصل: الغاية وهى رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، وقدرها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة وهو الأصح أى 139 متراً إلى 186. (¬3) تقدم أثر 41 ص 166 ..

(والمصر) عندهم هى بلدة كبيرة فيها سوق ووال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمته وعلمه أو علم غيره، يرجع الناس إليه فيما يقع من الحوادث، وقيل هو ما لا يسع أكبر مساجده اهله المكلفين بالجمعة. (وقال) الشيخ غبراهيم الحلبى: وعن محمد أن كل موضع مصره الإمام فهو مصر حتى إنهلو بعث إلىقرية نائباً لإقامة الحدود والقصاص تصير مراً؛ فإذا عزله تلحق بالقرى. ووجه ذلك ما صح أنه كان لعثمان عبدُ أسود أمير له على الزبدة يصلى خلفه أبو ذر وعشرة منالحابة الجمعة وغيرها. ذكره ابن حزم فىالمحلى (¬1). ويجوز إقامتها بمنى أيام الموسم إذا كان الأمير أمير الحجاز أو كان الخليفة هناك عند ابى حنيفة وابىيوسف خلافاً لمحمد، لأنها تتمصر إذ ذاك، فإن لها سككاص ويصير لها بالموسم اسواق، بخلاف عرفات لأنها لا أبنية بها. وبخلاف ما إذا لم يكن إلا أمير الموسم، أى أمير الحج، لأنه لم يفوض إليه غقامة الجمع. ولا يصلى العيد بها بالاتفاق لا لعدم التمصر، ولكن للاشتغال فيه بأمور الحج من الرمى والذبح والحلق وطواف الإفاضة وغيرها فيقع الحرج بصلاتها. فعلى هذا ينبغى أن تيقط الجمعة عن أهل مكة إذا خرجوا للحج واتفق أن العيد يوم الجمعة (¬2). (وقالت 9 المالكية: تقام الجمعة فى المصر وفى كل قرية بيوتها متصلة ذات طرق وسوق ومسجد تؤدى فيه الصلوات جماعة وإن لم يكن لهم وال. (وقالت) الشافعية والحنبلية: تؤدى فى كل قرية فيها أربعون رجلا أحراراً مكلفين مقيمين بها، لا ينتقلون إلا لحاجة، بشرط أن تكون أبنيتها مجتمعة عرفاً. ¬

(¬1) ص 52 ج 5 المحلى. و (الربذة) كقصبة: قرية شرقى المدينة على نحو ثلاثة اميال منها، كانت عامرة فى صدر الإسلام، وهى الآن دارسة وبها قبر ابى ذر الغفارى. (¬2) ص 551 غنية المتملى بشرح منية المصلى (صلاة الجمعة).

(قال) أبو عبد الله بن قدامة: فأما القرية فيعتبر أن تكونمبنية بما جرت به العادة ببنائها به من حجر او طين او لبن أو قصب او شجر ونحوه. فأما أهل الخيام وبيوت الشعر والحركات فلا جمعة عليهم ولا تصح منهم، لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالباً، ولذلك كانتقبائل العرب حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبى صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك لم يخف ولم يترك نقله مع كثرته وعموم البوى به، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعى إليها كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر. ويشترط فى القرية ايضاً ان تكون مجتمعة البناء بما جرت العادة فى القرية الواحدة، فإن كانت متفرقة المنازل تفرقاً لم تجر العادة به، لم تجب عليهم الجمعة إلا أن يجتمع منا ما يسكنه اربعون، فتجب الجمعة بهم ويتبعهم الباقون، ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض. وحكى عن الشافعى أنه شرط ولا يصح، لأن القرية المتقاربة البنيان قرية مبنية على ما جرت به عادة القرى؛ فأشبهت المتصلة، ومتى كانت القرية لا تجب الجمعة على أهلها بأنفسهم وكانوا بحيث يسمعون النداء من المصر أو من قرية تقام فيها الجمعة لزمهم السعى إليها، لعموم الاية (¬1). (وقال) العلامة منصور بن إدريس: ولا يشترط للجمعة المصر، خلافاً لأبى حنيفة، لما روى الأثرم عن أبى هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين، وكان عامله عليها، فكتب إليه عمر: جمعوا حيث كنتم. قال أحمد: إسناده جيد (¬2). واسنده ابن ابى شيبة عن حذيفة وعلىّ وعمر وغيرهم. (43) (¬3). (واستدلوا) أيضا بقول ابن عباس: إن أول جمعة فى الإسلام بعد ¬

(¬1) ص 171 ج 2 مغنى (اشتراط القرية للجمعة). (¬2) ص 345 ج 1 كشاف القناع (ما يشترط لصحة الجمعة). (¬3) ص 259 ج 2 فتح البارى.

جمعة جمعت فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجوائى قرية من قرى البحرين. أخرجه البخاري وأبو داود والبيهقى (¬1). (44). (وأجاب) الحنفيون بأن ما ذكر لا ينافى اشتراط المصر، إذ القرية تطلق فى لغة القرآن والصدر الأول على المصر، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ} (¬2) أى أنطاكية {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (¬3) أى مكة والطائف. وفى الصحاح: جوائى حصن بالبحرين. فهى مصر على ما تقدم بيانه. ولكن يؤيد القول بصحة الجمعة فى القرى ما تقدم عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين ان جَمَّمعوا حيثما كنتم (¬4) وهو يشمل المدن والقرى، وقال الوليد بن مسلم: سألت الليث بن سعد عن المصر، فقال: كل مدينة أو قرية جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما، وفيها رجال من الصحابة. أخرجه البيهقى (¬5). (45). (واختلفوا) أيضاً فى اشتراط المسجد لصحة صلاة الجمعة. فقالت المالكية: يشترط إقامتها فى مسجد مبنى بناء معتاداً لأهل البلد، وأن يكون واحداً؛ فلو تعدد فالجمعة للعتيق، وهو الذى أقيمت فيه الجمعة أولا، وإن تأخر بناؤه ما لم يهجر العتيق أو يكون التعدد لحاجة أو يحكم حاكم بصحتها فى الجديد وإلا صحت فيه، ومن الحاجة المبيحة للتعدد ضيق العتيق ¬

(¬1) ص 259 منه (الجمعة فى القرى والمدن). وص 215 ج 6 المنهل العذب. وص 176 ج 3 سنن البيهقى 0 العدد الذين كانوا فى قرية وجبت عليهم الجمعة) و (جواثى) بضم الجيم وواو مخففة وقد تبدل همزة مقصورة أو ممدودة. . (والبحرين) اسم بلاد على ساحل بحر العرب بين برة وعمان. (¬2) سورة يس: الاية 13. (¬3) سورة الزخرف: الآية 31. (¬4) تقدم أثر 43 ص 168 .. (¬5) (انظر ص 259 ج 2 فتح البارى 0 الجمعة فى القرى والمدن).

عمن يحضر لصلاة الجمعة ولو كان حضوره مندوباً كالنساء والصبيان (ومنها) وجود عداوة بين أهل البلد. ويشترط فى المسجد أيضاً ان يكون داخل البلد. وقال ابن ناجى: يصح أن يكون خارجها بحيث ينعكس عليه دخان البلد، وحدّه بعضهم بأربعين ذراعاً وبعضهم بأربعين باعاً (ومحل) كلامه إذا بنى خارج البلد ابتداء، أما إذا بنى داخل البلد ابتداء ثم خرجت وصار خارجاً عنها فالجمعة فيه صحيحة. (وقال) الحنفيون والشافعى وأحمد والجمهور: المسجد غير شرط فى صحة الجمعة، لأن الليل المثبت لوجوب الجمعة ساكت عن اشتراطه، فتجوز فى مسجد البلد وفى أبنيتها وفى الفضاء التابه لها إذا كان لا تقصر فيه الصلاة (قال) فى البحر: وهذا القول قوى إن صحت صلاته صلىالله عليه وسلم فى بطن الوادى. أ. هـ. (وقد روى) صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى ابن سعد وأهل السير. ولو سلم عدم صحة ذلك، لا يدل فعلها فى المسجد على اشتراطه، ولو كان شرطاً فى صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنه صلى الله عليه وسلم ولا أن يترك بيانه لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬1). (فائدة) كانت الجمعة فى عهد النبى صلىالله عليهوسلم وعهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح تقام فى مكان واحد من المر، وكانوا يتركون المساجد الصغيرة إلى المسجد الجامع (قال) ابن عمر: إن أهل قباء كانوا ¬

(¬1) سورة النحل: الآية 440.

يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة. أخرجه ابن ماجه. وفى سنده عبد الله بن عمر العمرى وهو ضعيف (¬1). [173]. (وقال) ابن عمر: لا جمعة إلا فى المسجد الأكبر الذى يصلى فيه الإمام. اخرجه ابن المنذر (46). (وعن) بكير بن الأشج أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وسلم يسمع أهلها تاذين بلال، فيصلون فى مساجدهم، ولم يكونوا يصلون الجمعة فى شئ من تلك المساجد إلا مسجد النبى صلى الله عليه وسلم. اخرجه أبو داود فى المراسيل والبيهقى فى المعرفة (47). (ويشهد) له صلاة أهل العوالى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة كما فى التصحيح. ذكره فى تلخيص الحبير (¬2) وفيه: وروى البيهقى أن أهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة. ولم ينقل أنه أذن لأحد فى إقامة الجمعة فى شئ من مساجد المدينة ولا فى القرى التى بقربها (¬3). (وقال) تقى الدين السبكى فى فتاويه: إن دمشق من فتوح عمر إلى اليوم (شهر رمضان سنة 756 هـ) لم يكن فى داخل سورها إلا جمعة واحدة (¬4). أهـ. وقد اعتمد السبكى أنه إذا كان فى مصر أو قرية جامع يسع أهلها ثم أريد ¬

(¬1) ص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (من أين تؤتى الجمعة؟ ) و (قباء) بضم القاف يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف: موضع جنوب المدينة على ميلين منها. و (يجمعون) من التجميع .. (¬2) انظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب. و (العوالى) موضع قريب من المدينة. (¬3) اانظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب. و (العوالى) موضع قريب من المدينة. (¬4) ذكر الخطيب فىتاريخ بغداد أن أول جمعة أحدثت فى الإسلام فى بلد مع قيام الجمعة القديمة فى أيام المعتضد فى دار الخخلافة من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة. وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم فى المسجد العام وذلك سنة 280 هـ. ثم بنى فى أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه. أهـ. ذكره فى تلخيص الحبير. انظر هامش 1 ص 498 ج 4 شرح المهذب.

إحداث جمعة ثانية فى بعض المساجد أن ذلك لا يجوز. وقال ابن جريح: قلت لعطاء: أرأيت اهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون؟ قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم. أخرجه عبد الرازق (48). هذا. وقد اختلف العلماء فى جواز غقامتها فى مواضع، فالمنقول عن الشافعى فى الجديد أنه لا يجوز غقامتها فى أكثر من موضع. قال فى الأم: ولا يجمع فى مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا فى موضع المسجد الأعظم وغن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا فى واحد، وايها جمع فيه أولا بعد الزوال فهى الجمعة. وإن جمع فى آخر سواه بعده لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة وكان عليهم أن يعيدوا ظهراً أربعاً (¬1). وعن ابى يوسف: لا تجوز فىموضعين من المصر إلا أن يكون بينهما نهر. وعنه تجوز بموضعين لا غير. (وقال) ابو حنيفة ومحمد: يجوز ذلك مطلقاً. (قال) العلامة ابن نجيم: يصح أداء الجمعة فى مصر واحد بمواضع كثيرة. وهو قول ابى حنيفة ومحمد وهو الأصح، لن فى الاجتماع فى موضع واحد فى مدينة كبيرة حرجاً بيناً وهو مرفوع. وذكر الإمام السرخسى أن الصحيح من مذهب ابى حنيفة جواز إقامتها فى مصر واحد فىمسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق: لا جمعة إلا فى مصر (¬2) شرط المصر فقط. وبما ذكرناه اندفع ما فى البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها فى موضعين، ولا يجوز فى أكثر من ذلك، وعليه الاعتماد. أهـ. فإن المذهب الجواز مطلقاً (¬3). ¬

(¬1) ص 171 ج 1 كتاب الأم (الصلاة فى مسجدين فأكثر). (¬2) هو بعض أثر عن على رضى الله عنه تقدم 41 ص 166 (هل تلزم الجمعة من كان خارج بلدها؟ ). (¬3) ص 142 ج 2 البحر الرائق (صلاة الجمعة).

ثم قال: وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة لاستدعائها الجماعات فهى جامعة لها، فلا يفيده لأنه حاصل مع التعدد، ولهذا قال العلامة ابن جرباش فى النجعة (بضم النون) فى تعداد الجمعة: لا يقال إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط وهو متعين فى مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين، لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع، ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس، ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراطه، وقد قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬1). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2). والقول بعدم تعدد الجمعة مع الحاجة وكثرة الناس، عسر يأباه سهولة الدين ويسره (وقالت) المالكية والحنبلية: يجوز تعدد الجمعة لحاجة كضيق المسجد عمن يحضر لصلاة الجمعة وكوجود عداوة بين أهل البلد (قال) الشيخ منصور بن إدريس: وتجوز إقامتها فى أكثر من موضع من البلد لحاجة (كضيق) مسجد البلد عنأهله (وخوف) فتنة بأن يكون بين أهل البلد عداوة فيخشى إثارة الفتنة ياجتماعه فى مسجد واحد (وبُعد) الجامع عن طائفة من البلد ونحوه كسعة البلد وتباعد أقطاره، فتصح الجمعة السابقة واللاحقة، لأنها تفعل فى الأمصار العظيمة فى مواضع من غير نكير، فكان إجماعاً. قال الطحاوى: وهو الصحيح من مذهبنا. وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يقمها هو ولا أحد من الصحابة فى أكثر من موضع فلعدم الحاجة إليه، ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم، لأنه المبلغ عن الله تعالى، وكذا العيد تجوز غقامتها فى أكثر منموضع من البلد للحاجة لما سبق. فإن حصل الغنى بجمعتين اثنتين لم تجز الجمعة الثلثة لعدم الحاجة إليها. وكذا إذا حصل الغنى بثلاث لم تجز الرابعة، أو بأربع لم تجز ¬

(¬1) آخر سورة البقرة. (¬2) ص 143 ج 2 البحر الرائق، والآية آخر سورة الحج.

الخامسة، وهكذا. ويحرم إقامة الجمعة والعيد بأكثر من موضع من البلد لغير حاجة. قال فى المبدع: / لا نعلم فيه خلافاً إلا عن عطاء (¬1). وبقول عطاء قال أبو حنيفة ومحمد- كما علمت- والظاهرية. ومشهور مذهب الشافعية جواز تعدد الجمعة لحاجة. قال الشيخ على الشبراملسى فى رسالة له فى حكم صلاة الظهر بعد الجمعة، الصحيح أنه لا يجوز تعدد الجمعة ما يشق الاجتماع فى محل واحد- ولو غير مسجد- مشقة لا تحتمل عادة، أى يقيناً كما قيد به الشهاب بن حجر، وتبعه شيخ مشايخنا الشمس الرملى، سواء أحال نهر بين أجزاء محلها أم لا، وسواء أكانت قرى واتصلت أم لا. نعم إن حال بينهما سور جاز التعدد مطلقاً لفعل بعضهم لها داخله وبعضهم خارجه. وهل العبرة فيمن يعسر اجتماعه بمن يصليها بالفعل أو من تصح منه أو من يغلب حضوره، أو من تلزمه؟ احتمالات، اعتمد الشمس الرملى كأبيه والشهاب بن حجر، ثالثها حتى لو كان الغالب يختلف باختلاف الأزمنة اعتبرناه فى كل زمن بحسبه. واعتمد بعض مشايخنا. ويجوز التعدد بقدر الحاجة إن شق الاجتماع بكثرة أهل محلها أو لقتال بينهم أو لبعد أحد طرفيه عنالآخر بحيث لا يسمع من فى أحدهما النداء من الآخر على ما فى الأنوار، وبحيث لو خرج من فى أحدهما منه للآخر عقب الفجر لم يدركها على ما قاله الشهاب بن جحر وتبعه الشمس الرملى، أو بحيث تناله مشقة لا تحتمل عادة بالسعى إليها من أحدهما للآخر على ما قاله الشهاب العبادى (¬2). أهـ. (وقال) كثير من الشافعية: إن هذا هو مذهب الإمام، لأنه دخل بغداد وفيها مسجدان تقام فيهما جمعة ولم ينكر عليه، ويكون كلامه فى الأم ¬

(¬1) ص 351 ج 1 كشاف القناع (صلاة الجمعة ركعتان). (¬2) ورقة 1 رسالة فىحكم صلاة الظهر بعد الجمعة رقم 3597 مجاميع فقه شافعى المكتبة الأزهرية.

مقيدا بما إذا لم يعسر الاجتماع (وقال) بعضهم: إن أحد المسجدين كان خارج السور، وقال آخرون: لم ينكر عليهم لأن المسألة اجتهادية، والمجتهد لا ينكر على مجتهد مثله. واياً فهذا هو مختار أكثر أصحاب الشافعى. (تنبيه) علم مما تقدم أن جمهور العلماء قالوا بجواز تعدد الجمعة ولا سيما إذا كان لحاجة وأنها فرض الوقت. وعهليه فلا تطلب صلاة الظهر بعدها، لأن المكلف لا يطالب بفرضين فى وقت واحد مع ما فى أدائه جماعةمن إيهام نقض الجمعة، وإيقاع العامة فى اعتقاد أن ليوم الجمعة بعد زواله فرضين: صلاة الجمعة، ولاة الظهر، بل هو الذى لا يرتابون فيه، ويزيدون عليه أنه لا يصح إلا جماعة. (قال) فى الدر المختار: وهى (يعنى الجمعة) فرض مستقل آكد من الظهر وليست بدلا عنه. وفى البحر: وقد أفتيت مراراً بعدم صلاة الأربع بعدها بنية آخر ظهر خوف اعتقاد عدم فرضية الجمعة وهو الاحتياط فى زماننا (وأما) من لا يخاف عليه مفسدة منها، فالأولى أن تكون فى بيته خفية (¬1). (وقال) زين الدين بن نجيم: يلزم من فعلها (أى الظهر) فى زماننا مفسدة عظيمة، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدونه من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أدائها فكان الاحتياط فى تركها (¬2) أى الظهر. ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامة بتمحيص الحق باب عظيم من أبواب الدعوة إلى الخير. (وكتب) العلامة البجرمى على قول شيخ الإسلام فى المنهج: "وألا يسبقها بتحرم ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها إلا إن كثر أهله وعسر اجتماعهم بمكان ". ¬

(¬1) ص 423 ج 1 حاشية البجر مي على المنهج (شروط صحة الجمعة). (¬2) ص 171 ج 1 كتاب الأم (الأرض تكون بها المساجد).

(قال) أى كثروا بحيث يعسر اجتماعهم، اى بأن يحصل لهم مشقة من الاجتماع لا تحتمل أى اجتماع من يجوز له حضور الجمعة وإن لم تلزمه، فيدخل فيه الأرقاء والصبيان والنساء. فعلى هذا القول يكون التعدد في مصر كله لحاجة، فلا تجب الظهر حينئذ، كما نقل عن ابن الحق (¬1). (ومن) قال من المتأخرين: إنه يسن إقامة ظهر بعد الجمعة خروجاً منت خلاف من يمنع التعدد مطلقاً كما هو ظاهر نص الشافعي في الأم (فقوله) غير مسلم، فإن الشافعي لا يجيز صلاة الظهر عند الشك في السبق وعدمه إلا حيث ضاق الوقت. (قال) في الأم: وإن كان وال يصلى في مسجد صغير فجاء وال غيره فصلى في المسجد عظيم فأيهما صلى أولا فهي الجمعة، فإذا لم يدر أيهما صلى أولا فأعاد أحدهما الجمعة في الوقت أجزأت. وإن ذهب الوقت أعادا معاً فصليا معاً أربعاً أربعاً. قال الربيع: يريد يعيد الظهر (¬2). (وقال) النووي: من لزمته الجمعة لا يجوز أن يصلى الظهر قبل فوات الجمعة بلا خلاف لأنه مخاطب بالجمعية؛ فإن صلى الظهر قبل الجمعة , فقولان مشهوران الصحيح بطلانها ويلزمه إعادتها؛ لأن الفرض هو الجمعة (¬3). (فهذه) النصوص صريحة في أن الشافعي وأصحابه لا يجيزون صلاة الظهر لمن أشكل عليهم أمر السبق إلا حيث ضاق الوقت عن تأديتها جمعة. فما يفعله كثير من الناس إقامة ظهر عقب صلاة الجمعة في حالة التعدد وإشكال الأمر، مخالف لما قاله الشافعي وأصحابه. ¬

(¬1) (¬2) (¬3) ص 496 ج 4 شرح المهذب.

(ولذا) لما علم والي مصر حسين باشا في عهد السلطان مصطفي الثلث العثماني أن الظهر بعد الجمعة لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا من عمل الأئمة (أمر) في سنة 1277 هجرية بعدم إقامتها في الأزهر وغيره، فجزاه الله خيراً على منع هذه البدعة وأثابه، ووفق من يتنبه لمنعها (¬1). ¬

(¬1) وقد نعى كثير من أفاضل علماء الأزهر على المتمسكين بأذيال هذه البدعة (منهم) فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ حامد محيسن الشافعي وكيل كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية. قال في العدد السابع من السنة الثالثة لمجلة نور الإسلام الصادر في جمادى الثانية 1356 هـ: تذهب إلى مسجد من مساجد القاهرة أو بلد أخر لتصلى فريضة الجمعة فتسمع أذانا ثم أذانا ثم خطبه ثم خطبه ثانية ثم تقوم الصلاة فتصلى ركعتين الجمعة مؤتماً أنت وجميع من في المسجد بإمام واحد حتى إذا سلم الإمام رأيت طائفة من الجماعة قد انشقت عليه وانحازت إلي جانب من المسجد فاقامت صلاة غير التي صلاة مع الجماعة وركعت أربع ركعات هى صلاة ظهر يوم الجمعة. وما هي بتلك الصلاة الثانية الا كالتي نقضت غزلها من بعد قوه. إذ هي بما أتت قد رجعت إلي تلك الاعمال الكثيرة التي تقدمة صلاة الجمعة فابطلتها مع المقصد التي تلاها ورجعة الي هذا الجمع المترابط الملتئم فصدعته وابطلت غرض الشارع منه. بل أبطلت الغرض العام من الدين والمقصد الاسمي له وهو تضامن الأمه وإتحادها وأن لا يتفرقوا في دينهم شيعا. وإن الذي يصدع قلبك ويملأ نفسك أسفا ويفعمها عجبا أن تري بين هؤلاء الذين صدعوا الجميع واظهروا التفرق علماء دينيون آمين ومؤتمنين. نعم تمتلئ أسفاً وعجباً إذ أنه ليس من شك ولا عمون أنهم تابعون له في تلك الصلاة لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خليفة من الخلفاء الراشدين ولا عرفها إمام الأمة المجتهدين ولا إمام المذهب الذي يزعمون أنهم تابعون له في تلك الصلاة وهو الإمام الشافعي رضى الله عنه .. ثم هم مع هذا يفعلونها غير مخجلهم أن هذه عبادة مخترعة مبتدعة لا يعرفها الإسلام إذ الإسلام لا يعرف صلاة سادسة، وإذ أنت بحثت عن مبني اختراعهم لتلك العبادة وابتداعهم صلاة سادسة وجدت كل ما هناك أن الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه قال: لا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد. تلك كلمة الإمام التي لم يجدوا إلى تأويلها سبيلا إلا أن يخترعوا عبادة لا يعرفها الإسلام ولا من فهموا الإسلام من صحابة الرسول وأئمة المسلمين المجتهدين، ولقد فات هؤلاء أن الإمام الجليل الإمام الشافعي ما أراد من هذا إلا تحقيق الغرض الذي رمي إليه الشارع بهذا التشريع (فريضة الجمعة) =

(2) وقت الجمعة

(2) وقت الجمعة الوقت وإن كان شرطاً لكل صلاة، لكن الجمعية تختص بأنها لا تصح ¬

= وهو محافظة المسلمين على مظهر اتحادهم واتفاق كلماتهم: وأنت ترى أيها المسلم المخلص لدينه أن هذا المقصد ليس بفائت أبداُ حين يكون تعدد الجمعة قد نشأ عن تعذر اجتماعهم في مكان واحد إذ إمامنا الجليل ليس من عدم فهم الإسلام وروح التشريع إلى حد أن يغيب عنه ما هو من أول أصول الإسلام وهو التيسير ورفع الحرج عن جميع تكاليفة "ما جعل عليكم في الدين من حرج" وكيف يصح أن يفهم عن ذلك الإمام الجليل أن لا سبيل إلى الخلوص من تعدد الجمعة ولو كانت الضرورة الملجئة هي الداعية إليه إلا اختراع عبادة وابتداع صلاة سادسة (وهذا) إمامنا الجليل الإمام الشافعي قد دخل بغداد والجمعة تصلي فيها متعددة فلم يكن منه على ذلك إنكار على أي وجه من وجوه الإنكار فضلا عن أن يصلى بعد الجمعة ظهراً، لأنه يعلم أن محل فوت الغرض عند التعدد إذا لم يكن التعدد عن ضرورة (ولما كان) موقف الإمام من تعدد الجمعة هو هذا الموقف (لم ينكر تعددها ولا صلى بعد الجمعة ظهراً) فقد حاول بعض علماء الشافعية أن يؤولوه بتأويلات بعيدة ليحافظوا بها على امتناع التعدد ولو كانت إليه ضرورة (فمنهم) من قال إن الشافعي لم ينكر تعدد الجمعة ببغداد لأنها قد كان بها نهر يشقها شقين فجعلها كبلدين فكانت لكل بلد جمعة ولما كان هذا التأويل تأويلا بعيداً فقد اعترض عليه الشيخ أبو حامد أنه لو كان الأمر كذلك لكان لمن يجاوز أحد الشقين إلى الشق الآخر في سفره أن يقصر الصلاة قبل مجاوزته ذلك الشق الآخر (ومنهم) من أول ذلك بأن سكوت الإمام على التعدد إنما كان لأن المسألة مسألة اجتهادية وليس لبعض المجتهدين أن ينكر على بعض. وإذا كان الإمام الذي تقلده قد رأيناه بهذا الاعتبار لم ينكر التعدد ولم يبطل الجمعة فلم يصل بعدها ظهراً، فما بال مقلديه لم يسعهم ما وسعه؟ وهو خفي على الإمام ما هم قد أدركوه؟ لقد كان يجب أن نأخذ بمثل هذا التأويل ولو فرضناه على أكثر ما يكون من ضعف ما دمنا نتفادى به عن اختراع عبادة جديدة وابتداع صلاة سادسة مادام الإمام الذي نقلده لم يكن طيلة حياته أن صلى بعد الجمعة ظهراً حماه الله جريمة الاختراع والابتداع والمختار الذي عليه أكثر الشافعية أن الإمام الشافعي إنما لم ينكر التعدد ببغداد لأنه قدر أي بها كثرة لا يمكن لها أن تجتمع في مسجد واحد وعلى ذلك فالراجع في =

إلا فيها، بخلاف غيرها من الصلوات فإنها تقضى بعده، ووقتها عند الحنفيين ومالك والشافعي والجمهور: وقت الظهر. ¬

= المذهب هو إذ ذلك هو ما يساير روح الشريعة من رفع الحرج ويتفق مع ما يجب أن يكون عليه الإمام من فقه الدين وفهم الشريعة، فما كان لذلك الإمام الجليل أن يفهم الشريعة على وجه يوقع الناس في حرج لا يخلصون منه إلا ببدعة شنعاء وإلا فما بال الإمام قد قضى حياته لم يصل بعد الجمعة ظهراً. وليت شعري إذا كان ذلك شأن الإمام الذي يزعمون أنهم يقلدونه فمن ذلك الذي يقلدونه في هذا الابتداع؟ (وإذا كان) الأمر كذلك وأن التعدد يجوز عند عدم إمكان الاجتماع لأهل البلد في مكان واحد، فهل يمكن لأحد من هؤلاء المبتدعين أن يدعى أن التعدد في مثل القاهرة لم يكن عن ضرورة دعت لذلك حين لم يمكنهم أن يجتمعوا في مكان واحد، ألا فليتق الله أولئك المبتدعون وليعلموا أنهم بذلك قد خالفوا نبيهم وخالفوا صحابته وخالفوا إمامهم الذي يزعمون أنهم مقلدوه - يأيها الولعون بالابتداع قد خيرتم الناس في أمركم. فمرة نراكم مجتهدين إذ تقولون وتفعلون غير ما قاله وفعله الأئمة المجتهدون. وأخري نراكم حاملين على من لا يزيد على التدليل على مسألة من المسائل لما في ذلك من مداناة الاجتهاد. خبرونا أيها القوم إلى أين أنتم ذاهبون؟ ربنا قد ألقينا التبعة عن أنفسنا فليتحملها أولئك. (ربنا احكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين). اهـ. (وممن عنى) بهذه المسألة الأستاذ الجليل الشيخ محمد القباني الشافعي المدرس بكلية الشريعة فبحثها بحثا فقهيا دقيقا أبان خلاصته بقوله: إذا علمنا أن القول المعتمد في المذهب هو صحة تعدد الجمعية لحاجة. وأن هذا القول هو الذي أفتى به المزني في مصر. وقال الرويانى: لا يحتمل مذهب الشافعي خلافه، وأنه المذكور في جميع الكتب، وعلمنا أن الحاجة ليست فقط عسر الاجتماع في مكان واحد، بل من الحاجة وجود عداوة بين أهل البلد الواحد، أو حصول مشقة في السعي إلى الجمعية إذا أقمت في مكان واحد على أهل الجهات الأخرى، وهكذا من الحاجات والأسباب الشرعية الداعية إلى التعدد، وعلمنا أن القول بالتعدد مقتضاه صحة الجمعية من الجميع بقطع النظر عن السبق وعدمه، لأن السبق والمقارنة إنما يراعيان في حالة التعدد الزائدة على قدر الحاجة، والزيادة على قدر الحاجة غير متحققة (فإذا) صحت الجمعية بناء على القول المعتمد من صحة التعدد بقدر الحاجة، واعتبرنا أن التعدد الحاصل في البلاد هو لحاجة ولأسباب شرعية مسوغة للتعدد =

(قال) أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة إِذا مالت الشمس. أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والبيهقي والترمذي (¬1). [174]. ¬

= أقلها إذن وزارة الأوقاف في إقامة جمع متعددة بحث إذا امتنع بعض أئمة المسجد من الصلاة في مسجد لعاقبتهم. وإن وزارة الأوقاف هو إذن شرعي مفوض لها من الإمام، وقد قال العلماء: إذن الإمام بتعد الجمعة بمنزلة حكمة وحكم الحاكم يرفع الخلاف بين المذاهب ويصير الواجب على الكافة العمل بحكم الحاكم (فإذا) صليت الجمعة بهذه الصفحة، وهي الصفحة الحاصلة الآن في البلاد المصرية، كيف نشك في صحتها حتى نجبرها بإعادتها ظهراً مع عدم الشك في صحتها لا يقول به فقيه مطلقاً، فليترو معنا أهل العلم والفقه في البلاد في نظر هذه الأحكام وتطبقها، ولا يدخلوا الناس في اختلاف ومشقة وتكليف لم يكلفوا به فضلا عن أن أشد التمسك بتجسيم الخلاف فى كل جزئية من جزئيات الدين، ليس مما يشرف رجال الدين، وليس من أمانة العلم أن نتساهل فى تكليف العامة بأمور دينية قد لا تكون عليهم إذا نحن دققنا النظر فى الفقه والدين، " وفى قواعد الفقه " المشقة تجلب التيسير ومدارك عامة واسعة (تجب) على الفقيه الذى يفتى الناس أن يراعيها (ومسألة) التزام بعضهم أنه يسن صلاة الظهر بعد الجمعة اتياطاً، ومراعاة للقول الضعيف " فى محل المنع" بتاتاً ونرفضها فقهاً أشد الرفض، ذلك (أولا) لأن من شرط الاحتياط ومراعاة الخلاف ألا يكون القول المقابل ضعيفاً، وقد علمت أن القول بمنع التعدد ضعيف مل الضعف. لقول الروبانى: إن المذهب لا يحتمل خلاف جواز التعدد. (ثانياً) من شروط مراعاة الخلاف أيضاً ألا يكون بين القولين تضاد بحيث يكون المكلف إذا راعى قولا كان مخالفاً للقول الآخر، وهو هنا إذا صلى ظهراً بعد الجمعة كان فى نظر القول المعتمد متلبساً بعبادة فاسدة غير مطلوبة شرعاً، وصلاة النفل المطلق اولى له من ذلك. ليكون فى هذه الحالة خرج عن العمل بالقول المعتمد إلى العمل بالقول الضعيف. وقد حكى الحنفية فى كتبهم فى هذه المسألة نفسها أن إذن الحاكم بتعدد الجمعة بمنزلة حكمه وحكم الحاكم كما هو معروف ومقرر يرفع الخلاف. انظر ابن عابدين فى باب الجمعة وخلافه، وانظر شرح الإحياء. أهـ ملخصاً. (¬1) ص 37 ج 6 - الفتح الربانى. وص 264 ج 2 فتح البارى (وقت الجمعة إذا زالت الشمس) وص 241 ج 6 - المنهل العذب (وقت الجمعة) وص 190 ج 3 سنن البيهقى. وص 361 ج 1 تحفة الأحوذى.

وقال هذا حديث حسن صحيح وهو الذى أجمع عليه أكثر اهل العلم ان وقت الجمعة إذا زالت الشمس لوقت الظهر. (وقال) سلمة بن الأكوع: كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفئ. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (¬1). [175]. (وقالت) الحنبلية وإسحق: وقت الجمعة من أول العيد إلىآخر وقت الظهر (ولقول) الشيخ منصور البهوتى: ووقت الجمعة من أول وقت العيد (ولقول) عبد الله بن سيدان السلمى: شهدت الجمعة مع أبى بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار. ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أقول قد انتصف النهار. ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكر (¬2) (49). ويمتد وقتها إلى آخر وقت الظهر إلحاقاً لها بها لوقوعها موضعها. وتلزم الجمعة بالزوال، لأن ما قبله وقت جواز وفعلها بعده أفضل خروجاً من الخلاف، ولأنه الوقت الذى كان صلى الله عليه وسلم فيه فى أكثر أوقاته. والأولى فعلها عقب الزوال صيفاً وشتاء (¬3). (وصحح) بعض الحنبلية أنه لا دخل وقتها إلا فى الساعة السادسة من النهار (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ظاهر كلام الخرقى انه لا يجوز صلاتها فيما قبل السادسة. ¬

(¬1) ص 39 ج 6 - الفتح الربانى. وص 148 ج 6 نووى مسلم (صلاة الجمعة حين الزوال) وص 190 ج 3 سنن البيهقى (وقت الجمعة). (¬2) هذا الأثر أخرجه الدارقطنى. انظر ص 169 (صلاة الجمعة قبل نصف النهار) وقال أبو الطيب محمد شمس الحق فى التعليق المغنى على سنن الدارقطنى وأخرجه عبد الله بن أحمد فى زيادات المسند. ويأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬3) (ص 344 ج 1 هامش كشاف القناع 0 ولصحتها شروط).

وروى عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال. وقال القاضى واصحابه: يجوز فعلها فى وقت صلاة العيد. وروى ذلك عبد الله عن أبيه قال: نذهب إلى أنها كصلاة العيد. وقال مجاهد: ما كان للناس عيد إلا فى أول النهار. وقال عطاء: كل عيد - حين يمتد الضحى - الجمعة والأضحى والفطر، لما روى عن بن مسعود أنه قفال ك ما كالن عيد إلا فى اول النهار، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا الجمعة فى ظل الحطيم (¬1) رواه ابن البخترى فى أماليه بإسناده (¬2). [176]. (وروى) عن ابن مسعود ومعاوية أنهما صليا الجمعة ضحى وقالا ك إنما عجلنا خشية الحر عليكم. وروى الثرم ابن مسعود (¬3). (50). ولأنها عيد فجازت فى وقت العيد كالفطر والأضحى. والدليل على أنها عيد قول النبى صلى الله عليه وسلم: إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين (¬4). [177]. وقوله: قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان (¬5). [178]. ¬

(¬1) (الحطيم) قوس من البناء طرفاه إلى راويتى الشمالية والغربية وارتفاعه متر. والفضاء الذى بينه وبين حائط البيت يسمى حجر إسماعيل. (¬2) انظر ص 210 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) ورواه ابن أبى شيبة عن عبد الله بن سلمة (بكسر اللام) وهو صدوق لكنه تغير لما كبر. وروى أثر معاوية بن أبى شيبة عن سعيد بن سويد. وقد ذكره ابن عدى فى الضعفاء، قاله الحافظ. ص 263 ج 2 فتح البارى الشرح (وقت الجمعة إذا زالت الشمس). (¬4) هذا بعض حديث رواه ابن السباق أنالنبى صلى الله عليه وسلم، قال فى جمعة: يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين فاغتسلوا (الحديث) أخرجه البيهقى وقال: هذا هو الصحيح مرسل. ص 243 ج 3 (التنظيف يوم الجمعة) (17). (¬5) ص 210 ج 2 مغنى (صلاة الجمعة قبل الزوال وبعده) وما ذكر صدر حديث أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا مجمعون (18) ويأتى فى بحث (اجتماع العيد والجمعة).

وقال: ولنا- على جوازها فى الساعة السادسة- السنة والإجماع. (أما السنة) فما روى جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الجمعة، ثم نذهب على جمالنا فنريحها حين تزول الشمس. أخرجه مسلم (¬1). [179]. (وعن سهل) بن سعد قال: ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه (¬2). [180]. (قال) ابن قتيبة: لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال (وقال سلمة) كنا نصلى مع رسول الله لى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان فئ. رواه أبو داود (¬3). [181]. (وأما) الإجماع فروى فيه أثر عبد الله بن سيدان قال: شهدت الجمعة مع ابى بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار " الأثر " (¬4). (وأجاب) الجمهور: (أ) عن احتجاج الحنبلية بأن النبى صلى الله عليه وسلم سمى يوم الجمعة عيداً فجازت الصلاة فيه فى وقت العيد (بأنه) لا يلزم من تسميته عيداً أن يشمل جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقاً، سواء ¬

(¬1) ص 148 ج 6 نووى مسلم (صلاة الجمعة حين الزوال) و (نقيل) من القيلولة وهى النوم بعد الزوال وتطلق على الاستراحة فى هذا الوقت ولو بلا نوم والغداء الطعام يؤكل أول النهار. (¬2) ص 148 ج 6 نووى مسلم (صلاة الجمعة حين الزوال) و (نقيل) من القيلولة وهى النوم بعد الزوال وتطلق على الاستراحة فى هذا الوقت ولو بلا نوم والغداء الطعام يؤكل أول النهار. (¬3) ص 342 ج 6 - المنهل العذب (وقت الجمعة). (¬4) ص 211 ج 2 مغنى. والأثر تقدم رقم 49 ص 181.

أصام قبله أم بعده، بخلاف يوم الجمعة بالاتفاق (¬1). (ب) وعن حديثى جابر وسهل بن سعد بأنهما محمولان على المبالغة فى تعجيل صلاة الجمعة بعد الزوال بلا إيراد (¬2). (حـ) وعن حديث سلمة بأن قوله فيه (وليس للحيطان فئ) معناه أنه ليس لها ظل يستظل به، كما صرح به عند أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه بقوله: ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به (¬3) وليس المراد نفى الظل مطلقاً، لأن الظل لا ينتفى فى وقت ما، لا قبل الزوال ولا بعده. (وقال) النووى: وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة فى تعجيلها، وإنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة فى هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها. وقوله "نتتبع الفئ" إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر الحيطان. وفيه تصريح بأنه قد كان فئ يسير. وقوله: " وما نجد فيئاً نستظل به" موافق لهذا، فإنه لم ينف الفئ من أصله، وإنما نفى ¬

(¬1) ص 211 ج 2 مغنى. والأثر تقدم رقم 49 ص 181. (¬2) ص 211 ج 2 مغنى. والأثر تقدم رقم 49 ص 181. (¬3) ص 211 ج 2 مغنى. والأثر تقدم رقم 49 ص 181.

ما يستظل به، وهذا مع قصر الحيطان ظاهر فى أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به (¬1). (د) وعن أثر عبد الله بن سيدان (بكسر السين) بأنه ضعيف، فقد تكلم غير واحد فى ابن سيدان. قال الحافظ: تابعى كبير غير معروف العدالة. وقال ابن عدى: يشبه المجهول. وقال البخارى: لا يتابع على حديثه. وقد عارضه ما هو أقوى منه. فروى ابن ابى شيبة عن سويد بن غفلة أنه صلى مع ابى بكر وعمر حين زالت الشمس. وإسناده قوى (¬2). (51). فالظاهر المعول عليه أنه لا تصح الجمعة قبل الزوال. هذا. وآخر وقت الجمعة- عند غير مالك- آخر وقت الظهر (لما تقدم) عن عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬3). [182]. فلا تصح بعد دخول وقت العصر. (وقال) مالك: يمتد وقتها إلى الغروب (قال 9 العلامة الدردير والشيخ الدسوقى: شرط صحة صلاة الجمعة وقوعها كلها بالخطبة وقت الظهر، فلو أوقع شيئاً من ذلك قبل الزوال لم يصح، ويمتد وقتها من الزوال إلى الغروب، أى وإن لم يبق ركعة للعصر. وعلى هذا فقولهم: الوقت إذا ضاق يختص بالأخير، يستثنى منه الجمعة، وهذا هو المعتمد فى المذهب، خلافاً لمن قال: إنه يمتد للاصفرار (¬4). ¬

(¬1) ص 148 ج 6 شرح مسلم (صلاة الجمعة حين الزوال). (¬2) ص 263 ج 2 فتح البارى الشرح (وقت الجمعة). (¬3) تقدم رقم 9 ص 7 ج 2 - الدين الخالص (وقت الظهر). (¬4) ص 299 ج 1 - الشرح الكبير وحاشية الدسوقى.

(3) خطبة الجمعة

(ورّه) الجمهور بأن الجمعة شرعت على خلاف القياس. فيراعى فيها كل الخصوصيات التى وردت فيها، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها بعد دخول وقت العصر، ولا عن أحد من السلف إلى يومنا هذا. (وإن خرج) الوقت وهم فيها قبل السلام بطلت عند الحنفيين، غير أنها تنقلب نفلا عند الإمام، لفوات الشرط، ويلزم استئناف الظهر. (وقالت) المالكية: إن غربت الشمس بعد تمام ركعة من الجمعة بسجدتيها أتموها جمعة وإلا أتموها ظهراً. وقالت الشافعية: إذا شرعوا فيها وقد بقى من وقت الظهر ما يسعها ولكنهم أطالوها حتى خرج الوقت أتموها ظهراً، ويسر الإمام فيما بقى، ويحرم عليهم قطعها، وإن شرعوا فيها ولم يبق من الوقت ما يسعها فخرج وهم فيها بطلت واستأنفوا ظهراً. (وقالت) الحنبلية: إن خرج وقتها وقد صلوا ركعة أتموها جمعة اتفاقاً، وكذا إن خرج ولم يتموا ركعة على المذهب. (قال) الشيخ منصور بن يونس: ولا تسقط الجمعة بشك فى خروج الوقت، لأن الأصل عدمه والوجوب محقق؛ فإن بقى من الوقت قدر التحريمة بعد الخطبة صلوها، فإن تحققوا خروجه قبل التحريمة صلوا ظهراً، لأن الجمعة لا تقضى، وإن لم يتحققوا خروجه قبل التحريمة أتموا جمعة، لأن الأصل بقاؤه، وهى تدرك بالتحريمة كما تقدم كسائر الصلوات، فإن علموا إحرامهم بعد الوقت، قضوا ظهراً لبطلان جمعتهم (¬1). (3) خطبة الجمعة هى شرط لصحة الجمعة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لقوله) تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، والذكر هو الخطبة لاشتمالها عليه، أمر بالسعى إليه ¬

(¬1) ص 345 ج 1 شرح المنتهى (ولصحتها شروط).

فيكون واجباً، لأنه يجب السعى لغير الواجب، ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على الخطبة. (قال) ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يخطب فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب. اخرجه السبعة إلا ابن ماجه، وهذا لفظ أبى داود (¬1). [183]. (ولم يرد) أنه عليه الصلاة والسلام أو أحداً من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم صلى الجمعة بدون خطبة. فهى من جملة الخصوصيات التى لم يرد غسقاط الركعتين إلا مع مراعاتها فكانت شرطاً. (ويشترط) عند المالكية والشافعية خطبتان، وهو مشهور مذهب الحنبلية لما تقدم (ومنه) قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أُصلى (¬2). ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم، صلى الجمعة بدون خطبتين. (وقال) الحنفيون والأوزاعى وإسحاق بن راهويه وابن المنذر: الشرط خطبة واحدة والثانية سنة. وهو رواية عن أحمد (وقال) الحسن البصرى والظاهرية وابن الماجشون المالكى: الخطبة مستحبة. (قال) الشوكانى: وهذا هو الظاهر. وأجاب عن أدلة الجمهور بما ملخصه: أما استمراره صلى الله عليه وسلم على الخطبة فى كل جمعة، فهو مجرد فعل لا يفيد الوجوب فضلا عن الشرطية. ¬

(¬1) ص 89 ج 6 الفتح الربانى، وص 273 ج 2 فتح البارى (الخطبة قائماً) وص 149 ج 6 نووى مسلم (ذكر الخطبتين .. ) وص 209 ج 1 مجتبى (الفصل بين الخطبتين) (وص 362 ج 1 تحفة الأحوذى 0 الجلوس بين الخطبتين) وص 252 ج 6 المنهل العذب (الجلوس إذا صعد المنبر). (¬2) تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت).

(وقوله) صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتمونى أُصلى"، لا يدل على وجوب الخطبة، لأنها ليست صلاة، بل ولا يدل على وجوب الصلاة على الصفة التى كان يصليها، لأنه كان يواظب على أشياء ليست واجبة، كما يدل عليه حديث المسئ صلاته، فإنه لم يعلمه التشهد وكان يواظب عليه. (واستدلالهم) بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لا يفيد وجوب الخطبة، لأن الذكر ليس نصاً فى الخطبة بل محتمل لها وللصلاة، وحمله على الصلاة أولى، للاتفاق على وجوبها، بخلاف الخطبة ففى وجوبها خلاف (¬1). ورد: (أ) بأن وجوب الخطبتين ظاهر من المواظبة عليهما، وهو بيان لصفة صلاة الجمعة الواجبة، وهذا ظاهر مطابق لقواعد الأصول ودقائق الشريعة المطهرة، وأيضاً فإن صلاة الجمعة وجبت بهذه الصفة التى واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن قصر فيها عما كان عليه العمل فإنه لم يؤد ما وجب عليه وهو واضح فى الشرطية. (ب) بأن تواتر العمل بهذه الصفة من عهد النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن، والأحاديث الصحيحة بينت هذه الصفة تفصيلا، فلم يصلَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بدون خطبتين. وهذه المواظبة المستمرة لا يصح حملها إلا على أنها بيان لهذا الواجب يلحق به فى الوجوب. (حـ) بأن تأدية الخطبة داخل تحت كيفية الصلاة المأمور بها فى حديث: " صلوا كما رأيتمونى أُصلى " لقيام الخطبتين مقام ركعتين. قال الشيخ منصور بن إدريس: وعن ابن عمر وعائشة قصرت الصلاة من أجل الخطبتين فهما بدل ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بإحدى الركعتين (¬2). هذا. وللخطبة شروط واركان وسنن ومكروهات: ¬

(¬1) ص 336 ج 2 نيل الأوطار (حكم خطبة الجمعة). (¬2) ص 347 ج 1 كشاف القناع (يشترط لصحتها) و (نصرت) مبنى للمفعول.

(شروطها) يشترط لصحتها عند الجمهور اثنا عشر شرطاً: (1) كونها قبل الصلاة، لأنها شرط والشرط يتقدم على المشروط، فلا يعتد بالخطبتين عن تأخرتا عن الصلاة، وتعاد معهما عند الأئمة الثلاثة. (وقالت) المالكية: إن تأخرتا أعيدت الصلاة فقط دون الخطبة إن قرب الزمن عرفاً ولم يخرج الإمام من المسجد، فإن طال أو خرج الإمام أعيدت الخطبتان والصلاة. (2) وكونها فى وقت الجمعة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصلَّها بدون خطبة فى الوقت، فلو خطب قبله وصلى فيه لم تصح. (3 و 4) وونهما بحضرة جماعة ممن تنعقد بهم الجمعة بأن يكونوا ذكوراً مكلفين ولو صماً أو نياماً، فلو خطب بحضرة النساء أو الصبيان أو المجانين فقط لا تصح، وكذا لو خطب بحضرة واحد على الأصح عند الحنفيين. (5) ويشترط الجهر بالخطبة بحيث يسمع اركانها من تنعقد به الجمعة حيث لا مانع كنوم أو غفلة أو صمم عند الجمهور. (وقالت) المالكية: الشرط الجهر بها، ولا يشترط سماع الحاضرين ولا إصغاؤهم، وإن كان الإصغاء واجباً عليهم، فلو أسر بها لا تصح. (6) ويشترط- عند الحنفيين - الموالاة بين الخطبة والصلاة، بألا يفصل بينهما بعمل يقطع الخطبة كالأكل والجماع، بخلاف غير القاطع كالوضوء والغسل، وقضاء فائتةوافتتاح تطوع بينهما، فإنه لا يبطل الخطبة، وإن كان الأولى إعادتها. (وقالت) المالكية والحنبلية: يشترط الموالاة بين الخطبتين وبينهما وبين الصلاة بألا يفصل بين ذلك بفاصل طويل عرفاً.

(وقالت) الشافعية: يشترط الموالاة بين أركانها وبينهما وبين الصلاة بألا يفصل بين ما ذكر بقدر ركعتين خفيفتين، وإلا بطلت الخطبة. (7) ويشترط كون الخطبة بالعربية للقادر عليها عند ابى يوسف ومحمد والشافعى وأحمد، فإن عجز عن العربية خطب بما يقدر عليه، إلا الآية التى هى من اركان الخطبة عند الشافعى وأحمد فلا ينطقها بغير العربية إن عجز عنها، بل يأتى بدلها بذكر أو دعاء عربى، فإن عجز عن هذا سكت بقدر الآية. (وقالت) المالكية: يشترط كونها باللغة العربية ولو كان القوم عجماً، فإن لم يوجد فيهم من يحسن العربية سقطت عنهم الجمعة ن وقال أبو حنيفة: تصجح الخطبة بغير العربية ولو من قادر عليها والقوم عرب. (8، 9) ويشترط للخطبة الطهراة من الحدث، والخبث، وستر العورة عند الشافعية، وهو رواية عن مالك، ولا يشترط ما ذكر عند الحنفية والحنبلية، وهو مشهور مذهب المالكية، فلو خطب غير متطهر او عارياً لا تصح عند الشافعية، وتصح عند غيرهم مع الكراهة لمخالفته المتوارث. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يشترط للخطبتين الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، فتجزئ خطبة محدث وجنب، لأنه ذكر تقدم الصلاة فاشبه الذان، وظاهره ولو كان الجنب بالمسجد، لأن تحريم مكثه لا تعلق له بواجب العبادة، كمن صلى ومعه درهم غصب. ولا يشترط لهما ستر عورة وإزالة نجاسة لما تقدم، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة، لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبها اللاتين، ولا حضور النائب فى الصلاة والخطبة (ولا يشترط) أن يتولى الخطبتين رجل واحد، لأن كلا منهما منفصلة عن الأخرى. (قال) فى النكت: فليلغز بها فيقال: عبادة واحدة بدنية محضة تصح

من اثنين، بل يستحب ذلك، أى الطهارة وستر العورة وإزالة النجاسة، وأن يتولى الخطبتين والصلاة واحد خروجاً من الخلاف (¬1) وكذا لا يشترط فى الإمام أن يكون هو الخطيب عند الحنفيين، وهو الأصح عند الشافعية. وقالت المالكية: يشترط أن يكون الخطب هو الإمام إلا لعذر كما سيأتى فى بحث " إمام الجمعة". (10) ويشترط نية الخطبة عند الحنفيين وأحمد، فلو خطب بلا نية لا يعتد بالخطبة (¬2). (وقالت) الشافعية: يشترط عدم الصارف، فلو عطس وحمد الله ¬

(¬1) ص 348 ج 1 كشاف القناع (يشترط لصحتها). (¬2) (تنبيه) يؤخذ من هذا الشرط ومما قاله المالكية منأنه يشترط فى إمام الجمعة أن يكون هو الخطيب، أنه لا تصح صلاة الجمعة ممن اكتفوا بسماع الخطبة من المذياع (الراديو) لاختلاف الخطيب والإمام عند المالكية ولعدم علم الخطيب أمام المذياع بالمساجد التى بها آلة الراديو حتى يقصدهم بالخطبة عند الحنفية والحنبلية ولأن الأصل فى مشروعية الجمعة استقلال اهل كل مسجد بغقمتها كما كانت تقام فى عهد المصطفى صلى الله عليهوسلم، والخلفاء الراشدين والسلف الصالح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رايتمونى اصلى ". تقدم رقم 23 ص 27 (ترتيب الفوائت). (وقد ورد) إلى إدارة مجلة نور الإسلام سؤال فى هذا المعنى نصه: جئ بجهاز راديو فى مسجد فى بلدنا يوم جمعة، وأفتى بعض حضرات العلماء بأن صلاة الجمعة جائزة اعتماداً على الخطبة المذاعة فى الراديو من مصر، واستمر المسلمون يصلون الجمعة بدون خطبةمن إمام المسجد اسابيع عدة. فنرجو أن تبينوا الحكم الشرعى فى صحة هذه الصلاة. وما العمل فى حكم الصلاة السابقة إذا أفتيتم ببطلانها؟ (فأجاب) الستاذ الجليل الشيخ محمد قطب البشبيشى واعظ مركز إمبابة بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (أما بعد) فإن صلاة الجمعة على هذه الصورة لا يعتد بها. وليس مع من أفتى بجوازها شبهة فضلا عن دليل والأدلة على بطلان مثل هذه الصلاة كثيرة، ولكن يكفينا منها ما يأتى: =

لعطاسة أو سبح تعجباً، لم يكف عند الأولين، لعدم قصد الخطبة. وعند الشافعية للصارف. وعند المالكية وتشترط نية الخطبة. ¬

= (أ) إن الجمعة شعيرة منأهم شعائر الدين ألزم الله أهل كل بلد - متى توفرت فيهم شروطها- بأدائها على سبيل الاستقلال، أى بحيث يكون خطيبهم وإمامهم منهم وهذا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف. فلو اكتفى أهل بلد بخطبة المذياع التى يلقيها خطيب بلد آخر وهو أجنبى عنه، لصدق عليهم أنهم صلوا من غير خطبة يقوم بها خطيب منهم. وإذا عدمت الخطبة - على هذا الاعتبار- عدم الاعتداد بالصلاة قطعاً لاستعانتهم بغيرهم دون استقلالهم بجزئيات الجمعة. (ب) إن الغرض من الخطبتين ليس إبلاغ الوعظ والإرشاد بأى طريق من طرق الإبلاغ حتى يكفى بصوت الخطيب دون حضوره مع المصلين بل الغرض من الخطبتين الوعظ والإرشاد. وهناك مقصود آخر هو أعظم منما وهو رقابة الإمام واطلاعه على حالة المصلين بحيث يمكنه أن ينكر ما عساه أن يبدر منهم مما يخالف الدين وليوجه إليه السؤال الضرورى إذا اضطر إليه بعض المصلين، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت نظر بعض المصلين حين ترك ما هو مطلوب منه وقت دخوله المسجد تارة. وسأله بعض الحاضرين عنأمور هامة فأجابه تارة أخرى. يعلم هذا كله من اطلع على السنة الصحيحة. (حـ) إن الخطيب كالطبيب يجب أن يواجه المريض ويفحص حالته بنفسه. ولهذا تتبين الحكمة فى اشتراط بعض الأئمة أن يكون الخطيب فقد اكتفى باطلاعه على الحاضرين ساعة وجوده بينهم خطيباً ووعظهم، وأما الخطيب الغائب فقد وجد صوته دون رقابته وجزء العلة لا يكفى كمال هو معلوم. (د) إن الخطبة عند بعض الأئمة معتبرة كركعتين لتكمل مع ركعتى الجمعة ظهر يومها. ولهذا اشترط فى الخطيب ما اشترط فى الإمام من وجوده مع المصلين بمكان واحد. ووجود الخطيب بالقاهرة والمصلون ببلد آخر مضيع لهذا الشرط ويفقده لا نتوقف فى الحكم ببطلان المعة كما هو افترق المكان بالإمام والمصلين سواء بسواء. (هـ) يشترط فى بعض المذاهب أن يكون الخطيب هو الإمام إلا لعذر شديد. وحيث لا عذر هاهنا، فلا يصح أن يكون الخطيب غير الإمام. =

(11) ويشترط القيام فيها للقادر عند مالك والشافعي والجمهور وأحمد في رواية (لحديث) ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يقعد فيخطب. أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والاوسط بسند رجاله ثقات (¬1). (ولحديث) أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ¬

= (و) (إن أداء الصلاة بهذه الكيفية مناف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رايتمونى أصلى" 019) وبالبداهة نعلم أنالمراد بالصلاة فى الجمعة هو ذلك الأمر المركب من ركعتى الجمعة والخطبة لما بينهما منالارتباط الوثيق، بل إن كثيراً منالعلماء اعتبروا الخطبة كأذكار الصلاة المتصلة بها كتكبيرة الإحرام والفاتحة، فاشترطوا الطهارة الكاملة للخطيب، وكذلك هو مناف لقوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " (*) (20). (ز) إن هذه الخطبة قد ضيعت على المصلين معظم السنن والآداب كاستقبال الحاضرين للخطيب ولحظه بالعيون وتضييع سنن الخطبة وآدابها على جمع كبير ليس بالأمر الهين فى الدين. (وأما حكم) الصلاة السابقة فهى صحيحة لعذر المصلين فى تقليد عالمهم. أهـ. من العدد السابع عشر الصادر فى غرة ذى القعدة سنة 1956 هـ. (اقول) ولعل شبهة من أفتى بصحة صلاة الجمعة اعتماداً على الخطبة المذاعة فى الرادية أنه راعى القول بأن الخطبة سنة. ولكن لا يخفى ما يترتب على ترك السنة وعدم الاهتمام بشأنها من الفساد وضياع أحكام الدين حكماً بعد حكم (قال) عبد الله بن الديلمى: بلغنى أن أول ذهاب الدين ==ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة كما يذهب فى دينهم إلا نزع الله من سننهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة (2) (وقال) ابو قلابة: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف (3) أخرج هذه الاثار الديلمى ص 45 ج 1 (.اتباع السنة). (*) أخرجه مسلم وابو داود وابن ماجه عن عائشة. انظر رقم 22 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين. (¬1) انظر ص 89 ج 6 الفتح الرباني. وص 187 ج 2 مجمع الزائد (الخطبة قائماً).

كانوا يخطبون يوم الجمعة قياماً يفصلون بينهما بجلوس، حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى وخطب في الاثنية قائماً. أخرجه الشافعى (¬1). [185] وجلوس معاوية في الخطبة كان لضرورة كثرة لحمه. (روى) الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعداً لما كثر شحم بطنه ولحمه. أخرجه ابن أبي شيبة (¬2). (52) (وقال) الحنفيون وأحمد في رواية عنه: القيام في الخطبة سنة، لأنه الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وفعل الخلفاء الراشدين بعده، وليس بفرض، لأن الفعل بمجرده لا يفيد الفرضية (وهذا) هو الظاهر. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: وقوله (أي الخرقي) خطبهم قائماً يحتمل أنه أراد اشتراط القيام في الخطبة، وأنه متى خطب قاعداً لغير عذر لو تصح. ويحتمله كلام أحمد رحمه الله. قال الأثرم سمعت ابا عبد الله يسأل عن الخطبة قاعداً أو يقعد في إحدى الخطبتين، فلم يعجبه وقال: قال الله تعالى: ((وتركوك قائماً)) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً فقال له الهيثم بن خارجة: كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته فظهر منه إنكار، وهذا مذهب الشافعي. وقال القاضي: يجزيه الخطبة قاعداً، وقد نص عليه أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة، لأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال فلم يجب له القيام كالآذان (¬3). (وما يدل) على عدم وجوب القيام في الخطبة أن كعب بن عجرة دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم حكيم يخطب قاعداً، فقال: انظروا الى هذا ¬

(¬1) انظر ص 162 ج 1 بدائع المنن. (¬2) ص 272 ج 2 فتح الباري (الخطبة قائماً). (¬3) انظر ص 150 ج 2 مغنى (القيام في الخطبة).

الخبيث قاعداً والله تعلاى يقول: " وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وتركوك قائماً " أخرجه مسلم والنسائي (¬1). (53) ولم يحكم هو ولا غيره ببطلان الخطبة، فعلم أن القيام فيها ليس بشرط بل هو سنة أو واجب، كما قاله بعض الحنفيين. (12) والجلوس بين الخطبتين شرط عند الشافعية، (لقول) جابر ابن سمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس. أحمد ومسلم والدرامي والبيهقي والأربعة إلا الترمذي (¬2). [186] ¬

(¬1) ص 152 ج 6 نووي مسلم وص 207 ج 1 مجتبي (قيام الامام في الخطبة) " وتركوك قائماً " حاصله أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بتاجارة فيها ما يحتاج اليه الناس من بر (القمح) ودقيق وزيت وغيرها، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. فلما علموا بقدوم دحية قاموا اليه بالبقيع، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر، فنزلت الآية. (قال) جابر بن عبد الله: قدمت عير مرة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فخرج الناس وبقى اثنا عشر منهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فنزلت: ((وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها)) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي. أنظر ص 305 ج 18 الفتح الرباني. وص 172 ج 1 تيسير الوصول (سورة الجمعة) (4) قال ابن كثير: قد قيل إن هذه القصة كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة. (قال) مقاتل بن حيان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العديدين حتى إذا كان يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل وقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارة فانفضوا ولم يبق معه إلا نفر يسير. أخرجه أبو داود في المراسيل ص 361 ج 8 تفسير ابن كثير. (21) (¬2) ص 90 ج 6 الفتح الرباني. وص 149 ج 6 نووي مسلم (ذكر الخطبتين والجلسة بينهما) وص 366 ج 1 سنن الدرامي (القعود بين الخطبتين) وص 210 ج 3 سنن والبيهقي. وص 255 ج 6 المنهل العذب (الخطبة قائماً) وص 209 ج 1 مجتبي (القراءة في الخطبة ... ) وص 188 ج 1 سنن ابن ماجة (الخطبة يوم الجمعة).

(ولقول) ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). ... [187] (وقال) الجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة، لأن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وروي عن أبي إسحق قال: رأيت علياً يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ. (54) وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان للاستراحة، فلم تكن واجبة كالجلسة الأولى (أي التي قبل الخطبة) ولكن يستحب. فإن خطب جالساً لعذر فصل بين الخطبتين، وكذلك إن خطب قائماً فلم يجلس. (قال) ابن عبد البر: ذهب مالك والعراقيون وسائر الفقهاء إلا الشافعي أن الجلوس بين الخطبتين لا شيء على من تركه (¬2). (هذا) ويشترط في الخطيب غير ما تقدم أن يكون عالماً بالعقائد الصحيحة حتى لا يزيغ ولا يضل الناس بسوء عقيدته، وأن يكون عالماً بما تصح به الصلاة، وينبغي أن يكون ملماً بأحكام الفقه ليتمكن من إجابة من يساله عن بينة، ويرشده بنور الشريعة الى الصراط المستقيم، ولا يخبط خبط عشواء في أمور الدين. أركان الخطبة: ركنها عند مطلق النعمان مطلق ذكر الله تعالى بنيتها. فيكفى فيها تسبيحة أو تحميدة أو تهليلة أو تكبيرة (لقوله) تعالى: " فاسعوا إلى ذكر الله " فدل على أن الركن مطلق الذكر طويلاً أو قصيراً. ¬

(¬1) ص 89 ج 6 الفتح الرباني. وص 177 ج 1 سنن ابن ماجة (الخطبة يوم الجمعة). (¬2) ص 153 ج 2 مغنى ابن قدامة (الجلسة بين الخطبتين).

(وقد) روى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه لما خطب في أول جمعة ولى الخلافة صعد المنبر فقال: الحمد لله. فأرتج عليه، فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى قوال، وستأتيكم الخطب بعد، وأستغفر الله لي ولكم، ونزل وصلى ولم ينكر عليه أحد. قاله ابن الهمام (¬1). (55) فكان إجماعاً منهم على الإكتفاء بهذا القدر وأن الطول المسمى خطبة في العرف ليس بشرط، فكان الشرط مطلق الذكر. فلو اقتصر على قوله: الحمد لله، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، أو نحو ذلك، أجزأ مع الكراهة التنزيهية، لمخالفته المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المواظبة على الذكر المسمى خطبة، المشتمل على التحذير وغيره، فكان هذا واجباً أو سنة لا ركناً. (وقالت) المالكية والأوزاعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد: ركنها الذكر الطويل المشتمل على التحذير وتبشير المسمى خطبة عرفاً. واقله قدر التشهد أو ثلاث آيات، لأن التسبيحة ونحوها خطبة عرفاً ولا لغة. (وقالت) الشافعية والحنبلية: أركانها الحمد لله، والصلاة على رسول الله، والوصية بالتقوى في كل من الخطبتين، وقراءة آية من القرآن في إحداهما، وكذا الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأخروى في الثانية عند الشافعية. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ويشترط لكل واحدة منهما الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر (¬2). [188] ¬

(¬1) انظر ص 415 ج 1 فتح القدير (صلاة الجمعة)، (فأرتج عليه) أي لم يقدر على اتمام الخطبة: يقال: أرتج على القارئ بالبناء للمفعول إذا لم يقدر على القراءة. (¬2) أخرجه ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة بلفظ: كل أمر ذي بال لا يبدا فيه بالحمد لله فهو أقطع. انظر رقم 6282 ص 13 ج 5 فيض القدير.

وإذا وجب ذكر الله تعالى وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. قال: لا أذكر إلا ذكرت معي (¬1). [189] (ويحتمل) ألا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في خطبة ذلك (أما القراءة) فقال القاضي: يحتمل أن تشترط في إحداهما 6، لما روي الشعبي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: السلام عليكم، ويحمد الله ويثنى عليه، ويقرأ سورة ثم يجلس، ثم يقوم ويخطب ثم ينزل. كان أبو بكر وعمر يفعلانه. رواه الأثرم. [190] (وظاهر) هذا أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى ووعظ في الخطبة الثانية، وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية لهذا الخبر. وقال القاضي: تجب في الخطبتين، لأنها بيان المقصود من الخطبة، فلم يجز الإخلال بها (¬2) سنن الخطبة: هي كثيرة المذكور منها هنا ثمان عشرة: (1) سلام الخطيب على الحاضرين قبل صعوده المنبر عند الشافعي وأحمد (2، 3) واستقبالهم وسلامه عليهم بعد صعوده المنبر اتفاقاً (لقول) ¬

(¬1) روي أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية (ورفعنا لك ذكرك): قال الله تعالى: إذا ذكرت ذكرت معي. أخرجه البغوى وابن جرير وأبو يعلى: انظر ص 217 ج 5 هامش تفسير ابن كثير (22). (¬2) ص 151 ج 3 مغني.

ابن عمر: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم قبل أن يجلس)) أخرجه البيهقي وحسنه. [191] (ولقول) سلمة بن الأكوع: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتين وجلس جلستين. وحكى الذي حدثني قال: استوى صلى الله عليه وسلم على الدرجة التي المستراح قائماً ثم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان، ثم قام فخطب الخطبة الأولى، ثم جلس ثم قام فخطب الثانية. أخرجه الشافعي. (¬1) [192] دل ما كان: (أ) على أنه يسن للخطيب إذا صعد المنبر أن يسلم على الحاضرين ويستقبلهم. وهو متفق عليه. (ب) على أنه يسن سلام الإمام على من عند المنبر قبل صعوده. وبه قال الشافعي وأحمد (وقالت) المالكية والحنفية: لا يسن سلامه على من عند المنبر. والحديث حجة عليهم. (4) ويسن الجلوس على المنبر قبل الخطبة حتى يفرغ المؤذن، لما تقدم، ومنه ما في الحديث ابن عمر قال: كان النبي صلى الله علية وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن (الحديث) (¬2)) وهذا مجمع عليه. (5 - 12) ويسن ابتداء الخطبتين بالحمد لله وذكر الشهادة لله بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والإتيان بأما بعد، واشتمالها على الغيصاء بالتقوى وعلى آية قرآنية، ,ان يدعو في الخطبة الثانية للمؤمنين والمؤمنات. ¬

(¬1) انظر ص 205 ج 3 سنن البيهقي (الإمام إذا صعد المنبر ... ). (¬2) قدم رقم 183 ص 188 (خطبة الجمعة).

(وبهذا) قال الحنفيون ومالك، وكذا الشافعية والحنبلية في غير ما عدوه مما ذكر ركناً في الخطبة، كالحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهما مما تقدم (لما روي) الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمة الله أنه قال: ينبغي أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح بحمد الله ويثنى عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر ويقرأ سورة (أي آية) ثم يجلس جلسة خفيفة. ثم يقوم فيخطب خطبة أخري يحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات. ذكره علاء الدين الكاساني (¬1). تقدم عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أبتر (¬2). (وقال) أبو هريرة: قال أن رسول الله عليه وسلم: كل خطبة ليس بها شهادة كاليد الجذماء. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (¬3). [193] وفي سنده عبد الواحد بن زياد. قال الذهبي: ثقة وقال ابن معين: ليس بشيء. (وقال) جابر بن عبد الله: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بها هو له أهل، ثم قال: أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه ويشتد غضبه إذا ¬

(¬1) ص 263 ج 11 بدائع الصنائع (سنن الخطبة). (¬2) تقدم رقم 188 ص 198 (أركان الخطبة). (¬3) ص 85 ج 6 الفتح الرباني. وص 261 ج 4 سنن أبى داود (في الخطبة كتاب الأدب) وفيه تشهد بدل شهادة أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. و(الجذماء) المقطوعة: أي أن الخطبة الخالية من الشهادتين ناقصة وقليلة البركة.

ذكر الساعة كأنه منذر جيش، ثم يقول: أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي، صبحتكم الساعة ومستكم. من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ديناً فالي وعلى. والضياع يعني ولده المساكين. أخرجه مسلم وأحمد وهذا لفظه (¬1). [194] (وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: إن الحمد لله نستعينة ونستغفره، ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل بلا هادى له. واشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله. أخرجه الشافعى فى مسنده (¬2). [195]. (ولصلاة) على النبى صلى الله عليه وسلم وإن لم تثبت فى خطبه إلا أنها ثبتت من عمل الصحابة. قال أبو جحيفة: صعد علىّ رضى الله عنه المنبر وحمد ¬

(¬1) ص 153 ج 6 نووي مسلم. ص 86 ج 6 الفتح الرباني. و (الهدي) بفتح فسكون وهو الطريق، أي أحسن الطريق محمد صلى الله عليه وسلم. وروي بضم ففتح ومعناه الدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن، قال تعالى: (وإنك لنهدي إلى صراط مستقيم). وقال (إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم). وقد يضاف إلى الله تعالى ويكون بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة، قال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء). و (المحدثات) جمع محدثة وهي ما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع. و (المنذر) المعلم والمخوف من الإنذار، معني أنه صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم من قيام الساعة وقربها، ليستعدوا لها بطاعة الله واجتناب المعاصي، كما يخوف الجيش بهجوم العدو ليستعد للقائه (وأشار بإصبعيه) أي قرب بينهما إشارة إلى قرب ما بين البعثة والساعة، وأن التفاوت بينهما كالتفاوت بين الإصبعين تقريباً لا تحديداً. و (ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة: فسرها الراوى بقوله: ولده (أي المتوفى) المساكين (فإلى) أي إلى تربية أولاده (وعلى) قضاء دينه. (¬2) ص 163 ج 1 بدائع المنن.

الله واثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم (الأثر) أخرجه عبد الله ابن أحمد (¬1). (56). وسيأتى أن ابا بكر رضى الله عنه قال فى خطبته: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك افضل ما صليت على أحد من خلقك (¬2) وأن عمر رضى الله عنه صلى على النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته (¬3). (وعن سمرة) بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار، وقال: لا نعلمه عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وفيه يوسف بن خالد السمتى وهو ضعيف (¬4). [196]. (13) ويسن للناس استقبال الإمام حال الخطبة (لحديث) عدى بن ثابت عن أبيه قال: كان النبى صلى الله عليه سلم إذا قام على المنبر استقبله احابه بوجوههم. اخرجه ابن ماجه بسند رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وأخرجه ¬

(¬1) ص 256 جلاء الأفهام. وأما: (أ) ... ما روى ابو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة على فهو اقطع أبتر ممحوق من كل بركة (فقد) أخرجه عبد القادر الرهاوى " بضم الراء أو بفتحها " فى الأربعين وقال: غريب تفرد بذكر اللاة فيه إسماعيل بن زياد وهو ضعيف جداً لا يعبر بروايته ولا بزيادته، وقال الدارقطنى: متروك يضع الحديث ز وقال التاج السبكى: حديث غي ثابت ز وقال القسطلانى: فى إسناده ضعفاء ومجاهيل. انظر ص 14 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير (23). (ب) ... أما قول ابن الزبير: ليس من سنة الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر، فقد أخرجه الطبرانى فى الكبير وفى سنده ليث بن أبى سليم وهو مدلس انظر ص 188 ج 2 مجمع الزوائد (الخطبة والقراءة فيها) (5). (¬2) يأتى فى الخطبة رقم 23 اثر 64. (¬3) يأتى فى الخطبة رقم 26 أثر 67. (¬4) ص 190 ج 2 مجمع الزوائد (الاستغفار للمؤمنين يوم الجمعة) ..

الترمذى عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى اله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا. وفى سنده محمد ابن الفضل بن عطية وهو ضعيف (¬1). [197]. والأحاديث هنا وإن كانت ضعيفة يقويها عمل السلف على مقتضاها. (قال) الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم منأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب. أهـ. وهو قول الأئمة الأربعة وسفيان الثورى والأوزاعى وإسحاق. (قال) الأثرم: قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: يكون الإمام متباعداً، فإذا أردت أن أنحرف إليه حولت وجهى عن القبلة. فقال: نعم تنحرف إليه (¬2). (والحكمة) فى ذلك أنهبلغ فى الاستماع فاستُحِبّ كاستقبال الإمام للمأمومين (قال) العلامة الصنعانى: والحديث (أى حديث ابن مسعود) يدل على أن استقبال الناس الخطيب مواجهين له أمر مستمر، وهو فى حكم المجمع عليه، وجزم بوجوبه أبو الطيب من الشافعية (¬3). (14) ويسن أن يخطب على منبر أو مكان مرتفع، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر. ويستحب كونه صغيراً ثلاث درجات بالمقعدة كما كان منبر النبى صلى الله عليه سلم. وتقدم بيانه (¬4). (15) ويستحب أن يكون المنبر عن يمين الإمام كما كان منبر النبى صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 180 ج 1 سنن ابن ماجه (استقبال الإمام وهو يخطب) وص 363 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 186 ج 2 الشرح الكبير لابن قدامة. (¬3) ص 82 ج 2 سبل السلام. شرح الحديث رقم 28 من (باب الجمعة). (¬4) تقدم برقم 12 من بدع المساجد صفحة 308 الدين الخالص ج 3.

(16) ويسن- عند الجمهور- اتماد الخطيب حال خطبته على نحو قوس أو عصا (لحديث) الحكم بن حزن الكلفى قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليهوسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير، فدعا لنا بخير وأمر بنا فأنزلنا، وأمر لنا بشئ منالتمر والشأن غذ ذاك دون، فلبثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اياماً شهدنا فيها الجمعة، ، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: ايها الناس، إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أُمرتم به ولكن سددوا وابشروا. اخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابو يعلى بسند جيد وصححه ابن خزيمة وابن السكن، وحسن الحافظ سنده (¬1). [198]. وحكمة ما ذكر ما فيه من البعد عن العبث باليد وانه اثبت للقلب (واختلف) العلماء بأى اليدين يعتمد على العصا أو القوس؟ (والظاهر) قول مالك: يستحب أخذ ما يعتمد عليه بيده اليمنى (لقول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن فى ترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله. أخرجه أحمد والشيخان (¬2). [199] ¬

(¬1) ص 92 ج 6 الفتح الربانى. وص 256 - 6 المنهل العذب (الرجل يخطب على قوس) وص 206 ج 3 سنن البيهقى. و (حزن) بفتح فسكون. و (الكلفى) بضم ففتح: نسبة إلى بنى كلفة بن حنظلة بن مالك. و (دون) أى والحالة إذ ذاك حال إعسار وضيق من العيش و (سددوا) أى الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط (وأبشروا) بالثواب على العمل الصالح الدائم وإن قل. والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره. وأبهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً. (¬2) ص 5 ج 2 - الفتح الربانى. وص 189 ج 2 فتح البارى (التيمن فى الوضوء والغسل) وص 160 ج 2 نووى مسلم (حبه صلى الله عليه وسلم للتيامن) و (الترجل) تسريح الشعر.

(قال) الإمام ابن القيم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد على قوس أو عصاً قبل أن يتخذ المنبر. وكان فى الحرب يعتمد على قوس، وفى الجمعة يعتمد على عصاً. ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف (وما يظنه) بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف (فمن فرط) جهله القبيح من وجهين: (أحدهما 9 أنالمحفوظ أنه صلى اللهعليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس. (الثانى) أن الدين إنما قام بالوحى، أما السيف فلمحق اهل الضلال والشرك، ومدينة النبى صلى الله عليه وسلم التى كان يخطب فيها افتتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف، ولا يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه بعد اتخاذ المنبر كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه اخذ بيده سيفاً ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصاً أو قوس (¬1). ويؤيده (حديث) عمار بن سعد قال: حدثنى أبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب فى الحرب خطب على قوس، وإذا خطب فى الجمعة خطب على عصاً. أخرجه ابن ماجه والبيهقى (¬2). [200]. وفى سنده عبد الرحمن بن سعد وهو ضعيف. (وقال) ابن جريح: قلت لعطاء: أكان النبى صلى الله عليه وسلم يقوم على عصاً إذا خطب ظ قال: نعم كان يعتمد عليها اعتماداً. اخرجه الشافعي والبيهقى مرسلا (¬3). [201]. (17) ويسن للخطيب رفع صوته لإسماع الحاضرين، وإظهار الشهامة، ¬

(¬1) ص 177 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى خطبة). (¬2) ص 177 ج 1 سنن ابن ماجه (فى الخطبة يوم الجمعة) وص 206 ج 3 سنن البيهقى (الإمام يعتمد على عصاً أو قوس .. ). (¬3) ص 162 ج 1 بدائع المنن. وص 206 ج 3 سنن البيهقى.

وتفخيم أمر الخطبة، والإتيان فيها بجزيل الكلام (لما تقدم) فى حديث جابر ابن عبد الله (¬1). (وقال) جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم (الحديث) أخرجه مسلم (¬2). [202]. (وهذا) متفق عليه، فيستحب كون الخطبة فصيحة بليغة مرتبة مبينة من غير تمطيط ولا تقعير، ولا تكون ألفاظاً مبتذلة ملفقة، فإنها لا تقع فى النفوس موقعاً كاملاً، ولا تكون وحشية، لأنه لا يحصل مقصودها، بل يختار ألفاظاً جدلة مفهومة (¬3). (18) ويسن تقصير الخطبة قصراً معتدلا حتى لا يملها الناس (لقول) جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هى كلمات يسيرات. اخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى بسند رجاله ثقات (¬4). [203]. (ولقول) عمار بن ياسر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة. اخرجه أحمد ومسلم (¬5). [204]. ¬

(¬1) تقدم رقم 194 ص 201 .. (¬2) ص 153 ج 6 نووى مسلم (خطبته صلى الله عليه وسلم فى الجمعة) و (صبحكم ومساكم) أى أتاكم العدو وقت الصباح والمساء. (¬3) ص 528 ج 4 شرح المهذب. (¬4) ص 271 ج 6 المنهل العذب (إقصار الخطبة)، وص 289 ج 1 مستدرك. وص 208 ج 3 سنن البيهقى (القصد فى الكلام). (¬5) ص 91 ج 6 الفتح الربانى. وص 158 ج 6 نووى مسلم (صلاة الجمعة وخطبتها) و (مئنة) بفتح فكسر وشد النون مفتوحة، أى أن قصر الخطبة علامة على فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ، فيمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر عن المعانى الكثيرة (واقصروا) أمر من قصر من باب نصر، والأمر بتطويل الصلاة هنا ينافى الأحاديث الآمرة بتخفيف الصلاة، لأن المراد هنا أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة للخطبة لا طول يشق على المأمومين. وهى حينئذ معتدلة.

(ولقول) عبد الله بن أبى أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة. اخرجه النسائى بسند صحيح (¬1). [205]. (ولقول) أبى راشد: خطبنا عمار بن ياسر فتجوز فى خطبته، فقال رجل من قريش: لقد قلت قولا شفاء فلو أنك أطلت؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نطيل الخطبة. أخرجه بسند جيد (¬2). [206]. ويستحب للخطيب ألا يحضر للجمعة إلا بعد دخول الوقت بحيث يشرع فيها أول وصوله المنبر، لأن هذا هو المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا وصل المنبر صعده ولا يصلى تحية المسجد، وتسقط بسبب الاشتغال بالخطبة، كما تسقط فى حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام بسبب الطواف. (وقال) بعض الشافعية: تستحب له تحية المسجد ركعتان عند المنبر، والمذهب أنه لا يصليها لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه صلاها، ولم يذكر الشافعى وجماهير الأصحاب التحية، فظاهر كلامه أنه لا يصليها (¬3). (وينبغى) أن يكون الخطيب ملماً باللغة العربية خصوصاً علم الإنشاء ليقتدر على تأليف كلام بليغ، ينير به أفئدة السامعين، وان يكون نبيهاً، لا تعزب عنه شاردة ولا واردة، لسناً فصيحاً معباً عما يخطر بباله من المعانى والأسرار. وأن يكون وجيهاً تهابه القولب وتعظمه النفوس حتى يكون لكلامه تأثير فيها، ويجد له سميعاً يعى ما يقال ويعمل بما يسمع. وأن يكون ¬

(¬1) ص 209 ج 1 مجتبى (تقصير الخطبة) .. (¬2) ص 91 ج 6 الفتح الربانى. و (شفاء) أى أن الخطبة كانت مؤثرة وشافية لأمراض القلوب. . (¬3) ص 529 ج 4 شرح المهذب.

صالحاً ورعاً قنوعاً غير متجاهر بمعصية ولا مرتكباً مخالفة، عاملا بما يقول، فإن ذلك أدعى إلى قبول موعظته والعمل بها. قال الإمام أبو الأسود الدؤلى رضى الله عنه: يأيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذى السقام وذى العنا (¬1) ... كيما يصح به وأنت سقيم ونراك تصلح بالشاد عقولنا ... أبداً وأنت من الرشاد عديم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم وهناك يقبل ما تقول ويشتفى ... بالقول منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (وقد) حذر الله تعالى من القول بلا عمل فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ؟ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (¬2) مكروهات الخطبة: يكره فيها ترك سنة منهذه السنن، وتغميض الخطيب عينيه، ودقة المنبر بما فى يده من قوس أو عاً؛ فإن هذا باطل لا أصل له وبدعة قبيحة. دويكره- عند مالك والشافعى وجماعة - رفع يديه حال الدعاء بل يقتصر على رفع السبابة (لقول) حصين بن عبد الرحمن السلمى: كنت إلى جنب عمارة ابن رؤيبة السلمى وبشر يخطبنا، فلما دعا رفع يديه فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا ورفع السبابة وحدها. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى والثلاثة: وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬3). [208]. ¬

(¬1) العناء: المشقة. يقال: عنى يعنى من باب تعب إذا أصابه مشقة. (¬2) سورة الصف: آية 2، 3. (¬3) ص 93 ج 6 الفتح الربانى. وص 162 ج 6 نووى مسلم. وص 210 ج 3 سنن البيهقى (يدعو فى خطبته). وص 268 المنهلالعذب (رفع اليدين على المنبر) وص 209 ج 1 مجتبى (الإشارة فىالخطبة) وص 268 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية رفع الأيدى علىالمنبر) و (بشر) هو ابن الحكم ابن أبى العاص بن أمية.

(قال) القاضى عياض: كره مالك وقوم من السلف رفع اليدين فى الخطبة لهذا الحديث، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد على الإشارة بالمسبحة. وأجازه بعض اصحابنا وآخرون؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رفعهما فى خطبة الجمعة حين استسقى (¬1). أهـ. (وأجاب) المانعون بأن رفعه فى الاستسقاء لا يستلزم طلب رفع اليدين حال خطبة الجمعة. فقد تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضى وهو التشلايع وعدم المانع، فكان الترك سنة والرفع بدعة. (ويكره) تباطؤ الخطيب حال صعود المنبر ودعاؤه مستقبل القبلة قبل جلوسه، وربما توهم بعض جهلة الخطباء أنها ساعة إجابة الدعاء، وذلك خطأ لما تقدم فى موضعه. (ومن) مكروهات الخطبة: الالتفات فى الخطبة الثانية عند الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وهو باطل مكروه. (ومنها) المجازفة فى أوصاف السلاطين فى الدعاء لهم وكذبهم فى كثير من ذلك، كقولهم: السلطان العالم العادل ونحوه. (ومنها) مبالغتهم فى الإسراع فى الخطبة الثانية وخفض الصوت بها (¬2). (أما الدعاء) للسلطان بلا مبالغة وكذب فىالوصف فقد اختلف فيه العلماء: فأفتى العز بن عبد السلام بأنه بدعة غير محبوبة. ¬

(¬1) ص 269 ج 6 المنهل العذب (رفع اليدين على المنبر). (¬2) ص 529 ج 4 شرح المهذب.

(وقال) الشيخ الصاوى: من جملة اللغو الدعاء للسلطان والترضى عن الصحب (¬1). وقال الشيخ الباجورى: ولا يسن الدعاء للسلطان بعينه كما فى شرح المنهج، بل مقتضى نالشافعى كراهته لقوله: ولا يدعو فى الخطبة لأحد بعينه، فإن فعل ذلك كرهته. والمختار كما فى المجموع أنه لابأس به، فقول المحشى (البرماوى) تبعاً للقليوبى. ويسن الدعاء للسلطان بعينه ضعيف، ولا يجوز وصفه بالصفات الكاذبة (¬2). (وقال) ابن نجيم: وأما الدعاء للسلطان فى الخطبة فلا يستحب، لما روى أن عطاء سئل عن ذلك، فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً (¬3). (وقال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: ويستحب أن يدعو للمؤمنين والمؤمنات ولنفسه والحاضرين، وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن. (وقد روى) ضبة بن محسن أن ابا موسى كان إذا خطب فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم يدعو لعمر وابىبكر. وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لبى بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوثق منه وارشد. (وقال) القاضى: لا يستحب ذلك لأن عطاء قال: هو محدث. وقد ذكرنا فعل الصحابة له وهو مقدم على قول عطاء، ولأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففى الدعاء له دعاء لهم، وذلك مستحب غير مكروه (¬4). (ومن المكروه) اتفاقاً ما يفعله المؤذون حال الخطبة من الترضى ونحوه، ¬

(¬1) ص 156 ج 1 بلغة السالك لقرب المسالك (الجمعة). (¬2) ص 226 ج 1 حاشية الباجورى على ابن القيم. (¬3) ص 148 ج 2 البحر الرائق (وسن خطبتان). (¬4) ص 157 ج 2 مغنى (سنن الخطبة).

(6) منهاج الخطابة

وكذا ما يكون منهم عند ذكر السلطان من قولهم بصوت مرتفع: آمين آمين، نصره الله وأدامه، وغير ذلك (فهو) بدعة سيئة وحرام. لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذى يقول له " أنصت" ليس له جمة (¬1)، ولما فيه من التهويش على المستمعين، وكثيراً ما يتكلف فى ذلك حسن الألحان فتنصرف الآذان عن سماع الخطبة، ويكره للخطيب التكلم حال الخطبة بكلام دنيوى كما فى الذان والإقامة بل أولى. ويكره له الإتيان بالكلمات الغربية والألفاظ البعيدة عنافهام السامعين (لقول) على رضى الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ .أخرجه البخارى (¬2). (57). (وعليه) فيطلب منالخطيب مراعاة حال الناس وتحذيرهم مما هم فيه غارقون منالبدع والمخالفات، وأن لا يلتزمفى خطبته الطرق العتيقة من التزامالسجع والاهتمام بتحسين اللفظ وترك ما تقتضيه حال الحاضرين، فإن التزام السجع قد يفوت عليه مقصوده، ولولاه لأدى كل إنسان مراده بما يقدر عليه فيعم النفع. (6) منهاج الخطابة (¬3) هذا، وإنى ذاكر للقارئ الكريم نموذجاً من خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ليحذو حذوها فى الدعوة ونفع العامة، وليعلم أنالتزام السجع بالطريقة التى عكف عليها الخطباء ليس بحسن: ¬

(¬1) تقدم رقم 146 ص 141 (الكلام حال الخطبة) و (اسفار) كحمل وهو الكتاب. شبه من تكلم حال الخطبة بالحمار يحمل الكتب بجامع عدم الانتفاع. (¬2) ص 160 ج 1 فتح البارى (من خص بالعلم قوماً) و (حدثوا إلخ) أى كلموا الناس علىقدر عقولهم و (يكذب) بفتح الذال مشددة، وذلك أن الشخص إذا سمع ما لم يفهمه منسوباً إلى الله ورسوله فلا يصدقه ويلزمه تكذيبهما. (¬3) هذا الفصل السادس فصول الجمعة.

(1) اول خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال ابن هشام فى سيرته: كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى عن ابى سلمة بن عبد الرحمن أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد ايها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه: ألم يأتك رسولى فبلغك؟ وآتيتك مالا وافضلت عليك، فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يميناً وشمالا فلا يرى شيئاً، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام عليكم وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته، وأخرجها ايضاص البيهقى (¬1). [209]. (2) خطبة أخرى له صلى الله عليه وسلم روى سعيد بن عبد الرحمن الجمحى أنه بلغه عن خطبة النبى صلى الله عليه وسلم فى أول جمعة صلاها بالمدينة فى بنى سالم بن عمرو بن عوف رضى الله عنهم: الحمد لله، احمده وأستعينه وأستغفره، واستهديه وأومن له ولا أكفره، وأُعادى من يكفره، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفر وضل ضلالا بعيداً، وأُوصيكم بتقوى الله، فإن خير ما أوصى به المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا افضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة وعون وصدق على ¬

(¬1) قدم رقم 183 ص 188 (خطبة الجمعة).

ما تبتغون من أمر الآخرة. ومن يصلح الذى بينه وبين الله من أمر السر والعلانية لا ينوى بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكراً فى عاجل امره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم. وما كان مما سوى ذلك يود له أن بينه أمداً بعيداً، وبحذركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد. هو الذى صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: {مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}. واتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السر والعلانية. فإنه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. وإن تقوى الله توقى مقته وتوقى عقوبته وسخطه. وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضى الرب، وترفع الدرجة. فخذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله، فقد علمكم الله كتابة، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين دقوا وليعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى منحى عن بينة " ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعلموا لما بعد الموت، فإنه من اصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى عل الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. (قال) ابن كثير فى البداية: هكذا أوردها ابن جرير. وفى السند إرسال (¬1). [210]. ¬

(¬1) ص 213 ج 3 البداية والنهاية. و (فترة) بفتح فسكون: أى على انقطاع بعثهم ودروس أعلام دينهم. و (الذكرى) (الموعظة والتذكير. و 0 نفسه) أى عقوبته. و (السخط) بفتحتين وبفتح فسكون: الغضب. و (جنب الله) أمره وحده الذى حده. و (حق الجهاد) الإخلاص فى النية والعمل. وقال ابن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى. (روى 9 فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المجاهد من جاهد نفسه فى الله. اخرجه أحمد والترمذى وصححه (24) انظر ص 20 ج 6 (مسند فضالة بن عبيد) وص 2 ج 3 تحفة الأحوذى (فضل من مات مرابطاً).

(3) خطبة أخرى للنبى صلى الله عليه وسلم قال ابن غسحاق: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى فقال: إن الحمد لله، أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، واشهد أن لا غله إلا الله ولا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، قد افلح من زينه الله فى قلبه، وأدخله فى الإسلام بعد الكفر، واختاره على وأحبوا الله من أحاديث الناس. إنه أحسن الحديث وابلغه. حبوا منأحب الله وأحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ذكرها ابن هشام وأبو بكر الباقلانى وابن كثير وقال: وهذه الطريق أيضاً مرسلة إلا أنها مقوية لما قبلها (¬1). [211]. (4) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى التوبة والعمل (قال) جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على منبرة يقول: يايها الناس: توبوا على ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، ولوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة ¬

(¬1) ص 15 ج 2 هامش الروض الأنف. وص 214 ج 3 البداية والنهاية. وص 62 إعجاز القرآن. و (أحبوا الله .. إلخ) المراد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب فكون ذكره وعمله خارجاً من قلبه خالصاً لله. وإضافة الحب إلىالله تعالى من عبده مجاز حسن، لأن حقيقة المحبة إرادة يقارنها تعلق بالمحبوب طبعاً أو شرعاً.

الصدقة فى السر والعلانية، ترزقوا وتؤجروا وتنصروا وتحمدوا وتجبروا. واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة فى مقامى هذا، فى يومى هذا، فى شهرى هذا، فى عامى هذا، إلى يوم القايمة، فريضة مكتوبة من وجد إليها سبيلا، فمن تركها فى حياتى أو بعد مماتى جحوداً بها واستخفافاً بحقها، وله إمام عادل أو جائر، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له فى أمره، ألا ولا صلاة له. ألا ولا صوم له. ألا ولا ضوء له. ألا ولا حج له. ألا ولا صدقة له، ألا ولا زاة له، ألا ولا بر له حتى يتوب. من تاب، تاب الله عليه، ألا لا تَؤُمَّنَّ امرأة رجلا، ولا يؤمّ أعرابى مهاجراً، ولا يؤمّ فاجر مؤمناً إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه وسوطه. أخرجه ابن ماجه والبيهقي والباقلانى. وفى سنده عبد الله بن محمد العذري عن على بن يزيد بن جدعان، وهما ضعيفان (¬1). [212]. (5) خطبة له صلى الله عليه وسلم وخطب النبى صلى الله عليه وسلم أيضا فقال: أيها الناس: إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقى لا يدرى ما الله تعالى قاض عليه فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت. والذى نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا دار ¬

(¬1) ص 173 ج 1 سنن ابن ماجه (فرض الجمعة) وص 171 ج 3 سنن البيهقى (كتاب الجمعة) وص 62 إعجاز القرآن.

إلا الجنة أو النار. ذكره الباقلانى (¬1). [213]. (6) خطبة جامعة له صلى الله عليه وسلم قال أبو سعيد الخدري رضى الله عنه: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعد العصر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد) فإن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا إن بنى آدم خلقوا على طبقات شتى: منهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً. الا إن الغضب جمرة توقد فى جوف ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فالأرض الأرض. إلا عن خير الرجال من كان بطئ الغضب، سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب، بطئ الرضا. فإذا كان الرجل بطئ الغضب، بطئ الفئ، وسريع الغضب، وسريع الفئ، فإنها بها. ألا إن خير التجار من كان حسن الفضاء، حسن الطلب، وشر التجار من كان سئ القضاء، سئ الطلب. فإذا كان الرجل حسن القضاء، سئ الطلب، او كان سئ القضاء، سئ الطلب، فإنها بها. ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته. ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة. ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه. ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. ألا إن مثل ما بقى من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه. ¬

(¬1) ص 62 إعجاز القرآن. و (معالم) جمع معلم كمذهب، وهو فى الأصل الدليل فىالطريق والمراد به هنا حدود الشريعة المطهرة ز و (مستعتب) اسم مفعول من استعتب أى طلب الرضا، أى ليس بعد الموت استرضاء، لأنه وقت جزاء لا وقت عمل.

أخرجه أحمد والترمذي والحاكم. وفيه على بن زيد بن جدعان، ضعيف (¬1). [ 214]. ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 3 (مسند أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه) وانظر رقم 1610 ص 179 ج 2 فيض القدير. و (خضرة) بفتح فكسر: شبه النبى صلى الله عليه وسلم الدنيا من حيث الرغبة فيها والتكالب عليها والميل بالكلية إليها بفاكهة (خضرة) المنظر (حلوة) المذاق. ولا ريب ان الخضرة فى ذاتها محببة للنفوس، مذهبة للبؤس، تسر بها النواظر، وتنشرح منها الخواطر، وإذا كان كل من الخضرة والحلاوة محبباً للنفوس منفداً فكيف بهما إذا اجتمعا؟ (فاتقوا الدنيا) اى احذروها فإنها إن أقبلت بلت، وإن أدبرت برت (واتقوا النساء) أى الافتتان بهن فإنهن حبائل الشيطان وفخوخه ولا دين لهن ولا عقل عندهن، وإن كان القليل منهن عادبات صابرات قانتات تائبات، غير أن الحكم عادة للغالب (وفى الحديث) يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإنى رايتكن أكثر اهل النار. فقالت امرأة منهن جزلة (بفتح فسكون أى ذات رأى) ومالنا يا رسول الله اكثر اهل النار. قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رايت من ناقات عقل ودين اغلب لذى لب منكن. قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امراتين تعدل شهادة رجل، فهذا من نقصان العقل، وتمكث الليالى ما تصلى، وتفطر فى رمضان، فهذا من نقصان الدين. أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عمر والبخارى عن ابى سعيد (25) انظر ص 66 ج 2 (مسند ابن عمر) وص 251 ج 2 سنن ابن ماجه (فتنة النساء) وص 279 ج 1 فتح البارى (ترك الحائض الصوم) و (منهم من يولد مؤمناً إلخ) الفريق الأول هم السعداء فى الدارين. والفريق الثانى هم الأشقياء وإن نعموا بمظاهر الحياة وزخرفها .. والفريق الثالث هو الذى يسبق عليه الكتاب فيعمل ظاهراً عمل البرار وحقيقته أنه رياء وشرك حتى يموت علىما عليه الكفار، والفريق الرابع من يثوب إلى رشده ويتوب من ذنبه ويعمل عمل الأتقياء البررة حتى يموت على الإيمان فيختم له بالسعادة. (ففى الحديث) إذا اراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: وما استعمله؟ قال: يفتح له عملا صالحاً بين يدى موته حتى يرضى عنه من حوله. أخرجه احمد والحاكم عن عمرو بن الحمق (26) انظر ص 244 ج 5 مسند أحمد (حديث عمرو بن الحمق الخزاعى) وص 340 ج 1 مستدرك. واخرج نحوه الحاكم وصححه عن أنس بن مالك و (توقد) بحذف إحدى التاءين تخفيفاً، أى تستعر (فالأرض الأرض) اى فيلزمها وليجلس إن كان قائماً، او ليضطجع إن كان جالساً. فإن فى تغيير الحالة التى كان عليها إذهاباً لحدة غضبه، وتهدئة لمضطرب أعضائه و (بقدر غدرته) فإن كانت غدرته كبيرة فلواؤه كبير، وغن كانت غدرته صغيرة فلواؤه صغير وهو عبارة عن فضيحته يوم القيامة حيث الخلائق مجتمعون. و (أن يكلم بالحق إذا علمه) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مطلوبان بشروطهما التى منها سلامة العاقبة (ومنها) أن يكون الأمر بالمعروف ورفق ولين. قال تعالى: " يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمشى فى الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختال فخور " (سورة لقمان) آيتا 17، 18.

(7) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى وصف الدارين روى شداد بن أوس انه صلىالله عليه وسلم خطب يوماً فقال: ألاإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة اجل صادق، يقضى فيها ملك قادر. ألا وغنالخير كله بحذافيره فى الجنة. ألا وإن الشر كله بحذافيره فى النار. واعلموا وأنتم منالله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم، وانكم ملاقوا الله ربكم لابد " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". أخرجه البيهقي، وأخرج الطبرانى فى الكبير صدره إلى قوله: وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، يحق الحق ويبطل الباطل. أيها الناس: كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا ابناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها. وفى سند الطبرانى أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف جداً. واخرج الشافعي صدره من حديث عمرو بن العاص (¬1). [215]. ¬

(¬1) ص 216 ج 3 سنن البيهقى (كيف تكون الخطبة) وص 188 ج 2 مجمع الزوائد (الخطبة والقراءة فيها) وص 164 ج 1 بدائع المنن.

(8) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى الاتباع روى عقبة بن عامر الجهنى أن النبى صلى الله عليه وسلم حمد الله واثنى عليه ثم قال: (أما بعد) فإن اصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، واشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، واشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير العلم ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتى الصلاة إلا دبراً، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً نوأعظم الخطاياي اللسان الكذوب، وخير ما وقر فى القلوب اليقين والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جثا جهنم، والكنز كى منالنار، والشعر من مزامير إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقى من شقى فى بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع اربع اذرع، والأمر بىخره، وملاك العمل خواتمه، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، واكل لحمه من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتال على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن ي 2 صير على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصبر يضعف الله له، ومن يعص الله يعذبه. اللهم اغفر لى ولأمتي. اللهم اغفر لى ولأمتي. استغفر الله لى ولكم.

أخرجه البيهقي فى الدلائل وابن عساكر (¬1). [216]. (9) خطبة له صلى الله عليه وسلم جامعة روى ابن مسعود أن النبي صلى اللهعليه وسلم حمد الله واثنى عليه، ثم قال: (أما بعد) غنما هما اثنتان: الكلام والهدى، فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدى هدى محمد .. ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلاللاة .. ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم .. ألا عن كل ما هو آت قريب، وغنما البعيد ما ليس بىت .. ألا إنما الشقى من شقى فىبطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره .. الا إن قتال ¬

(¬1) انظر رقم 1609 ص 185 ج 2 فيض القدير. و (عوازم) جمع عزيمة وهى الفرائض التى فرضها الله، وقيل هى ما وكدت رايك وعزمك عليه ووفيت بعهد اله فيه، والعزم: الصبر. و (الدبر) (بضمتين أو بفتحتين: آخر الش، اى لا يصلون غلا بعد فوات الوقت. و 0 الهجر) بفتح فسكون: الترك والإعراض، والمراد هجر القلب وترك الإخلاص فى الذ، فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له. و (الغلول) بفتح أوله: الخائن فى الغنيمة. و (جثا) بضم الجيم مقصوراً جمع جثوه بتثليث الجيم، وهى فى الصل الحجارة المجموعة، والمراد أنه من جماعة جهنم. و (الكنز) المال الذى لم تؤد زكاته يكوى به جلد صاحبه يوم القيامة (قال تعالى): " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم، يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" سورة التوبة: آية (34، 35). وفى الحديث: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح نار فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره " در حديث أخرجه أحمد ومسلم وابو داود (27) يأتى رقم 9 ص 86 ج 8 الدين الخالص (منع الزكاة). و (الروايا) جمع راوية، أى نافل أى الذين ينقلوه الكذب. و (يتأل) من التأل وهو الحلف. يقال: تألى على الله، أى حلف ليغفرن الله له. و (السمعة) بالضم ك الرياء، أى من سلك سبيل الرياء شهر الله به وأظهر للناس أن عمله لم يكن خالصاً.

المؤمن كفر، وسبابه فسوق، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث .. ألا وإياكم والكذب، فإن الكذب لا يصلح لا بالجدل ولا بالهزل، ولا يعد الرجل صبيه فلا يفى له، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الصدق يهدى إلىالبر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإنه يقال للادق صدق وبر، ويقال للكاذب كذب وفجر .. ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. اخرجه ابن ماجه بسند جيد (¬1). [ 217]. ¬

(¬1) ص 12 ج 1 سننابن ماجه (اجتناب البدع والجدل) ط فقسوا قلوبكم " كما استطال اهل الكتاب فخلعوا ربقة الدين منأعناقهم. قال تعالى: " ولا توكونوا" (بالتاء وهى قراءة عيسى وابن اسحاق) " كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " عجز الاية 19 الحديد وصدرها: " ألم يأن للذين آمنوا". و (إنما الشقى من شقى فى بطن أمه) أى من قدر كونه شقياً فى أصل خلقته فشقى حيقية (روى) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليهوسلم قال: "إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضعفة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً ويؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل الجنة " أخرجه الستة (28) انظر رقم 2179 ص 413 ج 2 فيض القدير. و (قتال المؤمن كفر) اى حرام كالكفر، أو محمول على من استحل ذلك، أو هو مؤد إليه (روى) أبى بكرة أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل احدهما صاحبه فالقاتل والمقتول فىالنار " قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى (29) انظر رقم 435 ص 300 ج 1 (فيض القدير)، (وسبابه فسوق) أى أن شتمه خروج عن طاعة الله تعالى وليس هو من صفات المؤمنين (روى) ابن مسعود أنالنبى صلى الله عليهوسلم قال: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ "أخرجه أحمد وابن حبان فى صحيحه والحاكم (30) انظر رقم 7584 ص 360 ج 5 فيض القدير. و (أن يهجر) محل حرمة الهجر فوق ثلاث ما لم. يكن هجره لله تعالى وإلا فلا، والدليل عليه قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وقد نظم هذا بعضهم فقال: يا هاجرى فوق الثلاث بلا سبب ... خالف شرع المصطفى ازكى العرب هجر الفتى فوق الثلاث محرم ... ما لم يكن فيه لمولانا سبب

(10) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى التنفير من الغفلة روى علىّ كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم حمد الله واثنى عليه وقال: (أما بعد) أيها الناس: كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا قد وجب، وكأن الذى نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبؤئهم أجداثهم، ونأكل من تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، واستقامت طويته، طوبى لمن تواضع لله فى غير منقصة، وأنفق مالا جمعه فى غير معصية نوجالس اهل الفقه والحكمة، وخالط أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم تستهوه البدعة. ذكره العاملى وأبو نعيم (¬1). [218]. (11) خطبة له صلى الله عليه وسلم بمنى وخطب صلى الله عليه وسلبم بالخيف من منى فقال: نصر الله عبداً سمع مقالتى فوعاها ثم أدّاها إلى من لم يسمعها، فرب حامل ¬

(¬1) ص 344 ج 2 كشكول (وأجداث) جمع جدث وهو القبر، أى ننزلهم مقابرهم و (الجائحة) الافة المهلكة، يقال: جاحت الآفة المال تجوحه، من باب قال إذا أهلكته ..

فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحوط من وراءهم. أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم عن جبير بن مطعم، وابو داود وابن ماجه عن زيد بن ثابت. وذكره القاضى أبو بكر الباقلانى عن زيد بن ثابت، وزاد: ومن كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه فى قلبه، وأتته الدنيا وهى راغمة. ومن كان همه الدنيا، فرق الله أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له (¬1). [ 219]. (12) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى تذكر الموت وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس: أكثروا من ذكر هازم اللذات، فإنكم إذا ذكرتموه فى ضيق وسعه ليكم فرضيتم به فأجرتم، وإن ذكرتموهفى غنى بعضه إليكم فجدتم به فأثبتم. إن المنايا قاطعات الآمال والليالى مدنيات الآجال. وإن العبد بين يومين، يوم قد مضى أحى فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقى لا يدرى لعله لا يصل إليه. إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما اسلف، وقلة غناء ما خلف، ولعله من باطل جمعه أو من حق منعه. ¬

(¬1) ص 81 ج 4 مسند أحمد (حديث جبير بن مطعم .. ) وص 52 ج 1 سنن ابن ماجه (من بلغ علماً) وص 88 ج 1 مستدرك. وص 322 ج 3 سنن أبى داود. (فضل نشر العلم) وص 63 إعجاز القرآن. (الخيف) بفتح فسكون: ما ارتفع من الوادى قليلا. وبه سمى مسجد منى لأنه بنى فى سفح الجبل و (نضر) من النضرة والنضارة وهى الحسن. و (لا يغل) أى لا يحقد، يقال: غل صدره يغل من باب ضرب غلا بكسر أوله، وهو الحقد والضغينة ..

أيها الناس: عن فىالقناعة لغنى، وغن فى الاقتصصاد للغة، وإن فى الزهد لراحة، ولكل عمل جزاء، وكل آت قريب. ذكره بهاء الدين محمد العاملى (¬1). [220]. (13) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى فضل رمضان قال سلمان الفارسي رضى الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر يوم من شعبان قال: يأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة، وشهر يزاد فى رزق المؤمن فيه. من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقتبه من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ. قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا يجد ما يفطر الصائم. فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم: يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن. وهو شهر أوله رحمة، واوسطه مغفرة، وآجره عتق من النار، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما بكم، فشهادة أن لاإله إلا الله، وتستغفرونه. وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما، فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار. ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضى شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة. ¬

(¬1) ص 89 كشكول (من خطبة للنبى صلى الله عليه ولم) وص 339.رواه هنا عن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً. و (الرمس 9 بفتح فسكون: التراب سمى به القبر. و (الغناء) بفتحتين: الاكتفاء، اى يرى قلة كفاية ما ترك. و (البلغة) بضم فسكون: ما يتبع به من العيش ..

أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه. وقال: إن صح الخبر. قال المنذرى: وفى سنده على بن زيد بن جدعان ضعيف (¬1). [221]. (14) خطبة له صلى الله عليه وسلم في وصف الدنيا وخطب النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: الدنيا دار بلاء ومنزلة بلغة وعناء، قد نزعت عها نفوس السعداء، وانتزعت بالكره من أيدى الشقياء. فاسغد الناس بها ارغبهم عنها، واشقاهم بها أرغبهم فيها، فهى الغاشة لمن استنصحها، والمغوية لمن أطاعها. الفائز من أعوض عنها، والهالك من هوى فيها. طوبى لعبد اتقى فيها ربه، وقدم توبته، وغلب شهوته من قبل أن تلقيه الدنيا إلى الآخرة، فيصبح فى بطن موحشة غبرغاء مدلهمة ظلماء، لا يستطيع أن يزيد فى حسنة ولا ينقص من سيئة، ثم ينشر فيحشر إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها. ذكره العاملى (¬2). [222]. (15) خطبة له صلى الله عليه وسلم فى التنفير من الدنيا وخطب النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: ايها الناس: عن هذه الدار دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح. فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء. الا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الاخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فليأخذ ليعطى ويبتلى ليجزى. إنها لسريعة الذهاب، وشيكة الانقلاب. فاحذروا حلاوة رضاعها ¬

(¬1) اانظر ص 67 ج 7 (الترغيب فى صيام رمضان) و (المذقة) بفتح فسكون: للشربة. (¬2) ص 214 كشكول (أول الجزء الثالث) و (مدلهمة) يقال: ادلهم الظلام كثف وأسود. ومدلهم مبالغة.

لمرارة فطامها، واحذروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها، ولا تسعوا فى تعمير دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها - فقد أراد الله منكم اجتنابها- فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستحقين. ذكره العاملى. [223]. (16) خطبة حجة الوداع وفى حجة الوداع خطب النبى صلى الله عليه وسلم الناس بمنى فقال: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. أُوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعة الله، وأستفتح بالذى هو خير. (وأما بعد) ايها الناس: اسمعوا منى أُبيَّن لكم، فإنى لا أدرى لعلى لا القاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا. ايها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسالكم عن أعمالكم، وقد بلغت. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها على من ائتمنه عليها. وإن كل رباً موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنه لا ربا. إن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله. وإن كل دم كان فى الجاهلية موضوع. وإن أول دمائكم أضع دم ابن وبيعة بن الحارث بن عبد المطلب - وكان مسترضعاً فى بنى ليث فقتله هذيل- فهو اول ما أبدأ به من دماء الجاهلية. وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية. والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والخنجر وفيه مائة بعير. فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. ايها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعيد بأرضكم هذه ابداً، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون منأعمالكم، فاحذروه على دينكم.

ايها الناس: إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. وغن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان. ايها الناس: إن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن ألا يوطئن فرُشكم احداً تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مُبّرح، فإن انتهين وأطعنكم فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وغاستوصوا بالنساء خير اً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئاً. وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. فاتقوا الله فى النساء واستوصوا بهن خيراً. فاعقلوا ايها الناس قولى، فإنى قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا ابداص، أمراً بيناً: كتاب الله وسنة نبيه. أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمُنَّ أنفسكم. اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهم أشهد، فلا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض. أيها الناس: إن ربكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب. أيها الناس: إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز

لوارث وصية، ولا نجوز وصية فى أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير ابيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ذكره ابن هشام مختصراً وابن عبد ربه فى العقد مطولا (¬1). [ 224]. ¬

(¬1) ص 351 ج 2 الروض الأنف (حجة الوداع) وص 357 ج 2 العقد الفريد (خطبة حجة الوداع) و (ابن ربيعة) هو إياس او حارثة، كان طفلا صغيراً يحبو بين البيوت فاصابه حجر فى حرب كانت بين بنى سعد وبنى ليث من قبائل هذيل، و (النسئ) التأخير: كانت الجاهلية تعتقد حرمة الأشهر الحرم وتعظمها، وكانت معائشهم من الصيد والغارة، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر متوالية، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيستحلون المحرم ويحرمون صفراً، فإن احتاجوا إلى القتال فيه أخروا التحريم إلى ربيع الأول. وهحكذا شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، وكانوا يعتبرون التحريم مرد العدد لا خصوص الشهر المعلومة. و (زيادة فى الكفر) أى كفر ضم على كفر (ليوطئوا) أى ليوافقوا عدة الأشهر الحرم وربما زادوا عدد الشهور بجعلها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت، ويجعلون أربعة أشهر منها حراماً كما يريدون، وكانوا يحجون فى كل شهر عامين، فحجوا فى ذى الحجة عامين والمحرم كذلك، وهكذا باقى الشهور. ولما حج رسول الله لىالله عليهوسلم حجة الوداع وافقت شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة، فوقف بعرفة فى اليوم التاسع وخطب الناس فى اليوم العاشر بمنى هذه الخطبة. وإنما قال (رجب مضر إلخ) لأن ربيعة كانت تحرم بالحج فى رمضان وتسميه رجباً من رجبت الرجل عظمته، فبين صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة. و (ألا يوطئن إلخ) أى لا ياذن فى دخول بيوتكم أحداً تكرهون دخوله ولو من محارمهن. وليس المراد به الخلوة بالرجال ولا الزنا، لأنه حرام وإن لم يكرهه الزوج. و (عوان) جمع عانية وهى المرأة: من عنا يعنو، أى خضع وذل، والعانى: الأسير. و (كلمة الله) الإيجاب والقبول، وقيل كلمة التوحيد، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم (وللعاهر) أى وللزانى الخيبة والذل. ولا حق له فىالولد، وإنما الولد لصاحب الفراش وهو الزوج أو السيد .. وقيل بالحجر الرجم. و (الصرف) التوبة، و (العدل) الفدية.

(17) آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم قال الفضل بن عباس رضى الله عنهما: أتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداص وقد عصب راسه، فقال: خذ بيدى يا فضل، فأخذت بيده حتى قعد على المنبر، ثم قال: ناد في الناس يا فضل. فناديت الصلاة جامعة، فاجتمعوا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال. (أما بعد) أيها الناس: إنه قد دنا منى خلوف من بين أظهركم، ولن تروني فى هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن هذا غير مغن عنى حتى أقوم فيكم مراراً، ألا فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي. وإن أحبكم إلىّ من أخذ منى حقاً إن كان له علىّ، أو حللنى فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة. فقام رجل فقال: يا رسول الله لى عندك ثلاثة دراهم. فقال: أماأنا فلا أكذب قائلا ولا مستخلفه على يمين، فيم كانت لك عندى؟ قال: أما تذكر أنه مر بك سائل فامرتنى فاعطيته ثلاثة دراهم؟ قال: أعطه يا فضل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأيها الناس من عنده من الغلول شئ فليرده. فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها فى سبيل الله. قال: فلم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجاً. قال: خذها منه يا فضل. ثم قال: يأيها الناس من أحسن من نفسه شيئاً فليقم أدعو الله له. فقام رجل وقال: يا رسول الله إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لشئوم. فقال عمر بن الخطاب: ويحك ايها الرجل لقد ترك الله لو سترت على نفسك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا بن الخطاب، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. اللهم ارزقه صدقاً وإيمانا، واذهب عنه الشؤم. أخرجه البيهقي وفى سنده ومتنه غرابة شديدة. قاله ابن كثير (¬1). [225]. (وعلى الجملة) فخطب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة غزيرة المعاني، جمة الفوائد. وقد تقدم له خطب أخرى. وفيما ذكر نفع وغناء، ولمن اقتنع مزيد إقناع. خطبة الصديق يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم. لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2) ذهل الناس ذهولا عظيما، واختلط عليهم أمرهم، واضطرب حالهم، حتى إن عمر بن الخطاب - وهو الطود العظيم - اختلط وصار يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى المنافقين. وتهدد من قال إنه قبض. وسل سيفه وقال: من قال إن محمداً قد مات ضربت عنقه، وأقعد على، وأخرس عثمان رضى الله عنهم، وأضنى (¬3) عبد الله بن أنيس. ولم يكن في الصحابة أثبت من أبى بكر الصديق رضى الله عنه، والعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله عليه وسلم، وليبعثنه الله صلى الله عليه وسلم، وليبعثه الله فليقطعن. ¬

(¬1) ص 231 ج 5 البداية والنهاية (آخر خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم) و (خلوف) بضمتين: أى قرب تخلفى عنكم فلا احضركم لموتى. وفى رواية خفوق بضمتين أى غياب، يقال: خفق النجم يخفق خفوقاً إذا غاب. و (الغلول) مصدر غل من باب قعد، أى خان فى الغنيمة وغيرها. وكانت هذه الخطبة قبل وفاة النبى صلىالله عليه وسلم بخمس ليال يوم الخميس. (¬2) كان ذلك ضحوة يوم الإثنين الثلث عشر من ربيع الأول سنة 11 هجرية (8 يونيو سنة 632 م). (¬3) أي أصابه الضنا وهو مرض يتولد من وجع القلب، ولم يزل رضى الله عنه مريضاً به حتى مات كمدا سنة 54 هـ.

أيدي رجال وأجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله عليه وسلم وقبله وقال: بأبي وأمي، طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثني عليه وقال: ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: (إنك ميت وأنهم ميتون) وقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله الشاكرين). قال: فنشج الناس يبكون (الأثر) أخرجه البخاري (¬1) (58) وروي أبو سليمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر. فأبى عمر أن يجلس. فأقبل الناس إليه وتركوا عمر. فقال أبو بكر: (أما بعد) (من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله وما محمد إلا رسول قد خلت من قلبه الرسل) ... إلى (الشاكرين). (قال) ابن عباس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس منه كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها. وقال عمر: والله ما هو إلا أن سميت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات. أخرجه البخاري (¬2). (59) ¬

(¬1) ص 20 ج 7 فتح الباري (فضل أبى بكر رضى الله عليه .... ). و (النسخ) بضم فسكون: موضع قرب المدينة كان به مسكن الصدق. و (نشج) الباكي ينشج من باب ضرب: غص بالبكاء بلا صوت. (¬2) ص 102 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ... ).

(19) خطبة للصديق بعد البيعة. ولما ولي الخلافة قام خطيباً، فحمد الله وأثني عليه بالذي هو أهله، ثم قال: (أما بعد) أيها الناس، فإني قد وليت عليهم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتن فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عند حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا أخذلهم الله بالذل. ولا تشيع فاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله. فإذا عصمت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. ذكره الحافظ ابن كثير بسند صحيح. وابن الأثير وكذا الباقلاني بلفظ: قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد) فإني وُليِّت أمركم ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم وعلَّمَنا فعلِمْنا. واعلموا أن أكيس الكيس التقى، وأن أحق الحمق الفجور، وأن أقواكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زِعْت فقومني (¬1). (60) (20) خطبة للصديق يوم الجمعة. وخطب رضى الله عنه في ثاني يوم البيعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ¬

(¬1) ص 301 ج 6 البداية والنهاية (خلافة أبي بكر رضى الله عنه .. ) و 126 ج 2 تاريخ الكامل (حديث الثقيفة وخلافة أبي بكر) وص 65 إعجاز القرآن: و (الحمق) يضم فسكون وبضمتين: قلة العقل. و (الكيس) بفتح فسكون ضد الحمق: و (زغت) بكسر فسكون: أي ملت.

أيها الناس: إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله عليه وسلم يطيق. إن الله اطفي محمداً على العالمين وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله عليه وسلم قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوْط فما دونها. ألا وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله. فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قوماً نسوا في مهل آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم (فإياكم أنى تكونوا أمثالهم، الجد الجد، والنجاء النجاء، والوحا الوحا، فإن وراءكم طالبا حثيثاً، أجلا مُرّه سريع. احذروا الموت، واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات. ذكره ابن كثير والطبري (¬1). (61) (21) خطبة للصديق في الإخلاص والاعتبار. وخطب أيضا، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أُريد به وجهه، فأريدا الله بأعمالكم. واعملوا أن أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها، وحظ ظفر ثم به، وضرائب أديتموها، وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمن مات منكم، وتفكروا في من كان قبلكم، أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الجبارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في الوطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميماً، ¬

(¬1) ص 303 ج 6 البداية، و 211 ج 3 تاريخ الطبري (الخبر في أمر الإمارة) و (المظلمة) بكسر اللام: ما أخذه الظالم، وبفتحها مصدر ظلم. و (النجاء والوحا) الإسراع، يقال: وحي وتوحي: أسرع. و (الغبطة تمني مثل ما للغير من غير أن يريد زوال نعمته عنه.

قد تركت عليهم القالات الخبيثات، إنما الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات. وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد بعدوا ونسى ذكرهم وصاروا كلا شيء. ألا وإن الله عز وجل قد أبقي عليهم التبعات، وقطع عنهم الشهوات، ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلفاً بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا، وإن اغتررنا كنا مثلهم، أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ صاروا تراثاً، وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط، وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور، هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً. أين من تعرفون من آباءكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه، وأقاموا للشقوة أو السعادة فيما بعد الموت. ألا إن الله لا شريك له. ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيراً، ويصرف به عنه سوءاً إلا بطاعته واتباع أمره. واعلموا أنكم عبيد مدينون، وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته. أما آن لأحدكم أن تحسر عنه النار ولا تبعد عنه الجنة. ذكره ابن كثير والطبري (¬1) (62). (22) خطبة في التقوي والامتثال عن موسى بن عقبة أن أبا بكر خطب فقال: الحمد لله رب العالمين، احمده وأستعينه، وأسأله الكرامة فيما بعد الموت، وأشهد أن لا اله إلا اله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً وسراجا منيراً " لينذر من كان حياً ويحق القول علي ¬

(¬1) ص 303 ج 6 البداية. وص 211 ج 3 تاريخ الطبري. و (القالات) جمع قالة، وهي والقيل والقال تكون في الخير. و (الوضاء) بكسر الواو جمع وضئ وهو الحسن والنظيف. و (الركز) بكسر فسكون: الصوت الخفي. و (تحصر) أي تبعد، يقال: حصر من باب قعد، إذا نضب عن موضعه.

الكافرين "، (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به، فإنه جوامع هدى للإسلام بعد كلمة الإخلاص. السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أفلح وأدي الذي عليه من الحق. وإياكم واتباع الهوى، فقد أفلح من تراب؟ ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي وغداً ميت. فاعملوا يوماً بيوم ، وساعة بساعة، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر. واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم اله من عذابه. وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا تفهموا واتقوا تقوا، وإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجا به من نجا قبلكم. قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يجب من الأعمال وما يكره. واعملوا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم واغتبطتم. وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا، بسلفكم، وتعطوا جزاءكم حين فقركم وحاجتكم إليها. ثم تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا، قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وأحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت. إن الله له شريك وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيراً، النار، ولا شر في شر بعده الجنة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر. (63) (23) خطبة جامعة للصديق وخطب رضى الله عنه لسنة 13 هجرية فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأومن به وأتوكل عليه، وأستهدي الله بالهدي. وأعوذ به من الضلالة والردى، ومن الشك والعمى

(من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل الله فلن تجد له ولياً مرشداً)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، يعز من يشاء، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إلى الناس كافة رحمة لهم وحجة عليهم، والناس حينئذ على شر حال في ظلمات الجاهلية، دينهم بدعة، ودعوتهم فرية، فأعز الله الدين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وألف بين قلوبكم أيها المؤمنون فأصبحتم نعمته إخواناً، (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)، فأطيعوا الله ورسوله، فإنه قال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً). (أما بعد) أيها الناس: إني أوصيكم بتقوى الله العظيم في كل امر وعلى كل حال، ولزوم الحق فيما أحببتم وكرهتم، فإنه ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، ومن يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من التراب وإلى التراب يعود؟ هو اليوم حي وغداً ميت. فاعملوا وعدوا أنفسكم في الموتى. وما أشكل عليكم فردوا علمه إلى الله، وقدموا لأنفسكم خيراً تجدوه محضراً، فإنه قال عز وجل: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد". فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، واعتبروا بمن مضى قبلكم، واعلموا أنه لابد من لقاء ربكم، والجزاء بأعمالكم صغيرها وكبيرها، إلا ما غفر الله، إنه غفور رحيم، فأنفسكم أنفسكم، والمستعان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك أفضل ما صليت على

أحد من خلقك، وزكنا بالصلاة عليه، وألحقنا به، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه. اللهم أعنا على طاعتك، وانصرنا على عدوك. ذكره ابن عبد ربه (¬1). (64) (24) خطبة للصديق في الحث على العمل والإخلاص قال نعيم بن نمحة: خطب أبو بكر فكان من قوله: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم. فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله عز وجل فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله تعالى، إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم". أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في سالف أيامهم، وخلوا بالشقوة والسعادة. أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخور والآبار .. هذا كتاب الله لا تفني عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنائه وبيانه. إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين". لا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن جعله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. أخرجه الطبراني في الكبير. قال الهيثمي: ونعيم بن نمحة: لم أجد مكن ترجمة. وقال ابن كثير: هذا إسناد جيد ورجاله ثقات (¬2). (65) ¬

(¬1) انظر ص 360 ج 2 - العقد الفريد (وكنتم على شفا) الشفا: الحافة والطرف، أي كنتم على طرف حفرة من النار، فأنقذكم الله منها بالإيمان. (¬2) انظر ص 189 ج 2 مجمع الزوائد (الخطبة والقراءة فيها) وص 305 ج 8 تفسير ابن كثير (سورة الحشر) و (الحوائط) جمع حائط وهو البستان، وحائط البنيان جمعه حيطان.

(25) خطبة للفاروق عمر في التقوى والأمر بالمعروف خطب عمر يوماً فقال: أيها الناس: اتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا تكونوا مثل قوم كانوا في سفينة فأقبل أحدهم على موضع يخرقه، فمنعوه، فقال: هو موضعي ولي أن أحكم فيه، فإن أخذوا على يده سلم وسلموا، وإن تركوه هلك وهلكوا. وهذا مثل ضربته لكم، رحمنا الله وإياكم. ذكره ابن عبد ربه (¬1) (66) (26) خطبة جامعة للفاروق وخطب عمر رضي الله عنه سنة 23 هـ، فحمد الله وأثنى عليهن وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس: إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غني، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وأنتم مؤجلون في دار غرور، وكنتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذون بالوحي، فمن أسر شيئاً أخذ بسريرته، ومن أعلن شيئاً أخذ بعلانيته، فأظهروا لنا أحسن أخلاقكم، والله أعلم بالسرائر، فإنه من أظهر لنا قبيحاً وزعم أن سريرته حسنه لم نصدقه، ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسناً. واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق، فأنفقوا خيراً لأنفسكم {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} ¬

(¬1) ص 263 ج 2 العقد الفريد (وهذا مثل) أخذه رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا (اقترعوا) على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم (أي منعوهم من الخرق) نجوا جميعاً". أخرجه البخاري عن النعمان بن بشير (31). ص 81 ج 5 أخرجه البخاري (هل يقرع في القسمة؟ ).

أيها الناس: أطيبوا مثواكم، وأصلحوا أموركم، واتقوا الله ربكم، ولا تلبسوا نساءكم القباطي، فإنه إن لم يشف فإنه يصف. أيها الناس: إني لوددت أن أنجو كفافاً لا لي ولا عليّ، وإني لأرجو إن عمرت فيكم يسيراً أو كثيراً أن أعمل بالحق فيكم إن شاء الله، ألا يبقى أحد من المسلمين وإن كان في بيته إلا أتاه حقه ونصيبه من مال الله، وإن لم يعمل إليه نفسه، ولم ينصب إليه بدنه، وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، ولقليل في رفق خير من كثير في عنف، والقتل حتف من الحتوف، يصيب البر والفاجر، والشهيد من احتسب نفسه. ذكره الطبري في تاريخه (¬1) (67). (27) خطبة أخرى جامعة للفاروق رضي الله عنه وخطب أيضاً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد) فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي بطاعته يكرم أولياءه. وبمعصيته يضل أعداءه، فليس لهالك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى، ولا في ترك حق حسبه ضلالة، تعلموا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه لم تبلغ منزلة ذي حق أن يطاع في معصية الله، واعلموا أن بين العبد وبين رزقه حجاباً، فإن صبر أتاه رزقه، وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يدرك فوق رزقه، وإياكم وأخلاق العجم، ومجاورة الجبابرة، وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن تدخلوا الحمام بغير مئزر، وإياكم والصغار أن تجعلوه في رقابكم. واعلموا أن سباب المسلم فسق، وقتاله كفر، ولا يحل لك أن تهجر أخاك فوق ثلاثة أيام، ¬

(¬1) ص 26 ج 5 تاريخ الطبري (خطب عمر رضي الله عنه) و (المثوى) بفتح فسكون: المنزل. و (القباطي) - بضم أوله وتشديد آخره، أو بفتح أوله وتخفيف آخره: ثياب كتاب بيض رقاق- جمع قبطية بضم القاف نسبة إلى القبط على غير قياس. وقد تكسر. و (شف) الثوب يشف: رق فحكى ما تحته ووصفه وحدده لرقته.

ومن أتى ساحراً أو كاهناً أو عرافاً (¬1) فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئة وسرته حسنة فهو أمارة المسلم المؤمن، وشر الأمور مبتدعاتها، وإن الاقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في بدعة، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية، عليكم بهذا القرآن فإن فيه نوراً وشفاءً، وغيره الشقاء، وقد قضيت الذي عليّ فيما ولاني الله عز وجل من أموركم، ووعظتكم نصحاً لكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. أخرجه الحاكم وابن عساكر. (68) (28) خطبة للفاروق في وصف الدنيا والتحلي بالفضائل وخطب أيضاً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنما الدنيا أمل مخترم، وأجل منتفض، وبلاغ إلى دار غيرها، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرأ فكر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربه، واستقال ذنبه، بئس الجار الغني، يأخذك بما لا يعطيك من نفسه، فإن أبيت لم يعذرك. إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة، ومفسدة للجسم، ومؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم، فهو أبعد من السرف وأصح للبدن. وأقوى على العبادة وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. ذكره الشيخ حمزة في المواهب (¬2). (69) ¬

(¬1) "الصغار" الضيم والذل، و "الكاهن" من يدعي معرفة الأسرار، ويخبر عما يكون في المستقبل، وقد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم ان له تابعاً من الجن يلقي عليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما- نهاية ابن الأثير. (¬2) ص 213 ج 2 - المواهب الفتحية (خطبة عمر الفاروق رضي الله عنه و (منتفض) من الانتفاض وهو ضد الإبرام (والبلاغ) مصدر بلغ الكتاب: وصل و (التعريج) الإقامة و (استقال ذنبه) أي طلب إقالته منه بالتوبة، و (لم يعذرك) من باب ضرب أي لم يقبل اعتذارك (والبطنة) بكسر فسكون: امتلاء البطن من الطعام.

(29) خطبة لسيدنا عثمان خطب رضي الله عنه حين بايعه أهل الشورى، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلمن ثم قال: إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور "فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور" اعتبروا بمن مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانهم الذين آثروها وعمروها ومتعوا بها طويلاً؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلاً، والذي هو خير، فقال عز وجل: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً. المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً". ذكره الطبراني (¬1) (70) (30) خطبة له في التقوى والعمل وقال الحسن البصري: خطب عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس اتقوا الله فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نوراً لظلمة القبر، وليخش ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 5 تاريخ الطبري (خطبة عثمان رضي الله عنه) و (أهل الشورى) هم الذين وكل إليهم عمر التشاور فيمن يكون خليفة بعده وهم عبد الرحمن ابن عوف، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد ابن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فاختاروا عثمان وبايعوه. و (قلعة) بضم القاف وسكون اللام وضمها وفتحها: أي دار انقلاع وارتحال. و (الهشيم): اليابس، و (تذروه): أي تفرقه يميناً وشمالاً.

عبد أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيراً. واعلموا أن من كان الله لم يخف شيئاً، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده؟ أخرجه ابن عساكر وابن كثير (¬1). (31) خطبة له في الاستعداد للموت قال مجاهد: خطب عثمان فقال: ابن آدم: اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك. فخذ حذرك واستعد له ولا تغفل فإنه لا يغفل عنك. واعلم ابن آدم إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك، ولابد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك والسلام. ذكره ابن كثير (¬2). (32) آخر خطبة لعثمان رضي الله عنه هي قوله: إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوه بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى، وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله. اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزاباً "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون". ذكره ابن كثير والطبري (¬3) (73) ¬

(¬1) ص 214 ج 7 البداية والنهاية (ذكر شيء من خطبه). (¬2) انظر ص 215 ج 7 البداية والنهاية. (¬3) انظر ص 215 منه. وص 149 ج تاريخ الطبري (بعض خطب عثمان رضي الله عنه) والآيتان من آل عمران: 103، 104 و (لاتبطرنكم) من أبطره: أدهشه وجعله بطراً بفتح فكسر. و (الغير) كعنب: الأحداث.

(33) خطبة لعلي رضي الله عنه لما ولى الخلافة بويع عليّ بالخلافة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فخطب الناس: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله أنزل كتاباً هادياً بين الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر. الفرائض الفرائض، أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة. إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق. لا يحل دم امريء مسلم إلا بما يجب. بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم، وإنما خلفكم الساعة تحدوكم، فخففوا تلحقوا؛ فإنما ينتظر بالناس أخراهم. اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده، إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم. أطيعوا الله فلا تعصوه. وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض". ذكره ابن الأثير (¬1). (74) (34) خطبة له في الحث على العمل والإخلاص وخطب أيضاً فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد: فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائها أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق يضره ¬

(¬1) ص 76 ج 3 تاريخ الكامل (بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) و (تحدوكم) أي تتبعكم، يقال: حدا الليل النهار، أي تبعه.

الباطل، ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال إلى الردي. ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد. ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل. تزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً. ذكره في النهج والباقلاني والعاملي (¬1). (75) (35) خطبة لسيدنا علي في التقوى وخطب أيضاً فقال بعد حمد الله: أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثاً فيلهو، ولا أهمل سدي فيلغو، ما دنياه التي تحسنت إليه بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر إليها، وما الخسيس الذي ظفر به من الدنيا بأعلى همته كالآخر الذي ظفر به من الآخرة من سهمته. ذكره الباقلاني (¬2). (76) (36) خطبة جامعة لعلي رضي الله عنه وخطب فقال: الحمد لله فاطر الخلق، وفالق الإصباح، وناشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأوصيكم بتقوى الله، فإن أفضل ما توسل به العبد الإيمان والجهاد في سبيله، وكلمته الإخلاص، فإنها الفطرة، وإقام الصلاة، فإنها الملة، وإيتاء الزكاة، فإنها من فريضته، وصوم شهر رمضان، فإنه جنة من عذابه، وحج البيت، فإنه منفاة للفقر، مدحضة للذنب، وصلة الرحمن فإنها مثراة في المال، منسأة في الأجل، محبة في الأهل، وصدقة السر، فإنها تكفر الخطيئة وتطفيء غضب الرب، وصنع المعروف، فإنه يدفع ميتة السوء وبقي مصارع الهول. أفيضوا في ذكر الله، فإنه أحسن الذكر. وارغبوا فيما وعد المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد. واقتدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم. فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أفضل السنن. ¬

(¬1) ص 66 ج 1 نهج البلاغة. وص 69 إعجاز القرآن. وص 257 كشكول. (¬2) انظر ص 69 إعجاز القرآن. و (السهمة) بضم فسكون: النصيب.

وتعلموا كتاب الله، فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين، فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره، فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص. وإذا قريء عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستقيم عن جهله، بل قد رأيت أن الحجة أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه، من هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما مضلل مثبور (¬1). لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق فتخسروا. ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة ألا تغتروا، وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه. من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم. ثم سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية. وخير ما دام في القلب اليقين. إن عوازم الأمور أفضلها (¬2). وإن محدثاتها شرارها، وكل محدث بدعة، وكل محدث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع، وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة. المغبون من غبن دينه (¬3)، والمغبون من خسر نفسه، وإن الرياء من الشرك، وإن الإخلاص من العمل والإيمان، ومجالس اللهو تنسى القرآن، ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كل غي. ومجالسة النساء تزيغ القلوب، وتطمح إليها الأبصار، وهن مصائد الشيطان، فاصدقوا الله فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للايمان. ألا إن الصدق على شرف (¬4) منجاة وكرامة، وإن الكذب على شرف رديء وهلكة. ألا قولوا والحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من ¬

(¬1) من ثبره الله: أهلكه. ويقال: ثبر هو ثبوراً: هلك. (¬2) العوازم جمع عزيمة وهي الفريضة. وقيل: ما وكدت رأيك وعزمتك عليه ووقيت بعهد الله فيه. (¬3) غبن من باب ضرب، يقال: غبنه أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون. (¬4) على شرف بفتحتين، أي على رغبة فيه، يقال هو على شرف من كذا إذا كان مشارفاً يقال في الخير والشر.

أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم. وعودوا بالفضل على من حرمكم، وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب (¬1)، ولا تمازحوا، ولا يغتب بعضكم بعضاً، وأعينوا الضعيف المظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب. وارحموا الأرملة (¬2) واليتيم: وافشوا السلام. وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب" وأكرموا الضيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى، وشيعوا الجنائز، وكونوا عباد الله إخواناً. (أما بعد) فإن السبقة (¬3) الجنة، والغاية النار، ألا وإنكم في أيام مهل، من ورائها أجل يحثه عجل، فمن أخلص لله عمله في أيام مهله قبل حضور أجله. فقد أحسن عمله ونال أمله. ومن قصر عن ذلك (¬4) فقد خسر عمله، وخاب أمله، وضره أمله. فاعملوا في الرغبة والرهبة. فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة. وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن "أي أعلم" المسلمين بالحسنى، ومن شكر بالزيادة. وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ولا اكثر مكتسبا من شيء كسبه ليوم تدخر فيه الذخائر، وتبلى فيه السرائر (¬5)، وتجتمع فيه الكبائر. وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ¬

(¬1) من التنابز وهو التداعي بالنبز بفتحتين، وهو لقب السوء كفاسق وجاهل، أي لا يدعو بعضكم بعضاً بما يسوءه. (¬2) الأرملة بفتح الميم: المرأة التي لا زوج لها. (¬3) السبقة بضم فسكون: الخطر يوضع بين أهل السباق، أي أن الجنة هي التي ينبغي التسابق إليها بالعمل الصالح. (¬4) قصر عن الشيء قصوراً، من باب قعد: عجز عنه. (¬5) أي تظهر وتبدو ويصير السر علانية (ففي الحديث) إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان. أخرجه الشيخان عن ابن عمر (30) ص 66 ج 3 تيسير الوصول (الغدر) وقيل السرائر فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والطهارة، فإنها سرائر بين الله والعبد، فقد يقول: صمت ولم يصم، واغتسلت ولم يغتسل، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها.

ومن لا يستقيم به الهدي يجور به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضرة فعازبه عنه أعور وغائبه عنه أعجز. وإنكم قد أمرتم بالظعْن , ودللتم على الزاد ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل واتباع الهوى. فأما طول الأمل فينسى الآخرة. وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق. ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة , ولها بنون. فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا ذكره ابن كثير (¬1). (77) (37) خطبة جامعة لسيدنا على رضى الله عنه وخطب كرم الله وجهه سنة 40 فقال: الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره. وسبباً للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته. عباد الله: إن الدهر يجرى بالباقين كجريه بالماضين. لا يعود ما قد ولي منه، ولا يبقي سرمداُ ما فيه، آخر فعاله كأوله، متسابقة أموره، متظاهرة أعلامه. فكأنكم بالساعة تحدوكم حد الزاجر بشوله، فمن شغل نفسه بغير نفسه تحير في الظلمات، وارتبك في الهلكات، ومدت به شياطينه في طغيانه، وزينت له سيئ أعماله؛ فالجنة غاية السابقين، والنار غاية المفرطين. واعلموا عباد الله أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا، وباليقين تدرك الغاية القصوى. ¬

(¬1) انظر ص 307 ج 7 البداية (خطبة لعلى في أهل العراق) و (العازب): البعد، أي من لم ينتفع بالحاضر لا يستفيد من الغائب.

عباد الله. الله في أعز الأنفس عليكم، وأحبكم، فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق. وأنا طرقه؛ فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة. فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء، قد دللتم على الزاد، وأمرتم بالظعن، وحثثتم على المسير؛ فإنما أنتم كركب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالمسير؛ ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة، وما يصنع بالمال من عما قليل يسبه وتبقي عليه تبعته وحسابه. عباد الله: أنه ليس لما وعد الله من الخير مترك. ولا فيما نهي عنه من الشر مرغب. عباد الله احذروا يوماً تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال. ويشيب فيه الأطفال. اعلموا عباد الله أن عليكم رصداً من أنفسكم، وعيوناً من جوارحكم. وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدد أنفسكم. لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، ولا يكنكم منهم باب ذور تاج، وإن غداً من اليوم قريب، يذهب اليوم بما فيه، ويجئ الغد لا حقاً به. فكأن كل امرئ منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته ومخط حفرته، فياله من بيت وحدة ومنزل وحشية ومفرد غربة. وكأن الصيحة قد أتتكم، والساعة قد غشيتكم، وبرزتم لفصل القضاء. قد زاحت عنكم الأباطيل، واضمحت عنكم العلل، واستحقت بكم الحقائق، وصدرت بكم الأمور مصادرها. فاتعظوا بالعبر، واعتبروا بالغير وانتفعوا بالنذر. ذكره في النهج (¬1) (78) (38) خطبة لعلى رضي الله عنه في الرجاء والخوف والصبر. وخطب أيضا فقال: أيها الناس: احفظوا عنى خمساً، فلو شددتم إليها المطايا حتى تضمنوها لم تظفروا بمثلها: ألا لا يرجون أحدكم إلا ربه , ¬

(¬1) ص 305 ج 1 نهج البلاغة و (السرمد) الدائم و (الشول) بفتح فسكون: الناقة التي شال لبنها، أي ارتفاع. والباء بمعني اللام: والمعني. تسوقكم سوق الزاجر لإبله لتسيره و (حمة) بضم ففتح (الخطايا) أي ضررها وشرها. و (الداجي): المظلم، و (الرتاج) بالكسر: الباب العظيم محكم الغلق.

ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم، وإذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم. ألا وإن الخامسة الصبر , فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. من لا صبر له لا إيمان له. ومن لا رأس له لا جسد له. ولا خير في قراءة إلا بتدبير، ولا في عبادة إلا بتفكير، ولا في حلم إلا بعلم. ألا أُنبئكم بالعالم كل العالم؟ من لا يزين لعباد الله معاصي الله، ولم يؤمنهم مكره، ولم ييئسهم من روحه ولا تنزلوا المطيعين الجنة، ولا المذنبين الموحدين النار حتى يقضي الله فيهم بأمره. لا تأمنوا على خير هذه الأمة عذاب الله. فإنه يقول: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون). ولا تقنطوا شر هذه الأمة من رحمة الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ذكره ابن عبد ربه (¬1). (79). ¬

(¬1) ص 373 ج 2 العقد الفريد (وخطب أيضاً). و (تضنوها) أي تضعفوها و (من روحه) الروح بفتح فسكون: الرحمة، وما يثر عن على رضى الله عنه: (أ) قول ابن عباس: ما اتعظت بعد رسول الله صلى عليه وسلم بمثل كتاب كتبه إلى على رضى الله عنه (أما بعد) فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته , ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه , فلا تكن بما نلته من دنياك فرحاً , ولا بما فاتك منها ترحا , ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل , ويرجو التوبة بدون الأمل: عباد الله, الحذر الحذر. فو الله لقد ستر حتى كأنه قد غفر , وأمهل حتى كأنه قد أهمل والله المستعان على ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف. ذكره في الكشكول (6) ص 248 ج 3. (ب) وما رواه محمد بن إسحاق عن النعمان بن سعد قال: كنت بالكوفة في دار على بن أبى طالب إذ دخل علينا نوف بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين بالباب أربعون رجلا من اليهود. فقال على: على بهم؛ فلما وقفوا بين يديه قالوا له: يا على صف لنا ربك. فاستوى على جالسا وقال: معشر اليهود اسمعوا منى ولا تبالوا ألا تسألوا أحداً غيري, بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصور فأحسن صورته، توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة شئ من خلقه انتفاع: إجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة. علمه بالأموات =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = البائين كعلمه بالأحياء المتقلبين، وعلمه بما فى السموات العلا كعلمه بما فى الأرض السفلى، وعلمه بكل شئ، لا حيره الأصوات ولا تشغله اللغات. سميع للأوات المختلفة بلا جوارح له مؤتلفة، مدبر بصي عالم بالأمور. حى قيوم. كلم موسى تكليما بلا جوارح ولا أدوات ولا شفة ولا لهوات (بفتحات جمع لهاة وهى اللحمة المشرقة على الحلق فى أقصى الفم) سبحانه وتعالى عن تكييف الفات. من زعم أن إلهنا محدود، فقد جهل الخالق المعبود. ومن ذكر أن الأماكن به تحيط، لزمته الحيرة والتخطيط. بل هو المحيط بكل مكان، فإن كنت صادقاً أيها المتكلف لوصف الرحمن بخلاف التنزيل والبهان، فصف لى جبريل وميكائيل وإسرافيل. هيهات اتعجز عن صفة مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود؟ وأنت لا تدرك صفة رب الهيئة والأدوات فكيف من لم تأخذه سنة ولا نوم، له ما فى الأرضين والسموات وما بينهما وهو رب العرش العظيم. (حـ) وما روى: أن جندب بن عبد الله دخل على علىّ فقال: يا أمير المؤمنين إن فقدناك- ولا نفقدك- فنبايع الحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر، فرد عليه مثلها. فدعا حسناً وحسيناً فقال: أوصيكما بتقوى الله وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شئ زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم ناصراً، واعملا بما فى الكتاب، ولا تأخذ كما فى الله لومة لائم. ذكره الطبرى. (8) ص 85 ج 6. (د) وقوله للحسن: أوصيك أى بنى بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء فإنه لا صلاة إلا بظهور، ولا تقبل صلاة من مانع الزكاة. وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل، والنفقة فى الدين، والتثبت فى الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الفواحش. ذكره الطبرى (9) ص 85 ج 6. (هـ) وما وصى به عند موته فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به على بن أبى طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. أوصيك يا حسن وجميع ولدى وأهلى ومن بلغه كتابى بتقوى الله ربكم. ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فإنى سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام. انظروا إلى ذوى أرحامكم فصلوهم. يهون الله عليكم الحساب. الله الله فى الأيتام، فلا تعنوا أفواههم (أى لا تذلوهم فلا يتمكنون من الشكاية) ولا يضيعن بحضرتكم. واله الله فى جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. والله الله فى القرآن، فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم. والله الله فى الصلاة فإنها عمود دينكم. والله الله فى بيت ربكم. فلا يخلون منكم ما بقيتم. فإنه إن ترك لم يناظر. والله الله فى شهر رمضان.، فإن صيامه جنة من النار. والله الله فى الجهاد فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. والله الله فى الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب الرب. والله الله فى ذمة نبيكم (يعنى أهل الذمة) فلا يظلمن بين ظهرانيكم. والله الله فى أصحاب نبيكم. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم. والله الله فى الفقراء والمساكين فأشركوهم فى معايشكم. والله الله فيما ملكت ايمانكم، فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "أوصيكم بالضعيفين: نسائكم وما ملكت ايمانكم الصلاة الصلاة " لا تخافن فى الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله. ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيولى الأمر شراراكم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله فى أهل البيت، وحفظ عليكم نبيكم. أستودعكم الله، واقرأ عليكم السلام ورحمة الله (10). ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض فى رمضان سنة أربعين. ذكره ابن كثير، ص 327 ج 7 البداية. والطبرى، ص 85 ج 6.

(39) آخر خطبة لسيدنا الحسين رضى الله عنه خطب رضى الله عنه فى اليوم الذى استشهد فيه (¬1) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عباد الله: اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت على أحد أو بقى عليها أحد، لكانت الأنبياء أحق بالبقاء، وأولى بالرضاء، وأرضى بالقضاء، غير أن الله تعالى خلق الدنيا للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، والنزلة تلعة، والدار قلعة (¬2) {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬3). (80). (40) خطبة جامعة لسيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال بعد حمد اله والثناء عليه: إن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم صلى الله عليه سلم، واحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الهدى هدى الأنبياء، واشرف الحديث ذكر الله، وخير القصص القرآن، وخير الأمور أوساطها، وشر الأمور محدثاتها، وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وشر الندامة ندامة القيامة، وشر الضلالة الضلالة ¬

(¬1) انظر ص 307 ج 7 البداية (خطبة لعلى في أهل العراق) و (العازب): البعد، أي من لم ينتفع بالحاضر لا يستفيد من الغائب. (¬2) أى مات فيه شهيداً بكربلاء من أرض العراق وهو يوم الجمعة عاشر المحرم سنة 61 إحدى وستين، وهو ابن خمس وخمسين سنة. انظر ترجمته وقصة قتله وما حدث لقتله وانتقام الله تعالى ممن قتله وأين راسه رضى الله عنه من ص 309 - 312 ج 9 المنهل العذب (حق السائل). (¬3) (مكفهر) كمطمئن: يعنى متغيراً غير خالص .. و (تلعة) بفتح فسكون: أى مرتفع أو منخفض حسب عمل الإنسان فهو من الأضداد. و (القلعة) بضم فسكون: العارية. وفى الحديث: بئس المال القلعة.

بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وخير ما ألقى فى القلب اليقين، والريب من الكفر، وشر العمى عمى القلب، والخمر جماع كل إثم، والنساء حبالة (¬1) الشيطان، والشباب شعلة من الجنون، والنوح من عمل الجاهلية، ومن الناس من لا يأتى الجماعة إلا دبراً، ولا يذكر الله إلا هجراً (¬2)، وأعظم الخطايا الكذب، وسباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه (¬3) معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يصبر على الرزية يعقبه الله، وشر المكاسب كسب الربا، وشر الأكل أكل مال اليتيم، والشقى من شقى فى بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، وإنما يكفى أحدكم ما قنعت به نفسه (¬4)، وإنما يصير إلى أربعة أذرع، والأمور بعواقبها، وملاك العمل خواتيمه، وأشرف الموت الشهادة، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكره، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه. اخرجه أبو نعيم فى الحلية. (81). ¬

(¬1) الحبالة بكسر الحاء: ما يصاد بها. روى حذيفة أن النبى صلىالله عليه وسلم قال: الخمر جماع الإثم والنساء حبائل الشيطان وحب الدنيا رأس كل خطيئة. أخرجه أبو الحسن وزين بن معاوية (33) ص 285 ج 3 تيسير الوصول. و (وحبائل) الشيطان: أى مصائده، واحدها حبالة. (¬2) الدبر بضمتين: آخر الوقت. وفى حديث ابن عمرو مرفوعاً: ثلاثة لا يقبل الله منهم لاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دباراً (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجهع والبيهقى وقال: حديث روى بإسنادين ضعيفين أحدهما مرسل (34) ص 304 ج 4 منهل. و (دباراً) بكسر ففتح: أى بعد ما يفوت وقتها. و (الهجر) بفتح فسكون: الترك والإعراض. (¬3) أكل لحمه: كناية عن غيبته، قال تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً، ايحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً" .. (¬4) قنع، كتعب: أى رضى.

(41) خطبة لمعاوية بن أبى سفيان فى التقوى خطب الجمعة فى يوم صائف شديد الحر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الله عز وجل خلقكم فلم ينسكم، ووعظكم فلم يهملكم، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} قوموا إلى صلاتكم. ذكره ابن عبد ربه (¬1). (82). (42) خطبة لعبد الله بن الزبير فى الحث على العمل خطب فى موسم الحج، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإنكم جئتم من آفاق شتى، وفوداً إلى الله عز وجل، فحق على الله أن يكرم وفده، فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإن طالب الله لا يخيب، فدقوا قولكم بفعل فإن ملاك القول الفعل، والنية النية، القلوب القلوب. الله الله فى أيامكم هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب. جئتم من آفاق شتى فى غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجونها. ذكره أبو نعيم. (83). (43) خطبة لسحبان بن زفر فى العمل للآخرة خطب سنة 54 هـ فقال: إن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار. أيها الناس: فخذوا من دار ممركم لدار مقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم. وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها ابدانكم، ففيها حييتم ولغيرها خلقتم. إن الرجل إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقال الملائكة: ما قدم لله؟ قدموا بعضاً يكون لكم، ولا تخلفوا كلا يكون عليكم. (84). ¬

(¬1) ص 374 ج 2 العقد الفريد (خطب معاوية)

(44) خطبة لعبد الملك بن مروان فى الرغبة والرهبة خطب سنة 86 هـ فقال بعد أن حمد الله واثنى عليه: أيها الناس: اعملوا الله رغبة ورهبة؛ فإنكم نبات نعمته، وحصيد نقمته، ولا تغرس لكم الآمال إلا ما تجتنيه الآجال. وأقلوا الرغبة فيما يورث العطب، فكل ما تزرعه العاجلة تقلعه الآجلة. واحذروا الجديدين فهما يكران عليكم، وعلى أثر من سلف يمضى من خلف، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى. (85). (45) خطبة لعمر بن عبد العزيز فى النصيحة والتوبة خطب يوماً فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس: إنما الدنيا أمل مخترم، وأجل منتقض، وبلاغ إلى دار غيرها، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرأً فكر فى أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربه، واستقال ذنبه، ونور قلبه. أيها الناس: قد علمتم أن أباكم قد خرج من الجنة بذنب واحد (¬1) وإن ربكم وعد على التوبة، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل. (81). (46) خطبة له فى الاتباع خطب يوماً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد) أيها الناس: إنه ليس بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم نبى، وليس بعد الكتاب الذى أُنزل عليه كتاب، فما أحل الله على لسان نبيه فهو ¬

(¬1) هو أكله من الشجرة بعد النهى عنه، وقد تقدم أنه أكل منها متأولا فتسميته ذنباً باعتبار منزلته، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.

حلال إلى يوم القيامة، وما حرم الله على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة. ألا إنى لست بقاض ولكنى منفذ لله، ولست بمبتدع ولكنى متبع. ألا إنه ليس لأحد أن يطاع فى معصية الله عز وجل. ألا إنى لست بخيركم، وإنما أنا رجل منكم، غير أن الله جعلنى اثقلكم حملا. أيها الناس: إن أفضل العبادة أداء الفرائض، واجتناب المحارم، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم. (87). (47) آخر خطبة لعمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: إنكم لم تخلقوا عبثاً ولم تخلقوا سدى، وإن لكم معاداً يحكم الله بينكم فيه. فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التى وسعت كل شئ، وحرم جنة عرضها السموات والأرض. واعلموا أن الأمان غداً لمن خاف اليوم، وباع قليلا بكثير وفانياً بباق، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين، وسيخلفها من بعدكم الباقون حتى يرد إلى خير الوارثين، ثم إنكم فى كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله، ثم تغيبونه فى صدع (¬1) من الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب وواجه الحساب، غنياً عما ترك، فقيراً إلى ما قدم، وايم الله إنى لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم أكثر مما عندى، فاستغفر الله لى ولكم، وما تبلغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها، ولا أحد منكم إلا وردت أنيده مع يدى ولحمتى (¬2) الذين يلوننى حتى يستوى عيشنا وعيشكم، وايم الله إنى لو أردت غير هذا من عيش او غضارة (¬3) لكان ¬

(¬1) الصدع بفتح فسكون: الشق. (¬2) اللحمة بضم فسكون: القرابة. (¬3) الغضارة بفتح الغين: النعمة والسعة.

اللسان به ناطقاً ذلولا عالماً بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دل فيها على طاعته، ونهى عن معصيته، ثم بكى فتلقى دموع عينيه بردائه ونزل، فلم يعد بعدها على تلك الأعواد حتى قبضه الله تعالى. (88). (48) خطبة جامعة للحسن البصرى قال بعد حمد الله والثناء عليه: يا بن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً. يا بن آدم إذا رأيت الناس فى الخير فنافسهم فيه، وإذا رايتهم فى الشر فلا تغبطهم عليه، الثواء (¬1) ههنا قليل، والبقاء هناك طويل، أُمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أُمتكم، وقد أسرع بخياركم، فماذا تنتظرون؟ هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحاليها، وبقيت الأعمال قلائد فى أعناق بنى آدم، فيالها موعظة لو وافقت من القلوب حياة. أما إنه والله لا أُمة بعد أُمتكم، ولا بنى بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم، أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحقه أخركم. من رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً رائحاً، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. فالوحاء الوحاء (¬2)، والنجاء النجاء، علام تعرجون؟ (¬3) أُوتيتم ورب الكعبة. قد أسرع بخياركم أنتم فى كل يوم ترذولون (¬4) فماذا تنتظرون؟ إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم على علم منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل عليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى ¬

(¬1) الثواء بالفتح والمد: الإقامة. (¬2) ويقال: الوحاك الوحاك فى الحث على الاستعجال، وتوحى أسرع. (¬3) تعرجون بضم ففتح فشد الراء: من التعريج وهو الميل والانعطاف. (¬4) ترذلون بفتح فسكون فضم: من الرذل وهو العيب والقبح، أى ترتكبون ما لا يرضى.

عباده، ثم وضعه من الدنيا موضعاً ينظر إليه أهل الأرض، وآتاه منها قوتاً وبلغة (¬1). ثم قال: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ (¬2) فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. خذوا صفا الدنيا، وذروا كدرها، فليس الصفو ما عاد كدراً، ولا الكدر ما عاد صفواً، دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. ظهر الجفاء، وقلت العلماء، وعفت السنة، وشاعت البدعة. لقد صحبت أقواماً ما كانت صحبتهم إلا قرة العين وجلاء الصدور. مالي اسمع حسيساً، ولا أرى أنيساً. ذهب الناس وبقى النسناس (¬3). قال ابن الخطاب: رحم الله امرأ أهدى إلينا مساوينا. اعدوا الجواب فإنكم مسئولون. المؤمن من لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكنه أخذه من قبل ربه. إن الحق قد جهد أهله، وحال بينهم وبين شهواتهم، وما يصبر عليه إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته. فمن حمد الدنيا دم الآخرة، وليس يكره لقاء الله إلا مقيم على سخطه. ¬

(¬1) البلغة، بضم فسكون: ما يبلغ به من العيش ولا يفضل. (¬2) طائرة: عمله وما قدر عليه من خير وشر فإنه يلزمه ويجزى به. وقال مجاهد: ما من مولود إلا وفى عنقهورقة مكتوبة فيها شقى أو سعيد. ذكره البغوى (11) ص 158 ج 5 هامش تفسير ابن كثير. (¬3) النسناس، بفتح النون وتكسر: خلق على ورة الناس وخالفوهم فى أشياء وليسوا منهم.

يا بن آدم: الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر فى القلوب وصدقه العمل (¬1). (89). (49) خطبة لخالد بن عبد الله القسيرى فى المكارم خطب بواسط (¬2) سنة 126 هـ، فحمد الله وصلى الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس: نافسوا في المكارم، وسارعوا إلى المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل (¬3) ذماً، ولا تعتدوا بالمعروف ما لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها، فالله أحسن لها جزاءً وأجزل عليها عطاءً. واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحولوها نقماً. واعلموا أن أفضل المال ما أكسب أجراً، وأورث ذكراً، ولو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسناً جميلا يسر الناظرين. ولو رأيتم البخل رجلا رأيتموه مشوهاً قبيحاً تنفر عنه القلوب وتغضي عنه الأبصار. أيها الناس: إن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب ¬

(¬1) التحلي: التزين. والتمني: التشهي. والصحيح أنه من كلام الحسن وسنده جيد (وأما) حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلى، ولكن هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل. أخرجه ابن النجار وكذا البخاري فى تاريخه وزاد: وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا نحن نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل (35) (فهو) حديث منكر تفرد به عبد السلام بن الح العابد. قال النسائى: متروك وقال ابن عدى مجمع على ضعفه. رقم 7570 ص 355 ج 5 فيض القدير. (¬2) واسط: بلد بالعراق. (¬3) المطل، بفتح فسكون: التسويف بالعمل وبالوفاء مرة بعد أخرى.

حرثه لم يزك نبته، والأصول عن مغارسها تنمو، وبأولها تسمو. أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم. (90). (50) خطبة جامعة لواصل بن عطاء في سنة 131 هـ خطب خطبة خالية من الراء فقال: الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يئوده حفظ ما خلق (¬1)، ولم يخلقه على مثال سبق، بل أنشأه ابتداعاً، وعدّ له اصطناعاً، فأحسن كل شئ خلقه، وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدل على ألوهيته، فسبحانه لا معقب لحكمه، ولا دافع لقضائه، تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لسلطانه، ووسع كل شئ علماً، لا يعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، إلهاً تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، وعلا عن فات كل مخلوق، وتزه عن شبيه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الإفهام، يُعصى فيحلم، ويُدعى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. وأشهد شهادة حق، وقول صدق، بإخلاص نية وصحة طوية، أن محمد ابن عبد الله عبده ورسوله، ونبيه وصفيه، ابتعثه إلى خلقه بالبينة والهدى ودين الحق، فبلغ مألكته (¬2) ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله، لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولا يصده عنه زعم زاعم ماضياً على سنته، موفياً على قصده (¬3) حتى أتاه اليقين، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد، أفضل وأزكى ¬

(¬1) لا يئوده: أي لا يثقله تدبير خلقه. (¬2) مألكة بفتح فسكون فضم اللام وتفتح: اسم للرسالة. ويقال مألك- بلا تاء. (¬3) أي مشرفاً على مقصودة وما كلف من التبليغ والإرشاد.

وأتم وأنمى وأجلّ وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد. أُوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله، والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته، وأحضكم على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإن تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة فى معاد، ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها وفواتن لذاتها، وشهوات آمالها. فإنها متاع قليل ومدة إلى حين، وكل شئ منها يزول، فكم عاينتم من أعاجيبها؟ وكم نبت لكم من حبائلها؟ وأهلكت من جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلواً، ومزجت لهم سماً. أين الملوك الذين بنوا المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب (¬1) وأعدوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد؟ (¬2) قبضتهم بمحملها، وطحنتهم بكلكلها (¬3) وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم من السعة ضيقاً، ومن العزة ذلا، ومن الحياة فناء، فسكنوا اللحود، وأكلهم الدود، واصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم نبساً (¬4)، فتزودوا عافاكم الله، فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظه وسعادته، ومنن يستمع القول فيتبع أحسنه. أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين، ¬

(¬1) (وكاثفوا .. إلخ) أى جعلوا الستر كثيفاً متيناً. (¬2) التلاد بكسر التاء وفتحها: المال القديم عند الإنسان من خيل وعبيد، وهو ضد الطارف. (¬3) (المحمل) كمجلس فى الأصل: شقان على البعير يحمل فيهما العديلان. والمراد به هنا القبر لأنه يشق فى الأرض، و (الكلكل) بفتح فسكون ففتح فى الأصل: الصدر، والمراد به هنا الشدة. (¬4) تحس بضم التاء: من الإحساس وهو فىالأصل الإبصار ثم استعمل فى العلم بأى حاسة. و (النبس) بفتح فسكون: الكلام والحركة.

وابلغ مواعظ المتقين، كتاب الله الزكية آياته، الواضحة بيناته، فإذا تلى عليكم فأنصتوا له واسمعوا لعلكم تفلحون. أعوذ بالله القوى من الشيطان الغوى، إن الله هو السميع العليم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}. نفعنا الله وغياكم بالكتاب الحكيم، والوحى المبين، وأعادنا وإياكم من العذاب الأليم، وأدخلنا وإياكم جنة النعيم. (91). (51) خطبة جامعة للمهدى خطب سنة 169 هـ فقال: الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه، ورضى به من خلقه. أحمده على آلائه، وأمجده لبلائه، واستعينه وأومن به وأتوكل عليه توكل راض بقضائه، وصابر لبلائه، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله إلى خلقه وأمينه على وحيه. أرسله بعد انقطاع الرجاء، وطموس العلم، واقتراب من الساعة، إى أمة جاهلية مختلفة أمية، أهل عداوة وتضاغن، وفرقة وتباين. قد استهوتهم شياطينهم، وغلب عليهم قرناؤهم؛ فاستشعروا الردى (¬1) وسلكوا العمى، يبشر من أطاعه بالجنة وكريم ثوابها، وينذر من عصاه بالنار وأليم {عقابها لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة (¬2) وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة، وأحثكم على إجلال عظمته، وتوقير كبريائه وقدرته، والإنهاء إلى ما يقرب من رحمته، وينجى من سخطه، وينال به ما لديه من كريم الثواب، ¬

(¬1) (فاستشعروا) أى جعلوه كالشار وهو اللباس يلى الجسد. (¬2) ليهلك إلخ: أي إنما جمعكم الله مع عدوكم على غير معاد لينصركم عليهم، فيستمر فى الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل لقيام الحجة عليه، ويؤمن من آمن عن حجة وبصيرة، فالهلاك الكفر والحياة الإيمان. قال تعالى: " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس " (الآية) 122 - الأنعام.

وجزيل المآب. فاجتنبوا ما خوفكم الله من شديد العقاب، واليم العذاب، ووعيد الحساب، يوم توقفون بين يدي الجبار، وتعرضون فيه على النار {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (¬1) {يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} (¬2) {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (¬3) {وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ} (¬4)، فإن الدنيا دار غرور وبلاء وشرور، واضمحلال وزوال، وتقلب وانتقال. قد أفنت من كان قبلكم، وهى عائدة عليكم وعلى من بعدكم. من ركن إليها رعته، ومن وثق بها خانته، ومن أملها كذبته، ومن رجاها خذلته. عزها ذل، وغناها فقر، والسعيد من تركها، والشقى فيها من آثرها، والمغبون فيها من باع حظه من دار آخرته بها. فالله الله عباد الله، والتوبة مقبولة، والرحمة مبسوطة، وبادروا بالأعمال الزكية فى هذه الأيام الخالية قبل أن يؤخذ بالكظم (¬5)، وتندموا فلا تنالون الندم، فى يوم حسرة وتأسف وكآبة وتلهف، يوم ليس كالأيام، وموقف ضنك المقام. إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله، يقول الله تبارك وتعالى: ¬

(¬1) سورة هود، الآية 105. (¬2) سورة عبس، الآيات من 34 - 37. (¬3) سورة البقرة، الآية 123، و (العدل) الفدية. (¬4) سورة لقمان من آية 33 وصدرها: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " و (الغرور) بفتح الغين: الشيطان. (¬5) الكظم بفتحتين: الحلق أو الفم أو مخرج النفس.

{وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬1) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ}.إلخ السورة (¬2). أُوصيكم عباد الله بما أوصاكم الله به، وأنهاكم عما نهاكم عنه، وأرضى لكم طاعة الله، وأستغفر الله لى ولكم. (92). ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية 204. (¬2) قال ابن بريدة: نزلت فى قبيلتين من قبائل الأنصار فى بنى حارثة وبنى الحارث، تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلان وفلان؟ وقال الآخرون مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان ومثل فلان؟ يشيرون إلى القبور، وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله: " ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر ".أخرجه ابن أبى حاتم (12) ص 283 ج 9 تفسير ابن كثير. (والمعنى) شغلكم حب الدنيا والتباهى بكثرة المال والولد والتفاخر بالأحساب والأنساب، عن طاعة رب الأرباب، والتزود ليوم المعاد، يوم توفى كل نفس ما كسبت وتجنى ثمرة ما قدمت، حتى جاءكم الموت وصرتم إلى المقابر، ولم تقدموا من العمل ما ينفعكم فى رمسكم، ويؤنسكم فى وحشتكم، وينجيكم من عذاب أليم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلهاكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت. أخرجه ابن أبى حاتم عن زيد بن أسلم (36). ص 282 ج 9 تفسير ابن كثير. وقد زجر الله تعالى آل التفاخر والتكاثر وحذرهم عاقبة تفريطهم وجزاء لهوهم فقال (كلا) ليس الأمر بالتكاثر والاعتزاز بالأهل والعشائر (سوف تعلمون) عاقبة تفاخركم وسوء صنيعكم حين تقومون من القبور، وتساقون إلى مكان يحاسبكم فيه الرب الغيور، فتسألون عن أعماركم وعلومكم وأموالكم وأجسامكم (ففى الحديث) لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم عمل فيه؟ وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ أخرجه الترمذي وصححه عن أبى برزة السلمي (37) ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب) (ثم كلا سوف تعلمون) وعيد بعد وعيد تأكيداً للردع والتهديد. وقال الضحاك: (كلا سوف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تعلمون) يعنى أيها الكفار (ثم كلا سوف تعلمون) يعنى أيها المؤمنون: وكان يقرأ الأولى بالتاء والثانية بالياء (كلا لو تعلمون علم اليقين) أى لو علمتم حق العلم أنكم مبعوثون ليسوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ويحاسبون على ما قدمت أيديهم لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر. فجواب لو محذوف. ثم توعدهم الله بما هم فيه شاكون مفسراً الوعيد السابق فقال (لترون الجحيم) بفتح التاء أي ترونها بأبصاركم من بعيد. وقرئ بضم التاء (ثم لترونها عين اليقين) أي لتشاهدن النار من قرب مشاهدة يقين لا مجال للشك معه. فالرؤية الأولى هي المشار إليها بقوله تعالى: " إذا رأتهم من مكان بعيد" والرؤية الثانية هى التي تكون عند ورود جهنم " وإن منكم إلا واردها" أو الرؤية الأولى رؤية علم ومعرفة. والثانية رؤية عيان ومشاهدة (ثم لتسألن يومئذ) يوم الحساب والجزاء (عن) (شكر النعيم الذي أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغيرها، ماذا قابلتم به نعمة من شكره وعبادته؟ 0 روى) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتسألن يومئذ عن النعيم) قال: الأمن والصحة. أخرجه البغوى (38) ص 285 ج 9 هامش تفسير ابن كثير (وعن) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح جسمك، ونروك من الماء البارد؟ أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم والبغوى (39) ص 183 ج 1 تيسير الوصول (التكاثر) (وقال) الزبير: لما نزلت (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قلت: يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان: التمر والماء. قال: أما إنه سيكون. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه (40) ص 260 ج 18 الفتح الرباني. وص 183 ج 1 تيسير الوصول (التكاثر) (وقال) زيد بن أسلم عن رسول الله: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) يعنى شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق ولذة النوم. أخرجه ابن أبى حاتم (41) ص 288 ج 9 تفسير ابن كثير (وقال) ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. أخرجه البخاري والأربعة إلا ابا داود (كتاب الرقاق الصحة والفراغ) والمعنى أنهم مقصرون فى شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما. ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون. وقد تضمنت السورة: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (أ) التحذير من الركون إلى الدنيا، والانغماس فى نعيمها، والتنافس فى حطامها الزائل ومتاعها القليل. (ب) أن الحرص على جمع المال والتفاخر بكثرته مما يلهى عن طاعة الله، وينسى الناس التزود ليوم المعاد. وقد ورد فى غير حديث ما يؤيد ذلك. روى مطرف عن أبيه عبد الله بن الشخير قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ "ألهاكم التكاثر" قال يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت او لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي (42) (ص 24 ج 4 مسند احمد 0 حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه ... ) وص 94 ج 18 نووي مسلم الزهد (والمعنى 9 لا ينبغي لابن آدم التفاخر بكثرة المال، والاهتمام بتحصيله وهو لا ينتفع به إلا فى أكل أو لبس أو صدقة، وما بقى بعد ذلك سيتركه ويحاسب عليه من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ويكون زاده إلى النار. نسأل الله السلامة (وعن أبى هريرة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فاقتنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى (أي ادخر) وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. أخرجه أبو مسلم (44). وص 94 ج 18 نووي مسلم. (حـ) أن عذاب القبر حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار حق (قال) علىّ: ما زلنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت (إلهاكم التكاثر, حتى زرتم المقابر) أخرجه ابن أبى حاتم والترمذي وقال غريب (13) ص 284 ج 9 تفسير ابن كثير (وقال) ميمون بن مهران: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ: (إلهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) فلبث هنيهة ثم قال: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بدمن أن يرجع إلى منزله، يعنى إلى جنة أو إلى نار. أخرجه ابن أبى حاتم (14) ص 284 ج 9 تفسير ابن كثير. (د) الترغيب في شكر ذي الفضل والإنعام، على ما أسبغ علينا من فضل وإحسان (وفى هذا) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله يوم القيامة: يا بن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك ترتع (من الرتع وهو التنعم) وترأس (من الترأس وهو التقدم على الغير بأن يصير رئيساً عليه) فأين شكر ذلك؟ أخرجه أحمد عن أبى هريرة (45) ص 289 ج 9 تفسير ابن كثير.

(52) خطبة جامعة لهارون الرشيد خطب سنة 193 هـ فقال: الحمد لله نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقاً، ونتوكل عليه مفوضين إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. بعثه على فترة من الرسل، ودروس (¬1) من العلم، وأدبار من الدنيا، وإقبال من الآخرة. بشيراً بالنعيم المقيم، ونذيراً بيم يدي عذاب أليم، فبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله، فأدى عن الله وعده ووعيده حتى أتاه اليقين. فعلى النبي من الله صلاة ورحمة وسلام. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإن في التقوى تكفير السيئات، وتضعيف الحسنات، وفوزاً بالجنة، ونجاة من النار، وأُحذركم يوماً تشخيص فيه الأبصار، وتعلن فيه الأسرار، يوم البعث ويوم التغابن (¬2)، ويوم التلاق، ويوم التناد (¬3)، يوم لا يستعتب فيه من سيئة (¬4) ولا يزداد من حسنة، يوم ¬

(¬1) (فترة) بفتح فسكون: أى انقطاع. و (دروس) كقعود مصدر درس المنزل: عفا وخفيت آثاره. (¬2) قال تعالى: " يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن " والتغابن من الغبن وهو أخذ الشئ من صاحبع باقل من قيمته ولا يكون إلا فى عقد معاوضة، ولا معاوضة فى الآخرة، فهو مستعار لنزول السعداء منازل الأشقياء التى كانوا يمزلونها لو كانوا سعداء وبالعكس (ففى الحديث) لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء، ليزداد شكراً. ولا يدخل النار أحد إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن، ليكون عليه حسرة. أخرجه البخارى عن أبى هريرة (46) ص 354 ج 11 فتح البارى (صفة الجنة والنار - الرفاق) فالمغابنة ليست بين اثنين بل بين الشخص ونفسه على سبيل التجريد. (¬3) يوم التلاق والتناد: يوم القيامة، سمى بذلك لتلاقى من تقدم ومن تأخر، وأهل السماء والأرض، وملاقاة كل واحد لعمله الذى قدمه، ولأنه ينادى فيه على الخلائق. (¬4) (لا يستعتب) مبنى للمجهول، يقال: استعتب إذا طلب الرضا، يعنى أنه ليس يوم استرضاء، لأنه يوم جزاء لا يوم عمل.

الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين. ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور (¬1)، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. عباد الله: إنكم لم تخلفوا عبثاً، ولن تتركوا سدى. حصنوا إيمانكم بالأمانة، ودينكم بالورع، وصلاتكم بالزكاة، فقد جاء فى الخبر أن النبى صلى اله عليه وسلم قال: " لا إيمان لمن لا أمانة له (¬2) ولا دين لمن لا عهد له (¬3)، ¬

(¬1) الآزفة: القيامة، سميت لقربها كما قال تعالى: " أزفت الآزفة " أى قربت القيامة. و (لدى الحناجر) أى أن القلوب من شدة الخوف انتقلت إلى الحناجر ووقفت فيها، فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها. و (كاظمين) أى ساكتين، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى. ومكروبين: ممتلئين خوفاً وحزناً .. والكظم: تردد الخوف والغيظ والحزن فى القلب حتى يضيق به (ما للظالمين) أنفسهم بالشرك والمعاصى (من حميم) أى قريب ينفعهم (ولا شفيع يطاع) فيشفع فيهم. و (خائنة الأعين) أى خيانتها بمسارقة النظر إلى ما لا يحل (وما تخفى الصدور) من السرائر والوساوس والنوايا. (¬2) أى لا إيمان كامل. فالأمانة لب الإيمان. وهى منه بمنزلة القلب من البدن. وهى ثلاثة أقسام: (أ) الأمانة فى العبادة بفعل المأمورات واجتناب المنهيات. وهى لازمة فى كل عبادة حتى الوضوء والغسل. (ب) والأمانة فى الأعضاء السبعة: اللسان والعين والأذن واليد والرجل والبطن والفرج، يحفظهما عما لم تخلق له، بأن يحفظ لسانه من الكذب والغيبة والنميمة ونحوها. ويغض بصره عن المحرم، ولا يستمع اللهو والقحش والكذب ونحوها، ويكف باقى الأعضاء عن المحرم. (جـ) والأمانة مع العباد برد الودائع والعوارى إلى أربابها بقوله: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، فمن ضيع جزءاً منها ضعف إيمانه بقدره، ومن ضيع الكل خرج عن الإيمان. (¬3) المراد بالدين: الخضوع لأوامر الله ونواهيه. والمعنى أن من جرى بينه وبين غيره وعد ثم لم يف لغير عذر شرعى، فدينه ناقص. هذا والحديث أخرج الجملتين الأوليين منه أحمد وابن حبان عن أنس بسند قوى. انظر رقم 9704 ج 6 فيض القدير. وأما الجملة الثالثة فلم أقف عليها مرفوعة، بل أخرج معناها ابن كثير عن ابن مسعود قال: أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له (15) (وقال) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ابى الله يقبل الصلاة إلا بالزكاة (16).

ولا صلاة لمن لا زكاة له". إنكم سفر مجتازون، وأنتم عن قريب تنتقلون من دار فناء إلى دار بقاء. فسارعوا إلى المغفرة بالتوبة، وإلى الرحمة بالتقوى، وإلى الهدى بالإنابة، فإن الله تعالى ذكره أوجب رحمته للمتقين، ومغفرته للتائبين، وهداه للمنيبين. قال الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (¬1). وقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} (¬2). وإياكم والأمانى، فقد عزت وأردت وأوبقت كثيراً حتى أكذبتهم مناياهم، فتناشوا التوبة (¬3) من مكان بعيد، وحيل بينهم وبين ما يشتهون. فأخبركم ربكم عن المثلات فيهم (¬4)، وصرف الآيات (¬5)، وضرب الأمثال؛ فرغب بالوعد، وقدم إليكم الوعيد، وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالى جيلا فجيل، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم وبين أظهركم، لا تدفعون عنهم ولا تحولون دونهم، فزالت عنهم الدنيا، وانقطعت بهم الأسباب، فأسلمتم إلى أعمالهم عند المواقف والحساب والعقاب {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا ¬

(¬1) سورة الأعراف، عجز آية 156 وصدرها: واكتب لنا. (¬2) سورة طه، الآية 82 .. (¬3) التناوش: التناول. (¬4) المثلات: جمع مثلة بفتح فضم، وهى العقوبة. (¬5) أى بينها ووضحها مرة بعد أخرى، قال تعالى: " انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون ".سورة الأنعام، عجز ىية 56 وصدرها: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم ... ".

وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا}. إن أحسن الحديث وابلغ الموعظة كتاب الله. يقول اللع عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬1). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إنه هو السميع العليم. بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.آمركم بما أمركم الله به، وأنهاكم عما نهاكم عنه، وأستغفر الله لى ولكم. (93). (53) خطبة جامعة للمأمون خطب سنة 218 هـ فقال: الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه، ومستوجبه على خلقه، أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده والتنجز لوعده؟ والخوف لوعيده، فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه، وعمل له وأرضاه. فاتقوا الله عباد الله، وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى بما يزول عنكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم (¬2)، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، واعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا (¬3) فإن الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت أن ينزل به، وأن غاية تنقصها اللحظة، وتهدمها الساعة الواحدة، ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية 204. (¬2) أظله الشئ: غشيه أو دنا منه. (¬3) أى استبدلوا الآخرة بالدنيا.

لجديرة بقصر المدة، وإن غائباً يحدوه الجديدان (¬1) الليل والنهار، لحرى بسرعة الأوبة، وإن قادماً يحل بالفوز أو بالشقوة، لمستحق لأفضل العدة، فاتقى عبد ربه ونصح نفسه، وقدم توبته وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمينه التوبة ليسوفها حتى تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها، فيالها حسرة على ذى غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه على شقوة. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة (¬2)، ولا تقصر به عن طاعته غفلة، ولا تحل به بعد الموت فزعة. إنه سميع الدعاء وبيده الخير. وإنه فعال لما يريد. (94). مغزى الخطب السابقة (فهذه) ثلاث وخمسون خطبة، منها سبع عشرة خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم، وهى كما ترى تدور على بيان أصول العقائد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من الجنة والنار وغيرهما، وعلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعده لعدائه وأهل معصيته، وعلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعده لعدائه وأهل معصيته؛ فتملئ القلوب من خطبته صلى الله عليه وسلم -إيماناً وتوحيداً ومعرفة بالله تعالى -فهى لا كخطب غيره التى إنما تفيد أموراً مشتركة بين الخلائق، وهى النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل فى القلب إيماناً بالله، ولا توحيداً له، ولا معرفة خاصة، ولا تذكيراً بأيامه، ولا بعثاً للنفوس على محبته، والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون. وتقسم أموالهم، ويبلى التراب أجسامهم. فياليت شعرى أي إيمان حصل بهذا؟ وأى توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟ ومن تأمل خطب النبى صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها ¬

(¬1) حداه يحدوه حدواً: حثه على السير. (¬2) (تبطره) أى تطغيه، من مبطر وهو الطغيان بالنعمة ..

كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الله جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التى تحببه إلى خلقه، وايامه التى تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذى يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته واسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد وخفى نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوماً تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به؛ فجعلوا الرسوم والأوضاع سنناً لا ينبغى الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التى لا ينبغى الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر؛ فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها (¬1). هدى الصدر الأول فى الخطابة كانت الخطب فى الصدر الأول لها المكانة العالية والمقام الأسمى. كانوا ينتقون من جواهر الألفاظ أعذبها وأظرفها أحلاها، ومن المعانى ارقها وأدقها وأغلاها، وكانوا يضمنونها آيات من كتاب الله تعالى لتزداد حلاوة وطلاوة، حتى إنه ليعاب على خطبة ليس فيها آية من القرآن الكريم. بلغت زمن الخلفاء الراشدين عنفوان شبابها (¬2)، فإن القرآن بما اشتمل عليه من أبدع الأساليب، أعانهم على الخوض فى عباب التفنن فى دائرة الإرشادات الجاذبة بمغناطيسها الأفئدة. وكانوا لا يتقيدون بوقت، بل كلما دعت الحاجة اجتمعوا، فألقيت عليهم استشارة أو وعظ أو تذكير أو إعلان أمر ... إلخ. كان الخطيب إذا قام لأمر ما سحر الألباب، وملك بمرصعات المواعظ ما لا يملك بمرهفات السيوف والرماح (¬3) يؤلف بين من تفرق، ويسكن ¬

(¬1) ص 116 ج 1 زاد المعاد (وكذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسام)، (والفقر) جمع فقرة كسدرة: وهى آخر السجعة. (¬2) عنفوان الشئ: أوله. (¬3) رهف السيف أرهفه: رققه، ورهف ككرم: دق ولطف.

الفتن، ويزيل المخاصمات، ويقطع المنازعات، يقيمهم إن شاء الله، ويقعدهم إن أراد بقوة اقتداره وشدة تأثيره. وكانت الخطابة يقوم بها الخلفاء الراشدون والرؤساء العظام، وكانت موضع احترام. كان يخطب الخطيب قائماً إلا خطبة النكاح، آخذاً بيده عصاً أو مختصرة أو قناة (¬1) أو غير ذلك. فلما جاءت الدولة المروانية واستولى الترف (¬2) وعمّ، وتولى كرسى المملكة الوليد بن عبد الملك بن مروان، بدأ يخطب- وااسفاه- جالساً، ترفعاً منه واستهانة بهذا الموقف الجليل. ومن هذا أخذت الخطابة فى الاضمحلال والتلاشى، فكان آخر خطيب آجاد من أئمة الإسلام المأمون بن هارون الرشيد من خلفاء الدولة العباسية، وترك الملوك الخطابة ووكلوا أمرها كغيرها من الأمور لغيرهم، فصارت منحطة القدر بعد الرفعة، وموضع الاستهانة بعد التجلة، تولاها أناس ما قدروها حق قدرها، وما دروا المقصود منها بجهالتهم المطبقة، حتى إنك لو طالبت أحدهم بتغيير الخطة المتبعة بما يستدعيه الزمان، ما أجابك إلا بقوله: لا يمكن للنفوس الآن أن تتزحزح هن غيها، وإن الخطب الآن هى من قبيل الرسوم، فلا حول ولا قوة إلا بالله (¬3). (4) الجماعة فى الجمعة يشترط لصحة الجمعة أن تكون فى جماعة، وعليه أجمع العلماء، إلا أنهم اختلفوا فىالعدد الذى تنعقد به الجمعة (فقال) ابو حنيفة ومحمد والأوزاعى والثورى: أقله ثلاثة سوى الإمام، واختاره المزنى والسيوطى، لأن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، لأنه جمع تسمية ومعنى، ولأن قوله تعالى فى الآية: ¬

(¬1) المخصرة، بكسر الميم: قضيب ونحوه. والقناة: الرمح. (¬2) الترف بفتحتين: النعم. (¬3) من ص 188 إلى هنا كان الكلام فى الشرط الثالث من شروط صحة الجمعة وهو الخطبة.

"فاسعوا" يقتضى ساعين. وأقل الجمع ثلاثة. وقوله " إلى ذكر الله " يقتضى ذاكراً يسعى إليه وهو الإمام. ويؤيده ما روى عن طارق بن شهاب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو صبى، أو مريض، أو امرأة. أخرجه أبو داود والبيهقى والدارقطنى، وصححه غير واحد (¬1). [226]. قال أبو داود: طارق قد رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً. وقال البيهقى: هذا الحديث مرسل جيد. وقال النووى: هذا على شرط الشيخين. (وجه) الدلالة منه أنه أطلق الجماعة، فشمل كل ما يسمى جماعة، وذلك صادق بثلاثة غير الإمام. ويشترط أن يكونوا ممن تصح إمامتهم. (وقال) أبو يوسف والليث: أقل الجماعة اثنان سوى الإمام، لأن فى المثنى اجتماع واحد بآخر، والجمعة مشتقة من الجماعة، وفى اثنين اجتماع لا محالة. (وقالت) المالكية: أقل الجماعة التى تنعقد بهم الجمعة اثنا عشر رجلا سوى الإمام ممن تجب عليهم الجمعة، بأن يكونوا ذكورا بالغين أحراراً مقيمين مستوطنين بنية التأييد، لحديث جابر: ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس غليها حتى لم يبق غلا اثنا عشر رجلا (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وصححه، وهذا لفظ مسلم (¬2). [227]. ¬

(¬1) ص 209 ج 6 المنهل العذب (الجمعة للمملوك والمرأة) وص 172 ج 3 سنن البيهقى (من تجب عليه الجمعة) وص 164 سنن الدارقطنى. (¬2) ص 105 ج 6 الفتح الربانى. وص 288 ج 2 فتح البارى (إذا نفر الناس عن الإمام فى صلاة الجمعة .. ) وص 150 ج 6 نووى مسلم (قوله تعالى: وإذا رأوا تجارة أو لهواً .. ) وص 200 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة الجمعة). و (العير) بالكسر: الإبل تحمل الطعام، ثم غلب على كل قافلة.

(وجه) الدلالة أن العدد المعتبر فى الابتداء يعتبر فى الدوام، فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على اثنى عشر، دل على أن هذا العدد كاف. (ورد) بأنه إنما يدل على صحتها باثني عشر، ولا يدل على أنها لا تصح بدون هذا العدد، فإن هذه واقعة عين أكثر ما فيها أنهم انفضوا وبقى اثنا عشر رجلا وتمت بهم الجمعة، وليس فيها انه لو بقى اقل من هذا العدد لم تتم بهم. أفاده السيوطى (¬1) (وقالت) الشافعية والحنبلية وإسحاق: اقل عدد تنعقد به الجمعة أربعون بالإمام. (واحتجوا) بأحاديث ضعيفة. وأقرب ما يحتج به ما تقدم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: أسعد بن زرارة أول من جمع بنا فى نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون (¬2). (وجه) الدلالة أن الأمة أجمعت على اشتراط العدد فى الجمعة، فلا تصح إلا بعدد ثبت فيه التوقيف. وقد ثبت جوازها بأربعين، فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صريح. وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتموني أُصلى (¬3). ولم تثبت صلاته بأقل من أربعين. (ورد) بأنه لا دلالة فيه على اشتراط الأربعين، لأن هذه واقعة عين، وذلك أن الجمعة فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة، فلم يتمكن من إقامتها هناك من أجل الكفار؛ فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا، واتفق أن عدتهم إذ ذاك كانت أربعين. وليس فيه ما يدل على أن من دون الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة. ¬

(¬1) ص 90 ج 1 الحاوى للفتاوى (ضوء الشمعة فى عدد الجمعة) .. (¬2) تقدم أثر رقم 37 ص 158. (¬3) تقدم رقم 23 ص 27 (صلاة الخوف).

وقد تقرر فى الأصول أن الأعيان لا يحتج بها على العموم. وقولهم: لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بأقل من أربعين، يرده: (أ) حديث الانفضاض السابق، فإنه أتمها باثنى عشر. فدل ذلك على أن تعيين الربعين لا يشترط. (ب) ما تقدم عن أبى مسعود الأنصارى قال: أول من قدم من المهاجرين إلى المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة، جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم اثنا عشر رجلا (¬1). (واغرب) من ذلك استدلال البيهقى بقول ابن مسعود: جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلا، فقال: إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك فليتق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل الرحم (¬2). [228]. (فاستدلاله) بهذا فى غاية العجب، لان هذه واقعة قصد فيها النبى صلى الله عليه وسلم ان يجمع أصحابه ليبشرهم، فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد، فهل يظن انه لو حضر اقل منهم لم يفعل ما دعاهم لأجله؟ وتمامه فى الحاوى (¬3). (وروى) عن أحمد وعمر بن عبد العزيز أنها لا تصح إلا بخمسين (لحديث) أبى أمامة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة. أخرجه الدارقطنى والطبرانى (¬4). [229]. وفيه جعفر بن الزبير متروك ضعيف جداً. فالحديث ضعيف. وعلى فرض صحته فهو محتمل للتأويل، لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة. ولا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم. ¬

(¬1) تقدم اثر 36 ص 157. (¬2) ص 180 ج 3 سنن البيهقى (عدد الأربعين له تاثير فيما يقصد منه الجماعة). (¬3) ص 92 ج 1 الحاوى للفتاوى. (¬4) ص 164 سنن الدارقطنى. وص 176 ج 2 مجمع الزوائد (عدة من يحضر الجمعة).

(وقال) ابن حزم وداود والنخعى: تنعقد بواحد مع الإمام. (وحكى) عن المازرى انها لا تنعقد إلا بثمانين. ولا مستند لهذا. (قال) السيوطى: أما اشتراط ثمانين أو ثلاثين او عشرين أو تسعة أو سبعة، فلا مستند له ألبتة. وأما الذى قال باثنين، فإنه رأى العدد واجباً بالحديث والإجماع، رأى أنه لم يثبت دليل فىاشتراط عدد مخصوص، ورأى أن أقل العدد اثنان، فقال به قياساً على الجماعة. وهذا في الواقع دليل قوى لا ينقصه إلا نص صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا أو بذكر عدد معين. وهذا لا سبيل إلى وجوده. وأما من قال بثلاثة، فإنه رأى العدد واجباً في حضور الجمعة كالصلاة، فشرط العدد في المأمومين المستمعين للخطبة، فإنه لا يحسن عد الإمام منهم وهو الذى يخطب ويعظ (¬1). وأما من قال بأربعة، فمستنده ما تقدم عن طارق بن شهاب (¬2). ثم قال السيوطى: والحاصل أن الأحاديث والآثار دلت على اشتراط إقامتها في بلد يسكنه عدد كبير بحيث يصلح أن يسمى بلداً، ولم تدل على اشتراط ذلك العدد بعينه في حضورها لتنعقد، بل أى جمع أقاموها به صحت بهم. وأقل الجمع ثلاثة غير الإمام، فتنعقد بأربعة أحدهم الإمام. هذا ما أدانى الاجتهاد إلى ترجيحه. وقد رجح هذا القول المزنى (¬3). (فائدة) الجماعة في الجمعة شرط انعقاد عند ابى يوسف ومحمد وهو يتحقق بالتحريمة. وشرط اداء عند أبى حنيفة والشافعى نوهو لا يتحقق إلا بإدراك ركعة، وشرط بقاء عند مالك وأحمد، وهو لا يتحقق إلا بتمام الصلاة ¬

(¬1) ص 89 ج 1 الحاوى للفتاوى. (¬2) تقدم رقم 226 ص 275. (¬3) ص 95 ج 1 الحاوى للفتاوى.

وثمرة الخلاف انه إن انصرف المأمومون أو بعضهم- ولم يبق مع الإمام ما تنعقد به الجماعة في الجمعة- قبل التحريمة، صلى الإمام الظهر اتفاقاً. وإن انصرفوا بعد التحريمة وقبل سجود الإمام لا تبطل جمعته، بل يتمها عند ابى يوسف ومحمد. وتبطل عند الأئمة الأربعة ويستأنفها ظهراً. وإن انصرفوا بعد سجود الإمام لا تبطل ويتمها جمعة عند ابى حنيفة وصاحبيه، وكذا عند الشافعية إن نووا المفارقة بعد تمام الركعة الأولى. وتبطل عند مالك وأحمد. (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: ويشترط بقاؤهم إلى السجدة الأولى عند ابى حنيفة، فلو نفروا قبلها او نقصوا يستقبل من بقى الظهر. وعندهما (يعنى الصاحبين) يشترط بقاؤهم إلى التحريمة، فلو نفروا بعدها يتم من بقى الجمعة. وعند زفر يشترط بقاؤهم إلى تمامها بالقعود قدر التشهد، فلو نفروا قبل ذلك يستأنف من بقى الظهر. للإمام (¬1) أن الجماعة شرط فلابد من دوامه كالوقت. وللصالحين (¬2) أنها شرط للانعقاد، فلا يشترط دوامها كالخطبة. وأبو حنيفة يقول: نعم هى شرط للانعقاد، لكن انعقاد الصلاة وتحقق تمامه موقوف على وجود تمام الأركان، لأن دخول الشئ في الوجود بدخول جميع أركانه، فما لو يسجد فيها لا تسمى صلاة، ولذا لا يحنث بها لو لف لا يصلى، فكان ذهاب الجماعة قبل السجود كذهابهم قبل التكبير من جهة أنه عدمت الجماعة قبل تحقق مسمى الصلاة، بخلاف الخطبة، لأنها تنافى الصلاة، فلا يشترط دوامها إلى تحقق الصلاة. ولا عبرة ببقاء النسوان والصبيان، لأنها لا تنعقد بهم ابتداء، فكذا بقاء بخلاف العبيد وغيرهم من سائر من لا تجب عليه لما تقدم (¬3). ¬

(¬1) يعنى الدليل لبى حنيفة. (¬2) الصاحبان: أبو يوسف ومحمد. (¬3) ص 558 غنية المتملى في شرح منية المصلى (الجمعة).

(7) إمام الجمعة

(7) إمام الجمعة (¬1) يصح عند الحنفيين للذكر المكلف أن يكون إماماً في الجمعة وإن لم تفترض عليه لمرض أو سفر او رق، لأنه من أهل الإمامة. وسقوط الفرضية عنه رخصة (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: ويشترط كونهم- اى من تنعقد بهم الجمعة- رجالا عقلاء، فلا تنعقد بالنساء والصبيان. ولا يشترط كونهم أحراراً مقيمين، بل تنعقد بالعبيد والمسافرين، وتصح إمامتهم فيها أيضا، وكذا المرضى ونحوهم من المعذورين، خلافاً لزفر، فإنه قال: لا تصح إمامة من لا تجب عليه الجمعة فيها لسقوط وجوبها عنهم (ورد) بأن عدم الوجوب فهم كغيرهم، فتجوز إمامتهم كما تجوز إمامة غيرهم (¬2). وقال ابن نجيم: لا يشترط في الإمام أن يكون هو الخطيب، فلو خطب صبى بإذن السلطان وصلى الجمعة رجل بالغ جاز (¬3)، ويشترط عندهم أن يكون الإمام فيها ولى الأمر أو من أذن له في إقامتها كالقاضى والخطباء، لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قد كتب عليكم الجمعة في مقامى هذا ... إلى أن قال: من تركها من غير عذر -مع إمام جائر او عادل- فلا جمع الله شمله، ولا بورك له في أمره (الحديث) (¬4) وجه الدلالة أنه اشتراط في لزومها الإمام. (وقال) الحسن البصرى: أربع إلى السلطان، وذكر منها الجمعة والعيدين. ذكره الكمال ابن الهمام (¬5). (95). (وقال) ابن المنذر ك مضت السنة أن الذى يقيم الجمعة السلطان أو من ¬

(¬1) هذا الفصل السابع من فصول الجمعة. (¬2) ص 557 غنية المتملى. (¬3) ص 147 ج 2 البحر الرائق (والخطبة قبلها). (¬4) تقدم رقم 161 ص 156 (صلاة الجمعة). (¬5) ص 412 ج 1 فتح القدير (ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان).

(8) كيفية صلاة الجمعة

أمره بها، فإذا لم يكن ذلك صلوا الظهر، ولأنها تقام بجمع عظيم، إذ هى جامعة للجماعات المتفرقة في المساجد وفى غيرها، وقد تقع المنازعة في التقديم وفى التعجيل والتأخير، فلابد ممن له الولاية العامة والكلمة الفاصلة، حسماً للمنازعة المفضية إلى العداوة والفتنة، وإلى تفويت الجمعة غالباً. وعلى هذا كان السلف من الصحابة ومن بعدهم، حتى إن علياً إنما جمع أيام محاصرة عثمان بأمره (¬1). (وقالت) المالكية يشترط في الإمام شرطان: (الأول) أن يكون ممن تجب عليه الجمعة، ولو كان مسافراً نوى الإقامة أربعة أيام فلا قصد الخطبة؛ فإن أقام بقصد الخطبة فلا يصح أن يكون إماماً. (الثانى) أن يكون هو الخطيب، فلو صلى بهم غير الخطيب بلا عذر يبيح له الاستحلاف فالصلاة باطلة، فإن رعف أو سبقه حدث فله أن يستخلف غيره إن لم يزل عذره في زمن قريب مقدار صلاة ركعتين بفاتحة وسورة، وإلا وجب انتظاره. (وقالت) الشافعية والحنبلية: يشترط في الإمام أن يكون ذكراً تصح إمامته بالقوم مكلفاً وإن لم تجب عليه الجمعة، ولا يشترط أن يكون هو الخطيب عند الحنبلية، وهو الصحيح عند الشافعية، فلا تصح إمامة الصبى عند غير الشافعية مطلقاً، وكذا عند الشافعية إذا كان من العدد الذى تصح به الجمعة، وهذا التفصيل لا دليل عليه كما تقدم في بحث "إمامة الصبى" (¬2). (8) كيفية صلاة الجمعة إذا فرغ الإمام من الخطبة أقيمت الصلاة وصلى بالناس ركعتين نيقرا فيهما جهراً بفاتحة الكتاب وسورة، ويستحب أن يقرأ بسورتى الجمعة ¬

(¬1) (ص 533 غنية المتملى 0 الشرط الثانى كون الإمام فيها السلطان .. ). (¬2) تقدم بص 54 ج 3 الدين الخالص (الثالث البلوغ).

والمنافقين، أو سبح اسم ربك الأعلى والغاشية، أو يقرأ في الأولى بالجمعة، وفى الثانية بالغاشية، لما روى عبيد الله بن أبى رافع عن أبى هريرة أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون. قال عبيد الله: فقلت له: قد قرأت بسورتين كان علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يقرأ بهما في الجمعة. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما. اخرجه الشافعى وأحمد ومسلم والأربعة إلا النسائى نوقال الترمذى ك هذا حديث حسن صحيح (¬1) [230] (روى) سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. اخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى (¬2). [231]. (ولقول) الضحاك بن قيس: سألت النعمان بن بشير الأنصارى: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ بهل أتاك حديث الغاشية. أخرجه مالك والشافعى وابن ماجه والدارمى والبيهقى (¬3). [232]. وكان صلى الله عليه وسلم يقرا السورتين كاملتين، وأما الاقتصار على قراءة آخر السورتين فلم يفعله قط، وهو مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم الذى كان يحافظ عليه. ¬

(¬1) ص 78 ن 166 ج 1 بدائع المنن. وص 111 ج 6 الفتح الربانى. وص 166 ج 6 نووى مسلم (ما يقرأ في صلاة الجمعة) وص 262 ج 6 المنهل العذب. وص 270 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 178 ج 1 سنن ابن ماجه. (¬2) (ص 78، 167 ج 1 بدائع المنن. وص 113 ج 6 الفتح الربانى. وص 293 ج 6 المنهل العذب 0 ما يقرأ في الجمعة). وص 210 ج 1 مجتبى. وص 201 ج 3 سنن البيهقى. (¬3) ص 208 ج 1 زرقانى الموطأ (القراءة في الجمعة) وص 79 ج 1 بدائع المنن. وص 178 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 363 ج 1 سنن الدارمى. وص 299 ج 3 سنن البيهقى.

(9) ما تدرك به الجمعة

(والحكمة) في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في الجمعة، ما في الأولى من الحث على حضورها والسعى إليها نوبيان فضيلة وحكمة بعثته صلى الله عليه وسلم المشار إليها بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬1)، والحث على ذكر الله تعالى. وما فىالثانية من توبيخ المنافقين، وحثهم على التوبة، ودعائهم إلى طلب الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يكثر اجتماعهم في صلاتها، ولما في آخرها من المواعظ البليغة، والحث على الصدقة. والحكمة في القراءة فيها بسبح والغاشية، ما فيهما من التذكير بأحوال الآخرة، والوعد والوعيد، فناسب قراءتهما في تلك الصلاة الجامعة. (9) ما تدرك به الجمعة لا تدرك الجمعة- عند مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن وإسحاق - إلا بإدراك ركعة مع الإمام فيضيف لها ركعة، لمفهوم ما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى. وفى رواية للنسائي ك فقد أدرك الصلاة كلها، إلا انه يقضى ما فاته (¬2). [233]. وبهذه الزيادة ظهر معنى الحديث (قال) الشافعى ك معناه لم تفته تلك الصلاة، وما لم تفته الجمعة صلاها ركعتين (¬3). (وقال) ابن مسعود ك من أدرك من الجمعة ركعة، فليضيف غليها أخرى، ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن (¬4). (96). ¬

(¬1) سورة الجمعة، الاية 2. (¬2) تقدم رقم 73 ص 46 ج 3 الدين الخالص (ما تدرك به الجمعة). (¬3) انظر ص 182 ج 1 كتاب الأم (من أدرك ركعة من الجمعة). (¬4) انظر ص 192 ج 2 مجمع الزوائد (من أدرك من الجمعة ركعة).

(وقال) ابن عمر: إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها اخرى، وإن أدركتهم جلوسا فصل أربعاً. أخرجه البيهقى (¬1). (97). (وقال) النعمان وابو يوسف والحكم وحماد: الجمعة تدرك بإدراك التشهد، فمن أدرك مع الإمام التشهد فقد ادرك الجمعة، فيصلى بعد سلام الإمام ركعتين وتمت جمعته، لعموم ما تقدم عن ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. اخرجه الشافعى والسبعة (¬2). [234]. وهو لعمومه يتناول الجمعة، فيشمل ما إذا أدرك الإمام في التشهد أو في سجود السهو. (وأجاب) الأولون بأن عمومه مخصوص بما تقدم عن ابى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، فإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً. أخرجه البيهقى والدارقطنى (¬3). [235]. (وأجاب) النعمان ومن معه بأن في سنده يحيى بن المتوكل وصالح بن أبى الأخضر، ضعيفان فلا يقبل ما زيد في روايتهما من قوله: فإن أدركهم جلوسا ... إلخ. (واختلف) فيمن أدرك من الجمعة دون ركعة، هل يدخل مع الإمام بنية الجمعة ويتمها بعد سلامه جمعة؟ وبه قال النعمان وابو يوسف ومن معهما. (وقال) مالك والشافعى ومحمد بن الحسن: ينوى جمعة ويتمها ظهراً. ¬

(¬1) ص 204 ج 3 سنن البيهقى. (¬2) تقدم رقم 71 ص 45 ج 3 الدين الخالص (ما تدرك به الجماعة). (¬3) تقدم رقم 72 ص 46 ج 3 الدين الخالص.

(وقالت) الحنبلية: إن نواها ظهراً وكان بعد الزوال أتمها ظهراً وإلا بأن نواها جمعة أو كانت قبل الزوال حسبت له نافلة وصلى الظهر بعد (¬1). (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإذا صلى الإمام الجمعة قبل الزوال فأدرك المأموم معه دون الركعة لم يكن له الدخول معه، لأنها في حقه ظهراً؛ فلا يجوز قبل الزوال نفإن دخل معه كانت نفلا في حقه ولم تجزئه عن الظهر (¬2). (فائدتان): (الأولى) من أحرم مع الإمام ثم فاته الركوع أو السجود حتى سلم الإمام- لزحام أو غفلة أو نوم أو نسيان - كان مدركا للجمعة عند الحنفيين. وهو رواية عن أحمد، وعنه أنه يستأنفها ظهراً، وهو قول الشافعي. (قال) ابو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد فيمن أحرم مع الإمام ثم زحم فلم يقدر على الركوع حتى سلم الإمام، فروى أنه يكون مدركاً للجمعة، وهو قول الحسن وأصحاب الرأى ح لأنه أحرم بالصلاة مع إمامه في أولها؛ فأشبه ما لو ركع وسجد معه. ونقل عنه أنه يستقبل الصلاة اربعاً وهو قول الشافعى وابن المنذر، لأنه لم يدرك ركعة كاملة فلم يكن مدركاً للجمعة كالمسبوق (¬3). (وحاصل) مذهب المالكية أن من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وغفل عن الركوع أو زوحم عنه حتى سلم الإمام قضى ركعة ثانية وأتمها جمعة، ومن لم يدرك الأولى وغفل عن الركوع او زوحم عنه حتى سلم الإمام يتم الصلاة ظهراً، ومن غفل عن السجود أو زوحم عنه حتى سلم الإمام سجد وأتمها جمعة. ¬

(¬1) ص 208 ج 1 زرقانى الموطأ (القراءة في الجمعة) وص 79 ج 1 بدائع المنن. وص 178 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 363 ج 1 سنن الدارمى. وص 299 ج 3 سنن البيهقى. (¬2) انظر ص 163 ج 2 مغنى (من أدرك مع الإمام أقل من ركعة). (¬3) انظر ص 179 ج 2 الشرح الكبير (الزحام المانع من الركوع والسجود).

(الثانية) إذا اشتد الزحام في الجمعة وتمكن من السجود على ظهر غيره أو رجله لزمه ذلك، وأجزأه عند غير مالك (لقول) سياد بن المعرور: سمعت عمر وهو يخطب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار. فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه ورأى قوماً يصلون في الطريق فقال: صلوا في المسجد. أخرجه أحمد والبيهقى بسند صحيح (¬1). (98). (قال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: ومتى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه ذلك وأجزأه. قال أحمد في رواية: يسجد على ظهر الرجل والقدم، ويمكن الجبهة والأنف في العيدين والجمعة، وبهذا قال الثورى وأبو حنيفة والشافعى وأبو ثور وابن المنذر. وقال عطاء والزهرى ومالك: لا يفعل. قال مالك: وتبطل الصلاة إن فعل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومكن جبهتك من الأرض (¬2). (ولنا) ما روى عن عمر رضى الله عنه وذكر الثر السابق وقال: وهذا قاله بمحضر من الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ولم يظهر له مخالف فكان إجماعاً، ولأنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح، كالمريض يسجد على المرفقة، والخبر لم يتناول العاجز، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يأمر العاجز عن الشيء يفعله. (وإن زحم) في الأول ولم يتمكن من السجود على ظهر ولا قدم، انتظر حتى يزول الزحام ثم يسجد ويتبع إمامه. فإذا قضى ما عليه وأدرك الإمام في القيام أو في الركوع اتبعه فيه وصحت له الركعة. وكذا إذا تعذر عليه السجود مع إمامه بمرض أو نوم او نسيان، لأنه معذور ¬

(¬1) انظر ص 108 ج 6 الفتح الربانى. وص 182 ج 3 سنن البيهقى (الرجل يسجد على ظهر من بين يديه في الزحام). (¬2) هو بعض حديث ذكره الشيرازى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقراً. قال النووى: غريب ضعيف (47) ص 422 ج 3 شرح المهذب (ويسجد على الجبهة .. ).

فى ذلك فأشبه المزحوم، فإن خاف أنه إن تشاغل بالسجود فاته الركوع مع الإمام فى الثانية، لزمه متابعته، وتصير الثانية أولاه، وهذا قول مالك. وقال أبو حنيفة: يشتغل بقضاء السجود، لأنه قد ركع مع الإمام فيجب عليه السجود بعده كما زال الزحام والإمام قائم، والشافعى كالمذهبين، ولنا قول النبى صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا (¬1). (فإن قيل) فقد قال: فإذا سجد فاسجدوا (قلنا) قد سقط الأمر بالمتابعة فى السجود عن هذا لعذره، وبقى الأمر بالمتابعة فى الركوع متوجهاً فمكانه، ولأنه خائف فوات الركوع فلزمه متابعة إمامه فيه كالمسبوق. فأما إذا كان الإمام قائماً فليس هذا اختلافاً كثيراً، وقد فعل النبى صلى الله عليه وسلم مثله بعسفان. إذا تقرر هذا فإنه إن اشتغل بالسجود معتقداً تحريمه، لم تصح صلاته، لأنه ترك واجباً عمداً، وفعل ما لا يجوز له فعله. وإن اعتقد جواز ذلك فسجد، لم يعتد بسجوده، لأنه سجد فى موضع الركوع جهلا، فأشبه الساهى. ثم إن أدرك الإمام فى الركوع ركع معه صحت له الثانية دون الأولى، وتصير الثانية أولاه، فإن فاته الركوع سجد معه، فإن سجد السجدتين معه، فقال القاضى: يتم بهما الركعة الأولى، وهذا مذهب الشافعى، وقال أبو الخطاب: إذا سجد معتقداً جواز ذلك اعتد له به وتصح له الركعة كما لو سجد وإمامه قائم. ثم إن أدرك الإمام فى ركوع الثانية صحت له الركعتان، وإن أدرك بعد رفع راسه من ركوعه فينبغى أن يركع ويتبعه، لأن هذا سبق يسير، ويحتمل أن تفوته بفوات الركوع، وإن أدركه فى التشهد تابعه وقضى ركعة بعد سلامه كالمسبوق. ¬

(¬1) هو بعض حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا ن ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد (48). تقدم ص 69 ج 3 الدين الخالص (متابعة مأموم الإمام).

(10) ما يقال بعد صلاة الجمعة

وقال أبو الخطاب: ويسجد للسهو، ولا وجه للسجود ههنا، لأن المأموم لا سجود عليه لسهو. وإن زوحم عن سجدة واحدة أو عن الاعتدال بين السجدتين أو بين الركوع والسجود أو عن جميع ذلك، فاحكم فيه كالحكم في الزحام عن السجود، فإما إن زوحم عن السجود في الثانية فزوال الزحام قبل سلام الإمام، سجد واتبعه وصحت الركعة، وإن لم يزل حتى سلم، فلا يخلو من أن يكون أدرك الركعة الأولى أو لم يدركها، فإن أدركها فقد أدرك الجمعة بإدراكها، ويسجد الثانية بعد سلام الإمام، ويتشهد ويسلم وقد تمت جمعته، وإن لم يدرك أدرك الأولى فإنه يسجد بعد سلام إمامه وتصح له الركعة، وهل يكون مدركاص للجمعة بذلك؟ على روايتين. أهـ. ملخصاً (¬1). (10) ما يقال بعد صلاة الجمعة يسن من الذكار بعد الجمعة ما يسن بعد غيرها من الصلوات، ويستحب الإكثار من ذكر الله تعالى بعدها. ويندب قراءة "قل هو الله أحد " والمعوذتين سبعاً قبل أن يثنى رجله (لحديث) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ بعد صلاة الجمعة: " قل هو الله أحد "، و" قل أعوذ برب الفلق"، و" قل أعوذ برب الناس" سبع مرات، أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى. اخرجه ابن السنى وابن شاهين بسند ضعيف (¬2). [236]. قال المناوى: وفى رواية قبل أن يتكلم. وفى أخرى: وهو ثان رجله، وقال الحافظ بن حجر. ينبغى تقييده بما بعد الذكر المأثور فى الصحيح، وله شاهد من مرسل مكحول. أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن فرج بن ¬

(¬1) انظر من ص 160 - 162 ج 2 مغنى (من زوحم عن شئ من الصلاة). (¬2) انظر رقم 6954 ص 203 ج 6 فيض القدير.

(11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة

فضالة عن مكحول. وزاد فى أوله فاتحة الكتاب وقال فى آخره: كفَّر الله عنه ما بين الجمعتين، وكان معصوماً. وفرج ضعيف (¬1). ويستحب ان يقول بعد قراءة السور المذكورة وهو رافع يديه: اللهم يا غنى يا حميد يا مبدئ يا معيد يا رحيم ياغ ودود، أغننى بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك (¬2). [237]. أقول التزام هذا الدعاء بخصوصه، ودعوى أن المواظبة عليه سبب الغنى لا دليل عليه. (11) متى يصلى الظهر من لم تلزمه الجمعة من لم تلزمه الجمعة كالمسافر والعبد والمريض والمرأة والمعذور، له أن يصلى الظهر ولو جماعة قبل صلاة الإمام عند الجمهور، لكن يندب له تأخير الظهر إذا رجا زوال عذره عند الأئمة الثلاثة. (وقال) الحنفيون: يكره للمعذور ومنه المسجون صلاة الظهر يوم ¬

(¬1) ص 203 ج 6 فيض القدير. (¬2) ص 270، 271 ج 3 شرح الإحياء ملخصاً، وكان عمر رضى الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فقال: " اللهم إنى أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتنى، فارزقنى من فضلك وأنت خير الرازقين (17) وقال ابن عباس: لم يؤمروا بشئ من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيادة أخ فى الله تعالى (18). ذكره العلامة ابن علان الصديقى. انظر ص 2345 ج 4 - الفتوحات الربانية على الأذكار النووية (الذكر بعد صلاة الجمعة).

الجمعة بجماعة فى مكان تقام فيه الجمعة، لما فى ذلك من تقليل جماعة الجمعة، فقد يقتدى بهم غيرهم. وكذا يكره صلاته بلا جماعة قبل صلاة الإمام الجمعة رجاء ان يزول عذره فيؤدى الجمعة. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها، أن يصلى الظهر فى جماعة إذا أمن من أن ينسب إلى مخالفة الإمام والرغبة عن الصلاة معه، أو أنه يرى الإعادة إذا صلى معه، وهو قول الشافعى وإسحاق، وكرهه الحسن وأبو قلابة ومالك وأبو حنيفة، لأن زمن النبى صلى الله عليه وسلم لم يخل من معذورين، فلم ينقل أنهم صلوا جماعة. ولنا قول النبى صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (¬1). [238]. وروى عن ابن مسعود أنه فاتته الجمعة فصلى بعلقمة والأسود. (99). واحتج به أحمد وقال: ما أعجب الناس ينكرون هذا. فأما زمن النبى صلى الله عليه وسلم فلم ينقل إلينا أنه اجتمع جماعة معذرون يحتاجون إلى غقامة جماعة إذا ثبت هذا، فإنه لا يستحب صلاة الظهر جماعة فى المسجد الذى أُقيمت فيه الجمعة، لأنه يفضى إلى النسبة إلى الرغبة عن الجمعة، أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام وربما افضى إلى فتنة أو لحوق ضرر به وبغيره، وإنما يصليها فى منزله أو موضع لا تحصل هذه المفسدة بصلاتها فيه (¬2). (أما) من لزمته الجمعة ولا عذر له فى التخلف عنها، فلا يصح له صلاة الظهر قبل صلاة الإمام الجمعة- عند مالك وأحمد والشافعى فى الجديد- ويلزمه السعى إن ظن أنه يدركها، لأنها المفروضة عليه؛ فإن ادركها معه ¬

(¬1) أخرجه الشافعى والسبعة إلا ابا داود عن ابن عمر بلفظ تقدم فى بحث " الجماعة" رقم 54 ص 33 ج 3 دين. (¬2) ص 199 ج 2 مغنى.

(12) ترك الجمعة

صلاها، وإن فاتته فعليه صلاة الظهر، وإن ظن أنه لا يدركها، انتظر حتى يتيقن أن الإمام قد صلى ثم يصلى الظهر. (وقال) الحنفيون والشافعى فى القديم: من صلى الظهر يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له، تصح صلاته مع الحرمة، لتركه الفرض القطعى وهو الجمعة بلا عذر. ثم إن بدا له الرواح وخرج إليها والإمام فيها وقت خروجه بطل الظهر عند أبى حنيفة وإن لم يدركها، لأن السعى من خصائص الجمعة، فينزل منزلة الشروع فيها. (وقال) الحنفيون والشافعى فى القديم: من صلى الظهر يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له، تصح صلاته مع الرحمة، لتركه الفرض القطع 7 ى وهو الجمعة بلا عذر. ثم إن بدا له الرواح وخرج إليها والإمام فيها وقت خروجه بطل الظهر عند أبى حنيفة وإن لم يدركها، لأن السعى من خصائص الجمعة، فينزل منزلة الشروع فيها. (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا يبطل الظهر حتى يدخل فى صلاة الجمعة مع الإمام، لأن السعى دون الظهر لأنه وسيلة لغيره فلا ينقضه بعد إتمامه. (12) ترك الجمعة من وجبت عليه الجمعة وتركها لغير عذر فهو آثم إثماً كبيراً يستحق مرتكبه العذاب الأليم (لحديث) ابم مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: لقد همت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أُحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. أخرجه أحمد والطيالسى والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين (¬1). [239]. (ولحديث) أبى الجعد الضمرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاوناً من غير عذر، طبع الله على قلبه. أخرجه الشافعى والأربعة والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وحسنه الترمذى، وصححه ابن السكن (¬2). [240]. ¬

(¬1) ص 22 ج 6 الفت حالربانى، وص 42 مسند الطيالسى، وص 292 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 153 ج 1 بدائع المنن. وص 22 ج 6 الفتح الربانى. وص 194 ج 6 المنهل العذب (التشديد فى ترك الجمعة). وص 202 ج 1 مجتبى (التشديد فى التخلف عن الجمعة) وص 359 ج 1 تحفة الأحوذى (ترك الجمعة من غير عذر) وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 280 ج 1 مستدرك. وص 247 ج 3 سنن البيهقى. و (الطبع) بفتح فسكون: الختم على القلب فيكون ذا جفاء لا يصل إليه شئ من الخير. وقال العراقى: المراد بالتهاون الترك بلا عذر. وبالطبع أن يصير قلبه قلب منافق. وهذا يقتضى أن تهاوناً مفعول مطلق مبين النوع.

والأحاديث فى هذا كثيرة. وظاهرها أن من ترك ثلاث جمع تهاوناً، أى بلا عذر، يُطيع على قلبه ويكون من المنافقين، ولو كان الترك متفرقاً. وبه قال بعضهم، حتى لو ترك كل سنة جمعة لطبع على قلبه بعد الثالثة. ويحتمل أن يكون المراد ثلاث جمع متواليات. (ويؤيده): (أ) حديث جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الجمعة ثلاثاً متواليات من غير ضرورة طبع الله على قلبه. أخرجه البيهقى (¬1). [241] (ب) (وقول) ابن عباس: من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره. أخرجه ابو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). (100). واعتبار الثلاث إمهال من الله تعالى للعبد ورحمة به، لعله يتوب من ذنبه، ويثوب إلى رشده، ويؤدى الجمعة ولا يتركها بلا عذر. وأما من تخلف عن حضور الجمعة لعذر من الأعذار المبيحة للتخلف عنها وعن الجماعة، كالمطر والبرد الشديد والريح وغيرها مما تقدم فى بحث " أعذار ترك الجماعة" (¬3) فلا إثم عليه. ¬

(¬1) ص 247 ج 3 سنن البيهقى (التشديد فى ترك الجمعة). (¬2) ص 193 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن ترك الجمعة). (¬3) تقدم بص 117 ج 3 دين. وأنها أحد عشر عذراً.

(13) اجتماع العيد والجمعة

(13) اجتماع العيد والجمعة ومن الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة اجتماعها مع العيد فى يوم واحد، فيرخص لمن صلى العيد مع الإمام ترك الجمعة (لقول) إياس بن أبى رملة الشامى: شهدت معاوية بن أبى سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: اشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا فى يوم واحد؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص فى الجمعة فقال: من شاء أن يصلى فليصل. اخرجه أحمد والطيالسى والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد والأربعة إلا الترمذى (¬1). [242]. (ولحديث) ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون. أخرجه ابو داود والبيهقى وابن ماجه والحاكم. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وقال الذهبى: صحيح غريب. وأخرجه ابن ماجه أيضاً عن ابن عباس (¬2). [243]. ¬

(¬1) ص 32 ج 6 الفتح الربانى، وص 94 مسند الطيالسى، وص 317 ج 3 سنن البيهقى (اجتماع العيدين)، وص 288 ج 1 مستدرك، ص 219 ج 6 المنهل العذب (إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد) وص 235 ج 1 مجتبى (الرخصة فى التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد) وص 203 ج 1 سنن ابن ماجه (إذا اجتمع العيدان فى يوم) والمارد بالعيدين الجمعة والعيد، وسميت الجمعة عيداً لحديث ابى هريرة ان النبى صلى الله عليه وسلم قال فى جمعة من الجمع: معاشر المسلمين هذا يوم جعله الله عز وجل لكم عيداً، فاغتسلوا وعليكم بالسواك. أخرجه البيهقى (49) انظر ص 243 ج 3 سنن البيهقى (التنظيف يوم الجمعة)، ولأنها تعود فى الشهر مرات. (¬2) انظر ص 222 ج 6 المنهل العذب. وص 318 ج 3 سنن البيهقى. وص 203 ج 1 سنن ابن ماجه.

دل ما ذكر على جواز التخلف عن صلاة الجمعة إذا صادفت يوم عيد لمن صلى العيد مع الإمام، فلا يلزمه ظهر ولا جمعة. (وبه قال) عمر وعثمان وعلى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعطاء بن أبى رباح والشعبى والنخعى والأوزاعى. ورواه مطرف وابن وهب وابن الماجشون عن مالك (لما تقدم). (ولقول) عطاء بن أبى رباح: صلى بنا ابن الزبير فى يوم عيد يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة. أخرجه أبو داود بسند حسن أو صحيح على شرط مسلم (¬1). (101). (وقال) ابو عبيد مولى ابن أزهر: شهدت العيد مع عثمان رضى الله عنه، فجاء يصلى ثم انصرف فخطب فقال: إنه قد اجتمع لكم فى يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد اذنت له. أخرجه الشافعى والبخارى والبيهقى (¬2). (102). قال عثمان هذا فى جمع من الصحابة ولم ينكروا عليه فكان إجماعاً. (وقالت) الحنبلية: تسقط الجمعة عمن حضر العيد مع الإمام، لما تقدم. أما الإمام فلا تسقط عنه الجمعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنا مجمعون، ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة فى حق من تجب عليه ومن ¬

(¬1) ص 220 ج 6 المنهل العذب (إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد). (¬2) ص 178 ج 1 بدائع المنن. وص 20 ج 10 فتح البارى (ما يؤكل من لحوم الأضاحى) وص 318 ج 3 سنن البيهقى (اجتماع العيدين) و (العالية) بعين مهملة: قرية شرقى المدينة.

(14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر

يريدها ممن سقطت عنه، بخلاف غيره من الناس (ورد) بأن قوله صلى الله عليه وسلم: وإنا مجمعون، اختيار بأنه سيأخذ بالعزيمة. وأخذه بها لا يدل على أنه لا رخصة فى حقه. ولا يكفى بمجرده فى الدلالة على الوجوب (ويدل) على عدم الوجوب، وأن الترخيص عام لكل أحد (ترك) ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك (وقول) ابن عباس: أصاب السنة، وعدم الإنكار عليه من أحد الصحابة. (وقالت) الشافعية: تجب الجمعة على أهل البلد. واختلفوا فى سقوطها بالعيد عن أهل القرى الذين يسمعون نداء الجمعة. ومشهور المذهب أنها تسقط عنهم ويصلون الظهر، لقول عثمان السابق. ورُدَّ بأن إذنه رضى الله عنه لأهل العالية بالرجوع صريح فى انه لا ظهر عليهم. (والذى) تفيده الأدلة أن الجمعة إذا وافقت يوم عيد تسقط عن أهل القرى الذين يسمعون الدناء من بلد الجمعة إذا صلوا فيها العيد. وتستحب الجمعة لأهل البلد، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنا مجمعون. (14) كفارة ترك الجمعة لغير عذر يطلب ممن وجبت عليه الجمعة وتركها لغير عذر أن يصلى الظهر ويتصدق بدينار، فإن لم يجد قبنصف دينار (لحديث) سمرة بن جندب أن النبى صلى الله

عليه وسلم قال: من ترك الجمعة متعمداً فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار. اخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند جيد (¬1). [244]. (وقال) بعضهم: الأمر نا للاستحباب، لأن الجمعة لها بدل وهو الظهر. (والظاهر) أن الأمر هنا للوجوب كما هو الأصل فيه، وكون الجمعة لها بدل، لا يدل على صرفه عن الوجوب، لاحتمال أن يكون وجوب الكفارة مع صلاة الظهر عقاباً له عن تخلفه عن الجمعة بلا عذر (المقصود) من هذه الكفارة محو الذنب كله، لأن الحسنات يذهبن السيئات وإن كانت من الكبائر، خلافاً لمن قال إنها لتخفيف الذنب لا محوه كله، لأن ترك الجمعة بلا عذر من الكبائر كما تقدم، والكبيرة لا تمحى إلا بالتوبة أو عفو الله (ورد) بأن الكفارة إنما شرعت لتكفير الذنب وإن كان من الكبائر لا سيما إذا كان حقاً لله؛ فمن أداها قبلت منه وعفا الله عنه بفضله، ومن لم يؤدها استحق العقاب الوارد فى ذلك. نعم إن أدى الكفارة مستحقاً لها، مصراً على ترك الجمعة، فهذا هو الذنب الذى لا يمحى إلا بالتوبة. (وأما) القول بالاكتفاء فى كفارة ترك الجمعة بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع حنطة أو نصف صاع. أخرجه أبو داود والبيهقى مرسلا (¬2). [245]. ¬

(¬1) ص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (فيمن ترك الجمعة بغير عذر) وص 248 ج 3 سنن البيهقى. س (¬2) ص 197 ج 6 - المنهل العذب (كفارة من تركها) وص 348 ج 2 بيهقى. و(من فاتته الجمعة) أى تركها كما تقدم. وعبر هنا بالفوات حملا لحال المسلم على الصلاح، وأن شأنه ألا يتعمد ترك الجمعة بلا عذر. و (الصاع) مكيال يسع أربعة أمداد، وقد حان بالكيل المصرى، وفى المد خلاف تقدم بيانه فى بحث "مقدار ماء الغسل " ص 314 ج 1 دين.

(15) راتبة الجمعة

(فضعيف) لإرسال دليله فلا يعارض الأحاديث الصحيحة المتصلة الدالة على طلب التصدق بدينار أو نصف دينار. (15) راتبة الجمعة للجمعة راتبة بعدية وهى ركعتان أو أربع (لقول) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعد الجمعة ركعتين فى بيته، أخرجه السبعة، وهو عند البخارى عجز حديث بلفظ: وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين (¬1). [246]. (ولحديث) ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعاً. وأخرجه السبعة إلا البخارى (¬2). [247]. دل ما ذكر على أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الجمعة وأمر الأمة بصلاة أربع. ولا تعارض بينهما، لما تقرر فى الأصول من أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة. فالمشروع فى حق الأمة أربع ركعات بعد الجمعة. ويجوز الاختصار على ركعتين اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 114 ج 6 الفتح الربانى. وص 170 ج 6 نووى مسلم (الصلاة بعد الجمعة) وص 302 ج 6 المنهل العذب (الصلاة بعد الجمعة) وص 210 ج 1 مجتبى ابن ماجه. وص 290 ج 2 فتح البارى. (¬2) ص 115 ج 6 الفتح الربانى. وص 169 ج 6 نووى مسلم. وص 302 ج 6 المنهل العذب. وص 371 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 210 ج 1 مجتبى. وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه.

(ولأمر) فى هذه الأحاديث للاستحباب لا للوجوب (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [248]. نبه بقوله: " من كان منكم مصلياً " على أنها سنة ليست بواجبة. وذكر الأربع لفضلها. وفعل الركعتين فى أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان. وحكمة أمره صلى الله عليه وسلم بصلاة أربع بعد الجمعة لئلا يخطر على بال جاهل أنه صلى ركعتين لتكملة الجمعة، أو يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهراً. (وقالت) الحنبلية: أقل السنة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست. (لما روى) عطاء عن ابن عمر أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعاً، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل فى المسجد. فقيل له. فقال: كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، أخرجه أبو داود (¬2). [249]. وقوله: " كان يفعل ذلك " أى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعد الجمعة ستاً بمكة فى المسجد وركعتين فى بيته بالمدينة، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم الجمعة بمكة عام الفتح فإنه لم يصلها بمكة قبله. (وقال) الترمذى: وروى عن علىّ بن أبى طالب أنه أن يصلى بعد الجمعة ركعتين ثم أربعاً. أ. هـ. وأخرجه أحمد بن الحسن البغدادى. وزاد: جعل التسليم فى آخرهن (¬3). (103). ¬

(¬1) انظر ص 169 ج 6 نووى مسلم. وص 202 ج 6 المنهل العذب. وص 271 ج 1 تحفة الأحوذى (الصلاة قبل الجمعة وبعدها). (¬2) انظر ص 301 ج 6 المنهل العذب (الصلاة بعد الجمعة). (¬3) انظر ص 371 ج 1 تحفة الأحوذى.

(تنبيه) دلت الأحاديث السابقة على جواز صلاة سنة الجمعة البعدية فى المسجد وفى البيت وهو الأفضل، لأحاديث الترغيب فى النافلة فى البيوت، وقد تقدم بعضها فى بحث " مكان التطوع" (¬1) ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الركعتين بعد الجمعة فى المسجد، خشية أن يظن أن هاتين الركعتين هما اللتان تركتا من الجمعة (وإن صلاها) فى المسجد فيسن تأديتها فى غير مكان الفرض، لما تقدم فى حبث (كراهة التنفل فى مكان الفرض) (¬2). وأما سنة الجمعة القبلية فلم تثبت من طريق صحيح، بل الثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس يوم الجمعة خرج من حجرته ودخل المسجد وسلم وصعد المنبر واذن المؤذن خارج المسجد، فإذا انتهى المؤذن شرع النبى صلى الله عليه وسلم فى الخطبة من غير فصل، ولذا قال أكثر العلماء ومنهم المالكية والحنبلية وكثير من الشافعية: ليس للجمعة سنة قبلية. (وقال) الحنفيون وبعض الشافعية: يسن أربع ركعات قبل الجمعة، وهو قول لأحمد (لقول) نافع: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلى بعدها ركعتين فى بيته، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. اخرجه ابو داود (¬3). [250]. (ولما تقدم) عن عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: بين كل اذانين صلاة. بين كل أذانين صلاة. ثم قال فى الثالثة: لمن شاء. أخرجه السبعة، وقال الترمذى: حسن صحيح (¬4). [251]. (ولقول) ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قبل الجمعة أربعاً لا يفصل فى شئ منهن. اخرجه ابن ماجه بسند واه (¬5). [252]. ¬

(¬1) تقدم ص 309 ج 2 دين. (¬2) تقدم بص 360 منه. (¬3) ص 295 ج 6 المنهل العذب (الصلاة بعد الجمعة). (¬4) تقدم رقم 440 ص 307 ج 2 دين (راتبة العشاء). (¬5) ص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة قبل الجمعة).

(ولما) روى أن عبد الله بن مسعود كان يصلى قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً. اخرجه الترمذى (¬1) (104)، ولقياس الجمعة على الظهر. (وأجاب) الجمهور: (أولا) أن قول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. أى كان يطيل الصلاة قبل الجمعة قبل الزوال لا بعده (لما تقدم) من أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يصلى بعد الزوال وقبل الخطبة شيئاً، ولقول ابن المنذر: روينا أن ابن عمر كان يصلى قبل الجمعة اثنتى عشرة ركعة. (105). وعن ابن عباس أنه كان يصلى ثمان ركعات. (106). ولم يقل أحد إن سنة الجمعة القبلية اثنتا عشرة ركعة، أو ثمان. فتعين أن المراد بقوله: كان يطيل الصلاة. أنه كان يطيلها قبل الزوال. ويحتمل أن اسم الاشارة فى قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، عائد إلى صلاة الركعتين بعد الجمعة فى بيته فقط (فقد) روى الليث عن نافع أن ابن عمر كان إذا انصرف من الجمعة إلى منزله فسجد سجدتين، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. اخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا أبا داود (¬2). [253]. (وثانياً) بأن (حديث) بين كل أذانين صلاة. ونحوه (من العام) المخصوص بغير الجمعة، لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلّ بين اذانها وإقامتها. (وثالثاً) بأن (حديث) ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل ¬

(¬1) انظر ص 371 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 114 ج 6 الفتح الربانى. وص 169 ج 6 - روى مسلم. وص 210 ج 1 مجتبى. وص 371 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه.

الجمعة أربعاً، فى سنده: (أ) بقية ابن الوليد مدلس. (ب) مبشر بن عبيد كذاب منكر الحديث. (حـ) حجلج بن أرطاة مدلس. (د) عطية العوفى متفق على ضعفه. فلا يصح الاحتجاج بحديثهم. ولذا قال النووى فى الخلاصة: إنه حديث باطل، وعلى فرض صحته فيحمل على ما قبل الزوال. (ورابعاً) بأن اثر ابن مسعود يحمل على النفل المطلق قبل دخول وقت الجمعة. (وخامساً) بأن قياس الجمعة على الظهر قياس فى مقابلة النص، فلا يعول عليه، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة ولم يصلّ قبلها راتبة. فكان تركها سنة وفعلها بدعة (ولا يقال) لعله صلى الله عليه وسلم صلاها فى بيته بعد زوال الشمس ثم خرج (لأنا نقول) لو كان كذلك لنقله أزواجه صلى الله عليه وسلم إلينا، كما نقلن سائر صلواته فى بيته ليلا ونهاراً. وحيث لم ينقل أنه صلى راتبة قبلية للجمعة، دل على أنها غير مشروعة. (قال) الإمام أبو شامة الشافعى: جرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإمام. وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة. وإنما المنكر اعتقاد العامة ومعظم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها، كما يصلون السنة قبل الظهر، يصرحون فى نيتهم بأنها سنة الجمعة. وكل ذلك بمعزل عن التحقيق. والجمعة لا سنة لها قبلها؛ لأن المراد من قولنا الصلاة المسنونة أنها منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا. والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شئ عن النبى صلى الله عليه وسلم يدل على أنها سنة، ولا يجوز القياس فى شرعية الصلوات (¬1). ثم الدليل على صحة ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ¬

(¬1) ص 83 - الباعث على إنكار البدع والحوادث.

يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ثم يؤذن المؤذن. فغذا فرغ اخذ النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته. ولو كان للجمعة سنة قبلها، لأمرهم بعد الذان بصلاة السنة وفعلها هو صلى الله عليه وسلم، ولم يكن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم غير هذا الأذان، وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن (¬1). ثم قال: وذكر صاحب شرح السنة رواية غير معروفة قال: وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليهوسلم قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين. [254]. (قلت) هذا غير محفوظ، وإنما هو قبل الظهر، فوهم منقال قبل الجمعة. والذى فى الصحيحين عن ابم عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد الجمعة ركعتين (¬2) ولم يزد على ذلك. (فإن قلت) ففى سنن أبى داود بالسند إلى نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلى بعدها ركعتين فى بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (¬3). (قلت) اراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى الركعتين بعد الجمعة فى بيته ولا يصليهما فى المسجد، وذلك هو المستحب. وأرشد إلى هذا التأويل ما تقدم من الأدلة على أنه لا سنة للجمعة قبلها. وأما غطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فقد سبق الكلام عليه. وأن ذلك منه ومن أمثاله تطوع من عند أنفسهم، لأنهم كانوا يبكرون إلى حضور الجمعة فيشتغلون بالصلاة (¬4) وذكر الحافظ حديث ابن عمر (وقال) احتج به النووى على إثبات سنة الجمعة قبلها. وتعقب بأن قوله: وكان يفعل ذلك، عائداً على قوله: ويصلى ¬

(¬1) انظر ص 85 - الباعث. (¬2) تقدم رقم 246 ص 297 (راتبة). (¬3) تقدم رقم 250 ص 299. (¬4) انظر ص 87 - الباعث.

بعد الجمعة ركعتين فى بيته. ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن ابن عمر انه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين فى بيته، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. أخرجه مسلم (¬1). وأما قوله: كان يطيل الصلاة قبل الجمعة. فإن كان المراد بعد دخول الوقت، فلا يصح أن يكون مرفوعاً، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة. وإن كان المراد قبل دخول الوقت، فذلك نافلة لا صلاة راتبة، فلا حجة فيه لسنة الجمعة التى قبلها، بل هو تنفل مطلق، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم (¬2). (وقد سئل) شيخ الإسلام تقى الدين عن الصلاة بعد الأذان الأول يوم الجمعة (فأجاب) بقوله: أما النبى صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن يصلى قبل الجمعة بعد الأذان شيئاً، ولا نقل هذا عنه أحد، فإن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا غذا قعد على المنب، ويؤذن بلال، ثم يخطب النبى صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلال، فيصلى صلى الله عليه وسلم بالناس. فما كان يمكن أن يصلى بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه صلى الله عليه وسلم. ولا نقل عنه أحد أنه صلى فى بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقّت بقوله صلاة مقدّرة قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب فى الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت، كقوله: من بكر وابتكر ومشى ولم يركب وصلى ما كتب له (¬3)، وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر. فمنهم من يصلى عشر ركعات. ومنهم من يصلى اثنتى عشرة ركعة. ومنهم من يصلى ثمانى ركعات. ¬

(¬1) تقدم عند مسلم وغيره رقم 253 ص 300 (راتبة الجمعة). (¬2) ص 291 ج 2 فتح البارى الشرح (الصلاة بعد الجمعة). (¬3) هذا بعض حديث تقدم رقم 143 ص 137 (التبكير إلى صلاة الجمعة) وليس به: وصلى ما كتب له.

ومنهم من يصلى أقل من ذلك. ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبى صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يبين فى ذلك شيئاً لا بقوله ولا فعله (وهذا) مذهب مالك والشافعى وأكثر أصحابه، وهو المشهور من مذهب أحمد. (وذهب) طائفة من العلماء إلى أن قبلها سنة. منهم من جعلها ركعتين كما قاله طائفة من أصحاب الشافعى وأحمد. ومنهم من جعلها أربعاً كأبى حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد. وهؤلاء منهم من يحتج بحديث ضعيف. ومنهم من يقول هى ظهر مقصورة، وتكون سنة الظهر سنتها. وهذا خطأ من وجهين: (أحدهما) أن الجمعة مخصوصة بأحكام تفارق بها ظهر كل يوم باتفاق المسلمين، فإن الجمعة يشترط لها الوقت فلا تقضى والظهر تقضى، والجمعة يشترط لها العدد، والاستيطان، والإمام، وغير ذلك، والظهر لا يشترط لها شئ من ذلك. فلا يجوز أن تتلقى أحكام الجمعة من أحكام الظهر مع اختصاص الجمعة بأحكام تفارق بها الظهر، فإنه إذا كانت الظهر تشارك الجمعة فى حكم وتفارقها فى حكم، لم يمكن إلحاق مورد النزاع بأحدهما إلا بدليل، فليس جعل السنة من موارد الاشتراك بأولى من جعلها من موارد الافتراق. (الوجه) الثانى: أن يقال هب أنها ظهر مقصورة، فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى فى سفره سنة للظهر المقصورة لا قبلها ولا بعدها، وإنما كحان يصليها إذا أتم الظهر فصلى أربعاً، فإذا كانت سنته التى قبلها فى الظهر المقصورة خلاف التامة، كان ما ذكروه حجة عليهم لا لهم، وكان السبب المقتضى لحذف بعض الفريضة أولى بحذف السنة الراتبة كما قال بعض الصحابة: لو كنت متطوعاً لأتممت الفريضة (¬1) فإنه لو استحب للمسافر أن ¬

(¬1) هو عبد الله بن عمر، فقد قال فى حديث طويل تقدم رقم 70 ص 70: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتى.

(16) بدع الجمعة

يصلى أربعاً لكانت صلاته للظهر أربعاً أولى من أن يصلى ركعتين فرضاً وركعتين سنة (¬1). (والنصوص) فى ذلك كثيرة، صريحة فى أن الحق أن الجمعة لا سنة لها قبيلية وليس بعد الحق إلا الضلال. نسأله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى معرفة الدين، وأن يوفقنا للعمل به مخلصين له الدين. (16) بدع الجمعة تقدم أن يوم الجمعة أفضل ايام الأسبوع، وله مزايا وفضائل ليست لغيره، فكان ينبغى أن يحترم ولا يرتكب فيه ولا فى صلاته ما لا يرضاه عقل ولا يقره نقل، ولكن وللأسف قد ارتكب فيه المسلمون بدعاً ومخالفات كثيرة. (منها) ما تقدم، كرفع الصوت بقراءة سورة الكهف فى المسجد، والتذكير المعروف بالأولى والثانية، والأذان داخل المسجد، وحديث الدنيا فيه، وعلو المنبر، وفرشه بسجاد ونحوه، ووضع العلمين بجانيه والستارة على بابه، ودق درجه حال صعود الخطيب، ورفع الصوت بالدعاء وغيره حال الخطبة، وتخطى الرقاب، والجهر بالنية، والتبليغ عند عدم الحاجة. (ومنها) إفراد يومها بصيام وليلتها بقيام (لما يأتى) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون فى صوم يصومه أحدكم. اخرجه مسلم والبيهقى (¬2). [255]. (والمراد) بالقيام كل طاعة يتحقق بها إحياء الليل. وحكمة النهى عن ذلك ¬

(¬1) ص 136 ج 1 فتاوى ابن تيمية (مسألة 126). (¬2) يأتى رقم 79 ص 307 ج 8 (صوم يوم الجمعة).

أنه يقلل مننشاط الإنسان لليام بوظائف الجمعة من الغسل والتبكير وغيرهما مما تقدم بيانه فى " فصل ما يطلب ليلة الجمعة ويومها " (¬1) ولأن الجمعة عيد الأسبوع، والعيد لا يصام مخالفة لليهود، فإنهم يفردون عيدهم بالصوم، فنهينا عن التشبيه بهم فى ذلك، وأذن لنا فى صيامه إذا وصل بصيام قبله أو بعده، والله الموافق. (ومنها) الدكة يصعد عليها المؤذنون والمبلغون وقارئ سورة الكهف يوم الجمعة. أما الأذان ورفع الصوت بقراءة السورة، فقد علمت أنهما يمنعان داخل المسجد، فلا تضع لهما دكة فيه، لما فيه من شغل موضع من المسجد وهو وقف على المصلين (ومن ذلك) وضع كرسى فى المسجد للتشويش بالقراءة عليه كما تقدم فى " بدع المساجد". (ومنها) الترقية بعد أذان الجمعة أمام المنبر، وهى قراءة " إن الله وملائكته يصلون على النبى" وما تقدم من قوله صلى اللهعليه وسلم: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت (¬2). (قال) العلامة ابن نجيم: اعلم أن ما تعورف من أن المرقى للخطيب يقرأ الحديث النبوى، وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء، ويدعون للصحابة بالرضا، وللسلطان بالنصر، إلى غير ذلك، فكله حرام على مقتضى مذهب ابى حنيفة رحمه الله، وأغرب منه أن المرقى ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى الحديث الذى يقرؤه ثم يقول: أنصتوا رحمكم الله (¬3). (وقال) العلامة ابن عابدين فى " منحة الخالق على البحر الرائق ": نقل الخير الرملى عن الرملى الشافعى أن والده افتى بأنه ليس له اصل فى السنة وأنه لم يفعل بين يديه صلى الله عليه وسلم، بل كان يمهل حتى يجتمع الناس، ¬

(¬1) تقدم ص 126. (¬2) تقدم رقم 26 ص 30 (هل تقضى الفائتة فى وقت النهى)؟ (¬3) انظر ص 156 ج 2 البحر الرائق (وإذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام).

فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير شاويش يصيح بين يديه، وكذلك الخلفاء الثلاثة بعده (¬1). (وقال) العلامة الشيخ على العدوى فى حاشيته على الخرشى: ومن البدع المكروهة التى ابتدعها أهل الشام وهم بنو أمية، الترقية (وما) يقوله المرقى من صلوا عليه، وآمين، ورضى الله عنهم (فهو) مروه وكذا قوله الحديث عند فراغ المؤذن قبل الخطبة، إنما تبعوا فى ذلك أهل الشام، وخالفوا أهل المدينة من عدم فعلهم ذلك، وهو من أعجب العجاب (¬2). (وما قيل) من أنها بدعة حسنة، لأن فى قراءة الاية ترغيباً فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وفى قراءة الحديث تبسيطاً لاجتناب الكلام، ولتوافر الأمة وتظاهرها عليه (رده) العلامة ابن عابدين بان كون ذلك متعارفاً لا يقتضى جوازه عند الإمام القائل بحرمة الكلام ولو أمراً بمعروف أو رد سلام استدلالا بما مر. ولا عبرة بالعرف الحادث غذا خالف النص، لأن التعارف إنما يصلح دليلا على الحل إذا كان عاماً من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به. وقياس خطبة الجمعة على خطبة منى، قياس مع الفارق، فإن الناس فى يوم الجمعة قاعدون فى المسجد ينتظرون خروج الخطيب متهيئون لسماعة بخلاف خطبة منى (¬3). ¬

(¬1) انظر هامش ص 156 ج 2 البحر الرائق. (¬2) ص 103 ج 2 حاشية العدوى هامش شرح الخرشى على مختصر خليل. (¬3) (ص 606 ج 1 رد المحتار 0 حكم المرقى بين يدى الخطيب) وهو يرد بذلك قول ابن حجر الهيثمى فى التحفة. يستدل لذلك أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى فى حجة الوداع، فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بالاسنصات. وهذا هو شأن المرقى، فلم يدخل ذكره للخير فى حيز البدعة أصلا. أهـ. ص 460 ج 1 تحفة المحتاج لشرح المنهاج (اتخاذ مرق للخطيب).

(وقد) سئل الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتى مصر بإفادة من مديرية المنوفية فى 24 مايو سنة 1904 نمرة 765 عن مسائل: (منها) ما اشتهر من الترقية قبل الخطبة مع مراعاة فى الآداب فى الإقلاء، وحديث إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب ... إلخ (ومنها) ما يحصل من الأذان قب الوقت يوم الجمعة بما يشتمل على استغاثات وصلوات علىالنبى صلى الله عليه وسلم لتنبيه الفلاحين الموجودين بالغطيان الغافلين عن مكان الجمعة (ومنها) الأذان داخل المسجد بين يدى الخطيب (ومنها) الذكر جهراً أمام الجنازة بكيفية معتدلة خالية عن التلحين ... هل ذلك كله جار على السنن القويم، أو فيه إخلال بالدين؟ (فأجاب) بقوله: إن كل عبادة لم يرد بها نص عنالنبى صلى الله عليه وسلم، ولم تأت فى عمله صلى الله عليهوسلم، ولا فى عمل اصحابه اقتداء به، وإن لم نعرف وجه الاقتداء فهى بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار، فهى ممقوتة للشارع يجب منعها. (وهذه) الأمور صور عبادات محدثة لم تكن على عهد النبى صلى اللهعليه وسلم، ولا أصحابه ولا التابعين ولا تابعيهم، ولا يعرف بالتحقيق من أحدثها. (وما ينقل) عن بعض العلماء فى الترقية مثلا من أنها بدعة مستحسنة (لا يصح) التعويل عليه، لأنه لم يفرق بين ما يستحدث فى العادات كالأكل والشرب واللباس والمسكن وما يستحدث فى العبادات. فكل ما يحدث منالنوع الأول مما لا ضرر فيه بالدين ولا بالبدن، وكان مما يخفف مشقة أو يدفع اذى أو يفيد منفعة، فهو مستحسن ولا مانع منه إذا لم يكن ممنوعاً بالنص، كاستعمال الذهب والفضة والحرير للرجال، ونحو ذلك. (وأما) ما يحدث من القسم الثانى، أعنى قسم العبادات، فالحديث فيه على عمومه، أعنى كل ما حدث منه بدعة، والبدعة ضلالة، والضلالة فى النار بلا شبهة.

ونقل عن ابن نجيم ما تقدم عنه فى الترقية (وقال) وما قاله بعضهم من حمل الرتقية على الكلام بأخروى عند محمد (لا يصح) الالتفات إليه، لأن الترقية عمل وقت بوقت مخصوص يؤدى على نحو مخصوص. فهو ليس من قبيل الكلام الذى يعرض لقائله فى أمر بمعروف أو نهى عن منكر، أو ذكر الله، خصوصاً والترقية على حالها المعهودة فى القرى والمدن، لا يقول أحد من الأئمة بجوازها، لما فيها من التلحين والتغنى، ولو زعم السائلون أنه لا يلحن فيها، لأنها لم تخترع إلا للتلحين؛ فإذا ذهب منها لم تعد تسمى ترقية ولم تبق لهم بها حاجة؛ فالصواب منعها على كل حال؛ لأنها بدعة. (أما) الذكر جهراً أمام الجنازة ففى الفتح والأنقروية من باب الجنائز: يكره للماشى أمام الجنازة رفع الصوت بالذكر، فإن أراد أن يذكر الله فليذكره فى نفسه. (وعلى ذلك) فجميع الشياء التى سألتم عنها مما يلزم منعه ولا يصح الإبقاء عليه، لأن جميعه من مخترعات العام ولا يتمسك به إلا جهالهم، وليس من الجائز أن يؤخذ فى الدين بشئ لم تتقدم فيه اسوة حسنة معروفة، ولا سنة مقررة منقولة. وكيف يجوز اتباع مخترعين مجهولين لا يمكن الثقة بهم فى غير عبادة الله، فضلا عن شئ فى دين الله. والله أعلم (¬1). (ومنها) رفع الصوت بالصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) صورة بعض فتوى منقولة عن مضبطة دار إفتاء الديار المصرية رقم 31 جزء ثالث، بتاريخ 22 ربيع الأول سنة 1322 هـ. " وتقدم" تمامها: (أ) ... حكم الجهر بالصلاة والسلام عقب الأذان، ص 90 ج 2 دين: (ب) ... حكم الجهر بقراءة الكهف فى المسجد، ص 128 ج 4.

وبالترضى عن الصحابة، والتأمين حال الخطبة، وبالدعاء بين الخطبتين، وقول جهلة الأئمة حينئذ: ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة (¬1). [256]. وقولهم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له (¬2). [257]. والدعاء للسلطان عند دعاء الخطيب له. (قال) المرحوم الشيخ محمد سعيد الحنفى: وما نراه اليوم من ترقية وصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وترديد اذان، ورفع صوت بالدعاء بين الخطبتين، وترض عن الصحابة، ودعاء للسلطان من المرقى: كل هذا من محدثات الأمور، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، ولأنه يخل بالسماع المطلوب (¬3). (وقال) العلامة الدرديرى فى شرح أقرب المسالك: ومن البدع المحرمة ما يقع بدكة المبلغين بالقطر المصرى من الصريخ على صورة الغناء والترنم، ولا ينكر عليهم أحد من أهل العلم ز ومن البدع المذمومة أن يقول الخطيب الجهول فى آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. ثم يجلس فتسمع من الجالسين ضجة عظيمة يستمرون فيها حتى يكاد الإمام أن يختم ¬

(¬1) هو مصدر حديث. وتمامه: واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. أخرجه الترمذى والحاكم عن أبى هريرة: انظر رقم 316 ص 228 ج 1 فيض القدير. تفرد به صالح المزى وهو ضعيف تركه أبو داود والنسائى. وقال البخارى: منكر الحديث. (¬2) أخرجه ابن ماجه من طريق أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. انظر رقم 2358 ص 276 ج 3 فيض القدير. وهو حديث ضعيف. فقد رواه ابن أبى سعيد عن يحيى بن خالد، وهما مجهولان. وعزاه المنذرى لابن ماجه والطبرانى وقال: رواه الطبرانى رواه الصحيح، لكن أبو عبيدة لم يسمع منأبيه وحسنه ابن حجر باعتبار شواهده. (¬3) ص 129 - أحسن الغايات (آخر صلاة الجمعة).

الثانية، وعلى دكة التبليغ جماعة يرفعون أصواتهم جداً بقولهم: آمين آمين يا مجيب السائلين، إلى آخر كلام طويل، وهكذا. فإنا لله وإنا إليه راجعون (¬1). (وكتب) عليه العلامة الصاوى ما نصه: (قوله الخطيب الجهول) صيغة مبالغة، لأن جهله مركب لزعمه أنه يأمر بالمعروف، وهو يأمر بالمنكر، لأن اصل قراءة الحديث لم يكن مأموراً بها فى الخطبة أصلا، فهو منالبدع كما تقدم. والإنصات ولو بين الخطبتين واجب. ورفع الأصوات الكثيرة ولو بالذكر حرام. فهذا الخهطيب ضل فى نفسه وأضل غيره (¬2). (وقد سئل) الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية عن الترقية والدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان عند دعاء الخطيب. (فأجاب) بقوله: صرحوا بكراهة ما يفعله المؤذن (وهو المعروف بالترقية) من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند صعود الخطيب، وما يفعله من الدعاء حال جلسته، والدعاء للسلطان بالنصر ونحو ذلك بأصوات مرتفعة، وصرحوا بأن الإمام يجهر وجوباً بحسب الجماعة، فإن زاد عليه أساء. وقال الزاهدى: لو زاد على الحاجة فهو أفضل. وصرح فى الفتح عن الخلاصة بأنه إذا كان رجل يكتب الفقه وبجانبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب استماع القرآن، فلإثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم. أهـ. لأن ذلك يكون سبباً لإعراضهم عن استماعه، أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم. وقالوا: إنه يجب على القارئ احترام القرآن بألا يقرأ فى الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأه فيها كان هو المضيع لحرمته، فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال، دفعاً للحرج (¬3). ¬

(¬1) ص 155 ج 1 صغير الدردير وحاشية الصاوى عليه. (¬2) انظر ص 155 ج 1 صغير الدردير وحاشية الصاوى عليه. (¬3) هذا بعض فتوى صادرة من المفتى بتاريخ 2 رجب سنة 1319 هـ مسجلة بسجل رقم 2 نمرة 380 مسلسلة: وتقدم تمامها: (أ) ... حكم الجهر بقراءة الكهف فى المسجد. (ب) ... حكم التبليغ خلف الإمام بهامش ص 262 ج 2 دين (وقال) العلامة القاسمى فى كتاب إصلاح المساجد: من المقرر أن الخطيب إذا ارتقى المنبر فلا تبتدأ صلاة ولا يجهر بدعاء تأهباً لسماع الخطبة وإجلالا للمقام وتخشعاً لهذه العبادة الأسبوعية. وقد اتفق الفقهاء على الحظر من الجهر بالذكر أو الاستغفار أو الدعاء أو النداء فى تلك الحالة استدلالا بما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت "50" (تقدم رقم 26 ص 30) فاثبت له اللغو بذلك مع أنه ينهى عنمنكر، فكيف بمن لا يكون قوله كذلك؟ لا جرم أنه اشد منه لغواً وإثماً. إذا تحقق ذلك تبين أن ما يقوله بعض المؤذنين يوم الجمعة بين يدى الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى غفر الله لك ولوالديك ولنا ولوالدينا والحاضرين .. إلخ، منكر يلزم إنكاره، لأنه ذكر غير مشروع فى وقت هو وقت الصمت أو التفكر القلبى للاتعاظ. فتفريق جمعية قلوب الحاضرين برفع الصوت بذلك والجراءة على الجهر به فى هذا الموضع الرهيب، لا يختلف فقيه فى نكارته، فلذلك يلزم للخطيب ومن قدر على إزالته أن ينهى عنه أسوة بكل منكر. أ. هـ.

(ومن البدع) جلوس من دخل المسجد حال الخطبة الأولى، وإذا شرع الخطيب فى الثانية قام وصلى التحية، فإنه جهل ومخالف لما تقدم عن جابر ابن عبد الله قال: جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال به: يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما، ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما. أخرجه مسلم (¬1). [258]. (ومنها) تمسح بعض العوام بالخطيب بعد نزوله منالمنبر، فإنه لا يشرع التمسح إلا بالحجر الأسود فى الكعبة، والتمسح بغيره بدعة. (ومن البدع) المنكرة كتب بعض الناس أوراقاً يسمونها حفائظ فى آخر جمعة منرمضان حال الخطبة، لما فيه من الاشتغال عن استماعها والاتعاظ بها، ولما فيه من التهويش على الخطيب وغيره، وهذا ممنوع شرعاً وقد يكتب فيها ¬

(¬1) تقدم رقم 335 ص 234 ج 3 دين (تحية المسجد).

ما لا يعرف معناه كعسبلوان، وقد يكون دالا على ما ليس صحيح ولا مشروع ولم ينقل ذلك عن أحد منأهل العلم. أفاده فى كشاف القناع (¬1). (ومن) أفظع المنكرات قيام الحرس- حال صلاة الأمير أو السلطان أو الرئيس أو الملك الجمعة- حاملى السلاح يحرسونه ولا يصلون مع المصلين، كأنهم ما خلقوا إلا لحراسة عبد من العبيد، وما كلفوا بطاعة الرب المجيد، ولم يسمعوا قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لأحد فى معصية الله، إنما الطاعة فى المعروف. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن على رضى الله عنه (¬2). [259]. فليتق الملوك والرؤساء ربهم فى رعيتهم، وليقفوا بهم عند حدود الواحد المعبود، لينجو يوم العرض على العزيز الجبار، يوم ينادى المنادى: لمن الملك اليوم؟ فيقال: لله الواحد القهار (¬3). ¬

(¬1) ص 357 ج 1 كشاف القناع. (¬2) انظر رقم 9902 ص 432 ج 6 فيض القدير. (¬3) وفى عهد الملكالسابق (فاروق) أبطلت هذه البدعة المنكرة التى ترتب عليها ترك بعض المصلين لصلاة الجمعة التى فرضها الله عليهم. (وقد) أبان فضل ذلك حضرة الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد الجليل عيسى ناصر عميد كلية اللغة العربية السابق فى كلمة بليغة نشرت فى الأهرام يوم السبت 24 منذى القعدة 1355 هـ. تحت عنوان: إحياء السنن الدينية قالك لو يعلم الناس ما فى هذا الصنيع الحسن لشكروا الله تعالى إذ فيه القضاء على بدع أحدثتها المماليك فأخذت تنخر فى عظام الدين من أمد بعيد، وبه صار جميع الحرس فى المسجد عند أمر الله لا عند أمرغيره: فإن المساجد لله وحده فيصلون مع المصلين، ويعبدون مع العابدين، ويتضرعون مع المتضرعين، إن هذا لهو الفوز العظيم، ولمثل هذا فليعمل العاملون. وكم كان جميلا رهيباً أن يسمع الناس اذان الجمعة خالصاً مما كان يشوبه من التغنى والتمطيط الذى جعله بالموسيقى أشبه منه بالأذان، فأصبح خالصاً لله تتجلجل فيه عظمة الله، فتبعث فى النفوس الخشية منه تعالى. فيقبل العبد على الصلاة ممتلثاً رهبة وخشوعاً لتنجح صلاته ويفلح فى عبادته (قد أفلح المؤمنو الذين هم فى صلاتهم خاشعون).

(ومن) (البدع): اعتياد المصافحة بعد الجمعة وسائر الصلوات، فإنه لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ولا السلف الصالح، ولو كان خيراً ما تركوه. (قال) العلامة الحاج رجب الحنفى: واعلم أم ما يفعله اللناس فى هذا الزمان من المصافحة بعد أداء الصلوات والجمعة والعيدين، بدعة مكروهة، لأنها مافعلها الصحابة ولا التابعون. قال النووى فى شرح مسلم: مصافحة الناس بعد العصر والفجر لا أصل لها (¬1). وقال ابن الحاج فى المدخل: وينبغى له- أى لإمام المسجد- أن يمنع ماأحدثوه منالمصافقحة بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، وبعد صلاة الجمعة، بل زاد بعضهم فى هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس، وذلك كله منالبدع. والمصافحة فى الشرع إنما تكون عند لقاء المسلم لأخيه، لا فى أدبار الصلواتنفينهى عن ذلك ويزجر صاحبه لما أتى من خلاف السنة (¬2). (ومنها) قول بعض العوام بعد الجمعة: الفاتحة لأن هاشم، أو لسيدنا الحسين، أو لشيخ العرب السيد البدوى، أو الولى العلانى، أو الفاتحة على هذه النية. ¬

(¬1) ص 86 ج 1 الوسيلة الأحمدية هامش بريقة محمودية (بيان البدع). (¬2) انظر ص 84 ج 2 مدخل (المصافحة عفب الصلوات).

(الثامن) صلاة العيدين

(ومنها) قراءة سورة الإخلاص ألف مرة يومالجمعة، فإنه لا دليل عليه (وأما حديث) من قرأ قل هو الله أحد ألفمرة، فقد اشترى نفسه من الله (فقد) أخرجه الخيارى فىفوائد عن حذيفة (¬1). [260]. وفى سنده مجاشع الكذاب وحجاج بن ميمون البصرى منكر الحديث. فلا يعول عليه ولا يعمل به. (وقد) تقدم بيان ما ورد من طريق ثابت فيما يُقرأ يومها وليلتها وبعدها (ومن) خرافات العامة: اعتقاد بعضهم أن فى يوم الجمعة ساعة نحس (شؤم) واعتقاد بعضهم تحريم الخياطة يوم الجمعة أو يوم عرفة ومنعهم إعارة الإبرة والمنخل ليلا. (ومنها) إدخال طفل من باب المسجد وإخراجه من نافذة أخرى سبع مرات وقت آذان الجمعة بزعم أن ذلك يبرئه من مرضه. (ومنها) ربط الطفل المقعد بقيد فى رجليه ووضع بعض المأكولات فى حجره وإجلاسه على باب المسجد، ويفك قيده ويأخذ ما فى حجره أول خارج من المسجد، ويعتقدون أن ذلك يفك إقعاده. (وعلى) الجملة فالبدع الواقعة فى يوم الجمعة وسكت عن إنكارها العلماء كثيرة. والميزان الذى يعرف به الغث من السمين هو الوارد عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. (الثامن) صلاة العيدين العيدان تثنية عيد مشتق من العود، سمى به يوم الفطر والأضحى لعود السرور بعودهما، أو لكثرة عوائد الله تعالى فيهما على عباده. ومنها غفر الذنوب. ¬

(¬1) رقم 8962 ص 203 ج 6 فيض القدير.

(1) مشروعية صلاة العيد

(قال) أوس الأنصارى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم وأُمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعمتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة. أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفى سنده جابر الجعفى وثقه الثورى، وروى عنه هو وشعبة. وضعفه غيرهما وهو متروك (¬1). [261]. هذا. ويوم النحر أفضل ايام السنة بعد يوم عرفة (لحديث) عبد الله ابن قرط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم النفر. اخرجه ابو داود (¬2). [262]. والكلام هنا ينحصر فى عشرين فصلا: (1) مشروعية صلاة العيد شرعت صلاة العيد فى السنة الأولى منالهجرة (قال) أنس بن مالك: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فى الجاهلية، فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم (¬3). [263]. ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 2 مجمع الزوائد (فضل يوم العيد). (¬2) ص 114 ج 3 تيسير الوصول (فضل العيد). و (يوم النفر) يوم 12 من ذى الحجة. (¬3) ص 118 ج 6 الفتح الربانى. وص 305 ج 6 - المنهل العذب (صلاة العيدين) وص 231 ج 1 مجتبى. وص 277 ج 3 سنن البيهقى. وص 294 ج 1 مستدرك. و(يومان) هما يوم النيروز والمهرجان. والأول يوم الاعتدال الربيعى وهو يوم 22 من مارس من الأشهر الإفرنجية الموافق 13 برمهات من الأشهر القبطية، والمهرجان يوم الاعتدال الخريفى وهو يوم 22 من سبتمبر، الموافق 12 توت. وهما يومان يعتدل فيهما الهواء ويستوى فيهما الليل والنهار، و (خيراً منهما) أى أنه تعالى أبطل ما كان يعمل فى هذين اليومين من أعمال الجاهلية، وجعل للمسلمين يومى عيد وسرور غيرهما يعقبان أداء ركنين من أركان الإسلام هما الصيام والحج وفيهما يغفر الله للصائمين والحجاج وينشر رحمته على عباده الطائعين. هذا وفى الحديث التنفير من التشبه بالمشركين فى أعيادهم وتعظيمها. ولذا قال ابو حفص الكبير الحنفى: من أهدى فى النيروز بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم، فقد كفر بالله تعالى، وأحبط عمله. وسيأتى بيانه وافياً فى بحث " المواسم الأجنبية " إن شاء الله تعالى.

ويروى أن أول عيد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الفطر فى السنة الثانية من الهجرة. قاله الرافعى (¬1). قال الحافظ: هذا لم أره فى حديث، ولكن اشتهر فىالسير أن أول عيد شرع عيد الفطر، وأنه فى السنة الثانية من الهجرة (¬2). (وهى) مشروعية بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3). وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. ففى الآية الأولى إشارة إلى صلاة عيد الفطر. وفى الثانية غشارة إلى صلاة عيد النحر. (وقد) ثبت بالتواتر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى العيدين (قال) ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ¬

(¬1) ص 2 ج 5 فتح العزيز شرح الوجيز (صلاة العيدين). (¬2) ص 3 ج 5 تلخيص الحبير أسفل فتح العزيز. (¬3) عجز الآية 185 من سورة البقرة، وصدرها: " ..... شهر رمضان".

(2) حكم صلاة العيدين

ابى بكر وعمر وعثمان، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة. أخرجه أحمد والشيخان (¬1). [264]. وأجمع المسلمون على مشروعيتها. (2) حكم صلاة العيدين اختلف العلماء فى حكم صلاة العيدين (فمشهور) مذهب الحنفيين أنها واجبة على من تفترض عليه صلاة الجمعة، لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. ولمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليها من غير ترك. وقد أمر بالخروج إليها. (قال) أبو عمير بن أنس: حدثنى عمومتى من الأنصار قالوا: أغمى علينا هلال شوال واصبحنا صياماً فجاء ركب منالآخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد. أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائى والبيهقى وقال: هذا إسناد صحيح. والصحابة كلهم ثقات (¬2). [265]. (وقال) بعض الحنفيين: إنها سنة مؤكدة. ولا خلاف فى الحقيقة، لأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب. ولذا كان الأصح أنه يأثم بتركها، ¬

(¬1) ص 134 ج 6 الفتح الربانى. وص 209 ج 2 فتح البارى (الخطبة بعد العيد) وص 171 ج 6 نووى مسلم (صلاة العيدين). (¬2) ص 265 ج 9 الفتح الربانى. وص 261 ج 1 سنن ابن ماجه (الشهادة على رؤية الهلال) وص 338 ج 6 المنهل العذب (إذا لم يخرج الإمام للعيد منيومه ... ) وص 231 ج 1 مجتبى (الخروج للعيد منالغد) وص 316 ج 3 سنن البيهقى (الشهود على رؤية الهلال ... ) وصياماً جمع صائم، فإنه يأتى جمعاً كما يأتى مصدراً لصام. ويحتمل أنه بضم الصاد وشد الياء. قال فى القاموس: صائم جمعه صوام وصيام وصوم وصميم (بالضم والتشديد فيها) وصميم (بكسر فشد) وصيام (بكسر ففتح).

(3) من تطلب منه صلاة العيد

(وقالت) (الحنبلية) وبعض الشافعية والكرخى الحنفى: صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها بعضهم سقط الطلب عن الباقين. وإذا اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام وكانت فرض كفاية، لأنها شعيرة من شعائر الدين، كغسل الميت والصلاة عليه ودفنه. (وقالت) المالكية وأكثر الشافعية والجمهور: صلاة العيد سنة مؤكدة لما تقدم عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل نجد، ثائر الرأس، يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات فى اليوم والليلة. قال: هل علىّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع (الحديث) أخرجه الأئمة والشيخان والنسائى وابو داود (¬1). [266]. (وأجاب) الأولون عنه بأن الرجل كان من أهل البادية، وصلاة العيد لا تجب عليهم. فالحق القول بوجوب صلاة العيد. (3) من تطلب منه صلاة العيد تطلب ممن تطلب منه الجمعة. وللفقهاء فى هذا تفاصيل: (قال) الحنفيون: تجب صلاة العيد على من تفرض عليه الجمعة، فتجب على الذكر الحر المكلف المقيم الصحيح الخالى منالأعذار. ولا تجب على امرأة وعبد ومسافر ومريض وأعمى ومقعد. ولو صلاها هؤلاء صحت منهم ولهم ثوابها. وشرائط صلاة العيد كشرائط وجوب الجمعة وصحتها، سوى الخطبة، فإنها ليست بشرط فى العيد، لتأخرها عن الصلاة. والشرط لا يتأخر عن المشروط، بل هى سنة، وكذا تأخيرها؛ فلو لم يخطب أصلا أو قدمها على الصلاة صحت واساء، لترك السنة. ¬

(¬1) ص 46 ج 1 بدائع المنن. وص 79 ج 1 مجتبى (كم فرضت فى اليوم واللسلة) وص 276 ج 3 المنهل العذب (كتاب الصلاة) وباقى المراجع بهامش 4 ص 3 ج 2 الدين الخالص.

(وقالت) المالكية: صلاة العيد سنة مؤكدة فى حق من تجب عليه الجمعة. (وقالت) الشافعية: تسن صلاة العيد جماعة وفرادى من كل شخص ولو مسافراً وجراً وعبداً وخنثى وامرأة. (وقالت) الحنبلية: هى فرض كفاية ممن تفترض عليه الجمعة. (قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: يشترط لوجوب صلاة العيد ما يشترط لوجوب صلاة الجمعة من الاستيطان، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصلها فى سفره ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط لصلاة الجمعة، لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة. وفى اشتراط غذن الإمام روايتان، اصحهما أنه لا يشترط كما قلنا فى الجمعة. ولا يشترط شئ من ذلك لصحتها، لأن أنساً كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله ابن أبى عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما. ولأنهما فى حق منانتفت فيه شروط الوجوب تطوع، فلم يشترط لها ذلك كسائر التطوع، وكلام أحمد يقتضى ان فى اشتراط ذلك روايتين: (إحداهما) لا يقام العيد إلا حيث تقام الجمعة، وهذا مذهب أبى حنيفة، إلا أنه لا يرى ذلك إلا فى المصر لقوله: لا جمعة ولا تشريق إلا فى مصر جامع (¬1). (والثانية) يصليها المنفرد والمسافر والعبد والنساء. وهذا قول الحسن والشافعى، لما ذكرنا، إلا أن الإمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا لم يخطبوا ثانياً. وصلوا بلا خطبة كى لا يؤدى إلى تفريق الكلمة (¬2). ¬

(¬1) تقدم أثر 41 ص 166 عن على رضى الله عنه بأتم من هذا. (¬2) انظر ص 2324 ج 2 الشرح الكبير (مايشترط لصلاة العيد).

(4) خروج النساء إلى العيد

(4) خروج النساء إلى العيد يجوز عند الحنبلية للنساء الخروج إلى العيد ولو بكراً شابة، فإذا خرجن متسترات غير متبرجات ولا متطيبات ولا متحليات بما يثير الفتنة (لقول) عائشة: قد كانت تخرج الكعاب من خدرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى العيدين. أخرجه أحمد وابن أبى شيبة بسند رجاله الصحيح (¬1). [267]. (ولقول) أم عطية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج العواتق وذوات الخدور والحيض يوم الفطر ويوم النحر. فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله فإن لم يكن لإحداهن جلباب؟ قال: تلبسها أختها من جلبابها. أخرجه السبعة والبيهقى والدارمى (¬2). [268]. دل ما ذكر على مشروعية خروج النساء فى العيدين إلى المصلى ولو حائضاً، لكن هذه لا تصلى. ومحله إذا أمن من خروجهن الفتنة. (وقال) غير الحنبلية: يجوز خروج العجائز اللاتى لا يُشتهين فى العيد، لا الشواب (قال) العلامة على بن سلطان القارى: وهو قول عدل، لكن لابد أن يقيد بأن تكون غير مُشتهاة فى ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة ¬

(¬1) (انظر ص 124 ج 6 الفتح الربانى. و 0 الكعاب) بفتح الكاف: المرأة حين يأخذ ثديها فى الارتفاع. ويقال لها كاعب ايضاً. (¬2) انظر ص 125 ج 6 الفتح الربانى. وص 316 ج 2 فتح البارى (خروج النساء والحيض إلى المصلى) وص 179 ج 6 نووى مسلم. وص 309 ج 6 المنهل العذب. وص 321 ج 1 مجتبى ولفظه: ليخرج العواتق. وص 379 ج 1 تحفة الأحوذى ولفظه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج الأبكار). وص 202 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 306 ج 3 سنن البيهقى. وص 377 ج 1 سنن الدارمى.

(5) ما يطلب للعيد

بأن لا يختلطن بالرجال، ويكن خاليات من الحلى والحلل والبخور والتبخر والتكشف ونحوها مما أحدثن فى هذا الزمان من المفاسد. وقد قال أبو حنيفة: ملازمات البيوت لا يخرجن (¬1). قال النووى: فإن قيل هذا مخالف حديث أُم عطية المذكور، قلنا: ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى إسرائيل (¬2). (107). ولأن الفتن وأسباب الشر فى هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول. وقال الشافعى فى الأم: أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحباباً منى لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات (¬3). (ولا يخفى) ما يترتب فى هذا الزمان على خروج النساء إلى المصلى وغيره من المفاسد التى تقدم بعضها فى بحث" حضور النساء المساجد (¬4) " فيتعين منعهن من حضور العيد وغيره. (5) ما يطلب للعيد يطلب ليلة العيد ويومه أمور ينبغى للعاقل أن يحرص على التحلى بها، المذكور منها هنا عشرة: (1) يسن إحياء ليلة العيد بأنواع الطاعة (روى) عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. اخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط. وفى سنده ¬

(¬1) انظر ص 248 ج 2 مرقاة المفاتيح. (¬2) تقدم أثر 29 ص 43 ج 3 الدين الخالص (حضور النساء المساجد). (¬3) ص 9 ج 5 شرح المهذب (حضور غير ذوات الهيئات العيدين). (¬4) انظر ص 43 ج 3 الدين الخالص.

عمر بن هارون البلخى، أثنى عليه ابن مهدى وغيره، وضعفه جماعة. قاله الهيثمى (¬1). [269]. (وقال) معاذ بن جبل: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: من أحيا الليالى الخمس وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان. أخرجه الأصبهانى، وأخرجه ابن عساكر بلفظ: من أحيا الليالى الأربع. وأسقط ليلة النصف من شعبان. وفى سنده عبد الرحيم بن زيد العمى. متروك. وقال يحيى بن معين: كذاب، وقال ابن الجوزى: حديث لا يضح. وهو يرد رمز السيوطى بتصحيحه (¬2). [270]. والحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال، وتختص ليلة العيد بالإكثار من التكبير لورود ذلك؛ فإن كان حاجاً فليكثر من التلبية فى ليلة الأضحى. ويستحب- عند الشافعى وأحمد- رفع الصوت بالتكبير ليلة العيدين فى المنازل والطرق، لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3)، ولما فيه من إظهار شعائر الإسلام وتذكير الغير بنعم الله على عباده. قال أحمد: كان ابن عمر يكبر فى العيدين جميعاً، ويعجبنا ذلك وهو فى ¬

(¬1) ص 198 ج 2 مجمع الزوائد (إحياء ليلتى العيد). وموت القلوب يكون بشغلها بحب الدنيا فتعرض عن الطاعة. (¬2) ص 100 ج 2 (الترغيب فى إحياء ليلتى العيدين) وانظر رقم 8342 ص 38 ج 6 فيض القدير. و (ليلة التروية) ليلة الثامن من ذى الحجة. وتقدم أن إحياء ليلة نصف شعبان بالعبادة منفرداً مستحب. قال الإمام أبو شامة: قيام الليل مستحب فى جميع الليالى، وهذه بعض الليالى التى كان يصلى فيها ويحييها النبى صلى الله عليه وسلم. وإنما المحذور المنكر تخصيص بعض الليالى بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة. انظر ص 29 - الباعث. (¬3) تعجز الآية 185 من سورة البقرة، وصدرها: " شهر رمضان ... ".

عيد الفطر آكد، لورود النص فيه، فقد قالوا فى تفسير الآية: لتكملوا عدة رمضان ولتكبروا الله عند إكماله لهدايتكم وتوفيقكم لصومه. أفاده ابن قدامة (¬1). وروى نافع عن ابن عمر أنه كان يكبر ليلة الفطر حتى يغدو إلى المصلى. أخرجه البيهقى وقال: ذكر الليلة فيه غريب (¬2). (108). (وقال) الحنفيون ومالك والجمهور: إنما التكبير عند الغدُوّ لصلاة العيد على ما يأتى بيانه (¬3)، ومنشأ الخلاف الاختلاف فى المراد بالتكبير فى قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}.فقال الجمهور: المراد التكبير عند الخروج لصلاة العيد، لأنه الثابت منفعله صلى الله عليه وسلم على ما يأتى. (وقالت) الشافعية والحنبلية وجماعة: المراد التكبير ليلة العيد عند رؤية هلال شوال، (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله تعالى حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله تعالى يقول: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ. أخرجه ابن جرير (¬4). (109). وإطلاق الآية يدل على التوسعة فى الأمر. (2) قد اتفق العلماء على أنه يُسن الغسل للعيدين على ما قتدم بيانه فى بحث (اقسام الغسل) (¬5). (3 و 4) ويُسن التطيب والاستياك للعيد كالجمعة (لقول) الحسن بن على رضى الله عنهما: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العيدين أن نلبس ¬

(¬1) ص 325 ج 2 مغنى. (¬2) انظر ص 279 ج 3 سنن البيهقى (التكبير ليلة الفطر ... ). (¬3) يأتى ص 327 (المطلوب رقم 10). (¬4) ص 92 ج 2 جامع البيان. (¬5) تقدم ص 308 ج 1 (غسل العيدين).

أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد (الحديث) اخرجه الطبرانى فى الكبير والحاكم (¬1). [271]. وفى سنده: (أ) عبد الله بن صالح، قال عبد الملك بن شعيب: ثقة مأمون، وضعفه أحمد وجماعة. (ب) إسحق بن برز. قال الحاكم: مجهول وضعفه الأسدى، وذكره ابن حبان فى الثقات. (5) ويُسن أن يلبس احسن ثيابه وأجملها وإن لم يكن أبيض (لحديث) جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (على بن الحسين) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة فى كل عيد. أخرجه الشافعى والبيهقى مرسلا، وفى سنده إبراهيم بن محمد لا يحتج بما تفرد به، ولكن تابعه سعيد بن الصلت عن جعفر بن ممد عن أبيه عن جده عن ابن عباس، كما أخرجه الطبرانى بسند رجاله ثقات (¬2). [272]. (ولحديث) جابر أنالنبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة. أخرجه البيهقى وابن خزيمة (¬3). [273]. (ولقول) على بن ربيعة: شهدت على بن أبى طالب رضى الله عنه يوم عيد فرأيته معتماً قد أرخى عمامته منخلفه والناس مثل ذلك. أخرجه البيهقى (¬4). (110). وهذا يدل على أن لبس العمامة وإرخاء طرفها بين الكتفين من الزينة التى ينبغى التحلى بها، ولا سيما فى مثل هذا اليوم. ¬

(¬1) ص 20 ج 4 مجمع الزوائد (اللبس وغيره فى العيد). وص 230 ج 4 مستدرك. (¬2) ص 169 ج 1 بدائع المنن. وص 280 ج 3 سنن البيهقى (الزينة فى العيد) وص 198 ج 2 مجمع الزوائد (اللباس يوم العيد) و (حبرة) كعنبة: نوع من برود اليمن. (¬3) (ص 280 ج 3 سنن البيهقى، و 0 يلبس برده الأحمر) أى ذا خطوط حمر وخضر، لا أنه أحمر بحت، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن لبس الأحمر. (¬4) انظر ص 281 ج 3 - سنن البيهقى.

(6) ويستحب أن يأكل فى عيد الفطر قبل الخروج إلى المصلى تمراً وتراً، وأن يؤخر الأكل عن الصلاة يوم الأضحى (لقول) بريدة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفطر لا يخرج حتى يطعم، ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع فيأكل من كبد اضحيته. اخرجه أحمد والترمذى والبيهقى والدارقطنى والحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد، وأخرج الدارمى نحوه (¬1). [274]. (ولقول) أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الفطر لم يخرج حتى يأكل تمرات يأكلهن أفراداً، وفى لفظ: وتراً. أخرجه أحمد والبخارى والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). [275]. والحكمة فى استحباب الأكل يوم الفطر قبل صلاة العيد ألا يظن ظانّ لزوم الصوم حتى يصلى العيد، فكأنه صلى الله عليه وسلم اراد سد هذه الذريعة. وقيل: حكمته أنه لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم، استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال امر الله تعالى. (والحكمة) فى استحباب التمر فيه، ما فى الحلو من تقوية البصر الذى يضعفه الصوم، ولذا استحب الفطر على الحلو مطلقاً كالرطب والعسل. (والحكمة) فى تأخير الفطر يوم الأضحى أنهيوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها، فشرع له أنه يكون فطره على شئ منها. ويستحب أن يكون من الكبد، لما فى حديث بريدة عند البيهقى: وكان غذا رجع أكل من كبد اضحيته (¬3). (وهذا) متفق عليه، غير أن أحمد بن حنبل خص استحباب تأخير الأكل فى يوم الضحى بمنله اضحية. ¬

(¬1) ص 129 ج 6 الفتح الربانى، وص 381 ج 1 تحفة الأحوذى (الأكل يوم الفطر قبل الخروج) وص 1 و 283 سنن البيهقى (يترك الأكل يوم النحر حتى يرجع) وص 294 ج 1 مستدرك. وص 375 ج 1 سنن الدارمى (الأكل قبل الخروج يوم العيد). (¬2) ص 129 ج 6 الفتح الربانى وص 305 ج 3 فتح البارىوص 385 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬3) تقدم رقم 274.

(7) ويستحب أن تؤدى زكاة الفطر قبل الخروج إلى المصلى لما يأتى عن ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. اخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى (¬1). [276]. (8) ويسن لمن كان من أهل البلد التوجه إلى المصلى ماشياً بسكينة ووقار، ويخير فى الرجوع بين المشى والركوب. (ولما روى) سعد بن أبى وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم كانيخرج إلىالعيد ماشياً ويرجع فى طريق غير الطريق الذى خرج منه. أخرجه البزار. وفى سنده خالد بن إلياس ليس بالقوى. وقال أحمد والنسائى: متروك (¬2). [277]. (وعن) عبد الله بن العلاء بن زبير أنه سمع عمر بن عبد العزيز على المنبر يوم الجمعة يقول: الفطر غداً فامشوا إلى مصلاكم فإن ذلك كان يفعل، ومن كان من أهل القرى فليركب، فإذا جاء المدينة فليمش إلى المصلى. ذكره ابو ممد عبد الله بن قدامة (¬3). (111). (وما روى) عن الحسن البصرى أنه كان يأتى صلاة العيد راكباً (لعله) كان لضرورة. (9) ويستحب التبكير بعد صلاة الصبح إلىالمصلى، إلا الإمام فإنه يتأخر إلى وقت الصلاة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (روى) أبو سعيد الخدرى: أنالنبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة (الحديث) أخرجه مسلم (¬4). [278]. (وقال) مالك: مضت السنة فى وقت الفطر والأضحى ان يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاه وقد حلت الصلاة (¬5). (112). ¬

(¬1) يأتى رقم 133 ص 197 ج 8 الدين الخالص (وقت أداء زكاة الفطر). (¬2) ص 200 ج 2 مجمع الزوائد (الخروج إلى العيد فى طريق والرجوع فى غيره). (¬3) ص 231 ج 2. (¬4) ص 177 ج 6 نووى مسلم (لا أذان ولا إقامة للعيدين). (¬5) ص 329 ج 2 زرقانى الموطأ (غدو الإمام يوم العيد).

فأما غير الإمام فيستحب له التكبير والدنو من الإمام ليحصل له أجر ذلك (وروى) عن ابن عمر أنه كان لا يخرج حتى تخرج الشمس. ذكره أبو محمد عبد الله بن قدامة (¬1). (113). (10) يستحب عند الشافعى والصاحبين وأحمد التكبير جهراً حال السير إلىالمصلى وفى المصلى إلى الشروع فى الصلاة. وروى عن مالك وإسحاق لما روى نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج فى العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير حتى يأتى المصلى. أخرجه البيهقى وقال: ضعيف، والصحيح وقفه على ابن عمر (¬2) [279]. (ولقول) نافع: كان ابن عمر يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس كبر فرفع صوته بالتكبير حتى يأتى المصلى، ثم يكبر بالمصلى حتى غذا جلس الإمام ترك التكبير. اخرجه الشافعى عن إبراهيم بن محمد، وفيه مقال (¬3). (114). (وقال) أبو حنيفة: يجهر بالتكبير فى الأضحى ويسر فى الفطر (لقوله) تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ} (¬4). (وعن) ابن عباس أنه سمع الناس يكبرون، يعنى يوم الفطر، فقال لقائده: أكبَّر الإمام؟ قيل: لا. قال: أجنّ الناس؟ أدركنا مثل هذا اليوم مع النبى صلى الله عليه وسلم فما كان أحد يكبر قبل الإمام. ذكره ابن الهمام (¬5). (115). ولأن الأصل فى الذكر الإخفاء (لحديث) سعد بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خير الذكر الخفى. وأخرجه أحمد والبيهقى بسند صحيح (¬6). [280]. ¬

(¬1) ص 230 ج 2 مغنى (التبكير إلى العيد). (¬2) انظر ص 279 ج 3 سنن البيهقى (التكبير إذا غدا لصلاة العيدين). (¬3) انظر ص 172 ج 1 بدائع المنن. و (حتى إذا جلس الإمام) أى حضر الإمام بالمصلى، إذ بحضوره ينتهى وقت التكبير صباح العيد. (¬4) سورة الأعراف، الآية 205. (¬5) انظر ص 424 ج 1 فتح القدير. (¬6) انظر ص 206 ج 14 الفتح الربانى.

(6) وقت صلاة العيد

وخص منه يوم الأضحى لورود الجهر فيه (وأجاب) الأولون: (أ) بأنه ورد الجهر ايضاً فى عيد الفطر كما تقدم، ولقول نافع: كانابن عمر يكبر يوم العيد فى الأضحى والفطر، يكبر ويرفع صوته. ذكره ابن قدامة (¬1). (116). (ب) وعنقول ابن عباس بأنه محمول على رفع الصوت رفعاً منكراً. وإذا وصل المصلى قطع التكبير على الصحيح عند الحنفيين. قال أبو جميلة: رأيت علياً رضى الله عنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة. ذكره ابن قدامة (¬2). (117). وقال الإمام مالك: لا يقطع التكبير إلا إذا شرع الإمام فى الصلاة، وهو قول للحنفيين، وهو الأصح عند الشافعية. وعن أحمد: يكبر جهراً حتى يأتى المصلى. وفى رواية: حتى يخرج الإمام. هذا وقد ورد فى كيفية التكبير صيغ يأتى بيانها فى فصل (تكبير التشريق) إن شاء الله تعالى. وأصححها ما ورد عن سلمان الفارسى قال: كبروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً. أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح (¬3). (118). (6) وقت صلاة العيد يدخل وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس كرمح أو رمحين (¬4) إلى ما قبل الزوال (لقول) يزيد بن خمير: خرج عبد الله بن يسر رضى الله عنه مع الناس فى يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر غبطاء الإمام، فقال: إنا كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح. اخرجه ابو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه (¬5). [281]. ¬

(¬1) انظر ص 231 ج 2 مغنى (التكبير فى طريق العيد). (¬2) انظر ص 231 ج 2 مغنى (التكبير فى طريق العيد). (¬3) ص 216 ج 2 فتح البارى الشرح (التكبير ايام منى). (¬4) قدر الرمح باثنى عشر شبراً، أى بنحو ثلاثة أمتار (¬5) ص 307 ج 6 المنهل العذب (وقت الخروج إلىالعيد) وص 204 ج 1 سنن ابن ماجه (وقت صلاةالعيد) وص 282 ج 3 سنن البيهقى (الغدو إلى العيدين)، وص 295 ج 1 مستدرك. و (خمير) بالخاء المعجمة مصغراً.

(7) مكان صلاة العيد

أى أن أول وقت صلاة العيد هو أول وقت حل النافلة وعليه الإجماع، ولم يصل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه العيد إلا بعد حل النافلة. وبه يعلم أنه لا وجه لقول منقال: إن أول وقت صلاة العيد منحين ظهور جزء من الشمس. (ويسنّ) عند الحنفيين والشافعى وأحمد تعجيل صلاة الضحى وتأخير صلاة الفطر، فتصلى الضحى حين ارتفاع الشمس قدر رمح فى رأى العين، ويؤخر صلاة الفطر إلى ارتفاعها قدر رمحين (لقول) أبى الحويرث الليثى: غن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس. أخرجه الشافعى والبيهقى وقال: هذا مرسل (¬1). [282]. وفى سنده إبراهيم بن محمد (شيخ الشافعى) ضعفه الجمهور. وحكمة ذلك ما تقدم من استحباب الإمساك عن الأكل فى الأضحى حتى يفرغ منم الصلاة، فلو أخرت الصلاة لتضرر بذلك الناس لطول الإمساك. وأيضاً فإنه يشتغل فى الأضحى بعد الصلاة بنحر الأضحية، بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك فيه ولا ذبح، فاستحب فيه تأخير الصلاة ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر. (وقالت) المالكية: تستحب صلاة الفطر والأضحى إذا ارتفعت الشمس قدر رمح، لظاهر حديث عبد الله بن بسر (¬2) (ورد) بأنه لا يدل على التسوية بينهما، فإنه ليس فيه إلا أنه أنكر إبطاء الإمام عن أول وقتها المجمع عليه. (7) مكان صلاة العيد تسنّ- عند الجمهور- صلاة العيد فى الصحراء إلا لعذر كمطر وضعف (لقول) أبى سعيد الخدرى: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر ¬

(¬1) انظر ص 173 ج 1 بدائع المنن. وص 282 ج 3 سنن البيهقى (الغدو إلى العيدين). (¬2) تقدم رقم 281.

والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به الصلاة (الحديث) أخرجه الشيخان (¬1). [283]. (وقال) علىّ رضى الله عنه: من السنة أن يمشى الرجل إلى المصلى، والخروج يوم العيد من السنة، ولا يخرج إلى المسجد إلا ضعيف أو مريض. أخرجه البيهقى، وفيه الحارث الأعور ضعيف (¬2). (119). (وقال) بعض الشافعية: الأفضل صلاة العيد فى المسجد إذا كان يسع الناس، لأن الأئمة لم يزالوا يصلون العيد بمكة فى المسجد، ولأن المسجد أشرف وأنظف؛ وإن ضاق المسجد فالأفضل صلاتها فى الصحراء (وهذا) تفصيل لا دليل عليه. وكون العلة الضيق والسعة، مجرد تخمين لا ينتهض للاعتذار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك. وكون المسجد أشرف وانظف مسلم، لكن لا يقتضى ترك ما واظب عليه النى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من صلاة العيد فى المصلى. ولا يترك النبى صلى الله عليه وسلم الشرف مع قربه ويتكلف الصلاة فى غيره مع بعده إلا لمزية، كما فى مسجد مكة كما يأتى. وإن كان عذر يمنع الخروج من مطر أو خوف أو غيره، صلوا فى الجامع (روى) أبو هريرة أنه اصابهم مطر فى يوم عيد فصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فى المسجد. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه (¬3). [284]. (ورد) بأن فى سنده عيسى بن عبد الأعلى بن أبى فروة، قال الذهبى: ¬

(¬1) ص 306 ج 2 فتح البارى (الخروج إلى المصلى). وص 177 ج 6 نووى مسلم. (المصلى) موضع المدينة على بابها الشرقى بينه وبين المسجد النبوى ألف ذراع، أى نحو 464 متر. (¬2) انظر ص 311 ج 3 سنن البيهقى (الإمام يأمر من يصلى بالضعفة فى المسجد). (¬3) ص 342 ج 6 المنهل العذب (يصلى بالناس العيد فى المسجد يوم مطر) وص 204 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 310 ج 3 سنن البيهقى (صلاة العيد فى المسجد إذا كان عذر ... ) وص 295 ج 1 مستدرك.

(8) ليس لصلاة العيد نداء

لا يكاد يعرف، وهذا حديث منكر. وقال الحافظ فى التقريب: مجهول. (قال) ابن الحاج: السنة الماضية فى صلاة العيدين أن تكون فى المصلى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة فى مسجدى هذا افضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (¬1). [285]. ثم هذه الفضيلة العظيمة خرج صلى الله عليه وسلم إلى المصلى وتركه. فهذا دليل واضح على تأكيد أمر الخروج إلىالمصلى لصلاة العيدين، فهى السنة وصلاتهما فى المسجد بدعة، إلا أن تكون ثم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة (¬2). (وهذا) فى غير مسجد مكة، أما هو فقد اتفق العلماء على أن صة العيد فيه أفضل (قال) الشافعى: بلغنا أن رسول الله عليه وسلم كان يخرج فى العيدين إلى المصلى بالمدينة، وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة فإنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف صلى بهم عيداً إلا فى مسجدهم (¬3). (قال) الحافظ: وأشار الشافعى إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة (¬4) وقيل: الحكمة فى كونها أفضل فى مسجد مكة ما فيه من المزايا التى لم توجد فى غيره من الطواف والنظر إلى البيت الحرام. (8) ليس لصلاة العيد نداء لا يطلب لصلاة العيد اذان ولا إقامة عند العلماء كافة 09 لقول) ابن عباس وجابر: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. ويعنى لصلاة العيد. أخرجه الشيخان (¬5). (120). ¬

(¬1) أخرجه الشيخان عنأبى هريرة. وتقدم رقم 349 ص 241 ج 3 الدين الخالص (أفضل المساجد). (¬2) ص 136 ج 2 مدخل (خروج الإمام لصلاة العيد). (¬3) ص 207 ج 1 كتاب الأم (الخروج إلى الأعياد). (¬4) ص 308 ج 2 فتح البارى الشرح (الخروج إلى المصلى ... ). (¬5) ص 309 منه (المشى والركوب إلى العيد). وص 176 ج 6 نووى مسلم (لا أذان ولا إقامة للعيدين).

(ولقول) جابر بن سمرة: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين العيدين بغير اذان ولا إقامة. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقى والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1). [286]. (وعن) مالك أنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن فى الفطر ولا فى الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى اللهعليه وسلم إلى اليوم. قال مالك: وتلك السنة لا اختلاف فيها عندنا (¬2). (121). (وما روى) عن ابن الزبير من أنه أذن للعيد وأقام (قد تركه) لما أرسل له ابن عباس بعدم مشروعيتهما فى العيد. قال عطاء: أرسل ابن عباس غلى ابن الزبير اول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه (الأثر) أخرجه مسلم (¬3). (122). (وقال) بعض الشافعية والحنبلية: يستحب أن يقال فىالعيد: الصلاة جامعة (لقول) الشافعى: أخبرنا الثقة عن الزهرى أنه قال: لم يؤذن للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لأبى بكر ولا لعمر ولا لعثمان فى العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام، وأحدثه الحجاج بالمدينة حين أُمِّر عليها. قال الزهرى: وكان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر فى العيدين المؤذن فيقول: الصلاة جامعة (¬4). [287]. قال النووى: وهو مرسل ضعيف، يعنى فلا يحتج به (¬5). ومنهم من قاس العيد على الكسوف، فقد ثبت قول" الصلاة جامعة" فيها كما يأتى: (ورد) بأنه لا قياس مع النص (فقد) صلى النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 132 ج 6 الفتح الربانى. وص 176 ج 6 نووى مسلم (لا اذان ولا إقامة للعيدين) وص 324 ج 6 المنهل العذب (ترك الذان فى العيد). وص 284 ج 3 سنن البيهقى، وص 375 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬2) ص 323 ج 1 زرقانى الموطأ (العمل فى غسل العيدين ... ). (¬3) ص 176 ج 6 نووى مسلم. و" يومه" يعنى من يومه. (¬4) ص 208 ج 1 كتاب الأم (من قال لا اذان للعيدين). (¬5) ص 14 ج 5 شرح المهذب.

(9) التكبير فى صلاة العيد

العيد مراراً فى مجمع من الصحابة، ولم ينقل أنه أمر باذان ولا نداء ىخر للعيد، بل قال عطاء: أخبرنى جابر أنه لا اذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شئ. أخرجه مسلم (¬1). (123). (وهو) بعمومه يشمل نفى قولهم: الصلاة جامعة، ونحوه (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وقال بعض اصحابنا: ينادى لها، يعنى للعيد: الصلاة جامعة، وهو قول الشافعى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (¬2). (9) التكبير فى صلاة العيد ورد فى عددالتكبير فى صلاة العيد وموضعه عدة روايات: (الأولى) ان يكبر قبل القراءة فىالركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرةالاحرام، وفى الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القام (لحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر فى العيدين الأضحى والفطر ثنتى عشرة تكبيرة، فى الأولى سبعاً، وفى الآخرة خمساً، سوى تكبيرة الإحرام. اخرجه الدارقطنى (¬3). [288]. (وبهذا) قال أكثر العلماء منهم الشافعى والأوزاعى وإسحاق، وروى عن عمر وعلى وابى هريرة وغيرهم. اختاره ابن عبد البر قال: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من طرق حسان أنه كبر فى العيدين، سبعاً فى الأولى، وخمساً فى الثانية، من حديث عبد الله بن عمر، وابن عمرو وجابر، وعائشة وابى واقد وعمرو بن عوف المزنى، ولم يرد عنه من وجه قوى ولا ضعيف خلاف هذا، وهو أولى ما عمل به (¬4). (الثانية) أن يكبر قبل القراءة فى الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفى ¬

(¬1) ص 176 ج 6 نووى مسلم. (¬2) ص 236 ج 2 مغنى. (¬3) ص 181 سنن الدارقطنى. (¬4) ص 331 ج 6 المنهل العذب (التكبير فى العيدين).

الثانية خمسة بعد تكبيرة القيام (لقول) عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر فى العيدين، سبعا فىالركعة الأولى، وخمسا فى الآخرة، سوى تكبيرتى الركوع. أخرجه أحمد وابن ماجه والدار قطنى (¬1). [289]. وفى سنده ابن لهيطة متكلم فيه. قال البيهقى: ضعيف جداً لا يحتج به، وذكر الترمذى فى كتاب العلل أن البخارى ضعف هذا الحديث. وهو يفيد أن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع حيث لم يستثنها مع تكبيرتى الركوع (ورد) بأنه رواه الحاكم من طريق غسحق بن عيسى ثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يكبر فى العيدين اثنتى عشرة سوى تكبيرة الافتتاح (الحديث) وقال الحاكم: تفرد به ابن لهيعة، وقد استشهد به مسلم (¬2). (وبهذه) الكيفية قال مالك وأحمد (قال) ابن قدامة: قال أبو عبد الله (يعنى أحمد) يكبر فى الأولى سبعاً مع تكبيرة الإحرام، ولا يعتد بتكبيرة الركوع، لأن بينهما قراءة، ويكبر فى الركعة الثانية خمس تكبيرات ولا يعتد بتكبيرة النهوض، ثم يقرأ فى الثانية، ثم يكبر ويركع، وروى ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهرى ومالك والمزنى (¬3). (الثالثة) أن يكبر فى الأولى ثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وفى الثانية ثلاثاً بعد القراءة (لقول) مكحول: حدثنى أبو عائشة الأموى أن سعيد بن العاص سأل ابا موسى الأشعرى وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر فىالفطر والأضحى؟ قال ابو موسى: كان يكبر أربع تكبيرات تكبيرة على الجنائز، وصدّقه حذيفة. أخرجه أحمد ¬

(¬1) ص 141 ج 6 الفتح الربانى، وص 200 ج 1 سنن ابن ماجه (كم يكبر الإمام فى صلاة العيد) وص 181 سنن الدارقطنى. (¬2) ص 298 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 238 ج 2 مغنى (تكبير صلاة العيد) زو (الفقهاء السبعة) سعيد ابن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

والبيهقى وأبو داود والمنذرى وسكتا عليه، وهو منهما تصحيح أو تحسين للحديث (¬1). [290]. (وتضعيف) ابن الجوزى له بعبد الرحمن بن ثوبان نقلا عن أحمد وابن معين (معارض) بقول صاحب التنقيح: وثقه غير واحد، وقال ابن معين: ليس به بأس (¬2) (وقول) ابن القطان فى أبى عائشة: لا أعرف حاله (معارض) بقول الحاكم: أبو عائشة هو مولى سعيد بن العاص، سمع ابا هريرة، وابا موسى الأشعرى، وحذيفة بن اليمان. وروى عنه مكحول (¬3). (وقال) كردوس بن العباس: أرسل الوليد بن عقبة إلى عبد الله بن مسعود وحذيفة وابى موسى الشعرى وابو مسعود بعد العتمة فقال: إن هذا عيد للمسلمين فكيف الصلاة؟ فقالوا: سل ابا عبد الرحمن، فسأله، فقال: يقوم فيكبر أربعاً، ثم يقرا بفاتحة الكتاب وسورة من المفصل، ثم يكبر أربعاً يركع فى آخرهن، فتلك تسع فى العيدين، فما أنكره أحد منهم. اخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقون (¬4). (124). (وعن) أبى حنيفة عن حماد عنإبراهيم انهقال: خرج الوليد بن عقبة إلى ابن مسعود وحذيفة وابى موسى فقال: إن غداً عيدكم فكيف اُصلى؟ فقال: (أى أبو موسى): يا أبا عبد الرحمن أخبره. فقال: ابدأ بالصلاة بلا اذان ولا إقامة. وكبر فى الأولى خمساً: أربعة قبل القراءة ثم قرأ وكبر الخامسة ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 6 الفتح الربانى. وص 279 ج 3 سنن البيهقى (الخبر الذى روى فى التكبير أربعاً) وص 328 ج 6 المنهل العذب (التكبير فىالعيدين) و (تكبيره علىالجنائز) أى كان النبى صلى الله عليه وسلم يكبر فى الأولى أربع تكبيرات كتكبيره على الجنازة منها تكبيرة الإحرام، وكان يكبر فى الثانية اربع تكبيرات منها تكبيرة الركوع. (¬2) ص 215 ج 2 نصب الراية. (¬3) ص 567 غنية المتملى (صلاة العيد). (¬4) ص 204 ج 2 مجمع الزوائد (التكبير فى العيد) و (العتمة) (بفتحات: العشاء). و (أبو عبد الرحمن) كنية عبقد الله بن مسعود (فتلك تسع) بينت فى الأثر. (125) ص 336.

فاركع بها، ثم قم فاقرأ ووال ما بين القراءتين، ثم كبر اربعاً واركع بآخرهنّ. وأمره أن يخطب على راحلته بعد الصلاة. أخرجه ابو يوسف (¬1). (125). (وهذه) آثار صحيحة قالها ابن مسعود بحضرة جماعة من الصحابة. ومثل هذا يحمل علىالرفع لأنه كنقل اعداد الركعات. وبهذا قال الحنفيون والحسن البصرى والثورى، وروى عن ابن عباس وأحمد. (والرابعة) أن يكبر فى الأولى سبعاً قبل القراءة، والثانية خمساً بعدها. قال ابو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التكبير فى العيدين سبعاً قبل القراءة وخمساً بعد القراءة. اخرجه أحمد وفى سنده ابن لهيعة ضعيف (¬2) (291). وبهذا قال القاسم والناصر، وروى عن أحمد. (وفى الباب) روايات أخرى لكنها ضعيفة جداً. قال الإمام أحمد: ليس فى تكبير العيدين عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث صحيح. هذا. وقد اختلف العلماء فى حكم هذا التكبير (فقال) الجمهور إنه سنة (طومشهور) مذهب الحنفيين أنه واجب يأثم المصلى بتركه عمداً ويسجد بتركه سهواً، للمواظبة عليه من غير ترك، وألحقوا به تكبير ركوع الركعة الثانية لاتصاله بتكبير العيد (ورد) ةبأن المواظبة لا تدل على الوجوب ما لم تقترن بإنكار على التارك كما فى المضمضة والاستنشاق فى الوضوء، فقد ثبت المواظبة عليهما ولم يقل الحنفيون بوجوبهما (وقال) الناصر والهادوية: التكبير فىالعيد فرض لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬3) وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬4) (ورد) بأن الآيتين ليستا نصاً فى تكبير صلاة العيد، فلا يصح لاستدلال بهما على وجوبه. ¬

(¬1) انظر رقم 88 ص 59 كتاب الاثار (صلاة العيدين). (¬2) ص 141 ج 6 الفتح الربانى. (¬3) سورة البقرة: عجز الآية 185. (¬4) سورة البقرة: الآية 203.

{فوائد}: (الأولى) يستحب الفصل بين كل تكبيرتين من تكبير العيد بقدر مايكبر المأموم دفعاً للاشتباه. وليس بينهما ذكر مشروع عند الحنفيين ومالك والأوزاعى، لأنه لو كان مشروعاً لنقل إلينا كما نقل التكبير. (وقال) الشافعى وأحمد: يستحب الذكر بينها بأن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، وإن أحب قال: الله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة واصيلا. واستجلوا باثر مضطرب عن ابن مسعود، ولذا لم يقل بمقتضاه الجمهور. (الثانية) يسن رفع اليدين فى تكبير العيد عند أبى حنيفة ومحمد بن الحسن والأوزاعى والشافعية والحنبلية، وروى عن مالك، لما روى بكر بن سوادة ان عمر رضى الله عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة فى الجنازة والعيدين. أخرجه البيهقى وقال: وهذا منقطع (¬1). (126). وفى سنده ابن لهيعة ضعيف. ولعموم ما تقدم عن وائل بن حجر أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2). [292]. (وقال) أبو يوسف والثورى: لا يرفع يديه غلا فى تكبيرة الإحرام. روى عن مالك، لأنه لم يثبت عندهم ما يدل عليه. قال الكمال بن الهمام: فما روى عنأبى يوسف أنه لا ترفع الأيدى فى تكبير العيد يكفى فيه كون المتحقق من الشرع ثبوت التكبير، ولم يثبت الرفع فيبقى على العدم الأصلى (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 293 ج 3 سنن البيهقى. (رفع اليدين فى تكبير العيد). (¬2) تقدم رقم 273 ص 210 ج 2 الدين الخالص (رفع اليدين). (¬3) ص 427 ج 1 فتح القدير (ويرفع يديه فى تكبيرات العيد).

(10) القراءة فى صلاة العيد

(ورد) بأنه ثبت الرفع عن عمر وابنه مع ترحيمهما للاتباع، ولم يعرف لهما مخالف. وتكبير العيد داخل فى عموم حديث وائل بن حجر. (الثالثة) من نسى تكبير العيد وذكره بعد أن قرأ بعض الفاتحة أو كلها، يكبر ويعيد الفاتحة. وإذا تذكر بعد ما قرأ السورة يكبر ولا يعيد القراءة، لأنها تمت وصحت فلا تقبل النقض، بخلاف الوجهين الأولين، لأنها لم تتم، فكأنه لم يشرع فيها فيعيدها رعاية لترتيب. وإن تذكر المأموم فى الركوع أنه لم يكبر كبر راكعاً، لأن الركوع قيام من وجه. أما لو تذكر الإمام فى الركوع أنه ترك التكبيرات فإنه يأتى بها قائماً ثم يركع. وإن تذكره بعد الرفع من الركوع لا يأتى به ويسجد للسهو، وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) المالكية: إن نسيه حتى فرغ من القراءة عاد إليه واستأنف القراءة وسجد بعد السلام. وإن تذكر بعد الركوع لا ياتى به وسجد الإمام والمنفرد قبل السلام. (ومشهور) مذهب الشافعية والحنبلية: أنه غذا نسى التكبير وشرع فى القراءة لا يعود إليه ولا سجود عليه. (10) القراءة فى صلاة العيد اتفق العلماء على أنه يقرأ فى العيد بعد الفاتحة جهراً أى سورة، ولكن يستحب انيقرأ بعد الفاتحة: سبح اسم ربك الأعلى، أو: ق والقرآن المجيد، أو: عم يتساءلون، فى الركعة الأولى، وهل أتاك حديث الغاشية، أو: اقترتب الساعة وانشق القمر، أو: والشمس وضحاها، فى الركعة الثانية (لقول) أبى واقد الليثى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيدين بق واقتربت. أخرجه الأئمة ومسلم والأربعة وصححه الترمذى (¬1). [293]. ¬

(¬1) ص 327 ج 1 زرقانى الموطأ (التكبير والقراءة فى صلاة العيدين)، وص 76 ج 1 بدائع المنن. وص 146 ج 6 الفتح الربانى. وص 181 ج 6 نووى مسلم. وص 235 ج 6 المنهل العذب (ما يقرأ فى العيدين). وص 232 ج 1 مجتبى. وص 376 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 200 ج 1 سنن ابن ماجه.

(ولقول) سمرة بن جندب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬1). [294]. (ولقول) ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاة العيدين بعمّ يتساءلون، والشمس وضحاها أخرجه البزار. وفى سنده أيوب ابن يسار وهو ضعيف (¬2). [295]. (وحكمة قراءة) هذه السور أن سورتى (ق) واقترتب، اشتملنا على اخبار البعث والقرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه خروج الناس فى العيد بخروجهم منالقبور كأنهم جراد منتشر، واجتماعهم فى المصلى باجتماعهم فى الحشر، وأن فى سورة " سبح" الحث على الصلاة وزكاة الفطر بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}. وفى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ} التذكير بأحوال القيامة ودلائل التوحيد. وكذا فى سورتى عمّ يتساءلون، والشمس وضحاها. (وقد) ورد الاقتصار فى قراءة صلاة العيد على الفاتحة، فعله النبى صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز (قال) ابن عباس: صلى اللهعليه وسلم العيد ركعتين لا يقرأ فيهما إلا بأم الكتاب لميزد عليها شيئاً. اخرجه أحمد وفى سنده مشهر بن حوشب، وفيه كلام وقد وثق (¬3). [296]. (ويسنٌ) الجهر في قرآن العيد (لقول) علي رضي الله عنه: الجهر في صلاة العيدين من السنة. أخرجه البيهقي والطبراني في الكبير. وفي سنده الحارث الأعور وهو ضعيف (¬4). (127). ¬

(¬1) انظر ص 145 ج 6 الفتح الربانى. وص 203 ج 2 مجمع الزوائد (القراءة فى صلاة العيد). (¬2) ص 204 ج 2 مجمع الزوائد. (¬3) ص 203 منه. (¬4) ص 204 ج 2.وص 295 ج 3 سنن البيهقى (الجهر بالقراءة فى العيدين).

(11) كيفية صلاة العيد

لكن يقويه إخبار الصحابة بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السور بعينها، فإنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها. (11) كيفية صلاة العيد صلاة العيد ركعتان قبل الخطبة بلا نداء اتفاقاً لما تقدم فى حديث عمر قال: وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان (¬1) و (لقول) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة. أخرجه الشافعى والستة إلا أبا داود (¬2). [297]. (ولقول) ابن عباس: صلى نبى الله صلى الله عليه وسلم بالناس يوم فطر ركعتين بغير أذان ولا إقامة، ثم خطب بعد الصلاة (الحديث) أخرجه أحمد (¬3). [298]. (قال) ابو محمد عبد الله بن قدامة: خطبتا العيدين بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلا عن بنى أُمية، ولا يعتد بخلافهم، لأنه مسبوق بالإجماع قبلهم، ومخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة. وقد أنكر عليهم فعلهم، وعُدَّ بدعة (¬4). ¬

(¬1) تقدم رقم 54 (قصر الصلاة). (¬2) ص 174 ج 1 بدائع المنن، وص 309 ج 2 فتح البارى (الخطبة بعدالعيد)، وص 177 ج 6 نووى مسلم، وص 232 ج 1 مجتبى (صلاة العيد قبل الخطبة)، وص 374 ج 1 تحفة الأحوذى، وص 200 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة العيدين). (¬3) ص 133 ج 6 الفتح الربانى. (¬4) ص 243 ج 2 مغنى. و (إلا عن بنى أمية)، (روى) عن عبد الله بن يزيد الخطمى أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدأون بالصلاة قبل بدائع المنن (وعن ابى حنيفة) عن حماد عن إبراهيم أن معاوية رضى الله عنه كان رجلاً بادناً فكان إذا صعد المنبر قعد، فكان أول من خطب يوم الجمعة وهو قاعد، وكان أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة فى العيد، وأول منأذن فى العيدين. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (19) انظر رقم 290 ص 59 (صلاة العيدين).

(12) خطبة العيد

(وما روى) عن عمر وعثمان أنهما خطبا قبل الصلاة (لم يصح). وعلى تقدير صحته فلا يعارض ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه منطرق صحيحة أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة، وانعقد عليه الاجماع، وتقدم أن ابن الزبير رجع عما كان يراه من تقديم خطبة العيد (¬1). (هذا) وكيفية صلاة العيد أنه متى دخل وقتها يصلى الإمام ركعتين فيكبر تكبيرة الإحرام ناوياً بقلبه صلاة عيد الفطر أو الأضحى، ثم يضع يديه على سرته قابضاً اليسرى باليمنى، ويأتى بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر سبع تكبيرات أو ستاً أو ثلاثاً رافعاً يديه مع كل تكبيرة، ويفصل بين كل تكبيرتين بسكتة مقدار ثلاث تسبيحات على ما تقدم، ثم يتعوذ ثم يبسمل ثم يقرأ الفاتحة وسورة كما تقدم فى فصل "القراءة فى صلاة العيد " (¬2)، ثم يركع ويطمئن جالساً، ويسجد ويطمئن ساجداً، ثم يبتدئ الركعة الثانية بخمس تكبيرات غير تكبيرة القيام إن كان كبر فى الأولى سبعاً أو ستاً، أو يبتدئ بالقراءة، ثم يكبر بعد ثلاثاً إن كان كبر فى الأولى ثلاثاً على ما تقدم بيانه فى فصل التكبير" فى صلاة العيد " (¬3) ثم يركع ويتم الركعة كسائر الصلوات. (12) خطبة العيد وإذا فرغ الإمام من صلاة العيد قام مستقبلا الناس وخطب خطبتين كالجمعة يجلس بينهما (لحديث) أبى الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو اضحى فخطب قائماً، ثم قعد قعدة ثم قام. أخرجه ابن ماجة (¬4). [299]. ¬

(¬1) تقدم اثر 122 ص 332 (ليس لصلاة العيد نداء). (¬2) انظر فصل 10 ص 239. (¬3) تقدم فصل 9 ص 333. (¬4) ص 201 ج 1 سنن ابن ماجه (الخطبة فى العيدين).

وفى سنده: (أ) أبو بحر ضعيف: (ب) إسماعيل بن مسلم الخولانى. أجمعوا على ضعفه (ولقول) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: السنة أن يخطب افمام فى العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس. أخرجه الشافعى (¬1) (128). (والعمل) على هذا، ولكن لم يثبت من طريق صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم كرر الخطبة فى العيد (وقول) التابعى كعبيد الله بن عبد الله: السنة ليس ظاهراً فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم وليس بحجة (قال) الكمال ابن الهمام: لا شك فى ورود النقل مستفيضاً بالخطبة. أما بالتنصيص على الكيفية المستمرة فلا، إلا ما روى ابن ماجه عن جابر. (قال) النووى فى الخصلاة (وماروى) عن ابن مسعود انه قالك السنة أن يخطب فى العيد بخطبتين يفصل بينهما بجلوس (ضعيف) غير متصل ولم يثبت فى تكرير الخطبة شئ (¬2) (129). يعنى صحيحاً وقد علمت أن حديث جابر ضعيف. (ويسنّ) افتتاح الخطبة بحمد الله والثناء عليه ثم الوعظ والأمر بالطاعة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم (قال) جابر بن عبد الله: شهدت الصلاة مع النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، فلما قضى الصلاة قام متوكئاً على بلال، فحمد الله وأثنى عليه ووسط الناس وذكرهم وحثهم على طاعته. ثم مضى إلى النساء ومعه بلال، فأمرهنّ بتقوى الله ووعظهنّ، وحمد الله وأثنى عليه وحثهنّ على طاعته، ثم قال: تصدقن فإن أكثركنّ حطب جهنم. فقالت امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكنّ تكثرن الشكاة وتكفرن العشير. فجعلن ينزعن حليهنّ وقلائدهنّ وخواتمهنّ يقذفن به فى ثوب بلال يتصدقن به. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والبيهقى (¬3). [300]. ¬

(¬1) ص 176 ج 1 بدائع المنن. (¬2) ص 428 ج 1 فتح القدير (ثم يخطب خطبتين). (¬3) ص 147 ج 6 الفتح الربانى، وص 175 ج 6 نووى مسلم (صلاة =

(وقال) ابن عباس: شهدت الصلاة يوم الفطر مع النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان، فكلهم كان يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل النبى صلى الله عليه وسلم كأنى أنظر إليه يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال فقال: " يا ايها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً "، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة- لم يجبه غيرها منهن- " نعم يا نبى الله. قال: فتصدقن. فبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتح والخواتم فى ثوب بلال. اخرجه أحمد والشيخان (¬1). [301]. ¬

= العيدين) وص 233 ج 1 مجتبى (قيام الإمام فى الخطبة متوكئاً على إنسان). وص 296 ج 3 سنن البيهقى (يبدأ بالصلاة قبل الخطبة) و (سفلة) بفتح فكسر. و (سفعاء) بفتح فسكون (الخدين) أى فيهما تغير وسواد. و (الشكاة) بفتح الشين: الشكوى. و (العشير) المعاشر وحمله الأكثر على الزوج وقيل هو كل مخالط. والمعنى انهن يجحدن الإحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن. (وقرطهن) بكسر ففتحتين، جمع قرط بضم القاف وسكون الراء، وهو كل ما علق فى شحمة الأذن من الحلى. (¬1) ص 148 ج 6 الفتح الربانى. وص 319 ج 2 فتح البارى (موعظة الإمام النسائى يوم العيد) وص 171 ج 6 نووى مسلم (صلاة العيدين). و (يجلس) بضم الياء وتشديد اللام المكسورة: أى يأمرهم بالجلوس. و" يا ايها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " الاية، نزلت يوم فتح مكة لما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء على ما ذكر بالقول عند الصفا وكن 457 سبعاً وخمسين وأربعمائة امرأة. فآمن ولم يصافح واحدة منهن. (قالت) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الاية: " ألا يشركن بالله شيئاً " وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط لا يملكها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن يقول: (انطلقن فقد بايعتكن)، لا والله ما مست يده يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام. أخرجه الشيخان والترمذى (52) انظر ص 172 تيسير الوصول (سورة الممتحنة) وقد نهاهن أيضاً عن النياحة والتبرج وغيرهما مما هو داخل فى قوله: ولا يعصينك معروف. =

ويسنّ الإكثار من التكبير اثناء الخطبة (لقول) سعد المؤذن: كان ¬

= روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: ابايعك على ألا تشركى بالله شيئاً ولا تسرقى ولا تزنى ولا تقتلى ولدك ولا تأتى ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحى ولا تبرجى تبرج الجاهلية الأولى. اخرجه أحمد (53) انظر ص 329 ج 8 تفسير ابن كثير. (وعن) اسيد بن أبى اسيد البزار عن امرأة من المبايعات قالت: كان فيما اخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نعصيه فى معروف، وألا نخمش وجهاً، ولا ننشر شعراً، ولا نشق جيباً، ولا ندعو ويلا. اخرجه ابن أبى حاتم (54) انظر صص 323 ج 8 تفسير ابن كثير. (وقد) عاهد النبى صلى الله عليه وسلم الرجال فى بيعة العقبة على ما فى الاية (قال) عبادة بن الصامت: كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثنى عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض الحرب على ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين ايدينا وارجلنا ولا نعصيه فى معروف. وقال: فإن وفيتم فلكم الجنة. اخرجه ابن أبى حاتم (55) انظر ص 329 ج 8 تفسير ابن كثير. (ولا يسرقن) مال الغير ولو زوجاً قائماص بما يلزمها. أما إذا كان مقصراً فى نفقتها فلها ان تأخذ منم ماله بالمعروف على ما جرت به عادة أمثالها ولو بلا علم زوجها (روت) عائشة ان هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف. اخرجه الشيخان (56) انظر ص 408 ج 9 فتح البارى. (إذا لم ينفق الرجل للمرأة أن تأخذ ما يكفيها)، (خشيت) هند أن تقتصر على ما يعطيها زوجها فتضيع، أو تأخذ بلا علمه فتكون مناقضة للعهد. فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تأخذ بالمعروف بلا غذن زوجها، ومحل جواز الأخذ بغير غذن عند مالك إذا كان المال غير محجور، وأما إذا حجره بقفل أو نحوه فيحرم الأخذ، فإن أخذت تعد سارقة وتقطع يدها. = (والحنفيون): لا تقطع يد أحد الزوجين بسرقته من الآخر لشبهة الاختلاط والإذن شرعاً لكل من الزوجين بدخول حرز الآخر (وفى الحديث): ادفعوا الحدود ما ودتم لها مدفعاً. أخرجه ابن ماجه عن أبى هريرة (57) انظر ص 59 ج 2 سنن =

النبى صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير فى خطبة ¬

= ابن ماجه (دفع الحدود بالشبهات) وفى سنده غبراهيم بن الفضل المخزومى، ضعفه ابن معين والبخارى وغيرهما. وقوله (ولا يقتلن أولادهن) يشمل: (أ) قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق (الفقر) ويئدون البنات (يدفنونهن حيات) خوف العار والفبر. (ب) وقتله جنيناً كما قد يفعله بعض جهلة النساء تسقط لغرض فاسد. (وليس) منه العزل بإذن الزوجة فإنه جائز شرعاً عند الأئمة الأربعة (لحديث) أنس: أن رجلا سأل عن العزل. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لو أن الماء الذى يكون منه الولد أهرقته على صخرة لخرج الله منها ولداً. اخرجه أحمد والبزار بسند حسن وصححه ابن حبان (58) انظر ص 2296 ج 4 مجمع الزوائد (فى العزل). (وقال) جابر: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لى جارية أطواف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتها ما قدر لها. أخرجه أبو داود ومسلم (59) انظر ص 252 ج 2 سنن أبى داود (العزل) وص 13 ج 10 نووى (حكم العزل). (ويترتب) عند غير المالكية على جواز العزل حل معالجة المرأة لإسقاط النطفة قبل نفخ الروح، وتعاطى المرأة ما يقطع الحبل من أصله. وقال اللخمى من المالكية: يجوز غسقاط ما فى الرحم من النطفة قبل الأربعين. ومنعه غيره من المالكية، كما يمنع غسقاطها بعد الأربعين اتفاقاً. (ولا يأتين ببهتان يفترينه إلخ) أى لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم. كانت المرأة العاقر إذا خافت مفارقة زوجها التقطت ولداً ونسبته له ليبقيها عنده، وهو من الكبائر (لحديث) ابى هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة ادخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شئ، ولن يدخلها الله الجنة، وايما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين يوم القيامة. اخرجه ابو داود والنسائى والحاكم وقال: ص 3 حيح على شرط مسلم (60) انظر ص 279 ج 2 سنن أبى داود (التغليظ فى الانتفاء) وص 107 ج 2 مجتبى. وص 202 ج 2 مستدرك. (هذا) و (الفتح) بفتحتين جمع فتحة كقصبة، وهى الخواتيم العظام. و (الخواتم) جمع خالتم بكسر التاء وفتحها، المراد بها ما له فص او خواتم صغيرة تختص باصابع اليد.

العيدين. اخرجه ابن ماجه، وفى سنده عبد الرحمن بن سعد بن عمار، ضعيف (¬1). [302]. وقد ذكر الفقهاء أنه يطلب افتتاح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع تكبيرات (لقول) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: السنة أن تفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع تكبيرات تترى. أخرجه البيهقى وابن ابى شيبة (¬2) (130) لكن عبيد الله المذكور تابعى، وقول التابعى: السنة كذا، ليس ظاهراً فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم فلا يحتج به. أما إذا قاله الصحابى فيحتج به على الراجح (قال ابن القيم) وكان النبىصلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه فى حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتى العيد بالتكبير. (وقد) اختلف الناس فى افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقبل: يفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام تقى الدين: هو الصواب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو اجذم (¬3) وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله (¬4). (ويسنّ) وقوف الخطيب فى العيد على الأرض متكئاً على قوس أو عصاً (لما روى) البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم نُوِّل يوم العيد قوساً فخطب عليه. أخرجه أبو داود. وعند أحمد: وأعطى قوساً أو عصاً فاتكأ عليه (¬5). [303]. ¬

(¬1) ص 201 ج 1 سنن ابن ماجه (الخطبة فى العيدين). (¬2) ص 299 ج 3 سنن البيهقى (التكبير فى خطبة العيدين). (¬3) تقدم رقم 188 ص 197 (اركان خطبة الجمعة). (¬4) ص 133 ج 1 زاد المعاد (هدية فى العيدين). (¬5) ص 322 ج 6 منهل (يخطب على قوس)، وص 153 ج 6 الفتح الربانى. و (نول) بضم فكسر وشد، أى أعطى.

وله أن يخطب على راحلة (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد على راحلته. اخرجه أبو بعلى بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). [304]. هذا، وإن خطب قاعداً فلا بأس، لأن الخطبة غير واجبة فأشبهت صلاة النافلة. أما خطبة العيد على منبر فخلاف السنة (لقول) ابى سعيد الخدرى: أخرج مروان المنبر فى يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر فى يوم عيد ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ولم يكن يبدأ بها. فقال أبو سعيد الخدرى: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فإن استطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (¬2). [ 305]. ¬

(¬1) ص 205 ج 2 مجمع الزوائد (الخطبة للعيد على الراحلة). (¬2) ص 151 ج 6 - الفتح الربانى. وص 315 ج 6 - المنهل العذب (الخطبة يوم العيد) وص 196 ج 3 سنن البيهقى (يبدأ بالصلاة قبل الخطبة) وذلك أضعف الإيمان: أى هذا الفريق من المنكرين اهل الإيمان قوة وأعجزهم عن تغيير المنكر، وليس المراد أن المنكر بقلبه ضعيف افيمان، لأنه أدى ما فى وسعه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. (والمقصود) من الحديث بيان مراتب المنكرين من جهة قوتهم. فأقواهم العلماء المسلطون الذين ينصحون فإن لم يغن النصح لجأوا على القوة، ويليهم العلماء الذين لا سلطان لهم ومن يستطيعون النصح فإن لم يغن النصح لجأوا إلى القوة، ويليهم العلماء الذين لاسلطان لهم ومن يستطيعون النصح بما أوتوا من الحكمة ومعرفة كيف يدعون إلى سبيل ربهم بالموعظة الحسنة، وأضعفهم الذين يجهلون طرق الإنكار بالحسنى، والذين لا يستطيعون إذ يرون المعصية إلا أن يقولوا فى أنفسهم: اللهم إن هذا منكر لا يرضيك. (وليس) مراده صلى الله عليه وسلم أن يلجأ المنكر إلى القوة بلا إنذار من القول (وفى سنته) صلى الله عليه وسلم فى دعوته إلى الاسلام، وسنة اصحابه رضى الله عنهم فى مكافحة عصاة المسلمين (دليل) على ذلك. فقد عرض صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، وأرسل الكتب إلى القياصرة والأكاسرة داعياً هؤلاء وهؤلاء إلى الاسلام، فأثمرت هذه الدعوة ما أثمرت، ومن لم يقبل عولج بالقوة. (وفى الحديث) من أمر =

هذا. وقد اتفق الأئمة على أنخطبة العيد واستماعها سنة، لما روى عطاء عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع النبى صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحبق أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن ¬

= بمعروف فليكن أمره بمعروف. اخرجه البيهقى عن ابن عمرو (61) انظر رقم 31 وص 688 فيض القدير. (وسمع) عمر رضى الله عنه برجل بالشام يرتكب منكراً فلم يجلب عليه عمر بخيله ورجله وقد كان ذلك بيده وهو عليه هين، وإنما كتب: بسم الله الرحمنالرحيم "حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول". فكف الرجل عن العصيان من فوره. فينبغى التدرج فى الإنكار فيكون باللسان قبل اليد وباللين قبل الشدة وبالإسرار قبل الإعلان، وليس من الحزم فى شئ أن يلجأ مسلط إلى القوة فى موضع تغنى فيه العظة ولا من العقل أن يشتد المنكر فى القول واللين ممكن مثمر والإسرار بالإنكار نصيحة والإعلان فضيحة، فقدم الأولى ما أمكنت، ولا تلجأ إلى الأخرى إلا مضطراً. هذا ولا يسقط عن المكلف الأمر والنهى لظنه عدم الإفادة، وإنما عليه الأمر والنهى لا القبول. قال تعالى: " ما على الرسول إلا البلاغ " ولا يشترط فى الأمر والناهى كونه ممتثلا ما يؤمر به بل يلزم العاصى النهى عما هو مرتكبه لأن عليه تركه وإنكاره فلا يسقط إحداهما بترك الآخر. وفى الحديث: مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه، وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله. أخرجه الطبرانى فى الصغير عن أنس (62) انظر رقم 8177 ص 622 ج 5 فيض القدير. (ويشترط) فىالآمر والناهى كونه عالماً بما يأمر به وينهى عنه، ولا ينكر إلا ما أجمع على إنكاره. = (وعلى الجملة) فباب الأمر والنهى باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. فينبغى للعاقل ان يهتم به مع الإخلاص لله تعالى، وليحذر من تركه لما يترتب على تركه من الضرر العام، فإن المعاصى إذا فشت ولم ينه عنها عم العذاب الصالح والطالح وحرم الناس غجابة دعائهم. (ففى) الحديث: والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. أخرجه البيهقى =

أحب أن يهذب فليذهب. اخرجه النسائى وابن ماجه وأبو داود والبيهقى والدارقطنى والحاكم، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (¬1). [306]. هذا، وإنما أُخرت الخطبة عن الصلاة، لأنها لما كانتغير واجبة جعلت فى وقت يتمكن من أراد تركها من تركها، بخلاف خطبة الجمعة، والاستماع لها أفضل (وقد) روى عن الحسن وابن سيرين أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب. (وقالت) إبراهيم النخعى: يخطب الإمام يوم العيد قدر ما يرجع النساء إلى بيوتهن، وهذا يدل على أنه لا يستحب لهنّ الجلوس لاستماع الخطبة لئلا يختلطن بالرجال. (وحديث) النبى صلى الله عليه وسلم فى موعظته النساء بعد فراغه من ¬

= والترمذى وحسنه عن حذيفة (63) انظر ص 169 ج 3 الترغيب (ولا يهاب) مؤمن سطوة من ينكر عليه لعلو مرتبته فإن الله ناصره. قال تعالى: " يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم" سورة محمد آية 7، وقال: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " آخر سورة العنكبوت. (وفى) الحديث: إن أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. أخرجه ابو داود والترمذى عن أبى سعيد (64) انظر ص 33 ج 1 تيسير الوصول (الأمر بالمعروف .. ) (وقوله) تعالى: " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " (لا ينافى) لزوم الأمر والنهى، لأن معناه إذا فعلتم ما كفلتم به ومنه الأمر والنهى فلا يضركم تقصير غيركم. (قال) أبو بكر رضى الله عنه: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها " يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم .. إلخ" وإنا سمعنا النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب. أخرجه الأربعة وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (65) انظر ص 32 ج 1 تيسير الوصول. (¬1) ص 233 ج 1 مجتبى (التخيير بين الجلوس فى الخطبة للعيدين) وص 336 ج 6 المنهل العذب (الجلوس فى الخطبة) وص 201 ج 1 سنن ابن ماجه (انتظار الخطبة بعد الصلاة) وص 301 ج 3 سنن البيهقى (الاستماع للخطبة) وص 172 سنن الدارقطنى. وص 295 ج 1 مستدرك.

(13) الجماعة فى صلاة العيد

خطبته (دليل) على أنهنّ لم ينصرفن قبل فراغه. وسنة صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع. قاله أبو محمد بن قدامة (¬1). (تنبيه) علم أن المشروع في خطبة العيد تأخيرها عن الصلاة، فلو قدمت عليها لا يعتد بها عندالشافعية والحنبلية وتعاد بعد الصلاة. (وقال) الحنفيون ومالك: يعتد بالخطبة معالكراهة وتعاد ندباً. (13) الجماعة فى صلاة العيد الجماعة شرط فى صحة صلاة العيد كالجمعة عند الحنفيين، وهو رواية عن أحمد، فمن لم يدركها مع الإمام لا يصليها وحده ولو فى الوقت عند الحنفيين، لأنها لم تعرف قربة إلا بالجماعة، فلا تتم بالمنفرد، ويأثم إن فاتته بلا عذر. (وعن) أبى حنيفة: أن من حضر المصلى ولم يدرك صلاة العيد مع الإمام فله أن يصلى ركعتين أو أربعاً (روى) أبو حنيفة عن حماد قال: سألت إبراهيم: إذا لم أخرج مع الإمام فى العيد اُصلى فى بيتى كما يصلى الإمام؟ قال: لا. قلت: فإذا اتيت الجبانة وقد فاتنى كم أُصلى؟ قال: إن شئت فصل ركعتين، وإن شئت اربعاً، وإن شئت فلا شئ. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬2). (131). (وقالت) الحنبلية: لا يجب قضاؤها بل يستحب، لما روى عن أنس أنه كان إذا لم يشهد العيد معالإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله ابن أبى عتبة مولاه فيصلى بهم ركعتين يكبر فيهما (132) ولأنها قضاء صلاة فكانت على صفتها كسائر الصلوات. وهو مخير: إن شاء صلاها فىجماعة كما ذكرنا عن أنس، وإن شاء صلاها وحده. (وعن أحمد) أنه يقضيها أربعاً، إما بسلام واحد أو بسلامين. وهو قول ¬

(¬1) ص 246 مغنى، وحديث وعظه صلى الله عليه وسلم النساء تقدم رقم 298، 299. (¬2) انظر رقم 291 ص 59 كتاب الآثار (صلاة العيدين) و (الجبانة) المصلى فى الصحراء.

(14) تأخير صلاة العيد لعذر

النووى، لما روى عن عبدالله بن مسعود أنه قال: من فاته العيد فليصل أربعاً (¬1). (وروى) عن على رضى الله عنه أنه قال: إن أمرت رجلا أن يصلى بضعفة الناس أمرته أن يصلى أربعاً. رواهما سعيد بن منصور (134) ذكره أبو الفرج عبدالرحمن بن قدامة (¬2). (وقالت) المالكية: الجماعة فىالعيد سنة مؤكدة لمن تلزمه الجمعة وأمكنه تأديتها مع الإمام. ومن فاتته مع الإمام يندب له صلاتها منفرداً فى وقتها ولا تقضى بعد الزوال. (وقال) الحسن البصرى والشافعية: الجماعة مندوبة فى العيد فتصح من المنفرد والمسافر والعبد والنساء. وتقضى لو فاتت. وهو رواية عنأحمد. ومن أدرك إمام العيد فى التشهد فقد أدرك العيد، فإذا سلم الإمام قام المسبوق فصلى ركعتين يأتى فيهما بتكبير العيد اتفاقاً، لعموم ما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا (¬3). وهو بعمومه يتناول العيد، ولأنه أدرك بعض الصلاة التى ليست بدلا من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات. (14) تأخير صلاة العيد لعذر إذا منع عذر من صلاة عيد الفطر فى أول شوال، كأن حصل مطر شديد، أو غم الهلال وشهد قوم بعد زوال يوم العيد بأنهم رأوه أمس، صلوها فى وقتها من اليوم الثانى عند الحنفيين والأوزاعى والثورى وأحمد ¬

(¬1) وأخرجه ايضاً الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات، ص 205 ج 3 مجمع الزوائد (من فاتته صلاة العيد). (¬2) ص 250 ج 2 - الشرح الكبير (حكم من فاتته صلاة العيد). (¬3) تقدم رقم 234 ص 284 (ما تدرك به الجمعة).

وإسحق، لما تقدم عن أبى عمير بن أنس قال: حدثنى عمومتى من الأنصار قالوا: أغمى علينا هلال شوال وأصبحنا صباحاً فجاء ركب من ىخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا على عيدهم من الغد (¬1). (وقالت) المالكية: إن تبين العيد قبل الزوال صلوا، وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغدو. رواه الخطابى عن الشافعى. والحديث حجة عليهم. (قال) الخطابى. سنة النبى صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع. وحديث ابى عمير صحيح، فالمصير إليه واجب (¬2). (ولا) يصلى عيد الفطر بعد اليوم الثانى ولو بعذر عند الحنفيين، لأن الأصل فى صلاة العيد ألا تقضى، لكن ورد الحديث بتأخير عيد الفطر إلى الغد لعذر فبقى ما عداه على الأصل. (وقالت) الحنبلية: يقضى ولو بعد ايام قياساً على ما فى حديث ابى عمير. (والصحيح) عند الشافعية ان صلاة العيد تقضى فى أى وقت كسائر النفل المؤقت (أما) صلاة الأضحى فيجوز عند الحنفيين تأخيرها إلى اليوم الثانى أو الثالث ولو بلا عذر. ولا تصلى بعد ذلك، لتقييدها بايام النحر وتأخيرها عن اليوم الأول بلا عذر مكروه. (والفرق) بين الفطر والأضحى ان عيد الفطر الذى اثضيفت إليه الصلاة يوم واحد، وعيد الأضحى ثلاثة ايام؛ لأنها كلها ايام الأضحى بالإجماع، فالصلاة فيما سوى ذلك من الأيام لا تسمى صلاةالعيد، إلا ان النقل ورد بها عند العذر فى اليوم الذى يلى يوم الفطر - مع أنه ليس عيد الفطر- على خلاف القياس فاقتصر عليه، قاله العلامة الحلبى (¬3). ¬

(¬1) تقدم رقم 265 ص 317 (حكم صلاة العيد). (¬2) انظر ص 252 ج 1 معالم السنن. (¬3) انظر ص 571 غنية المتملى (صلاة العيد).

(15) التهنئة بالعيد

(وقالت) الحنبلية: صلاة عيد الأضحى كعيد الفطر تقضى إن أخرت لعذر وغيره ولو مضى أيام. وقالت المالكية: وقت صلاة العيدين من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال فلا تقضى بعده لأن النوافل لا تقضى. والصواب ما دل عليه الحديث. هذا. ويسنّ قيام الإمام للناس بعد العيد ونظره إليهم (لقول) عبد الرحمن ابنعثمان التيمى: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فى السوق يوم العيد ينظر والناس يمرون. أخرجه أحمد وأبو يعلى. وكذا الطبرانى فى الكبير والأوسط بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العيدين أتى وسط المصلى فقام فنظر إلىالناس كيف ينصرفون وكيف سمتهم ثم يقف ساعة ثم ينصرف ز رجال الطبرانى موثقون (¬1). [307]. (15) التهنئة بالعيد (¬2) يباح- عند الجمهور- الهنئة يوم العيد بنحو: تقبل الله منا ومنك (لقول) حبيب بن عمر الأنصارى: حدثنى أبى قال: لقيت وائلة يوم عيد فقلت: تقبل الله منا ومنك، فقال تقبل الله منا ومنك. أخرجه الطبانى فى الكبير. قال الهيثمى: وحبيب قال الذهبى: مجهول. وقد ذكره ابن حنان فى الثقات، وأبوه لم أعرفه (¬3). (135). وعن مالك أنه كره قول الرجل لغيره: تقبل الله منا ومنك، وقال هو من فعل الأعاجم. وعن الأوزاعى أنه بدعة. والأظهر أنه لا بأس به لما فيه من الأثر. قاله العلامة الحلبى (¬4). ¬

(¬1) ص 127 ج 6 الفتح الربانى. وص 206 ج 2 مجمع الزوائد (النظر إلى الناس) و (السمت) بفتح فسكون ك الهيئة والسكينة والوقار. (¬2) التهنئة: الدعاء بالهناءة لمن فاز بخير دينى أو دنيوى لا يضره فى دينه. (¬3) ص 306 ج 2 مجمع الزوائد (التهنئة بالعيد). (¬4) ص 573 غنية المتملى. وقد ألف العلامة السيوطى فى التهانى رسالة خاصة سماها =

(وقال) العلامة بهرام: روى مطرف وابن كنانة عن مالك أنه سئل عن ¬

= (وصول الأمانى باصول التهانى) ذكر فيها إحدى عشرة تهنئة غير التهنئة بالعيد. وهاك ملخصها: 1 - يسن تهنئة من حصل على درجة عالية ومنزلة رفيعة (لقول) أنس بن مالك: نزل على النبى صلى الله عليه وسلم ك " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " مرجعه من الحديبية. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت على آية أحب إلى مما على وجه الأرض، ثم قرأها عليهم. فقالوا: هنيئاً لك مريئاً يا رسول الله (الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى. وهذا لفظه (66) انظر ص 164 ج 1 تيسير الوصول (سورة الفتح) وص 15 ج 4 تحفة الأحوذى. (ولقول) أسامة بن زيد: تبعت رسول اللهصلى اللهعليه وسلم إلى بيت حمزة فلم نجده نفقالت إمرأته: جئت يا رسول الله وأنا أريد أن آتيك وأهنئك، أخبرنى أبو عمارة (تعنى حمزة) أنك أعطيت نهراً فى الجنة يدعى الكوثر. أخرجه الحاكم (67) انظر ص 105 ج 1 الحاوى للفتاوى. (ولحخديث) البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فلى مولاه. فقال عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا على أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه أحمد (68) انظر ص 281 ج 4 مسند أحمد (حديث الباء بن عازب رضى الله عنه). 2 - ويسن التهنئة بالتوبة ونحوها كالراءة من عيب نسب إليه (لقول) كعب بن مالك فى قصة توبته: وانطلقت أتأت (أى أقصد) رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئونى قبتوبتى ويقولون: ليهنك (بكسر ففتح فسكون فكسر، أى ليكن هنيئاً لك) توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلىالله عليه وسلم حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى هنأنى، فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت علىرسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك (الحديث) أخرجه الشيخان والثلاثة (69) انظر ص 33 ج 1 تيسير الوصول (سورة التوبة). 3 - ويسن التهنئة بالبرء من المرض (لقول) خوات بن جبير: مرضت فعادنى النبىصلى الله عليه وسلم، فلما برئت قال: صح جسمك يا خوات. أخرجه الحاكم (70) انظر ص 106 ج 1 الحاوى (ولقول) مسلم بن يسار: كانوا يقولون للرجل إذا برأ =

قول الرجل لأخيه: تقبل اللمه منا ومنك وغفر الله لنا ولك. فقال: ما أعرفه ولا أنكره. ¬

= من مرضه ليهنئك الطهر. أخرجه ابن أحمد فى زوائد الزهد (20) انظر ص 106 ج 1 الحاوى. 4 - ويسن التهنئة بالحج بنحو: برنسكك، وقبل الله حجك، وكفر ذنبك. لما يأتى: (أ) ... رقم 1 ص 17 ج 9 (إرشاد الناسك). (ب) ... رقم 33 ص 349 منه. 5 - ويسن تهنئة القادم من الجهاد والعمل الصالح والسفر بنحو: الحمد لله الذى سلمك، الحمد لله الذى جمع الشمل بك (لقول) عروة بن الزبير: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه من بدر استقبلهم المسلمون بالروحاء (موضع بين مكة والمدينة) يهنئونهم. اخرجه الحاكم مرسلا بسند صحيح (71) انظر ص 107 ج 1 الحاوى. (ولقول) عائشة: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم فى غزوةفلما دخل استقبلته فأخذت بيده فقلت: الحمد لله الذى نصرك وأعزك وأكرمك. اخرجه ابن السنى (72) انظر ص 107 ج 1 - الحاوى للفتاوى. 6 - ويسن التهنئة بالنكاح (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا تزوج الإنسان قال له: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما فى خير. أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه (73) انظر ص 241 ج 2 سنن أبى داود (ما يقال للمتزوج) وص 171 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 301 ج 1 سنن ابن ماجه (تهنئة النكاح). ولما تزوج عقيل بن ابى طالب قيل له: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كماقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم بارك لهم وبارك عليهم". أخرجه ابن ماجه (74) انظر ص 302 ج 1 سنن ابن ماجه. و (الرفاء) بكسر الاء والمد: الالتئام وجمع الشمل. 7 - ويسن التهنئة بالمولود (لقول) كلثوم بن جوشن: جاء رجل عند الحسن وقد ولد له مولود فقيل له: يهنيك الفارس. فقال الحسن: وما يدريك أفارس هو؟ قالوا: كيف نقول يا ابا سعيد؟ قال: تقول: بورك لك فى الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ أشده. أخرجه ابن عساكر (21) انظر ص 108 ج 1 الحاوى. وكلثوم ابن جوشن ضعيف كما فى التقريب. =

(وفى) شرح العلامة محمد الحطاب للمختصر: قال ابو جعفر النحاس وغيره: لا اتفاق على كراهة قول الرجل لصاحبه: أطال الله بقاءك. وقال بعضهم: هى تحية الزنادقة. ¬

= (ولقول) السرى بن يحيى: ولد لرجل ولد فهنأه رجل فقال: ليهنك الفارس. قال الحسن البصرى: وما يدريك؟ قل: جعله الله مباركاً عليك وعلى أمة محمد. أخرجه الطبرانى فى الدعاء (22) انظر ص 108 ج 1 - الحاوى. 8 - ويسن للتهنئة بشهر رمضان (لقول) سلمان الفارسى: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر يوم من شعبان فقال: يا ايها الناس غنه قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر (الحديث) أخرجه الأصبهانى فى الترغيب (75) وتقدم تاماً رقم 221 ص 225 قال ابن رجب: هذا الحديث اصل فى التهنئة بشهر رمضان. 9 - ويسن التهنئة بالثوب الجديد (لقول) ام خالد بنت خالد: إن رسول الله صلى اللهعليه وسلم كساها خميصة فألبسها بيده وقال: أبلى وأخلقى، مرتين. أخرجه البخارى (76) انظر ص 235 ج 10 فتح البارى (ما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً). (ولقول) ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليهوسلم رأى على عمر قميصاً ابيض فقال: ثوبك هذا غسيل ام جديد؟ قال: لا بل غسيل قال: ألبس جديداً، وعش حميداً ومت شهيداص. أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (77) انظر ص (192) ج 2 (ما يقول الرجل إذا لبس ثوباً جديداً). (ولقول) أبى نضرة: كان اصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم إذا لبس احدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلى ويخلف الله عز وجل. اخرجه سعيد بن منصور فى سنته (23) انظر ص 110 ج 1 الحاوى. 10 - ... ويستحب التهنئة بالصباح والمساء (لحديث) ابنعمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف اصبحت يا فلان؟ قال: أحمد الله إليك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك الذى أردت منك. اخرجه الطبرانى بسند حسن (78). (ولقول) ميسرة بن حبس: لقيت وائلة بن الأسقع فسلمت عليه فقلت: كيف أنت يا ابا شداد اصلحك الله؟ قال: بخير يا بن أخى. أخرجه الطبرانى بسند جيد (24) انظر ص 110 ج 1 الحاوى للفتاوى. 11 - قال الغزالى فى الإحياء: فى أدب الحمام: لا بأس بقول الرجل لغيره: عافاك الله. انظر ص 108 ج 1 الحاوى، وقال النووى فى الأذكار: لو قال إنسان =

(وفى) الاستيعاب لابن عبد البر: أن عمر قال لعلى رضى الله عنهما: صدقت أطال الله بقاءك (136) فإن صح ابطل الاتفاق المذكور (¬1). (وقال) ابن الحاج فى المدخل: لقد اختلف علماؤنا فى قول الرجل لأخيه يوم العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر الله لنا ولك، على أربعة أقوال: جائز لأنه قول حسن. مكروه لأنه من فعل اليهود. مندوب إليه لأنه دعاء. ودعاء المؤمن لخيه مستحب (الرابع) لا يبتدئ به غيره. فإن قال له أحد رد عليه مثله. وإذا كان اختلافهم فى هذا الدعاء الحسن مع تقدم حدوثه؛ فما بالك بقول القائل: عيد مبارك. مجرداً عن تلك اللفاظ، مع أنه متأخر حدوثه. فمن باب أولى ان يكرهوه. وهو مثل قولهم: يوم مبارك. وليلة مباركة، وصبحك الله بالخير، ومساك بالخير. وقد كره علماؤنا رحمة الله عليهم كل ¬

= لصاحبه على سبيل المودة والمؤانسة: دام لك النعيم ونحوه من الدعاء فلا باس به. انظر ص 37 ج 1 كشف الخفاء. (وأما) ما ذكر فى الفردوس عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأبى بكر وعمر وقد خرجا من الحمام: طاب حمامكما (فغير) صحيح. قال السخاوى: لم يصح شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه فى الحمام، لأنه لم يكن فى عهدهم حمام على ما يعرفه الناس (79). انظر رقم 1647 ص 36 ج 2 كشف الخفاء. (وعلى الجملة) فالتهنئة كالتعزية من حق المسلم على المسلم، والجار على جاره (لحديث) معاوية بن حيدة قال قلت: يا رسول الله ما حق جارى؟ قال: إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن اصابه خير هنأته، وإن اصابته مصيبة عزيته، ولا ترفع بناءك فوق بنائه لتسد عليه الريح، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها. اخرجه الطبرانى. وفى سنده ابو بكر الهذلى وهو ضعيف (80) انظر ص 165 ج 8 مجمع الزوائد (حق الجار والوصية به). (¬1) ص 199 ج 2 مواهب الجليل لشرح مختصر خليل آخر (صلاة العيد).

(16) الرجوع بعد صلاة العيد

ذلك. وأما المعانقة فقد كرهها مالك وأجازها ابن عيينة، أعنى عند اللقاء من غيبة كانت. (وأما) فى العيد لمن هو حاضر معك فلا. وأما المصافحة فإنها وضعت فى الشرع عند لقاء المؤمن لخيه، وأما فى العيدين على ما اعتاده بعضهم عند الفراغ من الصلاة يتصافحون فلا اعرفه. لكن قال الشيخ الإمام ابو عبد الله النعمان رحمه الله: إنه ادرك بمدينة فاس - والعلماء العاملون بعلمهم بها متوافرون- انهم كانوا إذا فرغوا من صلاة العيد صافح بعضهم بعضاً، فإن كان يساعدهم نقل عن السلف، فيا حبذا، وإن لم ينقل عنهم فتركه اولى (¬1). (16) الرجوع بعد صلاة العيد يستحب الرجوع من طريق غير طريق الذهاب (لقول) جابر: كان النبى صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عيد خالف الطريق. اخرجه البخارى (¬2). [308]. (ولقول) ابن عمر: إن النبى صلى الله عليه وسلم اخذ يوم العيد فى طريق ثم رجع فى طريق آخر. اخرجه ابو داود والبيمقى والحاكم بسند رجاله ثقات (¬3). [309]. والحكمة فى ذلك ان يشهد له الطريقان وسكانهما من الإنس والجن ولإظهار شعائر الإسلام، وأن تعم البركة الطريقين والسلام على أهل الطريقين وتعليمهم وإرشادهم، ولو رجع فى الطريق الذى ذهب فيه جاز (لقول) بكر بن مبشر الأنصارى: كنت اغدو مع اصحاب رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 140 ج 2 المدخل (فى سلام العيد). (¬2) انظر ص 322 ج 2 فتح البارى (من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد). (¬3) انظر ص 337 ج 6 المنهل العذب (الخروج إلى العيد فى طريق ويرجع فى طريق) وص 309 ج 3 سنن البيهقى. وص 296 ج 1 مستدرك.

(17) هل للعيد راتبة؟

وسلم إلى المصلى يوم الفطر ويو الأضحى فنسلك بطن بطحان حتى نأتى المصلى فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا. اخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى (¬1). [310]. (17) هل للعيد راتبة؟ لا راتبة للعيد قبلها ولا بعدها عند كافة العلماء (لقول) ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. أخرجه السبعة وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2). [311]. واختلفوا فى النفل المطلق، فقال الحنفيون والثورى وإسحاق وأحمد: يكره التنفل قبلها وبعدها فى مكان الصلاة، ولا يكره التنفل بعدها فى المنزل (لقول) ابى سعيد الخدرى: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى قبل العيد شيئاً، فغذا رجع على منزله صلى ركعتين. اخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه وحسنه الحافظ ابن حجر. لكن فى سنده عبد الله بن محمد بن عقيل ضعفه بعضهم (¬3). [312]. (وروى) أبو حنيفة عن حماد قال: سألت إبراهيم وسعيد بن جبي عن الصلاة قبل العيد فقالا: لا صلاة قبلها. وقال إبراهيم: صل بعدها أربعاً. وقال سعيد بن جبير: صل بعدها كم شئت. أخرجه ابو يوسف فى الآثار (¬4). (137). ¬

(¬1) ص 339 ج 6 المنهل العذب، وص 296 ج 1 مستدرك، و 3 ص 309 ج 3 سنن البيهقى. و (بطحان) بفتح أو ضم فسكون: واد بالمدينة. (¬2) ص 158 ج 6 الفتح الربانى، وص 325 ج 2 فتح البارى (الصلاة قبل العيد) وص 180 ج 6 نووى مسلم (ترك الصلاة قبل العيد وبعدها فى المصلى) وص 340 ج 6 المنهل العذب، وص 325 ج 1 مجتبى، وص 201 ج 1 سنن ابن ماجه، وص 378 ج 1 تحفة الأحوذى. (¬3) ص 203 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة قبل العيد وبعدها) وص 297 ج 1 مستدرك. (¬4) انظر رقم 289 ص 59 (صلاة العيدين).

(ومشهور) مذهب المالكية: أنه يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت فىالصحراء لعموم ما تقدم عنابن عباس (وأما) إن أديت فى المسجد فلا يكره لإمام ولا مأموم تنفل قبلها ولا بعدها، لأن الحديث إنما كان فى الصحراء. (وقالت) الشافعية: يكره التنفل قبلها وبعدها فى المصلى وغيره للإمام لظاهر حديث ابن عباس. ولا يكره لغير الإمام لعدم ما يدل على المنع شرعاً. (قال الشافعى) ما معناه: وهكذا أحب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها. وأما المأموم فمخالف له فى ذلك (¬1). وقال الحافظ: والحاصل أن صلاة العيد لم تثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة (وأما) مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك فى وقت الكراهة فى جميع الأيام (¬2). (وقال) (الشوكانى كط ليس فى الباب ما يدل على منع مطلق النفل ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد فى المسجد 0 نعم) فى التلخيص ما لفظه: وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها (¬3). [313]. فإن صح هذا كان دليلا على المنع مطلقاً، لأنه نفى فى قوة النهى (¬4) أقول (النفى) بعدها فى هذا الحديث وحديث ابن عباس (محمول) على عدم التنفل فى المصلى، جمعاً بينها وبين حديث أبى سعيد (وعليه) فالراجح ما قاله الحنفيون ومن معهم. ¬

(¬1) ص 207 ج 1 كتاب الأم (الصلاة قبل العيد وبعده). (¬2) ص 325 ج 2 فتح البارى (الصلاة قبل العيد وبعده). (¬3) انظر هامش 3 ص 44 ج 5 شرح المهذب وهذا الحديث لم نقف عليه فى مسند أحمد فلعله فى كتاب له غير المسند. (¬4) ص 373 ج 3 نيل الأوطار (لا صلاة قبل العيد ولا بعدها).

(18) تكبير التشريق

(18) تكبير التشريق (¬1) اتفق العلماء على أن التكبير مشروع عقب الصلوات وغيرها فى الأضحى (قال) البخارى: وكان عمر رضى الله عنه يكبر فى قبته بمنى فيسمعه اهل المسجد فيكبرون ويكبر اهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً (138) وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفى فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك اليام جميعاً (¬2). (139). (وعن) أبى هريرة ان النبى صلى الله عليه وسلم قال" زينوا أعيادكم بالتكبير".اخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط. وفى سنده عمر بن راشد، ضعفه أحمد وابن معين والنسائى. وقال العجلى: لا بأس به. قاله الهيشمى (¬3). [314]. هذا. ويتعلق بتكبير التشريق أمور: بيان حكمه، ووقته، ومحل أدائه، وكيفيته. (1) فحكمه أنه واجب على الأصح عند الحنفيين، لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬4) على القول بأن المراد بها ايام التشريق (¬5) ولم يكن فرضاً، لاحتمال أن المراد ذكر الله تعالى عند رمى الجمار، لقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (¬6) فلم تكن الاية قطعية الدلالة. ... ... (قال) العلامة الحلبى: وتكبير التشريق عقب الصلوات قيل سنة ¬

(¬1) الإضافة فيه بيانية اى تكبير هو التشريق. والتشريق يطلق لغة على رفع الصوت بالتكبي، كما يطلق على تجفيف لحوم الضحايا فى الشرقة (أى الشمس). (¬2) ص 315 ج 2 فتح البارى (التكبير ايام منى ... ) و (الفسطاط) خيمة من الشعر. (¬3) ص 198 ج 2 مجمع الزوائد (التكبير فى العيدين). (¬4) سورة البقرة، الآية 203. (¬5) روى ابو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: ايام معلومات: ايام العشر، وايام معدودات: ايام التشريق. اخرجه ابو يوسف فى الاثار (25) انظر رقم 289 ص 60. (¬6) سورة البقرة، الآية 203.

عندنا، والأكثر على أنه واجب لمواظبته عليه الصلاة والسلام عليه- من غير ترك. وكذا الخلفاء الراشدون والصحابة بشرط الإقامة والحرية والذكورة. وكون الصلاة فريضة بجماعة مستحبة. هذا كله عند أبى حنيفة. فلا يجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة إلا إذا اقتدوا بمن يجب عليه (¬1). وقال الجمهور: تكبير التشريق لن مجرد المواظبة لا يفيد الوجوب. (2) ووقته من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر ايام التشريق الثلاثة وهى الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر من ذى الحجة (روى) أبو الطفيل عن على بن أبىطالب وعمار بن ياسر انهما سمعا النبىصلى الله عليه ويلم يكبر فى دبر الصلوات المكتوبات من صلاة الفجر غداة عرفة إلى صلاة العصر آخر ايام التشريق. اخرجه الدارقطنى من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفى وقد ضعفا (¬2). [325]. (وروى) شقيق عن على رضى الله عنه أنه كان يكبر بعد صلاةالفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر منآخر ايام التشريق. اخرجه ابن أبى شيبة. وهذا لفظه والحاكم والبيهقى ومحمد بن الحسن وابو يوسف فى الاثار بسند صحيح (¬3) (140). وقال أبو حنيفة: يكبر عقب كل فرض عينى - بلا فاصل يمنع البناء- أدى بجماعة مستحبة من صبيح يوم عرفة إلى بعد عصر يوم العيد (ل 4 قول) الأسود: كان عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أخرجه ابن أبى شيبة بسند جيد (¬4). (141). ¬

(¬1) ص 574 غنية المتملى (فروع). (¬2) ص 181 سنن الدارقطنى. (¬3) ص 222 ج 2 نصب الراية (تكبير التشريق)، وص 299 ج 1 مستدرك، وص 314 ج 3 سنن البيهقى، وانظر رقم 295 ص 90 كتاب الآثار (صلاة العيدين). (¬4) ص 223 ج 2 نصب الراية (تكبير التشريق).

(وعن) أبى حنيفة أنه يكقبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر ايام التشريق (روى الهيثم) عن ابن عباس أنه قال فى التكبير: من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬1) (142). (وقالت) المالكية: يكبر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر ايام التشريق (لقول) ابن عمر: التكبير أيام التشريق بعد الظهر من يوم النحر، وآخره فى الصبح من آخر أيام التشريق. أخرجه الدارقطنى (¬2). (143). (والراجح) القول الأول (قال) الحافظ: ولم يثبت فى شئ عن ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث. وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره (¬3). (144). (3) ومحل التكبير- عند مالك وأبى يوسف- عقب كل فرض عينى حتى الجمعة، ولو صلى بلا جماعة أو فى سفر، وعليه الفتوى عند الحنفيين. فخرج النفل والوتر وصلاة الجنازة والعيد. (وعن) أحمد فى صلاة العيد روايتان، الظاهر أنه يكبر عقبها، لأنها صلاة مفروضة فى جماعة فأشبهت الصبح (وقيل) لا يسن التكبي بعدها، لأنها ليست من الصلوات الخمس فأشبهت النوافل. (وقال) أبو حنيفة والثورى وأحمد: يكبر عقب كل فرض عينى أدى بجماعة مستحبة من مقيم وكذا من مسافر عند الحنبلية. (قال) الأثرم: قلت لأبى عبد الله (يعنى أحمد) أذهب إلى فعل ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده. قال أحمد: نعم. وقال ابن مسعود: التكبير إنما على من صلى فى جماعة (ذكره أبو محمد بن قدامة (¬4)) (145). ¬

(¬1) انظر رقم 296 ص 60 كتاب الآثار (صلاة العيدين). (¬2) ص 182 سنن الدارقطنى. (¬3) ص 316 ج 2 فتح البارى (التكبير ايام منى). (¬4) ص 257 ج 2 مغنى (يكبر دبر كل صلاة مكتوبة ... ).

(وقال) الشافعى: يكبر عقب كل صلاة مفروضة أو نافلة منفرداً أو فى جماعة واختاره البخارى. (قال) الحافظ: وفى التكبير اختلاف بين العلماء فى مواضع: فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤاداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصردون القرية. وظاهر اختيار البخارى شمول ذلك للجميع، والآثار التى ذكرها تساعده (¬1). هذا والمسبوق يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته، لأنه ذكر شرع بعد السلام فلا يؤتى به فى أثناء الصلاة، وإن كان على المصلى سجود سهو بعد السلام سجده ثم يكبر. وهذا متفق عليه (¬2). (وقال) الحنفيون: لو كبر المسبوق مع الإمام بلا سلام لا تفسد، لأنه ذكر، ولا يتركه المؤتم إن تركه الإمام، لأنه يؤدى بعد الصلاة فلا يعد المأموم بالإتيان به مخالفاً لإمامه (قال) العلامة الحلبى: له إمام نسى التكبير فقام وذهب، فما لم يخرج من المسجد يعود ويكبر، لأن حرمة الصلاة قائمة، وإن خرج لا يعود ولا يكبر ولكن يكبر القوم وحدهم. وكذا إن كان الإمام لا يرى التكبير والمقتدى يراه يكبر وحده (¬3). (4) وكيفيته أن يقول مرة: الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد. لما تقدم عن ابن مسعود (¬4) (وقال) شريك: قلت لأبى إسحاق: كيف كان تكبير على وعبد الله بن مسعود؟ قال: كانا يقولان: الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد. أخرجه ابن أبى شيبة (¬5) (146). ¬

(¬1) انظر ص 315 ج 2 فتح البارى (التكبي) أيام منى. (¬2) انظر ص 257 ج 2 مغنى. (¬3) انظر ص 575 غنية المتملى. (¬4) تقدم أثر 141 ص 363. (¬5) انظر ص 224 ج 2 نصب الراية (تكبير التشريق).

واختاره الحنفيون وأحمد والثورى. واختار مالك لما تقدم عن سلمان الفارسى قال: كبروا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً (¬1). (واختار) الشافعى ما فى حديث جابر بن عبد الله قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول: على مكانكم ويقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق أخرجه الدارقطنى (¬2). [316]. وفى سنده عمرو بن شمر عنجابر الجعفى، وقد ضعفا. لكن رواه شعبة والثورى عنجابر الجعفى ووثقاه، وقال أحمد: لم يتكلم فى حديثه إنما تكلم فيه لرأيه. وعلى الجملة فقد ورد فى التكبير كيفيات كثيرة، وهو يدل على التوسعة فى الأمر. (فائدة) أطلقوا فى التكبير عقب هذه الصلوات فشمل الأداء والقضاء والمسألة ذات أوجه (¬3) فائتة هذه الأيام قضاها فيها من هذا العام: يكبر عند غير المالكية لبقاء الوقت. وعندهم لا يكبر، لأنه لم يشرع التكبير إلا عقب الحاضرة (¬4) وفائتتها قضاها فيها من عام آخر: يكبر عند أبى يوسف والشافعى وأحمد. وقال أبو حنيفة ومحمد ومالك: لا تكبير فيها لفوات وقته (¬5) وفائتة غير هذه الأيام إذا قضاها فيها: كبر بعدها عند الشافعى وأحمد، لأنها صلاة فعلت فى أيام التشريق (وقال) الحنفيون ومالك: لا يكبر، لأن التكبير خاص بما يؤدى فى أيام التشريق (¬6) وفائتتها إذا قضاها فى غير أيام التشريق فلا تكبير اتفاقاً؛ لأن التكبير مقيد بالوقت. ¬

(¬1) تقدم أثر 118 ص 329. (¬2) انرظ ص 182 سنن الدارقطنى. (¬3) انظر ص 224 ج 2 نصب الراية (تكبير التشريق). (¬4) تقدم أثر 118 ص 329., (¬5) انظر ص 183 سنن الدارقطنى. (¬6) انظر ص 161 ج 6 الفتح الربانى. وص 185 ج 6 نووى مسلم (الرخصة فى اللعب يوم العيد) وص 236 ج 1 مجتبى (اللعب فى المسجد يوم العيد .. ) =

(19) اللعب والغناء يوم العيد

(19) اللعب والغناء يوم العيد يباح اللعب بالحراب ونحوها يوم العيد فى المسجد وغيره للتدرب على أعمال الجهاد والبر، ولترويح النفس (لقول) عائشة رضى الله عنها: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لى منكبيه فجعلت أنظر إليهم منفوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت. أخرجه أحمد وأخرج مسلم والنسائى نحوه (¬1). [317]. ¬

= فجعلت أنظر إليهم: فى الحديث دليل على جواز نظر المرأة إلى الرجل وهو يلعب. (ولذا) قال الحنفيون والحنبلية: يجوز للمرأة أن تنظر من الرجل ولو أجنبياً ما فوق السرة وتحت الركبة، لأن ما ليس بعورة يستوى فيه الرجل والمرأة، فلها أن تنظر منه ما ليس بعورة منه إن أمنت الشهوة، فإن خافتها أو شكت يستحب لها غض بصرها. وقال بعض الحنفيين: لا يجوز للمرأة أن تنظرظهر وبطن الرجل. والأول هو الأصح وعليه المعول، وقالت المالكية: يجوز لها أن تنظر الوجه والعين من الرجل الأجنبى عند أمن الفنة وإلا حرم النظر، والأصح عند الشافعية أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى وجه الرجل الأجنبى ولو بلا شهوة فإن كان بشهوة فحرام اتفاقاً. (قال) النووى: وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبى: فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففى جوازه وجهان: أصحهما تحريمه لقوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}. ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة: احتجبا عنه (أى عن ابن أم مكتوم) فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا. فقال صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما؟ أليس تبصرانه؟ أخرجه أحمد والترمذى وقال: هذا حديث حسن (81). (وأجابوا) عن حديث عائشة بجوابين: (أقواهما) أنه ليس فيها أنها نظرت إلى وجوههم وابدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم. ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع النظر بلا قصد صرفته فى الحال (والثانى) لعل هذا قبل نزول الآية فى تحريم النظر وأنها كانت صغيرة قبل بلوغها، فلم تكن مكلفة على قول منيقول إن للصغير المراهق النظر. ص 184 ج 6 شرح مسلم. (و) يرد جوابه الثانى ما فى رواية ابن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومه سنة سبع فيكون عمرها 15 سنة. واستظهر الحافظ أن ذلك وقع بعد بلوغها. (¬1) تقدم ص 319 ج 3 الدين الخالص.

(وتقدم) فى بحث " ما يباح فى المسجد" رد دعوى أن اللعب فيه بالحراب ونحوها منسوخ (¬1) ويجوز الضرب بالدف يومالعيد والغناء الخالى عن التكسر والغزل ونحوه مما يثير النفوس (لحديث) عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان فى أيام منى تغنيان وتضربان بدفين ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى عليه بثوبه، فانتهرهما، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر فإنها ايام عيد. أخرجه أحمد ومسلم (¬2). [ 318]. (ولقول) عائشة: دخل ابو بكر وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاوت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزاميرالشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك فى يوم عيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا. أخرجه الشيخان (¬3). [319]. ¬

(¬1) ص 162 ج 6 الفتح الربانى وص 183 ج 6 نووى مسلم. والمراد بالدف دف العرب، وهو مدور لا خروق فى جلده ولا جلاجل فيه. وأما دف الملاهى فهو مدور جلده من رق أبيض ناعم وفيه جلاجل تسمى بالطار، صوته مطرب لنغمته. (¬2) ص 304 ج 2 فتح البارى (سنة العيدين لأهل الإسلام) وص 182 ج 6 نووى مسلم. و (بعاث) بضم ففتح غير مصروف على الأشهر: اسم حصن للأوس على ميلين منالمدينة، كانت به حرب عظيمة بينهم وبين الخزرج سنة سبع من البعثة قتل فيها خلق من أشرافهم وكبرائهم وكانت الغلبة فيه للأوس. وكان الأوس والخزرج أخوين فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل وتطاولت فتنتهم عشرين ومائة سنة. وآخر وقعة بينهم يوم بعاث. وهو مما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فى أسباب دخولهم فى الإسلام. قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت ثراتهم، وتأسست الضغائن والعداوة بينهم، فألف الله بينهم ببركة النبى صلى الله عليه وسلم. وفى هذا نزل قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} آل عمران الاية 103، وقوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} الأنفال 63 (وقالت) عائشة: كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد افترق ملؤهم وقتل ثراتهم. أخرجه البخارى (72) انظر ص 188 ج 7 فتح البارى (مقدم النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه المدينة). (¬3) الحداء كغراب: الغناء للإبل حثاً لها على السير.

(قال) الحافظ: واستدل جماعة من اصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة. ويكفى فى رد ذلك تصريح عائشة فىالحديث بقولها: وليستا بمغنيتين، فنفت عنهما منطريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذى تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة، وعلى الحداء (¬1) ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير تهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح. قال القرطبى: قولها: ليستا بمغنيتين. أى ليستا بمن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك. وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذى يحرك الساكن ويبعث الكامن. وهذا النوع إذ كان فى شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما منالأمور الحرمة لا يختلف فى تحريمه. وأما ما ابتدعته الصوفية فى ذلك فمن قبيل ما لا يختلف فى تحريمه. لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت منكثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة. وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب صالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سَنىّ الأحوال (¬2). وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة (¬3). ¬

(¬1) الحداء كغراب: الغناء للإبل حثاً لها على السير. (¬2) السنى: بفتح السين وسر النون وشد الياء: الكامل. (¬3) ص 303 ج 2 فتح البارى (الحراب والدرق يوم العيد) و (المخرقة) يقال: خرف الرجل خرفاً فهو خرف، من باب تعب: فسد عقله لكبره.

(20) بدع العيد

(وقال) النووى: واختلف العلماء فى الغناء، فأباحه جماعة منأهل الحجاز، وهىرواية عنمالك. وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق. ومذهب الشافعى كراهته، وهو المشهور من مذهب مالك. واحتج المجوزون بهذا الحديث. (وأجاب) الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان فى الشجاعة والقتل والحذق فى القتال، ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح (¬1). (20) بدع العيد (تقدم) أن يوم العيد من أفضل الأيام، تكثر فيه عوائد الله تعالى ونفحاته على عباده، تقف فيه الملائكة على أبواب الطريق منادين: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل. والله تعالى إذا رضى عن عبده هداه طريق الخير ووفقه- ولا سيما فى هذه الأوقات الفاضلة- للاهتداء بهدى النبى صلى الله عليه وسلم، ليجزيه أحسن الجزاء، ويثيبه أكمل الثواب. (وقد تقدم) بيان هديه صلى الله عليه وسلم وما ينبغى للعاقل أن يتحلى به فى هذه الأيام من صالح الأعمال وأفضل الخصال التى يرجى لمن تحلى بها كمال الرضوان ونهاية الإحسان، ولكن الشيطان للإنسان عدو مبين، قد آلى على نفسه أن يغوى الناس ويصدهم عن طريق الهداية، ويحسن لهم سبل الضلال، ليحول بينهم وبين رحمة الله وغفرانه، ويقذف بهم فى مهاوى الخزى والحرمان فحسن لهم البدع والعادات التى ما أنزل الله بها من سلطان، فارتكبوا فى هذه الأيام الفاضلة بدعاً كثيرة تعرضوا بها لغضب الله تعالى ومقته - نسأل الله السلامة والهداية - ويزدادزن يوماً بعد يوم فى إحياء البدع والإكثار منها، وإماتة السنن، حتى فشت البدع وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً. ¬

(¬1) انظر ص 182 ج 6 شرح مسلم.

وتحقق (قول) ابن عباس رضى الله عنهما: ما أتى علىالناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثوقون (¬1). (148). وحديث غضيف بن الحارث الشمالى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. اخرجه أحمد (¬2). [320]. وقول عبد الله بن الديلمى: بلغنى أن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة، كما يذهب الحبل قوة قوة. (149). (وقول) حسان: ما ابتدع قوم بدعة فى دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، هـ ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة. اخرجهما الدارمى (¬3). (150). هذا وبدع العيد كثيرة (منها) السهو ليلتى العيد فى غير طاعة، بل الاشتغال بزخارف الدنيا واللهو واللعب وغيرهما مما يؤدى إلى ترك إحياء الليلتين الشريفتين بأنواع الطاعة كما تقدم فى بحث " ما يطلب للعيد " (¬4). (ومنها) خروج النساء والرجال إلى المقابر ليلة العيد ويومه والبيات فيها، ويرتكبون فى ذلك ما تأباه المروءة. ولا يرضاه عقل ولا نقل (¬5). (ومن) البدع المنكرة: اجتماع بعض الجهلة فى المساجد وغيرها، يذكرون ويرقصون ويحرفون أسماء الله تعالى، وهو إلحاد فيها يترتب عليه مفاسد وأضرار لا تخفى على ذى لب. ¬

(¬1) ص 188 ج 1 مجمع الزوائد (البدع والأهواء). (¬2) ص 105 ج 4 مسند أحمد (حديث غضيف بن الحارث ... ). (¬3) ص 45 ج 1 سنن الدارمى (اتباع السنة). (¬4) انظر ص 322. (¬5) (وقد) أصدرت وزارة الداخلية بمصر فى 11 رمضان سنة 1344 هـ. الموافق 25 مارس سنة 1926 م (قراراً) خاصاً بالمقابر فيه ما يأتى: مادة 10 - ممنوع منعاً باتاً المبيت بالجبانات والمكث بها بعد الغروب بساعتينسواء أكان ذلك داخل الحيشان أو بجانب القبور الفدية، إلا للحرس الخصوصيين المعترف بهم من البوليس. مادة 15 - ممنوع منعاً باتاً التكفف فى الطرق داخل حدود الجبانات. مادة 16 - ممنوع منعاً باتاً داخل حدود الجبانات، الندب واللطم والعويل، وكذا الزار والملاهى. مادة 17 - يمنع داخل حدود الجبانات سير النساء فى الجنازات أو تعقبهن لها، وكذا يمنع سير الكفارات والموسيقات وحملة القماقم والمباخر والمولوية ونحوهم.

(قال) الإمام القرطبى: سئل الإمام أبو بكر الطرطوشى: ما يقول سيدنا الفقيه فى مذهب الصوفية أنه اجتمع جماعة من الرجال يكثرون من ذكر الله وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون - أشعاراً مع الطقطقة - بالقضيب على شئ من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه، ويحضرون شيئاً يأكلونه، هل الحضور معهم جائز؟ افتونا يرحمكم الله، وهذا القول الذى يذكرونه: يا شيخ كف عن الذنوب ... قبل التفرق والزلل واعمل لنفسك صالحاً ... ما دام ينفعك العمل أما الشباب فقد مضى ... ومشيب رأسك قد نزل (فأجاب) بقوله: مذهب هؤلاء بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السمرى لما اتخذ لهم عجلا جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من أحدثه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رءوسهم الطي من الوقار. فينبغى للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور فى المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم. هذا

مذهب الئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين (¬1) وقد تقدم نحوه فى بحث " بدع المساجد" (¬2). (ومنها) إيقاد المصابيح على المآذن وزيادة النور فى المساجد ليلة العيد وغيره من المواسم، وهو إسراف وحرام لا سيما إن كان منمال الوقف (روى) أبو هريرة أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: " آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث: آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وتسمعوا وتطيعوا لمن ولاه الله أمركم. وأنهاكمم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". اخرجه ابو نعيم فى الحلية وابن ماجه (¬3). [321]. وتقدم بأتمّ من هذا فى بحث " بدع المساجد" (¬4). (ومن البدع) الشنيعة تجديد الحزن على الموتى واجتماع النساء لذلك ليلة العيد يصحن على من لم يحل عليه الحول من الأموات، ويندبنه ويرتكبن ما يغضب الرب الغيور، ويشاققن الله ورسوله والمؤمنين ويخالفن سنن الدين، فيبوؤن بغضب رب العالمين (قال) تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (¬5). (ومنها) صلاةغير أهل مكة العيد فى المسجد إلا لضرورة تدعو على ذلك على ما تقدم بيانه فى بحث " مكان صلاة العيد ". أما مسجد مكة فقد اتفق العلماء على أن صلاة العيد فيه أفضل كما تقدم (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 237 ج 11 الجامع لأحكام القرآن. و (الخوار) كغراب: الصوت. (¬2) انظر ص 282 ج 3 الدين الخالص. (¬3) ص 4 راموز الأحاديث. (¬4) انظر ص 289 ج 3 الدين الخالص. (¬5) سورة النساء، الأية 115. (¬6) اتقدم من ص 330 - 332.

(ومنها) ترك التكبير فى الأوساق والطرق ليلة العيد وحال الذهاب إلى المصلى، وعدم التكبير إلى المصلى من غير الإمام، وتأخير الأكل عن صلاة العيد يوم الفطر وتقديمه عليها يوم الأضحى، وترك الغسل للعيد والتطيب وغيرها مما تقدم بيانه فى بحث " ما يطلب للعيد" (¬1). (ومنها) زيادة رفع الصوت بتكبير التشريق عقب الصلاة، زيادة على ما يسمع نفسه ومن يليه وجعله على وتية واحدة وصوت واحد، واختصاص المؤذنين بالتكبير دون غيرهم (واما ما يفعله) بعض المؤذنين من أنه إذا سلم الإمام، كبر المؤذنون على صوت واحد دون غيرهم رافعين أصواتهم بالتكبثير مطولين فيه والناس يستمعون لهم ولا يكبرون، كأن التكبير ما شرع إلا لهم، وإن كبر أحد منهم يمشى على أصواتهم (فذلك) كله بدع محدثة، لأن المشروع إنما هو أن يكبر كل إنسان لنفسه ولا يمشى على صوت غيره. افاده ابن الحاج (¬2). (ومنها) ما اعتاده بعض الناس منزيادة الأولياء والقبور بعد صلاة العيد قبل الرجوع إلى منازلهم. (ومنها) رجوعهم من طريق الذهاب، فإنه خلاف السنة، فقد تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يذهب فى طريق ويرجع من أخرى. ولم يثبت أنه زار قبراً فى ذهابه او غيابه. وهذا منتلبيس إبليس حيث يلقى لمن يقبل وسوسته حجباً يترك بها السنة ويستعمل غيرها مما يظهر له أنه عبادة وقربة. وهو فى الواقع محرم أو بدعة. ألا ترى أن السنة فى العيد إسراع الأوبة بعد الصلاة إلى الأهل لذبح الأضحية وفرحهم بذلك. فعوض هم عن ذلك زيادة القبور وزين لهم أنها فى هذا اليوم من الب لأهلها. ¬

(¬1) تقدم ص 322. (¬2) انظر ص 142 ج 2 مدخل (التكبير إثر الصلوات أيام العيد).

(ومن البدع) المنكرة مصافحة النساء الأجنبيات لا سيما إذا كان بغير حائل، غذ لم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صافح امرأة أجنبية (¬1). (وإذا) كان النبى صلى الله عليه وسلم - وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو المعصوم بلا نزاع - لم يضع يده فى يد امرأة اجنبية مع عصمته وأمن الفتنة، فكيف بغيره؟ (ومن البدع) انصراف الناس عن العبادة فى هذه الأيام الفاضلة كأنها أيام لهو ولعب وتفريط وإهمال فى الواجبات، وغقبال على المخازى والمخالفات، فقد أطلقوا العنان فيها، وساروا مع النفس والهوى فى سبيل الغىّ والفساد، وعكفوا على أماكن اللهو والزور والضلال، وصاروا يستعدون لذلك قبل العيد بايام، ونسوا أن النبى صلى الله عليه وسلم يجعلها قاصرة على المباحات التى يتقوى بها على الطاعات، بل أخبر أنها مع ذلك ايام يذكر الله تعالى فيها (ولذكر الله أكبر). (ومن) العوائد الذميمة التكلف فى اتخاذ طعام خاص يوم العيد، والاستعداد له ولو بالتداين وغرهاق النفس كأنه سنة يستن بها (قال) ابن الحاج: والسنة فى عيد الفطر التوسعة فيه على الأهل بأى شئ كان من المأكول، غذ لم يرد الشرع فيه بشئ معلوم. ويجوز أن يتخذ فيه طعاماً معلوماً غذ هو من المباح لكن بشرط عدم التكلف فيه، بشرط ألا يجعل ذلك سنة يستن بها. فمن خالف ذلك فكأنه ارتكب كبيرة. وغذا وصل الأمر إلى هذا الحد ففعل ذلك بدعة، غذ أنه بسبب ذلك ينسب إلى السنة ما ليس منها (¬2). ¬

(¬1) تقدم دليله بهامش 1 صفحة 334 فى الكلام على بيعة النساء. (¬2) انظر: ص 338 ج 1 المدخل.

تنبيهات: (الأول) اشتمل أصل هذا الجزء الرابع: (أ) على ست واربعين دليلا من الكتاب منها المكرر. (ب) على 512 اثنى عشر وخمسمائة دليل من السنة 354 (اربعة وخمسون وثلاثمائة حديث المكرر منها 23، ومنها 158 ثمانية وخمسون ومائة) اثر، المكرر منها تسعة آثار. (الثانى) اشتمل هامش هذا الجزء على 107 (سبعة ومائة) دليل من السنة منها 82 حديثاً و 25 أثراً. (الثالث) قد بين بهامش هذا الجزء أهم المراجع التى استعين بها فى تخريج أحاديثه ومراجع النصوص العلمية. فلينظر بيانها بصفحتى 375 و 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله تعالى ولى التوفيق. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه الجزء الرابع من (الدين الخالص). ويليه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى، وأوله (الأضحية).

الدين الخالص ... كتاب جليل له من اسمه أكبر نصيب. جمل الشيخ الإمام رحمه الله على تأليفه ما فشا فى الناس من تقليد المتأخرين والتشبث بآرائهم. بين الناس فيه طريق عبادتهم مع بيان أدلة كل حكم، معتمداً على كتاب الله تعالى وعلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم السلف الصالح. بدأ الكتاب بنبذة بين فيها ما يجب على المكلف معرفته من علم التوحيد حتى تكون صلاته وعبادته قائمة على أساس قويم من الإيمان والتوحيد. وعلى الملم بشئ من الفقه أن يقرأ بحثاً من أبحاث هذا الكتاب ليرى التدقيق العلمى والتحقيق العملى، ويجد نفسه أمام الأحكام تأتى فى سهولة ويسر. وقد تم طبع تسعة أجزاء من هذا الكتاب وأعيد طبعها مراراً بالإضافة إلى مؤلفات الإمامين الراحلين الأخرى. نسأل الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم. وهو ولى الهداية والتوفيق وله الحمد أولا وآخراً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

جـ 5

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء الخامس عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين

حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الرابعة 1410 هـ - 1990 م

(الأول) الأضحية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذى أَنزل على عبده الكتاب، والصلاة والسلام على سَيَّد الأَحباب وعلى آله والأَصحاب. هذا والكلام هنا في أَربعة أَصول وبعض الخامس. (الأول) الأضحية ... هي بضَمّ الهمزة وكَسْرها وتخفيف الياءِ وتشديدها (¬1). وهى لُغة اسْمُ لِمَا يُذْبح أَيام الأَضْحَى. وشَرْعاً اسْمُ لِمَا يُذْبح أَيام الأَضْحَى. وشَرْعاً اْسمُ لِمَا يُذْبح من الإِبل أَو البقر أَو الغنم في أَيام النَّحْر تَقَرُّباً إلى تعالى بِنِيَّة الأُضْحِية، وشروط يأْتى بيانها. (شُرعَتْ) فى السنة الثانية من الهجرة. وهى ثابتة بالكتاب والسُّنة وإِجماع الأُمَّة. قال الله تعالى: " فَضَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ". على أَنَّ المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنَّحْر نَحرِ الأُضْحِيَة. (وقال) أَنَس بن مالك: ضَحَّى النبىّ صلى الله عليه وسلم بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن ذبحهما بيده وسَمَّى وكَبَّر ووضع رِجْله على صِفَاحهما. أَخرجه السبعة والدارمى. وقال الترمذى: هذا حديث حَسَنُ صحيح (¬2) {1}. ¬

(¬1) أصله أضحوية، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما ساكنة، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الحاء لمناسبة الياء. ويقال: ضحية بفتح الضاد وكسرها مع شد الياء. وأضحاة بفتح الهمزة وكسرها، ففيها ثماني لغات. (¬2) ص 62 ج 13 الفتح الربانى، وص 17 ج 10 فتح البارى (التكبير عند الذبح) وص 19 ج 13 نووى مسلم (استجباب الضحية .. ) وص 11 ج 3 تكملة الالمنهل (ما يستحب من الضحايا) وص 204 ج 2 مجتبى، وص 353 ج 2 تحفة الأحوذى، وص 140 ج 2 سنن ابن ماجه، وص 75 ج 2 سنن الدارمى (السنة في الأصحية). و (أملحين) تثنية أملح، وهو الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل هو النقى البياض (وسمى وكبر (أى قال باسم الله والله أكبر قبل الذبح. و (الصفاح) بكسر ففتح: جمع صفح بفتح فسكون وهو الجانب. واتفقوا على أنه يسن إضجاعها على الجانب الأيسر فيضع رجله اليمنى على الجانب الأيمن ليكون أسهل عليه في أخذ السكين باليمين وإمساك رأس الذبيحة بيده اليسرى.

(وحِكْمة) مشروعيتها شُكْر الله ومُوَاساةِ الغنىّ للفقير وإِحياءِ سُنَّة سِيِّدنا إِبراهيم عليه وعلى نبينا الصَّلاة والسلام. والتذكِير بنعمة فِدَاءِ وَلَدِه بِذِبحٍ عظيم (وإِلى) هذا يُشِير حديث زَيْدُ بن أَرْقَم قال: قال أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله، ما هذه الأَضَاحِى؟ قال: سُنَّة أَبيكُم إِبراهيم. قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بِكلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَة. قالوا: فالصُّوف يا رسول الله. قال: بكلَّ شَعْرَةٍ من الصُّوف حَسَنة. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والحاكم. وقال: صحيح الإِسناد (¬1) {2}. (ورد) بأَنَّ في سنده عائذ الله المجاشعى. قال البخارى: لا يَصِحّ حديثه ووثقه ابن حبان. وفيه أَيضاً أَبو داود نُفَيْع بن الحارث، متروك ضعيف متهم بالوضع. هذا. والكلام فى الأُضْحِيَة ينحصر في ستة عشر فرعاً. 1 - فضلها: قد وَرَدَ فى فَضْل الأُضْحِية عدة أَحاديث (منها) حديث عائشة: أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ما عَمِلَ آدمىَّ من عمل يوم النَّحْرِ أَحَبَّ إِلى الله من إِهْرَاقِ الدم، إِنه ليأْتى يوم القيامة بقرونها وأَشعارِها وأَظلافِها وإِنَّ الدَّمَ ليقعُ من الله بمكانٍ قبل أَن يقع من الأَرضِ، فَطِيبُوا بها نَفْساً. أَخرجه ابن ماجه والحاكم. وقال: صحيح الإِسناد. وردّ بأَنَّ فيه سُليمان ابن يزيد. قال الذهبى: واهٍ وبعضهم تركه. وأَخرجه الترمذى وقال: ¬

(¬1) ص 57 ج 13 الفتح الربانى، وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (ثواب الأضحية)، وص 389 ج 2 مستدرك.

ها حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن عُروة إِلاَّ من هذا الوجه (¬1) {3} (وحديث) ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال فى يوم أَضْحَى: ما عَمِلَ آدمىّ فى هذا اليوم أَفْضَلَ من دَمٍ يُهْرَاق إِلاَّ أَنْ يكون رَحِماً تُوصَل. أَخرجه الطبرانى في الكبير. وفى سنده يحي بن حسن الخشنى، وهو ضعيف وقد وثقه جماعة (¬2) {4}. (والأَحاديث) فى هذا كثيرة، وهى وإِنْ كانت ضعيفة (¬3) يُقَوِّى بعضها بعضاً، وهى تدل على فَضْل التَّضْحِية، وأَنها أَحَبُّ الأَعمال إلى الله يوم النَّحْر، وأَنها تأْتى يوم القيامة على الصِّفَة التى ذُبحت عليها، ويقَعُ دَمُها بمكانٍ من القبول أَن يقَعَ على الأَرض، وأَنها سُنَّة سيِّدنا إِبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأَنَّ للمُضَحِّى بكل شَعَرَاتِ أُضْحِيَتِه حَسَنة. 2 - حكم التضحية: هى سُنَّة مؤكَّدَة فى حق الموسِر عند الجمهور (منهم) مالك والشافعى ¬

(¬1) ص 141 ج 2 سنن ابن ماجه (ثواب الأضحية) وص 221 ج 4 مستدرك. ولفظه: ما تقرب إلى الله يوم النحر بشئ هو أحب ... وص 352 ج 2 تحفة الأحوذى (فضل الأضحية) و (إنه ليأتى) أى الحيوان المذبوح. وأنث الضمير في قرونها وما بعده باعتبار أن المذبوح أضحية (وإن الدم ليقع من الله .. إلخ) كناية عن قبول الله تعالى عمل المضحى. والمعنى أنه يؤتى بالأضحية يوم القيامة كما كانت في الدنيا، فتوضع في ميزان حسنات صاحبها فيكون له بكل عضو منها أجر (وعن) على كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها، فإن وقع في الأرض فإنه الدم وقع الأرض فإنه يقع في حرز الله عز وجل. أخرجه الطبرانى في الأوسط، وفى سنده عمرو بن الحصين العقيلى وهو متروك الحديث [5] ص 17 ج 4 مجمع الزوائد (فضل الأضحية). (¬2) ص 18 منه. (¬3) قال ابن العربى فى شرح الترمذى: ليس فى فضل الأضحية حديث صحيح. اه.

وأَحمد وإِسحاق. وروى عن أَبى يوسف، لما تَقَدَّم " ولحديث " أُمّ سَلَمة: أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِذا دَخَلَت العشر وأَراد أَحَدكُم أَن يُضَحَّى فلآ يمسّ من شَعْره وبَشَره شيئاً. أَخرجه الشافعى وأَحمد والنسائى ومسلم وابن ماجه (¬1) {6}، وأَخرجه الترمذى بلفظ: مَنْ رَأَى هِلآل ذِى الحِجَّة وأَن يُضَحَّى فلآ يأْخُذَنَّ من شَعْره ولا من أَظفاره. وقال: هذا حديث حسن (¬2) {7}. قال الشافعى: هذا دليل على أَن التَّضْحية ليست بواجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم (وأراد) فجعله مفوضاً إِلى إِرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلآ يمسّ من شَعْره حتى يُضَحِّى. (وعن) حَجَّاج عن جَبلة بن سُحَيم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابن عمر عن الأُضْحية أَوَاجِبَةُ هى؟ فقال: ضَحَّى رسول الله عليه وسلم والمسلمون، فأَعادها عليه. فقال أَتعقل؟ ضَحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون. أَخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن. والعمل على هذا عند أَهل العِلْم أَنَّ الأُضْحِيَة ليست بواجبة ولكنها سُنَّة من سُنن النبىّ صلى الله عليه وسلم يُسْتَحَبَّ أَنْ يُعْمَل بها (¬3) {8}. (وقال) أَبو حنيفة ومحمد والأَوْزاعى والليث: الأُضْحِية واجبة عملاً ¬

(¬1) ص 83 ج 2 بدائع المنن، وص 289 ج مسند أحمد (حديث أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم) وص 138 ج 13 نووى مسلم، وص 202 ج 2 مجتبى (الضحايا)، وص 144 ج 2 سنن ابن ماجه. (¬2) ص 365 ج 2 تحفة الأحوذى (باب) آخر الأضاحى. (¬3) ص 358 منه، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن الضحايا أواجبة هى؟ قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وجرت به السنة. وتحسين الترمذى للحديث مردود بأن فى سنده الحجاج بن أرطاة وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة.

لا اعتقاداً على المسِر. وروى عن مالك: ورخَّص للحاجّ فى تركها بمنى. واستدلوا على وجوبها: (ا) " بحديث " أَبى هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كان له سعة ولم يُضَحّ فلآ يَقْرَبَنَّ مصلانا. أَخرجه أحمد وابن ماجه والدار قطنى والحاكم وصححه. ورد بأَنَّ فى سنده عبد الله بن عياش تَكَلَّم فيه بعض الحفَّاظ (¬1) {9}. وقال الترمذى: الصَّحيح أَنه موقوف على أَبى هريرة (وقال) الحافظ: رجاله ثقات، لكن اختلف فى رفعه ووقفه. والموقوف أَشبه بالصواب، ومع ذلك فليس صريحاً فى الإِيجاب (¬2). (ب) " بحديث " أَبى رملة عن مِخْنَف بن سُلَيم قال: كنَّا وُقُوفاً عند النبىِّ صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: يأَيُّهَا الناس إِنَّ على كل أَهل بَيْتٍ فى كل عام ضحية (الحديث) أَخرجه أَحمد والأَربعة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب (¬3) {10}. وقال الخطابى: هذا الحديث ضعيف، وأَبو رملة مجهول. وقال الحافظ: لا حُجَّة فيه لأَنَّ الصيغة ليست صريحة فى الوجوب المطلق. وقد ذكر مع الضحية العتيرة. وليست بواجبة عند مَنْ قال بوجوب الأُضْحِية (¬4). (جـ) " بحديث " جُنْدب بن عبد الله بن سفيان البجلى قال: شَهِدْتُ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم النَّحْر فقال: مَنْ ذَبَحَ قبل أَن يُصَلَّى ¬

(¬1) ص 58 ج 13 الفتح الربانى، وص 141 ج 2 سنن ابن ماجه (الأضاحى واجبة هى أم لا؟ ) وص 541 سنن الدارقطنى، وص 389 ج 2 مستدرك. (¬2) ص 2 ج 10 فتح البارى. الشرح (سنة الأضحية). (¬3) ص 116 ج 13 الفتح الربانى، وص 2 ج تكملة المنهل (إيجاب الأضاحى)، وص 189 ج مجتبى (الفرع والعتيرة) ويأتى بيانهما إن شاء الله تعالى، وص 141 ج 2 سنن ابن ماجه، وص 363 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬4) ص 3 ج 10 فتح البارى.

فليعد مكانها أُخْرَى، ومَنْ لم يَذْبَح فَلْيَذْبَح. أَخرجه الشيخان (¬1) {11}. (وجه) الدلالة أَنه أَمْر. والأَمْر للوجوب. (وأَجاب) الجمهور بأَنَّ الحديثين الأَوَّلين ضعيفان، فلا يحتج بهما، والأَمر في الحديث الشيخين محمول على الاستحباب جمعاً بين الأَدِلَّة. (قال) الإِمام محمد الصَّنعانى: ولضعف أَدِلَّة الوجوب قال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاءِ: إِنها سُنَّة مؤكَّدَة، بل قال ابن حزم: لا يصحّ عن أَحد من الصحابة أَنها واجبة (¬2). 3 - شروط الأضحية: هى قسمان: شرط طلب، وشرط صحة: (ا) فشروط طلبها المتفق عليها: الإِسلام والحرية واليسار، فلا تطلب من كافر، لأَنها قربة وهو ليس من أَهْلها، ولا من رقيق ولو مكاتباً، لأَنه ليس أَهلاً للملك، وهى قربة مالية لا تتأَدَّى إِلاَّ بالملك، ولا تطلب من غير مُسِر، لأَنَّ العبادة لا تُطْلَب إِلاَّ من قادِرٍ عليها: " لآ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُ سْعَهَا ". هذا، والموسِر الذى تُطْلَب منه التَّضْحِية، هو عند الحنفيين مَنْ يملك نِصَاباً من أَنْصِبة الزكاة أَو قيمته فاضِلاً عن حوائجه الأَصلية من مسكن وملبس ومحوهما. ولو كان له عقار يستغلَّه، فَقِيلَ: تلزمه التَّضْحِية لو قيمته نِصَاباً. وقيل: لو يدخل منه قوت سَنَة. وقيل: لو فضل منه ¬

(¬1) ص 15 منه (من ذبح قبل الصلاة أعاد)، وص 111 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى). (¬2) ص 122 ج 4 سبل السلام (باب الأضاحى).

نِصَاب بعد قوتِ شهر. وإِن كان العقار وقفاً تلزمه الأُضْحية إِنْ دخل له منه قيمة النصِّاب وقت التَّضْحية. (وقالت) المالكية: الموسِر الذى تُطْلَبُ منه التَّضْحِية هو الذى لا يحتاج إِلى ثمنها فى ضَرُوريَّاته فى عامِه. فإِذا احتاجَ إِلى ثمنها فى عامِه فلا تُسَنَّ. وإِن استطاع أَن يستدين استدان. وقيل: لا يَسْتَدِين. (وقالت) الشافعية: الموسِر هو مَنْ يَقْدِر على ثمنها فاضِلاً عن مئُونَتِه ومئُونة مَنْ تلزمه نفقتهم يوم الْعِيد وأَيام التشريق. (وقالت) الحنبلية: الموسِر هو مَنْ يَقْدِر على ثمنها ولو بالدَّيْن إِذا كان يقدر على وفاءِ دَيْنِه. (ويشترط) لوجوبها عند الحنفيين أَيضاً الإِقامة، فلا تَجِبُ على المسافر دفعاً للمشقة، وإِن تَطَوَّع بها أَجْزَأَتْهُ، وإِذا اشتراها ثم سافر قبل العيد فله بَيْعها. وكذا لو سافر بعد دخول وقتها قبل أَن يذبح. وتَجِبُ على الحاجّ المكى. (وقال) غير الحنفيين: لآ يُشْتَرَط لِسُنيتها الإِقامة، لكن يُشْتَرط عند المالكية أَلاَّ يكُون حَاجَّا، فلا تُسَنّ للحاجّ عندهم ولو كان مكِّيًّا، واستدل مَنْ لم يشترط الإِقامة بأَدِلَّة (منها) ما روى جبير بن نفير عن ثوبان قال: ذَبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَحِيَّته، ثم قال: يا ثوبان أَصْلِحْ لحم هذه، فلم أَزَلْ أُطْعمه منها حتى قَدِمَ المدينة. أَخرجه أَبو داود وأَحمد ومسلم (¬1) {12}. (ويشترط) لطلبها عند الشافعية ومحمد بن الحسن التكليف، فلا تُطْلَب فى مال الصَّغير والمجنون. ¬

(¬1) ص 39 ج 3 تكملة المنهل (المسافر يضحى) وباقى المراجع بهامش (1) ص 40 منه.

(وقال) غيرهم: تُطْلَبُ فى ما لهما إِن كان وإِلاَّ فلا تُطْلَب من وليهما. قال أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: روى عن أَحمد في اليتيم يُضَحَّى عنه وَلِيِّه إِذا كان موسِراً. وهذا على وجه التَّوسِعَة عليه لا على سبيل الإِيجاب، فإِنْ نَذرَها وَجَبَتْ لقول النبىّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذرَ أَن يُطِيع الله فَلْيُطِعْه وهذا نذر طاعة (¬1) {13}. (وعن) أَبى حنيفة أَن الأُضْحِية تَجِبُ على الوالد لولده غير المكلف وكذا وَلَد ولده عند فَقْد أَبيه. والفَتْوَى على الأَوَّل. ولو ضَحَّى عن أَولاده المكلفين وزوجته لا يجوز إِلاَّ بإِذنهم (وعن) أَبى يوسف أَنه يَجُوز استحسانً، لجريان العادة بتضْحِية الأَب عنهم (قال النووى) فى المجموع: مذهبنا أَنه لا يجوز لولىّ اليتيم والسَّفيه أَن يُضَحِّى عنهما من مالهمَا، لأَنه مأْمور بالاحتياط لمالهما، ممنوع من التبرع به. والأُضْحِية تبرع (وقال) أَبو حنيفة: يُضَحّى من مال اليتيم والسّفِيه. (وقال) مالك: يُضَحّى عنه - إِن كان له ثلاثون دِيناراً - بشاة بنصف دينار ونحوه (وأَنكر) ابن المنذر على أَبى حنيفة فقال: يَمْنع خروج الزكاة التى فرَضَها الله من مال اليتيم، ويأْمُر بإِخراج الأُضْحِية التى ليست بفرض. اهـ. (ب) (ويُشْتَرط) لصِحة الأُضَحِية خمسة شروط: (الأَوَّل) النِّيَّة لقوله تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ". " ولحديث " إِنمَا الأَعمال بالنيات (قال) النووى فى المجموع ¬

(¬1) ص 581 ج 3 الشرح الكبير (الأضحية سنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر) والحديث أخرجه السبعة إلا مسلماً عن عائشة. وتمامه: ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ص 36 ج 6 مسند أحمد، وص 464 ج 11 فتح البارى (النذر فى الطاعة) وص 232 ج 3 سنن أبى داود (النذر فى المعصية) وص 142 ج 2 مجتبى، وص 33 ج 1 - ابن ماجه.

والنِّيَّة شرط لصِحَّة التضَّحِية، والأَصَحّ جواز تقديمها على وقت الذَّبح كما فى الصَّوْم والزكاة. واوقال: جعلت هذه الشاة ضَحِيَّة، فلا يكفيه هذا التعيين عن النِّيَّة عند الأَكْثر، لأَنَّ التَّضْحِية قُربة فى نفسها فوجبت فيها النِّيَّة (ورجح) إِمام الحرمين والغزالى الاكتفاءَ لتضمن التعيين النِّية، حتى لو ذبحها يعتقدها شاةَ لحم، أَوْ ذبحها لِصّ، وقعت الموقع. والمذهب الأَول. اهـ بتصرف (¬1)، (ثم قال): إِذا اشترى شاة ونواها أُضْحِية ملكها ولا تَصِير أُضْحِية بمجرد النِّيَّة، بل لا يلزمه ذبحها حتى ينذره بالقول. هذا مذهبنا وبه قال أَحمد وداود (وقال) أَبو حنيفة ومالك: تَصِير أُضْحِية ويلزمه التَّضْحية بها بمجرد النِّية (¬2). (الثانى) يُشْتَرط أَن يكون المضَحَّى به من النَّعَم (أَى الإِبل والبقر والغنم) لقوله تعالى: " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَى مَارَزَقَهُمْ مِنْ بَهيمَةِ اْلأَنْعَام " (¬3). ولقول ابن شهاب: ما نَحَرَ النبىّ صلى الله عليه وسلم عنه وعن أَهل بيته إِلاَّ بَدَنة واحدة، أَوْ بقَرَة واحدة. أَخرجه مالك (¬4) {14}. ولحديث أَبى سعيد الخدرىّ أضنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُضَحَّى بكَبْش أَقْرَنَ فَحِيل، يأْكُل فى سَوَاد ويمشِى فى سَوَاد وينظر فى سَوَاد. أَخرجه الأَربعة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب (¬5) {15}. ¬

(¬1) ص 405 ج 8 شرح المهذب. (¬2) ص 425 منه. (¬3) سورة الحج: الآية 34. و (منسكاً) بفتح السين مصدر، أى ذبحاً، وقرئ بكسر السين، يعنى مذبحاً وهو مكان الذبح. (¬4) ص 350 ج 2 زرقانى الموطإ (الشركة فى الضحايا وعن كم تذبح البقرة؟ ). (¬5) ص 13 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقي المراجع بهامش (1) ص 14 منه. و (فحيل) أى كريم منجب كامل الخلقة لم تقطع أنثياه (يأكل فى سواد) أى فمه أسود (ويمشى فى سواد) أى قوائمه سود مع بياض سائره (وينظر فى سواد) أى حوالى عينية سواد.

(فلا تجزئُ) التَّضْحِية بغير النَّعم عند الجمهور (قال النووى) أَجمع العلماءُ على أَنه لا تُجزئ الضحية بغير الإِبل والبقر والغنم، إِلاَّ ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تَجُوزُ التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظَّبى عن واحد. وبه قال داود فى بقرة الوحش (¬1). (روى) عُبيد الله بن عُمير عن ابن عباس أَنه أَعطى مَوْلًى له دِرْهَمَيْن فقال: اشْتَرِ بِهما لحماً ومَنْ لَقِيَكَ فقُلْ له هذه أُضْحِية ابن عباس (¬2) {1}. (وقال) سويد بن غفلة قال لى بلال: ما كنت أُبالى لو ضحيت بديك. (الأَثر) أَخرجهما سعيد بن منصور (¬3) {2} ومثله روى عن أَبى هريرة. والروايات عن الصحابة فى هذا المعنى كثيرة. (الثالث) يُشترط فى المضَحَّى به اَلاَّ يكون جذعاً من غير الضأْن، فيجزئُ فيها الجذع من الضأْن وهو ما تم له ستة فأَكثر وكان سميناً بحيث لو خلط بالثنايا لا يمكن تمييزه من بُعد " لقول " عقبة بن عامر الجهنى: ضَحَّيْنَا مع النبى صلى عليه وسلم بجذع من الضَّأْن. أَخرجه النسائى بسند قوى (¬4) {16} " ولحديث " أَبى هريرة أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: نعمت الأُضْحِية الجِذْع من الضَّأْن. أَخرجه أَحمد والترمذى وقال: هذا حديث غريب. وقال الحافظ: فى سنده ضعف (¬5). {17} (ويجزئُ) فيها أَيضاً الثنى من الكل وهو ابن خمس من الإِبل اتفاقاً وابن حولين من البقر والجاموس عند الثلاثة (وقالت) المالكية: الثنى من البقر ماله ثلاث سنين ودخل فى الرابعة. ¬

(¬1) ص 117 ج 13 شرح مسلم (سن الأضحية). (¬2) ص 358 ج 7 المحل لابن حزم (الأضاحى). (¬3) ص 358 ج 7 المحل لابن حزم (الأضاحى). (¬4) ص 204 ج 2 مجتبى (المسنة والجذعة). (¬5) ص 72 ج 13 الفتح الربانى، وص 355 ج 2 نحفة الأحوذى (الجذع من الضأن فى الأضاحى).

(والثنى) من الضَّأْن ماله سنة ودخل فى الثانية اتفاقاً، وكذا من المعز عند الثلاثة خلافاً للشافعية حيث قالوا فى المشهور عنهم: الثنى من من المعز ماله سنتان ودخل فى الثالة. (ودليل) ذلك حديث جابر بن عبد الله أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّة إِلاَّ أَنْ يُعْسَر عليكُم فتذبحوا جذعة من الضَّأْن. أَخرجه أَحمد ومسلم والأَربعة إِلاَّ الترمذى (¬1) {18}. وفى سنده أَبو الزبير مدلس. (وظاهره) أَن الجذع مِنَ الضَّأْن لا يُجْزئُ إِلاَّ إِذا تَعَسَّرَت المسِنَّة. وليس كذلك، بل الجذع من الضأْن مجزئُ مع وجود المسنَّة، لإِطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: نعمت الأُضْحِية الجذع من الضَّأْن (¬2) " ولحديث " أُمّ بلال بنت هلال عن أَبيها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجوز الجذع من الضَّأْن ضَحِيَّة. أَخرجه الشافعى وأَحمد وابن ماجه (¬3) {19}. وفى سنده أُمّ محمد بنت أَبى يحي مجهولة. (ولقول) عقبة بن عامر: قَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أَصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة. فقلت: يا رسول الله أَصابنى جذع. فقال: ضَحّ به. أَخرجه أَحمد والشيخان والنسائى (¬4) {20}. ولذا قال عامة العلماءِ: الجذع من الضَّأْن يجزئُ مع تيسر الثنى. ¬

(¬1) ص 14 ج 3 تكملة المنهل وباقى المراجع بها مش 2 ص 16 منه. (¬2) تقدم رقم 17 ص 12. (¬3) ص 84 ج 2 بدائع المنن، وص 75 ج 13 الفتح الربانى، وص 143 ج 2 ابن ماجه (ما يجزئ من الأضاحى). (¬4) ص 72 ج 13 الفتح الربانى، وص 3 ج 10 فتح البارى (قسمة الأضاحى بين الناس)، وص 119 ج 3 نووى مسلم (سن الأضحية)، وص 204 ج 2 مجتبى (المسنة والجذعة).

(وأَجابوا) عن حديث جابر بأَنه محمول على الأَفْضَل والاستحباب. ويكون تقديره مُستحب لكُم اَىَّ تذبحوا إِلاَّ مُسِنَّة، فإِنْ عجزتُم فجذعة ضأْن. هذا (وقال) الجمهور: لا يُجْزِئُ من غير الضأَن إِلاَّ الثنى، لظاهر حديث جابر. (ولقول) البراءِ بن عازب: ضَحَّى خالى أَبو بُرْدَة قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: شَاتُكَ لَحْم. فقال: يا رسول الله، إِنَّ عندى داجنا جذعة من المعز. قال: اذبحها ولا تصلح لغيرك (0 الحديث) أَخرجه أَحمد وأَبو داود والبخارى والدارمى (¬1) {21}. (فوائد): (الأُولى) اختلف العلماءُ فى أَفضل الضحايا. والأصَل فيه عند الحنفيين أَن أَفضلها أَطيبها لحماً إِن استويا فى اللحم والقيمة، وإِذا اختلفا فيهما فالأَكثر قيمةً أَوْ لحماً أَفْضَل. ولذا قالوا: الشاة أَفْضَل من سُبع البدنة إِذا استويا فى القيمة واللحم. وكذا الشاه السمينة التى تُسَاوى البقرة قيمةً ولحماً أَفْضَل منها. والكبش أَفْضَل من النَّعْجَة إِذا استويا فيهما. والأُنثى من المعز والإِبل والبقر أَفضل من الذكَر إِذا استويا قيمة. وقاله فى الدر المختار (¬2) (وقال) ابن وهبان: الذكَر من المعز أَفْضَل من الأُنثى إِذا كان خصياً. (ومشهور) مذهب مالك: أَنَّ الأَفْضَل التَّضْحية بالضأْن، لما تقدم عن أَنَس أَنَّ صلى عليه وسلم ضَحَّى بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن (¬3). ¬

(¬1) ص 90 ج 13 الفتح الربانى، وص 20 ج 3 تكملة المنهل (ما يجوز فى الضحايا من السن) وباقى المراجع بهامش 5 ص 22 منه، و (قبل الصلاة) أى صلاة العيد. و (الداجن) ما يعلف فى البيت من الغنم والمعز. (¬2) ص 223 ج 5 هامش رد المحتار. (¬3) تقدم رقم 1 ص 3.

ولأَنَّ الضأْن أَطْيَب لحماً. ويلى الضأْن المعز ثم البقر ثم الإِبل. وذكر كل نوع أَفْضَل من أُنثاه. (وقالت) الشافعية والحنبلية: الأَفْضَل الإِبل ثم البقر ثم الضأْن ثم المعز، لما تقَدَّم عن أَبى هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ك مَن اغْتَسَل يَوْمَ الْجُمْعَةِ غُسْلَ الْجَنَابة ثم راحَ فى الساعةِ الأُولَى فَكَأَنما قَرَّب بَدَنَةِّ، ومَنْ راحَ فى الساعة الثانية فكَأَنما قَرَّبَ بقرةً، ومَنْ راحَ فى الساعة الثالثة فكَأَنما قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ (الحديث) (¬1) {22}. قال أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: والشَّاة أَفْضل من شرْك فى بَدَنَةَ لأَنَّ إِراقةَ الدَّم مقصود فى الأُضْحِية. ز والمنفرد يتقرب بأَراقته كله. والذكَر والأُنثى سواء، لأَنَّ الله تعالى قال: "ط لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَارَزَقَهُمْ مِنْ بَهيمَةِ الأَنْعامِ ". وقال: "ط وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائر اللهِ ". ولم ويقل ذكَراً ولا أُنثى، ولأَنَّ القصد اللحم، ولحم الذكر أَوْفَر، ولحم الأُنثى أَرْطَب فتساويا. وقال أَحمدد: الخصى أَحَبّ إِلينا من النَّعْجَة، لأَنَّ لحمه أَوْفَر وأَطْيب. والكبش فى الأُضْحِية أَفْضَل النعم، لأَنَّهَا أُضْحِيَة النبىَّ صلى اله عليه وسلم. والضَّأْن أَفْضَل من المعز لأَنه أَطيب لحماً (وقال) القاضى: جذع الضَّأْن أَفْضَل من ثنى المعز لذلك، ولما روى أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: نعمت الأُضْحِية الجذع من الضَّأْن. ويتحمل أَن يكون الثنى من المعز أَفْضَل من الجذع، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّة، فإِنْ عسر عليكُم فاذبحوا الجذع من الضَّأْن. رواه مسلم (¬2). ¬

(¬1) تقدم رقم 142 ص 136 ج 4 الدين الخالص. (¬2) تقدم عن جابر رقم 18 ص 13.

(وهذا) يدل على فَضْل الثنى عى الجذع، لكونه جعل الثنى أَصلاً والجذع بدلاً لا ينتقل إِليه عند عدم الثنى. اهـ بحذف (¬1). (الثانية) البقر والجاموس فى التضحية سواءُ، والضَّأْن ولمعز سواءُ، والمتولد بين الأَهلىّ والوحشىّ العبرةَ فيه للأُم، عند الحنفيين، لأَنها الأَصْل وقال غيرهم: لا تُجْزئُ التضحية بالمتولد من الظباءِ والغنم، لأَنه ليس من الأَنعام. (الثالثة) تجوز التَّضْحِية بالخصى، بل هو أَفْضَل، لأَنَّ لحمه أَلَذَّ وأَطْيَب " ولقول " جابر بن عبد الله: ذَبَح النبىُّ صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْر كَبْشَيْن أَقْرَنَيْن أَمْلَحَيْن مَوْجُوءَيْن (الحديث) أَخرججه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمى (¬2) {23}. وفى سنده (ا) محمد بن إِسحاق مدلس، وقد رواه بالعنعنة. (ب) أَبو عياش. ضعيف. وهذا متفق عليه. (ولا عبرة) بما شَذَّ به ابن كج حيث حكى فى الخصى قولين، وجعل المنع من إِجزائه قول الشافعى فى الجديد (قال النووى) فى المجموع: وهذا ضعيف منابذ للحديث الصحيح. (الرابع) يُشْترط أَن تكون الأُضْحِية سليمة من عَيْبٍ ينقص اللحم أَو الشحم أَو غيرهما، كالْعور والعرج لبَيَّنَيْن، والمرض الشديد، فلا يجزئُ فيها لمعيب بما ذكر " لحديث " لبراءِ بن عازب أَنَّ لنبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: أَربع لا يحزن فى الأَضاحى: العوراء البَيَّن عورها، والمريضة البَيَّن مرضها، والعرجاء البين ظلعُها، والكَسِيرة التى لا تنقى. أَخرجه ¬

(¬1) ص 532 ج 3 لشرح الكبير (أفضل الأضحية). (¬2) ص 12 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقى المراجع بهامش (3) ص 13 منه. وموجوءين: مشى موجوء وهو المخصى.

مالك وأَحمد والأَربعة، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح، والدارمى والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1) {24}. (قال) الخطابى فى الحديث دلالة على أَنَّ الْعَيْب الخفيف فى الضَّحَايا مَعْفُوُّ عنه، أَلآ تراه يقول: ك بَيَّن عورها، وبَيِّن مرضها، وبَيِّن ظلعُهَا. وفالقليل غير بَيِّن، فكان مَعْفُوًّا عنه. اهـ. (وقال) النووى: أَجمعوا على أَنَّ العيوب الأَربعة المذكورة فى حديث البراءِ، وهى المرض والْعَجَف والْعَوَر والْعَرَج الْبَيِّن، لا تُجْزئُ التَّضْحِية بها. وكذا ما كان فى معناها أَوْ أَقْبَح، كالْعَمَى وقطع الرِّجْل (¬2). (وكذا) لا يُجْزئُ فى التَّضْحِية مقطوع الأُذن أَو الذنب أَو الأَلية والذاهب أَكثر نُور عَيْنه (¬3) " لحديث " قتادةَ عن جُرَى بن كُليب قال: سمعتُ عَلِيًّا يحدِّثُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن يُضَحَّى بأَعْضَب القرن والأُذن، أخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والطحاوى والنسائى. وزاد: قال قتادة: فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيب قال: نعم الأَعْضَب النصف وأَكثرَ من ذلك (¬4) {25}، وقال أَحمد: العضباءُ: ¬

(¬1) ص 22 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) وباقى المراجع بهامش (3) 9 ص 24 منه. (ولا يحزن) من الجواز. والمراد به الإجزاء. و (الظلع) بفتح فسكون وبفتحتين: العرج (0 والكسيرة) المنكسرة الرجل التى لا تقدر على المشى. و (لا تنقى) ممن الإنقاء، أى التى لا نقى لها بكسر فسكون، أى لا مخ لعظمها لضعفها. (¬2) ص 120 ج 13 شرح مسلم (استحباب الضحية وذبحها مباشرة .. ). (¬3) يعرف مقدار الذاهب من نور العين بأن تشد العين المعيبة بعد ترك علف الشاة ونحوها يوماً أو يومين، ثم يقرب إليها العلف قليلا قليلا. فإذا رأته من مكان يعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما. فإن كان ثلثاً فالذاهب الثلث وإن كان نصفاً فالنصف. (¬4) ص 27 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) وباقى المراجع بهامش 3 ص 28 منه. و (جرى) مصغر جرو. وأعضب القرن: مكسوره. وأعضب الأذن: مقطوعها. و (الأعضب) المقطوع. و (النصف) مفعول به.

ما ذهب أَكثر أُذنها أَوْ قَرْنها " ولقول " عتبة بن عبد السلمى: إِنما نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصْفَرَّرةِ وَالمسْتَأْصَلةِ وَالبَخْقَاءِ وَالمشَيَّعَةِ وَالكَسْراءِ. فالمصْفَرَّةُ التى تُسْتَأْصَلُ أُذُنها حتى يَبْدُوَ صِماخها. والمستأْصَلةُ التى يُسْتَأْصَلُ قَرْنها من أَصله. والبخْقاءً التى تُبْخَق عَيْنُهَا. والمشَيَّعةُ التى لا تتبع الغنم عَجَفاً وضَعْفًا. والكَسْرَاءُ الكَسِيرة. أَخرجه أَحمد وأَبو داودد والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد (¬1) { 26}. (وبهذا) قال أَبو يُوسُف ومحمد، وعليه الفتوى عند الحنفيين. وإِليه رجع الإِمام. وفى مقطوع نصف الأُذن وما بعدها روايتان عندهم. والاجتياط إِلحاقه بالأَكثر. (وقالت) المالكية: لا تَصِحّ التضحية بمقطوعة ثلث الذنب فأَكْثر، ولا مقطوعة أَو مشقوقة أَكثر من ثلث الأُذن، ولا بذاهبة جزءٍ منها وَلَوْ خِلْقياً غير الخصية. (وقالت) الشافعية: لا تَصِحّ بمقطوعة بعض الأُذن ولا مقطوعة الأَلية غير طرفها. ز (وقالت) الحنبلية: لا تَصِحّ بمقطوع أَكثر أَلْيَتِه أَوْ أُذُنِهِ أَوْ قَرْنِه أَوْ مُنْكَسِر غلاف قرْنِه وهو الأَعْصَم. ولا يضرّ قطع الذنب. (قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: وأَما العضب فهو دَهاب ¬

(¬1) ص 24 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا) 9 وباقى المراجع بهامش 1 ص 25 منه. و (المصفرة) اسم مفعول، المقطوعة الأذن من أصلها. وسميت بذلك لأن صماخها صار صفراً، أى خلواً من الأذن، وقيل: هى المهزولة لخلوها عن السمن .. و (تبخق عينها) أى يذهب بصرها وتبقى العين قائمة (قال) فى القاموس: البخق محركة، أقبح العور (والمشيعة) بفتح الياء مشددة: التى تحتاج إلى من يتبعها الغمّ لضعفها. وروىى بكسر الياء على صيغة اسم الفاعل. وهى التى تمشى وراء الغنم لضعفها (والكسيرة) فعيلة بمعنى مفعولة، أى المنكسرة الرجل.

أَكثر من نِصْفِ القَرْن أَو الأُذُن، وذلك يمنعُ الإِجزاءَ أَيضاً. وبه قال النخعىّ وأَبو يُوسُف ومحمد. (وقال) أَبو حنيفة والشافعى: تُجْزِئُ مكسورة القْرن. وروى نحو ذلك عن علىّ وعمار وابن المسيَّب والحسن (وقال) مالك: إِنْ كان قَرْنها يُدْمى لم تُجْزِئ، وإِلاَّ أَجْزَأَت. وعن أَحمد: لا تُجْزِئ ما ذَهَبَ ثلث أُذنها. وهو قول أَبى حنيفة (وقال) عطاءُ ومالك: إِذا ذهبت الأُذن كلها لم تُجْزِئ، وإِن ذهب يَسِيرها أَجْزَأَت، واحتجوا " بأَنَّ قول " النبىِّ صلى الله عليه وسلم: أَربع لا تجوز فى الأَضَاحِى " يدل " على أَن غيرها يُجْرِئ، ولأَنَّ فى حديث البراءِ عن عَبيد بن فيروز قال: قلت للبراءِ: فإِنى أَكْرَه النقص من القرن والذنب. قال: اكْرَهُ لنفسك ما شِئُتَ ولا تضيِّق على الناس، ولأَنَّ المقصود اللحم. وهذا لا يؤثر فيه (ولنا) ما تقدم عن علىّ رضى الله عنه قال: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يُضَحَّى بأَعُضَبُ الأُدُن والقرْن. قال قتادة: فسأُلْتُ سعيد بن المسيب فقال: نعم الأَعْضَبُ النصفَ وأَكثرَ من ذلك (¬1) (وعن) علىّ رضى الله عنه قال: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن نستشرف العَيْن والأُذُن. رواه أَبو داود والنسائى (¬2) {27}. وهذا منطوق يقدم على المفهوم (¬3). (وقالت) الظاهرية: لا يَضُرّ قطع الأَلية ولا الذنب مطلقاً " لقول " ¬

(¬1) تقدم رقم 25 ص 17. وقتادة هو راوى الحديث عن جرى بن كليب عن على. (¬2) هذا صدر حديث أخرجه أيضاً أحمد وباقى الأربعة والدارمى وصحة الترمذى والحاكم انظر ص 26 ج 3 تكملة المنهل (ما يكره من الضحايا)، وباقى المراجع بمامش 6 ص 27 منه. (¬3) ص 544 ج 3 الشرح الكبير (مالا يجزئ فى الأضحية).

أَبى سعيد الخدرى: اشتريْتُ كبشاً لأُضَحِّى به، فعدا الذئب فأَخَذَ منه الأَلية، فسأَلْتُ النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: ضَحّ به. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والبيهقى (¬1) {28}، وفى سنده جابر الجعفى وهو ضعيف. وشيخه محمد بن قرَظة فيه مقال " ولقول " يزيد ذى مِصْرٍ: أَتَيْتُ عُتْبة بن عبد السلمى فقلت: يا أبا الوليد، إِنى خرجت أَلتمسُ الضَّحايا فلم أَجِدْ شيئاً يعجبنى غير ثرْمَاءَ فكرهتها، فما تقول؟ فقال: أَفلا جئتنى بها؟ قلت: سُبحان الله، تجوز عنك ولا تجوز عنِّى؟ قال: نعم، إِنك تَشُكُّ ولا أَشُكَّ، إِنما نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصْفرَّرة (الحديث) أَخرجه أَحمد وأَبو داود والحاكم وصححه (¬2). هذا. ولا تَصِحّ التَّضْحِية بالهتْماءِ التى ذهب أَكثر أَسْنَانها عند الثلاثة وقال مالك: لا تُجْزِئُ التضحية بمكسورةِ السنين، ولا بالسكاءِ وهى التى لا أُذُن لها خِلْقة عند الثلاثة. وقال أَحمد: تصحّ بالسكاءِ فلولها أُذُن صغيرة أَجْزَأَتْ عند الثلاثة خلافاً لمالكِ وهى الصمعاءِ ولا بالجذاءِ وهى مقطوعة الضَّرْع، ولا بالجدعاءِ وهى مقطوعة الأَنف، ولا بالتى لا أَلية لها خلقة عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعى وأَحمد: تَصِحّ بالبتراءِ كالمخلوقة بلا أَلية ولا ضِرْع لها خلقة، ولا بالمصَرَّمة وهى التى لا تستطيع أَن تُرْضع فصيلها، ولا بالحداءِ بالحاءِ المهملة وهى التى تأْكُلْ العذرة ولا تأْكُل غيرها. ولا بالخنثى عند الحنفيين لأَنَّ لحمها لا يَنْضُج، وقال غيرهم: تَصِحّ بالخنثى بل هى أَوْلى من الأُنثى عند مالك. ¬

(¬1) ص 80 ج 13 الفتح الربانى، وص 144 ج 2 سنن ابن ماجه (من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شئ). (¬2) هذا صدر الحديث رقم 26 ص 17. وذو مصر: لقب ليزيد.

هذا. وجُمْلة القول فيما لا يجزئُ فى الأُضْحِية ما ذكره النووى بقوله: أجمعوا على أَن العمياءَ لا تجزئَ وكذا العوراءَ البَيِّن عورها، والعرجاءَ البَيِّن عرجها، والمريضة البَيِّن مرضها، وَالعجفاءَ (وَاختلفوا) فى ذاهِبة القرْن وَمكسورته. فمذهبنا أَنها تجزئ. وَقال مالك: إِنْ كُسِر قرْنها وَهُوَ يدمى لم تجزْ وَإِلاَّ فتجزئه. (وقال) أَحم: إِنْ ذهب أَكثر من نِصْف قَرْنها لم تجزه سواءُ دميت أَمْ لا. وإِنْ كان دُونَ النِّصْف أَجْزَأَتْه. (وأَما) مقطوعة الأُذُن، فمذهبنا أَنها لا تجزئ سواءُ أَقطع كلها أَمْ بعضها، وبه قال مالك وداود (وقال) أَبو يُسُف ومحمد وأَحمد: إِنْ قُطِع أَكثر من النِّصْف لم تجزه وإِلا فتجزئه (وقال) أَبو حنيفة: إِن قُطِع أَكثر من الثلث لم تجزه. (وأَما) مقطوعة بعض الأَلية، فلا تجزئ عندنا، وبه قال مالك وأَحمد (وعن) أَبى حنيفة: إِنْ بقى الثلث أَجْزَأَت (وقال) صاحباه: إِنْ بقى أَكثرها أَجْزَأَت. وقال داود: تجزئ بكل حال. اهـ بتصرف (¬1). وهذا إِذا كانت هذه العيوب وَقْتَ الشِّرَاءِ، فلو اشتراها سليمة ثم تعيبتْ بعيبٍ مانع إَنْ كان غَنِيًّا فعليه غيرها. وإِنْ كان فقيراً أَجْزَأَتْه التَّضْحية بها، لأَنَّ الوجوب على الغَنّى بالشرع ابتداءً فلم تتعَيَّن بالشِّرَاءِ، نقصانها كما فى نِصَابِ الزكاة. (وعن) هذا الأَصْل قالوا: إِذا ماتَت المشتراة للتَّضْحِية، فَعَلَى الموسِر أُخرى ولا شَئَ على الفقير، ولو ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فاشترى أُخرى ثم ظهرت الأُولى فى أَيام النحر فَعَلَى الموسِر ذَبْح إحداهما وعلى الفقير ذبحهما. ¬

(¬1) ص 404 ج 8 شرح المهذب (المذاهب فى عيوب الأضحية).

(ولا يَضُرّ) تعيبها من اضطرابها عند الذبح، فلو أَضجعها فاضطربت فانكَسَرْت رِجْلَهَا فذبحها أَجْزَأَتْهُ استحساناً، لأّنَّ حالة الذبح ومقدماته ملحقة به، فكأَنّض العيْبَ حَصَل بالذبح، وكذا لو تعيبَتْ فى هذه الحالة فانفلتَتْ ثم أَخذت من فوره وكذا بعد فوره عند محمد، لأَنَّهُ حَصَلَ بمقدماتِ الذبح. وهذا مذهب الحنفيين والحنبلية. (وقالت) الشافعية والمالكية: حُدوث العيب وقت الذبح يمنع من إِجزائها، لأَنها عرجاءَ عند الذبح فأَشبه مالو انكَسَرَت رِجْل شاةٍ فبادَرَ إِلى التَّضْحية بها فإِنها لا تجزئ. 4 - ما يكره التضحية به: تُكْرَه التَّضْحِية بمعيبٍ عيباً غير بَيِّن كالْجَمم بفتحتين وهو عدم القرْن. والجرَب اليسير. والثوَل وهو استرخاء فى أَعصاب الشاة أَو جنونٍ لا ينعها من العلف (فتكره) بالجمّاءِ بشد الميم وهى التى لا قَرْن لها خِلْقة، وكذا العظماءَ التى كُسِرَ قرْنها، فإِذا ذهب الكَسْر إلى المخ لم تجزئ (وتُكْرَه) بالجرباءِ السمينة التى لم يُتْلِفَ اجرب جِلْدها، لأَنَّهُ حينئذٍ لا يخل بالمقصود وهو كثرة اللحم. أَما المهزولة فلا تجزئ، وكذا ما أَتْلَفَ الجرب جلدها (وتُكْرَه) بالثولاءِ أَى المجنونة إِذا منعها عن العلف تجزئ (وهذا) مذهب الحنفيين والحنبلية، والمستحب أَن تكون الأُضْحِية سليمة عن العيوبِ الظاهرة. فما جُوِّزَ ههنا جُوِّزَ مع الكراهة. (وقالت) الشافعية: لا تجزئ الجرباءَ ولو سمينة. والجرب عندهم يمنع الإِجزاءَ كثيرة وقليلة وما يُرْجَى زواله وَما لا يُرْجَى، لأَنَّهُ يفسد

اللحم والشحم (وتُكْرَه) التَّضْحِية بمشقوقة الأُذُن ومخروقتها وما تَسَاَقَطَ بعض أَسنانها (¬1) ونحوها " لقول " عبيد بن فيروز: قلت للبراءِ: إِنِّى أَكْرَهُ أَن يكون فى القرن نَقْصُ أَو فى الأُذُن نقص أَو فى السِّن نقص. قال: ما كرِهْتَهُ فَدَعْهُ ولا تحرمه على أَحد. أَخرجه أَحمد والدارمى والنسائى (¬2) {3}. (قال) أَبو محمد عبد الله بن قدامة: ويُكْرَهُ أَن يُضَحَّى بمقشوقة الأُذن أَو بما قُطِعَ منها شَئّْ، أَو ما فيها عَيْبٌ من هذه العيوب التى لا تمنع الإِجزاءَ " لقول " علىّ رضى الله عنه: أَمَرَنَا رسول الله أَن نَسْتَشْرِفَ العَيْن والأُذُن ولا نُضَحَّى بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاءَ ولا شرقاءَ. قال زهير: قُلْتُ لأَبى إِسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأُذُن. قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع من مؤخر الأُذُن. قلت: فما الخرقاءُ؟ قال: تُخْرَق أُذُنها للسِّمة. قلت: فما الشَّرْقاءُ؟ قال: تُشَقَّ أُذُنها. أَخرجه أَبو داود والنسائي (¬3) {29}. قال القاضى: الخرقاءُ التى انثقبت أُذُنها. والشرقاءُ التى تشق أُذُنها. وهذا نَهْى تنزيه ويحصل الإِجزاءُ بها، لا نعلم فى هذا خلافاً (¬4). ¬

(¬1) هذا مذهب الثلاثة. وتقدم عن مالك أنها لا تجوز بمكسورة سنين فأكثر. (¬2) هذا أثر ذكره أحمد ومن معه بعد الحديث المتقدم رقم 23 ص 16. (¬3) انظر باقى من الله عليه وسلم أن نختار فى الأضحية ذات العين والأذن الكاملتين (والمقابلة) بفتح الياء: هى التى قطع من مقدم أّنها شئ وترك معلقاً (والمدابرة) ما قطع من مؤخر أذنها شئ وترك معلقاً (والخرقاء) المثقوبة الأذن ثقباً مستديراً (والشرقاء) مشقوقة الأذن. و (زهير) هو ابن معاوية بن حديج بالحاء مصغراً، رواى الحديث عن أبى إسحاق (عمرو بن عبد الله السبيعى بفتح السين) عن شريح بن النعمان عن على. و (السمة) العلامة. (¬4) ص 585 ج 3 مغنى (ما يكره أن يضحى به).

5 - وقت التضحية: ويُشْترط لِصحَّتها أَن تَكُون فى أَيَّام النحر، وهى يوم العيد ويمان بعده لما روى ابن حزم عن وكيع عن شُعْبه عن قتادة عن أَنَس قال: الأَضْحَى يوم النحر ويومان بعده (¬1) {4} " ولقول " ابن عُمر رضى الله عنهما: الأَضْحَى يومان بعد يوم الأَضْحَى. رواه ابن أَبى شيبة ومالك وقال: بلغنى عن علىّ رضى الله عنه مثله (¬2) {5}. (فَوَقْتها) ينتهى بغروب شمس اليوم الثانى عشر من ذِى الحجَّة. (وبهذا) قال الحنفيون ومالك وأَحمد والثَّوْرى. (وقالت) الشافعيةُ وعطاءٌ والحسن: أَيام النَّحْرِ أَربعة: يوم العيد وأَيام التشريق الثلاثة (فآخر) وقت الذبح عندهم: غُروب شمس آخر أَيامَ التشريق " لحديث " جُبير بن مُطعم أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: كُلَّ عرفات موقف وارفعوا عن عُرَنة، وكُلَّ مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر، وكُلّ فجاج منى منْحَر وكُلّ أَيام التشريق دَبْح. أَخرجه أَحمد والبزار والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (¬3) {30}. (وقال) ابن سِيرين: لا يجوزُ الذَّبْح إِلاَّ فى يوم النَّحْر خاصَّة، أَنه وظيفة عيد، فاختص بيوم العيد كالصلاة وأَداءِ زكاة الفطر يوم الفطر (وعن) أَبى سَلَمة بن عبد الرحمن وعطاءِ بن يسار: تجوزُ التَّضْحِية إِلى هلال المحرم" لما روى " أِبو أُمامة سهل بن حنيف رضى الله عنه قال: ¬

(¬1) ص 377 ج 7، المحلى (مسألة 982). (¬2) ص 350 ج 2 زرقانى الموطإ (الضحية عما فى بطن المرأة). (¬3) ص 122 ج 12 الفتح الربانى، وص 25 ج 3 مجمع الزوائد (الخروج إلى منى وعرفة) و (عرنة) بضم ففتح: واد غرب عرفة (ومحسر) يضم ففتح فكسر مشدداً: موضع بين منى ومزدلفة، سمى بذلك لأن الفيل حسر فيه، أى منع عن عن الذهاب إلى الكعبة.

كان الرَّجُل من المسلمين يَشْتَرِى أُضْحِيته فيسمنها حتى يكون آخر ذِى الحجة فيُضَحَّى بها. أَخرجه أَحمد {6}. وقال: هذا أَثر عجيب. وقال: أَيام الأَضْحَى التى أَجمع عليها ثلاثة أَيام. ذكَرَهُ أَبو الفرج عبد الرحمن ابن قدامة (¬1) هذا. ولا تُذْبَح الأُضْحِية قبل طلوع فجر يوم النَّحْر إِجماعاً ولا تُذْبَح عند الحنفيين فى بَلَدٍ تُقَامُ فيه الجُمعة، قبل صلاة العيد أَو قبل مُضِىّ وقتها بزوال الشمس إِنْ لم تُصَلّ لِعُذْر " لحديث " أَنَس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كان ذَبَح قبل الصلاة فَلْيُعدْ. أَخرجه الشيخان (¬2) {31}. (وتُذْبَح) فى القُرَى التى لا تَصِحّ فيها الجُمْعة بعد طلوع فجر يوم النَّحْر، لعدم وجُوبِ صلاةِ العيد عليهم، فلا يفوتهم بالاشتغالِ بالذبح واجب. (وقالت) المالكية: لا تُذْبَح الأُضْحِية إِلاَّ بعد صلاة الإِمام العيدِ وذَبْحِه إِنْ ذَبَح، وإِلاَّ فبعد مُضِىَّ مقدار الذَّبْح " لقول " البراءِ بن عازب: خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأَضْحَى بعد الصلاة فقال: مَنْ صَلَّى صلاتنا ونَسَكَ نُسُكَنَا فقد أَصَابَ النُّسُك، ومَنْ نَسَكَ قبل الصَّلاة فتلك شَاةٌ لَحْم (الحديث) أَخرجه أَبو داودد والشيخان (¬3) {32} " ولقول " أَنَس: قال النبى صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَبَحَ قبل الصلاة فإِنما ذَبَحَ. ¬

(¬1) ص 555 ج 3 الشرح الكبير (آخر وقت الذبح). (¬2) ص 15 ج 10 فتح البارى (من ذبح قبل الصلاة أعاد) وص 116 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى). (¬3) ص 18 ج 3 تكملة المنهل (ما يجوز فى الضحايا من السن) وباقى المراجع بهامش 4 ص 20 منه. و (نسك نسكنا .. إلخ) أى من ضحى مثل ضحيتنا، فقد وافق طريقتنا، ن ومن ذبح قبل صلاة العيد فلا يعتد به.

لِنَفْسِه، ومَنْ ذَبَحَ بعد الصلاة فقد تمَّ نُسُكُه وأصَابَ سُنَّةَ المسلمين. أَخرجه البخاري (¬1) {33}. (وهذان) الحديثان إنما يَدُلَّانِ على مَنعْ الذَّبْح قبل صلاة العيد بلا توقف على ذبح الإمام. (وقالت) الحنبلية: لا تُذْبح الأُضْحِية في حق أهل المصر إلَّا بعد صلاة الإمام ولو قبل الخطبة، وفي حق أَهل البوادِي ونحوهم ممن لا تُصَلّي العيد في موضعهم، يدخل وقت الذبح بمضِيّ قدر صلاة العيد بعد دخول وقتها لما تقدَّم "ولما روى" عبد الله بن عمرو: أن رَجُلا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي ذبَح ضَحِيَّتَهُ قبل أن يُصَلَّى. فقال النبئُ صلى الله عليه وسلم: قُلْ لأبيك يُصَلِّي ثم يَذبَح. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، وفي سنده حييّ بن عبد الله الماقري، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح (¬2) {34} (قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: وظاهر كلام آحمد أن من شَرْطِ جواز التَّضْحِية في حق أهل المصر، صلاة الإمام وخُطْبته. وعلى قياس قوله: كل موضع يُصَلَّى فيه العيد. وظاهر حديث البراء اعتبار نفس الصلاة، فإن ذَبَح بعد الصلاة وقيل الخطبة أجْزَأ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره، ولأنَّ الخطبة غير واجبة فلا تكُون شرطًا. وهذا قول الثوري وهو الصحيح (¬3). (وقالت) الشافعية والظاهرية وغيرهم: يدخل وقت التَّضْحِية بمضِيّ ¬

_ (¬1) ص 3 ج 10 فتح الباري (سنة الأضحية). (¬2) ص 94 ج 13 الفتح الرباني، وص 23 ج 4 مجمع الزوائد (من ذبح قبل الصلاة). (¬3) ص 553 ج 3 الشرح الكبير (وقت الذبح يوم العيد).

قدر صلاة العيد وخُطْبَتِه بعد طلوع الشمس، سواءٌ أَصَلَّى الإمام أَمْ لا، وسواءٌ أصَلَّى المضَحِّي أمْ لا، وسواءٌ أكَانَ مِن أَهل القُرَى أَو البوادِي أَو من الأمصار أو من المسافرين، والأَفْضَلَ أَلَّا يَذْبَح إلَّا بعد صلاتِه مع الإِمام، محتجِّين بما تقَدَّم عن البراءِ وأَنَس وغيرهما قالوا: المراد بها التقدير بالزَّمان لا بفعل الصلاة، لأَنَّ التقدير بالزَّمان أَشْبه بمواقيت الصلاة وغيرها، ولأَنه أضْبَطَ للناس في الأَمصار والقُرَى والبوادِي. (وهو) تَأْويل بَعِيد (قال) العلامة الشوكاني: وقد تَأَوَّل هذه الأحاديث من لم يعتبر صلاة الإِمام وذبحه بأَنَّ المراد بها الزَّجْر عن التعجيل الذي يُؤَدِّي إلى فِعْلَهَا قبل وقتها، وبأَنه لم يكُن في عصره صلى الله عليه وسلم مَنْ يُصَلِّي قبل صلاتِه، فالتعليق بصلاتِه في هذه الأَحاديث ليس المراد به إلَّا التعليق بصلاةِ المضَحِّي نفسه، لَكِنَّها لما كانت تقَعُ صلاتهم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير متقَدِّمة ولا مُتَأخِّرَة، "وَقَعَ التعليق بصلاتِه صلى الله عليه وسلم، بخلافِ العصر الذي بعد عصْره، فإنها تُصَلَّى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعددة (ولا يخفى) بعد هذا: فإنه لم يثبت أنَّ أهْل المدينة ومَنْ حولهم كانوا لا يُصَلونَ العيد إلَّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم. "وأَمَّا" قوله صلى الله عليه وسلم: يوم النَّحْر يوم ذَبْح "فلا" يصلح متمسكاً لمن جَوَّزَ الذبح من طلوع الشمس أَوْ من طلوع الفجر، لأَنه كالعام. والأَحاديث المذكورة خاصَّة، فيبني العام على الخاص (¬1). (فالراجح) مذهب غير الشافعية (قال) النووي: ينبغي أَن يذبح أُضْحِيَته بعد صلاتِه مع الإمام وحينئذٍ تُجْزئه بالإِجماع (¬2). ¬

_ (¬1) و (¬2) ص 215 ج 5 نيل الأوطار (وقت التضحية) وص 110 ج 13 شرح مسلم.

(وإِذا) لم يكُن فى البلد إِمام فالظاهر أَنه يعتبر لكل مُضَحّ صلاته. (السادس) ويُشْترط أَن يكون ذَبْح الأُضْحِية نهاراً عند مالك، وهو رواية عن أَحمد، فلا يجزئ ذبحها ليلاً " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن يُضَحّى ليلاً. أَخرجه الطبرانى فى الكبر. وفى سنده سليمان بن أَبى سلمة الجنايزى وهو متروك. قاله الهيثمى (¬1) {35}. وفى سنده أَيضاً مبشر بن عبيد وهو ضعيف متهم بالْوَضْع. ولأَنَّ ليالى التشريق تُشْبهُ ليلَةَ النَّحْر، وأَيامها تُشْبه يومه، فكما أَنه لا يجزئ الذبح فى ليلة النحر لا يجزئ فى لياليها. (وقال) الحنفيون والشافعيون والجمهور: يَصِحّ ذبحها ليالى التشريق مع الكراهة. وروى عن أَحمد (أَما الجواز) فلأَنَّ الليل زمن يَصِحّ فيه الرمى فأَشْبه النهار، ولأَنَّ الليل داخل فى مدة الذَّبْح، فجاز الذَّبْح فيه كالأَيام. (وأَما) الكراهة، فلا حتمال الغلط ليلاً. (وأَجابوا) عن الحديث بأَنه ضعيف فلا يحتجّ به. فالراجح قول الجمهور. (فائدتان): (الأُولى) من ضَحَّى بعددٍ من الماشية، فالسُّنة ذبحها فى اليوم الأَول مُسَارَعةً إِلى الخير " وما قيل " من أَنه يُسْتَحَبّ تفريقها على أَيام النحر، لأّنه أَرْفَق بالمساكين " فهو " ضعيف مخالف للسُّنة الصحيحة (فقد) ثبت أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نَحَرَ مائَةَ بدنة أَهْدَاها فى يوم واحد وهو يوم النحر، فَنَحَرَ بيده ثلاثاً وسِتِّينَ، وأَمَرَ عَلِيًّا رضى الله عنه ينحَرُ عنه تمام المائة. ¬

(¬1) ص 23 ج 4 مجمع الزوائد (النهى عن التضحية بالليل).

(الثانية) التَّضْحِية فى أَيام النَّحْر أَفْضَل من التَّصَدُّق بثمن الأُضحية عند الأَئِمة الأَربعة، لأّنَّ القربة فى هذه الأَيام إِنما تكون بإِراقة الدم. 6 - مكان التضحية: (قال) النووى فى المجموع: محل التَّضْحِية موضع المضَحِّى، سواءٌ أَكَانَ بلده أَمْ مَوْضِعه من السفر. وفى نقل الأَضْحِية وَجْهان، حكاهما الرافعىّ وغيره تخريجاً من نقل الزكاة. اهـ. (وقال) الحنفيون: يجوزُ نقلها بلا كراهة لقريبٍ أوْ أَخْوَج كالزكاة. 7 - الأشترك قى الأضحية: تُجزئ الشاُه من الضَّأْن أَو المعز عن واحد اتفاقاً. وتُجزئ عنه وعن أَهْل بيتِه وإِن كَثُروا عند مالك والليث والشافعى وأَحمد وإسحاق " لقول " أَبى أَيوب الأَنصارىّ: كُنَّا نُضَحِّى بالشَّاةِ يذبحها الرَّجُل عنه وعن أَهل بَيْتِه، ثم تَبَاهَى الناس بعد فصارت مُبَاهَاةً. أَخرجه مالك وابن ماجه. وكذا الترمذى وصححه عن عطاءِ بن يسار قال: سأَلْتُ أَبا أَيوب: كيف كانت الضَّخَايا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرَّجُل يُضَحِّى بالشَّاةِ عنه وعن أَهل بيته يأْكُلُون ويُطْعمون حتى تَبَاهَى الناس فصارت كما تَرى (¬1) {36}. " ولحديث " أَبى عقيل زهرة بن معبد عن جَدِّه عبد الله بن هشام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بالشَّاةِ الواحدة عن جميع أَهْله. أَخرجه أَحمد والطبرانى فى الكبير والحاككم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (¬2) {37}. ¬

(¬1) ص 349 ج 2 زرقانى الموطإ (الشركة فى الضحايا) وباقى المراجع بهامش 7 ص 32 ج 3 تكملة المنهل (الشاة يضحى بها جماعة). (¬2) ص 85 ج 13 الفتح الربانى. وباقى المراجع بهامش 2 ص 33 ج 3 تكملة المنهل.

" ولقول " عائشة: أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكَبْش أَقْرَن يَطَأُ فى سوادٍ ويبرك فى سوادٍ وينظر فى سوادٍ، فأَتى به لِيُضَحِّى به، فقال: يا عائشة، هَلُمِّى المدية، ثم قال: اشْحِذيِها بحَجَر، ففعلَتُ، ثم أَخذها وأَخذ الكَبْش فأَضْجَعَةُ ثم ذَبَحَهُ، ثم قال: باسْم الله، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ ومن أُمَّةِ محمدٍ، ثم ضَحَّى به. أَخرجه أَحمد ومسلم وأَبو داود (¬1) {38}. (وقال) الحنفيون والثورى: لا تُجزئ الشَّاةُ إِلاَّ عن نَفْس واحدة، ولا تُجزئ عن أَهل بَيْتٍ، لآَنّض الاشتراك فى الأُضْحِية خلاف القياس، لأَنَّ القربة فيها إِراقة الدم وهى لا تحتمل التجزئة لأَنَّهَا ذبح واحد. وإِنما جَازَ الاشتراك فى الإِبل والبقر بالنص، فبقى الأَمر فى الغَنَم على القياس. (وأَجابوا) عن الأَحاديث السابقة ونحوها (بأَنها) محمولة على الاشتراك فى الثواب (وردّ) بأَنه لا دليلَ على هذا الحمل، ولذا قال الزَّيْلعى: ويُشكَّل على المذهب فى منعهم الشَّاة لأَكثر من واحد بالأَجاديث المتقدمة أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكَبْش عنه وعن أُمَّتِه (¬2). (ومنه) يعلم أَنَّ النص وَرَدَ فى اشتراك أَهل البيت وإِن كَثُروا فى شاةٍ واحدة، فلم يبق الأَمْر فى الغنم على القياس " وما قاله " الطحاوى من أَنَّ هذه الأَحاديث مخصوصة أَو منسوخة " فمسلم " أَن تَضْحِيَته صلى الله عليه وسلم عن أُمَّتِه وإِشراكهم فى أُضْحِيَتِه مخصوصٌ به صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ص 9 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 3 ص 10 منه (ما يستحب من الضحايا) و (يطأ فى سواد .. إلخ) يعنى أَن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، وإشحاذها: تقوية حدها ليسهل الذبح بها (وأخذ الكبش فأضجعه .. إلخ) فيه تقديم وتأخير. والأصل: فأضجعه ثم أخذ فى ذبحه قائلا: باسم الله، اللهم تقبل من محمد .. إلخ. (¬2) ص 210 ج 4 نصب الراية (كتاب الأضحية).

وأَمَّا تَضْحِيَته عن نَفْسِه وآلِه فليس مخصوصاً به صلى الله عليه وسلم ولا منسوجاً، لأَنَّ الصحابةَ رضى الله عنهم كانوا يُضَحُّون بالَّةِ الواحدة يَذْبَحُهَا الرَّجُل عنه وعن أَهْل بَيْتِهِ كما تقَدَّم. ولم يثبت عن أَحَدٍ منهم التَّضْحِية عن الأُمَّة وإِشراكها فى أُضْحِيته أَلبتة (فالراجح) القول بإجزاءِ الشَّاةِ عن أهل بَيْتٍ واحِدٍ لقوة أَدِلَّتِه. (قال) الخطابى: قوله صلى الله عليه وسلم: تقَبّضل من محمدٍ وآل محمدٍ دليلُ على أَنَّ الشَّاةَ الواحدةَ تُجزئ عن الرَّجُل وعن أَهله وإِن كَثُروا. وروى عن أَبى هريرة وابن عمر أَنَّهما كانا يفعلان ذلك (¬1). هذا. وتُجزئ الْبَدَنَةُ وهى ناقَةٌ عن سبعةٍ فَأَقَلُ " لقول " جابر: نَحَرْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالْحُدَيبية الْبَدَنَةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعةٍ. أَخرجه الجماعة إِلاَّ البخارى. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {39}. وهو مذهب الحنفيين (فالبدنة) تُجزئ عندهم عن سبعة إِذا كان كل منهم يُريد بِنَيبه - الذى لا ينقص عن السُّبْع - القربة وهو من أَهلها بالإسلام، فلو أَراد أَحدهم بنَصِيبه اللَّحم أَو كان كافراً، أَو نقص نَصِيبه عن سُبْع، لآ تُجزئ عن واحد. ويُقَّم اللَّحم بينهم وَزْناً لا جُزَافاً إِلاَّ إِذا كان معه شَئْ مِنَ الأَكارع أَو الْجِلْد (ولو) اشترى بدنة ثم أَشْرَك معه ستة صَحّ استحساناً. ويندب كون الاشتراك قبل الشِّرَاءِ، فإِن الاشتراك بعده مَكْرُوه. ¬

(¬1) ص 228 ج 2 معالم السنن (ما يستحب من الضحايا). (¬2) ص 30 ج 3 تكملة المنهل (البقر والجزور عن كم تجزئ) وباقى المراجع بهامش 3 ص 31 منه. والحديبية: بئر قرب مكة، سمى به الموضع، وهو أبعد أطراف الحرم عن البيت.

(وقالت) الشافعية والحنبلية والجمهور وبعض المالكية: يجوزُ اشتراكَ سبعة فى البدنة، سواءٌ أَكَاُنوا كلهم أَهل بيت أَم متفرِّقين، أَو بعضهم يُريد اللَّحم، فيجزئُ عن المتقرب، وسواءٌ أَكَانَتْ أُضْحِية مَنْذُورَة أَمْ تَطَوُّعاً. (ومشهور) مذهب المالكية أَن البدنة لا تُجزئُ إِلاَّ عن واحدٍ كالشَّاةِ، ولا يجوز أَن يُشْرك المضَحِّى غيره معه فى الأُضْحِية إِلاَّ فى الأَجْر، فيجوز مهما بلغ العدد بشرط أَن يكون المقصود تَشْريكه قريباً أَوزَوْجاً ساكِناً معه فى نَفقَتِه، سواءٌ أَكَانتْ واجبة كالابن والأَبَوَيْن الفقيرين، أَم غير واجبة كالأَخ وابن العم. فتسقُطُ الأُضْحِية عنه ولو كان غَنِيًّا. وفى اشتراط إِعلامِه بالتشريك قَوْلآن (وردّ) بأَنَّ الدَّليل صريح فى جواز التَّشْريك ولو فى الثمن (فقد قال) ابن عباس: كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فاشتركْنَا فى البقرةِ عن سبعة، وفى البَعِير عن عشرة. أَخرجه أَحمد والأَربعة إِلاَّ أَبا داود. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إِلاَّ من حديث الفضل بن موسى (¬1) {40}. (ولهذا) قال إِسحاق بن راهويه وابن حزيمة: تُجزئُ البقرةُ عن سبعة والبدنة عن عشرة فى الضَّحِية (وأَجابوا) عن حديث جابر بأَنه إِنما ورد فى الهدايا. وقياس الضَّحِية على الهدْى قياس فى مقابلة النَّص، وهو حديث ابن عباس، فلا يعول عليه (وهذا) هو الحق فى الضحايا، لحديث ابن عباس. ¬

(¬1) ص 205 ج 13 الفتح الربانى، وص 84 ج 2 مجتبى (ما تجزئ عنه البدنة فى الضحيات) وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ ) وص 356 ج 2 تحفة الأحوذى (الاشتراك فى الأضحية).

8 - مصرف الأضحية: يُسَنُّ للمُضَحِّى أَنْ يأْكُلَ من لحم أُضْحِيَتِه ويُطْعِم منها غَنِيًّا إِنْ لم تكُن منذورة، ويُبَاح أَنْ يدَّخِر " لقول " جابر بن عبد الله: كُنَّا لا نَأْكُلُ من لُحوم بُدُنِنَا فوق ثلاث، فأَرْخَصَ لنا صلى الله عليه وسلم فقال: كُلُوا وتَزَوَّدُوا. أَخرجه أَحمد ومسلم والنسائى، وزاد: وادَّخِروا (¬1) {41}. " ولحديث " سُليمان بن بُريدة عن أَبيه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن لُحوم الأَضَاحِى فوق ثلاث ليتَّسع ذَوُو الطول على مَنْ لا طول له، فكُلُوا ما بَدَا لَكُم، وأّطْعِمُوا وادَّخِرُوا. أَخرجه أَحمد ومسلم والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬2) {42}. " ولحديث " نُبَيْشَة أَنَّ النبىَّ صلى عليه وسلم قال: إِنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُم عن لحومها أَنْ تأْكُلُوا وادَّخِرُوا، أَلآ وإِنَّ هذه الأَيام أَكْل وشْرْب وذِكْر الله تعالى. أَخرجه الشافعى وأَحمد وأَبو داود. وأَخرج صدره ابن ماجه والدارمى (¬3) {43}. (والأَمر) فى هذه الأَحاديث للإِباحة، لأَنه وَقَع بعد النَّهْى عن الادَّخَار فوق ثلاث، لجهدٍ أَصاب الناس كما ترى فى الأَحاديث (ولهذا) قال الأَئِمَّة الأَربعة والجمهور: يُسَنّ الأَكل من الأُضْحِية غير المنذورة، ويُبَاح الادَّخار منها بعد ثلاث. ¬

(¬1) ص 106 ج 13 الفتح الربانى، وص 131 ج 13 نووى مسلم (النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث ونسخة) وص 208 ج 2 مجتبى (¬2) ص 106 ج 13 الفتح الربانى، وص 134 ج 13 نووى مسلم، وص 360 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى أكلها بعد ثلاث). (¬3) ص 37 ج 3 تكملة المنهل (حبس لحوم الأضاحى) وباقى المراجع بهامش 4 ص 39 منه (وأتجروا) بالهمزة، أى وتصدقوا طالبين من الله الأجر.

" وما روى " عن علىّ وابن عُمر وجماعة من الظاهرية من تحريم إِمساك لُحُوم الأَضَاحِى فوق ثلاث " مَرْدُود " بالأَحاديث السابقة. وكذا القول بأَنَّ الأَكل والادخار فوق ثلاث مَكْرُوه. والصحيح أَنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخِّار فوق ثلاث والأَكْل مَتَى شَاءَ، لصريح حديثِ بُريدة وغيره. ولعل عَلِيَّا وابن عُمر رضى الله عنهما لم يبلغهما الناسخ. ومَنْ حَفِظَ حُجَّة على مَنْ لم يَحْفّظ. هذا. والأَفْضَل عند الحنفيين أَن يَتَصَدَّق بالثُّلُث ويأْكُل الثُّلُث، ويَدَّخِر الثُّلُث، لِمَا تَقَدَّم فى حديث بُريدة من قوله عليه الصلاة والسلام: فكُلُوا ما بَدَا لكُم وأَطْعِمُوا وادَّخِروا (¬1)، " ولحديث " سَلَمة بن الأَكْوع أَنَّ النبىَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَنْ ضَحَّى مِنْكُم فلا يُصْبِحَنَّ بعد ثالثة ويقى فى بَيْتِه منه شَئْ، فلمَّا كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فَعَلْنَا العام الماضى؟ فقال: كُلُوا وأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا فإِنَّ ذلك العام كان بالناس جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَن تعينوا فيها. أَخرجه الشيخان (¬2) {44}. ولو حبس الكُلّ لنفْسِه جاز، لأَنَّ القربة فى الإراقة. والتَّصَدُّق بالَّحم تطوع، ويُنْدَب ترك التَّصَدق لذِى عِيالٍ تَوْسِعَةً عليهم (وقالت) الحنبلية: يُستحبُّ أَن يأْكُل ثُلُثها. ويَتَصَدَّق بثُلُثها، وإِنْ أَكَلَ أَكْثَر جازَ. (قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: قال أَحمد: نحن نذهب إِلى حديث عبد الله " يعنى ابن مسعود " يَأْكُل هُوَ الثُّلُث، ويُطْعِم مَنْ أَراد الثُّلُث، ويتَصَدَّق على المساكين بالثُّلُث (قال) علقمة: بَعَثَ معى ¬

(¬1) تقدم رقم 42 ص 33. (¬2) ص 18 ج 10 فتح البارى (ما يؤكل من لحوم الأضاحى) وص 133 ج 13 نووى مسلم (النهى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث ونسخه).

عبد الله بهديه فأَمرنى أَن آكُلَ ثُلُثها، وأَن أُسِل إِلى أَهل أَخيه بثُلُث، وأَن أَتَصدَّق بِثُلُث {7}. (وعن) ابن عُمر قال: الضحايا والهدايا، ثُلُث لك، وثُلُث لأَهلك، وثُلُث للمساكين {8}. وهذا قول إِسحاق وأَحد قولى الشافعى. وقال فى الآخر: يجعلها نِصْفَيْن يأْكُل نِصْفها ويتَصَدَّق بنصف " لقول " الله تعالى: " فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير " (¬1) (ولنا) ما روى ابن عباس فى صفة أُضْحِية النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: ويُطْعم أَهل بيته الثُلُث ويُطْعم فقراءَ جِيرانِه الثُّلُث، ويتَصَدَّق على السُّؤَّالى بالثُّلُث. رواه الحافظ أَبو موسى فى الوظائف. وقال: حديث حسن (¬2) {45}. ولأَنَّ الله تعالى قال: " فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ " (¬3)، والقانع: السائل. والمعتر: الذى يعتَرِيك، أَى يتعرض لك لتطعمه ولا يسأَل. فذكر ثلاثة أَصناف، فينبغى أَن يقسم بينهم أَثلاثاً (وأَما الآية) التى احتجَّ بها أَصحاب الشافعى فإِنَّ الله تعالى لم يُبَيِّن قَدْر المأْكُول منها والمتصدق به، وقد نُبِّه عليه فى آيتنا وفسره النبى صلى الله عليه وسلم بفِعْله وابن عُمر بقوله. (والأَمر) فى هذا واسع. فلو تَصَدَّق بها كُلها أَوْ بأَكثرها جاز. وإِنْ أَكلها كُلها إِلاَّ أُوقية تصَدَّقَ بها، أَجْزَأَ، لأَنَّ الله تعالى أَمر بالأَكْل والإِطعام منها ولم يقيده بشئٍ. فمتَى أَكَل وأَطْعَم فقد أَتَى بما أُمر (وقال) بعض أَهل العلم: يجب الأَكْل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأَمر بالأَكْل (ولنا) أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نَحَرَ خمس بَدَنَاتٍ وقال: مَنْ شَاءَ فليقتطع ولم يأْكُل منهنَّ {46} ولأَنها ¬

(¬1) سورة الحج، من آية 28، وصدرها: " ليشهدوا منافع لهم ". (¬2) ص 582 ج 3 الشرح الكبير (يستحب أن يأكل ثلثها .. ). (¬3) سورة الحج، من آية 36، وصدرها: " والبدن جعلناها لكم ".

ذَبِيحة يُتَقَرَّب بها إِلى الله تعالى فلم يجب الأَكْل منها كالعقيقة، فيكون الأَمر للاستحباب أَو للإِباحة، كالأَمر بالأَكل من الثَّمار والزُّرُوع (¬1). (وقالت) المالكية: يُستحبُّ أَن يأْكُل المضَحِّى من أُضْحِتهِ ويَتَصَدَّق ويُهْدِى من غير تحديد بثُلُثٍ ولا غيره. (وقالت) الشافعية: يُسَنُّ الأَكْل منها وإطعام أَغنياءَ، ويجب التَّصَدُّق بِشَئ من لحمها. وقيل: لا يجب التَّصَدُّق، بل يُستحبّ. (وجملة) القول فى هذا ما قاله النووى: الأَكْل من أُضْحِية التَّطَوُّع سُنَّة ليس بواجب. هذا مذهبنا ومذهب مالك وأَبى حنيفة والجمهور، وأَوْجَبَهُ بعض السَّلَف، وهو وجه لنا. ومَنْ أَكَلَ بعض الأُضْحِية وتَصَدَّق ببعضها، هل يُثَاب على جميعها أَمْ على ما تصدَّقَ فقط؟ وجهان كالوجين فيمن نَوَى صَوْم التطوع ضَحْوَة، هل يُثَاب من أَول النهار أَمْ من وقت النِّيَّة فقط؟ قال الرافعىّ: ينبغى أَن يقال: له ثواب التَّضْحِية بالجميع وثواب التَّصَدُّق بالبعض. وهذا هو الصوَّاب الذى تَشْهَد به الأَحاديث والقواعد (¬2). (وهذا) كله فى أُضْحِية التَّطَوُّع وكذا الواجبة بلا نَذْر عند الحنفيين. (أَمَّا) المنذورة فقد اختلف العلماءُ فى حُكْم أَكْل المضَحّى منها (قال) الحنفيون: لا يأْكُل منها شيئاً ولا يُطْعِم غَنِيًّا، سواءٌ أَكَانَ النَّاذِر غَنِيَّا أَمْ فقيراً، ولا يَدَّخِر، بل يجب عليه التَّصَدُّق بجميعها، لأَنه سبيلها وليس ¬

(¬1) ص 582 ج 3 الشرح الكبير (يستحب أن بأكل ثلثها ... ). (¬2) ص 419 ج 8 شرح المهذب (الأكل من الأضحية) والمراد بأضحية التطوع عند الحنفيين أَحية المسافر والفقير الذي لم يوجد منه نذر ولاشراء للأضحية، لعدم سبب الوجوب وشرطة. ثم ظاهر كلام بعضهم أن الواجبة على الفقير بالشراء له الأكل منها. وذكر أبو السعود أن شراء ولها بمنزلة النذر، فعليه التصدق بها كلها.

للمتَصَدِّق أَن يأْكُل من صدقَتِه، ولا أَنْ يُطْعِم منها غَنِيًّا، فلو فعل ذلك لَزِمَهُ قيمة ما أَكَله أَوْ أَطْعَمه. وروى عن الشافعى وأَحمد (ومشهور) مذهبهما أَنَّ له أَنْ يأْكُلَ منها، لأَنَّ النذر محمول على المعهود والمعهود ذبحها والأَكْل منها. والنذر لا يغير من المنذور إِلاَّ الإِيجاب، بخلاف الهدْى الواجب فإِنه لا يجوزُ الأَكْل منه، لأَنَّ أَكْثر الهدايا لا يجوزُ الأَكْل منها فحمل النذر عليها (فائدة) يجوز عند الجمهور إِطعام الفقير الذمىّ من أُضْحِية التطوع. (قال) النووى: قال ابن المنذر: أَجمعت الأُمة على جواز إِطعام فقراءِ المسلمين من الأُضْحِية. واختلفوا فى إِطعام فقراءِ أَهْل الذمة. فرخَّص فيه الحسن البصرىّ وأَبُو ثَوْر. وقال مالك: غيرهم أَحَبّ إِلينا. وكَرِهَ مالك أَيضاً إِعطاءَ النَّصْرَانىّ جِلْدَ الأُضْحِية أَوْ شَيْئاً من لحمها، وكَرِهَهُ الليث قال: فإِنْ طُبخ لحمها فلا بأْس بأَكْل الذمىّ مع المسلمين منه، ومقتَضَى المذهب أَنه يجوزُ إِطعامه من أُضْحِية التَّطَوع دون الواجبة (¬1). (وقال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ويجوز أَن يُطْعِمَ منها كافراً. وبهذا قال الحسن وأَبُو ثَوْر وأَصحاب الرأْى، وكَرِه مالك والليث إِعطاءَ النَّصْرانىّ جِلْدَ الأُضْحِية (ولنا) أَنَّهُ طعام له أَكله فجاز إَطعامه الذمى كسائر طعامه، ولأَنه صدقة تَطَوُّع فأُشبه سائر صدقة التَّطَوُّع، وأَمَّا الصَّدقة الواجبة منها، فلا يُجزئُ دفعها إلى كَافِر، لأَنَّها واجبة فأُشْبهت الزكاة وكَفَّارة اليمين (¬2). ¬

(¬1) ص 425 ج 8 شرح المهذب (المسألة التاسعة) وص 583 ج 3 الشرح الكبير. (¬2) ص 425 ج 8 شرح المهذب (المسألة التاسعة) وص 583 ج 3 الشرح الكبير.

9 - التصرف فى الأضحية: يُنْدَبُ التَّصَدُّق بِجِلْدِها وجلالها وخطامها. ولا يجوز أَن يُعْطَى الجزَّار منها أُجْرته عند الأَئِمَّة الأَربعة والجمهور " لحديث " قتادةَ بن النعمان أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قام فى حجَّة الوداع فقال: إِنِّى كُنْتُ أَمَرْتُكُم ألاَّ تَأْكُلُوا الأَضَاحى فوق ثلاثة أَيام لتسعكُم، وإنِّى أُحِلَّه لَكُمْ، فَكُلُوا منه ما شِئْتُم، ولا تَبِيعُوا لُحوم الهدْى والأَضَاحى، فكُلُوا وتَصَدَّقوا واستمتعوا بجلودِها. وإِنْ أُطْعِمّم من لُحومها شيئاً فكُلُوه إِنْ شِئْتُم. أَخرجه أَحمد. وفى سنده رَاوٍ لم يُسَمّ. قاله الهيثمى (¬1) {47}. ولقول علىّ رضى الله عنه: أَمَرَنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن أَقوم على بُدُنِه، وأَنْ أَتَصَدَّقَ بلحمِها وجُلودها وأَجِلَّتها. وأَلَّ أُعْطى الجزَّار منها شيئاً، وقال: نحن نُعْطِيه من عِنْدِنا. أَخرجه أَحمد والشبخان وأَبو داود وابن ماجه (¬2) {48}. (وهذا) الحديث وإِن كان فى الهدْى فالأُضْحِية مثله فى الحكم. وظاهر حديث علىّ أَنه لا يُعْطِى الجزَّار شيئاً منها أَلبتة. وليس هذا مراداً، بل المراد أَنه لا يُعْطى منها لأَجْل الجزارة، لأَنَّ ذلك فى حُكْم البيع. ويجوز أَن ينتفع بجِلْد الأُضحية بجميع وُجُوه الانتفاع، فيتَّخِذَ منه خُفَّا أَوْ نَعْلاً أَوْ فَرْواً أَوْ دَلْواً أَوْ سِقَاءً أَوْ غُرْبَالاً أَوْ نحو ذلك. وله أضن يعيره. وليس له أَنْ يُؤَجِّره. وهذا فى جِلْدِ الأُضْحِية المتطوع بها، وكذا ¬

(¬1) انظر المراجع بهامش 1 ص 38 ج 3 تكملة المنهل (حبس لحوم الأضاحى) و (لتعكم) أى لتسع فقراءكم (وإنى أحله لكم) أى فوق ثلاثة أيام، وهو من أدلة نسخ تحريم الادخار فوق ثلاثة أيام (فكلوا ما شئتم) أى فكلوا من الأضحية ما بدا لكم فى أى وقت وإن كنتم أعنياء. (¬2) ص 29 ج 1 تكملة المنهل (كيف تنحر البدن) وباقى المراجع بهامش 2 صفحة 31 منه.

الواجبة على القول بجواز أَكْل المضَحّى منها. وأَمَّا على القول بعدم الجواز فيجب التَّصَدُق به كاللحم. هذا. وقد دَلَّت الأَحاديث المتَقَدِّمة على أَنه لا يجوز بَيْع شَئ من الأُضْحِية ولو تطوعاً حتى جِلْدِها لأَنَّها تعينَتْ بالذبح. و " لحديث " أَبى هريرة أَنَّ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: مَنْ باع جِلْدَ أُضْحِيَتِه فلا أُضْحِيَةَ له. أَخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح (¬1) {49} ورد بأَنَّ فى سنده عبد الله بن عياش وقد ضعف. هذا وبَيْع الجلد باطل عند أَحمد وأَبى يوسف وحرام عند مالك والشافعى. (قال) النووى: مذهبنا أضنه لا يجوز بَيْع جِلْدِ الأُضْحِية ولا غيره من أَجزائِهَا، لا بما يُنْتَفَعُ به فى البيت ولا بغَيْره، وبه قال عطاءٌ ومالك، وأَحمد. ورخَّص فى بيْعِه أَبُو ثَوْر، وقال النخعى والأَوزاعى: لا بَأْس أَنْ يُشْتَرى به الغربال والمنخل والفأْس والميزان ونحوها. وكان الحسن وعبد الله بن عُمير لا يريان بأْساً أَن يُعْطَى الجزَّار جِلْدَها. وهذَا غَلَطٌ مُنَابذ للسُّنة (¬2). (وقال) أَبو حنيفة ومحمد: يجوز مع الكراهة بَيْع جِلْد الأُضْحِية ولحمها إِذا اشْتَرَى بثمنه ما يُنْتَفَعُ به مع بقاءٍ عَيْنِه كغربال ومنخل وقِرْبة ولا يجوز أَن يُشْتَرى به ما يُستهلك كاللحم والخبز. ولا يجوز بيعها بدراهم ليصرفها على نفسه وأَهله. ويجوز ذلك إَذا صرفها للفراءٍ. ورِخَّصَ الحسَن والنخعىّ فى الجلد أَن يَبِيعَهُ ويَشْتَرِى به الغربال والمنخل وآلة البيت. وروى نحو ذلك عن الأَوزاعى، لأَنه ينتفع به هو وغيره، فجرى مجرى تفريق لحمها. ¬

(¬1) ص 390 ج 2 مستدرك (بيع جلد الأضحية). (¬2) ص 420 ج 8 شرح المهذب (فرع لا يجوز بيع جلد الأضحية).

10 - ولد لأضحية: إِنْ ولدت الأُضْحِية ولداً حَيًّا قبل ذبحها أو بعده وفيه حياة مستقرة ذبح وفُعل به ما يفعل بأُمِّه. فإِنْ لم يذبحه حتى مضت أَيام النحر تَصَدَّقَ به حَيًّا عند الحنفيين. فإِنْ ضَاع أَو ذبحه وأَكله، تصدق بقيمته، وإِنْ لم يَذْبَحْه فى عامه، بل تركه حتى جاءَ عامٌ آخر وذبحه أُضْحِية، لا يُجزئُ بل يتصدق به مذبوحاً مع قيمة ما نقص من الذبح، وعليه أُضْحية أُخرى على المفتى به عندهم. (وقالت) المالكية: ولد الأُضحية إِن خرج حَيًّا قبل ذبح أُمِّه أَوْ بعده وبه حياة مستقرة، ندب ذَبْحَه، وفُعِل به ما يُفْعَل بأُمه، وإِنْ لم يُذْبَح وبقى لعام قابل، صَحّ أَنْ يُضَحّى به. (وقالت) الشافعية والحنبلية: إِنْ كانت الأُضْحِية معينة بنَذْرٍ أَوْ بقوله هذه أُضْحِية وولدت قبل الذبح أَو بعده وفى وَلَلَدِها حياة مستقرة، ذبح معها وفعل به ما يفعل بها لأَنه صار أُضْحِية تبعاً لأُمه. ولا يجوز ذَبْحه قبل وقت ذبح أُمه ولا تأْخيره عن آخر الوقت كأُمه (وقد) رَوَى المغيرة العبسىّ أَنَّ رَجُلاً سَأَل عَلِيًّا رضى الله عنه عن رَجُل اشترى بقرةً ليُضَحِّى بها فنتجتْ فقال له: لا تَشْرَب لبنها إِلاَّ فضْلاً. وإِذا كان يوم النَّحر فاذبحها وولدها عن سبعة. أَخرجه البيهقى (¬1) {9}. (أَما الجنين) الذى وجد بعد الذبح ميتاً أَو فيه حياة غير مستقرة، فيحل بذكاة أُمه. ويندب ذبحه ليخرج دمه، ويؤكَل إَن تم خلقه ونبت شعره عند مالك وأَبى عُمر: إَذا نُحِرَت الناقة فذكاة ما فى بطنها فى ذكاتها إِذا كان قد تم خلقه ونبت شعره. ¬

(¬1) ص 237 ج 5 سنن البيهقى (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد رى فصيلها).

فإِذا خرج من بطن أُمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه. أَخرجه مالك ومحمد بن الحسن فى الآثار (¬1) {10}. " ولحديث " أَبى سعيد الخدرىّ رضى الله عنه قُلْنَا: يا رسول الله، ننحر الناقةَ وتذبح البقرة والشاة فنجد فى بطنها الجنين أَنُلْقِية أَمْ نأْكُلُه؟ فقال: كُلُوه إِن شئتم، فإِن ذكاته ذكاة أُمه. أَخرجه أَحمد والدارقطنى والحاكم وأَبو داود وابن ماجه والترمذى وحسنه، وابن حبان وصححه (¬2) {50} وضعفه عبد الحق وقال: لا يحتج بأَسانيده كلها، لأَنفى بعضها مجالداً (ورَدَ) بأَن أَقل أَحواله أَن يكون حسناً لغيره لكَثْرة طرقه. وقد أَخرجه أَحمد والدارقطنى من طريق ليس فيها مجالد. (وقال) الشافعى وأَحمد: يؤكَل جَنِين الذبيحة وإِن لم يتم خلقه، لما روى البيهقى عن ابن عُمر مرفوعاً وموقوفاً: ذكاة الجنين ذكاة أُمه أَشعر أَو لم يشعر، وفى سنده مبارك بن مجاهد ضعيف. ذكره الزرقانى (¬3) {51}. (وقال) أَبو حنيفة: لا يحل جنين الذبيحة إِلاَّ إِن خرج حَيًّا وذكى. (وحمل) الحديث على التشبيه، فالمعنى ذكاة الجنين إِذا خرج حَيًّا كذكاة أُمه. (وهذا) التأُويل بعيد، لما تقَدَّم عن ابن عُمر رضى الله عنهما، ولما رواه البيهقى بلفظ: ذكاة الجنين بذكاة أُمه. فالحجَّة مع الأَولين (قال) ابن المنذر: لم يَرِد عن أَحد من الصحابة ولا من العلماءِ أَنّض الجنين لا يؤكَل إِلا باستئناف ذكاة فيه إِلاَّ ما يُرْوَى عن أَبى حنيفة (¬4). ¬

(¬1) 353 ج 2 زرقانى الموطإ (ذكاة ما فى بطن الذبيحة). (¬2) ص 63 ج 3 تكملة المنهل (ذكاة الجنين) وباقى المراجع بهامش 4 ص 65 منه. (¬3) ص 354 ج 2 زرقانى الموطإ (ذكاة ما فى بطن الذبيحة). (¬4) ص 282 ج 4 معالم السنن (باب ذكاة الجنين).

11 - ذبح أضحية الغير: لَوْ غَلط اثنان فذَبَحَ كُلٌّ أَضْحِيَةَ الآخر عن نفْسِه، صَحَّ استحساناً عند الحنفيين والحنبلية. وتقَعُ كُلّ أُضْحِية عن مالِكِها، لأَنَّهَا تعينَتْ للذَّبح بتعيينها للأُضْحِيَة. ولا ضمان بعد العِلْم بالغَلَط إِنْ رَضِىَ كُلٌّ بفِعْل صاحِبِه، وإِلاَّ وَقَعَتْ ذَبِيحة كُلٍّ عن نفسه وضَمِنَ لصاحبه قيمةَ لحمه فيتصَدَّقَ بها، لأَنها بدل عن اللحم فصار كما لَوْ بَاعَه. وكذا لو تَعَمَّدَ فَذّبَح أُضْحِيَةَ رَجُل عن نفْسِه بلا إِذْنِه عند الحنفيين. فإِنْ أَخَذَهَا المالك مذبوحة ولم يُضَمِّنه القيمة وقعت عنه، لأَنَّهُ نَوَاها فلا يَضُرّه ذَبْح غيره وإِنْ ضَمنه قيمتها وقعت عن الذابح، لأَنه ظهر أَنَّ الإِراقة حصلت على مُلْكِه. وإِذا ذبحها عن المالك بغير إِذْنِه وقعت عن المالك ول ضمان لوجود الإِذن بذبحها دلالة حيث نَوَى ذبحها عند الشراءِ فتعينَتْ للأُضْحِية (وحاصله) ما ذكَرَهُ ابن عابدين بقوله: لو غَلط فذبح أُضْحِية غيره عن نفسِه فالمالك بالخيار إِنْ ضَمَّنه قيمتها وقعت عن الذابح وإِلاَّ فَعَن المالك وكذا لو تَعَمَّدَ وذبحها عن نفسه. وأَمَّا لو ذبحها عن المالك وَقَعَتْ عن المالك، وهل له الخيار أَيضاً؟ لم أَرَه. والظاهر نعم (¬1). (وقال) الشيخ منصور بن إِدريس: لو ضَحَّى اثنان كُلٌّ بأُضْحِية الآخر عن نفسه غلطاً كَفَتْهُمَا ولا ضمان استحساناً. والقياس ضمانهما. ونقل الأَثْرَم وغيره فى اثنين ضَحَّى هذا بأُضْحِيَة هذا يترادان اللحم ويُجْزئ. ولو فرق كُلٌّ منهما لحم ما ذبحه صَحَّ لإِذْنِ الشرع فى ذلك، وإِنْ ذَبَح أُضْحِيَةً معينةً فى وقتها بغير إِذْنِ رَبِّها ونواها عن ربها أَوْ أُطلق، أُجْزأَتْ ولا ضمان على الذابح، لأَنَّ الذَّبح لا يفتقر إِلى ¬

(¬1) ص 229 ج 5 رد المختار (أما إذا ذبحها عن مالكها).

النِّيَّة، فإِذا فعله غير صاحبه أَجْزأَ عن صاحبه. ولأَنها وقعَتْ موقعها بذبحها فى وقتها فلم يضمن ذابحها حيث لم يكُن مُتَعَدِّياً. وإِنْ نَوَى الذابح التَّضْحة عن نفْسِه مع عِلْمِه أَنَّهَا أُضْحِية الغير لم تُجزئ عن مالِكِها ويضمن الذابح قيمتها إِنْ فرق لحمها وأرش الذبح إِنْ لم يفرقها لغصبه، واستيلائه على مال الغير وإِتلافه أَو تنقيصه عُدْوَاناً. وإِنْ ذبحها عن نفْسِه غير عالم أَنها أُضْحِية الغير لا شتباهِها عليه، أَجزأَت عن ربها إِنْ لم يفرق الذابح لحمها. وإِنْ أَتْلَفَ الأُضْحِية صاحبها ضَمِنَهَا بقيمتِها يوم التلف فى محله وصرف قيمتها فى مثلها. وإِنْ فضل من القيمة شئٌ عن شراءِ المثل لنحو رخص، اشترى به شاة أَوْ سُبع بدنة أَوْ بقرة إِن اتَّسَع لذلك وإِلاَّ اشْتَرى به لحماً فتصَدَّقَ به أَوْ يتصدَّق بالفضل. اهـ ملخصاً (¬1). (وحاصل) مذهب المالكية أَنَّ مَنْ ذبح أُضْحِية غيره لعادة وكان قريباً أَوْ صديقاً أَجْزَأَت اتفاقاً. وفى إِجزاءِ ذبح الأَجنبى لعادة خلاف. وأَمَّا إِنْ ذبحها لغير عادة بغير أَمره فلا تُجزئ عن واحد منهما. فإِنْ أَخَذَ المالك قيمتها فليس للذابح إِلاَّ أَكْل اللحم أَو التَّصَدُّق به، لأَنه ذبحه على وَجْه التَّضْحِية. وإِنْ أَخَذَ المالك اللحم، تَصَرَّف فيه بالْبَيْع وغيره لأَنه لم يقصد بذبحه التَّضْحِية وعليه بدلها. (وقالت) الشافعية: إِنْ ذَبْحَ رَجُل أُضْحِيَةَ غيره فى وقتها بغير إِذْنِه، أَجْزأت عن المالك. وله على الذبح فرق ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة، ¬

(¬1) ص 641 ج 1 كشاف القناع (تتمة).

لأَنَّ الذبح أضحد مقصودى التَّضْحِيَة، فإِذا فعله فاعل بغير إِذْنِ المضَحّى ضَمِنَهُ كتفرقة اللحم. 12 - قضاء الأضحية: لَوْ لم يُضَحّ حتى مَرَّت أَيامها (فإِنْ كان) أَوْجَبها على نَفْسِه بالنَّذْر أَو اشتراها ولو غَنِيًّا، وَجَبَ عليه التَّصَدُّق بها حَيَّة أَو بقيمتها، لأَنَّهَا تعينَتْ بالنَّذْر أَو بالشَّرَاءِ بنيتها فلا يُجْزئه غيرها. ولذا لَوْ ذَبَحها ونقصها الذبح بأَن كانت قيمتها بعده أَقَلّ منها قبله، تَصَدَّقَ بقدر النقص، ولا يَأْكُلِ منها لانتقال الواجب من إِراقة الدم إِلى التَّصَدُّق، فإِنْ أَكَلَ تَصَدَّق بقيمة ما أَكَل (وإِنْ كان) غَنِيًّا ولم يوجب على نَفْسِه ذبيحة بعينها، لَزِمَهُ التَّصَدُّق بقيمة شَاةٍ تُجزئ فى الأُضْحِية لوجوبها فى ذِمَّتِه بإِيجاب الله تعالى. وهذا مذهب الحنفيين. (وقال) غيرهم: إِنْ كانت تَطَوُّعاً لا تقضى. أَما الواجبة بنَذْرٍ أَو تعيين بقوله هذه أُضْحِيَة فتقضى. (قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: إِذا فاتَ وقْت الذبح، ذبح الواجب قضاءً وصَنَعَ به ما يُصْنَع بالمذبوح فى وقته، لأَنَّ حُكْم القضاءِ حكم الأَداءِ (فأَمَّا) التطوع فهو مُخَيَّر فيه، فإِنْ فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح، لأَنها شَاةَ لحم وليست أُضْحِية. وبهذا قال الشافعى. وقال أَبو حنيفة: يُسَلِّمها إِلى الفقراءِ ولا يذبحها، فإِنْ ذبحها فرق لحمها وعليه أَرش ما نقصها الذبح، لأَنَّ الذبح قد سقط بفواتِ وقته كالوقوف والرمى (ولنا) أَن الذبح أَحد مقصودى الأُضْحِية فلم يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم، ولأَنه لأَوْ ذبحها فى الوقت ثم خرج " الوقت " قبل تفرقتها فرقها بعد ذلك. وبهذا فارق الوقوف والرمى، ولأَنَّ الأُضْحِية

لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك. " فإِن ضَلَّت " الأُضْحِية التى وجبت بإِيجابه لها أَوْ سُرِقت بغير تفريط منه " فلا ضمان " عليه، لأَنَّهَا أَمانة فى يده، فإِنْ عادت بعد الوقت ذبحها على ما ذكرناه (¬1). 13 - التضحية عن الميت: يجوز إِشراكُ المِّيت فى أَجْر التَّضْحِية اتفاقاً " لحديث " أَبى رافع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَقْرَنَيْن أَحَدُهما عن أُمَّتِه مَنْ شَهِدَ لله بالتوحيد وشَهِدَ له بالبلاغ. والثانى عن نَفْسِه وأَهل بيته. أَخرجه أَحمد والبزار بسند حسن مختصراً (¬2) {25}. (ومعلوم) أَنَّ كثيراً منهم كانوا قد مَاتُوا فى عهده صلى الله عليه وسلم فدخل فى أُضْحِيَتِه صلى الله عليه وسلم الأَحياءُ والأَمواتُ كلهم. والكَبْشُ الواحدُ الذى يُضَحِّى به عن أُمَّتِه كما كان للأَحْيَاءِ من أُمَّتِه كذلك كان للأَمواتِ منهم بلا تفرقة. وكذا تَجُوز التَّضْحِية عن المِّيت إِذ أَوْصَى بها فى حياته عند بعضهم (رَوَى) حنش عن علىّ رضى الله عنه أَنه كان يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَحَدُهُمَا عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم والآخر عن نَفْسِه، فقيل له، فقال: أَمَرنى به - يعنى النبى صلى الله عليه وسلم - فلا أَدَعَهُ أَبداً. أَخرجه الترمذى وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إِلاَّ من حديث شريك. وقد رَخَّصَ بعض أَهْل العِلْم أَن يُضَحّى عن المّيت. ولم يَرَ بعضهم أَن يُضَحّى عنه. وقال عبد الله بن المبارك: أَحَبّ إِلىّ أَن يتصدق ¬

(¬1) ص 557 ج 3 الشرح الكبير (فإن فات الوقت). (¬2) انظره تاماً ص 61 ج 13 الفتح الربانى، وص 21 ج 4 مجمع الزوائد (أضحيته صلى الله عليه وسلم).

عنه ولا يُضَحّى، وإِنْ ضَحَّى فلا يأْكُل منها شيئاً ويتصدَّق بها كُلها. وأَخرج نحوه أَحمد وأَبو داودج والحاكم وصححه (¬1) {53}. (وممن) قال بهذا الحنفيون وأَبو بكر بن العربى المالكى والقفَّال الشافعى. (قال) النووى: وأَمَّا التَّضْحِية عن الميت فقد أَطلق أَبو الحسن العبادى جوازها، لأَنها ضَرْب من الصدقة تَصِحّ عن الميت وتنفعه وتَصِل إِليه بالإِجماع (وقال) صاحب العدة والبغوى: لا تَصِحّ التَّضْحِية عن الميت إِلاَّ أَن يُوصِى بها، وبِه قَطَعَ الرافعى (وقال) أَصحابنا: وإِذا ضَحَّى عن غيره بغير إِذْنِه فإِنْ كانت الشَّاة معينة بالنَّذْر وقعت عن المضَحّى وإِلَّ فلا. وأَطلق الشَّيْخ إِبراهيم الْمَرْوَزِىّ أَنها تقَعُ عن المضَحّى. ولو ذَبَح عن نَفْسِه وأَشْرَكَ غيره فى ثوابها جاز. قالوا: وعليه يُحْمَل الحديث المشهور عن عائشة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ذَبّحَ كَبْشاً وقال: باسْم الله، اللَّهم تقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ وعن أُمَّة محمدٍ. ثم ضَنحَّى به. رواه مسلم (¬2) {54} (واحتج) العبادى وغيره فى التَّضْحية عن الميت (¬3). هذا، وهؤُلاءِ قالوا كابن المبارك: لا يجوز للمضَحِّى عن الميت أَنْ يَأْكُل منها شيئاً، لأَنَّ الذابح لم يتقرب بها عن نفْسِه وإِنما يتقرب بها عن غيره، فلا يجوز له أَن يأْكُل من حق الغير شيئاً. (وقال) الحنفيون: إِنْ ضَحِّى عن الميت بأَمره لا يأْكُل منها. إِنْ ¬

(¬1) ص 353 ج 2 تحفة الأحوذى (الأضحية بكبشين) وص 109 ج 13 الفتح الربانى، وص 6 ج 3 تكملة المنهل (الأضحية عن الميت) وباقى المراجع بهامش 4 ص 7 منه. (¬2) هذا عجز حديث ص 121 ج 13 نووى مسلم (استجباب الضحية وذبحها مباشرة). (¬3) ص 406 ج 8 شرح المهذب (فرع لوضحى عن غيره بغير إذنه لم يقع عنه).

كان مُتَبَرِّعاً فله الأّكْل منها (قال) العلامة ابن عابدين: لَوْ ضَحَّى عن مَيِّت وارثُه بأَمْره لَزِمَهُ التَّصَدُّق بها وعدم الأَكْل منها. وإِنْ تبرَّع بها عنه، له الأَكْل، لأَنه يقَعُ على ملك الذابح والثواب للميت. ولهذا لو كان على الذابح واحدة سقطت عنه أُضْحِيَته. وقد صرح فى فح القدير فيمن حج عن الغير بلا أَمره أضنه يقع عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه وللآخر الثواب (¬1). (وقال) بعض الفقهاء: لا تجوز التَّضْحِية عن الميت منفرداً (وأَجابوا) عن حديث علىّ بأَنه ضَعِيف. فإِنَّ فى سنده شريك بن عبد الله القاضى، فيه مقال، وأَبو الحسناءِ شَيْخه مجهول، وحنش الكنانى تكلم فيه غير واحد، وكان كثير الوهم فى الأَخبار ينفرد عن علىّ بأَشياءِ لا تُشبه حديث الثقات حتى صار ممن ل يحتجّ به. (قال) محمد بن عبد الرحمن: لم أَجِدْ فى التَّضْحِية عن الميت منفرداً حديثاً مرفوعاً صحيحاً. وأَمَّا حديث علىّ المذكور فضعيف كما عرفت، فإِذا ضَحَّى الرَّجُل عن الميت منفرداً فالاحتياط أَن يتَصَدَّق بها كلها (¬2). (أَمَّا) إِذا أَشْرَك الميت مع الحىّ فله الأَكْل منها، فإِنه لم يُنْقَل عنه صلى الله عليه وسلم فى الأُضحِية الى كان يُضَحِّى بها عن نفسه وأهْل بَيْتِه وعن أُمَّتِه الأَحياء والأَموات أَنه تَصَدَّق بجميعها، أَو تَصَدَّق بجزءِ مُعَيَّنِ بقدر حِصَّة الأَموات، بل قال أَبو رافع: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا ضَحَّى اشترى كَبْشَيْن سَمِينَيْن أَقْرَنَيْن أَمْلَحَيْن، فإِذا صَلَّى وخطَبَ الناس أُتِيَ بأَحدهما وهو قائم فى مُصَلاَّه فذَبَحَهُ بنَفْسِه ¬

(¬1) ص 236 ج 5 رد المحتار (آخر كتاب الأضحية) وص 354 ج 2 تحفة الأحوذى (الأضحية بكبشين). (¬2) انظر المراجع بهامش 3 ص 7 ج 3 تكملة المنهل (الَحية عن الميت).

بالمدية، ثم يقول: اللَّهم هذا عن أُمَّتى جميعاً، مَنْ شَهِدَ لك بالتَّوْحِيد وشَهِدَ لى بالبلاغ. ثم يُؤْتَى بالآخر فيذبحه بنفسِه ويقول: هذا عن محمد وعن آل محمدٍ، فَيُطْعِمهما جميعاً المساكين ويأْكُل هُوَ وأَهْله منهما، فمكَثْنَا سِنِين ليس الرَّجُل من بنى هاشم يُضَحِّى، قد كَفَاهُ الله المئونةَ برسول الله صلى الله عليه وسلم والغُرْمَ. أَخرجه أَحمد والبزار والطبرانى فى الكبير بسند حسن (¬1) {55}. (فعلم) منه أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان دَأْبُهُ أَنْ يأْكُلَ مِنَ الأًضْحِية هُوَ وأَهْله ويُطْعِمَ منها المساكين، وأَمَرَ بذلك أُمِّتَهُ، ولم يُحفظ عنه خلافه. 14 - ما يطلب من المضحى: يُطْلَبُ ممنْ أَرَادَ التَّضْحِيةَ عِدَّة أُمور: (1) أَلاَّ يأْخُذُ من شَعْر ولا من أَظفاره شيئاً إِذا دَخَلَ شَهْر ذِى الحجَّة، لما تقَدَّمَ عن أُمّ سَلَمة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى هِلآ ذِى الحجَّة وأَراد أَن يُضَحَّى فلا يأْخَذَنَّ من شَعْره وأَظْفَاره. أَخرجه الترمذى (¬2) {56}. " وعن أُمّ سَلَمة " أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كانَ لَهُ ذِبْحٌ يذبحه فإِذا أَهَلَّ هلال ذِى الحجَّة فلا يأْخُذَنَّ من شَعْره وأَظْفَاره شيئاً حتى يُضَحِّى. أَخرجه مسلم وأَبو داود (¬3) {57}. (ولهذا) قال سعيد بن المسّيب وأَحمد وإِسحاق وداود الظاهرى وبعض أَصحاب الشافعى: يحرم على مُرِيد التَّضْحِية أَخْذ شَئْ من شَعْر ¬

(¬1) انظر المراجع بهامش 3 ص 7 ج 3 تكملة المنهل (الَحية عن الميت). (¬2) تقدم رقم 7 ص 6 (حكم التضحية). (¬3) ص 139 ج 13 نووى مسلم، وص 7 ج 3 تكملة المنهل (الرجل يأخذ من شعره فى العشر وهو يريد أن يضحى (والذبح بكسر فسكون: الحيوان يراد ذبحه. فهو فعل بمعنى مفعول، ومنه قوله تعالى: " وفديناه بذبح عظيم ".

وأَظْفَاره إِذا هَلَّ ذُو الحجَّة حتى يُضَحِّى (وقال) مالك: حرم ذلك فى أُضْحِية التطع دون الاجبة. (وقال) الحنفيون: يُكْرَه ذلك كراهةَ تنزيه، وهو مشهور مذهب الشافعى ورواية عن مالك، وحملوَا النَّهْى فى الحديث على التنزيه " لقول " عائشة: فتّلت قلاند بُدُن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى، ثم أَشْعَرها وقَلَّدَها، ثم بعث بها إِلى البيت وأَقام بالمدينة، فما حرُم عليه شَئ كان له حلالاً. أَخرجه السبعة والطحاوى (¬1) {58} والأُضْحِية كالهدْى، فيحمل النَّهْى فى حديث أُم سَلَمةَ على كَرَاهة التنزيه جمعاً بينه وبين حديث عائشة (قال) النووى: قال أَصحابنا المراد بالنَّهْى عن أَخْذ الظُّفر والشَّعر النَّهْى عن إِزالة الظُّفر بقَلم أَوْ كَسْر أَو غيره، والمنع من إِزالة الشَّعر بحلقٍ أَو تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحراقٍ أَوْ أَخْذه بنوره أَو غير ذلك، وسواءٌ الإِربط والعانَةِ والرَّأْس وغير ذلك ذلك من شُعور البدن. وقال بعض أَصحابنا: حُكْم أَجزاءِ البدن كحُكْم السَّعر والظُّفر، لقوله فى الرواية السابقة: فلا يمسّ من شعره وبشره شيئاً. والحكمة فى النَّهْى بقاءِ أَجزاءِ المضَحّى كاملة للعِتْق من النار (¬2). (2) ويُسَنّ للمضَحّى قَصّ الأَظافر والشَّارِب وحَلْق الْعَانَة يوم التَّضْحِية " لحديث " عمرو بن العاص أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لِرَجُل - سأَلة عن الضَّحِيَّة وأَنه قد لا يجدها - تأْخُذُ من شَعْرك وأَظْفَارِك ¬

(¬1) ص 14 ج 1 تكملة المنهل (من بعث بهدية وأقام) وباقى المراجع بهامش 5 ص 15 منه. (¬2) ص 38 ج 13 شرح مسلم (نهى مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً).

وتَقُصّ شَارِببك وتحلق عانَتَك، فذلك تمام أُضْحِيَتِكَ عند الله عَزَّ وجلَّ أَخرجه أَحمد وأبو داود والنسائى (¬1) {59}. (3) ويُطْلَب من المضَحَّى التَّسْمِية عند الذبح لقوله تعالى: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ " (¬2). والمنقول فيها باسْم الله والله أَكْبر " لحديث " جابر أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله ويلم لَمَّا وجه الأُضْحِية قال: إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِى للذى فَطَرَ السَّمواتِ والأَرض على مِلَّةِ إِبراهيم حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ المشْرِكِين، إِنَّ صَلآنى ونُسُكِى وَمَحْيَاى ومماتى لله رَبً العالمين، لا شرِيكَ له وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا مِنَ المسلمين. اللَّهُمَّ مِنْكَ وإِلَيْكَ اللَّهُمَّ عن محمدٍ وأُمَّتِه. باسْم اللهِ والله أَكْبر. ثم ذَبَح. أَخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمى (¬3) {60}. وفى سنده: (ا) محمد بن إِسحاق وقد عَنْعَن. (ب) أبو عياش ضعيف " ولقول " أَنِس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يُضَحِّى بكَبْشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن ويقول: باسْم الله والله أَكْبر. أَخرجه السبعة والدارمى. وهذا لفظ مسلم (¬4) {61}. (فإِن) ترك التَّسْمية عَمْداً مع القدرة لا تؤكَل الذبيحة عند الحنفيين ومالك وأَحمد، لقوله تعالى: " وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ " (¬5). ¬

(¬1) ص 69 ج 13 الفتح الربانى، وص 5 ج تكملة المنهل (ايجاد الأضاحى) وص 202 ج 2 مجتبى (من لم يجد الأضحية). (¬2) سورة الحج، من آية 36، وصدرها: " والبدن جعلناها ". و (صواف) أى قائمات على ثلاث. (¬3) ص 12 ج 3 تكملة المنهل (ما يستحب من الضحايا) وباقى المراجع بهامش 3 ص 13 منه. و (حنيفاً) أى مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. (¬4) ص 121 ج 13 نووى مسلم، وص 11 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 2 ص 12 منه. (¬5) سورة الأنعام، الآية 121.

(وقالت) الشافعية: تحل مع الكَراهة، لأَنَّ التَّسْمية عندهم سُنَّة لا شرط. (وإِنْ) تُركَتْ سهواً تحل اتفاقاً " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صَلى الله عليه وسلم قال: المسلم يكْفِية اسمه فإِنْ نَسِىَ أَنْ يُسَمِّى حين يذبح فلْيُسَمّ ثم يأْكُل. أَخرجه الدارقطنى (¬1) {62}. وفى سنده محمد بن يزيد ابن سنان، وهو صدوق ضعيف الحفظ " ولقول " ابن عباس رضى الله عنهما: مَنْ نَسِىَ التَّسْمِية فلا بَأْس، ومَنْ تَعَمَّدَ فلا تؤكَل. أَخرجه أَبو الحسن رزين بن معلوية وعبد الرازق بسند صحيح (¬2) {12}. (4) ويُسَنُّ لمنْ يُحْسِن الذبح أَنْ أَنْ يذبح أُضْحِيَته بيده ويقول: باسْم الله والله أَكْبر، اللَّهمَّ هذا عن فُلن ويُسَمِّى نفسه " لحديث " المطلب ابن عبد الله عن جابر رضى الله عنه قال: شَهِدْتُ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم الأَضحَى بالمصَلَّى، فلَمَّا قَضَى خُطْبته نَزَلَ عن مِنْبَره وأُتِىَ بكَبْش فذَبَحَهُ بيده، وقال: باسْم الله والله أَكْبر، اللَّهمَّ هذا عَنِّى وعَمِّنْ لم من هذا الوجه (¬3) {63}. والمطلب يُقَال إِنه لم يسمع من جابر، لكن قال أَبو حاتم الرازى: يُشْبه أَن يكون أَدركه. (5) ويُنْدَب لمن لم يُحسِن الذبح أَنْ يَأْمُر غيره بالذبح ويشهده ¬

(¬1) ص 549 سنن الدارقطنى (باب الصيد والذبائح .. ) و (يكفيه اسمه) الضمير للمسلم، وقد فسره ابن عباس بقوله: فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله. أخرجه البيهقى والدارقطنى [11] ص 549 منه. (¬2) ص 45 ج 2 تيسير الوصول (آداب الذبح ومنهياته). (¬3) ص 31 ج 3 تكملة المنهل (الشاة يضحى بها عن جماعة) وباقى المراجع بهامش 5 ص 33 منه.

" لحديث " عمران بن حُصَين أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمةَ قُومى فاشْهَدِى أُضْحِيَتِك فإِنه يغفر لك عند أَوَّل قطرةٍ من دمها كُلَّ ذَنْبٍ عَمَلْتِه، وقولى: إِنَّ صَلآتِى وَنُسُكِى وَمَحْياىَ وَمَمَاتِىِ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ. لآ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ (قال) عمران: يا رسول الله، هذا لَكَ ولأَهْل بَيْتِكَ خاَّصة - فأَهل ذلك أَنتم - أَوْللمسلمين عاَّمةً قال: بَلْ للمسلمين عامَّةً. أَخرجه الطبرانى فى الكبير والأَوسط والحاكم وصححه. ورد بأَن فى سنده أَبا حمزة الثمالى وهو ضعيف (¬1) {64} (6) ويُنْدَب - عند مالك والجمهور - للإمام إِبراز الأُضْحِية وذبحها فى المصَلَّى، لما تقَدَّم فى حديث أَبى رافع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (¬2)، ولما تقَدَّم عن جابر (¬3) (وقال) النووى: الأَفْضَل أَنْ يُضَحِّى فى داره بمشْهَدِ أَهْلِهِ. وذكَرَ الماوردى أَنه يختار للإِمام أَن يُضَحِّى للمسلمين كافة من بيت المال ببدنة فى المصَلَّى م ماله ضَحَّى حيثُ شاءَ (¬4). وعن ابن عُمر أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يذبح أُضْحِيَتَهُ بامصَلَّى. أَخرجه أَحمد وأَبو داود والبخارى والنسائى وابن ماجه (¬5) {65}. (7) و (8) ويُنْدَب حَدّ السكِّين وإِراحة الذَّبيحة " لحديث " شَدَّاد ابن أَوْس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ تعالى كَتَبَ الإِحسانَ على كُلِّ شَئْ، فإِذا قَتَلْتُم فأَحْسِنُوا الْقِتْلَة، وإِذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنُوا الذبح، ¬

(¬1) ص 17 ج 4 مجمع الزوائد (فضل الأضحية وشهود ذبحها) وص 222 ج 4 مستدرك. (¬2) تقدم رقم 52 ص 44 (التضحية عن الميت). (¬3) هو الحديث رقم 60 ص 49. (¬4) ص 425 ج 8 شرح المهذب (السادسة) من مسائل الأضحية. (¬5) ص 34 ج 3 تكملة المنهل (الإمام يذبح بالمصلى) وباقى المراجع بهامش 3 منه.

ولْيُحِدَّ أَحدكُم شَفْرَتَه ولْيرُحْ ذَبِيحَتَه. أَخرجه الشافعى والسبعة إِلاَّ البخارى والترمذى (¬1) {66}. (9) إِلى (16) ويُنْدَب إِضْجَاع غير الإِبل برفقٍ على اليسار، وتوجيه مذبحها إِلى الْقِبْلَة ليتمكِّن الذابح من استقبال أَيضاً، والدعاءِ بالقبولِ، وأَن يقول: إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِى للذى فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرض على مِلَّةِ إِبراهيم حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ المشركين، إِلى آخر ما فى حديث جابر (¬2)، والذبح باليمين، وإِسراع الذبح، وإِجراءِ المدية على الحلق، وعدم ذَبْحِها أَمام ذَبِيحَةٍ أُخرى، لما تقدَّم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: يا عائشةَ هَلُمِّى المدية، ثم قال: اشْحَذِيها بحَجَر، ففعَلَتْ، ثم أَخَذَها وأَخَذَ الكَبْش وأَضْجَعَهُ ثم ذَبَحَهُ، ثم قال: باسْم الله، اللَّهمَّ تقَبَّلْ من محمدٍ وآل محمدٍ، ومن أُمَّة محمدٍ. ثم ضَحَّى به (¬3) {67}. (قال) النووى: فيه دليلٌ لا ستحباب قول المضَحِّى حال الذبح مع التَّسْمِية والتَّكبير: اللَّهمَّ تَقَبَّلْ مِنِّى. قال أَصحابنا: ويُسْتَحَبّ معه: اللَّهمَّ منك وإِليك تقَبَّلْ مِنِّى. فهذا مُسْتَحَبّ عندنا وعند الحسن وجماعة، وكَرِهَهُ أَبو حنيفة وكره مالك اللَّهمَّ منك وقال: بِدْعَة (¬4) والحديث يردّه. وفيه دليل على استحباب إِضْجَاع الغَنَم وكذا البقر، لأَنه أَرْفَق بها، وعليه أَجْمَع المسلمون. فإِن اقتصر على التَّسْمِية أَوْ وَجَّهَ الذبيحة إِلى غير الْقِبْلة ترك الأَفْضَل وأَجْزَأَهُ عند الجمهور. وكَرِهَ ابن عُمر وابن سِيرين الأَكْل من الذَّبيحة ¬

(¬1) ص 42 ج 3 تكملة المنهل. وباقى المراجع بهامش 1 ص 43 منه. (¬2) تقدم رقم 60 ص 49 (ويطلب من المضحى التسمية). (¬3) تقدم بالحديث رقم 38 ص 29 (الاشتراك فى الأضحية). (¬4) ص 122 ج 13 شرح مسلم (استحباب الضحية وذبحها مباشرة).

إِذا وُجِّهَتْ إِلى القبلة. والصَّحيح أَنه غير واجب، لأَنَّهُ لم يَقُمْ عليه دليل. (17) و (18) ويُسَنّ نَحْر الإِبل قائمةً معقولة الرِّجْل الْيُسْرى الأَمامية عند الأَئِمة الأَربعة والجمهور " لقوله " تعالى: " فاذكُرُوا اسْم اللهِ عَليْها صوَافَّ ". (قال ابن عباس): إِذا أَردْتَ أَنْ تَنْحَر البدَنَة فأَقمها ثم قُل: اللهُ أَكْبر، اللهُ أَكْبر منك ولك، ثم سَمّ وانْحَرْها. أَخرجه الحاكم (¬1) {13}. وقال عطاءٌ: يُسْتَحبُّ ذَبْحها وهى بارِكَة. وجَوَّز الثورىّ كِلآ الأَمْريْن " قال " أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ولنا ما رَوَى زياد بن جُبير قال: رأَيْتُ ابن عُمر أَتى على رَجُل أَناخَ بدنَتهُ لِينْحرها فقال: ابْعثْها قياماً مُقَيَّدَة، سُنَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، متفق عليه {68}. ورَوَى أَبو داود بإِسناده عن عبد الرحمن بن سابط أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابه كانوا ينْحَرُونَ الدَنَة معقولةَ الْيُسْرَى قائمةً على ما بقى من قوائمها {69}. وفى قول الله تعالى: " فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا " (¬2) دليل على أَنها تُنْحر قائمة. وقِيلَ فى تفسير قوله تعالى: " فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ " أَىْ قياماً وكَيْفَمَا نحر أَجْزَأَهُ (قال) أَحمد: وينحر الإِبل معقولة على ثلاثِ قوائم، فإِنْ خَشِىَ عليها أَن تنفر أَنَاخَها (¬3). ويُسَنُّ ذبْح البقر والغنم. وقال الله تعالى: " إِنَّ يأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبحُوا بَقَرَةً " (¬4)، وتقَدَّمَ عن أَنَس أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكَبْشَيْن ذبَحهُما بيده (¬5). فإِنْ ذَبح ما يُنْحر أَوْ نَحَرَ ما يُذْبح جازَ، لأَنه لم يتجاوز محل الذبح. ¬

(¬1) ص 389 ج 2 مستدرك (تفسير سورة الحج). (¬2) وجبت جنوبها، أى سقطت على الأرض، وهو كناية عن الموت. (¬3) ص 548 ج 3 الشرح الكبير (السنة فى النحر والذبح). (¬4) سورة البقرة من الاية 67، وصدرها: وإذا قال موسى لقومه ". (¬5) تقدم رقم 1 ص 3 (الأضحية).

(19) ويُنْدَبُ للوَارِثِ ذَبْح أُضْحِيَة مُورّثة إِنْ عَيَّنها قبل مَوْتِه ما لم تكن منذُورَة وإِلاَّ وَجَب ذَبْحها. وكَذَا إِن اشترطها فى وَقْفٍ له. وبهذا قالت الحنفية والمالكية. وعند الحنبلية المعينة كالمنذُورَة. ولَوْ أَوْجَبَها بنَذْرٍ أَوْ تَعْيين ثم ماتَ قبل الذبح أَو بعده، قام وَارِثَهُ مقامه فى الأَكُل والإِهداءِ والصَّدَقة. (20) و (21) ويُسْتَحَبُّ التَّضْحِية بالأَسْمَن وتَسْمِين الأُضْحِية، فالتَّضْحِية بشاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَل من شاتَيْن دونها (قال) النووى: قال أَصحابنا: كَثْرَةُ اللَّحم أَفْضَل من كَثْرَةِ الشَّحْم إِلاَّ أَنْ يكُون لحماً رديئاً. وأَجمع العلماءُ على استحبابِ السَّمين فى الأُضْحِية، واختلفوا فى استحبابِ تَسْمِينها. فمذهبنا ومذهب الجمهور استحبابه. (وقال) بعض المالكية: يُكْرَهُ لِئَلاَّ يَتَشَبَّةَ باليهود، وهذا قول باطل وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أَبى أُمامة، قال: كُنَّا نُسَمِّن الأُضْحِية، وكان المسلمون يُسَمِّنُون (¬1) {14}. 15 - ما يكره فى الأضحية: يُكْرَه فيها ترك سُنَّة مَّما تقَدَّم (ويُكْرَه) جَزّ صُوفها قبل الذبح لا بعده لحصول المقصود، فإِنْ جَزَّهُ تصَدَّقَ به (ويُكْرَه) ركُوبها والحمل عليها بلا ضرورة. ويُكْرَه تَأْجِيرها والانتفاع بلبَنِها، فإِنْ كانَ ذبحها قريباً نَضَح ضرعها بالماءِ البارِد، وإِلاَّ حلَبَهُ وتَصدَّقَ به. فإِنْ فَعَلَ شيئاً من ذلك تَصَدَّقَ بالثمن أَو الأُجرة أَو ما نقص، لأَنه بشِرائِها تعينَتْ للقربة بجميع أَجزائِهَا، فلا يحلّ الانتفاع بها (ويُكْره) إِبدالها بغيرها. وهذا مذهب الحنفيين. ¬

(¬1) ص 396 ج 8 شرح المهذب (يستحب التضحية بالأسمن).

(وقالت) المالكية: يُكْرَهْ جَزّ صُوف أُضْحِية التَّطَوُّع قبل الذبح إِنْ لم ينْو جزّه عند شرائِهَا لينتفع به بغير البيع، وإِنْ لم ينبت مثله أَوْ قريب منه قبل الذبح. وإِلاَّ فلا كَراهة. أَما المنذورة فيحرم جَزّ صُوفها مطلقاً لتعينها للقربة، وقِيلَ: هى كغيرها. ويجوز ركُوبها لغير حاجة. (وقالت) الشافعية والحنبلية: لا يُكْرَه جَزّ صُوفِها وَوَبرِها إِذا كان أَنْفَع لها، بقاءُ صُوفِها أَنْفَع لها لكُونِه يَقِيها الحرَ والبرد، فلا يجوز جزّه. ويحرم شُرْب لَبنِها المحتاج إِليه وَلَدها لا الزَّائد عنه. وله ركوبها عند الضرورة إِنْ لم يضُرها عند الأَربعة (لحديث) جابر بن عبد الله أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: اركَبْها بالمعروف إِذا أُلجئت إِليها حتى تجد ظهراً. أَخرجه أَبو داود وأَحمد ومسلم والنسائى (¬1) {70}، ولأَنه تعلَّقَ بها حق المساكين فلم يَجُزْ ركُوبها من غير ضرورة، فإِن نقصها الركوب ضمن النقص، لأَنه تعلَّق بها حق الير. فأَمَّا ركُوبها م عدم الحاجة، فلا يجوز عند الحنفيين والشافعى، وروى عن مالك وأّحمد لقوله صلى الله عليه وسلم: إِذا أُلجت إِليها. وعن مالك وأَحمد: أَنه يجوز ركُوب الضَّحِية ولو بلا حاجة لإِطلاق ما روى أَبو هريرة أَنَّ النبىَّ صلى اله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوق بدنَة، فقال: اركَبْها، فقال: إِنَّهَا بَدَنَة، فقال: اركَبْها ويلك. أَخرجه الشافعى والسبعة، غير أَن الترمذى أَخرجه من حديث أَنس (¬2) {71} (وأَجاب) الأَوَّلون بأَنَّ الإِطلاق هُنا مُقَيَّد بما فى الحديث السابق. والراجح أَنه لا يركَب المضحى به إِلاّ عند الحاجة ¬

(¬1) ص 18 ج 1 تكملة المنهل (ركوب البدن) وباقى المراجع بهامش 2 ص 19 منه. (¬2) ص 16 منه. وباقى المراجع بهامش 1 ص 18 منه.

(ويُكْرَه) عند مالك والشافعى والجمهور شُرْب لَبن الأُضْحِية بعد رى فصيلها. وتَقَدَّمَ تَفْصِيل مذهب الحنفيين فى هذا. وإِنْ نقصها الركّوب والشُّرْب فعليه قيمة النقص عند الحنفيين والشافعى، وقال مالك: لا يغرم شيئاً ولا يَحمل على الأُضْحِية مَتَاعه عند الحنفيين ومالك. وأَجازه الجمهور عند الحاجة. وقال أَحمد: لا يُكْرَه شُرْب لبنها الفاضِل عن وَلَدِها لما تقدَّم أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه قال: لا تشرب لبنها إِلاَّ فَضْلاً (¬1) (قال) أَبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: ولأَنه انتفاع لا يَضُرّ بها ولا بولدا أُشْبه الركوب. وإَنْ تَصَدَّق به كان أَفْضَل خروجاً من الخلاف. وإِن احتلب ما يضُرّ بها أَوْ بولدها لم يجُزْ له وعلي لتَّصَدُّق به. وإِنْ شَرِبَهُ ضمنه لأَنه تَعَدَّى بأَخْذِه. وهكذا الحكم فى الهدْى (فإِنْ قِيلَ) فَصُوفها وشَعرها إِذا جزَّه تَصَدَّق به ولم ينتفع به، فلم جَوَّزْتُمْ له الانتفاع باللَّبن؟ (قلنا) الفرق بينهما من وجهين: (أَحدهما) أَنَّ لبنها يتولَّد من غذائِهَا وعَلَفِهَا وهو القائم به فجاز صرفه إِليه، كما أَنَّ المرتهن إِذا علف الرَّهن كان له أَن يركَب ويحلب وليس له أَنْ يَأْخُذ الصُّوف ولا الشَّعْر. (الثانى) أَنَّ الصُّوف والشَّعْر ينتفع به على الدوام فجرى مجْرَى جِلْدِها وأَجزائِهَا. واللَّبن يُشْرب ويؤخَذ شيئاً فشيئاً فجَرَى مجْرَى جِلْدِها وأَجزائِهَا. واللَّبن يَشرْب ويؤخَذ شيئاً فشيئاً فجَرَى مجرَى منافعها وركُكوبها، ولأَنَّ اللَّبن يتجدَّد كل يوم. والصُّوف والشَّعْر عين موجودة دائمة فى جميع الحوْل (¬2). (ويُكْرهُ) ذبح الكتابى لها بلآ أَمْر من المضَحّى، لأَنه ليس من أَهل القربة، أَمَّا لو ذَبَح بأَمره فلآ يُكْرَه، لأَنَّ القربة أُقيمت بالإِنابة والأَمر، ¬

(¬1) تقدم بأثر 9 ص 40 (ولد الأضحية). (¬2) ص 566 ج 3 الشرح الكبير (ولا يشرب منم لبنها إلا الفاضل عن ولدها).

بخلاف ما لو أَمَر مجوسِيًّا، لَنه ليس من أَهل الذكاة. وهذا مذهب الحنفيين. (وقال) الشافعى وأَحمد: يُكْرَه ذبح الكتابى ولو بأَمْر المضَحّى. (قال) النووى: أَجمعوا على أَنه يجوز أَن يستنيبَ فى ذبح أُضْحِيتِه مسلماً. وأَما الكتابى فمذهبنا ومذهب جماهير العلماءِ صحة استنابتِه وتقعِ ذبيحته ضَحِيتَّه عن الموكل مع أَنه مكروه كَراهةَ تَنْزِيه. (وقال) مالك: لا تَصِحّ إِنابة الكتابى وتكون شاة لحم. دليلنا أَنه من أَهْل الذكاة كالمسلم (¬1). 16 - بدع الأضحية: قد علمت فَضْل التَّضْحِية والطريق المشروع فيها، ومع ذلك نرى الناس يَتَنَكَّبُون الطريق ويرتَكِبُون بِدَعاً ومخالفات، تقَدَّم بعضها فى بحث المكروهات. (ومنها) التهاون فى أَمْر الأُضْحِية " بتركها " وقد قِيلَ بوجُوبها " أَو بعدم " ذَبْحها فى وقتها المشروع. كأَنْ تُذْبَح يوم عرفة أَوْ ليلة العيد أَوْ يومه قبل صلاة العيد " أَوْ لآ يُرَاعَى " فيها السِّنّ المجزِئَه والشروط المعتبرة والآداب المشروعة على ما تَقَدَّمَ بيانُه (قال) ابن الحاج فى المدخل: عِيدُ الأَضْحى هو أَعظم مواسم المسلمين، ترك بعضهم فيه سُنَّة الأُضْحِية التى سَنَّا صاحب الشَّرْع صلوات الله وسلامة عليه، ورَغَّب فيها (بقوله) إِنَّ أَوَّلَ ما نَبْدَأُ به فى يومنا هذا أَنْ نُصَلِّى ثم نرجع فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، ومَنْ ذَبَحَ قبل الصَّلآةِ هُوَ لَحْمٌ قَدّم لأَهْلِه ليس مِنَ الُّسُك فى شَئ (¬2) {72}. ¬

(¬1) ص 407 ج 8 شرح المهذب (الاستنابة فى ذبح الأضحية). (¬2) أخرجه أحمد والشيخان عن البراء بن عازب. انظر ص 88 ج 13 الفتح الربانى، وص 309 ج 2 فتح البراى (الخطبة بعد العيد) وص 114 ج 13 نووى مسلم (وقت الأضاحى).

(ثم) إِنَّ بعضَهُم يتركون الأُضْحية ويَشْتَرُون اللحم ويطبخون أَلوان الأَطْعِمة التى تكُومن الأُضحِية المشروعة ببعض ثمن ما أَنفقوه أَو مثله، فقد حرمهم إِبليس اللَّعِين هذه البركة العُظْمَى والحير الشامل بتَسْوِيله وتَزْيِينِه تركه لهم. (ثم) إِنَّ مَنْ يُضَحِّى منهم يذْبَحْ ليلةَ العيد، فإِن نَوَى الأُضْحِية وقد عَيَّنَها فهو آثِمٌ فى ذَبْحها قبل وَقْتِها ويلزمه بَدَلها فى وَقْتِها، وكَذَا إِنْ لم يُعَيِّنها. وإِنْ لم يَنْوِ بها الأُضْحِيَة فق أَسَاءَ فى فِعْلِه بارتِكابِه خلآف المشروع، لأَنَّ السُّنَّةَ فى حق القادر على الأُضْحِيَة أَن يُضَحِّى بها فى وقْتِهَا (يعنى بعد صلاة العيد) ويفطر على زيادة الكَبد منها. (ثم) إِنَّ بعض مَنْ يُضَحِّى يعمل الطعام لَيْلاً حتى إِذا جاءُوا من صلاة الْعِيدِ أَكَلُوا منه هُمْ ومَنْ يختارون، ثم يَشْتَغِلُونَ بذبح الأُضْحِية. ولهذه الْعِلَّة قَدَّمَ بعضهم الذبح لَيْلاً فوقع فيما تقَدَّم. وهذا كُلُّه بِدْعَ‍ة. (وانظر) إِلى مَكِيدَةِ إِبليس اللَّعين وما أَدْخَلَ من سُمُومِه على بعض المسلمين بتَسْوِيلهِ لهم ترك هذه السُّنة فحرمهم جزيلَ ثوابِهَا بما وَسْوَسَ إِليهم مِن الْعِلَل القَبِيحة الشَّنِيعَة، فَزَيَّنَ لِكُلِّ أَهل إِقليم ما يقبلونه منه. فإِذا قُلْتَ لبعض مَنْ لم يُضَحّ من أَهل مِصْر: لِمَ لآ تُضَحِّى؟ يقول: لىِ مَعَارِف كَثيرة وخرُوف وَاحِد لآ يَكْفِيهم، فمنْ بقى منهم يَلُومنى ولا يلزمنى أَكْثر من خَرُوف. وإِذا قُلْتَ للفقير: لِمَ تَتَكَلَّف الأُضْحِية وهى لآ تُطْلَب منك؟ يقول: قَبِيحٌ من الْجِيران والأَهل والمعارف أَن يقولوا فُلآنٌ لم يُضَحّ (فصارت) هذه القربة بالنظر إِلى فعلها وتركها مَشُوبة بالنظر إِلى الخلق وتحسينهم وتَقْبِيحِهم. فإِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون.

(الثانى) الفرع والعتيرة

(ثم انظر) كَيف تركُوا السُّنة فى هذا الموسم العظيم، فإِن السُّنة فى هذا اليوم ما فعله النبىُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أَنه لَمَّا انصرف من صلاة العِيد ذَبَح أُضْحِيَتَه بيده الكريمة وأَمَرَ بزيادةِ الكَبد فَصُنِعَ له ثم أَفطر عليه تَشَبُّهاً منه عليه الصلاة والسلام وتفاؤلاً بأَهْل الجنة، لأَنَّهم أَول ما يفطرون فيها على زيادة كَبِد الْحُوت (¬1) وتَشْرِيعاً لأُمَّتِه صلى الله عليه وسلم لينَبِّههم إِلى هذا المعنَى الجليل. (ثم) إِنَّ بعض مِنْ يُضَحِّى يبيع جِلْد الأُضْحِية، وذلك محرّم أَوْ مَكْرُوه على ما تقَدَّمَ بياُنه (¬2). (الثانى) الفرع والعتيرة الفَرَع: بفتحتين، ويقال الفَرَعة بالهاءِ، هو أَول ما تَلِدَهُ الْبَهِيمة، كانوا يذبحونه لآلهتهم رجاءَ البركةِ فى الأُم وكثرة نَسْلِها. وقال فى النهاية: كان الرَّجُل فى الجاهلية إِذا تَمَّتَ إِبِله مائة قَدَّم بَكْراً فَنَحَرَهُ لِصَنَمِه وهو الفَرَع. والعَتِيرَة: بِفَتْح فكَسْر: ذبيحة كانوا يَذْبَحونها فى رجب ويُسَمُّونَها الرَّجَبِيَّة، تعظيماً له، لأَنه أَول الأَشْهُر الحُرُم. هذا. وقد اختلفت الأَحاديث فى حُكْم الفَرعَ والعَتِيرَة (رَوَى) الحارث ابن عمرو أَنه لَقِىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجَّة الوداع وهو على نَاقَتِه العَضْبَاءَ، فقال رَجُل: يا رسول الله، العتائر والفرائع. فقال: مَنْ شَاءَ عَتَر ومنْ شاءَ لم يَعْتِر، ومَنْ شَاءَ فَرَّع ومِنْ شَاءَ لم يُفَرّع. (الحديث) أَخرجه النسائي والبيهقى (¬3) {73}. ¬

(¬1) زيادة الكبد: قطعة منفردة متعلقة به، وهى فى غاية اللذة. (¬2) ص 235 ج 1 مدخل الشرع الشريف (عيد الأضحى). (¬3) ص 190 ج 2 مجتبى (الفرع والعتيرة) وعتر كضرب، أى ذبح. وفرع من التفريع، أى ذبح الفرع.

(وقال) أَبو المليح قال نُبَيْشَة: نَادَى رَجُل وهو بمنى فقال: يا رسول الله، إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عتِيرَةً فى الجاهلية فى رَجَب، فما تَأْمُرنا يا رسول الله؟ قال: اذْبَحُوا لله فى أَىِّ شَهْرٍ كان، وبِرُّوا اللهَ عَزَّ وجَلَّ وأَطْعِمُوا. قال: إِنَّا كُنَّا نُفْرَع فْرَعاً فما تَأْمُرنا؟ قال: فى كل سائمةٍ فَرع تَغْذُوهُ ما شِيَتُكَ حتى إِذا اسْتَجْمَلَ ذَبَحْتهُ وتَصَدَّقْتَ بلَحْمهِ عل ابْنِ السَّبِيل، فإِنَّ ذلك خَيْر. أَخرجه الشافعى وأَحمد والأَربعة إِلاَّ الترمذى (¬1) {74}. (فما ذُكر) يدلُّ على إِباحة الفرع والعتيرة (وبه) قالت الشافعية والحنبلية. (وقال) الحنفيون والمالكية بكَراهة الفرع والعتيرة " لحديث " أَبى هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا فَرَع ولا عَتِيرَة. أَخرجه السبعة إِلاَّ الترمذى (¬2) {75}. (وهو) نفى فى معنى النَّهْى، يدل عليه ما فى رواية النسائى عن أَبى هريرة قال: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الفَرَع والعَتِيرَة. (قال) القاضى عياض والحازمى: هذا الحديث ناسخ للأَحاديث الدَّالة على إِباحة الفرع والعتيرة. وعلى هذا جماهير العلماءِ. قالوا: حديث أَبى هريرة مُتَأَخِّر فإِنه أَسْلَم فى السَّنة السابعة من الهجرة (وردّ) بما تقَدَّم ¬

(¬1) ص 69 ج 3 تكملة المنهل (العتيرة) وباقى المراجع بهامش 4 ص 71 منه (واذبحوا لله) أى اذبحوا إن شئتم فى رجب وغيره. والأمر للندب. و (بروا الله) بكسر الباء وفتحها، أمر من بر من بأبى ضرب وعلم، أى أطيعوا الله. و (نفرع) بضم فسكون من أفرع، أو بضم ففتح فراء مكسورة مشددة، من التفريغ. و (السائمة) الماشية المرسلة فى كلأ مباح (تغذوه ما شيتك) بفتح أوله، أى تغذية ماشيتك بلبنها، أو تغذية أنت مع ماشيتك أو مثل ما شيتك. وعليه فماشية منصوبة. و (استجمل) بالجيم، أى صار جملا. وبالحاء، أى قوى للحمل وصار مستطاب اللحم مرغوباً فيه فيذبح حينئذ ويتصدق به بخلاف ما كانت عليه الجاهلية فإنهم كانوا يذبحونه وقت ولادته شعره بلحمه فتعافه النفوس. (¬2) ص 71 ج 3 تكملة المنهل (العتيرة) وباقى المراجع بهامش 1 ص 72 منه.

(الثالث) المواسم

عن الحارث بن عمرو من قوله صلى الله عليه وسلم فى حجَّة الوداع: مَنْ شاءَ عَتَر ومَنْ شَاءَ فَرّع ومَنْ شَاءَ لم يُفَرِّع (¬1) (فهذا) كان فى حَجَّة الوداع. وقد كانت بعد إِسلام أَبى هريرة. وهو صريح فى الإِباحة (قال) النووى: الصَّحِيح عند أَصحابنا استحباب الفرع والعتيرة. وأَجابوا عن حديث: لا فرع ولا عتيرة، بثلاثة أَوْجُه: (أَحدها) أَن المراد نفى الوجوب. (والثانى) أَن المراد نفى ما كانوا يذبحونه لأَصنامهم، (والثالث) أَنَّ المراد أَنهما ليستا كالأُضحية فى الاستحباب أَو ثواب إِراقّةِ الدم. فأَمَّا تفرقة اللَّحم على المساكين فَبِرٌّ وصدقَةٌ، وق نَصّ الشفعى أَنَّها إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلّ شَهْر كان حَسَناً (¬2). (الثالث) المواسم هى جمع موسم، من الوسم، بمعنى العلاقة والمجتمع. والمواسم شرعية ومنسوبة إِلى الشرع منه، وأَجنبية. (ا) فالمواسم الشرعية هى الجمعة والعيدان، وتَقَدَّمَ الكلام فيها، وعاشوراءَ، ورمضان، ويوم عرفة والثمانية الأَيام قبله. والكلام عليها فى الصَّيام. (ب) والمواسم المنسوبة إِلى الشرع وليست منه أَربعة: 1 - مولد النبى صلى الله عليه وسلم وُلِدَ صلى الله عليه وسلم عام الْفِيل (¬3) صبِيحة يوم الاثنين الثانى عشر من ¬

(¬1) تقدم رقم 72 ص 59 (الفرع والعتيرة). (¬2) ص 137 ج 13 شرح مسلم (الفرع والعتيرة). (¬3) كانت قصة الفيل فى المحرم سنة 882 اثنتين وثمانين وثمانمائة من عهد ذى القرنين فى زمن كسرى أنو شروان، بفتح الهمزة وكسر الشين وسكون الراء (وحاصلها) أن أبرهة أمير اليمن من قبل النجاشى بنى كنيسة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء ليحج إليها العرب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = دون الكعبة، فسمع بذلك مالك بن كنانة فخرج ليلا ودخلها فقعد فيها ولطخ بالعذرة قبلتها، فبلغ ذلك أبرهة، وقيل له: إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيتهم، فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة وليهدمنها حجراً حجراً، وسار فى جيش عرمرم، واستصحب معه فيلا عظيما يقال له محمود، ومعه اثنا عشر فيلا غيره، فلما سمعت العرب بمسيرة أعظمووا ذلك ورأوا جهاده حقاً عليهم، فخرج إليه ملك من ملوك اليمن يقال له: ذو نفر، بمن أطاعهمنالعرب وقاتلوا أبرهة، فهزمهم وأسر ذا نفر فأخذه معه، ثم سار حتى إذا كان بأرض خثعم، خرج إليهم نفيل بن حبيب الخثعمى فى قومه فقاتوه، فهزمهم أبرهة وأسر نفيلا واستصحبه معه. ولما مر بالظائف خرج إليه أهلها وصانعوه فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا. فلما وصل الغمس " كمحمد ومحدث " موضوع قرب مكة مات أبو رغال، وبعث أبرهة جيشه فأغار على إبل أهل مكة، وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب. وبعث أبرهة حناطة الحميرى إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبرهم أنه لم يجئ لقتالهم إلا إن صدوه عن البيت، فجاء حناطة إلى عبد المطلب بن هاشم وأخبره بما قال أبرهة. فقال عبد المطلب: والله ما نريد حربه ومالنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بيته وبيته فما عندنا دافع عنه. فقال له حناطة: توجه معى إلى أبرهة. فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله ونزل عن سريره وجلس معه وقال لترجمانه: سله عن حاجته. فقال: حاجتى أن يرد إلى الملك إبلى .. فقال أبرهة: تكلمنى فى مائتى بعير لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك - قد جئت لهدمه - لا تكلمنى فيه. فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منى. قال: أنت وذاك. فرد أبرهة: تكلمنى فى مائتى بعير لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك - قد جئت لهدمه - لا تكلمنى فيه. فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منى. قال: أنت وذاك. فرد أبرهة لعبد المطلب إبلة، فرجع إلى قريش وأمرهم بالخروج من مكة والتحصن فر رءوس الجبال، ثم أخذ عبد المطلب بحلقه باب الكعبة فقال: لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك انصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك قصدوا حماك بكيدهم جهلوا وما رقبوا جلالك إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك ثم خرجوا إلى رءوس الجبال، وتهيأ أبرهة لدخول مكة. فلما وجهوا الفيل نحوها برك، وضربوه ليقوم فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول. ووجهوه إلى الغرب ففعل مثل ذلك. ووجهوه إلى الشرق ففعل مثل ذلك. ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل، أى جماعات بعضها إثر بعض، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار من سجيل (أى طين محرق) حجر فى منقاره، وحجران فى رجليه لا يصيب الحجر أحداً منهم إلاهلك، وحرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق، ونفيل على رأس الجبل مع قريش ينظرون ما أنزل الله بأصحاب الفيل، وجعل نفيل يقول: أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب =

ربيع الأَوَّل على المشهور (20 أُغسطس سنة 570 ميلادية) فى دار عقيل ابن أَبى طالب التى صارت بعد لمحمد بن يوسف الثقفى. (قال) أَبو جعفر الباقر: كان قُدُوم الفيل للنِّصْف من المحرَّم، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة. ذكَره ابن كَثير (¬1). (وعن) أَبى قتادة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صَوْم يوم الاثنين فقال: " فِيهِ وُلِدْتُ وفِيهِ أُنْزِلَ علىّ " أَخرجه مسلم (¬2) {76}. ¬

= وأصيب أبرهة فى جسده بداء تساقطت به أنامله أنملة بعد أنملة، فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزير أبرهة أبو يكسوم وطائره فوق رأسه حتى وقف بين يدى النجاشى وأخبره الخر، فسقط عليه الحجر فمات بين يديه. وقد فشا فى جيش أبرهة داء الجدرى والحصبة، وهو أول ظهورهما فى بلاد العرب. فعل فيهم ذلك الوباء فعلا شنيعاً، فكان لحمهم يتناثر ويتساقط قطعة قطعة. (قال) الأستاذ الشيخ محمد عبده فى تفسير جزء عم: وقد بينت لنا هذه السورة أن ذلك الجدرى أو تلك الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطير. فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من المسموم اليابس الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذه الحيوانات. فإذا اتصل بجسد دخل فى مسامه فأثار فيه تلك القروح التى تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وهذه الطيور الضعيفة تعد من أعظم جنود الهه فى إهلاك من يريد إهلاكه. وفى كل شئ له آية ... تدل على أنه الواحد (فهذا) الطاغية الذى أراد أن يهدم البيت أرسل الله عليه طيراً أهلكته وقومه، وهى نعمة من لله غمر بها أهل حرمه حفظاً لبيته حتى يرسل من يحميه بقوة دينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اهـ. ملخصاً (¬1) ص 262 ج 2 البداية والنهاية (مولده صلى الله عليه وسلم) وقال أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمى: كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة بقيت من المحرم، وولد رسول الله نيسان (أغسطس) وبعث نبينا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل. فيها من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التى هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوماً. وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل. ذكره ابن سيد الناس فى عيون الأثر. (¬2) ص 52 ج 8 نووى مسلم (صيام ثلاثة أيام من كل شهر).

(وقال) جابر وابن عباس: وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الْفِيل، يوم الاثنين، الثانى عَشَر من شهر ربيع الأَول، وفيه بُعِثَ، وفيه عُرِج به إِلى السَّماءِ وفيه هاجرَ، وفيه ماتَ. أّخرجه ابن أَبى شيبة (¬1) {15}. (وُلِدَ) صلى الله عليه وسلم مُسْتقبل القِبْلَة وَاضِعاً يَدَءُ على الأَرْض، رافِعاً رأْسَهُ إِلى السَّماءِ، ليس عليه شَئ من أَقذار الولادَة. (تولَّتْ) ولادتَهُ الشِّفا (¬2) أُمّ عبد الرحمن بن عَوْف، وقالت: لأَمَّا سَقَطَ صلى الله عليه وسلم على يَدَىّ واستهل، سمعتُ قائلاً يقول: رَحِمَك الله. وأَضَاءَ لى ما بين المشْرِق والمغْرِب حتى نَظَرْتُ إِلى قُصُور الرُّوم. ذكره القاضى عِياض. (وعن) عُثمان بن أَبى العاص عن أُمِّه فاطمةَ بنت عبد الله أَنَّهَا شَهِدَتْ ولادةَ النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلاً، قالت: فما شَئ أَنْظُرُ إِليه من البيت إِلاَّ نوّر، وإِنِّى لأَنْظُرُ إِلى النجوم تَدْنُو حتى إِنِّى لأَقُول لتقَعَنّ علىَّ. أَخرجه ابن السَّكَن وابن سيد الناس (¬3) {16}. (وقد) وَقَعَ لمولِدِه صلى الله عليه وسلم من الآياتِ الباهِرَة، والعلامات السَّاطِعة، ما فيه عِبْرَةً لمن اعتبر، وعِظَةً لمن اتَّعَظَ. (من ذلك) ما ذكَرَهُ مخزوم بن هانئٍ عن أَبيه قال: لَمَّا كانت الليلةُ التى وُلِدَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَجَسَ إِيوانُ كِسْرَى، وسقَطَتْ منه أَرْبَعَ عشرة شُرْفة وخمدَتْ نارُ فارِس، ولم تُخْمُدْ قبل ذلك بأَلْفِ عامٍ، وغاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَة، ورَأَى الموبَذَانُ إِبِلاً صِعَاباً تَقُودُ خَيْلاً عِرَاباً قد ¬

(¬1) ص 360 ج 2 البداية والنهاية (مولده صلى الله عليه وسلم). (¬2) الشفا بكسر المعجمة بعدها فاء فألف مقصورة، وضبطه بعضهم بفتح المعجمة وشد الفاء. (¬3) ص 27 ج ... عيون الأثر (مولده صلى الله عليه وسلم)

قطعت دَجْلَة وانتشَرَتْ فى بلادِهم. فلا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذلك. ثم بَعثَ إِلى مَرازِبَتِهِ، فَلَمَّا اجتمعوا عنده قال: أَتَدْرُونَ فِيمَ بَعَثْثُ إِليكُم؟ قالوا: ل، إِلاَّ أَن يُخبر الملك، فبَيءنَمَا هُمْ كذلك إِذْ وَرَدَ عليهم كِتَابَ خُمُودِ النِّيرَان، فازداد غَمًّا إِلى غَمِّه، ثم أَخبرهم بما رأَى وما هَالَهُ فقال الموبَذَانِ: أَىّ شَئ يكُون هذا ياموبَذَان؟ قال: حَدَثٌ يكُون فى ناحيةِ العرب. ذكره الحافظ الخرائطىّ فى كتاب هَواتِف الجان، وتمامه فى البداية والنهاية (¬1). (ومن ذلك) تَنْكِيسُ الأَصْنَام فى آفاقِ الأَرض، وكَثْرَة رَمْى الشياطين - الذين يَأْتُون الكَهَنة (¬2) بأَخبار السَّماء - بالشُّهُب. ¬

(¬1) ص 268 ج 2 البداية (ارتجاس الإيوان). و (ارتجس) اضطرب، و (الشرفة) كغرفة: أعلى القصر. وفى (سقطت منه أربع عشرة شرفة) إشارة إلى عدد من ملك الروم بعد ذلك إلى أن زال ملكهم فى خلفة عمر. و (ساوة) مدينة بين الرى وهمدان. أضيفت البحيرة إليها لقربها منها. وكانت بحيرة واسعة بعراق العجم، كانت تسير فيها السفن، فأصبحت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم يابسة كأن لم يكن بها ماء. و (الموبذان) بضم الميم وفتح الباء: فقيه الفرس وحاكم المجوس. و (الخيل العراب) بكسر العين خلاف البراذين. والبرذون التركى من الخيل. و (أفزعه ذلك) أى ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات. و (المرازبة) جمع مرزبان بفتح فسكون فضم وهو الرئيس، والمرزبة كمرحلة، رياسة الفرس. (¬2) جمع كاهن وهو من يدعى معرفة الشئ ويخبر به قبل وقوعه أو يخبر عن طالع أحد بسعد أو نحس. وقد كانت الكهنة فى العرب ثلاثة أصناف: (الأول) من يكون له ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع، وقد منعوا من ذلك من وقت بعثه النبى صلى الله عليه وسلم. (الثانى) من يكون له ولى من الجن يخبره بما يقع فى أقطار الأرض، وهم يصدقون فى ذلك ويكذبون. وقد ورد النهى عن تصديقهم (ففى) الحديث: من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. أخرجه أحمد والحاكم عن أبى هريرة بسند صحيح [77] أنظر رقم 8285 ص 23 ج 6 فيض القدير. (الثالث) المنجمون، ومنهم العراف وهم الذين يدعون معرفة الأمور بأسباب ومقدمات يعرفونها، وقد كذبهم الشارع.

(ومن ذلك) ما قاله أَبو الحكم التنّوخى: كان المولود إِذّا وُلِدَ فى قُرَيْش دَفَعُوهُ إِلى نِسْوَةٍ منهم يكْفَأْنَ عليه بُرْمةً إِلى الصُّبْح. فَلَمَّا وُلِدَ رَسُلُ الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إِلى نِسْوَةً فكَفَأْنَ عليه بُرْمَة، فلَمَّا أَصْبَحْنَ وَجَدْنَ البرمة قد انْفَلَقَتْ باثْنَتَيْن، وَوَجَدْنَهُ مفتوحَ العينَيْن شاخِصاً ببصَرِه إِلى السَّماءِ، فأَتَاهُنَّ عبد المطلب، فَقُلْنَ هـ: ما رَأَيْنَا مَوْلُوداً مثله، وَجَدْنَاهُ قد انفلقَتْ عنه البرمة، ووجَدْنَاهُ مفتوحة عَيْنَاه شاخِصاً ببصَرِه إِلى السَّماءِ. فقال: احفْظْنَهُ فإِنى أَرْجُو أَن يكُونَ له شَأْنٌ أَوْ أَنْ يُصِيبَ خَيْراً. أَخرجه البيقى (¬1) {17}. (وفى اليوم) السَّابع من ولادَتِه صلى الله عليه وسلم، ذَبَحَ عنه جَدّه عبد المطلب، ودَعَا قُرَيْشاً، فلَمَّا أَكَلُوا، قالوا: يا عبد المطلب، أَرَأَيْتَ ابنك الذى أَكْرَمْتَنَا على وَجْهه ما سَمَّيْتَهُ؟ قال: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّداً. قالوا: فما رغِبْتَ به عن أَسماءِ أَهْل بيته؟ قال: أَردتُ أَنْ يحمده اللهُ فى السَّماءِ، وخلقُه فى الأَرْض (¬2)، فقد أَلْهَمَ الله جدّه فسَمَّاه مُحَمَّداً لما فيه من الصِّفَاتِ الحميدةِ والخِصَالِ الجليلة، ليتطابقَ الاسم والمسَمَّى فى الصُّورة والمعنَى، كما قال عمه أَبو طالب، ويُرْوَى لحسَّان: وشَقَّ له من اسمه لِيُجِلَّه ... فَذُو العرش محمودٌ وهذا مُحَمَّد ¬

(¬1) ص 265 و 266 ج 2 البداية (صفة مولده صلى الله عليه وسلم). (¬2) وروى ابن إسحاق: أن آمنة أتاها حين حملت به صلى الله عليه وسلم من قال لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض فقولى: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد. ثم سميه محمداً (وقال) أبو الربيع بن سالم: ويروى أن عبد المطلب إنما سماه محمداً لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى فى منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف فى السماء، وطرف فى الأرض، وطرف فى المشرق، وطرف فى المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها. فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمداً. ذكره ابن سيد الناس. انظر ص 30 ج 1 عيون الأثر (تسميته صلى الله عليه سلم).

هذا. والاحتفالُ بالموالد أَمْر محدث، أَحْدَثَهُ الفاطِمِيُّون فى القرن الرابع، فابْتَدَعُوا سِتَّة موالد: المولد النبوىّ، ومولد سيدنا علىّ، ومولد السَّيدَة فاطِمة الزهراء، ومولد الحسَن والْحُسَيْن رضِىَ الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر. (كانوا) فى تلك الموالد يأْدِبُونَ المآدِب الجامِعَة لكُلِّ الطبقات، فتُقَدَّم الموائدِ مُزَخْرَفة بالذهب والفِضَّة وأَلون الصِّباغ، عليها من الأَطعمة الفاخِرة وأَنواع الْحلْوَى اللذيذة مالا يكاد يُصَدِّقه العقل كَثْرَةً وتنوُّعاً. وكانوا يرتَكِبُونف هذه الموالد من المفاسِد والمنكَرَات ما لا يقبله عَقْل، ولا يَرْضَى به ذُو لُبّ. (وأَول) مَنْ أَحْدَثَ المولد النبوىّ - بمدينة إِربل (¬1) فى القرن السابع - الملك المظفَّر أَبو سعيد، أَلف له الحافظ بن دحْيَة تَأْليفاً أَسْماهُ (التنوير. فى مَوْلد البَشِير النَّذِير) فأَجازه الملك المظفر بأَلْف دِينار، وصَارُوا يحتفلُون المولد فى ربيع الأَول بإِطعام الطَّعام وتوزيع الصَّدَقات وقراءَةِ قِصَّة المولْد. (وهذا) الذى قال فيه الإِمام أَبو شامة فى الباعث: ومِنْ أَحْسَن ما ابْتَدَعَ فى زماننا، ما كان يُفْعَلُ بمدينة إِربل كُلّ عام فى اليوم الموافق ليوم مَوْلد النبىِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّدَقات والمعرف، وإِظهار الزِّينة والسُرُور، فإِنَّ ذلك مع ما فيه من الإحْسَانِ إِلى الفقراءِ، مُسْعِرٌ بمحَبَّةِ النبىِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعظيمه وجلالَتِه فى قلب فاعِله، وشُكْر الله تعالى على ما مَنَّ به مِنْ إيجاد رَسُوله الذى أَرسله رَحْمَةً للعالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسَلِين. ¬

(¬1) إربل، بكسر فسكون فكسر: قلعة حصينة ومدينة كبيرة من أعمال الموصل بينهما مسيرة يومين.

(ولكن) قَدْ تَقَدَّم فى بحث " بِدَع المساجد " أَنَّ اتخاذَ مَوْسِم غير المواسم الشرعية كلَيْلَةِ المولد مِنَ الْبِدَع التى لم يَسْتَحْسِنُها السَّلَف ولم يفعلوها، ومع ذلك فقَدْ خَلَفَ من بَعْدِهم خَلْفٌ اتبعوا الشَّهَوَات، وحَسَّن لهم اللَّعِين إِرْتِكَابَ الْبِدَع والمخالفات فصاروا يقيمُونَ للمولد النبوىّ وغيره حَفْلاَ جامِعاً سنويًّا يشتملُ على كَثِيرٍ من أَنواع المفاسِد والمنكراتِ الفظِيعة، والبِدَع الذَّمِيمَة، والخرافاتِ الشائِنة، والضَّلال البعيد، ظنًّا منهم أَنَّهَا مِنَ الدَّين منها برَاءٌ. (أَلِفَ) الناس هذه العادات القَبِيحَةَ فخافَظُوا عليها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، حتى شَقَ على نفوسهم ترْكها والتَّحَلُّل منها كأَنَّهَا منْ هَدْى الرسول الأَعظم صلى الله عليه وسلم، ولم يذكُرَوا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تجْعَلُوا بيُوتكُم قُبُوراً، ولا تجعلوا قبرى عِيداً، وصَلُّوا علىَ أَيْنَمَا كُنْتُم، فإِنَّ صلاتكُم تبلغى حيثُ كُنْتُم. أَخرجه. أَحمد وأبو داود بسند حسن عن أَبى هريرة (¬1) {78}. (والأحاديث) فى هذا كثيرة تقَدّم بعضُها وبيان المفاسِد والمنكراتِ التى تقع فى الاحتفال بالمولد فى المساجد وغيرها، ولذا اتفق العلماءُ على إِنكارها (¬2). (والذى) يؤسَفُ له أَشَدَّ الأَسف أَنَّ الحكومة وهى حكومة إِسلامية ظاهرت أَرباب الطرق وأَذنتْ لهم فى إِقامة تلك الحفلات الشائنة التى يعمّ فيها الفساد وينتشِرُ الضَّلآل، وعاونَتْهُم على نَشْر بُهْتَانِهِم، ورضِيَتْ إِفكَهُمْ وباطِلَهُمْ، بل شاركتهم فيه بإِقامةِ سرادقاتٍ للوزارات فى ساحة ¬

(¬1) تقدم رقم 404 ص 285 ج 3 دين. وانظر بحث (الاحتفال بالموالد) ص 384 منه. (¬2) تقدم رقم 404 ص 285 ج 3 دين. وانظر بحث (الاحتفال بالموالد) ص 384 منه.

العباسية حيث يكون هناك الاحتفال رَسْمِيًّا حتى عَمَّ الفسا، وسُدَّت المسالك أَمام المصْلِحِين الذين يَدْعُونَ النَّاس إِلى الرجوع إِلى هَدْى النبىّ صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابه وسلم والسَّلَف الصَّالح رضى الله عنهم، ولاُقوا الشَّئ الكَثير من عَنَت أَنهم يُحْسِنُون صُنْعاً وقد خلَطُوا عملاً صالحاً وآخر سَيِّئاً، بل كل أَعمالهم سيئة. (والأَدْهَى) من ذلك كُلِّه سُكُوت بعض العلماءِ على تلك الأْبِدَع وعدم إِنكَارِهِم إِيَّاها وعدم مطالبة الحكومةِ بإِزالَتِهَا، غافِلينَ عن قوله صلى الله عليه وسلم: إِذا ظهرت الْبِدَع ولعن آخرُ هذه الأُمة أَوَّلَهَا، فمن كان عنده عِلْمٌ فليَنْشُرْهُ، فإِنَّ كاتِمَ العِلْم يومئِذٍ كَكَاتِم ما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم. أَخرجه ابن عساكر عن معاذ بن جبل (¬1) {79}. وعنه أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِذا ظَهَرت الْبِدَعُ فى أُمَّتى وشُتِم أَصحابى، فلْيُظْهِرَ العَلِمُ عِلْمَهُ، فإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله. أَخرجه الديلمى فى مسند الفردوس (¬2) {80} (وعن) سلمةَ بن الأَكْوَع أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِذا ظَهَرت المعاصِى فى أُمَّتى، عَمَّهُم الله تَعَالَى بعذابٍ من عنده. قِيل: أَمَا فى الناس يومئذٍ صَالِحُون؟ قال: بَلَى، يُصِيبُهُمْ ما أَصاب الناس، ثم يَصِيروُنَ إِلى مغفرةِ اللهِ ورِضْوَانِه. أَخرجه أَحمد والطبراني (¬3) {81}. (فمسئولية) العلماءِ كبيرة، ومسئولية رجالِ الحكومةِ أَكْبَر، إِنَّ اللهَ يَزَعُ بالسُّلْطَانِ مالا يَزَعُ بالقُرْآنِ. ¬

(¬1) رقم 751 ص 401 ج 1 فيض القدير. (¬2) ص 402 منه بالشرح، وص 54 راموز الأحاديث. (¬3) ص 402 منه بالشرح، وص 54 راموز الأحاديث.

(فعلَى) السَّادة العلماءِ أَن يُبَيِّنُوا الحقَّ واضحاً جَلِيًّا، وعلى وُلاةِ الأُمُور تنفيذَ أَوَامِرَ الله تعالى، والضَّرْبَ على أَبْدِى هؤُلاءِ المفْسِدِين المضِلِّين الذين ضَلُّوا وأَضَلُّوا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. (فبذا) يكون قد قامَ كُلٌّ من العَالِمِ والحاكمِ بما يجبُ عليه ممن سَدِّ أَبوابِ الفَسَادِ وفتح أَبوابِ الخير، والسَّعْى فى أَسباب النصر " إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ "، " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ من يَنْصُرُهُ ". (وإِذا) أَرَادُوا الخيرَ لأَنفسهم والبراءَة لِدِينهم , فليقوموا بإِحياءِ ذِكْرَى نبيهم عليه الصلاة والسلام بنَشْرِ سِيرَتِه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبَيَانِها للناس , ليتعَرَّفُوا نَوَاحِى العَظَمَة والفَخْرِ من نَبِيِّهم الأَعْظَم ورسوله الأَكْرَم صلى الله عليه وسلم , فيعملوا عمله ويهتَدُوا بهَدْيِهِ ويَتَخَلَّقوا بخُلُقِه , حتى يكُونوا ممن عَزَّرُوهُ ونَصَرُوه , واتَّبَعُوا النور الذى أُنْزِلَ معه صلى الله عليه وسلم. (أَما ذَلِكُم) التَّكَلُّف الْمُمِلّ , وهذا الإِسراف المخلّ , فضَرَرُهَ أَكْبَرَ من نَفْعِه وإِثْمُه عائِدٌ على فاعِلهِ والراضِى به , ولا خَيْرٌ فيه أَلبتة , بل الخير كلّ الخير في اتِّبَاع هَدْى النبىِّ صلى الله عليه وسلم والوقوف عند تعاليمه: " وَاتَّبعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ , ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ ". (ومن) المخالفاتِ - التى تقَعُ في الموالِد وغيرها مِنَ المواسِم - صُنْع صُوَر حيواناتٍ مُجَسَّمة من الحلْوَى وغيرها , فإِنَّ تَصْوِيرَ ذِى الرُّوح والنَّظَر إِلى الصُّوَر المجسَّمة حَرَامٌ كما تقَدَّم (¬1) وشِرَاؤها إِعانة على ذلك ¬

(¬1) ص 208 ج 3 دين (التنفير من تصوير الحيوان).

(قال) ابن الحاج فى المدخل: مِنَ المواسِمَ التى نَسَبُوها إِلى الشَّرْع وليست منه، أَوَّل لَيْلَةٍ من رجب فيتكَلَّفُون فيه النفقات والحلْوَى المحتَوِية على الصُّوَر المحرَّمة شَرْعاً، لقوله عليه الصَّلاة والسلام: مَنْ صَوَّر صُورَةً فإِنَّ اللهَ يُعَذِّبَهُ حتى ينفخَ فيها الرُّوح وليس بنافخ فيها أَبَداً (¬1) {82}. (فهذا) دليلٌ على تحريم الصُّوَر التى لها رُوح، وعلى عذابِ مَنْ صَوَّرَها. فمن اشتراها منهم فهو مُعِين لهم على تَصْويرها، وكذا الوقوف للنظر إِليها والتعَجُّب مع العِلْم بالتَّحْرِيم. ومَنْ فَعَلَ ذلك ففى قبول شهادته نَظَر، فلا ينعَقِدُ النِّكَاح بشهادته حتى يَتُوبَ تَوْبة بشروطها، ولو كَسَرَ صُوَرَ الحلْوَى وبَاعَها مكْسُورةً جازَ بَيْعُهَا وشِرَاؤها. لَكِنْ يُكْرَهُ لأَهْل الفَضْل المقْتَدَى بهم شِرَاؤها. ليَكُونَ أَبْلَغَ فى زَجْر فاعِلها على الصِّفَة المنهىّ عنها. (فانظر) إِلى هذه المفاسِد وكَثْرَتِها وهم يَزْعُمونَ أَنَّهَا مِنَ المواسِم الشرعية، وأَنَّ ذلك تَعْظِيمٌ لهذا المؤْسِم. ثم زَادُوا فيه من التكَلُّفِ مُهَادَاةِ الأَقارِبِ والأَصْهَار، وتكليفِ النِّسْوَةَ أَزواجَهُنِّ بهذه التكاليف التى أَحْدَثُوها ورما يؤول أَمْرهم - إِن قَصَّرَ فى التَّوْسِعَة - إِلى الفراق أَو ما يَقْرُب منه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: أَنا وأُمَّتى بَرَاءٌ مِنَ التكَلُّف (¬2) {83}. (والتكَلُّف) مذمُومٌ فى المواسِم الشرعية والعبادات الدينية، فكيف به فى موسِم محدث غير شَرْعِىّ. ¬

(¬1) أخرج الشيخان عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صور صورة فى الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ. تقدم رقم 295 ص 208 ج 3 دين. والمراد أنهم يعذبون ويقال لهم: لا تزالون فى عذاب حتى تحيوا ما خلقتم. وهو محال. (¬2) ذكره الشيخ إسماعيل العجلونى فى كشف الخلفاء بلفظ: أنا والأتقياء من أمتى بريئون من التكلف. وقال: قال النووى: ليس بثابت، وأخرجه الدارقطنى فى الأفراد بسند ضعيف عن الزبير بن العوام. انظر رقم 620 ص 205 ج 1.

2 - ليلة الاسراء

وما كان السَّلَفُ رضوان الله عليهم يُعَظِّمُون رجب ويحترمونه إِلاَّ بزيادَةِ العبادة فيه والتَّشْمير لأَدائِ حُقُوقَهُ الشرعية، لا بالأَكْل والرَّقْص، ولا بالمفاخَرة بالطعام والهدايا (¬1). 2 - ليلة الاسراء (هى) ليلة السَّابع والعِشْرِين من رَجَب ليلة المعراج التى شُرِعَتْ فيها الصَّلوات الخمس جعلها الله بخَمْسِينَ صلاة إِلى سبعمائة ضِعْف على قدر إِخلاص العبد فى صلاتِهِ، والله يُضَاعِفُ لمنْ يَشَاءُ. (كان) السَّلَف الصَّالح يُحْيُونَهَا بِلْعِبادة وإِطالةِ الْقِيَام فى الصَّلآةِ والتَّضَرُّع والبكاءِ، شُكْراً منهم لمولاهم على ما مَنَحَهُمْ وأَوْلآهُم، ولكن خَلف من بَعْدِهم خَلْفٌ اتَّبَعُوا الشَّهَوَات، وارتَكَبُوا كثيراً مِنَ الْبِدَع والمخالفات، كالاجتمع فى المساجد وزيادةِ النُّور فيها وعلى المآذن، واختلاط الرجال والنِّسَاءِ، والاجتماع فى المساجد لقراءَةِ قِصَّةِ الإِسراءِ والمعراج (¬2) والقراءَة والذكر بالتَّحْرِيف والتَّلْحِين فى أَسماءِ الله تعالى، وغير ذلك من المنكراتِ والمفاسِد التى تقَدَّمَ شَرْحها فى بحث المولد. ¬

(¬1) ص 242 ج 1 مدخل الشرع الشريف (المواسم المنسوبة إلى الشرع). (¬2) الإسراء: مصدر أسريت الشئ، جعلته يسرى ليلا، كما تقول: أمضيته، أى جعلته يمضى. فالنعنى فى قوله تعالى: " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا "، أى جعل البراق يسرى به ليى. والمعراج: من العروج، وهو الصعود. (والإسراء) هنا رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. (والمعراج) رحلة سماوية من بيت المقدس إلى السموات العلا إلى مالا يعلمه إلا الله (وحكمة) ذلك إطلاع النبى صلى الله عليه وسلم على عجائب الملكوت. قال تعالى: " لنريه من آياتنا "، وإلا فالله تعالى لا يحويه زمان ولا مكان، فقد كان ولا زمان ولا مكان (كلم) الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة، فأوحى إليه ما أوحى، وأتحفه بأنواع التحف والزلفى، ورأى ربه سبحانه وتعالى بلا إدراك ولا إحاطة ولا تكييف بحد ولا انتهاء. ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وتقدم بيانه وافياً فى بحث (رؤية الله تعالى) من قسم التوحيد. (والإسراء) والمعراج: وقعا سنة 621 ميلادية فى السنة الثانية عشرة من البعثة قبل الهجرة بسنة، ليلة الاثنين لسبع وعشرين خلت من ربيع الأول عن ما صححه بعضهم، وقيل فى رجب. وعليه عمل الناس. وقيل كانا فى رمضان. (وقد خص الله بهما نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم. وهما ثابتان بالكتاب والسنة الصحيحة ثبوتاً لا مطمع بعده لمنكر أو متأول. قال تعالى فى الإسراء: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو سميع البصير ". وقال تعالى فى المعراج: " ثم دنا فتدلى * فكان قارب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ". (ذكر) أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه تعالى أو جبريل على اختلاف السلف فى معنى ذلك. وذكر سبحانه وتعالى أن هذه الرؤية لم تكن حلماً ولا خيالا، بل كانت رؤية شهود واستيقان، فقال: " ما كذب الفؤاد ما رأى ". وقال: " ما زاغ البصر وما طغى " أى ما طاش وما اضطرب. (وقد أجمع المسلمون على وقوع الإسراء والمعراج، ونص عليهما القرآن، وجاءت بتفصيلها وشرح عجائبهما أحاديث كثيرة (منها): 1 - حديث أبى صالح باذان مولى أم هانئ بنت أبى طالب عن أم هانئ: قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس (بفتح الغين واللام: الظلمة آخر الليل) وأنا على فراشى فقال: شعرت أنى نمت الليلة فى المسجد الحرام، فأتانى جبريل عليه السلام، فذهب بى إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين، فركبته فكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ فى هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه، وإذا أخذ فى صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل عليه السلام لا يفوتنى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التى كانت الأنبياء توثق بها فنشر (أى بعث) لى رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فصليت بهم وكلمتهم، واتيت بإناءين: أحمر وأبيض، فشربت الأبيض. فقال لى جبريل عليه السلام: شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك. ثم ركبته (يعنى البراق) فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة (قالت) أم هانئ: فتعلقت بردائه وقلت أنشدك الله ابن عم ألا تحدث بها قريشاً فيكذبك من صدقك، فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدى فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه (بضم ففتح جمع عكنة كغرفة وهى الطى فى البطن من السمن) فوق ردائه وكأنه طى القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصرى، فخررت ساجدة. فلما رفعت رأسى إذا هو قد خرج فقلت لجاريتى نبعة: ويحك، اتبعيه فانظرى ماذا يقول؟ وماذا يقال له؟ فلما رجعت نبعه أخبرتنى أن رسول الله صلى الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش فى الحطيم (هو قوس من البناء شمال الكعبة محيط بحجر إسماعيل) فيهم المطعم بن عدى بن نوفل، وعمرو بن هشام (أبو جهل) والوليد بن المغيرة. فقال: إنى صليت الليلة العشاء فى هذا المسجد وصليت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس فنشر لى رهط من الأنبياء منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فصليت بهم وكلمتهم. فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ: صفهم لى. فقال: أما عيسى ففوق الرابعة (بفتح فسكون: المعتدل) ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد (بفتح فسكون، أى غير مترسل) الشعر، يعلوه صهبة (بضم فسكون، أى احمرار الشعر) كانه عروة بن مسعود الثقفى. وأما موسى عليه السلام فضخم آدم (أى أسمر) طويل كأنه من رجال شئوءة (قبيلة من اليمن)، كثير الشعر، غائر العينين، متراكب الأسنان، مقلص (أى منزوى) الشفتين، خارج اللثة عابس. وأما إبراهيم عليه السلام فوالله لأشبه الناس بى خلقاً وخلقاً، فضجوا وأعظموا ذلك. فقال المطعم بن عدى بن نوفل: كل أمرك قبل اليوم كان أمماً (بفتحات، أى يسيراً) غير قولك اليوم، أشد أنك كاذب، نحن نضرب أكياد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً، نزعم أنك أتيته فى ليلة، واللات والعزى لا أصدقك، وما كان هذا الذى تقول قط. وكان للمطعم بن عدى حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه فأقسم باللات والعزى= = لا يسقى منه قطرة أبداً. فقال أبو بكر رضى الله عنه: يا مطعم، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته (أى استقبلته بالمكروه) (وكذبته، أنا أشد أنه صادق) فقال: يا محمد، صف لنا بيت المقدس. قال: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا، فاتاه جبريل عليه السلام فصوره فى جناحه، فجعل يقول: باب منه فى موضع كذا، وباب منه فى موضع كذا. وأبو بكر رضى الله عنه يقول: صدقت، صدقت (قالت) نبعة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: يا أبو بكر، إن الله عز وجل قد سماك الصديق. قالوا: يا مطعم، دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس، يا محمد أخبرنا عن عيرنا. فقال: أتيت على غير بنى فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم وانطلقوا فى طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، فسلوهم عن ذلك فى، فقالوا: هذه واللات والعزى آية. ثم انتهيت إلى عير بنى فلان فنفرت منى الإبل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض، لا أدرى أكسر البعير أم لا؟ فسلوهم بعد ذلك، فقالوا هذه والإله آية. ثم انتهيت إلى عير بنى فلان بالأيواء يقدمها جمل أوراق (أى أسمر) ها هى تطلع عليكم من الثنية، فقال الوليد بن المغيرة: فيما قال، وأنزل الله تبارك وتعالى: " وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرآن ". قلت (أى قال أبو صالح): يا أم هانئ، ما الشجرة الملعونة فى القرآن؟ قالت: الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغياناً كبيراً. ذكره ابن سيد الناس [84] ص 140 ج 1 عيون الأثر (الحديث عن الإسراء والمعراج). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2 - وحديث ثابت البنانى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه (بسكون الراء، النظر والعين) قال: فركبته حتى أتيت المقدس فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءنى جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال: أخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ (أى قد بعث إليه بالبراق للعروج إلى السماء) (ولم يرد بعثه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق لأنه لم يبعد أن يخفى على الملائكة بعثه إلى الخلق، فلا يعلمون به إلا ليلة الإسراء) قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بآدم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فرحب بى ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه. قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما (وذلك أن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذ، وهى أخت حنة بنت فاقوذ أم مريم. فتكون إيشاع خالة مريم وأخت حنة، يعنى يحيى وعيسى ابنا خالة بهذا الاعتبار) فرحبا بى ودعوا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة (فذكر مثل ما ذكر فى السماء الأولى والثانية)، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قد أعطى شطر الحسن، فرحب بى ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة (وذكر مثله) ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لى بخير. قال الله تعالى: " ورفعناه مكاناً علياً ". ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لى بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة (فذكر مثله)، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور [(لا يقال) كيف يرى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الأنبياء فى السموات وأجسادهم فى قبورهم فى الأرض (لأنا) نقول: تشكلت أرواحهم بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى هذه الليلة تشريفاً له وتكريماً] وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى (أى ينتهى إليها ما يعرج من الأرض) فإذا ورقها كأذان الفيلة، وإذا ثمرها كالفلال (جمع قلة وهى الجرة العظيمة) فلما غشيها من أمر الله ما غشى، تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلى ما أوحى، ففرض على خمسين صلاة فى كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنى قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى ربى فقلت: يارب خفف على أمتى، فحط عنى خمساً، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمساً. قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = واسأله التخفيف. فلم أزل أرجع بين ربى وبين موسى حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه. أخرجه أحمد ومسلم [85] ص 251 ج 20 الفتح الربانى. وص 209 و 210 ج 2 نووى مسلم (الإسراء). 3 - وحديث أبى هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شئ فهو يخلفه. ثم أتى على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع (نبت بالحجاز، له شوك كبار) والزقوم (نبات فى البادية، له زهر) ورضف جهنم (أى حجارتها المحماة) فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم فى قدر نضيج، ولحم آخر نئ خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب. قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا فيأتى المرأة الخبيثة معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلال طيباً فتأتى الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى يصبح. ثم أتى على رجل قد جمع حزمه عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها. فقال: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها. ثم أتى على قوم تقرض شفاهم وألسنتهم بمقارض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شئ قال: يا جبريل ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة. ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا يتكلم الرجل بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع. ثم أتى على واد فوجد ريحاً طيبة ووجد ريح مسك مع صوت، فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنة تقول: يارب ائتنى بأهلى وبما وعدتنى فقد كثر غرسى وحريرى وسندسى وإستبرقى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعبقرى ومرجانى وتصبى وذهبى وأكوايبى وصحافى وأباريقى وفواكهى وعسلى وثيابى ولبنى وخمرى، ائتنى بما وعدتنى. قال: لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بى وبرسلى وعمل صالحاً ولم يشرك بى شيئاً ولم يتخذ من دونى أنداداً، فهو آمن، ومن سألنى أعطيته، ومن أقرضنى جزيته، ومن توكل على كفيته، إنى أنا الله لا إله إلا أنا لا خلف لميعاد، قد أفلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين. فقالت: قد رضيت. ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكراً فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يارب ائتنى بأهل وبما وعدتنى فقد كثر سلاسلى وأغلالى وسعيرى وحميمى وغساقى وغسلينى، وقد بعد قعرى واشتد حرى، ائتنى بما وعدتنى. قال: لك كل مشرك ومشركة، وخبيث وخبيثة، كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب. فقالت: قد رضيت. (ثم) سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة قالوا: يا جبريل من هذا معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم النبيين. قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياة الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة. ثم لقوا أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم تعالى. فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذى اتخذنى خليلا، وأعطانى ماكاً عظيماً، وجعلنى أمة قانتاً، واصطفانى برسالاته، وأنقذنى من النار وجعلها على برداً وسلاماً. (ثم) إن موسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى كلمنى تكليماً، واصطفانى، وأنزل على التوراة، وجعل هلاك فرعون على يدى، ونجاة بنى إسرائيل على يدى. (ثم) إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى جعلى لى ملكاً وأنزل على الزبور، وألان لى الحديد، وسخر لى الجبال يسبحن معى والطير، وآتانى الحكمة وفصل الخطاب. (ثم) إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه تبارك وتعالى فقال: الحمد لله الذى سخر لى الرياح والجن، والإنس، وسخر لى الشياطين يعلمون ما شئت من محاريب (جمع محراب وهو البناء الحسن، وأشر ف شئ فى المكسن وصدره، وقال الضحاك: هو المسجد) وتماثيل وجفان كالجوابى (جمع جابية وهى الحوض الذى يجبى فيه الماء) وقدور راسيات، وعلمنى منطق الطير، وأسال لى عين القطر (بكسر فسكون: النحاس) وأعطانى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى. (ثم) إن عيسى صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذى علمنى التوراة والإنجيل وجعلنى أبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذنه، ورفعنى وطهرنى من الذين كفروا، وأعاذنى وأمى من الشيطان الرجيم، ولم يجعل للشيطان علينا سبيلا. (وإن) محمداً صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه فقال: كلكم أثنى على ربه وأنا مثن على ربى: الحمد لله الذى أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وأنزل على القرآن فيه الأولون وهم الآخرون، وشرح لى صدرى، ووضع عنى وزرى، ورفع لى ذكرى، وجعلنى فاتحاً وخاتماً. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (فقال) إبراهيم صلى الله عليه وسلم: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة، فدفع إليه إناء فيه ماء. فقيل له اشرب، فشرب، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب حتى روى، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أذقه. فقيل له: أصبت، أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربتها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. = ثم صعد به إلى السماء فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليم وسلم. قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجئ جاء، فدخل فإذا بشيخ جالس تام الخلق لم ينقص من خلقه شئ كما ينقص من خلق البشر، عن يمينه باب تخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذى عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى الباب الذى عن يساره بكى وحزن. فقال: جبريل، من هذا الشيخ، وما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذى عن يمينه باب الجنة، إذا رأى من بدخله من ذريته ضحك واستبشر. والباب الذى عن شماله باب جهنم، إذا نظر من يدخله من ذريته بكى وحزن. ثم صعد إلى السماء الثانية (الحديث) أخرجه البزار بسند رجاله موثقون إلا أن ربيع ابن أنس قال عن أبى العالية أو غيره فتابعية مجهول. قاله الهيثمى [86] ص 67 ج 1 مجمع الزواءد (الإسراء). 4 - وحديث سمرة بن جندب: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رأيت الليلة رجلين أتيانى فأخذا بيدى فأخر جانى إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم على رأسه بيده كلوب من حديد فيدخلهفى شدقه فيشقه حتى يخرجه من قفاه، ثم يخرجه فيدخله فى شدقه الآخر، ويلتئم هذا الشدق، فهو يفعل ذلك به. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقت معهما، فإذا رجل مستلق على قفاه ورجل قائم على رأسه بيده فهر (بكسر فسكون، أى حجر) أو صخرة فيشدخ بها رأسه فيتدهور الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع مثل ذلك. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت معهما فإذا بيت مبنى على بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يوقد تحته نار، فيه رجال ونساء عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا أخمدت رجعوا فيها. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت فإذا نهر من دم فيه رجل على شاطئ النهر، ورجل بين يديه حجارة، فيقبل الرجل الذى فى النهر، فإذا دنا ليخرج رمى فى فيه حجراً فرجع إلى مكانه غهو يفعل ذلك به. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقت فإذا روضة خضراء، وإذا شجرة عظيمة وإذا شيخ فى أصلها حوله صبيان، وإذا رجل قريب منه بين يديه نار يوقدها، فصعدا بى فى شجرة، فأدخلانى داراً لم أر داراً قط أحسن منها، فإذا فيها رجال وشيوخ وشباب وفيها نساء وصبيان، فأخرجانى منها فصعدا بى الشجرة فأدخلانى داراً هى أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب. فقلت لهما: إنكما قد طوفتمانى منذ الليلة، فأخبرانى عما رأيت. قالا: نعم. (أما) الرجل الأول الذى رأيت فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه فى الآفاق، فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة، ثم يصنع تعالى به ما شاء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (وأما) الرجل الذى رأيت مستلقياً على قفاه فرجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار، فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة. (وأما) الذين فى التنور فهم الزناة. (وأما) الذى رأيت فى النهر، فذاك آكل الربا. (وأما) الشيخ الذى رأيت فى أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام. (وأما) الصبيان الذين رأيت فأولاد الناس. (وأما) الرجل الذى رأيت يوقد النار فذاك مالك خازن النار وتلك النار. (وأما) الدار التى دخلت أولا فدار عامة المؤمنين. (وأما) الدار الأخرى فدار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل. ثم قالا لى: ارفع رأسك، فرفعت فإذا كهيئة السحاب، فقالا لى: ودارك. فقلت لهما: دعانى أدخل دارى. فقالا: إنه قد بقى لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته، دخلت دارك. أخرجه أحمد والشيخان [87] ص 8 ج 5 مسند أحمد (حديث سمرة بن جندب) وص 92 كتاب الروح (عذاب القبر هو عذاب البرزخ). 5 - وحديث ابن المسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لقيت إبراهيم ليلة أسرى بى فقال: يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبه الماء وأنها قيعان (جمع قاع وهو المكان المستوى الواسع النقى) وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرجه الطبرانى والترمذى وحسنه [88] ص 265 ج 7 رياض الصالحين (فضل الذكر). 6 - وحديث أنس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسرى بى على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. أخرجه ابن ماجه، وفى سنده خالد بن يزيد الدمشقى، ضعفه جماعة [89] ص 43 ج 2 سنن ابن ماجه (القرض). 7 - وحديث أنس بن مالك قال: كان ابو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فرج عن سقف بيتى وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه فى صدرى ثم أطبقه، ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح. قال: من هذا؟ قال: جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معى محمد. فقال: أرسل إليه؟ قال نعم. فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر شماله بكى. فقال: مرحباً بالنبى الصالح، والابن الصالح. قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التى عن شماله أهل النار. فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = شماله بكى. حتى عرج إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خانها مثل ما قال الأول ففتح (الحديث) أخرجه البخارى [90] ص 313 ج 1 فتح البارى (كيف فرضت الصلاة فى الإسراء). هذا. وقد تواترت الروايات فى حديث الإسراء. (وهذه) الروايات وإن لم تكن كلها صحيحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. (وقد) اختلف العلماء أكان الإسراء والمعراج ببدنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وروحه أم بروحه فقط؟ والأكثر على أنهما كانا ببدنه وروحه يقظة، لقوله تعالى: " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله ". (فالتسبيح) إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شئ ولم يكن مستعظماً، ولما بادر كفار قريش إلى تكذبيه، ولما ارتدت جماعة ممن كانوا قد أسلموا، (وأيضاً) فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى: " أسرى بعبده ليلا ". وقال تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس ". قال ابن عباس: هى رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به. والشجرة الملعونة هى شجرة الزقوم. رواه البخارى والترمذى [18] ص 138 ج 1 تيسير الوصول (سورة الإسراء) (وقال) تعالى: تعالى: " ما زاغ البصر وما طغى ". والبصر من خواص الذات لا الروح (وأيضاً) فإنه حمل على البرق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن للروح، لأنها لا تحتاج فى حركتها إلى مركب تركب عليه. قاله ابن كثير. هذا. وحمة الإسراء والمعراج أن الله تعالى شرع الشرائع بواسطة إلهام الرسول أو كلامه من وراء حجاب، أو إرسال الملك، أو الرؤيا الصادقة. قال الله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء، إنه علىٌّ حكيم " الشورى: 51. (فهذه) مقامات الوحى بالنسبة إلى الله تعالى، وهو أنه تارة يقذف فى روع النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء فى صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث فى روعى (بضم الراء، أى قلبى وخاطرى) أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأخملوا فى الطلب [91] ص 383 ج 7 تفسير ابن كثير (سورة الشورى). وقوله تعالى: " أو من وراء حجاب " كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام. فإنه سأل الرؤية بعد التكلم فحجب عنها. وفى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضى الله عنهما: ما كلم الله أحداً من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحاً [92] ص 384 ج 7 تفسير ابن كثير. و (كفاحاً) أى مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. كذا جاء الحديث، وكان أبو جابر قد قتل يوم أحد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولكن هذا فى عالم البرزخ. والآية إنما هى فى الدار الدنيا. وقوله عز وجل: " أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء "، كما ينزل جبريل عليه الصلاة والسلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قاله ابن كثير. (وقالت) عائشة رضى الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (الحديث) أخرجه البخارى [93] ص 17 ج 1 فتح البارى (كيف بدء الوحى). (ولما) كانت الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين وهى الركن الأول من أركان الإسلام بعد الشهادتين، والمحافظة عليها أول واجب يتحلى به المؤمن لما لها من الأثر الطيب فى الدنيا والآخرة، لذا أوفد الله عز وجل جبريل ومعه ميكائيل يستدعيان حبيبه وصفيه، ليلقى عليه وحيه فى ذلكم المقام الأعلى، ويفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس بلا واسطة. (ففريضة) هذا شأنها حقيق بالمؤمن أن يعنى بها ويهتم بشأنها، ويحافظ عليها خاشعاً خاضعاً مطمئناً فى ركوعها وسجودها متذكراً: (أ) " قول " النبى صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة. ثم يكون سائر عمله على ذلك. أخرجه النسائى وأبو داود وابن ماجه والترمذى (وهذا لفظه) عن أبى هريرة [94]. انظر رقم 412 ص 293 ج 2 دين (الرواتب). (ب) " وقول " الله عز وجل فى حديث قدسى: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يتكبر على خلقى، ولم يبت مصراً على خطييئته، وقطع النهار فى ذكرى، ورحم المكسين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له فى الظلمة نوراً، وفى الجهالة حلماً، ومثله فى خلق كمثل الفردوس فى الجنة. أخرجه الدارقطنى فى الأفراد عن على كرم الله وجهة عن النبى صلى الله عليه وسلم [95] رقم 244 ص 38 الإتحافات السنية فى الأحاديث القدسية. (ويعجبنى) أيما إعجاب قول بعض الفضلاء: وإذا كان للمؤمنين أن ينتفعوا بذكرى الإسراء، فليذكروا بها فضل الله على نبيه الذى جاهد فى تثبيت هذا الدين ونشره والعمل على إسعاد الإنسانية به، وينتهجوا خطته فى ذلك، حتى يكونوا من المؤمنين حقاً بهذا الفضل، وحتى يحوزوا رضاء الله وإسعاده. وليذكروا بها أن الله فرض عليهم فى ليلتها على لسان نبيه - وقد ارتفع ما بينهما من حجب - خمس صلوات فى اليوم والليلة، فيها يناجون ربهم، وبها يشعرون بواجب العبودية التى خلعت على نبيهم فى تلك الليلة تكريماً وتشريفاً، لم يفرضها كما فرض غيرها من الواجبات والأركان وإنما فرضها فى كوكبه من الملإ الأعلى وفى جذوة من الإشراق والأنوار، تنويهاً ورمزاً لمكانتها. وليذكروا أن الرسول الذى نال فخر الإسراء =

(وقد) ذكَرَ ابن الحاج فى المدخل بعض ما أُحْدِثَ فى هذه الليلة من الْبِدَع، فقال: فمنها إِتْيَانِهم المسجد واجتماعهم فيه (ومنها) زيادة وَقُود القناديل فيه. وقد تقَدَّمَ ما فى ذلك من المفاسِد (ومنها) فَرْش البُسُط والسجَّادات وغيرها (ومنها) السَّقَّاءُون، وفى ذلك من المفاسِد جُمْلة كالْبَيْع والشِّرَاءِ فى المسجد، والضَّرْبِ بالطَّاسَاتِ فيه، وَرَفْع الصِّوْت بقوله عَطْشَان سَبِيل ونحوه، وتَخَطِّى رِقَابِ الناس، وتَلْوِيثِ المسجد بالماءِ، والأَقْدَام المتَنَجِّسَة، وحَمْل النَّعْل تحت إِبطِه، أَوْ خلف ظَهْره دُونَ شَئ يَشُدّه، لأَنه يتحرَّك بحركَتِه فيقَعُ ما فيه من أَذَى فى المسجد (ومنها) اجتماعهم حلقات، كُلّ حلقه لها كَبِير يَقْتَدُونَ به فى الذكْر والقراءَة، ولَيْتَ ذلك لو كان كان ذِكْراً أَو قراءَةً (يعنى مَشْرُوعَيْن) لكنهم يَلْعَبُونَ بدِين الله تعالى، فالذَّاكِر منهم فى الغالب لا يقول: لا إِله إِلاَّ الله، بل يُحَرِّقها فيقول: لإِيلآهِ يِ لله، فيجعلون عِوَض الهمزة ياءً، وهى همزة قطع جعلوها همزة وصل، وإِذا قالوا " سُبْحَان الله " يمطِّطُونها ويرجعونها حتى لا تكاد تُفْهَم، والقارئُ يقرأْ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه، وينقص منه ما هُوَ فيه بحسَبِ تلك النغمات والترجيعات التى تُشْبه الغناءَ وغيره مما عُلِمَ من أَحوالهم الذَّمِيمَة (ثم فيها) مِنَ الأَمْر العظيم أَنَّ القارئ يبتدئ بقراءّةِ القرآنِ، والآخر يُنْشِدُ الشِّعْر أَوْ يُريد أَن يُنْشِدّهُ فَيُسْكِتُونَ القارئ أَوْ يَهُمُّونَ بذلك، أَوْ يتركُونَ هذا فى شِعْره، وهذا فى قِرَاءَتِهِ. ¬

_ = كان يحن دائماً إلى مناجاة ربه والوقوف بين يديه، حتى كان لا يجد له لذة إلا فى تلك المناجاة (وجعلت قرة عينى فى الصلاة) وفى الحق إن الصلاة التى أمر بها المؤمنون طهرة للقلوب ومعراج للرب وإسراء إلى ساحة الفضل والإنعام، فمن شاء أن يسرى به ربه وأن تعرج به ملائكة الرحمة فليدم مناجاة ربه، وليحسن وقوفه بين يديه " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ".

3 - ليلة النصف من شعبان

لتشوف بعضهم لسماع الشِّعْر وتلك النغمات المرذولة. وهذه الأَحوال لو كانت خارج المسجد لمنعَتْ، فكَيْفَ بها فى المسجِد، وفى هذه الليلة الشَّرِيفة (¬1). 3 - ليلة النصف من شعبان قد تقَدَّم الكلام فيها وَافِياً فى بِدَع المساجد (¬2)، ويأْتى كلمة فى صَوْم نِصْف شعبان، وأَنَّ الاحتفالَ بليلَتِه محدث (¬3). 4 - ليلة القدر ليلةُ القَدْرِ وما أَدْرَاكَ ما ليلةُ القَدْر؟ ليلةُ القَدْر لها فَضْلٌ عظيم، والطاعة فيها مُضَاعفة، قال الله تعالى: " لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلآمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ". (وإِحياؤها) بأَنواع العِبادَةِ مُسْتَحَبّ كباقى لبالى رمضان ولا سِيمَّا العَشْر الأَوَاخِر منها (روى) أَبُو هريرةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ قام ليلةَ القَدْرِ إِيماناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تقَدَّمَ من ذَنْبِه. عجز حديث أَخرجه أَحمد والشيخان وأَبو داود والترمذى. وقال: هذا حديث صحيح (¬4) {96}. (وعنه) أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) اهـ ملخصاً من ص 245 - 247 ج 1 المخل (بدع ليلة المعراج). (¬2) انظر من ص 294 - 303 ج 3 الدين الخالص طبعة ثانية، ص 340 و 341 ج 8 دين. (¬3) انظر من ص 294 - 303 ج 3 الدين الخالص طبعة ثانية، ص 340 و 341 ج 8 دين. (¬4) ص 221 ج 9 الفتح الربانى (فضل قيام رمضان وليلة القدر) وص 81 ج 4 فتح البارى، وص 40 ج 6 نووى مسلم، وص 308 ج 7 المنهل العذب (قيام رمضان)، وص 31 ج 2 تحفة الأحوذى، والمراد بقيام ليلتها إحياء معظمها بالطاعة. وأقله صلاة العشاء والصبح فى جماعة. و (إيماناً) أى تصديقاً بوعد الله تعالى بالثواب عليه (واحتساباً) أى طلباً للأجر لا رياء ولا لأخذ أجرة. وظاهره أنه يتناول غفران الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر (وقال) النووى: المعروف أنه يختص بالصغائر. وبه جزم إمام الحرمين، وقد يخفف من الكبائر إذا لم توجد صغيرة.

المواسم الأجنبية

مَنْ قام رمضان إِيماناً واحْتِسَاباً فُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذَنْبِهِ. أَخرجه السبعة إِلا الترمذى، وزاد النسائى: وما تأَخَّر (¬1) {97}. (وعن عائشة) أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إّذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَره وأَحْيَا لَيْلَهُ وأَيْقَظ أَهْلَهُ. أَخرجه أَحمد والشيخان وابن ماجه والبيهقى (¬2) {98}. (أَما اتخاذ) الناس لها مَوْسماً وشِعَاراً والاحتفال بإِحيائِها فى المساجد، فبِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، فيه مِنَ المفاسِد ما تقَدَّم فى الاحتفال بليلةِ المعراج ونصْف شعبان. المواسم الأجنبية ابتلى المسلمون بتقليد غيرهم فى كثير من مواسمهم وعوائدهم، وقد نُهُوا عن ذلك (روى) ابن عُمر أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: مَنْ تَشَبَّه بقومٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. أَخرجه أحمد وأبو داود والطبرانى فى الكبير بسندٍ صحيح (¬3) { 99}. وقال الإِمام الصَّنْعانى: الحديث فيه ¬

(¬1) يأتى رقم 41 ص 283 ج 8 دين (فضل صيام رمضان)، (وما تأخر) لا يقال: كيف يغفر ما تأخر والمغفرة تستدعى سبق ما يغفر، لأنا نقول: هو كناية عن أن يحفظ من الكبائر فلا تقع منه كبيرة بعد ذلك. وقيل: معناه أن الذنب يقع مغفوراً. (¬2) يأتى رقم 272 ص 439 ج 8 دين (إحياء العشر الأواخر من رمضان) والمئزر بكسر فسكون: الإزار. وشده كناية عن الاجتهاد فى الطاعة واعتزال النساء. (¬3) انظر رقم 8593 ص 104 ج 6 فيض القدير، وص 39 اقتضاء الصراط المستقيم وص 237 ج 4 سبل السلام (يحرم التشبه بالكافر) والمعنى أن من تشبه بالصالحين يكرم، ومن تشبه بالفساق لا يكرم، وفيه إشارة إلى جواز قتل من تشبه من الجان بالحيات المؤذية، وظهر فى صورتها. وأنه لا يجوز للمسلم التشبه بالفساق أو الكفار أو المبتدعة فى شئ مما يختصون به من ملبوس أو هيئة (فمن) تشبه بالكافر فى زى واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر. فإن لم يعتقد فقيل: يكفر وهو ظاهر الحديث، وقيل: لا يكفر ولكن يؤدب (ولذا) قال العلماء: من لبس القبعة ميلا إلى دينهم واستخفافاً بدينه فهو كافر اتفاقاً، وكذا من لبسها تشبهاً واقترن به ما هو من شعائرهم كدخول كنيسة، وإن لم يقترن به ذلك فهو مسلم آثم. (قال) تقى الدين ابن تيمية فى اقتضاء الصراط المستقيم * مخالفة أصحاب الجحيم - بعد تخريج =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= الحديث وبيان أن سنده جيد -: وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضى تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضى كفر المتشبه بهم. كما فى قوله تعالى: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " فقد يحمل على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، وقد يحمل على أنه منهم فى القدر المشترك الذى شابههم فيه. فإن كان كفراً أو معصيه أو إشعاراً لها، كان حكمة كذلك، وبكل حال يقتضى تحريم التشبه بعلة كونه تشبهاً والتشبه يعم (من فعل الشئ) لأجل أنهم فعلوه وهو نادر (ومن تبع غيره)، فى فعل لغرض له فى ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير (فأما) من فعل الشئ واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، (ففى كون) هذا تشبهاً نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه إلى التشبه. انتهى بحذف ص 39 و 40 (وقد اتفقت) كلمة العلماء على تحريم لبس القبعة. (وقال) الشيخ عبد الرحمن شيخ زاده فى مجمع الأنهر: ويكفر بوضع قلنسوة المجوس على رأسه على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لضرورة دفع الحر والبرد عند البعض. وقيل: إن قصد به التشبه يكفر، وكذا شد الزنار فى وسطه. انظر ص 637 ج 1 مجمع الأنهر (الخامس فى التفرقات - باب المرتد). (وقال) أبو البركات الشيخ أحمد الدردير فى الشرح الكبير على مختصر خليل: الردة كفر المسلم بصريح من القول. كقوله أشرك أو أكفر بالله، أو لفظ يقتضيه، كقوله: الله جسم متحيز، وجحده حكماً علم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة وحرمه الزنا، أو فعل يتضمن الكفر، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار، بضم الزاى وشد النون: حزام ذو خيوط ملونة يشد به الذمى وسطه ليميز به عن المسلم، والمراد به ملبوس الكافر الخاص به، أى فيشمل برنيطة النصرانى وطرطور اليهودى إذا فعله حباً فيه وميلا لأهله وإن لم يسع به للكنيسة ونحوها، سواء أفعله فى بلاد الإسلام أم بلاد غيره، فالمدار فى الردة على فعله حباً فيه وميلا لأهله. (وأما) إن لبسه لعباً فحرام وليس بكفر، وإن فعله لضرورة كأسير عندهم يضطر إلى استعمال ثيابهم فلا حرمة عليه. اهـ بزيادة من حاشية الشيخ الدسوقى، ص 269 ج 4 (الردة وأحكامها). (وفى فتاوى) العلامة الرملى الشافعى: سئل عن التزيى بزى الكفار أهو ردة أم لا؟ فيحرم فقط (فأجاب) بأن الراجح أنه ليس بردة بل يأثم العامد العالم بتحريمه. اهـ ص 31 ج 4 هامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمى (كتاب الردة) (وهو) محمول على لبسه بلا نية الرضا أو الميل إلى دينهم. أما إن لبسه راضياً أو ميلا إلى دينهم أو تهاوناً بالإسلام فإنه يكفر (قال) العلامة ابن الحجر الهيتمى الشافعى فى كتاب الإعلام بقواطع الإسلام: وحيث لبس زى الكفار، سواء دخل دار الحرب أم لا بنية الرضا بدينهم أو الميل إليه أو تهاوناً، كفر. اهـ. (وقال) الشيخ منصور البهوتى الحنبلى: ومن تزيا بزى الكافر من لبس غيار وشد زنار وتعليق صليب بصدره، حرم ولم يكفر. اهـ ص 153 ج 4 شرح المنتهى (حكم المرتد) (ومال) بعض الحنبلية إلى الكفر (والغيار) بالكسر: علامة خاصة بأهل الذمة كالزتار (فترى) هذه النصوص متفقة على تحريم لبس القبعة ونحوها مما هو خاص بالكفار عند عدم =

ضَعْف، وله شَوَاهِد تخرجه عن الضَّعْف: (منها) حديث ابن مسعود أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَضِىَ عَمَلَ قَوْمٍ كان منهم. أَخرجه أَبو يعلى (¬1) {101} (وَرَىَ) أَبو هرِيرةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ اليهودَ والنَّصارَى لا يَصْبُغُون فخالِفُوهم. أَخرجه الستة، ولفظ الترمذى: غيِّرُوا الشيب ولا تشبهوا باليهود (¬2) {102} (وقال) عطاءُ ابنُ دينار: قال عُمر رضى الله عنه: لا تَعلموا رَطانة الأَعاجِم ولا تَدْخُلُوا على المشركين فى كنائِسهم يوم عِيدهم، فإِن السخطة تَنْزِلُ عليهم. أَخرجه البيهقى بسندٍ صحيح وأَبو الشَّيْخ الأَصبهانى (¬3) {19} (وقال) ابن عمرو: منْ بَنَى فى بلاد الأَعَجِم وصنع نَيْروزَهم ومهرجانهم وتَشَبَّهَ بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشِرَ معهم يوم القيامة. أَخرجه البيهقى (¬4) {20} وقال: وفى هذا الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به. اهـ. ¬

= الاستخفاف بالإسلام، وعدم الميل إلى دين الكفرة وإلا كان كفراً، فكيف يستبيح من يؤمن بالله واليوم الآخر لبس ما ذكر ويترك زيه القومى العربى إلى زى قوم يؤدى تقليدهم إلى ذهاب قوميتنا، وفناء شخصيتنا التى حث الشارع على المحافظة عليها واحترامها، حفظاً لكياننا (روى) أبو المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اعتموا تزدادوا حلماً. قال: وقال على رضى الله عنه: العمائم تيجان العرب. أخرجه أبو دادود [100] ص 261 ج 3 تيسير الوصول (العمائم - اللباس). وسيأتى مزيد بيان لهذا فى بحث اللباس إن شاء الله تعالى. (¬1) ص 237 ج 4 سبل السلام (يحرم التشبه بالكافر). (¬2) ص 175 ج 10 فتح البارى (الخضاب - اللباس) وص 80 ج 14 نووى مسلم (خضاب الشيب) وص 278 ج 2 مجتبى، وص 85 ج 4 سنن أبى داود، وص 199 ج 2 سنن ابن ماجه (الخضاب بالحناء) و (لا يصبغون) أى لحاهم وشعورهم (فخالفوهم) واصبغوها بغير السواد. أما تغييرها بالسواد فحرام أو مكروه على ما تقدم بيانه فى بحث (تغييير الشيب) ج 1 دين. (¬3) ص 94 و 95 اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. و (والرطانة) بكسر الراء وفتحها: التكلم بلغة العجم. (¬4) ص 94 و 95 اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. و (والرطانة) بكسر الراء وفتحها: التكلم بلغة العجم.

1 - عيد النيروز

هذا، وإِنَّهُ لَيَسُوءُنا ويَسُوءُ كُلّ غَيُور على دِينِه، أَنْ نرَى المسلمين يخالفون هذه الأَحاديث والآثار، فقد تركُوا أَعمالهم ومصالحهم فى مواسِم أَهل الكتاب، واتَّخَذُوهَا أَيَّام فرَحٍ وسُرُور، وشارَكُوا أَهلها فى التَّوْسِعَة بكَثْرَةِ الطَّعَامِ والَّرَابِ ولبْس أَجْمل الثَّيَاب وصَبْغ البَيْض فيها للأَوْلاد. وبهذا تحقَّقَ (قول) النبىَّ صلى الله عليه وسلم: لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الذين من قبلِكُم شِبْاً بشِبْرٍ وذِرَاعٍ، حتى لو سَلكُوا جُحْرَ ضَبّ لَسَلكْتُمُوه قُلْنَا: يا رسول الله، اليهود والنَّصَارَى؟ قال فمنْ غيرهم. أَخرجه أَحمد والشيخان عن أَبى سعيد الخدرىّ (¬1) {103} ولنبيِّن هُنَا سِتَّةً من هذه المواسِم ليتبيَّنَ العاقل الأَمْرَ وليقِفَ عند حَدِّ الشَّرْع. 1 - عيد النيروز النَّيْرُوز، بفتح فسكون، معرّب نوروز بالفارسية. ومعناه يوم جديد، وعيده يكون فى أَوائل تُوث وفى النِّصْف الثانى من سبتمبر أَوَّل فَصْل الخريف. احْتَفَلَ بهِ قُدَمَاءُ المصريين عندما جعل العلامة المصرى تُوث رأْس سَنَتِهم المالية موافقةً لظهور الشَّعرى (¬2) مع الشمس. ومعنى تُوث: ظهور أَول الفيضان. وقد عرفوا لَهُ هذا الجميل فَسَمُّوا الشهر الأَوَّل من سَنَتِهم باسْمِه. ولم يُسَمّ رأْس السنة المصرية نَيْروزاً إِلاَّ بعد دخول العرب مصر، وشاركَ المسلمون الأَقباط فى الاحتفالِ به من عهد الفاطميين باعتبار أَنه فاتحةَ بابِ الخير على المصريين بإِرواءِ أَراضيهم بفَيَضَان النِّيل السعيد. ¬

(¬1) ص 197 ج 1 الفتح الربانى، وص 319 ج 6 فتح البارى (ماذكر عن بنى إسرائيل - أحاديث الأنبياء) وص 219 ج 16 نووى مسلم (كتاب العلم). (¬2) الشعر هى أنور النجور الثوابت، تبعد عنا 13433000 ثلاثة عشر مليوناً وأربعمائة وثلاثة وثلاثين ألف ميل. وجرمها يكاد يكون أكبر من جرم الشمس مائتى مرة.

2 - شم النسيم

2 - شم النسيم ويُسَمَّى عيد المهرجان أَوْ عيد البشارة (¬1). كان قدماءُ المصريين يَبْدَءُونَ سَنَتَهُمْ بالاعتدال الربيعىّ الموافق 29 برمهات و 25 مارس. وتُعْرَف بالسَّنَة الفَلكِيَّة، لا عتقادِهم بأَنَّ بَدْءَ الخليقَةِ كان فى هذا اليوم، ولتخلص الإِسرائيليين من ربقة العبودية فى هذا الوقت بخُروجِهم من مِصْرَ على يد سَيِّدِنا مُوسَى عليه السَّلام، فاعتَبَرُوهُ رَأْساً لِسَنَتِهم الدِّينية. ثم لَمَّا اتفق الأَقباط واليهود على جَعْل سَنَتِهم الأَصْلِيَّة شمسية تبتدئُ فى أَول حُلُول الشَّمس فى بُرْج الحمل، أَى زمان الاعتدال الربيعىّ، جَعَلُوا الاحتفالَ به لا يَقِلّ أَهمية عن الاحتفال برأْس سَنَتِهم المالية. (وهذان) الْعِيدانِ من أَعْيَادِ الجاهلية. تَقَدَّمَ أَنَّ أَنَس بن مالك قال: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فيهما. فقال: ما هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالوا: كُنَّا نَلْعَبُ فيهما فى الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله قد أَبْدَلَكُم بهِما خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى ويَوْمَ الْفِطْر. أَخرجه أَحمد والبيهقى وغيرهما (¬2) {104}. (واليومان) هُمَا يَؤْمَا النيروز والمهرجان. والحديث يَتَضَمَّن النَّهْى عن اللَّعِبِ والفرح فيهما، وأَنه لا ينبغى للمؤْمِن موافَقَةَ الكُفَّار فى تَعْظِيم هَذَيْن اليَوْمَيْن وغيرهما من أَعيادِهم حِفْظاً لدِينِه. (قال) الشيخ زاده الحنفى: ويَكْفُر بخُروجِه إِلى نَيْروزِ المجُوس، والموافقة معهم فيما يَفْعَلُونه فى ذلك اليوم، وبشِرَائِه يوم النيروز شَيْئاً ¬

(¬1) سمى بذلك لزعمهم أن جبرائيل بشر مريم البتول بالحمل بسيدنا عيسى عليه السلام وكان ذلك سنة 5500 خمسة آلاف وخمسمائة من مبدإ الخليقة. (¬2) تقدم رقم 263 ص 316 ج 4 دين (مشروعية صلاة العيد).

لم يكن يَشْتَرِيه قبل ذلك تعظيماً للنيروز، لا للأَكْل والشُرْب، وبإِهْدَائِه فى ذلك اليوم للمُشْرِكِين ولو بيْضَةً تعظيماً له. ولا يَكْفُر بإِجابته دعوةَ مَجُوسىّ وحَلْق رَأْس وَلَدِه (¬1) (ونقل) فى المرقاة عن الحسن بن منصور الحنفىّ أَنه قال: مَن اشْتَرَى شيئاً لم يكُن ليَشْتَرِيه فى غير النيروز أَوْ أَهْدَى فيه هَدِيَّة إِلى غيره، فإِنْ أَراد بذلك تَعْظِيمَ اليوم كما يُعَظِّمَهُ الكَفرَة، فقد كَفر، وإِنْ أَرادَ بالشِّرَاءِ التَّنَعُمَ والتَّنَزُّه، وبالإِهداءِ التَّحَابُبِ جَرْياً على العادةِ، لم يَكُنْ كُفْراً، لكنه مَكْرُوه للتَّشَبُّه بالكَفرَة حينئذٍ، فينبغى التَّحَرُّزَ عنه. اهـ. " وقد سُئِلَ " العلاَّمة ابن حجر الهيثمى: هَلْ يَحِلُ اللَّعِبُ بالْقِسىّ الصِّغار التى لا تنفَعُ ولا تقتل صيداً، بل أُعِدَّت للعب الكُفَّار، وأَكْل الموْز الكَثير المطْبُوخ بالسكَّر، وإِلْبَاس الصِّبْيَان الثِّياب الملَوَّنة بالصُّفْرة تبعاً لاعتناءِ الكَفرَة بهذه فى بعض أَعيادِهم، وإِعطاءِ الأَثواب والمصروف لهم فيه إِذا كان بينه وبينهم تَعَلُّق من كون أَحدهما أَجِيراً للآخر من قبيل تَعْظِيم النيروز ونحوه، فإِنَّ الكَفرَةَ صَغِيرهم وكَبِيرهم، وضِيعهم ورَفِعهم حتى ملُوكهم، يَعْتَنُونَ بهذه القِسىّ الصَّغار واللعب بها، وبأَكْل الموْزِ الكَثِير المطْبُوخ بالسكَّر اعتناءً كثيراً. وكذا بإِلْبَاس الصِّبْيَان الثِّيَاب المصْفرَّة وإِعطاءِ الأَثواب والمصروف لمنْ يَتَعَلَّقَ بهم. وليس لهم فى ذلك اليوم عِبَادَةَ صَنَم ولا غيره. وجماعةً مِنَ المسلمين إِذا رأَوْا أَفعالهم يفْعَلُونَ مِثْلهم. فَهَلْ يَكْفُر أَوْ يَأْثم المسلم إِذا عَمِلَ مثل عَمَلِهم من غير اعتقادِ تَعْظِيم عِيدِهم ولا اقتداءً بهم أَو لا؟ ¬

(¬1) ص 637 ج 1 مجمع الأنهر (الخامس فى التفرقات - المرتد).

(فأَجاب) بقوله: لا كُفْرَ بفِعْل شَئ من ذلك، فقد صَرَّحَ أَصحابنا بأَنَّهُ لو شَدّ الزِّنَار على وسطه أَوْ وَضَعَ على رأْسه قلنْسُوة المجوس، لم يَكْفُر بمجَرَّدِ ذلك. اهـ (فعَدَمَ) كُفْره بما فى السُّؤال أَوْلى، وهو ظاهر، بل فِعْل شَئ مَّما ذُكِر فيه لا يَحْرم إِذا قُصِدَ به التَّشَبُّه بالكُفَّار لا من حيثُ الكُفْر، وإِلاَّ كَانَ كُفْراً قطعاً (فالحاصل) أَنه إِنْ فَعَلَ ذلك بقَصْد التَّشَبُّه بهم فى شِعَار الكُفْر، كَفرَ قطعاً، أَوْ فى شِعَارِ العيد مع قطع النظر عن الكُفْر لم يَكْفُر، ولكنه يأْثم، وإِن لم يقصد التَّشَبُّه بهم أَصْلاً فلا شَئ عليه. قال بعض أَئِمَّتنا: ومن أَقْبَح الْبِدَع موافقةَ المسلمين النَّصارَى فى أَعيادِهم بالتَّشَبُّه بأَكْلهم، والهدِيَّة لهم، وقبول هَدِيَّتهم فيه. وأَكثر الناس اعتناءً بذلك المصْرِيُّون. وقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّه بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم. (بل قال) ابن الحجاج: لا يَحِلّ لمسْلم أَنْ يَبِيعَ نَصْرَانِيًّا شيئاً من مصلحة عيده، لا لحماً ولا أَدْماً ولا ثَوْباً، ولا يُعَارُونَ شيئاً ولو دَابَّة، إِذْ هُوَ معاونةً لهم على كُفْرِهم. وعلى وُلاَةِ الأَمْر مَنْعَ المسلمين من ذلك (ومنها) اهتمامهم فى النَّيْرُوز بأَكْل الهريسة واستعمال البخُور فى خَمِيس العِيدَيْن سبع مرَّات، زاعِمينَ أَنه يَدْفَعُ الكَسَل والمرض، وصَبْغ البَيْض أَصْفر وأَحْمَر وبَيْعِه، والأَدْوِية فى السَّبْت الذى يُسَمُّونَه سَبْت النُّور، وهو فى الحقيقة سَبْتُ الظَّلام، ويَشْتَرُونَ فيه الشِّبث (¬1) ويقولون: إِنه للبَرَكة ويَجْمَعُونَ وَرَقَ الشَّجَر ويلتُّونَها ليلةَ السَّبْت بماءِ يَغْتَسِلُونَ به فيه لِزَوَالِ السِّحْر، ويكْتَحِلُون فيه لزيادَةِ نُور أَعْيُنِهم، ويَدَّهِنونَ فيه بالكبريت والزَّيت، ¬

(¬1) الشبث بكسر فسكون: بقلة.

ويجلسون عَرَايَا فى الشمس لدفع الجَرَب والحكَّة ويطبخُون طعامَ اللبن ويأْكُلُونَهُ فى الحمام، إِلى غير ذلك من البِدَع التى اخْتَرَعُوها. ويجب مَنْعهم من التَّظَاهُر بأَعْيَادِهم (¬1). (وقد) ذكر ابن الحاج فى المدخل فى هذا بحثاً طويلاً يُشْفى غَلِيلَ المستَرْشِدِينَ لَخَّصْنَاهُ فى المنهل العذب المورُود فى شرح حديث الْعِيدَيْن (¬2). (وقال) الحافظ تقىّ الدين فى كتابه اقتضاءِ الصراطِ المستقيم بعد ذِكْر قَوْل عُمَر وابن عمرو السابقين (¬3). وهذا عُمر رضى الله عنه نَهَى عن لِسَانِهم (أَى عن تَعَلُّم لُغَتِهم) وعن مجرَّدِ دُخُول الكَنِيسَة عليهم يوم عِيدِهم، فكَيْفَ بفِعْل بعض أَفعالهم؟ أَو بِفِعْل ما هُوَ من مُقْتَضَيَات دِينِهم؟ أَلَيْسَتْ موافقتهم فى العمل أَعظم من موافقتهم فى اللُّغة؟ أَو ليس بعض أَعمال عِيدِهم أَعظم من مجرَّدِ الدخُول عليهم فى عِيدِهم؟ وإِذا كان السُّخْط ينزل عليهم يوم عِيدِهم بسببِ عملهم، فمنْ يَشْرَكهم فى العمل أَو بعضه أَليس قد يعرض لعقوبة ذلك؟ (وأَمَّا عبد الله) بن عمرو فَصَرَّح أَنه مَنْ بَنَى ببلادِهم وصَنَعَ نَيْرُوزَهُم ومهرجانهم، وتَشَبَّه بهم حتى يموت، حُشِرَ معهم. وهذا يَقْتَضِى أَنه جعله كافراً بمشاركَتِهم فى مجموع هذه الأُمور، أَوْ جَعَلَ ذلك مِنَ الكَبائر الموجِبَة للنّار. وإِنْ كانَ الأَوَّل ظاهر لفظه، فتكون المشاركَة فى بعض ذلك مَعْصِيَة، لأَنه لو لم يكُنْ مؤثراً فى استحقاقِ العقوبة، لم يَجُزْ جعله جزءًا من المقتضِى للعقوبة، إِذ المباح لا يُعَاقب عليه، وليس الذَّم على بعض ذلك مشروطاً ببعض، لأَنَّ أَبعاض ما ذكره يقتَضِى الذَّم مفرداً ¬

(¬1) ص 238 ج 4 الفتاوى الكبرى (باب الردة). (¬2) ص 306 ج 6 المنهل العذب. وانظر أثر 19 و 20 ص 90. (¬3) ص 306 ج 6 المنهل العذب. وانظر أثر 19 و 20 ص 90.

وإِنما ذكر مَنْ بَنَى ببلادِهم، أَنَّهُمْ على عَهْدِ عبد الله بن عمرو وغيره من الصَّحَابة كانوا ممنوعِينَ من إِظهارِ عِيدِهم بدار الإِسلام، وما كان أَحَدٌ من المسلمين يَتَشَبَّه بهم فى عِيدِهم، وإِنما كان يَتَمَكَّن من ذلك بكَوْنِه فى أَرْضِهم (¬1). (وقال) الإِمام أَبو الحسن الآمدى المعروف بابن البغدادى فى كتابه عمدة الحاضر وكفاية المسافر: (فصل) لا يَجُوز شُهود أَعيادِ النَّصَارَى واليهود. نص عليه أَحمد. واحْتَجَّ بقوله تعالى: " وَالَّذِينَ لآ يَشْهَدُونَ الزُّورَ" أَىْ أَعْيَادِهم (¬2)، فأَمَّا ما يبيعون فى الأَسواق فى أَعْيادِهم فلا بأْسَ بحُضُوره. نص عليه أَحمد. وقال: إِنما يمنعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا عليهم بِيَعهم وكنائِسَهم. فأَمَّا ما يُبَاع فى الأَسْوَاق من المأْكَل فلا. وإِنْ قصد إِلى توثير ذلك وتحسِينِه لأَجْلهم. وإِنما رَخَّصَ أَحمد رحمه الله فى شهود السُّوق بشرْط أَلاَّ يَدْخُلوا عليهم بِيَعهم، فعلم مَنْعُه من دُخُول بِيَعهم. وكذلك أَخَذَ الخلاَّل من ذلك المنْعَ من خروج المسلمين فى أَعْيَادِهم (فقد) نص أَحمد على مثل ما جاءَ عن عُمر رضى الله عنه من المنْع من دخُول كنائِسِها فى أَعْيَادِهم. وهو كما ذكرْنا من باب التَّنْبِيه على المنْع من أَن يفْعَلَ كفِعْلِهم. (وأَمَّا) الرطانة وتَسْمِية شُهُورِهم بالأَسماءِ العَجَمِيَّة، فقال أَبو محمد الكِرْمانى: (باب تسمية الشُّهُور بالفارسِيَّة) قُلْتُ لأَحمد: فإِن للفُرْس أَيَّاماً وشُهُوراً يُسَمُّونها بأَسماءٍ لا تُعْرَف؟ فكِهَ ذلك أَشَدَّ الكراهة. قُلْتُ: فإِن كان اسم رَجُل أُسميه به؟ فكرِهَهُ. وقال: وسأَلْتُ إِسحاق: قُلْتُ: ¬

(¬1) مقتبس من ص 95 - اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. (¬2) فقد قال طاوس وابن سيرين وغيرهما: الزور فى الآية، هو أعياد المشركين وقيل مجالس السوء والخنا، وقيل غير ذلك.

تاريخ الكتاب يُكْتَب بالشهور الفارسية مثل آذرماه وذى ماه. قال: إِنْ لم يكُن فى تلك الأَسامى اسم يُكْرَه فأَرْجُو " أَنْ لآ بَأْس به ". وكذلك الأَسماءِ الفارسية. قال: وسأَلت إِسحاق مرةً أُخرى: قُلْتُ: الرَّجُل يتعلَّم شهور الرُّوم والفُرْس؟ قال: كُلّ اسْمٍ معروف فى كلامِهم فلا بأْس، (فما قاله) أَحمد من كرَاهَةِ هذه الأَسماءِ له وَجْهَان: (أَحَدُهُما) إِذا لم يُعْرَف معنَى الاسم جازَ أَن يكُون معْنًى محرماً، فلا يَنْطِق المسلم بما لا يعرف مَعْنَاه. ولهذا كُرِهَت الرقى العجمية كالعبرانية أَو السريانية أَو غيرها، خوفاً أَن يكون فيها معانٍ لا تجوز. وهذا المعنى هو الذى اعتبره إِسحاق. لكن إِذا علم أَنَّ المعنى مكروه فلآ رَيْبَ فى كرَاهَتِه، وإِنْ جَهِلَ معناه فأَحمد كرِهَهُ. (والوجه) الثانى: كراهةَ أَن يَتَعَوَّدَ الرَّجُل النُّطْق بغير العربية، فإِن اللِّسان العربىّ شِعَارُ الإِسلام وأَهله. واللُّغات من أَعظم شعائر الأُمم التى بها يتميزون. ولهذا كان كثير من الفقهاءٍ أَو أَكثرهم يكرهون فى الأَدْعِيَةِ التى فى الصلاة والذكر، أَن يُدْعَى الله أَوْ يُذْكر بغَير العربية. (وقد اختلف) الفقهاءُ فى أَذكار الصَّلآة هَلْ تُقَال بغير العربية؟ وهى ثلاث درجات: أَغلاها القرآن، ثم الذِّكْر الواجب غير القرآن، كالتحريمة بالإِجماع، وكالتحليل والتَّشَهُّد عند مَنْ أَوْجَبَهُما. ثم الذِّكْر غير الواجب من دعاءٍ أَو تَسْبِيحٍ أَوْ تكْبِير. (فأَما) القرآن فلا يقرؤه بغير العربية، سواءٌ قدر عليها أَو لم يقدر عند الجمهور، وهو الصَّواب الذى لا رَيْبَ فيه، بل قد قال غيره واحد:

إِنه يمتَنع أَن يترجم سُورةً أَو ما يقوم به الإِعجاز (واختلف) أَبو حنيفة وأَصحابه فى القادِر على العربية (¬1). (وأَما) الأَذكار الواجبة فاختلف فى ترجمة غير القرآن، هل يُتَرْجَم للعاجز عن العربية وعن تَعَلُّمها؟ وفيه لأَصحاب أَحمد وجهان، أَشبههما بكلام أَحمد أَنه لا يُتَرْجَم، وهو قول مالك وإسحاق، والثانى يُتَرْجَم، وهو قول أَبى يوسف ومحمد (¬2) والشافعى. (وأَما) سائر الأَذكار فالمنصوص أَنه لا يُترجمها، ومتى فعل بطلَتْ صلاته، وهو قول مالك وإِسحاق وبعض أَصحابِ الشافعىّ، والمنصوص عن الشافعىّ أَنه يُكْرَه ذلك بغير العربية ولا يُبطل، ومن أَصحابنا مَنْ قال: له ذلك إِذا لم يُحْسِن العربية. (وأَما) التَّكَلُّم بالْعَجَمِيَّة من غير حاجةٍ فى أَسماءِ الناس والشُّهُور، كالتواريخ ونحو ذلك، فهو مَنْهِىٌّ عنه مع الجهل بالمعنَى بلا ريب، وأَمَّا مَعَ العِلْم به فكلام أَحمد بَيِّن فى كرَاهَتِه أَيضاً، فإِنه كرِهَ آذرماه ونحوه ومعناه ليس محرماً، وأَظُنّه سُئِلَ عن الدعاءِ فى الصَّلاة بالفارَسِيَّة فكرِهَهُ وقال: لِسَان سُوءٍ، وهو أَيضاً قد أَخذ بقول عُمر رضى الله عنه الذى فيه النَّهْى عن رطانَتِهم وعن شُهُودِ أَعْيَادِهم، وهذا قَوْل مالك أَيضاً، فإِنه قال: لا يُحْرِم بالعجمية ولا يَدْعُو بها ولا يَدْعُو بها ولا يَحْلِف بها، وقال: نَهَى ¬

(¬1) فقال النعمان: تجوز القراءة بغير العربية ولو قادراً عليها. وقال الصاحبان: لا تجوز القراءة بغير العربية إلا لمن عجز عنها. وقد تقدم بيانه فى بحث (من عجز عن القراءة بالعربية)، ص 145 ج 2 دين، طبعة ثانية. (¬2) تقدم فى (بحث شروط التحريمة والتشهد الأخير) أنهما يصحان عند الحنفيين بغير العربية ولو من قادر عليها.

عُمر رضى الله عنه عن رطانة الأَعاجم وقال: إِنَّهَا خَب. فقد استَدَلَّ بنَهْى عُمر عن الرطانة مطلقاً. اهـ ملخصاً (¬1). (أَما) شَمّ النَّسِيم وما أَدْرَاك ما شَمّ النَّسِيم؟ فهو عادة ابْتَدَعَها الأَقْبَاط لتعظيم يوم البشارة، وليتذكَّرُوا الحوادِث المهِمَّة التى جَرَتْ وتَجْرِى فيه. وقد اتخذه وللأَسَف المصْرِيُّون عُمُوماً حُكُومةً وشَعْباً (إِلاَّ مَنْ عَصِمَهُ الله) عِيداً وشِعَراً قوميًّا، تُعَطَّلُ فيه مصالح الحكُومة والمدارس والمعاهد، ويُقْفَل كَثِيرٌ من المحالّ التِّجارية فيه والصِّناعية، وتُفْتَحُ أَبوابُ الحاناتِ ودور الملاهى والفُسُوق، ويُرْتكَبُ فيه ما يُرْتكَبُ مَّما يزْرِى بالفَضِيلة، وتأْبَاهُ المرُوءَة، ويَأْبَاهُ الذوق السَّليم، ويَغْضَبُ له الحليم. يخرج كَثِيرٌ من سُكَّان المدُنِ والقُرَى إِلى المتنَزَّهات الوَاسِعَة، والحدائق النَّضِرَة، فَتَرَى الطرقات قد ثَارَ غُبَارُها وعَلآ ضَجِيج المارة بها، ومنهم السَّفَلَة (¬2) الفَسِدُو الأَخْلاَق، يفُوهُون بما تَمُجُّه الأَسماع، وتَأْنَفُ منه الطِّبَاع، وتَأْبَاهُ الكرَامة. وترَى السَّيَّارات والقُطُر قد مُلِئَتْ بأْنَاسٍ تَبَايَنَتْ أَخْلآقُهم، واخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُم، يَمُوجُ بعضُهم فى بعض بين شِيبٍ وشُبَّان، ونِسَاءٍ وَوِلْدَان، جَلِسينَ وواقِفِينَ ومُسْتَمسِكِين بقوائم المركَّبات، والجميع يَئِنُّ من هَوْل الزِّحام. وترَى السُّفُن صَغِيرة وكَبِيرة تَجْرِى فى النِّيل مملوءَةً بالشُّبَّان والكُهُول والنِّساءِ مختلطاتٍ بأَهْل الفُسُوق يَفْسُقُون ويَفْجُرُون، وَيُفْرِطون فى الشَّهَوَات واللَّذَّات، وتَنَوُل المسْكِرَات، ويُهْمِلُون الطَّاعَات كأَنَّ هذا الْيَوْمَ قد أُبِيحَتْ لهم فيه الخبائِث، ورُفِعَتْ فيه عنهم التَّكَالِيف وكَثِيراً ما يَقَعُ فى هذا اليوم من مُنْذِرَاتِ الإِغراقِ والإِحراقِ والصَّدَمات ¬

(¬1) من صفحة 95 إلى 97 اقتضاء الصراط المستقيم. و (الخبء) بفتح الخاء وكسرها: الخداع. (¬2) يقال للأراذل سفلة بفتح فكسر، ويجوز التخفيف فيقال سفلة بكسر فسكون.

3 - ميلاد المسيح عليه السلام

والسَّرِقات، ما به يتَّعِظُ المتَّعِظ، ويَعْتَبر، فيَثُوبَ إِلى رُشْدِه، ويَتُوبَ من ذَنْبِه، ويُنِيبَ إِلى رَبَّه، ولكن لا مُعْتَبِر ولا مُتَّعِظ ولا ثَائِب ولا تَائِب ولا مُنِيب، بل هُم قَوْمٌ غَلَبَتْ عليهم الشِّقْوَة: " أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، أَلآ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِروُنَ "، وسَيَنْدَمُونَ ويقولون: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فى أَصْحَابِ السَّعِيرِ. وَأُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَروا الضَّلالةَ بالْهُدَى، والجَحِيم بالنَّعِيم، والْغِوَاية بالرَّشاد، والْعِمَايَة بالسَّداد، فما رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وما كَانُوا مُهْتَدِين. (أَمَّا أَنْتُم) أَهْلُ الَّمْع والعَقْل والطَّاعة، وطَالِبى التوفيق والْهِدَاية، فالْزَمُوا أَنْتُم وأَهْلكُم وذَوُوكُم مَسَاكِنَكُم فى هذا اليوم المشْئُوم، واسْلُكُوا سبيلَ الْبَرَرَة المتَّقِين، واهْتَدُوا بِهَدْى رسُول رَبِّ العالمين، تَسْعَدُوا وتَفُوزُوا بالرِّضْوان وتَبْلُغُوا الآمال، ولا تُشَارِكُوا المفْرِطِين والأَجانب فى مواسمهم، ولا الفَاسِقين فى فُسُوقِهِم وفُجُورِهم. وَلآ ترْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ. ولكُم من أَعْيادِ المسْلمين التى شرَعَها لكُم رَبُّ العالمين على لِسَان نَبِيِّهِ الأَمِين، نِعْمَ الْبَدَل، تَبْلُغُونَ فيها حَاجَتَكُم مِنَ الرَّاحة والسُّرُور والْهِدَاية والتوفيق. 3 - ميلاد المسيح عليه السلام يحتفلُ الأَقباط بميلادِ سيدنا عيسَى عليه الصلاة والسلام فى 29 كيهك الموافق 7 يناير، ويشاركهم فيه بعض المسلمين ولا سيما جَهَلَةَ النِّساءِ وهو مِنَ الْبِدَع المنْكرَة والعوائد المستَقْبَحَة فى تعظيم مواسِم أَهل الكِتَابِ ومشاركَتِهم فيها وإِعانَتِهم على باطِلهم.

4 - ليلة الغطاس

(قال) ابن الحاج: ومن ذلك ما يَفْعَلَهُ النِّسَاءُ موافقةً للنَّصَارَى فى مَوْلد عِيسَى عليه الصلاة والسلام، وهو أَنَّهُنَّ يَعْمَلْنَ صَبِيحةَ ذلك اليوم عَصِيدةً يَرَى الكَثيؤ مِنْهُنَّ أَنه لآبُدّض من فِعْلِها، ويَزْعُمْنَ أَنَّ مَنْ لم يَفْعَلْها أَوْ يَأْكُل منها فى ذلك اليوم يَشْتَدُّ عليه البرد فى سَنَتِه ولا يَحْصُل له فيها دِفْءٌ ولو لَبِسَ مِنَ الثِّيَابِ ما لَبِسَ، ومع كَوْنِ اعتيادِ هذا بِدْعَة فالشَّاهِد يُكَذِّب ما افْتَرَيْنَهُ، وكأَنَّهُنَّ يُشرِّعْنَ من تلقاءِ أَنفسهن. نَعُوذَ باللهِ مِنَ الضَّلال. اهـ ملخصاً (¬1). 4 - ليلة الغطاس ومن مواسمهم عِيد الْعِماد (الْغِطَاس) يحتفلُ به الأَقباط فى 11 طوبة، الموافق 9 يناير، تذكاراً لِعماد السيِّد المسيح فى نهر الأُردن على يد يُوحَنَّا المعمدان. هكذا يَزْعُم بعضُهم. ومنهم مَنْ يَزْعُم أَنَّ مريم اغتْتَسَلَتْ فيه من النِّفَاس، ويُشَارِكَهُمْ فيه بعض جَهَلَةِ المسلمين. وهُوَ مِنَ العوائد المسْتَهْجَنَة، وفيه ما فى غيره من المفاسِد والخروج عن جَادَّةِ الصَّواب. (قال) ابن الحاج: ومن ذلك ما يَفْعَلُونَهُ فى مَوْسِم الْغِطَاس، وهو اليوم الذى تَزْعم النَّصَارَى أَنَّ مريم عليها السلام اغْتَسَلَتْ فيه من النِّفَاس، فاتخذ النِّصَارَى ذلك سُنَّةً لهم فيغْتَسِلُونَ فى تلك الليلة كَبِيرهم وصَغِيرهم وذكرهِم وأُنْثَاهُم حتى الرَّضِيع، فَتَشَبِّهَ بهم بعض المسلمين واتخذوا ضلك مَوْسِماً يَزِيدُونَ فيه النفقةَ ويُدْخِلُون فيه السُّرُورَ على أَوْلآدِهم بأَشياءَ يَفْعَلُونَهَا فيه. وفى هذا من التَّعْظِيم لمواسِم أَهْل الكِتَابِ ما سَبَقَ فى غيره، وبعض مِن انْغَمَسَ فى الجهل من المسلمين يَغْطَسُ فى تلك اللَّيلة كما ¬

(¬1) ص 308 ج 1 مدخل الشرع الشريف (مولد عيسى عليه الصلاة والسلام).

5 - خميس العدس

يَغْطَسُون، ومن أَشْنَع ما فيه أَنَّهُم يَزُفُّونَ فيه بعض عِيدَانِ القَصَبِ وعليها الشُّمُوع الموقّدَة والفاكهة وغير ذلك. وبعضُهم يُهْدِى ذلك للقَابِلة (الدَّاية) ويتَهَادُون فيه بأَطْنَانِ القَصَب وغيره. اهـ بتصرف (¬1) 5 - خميس العدس ومنها عِيد خَمِيس الْعَهْد أَو الْعَدَس، يحتفلُ به الأَقباط فى 17 برمودة، الموافق 25 إِبريل، تذكاراً لشهادةِ يعقوب الرَّسُول ابن زبدى سنة 36 ميلادية. ويُشَارِكَهُمْ فيه بعض المسلمين. وفى هذا العار والَّنَار وغَضَبِ العَزِيز الجبَّار، فقد ارتُكِبَتْ فيه منكرات تَبْرَأُ منها الإِنسانية وتَأْباها المروءَة. (قال) ابن الحاج: وقد اتخذت فيه أِشياءَ لا تنبغى (فمنها) خروج النِّسَاءِ فى ذلك اليوم لِشرَاءِ البخُور والخواتم وغيرها. فمنْ يمُرّ بالسُّوق يَرَى مشَقَّةً عظيمةً لزحمةِ النِّسَاءِ، وقد يُزاحمهن مَنْ لا خَيْرَ فيه. ولا يَخْفَى ما فى خُرُوجِهنَّ واجتماعهن بالرجال من المفاسِد التى لا دَوَاءَ لها فى الغالب، ولو أَنَّ رَجُلاً منَعَ أَهْله من الخروج فى ذلك اليوم، لَوَقَعَ التَّشْوِيش بينهما، وقد يَؤُول الأَمر إِلى الفراق. وقد قال مالك رحمة الله: ينبغى أَن يُرْفَع إِلى السلطان ما أَحْدَثَهُ النِّسَاءَ من جِلُوسهِنَّ عند الصَّوَّاغِينَ حتى يمتنعْنَ من ذلك. اهـ (وإِنما) خَصَّ مالك الصَّوَّاغِين لأَنَّ النِّسَاءَ فى زَمَنِه لم يكُنَّ يفْعَلْنَ ذلك إِلاَّ عندهم، وقد كانُوا فى القُرُون المشهود لهم بالخيرية، ونحنُ فى هذا الزمان فى الغالب النِّسَاءَ، حتى إِنَّ المرأة تَشْتَرى لِزَوْجِهَا ما يحتاجه من لباسِه الخاصّ. وهذا سببه تَسَاهُل الرِّجال وترك ¬

(¬1) ص 309 منه (موسم الغطاس).

6 - سبت النور

النِّسَاءَ يرتكِبْنَ ما تَهْوَاهُ نُفوسِهِنَّ، مهملين بقوله تعالى: " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ "، ومما أَحْدَثُوه فيه استعمالَ البخُور لهنَّ وللرِّجال، فيبخرون به، ثم يتخطونه سَبْع مَرَّات، ثم ينفضُون عليه أَيْدِيهم وأَرْجُلَهم ويتفلُون عليه، ويزعمون أَنَّ ذلك يَصْرِفُ عنهم الْعَيْنَ والكَسَلَ، والوعْكَةَ من الجسَد، ويتكَلَّم مِنْ يرقى البخُور بكلام لا يُعْرَف، ولعلَّهُ كُفْر. (ومن) ذلك استعمالهم فيه العَدَس المصَفَّى، وإِنْ كان جائزاً، فالْبِدْعَة تَحَرِّيهم له فى ذلك اليوم أَلواناً يَلْعَبُ به الأَولاد وغيرهم، وتَعَدَّى ذلك إِلى أَنْ صر المقامِرُونَ وغيرهم يَلْعَبُونَ به جَهَاراً ولا أَحَد يُنْكِر عليهم (ومن) ذلك شراؤهم فيه السَّلاحِفَ يزعمون أَنَّهَا تَطْرُد بالابتداع، وإِنما يَنْطرِد بالاِّتباع، فكُلّ ما يفْعَلُونه من ذلك ونحوه من البِدَع المسْتَهْجَنة والعوائد الذَّمِيمَة، وفيه تعظيم مواسم أَهْل الْكتِاب وتَشْجِيعِهِم على باطِلهم، لأَنهم إِذا رأَوا المسلمين يتَشَبَّهُون بهم فى تعظيم مواسمهم يقوى ظَنّهم بأَنَّ ما هُمْ عليه هو الحق. وقد تقَدَّم قُبْح ما أَحْدَثُوه فى النَّيْرُوز، فأَغنى عن ذِكْر مثله هنا، إِذ المعنى فيهما واحد، وهو تعظيم مواسِم أَهْل الكِتَاب وارْتِكاب الْبِدَع. نسأَل الله السلامة. اهـ بتصرف (¬1). 6 - سبت النور زمنها مَوْسِم سَبْتُ النُّور، يحتفلُ به الأَقباط يوم 19 برمودة، الموافق 27 إِبرايل، تذكاراَ لشهادة سمعان الأَرْمنى أَسقف الفُرْس. ويُشاركهم فيه بعض جَهَلَةِ المسلمين فى كَثِير من العوائد المستَقْبَحَة ¬

(¬1) ص 305 ج 1 مدخل الشرع الشريف (خميس العدس).

(قال) ابن الحاج: اليوم الذى يَزْعُمون أَنه سَبْتُ النُّور، هو لعمر الله بِضِدِّ هذه التَّسْمِية أَلْيَق، لَيْتَ ذلك لو كان فى عَوَامّ النَّاس، لكن تجد بعض الخاصَّة ممن ينسب إِلى عِلْمٍ أَوْ صلاحٍ يُسَمُّونَهُ بهذه التَّسمِية تعظيماَ له، ويُشَارِكُونَهُمْ فى أَفعالهم الذَّمِيمَة (ومنها) أَنهم يَجْمَعُونَ فى أَمْسِه ورق الشَّجر فيبيِّتُونَهُ فى إِناءٍ فيه ماءٍ ويَغْتَسِلُونَ به، ثم يأْخُذُون ما اجتمع من غُسْلِهم ويُلْقُونَهُ فى طريق المسلمين وفى مفرق الطُّرُق، ويَزْعُمون أَنَّ ذلك يُذْهِب عنهم الأَمراض والأَسْقام والكَسَل والعَيْن والسِّحْر وغير ذلك، وأَنَّ مَنْ يمرّ به تُصِيبه تلك الْعِلَل، وينتقل ما كان عليه إِلى مَنْ تَخَطَّاه من المارِّين، وهذا لو كان صحيحاً لكَانَ قَصْدهم لذلك محرماً، إِذ فيه قَصْد أَذِيَّة المسلمين (وقد) وَرَدَ فى الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أَنه قال: المؤمن يُحِبّ لأَخِيه المؤمن ما يُحِبّ لِنَفْسِه (¬1). ومن ذلك " قوله " عليه الصلاة والسلام: مَنْ حَفرَ لأَخِيه المؤمن حُفْرَةً أَوْقَعَهُ الله فيها (¬2). " وقوله " عليه الصلاة والسلام: مَنْ غَشَّنَا فليس مِنَّا (¬3) {107}. ¬

(¬1) هو معنى " حديث " لا يؤمن أ؛ دكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. أخرجه السبعة إلا أبا داود عن أنس (105) ص 18 ج 1 تيسير الوصول، وص 43 ج 1 فتح البارى (من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وص 19 ج 1 سنن ابن ماحه (الإيمان). (¬2) هذا مثل وليس بحديث .. وقد ورد بلفظ: من حفر لأخيه قليباً (أى بئراً) أوقعه الله فيه قريباً (قال) الحافظ ابن حجر: لم أجد له أصلا (وعن) كعب الأحبار أنه سأل ابن عباس: من حفر مهواة كبه الله فيها (فقال) ابن عباس: إنا نجد فى كتاب لله: " ولا يحيق لمكر السيئ إلا بأهله ". ذكره العجلونى فى كشف الخلفاء ص 245 ج 2 (وقد ورد) فى معناه عدة أحاديث (منها) حديث: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ولمؤمن من أمنه للناس على دمائهم وأموالهم. أخرجه أحمد والترمذى والنسائى والحاكم وابن حبان عن أبى هريرة (106) ص 18 ج 1 تيسير الوصول. وزاد الحاكم: والمجاهد بن جاهد نفسه فى طاعة الله. والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب. (¬3) أى ليس على طريقتنا التى هى الزهد فى الدنيا وعدم الشره والطمع الباعثين على الغش (والحديث) أخرجه الطبرانى فى الصغير والكبير وأبو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود بسند رجاله ثقات. انظر رقم 8881 ص 186 ج 6 فيض القدير. وفى سنده عاصم بن بهدلة سيئ الحفظ، ولذا ضعفه السيوطى الله: وما الغش؟ قال: أن يبتدع لهم بدعة فيعمل بها. أخرجه الدارقطنى عن أنس (108) ص 431 راموز الأحاديث.

(الرابع) النوافل

(ومن) ذلك اكْتِحَالهم فى صَبِيحة ذلك اليوم بالسَّذاب أَو الكحْل أَو الكحْل الأَسْود أَو غيرهما، ويَزْعُمونَ أَنَّ مَن اكْتَحَلَ من ذلك يَكْتَسِب نُوراً زائداً فى بَصَرِه يَرَى به الخِشَاش (¬1) فى طول سَنَتِه ولا يخفى عليه منه شَىْءٌ، وذلك تَحَكُّم منهم، والشاهد يكذب ذلك حِسًّا ومَعْنًى. (ومن ذلك) ما يفعلونه مِن شُرْبِ الدَّوَاءِ فى ذلك اليوم ويَزْعُمونَ أَنَّ شُرْبَ الدواء فيه ليس كَغَيْره مِنَ الأَيام. وفى ذلك تَعْظِيمٌ له كما تَقَدَّم (¬2). ولهم أَعْيَادٌ أُخرى كلها من هذا الْقَبِيل. (الرابع) النوافل هى جَمْع نَافِلة، وهى لُغَةً الزِّيادة. وشرعاً الْعِبَادَة التى ليست بفرْض ولا واجب، فهى تشمل الرواتب التابعة للفرائض الخمس - وقد تقَدَّمَنْ فى سُنن الصَّلاة - وغير الرواتب، ومنها المؤقت وغيره، وآكدها صلاة الكُسُوفِ ثم الاستسقاءِ ثم التَّرَاويح ثُمَّ قِيَام الليل. وهى كَثِيرة المذكُور منها ثمانى عَشَرة وبحْثَان. 1 - صلاة الكسوف الكُسُوف لُغَةً: التَّغَيُّر إِلى السَّوَاد، يقال: كسفت الشَّمْس إِذا اسْوَدَتْ. وسببه حَيْلُولة القَمَر بين الأَرْض والشَّمْس. والخُسوف لُغَةً: ¬

(¬1) (السذاب) بفتح السين: بقل معروف. و (الخشاش) بكسر الخاء وقد تفتح الحشرات. (¬2) ص 306 ج 1 مدخل الشريف (اليوم الذى يزعمون أنه سبت النور).

الذهاب. يقال: خسف القمر إِذا ذَهَبَ ضَوْءُه. وسببه حَيْلُولة الأَرْض بين القَمَر والشَّمْس. (وقد) وَرَدَ ذِكْر الكُسُوف والخسُوف للشَّمْس والقَمَر، فروى فيهما بالكافِ وبالخاءِ. وروى فى الشَّمْس بالكافِ وفى القَمَر بالخاءِ، وهو الكَثِير فى اللغة هذا. وصلاة الكسُوف سببها كُسُوف الشَّمس وخُسُوف القَمَر. وهى مَشْرُعة بالسُّنَّة وإِجماع الأُمة (رَوَتْ) عائشةَ رضى الله عنها أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عند كُسُوف الشَّمْس ثم قال: إِنَّ الشْمْس والقَمَر لا ينكَسِفَانِ لموْتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه، ولكِنَّهُما آيتان من آياتِ اللهِ تعاى يُرِيهما عِبَاده، فإِذا رَأَيتم ذلك فافْزَعُوا إِلى الصَّلاة أَخرجه السبعة مطولاً إِلاَّ الترمذى (¬1) {109} ثم الكَلام فىتِسْعة فرُوع. 1 - حكمها: هىا سُنّة عند الجمهور حملاً للأَمر الوارد بها على السُّنِّية لانحصار المفروض مِنَ الصّلواتِ فى الخمس " قال " طلحة بن عبيد الله: جاءَ أَعرابيّ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الإِسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَمْسُ صلواتٍ فى اليوم واللَّيْلَة. قال: هَلْ علىَّ غَيْرَهُنَّ؟ قال: لا، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. وذكر له النبىَّ صلى الله عليه وسلم صِيَامَ رمضانَ. قال: هَلْ علىِّ غَيْره؟ قال: لا، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. وذكرَ له النبىُّ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ. قال: هَلْ علىَّ غيرها؟ قال: لا، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. قال: فأَدبر الرَّجُل وهو يقول: والله ¬

(¬1) ص 200 ج 6 الفتح الربانى، وص 360 ج 2 فتح البارى وفيه: فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا (الصدقة فى الكسوف) وص 201 ج 6 نووى مسلم (الكسوف) وص 2 ج 7 المنهل العذب (صلاة الكسوف) وص 215 ج 1 مجتبى (نوع آخر عن عائشة) وص 197 ج 1 سنن ابن ماجه (باب ما جاء فى صلاة الكسوف).

لا أَزِيدُ على هذا ولا أَنْقُص. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلمم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ. أَخرجه أَحد والبخارى وأبو داود (¬1) {110}. (وقال) أَبو عوانة: إِنَّهَا واجبةٌ حملاً للأَمر على الْوُجُوب. وروى عن أَبى حنيفة. والمشهور عنه أَنَّهَا سُنَّة. وحَكَى النَّوَوِى الإِجماع عليه. 2 - شروطها: يُشْتَرَطُ لها ما يُشْتَرَطُ لغيرها مِنَ الصَّوات، إِلاَّ أَنَّهَا لآ وَقْتَ لها مُعَيَّن، لأَنَّ سبَبَها الكُسُوف وهو يقَعُ فى أَىِّ وَقْتٍ ولو وقت النَّهْى عن الصلاة. وبه قال الشافعى (وقال) الحنفِيُّون والحنبلِيُّون: لا تُصَلَّى فى أَوقاتِ الكَرَاهة، فإِذا كسَفَت الشَّمْس وقت الاستواءِ أَو بَعْدَ العَصْر، دعوا بلا صلاة (قال) أَبو القاسم عمر الخرقى الحنبلى: وإِذا كان الكُسُوف فى غير وقت الصلاة (¬2) جَعَل " النَّاس " مكانَ الصَّلاةِ تَسْبِيحاً، لأَنَّ النافلة لا تفعل فى أَوقات النَّهْى، سواءٌ أَكَان لها سبب أَمْ لم يكُنْ عند غير الشافعى (قال) أَبو محمد عبد الله بن قدامة: روى ذلك عن الحسَن وعطاءٍ ومالك وأَبى حنيفة خلافاً للشافعى. ونص عليه أَحمد (قال) الأَثْرَم: سمعتُ أَبا عبد الله يُسْأَلُ عن الكُسُوف يكُون فى غير وقت الصلاة كَيْفَ يَصْنَعُون؟ قال: يذكُرونَ الله ولا يُصَلُّونَ إِلاَّ فى وقت صلاة. قِيلَ له: وكذلك بعد الفجر؟ قال: نعم لا يُصَلُّون. (قال) قتادة: انكَسَفَتِ الشَّمْسُ بعد العصر ونحنُ بمكة فقامُوا قياماً يَدْعُون، فسأَلْتُ عن ذلك عطاءَ. قال: هكذا يَصْنَعُون. فَسَأَلْتُ عن ذلك الزُّهرى. قال: هَكَذَا يَصْنَعُون {21}، وروى عن أَحمد أَنهم يُصَلُّونَ للكُسُوف فى ¬

(¬1) ص 68 ج 1 الفتح الربانى، وص 78 ج 1 فتح البارى (الزكاة من الإسلام) وص 276 ج 3 المنهل العذب (الصلاة). (¬2) (فى غير وقت الصلاة) يعنى فى غير وقت حل النافلة.

أَوقات النَّهْى (قال) أَبو بكر عبد العزيز: وبالأَول أَقُول. وهو أَظهر القَوْلَيْن عِنْدِى (¬1). (وقالت) المالكية: وَقْتَها من وقت حِلّ النافلة إِلى الزَّوَال، وقِيلَ إِلى صلاة العصر (والراجح) أَنه لا وَقْتَ لها مُعَيَّن، لأَنَّ المقصود فِعْلَ هذه الصَّلاة قبل الانجلاءِ، وقد اتفقوا على أَنَّهَا لا تُقْضىَ بعده، فلو انحصرت فى وقتٍ لأَمْكَنْ الانجلاءَ قبله فيفُوت المقصود (قال) الحافظ: وَلم أَقف على شَىْءٍ من الطرق مع كثرتها أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ما صَلاَّها إِلاَّ ضُحًى، لكِنَّ ذلك وقَع اتفاقاً، فلا يدل على منع ما عَدَاه، واتفقت الطرق على أَنه صلى الله عليه وسلم بادَرَ إِليها (¬2). 3 - عددها: هى ركْعَتَان بلا زِيادة عند الجمهور. وهو ظاهر الرِّوَاية عند الحنفيين. فإِنْ فرغوا منها قبل انجلاءِ الشَّمْس دَعُوا الله تعالى حتى تَنْجِلى " لقول " أَبى بَكْرة: كَسَفَتِ الشَّمْس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حتى أَتَى المسجدَ وثَابَ النَّاس فَصَلَّ ركعَتَيْن فَجُلِّى عنها، ثم أَقبل علينا فقال: إِنَّ الشَّمس والقَمَر آيتانِ من آياتِ الله تعالى يُخَوِّف بهما عبادَهُ ولا ينكَسِفَانِ لموْتِ أَحَدٍ - وكان ابنه إِبراهيم عليه السَّلام مَاتَ - فإِذا رَأَيْتُم منهما شيئاً فَضَلُّوا وادْعُوا حتى إِبراهيم يَنْكَشِفَ منهما ما بِكُم. أَخرجه أَحمد والبخارى والنسائى (¬3) {111}. ¬

(¬1) ص 282 ج 2 مغنى (الكسوف إذا وقع فى غير وقت الصلاة). (¬2) ص 359 ج 2 فتح البارى. الشرح (الصلاة فى كسوف الشمس). (¬3) ص 192 ج 6 الفتح الربانى، وص 358 ج 2 فتح البارى (الصلاة فى كسوف الشمس) وص 22 ج 1 مجتبى. ولم يبين فى الحديث كيفية صلاة الكسوف وفى رواية للنسائى عن ابن بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين مثل صلاتكم هذه. وذكر كسوف الشمس.

(وبه) قال جماعة من الصَّحابة (وعن) أَبى حنيفة أَنَّ أَقَلَّهَا ركعتان وإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعاً أَو أَكْثر، كل شفع أَو أَربع بتَسْليمة " لقول " جابر ابن عبد الله: سمعتُ النبىَّ صلى اتلله عليه وعلى آله وسلم يقول: " إِنَّ الشَّمْسَ والقمَرَ إِذا خَسَفَا أَو أَحدهما، فإِذا رَأَيتم ذلك فَصَلُّوا حتى يَنْجِلى خُسُوف أَيهما خَسَفَ ". أَخرجه أَحمد (¬1) {112}. " ولقول " المغيرة بن شعبة: انْكَسَفَتِ الشَّمْس على عَهْدَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَوْمَ ماتَ إِبراهيم، فقال الناس: انْكَسَفَتْ لموْتِ إِبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيتانِ من آياتِ الله لا يُنْكَسِفَانِ لموتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه، فإِذا رَأَيْتُمُوه فادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حتى تَنْكَشِفَ ". أَخرجه أَحمد والشيخان (¬2) {113} " ولقول " النُّعْمان بن بَشِير: كَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان يُصَلِّى ركعتين، ثم يسأَل، ثم يُصَلِّى ركعتين، ثم يسأل حتى انْجَلَت الشمس (الحديث) أَخرجه أَحمد وأَبو داود والحكم وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين (¬3) {114}. (فهو) دَلِيلٌ على جواز صلاةِ الكُسُوف ركعتَيْن ركعتَيْن كصلاةِ ¬

(¬1) ص 176 ج 6 الفتح الربانى. ولم أقف عليه اللفظ لغير الإمام أحمد، وفى سنده ابن لهيعة. (¬2) ص 173 ج 6 الفتح الربانى، وص 359 ج 2 فتح البارى (الصلاة فى كسوف الشمس) وص 218 ج 6 نووى مسلم. وإبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم، ولد فى جمادى الأولى سنة 9 من الهجرة، وتوفى فى 29 شوال سنة عشر، الموافق 27 يناير سنة 632 م على ما ذكره المرحوم محمود باشا الفلكى فى نتائج الأفهام، فى تقويم العرب قبل الإسلام، وضعها الفرنسية، وترجمها العلامة أحمد باشا زكى " أما رواية " أنه ولد فى ذى الحجة سنة ثمان، وتوفى فى ربيع الأول سنة عشر " فقد " رواها الواقدى بسند منقطع لا تقوم به حجة، والواقدى متكلم فيه (فإذا رأيتموه) أى الكسوف للشمس والقمر. (¬3) ص 194 ج 6 الفتح الربانى، وص 41 ج 7 المنهل العذب (من قال يركع ركعتين) وص 332 ج 1 مستدرك.

النوافل حتى تَنْجَلى الشَّمْس (قال) الشيخ إِبراهيم الحلبى: وعن أَبى حنيفة رضى الله عنه: إِنْ شاءُوا صَلُّوا ركعتين، وإِنْ شاءُوا أَربعاً، وإِنْ شاءُوا أَكثر (لحديث) النعمان ابن بَشِير. ولكنَّ هذا غير ظاهِر الرواية. وظاهِر الرواية هو الركْعَتَان ثم الدعاءَ إِلى أَنْ تَنْجَلى الشَّمْس. وهو مُخَيَّر إِنْ شَاءَ دَعَا مُسْتقبلاً جالساً أَو قائماَ أَو يستقبل القوم بوجهه يَدْعُو ويؤمنون. وهذا أَحسن (¬1). (وأَجاب) الأَوَّلُون باحْتِمال أَن يكُون معنى قوله: ركعتين، أَى ركُوعَيْن وأَن يكون السؤال بالإِشارة (ورَدّ) بأَنَّ هذا احتمال فاسِد يَرُدّه قول النعمان بن بَشِير: كان يُصَلِّى ركعتين ثم يَسْأَل حتى انْجَلَت الشمس (قال) البدر العينى: تَأْوِيل ركعَتَيْن بركُوعَيْن تَأْوِيلٌ فاسِد باحتمال غير نَشِئٍ عن دليل وهو مَرْدُود (فإِنْ قُلْت) فعلى ما ذكرت فَقَدْ دَلَّ الحديث على أَنه يُصَلَّى للكُسُوف ركعتان بعد ركعتَيْن. ويُزَاد أَيضاً إِلى وَقْتَ الانجلاءِ. فأَنتم ما تقُولون به (قلت) لا نسلم ذلك. قد رَوَى الحسن عن أَبى حنيفة: إِنْ شَاءُوا صَلُّوا ركعتين. وإِنْ شَاءُوا صَلُّوا أَرْبَعاً، وإِنْ شَاءُوا صَلُّوا أَكْثر من ذلك. ذكر فى المحيط وغيره (فَدلَّ) ذلك على أَنَّ الصلاةَ إِنْ كانت بركعتَيْن يُطَوّل ذلك بالقراءَةِ والدعاءِ فى الركُوع والسُّجود إِلى وقت الانجلاءِ. وإِنْ كانت أَكْثَرَ من ركعتَيْن فالتَّطْويل يكُون بتكْرَار لركعات دون الركُوعات " وقولهم " وأَن يكُونَ السؤال وقع بالإِشارة " يَرُدّه " ما أَخرجه عبد الرزاق بإِسناد صحيح ن أَبى قلابة أَنه صلى الله عليه وسلم كُلَّما ركَعَ ركعتَيْن أَرْسَلَ رَجُلاً لينظر هَل انْجَلَتْ؟ {155} (فهذا) يَدُلُّ على أَنَّ السؤال فى حديث النعمان كان ¬

(¬1) ص 426 غنية المتملى (تتمات من النوافل).

بالإِرسال لا بالإِشارة، وأَنه كُلَّما كان يُصَلَّى ركعتَتَيْن على العادة يُرْسِلُ رَجُلاً يكْشِفُ عن الانجلاءِ (¬1). 4 - النداء لصلاة الكسوف: تُؤَ ... دَّى صلاة الكُسُوفِ بلا أَذَانٍ ولا إِقامة ويُسَنُّ أَن يُنَادَى لها: الصَّلآةُ جامِعَة (¬2)، وهذا مُتَّفَقٌ عليه " لقول " عائشةَ رضى الله عنها: كَشَفَت الشَّمْس فأَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فَنَاَى: إِنَّ الصَّلاةَ جامِعة. أَخرجه أَبو داود (¬3) {116}. "ولقول " عبد الله بن عُمر: لَمَّا كَسَفَت الشمس على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم نُدِىَ: أَنَّ الصَّلآة جامِعَة. أَخرجه الشيخان (¬4) {117}. 5 - القراءة فى صلاة الكسوف: يُسَنُّ أَن تُطَالَ فيها القراءَة وأَن تكون سِرًّا " لقول " ابن عباس: خَسَفَت الشَّمْس فَصَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم والنَّاس معه فقَامَ قياماً طويلاً بنحو من سورة البقرة، ثم ركَعَ ركوعاً طويلاَ. (الحديث) أَخرجه الأَئِمة والنسائى والبيهقى (¬5) {188}. ¬

(¬1) ص 65 ج 7 عمدة القارى " استنباط الأحكام " من حديث أبى بكرة السابق رقم 111 ص 107 (عددها). (¬2) " الصلاة جامعة " بالنصب فيهما على الحكاية. والصلاة فى الأصل منصوبة على الإغراء، وجامعة حال، أى احضروا الصلاة حال كونها جامعة. وروى برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبر، أى ذات جماعة. (¬3) ص 39 ج 7 المنهل العذب (أينادي فيها بالصلاة؟ ). (¬4) ص 362 ج 2 فتح البارى (النداء بالصلاة جدامعة فى الكسوف) وص 214 ج 6 نووى مسلم (ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة) (¬5) ص 335 ج 1 زرقانى الموطإ (العمل فى صلاة الكسوف) وص 184 ج 1 بدائع المنن، وص 203 ج 6 الفتح الربانى، وص 367 ج 2 فتح البارى (صلاة الكسوف جماعة) وص 212 ج 6 نووى مسلم، وص 38 ج 7 المنهل العذب (القراءة فى صلاة الكسوف) وص 321 ج 3 سنن البيهقى (كيف يصلى فى الخسوف؟ ).

" ولقول " عائشة رضى الله عنها: كَسَفَت الشمس على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فَصَلَّى بالنَّاس فقَامَ فحزرت قراءَتَهُ فرأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ سورة البقرة، ثم سَجَدَ سجدتَيْن فقَامَ فحزرت قراءَتَهُ فرأَيْتُ قَرَأَ بسورة آل عمران. أَخرجه أَبو داود والبيقى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم (¬1) {119}. (وبهذا) قال أَبو حنيفة ومالك والشافعى واللَّيْثِ بن سعد وجمهور الفقهاءِ. (وقال) أَحمد وأَبو يوسف ومحمد وابن المنذر: يُجَهَرُ بالقراءَةِ فى صلاةِ الكُسُوف. وهو مروىّ عن علىَّ وزد بن أَرْقَم والبراءِ بن عازِب " لحديث " عائشة أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ قراءَةً طويلةً فَجَهَرَ بها، يعنى فى صلاةِ الكُسُوف. أَخرجه أَبو دادو والبيقى والحاكم. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (¬2) {120} " ولقولها " خَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَتى المصلَّى فكَبَّر وكَبَّر الناس، ثم قَرَأَ فَجَهَرَ بالقراءَةِ وأَطَالَ الْقِيَامَ (الحديث) أَخرجه أَحمد والشيخان والترمذى (¬3) {121}. ¬

(¬1) ص 37 ج 7 المنهل العذب (القراءة فى صلاة الكسوف) وص 335 ج 3 سنن البيهقى (من قال يسر بالقراءة فى خسوف الشمس)، وص 333 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 38 ج 7 المنهل العذب، وص 336 ج 3 سن البيهقى (من اختار الجهر بها وص 334 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 182 ج 6 الفتح الربانى، وص 382 ج 2 فتح البارى (الجهر بالقراء فى الكسوف) وص 203 و 204 ج 6 نووى مسلم، وص 393 ج 1 تحفة الأحوذى (كيف القراءة فى الكسوف) والمراد بالمصلى المكان الذى كان يصلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد كما صرح بذلك فى رواية لمسلم.

(ولا منافاةَ) بين رواياتِ الجهْرِ بالقراءَةِ والسِّرِّ فيها، لثبوتِ كُلِّ عنه صلى الله عليه وسلم بناءً على أَنَّ صلاَةَ الكُسُوف تَعَدَّدَتْ. أَمَّا على أَنَّها لم تتعَدَّد فترجح رواياتِ الجَهْر لثبوتِها فى الصَّحِيحَيْن، ولكونها متضمنة للزيادةِ فيعمل بها، ولكونها مثبتة فتقدم على النافية (قال) ابن العربى: الجَهْر عِنْدِى أَوْل لأَنَّهَا صلاةٌ يُنَادَى لها ويخطب. فاَشْبَهَت العيد والاستسقاءَ والتراويح. وعن مالك: يُخَيَّر فى القراءَة بين السَّرَّ والجهْرِ (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قُدَامَة: ومهما قَرَأَ به جازَ، سواءٌ أَكانت القراءَة طويلة أَمْ قصيرة. وقد روى عن عائشة أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى فى كُسُوف الشَّمْس والقَمَر أَرْبَع ركعاتٍ سجداتٍ، وقرأَ فى الأُولى بالعنكَبوت والرُّوم، وفى الثانية بيَس. أَخرجه الدارقطنى (¬1) {122}. 6 - الجماعة فى صلاة الكسوف: دَلَّتْ أَحاديثُ الباب على أَنَّ الجماعة مشروعةٌ فى صلاةِ الكُسُوف. ويُسَنُّ فِعْلُهَا جماعةً وفُرَادَى عند مالك والشافعى وأَحمد، لما تقَدَّمَ من قوله صلى الله عليه وسلم: فإِذا رَأَيْتُمْ منهما شيئاً فَصَلُّوا وادْعُوا (¬2) ولأَنَّهَا نافلة فجازتْ فى الانفرادِ كَسَائر النَّوَافِل. وفِعْلُهَا فى الجماعةِ أَفْضَلَ، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلاَّها جماعة. (والسُّنة) أَنْ تُصَلَّى فى المساجد، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آلأه وسلم فَعَلَها فيه (قالت) عائشة رضى الله عنها: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فى حياةِ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخرجَ إِلى المسجد فَصَفَّ النَّاسُ ¬

(¬1) ص 278 ج 2 مغى (الجهر فى صلاة الكسوفين جميعاً). (¬2) تقدم فى الحديث رقم 111 ص 107 (عددها).

وَرَاءَه. (الحديث) رواه البخارى (¬1) {123} ولأَنَّ وقت الكُسُوفِ يَضِيقُ فلَوْ خَرَجَ إِلى المصَلَّى احتمل التَّجَلِّى قبل فِعْلها. وتُشْرَع فى الحضَر والسَّفَر بإِذْنِ الإِمام وغير إِذْنِه. (قال) النَّوَوى: ويُسْتَحَبُّ أَنْ تُصَلَّى فى المسجد جماعةً وتَجُوزُ فى مواضِعَ من البلد. وتُسنُّ للمرأَةِ والعَبْدِ والمسافِر والمنفَرِد. وحَكَى الرافعىّ أَنه يُشْتَرَطَ فى صِحَّتها الجماعة وأَنَّهَا لا تُقَامُ إِلاَّ فى جماعةٍ واحدةٍ كالجمُعَة، وهما شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ، ولا تتوقف صِحَّتها على صلاةِ الإِمام ولا إِذْنِه. فِنْ لم يخرجْ طَلَبُوا إِمامً يُصَلِّى بهم، فإِنْ لم يَجِدُوا صَلُّوا فَرَادَى. فإِنْ خافُوا الإِمام لو صَلُّوا علانيةً صَلُّوها سِرًّا. وبهذا قال مالك وأَحمد وإِسحاق. وقال الثورى: إِذا لم يَصِل الإِمام صَلُّوا فُرَادَى. اهـ ملخصاً (¬2). (وقال) الحنفيون: تُصَلَّى جماعةً بإِمام الجمعة وإِن امتنع فلهم أَن يُصَلُّوها فُرَادَى فى المنازل أَو فى المساجد ركعتيْن أَوْ أَرْبَعاً. وهو أَفْضَل فلا يُصَلِّيها بالجماعة غيره على الصَّحِيح. وعن أِبى حنيفة أَن كل إِمام يُصَلِّى بجماعة فى مَسْجِده. 7 - حضور النساء صلاة الكسوف: هو مشروع إِنْ أَمِنَت الفتنة وخَرَجْنَ مُتَسَتِّرات غير مُتَبَرِّجات ولا مُتَعَطِّرات (لقول) أَسماءَ بنت أَبى بكر: فَزِعَ يوم كَسَفَت الشَّمْس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ دِرْعاً حتى أُدْرِك برِدَائِه فقَامَ بالناس قِيَاماً طويلاً يقوم ثم يركَع، فلو جاءَ إِنسانٌ بعد ما رَكَعَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم لم ¬

(¬1) ص 363 ج 2 فتح البارى (خطبة الإمام فى الكسوف). (¬2) ص 44 ج 5 شرح المهذب (صلاة الكسوف).

يعلم أَنه ركَع، ما حَدَّث نفسه أَنه ركَع من طول القيام، فجعلْتُ أَنْظُرُ إِلى المرأَةِ التى هى أَكبر مِنِّى، وإِلى المرأَةِ التى هى أَسْقَمَ مِنِّى قائمةً وأَنا أَحَقُّ أَنْ أَصْبِرَ على طُولِ القيام منها. أَخرجه أَحمد ومسلم والبيهقى (¬1) {124}. (فهو) يَدُلُّ على جوازِ حُضُورِ النِّسَاءِ صلاة الكُسُوف فى المسجد مع الجماعة بالشُّرُوطِ المتَقَدِّمة وإِلاَّ صَلَّيْنَها فى بُيُوتِهِنَّ. (ورَخَّصَ) أَبو حنيفة ومالك للعجائِز فى حُضُورها وكَرِهَاه للشَّابَّة. (وقال) الشافعىّ فى الأُمّ: لا أَكْرَه لمنْ لا هيئةَ لها مِنَ النِّسَاءِ لا لِلعَجُوز ولا للصَّبِيَّة شُهود صلاة الكُسُوف مع الإِمام، بل أُحِبّها لهنَّ وأَحَبُّ إِلىّ لذواتِ الهيئة أَن يُصَلِّينها فى بُيُوتِهِنَّ، ن وإِن كَسَفَت وهناك رَجُل مع نِسَاءٍ فيهن ذوات مَحْرَم منه، صَلَّى بِهِنَّ، وإِنْ لم يَكُنْ فِيهِنَّ ذوات مَحْرَم منه كَرِهْتُ ذلك له. وإِنْ صَلَّى بِهِنَّ فلآ بأْسَ (¬2) 8 - كيفية صلاة الكسوف قد وَرَدَ فى صَلاَتِهَا كيفيات: ((الأُولى)) أَنها تُصَلَّى ركعَتَيءن كبقيةِ النَّوَافِل سِرًّا فى غير وقت النَّهْى فى جماعة بلآ أَذَانٍ ولا إِقامةٍ. ويُطِيل فيها القراءَة والركُوعَ والسُّجُود، ، " لقوله " قبيصة الهلالى: انْكَسَفَت الشمس فخَرَجَرسول الله صلى الله عليه وسلم فصَلَّى ركعتين فأَطَالَ فيهما القراءَةَ فانْجَلَت، فقال: إِنَّ ¬

(¬1) ص 218 ج 6 الفتح الربانى، ن وص 212 ج 6 نووى مسلم، وص 342 ج 3 سنن البيهقى (النساء يحضرون المسجد لصلاة الخسوف) و (رسول) فاعل فزع، أى خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوع أمر بسبب الكسوف فخرج مسرعاً فأخذ درعاً غير درعه ثم أدرك بردائه. (¬2) ص 59 ج 5 شرح المهذب (مسائل تتعلق بالكسوف).

الشَّمسَ والقَمَر آيتان من آياتِ الله يُخَوِّف بهما عِبَادَه، فإِذا رَأَيْتُم ذلك فَصَلُّوا كأَحْدَثِ صلاةٍ صَلَّيْتُمُوها مِنَ المكْتُوبة. أَخرجه أَحمد وأَبو دادود والنسائى والحاكم والبيهقى بسند صحيح (¬1) {125}. (وكان) ذلك بعد صلاةِ الصُّبْح " لقول " ثعلبةَ بن عَبَّادِ الْعَبْدِىّ: شَهِدْتُ يوماً خطبة لسَمُرَة بن جُندب فقال: بينما أَنا وغُلام مِنَ الأَنصار نَرْمِى غَرَضَيْن لنا حتى إِذا كانت قَيْدَ رُمْحَيْن أَوْ ثلاثة فى عَيْن النَّاظِر من الأُفُق، اسْوَدَّتْ حتى آضت كأَنَّهَا تَنُّومة، فقال أَحَدُنا لصاحِبه: انْطَلِقْ بِنَا إِلى المسجد، فَوَالله لَيُحْدِثَنَّ شَأْنَ هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى أُمَّتِه حَدَثاً، فَدَفَعْنَا فإِذا هُوَ بارِز، فاستقدم فصَلَّى فَقَامَ بنا كأَطْوَل ما قامَ بنا فى صَلاةٍ قَط، لآ نَسْمَعُ له صَوْتاً. ثم ركَعَ بنا كأَطْوَل ما ركَعَ بنا فى صَلاةٍ قَط، لآ نَسْمَعُ له صَوْتاً. ثم سَجَدَ بنا كأَطْوَل ما سَجَدَ بنا فى صلاةٍ قَط، لآ نَسْمَعُ له صَوْتاً. ثم فَعَلَ فى الرَّكْعَةِ الأُخرى مثل ذلك، فوافق تَجَلِّى الشمس جُلُوسَهُ فى الركعةِ الثانية، سَلَّم (الحديث) أَخرجه الشافعى وأِحمد والبيهقى والطبرانى والأَبعة. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {126}. ¬

(¬1) ص 193 ج 6 الفتح الربانى، وص 33 ج 7 المنهل العذب، وص 219 ج 1 مجتبى (نوع آخر)، وص 333 ج 1 مستدرك، وص 334 ج 3 سنن البيهقى (من صلى فى الخسوف ركعتين). (¬2) ص 182 ج 1 بدائع المنن، وص 189 ج 6 الفتح الربانى، وص 339 ج 3 سنن البيهقى (الخطبة بعد صلاة الكسوف)، وص 209 ج 2 مجمع الزوائد (باب الكسوف)، وص 218 ج 1 مجتبى (نوع آخر)، وص 29 ج 7 المنهل العذب، وص 197 ج سنن ابن ماجه (صلاة الكسوف)، وص 393 ج 1 تحفة الأحوذى (كيف القراءة فى كسوف). وقد ذكره مختصراً بلفظ: عن سمرة بن جندب قال: صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم فى كسوف لا نسممع له صوتا. و (حتى آضت) أى صارت " كأنها تنومة " بفتح فشد، نوع من البنات فيه وفى ثمره سواد قليل " فدفعنا " أى أسرعنا على المسجد (فإذا هو) أى رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارز " أى خارج " فاستقدم " أى تقدم للصلاة.

(وبهذه) الكَيْفِيَّة قال الحنفيون والثورى وكَثِير من الصَّحابة. (الكَيْفِيَّة الثانية) أَنْ تُصَلَّى ركعتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ ركُوعان " لقول " ابن عباس: كَسَفَت الشمس فقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واَصحابه فَقَرَأَ سورةً طويلةً ثم ركَع، ثم رفع رَأْسَهُ، فَقَرَأَ، ثم ركَعَ وسَجَد سَجْدَتَينْ ثم قام فَقَرَأَ وركَعَ، ثم رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ، ثم ركَعَ وسَجَدَ سَجْدَتَيْن، أَربع ركَعاتٍ وأَربع سَجَدَاتٍ فى ركعتَيْن. أَخرجه أَحمد بسند جيد (¬1) {127} " ولقول " ابن عباس: انْخَسَفَتِ الشمسُ على عَهْدِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رسول الله صلى لله عليه وسلم والناس معه فَقَامَ قِيَاماً طويلاً نَحْواً من قراءَةِ سورة البقرة، ثم ركَعَ ركُوعاً طويلاً، ثم رفَعَ فَقَامَ قِيَاما طويلاً وهو دون القيام الأَوَّل، ثم ركَعَ ركُوعاً طويلاً وهو دون الرُّكُوع الأَوَّل، ثم سَجَدَ، ثم قام قِيَاماً طويلاً وهو دون الركُوع الأَوَّل، ثم سَجَدَ، ثم انصرف وقد تَجَلَّت الشمس. فقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَر آيتانِ من آياتِ اللهِ لا يَخْسِفَانِ لموْتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه، فإِذا رَأَيْتُم ذلك فاذكُرُوا لله. قالُوا: يا رسول الله، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شيئاً فى مقامك ثم رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فقال: إِنِّى رَأَيْتُ الجنةَ فتناولْتُ منها عُنْقُوداً ولو أَخَذْتَهُ لأَ كَلْتُم منه ما بَقِيَت الدنيا (الحديث) أَخرجه الشافعى والجماعة إِلاَّ ابن ماجه، وهو عند أَبى داود والترمذى مختصر (¬2) {128}. ¬

(¬1) ص 203 ج 6 الفتح الربانى (من روى انها ركعتان فى كل ركعة ركوعان) و (أربع ركعات) أى أربع ركوعات. (¬2) ص 184 ج 1 بدائع المنن، وص 335 ج 1 زرقانى الموطإ، وص 203 ج 6 الفتح الربانى، وص 367 ج 2 فتح البارى (صلاة الكسوف جماعة) وص 212 ج 6 نووى مسلم، وص 221 ج 1 مجتبى " قدر القراءة فى صلاة الكسوف وص 38 ج 7 المنهل العذب (القراءة فى صلاة الكسوف) وص 391 ج 1 تحفة الأحوذى. و " تكعكعت " أى تأخرت.

(وبهذه) الكَيْفِيَّة قال مالك والشافعى وأَحمد والليث بن سعد. ولاُبدَّ عندهم من قراءَةِ الفاتحِة فى كل قِيَام، لما تقَدَّم فى بحث " القراءَة " من أَركان الصَّلاة، من أَنه لا تَصِحُّ ركعة بدون فاتحة (قال) النووى: واتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنه يقرأُ الفاتحة فى القيام الأَوَّل من كُلّ ركعة. واختلفوا فى الْقِيَام الثانى، فمذهبنا مالك وجمهور أَصحابه أَنَّهَا ل تَصِحُّ الصلاة إِلاَّ بقراءَتها فيه (وقال) محمد بن مسلمة الملكىّ: لآ تَتَعَيَّنُ الفاتحةُ فى الْقِيَام الثانى (¬1) (ووجهة) أَنَّهَ ركعة واحدة ولا تتكَرّر افاتحة فى رَكْعَةٍ واحدة (وردّ) بأَنَّ صلاة الكُسُوف وَرَدَتْ بكيفيةٍ خاصَّة فى كُلِّ قيم قراءَة كما تقدَّم فى بحث (القرءَة فى صلاة الكُسُوف) وأَنَّ هَذَا صِرَطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ. " وأَمَّا " قول حُذيفة: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى عند كُسُوف الشمس فقَامَ فكَبَّر ثم قَرَأَ، ثم ركَعَ كما قَرَاَ، ثم رفَعَ كما ركَع ثم ركَعَ كما قَرَاَ، فصَنَعَ ذلك أَرْبَع ركَعَاتٍ قبل أَن يَسْجُدَ سَجْدَتَيْن، ثم قام إِلى الثانية فصَنَعَ مثل ذلك ولم يَقْرَاْ بين الركُوع " فَقَدْ " أَخرجه البزار وفى سنده محمد بن أَبى ليلى. وفيه كلام (¬2) {129} فلا يحتجّ به على عدم القراءَة فى غير الْقِيَام الأَوَّل. ((الكيفية الثالثة)): أَنْ تُصَلَّى ركعَتَيْن فى كُلِّ ركْعة ثلاثة ركُوعاتٍ " لحديث " عطاءِ بن أَبى رباح عن عُبيد بن عُمير أَنَّ عائشةَ قالت: كَسَفَت الشمس على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَامَ قِيَاماً شدِداً يقُومُ بالناس ثم يَرْكَع، ثم يَقُوم، ثم يَرْكَع، ثم يَقُوم، ثم يَرْكَع، ¬

(¬1) ص 199 ج 6 شرح مسلم (الكسوف). (¬2) ص 28 ج 2 مجمع الزوائد (باب الكسوف).

فركَعَ ركعتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ ثلاث ركعاتٍ، يَرْكَعُ الثالثة ثم يَسْجُد، حتى إِنَّ رجالاً يومئذٍ ليُغْشَى عليهم مَّما قام بهم، حتى إِنَّ سِجَالَ الماءِ لينصب عليهم، يقول إِذا ركَعَ: اللهُ أَكْبر، وإِذا رفع: سَمِعَ اللهُ لمنْ حَمِدَه، حتى تَجَلَّت الشمس (الحديث) أَخرجه أَبو داود والبيقى، والنمسائى، وأَخرج سلم نحوه (¬1) {130}. (وبهذه) الكَيْفِيَّة قال إِسحاق وابن خزيمة وابن المنذر والخطابى، وحذيفة وابن عباس وقتادة وعطاءُ بن أَبى رباح. وروى عن أَحمد. ((الكيفية الرابعة)): أَنْ تُصَلَّى ركعتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ أَربعة ركُوعاتٍ " لحديث " حنش عن علىّ رضى الله عنه قال: كَسَفَت الشمس فصَلَّى علىّ للناس فَقَرَأَ يَس أَوْ نحوها، ثم ركَع نَحْواً من قدر السُّورة، ثم رَفَعَ رَأْسَه فقال: سَمِعَ اللهُ لمنْ حَمِدَه، ثم قام قَدْرَ السُّورة يَدْعُو ويُكَبِّر، ثم ركَعَ قَدْرَ قراءِته أَيضاً، ثم قال: سَمِعَ اللهُ لمنُ حَمِدَه، ثم قام أَيضاً قَدْرَ السُّورة، ثم رَكَعَ قَدْرَ ذلك أَيضاً حتى صَلَّى أَرْبَع ركَعَاتٍ. ثم قال: سَمِعَ اللهُ لمنْ حَمِدَه، ثم سَجَدَ، ثم قام فى الركعةِ الثانيةِ فَفَعَلَ كَفِعْله فى الركْعة الأُولى، ثم جَلَسَ يَدْعُو ويُرَغّب حتى انْكَشَفَت الشمس. ثم حَدَّثَهُمْ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ فَعَلَ. أَخرجه أَحمد والبيهقى بسند رجاله ثِقَاب (¬2) {131}. ¬

(¬1) ص 20 ج 7 المنهل العذب (صلاة الكسوف) وص 325 ج 3 سنن البيهقى، وص 215 ج 1 مجتبى (نوع آخر من صلاة الكسوف)، وص 204 ج 6 نووى مسلم. و (كسفت) بفتحتين، من باب ضرب، يقال: كسفت الشمس إذا ذهب ضوءها. وكان ذلك فى السنة العاشرة من الهجرة. و (ثلاث ركعات) أى ركوعات. و (السجال) بكسر السين جمع سجل بفتح فسكون، وهو الدلو العظيمة ماء. وهو كناية عن شدة ما أصابهم من العرق لطول القيام. (¬2) ص 215 ج 6 الفتح الربانى (من روى أنها ركعتان فى كل ركعة أربعة ركوعات وص 330 ج 3 سنن البيهقى (من أجاز أن يصلى فى الخسوف ركعتين فى كل ركعة أربع ركوعات).

(وبهذه) الكَيْفِيَّة قال أَحمد وابن خُزَيمة وابن المنذر والخطابى. وروى عن علىّ وابن عباس وحُذَيفة. (الكيفية الخامسة): أَن تُصَلَّى ركعَتَيْن فى كُلِّ ركْعة خمسة ركُوعاتٍ " لقول " أُبىّ بن كعب: انْكَسَفَت الشمس على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بهم فَقَرَاَ بسورةٍ من الطُّوَل وركَع خمس ركعاتٍ وسَجَدَ سَجْدَتَيْن، ثم جَلَسَ كما هُوَ مُسْتَقْبل الْقِبْلَة يَدْعُو حتى انْجَلَى كُسُوفها. أَخرجه ابن أَحمد فى زوائد المسند وأَبو داود والبيهق والحاكم وقال: رواته صَادِقون (¬1) {132}. وفى سَنَدِه أَبو جعفر عيسى بن عبد الله الرازى. وثقة ابن معين وقال لكنه يخطئ، وضعفه كثيرون. (وبهذه) الكَيْفِيَّة قالت العترة، لكن حديث أُبىّ ضعيف لما تقَدَّم. (وعلى الجملة) فقد قال بكل كيفية مَّما ذكر جماعة من الصَّحابة وغيرهم (قال) النووى: قال جماعة من العلماءِ منهم إِسحاق بن راهوية وابن جرير وابن المنذر: جَرَتْ صلاةُ الكُسُوف فى أَوْقات. واختلاف صِفَاتِها محملٌ على بيان جواز جميع ذلك، فتجوز صلاتها على كلِّ واحِدٍ من الأَنواع الثابتة، وهذا قوى (¬2). ¬

(¬1) ص 217 ج 6 الفتح الربانى (من روى أنها ركعتان فى كل ركعة فى ركعة خمسة ركوعات)، وص 27 ج 7 المنهل العذب، وص 329 ج 3 سنن البيهقى، وص 33 ج 1 مستدرك. و (الطول) بضم ففتح، جمع الطولى، أى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة من السبع الطول، وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتربة (وعن) عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فى الأولى بالعنكبوت، وفى الثانية بالروم أو لقمان. أخرجه الطبرانى والبيهقى (133) ص 336 ج 3 سنن البيهقى (من اختار الجهر بها). (¬2) ص 199 ج 6 شرح مسلم (كتاب الكسوف).

(وصحح) ابنُ القَيِّم أَحَادِيث الركُوعَيْن فى كلِّ ركْعَة، لأَنها أَصَحّ إِسناداً وأَسْلَم من العِلَّة والاضطراب، ولأَنَّ رُوَاتها أَكْثر وأَحْفَظ وأَجَلَّّ من رواة غيرها. (وقال) أَبو الطيب صديق بن حَسَن: قد رُوِيَتْ هذه الصلاة على أَنواع، ركعتَيْن كسائر الصَّلوات فى كُلِّ ركعةٍ ركُوعٍ واحد، وركُوعَيْن فى كُلِّ ركعة، وثلاثة وأَرْبَعة وخمسة. والكُل سُنَّة أَيها فَعَلَ المكلف فقَدْ فَعَل ما شُرع له. واختيار الأَصَحّ منها على الصحيح دأْب الراغبين فى الفضائل (¬1). 9 - خطبة الكسوف يُسَنُّ بعد صلاة الكُسُوف أَن يَخْطُب الناس خُطْبة يَحُثُّهُمْ فيها على الطاعات والصَّدقات، ويُحَذَّرَهُم من المعاصِى عند الشافعى وإِسحاق " لقول " أَسماءَ بنت أَبى بكر: خَسَفَت الشمس على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلْتُ على عائشة رضى الله عنها فقُلْتُ: ما شَأْن الناس يُصَلُّون؟ فأَشَارَتْ برأْسها إِلى السَّماءِ فقلت: آية؟ قالت: نَعَم فأَطَالَ رسول الله صلى عليه ونسلم القيام جِدًّا حتى تَجَلاَّنى الغَشْى فأَخَذْتُ قِرْبة إِلى جَنْبى، فجلعت أَصُبّ على رأْسى الماءَ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تَجَلَّت الشمس. فخطب فحَمِدَ الله وأَثْنَى عليه ثم قال: أَمَّا بعد، ما من شَىْءٍ لم أَكُن رأَيته إِلاَّ قد رأَيته فى مقامى هذا حتى الجنة والنار. إِنه قد أُوحى إِلىّ أَمنَّكم تفتنن فى القبور قريباً أَو مثل فتنة المسيح الَّجَّال. يؤْتى أَحَدكُم فيقال له: ما عِلْمك بهذا الرجل؟ فأَمَّا المؤمن أَو الموقن يقول: هُوَ مُحَمَّدٌ هُوَ رسول الله جاءَنَا بالبَيِّنَات والهُدَى فأَجَبْنَا واتَّبَعْنَا ثلاث مراتٍ، فيقال له: قد كُنَّا نعلم إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنَ فَنَم ¬

(¬1) ص 103 الروضة الندية (باب صلاة الكسوفين).

صالحاً. وأَمَّا المنافق أَو المرتاب فيقول: ما أَدرى سَمِعْت الناس يقولون شيئاً فَقُلْت. أَخرجه مالك وأَحمد والشيخان (¬1) { 134}. " ولحديث " عائشةَ رضى الله عنها تَصِفُ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الكُسُوف بطول القيام وأَنه صلاَّها ركعَتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ ركُوعانِ، وفيه قالت: فانْصَرَف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تَجَلَّت الشمس فخطَبَ الناس، فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عليه، ثم قال: إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَر من آياتِ الله وإِنَّهُما لا يَخْسِفان لموتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه، فإِذا رَأَيْتُمُوهُما فكَبِّرُوا وادْعُوا اللهَ عَزَّ وجَلَّ وتَصَدَّقُوا، يا أُمَّة مُحمدٍ ما م أَحَدِ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أَن يَزْنى عبده أَوْ تَزْنى أَمَته، ¬

(¬1) ص 329 ج 1 زرقانى الموطإ (ما جاء فى صلاة الكسوف)، وص 220 ج 6 الفتح اربانى، وص 369 ج 2 فتح البارى (صلاة النساء مع الرجال فى الكسوف)، وص 210 ج 6 نووى مسلم .. و (تجلانى) بشد اللام، أى غطانى (الغشى) بفتح فسكون، وهو نوع قريب من الإغما، وصبها الماء على رأها لم يكن متوالياً، وإنما قيل للمقبور (ما علمك بهذا الرجل) امتحاناً وإبهاماً عليه لئلا يفهم من قولهما رسول الله إكرام النبى ورفع رتبته فيعظمه تقليداً لا اعتقاداً (والهدى) بضم ففتح: الدلالة الموصلة (والحكمة (فى تكرير الجواب التلذذ بذكر النبى صلى الله عليه وسلم والفرح بالإجابة. ويحتمل أن يتكرر السؤال والجواب للتأكد من صحة قوله ولإظهار شرفه (فنم صالحاً) المراد بالنوم العود لما كان ليه من الموت. وسمى نوماً لما فيه من الراحة وصلح الحال. (وقد تقدم) فى بحث " سؤال خالقبر " ص 62 ج 1 دين طبعة ثانية فى حديث أنس: فأما المؤمن فيقول: أِهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلأى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً ويفسخ له فى قبرة سبعون ذراعاً. وأما الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت قول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدرى، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح يحة يسمعها من يليه غير الثقلين. أخرجه الشيخان (135) ص 308 ج 3 تيسير الوصول (سؤال منكر ونكير).

يا أُمَّةَ مُحمدٍ والله لو تَعْلَمُون ما أَعْلَم لَبَكَيْتُم كَثِيراً ولَضَحِكْتُم قليلاً، أَلآهَلْ بَلَّغْت؟ أَخرجه مالك وأَحمد والشيخان والنسائى والبيهقى (¬1) {136}. (قال النوى) اتفقت نُصُوص الشَّافعىّ على اسْتحبابِ خُطْبَتَيْن بعد صلاةِ الكُسُوف، وهُما سُنَّة للجماعة. وصِفتها كخطْبتى الجمعة فى الأَركان والشُّروط وغيرهما. ولا يخطب من صَلاَّها منفرداً، وَيَحُثَّهم فى هضه الخطبة على الَّوْبة من المعاصِى وعلى فِعْل الخير والصَّدَقة والعتاقة، ويُحَذَّرهم مِنَ الغَفْلَة والاغترار، ويَأْمُرَهم بإِكْثَارِ ادعاءِ والاستغفارِ والذِّكْر، ويجلس قبل الخطبة الأُولى كما فى الجمعة، فإِن صَلَّى النساءَ فليس شَأْنهِنَّ الخطبة، لَكِن لو ذَكَّرَتْهُنَّ كانَ حَسَناً (¬2). (وقال) الحنفيُّون ومالك وأَحمد: لا خُطبة للكُسُوف، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بالصَّلاةِ والتَّكْبير والصَّدَقة والاسْتِغْفَار والذِّكْر والدُّعاءِ، ولم يأْمُرْ بالخطبة، ولو كانت سُنَّة لأَمَرَهُم بها، عَمَّا وَرَدَ من أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبً (بأَنه) صلى الله عليه وسلم قَصَدَ به الرَّدَّ على مَن ¬

(¬1) ص 332 ج 1 زرقانى الموطإ (العمل فى صلاة الكسوف) وص 225 ج 6 الفتح الربانى، وص 360 ج 2 فتح البارى (الصدقة فى الكسوف)، وص 198 ج 6 نووى مسلم (الكسوف)، وص 216 ج 1 مجتبى، وص 338 ج 3 سنن البيهقى (الخطبة بعد صلاة الكسوف) (وتصدقوا) أمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة لأنها تدفع البلاء والعذاب، والكسوف من الآيات المنذرة بالعذاب. فينبغى عند حصوله المبادرة إلى طاعة الله تعالى ليكشفة عن عباده. و (أغير) أفعل تفضيل من الغيرة بفتح فسكون، وهى تغير يحصل من الحمية والأنفة لارتكاب ما يعاب ينشأ عنه العتاب والجزاء. والتغير محال على الله تعالى، فالمراد لازمة من الزجر والعقاب وأغير منصوب على أنه خبر ما ومن زائد. ويصح رفعه على لغة هتميم. و (أن يزنى عبده .. إلخ) متعلق بأغير على تقدير من. وخص الزنا بالذكر لأنه أعظم المعاصى التى تسبب البلاء وتوجب الغضب الشديد. (¬2) ص 52 ج 5 شرح المهذب (الخطبة بعد صلاة الكسوف).

اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّمس كَسَفَتْ لموْتِ ابْنِهِ إِبراهيم لا لخطبة، ولذا قاله بعد الإِنْجِلآءِ. (قال) الشَّيْخ إِبراهيم الحلَبى: ولا خُطْبة فيها عِنْدَنا، وبه قال مالك وأَحمد، لأَنه لم يُنْقَل عنه عليه الصلاة والسَّلام أَنه خَطَبَ خُطبتين على الهيئة المعهودة، وإِنما فَعَلَ ذلك لرَدِّهم عن قولهم: إِنَّ الشَّمْس كَسَفَتْ لموْتِ إِبراهيم ابْن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1). (قال) الحافظ: وتُعُقِّبِ ما ذكر بأَنَّ الأَحاديث ثبتت فى الخطبة وهى كَثِيرة. والمشْهُور عند المالِكِيَّة أَنه لا خُطْبة لها، مَعَ أَنَّ مَالِكاً رَوَى الحديث وفيه ذكر الخطبة، ولم يقتصر صلى الله عليه وسلم فيها على الإِعلام بسبب الكُسُوف، والأَصل مشْرُوعِيَّة الاتباع والخصائص لا تثبت إِلاَّ بدَلِيل. وقد استضعفت ابن دقيق العيد التأْوِيل المذكُور (أى تأْويل مَنْ لمْ يَقُلْ بالخطبة) وقال إِن الخطبة لا تنحصر مَقَاصِدها فى شَىْءٍ مُعَيَّن بعد الإِتيان بما هُوَ المطلوب منها مِنَ الحمدِ والثَّنَاءِ والموْعِظَة. وما ذكر من سبب الكُسُوف وغيره هو من مَقَاصِد خُطْبة الكُسوف. فينبغى التَأَسِّى بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم. فيذكر الإِمام ذلك فى خُطْبة الكُسُوف. نَعَم نازَع ابن قدامة فى كون خطبة الكُسُوف كخطبتى الجمعة والعِيدَيْن، إِذ ليس فى الأَحاديث المذكُورة ما يَقْتَضِى ذلك، وإِلى ذلك نَحَا ابن المنير ورَدّ عى مَنْ أَنْكَرَ أَصْل الخطبة الثبوت ذلك صريحاً فى الأَحاديث (¬2). ¬

(¬1) ص 426 غنية المتملى (صلاة الكسوف). (¬2) ص 363 ج 2 فتح البارى. الشرح (الخطبة الإمام فى الكسوف).

2 - صلاة الخسوف

2 - صلاة الخسوف دلَّتْ أَحاديثُ الباب على أَنَّ صلآةَ الخُسُوف مأْمورٌ بها كصلاِة الكُسُوف (ولذا) قال الشافعىّ وأَحمد وإِسحاق وأَبُو ثور وأَهْل الحديث: يُسَنّ لخسُوف القمر صلاة ركعتَيْن فى جماعة فى كلِّ ركْعة ركوعان كصلاةِ كُسُوف الشمس، لما ذكر من الأَحاديث " ولحديث " حبيب ابن أَبى ثابت عن طاوُس عن ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فى كُسُوفِ الشَّمْس والقَمَر ثمانى رَكَعَات فى أَرْبَعِ سجداتٍ يقراُ فى كلَّ ركعةٍ. أَخرجه الدارقطنى (¬1) {137} وهو حديث ضَعِيف، لأَنَّ حبب بن أَبى ثابت مُدلس وقد عَنْعَن. وقد أَخْرَج أَحمد ومُلسم والثلاث حديث ابن عباس ولم يذكُرُوا فيه القَمَر. (وروى) الحَسَن البصرىّ أَنَّ القمر كسَف وابن عباس بالْبَصْرَة، فخرج ابن عباس فَصَلَّى بنا ركْعتَيْن فى كُلِّ ركعةٍ ركعتان. ثم ركب فَخطَبنا فقال: إِنما صَلَّيْتُ كما رَأَيْتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى، وقال: إِنما الشَّمْسُ والقَمَرُ آيتانِ من آياتِ الله لا تَخْسِفَانِ لمْوتِ أَحَدٍ ولا لحياتِهِ، فإِذا رَأَيْتُم شيئاً منها خَاسِفاً فليكُن فزعكُم إِلى الله. أَخرجه الشافعى والبيهقى (¬2) {138} وإبراهيم بن مُحَمَّد شَيْخ الشَّافعىّ ضعيف. وقول الحسَن (فَخَطَبنا) يَعْنى بن عباس لا يَصِحّ، فإِن الحَسَن لم يكُن بالبصرة لما كان ابن عباس بها. ¬

(¬1) ص 188 سنن الدارقطنى (صلاة الخسوف والكسوف). و (ثمانى ركعات .. إلخ) يعنى ركع ثمانى مرات، فى كل ركعة أربعة ركوعات وسجدتان. (¬2) ص 193 ج 1 بدائع المنن (خسوف القمر)، وص 338 ج 3 سنن البيهقى (الصلاة فى خسوف القمر)

" ولحديث عائشة " أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّى فى كُسُوف الشمس والقمر أَربع ركعاتٍ وأَربع سجداتٍ وقرأَ فى الركعة الأُولى بالعَنْكَبُوت أَو الرُّوم، وفى الثنية بيسن، أَخرجه الدارقطنى (¬1) {139} قال فى التلخيص وذكر القمر فيها مُسْتغرب .. " وعن " أَبى بَكْرَةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ركعتَيْن مثل صلاتِكُم هذه فى كُسُوفِ الشمس والقمر. أَخرجه البيهقى وكذا البخارى بلفظ: انْكَسَفَت الشمس على عَهْدِ البنىِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ركعتين (¬2) {140}. (قال) الحافظ: وفى ذلك رَدّ على مَنْ قال لا تُنْدَب الجماعة فى كُسُوفِ القمر، وفَرَّقَ بوجودِ المشَقَّة فى الليل غالباً دون النَّهَار. ووقَعَ عند ابن حبان من وَجْهِ آخر أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فى كُسُوف القمر. ولفظه من طريق النَّضْر بن شميل عن أَشْعَثَ بإِسناده فى هذا الحديث - يَعْنى حديث أَبى بَكْرَة - صَلَّى فى كُسُوفِ الشمس والقمر ركعتَيْن مثل صلاتِكُم. وأَخرجه الدارقطنى أَيضاً. وفى هذا رَدّ على مَنْ أَطلق كابن رشيد أَنه صلى الله عليه سلم لم يُصَلّ فيه. ومنهم مَنْ أَوَّلَ قوله: صَلَّى، أَى أَمَرَ باصَّلآة جماً بين الرواتين (وقال) صاحب الهدى: لم يُنْقَل أَنَّهُ صَلَّى فى كُسُوفِ القمر فى جماعة، لكن حكَى ابن حبان فى السِّيرة: أَنَّ القمر خَسَف فى السنة الخامسة فَصَلَّى النبى صلى الله عليه وسلم بأَصحابه صلاةَ الكُسُوف، وكانت أَوَّل صلاةِ كُسُوفٍ فى الإِسلام. وهذا إِنْ ثبت انتفى التَّأْويل المذكُور (¬3). ¬

(¬1) ص 188 سنن الدارقطبى (صفة صلاة الكسوف والخسوف). (¬2) ص 338 ج 3 سنن البيهقى (الصلاة فى الخسوف القمر)، وص 371 ج 2 فتح البارى (الصلاة فى كسوف القمر). (¬3) ص 381 ج 2 فتح البارى. الشرح (الصلاة فى كسوف القمر).

(وقالت) الحنفية والمالكية: تُسَنُّ صلاةُ الخُسوفِ ركْعَتَيْن جَهْرًا فرادَى فى المنازل بركُوع واحدٍ فى كُلِّ ركعة كبقيةِ النوافل. وتُكَرَّر حتى يَنْجَلى القَمَر أَوْ يَغِيب أَوْ يطلع الفجر (فقد) خَسَف القَمَر فى عَهْدِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِرَاراً ولم يُنْقَل إِلينا من طريق صحيح أَنه جمع النَّاس لها. فَيُصَلِّى وتضَرَّع كل وحده (قال) الشَّيْخ إِبراهم الحلبى: ولا جماعة فى خُسُوف القمر للحَرَج فيها، وكذا فى كُلِّ أَمْرٍ مُفْزع كالرِّيح والظُّلمة الشديدتين والزّلْزَلة واستمرار المطَرَ والثَّلْج ونحو ذلك، للحَرَج فى الاجتماع فى جميع ذلك (¬1). (وقال) البدر العينى: لم ينف أَبو حنيفة الجماعة فى خُسُوفِ القمر، وإِنما قال الجماعة فيه سنة بل هى جائزة. وذلك لتعَذّثر اجتماع الناس من أَطرافِ البلد بالليل، وكيف وقد وَرَدَ قوله صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ صلاةِ المرءِ فى بَيْتِه إِلاَّ المكْتُوبة (¬2)، وقال مالك: لم يبلغنا ولا أَهل بلدنا أَنه صلى الله عليه وسلم جمع لِكُسُوفِ القمر، ول نقل عن أَحَدٍ من الأَثمة بعده أَنه جمع فيه (¬3). (وهذا) الخلاف سببه الاختلاف فى الأَمر بالصلآةِ عند الكُسُوف الواردة فى أَحاديث الباب. فمن فهم منه مَعْنًى واحدًا فى كُسُوفِ الشمس وخُسُوفِ القمر كالشافعية والحنبيلة، جعل صلاة خُسُوفِ القمر كصلاةِ كُسُوفِ الشمس. ومن فهم أَنَّ فى الأَمر اختلافاً قال: المفهوم من ¬

(¬1) ص 427 غنية المتملى (تتمات من النوافل). (¬2) أخرجه أحمد والخمسة عن زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة صلاة المرء .. إلخ. وأخرجه الثلاثة بلفظ: صلاة المرء فى بيته أفضل من صلاته فى مسجدى هذا إلا المكتوبة. وحسنة الترمذى وصححه السيوطى. انظر رقم 447 ص 310 ج 2 دين (مكان صلاة التطوع) (411). (¬3) ص 66 ج 7 عمدة القارى (الصلاة فى سوف القمر).

3 - الصلاة عند الظلمة ونحوها

الصَّلآة أَقَلَّ ما يُطْلَق عليه اسْمُ الصلاةِ فى الشَّرْع وهى النافلة منفردًا، إِلاَّ أَن يَدُلَّ الدَّليل على غير ذلك. ولما دَلَّ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم فى كُسُوفِ الشَّمْس على غير هذا المعْنَى، بقى المفهوم فى خُسُوفِ القمر على حالة. أَفاده ابن رشد (¬1). 3 - الصلاة عند الظلمة ونحوها تُسَنُّ الصَّلاة فرادَى فى المنازل والمساجد لِكُلِّ أَمْرِ مُفْزع كالظُّلْمة الشديدة نهارًا والرِّيح الشديدة والضَّوْءِ اقَوىّ لَيْلاً. والفَزَع منِ عَدُوّ والزلزال والصَّواعِق والثلج والمطَر الدائمين وعَموم الأَمْرَاض وغيرها من الأَهوال، لأَن ذلك كله من الآياتِ المخوِّفة. والله تعالى يُحَوَّف عَبِيدَهُ ليتركُوا المعاصِى ويَرْجِعُوا إِلى الطاعة التى فيها فَوْزُهم وخَلآصهم" ولقول " النَّضْرِ بن عبد الله بن مطر: كانت ظُلْمة على عَهْدِ أَنَس بن مالك فأَتَيْتُ أَنَساً فَقُلْتُ: يا أَبا حمزة، هل كان يُصِيبُكُم مثل هذا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسل؟ قال: مَعَاذَ اللهُ، إِن كانت الرِّيح لتَشْتَدّ فَتُبَادِ إِلى المسجد مخافةَ القيامة. أَخرجه أَبو داود والبيهقى والحاكم وصححه (¬2) {22} أى كُنَّا نُسَارع إِلى المسجد للصلاة الدعاءِ مخافَة أَن تَقُومَ السَّاعَة " ولقول " ابن مسعود: إِذا سَمِعْتُم هاداً مِنَ السماءِ فافْزَعُوا إِلى الصَّلاة. أَخرجه البيهقى (¬3) {23} وهذا وإن كان موقوفاً فهو فى حُكْم المرفُوع، لأَنَّ لا يُقَال من قبل الرأْى. ¬

(¬1) ص 169 ج 1 بداية المجتهد (المسألة الخامسة) من مسائل صلاة الكسوف. (¬2) ص 45 ج 7 المنهل العذب (الصلاة عند الظلمة ونحوها) وص 342 ج 3 سنن البيهقى (الفزع إلى الصلاة فرادى عند الظلمة وغيرها) وص 334 ج 1 مستدرك. و (معاذ الله) أى نتعوذ بالله من أن يقع فى زمنه صلى الله عليه وسلم مثل هذه الظلمة. و (معاذ) بفتحتين مصدر أقيم مقام فعله المحذوف وأضيف إلى المفعول بعد حذف الجار. (¬3) ص 343 ج 3 سنن البيهقى (الفزع إلى الصلاة فرادى عند الظلمة وغيرها) و (هاداً) أى صوتا.

(وعن) عِكْرمة قِيلَ لابن عباس: ماتَتْ فُلانة بعض أَزْوَاج النبىَّ صلى الله عليه وسلم فخرَّ ساجِداً، فقيل له: تَسْجُد هذه السَّاعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذا رأَيْتُم آيةً فاسْجُدُوا. وأَىّ آية أَعْظَم من ذَهابِ أَزواج النبىِّ صلى الله عليه وسلم؟ أَخرجه البيهقى وأَبو داود (¬1) {142}. (وقوله) فاسْجُدُوا، أَىْ صَلُّوا من إِطلاق الجزءِ على الكُلِّ. والأَقْرَب أنَّهُ باقٍ على أَصْله كما فَعَلَ ابن عباس (ويُؤيد) الأَوْلَ عُموم ما وَرَدَ أَنَّهُ كانَ صلى الله عليه وسلم إِذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أَخرجه أَحمد وأَبو داود عن حُذَيفة (¬2) {143} (وبهذا) قال الحنفيون والشاعى وأَشْهَب والقاضِى عِياض المالِكِيَّان وهُو روايةً عن أَحمد. (ومَشْهُور) مذهب الحنبلية أَنه لا يُصَلَّى لِشَىْءٍ من الآياتِ إِلاَّ الزَّلزلة الدائمة، فَيُصَلًّى لها كالكُسُوف " لما روى " عبد الله بن الحارث: أَنَّ ابنَ عباس رضى الله عنهما صلَّى فى زَلْزَلة بالبصرة فأَطَالَ القُنُوتَ، ثم رَكَعَ ثم رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ القُنُوتَ، ثم ركَعَ ثم رَفَعَ رَأْسَهُ فأَطَالَ القُنُوتَ، ثم رَكَعَ فَسَجَدَ ثم قامَ فى الثانية فَعَلَ كذلك. فصات صَلآتُهُ سِتَّ ركعاتٍ وأَرْبَع سَجدات. ثم قال ابن عباس: هَكَذَا صلاةُ الآياتِ. ¬

(¬1) ص 343 ج 3 سنن البيهقى (الفزع إلى الصلاة فرادى عند الظلمة والزلزلة). وص 46 ج 7 المنهل العذب (السجود عند الآيات) و (ماتت فلانة؟ ) هى صفية بنت حيى كما فى رواية البيهقى. (¬2) ص 207 ج 2 الفتح الربانى، وص 247 ج 7 المنهل العذب (وقت قيامه صلى الله عليه وسلم من الليل) و (حزبه) بفتحتين، أى هجم عليه أو غلبه أو نزل به هم أو غم. وفى رواية: حزنه بالنون، أى أوقعة فى الحزن.

الفزع الى الطاعات عند نزول الآيات

أَخرجه البيهقى (¬1) {24} (وجه) الدلالة أَنه صَلَّى صلاةَ الزلزال كإِحْدَى كيفياتِ صلاةِ الكُسُوف المتقَدِّمة. (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قُدَامة: قال أَصحابنا: يُصَلَّى للزلزلة كصلاةِ الكُسُوفِ، وهو مذهب إِسحاق وأَبى ثَوْر. قال القاضى: ولا يُصَلَّى للرَّجْفَة والرِّيح الشديدة والظُّلمة ونحوها (¬2). (ومشهور) مذهب مالك أَنه لا يُصَلَّى لآيةٍ ما عَدَا الكُسُوف، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ لغيره وكَذَا خلفاؤه، وقد وَقَعَ فى عَصْرِهم بعضْ هذه الآيات. وحكَى اللخمىّ عن أَشْهَب الصَّلاة. واختاره. الفزع الى الطاعات عند نزول الآيات قد عَلِمْت أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّن أَنَّ الكسُوفَ والخسُوفَ مِنَ الآياتِ التى يُخَوِّف الله بها عِبَاده، وأَمَرَ الأُمَّةَ إِذا حَدَثَ ما ذكر ونحوه أَن تَفْزَع إِلى الصَّلاة والذِّكْر والدُّعَاءِ والاستِغْفَار والصَّدَقَة والْعِتْق (قال) أَبو مُوسَى الأَشْعَرىّ: خَسَفَتِ الشَّمْس فى زَمَن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أَنْتَكُونَ السَّاعة حتى أَتى المجد فَقَامَ يُصَلِّى بأَطْوَل قيام وركُوع وسُجُود، ما رأَيته يفعله فى صلاة قَطَّ. ثم قال: إِنَّ هذه الآيات التى يُرْسِل الله لا تكُون لموْتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه، ولكنَّ الله يُرْسِلها يُخَوَّف بها عِبَاده، فإِذا رأَيْتُم منها شيئاً فافْزَعُوا إِلى ذِكْره ودُعَائِه واستِغْفَارِه. أَخرجه اشيخان (¬3) {144} (وقالت) أَسماءُ بنت أَبى بَكْر ¬

(¬1) ص 343 ج 3 سنن البيهقى (من صلى فى الزلزلة بزيادة عدد الركوع والقيام كصلاة الخسوف) والقنوت: القيام. و (ست ركعات .. إلخ) أى صلى ركعتين، فى كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان. (¬2) ص 282 ج 2 مغنى (لا صلاة لشئ من الآيات إلا الزلزلة). (¬3) ص 380 ج 2 فتح البارى (الذكر فى الكسوف) وص 215 ج 6 نووى مسلم (ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة).

رضى الله عنهما: لقد أَمَرَ النبىُّ صلى اله عليه وعلى آله وسلم بالْعِتَاقَه فى كُسُوفِ. أَخرجه أَحمد والبخارى وأَبو داود (¬1) {145}. وفى الكُسُوف تخويف من الله تعالى، فينبغى أَن يُبَادِرَ إِلى طاعَتِه ليَكْشِفه عن عِبَادِه. ومع هذا نَرَى الكَسُوفَ والخُسُوفَ يَقَعَانِ كُلَّ عام ولا نَرَى أَحَداً مِنَ العامَّة ولا مِنَ ذُكِر، ولا يَدْعُو غيره إِلى ذلك، إِحياءً لهذه السُّنة الدارسة وإِماتةً للبِدْعَه التى شَاعَتْ بين العامَّة. فهم يَأْمُرُونَ الأَوْلآدَ عند خُسُوفِ القمر بالطَّوافِ بالبلد ودَقّ الطُّبول وقَرْع النُّحاس بالصُّفِيح، ويصِيحُون بكلماتٍ تُشْعِر بالْجَهْل والْخِزْى والعار (¬2)، ويَزْعُمُون أَنَّ سبب كُسُوفِ الشمس جَرّ الملائكَة لها على عَجَل لإِغراقها فى البحر فيبتلعها الْحُوت. ولا مَنْشَأَ لهذا إِلاَّ الْجَهْل الفَضِح، وإِهمال تَعَلُّم أَحكام الدَّين، وعدم الاهتداءِ بهَدْى النبىِّ الأَمِين صلى الله عليه وسلم، وعَدَم قيام أَهْل العِلْم بالأَمْر والنَّهْى وإِرشادِ لعامَّة إِلى طرق السَّعادة. ¬

(¬1) ص 224 ج 6 الفتح الربانى، وص 369 ج 2 فتح البارى (من أحب العتاقة فى الكسوف) وص 40 ج 7 المنهل العذب. و (العتاقة) بفتحتين، مصدر عتق العبد، من باب ضرب، عتقاً وعتاقة وعتاقاً. (¬2) من هذا قولهم: يا قمرنا يا هادى ... يا لباس البغدادى وقولهم: يا لطيف الطف بنا ... واحنا عبيدك كلنا وقولهم: يا بنات الحور ... سيبوا قمرنا ينور وقولهم: يا بنات الحور سيبوا القمر ... القمر مكسوف ما معناش خبر (وأما ما يحكى) أن فلكياً أنبأ أحد الأمراء بخسوف القمر فى سنة معينة، فلم يعتقد نبأه خسف القمر كان الأمير نائماً، فأراد الفلكى حيلة لإيقاظه ليشهد الحال بنفسه، فقال للناس: إن الحوت يبتلع القمر فاضربوا الطبول، وأحدثوا ضجة شديدة ليفر الحوت ويترك القمر، فلما فعلوا ذلك أستيقظ الأمير وشاهد القمر مخسوفاً فكافأ الفلكى (فخرافة) وعلى فرض أنها حقيقة فعلى من أحدثها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

اجتماع الكسوف وغيره

اجتماع الكسوف وغيره إِذا اجْتَمَعَ صلاتَانِ كَكُسُوفٍ وعِيدٍ بُدِئَ بما يُخَاف فَوْته، فإِنْ خِيفَ فَوْتهما بدأَ بالصَّلاة الواجبة. وإِنْ لم يَكُن فيهما صلاة واجبة كالكُسُوف والتراويح بدأَ بآكدهما كالكُسُوف. (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: والصَّحِيح أَنَّ الصلوات الواجبة التى تُصَلَّى فى جماعة مقدمة على الكُسوف مطلقاً، لأَنَّ تَقْدِيمَ الكُسُوفِ عيها يُفْضِى إِلى المشَقَّة لإِلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة، وكذلك إِذا اجتمعت مع التراويح قُدِّمَت التراويح لذلك. وإِن اجتمعت مع الوتر فى أَوَّل وقته قُدِّمَت، لأَنَّ الوتر لا يَفُوت. وإِنْ خِيفَ فَوَاته قُدِّم. وإِن اجتمع الكُسُوف وصلاة الجنازة قُدَّمت الجنازة (¬1). 4 - الاستسقاء هو لُغَةً: طَلَب السُّقْيَا. وشَرْعاً: طَلَب السَّقْى مِنَ الله تعالى عند حُصُول الْجذْب بالثناءِ عليه والفَزَع إِليه والاستغفار والصلاة. (وسبب) الجدب ارْتِكَاب المخالفات، كما أَنَّ الطَّاعةَ سبب للبركات قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (¬2). (وعن) ابن عُمَر أَنَّ النبىّض صلى الله عليه وسلم قال: لم يَمْنَعْ قَوْمٌ زكاة أَمْوَالهم إلاَّ مُنِعُوا القطر مِنَ السَّماءِ. ولولا البهائم لم يمطروا. أَخرجه الطبرانى فى الكبير ورَمز السيوطى لضعفه (¬3) {146}. ¬

(¬1) ص 281 ج 2 مغنى (إذا اجتمع صلاتان الكسوف وغيره). (¬2) سورة الأعراف، الآية 96. (¬3) رقم 7369 ص 297 ج 5 فيض القدير.

(وعن) أَبى هُرَيْرَةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: قال ربُّكُم عَزَّ وجَلَّ: لو أَنَّ عِبَادِى أَطَاعُونى لَسْقَيْتهم المطر بالليل وأَطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أَسمعتهم صَوْت الرَّعْد. أَخرجه أَحمد والبزار. وقال: لا يُرْوَى إِلاَّ بهذا الإِسناد (وقال) الهيثمى: مداره على على صدقة بن موسى الدقيقى، ضعفه ابن معين وغيره. وقال مسلم بن إِبراهيم: حدثنا صدقة الدقيقى وكان صدوقاً (¬1) {147}. (وعن بريدة) الأَسْلَمى أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ قَطٌّ إِلاَّ كَانَ القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة فى قوم قط إِلاَّ سلط الله عزَّ وجَلَّ عليهم الموْت، ولا مَنَعَ قَوْمٌ الزكاةَ إِلاَّ حَبَس اللهُ عنهم القطر. أَخرجه البيهقى والحاكم (¬2) {148}. هذا. الاستسقاءُ مشروعٌ فى مكانٍ ليس لأَهله أَنْهَار أَوْ لهم ولكِنَّها لا تَفِى بمصالحهم كَسَقْىِ الزَّرْع والدَّوَابّ (وهو) مشروعٌ بالكِتَابِ والسُّنة وإِجماع الأُمَّة (قال) الله تعالى حكايةً عن سيدنا نُوح عليه الصلاة والسلام: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ". والكلام هنا يَنْحَصِرُ فى سبعة مباحث: 1 - حكم الاستسقاء: اتفق العماءُ على أَنَّهُ يُسَنُّ الخروج إِلى الصَّحراء - فى غير المساجد الثلاثة - ثلاثةَ أَيَّام متتابعات يَدْعُونَ الله ويَتَضَرَّعُونَ إِليه فى نُزُولِ المطر. ويُسْتَحَبُّ للإِمام أَن يَصُوم ويأْمُرَهُم بصِيام ثلاثةِ أَيَّام مُتَتَابعة قبل الخروج ¬

(¬1) ص 230 ج 6 الفتح الربانى، وص 211 ج 2 مجمع الزوائد (الاستسقاء) أفاد أن فى نزول المطر ليلا رحمة بالعباد لعدم المشقة ونزوله بالنهار يعطل عليهم بعض المصالح ويمنع طلوع فلا ينتفعون بها. (¬2) ص 346 ج 3 سنن البهقى (الخروج من المظالم والتقرب إلى الله تعالى).

ويأْمُرَهُم بالتَّوْبه من جميع الذُّنُوب، ثم يَخْرُج بهم فى اليوم الرابع مُشَاةً فى ثِيَابٍ خَلِقَة مُتَذَلِّلِينَ خَاشِعِين لله تعالى نَاكِسِينَ رُءُسَهْم. ويَتَصَدَّقُونَ على المحتاجين فى كُلِّ يوم قبل خُرُوجهم، ويُجَدَّدُونَ التَّوْبةَ بشُرُوطِهَا (ومنها) رَدّ المظالم إِلى أَهْلها، ويُكْثِرُونَ الاستغفارَ ويَتَسَامَحُونَ فيما بينهم، ويُقَدَّمُونَ الضُّعَفَاءَ والشُّيوخ والصِّبْيان يَدْعُونَ والناس يُؤَمِّنُونَ على دُعَائِهم، لأَنه أَقْرَب للإِجابة. (قال) ابن عباس: إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَج مُتَخَشِّعاً مُتَضَرِّعاً مُتَوَاضِعاً مُتَبَذِّلاً مُتَرَسِّلاً، فَصَلِّى بالناس ركْعَتَيْن كما يُصَلِّى فى الْعِيد، فلم يَخْطُب خُطْبَتَكُم هذه. أَخرج أَحمد والأَربعة والبيهقى والدارقطنى والحاكم وقال الترمذى: هذا حديثُ حَسَنٌ صحيح (¬1) {149}. (وقالت) عائِشَةُ: شَكَا النَّاسُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطَر، فَأَمَرَ بمِنْبَرٍ فَوُضِعَ له فى المصَلَّى، وَوَعَدَ الناس يوماً يَخْزُجُون فيه. فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حاجِب الشمس، فَقَعَدَ على المنْبَر فكَبَّرَ وحَمِدَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، ثم قال: إِنَّكُم شَكَوْتُم جَدْبَ دِيَارِكُم واسْتِئْخَارَ المطَر عن إِبَّانِ زَمَانِه عَنْكُم، وقد أَمَرَكُم اللهُ عَزَّ وَجَلِّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُم أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُم. ثم قال: الحمدُ لله رَبِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحِيم، مَالِكِ يَوْم الدِّين، لآ إِلهَ إِلاَّ الله يفعلُ ما يُريد. اللَّهُمَّ أَنْتَ لآ إِله إِلاَّ أَنْتَ الغنىّ ونحنُ الفقراءُ، أَنْزِلْ علينا الغَيْثَ واجعل ما أَنْزَلْتَ علينا قُوَّةً وبلاغاً إِلى حِين، ثم رَفَعَ يَدَيْهِ فلم يَزَل ¬

(¬1) ص 235 ج 6 الفتح الربانى، وص 6 ج 7 المنهل العذب (صلاة الاستسقاء)، وص 224 ج 1 مجتبى، وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه، و 390 ج 1 تحفة الأحوذى، مستدرك. و (متبذلا) أى لابساً ثياب البذلة بكسر فسكون، وهى ما يلبس حال العمل والخدمة و (مترسلا) أى متأنياً فى مشيه.

فى الرفع حتى بَدَا بياض إِبطَيْه، ثم حَوَّل إِلى الناس ظهره وقلب أَوْ حَوَّل ردَاءَهُ وهو رَافِعٌ يَدَيْه. ثم أَقبل على الناس ونَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْن، فأَنْشَأَ اللهُ سحابةً فرعَدَتْ وبَرَقَتْ ثم أَمطرت بإِذْنِ الله، فلم يَأْتِ مسجده حتى بَدَتْ نَوَاجِذَهُ، فقال: أَشْهَدُ أَنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِير وأَنِّى عَبْدُ اللهِ ورَسُوله. أَخرجه أَبو داود والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1) {150}. (ويُسْتَحَبُّ) التنظُّفَ بالماءِ واستعمالِ السِّوَاك وما يقطع الرَّائِحَة. ويُسْتَحَبُّ الخروج لكَافَّةِ الناس. وخروج الشُّيوخ ومَنْ كان ذَا دِينٍ وصلاح أَشَدً استحباباً، لأَنه أَسْرَع للإِجابة. فأَمَّا النِّسَاءَ فلآ بأْسَ بخروج العجائز ومَنْ لا هيئةَ لها. فأَمَّا الشَّوَابّ وذَوَاتِ الهيئة فلا يُسْتَحَبُّ لهنَّ الخروج، لأَنَّ الضَّرَرَ فى خروجهنَّ أَكْثَر مِنَ النَّفْع. ولا يُسْتَحَبُّ إِخراجَ البهائم، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفْعُله. وإِذا عَزَمَ الإِمامُ على الخروج اسْتُحِبَّ له أَنْ يَعِدَ الناس يَوْماً يخرجُونَ فيه، وبَأْمُرَهُم بالتَّوْبة مِنَ المعاصِى والخروج مِن المظالم، والصَّيَام والصَّدَقة، وترك التَّشَاحُن ليّكُونَ أَقْرَبَ لإِجابَتِهم، فإِنَّ المعاصِى سَبَبُ الجدب، والطَّاعَةُ تَكُون سبباً للبركات. قال الله تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ". قاله أَبو محمد عبد الله بن قدامة (¬2). ¬

(¬1) ص 13 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء)، وص 349 ج 3 سنن البيهقى، وص 238 ج 1 مستدرك. و (قحوط) بضمتين، مصدر قحط كخضع، يقال: و (إبان) الشئ بكسر الهمزة وشد الباء: أوله (واجعل ما أنزلت علينا .. إلأخ) يعنى اجعل المطر سبباً لحياة الزرع وغيره الذى به نقوى. واجعله كافياً لنا مدة احتياجنا له. (¬2) ص 284 ج 2 مغنى (صلاة الاستسقاء).

(وما قاله) مِنْ عَدَم استحبابِ إِخراج البهائم روايةً عن أَحمد. وهو مَذْهَب المالكِيَّة. ومَشْهُور مذهب الحنبلية أَنَّهُ يُبَاح إِخراجها، وهو مَذْهَب الحنفية والشافعية، ولا يحضر الاستسقاءَ معنا أَهْلُ الكُفْر عند الحنفيين وأَصْبَغ المالكى والزهرى، لأَنَّ الاستسقاءَ لاستنزالِ الرَّحمة. وإِنما تنزل عليهم اللَّعنة. كذا قالوا. وأَوْرَدَ عليه أَنَّهَ ليس المراد إِلاَّ الرَّحمة العامَّة الدنيوية وهُو المطَر والرِّزْق، وهُم مِنْ أَهْلها. ولذا قالوا: الصَّوَاب أَن يمنَعُوا من الاستسقاءَ وَحْدَهم، لاحتمال أَن يسقوا فيفتتن ضُعَفَاءُ العوامّ. أَفاده الشيخ الحلبى (¬1). (وقالت) المالِكِيَّة والحنبلية: لا يُسْتَحَبُّ إِخراج أَهْلُ الذِّمة ولا يمنعون مِنَ الخروج، ولكن لا يختلطون بالمسلمين، ولا يمكَّنُونَ مِنَ الخروج فى يوم وَحْدَهُم (قال) الشَّيْح منصور بن إِدريس: ويُكْرَهُ لنا أَن نُخْرج أَهل الذِّمة ومَنْ يُخَالِف دِينَ الإِسلام، لأَنهم أَعداءَ الله فهم بَعِيدُونَ مِنَ الإِجابة وإِنْ أُغِيثَ المسلمون فربما ظَنُّوهُ بدُعائِهم، وإِنْ خَرَجُوا من تلقاءِ أَنْفُسِهم لم يُكْرَه ولم يمنعوا، لأَنه خروج لطَلَبِ الرِّزْق، واللهُ ضَمِنَ أَرزاقهم كما ضَمِنَ أَرْزَاق المسلمين، وأُمِرُوا بالانفرادِ عن المسلمين فى يختَلِطُونَ بهم، لقوله تعالى: " وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً " (¬2). ولأَنه لآ يُؤمَن أَن يُصِيبهم عذاب فَيَعُمَّ مَنْ حَضَر، ولا يَنْفَردُونَ بيوم لِئَلاَّ يَتَّفِقَ نُزُولَ غَيْث يوم خروجهم وَحْدَهُم، فيكون أَعْظَمَ لفِتْنَتِهم، وربما افتتن بهم غيرهم، وحُكْم نِسَائِهِم ورقيقهم وصِبيْانهم وعجائزهم حُكْمهم فى حواز الخروج مُنْفَرِدِين لا بيوم، ولا تخرج منهم ولا مِنَ المسلمين حَسْنَاءَ ولو عَجُوزاً (¬3). ¬

(¬1) ص 430 غنية المتملى (صلاة الاستسقاء). (¬2) سورة الأنفال، الآية 25. (¬3) ص 368 ج 1 كشاف القناع (باب صلاة الاستسقاء).

2 - وقت الاستسقاء: الاستسقاءُ بالدعاءِ ليس له وقت مُعَيَّين اتفاقاً، وكذا صلاته لا تختَص بوَقْتٍ عند الجمهور فَتَجُوزُ فى كُلِّ وَقْتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً إِلاَّ أَوقاتَ النَّهْى (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: وليس لصلاة الاستسقاءِ وَقْتٌ مُعَيَّن، إِلاَّ أَنَّهَا لا تفعل فى وَقْت النَّهْى بغير خِلاف، لأَنَّ وقتها مُتَّسع فلا حاجةَ إِلى فِعْلِها فى وَقْتِ النَّهْى. والأَوْلى فِعْلها وَقْتَ الْعِيد، لما رَوَتْ عائشةَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ بَدَا حاجِب الشمس. رواه أَبو داود. ولأَنَّهَا تُشْبِهها فى الموْضِع والصِّفَة، فكذلك فى الوقت، إِلاَّ أَنَّ وَقْتَها لآ يَفُوتُ بزَوَالِ الشمس، لأَنَّهَا ليس لها يَوْمٌ مُعَيَّن فلا يكُونُ لها وَقْتٌ مُعيَّن (¬1). 3 - أنواع الاستسقاء - هى أربعة: (ا) الاستسقاءُ فى خطبةِ الجمعةِ: يَدْعُو الإِمام على المنبر ويُؤَمِّن الناس (روى) شَرِيك بن أَبى نمر عن أَنَس بن مالك أَنَّ رَجُلاً دخل المسجد يومَ الجمعةِ ورسولُ الله صلى الله عليه وعلى آلأه وسلم قائم يَخْطُبُ، فقال: يا رسول الله، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله يغيثنا، فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَدَيْه ثم قالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قال أَنَس: ولا والله ما نَرَى فى السماءِ من سَحَابٍ ولا قَزَعَةٍ - وما بيننا وبين سَلْع من بَيْتٍ ولا دار - فَطَلَعَتْ من ورائِه سَحَابةٌ مثل التُّرس، فَلَمَّا تَوَسَّطَت السَّماءَ انتشرت ثم أَمْطَرَتْ، المقبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَهُ ¬

(¬1) ص 286 ج مغنى (ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين) وما نسبه لأبى داود هو جملة من الحديث السابق رقم 150 ص 132 (حكم الاستسقاء).

قائماً، فقال: يا رسولَ الله، هَلَكَتِ الأَمْوَال وانْقَطَعَتِ السُّبُل، فَادْعُ اللهَ يمسكها عَنَّا، فَرَفَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثم قال: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ على الإِكام والظراب وبُطُونِ الأَوْديةِ ومَنَابِتِ الشجر، فأَقْلَعت وخرجْنَا نمشِى فى الشمس. أَخرجه الشيخان (¬1) { 151}. (ففى) هذا الحديث دلالةٌ على أَنه إِذا وَقَعَ الاستسقاءُ يوم جُمُعَةٍ يُكْتَفَى بالدُّعَاءِ حال خُطْبَةِ الجمعة وصلاتِها. (ب) الاستسقاءُ بالدعاءِ على المنبر بلا صلاةٍ فى غير يوم الجمعة (قال) ابن عباس: جاءَ أَعرابىٌ إِلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد جِئْتُكَ من عند قَوْمٍ لآ يَتَزَوَّد لهم رَاعٍ ولا يَخْطِر لهم فحل، فَصَعِدَ اللنبىُّ صلى الله عليه وسلم المنبر فَحَمِدَ الله ثم قال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مريعاً طبقاً غدقاً عاجلاً غير رائِثٍ، ثم نزل فما يَأْتِيه أَحَدٌ من وَجْهٍ من الوجوه إِلاَّ قالوا قَد أَحْيَيْنَا. أَخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (¬2) {152}. ¬

(¬1) ص 34 ج 2 فتح البارى (الاستسقاء فى خطبة الجمعة) وص 191 ج 6 نووى مسلم (الدعاء فى الاستسقاء) و (القزعة) بفتحات: السحاب المتفرق. و (سلع) بفتح فكون: جبل بالمدينة. و (مثل الترس) أى مستديراً مثله. و (سبتاً) أى أسبوعاً. وفى رواية: ستاً. وفى رواية: فمطرنا من جمعة إلى جمعة. (وانقطعت السبل) لتعذر سلوك الطريق من كثرة الماء. و (الإكام) بكسر الهمزة وقد تفتح ممدودة، جمع أكمة بفتحات، وهى ما ارتفع عن الأرض قليلا (والظراب) بكسر أوله، جمع ظرب بفتح فكسر أو سكون، وهى الرابية الصغيرة (فأقلعت) أى أمسكت السحابة عن المطر .. (¬2) ص 199 ج 1 سنن ابن ماجه (الدعاء فى الاستسقاء) و (لا يتزود لهم راع) أى لا يجد ما يأكله لقلة الزاد بسبب الجدب والقحط. وخص الراعى بالذكر، لأنه يعتنى طعامه أكثر من غيره لما يتحمله من المشاق والبعد عن المساكن (ولا يخطر لهم فحل) أى لا يحرك ذنبه لما لحقه من لضعف لقلة المرعى. يقال: خطر الفحل بذنبه يخطر بالكسر إذا ضرب به يميناً وشمالا (والغيث) المطر. (والمغيث) بضم فكسر: المنقذ من الشدة (والمرئ) المحمود العاقبة المنمى للحيوان. و (المربع) بضم الميم وفتحها وكسر الراء: الذى يأتى بالريع وهو الزيادة، (والطبق) بفتحتين: المطر العام. (والغدق) الماء الكثير. (والرائث) المبطئ.

(جـ) الاستسقاءُ بالدعاءِ فى غير المسجد بلا صلاة (قال) جابر بن عبد الله: أَتَت النبىَّ صلى الله عليه وسلم بواكى فقال: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً عاجِلاً غير آجل نافعاً غير ضار، فأَطْبَقت عليهم السمَّاء. أَخرجه أَبو داود والحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَين (¬1) {153} (وعن) عُمَيْر مَوْلى آبى اللحم أَنَّهُ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقى عند أَحجار الزَّيت قريباً من الزَّوْرَاءِ يَسْتَسْقى رافِعاً يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهه لا يُجَاوِزُ بهما رَأْسَهُ. أَخرجه أحمد والثلاثة بسَنَدٍ رجاله موثقون (¬2) {154}. (ولذا) قال أَبُو حنيفة: لا صلاةَ فى الاستسقاءِ بجماعةٍ مسنونةٍ بل مَنْدُوبة، لعدم المواظَبَةِ عليها، ولا خُطْبَةَ لأَنها تبع الجماعة، بل الاستسقاءُ دعاءٌ واستغفارٌ بأَنْ يقُومَ الإِمامُ مُستقبل القِبْلَة يَدْعُو رافعاً يَدَيْه والناس قُعُود مُسْتَقْبلون يُؤَمِّنُون على دُعَائِه بما تَقَدَّم. وبما فى حديث عَمْرو ابن شُعيب عن أَبيه عن جَدِّه قال: كانَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم إِذا اسْتَسْقَى قال: اللَّهُمَّ اسْق عِبَادَك وبَهَائِمكَ وانْشُرْ رَحْمَتَكَ وأَحْى بلَدَكَ الميِّت. أَخرجه مالك وأَبو داود والبيهقى بسَنَدٍ جيد (¬3) {155}. (قال) البدر العينى: اعْلَمْ أَنَّ أَبا حَنِيفَة قال: ليس فى الاستسقاءِ ¬

(¬1) ص 10 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستشقاء) وص 326 ج 1 مستدرك (كتاب الاستسقاء). (¬2) ص 247 ج 6 الفتح الربانى، وص 8 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء) وص 225 ج 1 مجتبى (كيف يرفع)، وص 390 ج 1 تحفة الأحوذى. و (آبى اللحم) بالمد اسم فاعل من أبى، أى امتنع، لقب بذلك لأنه كان لا يأكل مما ذبح للأصنام. و (أحجار الزيت) موضع بالمدينة، سمى بذلك لسواد أحجاره. و (والزوراء) بفتح فسكون: موضوع عند سوق المدينة. (¬3) ص 344 ج 1 زرقانى الموطإ، وص 18 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء).

صلاةٌ مسنونةٌ فى جماعة، فإِنْ صَلَّى الناس وحداناً جَازَ، إِنما الاستسقاءُ الدعاءُ والاستغفار، لقوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ". علق نزول الغَيْثِ بالاستِغْفَار لا بالصَّلآةِ. فكانَ الأَصْلُ فيه الدعاءُ والتَّضَرُّع دُونَ الصَّلاة، ويَشْهَدُ لذلك أَحَادِيث (وذكَر الأَحاديث السابقة وآثاراً أُخرُى) ثم قال: فهذه الأَحاديث والآثار كلها تشهد لأَبى حنيفةَ أَنَّ الاستسقاءَ استغفارٌ ودعاءٌ (وأُجِيبَ) عن الأَحاديث التى فيها الصَّلاة أَنه صلى الله عليه وسلم فَعَلَها مَرَّةً وتكَها أُخرى. وذا لا يَدُلُّ على السُّنية، وإِنما يَدُلُّ على الجواز (¬1) (وقال) الشَّيْخ الحلبى: فالحاصل أَنَّ الأَحادِيثَ لما اختلفت فى الصلاة بالجماعة وعَدَمِها على وَجْه لآ يَصْلُح به إِثبات السُّنية، لم يقل أَبو حنيفة بسُنِّيتها. ولا يلزم من عَدَم قوله بِسُنِّيتها، قوله بأَنها بدعة كما نقله عنه بعض المشنعين بالتعصب بل هو قائل بالجواز (¬2). (د) الاستسقاءُ بصلاةِ ركعَتَيْن وخُطبةٍ ودعاءٍ (رَوَى) عَبَّاد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازنى أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يَسْتَسْقى فَصَلَّى بهم ركعَتَيْن جَهَرَ بالقراءَةِ فيهما، وحَوَّلَ رِدَاءَهُ ورَفَعَ يَدَيْه فَدَعَا واسْتَسْقَى واستقبل الْقِبْلَة. أَخرجه أَحمد والبخارى والثلاثة (¬3) {156}. (وقال) أَبو هُريرة: خرجَ نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَسْتَسْقى وصَلَّى بِنَا ركعَتَيْن بلآ أَذَانٍ ولا إِقامة، ثم خَطَبَنَا ودَعَا الله وحَوَّلَ ¬

(¬1) ص 35 و 36 ج 7 عمدة القارى (وقت الاستسقاء). (¬2) ص 429 غنية المتملى (صلاة الاستسقاء). (¬3) ص 234 ج 6 الفتح الربانى، وص 350 ج 2 فتح البارى (الجهر بالقراءة فى الاستسقاء) وص 2 ج 7 المنهل العذب، وص 388 ج 1 تحفة الأحوذى، وص 224 ج 1 مجتبى (تحويل الإمام ظهره عند الدعاء فى الاستسقاء)، وص 347 ج 3 سنن البيهقى (الدليل على أن السنة فى صلاة الاستسقاء كالسنة فى صلاة العيدين).

وَجْهَهُ نحو القِبْلة رافِعاً يَدَيْه، ثم قَلَبَ رِدَاءَهُ فجعل الأَيمن على الأَيْسَر والأَيْسَر على الأَيمن. أَخرجه أَحمد وابن ماجه والبيهقى بسَنَدٍ رجاله ثِقَات (¬1) {157}. وقد تَفَرَّدَ به النعْمَان بن راشد. والأَحاديث هنا كَثِيرة وهى تَدُلُّ على أَنه يُسَنُّ للإِمام أَو نائبه إِذا أَجْدَبَت الأَرض واحتَبَسَ المطر أَوْ قَلَّ مَاءُ النَّهْر، أَنْ يُصَلِّى بالناس ركْعَتَيْن كصلاةِ الْعِيد بلا أَذانٍ ولا إِقامة، يَجْهَرُ فيهما بالقراءَةِ ثم يَخْطُب ويُكْثر مِنَ الدُّعاءِ والاستغفار والتَّضَرُّع إِلى الله تعالى، مُستقبلاً القِبلة رافِعاً يَدَيْهَ مُحَوِّلاً ملابسَهُ ظَهْراً لِبَطْن عند الدعاءِ (وبهذا) قال مالك والشافعىّ وأَحمد وأَبو يُوسُف ومُحمد وجُمهور السَّلَف والخلف (أَمَّا الصلاة) فقد اتفقوا على أَنَّهَا ركْعَتَانِ وعلى الْجَهْر كما فى الكُسُوف (واختلفوا) فى صِفَتِها، فروى أَنه يُكَبَّر فيها ويُقْرَاُ كتَكْبير الْعِيد وقراءَتِه " لقول " ابن عباس: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاءِ مُتَوَاضِعاً مُتَضَرِّعاً حتى أَتى المصَلَّى فرقى المنْبَر فلم يَخْطُب خُطْبتكُم هذه ولكن لم يَزَلْ فى الدعاءِ والتَّضَرُّع، والتَّكْبير ثم صَلَّى ركعتَيْن كما يُصَلِّى فى الْعِيد. أَخرجه أَحمد والأَربعة وقال الترمذى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح (¬2) {158}. (وقال) طلحة بن يَحْيى: أَرْسَلَنى مروان إِلى ابن عباس أَسْأَله عن سُنَّة الاستسقاءِ، فقال: سُنَّةُ الاستسقاءِ سُنَّة الصلاةِ فى العِيدَيْن، إِلاَّ أَنَّ ¬

(¬1) ص 233 ج 6 الفتح الربانى، وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الاستسقاء) وص 347 ج 3 سنن البيهقى (السنة فى الصلاة الاستسقاء كالسنة فى العيدين). (¬2) ص 235 ج 6 الفتح الربانى، وص 6 ج 7 المنهل العذب، وص 224 ج 1 مجتبى (الحال التى يستحب للإمام أن يكون عليها)، وص 390 ج 1 تحفة الأحوذى وص 198 ج 1 سنن ابن ماجه (فلم يخطب فى الاستسقاء كخطبة العيد والجمعة بل خطب خطبة خاصة بطلب السقى وما يتعلق به كما تقدم.

رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَلَبَ رِدَاءَهُ فجعل يمينَهُ على يَسَارِه، وجعل يَسَارَهُ على يمينِه وصَلَّى ركعتَيْن كَبَّر فى الأُولى سَبع تَكْبيراتٍ وقَرَاَ بسَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وقَرَاَ فى الثانية هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة، وكَبَّر فيها خمس تَكْبيراتٍ. أَخرجه الحاكم وقال: حديثٌ صحيحُ الإِسناد (¬1) {159} ورد بأَنَّ فى سَنَدهِ عبد العزيز بن عبد الملك، قال الذهبى: عبد العزيز ضعيف. (وبهذا) قال الشافعىّ وداود الظاهرى. وروى عن مُحمد بن الحسنَ. والمشْهُور عنه أَنه لا يُكَبر فيها تَكْبِير الْعِيد. وبه قال الجمهور ومنهم مالك وأَحمد وإِسحاق، لأَنه لم يُذْكَر فى الأَحاديث الصحيحة. (وأَجَابُوا) عن قول ابن عباس فى الحديث الأَوَّل: كما يُصَلَّى الْعِيد (بأَنَّ) المراد كصلاة الْعِيد فى عَدَدِ الركعاتِ والْجَهْر بالقراءَة، وكون الصلاة قبل الْخُطْبة (وعن) حديثِ طلحة بن يَحْيى، بأَنه ضَعِيف كما علمت. (وأَمَّا الْخُطْبة) فقد اتفق القائلونَ بِسُنِّية الجماعة فى الاستسقاءِ على أَنَّهَا سُنَّة. واختلفوا فى عَدَدِها وَوَقْتِهَا (فقال) أَبو يُسُف وأَحمد: هى خُطْبة وَاحِدَة (وقال) مالك والشافعىّ ومحمد: يخطب خُطْبَتين. ولا صريح فى المرويات يَدُلُّ عليه (وهى) بعد الصَّلاةِ عند مالك والشافعى وأَحمد والجمهور " لقول " عبد الله بن زيد المازنى: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى المصَلَّى واسْتَسْقَى وحَوّلَ رِدَاءَهُ حِينَ استقبل، وبَدَاَ بالصلاة قبل الْخُطْبة ثم استقبل القِبْلَةَ فَدَعَا. أَخرجه أَحمد (¬2) {160}. ¬

(¬1) ص 326 ج 1 مستدرك (تقليب الرداء والتكبيرات والقراءة فى صلاة الاستسقاء). (¬2) ص 233 ج 6 الفتح الربانى (صفة الاستسقاء والخطبة لها والجهر بالقراءة فيها).

" ولما " تَقَدَّمَ عن أَبى هريرة من قوله: وصَلَّى بِنَا ركعتَيْن بلا أَذَانٍ ولا إِقامة، ثم خطبنَا (¬1). (وعن) أَحمد أَنه يخطب قبل الصَّلاة. وروى عن عُمر وابن الزُّبَيْر وعُمر بن عبد العزيز. وبه قال اللَّيْثُ بن سعد " لما " تقَدَّم عن عائشةَ قالت: شَكَا الناس إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطر فأَمَرَ بمنْبَرٍ فَوُضِعَ له فى المصَلَّى (الحديث) وفيه: ثم أَقْبَلَ على الناس ونَزَلَ فَصَلَّى ركعتَيْن (¬2). " ولقول " عبد الله بن يزيد الخطيمى: إِنَّ ابْنَ الزُّبير خرج يَسْتَسْقى بالناس فَخَطَب ثم صَلَّى بغير أَذَانٍ ولا إِقامةٍ، وفى الناس يَوْمَئِذٍ البراءُ ابن عازب وزيد بن أَرْقَم. أَخرجه الطبرانى فى الكبير بسَنَدٍ رجاله رجال الصحيح (¬3) {25}. (ولا مُنَافَاةَ) بين أَحادِيث تَقْدِيم الصلاة على الْخُطْبة، وأَحادِيث تَقْدِيم الْخُطْبة على الصَّلاة، لأَنَّ الكُلّ جائِز. وقد رُوِى عنه صلى الله عليه وسلم أَنه خَطَبَ قبل الصلاة وخَطَبَ بَعْدَها، فالكُلّ سُنَّة (وأَمَّا) استقبالُ القِبْلة ورَفْع الأَيْدِى حالَ الدُّعاءِ وتحويل الملابس فهى سُنَّة عند الجمهور لما تَقَدَّم " ولقول " أَنَس: إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فأَشَارَ بظَهْرِ كَفَّيْة إِلى السَّماءِ. أَخرجه أَحمد ومسلم والبيهقى (¬4) {161} " ولقوله " إِنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَسْقِى هكذا، ومَدَّ يَدَيْهِ ¬

(¬1) تقدم تاماً رقم 157 ص 138 (الاستسقاء بالصلاة والخطبة والدعاء). (¬2) تقدم تاماً رقم 150 ص 132 (استسقاء النبى صلى الله عليه وسلم). (¬3) ص 216 ج 2 مجمع الزوائد (باب الاستسقاء). (¬4) ص 246 ج 6 الفتح الربانى، وص 190 ج 6 نووى مسلم (رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء) وص 357 ج 3 سنن البيهقى (رفع الناس أيديهم فى الاستسقاء).

وجعل بُطُونهما مَّمِا يَلِى الأَرْض حتى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبطَيْه. أَخرجه أَبو داود والبيهقى (¬1) {162}. (وفى هذه) الأَحادِيث دَلِيلٌ على أَنَّ السُّنة فى كُلِّ دعاءٍ لرفع بلاءٍ كالقَحْطِ ونحوه أَنْ يرفع يَدَيْهِ جاعِلاً ظهر كَفَّيْه إِلى السَّماءِ. (وحكمته) الإِشارة إِلى تَحَوُّل الحال من الشِّدَّةِ والقَحْطِ إِلى الرَّخاءِ " لحديث " ابن عباس أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: سَلُوا اللهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُم، ولا تَسْأَلُوه بظُهُررِها، فإِذا فَرَغْتُم فامْسَحُوا بها وجُوهَكُم. أَخرجه أَبو داود. وقال: روى هذا من غير طريق عن ابن عباس يرفعه. وكلها وَاهِية. وهذا الطريق أَمثلها وهو ضعيف (¬2) {163} أَى لأَنَّ فيه أَبا المقدام هشام بن زياد. ضعفه غير واحد من الحفَّاظ (¬3). واختلفوا فى كيفيةِ تحويل الرداءِ (فقال) أَبو يُوسُف ومُحمد: يُحَوَّل الإِمام دون القَوْم. بأَن يجعل طرف ردائه الأَيمن على عاتقه الأَيْسَر وبالعَكْس إِنْ كانَ الرِّداء مُدَوَّراً، وإِنْ كان مُرَبَّعاً جَعَلَ أَعْلآه أَسْفَل وبالعكس " لقول" محمد بن مُسْلم الزُّهرى: أَخْبَرَنى عَبَّاد بن تميم ¬

(¬1) ص 12 ج 7 المنهل العذب (رفع اليدين فى الاستسقاء) وص 357 ج 3 سنن البيهقى وقد ثبت بالأحاديث الكثيرة الشهيرة أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه عند الدعاء فى غير الاستسقاء كما تقدم فى بحث " رفع اليدين حال الدعاء " ص 350 ج 2 دين طبعة ثانية (ولا يقال) كيف يرى بياض إبطيه وهو لابس ثيابه (لاحتمال) ألا يكون لابساً ثوبه حينئذ، بل كان مرتدياً، من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. فإن آباط غيره مفمور بالشعر، متغيرة اللون. (¬2) تقدم رقم 518 ص 350 ج 2 دين (رفع اليدين حال الدعاء) وهذا عجز الحديث وصدره عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تستروا الجدر. من نظر فى كتاب أخيه بغير إّنه فإنما ينظر فى النار. وسلوا الله ... إلخ. (¬3) فالحديث ضعيف. وتصحيح السيوطى له غير مسلم. ولكن له شواهد تقوية منها ما تقدم فى بحث " رفع اليدين حال الدعاء " صفحة 351 ج 2 دين طبعة ثانية.

المازنىّ أَنه سَمِعَ عمه (عبد الله بن زيد) يقول: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً يَسْتَسْقى، فَحَوَّل إِلى الناس ظَهْرَهُ يَدْعُو الله عَزَّ وجَلَّ، واستقبل القِبْلَةَ وحَوَّل رِدَاءَهُ فجعل عِطافه الأَيمن على عاتقِه الأَيْسَر وجعل عِطافه الأَيْسَر على عاتقِه الأَيمن ثم دَعَا الله عَزَّ وجَلَّ. أَخرجه أَبو داود والبيهقى (¬1) {164}. (وروى) سفيان الثورى عن أَبى بكْر بن مُحمد بن عَمْرو بن حزم أَنه سمع عَبَّاد بن تميم عن عمه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلى المصَلَّى واستقبل القِبْلةَ وقَلَبَ رِدَاءَهُ وصَلَّى ركعتَيْن. قال سفيان: قَلْبُ الرِّدَاءِ: جَعْل اليمين الشَّمال والشَّمال اليمين. أَخرجه أَحمد (¬2) {165}. (وقال) مالك وأَحمد: يُحَوِّل الإِمام والْقَوْم الملابس بجَعْل ما على العاتِق اليمين على اليَسَار وبالْعِكْس. وبه قَلَت الشافعية: إِذا كانَ الرِّداءُ مُدَوَّراً، فإِنْ كان مُرَبَّعاً فَعَل به ذلك، وجعل أَعْلآهُ أَسْفَله وأَسْفَله أَعْلآه " لقول " عبد الله بن زيد: رأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين اسْتَسْقَى لنا، أَطَالَ الدُّعاءَ وأَكْثَر المسأَلة. ثم تَحَوَّلَ إِلى القِبْلَة وحَوَّل رِدَاءَهُ فَقَلَبَهُ ظَهْراً لِبَطْن وتَحَوَّلَ النَّاس معه. أَخرجه أَحمد هكذا (¬3) {166} واسْتَشْهَدَ به الحافظ ابن حجر، لكن ذكره بلفظ: وحَوَّل النَّاس معه. وأَخرجه السِّتة مُقتصرين عل قوله: وحَوَّل رِدَاءَهُ. وهو الحديث الآتى. هذا. والتَّحْوِيل يكون عند استقبال القِبْلَة للدُّعاءِ " لحديث " عَبَّاد ابن تميم أَنَّ عبد الله بن زيد أَخبره أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ¬

(¬1) ص 4 ج 7 المنهل العذب (صلاة الاستسقاء) وص 350 ج 3 سنن البيهقى (كيفية تحويل الرداء)، و (العطاف) بكسر العين فى الأصل: الرداء، سمى بذلك لوقوعه على عطفى الرجل بكسر العين المهملة، أى ناحيتى عنقه. (¬2) ص 243 ج؟ الفتح الربانى، وص 244 منه (تحويل الإمام والناس أرديتهم فى الدعاء). (¬3) ص 243 ج؟ الفتح الربانى، وص 244 منه (تحويل الإمام والناس أرديتهم فى الدعاء).

إِلى المصَلَّى ليَسْتَسْقى، وأَنه لما أَرَادَ أَنْ يَدْعُو استقبل القِبْلَةَ ثم حَوَّل رِدَاءَهُ أَخرجه الشيخان وأَبو داود (¬1) {167}. وفى رواية: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى المصَلَّى فاسْتَسْقَى وحَوَّلَ رِدَاءَه حين اسْتَقْبَلَ القِبْلَة. (وحِكْمة) التَّحْويل التَّفَاؤل بأَنَّ الله تعالى يُحَوِّلُ الحالَ من الجدبِ والقَحْطِ إِلى الرخاءِ والْخِصْب " فقد " رَوَى جعفر بن مُحمد عن أَبيه قال: اسْتَسْقَى رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحَوَّل رِدَاءَهُ ليتَحَوَّل القَحْطُ. أَخرجه الدارقطنى مرسلاً، والحاكم عن جابر بن عبد الله وقال هذا حديثٌ صحيحٌ الإِسناد (¬2) {168}. (قال) أَبو مُحمد عبد الله بن قدامة: ويُسْتَحَبُّ تحويل الرِّدَاءِ للإِمام والمأْموم فى قول أَكثر أَهل الْعِلم (وقال) أَبو حنيفة، لا يُسَنَّ لأَنَّهُ دعاءٌ، فلا يُسْتَحَبُّ تحويل الرِّدَاءِ فيه كسائر الأَدْعِية. وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَحَقَّ أَنْ تُتَّبَع (وحكى) عن سعيد بن المسيب وعروة والثورى أَنَّ تحويل الرِّدَاءِ مختصٌّ بالإِمام دون المأْموم. وهو قول الليث وأَبى يوسف ومُحمد بن الحسن، لأَنَّهُ نقِلَ عن النبىَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون أَصحابه (ولنا) أَنَّ ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم يَثْبُت فى حَقِّ غيره ما لم يَقُمْ على اخْتِصَاصِه به دَلِيلٌ. كيف وقد عُقِلَ المعْنَى فى ذلك وهو التفاؤل بقَلْبِ الرِّدَاءِ ليقلب الله ما بِهم من الجدْبِ إِلى الخِصْبِ، وقد جاءَ ذلك فى بعض الحديث (¬3). ¬

(¬1) ص 351 ج 2 فتح البارى (استقبال القبلة فى الاستسقاء)، وص 189 ج 6 نووى مسلم (رفع اليدين بالدعاء فى الاستسقاء)، وص 8 ج 7 المنهل العذب (فى أى وقت يحول رداءه إذا استسقى). (¬2) ص 189 سنن الدارقطنى (الاستسقاء) وص 326 ج 1 مستدرك (الاستسقاء). (¬3) 289 ج 2 مغنى (تحويل الرداء) و (بعض الحديث) هو حديث جابر رقم 168 (حكمة تحويل الرداء فى الاستسقاء).

4 - تكرير الاستسقاء: إِذا خَرَجَ القوم للاستسقاءِ فسُقُوا فَبِهَا، وإِلاَّ عادُوا فى اليوم الثانى والثالث عند الأَئِمة الأَربعة والجمهور (وقال) إِسحاق: لا يَخْرُجُونَ إِلاَّ مَرَّةً واحدةً، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَخْرُجْ إِلاَّ مَرَّةً واحدةً. ولكن يجتمعون فى المساجد ويذكُرُونَ الله تعالى ويَدْعُونَ ويستغفرون بعد الصلاة ويَدْعُو الإِمام يوم الجمعة على المنبر ويُؤَمِّن النَّاسُ. (وأَجاب) الجمهور بأَنَّ الخروج أَبلغ فى الدعاءِ فى الدعاءِ والتَّضَرُّع. (والنبى) صلى الله عليه وسلم لم يخرج ثانياً لا ستغنائِه عن الخروج بإِجابتِه أَوَّل مَرَّة. وإِنْ تَأَهَّبُوا للخروج فسُقُوا قبل خروجهم لم يَخْرُجُوا وشَكَرُوا الله على نِعَمِه، وسأَلُوه المزيد من فَضْلهِ. وإِنْ خرجوا فسُقُوا قبل أَن يُصَلُّوا صَلُّوا شُكْراً لله وحمدوا وَدَعُوا. أَفاده ابن قدامة. 5 - الاستسقاء بالأحياء الصالحين: يُسْتَحَبّ الاستسقاءَ بأَهْل الصَّلاح والتقوى " روى " أَنَس أَنَّ عُمَر ابن الخطاب كان إِذا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِليك بنبينا فتسْقِينا، وإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِليك بعَمِّ نَبِيِّكَ فاسْقِنَا، فَيُسْقَوْن. أَخرجه البخارى (¬1) {26}. (وروى) أَنَّ معاوية خرج يَسْتَسْقِى، فَلضمَّا جَلَسَ على المنبر قال: أَيْنَ يَزِيد بن الأَسْوَد الجرشى؟ فقَامَ يَزِيدُ، فدعاهُ مُعاوية فأَجْلَسَهُ عند رِجْلَيْهِ ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِليك بخَيْرِنا وأَفْضَلِنَا، يزيد بن الأَسْوَد. يا يَزِيد ارْفَعْ يَدَيْكَ، فرفَعَ يَدَيْهِ ودَعَا الله تعالى، فَثَارَتْ فى ¬

(¬1) ص 339 ج 2 فتح البارى (سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) وقحطوا بضم فكسر، أى أصابهم القحط.

الغرب سَحَابةٌ مثل الترس وهَبّ لها رِيحٌ فَسُقُوا حتى كادُوا لا يبلغوا منازلهم. واسْتَسْقَى به الضَّحَّاك مرة أُخرى. ذكَرَهُ ابن قدامة (¬1) {27}. 6 - هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى الاستسقاء: قال العلامة ابن القيم: ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى على وُجُوه: (أَحَدُها) يَوْمَ الجُمْعة على المنْبَر فى اَثْنَاءِ خُطْبَتِه وقال: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا. (الثانى) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلى المصَلَّى وصَلَّى بالناس ركعَتَيْن وخَطَبَ. (الثالث) أَنَّهُ اسْتَسْقَى على مِنْبَرِ المدينةِ اسْتِسْقَاءً مجرَّداً فى غَيْرِ يَوْم الجمعة. ولم يحْفَظْ عنه صلى الله عليه وسلم فى هذا الاسْتِسْقَاءِ صلاة. ... (الرابع) أنَّهُ اسْتسْقَى وهو جَالِسٌ في المسجد فَرَفَعَ يَدَيْهِ ودَعَا الله عَز وجل فحفظ من دعائه حينئذٍ: اللهمَّ اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائِثٍ، نافعاً غير ضارّ. (الخامس) أنه استسقَى عِنْدَ أحجار الزَّيت قريباً من الزَّوراءِ، وهي خارج باب السلام نَحْوَ قَذْفة حَجَر ينعطفُ عن يمين الخارج من المسجد. (السادس) أنَّهُ اسْتسقَى في بعض غَزَواتِه لما سبقه المشركُون إلى الماءِ فأصَابَ المسلمين العطَشَ، فشَكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضُ المنافقين: لو كَانَ نبَّياً لاسْتسقَى لقومِهِ كما استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فبلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَوَقَدْ قالُوها؟ عَسَى ¬

(¬1) ص 295 ج 2 مغنى (يستحب أن يستسقى بمن ظهر صلاحه) والترس بضم فسكون وجمعه تروس.

ربكم أن يسقيكُم، ثم بَسَطَ يديهِ ودعَا، فما ردّ يديْه من دعائِه حتى أظلتهم السحاب وأمطروا فأفْعَم السيْل الوادي فشرب الناس فارتووا (وحفظ) من دعَائِه في الاستسقاء: اللهمَّ اسْق عِبَادَك وبهائمك، وانشرْ رحمتك وأحْي بَلَدَك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً نافعاً غير ضارّ، عاجلاً غير آجل، وأغيثَ صلى الله عليه وسلم في كلِّ مرةٍ استسقى فيها (¬1). "وقال" أبو لبابة بن عبد المنذر: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو لبابة: إن التمر في المرابِد يا رسولَ الله. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقِنَا حتى يقوم أبو لبابة عُرياناً فيسدُّ ثعلب مِرْبَدِه بإزارِه. وما نرَى في السماء سحاباً، فأمطرتْ، فاجتمعُوا إلى أبي لبابة فقالوا: إنها لن تقلع حتى تقوم عرياناً فتسد ثعلب مربدك بإزارك، ففعَلَ، فأصحت. أخرجه الطبراني في الصغير. وفيه من لا يعرف (¬2) {169}. وقد تقدَّم تفصيل ذلك وما وَرَدَ فيه في بحث "أنواع الاستسقاءِ". 7 - ما يطلب لرؤية المطر والريح: يستحب الدعاء عندئذٍ "لقول" عائشةَ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رَأَى المطَرَ قال: اللهمَّ صبياً نافعاً. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي (¬3) {170} "ولقولها" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاةٍ خفَّفَ، ثم ¬

(¬1) ص 126 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء). (¬2) ص 215 ج 2 مجمع الزوائد (الاستسقاء) و (المربد) كمنبر: موضع تجفيف التمر ونحو. وثعلبه: ثقبه الذي يسيل منه ماء المطر. (¬3) ص 254 ج 6 الفتح الرباني، وص 353 ج 2 فتح الباري (ما يقال إذا مطرت).

يقول: اللهم إني أعُوذُ بِكَ من شرِّها، فإن مَطر قال: صَيِّباً هنيئاً. أخرجه أبو داود (¬1) {171} "ولقول" المطلب بن حنطب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند المطرَ: اللهم سُقْياً رحمةٍ ولا سُقْيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ. اللهمَّ على الظِّرَابِ ومنابِتِ الشَّجَر. اللهم حواليْنَا ولا علينا. أخرجه البيهقي (¬2) {172}. "ولقول" أبي هريرة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلُوا الله خيرها واستعيذوا باللهِ من شَرِّها. أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (¬3) {173}. "ولحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الرياح فإنها من روح الله تعالى تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬4). (ويُسْتَحَبُّ) أن يقف الانسان في أول المطَرَ ويكشفَ بعض بَدَنِه ليصيبه المطرَ تبرُّكاً. قال أنس: مُطِرنَا على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فحسرَ ثوبهُ عنه حتى أصابهُ المطر. قلنَا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهدٍ بربه. أخرجه أحمد ومُسلم ¬

(¬1) ص 26 ج 2 تيسير الوصول (دعاء الرعد والريح والسحاب). (والناشيء): السحاب، يقال: نشأت السحابة ارتفعت. و (مطر) من باب طلب. و (الصيب) المدرار. (¬2) ص 256 ج 3 سنن البيهقي (الدعاء في الاستسقاء). و (الظراب) الحجارة الثابتة. (¬3) رقم 4549 ص 60 ج 4 فيض القدير. ونسبه أيضاً الى النسائي في اليوم والليلة. (¬4) رقم 9787 ص 399 ج 4 فيض القدير، وص 211 ج 2 سنن ابن ماجه (النهي عن سب الريح).

والبيهقي (¬1) {175}. ومعناه أن المطر رحمة وهو قريب العهد بخلق الله تعالى فيتبرك به. (خاتمة) يجبُ على كل مكلف أن يعتقد أن المطر من عند الله ومن خلقه لا يقدر على حبسه وإنزاله إلا الله تعالى، ولا تأثير للكواكب في شيء من ذلك، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلَ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَته وَهُوَ الْوَلِيُّ الحَمِيد" (¬2). (أما) من اعتقد أن للنجوم تأثيراً في ذلك فهو مشرك "قال زيد" ابن خالد الجهني: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءٍ كانت من الليلِ. فلما انصرف أقبلَ على النَّاس فقال: هل تدرون ماذا قالَ ربكُم؟ قالوا: الله ورسولهُ أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب، ومؤمن بالكوكب كافرٌ بي. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافرٌ بالكوكب. وأما من قال مطرنا بنوءٍ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكبِ. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي وكذا النسائي نحوه (¬3). [176] ¬

(¬1) ص 253 ج 6 الفتح الرباني، وص 195 ج 6 نووي مسلم، وص 359 ج 3 سنن البيهقي (البروز للمطر). (¬2) سورة الشورى، الآية 28. (¬3) ص 252 ج 6 الفتح الرباني (اعتقاد أن المطر بيد الله .... )، وص 355 ج 2 فتح الباري، وص 357 ج 3 سنن البيهقي (كراهية الاستمطار بالانواء)، وص 227 ج 1 مجتبي. و (الحديبية) بالتصغير وتخفيف الياء الاخيرة وتشدد؛ : قرية صغيرة على مرحلة من مكة وعلى تسع مراحل من المدينة، سميت باسم بئر هناك (وهي) من الحرم. وقال ابن القصار: بعضها في الحرم وبعضها في الحل (وفيها) صدت قريش النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه عن مكة، وصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما طلبوا، وبايع أصحابه بيعه الرضوان، وذلك أنه في أول ذي القعدة سنة ست من الهجرة (في إبريل سنة 628 م) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في 1400 أربعمائة وألف، وساق معه الهدى سبعين بدنة، وأحرم من المدينة .. ولما كان بثنية المرار (طريق مشرف على الحديبية) بركت ناقته، فزجروها فلم تقم، فقالوا: = =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ خلأت القصوى (أي أعيت حتى ألقت خلاءها، أي عنقها) فقال عليه الصلاة والسلام: ما خلأت وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة (خصلة) يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم اليها، ثم زجرها فوثبت، فعدل حي نزل بأقصى الحديبية على ثمد (بفتحتين وبفتح فسكون، أي بئر) قليل الماء فنزح، وشكا الناس العطش، فانتزع صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته فوضعوه فيه، فما زال يجيش (يفور) لهم بالري حتى صدروا عنه. فجاء بديل بن ورقاء الخزاعي، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن القوم قد خرجوا لقتالك وصدك عن البيت. فقال صلى الله عليه وسلم: إنما جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد أضرت بهم الحرب، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا ما بيني وبين الناس، فإن أظهر اطاعوني إن شاءوا، وإلا فقد جموا (بشد الميم، أي استراحوا وكثروا) وإن أبوا فلأقاتلنهم حتى تفرد سالقي (صفحة عنقي) ولينفذن الله أمره. فقال بديل: سأبلغهم ما قلت. فلما بلغهم أرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي، فأتاه فكلمه. فقال له مثل قوله لبديل. فقال عروة: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أن أحداً اجتاح أهله؟ وإن تكن الاخرى فإني لأرى وباشاً (أي أخلاطاً) من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال ابو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات، انحن نفر وندعه؟ ثم رجع عروة وقد رأى آداب الصحابة مع النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام، إذا أمر ابتدروا أمره، واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، واذا تكلم خفضوا أصواتهم ولا يحدون النظر اليه تعظيماً له. فقال: لقد وفدت (من باب وعد) على قيصر وكسرى والنجاشي، فوالله ما رأيت ملكاً في قومه مثل محمد في أصحابه، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. (ثم) بعث صلى لله عليه وسلم عثمان بن عفان الى قريش يخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم ما جاء الا معتمراً، فدخل عثمان مكة في جوار أبان بن سعيد، فبلغ ما أرسل به، فقالوا له: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: لا اطوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوع. فحبسوه وأشيع أنه قتل .... فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الى البيعة، فبايعوه تحت الشجرة على الموت. وضرب صلى الله عليه وسلم إحدى يديه على الاخرى وقال: هذه لعثمان، فخافت أمرهم قريش، فأرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو طالباً الصلح على شروط هي: - (أ) أن ينصرف عامه هذا ويأتي من قابل معتمراً ويدخل كة والسيوف في القراب فيقيم ثلاثاً. (ب) مد الصلح ووضع الحرب بين الفريقين عشرة أعوام. (جـ) من جاء من قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده الى قومه، ومن جاء قريشاً من المسلمين لا يردونه. (د) من أراد من غير قريش الدخول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل، ومن أراد الدخول في عهد قريش دخل. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه فأملاه كتاب الصلح، فكتب نسختين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (وفي) أثناء الكتابة أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده. فرده صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى ابيه وقال له: اصبر واحتسب فإن الله جاعلاً لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً (فقال) أبو جندل: يا معشر المسلمين، أرد وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما لقيت! (فقال) عمر: يا رسول الله، ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه. قال: أو ليس كنت تحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك أنا ناتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به (وسأل) عمر أبا بكر أيضاً، فأجبه بمثل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم. (ولما) ختم كتاب الصلح وشهد عليه رجال من الفريقين، قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأصحابه، قوموا فانحروا ثم احلقوا. فما قام منهم احد حتى قال ذلك ثلاثاً. فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس وقال: أمرتهم فلم يأتمروا. فقالت له: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنحر ودعا حالقه. فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وحلقوا لبعضهم حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً من التزاحم، ثم جاءت نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: "يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن (أي فاختبروهن بما يغلب على ظنكم به صدق إيمانهن، بأن يحلفن أنهن ما خرجن من بلاد الكفر الا رغبة في الاسلام، لا يغضاً لازواجهن الكفار، ولا عشقا لرجال مسلمين) الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار" حتى بلغ ولا "تمسكوا بعصم (جمع عصمة) الكوافر" (أي بما يعتصم به الكافرات من عقد سابق، والمراد نهي المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات). ولذا طلق عمر رضي الله عنه امراتين كانتا تحته مشركتين، تزوج احداهما معاوية بن ابي سفيان، والاخرى صفوان بن امية. (خفي) سر هذا الصلح على المسلمين وكبر عليهم، وتكلم فيه بعضهم. واهتدى صلى الله عليه وسلم لهذا الصلح. وعلم من ربه أنه سبب لأمن الناس وظهور الاسلام وأن فيه الفرج القريب. (عظم) عليهم صد المسلمين عن الطواف بالبيت مع أنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه رأى أنهم دخلوا البيت آمنين (وأعجب) منه رد من جاءنا مسلماً ولا يردون من ذهب اليهم مرتداً. (خفي) عليهم سر ذلك ولم يدركوا أن رد المسلم سبب لانتشار الدين بين العرب، لأن قلبه مطمئن بالايمان. (ثم) رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومعه عثمان فجاءه ابو بصير الثقفي او القرشي، مسلماً فأرسلوا في طلبه رجلين فدفعه اليهما. ولما بلغا ذا الحليفة عدا على احدهما فقتله، وفر الاخر الى المدينة. ثم جاء ابو بصير فقال: يا رسول الله، قد أوفى الله ذمتك، رددتني ثم أنجاني الله. فقال له: اذهب ولا تقم بالمدينة. فذهب الى ساحل البحر الاحمر فلحق به أبو جندل واجتمع معهما جمع ممن فر من مكة مسلماً. وقطعوا الطريق على تجارة قريش =

5 - صلاة التراويح

5 - صلاة التراويح التراويح جمع ترويحة، وهي في الأصل الجلسة بعد أربع ركعاتٍ للاستراحةِ ثم سمي كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما يعقبها من الترويحة (قالت) عائشةُ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات في الليل ثم يتروح، فأطال حتى رحمته، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكونُ عبداً شكوراً. أخرجه البيهقي وقال: تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. وقولها: ثم يتروح إن ثبت فهو أصل في تروح الإمام في صلاة التراويح (¬1) {177} ويؤيده (قول) زيد بن وهب: كان عمر ابن الخطاب يروحنا في رمضان- يَعْني بين الترويحين- قَدْر ما يذهب الرجل من المسجد الى سلع. أخرجه البيهقي وقال: كذا قال. ولعله أَرَادَ مَنْ يُصَلِّي بهم التراويح بأمْرِ عُمَر (¬2) {28}. هذا. وتسمى التراويح قيامَ رمضان. والكلام هنا في ثمانية فروع. ¬

= فأرسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم يستغيثون به ويطلبون منه إمساك من جاءه مسلماً، فأجابهم الى ذلك، فنزل قوله تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان اظفركم عليهم، وكان الله بما تعملون بصيراً، هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي (أي ما يهدي الى الحرام) معكوفا (أي محبوساً) ان يبلغ محله (أي مكانه الذي يذبح فيه) ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" حتى بلغ قوله تعالى: "اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية (أي الانفة حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت وشددوا في شروط الصلح وقالوا: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب أنهم دخلوا رغم أنوفنا، واللات والعزى لا يدخلون مكة هذا العام فهذه) حمية الجاهلية (التي دخلت قلوبهم) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (فلم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية، واطمأنوا بالصلح الذي اطمأن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فتحاً مبيناً) وألزمهم كلمة التقوى (وهي لا اله الا الله محمد رسول الله) وكانوا احق بها وأهلها (لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الفضل والخير) وكان الله بكل شيء عليماً" (¬1) ص 497 ج 2 سنن البيهقي (عدد ركعات القيام في رمضان). و (سلع) بفتح فسكون: جبل شمال المدينة. (انظر رسم 10 ص 322 - ارشاد الناسك). (¬2) ص 497 ج 2 سنن البيهقي (عدد ركعات القيام في رمضان). و (سلع) بفتح فسكون: جبل شمال المدينة. (انظر رسم 10 ص 322 - ارشاد الناسك).

1 - وقتها: هو بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده. والأفضل أن تصلي قبل الوتر وبعد سنة العشاء. وهو قول الجمهور. (وقال) بعض الحنفيين: وقتها ما بين صلاة العشاء والوتر. لأن السلف ما صلوها الا بعد العشاء قبل الوتر. وعليه العمل إلى اليوم. فلو صلاها قبل العشاء لا تجوز عند الكلّ. وكذا لو صلاها بعد الوتر على القول الثاني. والراجح الأول (قال) العلامة الحلبي: وقال القاضي أبو علي النسفي: الصحيح أن وقتها بعد العشاء لا تجوز قبلها، سواءٌ أكانت بعد الوتر ام قبله وهو المختار، لأنها نافلة سنت بعد العشاء بفعل الصحابة وهو المنقول من فعله عليه الصلاة والسلام، فكانت تبعاً لها كسنتها. وتقديم الصحابة لها على الوتر لا يفيد عدم جوازها بعده لاحتمال أنه بناءً على استحباب تأخيره مطلقاً لمن يأمن فواته، واستحباب جعله آخر صلاة الليل. فيجوز أداؤها بعده كما يجوز أداء غيرها من قيام الليل. (ثم) المستحب تأخيرها الى ثلث الليل او نصفه كما في العشاء (واختلف) في ادائها بعد النصف، فقيل يكره لكونها تبعاً للعشاء. والصحيح أنه لا يكره لأنها من صلاة الليل، والأفضل فيها التأخير، وينبني على أنها تبع للعشاء لا تجوز قبلها، أنه لو صلى العشاء مع إمامٍ وصلى التراويح مع إمامِ آخر، ثم علم أن الإمام الأول قد صلى العشاءَ على غير وضوءٍ، أو علم فسادها بوجهٍ من الوجوه، فإنه يعيد العشاءَ لفسادها ويعيدُ التراويح تبعاً لها كما يعيد سنتها. ولا يلزمه إعادة الوتر في مثل هذه الصورة عند أبي حنيفة لاستقلاله وعدم تبعيته للعشاء عنده.

وإنما يلزم تقديمها عليه للترتيب. فإذا فاتَ الترتيب من غير قَصْدٍ لا يلزمه الإعادةَ (وقال) أبو يوسُف ومُحمد: الوتر أيضاً تَبَع للعشاءِ فتلزمه إعادتِه بإعادتِها كسُنَّتها، وهو مبنيّ على وُجُوبِ الوتر عندهُ لا عندهما (¬1) وبقولهما قال الجمهور. (قال) الشيخ منصور بن إدريس: فمنْ صلى العشاءَ ثم التراويح ثم ذَكَر أنه صَلَّى العشاءَ محدثاً أعَادَ التراويح، لأنها سُنَّة تفعل بعد مكتوبة فلا تصحّ قبلها كسُنَّة العشاءِ، وإنْ طَلَعَ الفجرُ فاتَ وقتها. وظاهر كلامهم أنها لا تُقْضَى. وإن صلى التراويح بعد العشاءِ وقبل سنتها صحَّ جزماً، ولكنَّ الأفضل فعلها بعد السنة قبل الوتر (¬2). 2 - حكم صلاة التراويح: هي سنة مؤكدة اتفاقاً للرجال والنساء "لقول" أبي هريرة: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. أخرجه السبعة (¬3) { 178}. والمراد بقيام رمضان إحياء لياليه بالصلاة، ويحصل بمطلق الطاعة فلا يشترط فيه استغراق جميع الليل بالصلاة. ¬

(¬1) ص 403 غنية المتملي (التراويح) وص 277 ج 1 كشاف القناع. (¬2) ص 403 غنية المتملي (التراويح) وص 277 ج 1 كشاف القناع. (¬3) يأتي الصيام رقم 41 ص 283 ج 8 دين. وإيماناً: أي تصديقاً بأنه حق، واحتساباً: أي قاصدا بعمله وجه الله تعالى دون غيره (وقد) ورد في غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر احاديث كثيرة. أفردها الحافظ ابن حجر برسالة سماها (الخصال المكفرة، للذنوب المتقدمة والمتأخرة) وذكر فيها ست عشرة خصلة، وهي الحج، وإسباغ الوضوء، وإجابة المؤذن، وموافقة الملائكة في التأمين بعد الفاتحة، وصلاة الضحى، وقراءة الاخلاص والمعوذتين سبعاً سبعاً بعد سلام الإمام من الجمعة قبل أن يثني رجله، وقيام ليلة القدر، وقيام رمضان وصيامه، وصوم عرفة، والحج والعمرة من المسجد الأقصى الى المسجد الحرام، ومن جاء حاجاً يريد وجه الله، ومن قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده، ومن قرأ آخر الحشر، ومن قاد أعمى أربعين خطوة، ومن سعى لأخيه المسلم في حاجة، ومن التقيا فتصافحا وصليا على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اكل او لبس فحمد الله وتبرأ من الحول والقوة. ذكره المناوي في فيض القدير. (وظاهر) الحديث يشمل الصغائر والكبائر. وبه جزم ابن المنذر. وقال الأكثر: المراد الصغائر فقط. وبه جزم إمام الحرمين (وقال) النووي: هو المعروف عند الفقهاء، وهو مذهب أهل السنة (ومعنى) غفران الذنوب المتأخرة أنه يحفظ من الوقوع في الذنب، او انه ان وقع يقع مغفوراً.

(روى) إبراهيم النخعي عن عائشة أنها كانت تؤم النساء في رمضان تطوعاً وتقومُ في وسط الصف. أخرجه أبو يُوسُف في الآثار (¬1) {29}. وقال العلامة ابن نجم: وذكر في الاختيار أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عُمَر. فقال: التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عُمَر من تلقاء نفسه، ولم يكُنف يه مبتدعاً ولم يَأْمُر به إلا عن أَصْل لَدَيْه وعهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2). وقال النووي: اجتمعت الامة على أن قيام رمضانَ ليسَ بواجبٍ، بل هُوَ مَنْدُوبٌ. ويَحْصُل بصلاةِ التراويح، أي أنه يحصل بها المطلوب من القيام، لا أن قيام رمضان لا يكون الا بها. (وقد) سنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقامه في بعض الليالي ثم تركه خَشْيَةَ أن يفرضَ على أمتِه (قالت) عائشةُ رضي الله عنها: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بصلاته ناسٌ كثير، ثم صلى من القابلة فكثروا، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج اليهم. فلما أصبح قال: قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم، وذلك في رمضان. أخرجه مالك والسِّتة الا الترمذي (¬3) {179}. ¬

(¬1) تقدم أثر رقم 27 ص 40 ج 3 دين (جماعة النساء). (¬2) ص 66 ج 2 البحر الرائق (وسن في رمضان عشرون ركعة). (¬3) ص 214 ج 2 تيسير الوصول (صلاة التراويح) و (عبد) منون، و (القاريء) مشدد الياء، نسبة الى القارة قبيلة سميت باسم أبيها القارة بن الديش.

(ثم وقعت) المواظبة عليه في خلافةِ عُمر ووافَقَهُ عامَّة الصحابة رضي الله تعالى عنهم (قال) عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ: خرجتُ مع عُمَر ابن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحدٍ لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاةِ قارئِهم. فقال عمر: نِعْمَت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله. أخرجه مالك والبخاري والبيهقي وعبد الرازق (¬1) {30}. (وهو) صريح في أن الصلاة آخر الليل أفضل من أوله. وأراد عمر رضي الله عنه بالبدعة الأمر البديع الجميل، وهو احياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهي صلاة التراويح جماعةً على قاريءٍ واحدٍ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وتركه خشية الافتراض، لا البدعة في العبادة؛ لأن كل بدعة فيها ضلالة "لقوله" صلى الله عليه وسلم: وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار (¬2) خلافاً لما يزعمه بعض المجازفين الجاهلين من أن البدعة في العبادة قد تكون مستحسنة، ويستدلون على زعمهم بقول سيدنا عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه. وكيف يتوهم من عنده أدنى إلمام بشيء من أحكام الدين وأحوال الصحابة رضي الله عنهم أن العبادة يدخلها شيءٌ من البدع، او يقول أحد الصحابة بحسنها ¬

(¬1) ص 214 ج 1 زرقاني الموطأ (قيام رمضان) وص 179 ج 4 فح الباري (صلاة التراويح) وص 493 ج 2 سنن البيهقي (قيام رمضان). (¬2) هو بعض حديث، أخرجه مسلم وغيره، تقدم تاماً رقم 135 ص 88 ج 2 دين (بدع الاذان) ورقم 194 ص 202 ج 4 دين طبعة ثانية (سنن الخطبة).

بعد (قول) النبي صلى الله عليه وسلم المذكور ونحوه من الأحاديث الصحيحة الصريحة في ذم البدعة والعاملين بها، وأن دخولها في العبادة يبطلها. 3 - عدد ركعات التراويح: - هي عشرون ركعة، المسنون منها ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثماني ركعاتٍ، والزائد مستحب (أما) أنها عشرون ركعة "فلقول" السائب بن يزيد: كانوا يقومون على عهد عمر في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرءون بالمئين من القرآن، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام. أخرجه البيهقي (¬1) {31} "ولقول" يزيد بن رومان: كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاثٍ وعشرين ركعة. أخرجه مالك في الموطإِ ومحمد بن نصر والبيهقي (¬2) {32} (وقال) السائب بن يزيد: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوموا للناس بإحدى عشرة ركعة، وكان القاريء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمدُ على العصيّ من طولِ القيام (الأثَر) أخرجها مالك والبيهقي (¬3) {33} وقال: يجمع بين الروايتين بأنهم كانُوا يقُومُون بإحدَى عشرة ثم قاموا بِعِشرينَ وأوترُوا بثلاثٍ. اهـ. وقال الترمذيك وأكْثر أهل العلم على ما رُوي عن عمر وعليّ وغيرهما من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّها عشرون ركعة. وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وقال: هكذا أدركت النَّاس بمكَّةَ يُصَلَّون عشرين ركعة. اهـ. وبه أيضاً قال الحنفيون وأحمد وداود الظاهري. ¬

(¬1) ص 496 ج 2 سنن البيهقي (عدد ركعات القيام في رمضان). (¬2) ص 216 ج 1 زرقاني الموطإ (قيام رمضان) وص 496 ج 2 بيهقي. (¬3) ص 215 ج 1 زرقاني الموطإ (قيام رمضان) وص 496 ج 2 بيهقي (عدد ركعات القيام في رمضان).

(وأمَّا) أنَّ المسنُون منها ثماني ركعات "فلقَوْل" جابر: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضانَ ليلةً ثماني ركعاتٍ وأوتَر. فلَمَّا كانت القابِلَة اجتمعْنَا في المسجد ورَجَوْنَا أن يخرُج إلينا، فلم نَزَلْ فيه حتى أصبحنا. ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا في المسجد ورجونا أن تصلي بنا. فقال: إني كرهت أو خشيت ان يكتب عليكم الوتر. أخرجه مُحمد بن نصر وأبو يعلي والطبراني في الصَّغير. وفي سَنَدِه عِيسَى ابن جارية، وثَّقَهُ ابن حبان وغيره. وضَعَّفَهُ ابن معين. قاله الهيثمي (¬1) {180} " ولقول " عائشةَ: ما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ في رمضانَ ولا في غيره على إحْدَى عشرة ركْعة يُصَلِّي أَربعاً فلا تسأَل عن حُسْنِهنَّ وطُولِهنَّ، ثم يُصَلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً. (الحديث) أخرجه الجماعة (¬2) {181}. والثلاث هي الوتر. (وبهذا) قال المحدثون والمحققون من الفقهاء (قال) ابن نجيم الحنفي: ذَكَرَ المحقق (يَعْني الكمال ابن الهمام) في الفَتْح ما حاصِله أنَّ الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه خشية أن يكتب علينا، والباقي مستحب. وقد ثبتَ أن ذلك كان إحدى عشرة ركْعة بالوتر كما في الصحيحين. فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنتى عشرة (¬3). ¬

(¬1) ص 90 قيام الليل (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ليلاً في رمضان)، ص 172 ج 3 مجمع الزوائد (قيام رمضان). (¬2) ص 221 ج 1 زرقاني الموطإ (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر)، وص 16 ج 5 الفتح الرباني، وص 181 ج 4 فتح الباري (فضل من قام رمضان)، وص 248 ج 1 مجتبي (كيف الوتر بثلاث؟ )، وص 269 ج 7 المنهل العذب (صلاة الليل)، وص 332 ج 1 تحفة الاحوذي (وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل). (¬3) ص 66 ج 2 البحر الرائق (وسن في رمضان عشرون ركعة).

(وقال) العلامة محمد الصنعاني: وأما الكمية وهي جعلها عشرين ركعة فليس فيه حديث مرفوع الا ما رواه عبدٌ بن حميد والطبراني من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرينَ ركْعة والوتر {182} (وقال) في سُبل الرشاد: أبو شيبة ضعفه أحمد وابن معين والخمسة وغيرهم. وكَذَّبه شُعْبة. وقال ابن معين ليس بثقة. وعُدّ هذا الحديث من منكراتِه (وقال) الأذرعي في المتوسط "وأما" ما نُقِلَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بهم في تلك الليلة عشرين ركعة لم تصحّ، بل الثَّابت في الصَّحِيح الصَّلاة مِنْ غير ذِكْر الْعَدَد (¬1) (ثم قال) إذا عرفت هذا علمتَ أنهُ ليس في العشرين روايةً مرفوعة، بل الثابت حديث عائشةَ المتفق عليه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما كانَ يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عشرةَ ركعة (فعرفت) من هذا كله أنَّ صلاة التراويح على هذا الأسلوب الذي اتفق عليه الأكثر بدعة. نعم قيام رمضان سنة بلا خلاف. والجماعة في نافلتِه لا تنكر. وقد ائتمَّ ابن عباسٍ رضيَ الله عنهما وغيره بِهِ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الليل (لكن) جعل هذه الكيفية والكمية سُنَّة والمحافظة عليها، هو الذي نقول: إنَّه بدعة (وهذا) عُمَر رضي الله عنه خَرَجَ أولاً والناس أوزاعٌ متفرقون، منهم من يصلي منفرداً، ومنهم من يصلي جماعةً على ما كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم، وخيرُ الأُمُورِ ما كَانَ على عهدِهِ عليه الصلاة والسلام (¬2). ¬

(¬1) ص 12 ج 2 سبل السلام (تعيين قيام رمضان بعشرين بدعة). (¬2) ص 13 منه (ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم صلى القيام عشرين ركعة غير صحيح).

(وقال) بعضهم: عدد ركعات التراويح عشر غير الوتر "لقول" السائب بن يزيد: كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة، ولكن واللهِ ما كنا نخرج الا في وجاه الصبح، كان القاريءُ يقرأ في كلِّ ركعة بخمسين آية، ستين آية. أخرجه مُحمد بن نصر ومُحمد بن إسحاق وقال: وما سمعتُ في ذلك حديثاً هو أثبتُ عِندِي ولا أحْرَى بأَن يكُون من حَديثِ السائب. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَتْ له من الليل ثلاث عشرة ركعة (¬1) {34}. (وعن) مالكٍ أن عددها ستٌّ وثلاثون ركعة غير الوتر (قال) نافع مولى ابن عمر: لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعاً وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاثٍ. ذكره محمد بن نصر. وذكره في المدونة (¬2) {35}. (قال) الزرقاني: وذَكَر ابن حبيب أن التراويح كانتْ أولاً إحْدَى عشرة ركعة، كانُوا يُطيلون القراءةَ فثقل عليهم فخففوا القراءةَ وزادوا في عدد الركعات، فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءةٍ متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستاً وثلاثين غير الشفع والوتر. ومضى الأمر على ذلك (¬3). والسبب في أن أهل المدينة كانوا يصلونها ستاً وثلاثين أن أهل مكة كانوا يطوفون بالكعبة بين كل ترويحتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهلُ المدينة مساواتهم فجعلوا مكانَ كل طوافٍ أربع ركعات، فزادوا على العشرين سِتّ عشرة ركعة. (قال) الحافظ: والجمع بين هذه الروايات مُمْكِن باختلافِ الأحْوَال ¬

(¬1) ص 91 و 92 قيام الليل (عدد الركعات التي يقوم بها الامام للناس في رمضان) و (وجاه) بكسر الوار، وتضم، أي ما كنا نخرج الا في مقابل (الصبح). (¬2) ص 91 و 92 قيام الليل (عدد الركعات التي يقوم بها الامام للناس في رمضان) و (وجاه) بكسر الوار، وتضم، أي ما كنا نخرج الا في مقابل (الصبح). (¬3) ص 216 ج 1 شرح الموطإ (قيام رمضان).

ويُحْتَمَلُ أَنَّ ذلك الاختلاف بحَسبِ تَطْويل القراءَةِ وتخفيفها. فَحَيْثُ يُطِيلُ القراءة تقل الركعات وبالعكس. قال: والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجعٌ إلى الاختلاف في الوتر. فكأنه كان تارةٌ يُوتِرُ بواحدة وتارةً بثلاثٍ (وقال) الشافعي: رأيتُ الناس يقُومُون بالمدينة بتِسْع وثلاثين وبمكَّةَ بثلاثٍ وعشرين (يعني بالوتر وهو ثلاث ركعات) قال: وليس في شيء من ذلك ضَيْق (¬1). (هذا) مُجْمل ما قِيلَ في عَدَدِ التراويح. والعمل بما كَانَ في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأَوَّل خلافةِ عُمَر، أَوْلَى وأَفْضَل. فتصلي ثماني ركعات أو عشراً غير الوتر. ويليه في الفضل صلاتها عشرين عملاً بما كان في آخر زمن عمر وزمن عثمان وعليّ، فإنَّ قيام الليل مرغب فيه ولم يرد فيه تحديد من الشارع (وقد) قال النبي صلى الله عليه وسلم: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (الحديث) أخرجه أحمد والأربعة إلا النسائي عن العرباض ابن سارية. وصحَّحه الحاكم وقال: على شرط الشَّيْخين، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح (¬2) {183}. (وقال) صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر. أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسّنه عن حذيفة (¬3) {184}. وله طُرُق فيها مَقَال إلا أنه يقوي بعضها بعضاً. ¬

(¬1) ص 180 ج 4 فتح الباري (فضل من قام رمضان). (¬2) ص 188 ج 1 الفتح الرباني، وص 24 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة)، وص 10 و 11 ج 1 سنن ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين)، وص 96 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 383 ج 5 مسند أحمد، وص 74 ج 3 تيسير الوصول (ما اشترك فيه جماعة منهم) أي من الصحابة.

4 و 5 - مكان التراويح والجماعة فيها: الأفضل صلاتها في المسجد جماعةً، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه صَلُّوها به جماعةً (قالت) عائشة رضِيَ الله عنها: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من جَوْفِ الليل فَصَلَّى في المسجد فَثَابَ رِجَالٌ فَصَلُّوا معه بصَلاتِه، فلما أصبح الناس تحدثوا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد خرج فَصَلَّى في المسجد من جَوْفِ الليل، فاجتمعَ الليلةَ المقبلة أكثر منهم. قالت: فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلى وصلوا معه بصلاته. ثم أصبح فتحدثوا بذلك، فاجتمع الليلة الثالثةَ ناسٌ كثيرٌ حتى كَثُر أهل المسجد، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من جَوْفِ الليل فَصَلى فصلوا معه. فلما كانت الليلة الرابعة اجتمعَ الناس حتى كادَ المسجدُ يعجزُ عن أهلهِ، فجلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلمْ يخرجْ حتى سمعتُ ناساً منهم يقولون: الصلاة الصلاة، فلم يخرج إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا صلى صلاة الفجر سلم ثم قام في الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخفَ علىَّ شأنكُم الليلة، ولكني خشيتُ أن تفرضَ عليكُم فتعجزوا عنها. أخرجه البيهقي وأحمد والشيخان (¬1) {185}. (وَرَوَى) مُسْلم بن خالد عن العلاءِ بن عبد الرحمن عن أَبيه عن أَبي هُريرةَ قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فإذا أُنَاسٌ في رمضانَ يُصَلُّون في ناحيةِ المسجد. فقال: ما هؤلاءِ؟ فقيل: هؤلاءِ ناسٌ ليس معهم قرآن وأُبيّ بن كَعْب يُصَلّي وهم يصلون بصلاته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصابوا ونعم ما صنعوا. أخرجه محمد بن نصر ¬

(¬1) ص 493 ج 2 سنن البيهقي (قيام رمضان)، وص 6 ج 5 الفتح الرباني. وص 181 ج 4 فتح الباري (فضل من قام رمضان)، وص 42 ج 6 نووي مسلم (الترغيب في صلاة التراويح). و (ثابوا) أي رجعوا الى المسجد بعد خروجهم منه.

وأبو داود وقال: ليس هذا الحديث بالقويّ، مسلم بن خالد ضعيف. اهـ. لكن وثقه ابن حبان وابن معين والدارقطني (¬1) {186}. (وقالت) عائشة: كانَ الناسُ يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعاً يكونُ مع الرجل شيءٌ من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر، فيصلون بصلاته، فأمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيراً على بابِ حُجْرَتي. ففعلتُ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أنْ صلى العشاء الآخرةَ، فاجتَمَعَ إليه من في المسجد فَصَلَّى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً ثم انصَرفَ فدخل وترك الحصِير على حالِه. فلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ تحدثوا بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمن كان معه في المسجد تلك الليلة، وأمسى المسجد راجا بالناس فصلى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العشاءَ الآخِرَة. ثم دخل بينه وثبت الناس، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما شَأْنُ الناس يا عائشة؟ فقلت له: سَمِعَ الناس بصلاتك البارِحَةَ بمن كان في المسجد فحشَدُوا لذلك لتصلي بهم. فقال: اطوِي عنا حصيرك يا عائشة، ففعلت وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافِل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إلى الصبح فقال: يأيها الناس، أما والله ما بِتُّ والحمد لله ليلتي هذه غافلاً، وما خَفِيَ عليَّ مكانكُم، ولكن تخوفت أن يفترض عليكم فاكفلوا مِنَ الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملُّوا. أخرجه أحمد ومحمد بن نصر وكذا أبو داود مختصراً (¬2) {187}. ¬

(¬1) ص 316 ج 7 المنهل العذب (قيام شهر رمضان) وص 90 قيام الليل. (¬2) ص 7 ج 5 الفتح الرباني، وص 312 ج 7 المنهل العذب (قيام شهر رمضان)، وص 88 قيام الليل. و (راجاً) بالراء والجيم المشددة، أي غاصاً بالناس ذا حركة شديدة وفي رواية: زاخاً، بالزاي والخاء المعجمة، أي ممتلئاً بالناس ودافعاً لهم لكثرة ازدحامهم (فاكفلوا) أمر من كلف به من باب تعب إذا ولع به وأحبه، يعني إذا أحببتم شيئاً من عمل الخير فراعوا فيه جانب الاقتصاد خوفاً من الملل.

(فقد دلَّت) هذه الأحاديث على أَنَّ عدَم خُرُوجِه صلى الله عليه وسلم إليهم، إنما كان لخَشْيَة افتراض قيام رمضان. وليس في عَدَم خُروجه دلالةً على المنْع من إِقامة التراويح في المسجد جماعةً (فقد) فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم وأَقَرَّ أَصحابه عليه. وإِنما تركه لمعنى قد أَمِن بوفاتِه صلى الله عليه وسلم، وهو خَشْية الافتراض. (ولهذا) قال الجمهور ومنهم الحنفيون والشافعي وأَحمد وبعض المالكية: الأفْضَل صلاةُ التراويح جماعةً في المسجد. وروي عن عليّ، وابن مسعود وأُبيّ بن كَعْب وغيرهم (قال) زيد بن وَهْب: كان عبد الله ابن مسعودٍ يُصَلِّي بنا في شهر رمضان فننصَرِف بِليل. أخرجه الطبراني في الكبير بسَنَدٍ رجاله رجال الصَّحيح (¬1) {36}. (وقد) أمَرَ به عُمَر رضي الله عنه واسْتَمَرَّ عليه عملُ الصَّحابة وسائر المسلمين، وصَارَ مِنَ الشَّعَائر الظاهرة كصلاةِ العِيد (قال) ابن عبد البر: وهذا كُله يدل على أنَّ قيام رمضان جائز أنْ يُضافَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لِحَضِّه عليه وعمله به، وأنَّ عُمَر إنما سنَّ منه ما قَدْ سَنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. (والمشهور) عن مالك وأبي يوسف وبعض الشافعية أنَّ الأفضل صلاتها فُرَادَى في البيت إِنْ لم تُعَطَّل المساجد، لما تَقَدَّم عن زيد بن ثابت أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: صلاةُ المرْءِ في بَيْتِه أَفْضَلُ من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة. أخرجه أحمد والثلاثة (¬2) {188}، ¬

(¬1) ص 172 ج 3 مجمع الزوائد (قيام رمضان). (¬2) تقدم رقم 141 هامش 2 ص 125 (سبب الخلاف في سنية الجماعة في صلاة الخسوف).

ولأنه صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ على صلاتها فرادى في بيته ولم يخرج إلا بعض ليالٍ لبيان الجواز. وتوفي والأمر على ذلك. ثم كانَ كَذلِكَ في خلافةِ أبي بكر وصدراً من خلافةِ عُمَر. وإنما وَقَعَ التغيير في خلافته سنة أربع عشرة من الهجرة (واعترف) عُمَر بأَنَّ صَلاتها في المسجد جماعة مفضُولة، لما تقَدَّم عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ من قول عُمَر: والتي ينامون عنها أفضل مِنَ التي يقومون. أخرجه البخاري وغيره (¬1). (وعن) زيد بن ثابت: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد مِنْ حصيرٍ فَصَلَّى صلى الله عليه وسلم فيها ليَالي حتى اجتمع إليه الناس، ثم فَقَدُوا صَوْتَهُ ليلةً فظَنُّوا أَنه قد نامَ، فَجَعَلَ بعضُهم يتنحنحُ ليخرج إليهم، فقال: ما زال بِكُم الذي رأيتُ من صَنِيعكم حتى خشيتُ أَنْ يُكْتَبَ عليكُم، ولو كُتِبَ عليكُم ما قُمتم به، فَصَلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرءِ في بيته إلا الصلاة المكتوبة. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬2) {189}. (وحكى) هذا القول الطحاوي عن ابن عمر وإبراهيم النخعي وعروة وسعيد بن جبير والقاسم وسالم ونافع وغيرهم وقال: فهؤلاءِ كلُّهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان على صلاتِه مع الإمام. وذلك هو الصواب. اهـ. (وأَجَاب) الجمهور: (أ) بأن حديث أفضلية صلاةِ النافِلة في البيت، مخصوصٌ بغير ما شرعت فيه الجماعة من النَّوافِل كالعِيد والتراويح. فقد صَلاَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد جماعة، وأَقَرّ الصَّحابة على ذلك كما تقَدَّم. ¬

(¬1) تقدم بالأثر رقم 30 ص 157 (قال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحد). (¬2) ص 182 ج 5 مسند احمد، وص 146 ج 2 فتح الباري (صلاة الليل) وص 69 ج 6 نووي مسلم (صلاة النافلة في البيت) وص 237 ج 1 مجتبي (قيام الليل).

(ب) وبأَنَّ ترك المواظَبة على الجماعة في التراويح إِنما كان المعنى، وقد زالَ كما تقَدَّم. (جـ) وبأَنَّ عُمَر رَضِيَ الله عنه لم يعترف بأَنَّ الجماعة مَفْضولة. "وقوله" والتي ينامونَ عنها أفضل "ليس" فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها في البيت. وإنما فهي ترجيح آخر الليل على أوله كما صرح به الراوي بقوله: يريد آخر الليل (قال) الطحاوي: وكل من اختار التفرد فينبغي أن يكون ذلك على ألاَّ ينقطع معه القيام في المسجد. فأَمَّا الذي ينقَطِعُ معه القيام في المسجد فَلاَ. (وفصل) بعضُ الشافعية فقال: إِنْ كانَ حافظاً للقرآن ولا يَخَافُ الكَسَلَ عنها ولا تختلُّ الجماعة في المسجد بتخلفه؛ فالانفراد أفضل، وإن فَقَدَ بعض هذا فالجماعة أفضل. (فائدة) يُسْتَحَبُّ لمنْ يُوتِر قبل أن ينامَ أنْ يصلي الوتر في رمضان جماعة. (وتقدم) بيانه وافياً في بحثي "الجماعة في الوتر" و "الجماعة في غير الصلوات الخمس" (¬1). 6 - القراءة في التراويح: الأفضلُ أن يَقْرَأَ فيها كُلّ القرآن في جميع الشهر، فيقرأُ في كُلِّ ليلةٍ نحو جُزْءٍ من ثلاثين، ولا يترك ذلك لِكَسَل القَوْم (قال) كمال الدين بن الهمام: قوله: ولا يترك لِكَسَل القَوْم، تأْكِيد في مطلوبية الختم وأَنه تخفيف على الناس لا تَطْوِيل كما صَرَّح به في النهاية. وإِذا كَانَ إِمام مسجد حَيِّه لا يختم فله أَن يتركَهُ إِلى غيره (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 20 وص 38 ج 3 دين. طبعة ثانية. (¬2) ص 325 ج 1 فتح القدير (قيام رمضان).

(وقيل) يقرأُ في كل ركْعة عِشْرِين آية إلى ثلاثين آية كما أَمَرَ عُمَر بن الخطاب الأَئِمَّة "قال" أَبو عثمان النهدي: دَعَا عُمَر بن الخطاب بثلاثة من القراءِ فاسْتَقْرَأَهُم، فأَمر أَسْرَعَهُم قِرَاءَةً أَن يقرأَ ثلاثين آية، وأمرَ أوسطهم أن يقرأ خمساً وعشرين، وأمر أبطأهم أن يقرأ للناس في رمضان عشرين آية. رواه مُحمد بن نصر والبيهقي (¬1) {37} (والأَمر) في ذلك وَاسِع فليفعل الإِمام ما لا يؤدي إِلى نُفُورِ القَوْم مع مراعاةِ ما يُطْلَب لها من سُنَن وآداب. " ومن " وقف على ما كان عليه السلف الصالح من الاهتمام بها وإطالةِ القراءَةِ فيها والاطمئنانِ في باقي الأَركان مع تمام الخشُوع حتى كانُوا لا يَنْصَرِفُون منها إلاَّ قُبَيْلَ الفَجْر "عرف" أَنه خَلَفَ مِنْ بَعْدِهم خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاة واتَّبَعُوا الشَّهَوَات (وقد) كان السَّلَف يُرَاعُونَ حَالَ القَوْم من النَّشَاطِ وعَدَمِه (قال) السائب بن يزيد: أَمَرَ عُمَر بن الخطاب أُبَىّ ابن كَعْب وتميماً الدارى أَن يَقُوما للناس فى رمضان، فكان القارئُ يَقْرَأُ بالمائتين حتى كُنَّا نَعْتَمِدُ على العِصِىّ من طول القيام وما كُنَّا نَنْصَرِف إِلاَّ فى فروع الفجر. وفى نسخة: إِلاَّ فى بُزُوغ الفجر. أَخرجه مالك، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والطحاوى والبيهقى ومحمد بن نصر (¬2) {38}. ... (فانظر) هذا وما اعْتَادَهُ أَئِمَّة زَمَانِنا فى صَلاتِهم التراويح وغيرها مِنَ الإِسراع فى القراءَةِ وتقليلها وتخفيف الأَركان، وعدم الاطمئنان فيها، وترك دعاءِ الاستفتاح وأَذكار الأَركان، وترك الصَّلاةِ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وعلى الآلِ بعد التَّشَهُّدِ وإِسراعهم السَّلام وعَدَم الخشُوع. ¬

(¬1) ص 92 (قيام الليل) وص 497 ج 2 سنن البيهقي (قدر قراءتهم في قيام شهر رمضان). (¬2) ص 215 ج 1 زرقانى الموطإ (قيام رمضان) وص 496 ج 2 سنن البيهقى (عدد ركعات القيام فى رمضان)، وص 92 قيام الليل (مقدار القراءة فى قيام رمضان).

(وسبب) كُلّ هذا إِهمال السُّنن وانْدِرَاسِها، لقِلَّة العمل بها حتى صَارَ العاملُ بها مُجَهَّلاً عند كَثِيرً مِنَ الناس بمخالفتِه ما عليه أَهْل عَصْره. فأَصبح المعروف لَدَيْهم مُنْكَراً، والمنْكَر مَعْرُوفاً. فأَيْنَ هُم (من قول) اله تعالى: " قَد أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فىِ صَلآتِهِمْ خَاشِعُونَ ". (وقول) النبىِّ صلى الله عليه وعلى آلأه وسلم: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونى أُصَلِّى. أَخرجه أَحمد والبخارى عن مالك بن الحويرث (¬1) {190}. ... (وقال) ميمون بن مهران: أَدركت الناس إِذا قرأَ - يعنى الإِمام - خمسين آية قالوا: إِنه ليخفف. وأَدركت القُرَّاءَ فى رمضان يقرءُون القصة كلها قَصُرَتْ أَوْ طَالَتْ. فأَمَّا اليوم فإِنى أَقْشَعِرُّ من قراءَة أَحَدهم، ن يقرأُ: وإِذا قِيلَ لهم لا تُفْسِدُوا فى الأَرض قالوا: إِنما نَحْنُ مُصْلِحُون. ثم يقرأُ فى الركعة الأُخرى: غَيْر المغْضُوب عَلَيْهم ولا الضَّالِّين. أَلآ إِنَّهُم هَم المفْسِدُون. ذَكَرَه مُحمد بن نصر (¬2). [39]. ¬

(¬1) ص 227 ج 5 الفتح الربانى، وص 76 ج 2 فتح البارى (الأذان للمسافرين) والمذكور بعض الحديث. (¬2) ص 93 قيام الليل (مقدار القراءة فى قيام رمضان) وأعجب من هذا ما أخبر به موظف بمصلحة المساحة أنه كان يصلى قيام رمضان مع مسجد شهير بالقاهرة، فبلغ من شدة سرعة الإمام بهم أن قرأ فى الركعة الأولى من ركعات التراويح بعد الفاتحة (الذين قالوا) وركع. وفى الركعة الثانية بعد الفاتحة (إنا نصارى) وركع.

(فعَلَى العاقل) أَنْ يَعَمَلَ بما كَانَ عليه النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابه والسَّلَف الصَّالح، وأَنْ يأْمُرَ غيره بذلك لِيُحشَر مع الفائِزين. ولا يَغْتَرّ بكَثْرَةِ المخالفين لذلك من أَهْل زمانه، ولا بوقُوع ذلك فى كثيرٍ مِنَ المساجد بحُضُورِ من يَنْتَسِبُونَ إِلى العِلْم (فقد) قال الفُضَيْل بن عِيَاض: لا تَسْتَوْحِش طُرق الهدَى لِقِلَّةِ أَهْلها، ولا تَغْتَرّ بكَثْرة الهالِكِين. ... 7 - كيفية صلاة التراويح: ... هى أَنْ يُصَلِّى كُلَّ ركعتَيْن بسلامٍ يأْتى بدعاءِ الاسفتاح فى أُولاهُما ويقرأُ الفاتحةَ وما تَيَسَّرَ مِنَ القرآن فى كُلِّ رَكْعة، ويتم الركُوعَ والسُّجُودَ والتَّشَهُّدَ ويُصَلِّى على النبىِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويَدْعُو فى آخر كُلِّ ركعتَيْن كما هُوَ المتوارَث (قال) علاءُ الدِّين الحصكفى: ويَأْتى الإِمام والقوم بالثَّنَاءِ فى كُلِّ شَفْع ويزيد الإِمام على التَّشَهُّد إِلاَّ أَنْ يَمَلّ القوم فيَأْتى بالصَّلوات، ويكتفى باللهمَّ صَلِّ على مُحمد، لأَنه الفَرْض عند الشافعىّ. ويترك الدعوات ويَجْتَنِب المنْكَرَات، هذرمةَ القراءَة وتركَ تَعَوُّذ وتَسْمِية وطمأْنينة وتَسْبِيح واستراحة (¬1). ... (ويُطْلَب) السَّلام على رأْس كل ركعتَيْن، فلَوْ صَلَّى أَرْبَعاً أَوء كْثر بتسليمةٍ واحدةٍ وقَعَدَ على رأْس كُلِّ ركعتَيْن، صَحَّتْ صلاته مَعَ الكَرَاهة عند غير الشَّافِعية. ولا تَصِحّ عِنْدَهم، لأَنّض السَّلام من كُلِّ ركعتَيْن فرض عندهم. وكذا إِذا لم يَقْعُد على رأْس كُلِّ ركعتَيْن فلا تَصِحّ عندهم بالأُولى. وبهِ مُحمد وزفر، لأَنَّ القُعُودَ على رأْس كُلِّ ركعتَيْن فَرْضٌ فى التَّطَوُّع. ¬

(¬1) ص 523 ج 1 الدر المختار (صلاة التراويح) والهذرمة، بفتح فسكون ففتح سرعة القراءة. وهو بدل من المنكرات ويجوز رفعه خبراً لبتدا محذوف.

(وقال) أَبُو حنيفة وأَبو يوُسُف: تَصِحّ صلاتُه وتَنُوب عن ركعَتَيْن فقط. وهو الصَّحِيح وعليه الفَتْوَى لبطلانِ الشَّفْع الأَوَّل بترك القُعُود للتَّشَهُّد. وصَحّ الشُّرُوع فى الشَّفْع الثانى لبقاءِ التَّحْريمة وقد أَتمة بالعُقُود للتَّشَهُّد. ... (وقالت) المالكيَّة والحنبليَّة: تَصِحّ صلاتُه مع الكَرَاهِة لِتَرْكِه سُنَّةَ التَّشَهُّد والسَّلام ويُحْسَب له ما صَلاَّة. هذا والأَفْضَل للقادِر صلاتُها قائماً. ويُكْرَه للمُقْتَدِى القادِر تَأْخِير القيام إِلى ركُوع الإِمام، لما فيه مِنَ الكَسَل ونَقْص الأَجْر. ... (ويُسْتَحَبُّ) الانتظار بعد كُلِّ أَرْبَع بقدرها " لقول " زَيْد بن وَهْب: كان عُمَر بن الخطاب يُرَوِّحُنَا فى رمضان - يَعْنى بين الترويحَتَيْن - قَدْرَ ما يَذْهَبُ الرَّجُلُ مِنَ المسجدِ إِلى سّلْع. أَخرجه البيهقى. وقال كَذَا قال. ولعله أَراد مَنْ يُصَلِّى بهم التراويح بأَمْر عُمَر (¬1) {40}. (وللقَوْم) فى هذا الانتظار الصَّلاة فرادَى أَو التَّسْبِيح أَوْ قِرَاءَةِ القرآن. وبهذا قال الحنَفِيُّون (قال) العلاَّمة الحلبى: وأَمَّا الاستراحة فى أَثناءِ التراويح فيجلسُ بعد كُلِّ أَربع ركَعات مِقْدارها. وكَذَا قَبْل الوَتْر. ولي المرادُ حقيقة الجلوس، بل المراد الانْتِظَار، وهو مُخَيَّر فيه، إِنْ شاءَ جَلَسَ سَاكِتاً، وإِنْ شَاءَ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ قَرَأَ أَوْ صَلَّى نَافِلةً مُنْفَرِداً وهذا الانتظار مُسْتَحَبً لعادةِ أَهل الحَرَمَيْن، فإِنَّ عادةَ أَهل مكة أَنْ يطوفوا بعد كُلِّ أَرْبَع ركَعاتٍ ويُصَلُّوا ركْعَتَى الطواف، وعادةَ أَهل المدنية أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَع ركَعاتٍ (وقد) رَوَى البيهقىّ بإِسنادٍ صحيح أَنَّهُم كانوا يَقُومُون على عَهْدِ عُمَر، يَعْنى بين كُلِّ ترويحَتَيْن ومِقْدَار ذلك الفَصْل، وهو مِقْدَار ¬

(¬1) تقدم أثر 28 ص 153 (الاستراحة بعد كل أربع من التراويح).

تَرْويحة، فكان مُسْتَحَبًّا، لأَنَّ ما رآهُ المؤمِنُونَ حَسَنَا فهو عند الله حَسَن (¬1). اهـ. (وقالت) الشافعية والحنبلية: هذا الانتظار مَنْدُوبٌ ولم يَرِدْ فيه دُعَاءٌ ولا ذِكْرٌ ولا صلاةٌ (قال) أَبُو مُحمد عبد الله بن قُدَامة: وكَرِهَ الإِمام أحمد التَّطَوُّع بين التَّرَاويح وقال فيه عَنْ ثلاثةٍ من أَصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: عُبَادَةَ وأَبُو الدرداءِ وعُقْبة بن عَامِر. فذُكِرَ لأَبى عبد الله فيه رُخْصَة عن بعض الصَّحابة. فقال: هذا باطِل، إِنما فيه عن الحسَن وسَعِيد بن جُبير. وقال أَحمد: يَتَطَوَّع بعد المكْتُوبة ولا يتَطَوَّع بين التَّرَاويح. فأَمَّا التعقيب وهو أَنْ يُصَلِّى بعد التراويح نافلةً أُخرى جماعةَ أَوْ يُصَلِّى التراويح فى جماعةٍ أُخرى، فَعَنْ أَحمد أَنه لا بَأْس به، لأَنَّ أَنَس بن مالك قال: ما يَرْجِعُونَ إِلاَّ لخيْر يرجُونه أَوْ لِشَرٍّ يحذَرُونه، وكان لآيَرَى بهِ بَأْساً (¬2) {41}. (وقالت) المالِكِيَّة: إِذا أَطَال الْقِيَامَ فيها نُدِبَ له أَنْ يجلسَ للاستراحِة اقتداءً بالصَّحابة وإِلاَّ فَلاَ. 8 - بدع التراويح: مِمَّا تَقَدَّم تَعْلَم أَنَّ أَكْثر أَئِمَّة الزَّمان قد خَرَجُوا بصلاةِ التراويح عن الحدّ المشْرُوع، فقد خَفَّفُوها تخفيفاً مفرطاً، يُسْرِعُونَ فى القراءَة ¬

(¬1) ص 404 غنية المتملى (ومن السنن التروايح) وما ذكره بعض أثر عن ابن مسعود، أخرجه أحمد والبزار والبيهقى فى الاعتقاد والطبرانى وأبو داود الطيالسى وأبو نعيم بلفظ: إن الله تعالى نظر فى قلوب العباد فاختار محمداً فبعثه برسالته، ثم نظر فى قلوب الناس بعده فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه. فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح. أنظر ص 33 مسند أبى داود الطيالسى. وأثر رقم 49 ص 75 فتاوى أئمة المسلمين، طبعة ثالثة. والمراد بالمسلمين الصحابة المذكورون فى قوله: فاختار له أصحاباً. (¬2) ص 805 ج 1 مغنى (فروع فى صلاة التراويح).

ولا يَطْمَئِنُّون فى الأَركان، بل ينقرونها نَقْراً حتى ذَهَبُوا بكُلِّ مَزَاياها، وابْتَدَعُوا فيها بِدَعاً مُنْكرة لا تُرْضِى اللهَ ولا رَسُولَه ولا المؤْمِنِين الصَّادِقين (منها) قول المؤَذَّنين: الصَّلآةُ والسَّلاُم عليكَ يا أَوَّل خَلْق الله، ورَفْع الصَّوْتِ بعد كُلِّ ركعتَيْن من التَّرَاويح بنَحْو: صلاةُ القيام أَثَابَكُم الله، والصّلاة يَرْحَمكَم الله، والتَّهْليل بعد كُلِّ تَرْويحه، والتِّرَضِّى بعد الأُولى عن أَبى بكر الصِّدِّيق، وبعد الثانية عَنْ عُمَر، وبعد الثالثة عَنْ عُثْمان. وبعد الرَّابعة عَنْ علىّ رَضِىَ الله عنهم. (وكُلّ) ذلك ليس له أَصْل ولم يَرِدْ به شَرْع، بل فيه تَهْوِيشٌ فى بُيُوتِ الله تعالى وتخايطٌ على المتَعَبِّدِين (ولا يُقَال) إِنه صلاةٌ وتَسْليم على النبىّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترضٍّ عن أَصحابه، وهذا مَشْرُوع لما فيه من التَّنْوِيه بعُلُوّ شَأْنِهم والتنبيه بفَضْلِهم (لأَنَّا نَقُول) إِنما يفعل ما ذكر على أَنه مَشْرُوعٌ لصلاةِ التراويح ولأَنه أَمْرٌ حَسَن. وهذا من تَلْبِيس إِبْلِيس، فهو بدْعَةٌ وأَمْر مُحدث لا مُسْتَنَدَ له. (قال) ابن الحاج: وينبغى له (أَى لإِمام المسْجد) أَنْ يَتَجَنَّبَ ما أَحْدَثُوه مِن الذَّكْر بعد كُلِّ تَسْلِيمَتَيْن من صلاةِ التراويح. ومن رفع أَصواتهم بذلك والمشْى على صَوْتٍ وَاحِد، فإِنَّ ذلك كُله مِنَ الْبِدَع. وكذا ينهى عن قول المؤَذِّنين بعد ذِكْرهم بعد التسليمتَيْن من صلاةِ التراويح: الصَّلاةُ يَرْحَمكُم الله، فإِنه محدث أَيضاً. والحدث فى الدِّين ممنوع. وخير الهدْى هَدْى سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة. ولم يُذْكَر عن أَحَدٍ من السَّلَف فعل ذلك فليسعنا ما وَسِعَهم (¬1). (فَلْيَتَّق) الله ربهم أَئِمَّة المساجد وليتذكَّرُوا الْوَعِيد الشَّدِيد لمنْ ينقر ¬

(¬1) ص 145 ج 2 المدخل (الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح).

6 - قيام الليل

صلاته، ولا يطمئن فى الركُوع والسُّجُود ولا يُرَتِّل القراءَة (فعن) أَبى عبد الله الأَشْعَرى رضِىَ الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً لا يتمّ ركُوعه وينقر فى سُجُودِه وهو يُصَلِّى، فقال: لَوْ ماتَ هذا على حاله هذِه ماتَ على غير مِلَّةِ مُحمد صلى الله عليه وسلم (الحديث) أَخرجه الطبرانى فى الكَبير وأَبْو يَعْلى بسَنَدٍ حَسَن وابن خُزَيمة فى صحيحه (¬1) {192}. (والأَحاديث) والآثار فى هذا كَثِيرة تقَدَّم بَعْضُها فى بحث " الرفع من الركُوع إِلى الطمأْنينة فى الأَركان " (¬2) (وقد) قال الحسَن بن الجوزجانى: أَصَحّ الطُّرُق إِلى الله تعالى وأَعْمرها وأَبْعَدها عَن الشُّبَه، اتباع السُّنة قَوْلاً وَفِعْلاً وعَزْماً وَقَصْداً وَنِيَّةً، لأَنَّ الله تعالى يقول: " وَإِنْ تُطِيعُوه تَهْتَدُوا ". فَقِيلَ له: كَيف الطَّريق إِلى اتِّباع السُّنة؟ فقال: مُجَنَبة الْبِدَع وَاتِّبَاع ما أَجمع عليه الصَّدر الأَوَّل من علماءِ الإسلام. ذكَره الشعرانى فى الطبقات. 6 - قيام الليل كانَ قِيَامُ الليل فَرْضاً على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصحابه، لقوله تعالى: " يأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُم اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَو انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ". ثم نسخ بقوله تعالى: " عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّر مِنَ الْقُرْآنِ " (¬3). ¬

(¬1) تقدم رقم 91 بهامش 2 ص 169، وفيه التحذير من ترك الاطمئنان فى الصلاة. (¬2) انظر من ص 153 إلى ص 158 ج 2 دين طبعة ثانية. (¬3) " فتاب عليكم " أى خفف عنكم بإسقاط فرض قيام الليل، فالمراد بالتوبة، التوبة اللغوية وهى التخفيف " فاقرءوا " أى صلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل ولو ركعتين. وعبر عن الصلاة بالقراءة، لأنها بعض أركانها. والأمر للندب ويحتمل إبقاء القراءة على حقيقتها، أى اقرءوا فى الصلاة، فالأمر للوجوب، أو فى غيرها والأمر للندب. وبهذه القراءة تنالون ثواب القيام " روى " ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين. أخرجه أبو داود [193] ص 210 ج 2 تيسر الوصول (صلاة الليل) وأخرجه ابن حبان، وفيه: ومن قام بمائتى آية كتب من المقنطرين، أى ممن كتب لهم قناطير من الأجر.

قال ابن عباس في تَفْسِيره: قُم الليل كله إلا قليلاً منه. فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه. وقاموا الليل كله ولم يعرفوا ما حد القليل؟ فأنزل الله تعالى: " نصفه او انقص منه قليلاً ". فاشتد ذلك أيضاً عليهم وقاموا حتى انتفخت أقدامهم، ففعلوا ذلك سنة، فأنزل الله تعالى ناسختها فقال: "علم أن لن تحصوه "، يعني قيام الليل من الثلث والنصف، وكان هذا قبل فرض الصلوات الخمس. اهـ. (وعن) عكرمة أن ابن عباس قال في المزمل: "قم الليل إلا قليلاً نصفه" نسختها الآية التي فيها: "علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن". وناشئة الليل أوله (الأثر) أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {42}. (وعن) سماك الحنفي أن ابن عباس قال: لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها. وكان بين أولها وآخرها سنة. أخرجه أبو داود والبيهقي ومحمد بن نصر (¬2) {43}. (وبهذا) صار قيام الليل مندوباً في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأمته (ويؤيده) قول سعد بن هشام: انطلقت إلى ابن عباس فسألته عن الوتر، فقال: ألا أدلك على أعلم أهل الارض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: من؟ قال: عائشة رضي الله عنها، فأتها فسلها، ثم أعلمني ما ترد عليك. فانطلقت إليها، فأتيت على حكيم بن أفلح ¬

(¬1) ص 177 ج 1 تيسير الوصول (سورة المزمل) وص 500 ج 2 سنن البيهقي (قيام الليل). (¬2) ص 177 ج 1 تيسير الوصول (سورة المزمل) وص 500 ج 2 سنن البيهقي (قيام الليل).

فاستصحبته، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنا فدخلنا، فقالت: من هذا؟ قال: حكيم بن أفلح. فقالت: من هذا معك؟ قلت: سعد ابن هشام. قالت: ومن هشام؟ قلت: ابن عامر. قالت: نعم المرء كان عامر أصيب يوم أحد. قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. ففهممت أن أقوم فبدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين. قالت: ألست تقرأ يأيها المزمل؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله تعالى افترض القيام في أوله هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم. وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهراً في السماء، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة (الحديث) أخرجه البيهقي، ونحوه لمسلم (¬1) {194}. (وبهذا) قال الجمهور (وقال) مالك: لم يزل قيام الليل فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن ابن عباس والشافعي لظاهر قوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلةً لك" أَىْ فريضةً زائدةً على الصَّلواتِ الخم خاصَّةً بِكَ دُونَ أُمَّتِكَ. " ولا يُقَال " إِن الخطاب لَهُ صلى الله عليه ولم خطاب لأُمَّتِه، لأَنَّ محل هذا ما لم يَقُمْ دَلِيلٌ على الخصُوصية كما هنا. فإِن قوله: " نافِلةً لك " بعد قوله: " فَتَهَجَّد " دَلِيلٌ على أَنَّ الخطاب خاص به صلى الله عليه وسلم دون أُمَّتِه (قال) ابن عباس: " ومِنَ الليل فَتَهَجَّدْ به نافلة لك " ¬

(¬1) ص 499 ج 2 سنن البيهقي، وص 25 ج 6 نووي مسلم (صلاة الليل والوتر).

يَعْنى بالنافلة أَنَّهَا للنبىِّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، أُمِرَ بقيام الليل الليل وكُتِبَ عليه. أَخرجه ابن جَرِير وابن أَبى حاتم وابن مردويه (¬1) {44}. (وأَجاب) الجمهور بأَنَّ معنَى الآية: جعل الله التَّهَجُّدَ نَفْلاً فى حقك، زيادةً لدرجاتك، وشكراً منك لمولاك على ما أَوْلاك. أَمَّا في حقِّ الأُمة فشرع تكفيراً للسَّيئات. هذا. والكلام هُنَا يَنْحَصِرُ في سِتَّة عشَر بحثاً. 1 - فضل قيام الليل: هُوَ في الفَضْل في المرتبة الرابعة بعد المكْتُوبة والرَّوَاتِب وما تشرع فيه الجماعة كالْعِيد والكُسُوف والتَّرَاوِيح. (وبهذا) قال الجمهور. وعن أَحمد وبعض الشافعية أَنه يَلِى المكْتُوبة فى الفَضْل. وتَطَوُّع الليل أَفْضَل من تَطَوُّع النهار. (روى) أَبو هريرة أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: أَفْضَلُ الصَّلاةِ بعد المكَتُوبة الصَّلاةُ فى جَوْف الليل، وأَفْضَلُ الصِّيام بَعْدَ شهر رمضانَ شهر اللهِ المحَّرم. أَخرجه مسلم والثلاثة (¬2) {195}. فى الحديث دَلِيلٌ لما اتفق العلماءُ عليه أَنَّ تَطَوُّع اللَّيل أَفْضَلُ من تَطَوُّع النهار. وفيه حُجَّة لأَبى إِسحاق المروزى ومَنْ وَافَقَهُ على أَنَّ صلاةَ الليل أَفْضَلُ من السُّنَن الرَّاتبة (وقال) أَكْثر العلماءِ: الرَّوَاتِب أَفْضَل لأَنها تُشْبه الفَرَائض (والأَوَّل) أَقْوَى وأَوْفَق للحديث. قاله النَّوَوِى (وقال) الطِّيبى: ولَعَمْرِى إِنَّ صلاةِ التَّهَجُّد لو لم يكُنْ فيها فَضْلٌ سِوَى قوله تعالى: " وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ ¬

(¬1) ص 96 ج 5 جامع البيان (سورة الإسراء). (¬2) ص 55 ج 8 نووى مسلم (فضل صوم المحرم) وص 183 ج 10 المنهل العذب، وص 240 ج 1 مجتبى (فضل صلاة الليل) وص 331 ج 1 تحفة الأحوذى.

مَقَامًا مَحْمُوداً " (¬1). وقوله تعالى: " تَتَجَافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلآ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُنٍ " (¬2) وغيرهما من الآيات، لَكَفَاه مِزْية. (وقد) وَرَدَ فى فَضْل قِيَامِ اللَّيل أَحَادِيثَ منها " حديث " بلال أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: عليكُمْ بِقِيَام الليل فإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالحين قبلكُم، وقُرْبَةٌ إِلى اللهِ تَعالى، ومَنْهَاةٌ عن الإِثم، وتَكْفِيرٌ للسَّيِّئَات، ومَطْرَدَةٌ للدَّاءِ عَن الجَسَدِ. أَخرجه أَحمد والبيهقى والحاكم وقال: صَحِيحٌ على شَرْط البخارى. وفى سَنَدِه مُحمد القرشىّ، قال البخارى: ترك حديثه (¬3) {198}. (وحديث) أَبى مالك الأَشْعَرِىّ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية 79، أى تهجد لنعطيك يوم القيامة مقاما يحمدك فيه الخلائق وهو مقام الشافعة فى فضل القضاء (قال) أبو هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود، فقال: هو الشافعة. أخرجه الترمذى [196] ص 38 ج 1 تيسر الوصول (سورة الإسراء). (¬2) سورة السجدة، الآيتان 16 و 17، و (تتجافى) أى ترتفع جنوبهم عن مواضع النوم لتهدهم ليلا (يدعون ربهم) أى يعبدونه (خوفاً) من وبال عقابه (وطمعاً) فى جزيل ثوابه، ويتصدقون مما أنعم الله عليهم، وسيدهم فى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن رواحة: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الصبح ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع ... يبيت يجافى جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع (وعن) أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولا أّن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قرأ: " فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ". أخرجه الشيخان والترمذى. وزاد البخارى فى رواية: وقال محمد ابن كعب: إنهم أخفوا لله عملا فأخفى لهم ثواباً، فلو قدموا عليه أقر تلك الأعين [197] ص 365 ج 8 فتح البارى (سورة السجدة) وص 66 ج 17 نووى مسلم (كتاب الجنة) وص 6 ج 4 تحفة الأحوذى. فالآية واردة فى قيام الليل. وهو قول الجمهور. (¬3) ص 502 ج 2 سنن البيهقى (الترغيب فى قيام الليل) وص 308 ج 1 مستدرك ورقم 5572 ص 531 ج 4 فيض القدير. و (منهاة ومطردة) بفتح فسكون، أى حالة من شأنها النهى عن الإثم وإبعاد الداء عن الجسد وتكفير للسيئات.

فى الجنَّةِ غُرَفاً يُرَى بَطِنُها من ظَاهِرُها وظَاهِرُها مِنْ بَطِنها، أَعَدَّها اللهُ لمنْ أَطْعَمَ الطَّعَام، وأَلآنَ الكلاَم، وتَابَعَ الصِّيامَ، وقامَ باللَّيْل والنَّاسُ نِيَام. أَخرجه أَحمد وابن حبان والبيهقى فى الشعب والطبرانى فى الكَبير بسَنَدٍ رجاله ثِقَات (¬1) {199}. " وحديث " أَبى هُريرةَ رضِىَ اللهُ عنهُ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: رَحِمَ الله رَجُلاً قام مِنَ الليل فصَلَّى وأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فى وَجْهِها الماءَ. ورَحِمَ الله امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ الليل فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَها فَصَلَّى، فإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فى وَجْهِه الماءَ. أَخرجه أَحمد والأَربعة إِلاَّ الترمذى، وأَخرجه البيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2) {200}. " وحديث " أَبى هُريرةَ قال: قُلْتُ: يا رسول الله، أَنْبِئْنى عن أَمْرٍ إِذا أَخَذْتُ به دَخَلْتُ الجنَّة. قال: أَفْش السَّلام وأَطْعِم اطَّعَام، وَصِل الأَرْحَام، وصَلِّ بالليل والنَّاس نِيَام، ثم ادْخُل الجنَّة بسَلام. أَخرجه أَحمد والترمذى والحاكم وصححه (¬3) {202}. ¬

(¬1) ص 343 ج 5 مسند أحمد (حديث أبى مالك الأشعرى) وص 254 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الليل). (¬2) ص 233 ج 4 الفتح الربانى، وص 211 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الليل) وص 207 ج 1 سنن ابن ماجه (من ايقظ أهله من الليل) وص 501 ج 2 سنن البيهقى، وص 309 ج 1 مستدرك (فصلى) أى ولو ركعتين أو ركعة فى حق من نام قبل أن يوتر. وعليه يحمل حديث: عليكم بصلاة الليل ولو ركعة، أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط عن ابن عباس. وفيه حسين ابن عبد الله وهو ضعيف [201] ص 252 ج 2 مجمع الزوائد. والمراد بالنضح الرش. وخص الوجه لأنه أفضل الأعضاء، وينضحه يذهب النوم أكثر من بقية الأعضاء، فإن فيه العينين وهما آلة النوم. (¬3) ص 234 ج 4 الفتح الربانى. و (أفش) أمر من الإفشاء وهو الإظهار برفع الصوت والسلام على من عرف ومن لم يعرف. والمطلوب الإفشاء المتعارف، فمن يمر فى الشوارع المطروقة يسلم على البعض فقط.

" وحديث " يُونُس عن الحسَن أَبى هُريرةَ أَنَّ رَجُلاً جاءَ إِلى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ فُلآناً نَامَ البارِحَةَ ولم يُصَلِّ شيئاً حتى أَصْبَحَ فقال: بَالَ الشَّيْطَانُ فى أُذُنِه، قال يُونُس وقال الحسَن: إِنَّ بَوْلَهُ واللهِ ثَقِيل. أَخرجه أَحمد. وأَخرج الشَّيْخان نحوه عن ابن مسعود (¬1) {203}. " وحديث " علىّ بن حُسَين عن أَبيه عن جَدِّه علىّ رضِىَ الله عنه قال: دَخَلَ علىَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى فاطِمَةَ رضى الله عنها مِنَ الليل فَأَيْقَظَنَا للصَّلاة، ثم رجَعَ إِلى بَيْتِهِ فَصَلَّى هَوِيًّا مِنَ الليل فلم يَسْمَعْ لنا حِسًّا، فَرَجَعَ إِلينا فأَيْقَظَنَا وقال: قُومَا فَصَلِّيَا. فجلَسْتُ وأَنا أَعْرُكُ عَيْنَىّ وأَقول: إِنَّا واللهِ ما نُصَلِّى إِلاَّ ما كُتِبَ لنا، إِنما أَنفسنا بِيَدِ اللهِ فإِذا شاءَ يَبْعَثُنَا بُعثْنَا. فوَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقُول - ويَضْرب على فَخِذِه -: ما نُصَلِّى إِلاَّ ما كُتِبَ لنا. ما نُصَلِّى إِلاَّ ما كُتِبَ لنا. وكانَ الإِنسانُ أَكْثَر شَىْءٍ جَدَلاً. أَخرجه أَحمد والشيخان والبيهقى (¬2) {204}. " وحديث " أَبى هُريرةَ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: إِذا نَامَ أَحدكُم عُقِدَ على رَأْسِه ثلاث عُقَدٍ بجَرير، فإِنْ قام فَذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أُطْلقَتْ واحدة، وإِنْ مَضَى فَتَوَضَّأَ أُطْلِقَتْ الثانية، فإِنْ مَضَى فَصَلَّى أُطْلِقَت الثالثة، فإِنْ أَصْبَحَ ولم يَقُمْ شيئاً من الليل ولم يُصَلّ، أَصْبَح ¬

(¬1) ص 239 ج 4 الفتح الربانى، ن وص 19 ج 3 فتح البارى (إذا نام ولم يصل بال الشيطان فى أذنه). (¬2) ص 240 ج 4 الفتح الربانى، وص 6 ج 3 فتح البارى (تحريض النبى على قيام الليل .. ) وص 50 ج 2 سنن البيهقى. وصدره عنده وعند الشيخين: ألا تصليان، والمراد بالبعث الاستيقاظ من النوم. يريد على بذلك الاعتذار عن عدم القيام، وأن النائم غير مكلف، فإن أراد الله إيقاظه أيقظه. والمختار أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: وكان الإنسان أكثر شئ جدلا، التعجب من سرعة جوابة، وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا، ولذا ضرب فخذه. وقيل: قاله صلى الله عليه وسلم تسليماً لعذرهما، وأنه لا عتب عليهما.

وهُوَ عليه، يَعْنى الجرير. أَخرجه الجماعة إِلاَّ الترمذى. وهذا لفظ أَحمد ولفظه عند الشْيْخين وأَبى داود عن أَبى هُريرةَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ على قافِيَةِ رأْس أَحَدِكُم إِذا هو نَامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ مكان كُلِّ عُقْدَةٍ عليك لَيْلٌ طويل فَارْقُدْ، فإِن اسْتَيْقَظَ فَذَكَر الله انْحَلَّتْ عُقْدَة (الحديث) (¬1) { 205}. (واختلف) فى هذا العقد (فالظَّاهر) باق علي حقيقته وهو الربط لما في رواية ابن ماجه عن أَبي هُريرة أن النبيَّ صلي الله عليه وسلم قال: يَعْقِدُ الشَّيطَانُ علي قافِيَةِ رَأْس أَحَدِكُم بليل بحَبْل فيه ثلاث عُقَدٍ (الحديث) (وقيل) إن العقد مجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم من منعه من الذكر والصلاة بفعل الساحر بالمسحور من منعه عن مراده؛ فهو من عقد القلب وتصميمه، فكأن الشيطان يوسوس في نفس النائم بأن عليه ليلاً طويلاً فيتأخر عن القيام. او المراد به تثقيل القلب في النوم وإطالته، فكأن الشيطان شد عليه شداً وعقده ثلاث عقد. (والمراد) بالشيطان ¬

(¬1) ص 241 ج 4 الفتح الربانى، وص 211 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الليل وص 206 ج 1 سنن ابن ماجه (قيام الليل) و (عقد) مبنى للمفعول. والفاعل الشيطان كما فى الرواية بعد. و (الجرير) بفتح فكسر: الحبل. و (القافية) مؤخر العنق. وخص القفا بذلك، لأنه محل القوة الواهمة، وهى أطوع القوى للشيطان. و (عليك ليل طويل) أى يضرب قائلا: باق عليك ليل طويل. ومقصود الشيطان بذلك التلبيس على النائم وتثبيطه عن القيام للطاعة (وظاهره) اختصاص ذلك بنوم الليل. ولا يبعد حصول مثله لمن نام نهاراً (وظاهر الحديث أن من ترك واحداً من الثلاثة يصبح خبيثاً كسلان وإن أتى بالباقى. وهو كذلك لكنه متفاوت. فمن ذكر الله فقط كان أخف فى الخبث ممن لم يذكره. وهذا الذم مختص بمن لم ينو التهجد وضيعه .. أما من نواه أو كانت عادته التهجد فغلبته عينه فلا لوم عليه، بل يكتب له ثواب ما كان يفعله من الطاعة (روت) عائشة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة. أخرجه مالك وأبو داود والنسائى والبيهقى [206] ص 217 ج 1 زرقانى الموطإ، وص 211 ج 2 تيسير الوصل (صلاة الليل).

الجنس وفاعل ذلك هو القرين أو غيره. ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس "ولا يقال" إن الغافلين عن قيام الليل كثيرون، فلا يستطيع أن يعقد عليهم "لأنا نقول" لا مانع من ذلك لجواز أن يعطيه الله القدرة على ذلك. "وقول" ابن عمر: رأيت كأن بيدي قطعةً من استبرق وليس مكان أريده من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصتها على النبي صلى الله عليه وسلم: فقال لها: إن أخاك رجل صالح لو كان يقوم من الليل، فما تركتُ قيام الليل بعد ذلك. أخرجه أحمد والشيخان والترمذي (¬1) {207}. 2 - وقت قيام الليل: اتفق العلماءُ على أن كل الليل وقت للتهجد، وأن أفضله الثلث الاخير، لأنه وقت الغفلة ونزول الرحمة واستجابة الدعاء. وقد ورد في هذا أحاديث منها: "حديث" حميدٍ الطويل قال: سئل أنس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال: ما كنا نشاء أن نراه من الليل مصلياً إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه، وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئاً ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئاً. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي (¬2) {208}. "وعن" عمرو بن عبسة قال: قلتُ يا رسولَ الله، هلْ من دعوة أقرب من أخرى أو ساعة تبقى أو ينبغي ذكرها؟ قال: نعم إنَّ أقربَ ¬

(¬1) ص 5 ج 2 مسند أحمد، وص 92 ج 3 تيسير الوصول (عبد الله بن عمر). (¬2) ص 104 ج 3 مسند أحمد، وص 16 ج 3 فتح الباري (قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل .. ) وص 242 ج 1 مجتبي (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل).

ما يكون الربُّ منَ العبد جوف الليل الاخر، فإن استطعت أن تكون ممنْ يذكر الله في تلك الساعة فكنْ. أخرجه النسائي والحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، والترمذي وقال: حديثٌ حسنُ صحيحُ غريب (¬1) {209}. يعني أن العبادة في آخر الليل أفضل منها في أوله. (ويأتي عن) عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه. أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬2) {210}. والحكمة في أن قيام الثلث المذكور أفضل، أنه وقت الغفلة ونزول الرحمة ومناجاة الرب: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ الخ. وحكمةُ نوم السدس أن يستريحَ من نصبِ القيام في بقيةِ الليل فيقومَ نشطاً لتأدية صلاة الصبح وما يتبعها من الأوراد إلى طلوع الشمس. 3 - ركعات قيام الليل: - اتفق العلماء على أنه ليس لصلاة الليل عددٌ مخصوص، وأنَّ العبدَ كلما زاد فيها زاد أجره. واختلفوا فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واختاره لنفسه. والغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعةً أو ثلاث عشرةَ ركعةً بالوتر. وقد صلى تسعاً وسبعاً لما كبر سنه. وقد روي في ذلك عدة أحاديث منها: ¬

(¬1) ص 309 ج 1 مستدرك (إن أقرب ما يكون الرب) أي أقرب حال تكون فيه رحمة الرب قريباً من العبد في آخر الليل. (¬2) يأتي في الصيام رقم 141 ص 334 ج 8 دين (صوم داود عليه السلام).

(حديث) عباس قال: كنت في بيت ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت معه على يساره، فأخذ بيدي فجعلني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشر ركعة، حزرت قدر قيامه في كل ركعةٍ قدر يا أيها المزمل. أخرجه أحمد والبيهقي بسندِ جيد (¬1) {211}. (وحديث) ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء فصلى أربعاً، ثم نام ثم قام فصلى أربعاً. قال: نام الغليم فجثت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينهِ، ثم صلى خمس ركعاتٍ، ثم ركعتين، ثم نامَ حتى سمعتُ غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي (¬2) {212}. (وقوله) ثم صلى خمس ركعاتٍ، يحتمل أنه صلاها بسلامٍ واحدٍ وهي الوتر، أو أنه صلى ركعتين ثم أوتر بثلاثٍ ثم صلى ركعتي الفجر وعليه فقد صلى بعد النوم تسع ركعاتٍ. وقد كان يفعل هذا أحياناً (ويؤيده) قول مسروق: سألت عائشة عن صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرةَ ركعة سوى ركعتي الفجر. أخرجه البخاري (¬3) {213}. (وحديث) عروة أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الاخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل اثنتين ويوتر بواحدةٍ ويسجد في سبحته بقدر ما يقرأ أحدكم ¬

(¬1) ص 255 ج 4 الفتح الرباني (قدر القراءة في كل ركعة من صلاة الليل). (¬2) ص 251 منه، وص 477 ج 2 سنن البيهقي، وقال: رواه البخاري (من جعل بعد العشاء أربع ركعات، أو أكثر) (فصلى أربعاً) هي سنة العشاء. (¬3) ص 14 ج 3 فتح الباري (كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل)؟

بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه. فإذا سكت المؤذن من أذانه قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه. أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي (¬1) {214}. "وقول" زرارة بن أوفى: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. فقالت: كان يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعتين ثم ينام. فإذا استيقظ وعنده وضوءه مغطى وسواكه استاك، ثم توضأ فقام فصلى ثماني ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وما شاء الله من القرآن، فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي ركعة واحدة ثم يجلس فيتشهد ويدعو ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا. ثم يكبر وهو جالس فيقرأ ثم يركع ويسجد وهو جالسٌ فيصلي جالساً ركعتين. فهذه إحدى عشرة ركعة. فلما كثر لحمه وثقل، جعل التسع سبعاً، لا يقعد إلا كما يقعد في الأولى ويصلي الركعتين قاعداً، فكانت هذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله. أخرجه أحمد (¬2) {215} ولم تكنْ هذه عادةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: بل كان يفعل ذلك أحياناً وغالبُ أحواله أنه كان يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر. وتقدم بيان أحواله صلى الله عليه وسلم في الوتر (¬3) ¬

(¬1) ص 486 ج 2 سنن البيهقي (صلاة الليل مثنى مثنى) وص 257 ج 4 الفتح الرباني، وص 331 ج 2 فتح الباري (أبواب الوتر) وص 16 ج 6 نووي مسلم (صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله ليه وسلم في الليل) وص 264 ج 7 المنهل العذب (صلاة الليل)، وص 212 ج 1 ابن ماجه (كم يصلي بالليل؟ ) و (السبحة) بضم فسكون: النافلة (فإذا سكت المؤذن) أي فرغ من أذان الصبح. (¬2) ص 261 ج 4 الفتح الرباني (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل). (¬3) انظر ص 9 ج 3 دين طبعة ثانية (عدد ركعات الوتر).

"وحديث" القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. منها الوتر وركعتا الفجر. أخرجه البخاري (¬1) {216} (قال) ابن القيم: كان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرةَ ركعة أو ثلاث عشرة. وقد حصل الاتفاق على إحدى عشرة ركعةً. واختلف في الركعتين الأخيرتين، هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما؟ فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعاتِ الفرض والسنن الراتبة التي كان يحافظ عليها، جاء مجموعُ ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يحافظ عليها دائماً، سبعة عشر فرضاً، وعشر ركعاتٍ أو ثنتا عشرة سننه الراتبة (¬2) وإحدى عشرةَ أو ثلاث عشرةَ ركعة قيامه بالليل. والمجموع أربعون ركعة، وما زادَ على ذلك فعارض غير راتب كصلاةِ الفتح ثماني ركعاتٍ وصلاةُ الضحى إذا قدِم من سفرٍ (¬3)، وصلاته عند مَنْ يزوره وتحية المسجد ونحو ذلك (فينبغي) للعبدِ أن يواظب على هذا الورد دائماً إلى الممات. فما أسرع الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كلَّ يوم أربعين مرة. والله المستعان (¬4). ¬

(¬1) ص 14 ج 3 فتح الباري (كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل؟ ) (¬2) الراتبة يعني المؤكدة كما تقدم في بحث "الرواتب المؤكدة" ص 294 ج 2 دين طبعة ثانية. (¬3) (ظاهر) كلام ابن القيم أن صلاة الفتح غير صلاة الضحى (قال) القاضي عياض وغيره: لعلها كانت صلاة شكر لله تعالى على فتح مكة. (ويرده) قول عبد الرحمن بن أبي ليلى: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانيء فإنها قالت: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بيتي يوم الفتح فاغتسل وصلى ثماني ركعات (لحديث) أخرجه مالك والخمسة [217] ص 212 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الضحى). (¬4) ص 84 و 85 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل).

4 - كيفية صلاة الليل: الأفضل في صلاة الليل أن تكونَ مثنى مثنى. ويسنُّ أن تفتتح بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما، ثم يطيل القراءة والركوع والسجود. وهو مخيَّر في القراءةِ بين الأسرار والجهر، وهو أفضل ما لم يهوش على مصلٍّ أو نائِم. ودليلُ ذلك "ما تقدم" عن ابن عمر أن رجلاً قال: يا رسول الله، كيف صلاةُ الليل؟ قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدةٍ. أخرجه السبعة (¬1) {218}. "وعن المطلب" بن ربيعة بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاةُ الليل مثنى مثنى، وإذا صلى أحدكم فليتشهد في كلِّ ركعتين ثم ليلحف في المسألة، ثم إذا دعا فليتساكن وليتبأس وليتضعف، فمن لم يفعل ذلك فذاك الخداج. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (¬2) {219}. (وعن) أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا قامَ أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي (¬3) {220}. (والأمر) في هذا الحديث محمولٌ على الاستحباب عند جميع العلماءِ. (وقال) زيد بن خالد الجهني: لأرمقن صلاةَ رسول الله صلى الله ¬

(¬1) تقدم رقم 442 ص 308 ج 2 دين طبعة ثانية. (¬2) ص 267 ج 4 الفتح الرباني، وص 204 ج 7 المنهل العذب (صلاة النهار) وص 205 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الليل والنهار مثنى ... ) و (التساكن) إظهار السكون والخشوع (والتبؤس) إظهار البؤس والاحتياج (والتضعف) إظهار الضعف والعجز (والخداج) بكسر أوله: النقص في الأجر والفضيلة. (¬3) ص 268 ج 4 الفتح الرباني، وص 54 ج 6 نووي مسلم، وص 252 ج 7 المنهل العذب (افتتاح صلاة الليل بركعتين).

عليه وعلى آله وسلم الليلة. فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. أخرجه مسلم (¬1) {221}. (وتقدم عن) أبي قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: مررت بك وأنت تصلي تخفض من صوتك. قال: أسمعت من ناجيت؟ قال: ارفع قليلاً. وقال لعمر: مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك. فقال: إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان. قال: اخفض قليلاً. أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي والحاكم (¬2) {222}. (وعلى) هذا اتفق العلماء (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ويستحب أن يقرأ المتهجد جزءاً من القرآن في تهجده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر انشط له في القراءة او بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها، فالجهر أفضل. وإن كان قريباً منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته؛ فالإسرار أولى وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، فليفعل ما شاء (قال) عبد الله بن أبي قيس: سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالليل؟ فقالت: كل ذلك ¬

(¬1) ص 53 ج 6 نووي مسلم (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل). (¬2) ص 334 ج 1 تحفة الاحوذي (القراءة بالليل) وتقدم رقم 246 ص 90 ج 2 دين طبعة ثانية، وهو هنا مختصر.

كان يفعل، ربما أسر بالقراءة وربما جهر. قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1) {223}. (وقال) أبو هريرة: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يرفع طوراً ويخفض طوراً {224} (وقال) ابن عباس: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت. رواهما أبو داود (¬2) {225}. 5 - هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: - قد ورد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل عدة أحاديث غير ما تقدم منها: "حديث" كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل الذي صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع يده على رأسي وأخذ أذني اليمنى ففتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ¬

(¬1) ص 334 ج 1 تحفة الاحوذي (القراءة بالليل). (¬2) ص 257 ج 7 المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) وص 777 ج 1 مغنى (الجهر والاسرار في صلاة الليل).

ثم خرج فصلى الصبح. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬1) {226}، (وقد) تقدم بيان المذاهب في حكم الوتر وعدد ركعاته وكيفية صلاته (¬2). "وحديث" سعد بن هشام قال: قدمت المدينة فدخلت على عائشة فقلت: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة العشاء ثم يأوي إلى فراشه فينام، فإذا كان جوف الليل قام إلى حاجته وإلى طهوره فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثماني ركعات، يخيل إلى أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه فربما جاء بلال فآذنه بالصلاة، ثم يغفي حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاته حتى أسن او لحم. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3) {227}. (وحديث) زرارة بن أو في أن عائشة سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل. فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام وطهوره مغطى عند رأسه وسواكه موضوع حتى يبعثه الله تعالى ساعته التي يبعثه من الليل، فيتسوك ويسبغ الوضوء، ثم يقوم الى مصلاة فيصلي ثماني ركعات يقرأ فيهن بأم الكتاب وسورة من القرآن وما شاء الله ¬

(¬1) ص 249 و 250 ج 4 الفتح الرباني، وص 45 ج 6 نووي مسلم (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل) وص 241 مجتبي (ما يستفتح به القيام) و (الشن) بفتح الشين وشد النون: القربة الخلق. (¬2) انظر ص 2 و 9 و 10 ج 3 دين طبعة ثانية. (¬3) ص 287 ج 7 المنهل العذب (صلاة الليل) وص 244 ج 1 مجتنبي (كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً). و (لحم) ككرم، أي كثر لحمه. أما لحم بكسر الحاء فمعناه اشتهى اللحم. وألحمه بفتحها: أطعم اللحم.

ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة ثم يقعد فيدعو بما شاء الله أن يدعوه، ويسأله ويرغب إليه ويسلم تسليمةً واحدةً شديدةً يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب ويركع وهو قاعد، ثم يقرأ الثانية فيركع ويسجد وهو قاعد، ثم يدعو بما شاء الله أن يدعو به، ثم يسلم وينصرف. فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدن فنقص من التسع ثنتين فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود (¬1) {228}. "وحديث" حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما دخل الصلاة قال: الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم قرأ البقرة ثم ركع. وكان ركوعه نحواً من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحواً من ركوعه، وكان يقول: لربي الحمد، لربي الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، وكان يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ثم رفع رأسه فكان ما بين السجدتين نحواً من السجود، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2) [229] ¬

(¬1) ص 287 ج 7 المنهل العذب (صلاة الليل) تقدم بلفظ آخر رقم 215 ص 185 و (يبعثه الله) أي يوقظه من النوم. و (بدن) كقرب وقعد، أي عظم وكثر لحمه. ويروي بدن بفتح الدال مشددة، أي كبر سنه. و (ركعتيه) معطوف على ما قبله، أي صيرها إلى الست والسبع (يصليها بتشهدين وسلام واحد) وركعتيه اللتين كان يصليهما بعد الوتر. (¬2) ص 243 ج 4 الفتح الرباني، وص 320 ج 5 المنهل العذب (ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده).

(وكان) النبي صلى الله عليه وسلم يطيل السجود في قيام الليل، للاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى (ففي الحديث) أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء. أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة (¬1) {230}. 6 - أذكار صلاة الليل: - يقال فيها ما يقال في غيرها من الأذكار والأدعية التي تقدم بيانها في واجبات الصلاة وسننها (¬2). وقد ورد في صلاة الليل أذكار وأدعية أخرى في أحاديث منها: "حديث طاوس" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، ¬

(¬1) ص 200 ج 4 نووي مسلم (ما يقال في الركوع والسجود) وص 322 ج 5 المنهل العذب المورود (الدعاء في الركوع والسجود) وص 170 ج 1 مجتبي. (¬2) ص 200 ج 4 نووي مسلم (ما يقال في الركوع والسجود) وص 322 ج 5 المنهل العذب المورود (الدعاء في الركوع والسجود) وص 170 ج 1 مجتبي.

وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر أنت الذي لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرجه مالك والسبعة (¬1) {231}. (وحديث) عاصم بن حميد قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشراً وحمد الله عشراً واستغفر عشراً وسبح عشراً وهلل عشراً، وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة. أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو داود. وهذا لفظه (¬2) {232}. 7 - أذكار الليل: - يسن الاكثار من الدعاء والذكر والاستغفار في كل ساعة من الليل، ولا سيما النصف الأخير "لقول" جابر بن عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل ¬

(¬1) ص 390 ج 1 زرقاني الموطإ (في الدعاء) وص 246 ج 4 الفتح الرباني، وص 17 ج 2 تيسير الوصول (الدعاء عند التهجد)، وص 211 ج 1 سنن ابن ماجه (الدعاء إذا قام الرجل من الليل) و (قيام السموات) بالتشديد، أي قائم بشئون خلقه ومدبرها. وفي رواية: قيوم. وفي أخرى: قيم. و (بك خاصمت) أي بما وهبت من البراهين والحجج خاصمت من عاند وكفر بك (وإليك) (حاكمت) أي جعلتك الحاكم بيني وبين من جحد الحق، أو جعلت محاكمتي معه إلى كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، لا إلى غيرهما (فاغفر لي) سأل النبي صلى الله عليه وسلم المغفرة وهو مغفور له، تواضعاً وإجلالاً لله تعالى، وتعليماً لأمته. (¬2) ص 241 ج 1 مجتبي (ما يستفتح به القيام) وص 211 ج 1 سنن ابن ماجه (الدعاء إذا قام الرجل من الليل) وص 176 ج 5 المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة من الدعاء).

الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك في كل ليلة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {233}. وقد ورد في أذكار الليل أحاديث، منها: "حديث" أبى مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه. أخرجه السبعة (¬2) {234} وكفتاه بتخفيف الفاء، أي أغنتاه عن قيام تلك الليلة بالقرآن، ووقتاه من كل سوء ومكروه. "وحديث" أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسل قال لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله أحد، الله الصمد ثلث القرآن. أخرجه مالك والبخاري والنسائي وأبو داود (¬3) {235} "وحديث" أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر. قيل: وما القنطار؟ قال: ملء مسك الثور ذهباً. أخرجه الدارمي {236}. ¬

(¬1) ص 313 ج 3 مسند أحمد، ورقم 2331 ص 471 ج 2 فيض القدير. (¬2) ص 99 ج 18 الفتح الرباني، وص 46 ج 9 فتح الباري (فضل سورة البقرة) وص 92 ج 6 نووي مسلم (فضل خواتيم سورة البقرة) وص 87 ج 1 تيسير الوصول (سورة البقرة) و (قرأ الآيتين) هما قوله تعالى: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون" إلى آخر السورة. (¬3) ص 184 ج 1 تيسير الوصول (سورة الاخلاص) و (الصمد) السيد المقصود في الحوائج دائماً، وكانت ثلث القرآن، لأن المقصود منه بيان التوحيد والصفات، والأوامر والنواهي، والقصص والمواعظ. وهذه السورة قد تضمنت بيان التوحيد والصفات كما تقدم بصفة 15 ج 1 دين طبعة ثانية (الوحدانية)

"وحديث" الشعبي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ عشر آيات: أربعاً من أول البقرة إلى "وأولئك هم المفلحون" وآية الكرسي وآيتين بعدها، وخواتيمها، لم يدخل ذلك البيت شيطان حتى يصبح. أخرجه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح إلا أن الشعبي لم يسمع من ابن مسعود. قاله الهيثمي (¬1) {237} (وأخرجه) الدارمي عن الشعبي قال: قال عبد الله: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح، أربعاً من أولها، وآية الكرسي وآيتين بعدها، وثلاثاً خواتيمها أولها: لله ما في السموات (¬2) {45}، فهو موقوف على ابن مسعود ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا مجال للرأي في مثل هذا. "وحديث" سهل بن سعد الدين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة ايام. أخرجه البيهقي وأبو يعلي والطبراني وفي سنده سعيد ابن خالد الخزاعي المدني وهو ضعيف (¬3) {238} "وحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة. أخرجه الدارمي (¬4) {239} "وحديث" أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء قلب ¬

(¬1) ص 7 هامش إشراق الضياء في أذكار الصباح والمساء. (¬2) ص 448 ج 2 سنن الدارمي (فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي). (¬3) ص 311 ج 6 مجمع الزوائد (سورة البقرة). (¬4) ص 457 ج 2 سنن الدارمي (فضل يس).

وقلب القرآن يس، ومن قرأها كتب الله له بقراءتها القرآن عشر مرات دون يس. أخرجه الترمذي والدارمي (¬1) {240} "وقول" أبي رافع. من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفوراً له. وزوج من الحور العين. أخرجه الدارمي (¬2) {46} وهو موقوف له حكم الرفع. "وقول" جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك. أخرجه أحمد والدارمي والنسائي والترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (¬3) وقال المناوي فيه اضطراب {241} "وحديث" ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله عز وجل بها من عذاب القبر. وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة، لأنها في كتاب الله عز وجل سورة المانعة، من قراها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب. أخرجه النسائي (¬4) {242} "وحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حم المؤمن إلى قوله: إليه المصير، وآية الكرسي حين يمسي، حفظ بهما حتى يصبح، ومن قرأهما حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي. أخرجه الترمذي (¬5) {243} ¬

(¬1) ص 158 ج 1 تيسير الوصول (سورة يس) وص 456 ج 2 سنن الدارمي. (¬2) ص 457 منه (فضل حم الدخان). (¬3) ص 154 ج 1 تيسير الوصول (سورة السجدة) وص 455 ج 2 دارمي. (¬4) ص 223 ج 2 الترغيب طبعة منير (الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك). (¬5) ص 161 ج 1 تيسير الوصول (حم المؤمن).

8 - ما يقال عند النوم: يسن النوم على طهارة وذكر وعلى الشق الأيمن "لحديث" معاذ ابن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يبيت على ذكر الله تعالى طاهراً فيتعار من الليل فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه. أخرجه أحمد وأبو داود. وهو حديث حسن (¬1) {244} "ولحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخله إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله وليضطجع على شقه الأيمن، وليقل: سبحانك اللهم ربي، بك وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ بها عبادك الصالحين، أخرجه الشيخان وأبو داود، وهذا لفظ مسلم (¬2) {245} "ولحديث" البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أويت إلى فراشك فتوضأ ونم على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً. أخرجه السبعة إلا النسائي (¬3) {246}. وقد ورد فيما يقال عند النوم أحاديث اخر منها: ¬

(¬1) ص 235 ج 5 مسند أحمد. وص 310 ج 4 سنن أبي داود (النوم على طهارة (فيتعار من الليل) أي يستيقظ من نومه. (¬2) ص 99 ج 11 فتح الباري. وص 37 ج 17 نووي مسلم (الدعاء عند النوم) وص 312 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم). (¬3) ص 292 ج 4 مسند أحمد، وص 18 ج 2 تيسير الوصول (أدعية النوم).

"حديث" نوفل الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ "قل يأيها الكافرون"، ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك. أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1) {247}. "وحديث" ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ "قل هو الله أحد" مائة مرة. فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب تبارك وتعالى: ادخل على يمينك الجنة. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب من حديث ثابت. وقد روي من غير هذا الوجه أيضاً عن ثابت (¬2) {248}. وفي سنده حاتم ابن ميمون وهو ضعيف. "وحديث" البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع يده تحت خده ثم يقول: باسمك الله أحيا وباسمك أموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي (¬3) {249}. "وحديث" علي رضي الله عنه أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال: ألا أخبرك بما هو خير منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين الله أربعاً وثلاثين. أخرجه البخاري (¬4) {250}. ¬

(¬1) ص 313 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم - الأدب) وص 565 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 185 ج 1 تيسير الوصول (سورة الإخلاص). (¬3) 302 ج 4 مسند أحمد، وص 35 ج 17 نووي مسلم (الدعاء عند النوم). (¬4) ص 407 ج 9 فتح الباري (خادم المرأة- النفقات) وص 51 منه (فضل المعوذات).

"وحديث" عائشةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. أخرجه البخاري (¬1) {251}. والنفث شبيه بالنفخ، ويكون بعد جمع الكفين وقبل القراءة. وفائدته التبرك بالهواء والنفس. "وحديث" حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاث مرات. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبزار وحسنه الحافظ ابن حجر. وأخرجه الترمذي عن حذيفة وقال: هذا حديث صحيح حسن (¬2) {252} "وحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. أخرجه مسلم وأبو داود (¬3) {253} ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) ص 287 ج 6 مسند أحمد، وص 310 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم). (¬3) ص 313 ج 4 سنن أبي داود، وص 36 ج 17 نووي مسلم (الدعاء عند النوم).

"وحديث" عليّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته. اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم. اللهم لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد. سبحانك اللهم وبحمدك. أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح (¬1) {254} "وحديث" أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {255}. "وحديث" أبي الأزهر الأنماري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر ذنبي، وأخسيء شيطاني، وفك رهاني، وثقل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه (¬3) {256} "وحديث" ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه: الحمد لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والذي من علي فأفضل، والذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كل حال. اللهم رب كل شيء ومليكه وإله كل شيء، أعوذ بك من النار. أخرجه أبو داود والنسائي (¬4) {257} ¬

(¬1) ص 312 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم). (¬2) ص 37 ج 17 نووي مسلم (الدعاء عند النوم) وص 18 ج 2 تيسير الوصول. (¬3) ص 313 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم) وص 440 ج 1 مستدرك. و (الندى) بفتح فكسر وشد الياء: الملأ (الأعلى) من الملائكة. (¬4) ص 313 ج 4 سنن أبي داود (ما يقال عند النوم).

(والأحاديث) والآثار في هذا كثيرة. وفيما ذكر كفاية لمن وفق للعمل بكل ما ذكر او ببعضه حسب التوفيق والهداية. (وحكمة) الدعاء بما ذكر عند النوم أن يكون خاتمة أعماله التوحيد والكلم الطيب. 9 - ما يقال عند الاستيقاظ من النوم: المستيقظ بالليل نوعان: من لا ينام بعده، ومن يريد النوم. (أ) يستحب للأول أن يذكر الله ويتوضأ ويصلي لتحل عقد الشيطان التي عقدها على قافية العبد عند نومه ويصبح نشيطاً طيب النفس كما تقدم في حديث أبي هريرة (¬1) وقد ورد في هذا أدعية وأذكار منها: "ما تقدم"في حديث البراء (¬2). "وما في حديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره. أخرجه الترمذي والنسائي وابن السني بسند حسن (¬3) {258} "وما في حديث" أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل ينتبه من نومه فيقول: الحمد لله الذي خلق النوم واليقظة. الحمد لله الذي بعثني سالماً سوياً. أشهد أن الله يحيي الموتى وهو على شيء قدير، إلا قال الله تعالى: صدق عبدي. أخرجه ابن السني (¬4) {259} ¬

(¬1) هو الحديث رقم 205 ص 180 (فضل قيام الليل). (¬2) هو الحديث رقم 249 ص 198 (أذكار الليل). (¬3) رقم 437 ص 280، ج 1 فيض القدير، وص 11 الأذكار النووية (ما يقول إذا استيقظ من منامه). (¬4) ص 11 الأذكار النووية (ما يقول إذا استيقظ من منامه).

"وما في حديث" عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هب من الليل كبر عشراً وحمد عشراً، وقال: سبحان الله وبحمده عشراً، وقال: سبحان الملك القدوس عشراً، واستغفر عشراً وهلل عشراً، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشراً، ثم يفتتح الصلاة. أخرجه أبو داود. وأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ آخر. ورجاله ثقات (¬1) {260} (وما في حديثها) أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت سبحانك، الله وبحمدك، أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب. أخرجه أبو داود والحاكم. وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2) {261} (ب) ويستحب لمن استيقظ وهو يريد النوم أن يذكر الله تعالى حتى يغلبه النوم. وقد ورد فيه أذكار منها: ما تقدم. "وما في حديث"عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي ¬

(¬1) ص 322 ج 4 سنن أبي داود (ما يقول إذا أصبح) وص 263 ج 2 مجمع الزوائد (ما يفعل إذا قام من الليل) (ثم يفتتح الصلاة) أي التهجد. (¬2) ص 314 ج 4 سنن أبي داود (ما يقول الرجل إذا تعار من النوم) وص 540 ج 1 مستدرك (وتعار بتشديد الراء: أي استيقظ).

أو دعا استجيب له، فإن توضأ قبلت صلاته. أخرجه البخاري وأبو داود (¬1) {262} (فينبغي) لكل مؤمن أن يغتنم العمل بهذا الحديث ونحوه ويسأل ربه مخلصاً له أن يرزقه حظاً من قيام الليل، وأن يوفقه لعمل الأبرار ويرزقه الحسنى وزيادة. "وما في حديث" عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل قال: لا إله إلا الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار. أخرجه النسائي وابن السني والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2) {263} 10 - ما يقول من قلق في فراشه: قد وقع هذا لبعض الصحابة فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدواء الكافي، والبلسم الشافي وهو ذكر الله تعالى. وقد ورد فيه أحاديث منها. (ما روي) محمد بن يحيي بن حبان أن الوليد بن المغيرة قال: يا رسول الله، إني أجد وحشة. فقال: إذا أخذت مضجعك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن ¬

(¬1) ص 26 ج 3 فتح الباري (فضل من تعار من الليل فصلى) وص 314 ج 4 سنن أبي داود. (¬2) ص 540 ج 1 مستدرك، وص 46 الأذكار النووية (ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده) و (التضور) التقلب في الفراش.

يحضرون، فإنه لا يضرك. أخرجه أحمد (¬1) {264}. "وحديث" علقمة عن عبد الرحمن بن سابط قال: أصاب خالد ابن الوليد أرق، فقال الله النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلماتٍ إذا قلتهن نمت؟ قل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جاراً من شر خلقك أجمعين أن يفرط عليَّ أحد منهم، أو أن يطغى، عز جارك، وتبارك اسمك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، ولا إله إلا أنت، فقالهن فنام. أخرجه الطبراني في الأوسط أبي شيبة في مصنفه بسند جيد، رجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من خالد بن الوليد (¬2) {265}. وضعفه الترمذي وقال: ليس إسناده بالقوي. وضعف إسناده المنذري والنووي. 11 - ما يقول من يفرغ في نومه: فزع بعض الصحابة في النوم فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما وقاهم منه (روى) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عقابه، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لن تضره. قال: وكان عبد الله بن عمرو يلقنها من عقل من ولده أن يقولها عند نومه، ومن لم يعقل كتبها في صك ثم علقها في عنقه. ¬

(¬1) ص 57 ج 4 مسند أحمد (حديث الوليد بن الوليد رضي الله عنه) والكلمات التامة، أي الشاملة الكاملة وهي أسماء الله تعالى وصفاته وآيات كتبه (وهمزات الشياطين) وساوسهم (وأن يحضرون) بكسر نون الوقاية وحذف ياء المتكلم. وهو مقتبس من قوله تعالى: "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين (97) وأعوذ بك رب أن يحضرون" (98) سورة المؤمنون. (¬2) ص 126 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أرق أو فزع).

أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1) {266}. وقال مالك: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله ¬

(¬1) ص 81 ج 2 مسند أحمد، وص 263 ج 2 الترغيب والترهيب (الترغيب فيما يقوله من يأرق او يفزع بالليل) وبعمل ابن عمرو استدل من قال بجواز تعليق التمائم والتعاويذ التي من القرآن وأسماء الله تعالى وصفاته. وهو مروي عن ابن عمرو وعائشة. وبه قال أحمد في رواية. (وقال) ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعقبة بن عامر وغيرهم: لا يجوز تعليق التمائم والتعاويذ مطلقاً. وبه قال الحنفيون وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه (لما) ثبت عن ابن مسعود أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود، فجذبه فقطعه ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن الرقي والتمائم والتولة (بكسر التاء وفتح الواو، شيء شبيه بالسحر تفعله المرأة ليحبها زوجها) شرك فقالت امرأته: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني. فإذا رقاني سكنت. فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه [267] ص 186 ج 17 الفتح الرباني، وص 372 ج 2 تيسير الوصول (النهي عن ذلك) أي الرقي والتمائم. "ولحديث" عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة الله له. أخرجه أحمد وأبو يعلي والطبراني بسند رجاله ثقات [268] ص 187 ج 17 الفتح الرباني. "ولقول" عيس بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلت على عبد الله بن عكيم (بالتصغير) أبي معبد الجهني أعوده وبه حمرة (ورم بالوجه والجسد) فقلت: ألا تعلق شيئاً؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من تعلق شيئاً وكل إليه. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي وقال: إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى [269] ص 88 ج 1 الفتح الرباني، وص 273 ج 2 تيسير الوصول (النهي عن ذلك). "والحديث" عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر على عضد رجل حلقة من صفر (بضم فسكون، أي نحاس) فقال: ويحك، ما هذه؟ قال: من الواهنة (وهي مرض يأخذ في العضد، او عرق يأخذ في المنكب واليد كلها فيرقي منها، وربما علق عليها خرز يقال له خرز الواهنة). قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً. أخرجه أحمد [270] ص 187 ج 17 الفتح الرباني. (وأجاب) الأولون بان هذه الأحاديث محمولة على التمائم التي فيها شرك وما لا يعرف ما فيها، وعلى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها اتقاء العين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (أما) تعليق التمائم على شيء من كتاب الله تعالى واسم من أسمائه أو دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بأس به "لقول" عوف بن مالك: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا على رقاكم، ثم قال: لا بأس بما ليس فيه شرك. أخرجه مسلم وأبو داود [271] ص 369 ج 2 تيسير الوصول (جواز الرقي والتمائم). "ولقول" جابر: أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقية الحية، ولدغت رجلاً منا- ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- عقرب، فقال رجل: يا رسول الله، أأرقى؟ فقال: من استطاع منكم ان ينفع أخاه فليفعل. أخرجه مسلم [272] ص 370 ج 2 تيسير الوصول (جواز الرقي والتمائم). (والأفضل) ترك تعليق التمائم والتعاويذ ولاسيما للمتوكلين. (روى) عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة رضي الله عنه فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم. فقام آخر (هو سعد بن عبادة) فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة. أخرجه أحمد ومسلم. وأخرجه البخاري عن ابن عباس [273] ص 436 ج 4 مسند أحمد، وص 371 ج 3 تيسير الوصول (النهي عن ذلك). (أما) الاستشفاء بالرقي والتحصن بها من العين وغيرها فهو جائز اتفاقاً (قال) أنس بن مالك: أرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحمة (بضم ففتح: السم) والعين والنملة. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي [274] ص 370 ج 2 تيسير الوصول (والنملة بفتح فسكون: قروح تخرج في الجنب وغيره). (وعن) بريدة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا رقية إلا من عين أو حمة. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران بن حصين [275] ص 185 ج 17 الفتح الرباني. ورقم 9885 ص 426 ج 6 فيض القدير. ومعناه: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة. وليس معناه أنه لا تجوز الرقية من غيرهما. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقي بعن الصحابة من غيرهما (قال) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم رقي الحمى والأوجاع كلها أن يقولوا: باسم الله الكبير، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار (بشد العين، أي يخرج منه الدم بقوة) ومن شر حر النار. أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث غريب والحاكم وصححه [276] ص 370 ج 2 تيسير الوصول. ورقم 7111 ص 233 ج 5 فيض القدير.

إني أروع في منامي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون (¬1) {277} 12 - ما يقول من تحرك في الليل: - (روى) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يتحرك من الليل: باسم الله عشر مرات، وسبحان الله عشراً، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت عشراً، وقي كل شيء يتخوفه ولم ينبغ لذنب أن يدركه إلى مثلها. أخرجه الطبراني في الأوسط (¬2) {278}. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضور من الليل قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار. أخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬3) {279} 13 - ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره: يستحب لمن رأى رؤيا صالحة أن يحمد الله تعالى وأن يستبشر بها ويخبر بها من يحبه دون من يكرهه. ويستحب لمن رأى رؤيا يكرهها أن يتعوذ من شرها وشر الشيطان، وأن يتفل حين يستيقظ من نومه على يساره ولا يذكرها لأحد أصلاً، وأن يتحول من جنبه الذي كان عليه، وأن يقوم فيصلي. ¬

(¬1) ص 19 ج 2 تيسير الوصول (أدعية النوم والانتباه). (¬2) ص 213 ج 1 الترغيب والترهيب (الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل). (¬3) رقم 6615 ص 112 ج 5 فيض القدير. والتضور: التقلب في الفراش.

(وقد) ورد في هذا أحاديث، منها: "حديث" أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها. وإذا رأى غير ذلك مما بكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحدٍ فإنها لا تضره. أخرجه أحمد والبخاري والترمذي (¬1) {280} (وحديث) جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬2) {281} "وقول أبي سلمة" لقد كنت أرى الرؤيا تمرضني، فلقيت أبا قتادة، فقال: وأنا كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شرها وشر الشيطان ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره. أخرجه مسلم (¬3) {282}. (وحكمة) أنه لا يحدث بها إلا من يحب، أنه إذا قصها على من لا يحبه فقد يعبرها بما يكره (فائدة) الرؤيا المكروهة هي تكون من حديث النفس وشهواتها ورؤيا التهويل والتخويف. وقد يجتمع هم ¬

(¬1) ص 300 ج 12 فتح الباري (الرؤيا من الله) ورقم 621 ص 350 ج 1 فيض القدير. (¬2) ص 20 ج 15 نووي مسلم (الرؤيا) ورقم 619 ص 349 ج 1 فيض القدير. (¬3) ص 19 ج 15 نووي مسلم (كتاب الرؤيا).

النفس وأحزان الشيطان. وهذا النوع من المأمور بالاستعاذة منه، لأنه من تخيلاته. فإذا فعل المأمور به صادقاً أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك. قاله في نزل الأبرار. 14 - ما يقول من قصت عليه الرؤيا: قال أبو موسى الأشعري: رأيت في المنام كأني في ظل شجرة ومعي دواة وقرطاس وأنا أكتب من أول ص حتى بلغت السجدة، فسجدت الدواة والقرطاس والشجرة وسمعتهن يقلن في سجودهن: اللهم احطط بها وزراً، وأحرز بها شكراً، وأعظم بها أجراً، فاستيقظت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال: خيراً رأيت، وخيراً يكون، نمت ونامت عيناك نومة نبيّ عندها مغفرة، ونحنُ نترقب ما ترقب. أخرجه ابن السني (¬1) {283} 15 - قضاء قيام الليل: من اعتاد القيام وغلبه نوم أو طرأ عليه عذر منعه من القيام، فله أجر ما نؤي غير مضاعف، واستحب له قضاؤه نهاراً "لحديث" عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من امريء تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة. أخرجه مالك وأبو داود والنسائي (¬2) {284} " ولحديث " عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نام عن ¬

(¬1) قال النووي في الأذكار: روينا في كتاب ابن السني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال- لمن قال له رأيت رؤيا-: خيراً رأيت وخيراً يكون. وفي رواية: خيراً تلقاه وشراً تقاه. خيراً لنا وشراً على أعدائنا والحمد لله رب العالمين. ص 74 الأذكار النووية. (¬2) ص 211 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الليل).

حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل. أخرجه أحمد والأربعة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1) {285} (والحزب) بكسر فسكون: ما اعتاده الشخص من قراءة أو صلاة أو ذكرٍ. (وعن) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجعٍ أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. أخرجه مسلم (¬2) {286}. (ففي) هذه الأحاديث دليل على استحباب اتخاذ الأوراد ليلاً، وقضائها إذا فاتت بنوم أو غيره من الأعذار فيما بين صلاة الصبح والظهر. (وبهذا) قال أبو حنيفة وأبو يوسف، لحديث عمر. (وقالت) الشافعية ومحمد بن الحسن: يستحب قضاؤها في النهار مطلقاً، وهو روايةً عن أحمد، لحديث مسلم بن عائشة. (وقالت) المالكية: من فاتته صلاة الليل لعذر فإن تذكرها قبل صلاة الصبح صلاها قبله وإلا فليس له قضاؤها. والأحاديث حجة عليهم. ¬

(¬1) ص 53 ج 1 مسند أحمد ولفظه: من فاته شيء من ورد. وص 237 ج 7 المنهل العذب (من نام عن حزبه) وص 255 ج 1 مجتبي (متى يقضي من نام عن حزبه) وص 209 ج 1 سنن ابن ماجه. و (كتب له ...... الخ) أي أعطى أجره كاملاً كما لو أداه ليلاً، تفضلاً من الله تعالى. (¬2) ص 356 ج 6 دليل الفالحين (كيف يتدارك من فاته شيء من حزبه).

16 - بدع قيام الليل: قد خرج بعض المتعبدين في قيام الليل عن الجادة والطريق القويم، طريق سيد الأوابين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. (وقد) بين بعض ذلك الحافظ ابن الجوزي، قال: وقد لبس إبليس على جماعة من المتعبدين، فأكثروا من صلاة الليل، وفيهم من يسهره كله، ويفرح بقيام الليل وصلاة الضحى أكثر مما يفرح بأداء الفرائض، ثم يقع (أي ينام) قبيل الفجر فتفوته الفريضة أو يقوم فيتهيأ لها فتفوته الجماعة، أو يصبح كسلان، فلا يقدر على الكسب لعائلته. (ولقد) رأيت شيخاً من المتعبدين يمشي كثيراً من النهار في جامع المنصور، فسألت عن سبب مشيه؟ فقيل لي: لئلا ينام. فقلت: هذا جهلٌ بمقتضى الشرع والعقل. أما الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لنفسك عليك حقاً فقم ونم (¬1). وكان يقول: عليكم هدياً قاصداً فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه (¬2). ¬

(¬1) هو بعض حديث أخرجه أبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون، فجاءه فقال: يا عثمان أرغبت عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب. قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر وصل ونم [287] ص 303 ج 7 المنهل العذب (ما يؤمر به من القصد في الصلاة). (¬2) هو بعض حديث أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن بريدة قال: خرجت ذات يوم أمشي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فأخذ بيدي فانطلقنا جميعاً، فإذا برجل يصلي يكثر من الركوع والسجود. فقال: أترى هذا مرائياً؟ قلت: الله ورسوله أعلم. فأرسل يده وطبق بين يديه ثلاث مرات يرفع يديه ويضربهما ويقول: عليكم هدياً قاصداً (أي طريقاً معتدلاً. والمعنى: الزموا القصد في العمل وهو الأخذ بالأرفق بلا غلو ولا تقصير) فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه (أي من يقاومه ويكلف نفسه من الطاعات فوق طاقته يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل وترك الواجبات) [288]، ص 350 ج 5 مسند احمد، وص 18 ج 3 سنن البيهقي (القصد في العبادة).

(وعن) أنس بن مالك، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به. فقال: حلوه. ثم قال: ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد. أخرجه الشيخان (¬1) {289}. (وعن) عائشة قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه. أخرجه الشيخان (¬2) {290} (وأما) العقل فإن النوم يجدد القوي التي كلت بالسهر، فمتى دفعه الإنسان وقت الحاجة إليه أثر في بدنه وعقله، فنعوذ بالله من الجهل. (فإن قال) قائل: فقد روي لنا أن جماعةً من السلف كانوا يحيون الليل، (فالجواب) أن أولئك تدرجوا حتى قدروا على ذلك، وكانوا على ثقةٍ من حفظِ صلاةِ الفجر في الجماعة. وكانوا يستعينُون بالقائلةِ مع قلة المطعم، فصح لهم ذلك. ثم لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ليلة لم ينم فيها فسنته هي المتبوعة. (وقد) لبس إبليس على جماعةٍ من قوام الليل، فيحدثوا بذلك ¬

(¬1) ص 24 ج 3 فتح الباري (ما يكره من التشديد في العبادة) وص 72 ج 6 نووي مسلم (فضيلة العمل الدائم). (¬2) ص 218 ج 1 فتح الباري (الوضوء من النوم) وص 74 ج 6 نووي مسلم (أمر من نعس في صلاته أن يرقد).

7 - صلاة الضحى

بالنهار، فربما قال أحدهم: فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس أنه كان منتبهاً. فأقل ما في هذا- إن سلم من الرياء- أن ينقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية فيقلّ الثواب. (وقد) لبّس على آخرين انفردوا في المساجد للصلاة والتعبُّد، فعرفوا بذلك واجتمع إليهم ناسٌ فصلُّوا بصلاتهم، وشاع بين الناس حالهم، وذلك من دسائس إبليس، وبه تقوى النفس على التعبد لعلمها أن ذلك يشيع ويوجب المدح. (وعن) زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاةُ المرءِ في بيتِه أفضلُ من صلاتِه في مسْجِدِي هذا إلا المكتوبة. أخرجه أحمد والثلاثة (¬1) {291} (وقد) لبّس على جماعة من المتعبدين فتراهم يصلون الليل والنهار، ولا ينظرون في إصلاح عيبٍ باطن ولا في مطعم. والنظر في ذلك أولى بهم من كثرةِ التنفُّل (¬2). 7 - صلاة الضحى الضحى بالضم والقصر، وقت ارتفاع الشمس أول النهار. وبه سميت صلاةُ الضحى (وهي) مشروعة مرغب فيها، نفعها عظيم، وفضلها عميم، قد ورد فيه عدة أحاديث منها: "حديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَافَظَ على شفعة الضحى، غفرت له ذنوبه وإن كانت مثلَ زبدِ البحْر. أخرجه ¬

(¬1) تقدم رقم 447 ص 310 ج 2 دين (مكان صلاة التطوع). (¬2) ص 150 تلبيس إبليس (نقد مسالك العباد في العبادات).

أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: قد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن نهاس بن قهم، ولا نعرفه إلا من حديثه. اهـ. والنهاس ضعيف (¬1) {292} "وحديث" عقبة بن عامر أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً يحدث أصحابه فقال: من قام إذا استقلت الشمس فتوضأ فأحسن الوضوءَ ثم قام فصلى ركعتين، غفر له خطاياه، فكان كما ولدته أمه. أخرجه أحمد وأبو يعلي. وفي سنده رجل مبهم (¬2) {293} "وحديث" أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وتهليلة صدقة، وتكبيرة صدقة، وتحميدة صدقة، وأمر بمعروفٍ صدقة، ونهي عن منكرٍ صدقة ويجزيء أحدكم من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (¬3) { 294} ¬

(¬1) ص 20 ج 5 الفتح الرباني، وص 215 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الضحى)، وص 347 ج 1 تحفة الاحوذي. والمراد بالذنوب الصغائر، اما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة الصحيحة أو عفو الله تعالى. (¬2) ص 21 ج 5 الفتح الرباني، وص 236 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الضحى) و (استقلت الشمس) أي ارتفعت (فكان كما ولدته أمه) كناية عن تطهيره من الصغائر فتكون صحيفته بيضاء. (¬3) ص 22 ج 5 الفتح الرباني، وص 233 ج 5 نووي مسلم (صلاة الضحى)، وص 189 ج 7 المنهل العذب. والسلامي، بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم: عظام الجسد ومفاصله. والمعنى: يصبح على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة شكراً لمن صوره وحفظه عما يغيره ويؤذيه. (وفي الحديث) في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة. قالوا: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعنا الضحى تجزيء عنك. أخرجه أحمد وأبو داود عن بريدة [295] ص 359 ج 5 مسند أحمد وص 188 ج 7 المنهل العذب- الشرح. وفي سنده الحسين بن وافد. ضعفه أبو حاتم، وقواه غيره.

"وحديث" نعيم بن همار الغطفاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال ربكم عز وجل: صل لي يا ابن آدم أربعاً في أول النهار أكفك آخره. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي بسند جيد (¬1) {296} (وفي) الباب أحاديث أخرى تدلُّ على عظيم فضل صلاة الضحى (¬2) والحث عليها وكثرة فوائدها، وأنها أعظم غنيمة يغتنمها المسلم، وينتصر بها على الشيطان، ويرضى بها عنه الرحمن، ويعمه بالإحسان. (ومن) فوائدها أن مصليها يكون في حفظ الله ورعايته طول يومه. ومنها أنها تكفر صغائر الذنوب وتحفظ مصليها من ارتكاب الكبائر. ومنها أنها تجزيء عن ستين وثلثمائة صدقة المطلوبة على مفاصل البدن. فعلى العاقل أن يهتم بتأديها ويواظب عليها. ويكثر من التسبيح، والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر أنواع الطاعة، ليؤدي بذلك ما عليه من الصدقات المطلوبة على أعضائه. ثم الكلام فيها ينحصر في ستة مباحث: ¬

(¬1) ص 287 ج 5 مسند احمد. وص 192 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى)، وص 238 ج 1 سنن الدارمي (ولعل) تخصيص الضحى بذلك، أنه وقت غفلة أكثر الناس عن الطاعة لاشتغالهم فيه بأعمالهم الدنيوية. و (أكفك) أي أكفك شر (آخره من الهموم والبلايا). (¬2) منها: حديث أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم (في أنه يكتب له بكل خطوة أجر)، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه (أي لا يتعبه شيء) إلا إياه (أي الخروج إليها) فأجره كأجر المعتمر. وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما، كتاب (أي مكتوب) في عليين. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي [297] ص 268 ج 5 مسند أحمد بلفظ: من مشى إلى صلاة، وص 250 ج 4 المنهل العذب (فضل المشي إلى الصلاة).

1 - وقت صلاة الضحى: وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين إلى الزوال "لقول" عليّ رضي الله عنه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى حين كانت الشمس من المشرق من مكانها من المغرب من صلاة العصر. أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند ابن ماجه (¬1) {498}. (والمعنى) أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الضحى ومقدار ارتفاع الشمس بالمشرق كمقدار ارتفاعها بالمغرب عند صلاة العصر. "ولقول" سعيد بن نافع: رآني أبو بشير الأنصاري وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس فعاب عليّ ذلك ونهاني. ثم قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا حتى ترتفع الشمسُ، فإنها تطلع بين قرني الشيطان. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {299}. (والأفضل) تأخيرها حتى بمضي ربع النهار "لقول" زيد بن أرقم: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباءٍ وهم يصلون الضحى. فقال: صلاةُ الأوابين إذا مضت الفصال من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم (¬3) {300} (وبهذا) قالت الأئمة الأربعة والجمهور (قال) الماوردي: وقتها ¬

(¬1) ص 25 ج 5 الفتح الرباني، وهو بعض حديث عند ابن ماجه ص 183 ج 1 (ما يستحب من التطوع بالنهار). (¬2) ص 26 ج 5 الفتح الرباني، وص 30 ج 6 نووي مسلم (صلاة الأوابين) وقباء بضم القاف ممدوداً وهو مذكر مصروف، وهي قرية جنوب المدينة على نحو ميلين، بها مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى، أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة. و (رمض) كعلم (والرمضاء) شدة الحر، ويظهر أثرها على الرمل وغيره (والفصال) جميع فيصل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه. (¬3) ص 26 ج 5 الفتح الرباني، وص 30 ج 6 نووي مسلم (صلاة الأوابين) وقباء بضم القاف ممدوداً وهو مذكر مصروف، وهي قرية جنوب المدينة على نحو ميلين، بها مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى، أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة. و (رمض) كعلم (والرمضاء) شدة الحر، ويظهر أثرها على الرمل وغيره (والفصال) جميع فيصل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه.

المختار إذا مضى ربع النهار، وجزم به النووي في التحقيق (وحكى) في الروضة أن وقتها يدخل بطلوع الشمس. (ويرده) ما تقدم عن سعيد بن نافع. 2 - حكم صلاة الضحى: هي سنة مؤكدة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق أمته عند الأئمة والجمهور لما تقدم "ولقول" أبي هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لستُ بتاركهن: ألا أنام إلا على وتر، وألا أدع ركعتي الضحى فإنها صلاةُ الأوابين، وصيام ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر. أخرجه السبعة والبيهقي (¬1) {301}. "ولقول" انس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعاتٍ، فلما انصرف قال: إني صليت صلاةَ رغبةٍ ورهبةٍ سألت ربي عزَّ وجلَّ ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألته ألا يبتلى أمتي بالسنين، ففعل، وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم، ففعل، وسألته ألا يلبسهم شيعاً، فأبى عليَّ. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وابن خزيمة وصححاه (¬2) {302} ¬

(¬1) ص 20 ج 5 الفتح الرباني، وص 38 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى) وص 71 ج 8 المنهل العذب (الوتر قبل النوم) وبقية المراجع بهامش 1 ص 331 ج 8 دين (صوم ثلاثة أيام من كل شهر). (¬2) ص 35 ج 5 الفتح الرباني، وص 314 ج 1 مستدرك؟ والمراد بالسنين الجدب والقحط (وسألته ألا يظهر عليهم؟ ) أي دعوته أن لا يسلط عليهم الكفار، فأجاب دعائي. "ولا يقال" كيف هذا؟ مع أن معظم المسلمين الآن تحت سيطرة غيرهم "لأنا" نقول: ذلك لأنهم لم يقيموا الذين كما أمروا، فلم يتخلوا عن النواهي، ولم يتحلوا بالأوامر، بل أفرطوا في تقليد الأجنبي في الضار دون النافع. قلدوه في أكل الربا وشرب الخمر وإباحة الزنا والتبرج وخروج النساء واستحمامهن في البحار. قلدوهم في الحكم بالقانون الوضعي ونبذ القانون السماوي ولم يرتدعوا بقول الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة عجز الآية 44؛ وتركوا ما أمرهم به مولاهم بقوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" الأنفال، الآية 60، فخذلهم الله وسلط عليهم من لا يرحمهم، لأنهم تركوا الدين وراء الظهور، فتركوا إلى الذل والهوان.

(وقيل) لا تشرع صلاةُ الضحى إلا لسبب كالقدوم من سفرٍ والتعليم والتبرك والشكر "لقول" عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من سفرٍ فيصلي ركعتين. أخرجه أحمد (¬1) {303} "ولقول" عبد الله بن رواحة: سمعت أنس بن مالك يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يخرج في سفرٍ أو يقدم من سفرٍ. أخرجه أحمد (¬2) {304} "ولحديث" عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته. أخرجه أحمد (¬3) {305} "ولقول" أنس بن مالك: كان رجلٌ ضخمٌ لا يستطيعُ أن يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أستطيع أن أصلي معك، فلو أتيت منزلي فصليت فأقتدي بك. فصنع الرجل طعاماً ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فنصح طرف حصير لهم. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين. فقال رجل من آل الجارود لأنس: ¬

(¬1) ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني. (¬2) ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني. (¬3) ص 38، 34، 27 ج 5 - الفتح الرباني.

أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: ما رأيته صلاها إلا يومئذٍ. أخرجه أحمد والبخاري (¬1) {306} (وأجاب) الأولون بأن هذه الأحاديث لا تنافي استحباب صلاةِ الضحى مطلقا لسببِ ولغيره، فإن رواتها إنما نفوا الرؤية. وهذا لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أوقاتٍ أخرى لم يطلعْ عليها فيها أنس وغيره ممن رووا هذه الأحاديث. فإن هذه الأحاديث الواردة بإثباتها مطلقاً، قد بلغت مبلغاً لا تقصر معه عن إفادة استحبابها مطلقاً. (وقيل) إنها كانت واجبةٌ في حق النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة "لحديث" ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب عليَّ النحر ولم يكتب عليكم، وأمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها. أخرجه أحمد والطبراني وأبو يعلي وابن عدي والبزار والحاكم وصححه (¬2) {307} (ورد) بأنه حديثٌ ضعيفٌ "فإنَّ" في سنده جابراً الجعفي وهو ضعيف جداً، بل كذاب رافضي خبيث. وقال الحافظ: حديثٌ ضعيف من جميع طرقه وصححه الحاكم فذهب. اهـ. لكن قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. "وفي سند" البزار وابن عدي والحاكم، ابن جنان الكلبي، وهو متكلم فيه. ويعارضه حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول: إنه لا يدعها ¬

(¬1) ص 33 ج 5 الفتح الرباني، وص 38 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى في الحضر). و (رجل) قيل: هو عتبان بن مالك. (¬2) ص 23 ج 5 الفتح الرباني، ورقم 6223 ص 549 ج 4 فيض القدير. و (كتب على النحر) أي فرض على نحر الأضحية دونكم، فإنه سنة في حقكم، وأمرت بصلاة الضحى أمر إيجاب دونكم.

ويدعها حتى نقول: إنه لا يصليها. أخرجه أحمد والترمذي وحسنه (¬1) {308} (فلو كانت) واجبة عليه صلى الله عليه وسلم ما تركها أحياناً. (وقيل) إنها مستحبة لكن الأفضل عدم المواظبة عليها، بل تفعل تارة وتترك أخرى "لحديث" أبي سعيد السابق "ورد" بأنه صلى الله عليه وسلم قد حث عليها ورغب في المواظبة عليها بالأحاديث السابقة. وأنه كان يحب العمل ويتركه أحياناً مخافةً أن يفرض على أمته (روى) عروة أن عائشة قالت: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. أخرجه الإمامان والشيخان وأبو داود والبيهقي (¬2) {309}. وعند مسلم: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط. (وقال) الهادي والقاسم وأبو طالب المكي: صلاة الضحى بدعة. وروي عن ابن عمر "قال" مجاهد: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا نحن بعبد الله بن عمر فجالسناه، فإذا رجال يصلون الضحى. فقلنا يا أبا عبد الرحمن ما هذه الصلاة؟ قال: بدعة. ثم قال له (يعني عروة) كم اعتمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع (الأثر) أخرجه أحمد والبخاري (¬3) {47}. ¬

(¬1) ص 28 ج 5 الفتح الرباني، وص 347 ج 1 تحفة الأحوذي (صلاة الضحى). (¬2) ص 273 ج 1 زرقاني الموطإ (صلاة الضحى)، وص 36 ج 5 الفتح الرباني، وص 228 ج 5 نووي مسلم (استحباب صلاة الضحى)، وص 198 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى)، وص 49 ج 3 سنن البيهقي. (¬3) ص 30 ج 5 الفتح الرباني، وص 388 ج 3 فتح الباري (كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم).

(وقال) مورق العجلي: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال لا. قلت: صلاها عمر؟ قال: لا قلت: صلاها أبو بكر؟ قال: لا. قلت: أصلاها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله. أخرجه أحمد والبخاري (¬1) {48} (وقال) عبد الرحمن بن أبي بكرة: رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى فقال: إنهم ليصلون صلاةً ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه رضي الله عنهم. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {49} (وعن) عروذ أن عائشة قالت: ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى في سفر ولا حضر. أخرجه أحمد (¬3) {310}. (ورد) بأنه ليس في هذه الأدلة ما يدفع مشروعية صلاة الضحى "لأن" نفى ابن عمر وأبي بكرة وعائشة لها "محمولٌ" على عدم رؤيتهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلوها. وعدم رؤيتهم وعدم علمهم بذلك لا يستلزم عدم الوقوع "أو أنهم" نفوا صفةً مخصوصةً كالمواظبة عليها في المساجد وصلاتها جماعة (قال) القاضي عياض: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعةً ولا يقول: إنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة أن ابن مسعود رأى قوماً يصلونها فأنكر عليهم وقال: إن كان ولابد ففي بيوتكم. ذكره الحافظ (¬4) {50}. ¬

(¬1) ص 29 ج 5 الفتح الرباني، وص 34 ج 3 فتح الباري (صلاة الضحى في السفر). و (لا إخاله) بكسر الهمزة وتفتح، أي لا أظنه صلاها. وسبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها، لكنه لم يثق بمن أخبره. (¬2) ص 29 و 37 ج 5 الفتح الرباني (حجة النافين لمشروعية صلاة الضحى). (¬3) ص 29 و 37 ج 5 الفتح الرباني (حجة النافين لمشروعية صلاة الضحى). (¬4) ص 35 ج 3 فتح الباري. الشرح (صلاة الضحى في السفر).

كيف وقد ثبت عن كثير من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاها وأنهم صلوها. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. (ومما تقدم) تعلم أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن صلاة الضحى سنة مؤكدة وإن لم يكن لها سبب. هذا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في صلاة الضحى روايات مختلفة: (أ) (روتْ) عنها معاذة أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي الضحى أربع ركعاتٍ. أخرجه أحمد (¬1) {311}. (ب) روى عنها عبد الله بن شقيق أنها قالت: ما رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من سفرٍ فيصلي ركعتين. أخرجه أحمد (¬2) {312} (جـ) تقدم عنها أنها قالت: ما سبح النبيُّ صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى في سفرٍ ولا حضر. أخرجه أحمد (¬3) {313} (ويجمع) بين هذه الروايات بأن قولها: كان يصليها، لا يدل على المواظبة، لأن كان لا تستلزم المداومة، وإنما تدل على مجرد الوقوع. ولا يلزم من هذا أنها رأته يصليها، لجواز أن تكون روت ذلك عن غيرها. (وقولها) إلا أن يقدم من سفرٍ، يفيد تقييد ذلك المطلق بوقت مجيئه من السفر. (وقولها) ما سبح سبحة الضحى قط، نفى لرؤيتها كما يدل عليه ما تقدم عند مسلم من قولها: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي ¬

(¬1) ص 38 ج 5 الفتح الرباني. (¬2) ص 38 ج 5 الفتح الرباني. (¬3) ص 38 ج 5 الفتح الرباني.

سبحة الضحى قط (¬1) ولا يستلزم هذا عدم ثبوتها عندها بغير الرؤية، أو هو نفي لما عدا فعلها وقت القدوم من السفر. وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغها. وغيرها من الصحابة أخبر بما يدل على المواظبة وتأكد المشروعية ومن حفظ حجة على مَنْ لم يحفظْ. هذا. وقد علمت أن صلاة الضحى سنة مؤكدة ثابتة بالأحاديث الصحيحة والحسنة وما يقاربها من قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفِعْلِهِ وفعل أصحابه. (ومنه) تعلم رَدّ قول ابن القيِّم: وعامَّة أحاديث الباب في أسانيدها مقال وبعضها منقطع، وبعضها موضوع لا يحلّ الاحتجاج به (¬2). هذا. وحكمة مشروعية صلاةِ الضحى ألا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة. 3 - عدد ركعات الضحى: أقلها ركعتان وأكثرها ثنتا عشرة ركعة عند الحنفيين وبعض الشافعية "لحديث" أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الضحى ركعتين لم يُكتب من الغافلين، ومن صلى أربعاً كتب من العابدين، ومن صلى ستاً كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتى عشرةَ ركعةً بنى الله له بيتاً في الجنة. وما منْ يومٍ وليلةٍ إلا لله من يمنّ به على عباده، وصدقةٍ يمن بها على من يشاء من عباده، وما من الله على أحدٍ من عباده أفضل من أنْ يلهمه ذكره. أخرجه ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 309 ص 220 (حديث عائشة رضي الله عنها). (¬2) ص 94 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى)

الطبراني في الكبير بسندٍ فيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقه ابن معير وابن حبان، وضعفه ابن المديني وغيره، وبقية رجاله ثقات. قاله الهيثمي (¬1) {314} ورويَ نحوه عن ابن عُمَر عن أبي ذَرّ. (وقالت) المالكية والحنبلية وكثير من الشافعية: أكثر صلاةِ الضحى ثماني ركعاتٍ، لأنه أكثر ما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (روى) كريب مولى ابن عباس عن أم هانيء بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬2) {315} (وعن) عكرمة بن خالد عن أم هانيءٍ قالت: ذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلى ثماني ركعاتٍ وذلك ضحىً. أخرجه الشيخان (¬3) {316}. وفي الحديثين رد على من قال: إن هذه صلاة الفتح لا صلاة الضحى. (والحكمة) في اختلاف عدد ركعاتها التخفيف على الأمة، ليفعل كل ما استطاع، فليتنافس في ذلك المتنافسون. 4 - القراءة في صلاة الضحى: يقرأ في كل ركعة منها بالفاتحة وسورة. والأفضل قراءة "والشمس وضحاها" "والضحى والليل إذا سجى" (¬4) " لقول " عقبة بن عامر: ¬

(¬1) ص 237 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الضحى). (¬2) ص 193 ج 7 المنهل العذب (صلاة الضحى) وص 48 ج 3 سنن البيهقي (من رواها ثماني ركعات). (¬3) ص 6 ج 116 دليل الفالحين (فضل صلاة الضحى). (¬4) سجى، أي غطى بظلامه كل شيء، أو سكن أهله.

أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي الضحى بسورٍ منها: والشمس وضحاها والضحى. أخرجه الحاكم (¬1) {317} 5 - ما يقال بعد صلاة الضحى: يستحب أن يقول بعدها ما في حديث عائشةَ قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى ثم قال: اللهم اغفر لي وارحمني وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، حتى قالها مائة مرة. ذكره الفقيه مجد الدين الشيرازي ولم يذكر مخرجه (¬2) {318}. 6 - الموضوع في الضحى: قد علمت أن صلاة الضحى سنة مؤكدة، فمن صلاها تال ثوابها، ومن تركها حرمه. وقد تبين الثابت فيها. وقد قيل فيها ما لم يثبت: (أولاً) قال السيوطي في ذيل اللآليء: (1) من صلى الفجر في جماعةٍ ثم اعتكفَ إلى طلوع الشمس ثم صلى أربع ركعاتٍ يقرأُ في الأولى آية الكرسي ثلاثاً والإخلاص، وفي الثانية "والشمس"، وفي الثالثة "والسماء والطارق"، وفي الرابعة آية الكرسيّ والإخلاص ثلاث مراتٍ، وذكر ثوابه. فيه نوح بن أبي مريم المشهور بالوضْع. (2) ما مِنْ أحدٍ صلى الغداة في مسجده، ثم جلس يذكر الله إلى أنْ تطلع الشمس، فإذا طلعت حمدَ الله وقام فَصَلَّى ركعتين، إلا أعطاه الله .... الخ. فيه إبراهيم بن حيان السالط. وقيلَ: ضعيف يحدث عن الثقات بالموضوعات. اهـ. ¬

(¬1) ص 37 ج 3 فتح الباري. الشرح (آخر باب صلاة الضحى في السفر). (¬2) ص 32 سفر السعادة (صلاة الضحى).

(3) من صلى الضحى كتب الله له ألف ألف حسنة. فيه نوح بن أبي مريم كذاب وضاع. (4) عن عليّ مرفوعاً: من صلى سبحة الضحى ركعتين إيماناً واحتساباً كتب له مائتا حسنة، ومحيَ عنه مائتا سيئة، ورفع له مائتا درجة، وغفر له ذنوبه كلها ما تقدم منها وما تأخر إلا القصاص والكبائر .... الخ. ما ذكر في ثواب الأربع والست إلى اثنى عشر بقدر ذلك (قال) ابن حَجَر: هذا كذب مختلق وإسناده مظلم مجهول. اهـ. (ثانياً) قال العلامة محمد طاهر بن علي الهندي في تذكرة الموضوعات: (1) من دوام علي الضحى ولم يقطعها إلا لعلةٍ: كنت وهو في زورق من نور في بحرٍ من نور حتى يزور رب العالمين. موضوع. (2) من صلى الضحى يوم الجمعة أربع ركعاتٍ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ الفاتحةَ والمعوذتين والإخلاص والكافرون وآية الكرسي عشراً عشراً، فله كذا كذا، ويولد له ولو كان عقيماً. موضوع اهـ. (ثالثاً) قال الشيخ إسماعيل العجلوني في كشفِ الخفاءِ: ومن الموضوع: من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطيَ ثواب سبعين نبياً. اهـ. (رابعاً) اشتهر بين العوامّ أن من فعلها ثم تركها يصاب في نفسِه وأولادِه، ولا تعيشُ له ذُرِّيَّة. وهو مَحْض كَذِب واختلاق منابذ للسنة. (قال) العراقي في شرح الترمذي: اشتهر بين كثير من العوام أنَّ من صلى الضحى ثم قطعها يحصل له عمى، فصار كثيرٌ لا يصلونها خوفاً من ذلك. وليس لهذا أصل ألبتة، لا من السنة ولا عن أَحَدٍ مِنَ الصحابة والتابعين ومن بعدهم. والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام

8 - الصلاة عقب الطهارة

ليتركوا صلاة الضحى دائماً، فيفوتهم بذلك خيرٌ كثير، فإنَّ ركعتيها تجزئانِ عن سائر أنواع التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر. اهـ. (¬1) 8 - الصلاة عقب الطهارة تقدم أنه يسن صلاة ركعتين بعد الوضوء والغسل وبعض ما ورد في فضلهما (¬2)، وقد ورد في ذلك أحاديث أخر (منها) حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال حدثني بأرجى عملٍ عملته في الإسلام، فإني سمعتُ دفّ نعليك بين يديّ في الجنة. قال: ما عملتُ عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. أخرجه البخاري (¬3) {319}. (وحديث) بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصرٍ من ذهبٍ مربع مشرف، فقلت: لمنْ هذا ¬

(¬1) انظر الحديث رقم 294 ص 214 (صلاة الضحى). (¬2) انظر بند 17 من مستحبات الوضوء ص 234 ج 1 دين. (¬3) ص 23 ج 3 فتح الباري (فضل الصلاة عند الطهور). و (بلال) بن رباح المؤذن وفي الحديث دليل على أن ذلك وقع في المنام، لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر كما وردت الأحاديث بذلك. و (كتب لي) أي قدر. وهو يشمل الفريضة والنافلة، وإنما اعتقد بلال ذلك، لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر (قال) الحافظ: والظاهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن أرجاها، الأعمال المتطوع بها، وإلا فالمفروضة أفضل قطعاً.

القصر؟ قالوا: لرجلٍ منَ العرب. قلت: أنا عربيّ، لمن هذا القصْر؟ قالوا: لرجلٍ من قريش، فقلت: أنا قرشي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجلٍ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: فأنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا غيرتك يا عمر لدخلت القصر، فقال: يا رسول الله، ما كنت لأغار عليك، وقال لبلال: بم سبقتني إلى الجنة؟ قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا أخرجه أحمد والترمذي بسند جيد (¬1) { 320}. (ولعموم) قوله في الحديث رقم 319 ص 227: في ساعةٍ من ليلِ أو نهارٍ، قالت الشافعية: تسنُّ الصلاةُ عقبِ الطهارةِ في أي وقتٍ، ولو وقت كراهةٍ، وهي سنةٌ مؤكدةٌ. ¬

(¬1) ص 41 ج 5 الفتح الرباني (الصلاة عقب الطهور) وص 316 ج 4 تحفة الأحوذي (مناقب عمر) و (بهذا) أي بسبب هذا العمل سبقتني إلى الجنة (ولا معارضة) بينه وبين حديث: لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا انا، إلا أن يتعمدني الله بقضل ورحمة، فسددوا وقاربوا (أي اطلبوا السداد وهو الصواب واعملوا به، فإن عجزتم عنه فقاربوا (أي اقربوا منه) ولا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب. أخرجه البخاري عن أبي هريرة [321] ص 100 ج 10 فتح الباري (تمنى المريض الموت) ويستعتب، من الاستعتاب وهو طلب زوال العتب، أو من العتبي وهو الرضا. والمقصود أن يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم (لأن) أصل دخول الجنة إنما يكون برحمة الله واقتسام الدرجات بحسب الأعمال، (والحديث) ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم رأى بلالاً داخل الجنة .. ويؤيده حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر (الحديث) أخرجه البخراي [322] ص 31 ج 7 فتح الباري (مناقب عمر). هذا. وكان بلال يمشي بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم في اليقظة، فاتفق مثله في المنام، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلي الله عليه وسلم، لأنه في مقام التابع، أفاده الحافظ في الفتح.

9 - صلاة الاستخارة

(وقال) الجمهور: هذه الصلاة مندوبة لا مؤكدةٌ، ولا تؤدي في أوقات النهي، حملاً لأحاديث النهي على إطلاقها كما تقدم بيانه (¬1) 9 - صلاة الاستخارة: الاستخارة: هي طلب الخير من الله تعالي فيما يقصد من الأمور، يقال خار الله لك، أي أعطاك ما هو خير لك. (وقد ورد) في الحث عليها والترغيب فيها أحاديث منها: ((حديث)) سعد بن أبى وقاص أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من سعادة بن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركة استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضاة الله عز وجل. أخرجه احمد والحاكم وأبو يعلي والبزار بسند جيد والترمذى. وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن أبى حميد. وليس بالقوي عند أهل الحديث (¬2) {323}. هذا والاستخارة مشروعة وغير مشروعة. ¬

(¬1) تقدم ص 28 ج 2 دين (الأوقات المنهي عن الصلاة فيها). (¬2) رقم 8252 ص 15 ج 6 فيض القدير، وص 279 ج 2 مجمع الزوائد (الاستخارة) و (السخط) بفتحتين او بضم فسكون: عدم الرضا بقضاء الله، كان يقول: ما فعلت شيئا استحق به ما نزل بي، وغيري فعل كذا وكذا كان اصلح لي.

(أ) الاستخارة المشروعة

(أ) الاستخارة المشروعة ينحصر الكلام فيها في أربع فروع: 1 - حكمها: يستحب لمن عزم علي أمر لا يدرى وجه الصواب فيه كسفر وتجارة وزواج وشركة، أن يشاور فيه من يعلم منه حسن النصيحة وكمال الشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته ((لقوله)) تعالي: ((وشاورهم في الأمر)) (¬1) وقوله: ((وأمرهم شوري بينهم)) (¬2). (وإذا) شاور وظهر انه مصلحة استخارة الله فيه، فيصلي ركعتين تطوعا ويدعو بالدعاء الآتي ونحوه. أما المعروف خيره كالعبادة وعمل المعروف فيفعل بلا استخارة، والمعروف شره كالمحرم والمكروه، فيترك بلا استخارة ودليل صلاة الاستخارة: (حديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القران. يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري واجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشى ¬

(¬1) من الآية 159 سور ة عمران، ومن الآية 38 سورة الشوري. (¬2) من الآية 159 سور ة عمران، ومن الآية 38 سورة الشوري.

وعاقبه أمري، أو قال في عاجل أمري واجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به. أخرجه السبعة إلا مسلماً وقال: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبى الموالي، وهو شيخ مدني ثقة (¬1) {324} (وحديث) أبى أيوب الأنصاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له: اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم وأنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة - تسميها باسمها- خيراً لي في دنياي وآخرتي، فاقض لي بها، أو قال فاقدرها لي، وان كان غيرها خيرا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي بها، أو قال فاقدرها لي. أخرجه احمد والطبراني وابن حبان. وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه. وأخرجه احمد من طريق آخر رخاله كلهم ثقات (¬2) {325} ¬

(¬1) ص 46 ج 5 الفتح الرباني، وص 223 ج 2 تيسير الوصول (لاستخارة). وفي قوله: (ثم ليقل: اللهم إني استخيرك ....... الخ) دليل علي انه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة، وانه لا يضر الفصل بكلام يسير، وعلي انه لا يجزئ الإتيان به في أثناء الصلاة. وفي رواية أبى داود: وليقل، وعليه فيحتمل إجزاء الدعاء في أثناء الصلاة قبل السلام. (إن كنت تعلم؟ ) أي إن كان في علمك أن هذا الأمر الذي أريد خير لي ... الخ. فالشك في متعلق العلم لا في اصله، الشك من الراوى وفي روايه احمد: فإن كنت تعلم هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، بلا شك، (ومع هذا) يستحسن الجمع بين الكل فيقول: ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله واجله، ليتحقق موافقة الوارد. (¬2) ص 49 ج 5 الفتح الرباني، وص 280 ج 2 مجمع الزوائد (الاستخارة)، و (الخطبة) بكسر فسكون: طلب زواج المرأة من وليها. والمعني: إذا أردت خطبة امرأة فكتمه في نفسك ثم توضأ واستخر ويحتمل أن المعني: اكتم خطبتها ولا تفشها للناس، ثم توضأ واستخر (وحكمة) عدم الإقدام علي الخطبة قبل تعرف الخير فيها، انه إن خطب ثم استخار قد يبد\وله الرجوع عن الخطبة.

(وفي الباب) أحاديث آخر كلها تدل علي استحباب صلاة الاستخارة والترغيب فيها، وبه قال جميع العلماء (قال) العراقي: لم أجد من قال بوجوب الاستخارة، ومما يدل علي عدم وجوبها الأحاديث الصحيحة الدالة علي انحصار فرض الصلاة في الخمس من قوله: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع (¬1) وغير ذلك. اهـ. (وقال) النووي في الأذكار: تستحب الاستخارة بالصلاة والدعاء، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة. والظاهر أمها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وغيرها من النوافل. اهـ. يعني إذا نوي بها الاستخارة (وقال) العراقي: إن كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتية ونحوها ثم صلي من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك. اهـ. (فائدة) من تأمل دعاء الاستخارة الوارد عن رسول الله عليه وسلم وجد فيه من البلاغة والأسرار والفوائد ما لا يوجد في أي دعاء يختاره الإنسان لنفسه. ¬

(¬1) هو بعض الحديث رقم 5 تقدم بص 3 ج 2 دين (الصلاة). (1) (كحديث) خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من احسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، واتم ركوعهن وخشوعهن، كان له علي اللع عهد ان يغفر له، ومن لم يفعل فليس له علي الله عهد ن ان شاء غفر له وان شاء عذبه. اخرجه ابو داود والبيهقي عن عبادة بن الصامت (326) ص 2 ج 4 المنهل العذب (المحافظة علي الصلاة). (وحديث) خمس صلوات من حافظ عليهن، كانت له نورا وبرهان ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نورا يوم القيامة ولا برهانا ولا نجاة، وكان يةم القيانة مع فرعون وقارون وهامان وابي بن خلف. اخرجه احمد والطبراني وابن نصر. وهذا لفظه عن ابن عمرو بسند رجاله ثقات (327) تقدم رقم 75 ص 46 ج دين، وليس فيه: خمس صلوات.

(قال) ابن الحاج: ثم انظر إلى تلك الالفاظ الجليلة التي شرعها عليه الصلاة والسلام لأمته ليرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية، وهي (اللهم) أي أسألك بجميع ما سئلت به، ويؤيده ما نقل أنه اسم الله الأعظم الذي ترجع إليه جميع الاسماء (انني استخيرك بعلمك) القديم الكامل لا بعلمي أنا المخلوق القاصر، فمن فوض الأمر إلى ربه اختار له ما يصلح (وأستقدرك بقدرتك) القديمة الأزلية، لا بقدرتي أنا المخلوقة المحدثة القاصرة، فمن تعرى عن قدرة نفسه وكانت قدرته منوطة بقدرة ربه عز وجل مع السكون والضراعة إليه، فلا شك في وجود الراحة له، إما عاجلاً أو آجلاً أو هما معاً، وأي راحةٍ أعظم من الانسلاخ من عناء التدبير والاختيار والخوض بفكرة عقله فيما لا يعلم عاقبته، (وأسألك من فضلك العظيم) فمن توجه بالسؤال إلى مولاه دون مخلوقٍ واستحضر سعة فضل ربه عز وجل وتوكل عليه ونزل بساحة كرمه، فلا شك في نجح سعي من هذا حاله، اذ فضل المولى سبحانه وتعالى أجل وأعظم من ان يرجع إلى قانون معلوم وتقدير (فإنك تقدر ولا أقدر، (وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) فمن تبرأ وانخلع من تدبير نفسه وحوله وقوته ورجع بالافتقار إلى مولاه الكريم الذي لا يعجزه شيء، فلا شك في قضاء حاجته وبلوغ ما يؤمله وقع الراحة (أو قال في عاجل أمري وآجله) الشك هنا من الراوي في أيهما قال عليه الصلاة والسلام. وإذا كان كذلك فينبغي للمكلف أن يختاط لنفسه في تحصيل بركة لفظه عليه الصلاة والسلام على القطع فيأتي بهما معاً (فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه) فمن رضي بما اختاره له سيده العالم بعواقب الأمور كلها وبمصالح الأشياء جميعها بعلمه القديم الذي لا يتبدل ولا يتحول، فقد

سعد السعادة العظمى (فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فمن سكن إلى ربه عز وجل وتضرع إليه ولجأ في دفع جميع الشر عنه، فلاشك في سلامته من كل ما يتوقع من المخاوف (فأي دعاء) يجمع هذه الفوائد ويحصلها مما اختاره المرء لنفسه مما يخطر بباله من غير الألفاظ الجليلة التي احتوت على ما وقعت الإشارة إليه وأكثر منه؟ ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلا أن من فعلها كان ممتثلاً للسنة المطهرة محصلاً لبركتها لكفى. ثم مع ذلك تحصل له بركة النطق بتلك الألفاظ التي تربو على كل خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها، فيا سعادة من رزق هذا الحال. أسأل الله أن لا يحرمنا ذلك بمنه (وينبغي) أن لا يفعلها المكلف إلا بعد أن يمتثل ما مضى من السنة في أمر الدعاء وهو أن يبدأ أولاً بالثناء على الله سبحانه وتعالى. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأخذ في دعاء الاستخارة المتقدم. ثم يختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. (والجمع) بين الاستخارة والاستشارة من كمال الامتثال للسنة. فينبغي للمكلف أن لا يقتصر على إحداهما، فإن كان ولابد من الاقتصار فعلى الاستخارة، لما تقدم من قول الراوي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن (¬1). 2 - القراءة في صلاة الاستخارة: يقرأ في كل ركعة منها الفاتحة وسورة ما. والأفضل أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: "قل يأيها الكافرون". وفي الثانية: "قل هو الله ¬

(¬1) ص 92 ج 3 مدخل الشرع الشريف (الاستخارة والمشاورة)

أحد". (وقيل) يقرأ في الأولى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" (¬1). وفي الثانية: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" (¬2) ¬

(¬1) سورة القصص، الآيتان 68 و 69. وسبب نزولها أن كفار مكة استبعدوا نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم": 31 الزخرف - (يريدون الوليد بن المغيرة بمكة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. وقد أسلم هذا وحسن إسلامه) فنزل قول الله تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" أي أنه هو المنفرد بالخلق والاختيار، وأن الأمور كلها، خيرها وشرها، منه وإليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن "ما كان لهم الخيرة" بفتح الياء وإسكانها، أي ما كان للخلق جميعاً الاختيار في شيء ما، بل الخيرة لله تعالى (ففي) (الحديث القدسي: يا عبدي، أنت تريد وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد. فإن سلمت لي ما أريد، أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي ما أريد، أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلا ما أريد) [328] ذكره العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين ص 224 ج 3 (سورة القصص) قال الزجاج: الوقف على "يوختار" تام، وما نافية، وهو الصحيح عن ابن عباس وغيره، فإن الآية سيقت لبيان انفراده تعالى بالخلق والاختيار، ولذا قال: "سبحان الله" أي تنزه عن أن ينازعه منازع أو يشاركه مشارك "وتعالى عما يشركون" أي تعاظمت ذاته تعالى عن إشراكهم أو عن مشابهة ما جعلوهم شركاء له من الأصنام والأنداد، فإنها لا تخلق ولا تختار شيئاً "وربك يعلم ما تكن صدورهم" أي تخفيه من الشرك وغيره "وما يعلنون" أي يظهرونه من ذلك، فهو يعلم ما تكنه الضمائر وما تنطوي عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر، قال الله تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" سورة الرعد، الآية 10. (¬2) سورة الأحزاب، الآية 36، وسبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب لمولاه زيد بن حارثة، فأبت وأبي أخوها عبد الله بن جحش. فنزل: "وما كان لمؤمن" كعبد الله بن جحش "ولا مؤمنة" كزينب "إذا قضى الله ورسوله أمراً" من الأمور، كنكاح زينب لزيد وغيره مما ترضاه نفوسهم أو تأباه "أن يكون لهم الخيرة" أي الاختيار "من أمرهم" فإن أمر الله هو المتبع وقضاه رسوله هو الحق. فعلى العقلاء أن يجعلوا آراءهم تبعاً لرأيه واختياره صلى الله عليه وسلم، ولا يترددوا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= في تنفيذ ما أر الله به ورسوله. قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" آية 65 - النساء (وفي) الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به. ذكره النووي في الأربعين عن ابن عمرو، وقال: الحديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بسند صحيح [329] رقم 41 منها. "ومن يعص الله ورسوله" بمخالفة الأمر "فقد ضل" عن طريق الهدى "ضلالاً مبينا" أي بيناً ظاهراً. لأن المقصود هو الله. والهادي هو النبي صلى الله عليه وسلم. فمن ترك المقصود وخالف الدليل: ضلى ضلالاً لا يرعوى بعده. قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم" عجز آية 63 - النور. فما نزلت الآية قال عبد الله بن جحش وأخته زينب: رضيا يا رسول الله، فأنكها زيداً، ودفع عنه المهر عشرة دنانير وستين درهماً وملحقة وخماراً ودرعاً وإزاراً وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر. (قال) ابن عباس: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على فتاة زيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش فخطبها، فقالت: لست بناكحته. فقال صلى الله عليه وسلم: فانكحيه. قالت: يا رسول الله، أؤامر نفسي، فبينما هما يتحدثان، أنزل الله هذه الآية على رسوله: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إلى قوله "ضلالاً مبيناً" ... قالت: قد رضيه لي يا رسول الله منكحاً؟ قال: نعم. قالت: إذن لا اعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي، أخرجه ابن جرير وابن مردويه [330] ص 9 ج 22 جامع البيان، هذا والعبرة بعموم الفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة في كل الأمور تدل على انه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته. (ولما) تزوج زيد زينب وأقام معها سنة، أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلقها وأنها ستكون من أزواجه. وزينب ما زالت تشمخ بأنفها وتؤذي زوجها وتفخر عليه بنسبها، فاشتكى منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرة بعد المرة. وجاء يستشيره في طلاقها، والنبي عليه الصلاة والسلام يغلبه الحياء قيتئذ ويتأنى في تنفيذ حكم الله ولا يعجل، فكان يقول لزيد: "أمسك عليك زوجك واتق الله" وفي ذلك نزل قوله تعالى: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" بالإسلام وهو زيد بن حارثة "وأنعمت عليه" بالعتق "أمسك عليك زوجك" يعني زينب "واتق الله " في أمرها ولا تفارقها "ونخفي في نفسك ما الله مبديه" من أنها ستكون من أزواجك "وتخشى الناس" أي تخاف من تعييرهم بأن يقولوا أمر مولاه بطلاق امرأته ثم تزوجها وهي زوجة ابنة المتنبي "والله أحق أن تخشاه" في كل حال دون سواه، ولا تنظر إلى ما يقولون، لأنك ما بعثت إلا لإخراجهم من الظلمات إلى النور "فلما قضي زيد منها وطراً" أي حاجة وأرباً ولم يبق له رغبة ولا ميل إليها طلقها راغباً =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= مختاراً. فلما انقضت عدتها "زوجناكها" بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر، خصوصية له صلى الله عليه وسلم وتشريفاً له ولها. (قال) أنس: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: اذهب قاذكرها على، فانطلق زيد، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، فقلت: يا زينب، ابشري، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قالت ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن. ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه ويسلم عليهن ويقلن له: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أو غيري أن القوم قد خرجوا، فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه ونزل الحجاب، ووعظ القوم مما وعظوا به "يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي" (الآية). أخرجه احمد ومسلم والنسائي [331] ص 338 ج 3 تيسير الوصول (زينب رضي الله عنها). (قال) العلامة الشيخ محمد عبده: هذه هي الرواية الصحيحة والقولة الراجحة. ذكر الله نبيه بما وقع منه ليزيده تثبيتاً على الحق، وليدفع عنه. ما حاك في صدور ضعاف العقول ومرضى القلوب، فقال: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" بالإسلام "وأنعمت عليه" بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة وتزويجه بنت عمتك ووعظه- عندما كان يشكو إليك من إيذاء زوجه- بقولك "أمسك عليك زوجك واتق الله" واخشه في أمرها، فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها، وارع حق الله في نفسك أيضاً أمره فربما لا تجد بعدها خيراً منها. تقول ذلك وأنت تعلم أن الطلاق لابد منه بما أهلمك الله أن تمتثل أمره بنفسك لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك. وإنما غلبك في ذلك الحياء وخشية أن يقولوا تزوج محمد مطلقة متبناه، فأنت في هذا "تخفي في نفسك ما الله مبديه" من أنها ستكون زوجك "وتخشى الناس والله" الذي أمرك بذلك كله "أحق أن تخشاه"، فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلاً بتنفيذ كلمته وتقرير شرعه. ثم زاد بياناً بقوله: "فلما قضي زيد منها وطراً" أي حاجة بالزواج "زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً" لترتفع الوحشة من نفوس المؤمنين ولا يجدوا في أنفسهم حرجاً من أن يتزوجوا نساء كانت من قبل زوجات لأدعيائهم "وكان أمر الله مفعولاً" اهـ. (وهذا) البيان هو اللائق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر من الآيات والأحاديث الصحيحة. (قالت) عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك" إلى قوله: "وكان أمر الله مفعولاً"، وان النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= فأنزل الله: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد، فأنزل الله تعالى: "أدعوهم لآبائهم" الآية. فلان ابن فلان وفلان أخو فلان. أخرجه الترمذي وصححه [332] ص 155 ج 1 تيسير الوصول (سورة الأحزاب). "وأما" ما قاله بعض المفسرين من أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على بيت زيد وهو غائب، فرأى زينب فاستحسنها، فقال: سبحان مقلب القلوب. فسمعت التسبيحة، فنقلتها إلى زيد، فوقع في قلبه أن يطلقها .. الخ ما زعموا "فهو" باطل لا يعول عليه. (قال) الإمام ابن العربي: (فأما قولهم) إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه (فباطل) فإنه كان معها في كل وقت وموضع ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج وقد وهبته نفسها وكرهت غيره فلم تخطر بباله، فكيف يتجدد له هوى لم يكن؟ حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة. وقد قال الله له: "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهن زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه" آية 131 سورة طه. والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين. ولم يخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات. (وإنما) كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل وقال: إن زينب زوجك ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، فأبى زيد إلا الفراق وطلقها، وانقضت عدتها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي مولاه زوجها، وانزل الله هذه الآيات فقال: "و" اذكر يا محمد "إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله" في فراقها "وتخفي في نفسك ما الله مبديه" يعني من نكاحك لها وهو الذي أبداه لا سواه، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته، لابد من وجود هذا الخبر وظهوره لوجوب صدقة في خبره. وهذا يدلك على براءته من كل ما ذكره بعض المفسرين. (فإن قيل) فلأى معنى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجكم. وقد أخبره الله أنها زوجته لا زوج زيد (قلنا) هذا لا يلزم، ولكن لتطيب نفوسكم نفسر ما خطر من الإشكال فيه. وهو أنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهية فيما ما لم يكن علمه منه في أمرها. (فإن قيل) فكيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لابد منه؟ وهذا تناقض (قلنا) بل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان وقد علم انه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلاً وحكماً. وهذا من نفيس العلم فيتقنوه وتقبلوه انظر ص 169 ج 2 كتاب أحكام القرآن (سورة الأحزاب). وقد بين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله حكمة ما وقع من تزويج زيد زينب مع كراهتها لذلك وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون من أمهات المؤمنين، فقال: نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرؤوف الرحيم لم يبال بإباء زينب وغربتها عن زيد، وقد كان لا يخفى عليه أن نفور قلب المرأة من زوجها مما تسوء معه العشرة وتفسد به شئون المعيشة، فما كان له- وهو سيد المصلحين- أن يرغم امرأة على الاقتران برجل وهي لا ترضاهن مع ما في ذلك من الضرر الظاهر بكل من الزوجين. لا ريب أننا نجد من ذلك هادياً إلى وجه الحق في فهم الآية التي نحن بصدد تفسيرها. ذلك أن التصاق الأدعياء بالبيوت واتصالهم بأنسابها كان أمراً تدين به العرب وتعده أصلاً يرجع إليه في الشرف والحسب. وكانوا يعطون الدعي جميع حقوق الابن ويجرون عليه وله جميع الأحكام التي يعتبرونها للابن حتى في الميراث وحرمة النسب، وهي عقيدة جاهلية رديئة، أراد الله محوها بالإسلام، حتى لا يعرف من النسب إلا الصريح، ولا يجري من أحكامه إلا ما له أساس صحيح، لهذا أنزل الله: "وما جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله" الخ. (فهذا) هو العدل الإلهي أن لا ينال حق الابن إلا من يكون ابناً، أما المتنبي اللصيق فلا يكون له إلا حق المولى والأخ في الدين. فحرم الله على المسلمين أن ينسبوا الدعى لمن تبناه. وحظر عليهم أن يقطعوا له شيئاً من حقوق الابن لا قليلاً ولا كثير اً، وشدد الأمر حتى قال: "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم، وكان الله غفوراً رحيماً"، فهو يعفو عن اللفظة تصدر من غير قصد بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني أو ينادي شخص آخر بمثل ذلك لا عن قصد التبني، ولكنه لا يعفو عن العمد من ذلك الذي يقصد منه الإلصاق بتلك اللحمة كما كان معروفا من قبل. (مضت) سنة الله في خلقه أن ما رسخ في النفس بحكم العادة لا يسهل عليها التقصي منه ولا يقدر على ذلك إلا من رفعه الله فوق العادات، وأعتقه رق الشهوات وجعل همته فوق المألوفات، فلا يستميله إلا الحق، ولا تحكم عليه عادة، ولا يغلبه عرف، ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن يختصه الله بالتأسي به. (ولهذا) كان الأمر إذا نهى الله عن مكروه كانت الجاهلية عليه أو أحل شيئاً كانت الجاهلية تحرمه. بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى امتثال النهي بالكف عن المنهي عنه والإتيان بضده، وسارع إلى تنفيذ الأمر بإتيان المأمور به حتى يكون قدوة حسنة ومثالاً صالحاً تحاكيه النفوس، وتحتذيه الهمم، وحتى يخف وزر العادة، وتخلص العقول من ريب الشبهة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (نادى) صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بحرمة الربا. وأول ربا وضعه ربا عمه العباس حتى يرى الناس صنيعه بأقرب الناس إليه وأكرمهم عليه، فيسهل عليهم ترك مالهم، وتنقطع وساوس الشيطان من صدورهم. (على هذا) السنن الإلهي كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زينب، كبر على العرب أن يفصلوا عن أهلهم من ألصقوه بأنسابهم من أدعيائهم، كما دل عليه قوله تعالى: "ولا تخشى الناس" الخ. فعمد النبي صلى الله عليه وسلم عن سنته إلى خرق العادة بنفسه، وما كان ينبغي له ولا من مقتضى الحكمة أن يكلف أحد الأدعياء الأباعد عنه أن يتزوج ثم يأمره بالطلاق ثم يأمر من كان قد تبناه أن يتزوج مطلقته، ففي ذلك من المشقة مع تحكم العادة وتمكن الاشمئزاز من النفوس مالا يخفي على أحد. فألهمه الله أن يتولى الأمر بنفسه في أحد عتقائه، لتسقط العادة بالفعل كما ألغى حكمها بالقول الفصل، (لهذا) أرغم النبي صلى الله عليه وسلم زينب أن تتزوج بزيد وهو مولاه وصفيه، والنبي صلى الله عليه وسلم نجد في نفسه أن هذا الزواج مقدمة لتقرير لشرع وتنفيذ حكم الهي. اهـ. [فائدتان]: (الأولى) زينب بنت جحش الأسدية، أسلمت قديماً وكانت من المؤمنات المهاجرات، تزوجها زيد بن حارثة، ولما طلقها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في صفر سنة خمس من الهجرة (يونية 626 م) وعمرها خمس وثلاثون سنة. كان اسماً (برة) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وكانت صالحة صوامة قوامة كثيرة لخير، تعمل بيدها وتتصدق. (قال) أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد. أخرجه الشيخان [333] تقدم رقم 289 ص 212. (وأرسل) إليها عمر اثنى عشر ألف درهم كما فرض لأمهات المؤمنين، فأخذتها وفرقتها في قرابتها وقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد هذان فماتت سنة عشرين من الهجرة وعمرها خمسون أو ثلاثة وخمسون سنة وصلى عليها عمر، رضي الله عنهما. (وهي) أول من مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه (قالت) عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً، فكن يتطاولن أيتهن أطوال يداً؟ فكانت أطوالنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. أخرجه مسلم [334] ص 8 ج 16 نووي مسلم (فضل زينب أم المؤمنين). (والمراد) بطول اليد: كثرة الكرم والصدقة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (وقالت) عائشة: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقي الله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة (أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب. [51] ص 733 ج 2 (زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم). (وعن عبد الله) بن شداد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن زينب بنت جحش أواهة، فقال رجل: يا رسول الله، ما الأواه؟ قال: الخاشع المتضرع، وإن إبراهيم لحليم أواه منيب. أخرجه ابن عبد البر [335] ص 734 ج 2 الاستيعاب. (وعن) محمد بن عبد الرحمن بن الحارث أن عائشة رضي الله عنها ذكرت زينب بنت جحش فقالت: ولم تكن امرأة خيراً منها في الدين واتقي الله تعالى وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد تبذلاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به إلى الله عز وجل. أخرجه ابن عبد البر [53] ص 733 و 734 ج 2 الاستيعاب (زينب بنت جحش). "الثانية" زيد بن حارثة بن شراحيل أشهر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبي في الجاهلية وأتى به سوق عكاظ، فاشترته خديجة رضي الله عنها وهو ابن ثماني سنين، ووهبته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فأعتقه. (وقد) حزن لفقاه أبوه حزناً شديداً، فلما علم أنه بمكة قدم ليفديه، فدخل هو وخوه كعب بن شراحيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه. فقال: من هو: قال: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك؟ قال: ما هو: قال: ادعوه وخيروه، فإن اختاركم فهو لكمن وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني أحداً. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. (فدعاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرف هؤلاء: قال نعم، هذا أبي، وهذا عمي. قال: فأنا من قد عرفت ورأيت صحبتي لك. فاخترني أو اخترهما. قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي اختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك واهلك؟ قال: نعم، وقد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه عند الكعبة فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه. فلما رأى ذلك أبوه وعمه، طابت نفوسهما وانصرفا. (وهاجر) زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخير. وكان هو البشير إلى المدينة بنصر المؤمنين يوم بدر. =

(قال) الحافظ في الفتح: والأكمل أن يقرا في كل منهما السورة والآية الأوليين في الأولى يعني بعد الفاتحة والآخرتين في الثانية. اهـ. لكن ظاهر الأحاديث عدم التقييد بشيء مما ذكر، فله أن يقرأ فيهما ما شاء. هذا "وقول" النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب رقم 325 ص 230: ثم صل ما كتب الله لك "ظاهر" في جواز صلاة الاستخارة بأكثر من ركعتين، فله أن يصلي أربعاً أو أكثر بتسليمةٍ. "ومفهوم" العدد في قوله في حديث جابر (رقم 324 ص 230): ¬

= (وزوجه) رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة وتزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين كما تقدم. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة. (وكان) ابيض مشرباً بحمرة، وكان رضي الله عنه سيداً كبير الشأن، جليل القدر، حبيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلمن يقال له الحب، ولابنه أسامة: الحب ابن الحب. (وهو) أو من أسلم من الموالي. (قال) ابن عمر رضي الله عنهما: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وأمر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لحليفاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلى، وإن هذا لمن أحب الناس إلى بعده. أخرجه الشيخان والترمذي [336] ص 86 ج 3 تيسير الوصول (زيد بن حارثة وابنه أسامة). (وقال) ابن عمر: فرض عمر (أي قدر وظيفة) لأسامة بن زيد رضي الله عنهما في ثلاثة آلاف وخمسمائة (من بيت المال) وفرض لي في ثلاثة آلاف. فقلت: لم فضلت أسامة على؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد، فقال: يا بني، كان زيد رضي الله عنه احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة رضي الله عنه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي (بكسر الحاء وقد تضم، أي محبوبي). أخرجه الترمذي وحسنه [53] ص 87 ج 3 تيسير الوصول (زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما). (ولم يذكر) الله تعالى في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باسمه العلم إلا زيداً. قال تعالى: "فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها". (وأمره) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش في غزوة مؤتة، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة، وعمره خمس وأربعون سنة.

فليركع ركعتين. "ليس" بحجة عند الجمهور، غير أنهم اتفقوا على أنه لا تجزيء الركعة الواحدة. هذا. وحكمة تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد من الاستخارة الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لهذا أنجع من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله تعالى والثناء عليه، وإظهار الافتقار إليه حالاً ومآلً. 3 - وقت صلاة الاستخارة: لم يعين لها في الأحاديث وقت، ولذا قالت الشافعية: يجوز تأديتها في كل وقت حتى وقت النهي عن الصلاة، لأنها صلاة لها سبب. (وقال) الجمهور: تؤدي في غير أوقات النهي، تقديماً للحاظر على المبيح. 4 - الاستخارة بالدعاء: إذا تعذرت صلاة الاستخارة، استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا استخار فعل ما ينشرح له صدره، ولا يعتمد على انشراح كان له قبل الاستخارة، بل ينبغي له ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيراً لله، بل يكون مستخيراً لهواه فإن لم ينشرح صدره لشيء (فقيل) يكرر الاستخارة ثلاثاً، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دعا كرر الدعاء ثلاثاً (وقيل) يكررها سبعاً (لما روي) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى

(ب) الاستخارة غير الشرعية

قلبك فإن الخيرة فيه. أخرجه ابن السني في عمل يوم وليلة والديلمي في مسند الفردوس (¬1) {337} وفي سنده: (أ) إبراهيم بن البراء ضعيف جداً. (ب) البراء بن النضر ابن أنس ضعفه العقيلي وابن حبان وابن عدي. وعليه فالحديث ساقط لا يحتج به (قال) الحافظ في الفتح: هذا الحديث لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن إسناده واه جداً. وقال النووي في الأذكار: إسناده غريب. فيه من لم أعرفهم. (ب) الاستخارة غير الشرعية: قد جهل كثير من الناس الاستخارة الشرعية المرغب فيها بالأحاديث السابقة وهجروها، او قل من يعمل بها، وابتدعوا لها أنواعاً كثيرة لم يرد شيء منها في الكتاب ولا في السنة، ولم ينقل عن أحد من السلف والخلف (وجهلوا) قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. أخرجه أحمد والبزار عن غضيف بن الحارث اليماني. وفي سنده أبو بكر ابن أبي مريم منكر الحديث (¬2) {338} (وغفلوا) عن قوله صلى الله عليه وسلم: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيدٍ. أخرجه البيهقي عن ابن عباس من طريق ¬

(¬1) رقم 882 ص 450 ج 1 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) ص 188 ج 1 مجمع الزوائد (البدع والأهواء) ووجه ما في الحديث أن الناس إذا أنسوا البدعة واطمأنوا غليها، استهانوا بالسنة وأضاعوها، وما كذب أحد يحق إلا عوقب بتصديقه بباطل، وما ترك سنة إلا أحب بدعة.

الحسن بن قتيبة. وأخرجه الطبراني عن أبى هريرة بسند لا بأس به، إلا أنه قال: فله أجر شهيدٍ (¬1) {339} (ولذا) نكبوا أخيراً بترك كل شيء ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعكفوا على بدع ومحدثات الصقوها بالدين، والدين منها براءة براءة الذئب من دم ابن يعقوب "ولو قدر" لعاقل أن يترك ما عكفوا عليه ويسلك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه "سلقوه" بألسنة حداد، واعتبروه خارجاً على الدين، بل عدوه مبتدعاً متنطعاً مشدداً جامداً، فلا حول ولا قوة إلا بالله. هذا. والاستخارات المبتدعة كثيرة المذكور منها هنا سبع. 1 - استخارة النوم: يعلمها صاحب الحاجة أو يعملها له غيره بأن يقرأ الشخص شيئاً من القرآن ويدعو الله أن يريه في منامه أو يريه خضرة أو بياضاً إن كان ما يقصده خيراً، ويريه حمرة أو سواداً إن كان ما يقصده لا خير فيه. (فمنهم) من يقرأ الفتحة عشر مرات إن كان متوضئاً وإلا قرأها إحدى عشرة مرة على أي حال كان، ثم يهب ثواب ما قرأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اللهم إن كان هذا الأمر- ويسمى ما يريد- خيراً فأرني ابيض أو اخضر أو ماء جارياً. وإن كان شراً- ويسمى الأمر- فأرني أسود أو أحمر، ثم يشغل باله بهذا الأمر الذي يبيت له ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأخذه النوم. ¬

(¬1) رقم 5 ص 41 ج 1 - (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة).

(ومنهم) من يتوضأ ثم يقرأ "قل هو الله أحد" إحدى عشرة مرة على أي حال كان، أو الفاتحة عشر مرات، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء، ثم يقول: اللهم إن كان هذا الأمر- ويسمى حاجته- خيراً فأرني ما يدل عليه، وإن كان غير ذلك فأرني ما يصرف عنه، ويشتغل بذكر الله حتى يأخذه النوم. (ومنهم) من يقرأ قبل النوم: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"، تسع مرات، فيرى ما يرى. (وقد) عكف على هذه الاستخارة خاصة الناس فضلاً عن عامتهم (ورؤيا) المؤمن الصادق وإن كانت لا تكاد تخطيء، فالاستخارة بواسطتها لم تشرع، وفيها عدول عن تعليم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعن الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة. وهذا يتنافى مع كمال الإيمان وحسن اليقين الذي يقتضي التخلي عن البدع، والتحلي بالسنن. (وقد ذكر) العلامة الصاوي في تفسير آية: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" صلاة الاستخارة ودعاءها، ثم قال: فإن لم يكن يحفظ هذا الدعاء فليقل: اللهم خر لي واختر لي، كما روي عن عائشة عن أبي بكر رضي الله عنهما. واعلم أن هذه الكيفية هي الواردة في الحديث الصحيح وأما الاستخارة بالمنام أو بالمصحف أو السبحة، فليس وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولذا كرهه العلماء وقالوا: إنه نوع من الطيرة. (وقال) ابن الحاج في المدخل: وليحذر مما يفعله بعض الناس ممن لا علم عنده أو عنده علم وليس عنده معرفة بحكمة الشرع الشريف في ألفاظه الجامعة للأسرار العلية، لأن بعضهم يختارون لأنفسهم

استخارة غير الاستخارة المتقدمة الذكر. وهذا ما فيه من اختيار المرء لنفسه غير ما اختاره له من هو أرحم به وأشفق عليه من نفسه ووالديه، العالم بمصالح الأمور (يعني الدينية)، المرشد لما فيه الخير والنجاح والفلاح، صلى الله عليه وسلم. (وبعضهم) يستخير الاستخارة الشرعية ويتوقف بعدها حتى يرى مناماً يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه أو براه غيره له. وهذا ليس بشيء، لأن صاحب العصمة صلى الله عليه وسلم قد أمر بالاستخارة والاستشارة، لا بما يرى في المنام. ولا يضيف إلى الاستخارة الشرعية غيرها، لأن ذلك بدعة ويخشى من أن البدعة إذا دخلت في شيء، لا ينجح أو لا يتم، لأن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالاستخارة والاستشارة فقط. فينبغي ألا يزاد عليها ولا يعرج على غيرهما فيا سبحان الله، صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم اختار لنا ألفاظاً منقاةً جامعةً لخير الدنيا والآخرة، حتى قال الراوي للحديث في صفتها على سبيل التخصيص والحض على التمسك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن. والقرآن قد علم أنه لا يجوز أن يغير ولا يزاد فيه ولا ينقص منه. وإذا نص فيه على الحكم نصاً لا يحتمل التأويل لا يرجع لغيره. وإذا كان ذلك كذلك، فلا يعدل عن تلك الألفاظ المباركة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم في الاستخارة إلى غيرها من الألفاظ التي يختارها المرء لنفسه، ولا غيرها من منامٍ يراه هو أو يراه له غيره، أو انتظار فألٍ أو نظر في اسم الأيام (قال) مالك رحمه الله:

الأيام كلها أيام الله، او انتظار من يدخل عليه فينظر في اسمه فيشتق منه ما يوجب عنده الفعل أو الترك (ومن الناس) من هو أسوأ حالاً من هذا، وهو ما يفعله بعضهم من الرجوع إلى قول المنجمين والنظر في النجوم، إلى غير ذلك مما يتعاطاه بعضهم. فمن فعل شيئاً مما ذكر، او غيره وترك الاستخارة الشرعية، فلاشك في فساد رأيه، ولو لم يكن فيه من القبح إلا أنه من باب قلة الأدب مع صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم (يعني لكفى في تركه) لأنه صلى الله عليه وسلم، اختار للمكلف ما جمع له فيه بين خير الدنيا والآخرة بلفظ يسير وجيز واختار هو لنفسه غير ذلك. فالمختار في الحقيقة إنما هو ما اختاره المختار صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا فلا يشك ولا يرتاب في أن من عدل عن تلك الألفاظ المباركة إلى غيرها، فإنه يخاف عليه من التأديب أن يقع به- وأنواعه مختلفة- إما عاجلاً وإما آجلاً في نفسه أو ولده أو ماله، إلى غير ذلك. (ثم انظر) رحمنا الله تعالى وإياك إلى حكمة أمره صلى الله عليه وسلم المكلف بأن يركع ركعتين من غير الفريضة. وما ذاك إلا صاحب الاستخارة يريد أن يطلب من الله تعالى قضاء حاجته. وقد مضت الحكمة أن من الأدب قرع باب من تريد حاجتك منه. وقرع باب المولى سبحانه وتعالى إنما هو بالصلاة "لقوله" صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه (¬1). ولأنها جمعت بين آداب جمة (فمنها) الخروج عن الدنيا كلها وأحوالها بإحرامه بالصلاة، ألا ترى إلى الإشارة برفع اليدين عند الإحرام ¬

(¬1) هو صدر حديث أخرجه الشيخان عن انس وتمامه: فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه [240] ص 343 ج 1 فتح الباري (حك البزاق باليد من المسجد) وص 40 ج 5 نووي مسلم (النهي عن البصاق في المسجد).

إلى أنه خلف الدنيا وراء ظهره وأقبل على مولاه يناجيه، ثم ما فيها من الخضوع والندم والتذلل بين يدي المولى الكريم بالركوع والسجود، إلى غير ذلك مما احتوت عليه من المعاني الجليلة، ليس هذا موضع ذكرها. فلما أن فرغ من تحصيل هذه الفضائي الجمة، حينئذٍ أمره صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم بالدعاء (¬1). 2 - استخارة السجة: يعملها صاحب الحاجة أو تعمل له. وطريقتها أن يأخذ الشخص مسبحة فيتمتم عليها بحاجته، ثم يحصر بعض حباتها بين يديه وبعدها. فإن كانت فردية عدل عما نواه. وإن كانت زوجية اعتبر ما نواه خيراً وسار فيه. ولعمري ما الفرق بين هذه الطريقة وما كان يتبع في الجاهلية الأولى من إطلاق الطير في الجو وهو ما سماه الشرع الشريف بالطيرة ونهى عنها. 3 - استخارة الفنجان: يعملها عادةً غير صاحب الحاجة ويقوم بعملها رجلٌ أو امرأةٌ. وطريقتها أن يشرب صاحب الحاجة القهوة المقدمة غليه ثم يكفي الفنجان وبعد قليل يقدمه لقارئه فينظر فيه بعد أن أحدثت فضلات القهوة به رسوماً وأشكالاً مختلفة، شأنها في ذلك شأن كل راسب في أي إناءٍ إذا انكفأ، بل إن مجرد صب الماء على أرض متربة يحدث بها صوراً وأشكالاً هندسية وجغرافية يعجز عنها أصحاب الفن، فيتخيل ما يريد، ثم يأخذ في سرد حكاياتٍ كثيرةٍ لصاحب الحاجة، فلا يقوم من عنده إلا وقد امتلأت رأسه بهذه الأسطورة. ¬

(¬1) ص 90 ج 3 المدخل (الاستخارة والمشاورة).

(وبعضهم) يعتمد في معرفة سارق الشيء على آخر يسمى صاحب المندل، وطريقته أن يوضع الفنجان مملوءاً ماءً على كف شخص مخصوص في كفه تقاطيع مخصوصة. ويكون ذلك في يوم معلوم من أيام الأسبوع، ثم يأخذ العراف في التعزيم والهمهمة بكلامٍ غير مفهوم، وينادي بعض الجن ليأتوا بالمتهم السارق. وبعد برهة تظهر خيالاتٍ في الفنجان ذاهبة وآيبة، فيوهم العراف من حوله أن المتهم قد ظهر. (وبعضهم) يضع القلة على كف آخر ويتمتم بما شاء فيسير حاملُ [القلة إلى مكان الشيء الضائع، فيتوهم الحاضرون أن عامل المندل يعلم ما خفي، وهو بهتان عظيم. ولعمري إن كان هذا حقا فلم أتعبت الحكومات أنفسهم في معرفة المسروق وتبين الظالم من المظلوم؟ ولم لم تلجأ في تبين حقائق الأمور إلى هؤلاء الدجالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل؟ مع أن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم لم يدع هذا المقام لنفسه بل كان يحكم بالظاهر ويكل السرائر إلى الله: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخيرِ وما مسني السوء" (¬1). (وعن) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضن فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه شيئاً، فلا يأخذه، فإنما اقطع له قطعةً من النار. أخرجه مالك والخمسة (¬2) {341}. 4 - استخارة الورق (الكوتشينة): وهي لا تخرج عن سابقتها، غير أن صاحب الحاجة يعطي ورقتين ¬

(¬1) سورة الأعراف من الآية 188، وص 183 ج 3 تيسير الوصول (كيفية الحكم). (¬2) سورة الأعراف من الآية 188، وص 183 ج 3 تيسير الوصول (كيفية الحكم)

مصور فيهما رجل وامرأة، فيسر إليهما ما يريد ثم يأخذهما الدجال فيخلطهما بباقي الأوراق، ثم يأخذ في رصها بطريقةٍ فنيةٍ، فيصادف وجود رجلٍ بجوار امرأةٍ أو وجود رجلٍ أو امرأةٍ في طريق أو وجود واحدٍ منهما بجوار أوراقٍ يرمز إليها بالمال أو الفرح أو القضاء أو ما إلى ذلك، فيأخذ في سردِ ما يمليه عليه خياله، فلا يقوم الشخص من مقامه هذا إلا مقتنعاً بحقيقة ما يقول. وما هو إلا رجمٌ بالغيب. 5 - استخارة الرمل: وطريقتها أن يخطط الشخص في الرمل خطوطاً متقطعة ثم يعدها بطريقة حسابية معروفة لديهم، فينتهي منها إلى استخراج برج الشخص فيكشف عنه في كتابٍ استحضره لهذا الغرض، فيسرد عليه حياته الماضية والمستقبلة. وهذا الكلام بعينه الذي قيل له يقال لغيره ما دام برجاهما قد اتفقا. 6 - استخارة الودع: لا تقوم بها إلا امرأة، وهي تسمى في العرف (بالغجرية)، يخرج الإنسان من حافظته شيئاً من النقود ويسر بحاجته إلى ذكر الودع ثم يطرحه على الودع فتأخذه بيديها وتلقيه على الأرض بعد خلطه. وهي في الغالب تكون امرأةً ذكيةً نهابة، لها فراسة خاصة في ذوي الحاجات، فتسلك سبيلاً في الكلام يتفق مع مزاجِ الشخص، فيجيبها بالموافقةِ، فتستمر في طريقها؛ فلا يقوم من عندها غلا وهو مقتنع بصدقها، وبينها وبين الصدق كما بين السماء والأرض. 7 - استخارة الكف: وهي لا تخرج عن سابقتيها من جهة قوة فراسة قارئ الكف، يساعده

10 - صلاة التوبة

على ذلك اختلاف خطوط باطن الكف وما يستخلصه من ميول الشخص وموافقته له على بعض الأشياء. ولاشك عند العقلاء أن جميع هذه الطرق من استخارة الفنجان حتى النهاية، لا تخرج عن أنها نوع من التعريف المنهي عنه والذي يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه: من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً. أخرجه أحمد ومسلم عن حفصة (¬1) {342} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. أخرجه احمد والحاكم عن أبى هريرة بسند صحيح (¬2) {343}. ولا ادري بعد ذلك كيف يعكف الناس على أمثال تلك التراهات وهذه الأباطيل، معرضين عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به. 10 - صلاة التوبة: يسن لمن ارتكب ذنباً أن يتطهر ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله مما جنت يداه ليغفر الله له (قال) عليّ كرم الله وجهه: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له. ثم قرأ: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ... " الآية. أخرجه احمد والأربعة وأبو داود الطيالسي بلفظ: ما من عبد يذنب (¬3) [344] ¬

(¬1) رقم 8284 ص 22 ج 6 فيض القدير. ورقم 8285 ص 23 منه. (¬2) رقم 8284 ص 22 ج 6 فيض القدير. ورقم 8285 ص 23 منه. (¬3) ص 9 ج 1 مسند احمد (مسند أبى بكر رضي الله عنه) وص 183 ج 8 المنهل العذب (الاستغفار)، وص 246 ج 2 تفسير ابن كثير، وص 29 ج 1 سنن ابن ماجه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (الصلاة كفارة)، وص 2 مسند الطيالسي. و (الآية) تمامها: "فاستغفروا لذنوبهم. ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" سورة آل عمران، الآية 135 نزلت لما قال المؤمنون: يا رسول الله، كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا، كان أحدهم إذا أذنب اصبح وكفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه: اجدع انفك أو اذنك، افعل كذا وكذا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية. قاله ابن مسعود. "وقال" عطاء: نزلت في أبى معبد التمار: ، أتته امرأة حسناء تبتاع تمراً فقال: أن هذا التمر ليس بجيد، وفي البيت أجود منه، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها. فقالت له: اتق الله. فتركها وندم على ذلك. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أمره، فنزلت الآية. ص 245 ج 2 معالم التنزيل للبغوي " والذين إذا فعلوا فاحشة" أي فعلة قبيحة لم يأذن الله بها. والفاحشة في الأصل تطلق على كل معصية. والمراد بها هنا الزنا "أو ظلموا أنفسهم" باقتراف ذنب آخر. وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة "ذكروا الله" أي ذكروا وعيده وانه سائلهم ومحاسبهم. أو ذكروا الله باللسان "فاستغفروا لذنوبهم" أي طلبوا مغفرتها من الله "ومن يغفر الذنوب إلا الله؟ " استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا يغفرها أحد سواه. "روى" الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بأسير فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عرف الحق لأهله. أخرجه أحمد [345] ص 435 ج 3 مسند أحمد. "ولم يصروا على ما فعلوا" أي لم يستمروا على المعصية ولم يعزموا على الرجوع إلى الذنب "وهم يعلمون" قبحه. وأن من تاب قبل الله توبته، فهم كلما ارتكبوا ذنباً تابوا منه. روي" أبو بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة. أخرجه أبو داود وأبو يعلي [346] ص 178 ج 8 المنهل العذب (الاستغفار). وفي سنده عثمان بن واقد. وثقه يحيي بن معين وضعفه أبو داود. ويقويه حديث: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس [347] رقم 9920 ص 436 ج 6 فيض القدير. وفي سنده أبو شيبة الخراساني. قال البخاري: لا يتابع على حديثه. (وقد) تضمنت الآية: (أولاً): مدح المستغفرين والترغيب في التوبة وطلب المغفرة، وحث المذنبين على أن يقفوا مواقف الخضوع والتذلل والخشية والندم، وأن الاستغفار من الذنب ينفع المذنبين. قال الله تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" سورة طه من الآية 82 (وقد) ورد في ذلك أدلة منها: "قول" عطاف بن خالد: بلغني أنه لما نزل قوله تعالى: "ومني غفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا"، صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب، ودعا بالويل والثبور =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر. فقالوا: مالك يا سيدنا؟ قال: آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحداً من بني آدم ذنب. قالوا: وما هي؟ فأخبرهم. قالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون، ولا يرون إلا أنهم على الحق، فرضي نتع بذلك. أخرجه الحكيم الترمذي [54]. ص 349 ج 1 تفسير الشوكاني. "وحديث" عثمان بن مطر قال: حدثنا عبد الغفور عن أبي نضرة عن أبي رجاء عن أبى بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار. فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون. أخرجه أبو يعلي وابن كثير. وقال: عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان [348] ص 247 ج 2 تفسير ابن كثيرن وص 207 ج 10 مجمع الزوائد (الاستغفار). "وحديث" أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا ابرح اغوى بني آدم ما دامت الأرواح فيهم. فقال الله تعالى: فبعزتي وجلالي لا أبرح اغفر لهم ما استغفروني. أخرجه احمد وأبو يعلي [349] ص 29 ج 3 مسند احمد وص 27 ج 10 مجمع الزوائد (الاستغفار). "وحديث أبى ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك. ابن آدم انك أن تلقني بقراب الأرض (بضم القاف وكسرها، أي ما يقارب ملئها أو بما يملؤها) خطايا، لقيتك بقرابها مغفرة بعد ألا تشرك بي شيئاً، ابن آدم انك أن تذنب حتى تبلغ ذنوبك عنان السماء ثم تستغفرني اغفر لك. أخرجه احمد وأبو عوانة [350] ص 147 ج 5 مسند احمد (حديث أبى ذر الغفاري رضي الله عنه). "وقول" ابن مسعود: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ... " الآية. وقوله: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفاراً رحيماً". أخرجه الطبراني والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح [55] ص 11 ج 7 مجمع الزوائد (سورة النساء). "وحديث" أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه. أخرجه مسلم [351] ص 25 ج 7 نووي مسلم (التوبة). "وحديث" انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. أخرجه احمد والترمذي وابن ماجه والحاكم [352] رقم 6292 ص 16 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. "وحديث" أبى هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن عبداً أذنب ذنبا فقال: رب إني أذنبت ذنباً فاغفره. فقال ربه: اعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله. ثم أصاب ذنباً، وربما قال أذنب ذنباً آخر. فقال: يارب =

(وعن) أبى الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء يتكلم به ابن آدم مكتوب عليه، فإذا اخطأ خطيئة أو أذنب ذنباً فأحب أن يتوب إلى الله، فليمد يديه إلى الله عز وجل ثم يقولك اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع إليها أبداً، فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك. أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (¬1) {355} هذا. وينبغي الجمع بين الاستغفار والتوبة والعزم على عدم العود. هذا بعض ما ثبت في صلاة التوبة. وقد قيل فيها ما لم يثبت (¬2) ¬

= إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي. قال ربه: اعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله. ثم أصاب ذنباً آخر (وربما قال: ثم أذنب ذنباً آخر) فقال: يارب إني أذنبت ذنباً فاغفر لي. فقال ربه: اعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. فقال ربه: غفرت لعبادي ثلاثاً فليعمل ما شاء. أخرجه الشيخان [353] ص 362 ج 13 فتح الباري (قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله) وص 75 ج 17 نووي مسلم (قبول التوبة من الذنوب وان تكررت) قوله: (فليعمل ما شاء) معناه- والله اعلم- انه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله: ثم أصاب ذنباً آخر، فليفعل- إذا كان هذا دأبه- ما شاء. لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره، لا انه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده فان هذه توبة الكذابين. قاله المنذري، ص 74 ج 4 الترغيب والترهيب (التوبة والزهد). (ثانياً) ذم المذنبين المصرين على المعاصي: (روى) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون. أخرجه احمد والبخاري في الادب والبيهقي والطبراني بسند جيد [354] رقم 942 ص 474 ج 1 فيض القدير. "وفي رواية": ويل لأقماع الآذان. والأقماع جمع قمع كضلع بكسر ففتح أو سكون، وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات، شبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ويحفظونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها، يمر عليها كما يمر الشراب في القمع. (¬1) رقم 6325 ص 25 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) من ذلك ما قيل عن زيد بن وهب عن أبى ذر قال: يا رسول الله كيف للمذنب أن يتوب من الذنب؟ قال: يغتسل ليلة الاثنين بعد الوتر ويصلي اثنتى عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل يأيها الكافرون، وعشر مرات "قل هو الله أحد". ثم يقوم ويصلي أربع ركعات ويسلم ويسجد ويقرأ في سجوده آية الكرسي مرة. ثم يرفع رأسه ويستغفر مائة مرة =

(فائدة) التوبة من الذنب صغيرا أو كبيراً فرض "لقوله" تعالى: "يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً" (¬1). وقوله "وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" (¬2). وقوله: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب". فمرتكب الذنب جاهل وإن كان عالماً. ¬

= ويقول مائة مرة: لا حول ولا قوة إلا بالله. ويصبح من الغد صائماً. ويصلي عند إفطاره ركعتين بفاتحة الكتاب وخمس مرات "قل هو الله أحد". ويقول: يا مقلب القلوب تقبل توبتي كما تقبلت من نبيك داود، واعصمني كما عصمت يحيي بن زكريا، وأصلحني كما أصلحت أولياءك الصالحين. اللهم إني نادم على ما فعلت فاعصمني حتى لا أعصيك. ثم يقوم نادماً فإن رأس مال التائب الندامة. فمن فعل ذلك تقبل الله توبته وقضي حوائجه ويقوم من مقامه وقد غفر الله له الذنوب كما غفر لداود، ويبعث الله إليه ألف ملك يحفظونه من إبليس وجنوده إلى أن يفارق الروح جسده. وذكر أنواعاً من الجزاء ما انزل الله بها من سلطان (قال) اليوطي في اللاليء: موضوع في إسناده مجاهيل ص 23 ج 2. (¬1) سورة التحريم، الآية 8؛ والتوبة النصوح: هي التوبة الصادقة الخالصة بأن يتوب عن الذنب فلا يعود إليه أبداً (قال) أبى بن كعب: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التوبة النصوح، فقال: التوبة النصوح. الندم على الذنب حين يفرط منك وتستغفر الله بندامتك منه، ثم لا يعود إليه أبداً. أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقي وضعفه [356] ص 198 راموز الأحاديث. (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه. أخرجه احمد [357] ص 198 راموز الأحاديث. (هذا) وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لأبي (في الحديث رقم 356): ثم لا تعود إليه أبداً، أن من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ترك الذنب إلى الممات. وقيل: يكفي العزم على ألا يعود، فلو وقع منه ذلك الذنب بعد لا يضر في تكفير ما تقدم، لما ثبت في الصحيح: الإسلام يجب ما قبله. والتوبة تجب ما قبلها. ذكره ابن كثير [358] ص 417 سورة التحريم. (¬2) سورة النور، الآية 31، وسورة النساء، الآية 17. والمعنى: إنما قبول التوبة مترتب عل فضل الله تعالى للذين يرتكبون المعصية جاهلين قدر قبحها وسوء عاقبتها. وكل عاص جاهل بذلك حال ارتكاب المعصية، لأنه حينئذ مسلوب كمال العلم به، لغلبة الهوى =

وقال ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الندم توبة. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1) {361}. وهذا كله بفضل الله وتوفيقه للعبد؛ فمن أراد الله تعالى به خيراً، فتح له باب الذل والانكساء ودوام الرجوع إلى الله تعالى، ورأى عيوب نفسه وظلمها وجهلها، وشاهد فضل ربه وإحسانه. (قال) سفيان بن عيينة: والتوبة نعمة من الله أنعم بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم. وكانت توبة بني إسرائيل القتل، فما أنعم ¬

= (قال) قتادة: إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي جهالة، عمداً كانت أو غيره. وكل من عصى الله فهو جاهل. (وقال) الكلبي: لم يجهل انه ذنب لكنه جهل عقوبته (ثم يتوبون من قريب) أي قبل معاينة سبب الموت بقرينة قوله: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن. قال ابن عباس: القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. أخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم [56] ص 204 ج 4 جامع البيان. (وقال) الضحاك: كل شيء قبل الموت فهو قريب، له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذلك. أخرجه ابن جرير [57] ص 204 ج 4 جامع البيان. وعد الزمن بين ارتكاب المعصية والاحتضار قريباً ولو كان سنين، لأن كل آت قريب، والعمر وان طال قليل. (وقد) تضمنت الآية التنبيه على انه ينبغي للإنسان أن يتوقع في كل ساعة نزول الموت به. وفيها الدلالة على أن الله تعالى يقبل توبة العبد إلى ما قبل الغرغرة. وهي تردد الروح في الحلق "روي" ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر. أخرجه احمد والترمذي وحسنه. وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب [359] رقم 1921 ص 306 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (وقال) رجل من ملحان يقال له أيوب: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: من تاب قبل موته بعام تيب عليه، ومن تاب قبل موته بشهر تيب عليه، ومن تاب قبل موته يجمعه تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. فقلت له: إنما قال الله: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب". فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود الطيالسي [360] رقم 2284 ص 301 مسند الطيالسي. (¬1) ص 376 ج 1 مسند احمد (مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).

11 - صلاة الطواف

الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي افضل من التوبة (قال) تعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (¬1). (وقال) صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وإذا أحب الله عبداً لم يضره ذنبٌ. أخرجه ابن أبى الدنيا والقشيري في الرسالة وابن النجار عن أنس (¬2) {362}. (وقال) صلى الله عليه وسلم: إن التوبة تغسل الحوبة، وإن الحسنات يذهبن السيئات، وإذا ذكر العبد ربه في الرخاء أنجاه في البلاءٍ، ذلك بأن الله يقول: لا أجمع لعبدي أبداً أمنين ولا أجمع له خوفين، إن هو أمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس فيدوم له أمنه ولا أمحقه فيمن أمحق. أخرجه أبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس (¬3) {363}. 11 - صلاة الطواف: يطلب ممن طاف بالكعبة ولو تطوعاً أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم أو حيث تيسر من المسجد الحرام. يقرأ في الأولى الفاتحة وقل يأيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد "لما" في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد (الحديث) أخرجه النسائي (¬4) {364}. ¬

(¬1) سورة البقرة، عجز الآية 222، وصدرها: "ويسألونك عن المحيض". (¬2) رقم 3386 ص 376 ج 3 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) ص 96 راموز الاحاديث. و (الحوبة) الإثم. (¬4) ص 40 ج 2 مجتبي (القراءة في ركعتي الطواف) ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقوم عليه وقت بناء الكعبة.

12 - صلاة الشكر

(وهذه) الصلاة تصح في أي وقت وأي مكان، ولا تفوت إلا بالموت ولا تجبر بدم على الصحيح عند الحنفيين (وهي) واجبة عندهم بعد كل طواف. وكذا عند المالكية بعد طواف القدوم والإفاضة، وهو طواف ركن الحج، أما بعد طواف الوداع فقيل: بوجوبها وقيل بسنتيها. (وقالت) الشافعية والحنبلية: صلاة الطواف سنة مطلقاً. 12 - صلاة الشكر يسن لمن أنعم الله عليه نعمة تسره أن يصلي ركعتين من غير الفريضة شكراً لمولاه على ما أولاه. قال الله تعالى: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم". (وقال) عبد الرحمن بن عوف: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو مشربته فدخل فاستقبل القبلة فصلى فأطال السجود حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها، فدنوت منه فرفع رأسه فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الرحمن. قال: ما شأنك؟ قلل: يا رسول الله، سجدت سجدةً خشيت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها. قال: إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه. فسجدت لله شكراً. أخرجه احمد بسند رجاله ثقات (¬1) {365} 13 - صلاة المنزل يسن لمن نزل منزلاً سفراً أو حضراً أن يصلي فيه ركعتين حين نزوله وحين انصرافه "لحديث" أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) ص 287 ج 2 مجمع الزوائد (سجود الشكر).

14 - صلاة السفر

إذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء، وإذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء. أخرجه البزار بسند رجاله موثقون. وحسنه ابن حجر (¬1) {366}. "ولحديث" أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نزل أحدكم منزلاً فقال فيه فلا يرتحل حتى يصلي ركعتين. أخرجه ابن عدي (¬2) {367}. 14 - صلاة السفر يسن لمريد السفر والقادم منه أن يصلي ركعتين (قال) ابن مسعود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد أن اخرج إلى البحرين في تجارة، فقال: صل ركعتين. أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات (¬3) {368}. (وقال) جابر بن عبد الله: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما قدمنا المدينة قال لي: ادخل المسجد فصل ركعتين. أخرجه البخاري (¬4) {369} 15 - صلاة التسبيح هي أربع ركعات تؤدي بنية صلاة التسبيح في غير أوقات النهي بتشهدين وسلام، ويقرأ في كل ركعة الفاتحة وأي سورة شاء. وقال بعض الشافعية: الأفضل أن يقرأ فيها تارة من طول المفصل بأن يقرأ ¬

(¬1) ص 283 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة إذا دخل منزله وإذا خرج منه). (¬2) رقم 870 ص 446 ج 1 (فيض القدير) وضعفه السيوطي. (فقال) من القيلولة وليس ذلك خاصاً بالنزول لها. (¬3) ص 283 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة إذا أراد سفراً). (¬4) ص 117 ج 6 فتح الباري (الصلاة إذا قدم من سفر).

أربعاً من التسابيح وهي الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن، للمناسبة بينهن وبينها في الاسم، وتارة يقرأ بإذا زلزلت والعاديات والعصر والإخلاص، وتارةً بالتكاثر والعصر وقل يأيها الكافرون والإخلاص (وقد ورد) فيها عدة أحاديث لا تخلو من مقال أمثلها حديث عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: يا عباس يا عماه، ألا أعطيك؟ ألا أمنجك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل لك (¬1) عشر خصال؟ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته. عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة وأنت قائم قلت سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله اكبر، خمس عشرة مرة (¬2)، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً (¬3)، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها ¬

(¬1) (ألا افعل لك) أي لأجلك. و (عشر خصال) بالنصب مفعول تنازعه الأفعال السابقة. وفيه تقدير مضاف، أي ألا أعلمك مكفر عشرة أنواع من ذنوبك. و (خطأه) "لا يقال" الخطأ لا إثم فيه "لحديث" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه الطبراني عن ثوبان. وفيه يزيد بن ربيعة الرجي وهو ضعيف [370] رقم 4461 ص 34 ج 4 فيض القدير. فكيف يعد من الذنب؟ "لأنا نقول" المراد بالذنب ما فيه نقص أجر وإن لم يكن فيه إثم. ويحتمل أن المراد مغفرة ما ترتب على الخطأ من إتلاف ونحو. وعليه فالمراد بالمغفرة ترضيه الخصوم. و (عشر) بالرفع خبر لمحذوف، أي هذه عشر خصال، وهي أول الذنب وآخر. الخ. ويصح نصبه بفعل محذوب، أي خذ عسر خصال. (¬2) وفي رواية الترمذي من حديث أبي رافع: فإذا انقضت القراءة فقل: الله اكبر، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع. اهـ. وفيه أن الترتيب بين هذه الكلمات غير لازم .. (¬3) و (أنت راكع) أي تقولها بعد تسبيح الركوع (ففي) الترمذي قال أبو وهب: واخبرني عبد العزيز بن أبي رذمة عن عبد الله (يعني ابن المبارك) انه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يسبح التسبيحات. اهـ. وكذا التسبيح حال الاعتدال والجلوس بين السجدتين، يكون بعد الدعاء الوارد فيهما.

عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً. ثم ترفع رأسك (¬1) فتقولها عشراً. فذلك خمس وسبعون في كل ركعة (¬2)، تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهرة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة. أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم. وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع (¬3) {371}. (وقد تكلم) ابن خزيمة وغيره في هذا الحديث. والصحيح أنه ثابت يطلب العمل به، فقد صححه الحاكم وحسنه جماعة. قال ابن حجر: لا بأس بإسناد حديث ابن عباس، وهو من شرط الحسن، فإن له شواهد تقويه، وقد أساء ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. وقال الدارقطني: أصح شيء ورد في فضائل الصلوات، فضل صلاة التسبيح. وقال عبد الله بن المبارك: صلاة التسبيح مرغب فيها يستحب أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها. ¬

(¬1) (ترفع رأسك) أي من السجدة الثانية فتقولها عشراً قبل قيامك كما صرح به في رواية لابن ماجه والترمذي. (¬2) (فذلك) أي ما ذكر من التسبيحات (خمس وسبون في كل ركعة) فإن سها ونقص عدداً من محله أتى به فيما بعد. أما إن سها في أثناء الصلاة وسجد للسهو فلا يسبح في سجدتي السهو غير تسبيح السجود المعلوم (قال) عبد العزيز بن أبي رذمة: قلت لعبد الله بن المبارك: أن سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: لا إنما هي ثلثمائة تسبيحة. أخرجه الترمذي [58] ص 351 ج 1 تحفة الاحوذي (صلاة التسبيح). (¬3) ص 206 ج 7 المنهل العذب (صلاة التسبيح)، وص 216 و 217 ج 1 سنن ابن ماجه، وص 282 ج 2 مجمع الزوائد، وص 318 ج 2 مستدرك، وص 349 ج 1 تحفة الاحوذي.

(وقال) المنذري: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة أبو بكر الاجرى، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي (وقال) أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا (¬1) (ولهذا) الاختلاف في الحديث لم ير الإمام احمد استحبابها (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما صلاة التسبيح فإن أحمد قال: ما تعجبني. قيل له: لم؟ قال: ليس فيها حديث يصح ونفض يده كالمنكر. ولم يثبت احمد الحديث المروي فيها ولم يرها مستحبة؛ وإن فعلها إنسان فلا بأس، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها (¬2) (تنبيه) علم من حديث عكرمة عن ابن عباس أن التسبيح بعد القراءة لا قبلها وأنه يسبح في جلسة الاستراحة. وبه قال جمهور الفقهاء. (واختار) الحنفيون وابن المبارك التسبيح قبل القراءة وبعدها، وترك التسبيح بعد السجدة الثانية (قال) أبو وهب محمد بن مزاحم: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها. قال: يكبر ثم يقول: سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. ثم يتعوذ ويقرا بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة. ثم يقول عشر مرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يركع فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد فيقولها ¬

(¬1) ص 238 ج 1 الترغيب والترهيب (الترغيب في صلاة التسبيح). (¬2) ص 772 ج 1 مغنى (صلاة التسبيح).

عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً. يصلي أربع ركعات على هذا. فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة، يبدأ في كل ركعة بخمس عشرة تسبيحة (¬1)، ثم يقرأ ثم يسبح عشراً، فإن صلى ليلاً فأحب إلى أن يسلم في كل ركعتين، وإن صلى نهاراً فإن شاء سلم وإن شاء الله لم يسلم. قال أبو وهب: أخبرني عبد العزيز ابن أبي رذمة عن عبد الله بن المبارك أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يسبح التسبيحات. قال أحمد بن عبده ثنا وهب بن زمعة قال: أخبرني عبد العزيز بن أبي رذمة قال: قلت لعبد الله بن المبارك: إذا سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشراً عشراً؟ قال: لا إنما هي ثلثمائة تسبيحة. أخرجه الترمذي والحاكم وقال: رواة هذا عن ابن المبارك كلهم ثقات أثبات {59} قال المنذري قال البيهقي: وفيه تقوية للحديث المرفوع (¬2). (وقال) الشيخ إبراهيم الحلبي: وهذه الصفة التي ذكرها ابن المبارك هي الموافقة لمذهبنا، لعدم الاحتياج فيها إلى جلسة الاستراحة، إذ هي مكروهة عندنا (¬3). (وقال) العلامة على القاري قال السبكي: وجلالة ابن المبارك تمنع من مخالفته، وإنما أحب العمل بما تضمنه حديث ابن عباس ولا يمنعني من التسبيح بعد السجدتين، الفصل بين الرفع والقيام، فإن جلسة الاستراحة حينئذ مشروعة في هذا المحل. وينبغي للمتعبد أن يعمل بحديث ابن عباس تارة، وبحديث ابن المبارك أخرى (¬4). ¬

(¬1) ص 350 ج 1 تحفة الاحوذي (صلاة التسبيح)، وص 320 ج 1 مستدرك وص 239 ج 1 الترغيب والترهيب (الترغيب في صلاة التسبيح). (¬2) ص 350 ج 1 تحفة الاحوذي (صلاة التسبيح)، وص 320 ج 1 مستدرك وص 239 ج 1 الترغيب والترهيب (الترغيب في صلاة التسبيح). (¬3) ص 432 غنية المتملي، وص 193 ج 2 مرقاة المفاتيح. (¬4) ص 432 غنية المتملي، وص 193 ج 2 مرقاة المفاتيح.

16 - صلاة الحاجة

16 - صلاة الحاجة يستحب لمن همه أمر أو كانت له حاجة إلى الحق أو الخلق يريد قضاءها أن يتطهر ويصلي ركعتين ثم يدعو بدعاء الكرب أو غيره مما يأتي. وقد ورد في ذلك أحاديث منها "حديث" ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم. أخرجه الشيحان والترمذي (¬1) {372} "وحديث" أبى الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً. أخرجه احمد بسند صحيح (¬2) {373}. "وقال" عبد الله بن أبي أو في قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله عز وجل، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلمن ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولاهماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: ¬

(¬1) ص 22 ج 2 تيسير الوصول (ادعية الكرب والهم). و (العظيم والكريم) بالجر صفة للعرش، وهو الثابت في رواية الجمهور، او بالرفع صفة للرب، او خبر لمبتدأ محذوف. (¬2) ص 278 ج 2 مجمع الزوائد (صلاة الحاجة).

حديث غريب والحاكم (¬1) {374} وفي سنده فائد بن عبد الرحمن ضعيف وقال أحمد والذهبي: متروك. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديث. (قال) الشوكاني: وقد ذكرت هذا الحديث وذكرت ما قيل فيه بأطول من هذا في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. استدركت على من قال: إنه موضوع (والحاصل) أن جميع طرق أحاديث هذه الصلاة لا تخلو عن ضعف إلا حديث أبى الدرداء كما ذكرناه وبعده حديث ابن أبي أوفى (¬2). "وحديث" عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لكز قال: فادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي. اللهم فشفعه في. أخرجه احمد وابن ماجه وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين، والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3) {375}. ¬

(¬1) ص 216 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الحاجة)، وص 348 ج 1 تحفة الاحوذي، وص 320 ج 1 مستدرك. و (موجبات الرحمة) التوفيق والهداية الى الطريق المستقيم. و (العزائم) جمع عزيمة بمعنى معزومة، أي مقطوع بوقوعها، أو عازمة، أي قاطعة لأثر كل ذنب. فالمعنى: أسألك أنواعاً من المغفرة يتحتم حصولها بإرادتك، او تقطع عني كل تقصير مانع من استجابة الدعاء. (¬2) ص 139 تحفة الذاكرين (صلاة الضر والحاجة). (¬3) ص 138 ج 4 مسند احمد، وص 26 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة الحاجة) وص 313 ج 1 مستدرك (دعاء رد البصر)، وص 281 ج 4 تحفة الاحوذي (باب 8 من أحاديث شتى من أبواب الدعوات) وفي قول الداعي (يا محمد) جواز النداء باسمه صلى الله عليه وسلم في مقام التشفع به، لأن المقام يؤدي من التعظيم ما يؤدي ذكره بقول الداعي: يا رسول الله (وهذا) لا يعارض ما ورد من أن نداءه صلى الله عليه وسلم باسمه منهي عنه بقوله تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً". (قال) ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. ذكره ابن كثير [60] ص 152 ج 6 (سورة النور) (لأنه) صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب الحق، فله أن يتصرف كيف شاء؛ ولا يقاس به غيره. وتعليم بعض الصحابة ذلك لغيره يحتمل أنه مذهب له، أو أنه رأى أن ألفاظ الدعوات والأذكار يقتصر فيها على الوارد.

(قال) الشوكاني: والحديث صحيح وصححه أيضاً ابن خزيمة، وقد تفرد النسائي بذكر الصلاة ووافقه الطبراني في بعض الطرق التي رواها. وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله تعالى، وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (¬1) ¬

(¬1) ص 138 تحفة الذاكرين (صلاة الضر والحاجة) والتوسل لغة التقرب بالعمل. ويطلق شرعاً على معان ثلاثة: (الأول) التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. وهذا جائز مشروع اتفاقاً، بل منه الواجب الذب لا يكمل الإيمان إلا به. قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة" المائدة، آية 35. وقال: "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب" الإسراء، آية 57. اتفق المفسرون على أن الوسيلة في الآيتين هي التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر العبادات. وقد ورد في ذلك آيات وأحاديث. قال تعالى: "ولله الأسماء الحسنة فادعوه بها" الأعراف، آية 180. وقال في وصف عباده المتقين: "الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار" آل عمران، آية 16. وقال في وصف أولى الألباب السليمة: "ربنا إننا سمعنا مناديا (هو الرسول صلى الله عليه وسلم) ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا وآتتا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد (194) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى (195) آل عمران. (وعن) عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً (هو أبو موسى الأشعري كما في رواية لأحمد) يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال: لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. أخرجه احمد وأبو داود والترمذي [376] =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ص 350 ج 5 مسند أحمد، وص 8 ج 2 تيسير الوصول (اسم الله الأعظم). وقال تعالى: "وذا النون (أي صاحب الحوت وهو سيدنا يونس عليه السلام) إذ ذهب مغاضباً (قومه) فظن إن لن نقدر عليه (أي لن نضيق عليه) فنادى في الظلمات (أي ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت) أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (87) (بذهابي من بين قومي بلا إذن) فاستحبنا له ونجيناه من الغم (أي أخرجناه من بطن الحوت وتلك الظلمات) وكذلك ننجي المؤمنين" (88) الأنبياء. (وهذا) دعاء عظيم جداً، لاشتماله على التهليل والتسبيح والإقرار بالذنب. (وقد) ورد: ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء، إلا استجيب له (روي) سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: "لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له. أخرجه احمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة، والحاكم [377] رقم 4203 ص 526 ج 3 فيض القدير، وص 22 ج 2 تيسير الوصول (أدعية الكرب والهم) ز (وعن) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انطلق ثلاثاً نفر ممن كان قبلكم حتى اواهم المبيت إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة الا ان تدعوا الله بصالح أعمالكم. فقال أحدهم: انه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أرعى عليهما ولا اغبق قبلهما (من بابي ضرب ونصر من الغبوق وهو الشرب آخر النهار) أهلاً ولا مالاً، وانه نأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما (من الإراحة وهي رد الإبل إلى مراحلها) حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما قد ناما، فكرهت أن اغبق قبلهما أهلاً ومالا وكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون (أي يضجون ويصيحون من الجوع) عند قدمي، والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر. اللهم إن كنت تعلم إني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. وقال الآخر: اللهم انه كانت لي ابنة عم هي احب الناس إلى فأردتها على نفسها (أي راودتها وطلبت منها أن تمكنني من نفسها) فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً على أن تخلى بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلى وتركت الذهب. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير انهم لا يستطيعون الخروج. فقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت إجراء بأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك أجره وذهب فثمرته له حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، اد إلى اجري، فقلت: كل ما ترى من البقر والغنم والإبل والرقيق أجرك، اذهب فاستقه. فقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= يا عبد الله، لا تستهزئ بي. فقلت: إني لا استهزئ بي. فقلت: إني لا استهزئ بك. اذهب فاسقه، فأخذه كله. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون. أخرجه الشيخان وأبو داود [378] ص 302 ج 4 فتح الباري (من استأجر أجيراً فترك أجره .. ) وص 55 ج 17 نووي مسلم (التوسل بصالح الأعمال)، وص 208 ج 3 تيسير الوصول (قصة أصحاب الغار). (فهذا) الحديث صريح في أنه يجوز للعبد أن يتوسل بعمله الصالح إلى الله تعالى، وأنه ينفعه عند الشدة. (الثاني) التوسل إلى الله تعالى مستشفعاً بأحد من خلقه فيما يطلبه العبد من ربه. وهو جائز اتفاقاً، لما تقدم أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس وقال: اللهم أنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. أخرجه البخاري [61] تقدم بالأصل اثر 26 ص 145. (واستسقى) معاوية بن أبى سفيان بالأسود بن يزيد من كبار التابعين (تقدم أثر 27 ص 146) وقد كان توسلهم بمن ذكر أن يدعو المتوسل به ويدعو القوم معه فهو شفيع لهم وسائل لا مسئول. (الثالث) التوسل إلى الله تعالى بالأقسام عليه بأحد من خلقه، وهو ممنوع عند الجمهور، لأنه لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم في الاستسقاء ونحوه، لا في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته، ولم يثبت في دعاء من الأدعية الصحيحة. (وأفتى) العز بن عبد السلام بمنعه إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلاً بحديث الضرير رقم 375 ص 267. وتبعه الشوكاني وغيره. وعليه الجمهور قالوا: قوله: أسألك وأتوجه إليك بنبيك؛ سؤال بالذات وقسم "ومنعه" ابن تيمية وغيره من الحنبلية مطلقاً وقالوا: الباء في قوله: أتوجه إليك بنبيك للسببية لا للقسم. والمعنى أسألك وأتوجه إليك بسبب محمد صلى الله عليه وسلم، فيرجع إلى الحالة الثانية وهي التوسل بمعنى الشفاعة. (ومما تقدم) تعلم أن التوسل المشروع بالاتفاق هو التوسل بالعمل الصالح، وبالغير على أنه شفيع وسائل لا مسئول، بل المسئول والمقصود هو الله تعالى، لأنه هو النافع الضار المعطي المانع الفعال لما يريد. (وأما) ما يقع من العوام وأشباههم مخالفاً لذلك، فغير مشروع. ترى أحدهم إذا نزل به أمر خطير، ترك دعاء الله تعالى ودعا غيره، فينادي بعض الأولياء كالشافعي والبدوي والدسوقي والسيدة زينب والرفاعي والبيومي، معتقداً أنهم أرباب التصريف ولا يخطر له على بال دعاء الواحد القدير، الفعال لما يريد، ناسياً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس [379] وهو بعض الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية، وأوله: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت (الحديث). وما نشا هذا إلا من الجهل وعمي البصائر. نسأل الله السلامة والوقاية.

17 و 18 - صلاة الضائع والآبق

17 و 18 - صلاة الضائع والآبق يسن لمن ضاع له شيء أو أبق وأراد العثور عليه أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو بما ورد في ذلك (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا ضاع له شيء أو أبق يتوضأ ويصلي ركعتين يتشهد ويقول: باسم الله، يا هادي الضلال، وراد الضالة، اردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك، فإنها من عطائك وفضلك. أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم وقال: رواته موثقون مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح (¬1) {380}. هذا ويتصل بالنوافل بحثان: ¬

(¬1) ص 135 تحفة الذاكرين (صلاة الأبق والضياع). (قال) العلامة أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي في كتابه (الدين الخالص) في الكلام على ما ورد في التعليق والتمائم: وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف يتبين لك عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذها مساجد والإقبال عليها بالقلب والوجه، وصرف الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات- التي هي حق الله تعالى- إليها من دونه كما قال تعالى: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذن من الظالمين (106) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله" (107) يونس. ونظائرها في القرآن أكثر من أن يحصر، ص 237 ج 2 (معنى التمائم وحكم تعليقها). (وقال) الأستاذ الجليل الشيخ علي محفوظ رحمه الله: ولا ريب أن السبب الذي نشأ عنه هذا الاعتقاد وهذه الغفلة هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور وبناء القباب وصنع المقاصير وعمل التوابيت ووضع الستور عليها وتزيينها بأبلغ زينة وتحسينها على أكمل وجه، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة وقد وضعت حولها مجامير الطيب، فلا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لصاحب هذا القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الولي من المنزلة، ويدخله من الروع والمهابة له ما يغرس في قلبه من العقائد الوهمية التي هي من أعظم مكايد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً حتى يطلب من صاحب هذا القبر ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. وهذا عين الضلال. وقد يجعل الشيطان طائفة من بني آدم (شياطين الإنس) يقفون على ذلك القبر يخدعون من يأتي إليه من الزائرين يهولون عليهم الأمر، ويصنعون أموراً من أنفسهم وينسبونها إلى صاحب الضريح على وجه يخفي على البسطاء، وقد يختلفون من حكايات الكرامات له ما الله اعلم به ويبثونها في الناس ويكررونها في مجالسهم فتشيع وتستفيض، ويتلقاها بقلب سليم من يحسن الظن بهم وبأصحاب الأضرحة، ويقبل عقله ما يروي عنهم من الأكاذيب فيرويها كما سعمها ويتحدث بها في مجالسه، فيقع البسطاء في بلية عظيمة من الاعتقاد، ويزعم كثير من قصار النظر أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض، وإنقاذ الغريق، والنصر على الأعداء، ورد الضائع، وغير ذلك مما يكون في عالم الكون، على معنى أن الله تعالى فوض إليهم ذلك لما لهم عنده من الجاه الأعلى والمقام الرفيع الأسمى. فلهم ما يشاءون، ومن قصدهم لا يخيب، وتراهم لهذا يرفعون لهم شكواهم في عرائض مكتوبة يضعونها في الأضرحة. وربما كان صاحب هذا الضريح في حال حياته لا يستطيع الأخذ بناصر المظلوم، ولكن الناس بعد الممات يجعلون له التصرف في الملك والملكوت. وقد قال عيسى عليه السلام: "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فهيم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" المائدة، عجز آية 117، وص 104 الإبداع في مضار الابتداع (غفلة العوام عن الله تعالى).

الأول: طول القيام وكثرة السجود الأفضل في صلاة النفل طول القيام "لقول" جابر: قيل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت. أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (¬1) {380}. والقنوت: القيام "ولقول" المغيرة ابن شعبة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه أو ساقاه، فقيل له: قد غفر الله لك. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. أخرجه السبعة إلا أبا داود (¬2) {381}. (وبهذا) قال الحنفيون والشافعيون وجماعة (وقال) جماعة منهم ابن عمر: الأفضل كثرة الركوع والسجود. وهو الظاهر عند المالكية "لقول" معدان بن أبي طلحة اليعمري: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت له: دلني على عمل ينفعني الله به ويدخلني الله الجنة، فسكت عني ملياً ثم التفت إليّ فقال: عليك ¬

(¬1) ص 314 ج 3 مسند احمد، وص 300 ج 1 تحفة الاحوذي (طول القيام في الصلاة). (¬2) ص 251 ج 4 مسند أحمد، وص 10 ج 3 فتح الباري (قيامه صلى الله عليه وسلم الليل)، وص 210 ج 2 تيسير الوصول (صلاة الليل)، وص 318 ج 1 تحفة الاحوذي (الاجتهاد في الصلاة).

بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجةً وحط عنه بها خطيئة. قال معدان: فلقيت أبا الدرداء فسألته عما سألت عنه ثوبان. فقال: عليك بالسجود، فأني سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد سجدةً إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئةً. أخرجه أحمد وابن حبان والنسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {382}. (وقد) اختلف أهل العلم في هذا. فقال بعضهم: طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال احمد بن حنبل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إليَّ، لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود، وإنما قال إسحاق هذا، لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، وأما بالنهار فلم توصف صلاته بطول القيام ما وصفت بالليل. اهـ. كلام الترمذي بتصرف. (وقال) العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير: هل الأفضل في النفل "كثرة السجود" أي الركعات؟ لخبر: عليك بكثرة السجود، فإنك لم تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها ¬

(¬1) ص 276 ج 5 مسند احمد. ورقم 860 ص 486 ج 5 فيض القدير، وص 301 ج 1 تحفة الاحوذي (كثرة الركوع والسجود) و (اليعمري) بفتح الياء والميم بينهما مهملة ساكنة. ثقة.

عنك خطيئة (¬1) " أو طول " القيام بالقراءة؟ لخير: أفضل الصلاة طول القنوت (¬2) أي طول القيام، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تورمت قدماه من القيام وما زاد في غالب أحواله على إحدى عشرة ركعة "قولان" محلهما مع اتحاد زمانهنا. ولعل الأظهر الأول لما فيه من كثرة الفرائض وما يشتمل عليه من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاةٍ عليه صلاة الله عليه وسلم (¬3). (واستدلّ) له أيضاً "بقول" ربيعة بن كعب الأسلمي: كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. أخرجه احمد وأبو داود. وهذا لفظه (¬4) {383}. (وأجاب) الأولون بأن هذه الأحاديث لا تعارض الأحاديث الدالة على فضل طول القيام؛ لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل، إنما وردت في فضل طول القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود، أفضليتهما على طول القيام. (فالحق) القول بأفضلية طول القيام (قال) العراقي: الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها ¬

(¬1) (عليك .. الخ) أي الزم الإكثار من صلاة النافلة، يشير إلى حديث ثوبان وأبى الدرداء رقم (382). (¬2) أي افضل أحوالها طول القيام. والحديث تقدم عن جابر رقم (380). (¬3) ص 178 ج بغية السالك لأقرب المسالك (آخر النوافل المطلوبة). (¬4) ص 59 ج 4 مسند احمد، وص 248 ج 7 المنهل العذب (وقت قيامه صلى الله عليه وسلم من الليل).

الجماعة وعلى صلاة المنفرد. فأما الإمام في الفرائض والنوافل، فهو مأمور بالتخفيف المشروع. إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه فلا بأس بالتطويل. وعليه يحمل صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المغرب بالأعراف. اهـ. الثاني: الجلوس في صلاة النقل تقدم أن القيام في الصلاة للقادر عليه ركن في الفرض إجماعاً. أما النفل فيصح من جلوسٍ مع القدرة على القيام بلا كراهة إجماعاً. "لحديث" عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلا قاعداً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً، وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً. أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (¬1) {384} هذا. ويجوز بلا كراهةٍ تأدية بعض صلاة التطوع من قعود وبعضها من قيامٍ، وبعض الركعة من قيامٍ وبعضها من قعودٍ، سواءٌ أقدم القيام أم أخره. "لحديث" عروة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً قط حتى دخل في السن، فكان يجلس فيها فيقرأ حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية، قام فقرأها ثم ركع أخرجه الخمسة (¬2) {385}. ¬

(¬1) ص 10 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً) وص 62 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد) وص 244 ج 1 مجتبي (كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً). (¬2) ص 22 ج 3 فتح الباري (قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل) وص 11 ج 6 نووي مسلم، وص 244 ج 1 مجتبي، وص 60 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد).

"ولحديث" أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك. أخرجه أبو داود (¬1) {386}. "ولقول" علقمة بن وقاص: قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع. أخرجه مسلم (¬2) {387}. (وبهذا) قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة. (وقال) أبو يوسف ومحمد وأشهب المالكي: لا يصح القعود بعد القيام إلا لعذر، لأن الشروع في الطاعة على حال ملزم كالنذر، ولو نذر الصلاة قائماً لا تصح من قعود، فكذا هذا. (وأجاب) الأولون (أولاً) بأن القيام ليس مشروعاً بالذات في النقل، بل هو من صفاته (وثانياً) بأن المشروع ليس ملحقاً بالنذر مطلقاً، بل في إيجاب أصل الفعل، فلا يكون الشروع في الأولى قائماً موجباً للقيام في الثانية، بخلاف النذر لأنه التزمه نصا فيلزمه (¬3). هذا، ومن صلى التطوع قاعداً بلا عذر فله نصف أجر القائم. ¬

(¬1) ص 61 منه، وص 12 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً). (¬2) ص 61 منه، وص 12 ج 6 نووي مسلم (جواز النافلة قائماً وقاعداً). (¬3) وأيضاً فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دليل على جواز الصلاة من قيام ثم من قعود. والله تعالى يقول: "وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر، عجز آية 7 ولا ريب أن فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة. كما أن قوله وتقريره سنة، والحجة النيرة والسبيل المتبع هو فعل وقول المعصوم دون سواء. فلا يعدل عنه لهوى ورأى متبع، قال تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً" النساء، آية 115.

"لحديث" عبد الله بن يريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال: صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً. أخرجه السبعة إلا مسلماً. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬1) {388}. (قال) الخطابي: أما قوله "وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً" فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث. ولا أحفظ عن أحدٍ من أهل العلم انه رخص في صلاة التطوع نائماً (يعني مع القدرة على القعود) كما رخصوا فيها قاعداً، وإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تكن من كلام بعض الرواة، فإن التطوع مضطجعاً للقادر على القعود جائز بهذا الحديث. اهـ. بتصرف (¬2). "وقول" ابن بطال: وأما قوله وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً، فلا يصح معناه عند العلماء، لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماءً، وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث. اهـ "رده" العراقي بأن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة، وعند المالكية ثلاثة أوجه، أحدها الجواز مطلقاً في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض، وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف الاتفاق (¬3)؟ ¬

(¬1) ص 152 ج 5 الفتح الرباني، وص 396 ج 2 فتح الباري (صلاة القاعد بالإيماء) وص 58 ج 6 المنهل العذب، وص 245 ج 1 مجتبي (أفضل صلاة القاعد على صلاة النائم) وص 193 ج 1 سنن ابن ماجه (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) وص 292 ج 1 تحفة الأحوذي. (¬2) ص 225 ج 1 معالم السنن (صلاة القاعد). (¬3) ص 58 ج 6 المنهل العذب (صلاة القاعد).

(الخامس) سجود السهو

(وهذا) في حق غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما هو فقد تقدم أنه اختص بان تطوعه قاعداً بلا عذر كتطوعه قائماً في الأجر (¬1). "فائدة" من صلى قاعداً لعذرٍ أو غيره فله أن يجلس على أي صفة شاء لإطلاق الأحاديث المتقدمة (واختلف) العلماء في الأفضل (فقال) مالك والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق: الأفضل التربع. وهو أحد قولي الشافعية "لقول" عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً. أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم (¬2) {389}. وفي سنده أبو داود الحفري. قال النسائي: وهو ثقة. ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ (وعن) أبي حنيفة والشافعي أن الافتراش أفضل. (الخامس) سجود السهو السهو والنسيان لا فرق بينهما من حيث الحكم. ومعناهما عند اللغويين الغفلة عن الشيء وعدم احتضاره وقت الحاجة. وقيل: السهو زوال صورة الشيء من المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها منهما معاً؛ فيحتاج في تحصيلها إلى سبب جديد (وقال) في النهاية: السهو في الشيء تركه من غير علم، والسهو عن الشيء تركه مع العلم به. اهـ. (وبه) يظهر الفرق بين السهو في الصلاة الذي وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من مرة. والسهو عن الصلاة الذي ذم فاعله بقوله تعالى: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون". ¬

(¬1) تقدم دليله رقم 187 ص 140 ج 2 دين طبعة ثانية (اختص النبي صلى الله عليه وسلم بجواز صلاة الفرض قاعداً بلا عذر). (¬2) ص 245 ج 1 مجتبي (كيف صلاة القاعد؟ ).

هذا. وسجود السهو مشروع بالسنة وإجماع الأمة. قال الإمام أحمد: يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد؛ سلم من ثلاثٍ فسجد، وفي الزيادة والنقصان قام من اثنتين ولم يتشهد. قاله ابن قدامة في المغنى. ثم الكلام هنا في فرعين. 1 - حكم سجود السهو: هو واجب " لما روى" منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال إبراهيم: فلا أدري زاد أم نقص؟ - فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا. فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين. أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬1) {390}. "ولحديث" عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) ص 216 ج 1 الفتح الرباني. وص 341 ج 1 فتح الباري (التوجه نحو القبلة حيث كان) وص 61 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) وص 145 ج 6 المنهل العذب (إذا صلى خمساً) وص 184 ج 1 مجتبي (التحري) وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك في صلاته فتحرى الصواب) (فلا أدري .. إلخ) أي أن إبراهيم النخعي شك في سبب سجود السهو، أكان الزيادة أم النقصان؟ لكن في رواية الحكم عن إبراهيم انه صلى خمساً جازماً بالزيادة: ولعل إبراهيم شك حين حدث منصوراً وتيقن لما حدث الحكم. ويأتي حديث الحكم رقم 400 ص 298 (من قام لزائدة تاركاً القعود الأخير). (فثنى رجليه ... إلخ): أي حولهما عن حالتهما إلى حالة صالحة للسجود، وفي الكلام تقديم وتأخير والأصل فاستقبل القبلة وثنى رجليه، وفي رواية أبى داود: فثنى رجله.

من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬1) {391} وفي سنده مصعب بن شيبة مختلف فيه، "ولحديث" علقمة عن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله، أزيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: فإنك قد صليت خمساً. فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين. أخرجه مسلم (¬2) {392} (وللأمر) في هذه الأحاديث قال الحنفيون: سجود السهو واجب، يأثم المصلي بتركه ولا تبطل الصلاة بتركه، وعليه الإعادة خروجاً من الإثم (ومحل) وجوبه إذا كان الوقت صالحاً لأداء الصلاة وإلا فلا، كمن لزمه سجود في صلاة الصبح ولم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام؛ فإنه يسقط عنه السجود. وكذا إذا احمرت الشمس قبل الغرب وقد سلم من العصر، أو طرأ بعد السلام منافٍ يقطع البناء؛ كأن أحدث عمداً أو تكلم أو خرج من المسجد بعد السلام ثم تذكر السهو، فيسقط عنه سجود السهو فيما ذكر. ولا تجب عليه إعادة الصلاة إلا إذا سقط السجود بتعمد عملٍ منافٍ للصلاة فتجب الإعادة. (وقالت) الحنبلية: سجود السهو واجبٌ ومندوبٌ ومباحٌ (فيجب) "لترك" واجبٍ من واجباتِ الصلاةِ سهواً "ولزيادة" فعليةٍ كقيامٍ ¬

(¬1) ص 157 ج 4 الفتح الرباني، وص 160 ج 6 المنهل العذب (من قال بعد التسليم) وص 185 ج 1 مجتبي (التحري). (¬2) ص 65 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) و (توشوش) روى بالمعجمة وبالمهملة، ومعناه تحركوا.

وقعودٍ في غير محلهما سهواً "وللشك" في ترك ركن أو في عدد الركعات "والمحن" في القراءة يغير المعنى سهواً أو جهلاً. فلو ترك السجود حينئذ عمداً بطلت صلاته إن كان قبلياً ولا تبطل إن كان بعدياً، لأنه خارجٌ عن الصلاة جابر لها. وإن تركه سهواً قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل عرفاً. ولو انحرف عن القبلة أو تكلم. وإن طال الفصل أو خرج من المسجد أو أحدث؛ لم يسجد وصحت صلاته. (ويندب) لزيادةٍ قوليةٍ كالقراءة في الركوع والسجود، والتشهد في القيام، وقراءة السورة في غير الأوليين من الرباعية والمغرب سهواً (ويباح) لترك سنة من سنن الصلاة سهواً. (وقالت) الشافعية: سجود السهو سنة إلا لمأموم سجد إمامه فيجب عليه السجود تبعاً وإلا بطلت صلاته. وهو مشهور مذهب المالكية لا فرق عندهم بين السجود القبلي والبعدي. وقال بعضهم بوجوب القبلي. 2 - سبب سجود السهو: اختلف الفقهاء في أسباب سجود السهو (فأسبابه) عند الحنفيين ثلاثة: (الأول) ترك واجب أصليّ من واجبات الصلاة سهواً (¬1) "كترك" قراءة الفاتحة أو أكثرها في إحدى أولي الفرض، ومن إحدى ركعاتِ الواجب والنفل. وكذا إن ترك منها آية عند الإمام "وترك" قراءة السورة مما تجب فيه الفاتحة "وقراءة" آية في غير محلها كركوعٍ وقعودٍ "وركوع" قبل القراءة؛ فإن تقديم القراءة على الركوع واجبٌ لا فرضٌ "والجهر" في غير محله "والإسرار" في غير محله بقدر ما تصح به الصلاة على الأصح عندهم "وزيادة" فعل من جنس الصلاة كزيادة ¬

(¬1) (سهواً) أما إذا تركه عمداً فلا يجبر بالسجود بل بإعادة الصلاة، كما تقدم في بحث "واجبات الصلاة" وخرج بالواجب الأصلي غيره كترتيب السور فإنه لو تركه لا يلزمه سجود.

ركوع أو سجود أو قايم أو قعود، لأنه لا يخلو عن ترك واجبٍ أو تأخيره عن محله. (الثاني) متابعة الإمام في السجود، فيلزم المأموم سجود السهو لسهو إمامه إذا سجد وإن لم يكن مقتدياً به وقت السهو، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد وسجد الصحابة معه. (الثالث) الشك في أثناء الصلاة على ما سيأتي بيانه (قال) علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني: سبب وجوبه ترك الواجب الأصلي ساهياً؛ لأن كل ذلك يوجب نقصاناً في الصلاة، فيجب جبره بالسجود. ويخرج على هذا الأصل مسائل. (وجملة) الكلام فيه أن الذي وقع السهو عنه لا يخلو: إما أن يكون من الأفعال، وإما أن يكون من الأذكار؛ فإن كان من الأفعال بأن قعد في موضع القيام، أو قام في موضع القعود: سجد للسهو، لوجود تغيير الفرض وهو تأخير القيام عن وقته أو تقديمه على وقته مع ترك الواجب وهو القعدة الأولى. (وكذا) إذا ركع في موضع السجود، أو سجد في موضع الركوع، أو ركع ركوعين، أو سجد ثلاث سجداتٍ؛ لوجود تغيير الفرض عن محله أو تأخير الواجب (وكذا) إذا ترك سجدة من ركعةٍ فتذكرها في آخر الصلاة، سجدها وسجد للسهو؛ لأنه أخرها عن محلها الأصليّ (وكذا) إذا قام إلى الخامسة قبل أن يقعد قدر التشهد أو بعد ما قعد، عاد وسجد للسهو لوجود تأخير الفرض عن وقته الأصليّ وهو القعدة الأخيرة، أو تأخير الواجب وهو السلام.

(ولو زاد) على قراءة التشهد في القعدة الأولى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكر في أمالي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن عليه سجود السهو. وعند الصاحبين لا يجب، لأنه لو وجب عليه سجود السهو لوجب لجبر النقصان، لأنه شرع له، ولا يعقل تمكن النقصان في الصلاة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو حنيفة يقول: لا يجب عليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بل بتأخير الفرض وهو القيام، إلا أن التأخير حصل بالصلاة، فيجب عليه من حيث إنه تأخير، لا من حيث إنه صلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (¬1)، ثم قال: وأما الأذكار التي يتعلق سجود السهو بها فأربعة: القراءة والقنوت، والتشهد وتكبيرات العيدين (¬2) وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (وأسبابه) عند المالكية ثلاثة: زيادة ركن سهواً فأكثر على ما تقدم بيانه. والشك في الزيادة والنقصان على ما سيأتي بيانه. وترك سنة من السنن المؤكدة، وهي السورة بعد الفاتحة، والجهر فيما يجهر فيه، والسر فيما يسر، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الأول أو الثاني، وثلاث من تكبيرات الانتقال. (وقالت) الشافعية: سبب سجود السهو زيادة ونقصان. فأما الزيادة فضربان: قول وفعل (فالقول) أن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، أو يتكلم ناسياً، أو يقرأ في غير موضع القراءة (والفعل) ضربان: أحدهما ما لا يبطل عمده الصلاة فلا سجود فيه، والآخر ما يبطل عمده وهو ضربان: متحقق ومتوهم (فالمتحقق) أن يزيد ركعةً، أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود، أو يطيل القيام بنية القنوت في غير ¬

(¬1) ص 164 و 166 ج 1 بدائع الصنائع (سبب وجوب سجود السهو). (¬2) ص 164 و 166 ج 1 بدائع الصنائع (سبب وجوب سجود السهو).

موضعه، أو يزيد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً سهواً (والمتوهم) أن يشك أصلي ركعةً أم ركعتين؟ (والنقصان) أن يترك سنة مقصودة وهي شيئان: ترك التشهد الأول وترك القنوت. أفاده النووي في المجموع. (وقالت) الحنبلية: سبب السجود زيادة ونقص سهواً، وشك في بعض صوره. (فالزيادة) فعلية وقولية. فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة سهواً كقيام وركوع وسجود وجلوس ولو قدر جلسة الاستراحة، وجب السجود. وإن زاد قولاً سهواً كأن قرأ في غير محل القراءة، أو تشهد في غير محل التشهد، ندب له السجود. (والنقص) يكون بترك ركن أو واجبٍ سهواً. فمنْ نسي ركناً غير التحريمة، فإن تذكره قبل الشروع في قراءة الركعة التي بعدها، عاد لزوماً وأتى به وبما بعده من الأركان والواجبات- لوجوب الترتيب- وسجد للسهو في آخر الصلاة، فإن لم يعد عمداً بطلت صلاته لتركه الواجب عمداً، وإن لم يعد سهواً أو جهلاً بطلت الركعة فقط، وإنْ لم يتذكره حتى شرع في قراءة الركعة التالية، بطلت الركعة التي تركه منها، وحلت ما بعدها محلها، وسجد للسهو وجوباً، ولا يرجع إلى ما تركه؛ فإن رجع إليه عالماً عامداً بطلت صلاته، لتركه الواجب عمداً وإن رجع سهواً أو جهلاً لم تبطل صلاته. (ومن) نسي التشهد الأول وحده أو نسيه مع الجلوس له وقام، لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائماً، وسجد للسهو في آخر الصلاة. وإن استتم قائماً ولم يقرأ، فالأولى عدم الرجوع. فإن عاد كره، وغن قرأ لم يجز له الرجوع، ويلزمه السجود لذلك كله.

السبب الأول: الزيادة في الصلاة

(وأما) الشك، فسيأتي بيانه في بحثه إن شاء الله تعالى. (تنبيه) علم مما تقدم أن أسباب سجود السهو: الزيادة والنقص ومتابعة الإمام والشك. وهاك بيانها بالتفصيل. السبب الأول: الزيادة في الصلاة ما يزاد فيها فعل وقول (أ) فزيادة الفعل ثلاثة أقسام: (الأول) ليس من أعمالها ولا لإصلاحها، ولا لدفع الأذى كالحك والتروح والمشي لغير وضوء لمن سبقه الحدث. فهذا تبطل الصلاة بكثيرة دون يسيره عمداً أو سهواً وليس له سجود. (الثاني) ما ليس من جنسها ولا يبطلها عمده كالالتفات والخطوة والخطوتين والضربة والإقعاء في الجلوس، ووضع اليد على الفم والخاصرة والتفكر في الصلاة، والنظر إلى ما يلهي، ورفع البصر إلى السماء، وكف الثوب والشعر، ومسح الحصا، والتثاؤب، والعبث بلحيته، ونحوه مما تقدم في مكروهات الصلاة (¬1) فهذا كله لا سجود لعمده ولا لسهوه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعلام الخميصة فقال: شغلتني أعلامها. وتذكر تبراً كان عنده في الصلاة، وحمل الحسن أو الحسين وأمامة بنت أبي العاص ووضعهم، وخلع نعليه في الصلاة (¬2)، ولم يسجد لشيء من ذلك. (الثالث) ما كان من جنس الصلاة، كأن يركع قبل القراءة سهواً فيلزمه إعادة الركوع بعدها ثم يسجد للسهو، وكأن يقوم في موضع ¬

(¬1) انظر ص 169 وما بعدها ج 3 دين طبعة ثانية. (¬2) حديث الخميصة تقدم رقم 252 ص 183 ج 3 (مكروهات الصلاة) وحديث حمل الحسن أو الحسين تقدم رقم 198 ص 157 وحديث حمل أمامة تقدم رقم 199 ص 157 (ما يباح في الصلاة) وحديث خلع النعل تقدم رقم 208 ص 161 ج 3 دين (ما يباح في الصلاة).

الجلوس أو يجلس في موضع القيام أو يزيد ركعةً. فهذا تبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه "لحديث" إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإما زاد أو نقص- قال إبراهيم: وأيم الله ما جاء ذلك إلا من قبلي- قال: فقلنا: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: لا فقلنا له الذي صنع. فقال: إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين، ثم سجد سجدتين. أخرجه مسلم (¬1) {393}. "ولحديث" الأسود عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الظهر أو العصر خمساً ثم سجد سجدتي السهو، ثم قال: هاتان السجدتان لمن ظن منكم أنه زاد أو نقص. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وأحمد. وهذا لفظه (¬2) {394}. (وهذا) يشمل عدة أمور (منها) الجلوس في غير موضعه سهواً قدر جلسة الاستراحة، فيجب السجود عند الحنفيين وكذا عند الحنبلية على المشهور. (قال) ابن قدامة: وإذا جلس في غير موضع التشهد قدر جلسة الاستراحة. فقال القاضي: يلزمه السجود سواءٌ أقلنا جلسة الاستراحة مسنونة أم لم نقل ذلك، لأنه لم يردها بجلوسه، إنما أراد غيرها، وكان سهواً. ويحتمل ألا يلزمه لأنه فعل لو تعمده لم تبطل صلاته، فلا يسجد لسهوه كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة (¬3)، وبهذا قالت الشافعية. (ويسن) السجود عند المالكية. ¬

(¬1) ص 67 ج 5 نووي مسم (السهو في الصلاة والسجود له). (¬2) ص 154 ج 4 الفتح الرباني، وص 66 ج 5 نووي مسلم، وص 186 ج 1 مجتبي (ما يفعل من صلى خمساً). (¬3) ص 687 ج 1 مغنى (الجلوس في غير موضع التشهد).

أما لو زاد الجلوس سهواً على قدر الاستراحة فإنه يسجد له اتفاقاً، وإذا جلس في موضع قيام بأن يجلس عقيب الأولى أو الثالثة يظن أنه موضع التشهد أو جلسة الفصل، فمتى ما تذكر قام، وإن لم يتذكر حتى قام، أتم صلاته وسجد للسهو، لأنه زاد في الصلاة من جنسها ما لو فعله عمداً أبطلها، فلزمه السجود إذا كان سهواً كزيادة ركعة. (ومنها) القيام في غير موضعه سهواً فيطلب السجود عند الأئمة الأربعة والجمهور "لعموم" حديثِ علقمةَ بن قيس عن عبد الله قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص. فقيل: يا رسول الله، أزيد في الصلاة شيءٌ؟ فقال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيَ أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالسٌ. ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدتين. أخرجه مسلم (¬1) {395}. "ولحديث" ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهوٍ سجدتان بعد ما يسلم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في، السنن، وقال: هذا إسنادٌ فيه ضعف. وقال في المعرفة: تفرد به إسماعيل ابن عياش وليس بالقوي (¬2) {396}. (ورد) "أولاً" بأن أبا داود أخرجه فسكت عنه. فهو صالح عنده "وثانياً" أن إسماعيل بن عياش وثقه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما. هذا. والقيام في موضع الجلوس تحته ثلاث صور: (الأولى) القيام للثالثة بلا تشهد سهواً، فإن تذكر وهو للقعود أقرب بأن لم ينتصب النصف الأسفل، عاد ولا يسجد للسهو في الأصح ¬

(¬1) ص 66 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له). (¬2) ص 115 ج 4 الفتح الرباني، وص 196 ج 6 المنهل العذب (من نسي أن يتشهد وهو جالس) وص 190 ج 6 سنن ابن ماجه (من سجدها بعد السلام).

عند الحنفيين. وإن تذكر وهو للقيام أقرب بانتصاب النصف الأسفل، لزمه العود والسجود للسهو. وإن لم يتذكر حتى استوى قائماً لا يعود، لاشتغاله بفرض القيام وسجد للسهو، لتركه القعود الأول، وإن عاد بعد ما استوى قائماً لا تفسد صلاته على الصحيح عندهم، لأن زيادة ما دون الركعة لا يفسد الصلاة ويسجد للسهو "لقول" قيس بن أبي حازم: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فقام في الركعتين فسبح الناس خلفه، فأشار إليهم أن قوموا. فلما قضى صلاته وسجد سجدتي السهو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استتم أحدكم قائماً فليصل ويسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائماً، فليجلس ولا سهو عليه. أخرجه الطحاوي. وكذا أحمد عن المغيرة قال: أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر، فقام. فقلنا: سبحان الله. فقال: سبحان الله. وأشار بيده، يعني قوموا، فقمنا. فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثم قال: إذا ذكر أحدكم قبل أن يستتم قائماً فليجلس، وإذا استتم قائماً فلا يجلس. وأخرجه أبو داود عن المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس. وإن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو. وأخرج نحوه ابن ماجه (¬1) {397} وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف جداً. وقال شعبة: صدوق في الحديث. ووثقه وكيع. (وبهذا) قال الحنفيون فيمن سها في الفرض والوتر. أما من سها في النفل فقام لثالثة بلا تشهدٍ فإنه بعود ما لم يقيد ما قام إليها بسجدة. ¬

(¬1) (ص 225 ج 1 شرح معاني الآثار 0 سجود السهو أهو قبل السلام أم بعده) وص 152 ج 4 الفتح الرباني، وص 164 ج 6 المنهل العذب (من نسي أن يتشهد وهو جالس) وص 88 ج 1 سنن ابن ناجه (من قام من اثنتين ساهياً).

(وبه) قالت الشافعية في الفرض والنفل، إلا أنهم قالوا: إن عاد بعد أن استقل قائماً عامداً عالماً تبطل صلاته على الصحيح عندهم (قال) النووي في المجموع: سبق أن فوات التشهد الأول أو جلوسه يقتضي سجود السهو. فإذا نهض من الركعة الثانية ناسياً للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ثم نهض ناسياً ثم تذكر، فله حالان: (أحدهما) أن يتذكر بعد الانتصاب قائماً فيحرم العود إلى القعود، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور (ودليله) حديث المغيرة. وفيه وجه شاذ أنه يجوز العود ما لم يشرع في القراءة (والصواب) تحريم العود، فإن عاد معتمداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته، وإن عاد ناسياً لم تبطل، ويلزمه أن يقوم عند تذكره ويسجد للسهو، ويكون سجود السهو هنا لزيادةٍ ونقصٍ، لأنه زاد جلوساً في غير موضعه وترك التشهد والجلوس في موضعه. وإن عاد جاهلاً بتحريمه فوجهان (أصحهما) أنه كالناسي، لأنه يخفى على العوام. (والثاني) أنه كالعامد، لأنه مقصر بترك التعلم. هذا حكم المنفرد والإمام في معناه، فلا يجوز العود بعد الانتصاب. ولا يجوز للمأموم أن يتخلف عنه للتشهد؛ فإنْ فعل بطلت صلاته؛ فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقاً بعذر. ولو انتصب مع الإمام فعاد الإمام للتشهد لم يجز للمأموم العود، بل ينوي مفارقته. وهل له أن ينتظره قائماً حملاً على أنه عاد ناسياً؟ فيه وجهان (أصحهما) له ذلك. فلو عاد المأموم مع الإمام عالماً بتحريمه، بطلت صلاته. وإن عاد ناسياً أو جاهلاً لم تبطل، ولو قعد المأموم فانتصب الإمام ثم عادَ، لزم المأموم القيام، لأنه توجه

عليه بانتصاب الإمام. ولو قعد الإمام للتشهد الأول وقام المأموم ناسياً أو نهض فتذكر الإمام فعاد قبل الانتصاب وانتصب المأموم، فثلاثة أوجه (أصحهما) يجب على المأموم العود إلى التشهد لمتابعةِ الإمام، لأنها آكد، ولهذا سقط بها القيام والقراءةَ عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً، فإن لم يعد بطلت صلاتُه، ولو قام المأموم عمداً، حرم عليه العوْد كما لو رَكَعَ قبل الإمام أوْ رفع قبله فإنه يحرم العوْد؛ فإن عادَ بطلت صلاتُه، لأنه زاد ركناً عمداً فلو فعله سهواً بأن سمع صوتاً فظنَّ أنَّ الإمام ركعَ فركعَ فبانَ أنه لم يركع. ففي جواز الرجوع وجهان (أصحهما) لا يجب بل يتخير بين الرجوع وعدمه. (الحال الثاني) أن يتذكر قبل الانتصاب قائماً (قال) الشافعي وأصحابه: يرجع إلى القعود. وإذا عام قبل الانتصاب لا يسجد للسهو على الأصح. "لحديث" ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سهو إلا في قيامٍ عن جلوسٍ أو جلوسٍ عن قيامٍ. رواه الحاكم وادعى أن إسناده صحيح {398} وليس كما ادعى، بل هو ضعيف تفرد به أبو بكر العنسي "بالنون" وهو مجهول. وما ذكرناه في الحالين هو فيما إذا ترك التشهد ناسياً ونهض. فأما إذا تعمد ذلك ثم عاد بعد أن صار إلى القيام أقرب بطلت صلاته. وإن عاد قبله لم تبطل (¬1) اهـ ملخصاً. (وقالت) المالكية: منْ قام تاركاً التشهد الأول ناسياً يرجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود عليه. وإن فارق الأرض بما ذكَر ¬

(¬1) ص 130 - 135 ج 14 شرح المهذب (فرع في سجود السهو فيه مسائل) وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي قال الشوكاني: وهو ضعيف، ص 147 ج 3 نيل الأوطار (من نسي التشهد الأول .... )

لا يرجع ويسجد للسهو. وإن رجع ولو بعد أن قام وقرأ بعض الفاتحة؛ لا تبطل الصلاة على الراجح، أما إن رجع بعد قراءتها كلها، بطلت صلاته. (وقالت) الحنبلية: من قام ناسياً التشهد الأول، له الرجوع ما لم يشرع في القراءة. وقيل متى انتصب قائماً لا يرجع (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: القيام في موضع الجلوس في ثلاث مسائل: (الأولى) أن يذكر التشهد الأول قبل اعتداله قائماً فيلزمه الرجوع إلى التشهد. وبه قال الاوزاعي والشافعي وابن المنذر. (وقال) مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضى. ولنا ما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس، فإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو. رواه أبو داود وابن ماجه (¬1) ولأنه أخل بواجب ذكره قبل الشروع في ركن مقصود، فلزمه الإتيان به كما لو لم تفارق أليتاه الأرض. (الثانية) أن يذكر التشهد بعد اعتداله قائماً وقبل شروعه في القراءة. فالأولى له ألا يجلس، وإن جلس جاز. نص عليه أحمد. (الثالثة) ان يذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع ويمضي في صلاته في قول أكثر أهل العلم (وقال) الحسن: يرجع ما لم يركع وليس بصحيح، لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في الركوع. اهـ ملخصاً (¬2) (وعن) عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين: من الظهر لم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 389. (¬2) ص 680 - 682 ج 1 مغنى (مواضع السجود السهو).

وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم. أخرجه مالك والسبعة (¬1) {399}. (ومما) تقدم تعلم أن الراجح ما دل عليه حديث المغيرة ونحوه من أنه متى انتصب قائماً لا يعود (وهذا) كله في حق الإمام والمنفرد. أما المأموم فلو ترك التشهد ناسياً وجلس إمامه، وجب عليه الرجوع مطلقاً لمتابعة إمامه. (وبه) قالت الأئمة الثلاثة. وهو الراجح عند الشافعية على ما تقدم بيانه. (الصورة الثانية) القيام من السجدة الأولى تاركاً الجلوس بين السجدتين سهواً. فإن تذكر قبل أن يسجد في الركعة الثانية، لزمه الرجوع لما تركه ثم يأتي بما بعده. فإن تذكر بعد السجود في ركعةٍ أخرى حسب عن الجلوس المتروك وألغي ما بينهما وسجد للسهو في الحالين وهذا مذهب الشافعية ورواية عن أحمد. (وقالت) المالكية: إنْ تذكر قبل الرفع من ركوع الركعة الثانية عاد لما تركه وألغي ما بعده، وإلا استمر في صلاته وألغي الركعة التي ترك سجودها وأتم صلاته ثم سجد للسهو. (وقال) الحنفيون: من قام من السجدة الأولى تاركاً الثانية سهواً قضاها متى تذكرها. ولا يلزمه إعادة ما فعله بعدها. ولو أخر قضاءها إلى آخر الصلاةِ ولو بعد السلام قبل أن يأتي بمنافٍ، صحَّ وأعاد القعدة وسجدَ للسهو. (قال) العلامة الحلبي: اعلم أن المشروع فرضاً في الصلاة أربعة أنواع: ما يتحد في كل صلاةٍ كالقعدةِ الأخيرة، أو في كل ركعةٍ كالقيام ¬

(¬1) ص 175 ج 1 تيسير الوصول (سجود السهو) وص 150 ج 4 الفتح الرباني، وص 188 ج 1 سنن ابن ماجه (من قام من اثنتين ساهياً) ولفظ النسائي تقدم رقم 245 ص 185 ج 2 دين و (بحينة) اسم أمه لا جده.

والركوع. وما يتعددُ في كلها كالركعات، أو في كل ركعةٍ كالسجود. فالترتيب شرطٌ بين ما يتحد في كل الصلاة وبين ما سواه، حتى لو تذكر - بعد القعدة الأخيرة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمنافٍ- ركعة أو سجدة صلبية أو سجدة تلاوة، فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو. وكذا لو تذكر ركوعاً قضاه وقضى ما بعده من السجود، أو قياماً أو قراءةً صلى ركعةً تامةً وأعادَ القعدةً. وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعةٍ كالقيام والركوع وبين ما بعده، ولذا قلنا آنفاً في ترك القيام وحده: يصلي ركعةً تامةً. وأما الترتيب بين ما يتكرر في كل الصلاةِ كالركعات، فواجب إلا لضرورةِ الاقتداء حيث يسقط به الترتيب، فإنَّ المسبوق يصلي بعض ما تأخر من الركعات قبل ما قبله (¬1)، وكذا الترتيب بين ما يتكرر في كل ركعةٍ كالسجود وبين ما بعده واجب؛ حتى لو ترك سجدةً من ركعة ثم تذكرها فيما بعدها من قيامٍ أو ركوعٍ أو سجدةٍ، فإنه يقضيها ولا يقضي ما فعله قبل قضائها مما هو بعد ركعتها من قيامِ أو ركوعٍ أو سجودٍ، بل يلزمه سجود السهو فحسب، لكن اختلف في لزوم قضاء ما تذكر فقضاها فيه، كما لو تذكر وهو راكع أو ساجد أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها فإنه يسجدها. وهل يعيد الركوع أو السجود المتذكر فيه؟ ففي الهداية: أنه لا يجب إعادته، بل تستحب معللاً بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال. وفي فتاوى قاضيخان أنه يعيده ولو لم يعده فسدت صلاته، معللاً بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان، لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض بخلاف ما لو تذكر ¬

(¬1) بيانه أن ما أمركه المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته وما يقضيه فهو أولها عند أبي حنيفة. وعليه فقد صلى آخر الصلاة قبل أولها.

السجدة بعد ما رفع من الركوع؛ لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض اهـ (¬1). (والمعتمد) ما في الهداية فقد جزم به في الكنز وغيره في آخر باب الاستخلاف، وصرح في البحر بضعف ما في الخانية. قاله ابن عابدين. (وقال) علاءُ الدين الكاساني: إذا سلم وهو ذاكر أن عليه سجدة صلبية فسدت صلاته وعليه الإعادة، وإن كان ساهياً لا تفسد. ثم إن سلم وهو في مكانه ولم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم، يعود إلى قضاء ما عليه. ولو اقتدى به رجل، صح اقتداؤه وتابعه في السجدة والتشهد دون السلام وبعد السلام يتابعه في سجود السهو. وإن لم يعد الإمام إلى قضاء السجدة فسدت صلاته وصلاة المقتدى. أما إذا صرف وجهه عن القبلة، فإن كان في المسجد ولم يتكلم. فكذلك الجواب استحساناً، لأن المسجد كله في حكم مكانٍ واحد، وصرف الوجه عن القبلة مفسدٌ في غير حالةِ العذر والضرورة بخلاف الكلام؛ لأنه مضاد للصلاة مطلقاً. وإن كان خرجَ من المجد ثم تذكر لا يعود وتفسد صلاته، لأن الخروج من مكان الصلاة مانعٌ من البناءِ، وقد بقي عليه ركن من أركان الصلاةِ فيلزمه استئنافها (وأما إذا كان) في الصحراء فإن تذكر قبل مجاوزة الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره، عاد إلى قضائه ما عليه وإلا فلا. وإن مشى أمامه سترة، عادَ ما لم يجاوز محل سجوده على الأصح، وإن سلم وعليه سجدة تلاوة ذاكراً لها، سقطت عنه ولا تفسد صلاته، لأنه لم يبق عليه ركن من أركانها، لكنها تنقص لترك الواجب (وإن سلم) ساهياً عنها، لا تسقط، لأن سلام السهو لا يخرجه من الصلاة. ثم الأمر في العود إلى ¬

(¬1) ص 297 غنية التملي (واجبات الصلاة).

قضاء سجدة التلاوة على التفصيل الذي ذكرناه في الصلبية. غير أن هنا لو تذكرها بعد ما خرج من المسجد أو جاوز الصفوف، سقطت عنه ولا تفسد صلاته. هذا. والعود إلى السجدة الصلبية وسجدة التلاوة يرفع التشهد حتى لو أتى بمنافٍ للصلاة عمداً، فسدت صلاته بخلاف العود إلى سجدتي السهو. اهـ ملخصاً (¬1). (وحاصل) مذهب الحنبلية أنَّ منْ قام من السجدة الأولى ساهياً، فإن تذكر قبل الشروع في القراءة لزمه الرجوع للجلوس بين السجدتين ثم السجود. وإن لم يتذكر إلا بعد الشروع في قراءة الركعة التي تليها بطلت الركعة السابقة وحلت محلها اللاحقة (قال) أبو محمد عبد الله ابن قدامة (الصورة الثانية) قام من السجدة الأولى ولم يجلس للفصل بين السجدتين، فهذا قد ترك ركنين: جلسة الفصل والسجدة الثانية فلا يخلو من حالين: (أحدهما) أن يذكر قبل الشروع في القراءة فيلزمه الرجوع. وهذا قول مالك والشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً. فإذا رجع فإنه يجلس جلسة الفصل ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يقوم إلى الركعة الأخرى. فأما إن كان جلس للفصل ثم قام ولم يسجدن فإنه يسجد ولا يلزمه الجلوس. فإن كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس جلسة الاستراحة لم يجزه عن جلسة الفصل، لأنها هيئة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك سجدةً من ركعةٍ ثم سجد للتلاوةِ، وهكذا الحكم في ترك ركن غير السجود مثل الركوع أو الاعتدال عنه، فإنه يرجع إليه متى ما ذكره قبل الشروع في قراءة الركعة الأخرى فيأتي به ثم بما بعده، لأن ¬

(¬1) ص 168 ج 1 بدائع الصنائع (بيان المتروك ساهياً هل يقضي؟ ).

ما أتى به بعده غير معتد به لفوات الترتيب. (الحال الثاني) ترك ركناً إما سجدةً أو ركوعاً ساهياً ثم ذكره بعد الشروع في قراءة الركعة التي تليهن بطلت الركعة التي ترك الركن منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها (قال) الأثرم: سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه إنما سجد للركعة الأولى سجدةً واحدةً، فقال: إن كان أول ما قام قبل أن يحدث عمله للأخرى، فإنه ينحط ويسجد ويعتد بها. وإن كان أحدث عمله للأخرى ألغى الأولى وجعل هذه الأولى. قلت: يستفتح أو يجزيء الاستفتاح الأول؟ قال: لا يستفتح ويجزئه الأول. قلت: فنسي سجدتين من ركعتين قال: لا يعتد بتينك الركعتين والاستفتاح ثابت. وهذا قول إسحاق (وقال) الشافعي: إذا ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية، فإنه يعود إلى السجدة الأولى، وإن ذكره بعد سجوده في الثانية، وقعتا عن الأولى، لأن الركعة الأولى قد صح فعلها، وما فعله في الثانية سهواً لا يبطل الأولى، كما لو ذكر قبل القراءةِ. وقد ذكر أحمد هذا القول عن الشافعيّ وقربه وقال: هو أشبه يعني من قول أصحاب أبى حنيفة، إلا أنه اختار القول الذي حكاه عنه الأثرم (وقال) مالك: إن ترك سجدةً فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغي الأولى (وقال) الأوزاعي: يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها (وقال) أصحاب الرأي: فيمن نسي أربع سجداتٍ من أربع ركعاتٍ ثم ذكرها في التشهد سجدَ في الحال أربع سجداٍ وتمت صلاته، فإنْ مضَى في موضع يلزمه الرجوع، أو رجع في موضع يلزمه المضي عالماً بتحريم ذلك فسدت صلاته؛ لأنه ترك واجباً في الصلاة عمداً. وإن فعل

ذلك معتقداً جوازه لم تبطل؛ لأنه تركه من غير تعمدٍ فأشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك، لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع، فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم يذكره إلا بعد شروعه في قراءةِ غيرها فلم يعد إلى الصحة بحال (¬1). (الصورة الثالثة) إذا قام في آخر الصلاة لزائدةٍ تاركاً القعود الأخير، رجع إليه متى ذكره وسجد للسهو "لحديث" الحكم عن إبراهيم عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً. فسجد سجدتين بعد ما سلم. أخرجه السبعة (¬2) {400} (وفيه) دلالة على أن من زاد في صلاته ركعةً ناسياً لا تبطل صلاته (وبهذا) قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور السلف والخلف. فإن علم بعد السلام فقد تمت صلاته ويسجد للسهو إذا تذكر عن قرب، وإن طال فالأصح عند الشافعية أنه لا يسجد للسهو إذا تذكر عن قرب، وإن طال فالأصح عند الشافعية أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود وغن كان قائماً أو راكعاً أو ساجداً ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم. (وقالت) المالكية: إذا تذكر الزيادة بعد السلام يسجد للسهو، ولو طال الفصل. ¬

(¬1) ص 683 ج 1 مغنى (من ترك ركناً من الصلاة). (¬2) ص 53 ج 4 الفتح الرباني، وص 61 ج 3 فتح الباري (إذا صلى خمساً) وص 64 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة) وص 144 ج 6 المنهل العذب (إذا صلى خمساً ... ) وص 185 ج 1 مجتبي (ما يفعل من صلى خمساً) وص 304 ج 1 تحفة الأحوذي (في سجدتي السهو بعد السلام والكلام) وص 188 ج 1 سنن ابن ماجه (من صلى الظهر خمساً .. )

(وقال) الحنفيون: من سها عن القعود الأخير فقام لركعةٍ أخرى، عاد إليه لزوماً ما لم يسجد فيما قام إليها وسجد للسهو لتأخيره فرض القعود فإن سجد فيما قام إليها ولو ناسياً بطل فرضه وتحول نفلاً على المفتي به، لاستحكام شروعه في النافلة قبل إتمام فرائض المكتوبة، ويضم إلى ما صلاه ركعة في غير المغرب إن شاء، فلو لم يضم صار الشفع الأول نفلاً وبطل الثاني، ولا يسجد للسهو، لأن ترك الفرض لا يجبر بالسجود. وفي المغرب يسلم على رأس الأربع ولا يزيد خامسة لكراهة التنفل بالوتر. (وإن قعد) القعود الأخير قدر التشهد ثم قام سهواً، عاد ندباً وسلم ما لم يسجد في الخامسة، وإن سلم قائماً صح مع الكراهة، لن السلام في الصلاة لم يشرع حال القيام، وينتظره القوم؛ فإن عاد قبل السجود تابعوه، وإن سجد لما قام لها سلموا، لأنه لم يبق عليه إلا السلام وتم فرضه وضم ركعةً أخرى ندباً لما زادها وسجد للسهو في الصورتين استحساناً لتأخير السلام عن محله (وجملة) القل وما ذكره ابن قدامة في المغنى بقوله: متى قام إلى الخامسة في الرباعية أو إلى الرابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح، لزمه الرجوع متى ما ذكر فيجلس، فإن كان قد تشهد عقيب الركعةِ التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم يسلِّم، وإن كان تشهد ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلَّم، وإن لم يكن تشهَّد وسَجَدَ للسهو ثم سلم، فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجَد سجدتين عقيب ذكره وتشهد وسلم وصلاته صحيحة (وبهذا) قال علقمة والحسَن ومالِك والليْث والشافعي. (وقال) أبو حنيفة: إنْ ذكر قبل أن يسجد جلسَ للتشهد، وإن ذكَر بعد السجودِ وكان جلس عقيب الرابعة قدْرَ التشهد، صحت

صلاتُه ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلةً، فإنْ لم يكن جلسَ في الرابعة بطل فرضه وصارتْ نافلةً ولزمه إعادة الصلاة (وقال) قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعاً يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعاً "لقول"النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيدٍ فيمن سجد سجدتين- فإن كانت صلاتُه تامة كانت الركعة والسجدتان نافلةً. رواه أبو داود وابن ماجه (¬1). وفي رواية: فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته. رواه مسلم (¬2) (ولنا) ما روى عبد الله بن مسعود وذكر الحديث (¬3). ثم قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس عقيب الرابعة (¬4) لأنه لم ينقل عنه ولأنه قام إلى الخامسة معتقداً أنه قام ¬

(¬1) هو بعض حديث، ولفظه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبين عل اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان (عطف على الركعة). وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماماً لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان [401] ص 150 ج 6 المنهل العذب (إذا شك في الثنتين والثلاث) وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك في صلاته فرجع إلى اليقين) و (مرغمتي) من أرغم الله أنفه الصقه بالتراب أي أذله وأغاظه، لأنه لبس على المصلي صلاته شرع الله السجود جبراً للصلاة وتداركاً لما لبسه عليه، فرد خاسئاً مبعداً عن مراده وكملت صلاة العبد. (وفي رواية) لأبي داود عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان [402] ص 154 ج 6 المنهل العذب. (¬2) هو بعض حديث لفظه عند مسلم: عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبين على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كأننا ترغيماً للشيطان [403] ص 60 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود له). (¬3) (الحديث) تقدم رقم 39 ص 280 (حكم سجود السهو). (¬4) (والظاهر .... إلخ) رده الحنفيون "بأن ظاهر" الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان قعد قدر التشهد في الرابعة، بدليل قول الراوي: صلى الظهر خمساً، والظهر اسم لجميع أركان الصلاة ومنها القعدة، وإنما قام إلى الخامسة على ظن أنها الثالثة، حملاً لفعله عليه الصلاة والسلام على ما هو أقرب إلى الصواب. "وبأن" عدم إضافته صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى للخامسة لا يدفع مذهب الحنفيين. لأنهم لا يرون هذا الضم لازماً. ولو لم يضر لا شيء عليه، لأنه مظنون. والمظنون غير مضمون. قاله في العناية (وقال) الكمال ابن الهمام في فتح القدير: ولو لم يضم لا شيء عليه وإن كان الضم واجباً، لعدم التنفل بالتوتر، لأنه مظنون الوجوب اهـ. (وقال) في البدائع: والأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى ليصيرا نفلاً إلا في العصر. اهـ.

عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا، ولم يضف إلى الخامسة أخرى. وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضاً فإنه جعل الزائدة نافلة من غير ان يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوسٍ، وجعل السجدتين يشفعانها ولم يضم إليها ركعة أخرى. وهذا كله خلافٌ لما قالوه. فقد خالفوا الخبرين جميعاً (¬1) وقولنا يوافق الخبرين جميعاً. (¬2) (فائدة): قال النووي في شرح مسلم: مذهب الشافعي ومن وافقه أن الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة، سواءٌ قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة. اهـ. (ومشهور) مذهب المالكية: أنه إذا بلغت الزيادة في الثنائية ركعتين وفي الرباعية والثلاثية أربع ركعات، بطلت الصلاة. فإذا كانت أقل من ذلك سجد للسهو بعد السلام ولو كان الزائد سجدة. ¬

(¬1) رد بان الحنفيين لم يخالفوا الحديثين، بل لهم فيما قالوا مدارك: (الأول) أن القعدة الأخيرة فرض عندهم وترك الفرض مبطل للصلاة. (الثاني) أنه صلى الله عليه وسلم لما قام إلى الخامسة بعد القعود صار شارعاً في صلاة أخرى بناء على التحريمة الأولى، لأنها شرط عندهم وليست بركن. (الثالث) أن الصلاة بركعة واحدة منهى عنها عندهم، وعليه فيطلب إضافة ركعة أخرى إليها ليخرج عن التنفل بالبتيراء. (الرابع) أن التسليم في آخر الصلاة غير فرض عندهم كما تقدم في بحث "السلام" فبتركه لا تبطل الصلاة، فمن عرف هذه المدارك لا ينبغي له أن ينسب أهل الفضل إلى مخالفة السنة بعد العلم بها. أفاده البدر العيني على البخاري. (¬2) ص 688 ج 1 مغنى ابن قدامة (من قام إلى خامسة أو رابعة او ثالثة).

(وقال) الحنفيون: إن بلغت الزيادة ركعة ولم يكن قعد القعود الأخير بطلت فرضية الصلاة وإلا فلا. (ب) والزيادة القولية قسمان (¬1): (الأول) ما يبطل عمده الصلاة كالسلام والكلام، فإن سلم في غير موضع السلام ساهياً، أتم صلاته وسجد للسهو اتفاقاً. وكذا إن تكلم ساهياً "لحديث" عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعاتٍ من العصر ثم دخل الحجرة فقام إليه رجلٌ يقال له الخرباق وكان طويل اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ قالوا: نعم. فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬2) {404}. "ولحديث" أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبةٍ في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، فقال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بل قد نسيت، فقال صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين، فأومأوا أي نعم. فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم سجد ¬

(¬1) هذا مقابل زيادة الفعل بص 286. (¬2) ص 148 ج 4 الفتح الرباني، وص 70 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة)، وص 143 ج 6 المنهل العذب (السهو في السجدتين) وص 183 ج 1 مجتبي (الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين) وص 305 ج 1 تحفة الأحوذي (التشهد في سجدتي السهو) وص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً) و (الخرباق) بكسر الخاء وسكون الراء: هو اسم ذي اليدين أو لقب له، واسمه عمير.

مثل سجوده أو أطول. أخرجه مالك والسبعة (¬1) { 405}. (ففي) الحديثين دليلٌ على أن من تكلم في الصلاة سهواً لا تبطل ويسجد للسهو (وبه) قال مالكٌ والشافعيّ وأحمد (قال) في المهذب: الذي يقتضي سجود السهو أمران: زيادة ونقصان، فأما الزيادة فضربان ¬

(¬1) ص 40 ج 4 الفتح الرباني، وص 176 ج 2 تيسير الوصول (سجود السهو)، وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً) و (صلى بنا) ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة "فما قيل" إنه لم يشهدها وأن المراد صلى بالمسلمين "مردود" بهذه الرواية. وبقول أبي هريرة: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، سلم صلى الله عليه وسلم من ركعتين (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم من طريق يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة [406] ص 144 ج 4 الفتح الرباني، وص 70 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة) و (العشي) بفتح فكسر وشد الياء: ما بين الزوال والغروب. و (لم أنس ولم تقصر) أخبر بذلك على حسب اعتقاده صلى الله عليه وسلمن وفي رواية لمسلم: كل ذلك لم يكن (بل نسيت) "لما نفي" صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمرين، ومعلوم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز عليه السهو فيما أمر بتبليغه من الأحكام "جزم" ذو اليدين بوقوع النسيان لا بوقوع القصر، لأنه مما أمر بتبليغه فلا ينساه. (وفي الحديث) دليل على جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال الشرعية. وهو مذهب عامة العلماء (وفائدته) بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره. (أما) الأقوال فنقل القاضي عياض والنووي الإجماع على عدم جواز السهو عليه فيما طريقه البلاغ منها. وأما ما ليس طريقه البلاغ من الأقوال الدنيوية والأخبار التي لا تستند الأحكام إليها ولا تضاف إلى وحي، فقال جماعة: يجوز النسيان عليه فيها، إذ ليست من باب التبليغ الذي يتطرق به إلى القدح في الشريعة. (قال) القاضي عياض: والحق الذي لا مرية فيه ترجيح قول من لم يجز ذلك على الأنبياء في خبر من الأخبار كما لنم يجيزوا عليهم فيها العمد، فإنه لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عن قصد ولا سهو، ولا في صحة ولا مرض، ولا رضا ولا غضب. اهـ. (وهذا) كله مبني على أن النسيان والسهو بمعنى، وهو الذهول عن الشيء تقدمه ذكر أو لم يتقدمه. إما من فرق بينهما فاشترط في النسيان أن يتقدمه ذكر دون السهو، فقال: يمتنع السهو عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأقوال البلاغية وغيرها ويجوز عليه في الأفعال مطلقاً بلاغية أم لا. أما النسيان فممتنع في البلاغيات مطلقاً فعلية أو قولية قبل تبليغهان وبعد التبليغ يجوز عليه ولكن يكون من الله تعالى لا من الشيطان، إذ ليس له عليه سبيل. (وقال) النووي في شرح مسلم: في حديث ذي اليدين فوائد (منها) جواز النسيان في الأفعال والعبادات عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه (ومنها) أن الواحد إذا ادعى شيئاً جرى بحضرة جمع كثير لا يخفى عليهم، سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال. اهـ.

قولٌ وفعلٌ، فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، أو يتكلم، ناسياً، فيسجد للسهو، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين وكلم ذا اليدين وأتم صلاته وسجد سجدتين (¬1). (وقال) الجمهور ومنهم الثوري وابن المبارك والحنفيون: تبطل صلاةُ المتكلم ولو ناسياً أو جاهلاً، لعموم أحاديث النهي عن الكلام في الصلاة كما تقدم في بحث "مبطلات الصلاة" (¬2) (قال) النووي: فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة، فجوابه من وجهين: (أحدهما) أنهم لم يكونوا على يقينٍ من البقاءِ في الصلاة، لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ (والثاني) أن هذا كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابً وذلك لا يبطل عندنا وعند غيرنا (¬3). وفي رواية لأبي داود بسند صحيح أن الجماعةَ أومأُوا، أي نعم. فعلى هذه الرواية لم يتكلموا (فإن قيل) كيف رجع النبي صلى الله عليه ¬

(¬1) ص 124 ج 4 شرح المهذب (الذي يقتضي سجود السهو أمران زيادة ونقصان). (¬2) انظر ص 2 و 3 ج 4 دين (حكم الكلام في الصلاة). (¬3) تقدم في بحث "قطع الصلاة" ص 143 ج 3: أن الصلاة تبطل عن الحنبلية بإجابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الصحيح عند الحنفية، وأنها لا تبطل عند الشافعية إلا إذا زاد في الجواب على المطلوب. والمعتمد عند المالكية عدم البطلان (قال) في المهذب: فإن كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه لم تبطل صلاته "لما روي" أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فلم يجبه، فخفف الصلاة وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما منعك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت اصلي. قال: أفلم تجد فيما أوحى إلى: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم"؟ قال: بلى يا رسول الله لا أعود. اهـ، ص 41 ج 4 شرح المهذب (والحديث) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي بمعناه. وأخرجه البخاري والدارمي والبيهقي وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد ابن المعلي بلفظ في بحث "قطع الصلاة" رقم 186 ص 142 ج 3 دين [407].

وسلم إلى قول الجماعة؟ وعندكم (عند الشافعية) لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيرهن إماماً كان أو مأموماً، ولا يعمل إلا على يقين نفسه (فجوابه) أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم. ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنس. وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة سهواً لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهواً. وفي هذه المسألة وجهان: (أصحهما) لا يبطلها لهذا الحديث، فإنه ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الجذع وخرج السرعان. وفي رواية: دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته. (والوجه) الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك. وهذا مشكل. وتأويل الحديث صعبٌ على من أبطلها (¬1). (الثاني) من الزيادة القولية، ما لا يبطل عمده الصلاة (¬2) وهو مشروعٌ فيها كالقراءة والتشهد والجهر في غير محلها. وفيه خلافُ الأئمة. (فعند) الحنفيين أنَّ من واجب الصلاة عدم تأخير الفرض والواجب وعدم تغييرهما. وعليه "فمن" كرر الفاتحة كلها أو أكثرها، أو قرأ السورة في غير أولي الفرض أو قرأ ولو آية في الركوع أو الاعتدال أو السجود أو الجلوس بعده أو في القعود الأخير قبل التشهد لا بعده، أو تشهد بين الفاتحة والسورة، أو كرر التشهد في القعود غير الأخير، ¬

(¬1) ص 73 ج 5 شرح مسلم (السهو في الصلاة والسجود له) و (السرعان) بفتح السين والراء: الناس يتسارعون إلى الشيء. (¬2) هذا مقابل الأول في الزيادة القولية ص 302.

أو جهر في محل السرِّ "وجب" عليه سجود السهو. وكذا إذا صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القعود الأول عند الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين. أخرجه مسلم عن ابن مسعود (¬1). (وقالت) المالكية: لا يطلب السجود فيما ذكر إلا لتكرير الفاتحة والجهرِ في غير محله. (وقالت) الشافعية: لا يسجد فيما ذكر إلا إذا سلم أو قرأ في غير موضع السلام أو القراءة (قال) النووي: "وإذا سلم" في غير موضعه ناسياً، أو قرأ في غير موضع القراءةِ غير الفاتحةِ أو الفاتحة سهواً أو عمداً. إذا قلنا بالصحيح إن قراءتها في غير موضعها عمداً لا تبطل الصلاة "سجد للسهو" (ولنا) وجهٌ ضعيفٌ أن القراءة في غير موضعها لا يسجد لها. وبه قطع العبدري ونقله عن العلماء كافةً إلا أحمد في رواية عنه (¬2). (وعن) أحمد روايتان المشهور أنه يسن السجود لزيادةِ قولٍ مشروع. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: ما لا يبطل عمده الصلاة نوعان: (أحدهما) أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله كالقراءةِ في الركوع والسجود، والتشهد في القيام؛ والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأول، وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب، وما أشبه ذلك إذا فعله سهواً. فعل يشرع له سجود السهو؟ على روايتين: (إحداهما) لا يشرع له سجود، لأن الصلاة لا تبطل بعمده، فلم يشرع السجود لسهوه، كترك سنن ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 392 ص 281 (حكم سجود السهو). (¬2) ص 126 ج 4 شرح المهذب (الذي يقتضي سجود السهو أمران).

الأفعال (والثانية) يشرع له السجود "لقوله" عليه الصلاة والسلام: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالسٌ. رواه مسلم (¬1). فإذا قلنا: يشرع له السجود، فذلك مستحبٌّ غير واجب لأنه جبرٌ لغير واجب فلم يكن واجباً كجبر سائر السنن. (النوع) الثاني: أن يأتي فيها بذكرٍ أو دعاءٍ لم يرد الشرع به فيها، كقوله: آمين رب العالمين؛ وقوله في التكبير: الله أكبر كبيراً، ونحو ذلك، فهذا لا يشرع له السجود، لأنه روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه سمعَ رجلاً يقول في الصلاةِ: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. فلم يأمرهُ بالسجود (¬2). (تنبيهات): (الأول) اشتمل هذا الجزء على أدلة الأحكام من الكتاب مضبوطة مفسرة مبيناً مراجعها. (الثاني) اشتمل على: (أ) 407 سبعة وأربعمائة حديث، المكرر منها ثلاثة عشر حديثاً. (ب) على 62 اثنين وستين أثراً، المكرر منها أثران. (الثالث) قد بين بهامش هذا الجزء أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أدلته ومراجع النصوص العلمية. فلينظر بيانها بصفحتي 375 و 376 من الجزء السابع من (الدين الخالص). والله تعالى ولي التوفيق والهداية. والصلاة والسلام على من أنزل عليه الكتاب، وعلى آله والأصحاب، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. تم بحمد الله تعالى الجزء الخامس من الدين الخالص ويليه إن شاء الله تعالى الجزء السادس، وأوله: (السبب الثاني) لسجود السهو - النقص في الصلاة. ¬

(¬1) هذا بعض حديث عند مسلم عن ابن مسعود ص 66 ج 5 نووي مسلم (السهو في الصلاة والسجود لها). (¬2) ص 676 ج 1 مغنى (حكم الزيادة في الصلاة) والرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه- هو رفاعة بن رافع تقدم حديثه رقم 268 ص 206 ج 2 الدين الخالص طبعة ثانية (ذكر الاعتدال).

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء السادس عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الرابعة 1411 هـ - 1991 م

الطبعة الرابعة 1411 هـ - 1991 م

(السبب الثانى) من أسباب سجود السهو. النقص فى الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب، والصلاة والسلام على سيد الأحباب، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار. هذا والكلام هنا فى بيان بقية أسباب سجود السهو وثمانية أصول وخاتمة. (السبب الثانى) من أسباب سجود السهو. النقص فى الصلاة: أعلم أن المتروك من الصلاة فرض وواجب وسنة وأدب وقد تقدم بيانها. (1) ترك الفرض: الفرض لا ينوب عنه سجود السهو إن تركه سهوا بل لابد من الإتيان به إن أمكن وتذكره قبل سلامه أو بعده ولم يطل الفصل ولم يأت بمناف للصلاة (وذلك) أنه إذا ترك سجده صلبية من ركعة ثم تذكرها، قضاها ولو آخر الصلاة. ولا تلزمه إعادة ما بعدها. وإن أعادة كان أفضل. (وإن ترك) سجدتين قضاهما ويبدأ بالأولى ثم الثانية، لأن القضاء على حسب الأداء، ولو كانت إحداهما سجدة تلاوة تركها من الأولى، والأخرى صلبية تركها من الثانية، راعَى الترتيب أيضا، وقد تقدم بيانه بأتم من هذا (¬1) 0 (ولو كان) المتروك كوعا، لا يتصور فيه القضاء، وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة. وذلك أنه إذا افتتح الصلاة فقرأ وسجد ولم يرجع ثم قام إلى الثانية فقرأ وركع وسجد، فقد صلى ركعة واحدة، وليس هذا الركوع قضاء عن ¬

(¬1) راجع صفحة 294، 293 جزء 5 دين.

الأول، لأنه إذا لم يركع لا يعتد بالسجود، فكان أداء هذا الركوع فى محله، فإذا أتى بالسجود بعده صار مؤدياً ركعة تامة. وكذا إذا قرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد، فقد صلى ركعة. ولا يكون هذا السجود قضاء عن الأول، لأن ركوعه وقع معتبرا لمصادفته محله، إلا أنه توقف على أن تتقيد الركعة بالسجدة. فإذا قام وقرأ لم يعتد بهما. فإذا سجد صادف السجود محله لوقوعه بعد ركوع معتد به، فقد انضم السجدتان إلي الركوع فصار مصلياً ركعة. وكذا إذا قرأ وركع ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد، فقد صلى ركعة، لأن السجود تقدمه ركوعان فيلحق بإحدهما ويلغى الآخر، والصحيح أن المعتبر الركوع الأول لأنه صادف محله دون الثانى. وكذا إذا قرأ وركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد. ثم قام فقرأ ولم يركع وسجد، فقد صلى ركعة، لأن سجوده الأول لم يصادف محله، لحصوله قبل الركوع، فإذا قرأ وركع توقف هذا الركوع على أن يتقيد بسجود بعد، فإذا سجد بعد القراءة تقيد ذلك الركوع به فصار مصليا ركعة. وكذا إن ركع فى الأولى ولم يسجد، ثم ركع فى الثانية ولم يسجد وسجد فى الثالثة ولم يركع، فلا شك أنه صلى ركعة واحدة لما مر، غير أن هذا السجود يلتحق بالركوع الأول على الصحيح. وعليه سجود السهو فى هذه المواضع، لإدخاله الزيادة فى الصلاة وهو نقص فيها ولا تفسد على الصحيح. (ولو ترك) القعدة الأخيرة من ذوات الأربع وقام إلي الخامسة، فإن لم يقيدها بالسجدة يعود إلى القعدة. وإن قيد الخامسة بالسجدة لا يعود وفسد فرضه. هذا مذهب الحنفيين. (وقالت) الحنبلية. من نسى ركنا غير التحريمة والنية. فإن تذكره قبل الشروع فى قراءة الركعة التالية، لزمه الرجوع إليه. وإن لم يتذكره إلا بعد الشروع فى قراءتها بطلت الركعة التى ترك فيها الركن وحلت التالية محلها وسجد

للسهو فى الحالين (قال) الشيخ منصور بن إدريس " من نسى " ركنا غير التحريمة - لعدم انعقاد الصلاة بتركها، وكذا النية على القول بركمنيتها - فذكره بعد شروعه فى قراءة الركعة التى بعد المتروك منها الركن " بطلت " الركعة التى تركه منها، لأنه ترك ركنا لم يمكنه استدراكه لتلبسه بالركعة التى بعدها، فلغت ركعته وصارت التى شرع فيها عوضا عنها، ولا يعيد الاستفتاح، فإن كان الترك من الأولى صارت الثانية أولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة وياتى بركعة فإن رجع إلى ما تركه عالما عامدا، بطلت صلاته، لأنه ترك الواجب عمداً، وإن رجع سهوا أو جهلا، لم تبطل صلاته، لكنه لا يعتد بما بفعله فى الركعة التى ترك ركنها، لأنها فسدت بشروعه فى قراءة غيرها، وإن ذكر الركن المنسى قبل شروعه فى القراءة التى بعدها، عاد لزوما فأتى بالمتروك، لأنه ذكره فى موضعه، كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام فإنه يأتى بها فى الحال وأتى بما بعد المتروك من الأركان والواجبات، لوجوب الترتيب، فلو ذكر الركوع وهو جالس بين السجدتين أو قائم قبل القراءة، أتى به وبما بعده، وإن سجد سجدة ثم قام قبل سجوده الثانية ناسيا فإن كان جلس بين السجدتين سجد الثانية، ولم يجلس للفصل، وإن لم يكن جلس للفصل جلس له ثم سجد الثانية تداركا لما فاته وإن كان جلس بعد السجدة الأولى للاستراحة، لم يجزئه عن جلسته بين السجدتين، فإن لم يعد إلي الركن المتروك وقد ذكره قبل شروعه فى قراءة الأخرى عمداً، بطلت صلاته لتركه الواجب عمداً، وإن لم يعد سهوا أو جهلا، بطلت الركعة فقط، لأنه فعل غير متعمد فأشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك حتى شرع فى القراءة فإن علم بالمتروك بعد السلام، فهو كتركة ركعة كاملة، لأن الركعة التى لغت بترك ركنها غير معتد بها، فإذا سلم قبل ذكرها يأتى بالركعة مع قرب الفصل عرفا ولو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد، ويسجد قبل السلام، وإن طال الفصل أو أحدث بطلت الصلاة، لفوات الموالاة، فإن كان المتروك تشهدا أخيرا.

أتى به وسجد للسهو وسلم، وإن كان المتروك سلاما أتى به وسجد للسهو وسلم (¬1). (وإن نسى) أربع سجدات من أربع ركعات من كل ركعة سجدة وذكر فى التشهد، سجد فى الحال سجدة فصحت له ركعة تم أتى بثلاث ركعات وسجد للسهو وسلم، لأن كل ركعة من الثلاث الأول بطلت بشروعه فى قراءة التى بعدها وبقيت الرابعة ناقصة فيتمها بسجدة فتصبح وتصير أولى ويأتى بالثلاث الباقية. (وإن ذكر) أنه ترك أربع سجدات من أربع ركعات بعد سلامه، بطلت صلاته لأن الركعة الأخيرة بطلت أيضا بسلامه فلم يصح له شئ من صلاته يبنى عليه. (وإن ذكر) أنه ترك أربع سجدات وقد قرأ فى الخامسة، فهى أولاه لبطلان كل ركعة مما قبلها بشروعه فى قراءة ما بعدها وجلوسه للتشهد قبل سجدتى الركعة الأخيرة زيادة فعلية، يجب السجود لسهو ويبطل الصلاة عمدها، لأنه ليس محلا للجلوس. وتشهده قبل السجدة الثانية زيادة قولية يسن السجود لها سهوا ولا يبطل عمدها الصلاة، لأنه ذكر مشروع فى الصلاة فى الجملة والجلوس له ليس بزيادة، لأنه بين السجدتين فهو محل جلوس. (وإن نسى) سجدتين أو ثلاثا من ركعتين جهلهما، أتى بركعتين، وإن نسى ثلاثا أو أربعا من ثلاث جهلها، أتى بثلاث (وإن نسى) خمسا من أربع أو ثلاث أتى بسجدتين ثم بثلاث ركعات أو بركعتين (¬2). ¬

(¬1) كذا فى الإقناع. وصريحه أن السجود هنا بعد السلام مع أنه ليس من المسائل التى يسجد فيها بعد السلام. افادة فى الشرح. (¬2) أى أنه يأتى بثلاث ركعات إن نسى خمس سجدات من أربع وبركعتين إن نسيها من ثلاث.

(وإن نسى) من الأولى سجدة ومن الثانية سجدتين ومن الرابعة سجدة، أتى بسجدة ثم بركعتين أهـ بتصرف (¬1). (وهذا) إذا علم عين المتروك وموضعه، فإن جهله بنى على الأحوط. (قال) الشيخ ابن إدريس: وإن ترك ركنا كالركوع أو الطمأنينة فيه لا يعلم موضعه بأن جهل أهو من الأولى أو غيرها؟ بنى على الأحوط، ليخرج من العهدة بيقين، فلو ذكر فى التشهد أنه ترك سجدة لا يعلم أهى من الأولى أم من الثانية؟ جعلها من الركعة الأولى وأتى بركعة بدلها (وإن ترك) سجدتين لا يعلم أهما من ركعة أو من ركعتين؟ جعلهما من ركعتين احتياطا. فإن ذكرهما قبل الشروع فى القراءة، سجد سجدة وحصلت له ركعة. ثم يأتى بركعة ليخرج من العبادة بيقين (وإن ذكر) المتروك - وهو سجدتان لا يعلم أنهما من ركعة أو من ركعتين - بعد شروعه فى قراءة الثالثة - لغت الأوليان، لأن الأحوط كونهما من ركعتين كما تقدم. وكل منهما تبطل بشروعه فى قراءة التى بعدها. (وإن ترك) سجدة لا يعلم من أى ركعة؟ أتى بركعة كاملة، لاحتمال أن تكون من غير الأخيرة (ولو جهل) عين الركن المتروك بأن ذكر أنه ترك ركنا وجهل عينه، بنى على الأحوط أيضا. فإن شك هل المتروك قراءة أو ركوع؟ جعله قراءة فيأتى بها ثم بالركوع للترتيب، وإن شك فى الركوع والسجود، جعله ركوعا فيأتى به ثم بالسجود. (فإن ترك) آيتين متواليين من الفاتحة، جعلهما من ركعة عملا بالظاهر، وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين احتياطا، لئلا يخرج من الصلاة وهو شاك فيها فيكون مغررا بها. لقوله عليه الصلاة والسلام: لا غرار فى صلاة ولا تسليم، رواه أبو داود (¬2). . {1} ¬

(¬1) أنظر ص 263 أكشاف القناع (السجود عن نفس فى صلاته). (¬2) واخرجه ايضا أحمد والحاكم عن ابى هريرة بسند صحيح ص 27 ج 6 - المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة) وص 133، 132 ج 4 - الفتح الربانى. والغرار بكسر الغين، النقصان. وهو فى الصلاة على وجهين: (أ) ألا يتم الركوع والسجود. (ب) أن يشك هل صلى ثلاثا أو اربعا؟ فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين. والنقص فى التسليم الاقتصار فى البدء على السلام عليكم. وفى الرد على مثل ما ذكر البادئ أو اقل منه أو يقول على وعليك (ولا تسليم) بالنصب معطوفا على غرار. والمغنى لا نقص ولا سلام فى الصلاة للتحية، لأنه كلام.

(قال) الأثرم: سالت أبا عبد الله عن تفسيره فقال: أما أنا فلا أراه يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت أهـ (¬1). (وقالت) المالكية: من ترك ركنا سهوا فإن تذكره قبل الرفع من ركوع الركعة التى تليها عاد إليه لزوما، وإن لم يتذكر إلا بعد الرفع من ركوعها، لغت الركعة التى ترك ركنها فيتم الصلاة ويسجد للسهو بعد السلام فى الحالين. (وقالت) الشافعية: من ترك ركنا سهوا فإن تذكره قبل أن يأتي بمثله من الركعة التالية، لزمه العود إليه، وإن تذكره بعد فعل مثله، تمت الركعة السابقة ولغا ما بينهما وأتم الصلاة وسجد للسهو فى الحالين، وهذا إذا عرف عين المتروك وموضعه. فإن لم يعرف لزم الأخذ بالأقل ويأتى بالباقى. (قال) النووى فى المجموع: الترتيب واجب فى أركان الصلاة اتفاقا، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد الركن المتروك حتى يصل إلى الركن بعده فحينئذ يصح المتروك وما بعده فإن ذكر السهو قبل مثل المسبوق اشتغل بالمتروك وإن تذكر بعد فعل مثله فى ركعة أخرى تمت الركعة السابقة ولغا ما بينهما هذا إذا عرف عين المتروك وموضعه فإن لم يعرف وجب عليه أن يأخذ بأقل الممكن ويأتى بالباقى. وفى الأحوال كلها يسجد للسهو إلا إذا وجب الاستئناف بأن ترك ركناً وشك فى عينه وجوز أن يكون النية أو ¬

(¬1) انظر ص ج كشاف القناع (السجود عن نقص فى صلاته).

التحريمة، وإلا إذا كان المتروك هو السلام، فإنه إذا تذكره قبل طول الفصل سلم، ولا يسجد للسهو، هذا ضابط الفصل، فلو تذكر فى قيام الثانية أنه ترك سجدة من الأولى، وجب الإتيان بها، وهل يجزئه أن يسجد من قيامه أم يجلس ثم يسجد؟ الصحيح أنه إن لم يكن جلس عقب السجدة الأولى وجب الجلوس مطمئنا، لأنه ركن مقصود، وإن كان جلس كفاه السجود بلا جلوس سواء كان جلس بنية الجلوس بين السجدتين أم بنية جلسة الاستراحة، كمن جلس فى التشهد الأخير يظنه الأول فإنه يجزئه، ويقع فرضا، ولو شك هل جلس فهو كما إذا لم يجلس، لأن الأصل عدمه، أما إذا تذكر بعد سجوده فى الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فينظر إن تذكر بعد السجدتين فى الركعة الثانية أو فى الثانية منهما، فقد تمت ركعته الأولى ولغا ما بينهما. وهل يحصل تمامها بالسجدة الأولى أم الثانية؟ ينبغى على ما تقدم، فحيث قلنا لا يجب الجلوس يحصل تمامها بالسجدة الأولي. وإن أوجبنا الجلوس حصل التمام بالثانية، وعليه فلو تذكر بعد السجدة الأولى فى الركعة الثانية وقبل السجدة الثانية. فإن أوجبنا الجلوس لم تتم ركعته الأولى حتى يجلس ثم يسجد. وإن نوجبه فقد تمت ركعته فيقوم إلى الثانية. (وإذا تذكر) فى جلوس الركعة الرابعة أنه ترك أربع سجدات فله ثلاثة أحوال: (أ) إذا تيقن أن المتروك ثنتان من الثالثة وثنتان من الرابعة، صحت الركعتان الأوليان وحصلت الثالثة لكن بلا سجود فيها ولا فيما بعدها فيسجد سجدتين ليتمها، ثم يأتى بركعة رابعة، وكذا لو ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية وسجدتين من الرابعة، أو ترك سجدة من الثانية وسجدة من الثالثة. وسجدتين من الرابعة. (ب) وإذا ترك من كل ركعة سجدة، حصل له ركعتان، فقد تمت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، فيأتى بركعتين، وكذا لو ترك سجدتين من الثانية وسجدتين من الأولى أو الثالثة، أو سجدتين من الثانية وواحدة من الأولى

وأخرى من الثالثة، أو سجدتين من الثانية وسجدة من الثالثة وأخرى من الرابعة، أو سجدة من الأولى وسجدة من الثانية وسجدتين من الثالثة. أو سجدة من الثانية وسجدة من الثالثة وسجدة من الرابعة، فيحصل فى كل هذه الصور ركعتان، فيأتى بركعتين ويسجد للسهو. (جـ) وإذا ترك من الأولى سجدة ومن الثانية اثنتين ومن الرابعة سجدة حصل له ركعتان إلا سجدة، فيسجدها ثم يأتى بركعتين ويسجد للسهو، وكذا لو ترك من الأولى سجدتين ومن الثانية سجدة ومن الرابعة أخرى، أو ترك سجدتين من ركعة وسجدتين من ركعتين غير متواليتين. (وهذا) إذا عرف مواضع السجدات، فإن لم يعرفه أخذ بالأشد فيأتى بسجدة ثم ركعتين، هذا مذهبنا (وقال) الليث بن سعد، من ترك أربع سجدات من كل ركعة سجدة لا يحصل له إلا تكبيرة الأحرام. (وقال) الحسن والثورى والحنفيون: يسجد فى آخر صلاته أربع سجدات وقد تمت صلاته. (وقال) مالك وأحمد فى أصح الروايتين عنهما: لا يحصل له إلا ما فعله فى الركعة الرابعة، وفى رواية عنهما: يستأنف الصلاة أهـ ملخصا (¬1). (تتميم) من تيقن بعد السلام أنه ترك ركعة أو ركعتين أو ثلاثا أو ركوعا أو سجودا أو غيرهما من الأركان سوى النية وتكبيرة الإحرام. فإن تذكر قبل طول الفصل، لزمه البناء على صلاته فيأتي بالباقى ويسجد للسهو، وإن تذكر بعد طول الفصل، لزمه استئناف الصلاة، والمعتبر فى طول الفصل وقصره، العرف، فإن عده قليلا فقليل أو كثير فكثير، وقيل قدر ركعة يقتصر فيها على الفاتحة، طويل، ودونها قليل، وقيل القدر المنقول عن النبى ¬

(¬1) انظر الصفحات من 118 الى 123 ج 4 شرح المهذب (حكم ترك الترتيب فى أركان الصلاة).

صلى الله عليه وسلم فى قصة ذى اليدين - وهو أنه قام إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الصحابة فأجابوا - قليل، والزيادة عليه طويل، ومتى قصر الفصل جاز البناء ولو تكلم بعد السلام أو خرج من المسجد واستدبر القبلة عند الشافعية. أفاده النووى فى المجموع (¬1). (ب) - ترك الواجب: الواجب الأصلى من واجبات الصلاة إذا تركه سهوا، سجد له سجدتين للسهو، لعموم، حديث: فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين. أخرجه مسلم عن ابن مسعود " (¬2) (2) " وحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سجدتا السهو تجزيان عن كل زيادة ونقص. أخرجه البيهقى والطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى والبراز وفيه حكم بن نافع ضعفه أبو زرعة ووثقه ابن معين (¬3) (3) " وحديث " الأسود عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر خمسا ثم سجد سجدتى السهو ثم قال: هاتان سجدتان لمن ظن منكم أنه زاد أو نقص. أخرجه أحمد والبيهقى (¬4) (4) " وقوله " صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين، أخرجه مسلم عن علقمة عن ابن مسعود (¬5) (5). (وقد تقدم) أن الحنفيين والحنبليين هم القائلون بأن للصلاة واجبات تجبر ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 4 شرح المهذب (حكم من تيقن بعد السلام أنه ترك ركعة أو أكثر أو ركنا). (¬2) تقدم بالحديث رقم 392 ج 2 مجمع الزوائد (حكم سجود السهو). (¬3) انظر ص 151 ج 2 مجمع الزوائد (السهو فى الصلاة). (¬4) انظر 154 ج 4 - الفتح الربانى (ما يفعل من صلى الرباعية خمسا) (¬5) انظر ص 67 ج 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة والسجود له).

بسجود السهو إذا تركت سهوا، وكذا إذا تركت جهلا عند الحنبلية وهى عشرون واجبا. (1) قراءة الفاتحة - هى واجبة عند الحنفيين فى كل ركعات النفل والوتر وفى أولي الفرض، فإن تركها أو أكثرها سهوا، لزمه سجود السهو عند الصاحبين وكذا إذا ترك منها أية عند الإمام أبى حنيفة، وإن تركها فى أخريى الفرض فلا سجود عليه. (وقال) الأئمة الثلاثة والجمهور: قراءة الفاتحة فرض فلا تجبر بسجود السهو. (2) قراءة السورة بعد الفاتحة - تقدم أنه يجب عند الحنفيين فيما تجب فيه الفاتحة، أن يضم إليها سورة ولو قصيرة أو ثلاث آيات قصار أو ما يماثلها من آية طويلة. فلو ترك ما ذكر سهوا، لزمه سجود السهو، ولو قرأ الفاتحة وآيتين فركع ساهيا ثم تذكر فعاد وأتم ثلاث آيات، فعليه سجود السهو، ولو ترك السورة فذكرها قبل السجود، عاد وقرأها، ولو ترك الفاتحة فذكرها قبل السجود، قرأها وأعاد السورة، لآنها تقع فرضا بالقراءة ومتى عاد فى الكل، أعاد الركوع لارتفاضه ويسجد للسهو، عاد للقراءة أو لم يعد. (وقالت) المالكية والحنبلية: قراءة السورة سنة مؤكدة، فإن تركها سهوا سن له سجود السهو، (قالت) الشافعية: قراءة السورة سنة خفيفة " أى هيئة " لا يطلب لتركها سجود. فإن سجد لها قبل السلام بطلت صلاته (قال) النووى فى المجموع: " وأما غير " الأبعاض من السنن كالتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين والتكبيرات والتسبيحات والدعوات والجهر والإسرار والتورك والافتراش والسورة بعد الفاتحة ووضع اليدين على الركبتين وتكبيرات العيد الزائدة وسائر الهيئات " فلا يسجد لها " سواء تركها عمدا أو سهوا، لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود لشئ منها. والسجود زيادة فى الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف، وتخالف الأبعاض فإنه

ورد التوقيق فى التشهد الأول وجلوسه وقسنا باقيها عليه لاستواء الجميع فى أنها سنن متأكدة (¬1). (3) تعيين الأوليين للقراءة - تقدم أنه يجب عند الحنفيين قراءة الفاتحة فى أوليى الفرض ولا تتعين فى الأخريين، فلو ترك القراءة فى الأوليين أو إحداهما سهوا، لزمه سجود السهو. (وقالت) الأئمة الثلاثة: القراءة فرض فى كل ركعات الصلاة فلا يجبر تركها بسجود السهو. (4) رعاية الترتيب فى فعل مكرر كالسجود - تقدم أنه يجب عند الحنفيين تقديم السجدة الثانية على ما بعدها. فلو ترك سجدة من ركعة فتذكرها، سجدها ولو فى آخر الصلاة وسجد للسهو، لترك الترتيب. (وهو) فرض عند الأئمة الثلاثة على ما تقدم بيانه فلا ينوب عنه سجود السهو. (5) الرفع من الركوع (6) الجلوس بين السجدتين (7) الطمأنينة فيهما وفى الأركان حتى تسكن مفاصلة. تقدم أن ما ذكر واجب عند أبى حنيفة ومحمد. فيجب سجود السهو بتركها كلا أو بعضا (وهى) فرض عند أبى يوسف وباقى الأئمة، فلا ينوب عنها سجود السهو (8) القعود غير الأخير - تقدم أنه واجب عند الحنفيين والحنبليين ولو فى نفل على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا، فيجب السجود بتركه سهوا. (وقالت) المالكية والشافعية والجمهور: إنه سنة يجبر بالسجود إن ترك سهوا. وكذا إن ترك عمدا على الصحيح عند الشافعية " لقول " عبد الله بن بحينة صلى بنا رسول الله صلى على آله وسلم صلاة نظن أنها العصر فقام فى الثانية ¬

(¬1) انظر ص 126، 125 ج 4 شرح المهذب (وأما غير الأبعاض من السنن فلا يسجد لها).

ولم يجلس. فلما كان قبل أن يسلم، سجد سجدتين وسجدهما الناس معه مكان ما نسى من الجلوس. أخرجه مالك والسبعة وهذا لفظ أحمد (¬1) (9) قراءة التشهد - تقدم أنه واجب عند الحنفيين فى كل قعود. وعند الحنبلية فى القعود غير الأخير فلو ترك قراءته كلا أو بعضا وتذكر ولو بعد السلام، لزمه السجود (وقال) أبو يوسف: لا يلزمه. وبقوله يعمل إمام القوم إذا كان فى السجود تهريش على العامة. (قال) الكمال ابن الهمام فى الفتح: قد لا يتحقق ترك التشهد على وجه يوجب السجود إلا فى الأول. أما التشهد الثانى فإنه لو تذكره بعد السلام أتى به ثم سلم وسجد، فإن تذكره بعد شئ يقطع البناء لم يتصور إيجاب السجود. ومن فروع هذا أنه لو اشتغل به بعد السلام والتذكر، فلو قرأ بعضه وسلم بعد تمامه فسدت صلاته عند أبى يوسف، لأن بعودة إلي التشهد إرتفاضا قعوده فإذا سلم قبل إتمامه فقد سلم قبل قعودة قبل التشهد (وعند) محمد لا تفسد، لان قعوده ما ارتفض أصلا، لأن محل قراءة التشهد القعدة فلا ضرورة إلي رفضها وعليه الفتوى أهـ (¬2). (وظاهره) أنه لو تذكره بعد السلام ولم يقرأه لا يسجد لتركع، لأنه لما تذكره وأمكنه فعله ولم يفعله فكأنه تركه عمدا فلا يلزمه السجود وإنما يكون مسيئا. وعليه فكل من ترك واجبا سهوا وأمكنه فعله بعد تذكره فلم يفعله لا سجود عليه كمن تركه عمدا. (وقال) ابن قدامة فى المغنى، وإن نسى التشهد " يعنى غير الأخير " دون الجلوس له فحكمه فى الرجوع إليه حكم ما لو نسيه مع الجلوس، لأن التشهد هو المقصود أهـ (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 150 ج 4 - الفتح الربانى وص 175 ج 2، تيسير الوصول (سجود السهو) (¬2) انظر ص 359، 360 ج 1 فتح القدير (سجود السهو) وص 683 ج 1 مغنى. (¬3) انظر ص 359، 360 ج 1 فتح القدير (سجود السهو) وص 683 ج 1 مغنى.

(وقالت) المالكية: التشهد سنة فى كل قعود (وقالت) الشافعية: هو سنة فى القعود غير الأخير، فيجبر بسجود السهو إن ترك سهوا. وكذا إن ترك عمدا على الأصح عند الشافعية (قال) النووى فى المجموع: وأما إذا ترك التشهد الأول عمدا فالأصح عندنا أنه يسجد للسهو (وقال) النخعى وأبو حنيفة وابن القاسم لا يسجد. وقال أحمد: تبطل صلاته أهـ (¬1). (10) السلام من الصلاة - تقدم أنه واجب عند الحنفيين ولا يتصور إيجاب السجود بتركه، لأنه بعد القعود الأخير إذا لم يأت بمناف، سلم ولا سجود عليه. لعدم تحقق سببه، وإن أتى بمناف فلا سجود، لفوات وقته. وإنما يتصور إيجاب السجود بتأخير السلام (قال) فى التجنيس: والسهو عن السلام يوجب السجود. والسهو عنه أن يطيل القعدة ويقع عنده أنه خرج من الصلاة ثم يعلم أنه لم يخرج فيسلم ويسجد، لأنه أخر واجبا أو ركنا على الخلاف أهـ (والواجب) هو لفظ السلام، دون عليكم. ولو سلم عن يساره أولا لا سجود عليه لأنه ترك سنة، وإذا سلم عن يمينه وسها عن التسليمة الثانية فما دام ولم يستدبر القبلة يأتى بها. وقيل يأتى بها مادام فى المسجد وإن استدبر. (وقال) الأئمة الثلاثة: السلام فرض فلا ينجبر بالسجود بل لابد من الإيتان به. (11 و 12) الجهر والإسرار - تقدم أنه يجب عند الحنفيين على الإمام الجهر فيما يجهر فيه بقدر ما يسمع المأمومين. ويجب الإسرار فمحله على كل مصل فإذا جهر الإمام سهوا فيما يسر فيه أو خافت فيما يجهر فيه لزمه سجود السهو. وكذا إذا جهر المنفرد فيما يسر فيه. أما إذا خافت فيما يجهر فيه فلا سجود عليه. (وقالت) المالكية والحنبلية: يسن الجهر فى محله للإمام والمنفرد. ويسن الإسرار فى محله لكل مصل فإذا جهر فى موضع السر أو خافت فى موضع ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 4 شرح المهذب (يسجد للسهو للزيادة والنقص)

الجهر سهوا، يسن له السجود عند المالكية وعن أحمد روايتان فى مشروعيته السجود وعدمه (قال) ابن قدامة فى المغنى: الجهر والإخفات فى موضعهما من سنن الصلاة لا تبطل الصلاة بتركه عمدا. وإن تركه سهوا فهل يشرع له السجود من أجله؟ فيه عن أحمد روايتان: إحداهما لا يشرع (قال) الحسن وعطاء وسالم ومجاهد والقاسم والشعبى والحكم: لا سهو عليه. وعن قتادة أن أنا جهز فى الظهر أو العصر فلم يسجد (¬1) (1) وهذا مذهب الأوزاعى والشافعى، لأنه سنة " يعنى خفيفة " فلا يشرع السجود لتركه كرفع اليدين (والثانية) يشرع وهو مذهب مالك وأبى حنيفة "لقول" النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين (¬2) ولأنه أخل بسنة قولية فشرع السجود لها كترك القنوت. فإذا قلنا بهذا فإن السجود مستحب غير واجب (قال) الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل سها فجهر فيما يخافت فيه فهل عليه سجدتا السهو؟ قال: أما عليه فلا أقول عليه. ولكن إن شاء سجد (¬3). (وقالت) الشافعية: الجهر والإسرار فى محلهما سنة خفيفة فلا سجود بتركهما (قال) النووى فى المجموع: مذهبنا أنه لا يسجد لترك الجهر والإسرار والتسبيح وسائر الهيئات أهـ (¬4). (13) قنوت الوتر - تقدم أنه واجب عند أبى حنيفة يجبر بالسجود وسنة عند أبى يوسف ومحمد وأحمد فيسن السجود لتركه سهوا عند أحمد لا عندهما (قال) الكمال ابن الهمام فى الفتح. ولو قرأ القنوت فى الثالثة ونسى ¬

(¬1) أخرجه الطبرانى فى الكبير عن قتادة بسند رجاله ثقات ومنهم سعيد بن بشير اختلط افاده الهيثمى. انظر ص 154 ج 2 مجمع الزوائد (مالا سجود فيه) (¬2) هو بعض حديث اخرجه مسلم عن ابن مسعود وتقدم هنا رقم (2) ص 11 (¬3) انظر ص 687 ج 1 مغنى (الجهر والإخفات فى موضعهما) وص 128 ج 4 شرح المهذب (¬4) انظر ص 687 ج 1 مغنى (الجهر والإخفات فى موضعهما) وص 128 ج 4 شرح المهذب

الفاتحة أو السورة أو كليهما فنذكر بعدما ركع، قام وقرأ وأعاد القنوت والركوع، لأنه رجع إلى ما محله قبله ويسجد للسهو أهـ. (وقالت) الشافعية: إنما يسن القنوت فى وتر النصف الثانى من رمضان فإذا تركه سهوا أو عمدا سجد. (وتقدم) أن قنوت الوتر غير مشروع عند المالكية. (14) التكبير فى صلاة العيد - تقدم فى بحثه أنه واجب عند الحنفيين وألحقوا به تكبير ركوع الركعة الثانية، لاتصاله به فلو تركه كلا أو بعضا سهوا أو زاد عليه أو أتى به فى غير موضعه، لزمه السجود. وإذا تذكره الإمام فى الركوع، عاد إلى القيام وأتى به ثم ركع. وإن تذكره بعد الرفع من الركوع لا يأتي به ويسجد للسهو. (وقالت) الأئمة الثلاثة: تكبير صلاة العيد سنة فإن نسيه وتذكره بعد القراءة، عاد إليه واستأنفها وسجد بعد السلام عند مالك. وإن تذكره بعد الركوع لا يأتي به وسجد قبل السلام. (ومشهور) مذهب الشافعية والحنبلية أنه إن نسى التكبير وشرع فى القراءة لا يعود إليه ولا سجود عليه كما تقدم (¬1). (15) تكبير الانتقال - تقدم أنه واجب عند أحمد إلا تكبير الركوع لمن أدرك الإمام راكعا. فإن تركه سهوا لزمه السجود. (وقالت) الأئمة الثلاثة: تكبير الانتقال سنة خفيفة. وهو رواية عن أحمد فلا سجود لتركه أو بعضا عند الحنفيين والشافعيين. (وقالت) المالكية: يسن السجود لترك تكبيرتين فأكثر سهوا. ¬

(¬1) انظر ص 338 ج 4 دين (من نسى تكبير العيد وذكره)

(16 و 17) التسبيح فى الركوع والسجود - تقدم أنه واجب فى المشهور عن أحمد. فمن تركه سهوا لزمه السجود. ولا سجود بتركه عند الأئمة الثلاثة لنه سنة خفيفة عندهم. (18 و 19) التسميع والتحميد - تقدم أنه يجب عند أحمد على الإمام والمنفرد أن يقول حال رفعه من الركوع: سمع الله لمن حمده. وعلى كل مصل أن يقول: ربنا ولك الحمد، يأتى به المأموم فى رفعه. وغيره فى الاعتدال فمن تركهما أو أحدهما سهوا، لزمه السجود، ولا سجود عليه عند الحنفيين والشافعيين. ويسن السجود لترك التسميع سهوا عند المالكية دون التحميد. (20) الدعاء بين السجدتين - تقدم فى المشهور عن أحمد أنه يجب على المصلى أن يقول بين السجدتين: رب اغفر لى، فلو تركه سهوا أو جهلا، لزمه السجود، ولا سجود عليه عند الأئمه الثلاثة، لأنه سنة خفيفة. جـ - (ترك السنة): السنة المتروكة عمدا أو سهوا لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض، كأن تذكر فى القراءة، الثناه أو التعوذ، فلا يعود إلى ما تركه منهما، لأنه تلبس بفرض فلا يقطعه لسنة، ولا يسجد للسهو عن السنة إن تركها سهوا أو عمدا لكن يسن له إعادة الصلاة بتركها عمدا، وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) المالكية: يسن سجود السهو لترك سنة من السنن المؤكدة سهوا وهى السورة بعد الفاتحة، والجهر فيما يجهر فيه، والسر فيما يسر فيه، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الأخير، ولترك سنتين خفيفتين كتكبيرتين من تكبير الانتقال. (وقالت) الشافعية: يسن السجود لترك سنة مؤكدة سهوا أو عمداً، ولا يسجد لترك سنة خفيفة (قال) النووى فى المجموع: وأما غير الركن فأبعاض

وغيرها (فالأبعاض) هى التشهد الأول، والجلوس له، والقنوت. والقيام له، وكذا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إذا تركهما فى التشهد الأول، وقلنا إنهما سنة، وكذا على الآل فى التشهد الأخير، إذا قلنا بالمذهب إنها ليست واجبة بل هى سنة، وكل واحد من هذا الأبعاض مجبور بسجود السهو إذا تركه سهوا " لحديث " عبد الله بن بحينة رضى الله عنهما (¬1) وإن تركه عمدا، فوجهان مشهوران (الصحيح) باتفاق الأصحاب يسجد لأنه إذا شرع للساهى فالعامد المقصر أولى، وأما غير الأبعاض من السنن فلا يسجد لها سواء تركها عمدا أم سهوا أهـ ملخصا (¬2). (وقالت) الحنبلية: يسن السجود لترك سنة من سنن الصلاة سهوا أو جهلا. د- (ترك الأدب): الأدب المتروك عمدا أو سهوا لا يسجد له عند الأئمة الثلاثة، ويباح عند الحنبلية. (السبب الثالث) لسجود السهو متابعة الإمام. على المأموم السجود إذا سها إماما وسجدو إن لم يكن مقتديا به وقت السهو، لأن النبى صلى الله عليه وسلم سها فسجدو سجد الصحابة معه (فقد) قال عبد الله بن بحينه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته وانتظرنا التسليم كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم صلى الله عليه وسلم. أخرجه الجماعة والبيهقى (¬3). (وبهذا) قال كافة العلماء بلا فرق بين المدرك والمسبوق واللاحق، غير أن هذا لا يتابع الإمام فى السجود، بل يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد آخر صلاته ¬

(¬1) تقدم رقم 6 ص 13. (¬2) انظر ص 125 ج 4 شرح المهذب (الذى يقتضى سجود السهو قسمان). (¬3) تقدم بيانه نص 14

ولو سجد مع الإمام لا يجزئه فعليه إعادته بعد قضاء ما فاته، ولا تفسد صلاته، لأنه ما زاد إلا سجدتين والمسبوق يسجد بلا سلام مع إمامه ويتشهد ثم إذا سلم الإمام يقوم يقضى ما فاته، فإن سلم عامدا فسدت صلاته وإلا فلا ولا سجود عليه إن سلم قبل الإمام أو معه سهوا، أما لو سلم بعده فيلزمه ولو لم يسجد مع الإمام وقام إلى القضاء، سجد فى آخر صلاته، وإن سجد مع الإمام ثم سها فيما يقضى، سجد ثانيا، وإن لم يسجد معه ثم سها فيما يقضى كفاه سجدتان، ومثله فى ذلك المقيم خلف المسافر. (ولو سها) الإمام فى صلاة الخوف، سجد وتسجد معه الطائفة الثانية، لأنها بمنزلة المسبوق، وتسجد الطائفة الأولى بعد فراغها. لأنها بمنزلة اللاحق وإن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم وهذا مذهب الحنفيين والمالكية غير أنهم قالوا: إن سجد الإمام قبل السلام سجد المسبوق معه وإلا سجد آخر صلاته بعد سلامه وإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم آخر صلاته (وقالت) الشافعية: يسجد المسبوق مع الإمام وآخر صلاته أيضا (قال) النووى فى المجموع: إذا سها الإمام فى صلاته، لحق المأمومَ سهوهُ وتستثنى صورتان (إحداهما) إذا بان الإمام محدثا فلا يسجد المأموم لسهوه ولا يحمل هو عن المأموم سهوه (الثانية) أن يلعم سبب سهو الإمام ويتيقن غلطه فى ظنه، بان ظن الإمام ترك بعض الأبعاض وعلم المأموم أنه لم يتركه، أو جهر فى موضع الإسرار أو عكسه فسجد، فلا يوافقه المأموم. ثم إذا سجد الإمام فى غير الصورتين، لزم المأموم موافقته فيه، فإن ترك موافقته عمدا بطلت صلاته، وسواء عرف المأموم سهو الإمام أم لم يعرفه، فمتى سجد الإمام فى آخر صلاته سجدتين، لزم المأموم متابعته حملا له على أنه سها. ولو لم يسجد الإمام إلا سجدة، سجد المأموم أخرى، حملا له على أنه نسيها ولو ترك الإمام السجود لسهوه عامدا أو ساهيا أو كان يعتقد تأخيره إلى ما بعد السلام، سجد المأموم، هذا هو الصحيح المنصوص. ولو سلم الإمام ثم عاد إلى السجود نظر، إن سلم المأموم معه ناسيا، وافقه فى السجود فإن لم

يوافقه ففى بطلان صلاته وجهان، بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا لسجود السهو فعاد إليه، هل يكون عائدا إلى الصلاة؟ وإن كان المأموم سلم عمدا مع علمه بالسهو لم يلزمه متابعة الإمام إذا عاد إلى السجود، لأن سلامه عمدا يتضمن انقطاع القدوة. ولو لم يسلم المأموم ليسجد، فإن عاد بعد أن سجد المأموم فوجهان (أصحهما) لا يجوز متابعته بل يسجد منفردا ثم يسلم. (والثانى) تلزمه متابعته فإن لم يفعل بطلت صلاته. (ولو سبق) الإمام حدث بعد ما سها أو بطلت صلاته بسبب آخر: أتم المأموم صلاته وسجد على الصحيح. ولو سها المأموم ثم سبق الإمام حدث: لم يسجد المأموم، لأن الأمام حمله. (وإن قام) الإمام إلى خامسة ساهيا فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الإمام إلى حد الراكعين فى ارتفاعه، سجد المأموم للسهو، لأنه توجه عليه السهو قبل مفارقته. وإن نواها قبله فلا سجود، لأنه نوى مفارقته قبل توجه السجود عليه. (ولو كان) الإمام حنفيا فسلم قبل أن يسجد للسهو: لم يسلم معه المأموم، بل يسجد قبل السلام ولا ينظر سجود الإمام بعده، لأنه فارقه بسلامه أهـ ملخصا (¬1). (ثم قال) وإذا سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه وسجد الإمام لزم المسبوق أن يسجد معه على الصحيح. وعليه إذا سجد معه هل يعيد السجود في آخر صلاته؟ فيه قولان (أصحهما) يعيده. فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المسبوق فى آخر صلاة الإمام ويسجد فى آخر صلاة نفسه على المذهب أما إذا سها الإمام قبل اقتداء المأموم فوجهان (الصحيح) أنه يلحقه حكم سهوه. فعلى هذا إن سجد الإمام سجد معه، وهل يعيده المسبوق فى آخر صلاته؟ فيه القولان (أصحهما) يعيده، وإن لم يسجد سجد هو فى آخر صلاته على المذهب (والثانى) لا يلحقه حكم سهوه. فعلى هذا لم يسجد الإمام لم يسجد هو أصلا، وإن سجد فوجهان (أصحهما) لا يسجد لأنه لا سهو فى حقه. ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 4 شرح المهذب (يلحق الماموم سهو إمامه إلا فى صورتين)

(والثانى) يسجد متابعة للإمام. فعلى هذا لا يعيد فى آخر صلاته إن كان مسبوقا (وحيث) قلنا المسبوق يعيد السجود فى آخر صلاته فاقتدى به مسبوق آخر بعد انفراده. ثم اقتدى بالثانى ثالث بعد انفراده. ثم بالثالث رابع فأكثر، فكل واحد منهم يسجد لمتابعة إمامه. ثم يسجد فى آخر صلاة نفسه أهـ ملخصا (¬1). (وحاصل) مذهب الحنبلية ما ذكره فى كشاف القناع بقوله: وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد المأموم معه سواء سها المأموم أم لا. حكاه إسحق وابن المنذر إجماعا " لحديث " عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس على من خلف الإمام سهو. فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو. أخرجه الدار قطنى (¬2) (7) " ولعموم " قوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا (¬3) (ويسجد) المأموم ولو كان مسبوقا، سواء كان سهو إمامه فيما أدركه المسبوق معه أم قبله، وسواء سجد إمامه قبل السلام أم بعده " لعموم " ما تقدم. فلو تقدم. فلو قام المسبوق لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه. رجع وجوبا إن لم يستتم قائما، فسجد معه لسهوه، وإن استنم قائما، كره رجوعه. وإن شرع فى القراءة حرم رجوعه كما لو نهض عن التشهد الأول (وإن) أدركه المسبوق فى إحدى سجدتى السهو الأخيرة، سجد معه السجدة التى أدركه فيها متابعة له. فإذا سلم إمامه أتى المسبوق بالسجدة الثانية من سجدتى السهو، ليوالى بين السجدتين ثم قضى المسبوق صلاته "لعموم" ¬

(¬1) انظر ص 148 ج 4 شرح المهذب (حكم المسبوق إذا سها فيما أدركه). (¬2) انظر ص 145 سنن الدار قطنى وفى سنده خارجه بن مصعب ضعيف. (¬3) هو بعض حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر. وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع واذا قال سمع الله لمن حمده، فقولولا: اللهم ربنا لك الحمد. واذا سجد فاسجدوا ن ولا تسجدوا حتى يسجد اهـ (8) انظر ص 69، 65 ج 3 دين طبعة ثانية (متابعة المأموم الإمام)

قوله عليه الصلاة والسلام: فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا (¬1). (وإن أدركه) المسبوق بعد سجود السهو وقبل السلام، لم يسجد المسبوق لسهو إمامه، لأن سهو الإمام قد انجبر بسجوده قبل دخوله معه فأشبه ما لو لم يسه. ويسجد مسبوق لسلامه لسلامه مع إمامه سهوا، لأنه صار منفردا بسلام إمامه. ويسجد مسبوق لسهوه مع إمامه. ويسجد مسبوق لسهوه فيما انفرد به ولو كان سجد مع إمامه لسهوه. ولا يعيد المسبوق السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه. لأنه قد سجد وانجبرت صلاته. وظاهره ولو كان سها فيما أدركه مع الإمام. وإن لم يسجد المسبوق مع إمامه لسهوه لعذر، سجد آخر الصلاة. وأن لم يسجد الإمام لسهوه سهوا أو عمدا، لاعتقاده عدم وجوبه، سجد المأموم بعد سلامه والإياس من سجود الإمام، لأن صلاته نقصت بسهو إمامه فلزمه جبرها كما لو انفرد لعذر " ولعموم " قوله عليه الصلاة والسلام: فعليه وعلى من خلفه (¬2) لكن يسجد المسبوق الذى لم يسجد إمامه لسهوه إذا فرغ من قضاء ما فاته، لأن محل سجود السهو آخر الصلاة وإنما كان يسجده مع الإمام متابعة له، وإن ترك الإمام سجود السهو الواجب قبل السلام مع اعتقاده وجوبه عمدا، بطلت صلاته. وفى صلاتهم روايتان. ومقتضى ما تقدم بطلان صلاتهم. وإن كان محله بعد السلام، لم تبطل صلاته ولا صلاتهم أهـ ملخصا (¬3). (فائدة) لا يجود بسهو المأموم لا عليه ولا على الإمام عند الأئمة الأربعة ¬

(¬1) هو بعض حديث أخرجه الشافعى والسبعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وأله وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة. فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا. وفى رواية فاقضوا (9) انظر رقم 71 ص 45 ج 3 دين (ما تدرك به الجماعة) (¬2) هو بعض حديث عمر رقم 7 وتمامه وإن سها من خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافية. (¬3) انظر ص 266 ج 1 كشاف القناع (القسم الثالث مما يشرع له سجود السهو - الشك).

والجمهور لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث عمر: وان سها من خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافيه. ولانه لو سجد وحده قبل السلام كان مخالفا لإمامه. وان أخره إلى ما بعد سلام الإمام يخرج من الصلاه بسلام الإمام , لأنه سلم عمد ممن لا سهو عليه. ولو طلب من الإمام , لانقلب المتبوع تابعا. (السبب الرابع) لسجود السهو , الشك في الصلاة: الشك لغه مطلق التردد بين شيئين سواء استوي طرفاه أم رجح أحدهما فيشمل الوهم والظن وهو المراد هنا. ومن شك في صلاته أنه كم صلي؟ بني علي الأقل المتيقن إماما أو منفردا وسجد للسهو " لحديث " أبى سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلي؟ فليبن علي اليقين ,حتي إذا استيقن أن قد أتم فليسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإنه إن كانت صلاته وتراً صارت شفعاً. وأن كانت شفعاً كان ذلك ترغيما للشيطان. أخرجه مالك واحمد والخمسه إلا البخاري (¬1) {10} قال المنذري: حديث أبى سعيد أصح حديث في الباب أهـ. (وبهذا) قالت الشافعية , وروي عن أحمد قال النووي في المجموع: ¬

(¬1) انظر من 176 ج 2 تيسير الوصول (سجود السهو) وص 130 ج 4 - الفتح الرباني يعني ان السجدتين بمنزله الركعه لانهما ركناها فصار سجود السهو بمنزله ركعه سادسه و (ترغيما للشيطان) لانه لما قصد التلبيس علي المصلي كان سجود السهو - لما فيه من الثواب - إذلالا للشيطان واغاظه له , ولفظ أي داود: فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة. كانت الركعة والسجدتان نافلة، وإن كانت صلاته ناقصة، كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان.

من شك فى عدد الركعات وهو فى الصلاة مذهبنا أنه يبنى على اليقين ويأتى بما بقى. فإذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا؟ لزمه أن يأتى بركعة إذا كانت صلاته رباعية، سواء كان شكه مستوى الطرفين أو ترجح احتمال الأربع، ولا يعمل بغلبة الظن سواء طرأ هذا الشك أول مرة أم تكرر (وبهذا) قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح وربيعة ومالك والثورى أهـ (¬1). (ثم قال) واختلفوا فى سبب سجود السهو هنا فقيل: المعتمد فيه الحديث ولا يظهر معناه واختاره إمام الحرمين والغزالى (والأصح) أن سببه التردد فى الركعة التى يأتي بها، هل هى رابعة أم زائدة تقتضى السجود؟ وهذا التردد يقتضى السجود. فلو زال تردده قبل السلام وقبل السجود وعرف أن التى يأتى بها رابعة، لم يسجد على الأول ويسجد على الثانى. وضبط أصحاب الوجه الثانى صورة الشك وزواله فقالوا: إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله لابد منه على كل احتمال، لم يسجد للسهو. وإن كان زائدا على بعض الاحتمالات سجد. مثاله شك فى قيامه من الظهر أن تلك الركعة ثالثة أم رابعة؟ فركع وسجد على هذا الشك وهو عازم على القيام إلي ركعة أخرى أخذاً باليقين، ثم تذكر قبل القيام إلى الأخرى أنها ثالثة أو رابعة، فلا يسجد، لأن ما فعله مع الشك لابد منه على التقديرين. فإن لم يتذكر حتى قام، سجد للسهو وإن تيقن أن التى قام إليها رابعة، لأن احتمال الزيادة وكونها خامسة كان موجودا حين قام أهـ (¬2). (ومشهور) مذهب المالكية: أن من شك فى صلاته يبنى على الأقل فلو بنى على الأكثر بطلت صلاته إلا إذا كان يأتيه الشك فى كل يوم فى صلاته ¬

(¬1) انظر 111 ج 4 شرح المهذب (المذاهب فيمن شك فى عدد الركعات) (¬2) انظر ص 128 منه (فرع فى قواعد متكررة فى أبواب الفقه) (ولا يظهر معناه) أى لا تعرف حكمته فهو امر تعبدى.

ولو مرة. فإنه يبنى على الأكثر ويعرض عن الشك ويسجد بعد السلام ترغيما للشيطان. فلو بنى على الأقل صحت صلاته، لأنه رجوع إلى الأصل (ومشهور) مذهب الحنبلية أن الأمام إن شك بنى على غالب ظنه إن كان المأموم أكثر من واحد، وإلا بنى على اليقين كالمنفرد، والفرق أن للإمام من ينبهه ويذكره إذا أخطأ: بخلاف المنفرد. قال الشيخ منصور بن إدريس: ويأخذ مأموم عند شكله بفعل إمامه " إذا كان المأموم " اثنين فأكثر، لأنه يبعد خطأ اثنين وإصابه واحد (قال) فى المبدع: وأما المأموم فيتبع إمامه مع عدم الجزم بخطئه وإن جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم قبله. (والمأموم) فى فعل نفسه يبنى على اليقين. فلو شك هل دخل مع الإمام فى الركعة الأولى أو الثانية؟ جعل الدخول معه فى الثانية، فيقضى ركعة إذا سلم إمامه احتياطا، ولو أدرك المأموم الإمام راكعا ثم شك بعد تكبيره للإحرام هل رفعه من الركوع قبل إدراكه راكعا؟ لم يعتد بتلك الركعة، لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه فيه. (وحيث) بنى المصلى على اليقين فإنه يأتى بما بقى عليه من صلاته، ليخرج من عهدته، فإن كان مأموما أتى به بعد سلام إمامه كالمسبوق، ولا يفارقه قبل ذلك، لعدم الحاجة إليه وسجد للسهو، ليجبر ما فعله مع الشك فإنه نقص فى المعنى. " وإن كان " المأموم واحدا وشك فى عدد الركعات ونحوه، لم يقلد إمامه لاحتمال السهو منه - كما لم يرجع عليه الصلاة والسلام لقول ذى اليدين وحده - ويبنى على اليقين لما تقدم، فإن سلم إمامه أتى بما شك فيه. (ولا أثر) لشك المصلى بعد سلامه. وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراغها، لأن الظاهر أنه أتى بها على الوجه المشروع (ومن) شك قبل السلام فى ترك ركن فهو كتركه ويعمل باليقين، لأن الأصل عدمه. ولا يسجد لشكه فى ترك واجب، لأن الأصل عدم وجوبه فلا يسجد بالشك، ولا يسجد لشكه هل سها؟ لأن الأصل عدمه، أو شكه فى زيادة بأن شك فى

التشهد هل زاد شيئا أو لا؟ لم يسجد، لأن الأصل عدم الزيادة إلا إذا شك فيها وقت فعلها، بأن شك فى الأخيرة هل هى زائدة أو لا؟ أو شك وهو ساجد هل سجوده زائد أو لا؟ فيسجد لذلك جبرا للنقص الحاصل فيه بالشك ولا يسجد لشكه إذا زال شكه وتبين أنه مصيب فيما فعله إماما كان أو غيره لزوال موجب السجود، ولو شك من سها هل سجد لسهوه أم لا؟ سجد للسهو وكفاه سجدتان أهـ ملخصا (¬1). (وقال) الأوزاعى والحنفيون: للشك فى الصلاة ثلاث صور: (الأولى) ألا يكون الشك عادة له، بأن لم يسبق له شك قبل ذلك أصلا أو فى الصلاة التى شك فيها، فيستأنف الصلاة بعمل مناف. والسلام قاعداً أفضل، لأنه المحلل، وهو مروى عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو "لحديث" إسحاق بن يحيى بن عبادة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل سها فى صلاته فلم يدركم صلى؟ فقال: ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدا. أخرجه الطبرانى فى الكبير (¬2) {11}، وفيه انقطاع فإن إسحاق لم يسمع من جده عبادة. (وإن) أتم الصلاة على غالب ظنه، لا تبطل غير أنها تكون نقلا ويلزمه أداء الفرض. ولو كانت نفلا ينبغى أن يلزمه قضاؤه وإن أكمله، لوجوب الاستئناف عليه. (الثانية) أن يكون الشك عادة له بأن وقع له مرتين قبل هذه، أو فى ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 1 كشاف القناع (القسم الثالث ك من يشرع له سجود السهو). (¬2) انظر ص 153 ج 2 مجمع الزوائد (باب السهو فى الصلاة)

عمره أو فى صلاته على الخلاف، فيتحرى ويأخذ بأكبر رأيه إن كان له رأى ويسجد للسهو إن طال تفكره قدر أداء ركن، وإن لم يطل تفكره، فلا سجود لما فى حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وإذا شك أحدكم فى صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه فإذا سلم فليسجد سجدتين، أخرجه السبعة (¬1) {12} (ولحديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا؟ فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتمه ثم ليسلم تم ليسجد سجدتى السهو ويتشهد ويسلم، أخرجه الطحاوى (¬2) {13}. (الثالثة) أن يكون الشك عادة له ولكن ليس له رأى أو كان ولم يقع تحريه على شئ فإنه يبنى على الأقل المتيقن ويقعد فى كل موضع ظنه محل قعود ويسجد للسهو، فلو شك فى ركعة من الرباعى مثلا أنها أولى أو ثانية، جعلها الأولى ثم يقعد للتشهد، لاحتمال أنها الثانية، ثم يصلى ركعة ويقعد لذلك، ثم يصلى ركعة ويقعد لاحتمال أنها رابعة، ثم يصلى أخرى ويقعد لذلك. (ولو شك) أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد، ثم صلى أخرى وقعد، ثم الرابعة وقعد، (ولو شك) فى صلاة الصبح وهو قائم أنها الثالثة أو الأولى، لا يتمها بل يقعد قدر التشهد ثم يصلى ركعتين بفاتحة وسورة ويتشهد ويسجد للسهو فى كل ما ذكر، وإن شك وهو ساجد فى أنها أولى أو ثانية، أتمها وقعد قدر التشهد ثم صلى أخري (ولو شك) فى ركعة أنها ثانية الوتر أم ثالثة، قنت وقعد للتشهد، ثم صلى وقنت أيضاً فى الأصح، وسجد للسهو فى كل ذلك. ¬

(¬1) انظر ص 126 ج 4 - الفتح الربانى وص 177 ج 2 تيسير الوصول (سجود السهو). (¬2) (انظر ص 252 ج 1 شرح معانى الآثار 0 الشك فى الصلاة).

وعليه يحمل (حديث) عبد الرحمن بن عوف أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا سها أحدكم فى صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين؟ فليبن على واحدة. فإن لم يدر اثنين صلى أم ثلاثا؟ فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا؟ فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم، أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (¬1) {14}. (وحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا أم أربعا؟ فليبين على اليقين ويدع الشك، فإن كانت صلاته نقصت: فقد أتمها وكانت السجدتان ترغيما للشيطان. وإن كانت صلاته تامه كان ما زاد والسجدتان له نافلة، أخرجه الطحاوى (¬2) {15}. (فوائد) (الأولى) إنما فصل الحنفيون هذا التفصيل فى الشك فى الصلاة وجعلوه ثلاث صور كما ترى، جمعا بين الأحاديث " بحمل " حديث عبادة بن الصامت رقم 11 " على ما " إذا لم يكن الشك عادة له "وحمل " حديثى ابن مسعود رقمى 12 و 13 " على ما " إذا كثر شكه وأمكنه التحرى ووقع تحريه على شئ " وحمل " حديثى عبد الرحمن بن عوف رقم 14 وأبى سعيد الخدرى رقم 15 " على ما " إذا لم يكن له تحر أو لم يقع تحريه على شئ. (ومنه) يعلم أن الحنفيين يفرقون بين التحرى والبناء على اليقين وبه قال أبو حاتم وابن حيان، قال: قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه فى صحيح الآثار، أن التحرى والبناء على اليقين واحد ليس كذلك، لأن التحرى أن يشك المرء فى صلاته فلا يدرى ما صلى؟ فعليه أن يتحرى الصواب ويبنى على الأغلب عنده. والبناء على اليقين أن يشك المرء فى اثنتين والثلاث. أو الثلاث والأربع، فعليه أن يبنى على اليقين وهو الأقل أهـ. ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك فى صلاته فرجع إلي اليقين) وص 176 ج 2 تيسير الوصول (سجود السهو). (¬2) انظر ص 251 ج 1 شرح معانى الآثار (الشك فى الصلاة).

(وقال) الشافعى والجمهور: لا فرق بين التحرى والبناء على اليقين، لأن التحرى القصد، فمعنى قوله فى الحديث: فليتحر الصواب، أى يقصد الصواب ويعمل به وقصد الصواب هو البناء على اليقين وهو الأقل كما فى حديث أبى سعيد. (الثانية) الشك بعد الصلاة لا يعتبر إلا إذا قال له عدل بعد السلام: إنك تركت ركعة مثلا وشك فى صدقة فإنه يعيد احتياطا، لأن الشك فى صدقه شك فى الصلاة. وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) الشافعية: إذا شك بعد السلام فى ركعة أو ركعات أو ركن فالصحيح أنه لا شئ عليه ولا أثر لهذا الشك (وقيل) يجب الأخذ باليقين فإن قرب الفصل وجب البناء وإن بعد وجب الاستئناف. (وبهذا) قالت المالكية، والبعد عندهم يتحقق بالخروج من المسجد، وإن لم يخرج منه أو كان فى غيره، اعتبر العرف أو حصول حدث. (الثالثة) الشك فى صفة الصلاة لا يعتبر، فلو شك فى ثانية الظهر أنه فى العصر وفى الثالثة أنه فى التطوع، وفى الرابعة أنه فى الظهر: يكون فى الظهر ولا عبرة بالشك عند الأئمة الثلاثة. (وقالت) المالكية: يبنى على اليقين، فمن شك أنه فى آخره العشاء أو فى الشفع: يعتبر أنه فى العشاء. ومن شك أنه فى العصر أو الظهر: يعتبر أنه فى الظهر. (الرابعة) إذا اختلف الإمام والقوم بعد السلام بأن قالوا: صليت ثلاثا وقال: بل صليت أربعا، فإن كان على يقين لم يعد، وإلا أعاد بقولهم إلا إن كان معه بعض المأمومين ولو واحدا، فالعبرة بقوله، ولو تيقن واحد بالتمام وآخر بالنقص وشك الإمام والقوم، فعلى المتيقن بالنقص الإعادة، ولو تيقن الإمام بالنقص، لزمهم الإعادة إلا من تيقن التمام، ولو تيقن واحد بالنقص وشك الإمام والقوم، فإن كان فى الوقت، فالأولى الإعادة احتياطا. وإن كان المخبر بالنقص عدلين لزمت الإعادة، وهذا مذهب الحنفيين.

(وقالت) المالكية: إذا أخبر المصلى أماما أو غيره جماعة مستفيضة - يفيد خبرهم العلم الضرورى - بنقص أو زيادة، لزمه الرجوع إلى خبرهم ولو كان متيقنا خلافه. وإذا أخبر الإمام عدلان بنقص أو زيادة، رجع لقولهما ما لم تيقن كذبهما فإن ولم يكن الشك عادة له، لا يرجع لقولهما، بل يبنى على الأقل. وإذا أخبره واحد بالتمام لا يرجع لقوله، بل يبنى على يقين نفسه وإن أخبره بالنقص ولم يكن الشك عادة له، يرجع لقوله لحصول الشك بخبره وإن كان الشك عادة للإمام، بنى على الأكثر ولا يرجع لقول المخبر. (وإن) أخبر العدلان أو الواحد غير الإمام بنقص أو زيادة، بنى على يقينه ولا يرجع لقول أحد ما لم يبلغ حد التواتر كما تقدم. (وقالت) الحنبلية: إذا شك الإمام يلزمه العمل بقول مأمومين يثق بهما ولو غلب على ظنه خطؤهما. ولا يعمل بقول الواحد إلا إذا غلب على ظنه صدقة. (وقالت) الشافعية: إذا شك الإمام يعمل بقول المأموم واحدا أو أكثر ما لم يغلب على ظنه خطأ المخبر ولو اثنين. (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: إذا سبح للإمام اثنان يثق بقولهما، لزمه قبوله والرجوع إليه ولو غلب على ظنه خطؤهما (وقال) الشافعى: إن غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما، لأن من شك فى فعل نفسه لم يعمل بقول غيره، كالحاكم إذا نسى حكما حكم به قشهد به شاهدان وهو لا يذكره (ولنا) أن النبى صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبى بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهم فى حديث ذى اليدين لما سألهم أصدق ذو اليدين؟ فأومئوا نعم (¬1)، مع أنه كان شاكا بدليل أنه أنكر ما قاله ذو اليدين وسألهم عن صحة قوله. ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتسبيح لذكروا الإمام ويعمل بقولهم. ¬

(¬1) (تقدم رقم 405 ص 302 ج 5 دين 0 القسم الأول من الزيادة القولية)

(وروى) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فزاد ونقص إلى قوله: إنما أنا بشر أنسى. فإذا نسيت فذكرونى (¬1)، يعنى بالتسبيح كما روى عنه فى الحديث الآخر. وكذا نقول فى الحاكم إنه يرجع إلى قول الشاهدين. (وإن كان) الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين، لم يجز له متابعتهم (وإذا) ثبت هذا فإنه إذا سبح به المأمون فلم يرجع فى موضع يلزمه الرجوع فيه، بطلت صلاته وليس للمأمومين اتباعه. فإن اتبعوه عالمين بتحريم ذلك بطلت صلاتهم، لأنهم تركوا الواجب عمدا. وإن تابعوه جهلا بتحريم ذلك بطلت صلاتهم صحيحة، لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تابعوه فى التسليم فى حديث ذى اليدين، وفى الخامسة فى حديث ابن مسعود فلم تبطل صلاتهم. (وروى) الأثرم بإسناده عن الزبير أنه صلى العصر فلما سلم قال له رجل من القوم: يا أبا عبد الله إنك صليت ركعات ثلاثا، قال: أكذلك؟ قالوا: نعم، فرجع فصلى ركعة ثم سجد سجدتين (2)، وعن إبراهيم قال: صلى بنا علقمة الظهر خمسا فلما سلم قال القوم: يا أبا شبل قد صليت خمسا. قال كلا ما فعلت، قالوا بلى، وكنت فى ناحية القوم وأنا غلام فقلت: بلى قد صليت خمسا. قال لي أعور وأنت تقول ذلك أيضا؟ قلت نعم فسجد سجدتين {3}، فلم يأمروا من وراءهم بالإعادة، فدل على أن صلاتهم لم تبطل بمتابعتهم. (ومتى) عمل الإمام بغالب ظنه فسبح به المأمون فرجع إليهم فإن سجوده قبل السلام لما فعله من الزيادة فى الصلاة سهوا (قال) الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل جلس في الركعة الأولى من الفجر فسبحوا به ¬

(¬1) هذا بعض حديث أخرجه أحمد وتمامه: وأيكم ما شك فى صلاته فليتحر اقرب ذلك للصواب فليتم عليه ويسلم ثم يسجد سجدتين (16) انظر ص 128 ج 4 الفتح الربانى.

فقام: متى يسجد للسهو؟ فقال قبل السلام. (فإن سبح) الإمام واحد لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه صدقه فيعمل بغالب ظنه لا بتسبيحه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل قول ذى اليدين وحده فإن سبح فسئاق لم يرجع إلى قولهم لأن قولهم غير مقبول فى أحكام الشرع (وإن) افترق المأمومون طائفتين، وافقه قوم وخالفة آخرون: سقط قولهم لتعارضهم كالبينتين إذا تعارضتا. ومتى لم يرجع وكان المأموم على يقين من خطأ الإمام لم يتابعه. وينبغى أن ينتظره، لأن صلاة الإمام صحيحة لم تفسد بزيادة فينتظره أهـ ملخصا (¬1) (الخامسة) لو شك الإمام فلحظ القوم ليعلم إن قاموا قام، ولا قعد فلا بأس به ولا سجود عليه. (السادسة) لو شك فى صلاته أكبَّر للافتتاح أم لا؟ أو أحدث أم لا؟ أو أصابه نجاسة أم لا؟ استأنف الصلاة إن لم يكن الشك عادة له وإلا فلا. (ولو غلب) على ظنه وهو فى الصلاة أنه أحدث أو لم يتطهر ثم ظهر خلافه، استأنف إن كان أدى ركنا وإلا مضى، وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) المالكية: من شك هل أحرم؟ استأنف الصلاة. ومن شك هل أحدث أو أصابته نجاسة؟ تمادى فى صلاته، ثم إن تيقن عدم الحدث أو عدم النجاسة لا إعادة عليه. وإن تيقن الحدث أو النجاسة أعاد وجوباً. ومن تذكر نجاسة أو طرأت عليه وهو فى الصلاة: قطع وجوبا إن قدر على إزالة النجاسة واتسع الوقت لذلك وإلا استمر ولا إعادة عليه. لأن إزالة النجاسة واجبة مع الذكر والقدرة. فمن أتم الصلاة وهو ناس للنجاسة، صحت صلاته وأعاد ندبا فى الوقت. (السابعة) من القواعد أن اليقين لا يزول بالشك، بل يعمل بالمتيقن ويطرح ¬

(¬1) انظر ص 674 ج 1 مغنى (إذا سبح للامام اثان يثق بقولهما).

الشك، فإذا شك فى ترك مأمور يجبر تركه بالسجود، فالأصل أنه لم يفعله فيسجد للسهو أما إذا شك هل ترك مأموراً به أم لا؟ فلا يسجد كما لو شك أسها أم لا؟ فإنه لا يسجد. وإن شك أزاد فى الصلاة ركعة أو سجدة أو غيرهما أم لا؟ أو هل سلم ناسياً؟ لم يسجد، لأن الأصل عدم ولو تيقن السهو وشك هل سجد له؟ فليسجد، لأن الأصل عدم السجود. ولو شك أسجد للسهو سجدة أم سجدتين؟ سجد أخرى. ولو تيقن السهو وشك فى عين ما سها فيه سجد لتحقق سبب السجود. أفاده النووى فى المجموع (¬1). (وقالت) المالكية: من شك هل سجد واحدة أم اثنتين؟ أو ركع أم لا؟ أو قرأ الفاتحة أم لا؟ أتى بما شك فيه. وإن لم يكن الشك عادة له وسجد بعد السلام. وإن كان الشك عادة له، سجد قبل السلام ولا يأتى بما شك فيه. ومن شك هل سجد للسهو واحدة أم اثنتين؟ سجد الثانية، ومن شك هل سجد للسهو؟ أتى به ولا سجود عليه. (الثامنة) لو أدرك مسبوق الإمامَ راكعاً وشك هل أدرك ركوعه المجزئ؟ فالصحيح أنه لا تحسب له الركعة، وعليه يطلب منه سجود السهو كما لو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا؟ ولا يقال يتحمل الإمام سهوه، لأنه بعد سلام الإمام شاك فى عدد الركعات. أفاده النووى فى المجموع (¬2). (وبه) قالت المالكية: غير أنهم قالوا لا سجود عليه. الفرع الثالث لسجود السهو - محله (¬3). مدار سجود السهو على ستة أحاديث وهى: ¬

(¬1) أنظر ص 128 ج 4 شرح المهذب (قواعد متكررة فى ابواب الفقه) وص 129 منه. (¬2) أنظر ص 128 ج 4 شرح المهذب (قواعد متكررة فىأابواب الفقه) وص 129 منه. (¬3) والأول حكمه وتقدم ص 280 ج 5 دين والثانى سببه وتقدم ص 282.

(1) حديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم سَّلم فى ثلاث ركعات من العصر ثم دخل الحجرة فكلمة الخِر باق فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (¬1). (2) وحديث أبى هريرة فى قصة ذى اليدين وفيه: أن النبى صلى الله عليه وسلم سلم فى الرباعية من اثنتين ومشى وتكلم وسجد بعد السلام (¬2). (3) وحديث ابن مسعود وفيه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قام إلى خامسة وسجد بعد السلام (¬3) (4) وحديث عبد الله بن مالك بن بحينة وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم قام اثنتين من الظهر لم يجلس فسجد قبل السلام (¬4). (5) وحديث أبى سعيد الخدرى فيمن شك فى صلاته وفيه أنه يسجد قبل السلام (¬5). (6) وحديث عبد الرحمن بن عوف فيمن شك كم صلى؟ وفيه السجود قبل السلام. (¬6). (وقد) تقدمت هذه الأحاديث وأحاديث أخرى بمعناها. ولذا اتفق العلماء على أنه يجوز سجود السهو قبل السهو وبعده للنقص والزيادة. ولكن اختلفوا ¬

(¬1) هما بعضا حديثين تقدما رقم 404 و 405 ص 302 ج 5 دين - (الزيادة القولية). (¬2) هما بعضا حديثين تقدما رقم 404 و 405 ص 302 ج 5 دين - (الزيادة القولية). (¬3) هو بعض حديث تقدم تاما رقم 400 ص 298 ج 5 (القيام لزائدة) (¬4) هو بعض حديث تقدم فى بحث " القيام لثالثة بلا تشهد " رقم 399 ص 293 ج 5 دين. (¬5) هو بعض حديث تقدم فى بحث " الشك فى الصلاة " ص 24] 10 ج [ (¬6) هو بعض حديث تقدم فى " الصورة الثالثة من صور الشك فى الصلاة " ص 29 {14}

فى الأفضل (فقال) الحنفيون والثورى: الأفضل السجود بعد السلام وبه قال على وسعد بن أبى وقاص وعمار بن ياسر وابن مسعود وعمران بن حصين وأنس والمغيرة بن شعبة من الصحابة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصرى والنخعى وعمر بن العزيز وغيرهم من التابعين (واستدلوا) " بأحاديث " عمران وذى اليدين وابن مسعود المذكورة. " وبحديث " ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعدما يسلم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند فيه إسماعيل بن عياش (¬1) {17} وفيه مقال. لكن قال البخارى: إذا حدث عن أهل بلده يعنى الشاميين فصحيح أهـ وهذا الحديث من روايته عن الشاميين. فتضعيف الحديث به غير مسلم. " وبحديث " أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فلما سلم سجد سجدتين ثم سلم. أخرجه أحمد (¬2) {18} " وبحديث " عبد الله بن جعفر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شك فى صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى (¬3) {19}، وفى سنده مصعب بن شيبه وفيه مقال. لكن يعضده أحاديث الباب (وقال) الأوزاعى والليث بن سعد والشافعى فى الجديد: الأفضل أن يكون السجود قبل السلام (واستدلوا) بأحاديث عبد الله بن بحينة وأبى سعيد وابن عوف المذكورة آنفاً. ¬

(¬1) انظر ص 155 ج 4 - الفتح الربانى وص 169 ج 6 - المنهل العذب (من نسى ان يتشهد) وص 190 ج 1 - سنن ابن ماجه (من سجدهما بعد السلام) (¬2) انظر ص 157 ج 4 - الفتح الربانى (السجود بعد السلام). (¬3) انظر ص 157 منه وص 160 ج 6 - المنهل العذب (من قال بعد التسليم) وص 185 ج 1 - مجتبى (باب التحرى).

(وللشافعية) قولان آخران (أحدهما) أن التقديم والتأخير سواء فى الفضيلة (والثانى) أن السجود إن كان لزيادة فالأفضل فيه أن يكون بعد السلام، وإلا فالأفضل كونه قبل السلام، جمعاً بين الأحاديث السابقة. (وبهذا) قالت المالكية. والمشهور عنهم أن تأخير القبلى مكروه وتقديم البعدى حرام. وإذا اجتمع نقص وزيادة، غلّب النقص على الزيادة وسجد قبل السلام وبهذا يكون استعمال الخبرين جميعاً. واستعمال الأخبار على وجهها أولى من أدعاء النسخ. (وقال) أحمد: الأفضل استعمال كل حديث ورد فى سجود السهو على ما ورد فيه. وما لم يرد فيه شئ، فالأفضل فيه السجود قبل السلام (قال) الأثرم: قال أحمد: سجد النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة مواضع بعد السلام، وفى غيرها قبل السلام. قلت: اشرح الثلاثة المواضع التى بعد السلام قال: سلم من ركعتين فسجد بعد السلام. هذا حديث ذى اليدين (¬1) وسلم من ثلاث فسجد بعد السلام. هذا حديث عمران بن حصين (¬2) وحديث ابن مسعود فى موضع التحرى سجد بعد السلام (¬3). (واختلف) فيمن سها فصلى خمساً هل يسجد قبل السلام أو بعده؟ على روايتين (وما عدا) هذه المواضع الثلاثة يسجد لها قبل السلام رواية واحدة. (وحكى) ابو الخطاب عن أحمد روايتين أخريين (إحداهما) أن السجود كله قبل السلام وهو مذهب الشافعى، لحديث ابن بحينه وأبى سعيد (¬4). ¬

(¬1) يشير الى حديث ابى هريرة رقم 2 هامش ص 35. (¬2) تقدم رقم 1 هامش ص 35. (¬3) وتقدم رقم 12 ص 28. (¬4) حديث ابن بحينة، تقدم رقم 4 هامش ص 35 وتقدم ص 293 ج 5 - دين وص 19، 13 وحديث ابى سعيد تقدم رقم 5 بهامش ص 35.

(وقال) الزهرى: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ولأنه تمام الصلاة وجبر لنقصها فكان قبل سلامها كسائر أفعالها (والثانية) أن ما كان من نقص سجد له قبل السلام، لحديث ابن بحينة. وما كان من زيادة سجد له بعد السلام، لحديث ذى اليدين، وحديث ابن مسعود حين صلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خمسا (¬1) وهذا مذهب مالك وأبى ثور (¬2). الفرع الرابع لسجود السهو - السجود فى النفل: النفل فى سجود السهو كالفرض عند الجمهور، لعموم الأحاديث السابقة (وقال) ابن سيرين وقتادة: لا يشرع السجود فى النافلة. وروى عن الشافعى فى القديم (قال) فى المهذب. وهذا لا وجه له، لأن النفل كالفرض فى النقصان فكان كالفرض فى الجبران أهـ. (وقالت) المالكية: السهو فى النفل كالسهو فى الفرض إلا فى ست مسائل (إحداها) الفاتحة، فلو نسيها فى النافلة وتذكر بعد الركوع، تمادى وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يلغى تلك الركعة ويأتى بركعة أخرى ويسجد قبل السلام إن كانت الركعة الملغاه من الأوليين. وإلا فبعد السلام (الثانية والثالثة والرابعة) السورة والجهر والسر، فمن نسى واحدة منها فى النافله، فلا سجود عليه بخلاف الفريضة فيسجد (الخامسة) من قام إلى ثالثة فى النافله فإن تذكر قبل عقد ركوعها، رجع وسجد بعد السلام. وإلا تمادى وزاد رابعة وسجد قبل السلام، بخلاف فى الفريضى فإنه يرجع متى ذكر أنه زاد ويسجد بعد السلام (السادسة) من نسى ركنا من النافلة كالركوع ولم يتذكر حتى سلم وطال، فلا إعادة عليه، بخلاف الفريضة فإنه يعيدها أبداً. قال أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: وحكم النافلة حكم الفرض فى سجود ¬

(¬1) تقدم رقم 3 بهامش ص 35. (¬2) ملخص من سنن ابن قدامة ص 677 ج 1 - (متى يكون السجود بعد السلام).

السهو فى قول عامة أهل العلم. لا نعلم فيه مخالفاً، إلا أن ابن سيرين قال: لا يشرع فى النافلة. وهذا يخالف عموم قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين (¬1). وقال: إذا نسى أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين (¬2) {20} ولم يفرق، ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فيسجد لسهوها كالفريضة. ولو قام فى صلاة الليل فحكمه حكم القيام الى ثالثة فى الفجر نص عليه أحمد (وقال) مالك: يتمها أربعا ويسجد للسهو ليلا كان أو نهارا (وقال) الأوزاعى: فى صلاة النهار كقوله وفى صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه فى الثالثة جلس وسجد للسهو وإن ذكر بعد ركوعه أتمها أربعا قول النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى (¬3) {21} ولأنها صلاة شرعت ركعتين فكان حكمها ما ذكرنا فى صلاة الفجر. فأما صلاة النهار فيتمها أربعا. (ولا يشرع) السجود للسهو فى صلاة جنازة، لأنها لا سجود فى صلها ففى جبرها أولى. ولا فى سجود تلاوة، لأنه لو شرع لكان الجبر زائداً على الأصل أهـ (¬4). الفرع الخامس لسجود السهو - كيفية سجود السهو: كيفيته عند الحنفيين أن يسجد سجدتين بعد السلام الأول على ما اختاره الجمهور أو الثانى على ما صححه فى الهداية. ويكبر للسجود ويسبح فيه كتسبيح السجود للصلاة ندباً. وبعد السجدتين يتشهد وجوباً، ويصلى على النبى صلى الله ¬

(¬1) أخرجه مسلم عن ابن مسعود وتقدم برقم 2 بهامش ص 11. (¬2) أخرجه مسلم عن ابن مسعود بلفظ: إذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين، وتقدم بصفحة 11. (¬3) أخرجه الجماعة عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الليل مثنى مثنى انظر رقم 442 ص 308 ج 2 دين طبعة ثانية. (¬4) انظر ص 702 ج 1 - مغنى (النافلة كالفرض فى سجود السهو).

عليه وسلم ويدعو ندباً فى قعدة السهو على المختار، لأن موضعهما آخر الصلاة وقيل يأتى بهما فى القعدتين احتياطاً، ويسلم وجوباً " لحديث " أبى هريرة وابن مسعود رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سجدتا السهو بعد التسليم وفيهما تشهد وسلام، أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس (¬1) {22} (وروى) أبو عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال: السهو أن يقوم فى قعود أو يقعد فى قيام، أو يسلم فى الركعتين. فإن يسلم ثم يسجد سجدتى السهو ويتشهد ويسلم. اخرجه الطحاوى (¬2) {4}. (وقالت) المالكية: كيفيته أن يسجد سجدتين كسجود الصلاة ثم يتشهد ندباً بلا دعاء ولا صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى السجود البعدى، وكذا فى القبلى على المشهور. (وقالت) الحنبلية: يتشهد وجوباً فى البعدى ولا يتشهد فى القبلى (قال) الشيخ منصور بن إدريس: ومتى سجد للسهو بعد السلام، كبر ثم سجد سجدتين كسجود صلب الصلاة. ثم جلس مفترشاً فى الثنائية ومتوركا فى غيرها فتشهد وجوبا التشهد الأخير ثم سلم. وهو قول جماعة منهم ابن مسعود " لحديث " عمران ابن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. رواه أبو داود والترمذى وحسنة (¬3) {23} ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد يعقبه كسجود الصلب وإن سجد قبل السلام، سجد سجدتين بلا تشهد بعدهما إجماعا. وسجود سهو كسجود صلب الصلاة. وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود صلب الصلاة، لما تقدم فى حديث ابى هريرة فى قصة ذى اليدين: ¬

(¬1) انظر رقم 4684 ص 102 ج 4 فيض القدير. (¬2) انظر ص 256 ج 1 شرح معانى الآثار (سجود السهو اقبل التسليم أم بعده). (¬3) انظر ص 170 ج 6 - المنهل العذب (باب سجدتى السهو فيهما تشهد وتسليم) وص 305 ج 1 تحفة الأحوذى (التشهد فى سجدتى السهو).

ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر (¬1). (وقالت) الشافعية: سجود السهو سجدتان بينهما جلسة يفترش فيها ويتورك بعدهما ثم يسلم بلا تشهد ولو سجد بعد السلام على الصحيح. وصفه السجدتين فى الهيئة والذكر صفة سجدات الصلاة. الفرع السادس لسجود السهو - تعدد سبب السجود: إذا سها المصلى سهوين فأكثر، كفاه سجدتان للجميع " لحديث " عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سجدتا السهو فى الصلاة تجزئان من كل زيادة ونقصان. أخرجه أبو يعلى وابن عدى والبيهقى (¬2) {24}. (وبهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور (فعند) الحنفيين لا يتكرر سجود السهو بترك أكثر من واجب، حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة ساهياً، لا يلزمه أكثر من سجدتى، لعدم ورود الشرع بتكريره، لكن تقدم أن المسبوق يتابع إمامه فى السجود. ثم إذا سها فى قضاء ما عليه فإنه يسجد ثانياً، فقد تكرر السجود (وأجاب) فى البدائع بأن التكرير فى صلاة واحدة غير مشروع وهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة، لأن المسبوق كالمنفرد فيما يقضى. ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فيها الإمام يتابعه المقيم فى السهو وعلى تقدير سهوه فى إتمام صلاته يسجد فى أصح يسجد فى أصح الروايتين، لكن لما كان منفرداً فى ذلك كان صلاتين حكما أهـ. (وقال) ابن قدامة فى المغنى: إذا سها سهوين أو أكثر من جنس. كفاه سجدتان للجميع. لا نعلم أحداً خالف فيه. وإن كان السهو من جنسين فكذلك ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 1 - كشاف القناع وحديث ابى هريرة تقدم رقم 405 ص 302 ج 5 دين (زيادة القول) (¬2) انظر رقم 4683 ص 102 ج 4 - فيض القدير وفيه تفرد به حكيم بن نافع الرقى ابو زرعة: ليس بشئ.

حكاه ابن المنذر قولا لأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعى والثورى ومالك والليث والشافعى وأصحاب الرأى، وذكر أبو بكر فيه وجهين أحدهما ما ذكرنا والثانى يسجد سجودين (¬1). (وقال) النووى فى المجموع: إذا اجتمع فى صلاته سهوان أو أكثر من نوع أو أنواع بزيادة أو بنقصان أو بهما، كفاه للجميع سجدتان. ولا يجوز أكثر من سجدتين. ولا يكرر حقيقة السجود وقد تُكرر صورته فى مواضع. (منها) إذا سجد المسبوق وراء الإمام يعيده فى آخر صلاته على الصحيح (ومنها) لو سها الإمام فى صلاة الجمعة فسجد للسهو فخرج وقت الصلاة قبل السلام، فالمشهور أنه يتمها ظهراً ويسجد للسهو، لأن السجود الأول لم يقع فى آخر الصلاة (ومنها) لو ظن أنه سها فسجد للسهو ثم بأن قبل السلام أنه لم يسه فوجهان (أصحهما) يسجد ثانيا، لأنه زاد سجدتين سهوا (والثانى) أنه لا يسجد بل يكون سجوده جابرا لنفسه ولغيره (ومنها) لو سها مسافر فى صلاة مقصورة فسجد ثم نوى الإتمام قبل السلام أو صار مقيما بانتهاء السفينة على وطنه، وجب الإتمام ويعيد السجود (ومنها) لو سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره فوجهان (أحدهما) يعيده، كما لو تكلم أو سلم بين سجدتى السهو أو فيهما، فإنه لا يعيده بلا خلاف، لأنه لا يؤمن من وقوع مثله فيتسلسل (ومنها) لو شك هل سها أم لا؟ فقد سبق أنه لا يسجد، فلو توهم أنه يقتضى السجود فسجد، أمر بالسجود ثانيا لهذه الزيادة (ومنها) لو ظن أن سهوه لترك القنوت فسجد له، فبان قبل السلام أنه لغيره فوجهان (أحدهما) يعيد السجود لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر (وأصحهما) لا يعيده، لأنه قصد جبر الخلل (ولو) سجد للسهو ثلاثا لم يسجد لهذا السهو (ونقل) العبدرى إجماع المسلمين على أنه إذا سها فى سجود السهو لم يسجد لهذا السهو. ولو شك هل ¬

(¬1) انظر ص 696 ج 1 مغنى (سجود السهو لا يتعدد بتعدده).

سجد للسهو سجدة أو سجدتين؟ فأخذ بالأقل فسجد أخرى فبان أنه كان سجد سجدتين، لم يعد السجود أهـ. ملخصا (¬1). (وقال) الأوزاعى: إذا كان السهوان من جنسين بأن كان أحدهما قبل السلام والآخر بعده، سجد لكل سجدتين وإن كان السهو زيادة أو نقصاً كفاه سجدتان (وقال) ابن أبى ليلى: يتكرر السجود بتكرر سببه مطلقاً ولا يتداخل (واستدلا) بما تقدم عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (¬2) {25} (ورد) بأنه لا دليل فيه على تكرير السجود، لأن المراد أن لكل سهو فى صلاة سجدتين والسهو وإن كثر فيها فهو داخل تحت لفظ السهو، فالتقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان، ولذا قال: لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ولا يلزمه بعد السلام سجودان. الفرع السابع لسجود السهو - تدارك السجود: من كان عليه سجود سهو وسلم لا يريد السجود، فعليه أن يسجد ما لم يتكلم أو يتحول عن القبلة، لأن السلام ذكر فلا يقطع الصلاة ولو مع تذكر السهو (وقيل) التحول لا يمنع من السجود ما لم يخرج من المسجد أو يتكلم. (ولو) سلم ناسيا السهو، لزمه السجود ما دام فى المسجد ولم يوجد منه منه مناف للصلاة. وإن كان فى غير المسجد فإن تذكر قبل مجاوزة الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره، أتى بالسجود. وإن مشى أمامه فالأصح اعتبار موضع سجوده أو سترته إن كان له ستره. وإن وجد مناف للصلاة أو خرج من المسجد ونحوه مما تقدم، سقط سجود السهو وأعاد الصلاة وجوبا وهذا مذهب الحنفيين (وقالت) المالكية: من ترك السجود البعدى عمدا أو سهوا، لا تبطل ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 4 شرح المهذب (إن اجتمع سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان). (¬2) تقدم رقم 17 ص 36 (محل سجود السهو).

صلاته ويأتى به متى ذكره ولو بعد سنين. ومن ترك السجود القبلى سهوا أو عمدا، سجدة إن تذكره عن قرب ولم يخرج من المسجد. فإن لم يسجد وطال الفصل، بطلت صلاته إن كان لترك ثلاث سنن سهوا. وإلا لا تبطل. (وحاصل) مذهب الشافعية ما ذكره النووى فى المجموع بقوله: فإذا قلنا إنه (يعنى سجود السهو) قبل قبل السلام فسلم قبل السجود، فإن سلم عامدا عالما السهو فوجهان (أصحهما) أنه فوت السجود ولا يسجد (والثانى) يسجد إن قرب الفصل وإلا فلا. فعلى هذا إذا سجد لا يكون عائدا إلى الصلاة، وإن سلم ناسيا فإن طال الفصل فقولان: الحديد الأظهر لا يسجد. والقديم يسجد. وإن لم يطل الفصل وبداله أن لا يسجد، فذاك والصلاة صحيحة وحصل التحلل بالسلام على الصحيح، وإن أراد أن يسجد فالصحيح أنه يسجد " لحديث " ابن مسعود (¬1) فإن سجد فهل يكون عائدا إلى حكم الصلاة؟ فيه وجهان (أصحهما) يكون عائدا. وقيل لا يكون عائدا (ويتفرع) على الوجهين مسائل (منها) لو تكلم عامدا أو أحدث فى السجود بطلت صلاته على الوجه الأول دون الثانى (ومنها) لو كان السهو فى صلاة جمعة وخرج الوقت وهو فى السجود، فاتت الجمعة على الوجه الأول دون الثانى (ومنها) ولو كان مسافراً يقصر الصلاة ونوى الإتمام فى السجود، لزمه الإتمام على الوجه الأول دون الثانى (ومنها) هل يكبر للافتتاح ويتشهد؟ إذا قلنا بالأول لا يكبر ولا يتشهد لكن يجب عليه إعادة السلام بعد السجود. وإن قلنا بالثانى كبر ولا يتشهد على الأصح، لأنه لم يصح فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم سئ أهـ ملخصا (¬2). ¬

(¬1) أخرجه السبعة بلفظ: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا فقيل له: أزيد فى الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قال صليت خمسا، فسجد سجدتين بعد ما سلم وتقدم رقم 400 ص 298 ج 5 دين (القيام لزائدة). (¬2) انظر ص 155 ح 4 شرح المهذب (تدارك سجود السهو).

جـ 6

(وحاصل) مذهب الحنبلية أن ترك السجود الواجب القبلى عمدا يبطل الصلاة كترك غيره من الواجبات. ولا تبطل بترك السجود البعدى، لأنه جبر للعبادة خارج عنها، فلا تبطل بتركه كجبر الحج، ولأنه واجب لها كالأذان. وفرق بين الواجب فى الصلاة والواجب لها، لأن الأذان واجب للصلاة كالجماعة ولا تبطل بتركه. بخلاف الواجبات فى الصلاة إذا ترك المصلى منها شيئا. افاده الشيخ منصور بن إدريس (¬1). (وإن نسى) أن عله سجودا وسلم ثم ذكر، كبر وسجد سجدتى السهو وتشهد وسلم ما دام فى المسجد وإن تكلم، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام (فقد) قال ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل تشوش القوم بينهم فقال ما شأنكم؟ قالوا: يار سول الله هل زيد فى الصلاة؟ قال لا. قالوا فإنك قد صليت خمساً. فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم (الحديث) أخرجه مسلم (¬2) {26} ... ثم الكلام بعد هذا فى ثمانية أصول: (الأول) سجدة التلاوة هى سجدة واحدة بين تكبيرتين يأتى بها القارئ والسامع آيه من آيات السجود الآتى بيانها. (وهى) مشروعه بالسنة وإجماع الأمة (قال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ السورة التى فيها السجدة فى غير صلاة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬3) {27}. ¬

(¬1) انظر ص 268 جـ 1 - كشاف القناع قبل (صلاة التطوع). (¬2) انظر ص 65 حـ 5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة والسجود له). (¬3) انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول (سجود التلاوة).

والكلام فيه ينحصر فى اثنى عشر فرعاً: (1) سبب سجود التلاوة: سببه التلاوة من عاقل مميز غير ممنوع من التلاوة فى حق التالى اتفاقا وكذا السامع على ما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى. (2) شرط السجود: يشترط لصحته ما يشترط لصحة الصلاة ما عدا التحريمة ونية تعيين أنها سجدة آية كذا عند الجمهور، لأن سجود التلاوة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط للصلاة. (قال) النووى فى المجموع: حكم سجود التلاوة فى الشروط حكم صلاة النفل فيشترط فيه طهارة الحدث والطهارة عن النجس فى البدن والثوب والمكان، وستر العورة واستقبال القبلة ودخول وقت السجود، بأن يكون قد قرأ الآية أو سمعها. فلو سجد قبل انتهاء آية السجدة ولو بحرف واحد لم يجز (¬1). (وقال) الإمام أبو بكر بن مسعود الكاسانى فى البدائع " كل ما هو " شرط جواز الصلاة من طهارة الحدث وهى الوضوء والغسل، وطهارة النجس وهى طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود " فهو شرط" جواز السجدة (أى سجدة التلاوة) لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة. ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم إلا ألا نجد ثمة ماء أو يكون مريضا. وكذا لا يجوز أداؤها إلا إلى القبلة حال الاختيار إذا تلاها على الأرض ولا يجزيه الإيماء كما فى سجدات الصلاة. فإن اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة فأخطأ القبلة أجزأه، لأن الصلاة بالتحرى إلى غير جهة القبلة جائزة فالسجدة أولى. ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 4 شرح المهذب (شروط سجود التلاوة).

(ولو تلاها) على الراحلة وهو مسافر أو تلاها على الأرض وهو مريض لا يستطيع السجود، أجزأه الإيماء، لأن التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان فى اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض والنذر. (وما وجب) من السجدة فى الأرض لا يجوز على الدابة، وما وجب على الدابة يجوز على الأرض، لأن ما وجب على الأرض وجب تاماً فلا يسقط بالإيماء الذى هو بعض السجود. فأما ما وجب على الدابة وجب بالإيماء، لما روى عن على رضى الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ بها إيماء، وروى عن ابن عمر أنه سئل عمن سمع سجدة وهو راكب قال: فليوم إيماء. وإذا وجب الإيماء: فإذا نزل وأداها على الأرض، فقد أداها تامة فكانت أولى بالجواز ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالإيماء جاز. (كذا) يشترط لها ستر العورة لما قلنا. ويشترط النية لأنها عبادة فلا تصح بدون النية. وكذا الوقت حتى لو تلاها أو سمعها فى وقت غير مكروه فأداها فى وقت مكروه ولا تجزئه، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص كالصلاة. ولو تلاها فى وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه، لأنه أداها كما وجبت. وإن لم يسجدها فى ذلك الوقت مكروه وسجدها فى وقت أخر مكروه، جاز أيضاً، لأنه أداها كما وجبت، لأنها وجبت ناقصة وأداها ناقصة كما فى الصلاة إلا أنه لا يشترط لها التحريمة عندنا، لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة ولم توجد وكذلك كل ما يفسد الصلاة عندنا من الحدث والعمل والكلام والقهقهة فهو مفسد لها وعليه إعادتها كما لو وجدت فى سجدة الصلاة (¬1). (وقال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه ¬

(¬1) انظر ص 186 ج 1 - بدائع الصنائع (شرائط جواز سجدة التلاوة).

فى الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها (وبه) قال سعيد بن المسيب قال: ويقول: اللهم لك سجدت (وعن) الشعبى فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه (ولنا) قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور (¬1) {28} فيدخل فى عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع (¬2) (ثم قال) ولا يسجد فى الأوقات التى لا يجوز أن يصلى فيها تطوعا. وقد سئل أحمد عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد؟ قال لا (وبهذا) قال أبو ثور. وروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق. وكره مالك قراءة السجدة وقت النهى. وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد (وبه) قال الشافعى. وروى ذلم عن الحسن والشعبى وسالم والقاسم وعطاء وعكرمة. ورخص فيه أصحاب الرأى قبل الشمس (ولنا) عموم قوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس (¬3) {29} وروى أبو داود عن أبى تميمة الهجيمى قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد فنهانى ابن عمر فلم أنته ثلاث مرار. ثم عاد فقال: إنى صليت خلف النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومع أبى بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس أهـ (¬4) {30} (وقال) القرطبى فى تفسيره: وأما وقته فقيل يسجد سائر الأوقات مطلقاً ¬

(¬1) هو صدر حديث أخرجه السبعة إلا البخارى عن ابن عمر وتقدم رقم 261 ص 268 ج 1 - دين (الطهارة للصلاة). (¬2) انظر ص 654 ج 1 - مغنى (الطهارة والتكبير لسجود التلاوة). (¬3) أخرجه أحمد والشيخان عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس وتقدم رقم 44 ص 28 ج 2 دين (الأوقات المنهى عن الصلاة فيها). (¬4) انظر ص 656 ج 1 مغنى (سجود التلاوة فى أوقات الكراهة) والحديث ص 38 ج 8 - المنهل العذب (من يقرأ السجدة بعد الصبح).

لأنها صلاة لسبب. وهو قول للشافعى وجماعة (وقيل) ما لم يسفر الصبح أو ما لم تصفر الشمس بعد العصر (وقيل) ولا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر (وقيل) يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر. وهذه الثلاثة الأقوال فى مذهبنا (أى المالكية) وسبب الخلاف " معارضة " ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها " لعموم " النهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح واختلافهم فى المعنى الذى لأجله نهى عن الصلاة فى هذين الوقتين (¬1). (وقال) الشافعى: لا يكره سجود التلاوة فى أوقات النهى عن الصلاة، وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبى وعكرمة وحسن البصرى ومالك فى وراية. (وقالت) طائفة: يكره (منهم) ابن عمر وابن المسيب ومالك فى رواية. (وقال) الشعبى: لا تشترط الطهارة ورجحه بعضهم. (قال) العلامة الصنعانى فى سبل السلام: الأصل أنه لا تشترط الطهارة إلا بدليل، وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة. والسجدة لا تسمى صلاة. فالدليل على من اشترط ذلك (¬2) وقال العلامة الشوكانى: ليس فى أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئاً. وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحداً منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعاً متوضئين. (وقد وروى) البخارى أن ابن عمر كان يسجد على غيره وضوء " أما ما رواه " البيهقى عنه بإسناد صحيح أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر " فيجمع " ¬

(¬1) أنظر ص 358 ج 7 - الجامع لأحكام القرآن (الخامسة وقت سجود التلاوة). (¬2) انظر ص 294 ج 1 سبل السلام (هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة).

بينهما بأنه محمول على الطهارة الكبرى أو على حالة الاختبار. والأول على الضرورة أهـ بتصرف (¬1). (3) ركن السجود: ركنه وضع الجبهة على الأرض كسجود الصلاة أو ما يقوم مقامه كالإيماء للمريض والتالى على الدابة. وهل يقوم مقامه ركوعه الصلاة وسجودهما؟ (قال) الحنفيون: يقومان مقامه إن نوى بركوع الصلاة سجود التلاوة، وكان على الفور من قراءة آية أو آيتين. ويقوم السجود مقامه وإن لم ينوه مستدلين بقوله تعالى: وخر راكعاً وأناب (¬2) (وعن) أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال: " إذا قرأت " سورة فيها سجدة بين السجدة والخاتمة آية أو آيتان، مثل بنى إسرائيل (¬3) والأعراف والنجم وإذا السماء انشقت " فأنت " بالخيار، إن شئت ركعت بها وأجزأتك. وإن شئت سجدت بها وقمت فقرأت غيرها ثم ركعت وإن صلت بها سورة فلابد أن تسجد بها. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (¬4) (5) ولأن المقصود الخضوع. (وقال) الجمهور: لا يقوم ركوع الصلاة وسجودهما مقام سجود التلاوة فى حال الاختيار قياساً على سجود الصلاة (وأجابوا) على الآية بأن هذا شرع من قبلنا. فإن سلمنا أنه شرع لنا. حملنا الركوع هنا على السجود كما اتفق عليه المفسرون، وأما قولهم: المقصود الخضوع فجوا به أن الركوع ليس فيه من الخضوع ما فى السجود. فأما العاجز عن السجود فيومئ به كما فى سجود الصلاة. أفاده النووى (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 127 ج 3 نيل الأوطار (فائدة فى بيان أن الطهارة لا تعتبر لسجود التلاوة). (¬2) سورة ص عجز آية 24 وصدرها قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك. (¬3) هى سورة الإسراء. (¬4) انظر رقم 117 ص 24 الاثار (سجود التلاوة). (¬5) انظر ص 72 ج 4 شرح المهذب (السابعة من مسائل سجود التلاوة).

(4) حكم السجود: هو سنة " لقول " زيد بن ثابت: قرأت على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم النجم فلم يسجد. أخرجه البيهقى والدار قطنى والسبعة إلا ابن ماجه (¬1) {31} فلو كان السجود واجباً ما تركه النبى صلى الله عليه وسلم " وعن ربيعه بن عبد الله " أنه حضر عمر رضى الله عنه وقرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى إذا جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال: أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب. ومن لم يسجد فلا إثم عليه. أخرجه مالك والبخارى والبيهقى (وفى) رواية للبخارى: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء (¬2) {6} (وعن) عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: قرأ فلان عندك السجدة فسجدت. وقرأت فلم تسجد؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدتَ سجدتُ. أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى وقال: ورواه قرة عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة موصولا وقرة ضعيف (¬3). {32} ¬

(¬1) انظر ص 324 ج 3 سنن البيهقى (لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارئ) وص 183 ج 5 مسند أحمد، وص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) (¬2) انظر ص 177 منه (سجود التلاوة) وص 321 ج 2 سنن البيهقى (من لم ير وجوب سجدة التلاوة). (¬3) انظر ص 102 ج 1 بدائع المنن (سجود التلاوة) وص 324 ج 2 البيهقى (من قال لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارئ).

(وجه) الدلالة أن سجود التلاوة لو كان واجبا، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم القارئ بالسجود وسجد معه ولم يتركه. (وبهذا) قال الجمهور منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسى وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق. (وقال) الحنفيون: سجود التلاوة واجب على التراخى فى غير الصلاة أما فيها فعلى الفور لصيرورته جزءا منها ن ولذا قالوا: إذا قالوا: إذا قرأ آية السجدة فى الصلاة ولم يركع ولم يسجد حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة، لم تكف. وكذا لو نواها فى السجدة الصلبية. ولا تقضى خارج الصلاة، ويكون تاركها آثما. والدليل على وجوبه (حديث) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرأ ابن آدم السحدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة. وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقى (¬1) {33} (وجه) الدلالة أن الحكيم إذا حكى عن غيره كلاما ولم ينكره، كان دليل الصحة. وهذا ظاهر فى الوجوب (ويدل) عليه أيضاً آيات السجود، لأنها ثلاثة أقسام: قسم فيه الأمر الصريح، وقسم فيه حكاية سجود الأنبياء. وقسم فيه حكاية استنكاف الكفرة من السجود حيث أمروا به. وكل من امتثال الأمر والاقتداء بالأنبياء ومخالفة الكفرة واجب. (أقول) لا خلاف فى الواقع بين الجمهور والحنفيين، لأن الواجب عندهم بمنزلة السنة المؤكدة عند غيرهم (5) آيات السجود: يطلب سجود التلاوة فى خمسة عشر موضعاً من القرآن (أربعة) فى النصف ¬

(¬1) انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول (سجود التلاوة) ورقم 791 ص 415 ج 1 فيض القدير.

الأول وهى (أ) فى آخر الأعراف عقب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬1) {206} (ب) وفى الرعد عقب قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (¬2) {15} (ج) وفى النحل عند الحنفيين عقب قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (¬3) {49} (وقال) غيرهم: السجود يكون عقب قوله تعالى {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬4) {50} ¬

(¬1) (إن الذين عند ربك) يعنى الملائكة، والعندية عنديه مكانة لا مكان، أو المراد عند عرش ربك (لا يستكبرون عن عبادته) أى لا يتكبرون عن طاعته (ويسبحونه) أى يعتقدون تنزيهه عما لا يليق به (وله يسجدون) أى يخصونه بالخضوع والتذلل له. فكونوا مثلهم، وخص السجود لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. (¬2) الغدو، أول النهار، والآصال جمع أصل بضمتين وهو جمع أصيل، وهو من بعد العصر إلى الغروب، والمراد جميع الأوقات إن أريد بالسجود الخضوع والانقياد وأوقات الصلاة إن أريد حقيقته، والظلال جمع ظل، وهو يسجد حقيقة أو يخضع تبعا لصاحبه، وسجودها كلها طوعا، لخلوها عن النفس التى تحمل الإنسان على عدم الرضا، وكذلك سجود الملائكة وغير العاقل والإنس والجن المؤمنين العارفين بربهم المسلمين لأحكامه، وأما المنافق والجاهل بربه، فسجوده وخضوعه كرها بمعنى أن المقادير تجرى عليه رغم انفه. (¬3) المعنى لله - دون غيره - يخضع كل مخلوق فى السموات والأرض طوعا وكرها على ما تقدم، ولا يستكبرون عن عبادته ولا يتركونها، وخص الملائكة بالذكر تشريفا وتظيما لهم. (¬4) أى أن كل ما ذكر يخافون الله حال كونه مستعليا عليهم وقاهراً لهم، فالمراد بالفوقية الاستعلاء والقهر، لا الجهة لأنها مستحيلة على الله تعالى.

(د) وفى الإسراء عقب قوله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً {107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً {108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} {109} (¬1) (وستة) فى الربع الثالث من القرآن وهى: (أ) فى سورة مريم عقب قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} (¬2) {58} ¬

(¬1) قل: خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، أى قل للكفار: إن إيمانكم لا يزيد القرآن كمالا، وكفركم لا يورثه نقصا، لأنكم إن تؤمنوا بالقرآن فقد آمن به من هو خير منكم، وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسى والنجاشى وإذا تلى عليهم يذلون ويخضعون ساجدين لله على إنجاز وعده الذى وعدهم به أنه يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن، ويقولون فى سجودهم: ربنا تنزيها لك عن خلف الوعد إن وعد ربنا بنزول القرآن وبعثه النبى صلى الله عليه وسلم لمحقق ومنجز ويبكون فى سجودهم ويزيدهم البكاء خشوعا وتواضعا لله تعالى. (¬2) أولئك، أى الأنبياء المذكورون فى هذه السورة - وهم: زكريا، ويحيى، وعيسى، وابراهيم، واسحاق، ويعقوب، وموسى، وهارون، وإسماعيل، وإدريس عليهم الصلاة والسلام - قد أنعم الله عليهم بالنبوه والصدق وقوة الحجة، وأن منهم من هو من ذرية آدم، وهو إدريس، ومن ذرية من كان مع نوح فى السفينة، وهو إبراهيم فإنه ابن ابنه سام، ومن ذرية إبراهيم وهو إسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية إسرائيل يعنى يعقوب، وهو موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، وأنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن سجدوا وبكوا خضوعا وخشوعا.

(ب) الأولى من سورة الحج عقب قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬1) {18} (جـ) الثانية من سورة الحج عقب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2) {77} ¬

(¬1) المراد بسجود الشمس والقمر ونحوهما، خضوعها لله بما يريده منها، وقيل المراد به السجود الحقيقى (فقد قال) أبو العالية: ما فى السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يأذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه، ذكره ابن كثير {7} انظر ص 562 ج 5 - الحج آية 18 (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة والنجم، فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم، أخرجه البراز بسند رجاله ثقات {34} انظر ص 285 ج 2 مجمع الزوائد (باب ثالث منه) (وعن) أبى ذر قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبىذر حين غربت الشمس: أتدرى أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها ارجعى من حيث جئت حتى تطلع من مغربها (الحديث) أخرجه البخارى {35} انظر ص 188 ج 6 فتح البارى (صفة الشمس والقمر. بدء الخلق) (وقيل) المراد بسجود الجبال والشجر ك فى ظلالها عن اليمين والشمال. وسيأتى ما يدل على سجود الشجر حقيقة، والمراد بمن حق عليه كلمة العذاب الكفار لامتناعهم من السجود المتوقف على الإيمان. (¬2) المعنى اركعوا واسجدوا فى الصلاة، أوصلوا ن وعبر بالركوع والسجود عن الصلاة، لأنهما أعظم أركانها فالمراد سجود الصلاة لا التلاوة وبه قال الحنفيون والمالكية

(د) وفى سورة الفرقان عقب قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} (¬1) {60} (هـ) وفى سورة النمل عند الحنفيين عقب قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (¬2) {24} أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (¬3) {25} ¬

(¬1) المعنى إذا قال النبى صلى الله عليه وسلم لكفار مكه وعبدة الأصنام، اعبدوا الرحمن الذى أوجدكم من العدم ورباكم على موائد الكرم، قالوا: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسم الرحمن (أنسجد لما تأمرنا) استفهام إنكارى، أى لا نسجد للرحمن الذى تأمرنا بعبادته لمجرد قولك يا محمد (وزادهم) هذا القول (نفورا) عن الإيمان، فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الرحمن الرحيم ويسجدون له دون سواه. (¬2) هو من كلام الهدهد يصف عباد الشمس فقال: (وزين لهم الشيطان) حسن (أعمالهم) القبيحة (فصدهم عن السبيل) سبيل التوحيد والهداية الذى جاء به الأنبياء والرسل (فهم لا يهتدون) إلى الحق. (¬3) (ألا يسجدوا) بتشديد ألا، معمول لزين، أى فزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، وقيل منصوب بصد، أى فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، فحذف الجار وأدغمت النون فى اللام، وقيل إن (لا) زائدة، والمعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.

(وقال) غيرهم بسجد عقب قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬1) {26} (و) وفى سورة السجدة عقب قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬2) {15} ¬

(¬1) (الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم) أى هو المستحق للعبادة دون غيره (ولما) كان الهدهد داعيا إلى الخير وعبادة الله تعالى وحده والسجود له دون غيره، نهى عن قتله (فعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد، أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه بسند صحيح] 37 [انظر ص 294 ج 8 نبل الأوطار (باب ما استفيد تحريم قتله). (والمراد) النمل الكبير ذو الرجل الطوال، لأنه قليل الأذى، أما النمل الصغير فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل مطلقا إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل. والصرد كعمر، طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود، ونهى عن قتله لحومه أكله وكذا الهدهد، لأنه منتن الريح فصار فى معنى الجلالة، وتمامه فى النهاية. (¬2) نزلت هذه الآية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم لحزنه على بقاء من كفر على كفره ن فكأن الله يقول له: لا تحزن عليهم فإن أهل الإيمان جبلوا على الاتعاظ بالقرآن، والكفار جبلوا على عدم الاتعاظ به (فريق فى الجنة وفريق فى السعير) فهى مستأنفه لبيان من يستحق الهداية إلى الإيمان ومن لا يستحقها. والمعنى: إنما لا غيرهم ممن لا يوعظ بها ولا يتذكر ولا يؤمن بها، ومعنى (خروا سجدا) (سقطوا) على وجوهمم ساجدين تعظيما لايات الله وخوفا من عقابه، أو المعنى اتعظوا بالآيات = واستمعوا لها واعملوا بمقتضاها، وخص السجود بالذكر، لانه غاية الذل والخضوع وهو لا يكون إلا لله 0 وسبحوا بحمد ربهم) أى اعتقدوا أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل ما يليف بجلاله وكماله، متلبسين بحمده على ما أولاهم من النعم التى أجلها وأكملها الهداية إلى الإيمان، والمعنى أنهم جمعوا فى سجودهم بين التنزيه والحمد بقولهم: سبحان الله والحمد لله أو سبحان وبحمده، أو سبحان ربى الأعلى وبحمده، أو المعنى صلوا حامدين لربهم (وهم لا يستكبرون) أىلا يتكبرون عن طاعة الله تعالى والانقياد لأوامره ولا يأنفون من العمل بها كما يفعله جهلة الكفرة الفجرة قال تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين (وقال) ابن عباس: نزلت هذه الآية فى شأن الصلوات الخمس (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) أى أتوها (وسبحوا) أى صلوا بامر ربهم (وهم لا يستكبرون) عن إتيان الصلاة فى الجماعات أخرجه البيهقى فى الشعب (8) انظر ص 246 ج 4 فتح القدير للشوكانى (تفسير سورة السجدة).

(وخمسة) فى الربع الرابع من القرآن وهى: (1) فى سورة ص عند الجمهور عقب قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} (¬1) {24} ¬

(¬1) نزلت هذه الاية فى قصة سيدنا داود عليه الصلاة والسلام مع الخصمين (وحاصلها) أن جماعة من بنى إسرائيل ارادوا قتل سيدنا داود عليه السلام، وكان له يوم يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه، فانتهزوا الفرصة فى ضلك وتسوروا المحراب أى تصعدوا محل عبادته من السور، فلما رآهما دخلا عليه لا من الطريق المعتاد، علم أنهم ارادوا به الشر (ففزع منهم، قالوا لا تخف خصمان) أى نحن خصمان (بغى بعضنا على بعض) أى بغى أحدنا على الآخر، ثم قرروا مقصدوهم بثلاث عبارات متلازمة، الأولى (فاحكم بيننا بالحق) أى بالعدل ن والثانية (ولا تشطط) أى لا تبعد عن الحق من الإشطاط وهو والشط، البعد، والثالثة (واهدنا إلى سواء الصراط) أى ارشدنا إلى الصواب، ثم فصلا الخصومة فقال احدهما مشيرا إلى الاخر (إن هذا أخى) فى الدين أو النسب أو الصحبة أو الخلطة (له تسع وتسعون نعجة) وهى الأنثى من الضأن وتطلق على بقر الوحش (ولى نعجة واحدة فقال = أكفليها) أى ملكنيها فاكفلها وأضمها إلى ما تحت يدى (وعزنى فى الخطاب) أى غلبنى فى المخاطبة، لأنه كان أفصح منى وذا قوة وبطش، واقره المدعى عليه على ذلك (قال) (داود عليه السلام) (لقد ظلمك بسؤال نعجتك) ليضمها (الى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء) أى الشركاء الذين خلطوا أموالهم (ليبغى) أى يتعدى (بعضهم على بعض) ويظلمه غير مراع حق الآخر (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم يتحاشون ذلك ولا يظلمون خليطا ولا غيره (وقليل ما هم) أى وهم قليل، فما زائدة للتوكيد، وقليل خبر مقدم، وهم مبتدأ مؤخر " وقيب " ما موصولة، أى وقليل الخلطاء اسوة (وظن) أى أيقن (داود أنما فتناه) أى ابتليناه .. وذلك أنهم لما دخلوا عليه قاصدين قتله، وكان ذا سلطان وقوة شديدة وقد فزع منهم ثم عفا عنهم، فدخل قلبه شئ من العجب ن فجعله على الابتلاء (فاستغفر ربه) أى طلب منه المغفرة من هذه الحالة (وخر راكعا) أى ساجدا أو ركع أولا ثم سجد (وأناب) أى رجع الى الله تعالى واعترف بأن عفوه مع القدرة لم يكن الابتوفيق الله تعالى.

(وقال) الحنفيون: السجود عقب قوله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} {25} (¬1) ¬

(¬1) (فغفر له ذلك) الخاطر. ويحتمل أنه هم بإيذائهم ثم تذكر انه لم يقم عنده دليل على انهم قصدوا به سواء فعفا عنهم، ثم استغفر ربه من ظنه بهم الشر (وإن له عندنا لزلفى) أى زيادة خير فى الدنيا (وحسن مآب) أى كمال من الانس وكانت الخصومة على غنم كانت بينهما ـ او كانت الخلطة خلطة الصداقة أو الجوار، وكان احدهماموسرا له غنم كثيرة والآخر معسرا له نعجة واحدة " ولا يرد " عليه أن داود كان ارفع منزلة من أن يتسور عليه بعض آحاد الرعية فى حال تفرغه للعبادة او يتجاسروا عليه بقوله: لا تخف ولا تشطط " لأن هذا " استبعاد محض لا مانع من حصوله " ولا يقال " كيف سارع داود عليه السلام الى تصديق أحد الخصمين على ظلم اللاخر له قبل استماع كلامه " لأنا نقول ط إنه ما حكم إلا بعد اعتراف صاحبه وإن لم يذكر فى القرآن اكتفاء بعلمه (قال) العلامة النيسابورى فى تفسيره: ومما ييد هذا القول =

(ب) وفى سورة فصلت عقب قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ¬

= ختم ذكر الواقعة بقوله (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) والزلفى القربة، والمأب الحسن، الجنة أهـ. (وهذا) هو الذى بنفق وسياق القرىن ومنزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، " وأما " ما قيل من أنه أرسل أوريا ط بضم الهمزة وسكون الراء " إلى الجهاد مرارا وأمر أن يقدم حتى قتل، ليتزوج أمراته " فكذب " وبهتان لا يليق فى حق أى مؤمن فضلا عن نبى رسول مدحه رب العالمين بقوله: واذكر عبدنا داود ذا الإيد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (قال) الفخر الرازى: والذى أدين الله به وأذهب إليه أن ذلك باطل لودوه (منها) أن هذه الحكاية لا تناسب داود، لأنها لو نسيت إلى افسق الناس واشدهم فجورا لا نتفى منها والذى نقل هذه القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل، لبالغ فى تنزيه نفسه وربما لعن من نسبه إليها، فكيف يليق بالعاقل مسبة المعصية إلى داود عليه السلام (ومنها أن الله تعالى وصف داود عليه السلام بصفات تنافى صدور هذا الفعل منه (فقد) امر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بداود فى الصبر على المكاره فقال: اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ط فلو قلنا " إن داود عليه السلام لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى فى غراقة دم عبد مسلم لغرض شهوته " فكيف " يليق باحكم الحاكمين أن يأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بداود فى الصبر (ووصفه) بكونه عبد له والمقصود من هذا الوصف بيان كون الموصوف كاملا فى وصف العبودية حيث تخلى عن المحظورات وابتعد عن الشهوات وامتثل المامورات. ولو قلنا بما قالوا ما كان داود كاملا إلا فى طاعة الهوى والشهوة (ووصفه) الله بقوله (ذا الايد) أى صاحب القوة فى الدين، لأن القوة الكاملة فى اجتناب المحظورات وأداء الواجبات. وأى قوة لمن لم يملك نفسه عن قتل المسلم لرغبة فى زوجته (ووصفه) بكونه (أوابا) أى كثير الرجوع إلى الله تعالى ن فكيف يوصف بهذا من قلبه مشغول بالفسق والفجور، كالرغبة فى قتل المسلم ليتزوج أمراته أهـ ملخصا (وعلى الجملة) فقد أثنى الله على داود عليه السلام قبل هذه القصة وبعدها. وهو =

وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬1) {37} (وهذا) مذهب المالكية والليث بن سعد وبعض الشافعية والحسن البصرى وإبراهيم النخعى (وروى) عن عمر وابن مسعود وابن عمر كما أخرجه ابن سعد وابن أبى شيبه من طريق نافع. (وقال) الحنفيون وأكثر الشافعية والحنبليون والثورى وإسحاق: يسجد ¬

= دليل صريح على بطلان ما نسبوه إليه وهو شنيع، فكيف يتوهم عاقل ان يقع بين مدحين ذم. ولو وقع ذلك فى كلام بعض الناس لاستهجنه العقلاء، فكيف بكلام الله تعالى (وقال) ابن كثير فى تفسيره: قد ذكر المفسرون هاهنا أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث يجب اتباعه، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله ن فإن القرآن حق وما تضمنته فهو حق ايضا أهـ بحذف. (¬1) سيقت هذه الاية لبيان بعض الايات الدالة على كمال قدرته تعالى وإحاطة علمه وقوة تصرفه وأنه الواحد القهار الفعال لما يريد، وللرد على من عبدوا غيره كالشمس والقمر. قال (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر) أى أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه، وهما متعاقبان لا يسبق أحدهما الآخر، والشمس وإشراقها، والقمر وضياءه، وقدر منازلهما ومسيرهما " كل فى فلك يسبحون " ثم نهاهم عن عبادتهم فقال (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) لأنهما مخلوقان من مخلوقاته تحت قهره وتسخيره (واسجدوا الله الذى خلقهن) أى خلق الربعة المذكورة وغيرها (إن كنتم إياه تعبدون) كان قوم يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله، فنهوا عن ذلك وعن أن يشركوا به غيره فى العبادة والسجود، فإنه لا تنفعهم عبادتهم لله مع عبادتهم لغيره، فغنه لا يغفر ان يشرك به. ولذا قال سبحانه (فإن استكبروا) أى تكبروا عن إفراد الله بالعبادة وابوا إلا أن يشركوا معه غيره (فالذين عند ربك) يعى الملائكة والعندية عندية مكانه وشرف لا مكان (يسبحون) (أى يصلون. له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) أى لا يملون ولا يفترون عن عبادته

عقب قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} {38} (وروى) عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن سيرين. (قال) النووى فى المجموع: سجدة حم السجدة فيها وجهان لأصحابنا (أصحهما) عند يسأمون. وبه قطع الأكثرون (والثانى) أنها عند قوله تعالى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. (وحكى) ابن المنذر هذا المذهب عن عمر بن الخطاب والحسن البصرى وزيد بن الحارث ومالك والليث رضى الله عنهم. (وحكى) الأول عن ابن المسيب وابن سيرين أيضا والثورى وإسحاق وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد (¬1). (جـ) وفى سورة النجم عقب قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ {61} فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (¬2) {62} (د) وفى سورة الإنشقاق عقب قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (¬3) {21} ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 4 شرح المهذب (باب سجود التلاوة). (¬2) المعنى أتعجبون أيها الكفار من أن يكون هذا القرآن صحيحا منزلا من عند الله (وتضحكون) منه استهزاء وسخرية (ولا تبكون) لسماع وعده ووعيده كما يفعل المؤمنون قال الله تعالى: وإذا اتتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا. مريم: (58) زقال: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا الإسراء: (109)، (وأنتم سامدون) أى لاهون معرضون غافلون عما يطلي منكم (فاسجدوا لله واعبدوا) أى اخضعوا له وأخلصوا له فى العبادة ووحدوه. هذا والمراد بالسجود سجود الصلاة عند مالك وسجود التلاوة عند غيره كما سيأتى بعد إن شاء الله. (¬3) (فمالهم لا يؤمنون) الخ اى بعد ظهور هذه الأدلة العلوية والسفلية الدالة على الخالق العظيم والقادر العليم جل شأنه ماذا يمنع الكفرة الفجرة من الإيمان = بالله ورسوله واليوم الآخر؟ وما لهم إذا تليت عليهم آيات الله وكلامه لا يسجدون إعظاما وإكراما واحتراما؟ فالمراد بالسجود سجود التلاوة عند الجمهور. (وقال) مالك: المراد به السجود اللغوى وهو الخضوع على ما سيأتى بيانه.

(هـ) وفى سورة اقرأ عقب قوله تعالى: {كَلاَ لاَ تُطِعهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬1) {19} ¬

(¬1) روى أبو حازم عن ابى هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم. فقال: واللات والعزى لئن رايته يصلى كذلك، لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فى التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه. فقيل له مالك؟ فقال: إن بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لودنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وأنزل الله تعالى (كلا إن الإنسان ليطفى) الخ السورة. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى {38} انظر ص 249 ج 9 تفسير ابن كثير (سورة اقرأ). (وعن عكرمة) عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى عند المقام فمر بع أبو جهل بن هشام فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره. فقال يا محمد بأى شئ تهددنى؟ أما والله إنى لأكثر هذا الوادى ناديا. فأنزل الله تعالى (فليدع ناديه سندع الزبانية) قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. أخرجه أحمد والنسائى وابن جرير والترمذى وقال حسن صحيح (9) انظر ص 248 ج 9 تفسير ابن كثير. (وعن عكرمة) عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن رابت محمدا يصلى عند الكعبة لاطأن على عنقه فبلغ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: لئن فعل لأخذته الملائكة عيانا. أخرجه البخارى والنسائى والترمذى] 39 [انظر ص 248 ج 9 منه. (ومنه) يعلم أن قوله تعالى " ارايت الذى ينهى عبد اذا صلى الى آخر السورة نزل فى أبى جهل لعنه الله النبى صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه =

ودليل ذلك حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة فى القرآن: منها ثلاث فى المفصل، وفى سورة الحج ¬

= الله أولا بالحسنى فقال (ارايت) أى أخبرنى (إن كان على الهدى) أى فماظنك إن كان المنهى على الطريق المستقيم فيما يفعل؟ (أو أمر بالتقوى) بقوله، وأنت تزخره وتتوعده على صلاته؟ (ارايت) هى فى المواضع الثلاثة للتعجب، وهو إيقاع المخاطب فى العجب. والخطاب قيل للنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل لكل من يتأتى خطابه (إن كذب وتولى) أى إن دوام أبو جهل على تكذيبه النبى صلى الله عليه وسلم وتوليه عن الإيمان (ألم يعلم بأن الله يرى) أى أما علم هذا الناهى لهذا المهتدى أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله الجزاء الأوفى؟ (والمعنى) اعجب منه يا مخاطب حيث ينهى عن الصلاة والمنهى على الهدى آمر بالتقوى والناهى مكذب متول عن الايمان. ثم توعده وهدده الله تعالى بقوله (كلا) ردع وزجر لأبى جهل ونحوه (لئن لم ينته) أى لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والكفر والعناد (لنسفعا بالناصية) السفع القبض على الشئ بشدة، والناصية فى الأصل مقدم الراس أو الشعر المقدم. والمراد هنا الشخص. والمعنى لنأخذنه أخذ عزيز مقتدر بالهلاك فى الدنيا يوم بدر (فقد) قال عبد الرحمن بن عوف: بينا ابا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة اسنانها تمنيت أن أكون بين اضلع منهما (جمع ضلع) فغمزنى أحدهما فقال: يا عم هل تعرف ابا جهل؟ قلت: نعم ما حاجتك إليه يابن أخى؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك. فغمزنى الآخر فقال لى مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول فى الناس فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذى سالتمانى. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرا هـ فقال: أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما أنا قتلته. قال هل مسحتما سيفكما؟ قالا. لا. فنظر فى السيفين فقال: كلا كما قتله وجعل سلبه (بفتحتين أى ما معه من ثيابه وسلاحه ومركبه وغيرها) لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح. اخرجه أحمد والبخارى] 40 [انظر ص 36 ج 21 - الفتح الربانى. وص 218 ج 7 فتح البارى. =

سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى والبيهقى والحاكم وحسنة المنذرى والنووى وضعفه عبد الحق وابن القطان، لأن فى سنده الحارث بن سعيد العتقى وعبد الله بن منين. متكلم فيهما (¬1) {41} ... (وحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. أخرجه البخارى والترمذى وصححه (¬2) {42} (وقول) أبى هريرة: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى ¬

= هذا خزى له فى الدنيا، وله فى الآخرة العذاب الأليم فى نار الجحيم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. وقوله (ناصية) بدل مما قبلها (كاذبة) فى مقالها (خاطئة) فى افعالها (فليدع ناديه) أى قومه وعشيرته لينصروه، ومن لم ينصره الله فلا ناصر له، والنادى فى الأصل المجلس يتحدث فيه القوم، والمراد به هنا أهله (سندع الزبانية) وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أم حزبه؟ وقد تقدم فى الحديث: لو دعا ناديه لأخذته الملائكة عيانا (ملا لا تطعه) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، أى لا تطعه فيما ينهاك عنه من الطاعة وكثرتها، وصل حيث شئت ولا تبال، فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس واسجد أى سجود التلاوة عند الأئمة الثلاثة (وقال) مالك: معناه صل (واقترب) أى اكتسب القرب من ربك فى السجود، فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لأنه نهاية العبودية والذلة لله تعالى. ولله العزة التامة. (¬1) انظر ص 19 ج 8 - المنهل العذب (كم سجدة فى القرآن) وص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن) وص 156 سنن الدار قطنى (سجود القرآن) و (العتقى) بضم ففتح نسبة الى العتقين وهم عدة قبائل. (¬2) انظر ص 375 ج 2 فتح البارى (سجود المسلمين مع المشركين) وص 398 ج 1 تحفة الأحوذى (السجدة فى النجم).

إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك الذى خلق. أخرجه السبعة إلا البخارى (¬1) {43} (وحديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفينى هذا. قال عبد الله: ولقد رايته بعد قتل كافرا وهو أمية بن خلف. أخرجه أحمد والخمسة إلا الترمذى. وهذا لفظ البخارى (¬2) { 44} ¬

(¬1) انظر ص 77 ج 5 نووى مسلم (سجود التلاوة) وص 27 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى: إذا السماء انشقت واقرأ) وص 398 ج 1 تحفة الأحوذى وقال حديث حسن صحيح وص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن). (¬2) أنظر ص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) وص 388 ج 1 مسند أحمد. قال القاضى عياض: كان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضى الله عنه أنها أول سجدة نزلت ط وأما ما يرويه " الاخباريون والمفسرون، أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على ىلهة المشركين فى سورة النجم " فباطل ط لا يصح فيه شئ، لا من جهة النقل ولا من جهة العقل، لأن مدح إله غير الله تعالى كفر ن ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك اهـ انظر ص 75 ج 5 شرح مسلم. (يشير) القاضى إلى ما ذكره بعض المفسرين والمؤرخين من قصة الغرانيق ورجوع كثير من المهاجرين إلى ارض الحبشة، ظا منهم أن مشركى قربش قد اسلموا وقد ذكرها البغوى فقال: قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى وغيرهما من المفسرين: لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى فى نفسه أن ياتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه =

(وبهذا) قال الليث وإسحاق وابن المنذر. وابن حبيب وابن وهب المالكيان. وروى عن أحمد. ¬

= على إيمانهم، فكان يوما فى مجلس لقريش فانزل الله تعالى سورة النجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يلغ قوله: افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، القى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لتربحى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءته، يقرأ السورة كلها وسجد فى آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من فى المسجد من المشركين. فلم يبق فى المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد ين المغيرة وابو سعيد بن العاص، فإننهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها الى جبهتهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطع السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق، ولكن ىلهتنا هذه تشفع عنده، فإن جعل لها محمد ماذا صنعت، لقد تلوت على الناس ما لم آتت به عن الله عز وجل، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا، فإنزل الله هذه الآية يعمى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى وإلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى امنيته) الحج 52 - يعزيه وكان به رحيما، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش، وقيل اسلمت قريش وأهل مكة. فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا هم أحب غلينا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذى كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلا، فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان القى الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا فى فم كل مشرك، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من اسلم، انظر ص 600 وما بعدها ج 5 معالم التريل (آية 52 الحج). (وهى) قصة باطلة مردودة عقلا ونقلا وقد تصدى لردها وتزييفها كثير من علماء السلف والخلف (قال) الفخر الرازى: هذه رواية المفسرين الظاهريين، أما أهل =

(وقال) الحنفيون: آيات السجود أربع عشرة آية، وهى المذكورة إلا ثانية الحج، فإن السجود فيها للصلاة لا للتلاوة، بدليل اقترانه بالركوع ¬

= التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعه، واحتجوا على البطلان بالقرىن والسنة والمعقول أما القرآن فمن وجوه (أحدها) قوله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) (نياط القلب) سورة الحافة. (وثانيهما) قوله: قال ما يكون لى أن ابدله من تلقاء نفسى، إن اتبع إلا ما يوحى إلى. سورة يونس من آية 15. (وثالثها) قوله: وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى (4) النجم فلو أنه قرا عقيب هذه الأية ز تلك الغرانيق لعلا، لكان قد ظهر كذب الله تعالى فى الحال وذلك لا يقوله مسلم. (ورابعها) قوله تعالى: وإن كادوا ليفتنوك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره، وإذا لا تخذوك خليلا. سورة الإسراء 73 (وكلمة) كاد عند بعضهم معناها قرب ان يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل. (وخامسها) قوله: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا سورة الإسراء: 74 وكلمة لولا تفيد انتفاء الشئ لانتفاء غيره، فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل. (سادسها) قوله: كذلك لنثبت به فؤادك من آية 32 - الفرقان. (وسابعها) سنقرئك فلا تنسى - الأعلى: 6. (وأما السنة) فهى ما روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة وصف فيه كتاباً (وقال) الإمام ابو بكر أحمد بن الحسين البيهقى: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم فى أن رواة هذه القصة مطعون فيهم (وايضا) فقد روى البخارى فى صحيحه أن النبى عليه الصلاة والسلام سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن. وليس فيه حديث الغرانيق (وأما المعقول) فمن وجوه (أحدها) أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان، فقد كفر ن لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان فى نفى =

" ولقول" ابن عباس وابن عمر: سجدة التلاوة فى الحج هى الآولى، والثانية سجدة الصلاة. ذكره الزيلعى (وقال) وقرأنها بالركوع يؤيد ما روى عنهما {10} ¬

= الأوثان (وثانيها) أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يمكنه فى أول الأمر أن يصلى ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا ايديهم اليه. وإنما كان يصلى إذا لم يحضروها ليلا او فى أوقات خلوه. وذلك يبطل قولهم. (وثالثها) أن معاداتهمللرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه أعظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم. (ورابعها) قوله فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته وذلك لأن إحكام الايات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول. اقوى من نسخه بهذه الايات التى تبقى الشبهة معها. فإذا اراد الله إحكام الآيات - لئلا يلتبس ما ليس بقرىن بالقرآن - فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى (وخامسها) وهو اقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك، ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا فى كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ن ويبطل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تقعل فما بلغت رسالته، والله بعصمك من الناس آية 67 - المائدة فإنه لا فرق فى العقل بين النقصان عن الوحى وبين الزيادة. (فبهذه) الوجوه عرفنا على سبيل الأجمالى أن هذه القصة موضوعه، وأكثر ما فى الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها ن لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة أهـ ص 168 ج 6 مفاتيح الغيب (سورة الحج المسالة الثانية فى كونه صلى الله عليه وسلم هل تكلم فى أثناء قراءته بقوله: تلك الغرانيق العلا؟ ). (وقال) الأستاذ الشيح محمد عبده فى كلمة له فى مسالة الغرانيق بعد كلام: وأما قصة الغرانيق فمع ما فيها من الاختلاف الذى سبق ذكره، جاء فى تنميمها أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفطن لما ورد على لسانه، وأن جبريل جاءه بعد ذلك فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين قال له ما جئتك بهاتين، فحزن لذلك، فانزل الله عليه =

انظر ص 205 ج 1 تبين الحقائق. ¬

= وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته والله عليم حكيم (52) * ليجعل ما يلقى الشيطان فتنه للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، وإن الظالمين لفى شقاق بعيد (53) * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم (54) * ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغته أو ياتيهم عذاب يوم عقيم (55) الحج كما أنزل لذلك قوله ك وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره، وإذا لاتخذوك خليلا (73) *ولولا أن ثبتناك لقد كدت اليهم شيئا قليلا (74) * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) الإسراء وفى بعض الروايات: أن حديث الغرانيق فشافى الناس حتى بلغ ارض الحبشة فساء ذلك المسلمين والنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت: وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الآية، 0 قال) القسطلانى فى شرح البخارى: وقد طعن فى هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن اسحاق وقد سئل عنها: هى من وضع الزنادقة أهـ. وكفى فى إنكار حديث ان يقول فيه أبن إسحاق: إنه من وضع الزنادقة، مع حال ابن إسحاق المعروفة عند المحدثين (وقال) الإمام أبو بكر بن العربى - وكفى به حجة فى الرواية والتفسير - إن جميع ما ورد فى هذه القصة لا أصل له أهـ. (أما ماذكره) ابن حجر من أن القصة رويت مرسلة من ثلاث طرق على شرط الصحيح، وأنه يحتج بها من يرى الاحتجاج بالحديث المرسل، بل ومن لا يراه كذلك، لأنها متعددة يعضد بعضها بعضا أهـ " فقد رده " صاحب الإبريز بقوله: إن العصمة من العقائد التى يطلب فيها اليقين فالحديث الذى يفيد خرمها ونقضها لا يقبل على أى وجه جاء، وقد عد الأصوليون الخبر الذى يكون على تلك الصفة من الأخبار التى يجب القطع بكذبها وهذا لو فرض اتصال الحديث. فما ظنك بالمراسيل، وإنما الخلاف فى الاحتجاج بالمرسل وعدم الاحتجاج به فيما هو من قبيل الأعمال وفروع =

(وعن) أبى يوسف عن أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد فى ص، ولا يسجد فى سورة الحج إلا فى الأولى. أخرجه ¬

= الأحكام، لا فى أصول العقائد ومعاقد الإيمان بالرسل وما جاءوا به، فهى هفوة من ابن حجر يغفرها الله له هذا ما قاله الأئمة - جزاهم الله خيرا - فى بيان فساد هذه القصة، وأنها لا اصل لها ولا عبرة براى من خالفهم، فلا يعتد بذكرها فى بعض كتب التفسير وإن بلغ اربابها من الشهرة ما بلغوا أهـ ملخصا. ثم قال: (تفسير الآيات) والآن أفسر الايات على الوجه الذى تحتمله ألفاظها وتدل عليه عباراتها. (الأول) أن يكون تمنى بمعنى قرا. والأمنية بمعنى القراءة. وهو معنى قد يصح وقد ورد استعمال اللفظ فيه (قال) حسان بن ثابت فى عثمان رضى الله عنهما: تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذى ذكروه، بل على المعنى المفهوم من قولك (ألقيت فى حديث فلان) إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه ولا يكون قد اراده أو نسيت إليه ما لم يقله تطلا بان ذلك الحديث يؤدى إليه. وذلك من عمل المعاجزين الذين ينصبون أنفسهم لمحاربة الحق ن يتبعون الشبهة ويسعون وراء الريبة، فالإلقاء بهذا المعنى دابهم، ونسبة الإلقاء إلى الشيطان، لأنه مثير الشبهات بوساوسه، مفسد القلوب بدسائسه، وكل ما يصدر من اهل الضلال يصح أن ينسب إليه، ويكون المعنى وما ارسلنا قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا حدث قومه عن ربه أو تلا وحيا أنزل فيه هدى لهم، قام فى وجهه مشاغبون يحولون ما يتلوه عليهم عن المراد منه ويتقولون عليه ما لم يقله وينشرون ذلك بين الناس ن ليبعدوهم عنه ويعدلوا بهم عن سبيله، ثم يحق الله الحق ويبطل الباطل، ولا زال الأنبياء يصبرون على ما كذبوا وأوذوا، ويجاهدون فى الحق، ولا يعتدون بتعجيز العجزين، ولا يهزؤ المستهزئين، إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة، وينتصر على الباطل بالمجاهدة، فينسخ الله تلك الشبه ويحثها من أصولها، ويثبت آياته ويقررها، وقد وضع الله هذه السنة فى الناس ليتميز الخبيث من =

أبو يوسف فى الآثار {11} انظر رقم 206 ص 40 (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما: ليست من عزائم السجود. وقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ويقول سجدها داود توبة ونسجدها شكراً. أخرجه الخمسة ¬

= الطيب، فيفتتن الذين فى قلوبهم مرض وهم ضعفاء العقول بتلك الشبه والوساوس فينطلقون وراءها، ويفتنن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجاحدة، فيتخذونها سندا يعتمدون عليها فى جدلهم، ثم يتمحص الحق عند الذين اوتوا العلم ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه، فيعلم أنه الحق من ربك فيصدقوا به فتخبت وتطئن له قلوبهم، والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذى يستقر بالعقل فى قرارة اليقين. وبين المغالطات وضروب السفسطة التى تطيش بالفهم وتطير به مع الوهم، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال ن وأخرى ذات اليمين " وسواء " ارجعت الضمير فى (أنه الحق) على ما جاءت به الايات المحكمة من الهدى الإلهى أو إلى القرآن وهو أجلها " فالمعنى " من الصحة على ما يراه أهل التمكين. هؤلاء الذين اوتوا العلم هم الذين آمنوا وهم الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ولم يجعل للوهم عليهم سلطانا فيحيد بهم عن ذلك المنهج القويم "وأما الذين " كفروا وهم ضعفاء العقول ومرضى القلوب، أو أهل العناد وزعماء الباطل، وقساة الطباع الذين لا تلين أفئدتهم ولا تبش للحق قلوبهم " فالئك "لا يزالون فى ريب من الحق أو الكتاب، لا تستقر عقولهم عليه، ولا يرجعون فى متصرفات شئونهم إليه، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغته، فيلاقون حسابهم عند ربهم، او اهل العناد وزعماء الباطل، وقساة الطباع الذين لانلين افئدتهم ولا تبش الحف قلوبهم " فأولئك " لا يزالون في ريب من الحق او الكتاب، لا تستقر عقولهم عليه، ولا يرجعون في متصرفات شئونهم إليه، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغتة، فيلاقون حسابهم عند ربهم، او إن امتد بهم الزمن ومادهم الاجل فيصيهم (عذاب يوم عقيم) يوم حرب يسامون فيه سوء عذاب القتل والاسر ويقذفون إلى مطارح الذل وقرارات الشر، فلا ينتج لهم من ذلك اليوم خير ولا بركة بل يسلبون ما كان لديهم، ويساقون إلى مصارع الهلكة. وهذا هو العقم في اتم معانية واشام درجاته. (ما أقرب) هذه الايات في مغازيها الى قوله تعالى في سورة ال عمران: هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا =

إلا مسلما {45} انظر ص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) (قال) أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره، اختلوا فى عدد سجود القرآن ¬

= الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب (7)، وقد قال بعد ذلك: إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، وأولئك هم وقود النار (10) ثم قال الذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) إلخ الآيات. وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى، فالذين فى قلوبهم زيغ هم الذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، والراسخون فى العلم هم الذين أوتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم فيقولون آمنا به كل من عند ربتا، فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاديهم إلى صراط مستقيم، وأولئك هم الذين يفتنون بالتأويل، ويشغلون بقال وقيل بما يلقى إليهم الشيطان ويصرفهم عن مرامى البيان، ويميل بهم عن محجة الفرقان. وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد يغنى عنهم من الله شيئا، فستوافيهم آجالهم، وتستقبلهم أعمالهم، فإن لم يوافهم الأجل على فراشهم فسيغلبون فى هراشهم (أى مخاصمتهم) وهذه سنة الأنبياء مع أممهم وسبيل الحق مع الباطل من يوم رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه، وبين ما يحفظه وما يذهب ببقائه. وكما لا مدخل لقصة الغرانيق فى ىيات عمران، لا مدخل لها فى آيات سورة الحج. (هذا) هو الوجه الأول فى تفسير آيات (وما أرسلنا) إلى آخرها على تقدير أن تمنى بمعنى قرأ، وأن الأمنية بمعنى القراءة والله أعلم. (الوجه الثانى فى تفسير الايات) أن التمنى على معناه المعروف. وكذلك الأمنية وهى أفعوله بمعنى. وجمعها أمانى كما هو مشهور. قال أبو العباس أحمد بن يحيى: التمنى حديث النفس بما يكون وبما لا يكون والتمنى =

فأقصى ما قيل خمس عشرة أو لها خاتمة الأعراف وآخرها خاتمة العلق وهو قول ابن حبيب وابن وهب فى رواية وإسحاق وقيل أربع عشرة قاله. قاله ابن وهب ¬

= سؤال الرب وفى الحديث: إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسال ربه أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن عائشة بسند رجاله رجال الصحيح. انظر رقم 532 ص 319 ج 1 فيض القدير قال ابن الأثير: التمنى تشهى حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. (وقال) أبو بكر: تمنيت الشئ اذا قدرته وأحببت أن يصير إلى. وكل ما قيل فى معنى التمنى على هذه الوجه، فهو يرجع إلى ما ذكرنا، ويتبعه معنى الأمنية. " ما أرسل " الله من رسول ولا نبى ليدعو قوما إلى هدى جديد أو شرع سابق شرعه لهم ن ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولا أو جاء به غيره إن كان نبيا بعث ليحمل الناس على اتباع من سبقه " إلا وله " أمنية فى قومه وهى أن يتبعوه وينحازوا إلى ما يدعوهم إليه، ويستشفوا من دائهم بدوائه، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه، وما من رسول أرسل إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته وتصديقهم برسالته منه على طعامة الذى يطعم، وشرابه الذى يشرب، وسكنه الذى يسكن إليه ويغدو عنه ويروح عليه، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك فى المقام الأعلى، والمكان الأسمى. قال الله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا. الكهف: 7. يوسف: 103. وقال: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. يوسف: 103 قال: أأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. عجز آية 99 يونس وصدرها: ولو شاء ربك وفى الآيات ما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه إلى نور ما جاء به. وما من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية ألقى الشيطان فى سبيله العثرات، واقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس فى صدور الناس، وسلبهم الانتفاع =

فى الرواية الآخرى عنه فأسقط ثانية الحج، وهو قول أصحاب الرأى، والصحيح سقوطها، لأن الحديث لم يصح بثبوتها أهـ. انظر ص 357 ج 7 - الجامع لأحكام القرآن (الأعراف). ¬

= بما وهبوا من قوة العقل والإحساس، فثاروا فى وجهه وصدوه عن قصده وعاجزوه حتى لقد يعجزونه (أى فلا يصل إلى مراده من هدايتهم) وجادلوه بالسلاح والقول حتى لقد يقهرونه، فإذا ظهروا عليه - والدعوة فى بدايتها - وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع، ضعيف الأنصار، ظنوا الحق من جانبهم. وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد إليه فتنة لهم. (غلبت) سنة الله فى أن يكون الرسل من أواسط قومهم أو من المستضعفين فيهم ليكون العامل فى الإذعان بالحق، محض الدليل وقوة البرهان. وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى إليه على قبوله، ولكى لا يشارك الحق الباطل فى وسائله أو يشاركه فى نصب شراكه وحبائله. وأن أنصار الباطل فى كل زمان هم أهل الأنفة والقوة والجاه، والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان، والغرور بالزخارف والزهو بكثرة المعارف. وتلك الخصال إنما تجتمع كلها أو بعضها فى الرؤساء وذوى المكانة من الناس، فتذهلهم عن أنفسهم، وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم، فإذا دعا إلى الحق داع عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفواتن. وفزعت إليه النفوس الصافية، والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل، وقلما توجد إلا عند الضعفاء وأهل المسكنة، فإذا التف هؤلاء حول الداعى وظافروه على دعوته، قام أولئك المغرورون يقولون: ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى. وما نرى لكم علينا من فضل ن بل نظنكم كاذبين. عجز آية: 27 هود وصدرها: فقال الملأ الذين كفروا من قومه. فإذا استدرجهم الله تعالى على سنته وجعل الجدال بينهم وبين المؤمنين سجالا، افتنتن الذين فى قلويهم مرض من اشياعهم، وافتنتوا هم بما أصابوا من الظفر فى دفاعهم. ولكن الله غالب على أمره فيمحق ما ألقاه الشيطان من هذه الشبهات، ويرفع هذه الموانع وتلك العقبات، ويهب السلطان لآياته فيحكمها ويثبت دعائمها، وينشئ من ضعف أنصارها قوة ويخلف =

(وقالت) الشافعية والحنبلية وداود: آيات السجود أربع عشرة آية وهى المذكورة فى حديث عمرو بن العاص بإثبات ثانية الحج وإسقاط سجدة ص ¬

= لهم من ذلتهم عزة، وتكون كلمة الله هى العليا، وكلمة الشيطان هى السفلى. فإما الزبد فيذهب جفاء , وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض، (من آية 17. الرعد وصدرها: أنزل من السماء ماء فسالت أودية). وفى حكاية هذه السنة الإلهية التى أقام عليها الأنبياء والمرسلين، تسلية لنبينا صلى الله عليه وعلى ىله وسلم عما كان يلاقى من قومه، ووعد له بأنه سيكمل له دينه، ويتم عليه وعلى المؤمنين نعمته، مع استلفاتهم إلى سيرة من سبقهم: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون

فإنها سجدة شكر لا تلاوة. تقدم رقم 41 ص 64 " ولقول " عقبة بن عامر قلت يا رسول الله فى سورة الحج سجدتان؟ قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال: هذا حديث ليس إسناده

بالقوى (¬1) {46} واختلف أهل العلم فى هذا (فروى) عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين. وبه يقول ابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق (ورأى) بعضهم فيها سجدة. وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة أهـ (واستدلوا) على أن سجدة ص للشكر بما تقدم فى الحديث رقم 45 ص 74 من قوله صلى الله عليه وسلم: سجدها داود توبة ونسجدها شكرا وبقول أبى سعيد الخدرى: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه. فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما هى توبة نبى ولكنى رأيتكم تَشَزَّنْتُمْ للسجود، فنزل فسجد وسجدوا. ¬

= الملك ملبسًا على النبي كتصوره في صورة النبي ملبسا على الخلق، وتسليط الله له على ذلك كتسليطه في هذا فكيف يسوغ في لب سليم استجازة ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هذيتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. آل عمران آية 8. (¬1) انظر ص 151 ج 4 مسند أحمد، وص 22 ج 8 - المنهل العذب (أبواب السجود وكم سجدة فى القرآن) وص 401 ج 1 تحفة الأحوذى (السجدة فى الحج) وليس إسناده بالقوى، أى لأن فيه ابن لهيعة وشرح (بكسر فسكون) ابن هاعان، وهما ضعيفان جدا، لكن للحديث شواهد تقويه (منها) قول عبد الله بن ثعلبه: صلى بنا عمر بن الخطاب الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين. اخرجه الطحاوى (12) انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الآثار (ومنها) قول نافع إن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال: هذه السورة فضلت بسجدتين أخرجه مالك فى الموطأ (13) انظر ص 372 ج 1 زرقانى الموطإ (سجود القرآن). (ومنها) قول صفوان بن محرز إن ابا موسى الأشعرى سجد فى الحج سجدتين. أخرجه الطحاوى (14) انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الاثار (هل فى للقصل سجود) (وهذه) وإن كانت ىثارا فإنها تقوى حديث الباب، لأنها لا تقال من قبل الرأى.

أخرجه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقى والدار قطنى بسند صحيح على شرط البخارى (¬1) {47} (وقال) الحنفيون والمالكيون وسفيان الثورى وابن المبارك وإسحاق والجمهور، سجدة ص سجدة تلاوة "لحديث" أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فى ص. أخرجه الطحاوى (¬2) {48} "ولقول" العوامَّ بن حوشب: سالت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سالت ابن عباس فقال: أو ما تقرأ؟ وَمِنْ ذُرَيتِهِ دَاوُدَ وَسُليمْاَنَ. أولَئكَ الذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه: فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقتدى به فسجدها داود فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى (¬3) {49} (وعن) السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان رضى الله عنه قرأص على المنبر فنزل فسجد. أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (¬4) {15} وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه رأيت فى المنام كأنى أقرأ سورة ص فلما أتيت على السجدة سجد كل شئ رأيت الدواة والقلم واللوح فغدوت على النبى صلى الله عليه وسلم فأمر بالسجود فيها. أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (¬5) {50} ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى ص) وص 318 ج 2 سنن البيهقى و (تشزن) بفتحتين وشد الزاى (الناس) أى تهيئوا وتأهبوا (للسجود) أى ليس السجود فيها (من عزائم السجود). (¬2) انظر ص 212 ج 1 شرح معانى الآثار (هل فى الفصل سجود). (¬3) انظر ص 385 ج 8 فتح البارى (سورة ص) وص 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص) (ومن ذريته) أى إبراهيم صلى الله عليه وسلم (داود ... ) من آية 84 - الأنعام. (¬4) أنظر ص 320، 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص). (¬5) أنظر ص 320، 319 ج 2 سنن البيهقى (سجدة ص).

(وأجابوا)، (أ) عن حديث أبى سعيد السابق رقم 47 ص 78 بأن عزم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عدم السجود فى المرة الثانية، يدل على أنها ليست متأكدة فقط، لا على أنها ليست سجدة تلاوة. (قال) علاء الدين الكاسانى، وما تعلق به الشافعى، فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكراً لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله، وأناب. بل عقيب قوله مآب، وهذه نعمة عظيمة فى حقنا، فإنه يطعمنا فى إقالة عثراتنا، وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة، لوجود سببها. وهو تلاوة هذه الآية. وكذا سجدة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجمعة الأولى فى أثناء الخطبة، يدل على أنها سجدة تلاوة وتركة فى الجمعة الثانية، لا يدل على أنها ليست سجدة تلاوة، بل كان يريد التأخير، وهى عندنا لا تجب على الفور أهـ بتصرف (¬1). (ب) وعن قول ابن عباس فى الحديث رقم 45 ص 72: ليس ص من عزائم السجود بأنه رأى له وليس من قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمل بفعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقدم على العمل بقول ابن عباس. (جـ) وعن قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عباس رقم 45 سجدها داود توبة ونسجدها شكرا - بأنه لا يستلزم كونها شكرا ألا تكون للتلاوة لعدم المنافاة بينهما. (ومشهور) مذهب مالك أن آيات السجود إحدى عشرة آية ليس فى المفصل منها شئ. ولا ثانية الحج. وبه قال ابن عباس وعمر والشافعى فى القديم لحديث أم الدرداء قال: سجدت مع النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 193 ج 1 بدائع الصنائع (بيان مواضع السجدة فى القرآن).

إحدى عشرة سجدة. ليس فيها من المفصِّل شئ. الأعراف، والرعد , والنحل. وبنى إسرائيل ومريم، والحج، وسجدها الفرقان، وسليمان سورة النمل، والسجدة، وفى ص وسجدة الحواميم. أخرجه ابن ماجه والبيهقى (¬1) {51} وفى سنده عثمان بن قائد ضعيف. قال ابن عدى: عامة ما يرويه ليس بمحفوظ. لا يجوز الاحتجاج به " ولحديث " عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسجد فى شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2) {52}، وفى سنده أبو قدامة الحارث بن عبيد، ومطر الوراف. وهما ضعيفان وإن كانا من رجال مسلم " ولقول" زيد بن ثابت: قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها. أخرجه أحمد والخمسة والدار قطنى والبيهقى (¬3). وقال الترمذى حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح. وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما ترك النبى صلى الله عليه وسلم السجود، لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد، لم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم (¬4) وأجاب بعض العلماء أيضا بان تركه صلى الله عليه وعلى آل وسلم للسجود فى هذه الحالة، لا يدل على تركه مطلقا. لاحتمال أن يكون السبب فى الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء. أو لكون الوقت كان وقت كراهة، أو لكون القارئ لم يسجد. أو كان الترك لبيان الجواز وهذا ارجح الاحتمالات. ¬

(¬1) انظر ص 169 ج 1 سنن ابن ماجه (عدد سجود القرآن) وص 313 ج 2 بيهقى. (¬2) انظر ص 23 ج 8 - المنهل العذب (من لم يرد السجود فى المفصل) وص 313 ج 2 بيهقى. (¬3) انظر ص 183 ج 5 مسند أحمد، وص 178 ج 2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن) وص 313 ج 2 بيهقى. (¬4) انظر ص 399 ج 1 تحفة الأحوذى (من لم يسجد فيه) أى فى النجم.

والرجح ما ذهب إليه القائلون بأن آيات السجود خمس عشرة أو أربع عشرة، لصحة أدلته وكثرتها. (6) من يطلب منه سجود التلاوة: هو واجب عند الحنفيين على من تلا آية من آيات السجود ولو بغير العربية أو أكثرها مع كلمة السجود. ولو لم يسمعها لنحو صمم. ويجب على من سمعها وإن لم يقصد السماع. وبه قال ابن عمر والنخعى وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق، لأنه سامع للسجدة كالمستمع. (وقد) قال ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها. ذكره ابن قدامة فى المغنى (ودليله) حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورة التى فيها السجدة فيسجد ونسجد، حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته فى غير وقت الصلاة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬1) {53} وفى رواية له عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فى غير الصلاة فيسجد ونسجد معه (¬2). (وقال) مالك وأحمد: يشترط قصد الاستماع. وروى عن عثمان وابن مسعود وعمران بن حصين وسلمان الفارسى وابن عباس (قال) عثمان: إنما السجدة على من استمعها. أخرجه البخارى تعليقا، ووصله عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن ابن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان. فقال عثمان: إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد (¬3) {16} ¬

(¬1) (انظر ص 177 ج 2 تيسير الوصول 0 سجود التلاوة). (¬2) انظر ص 33 ج 8 - المنهل العذب (الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو فى غير صلاة). (¬3) انظر ص 34 منه (الشرح) و (القاص): الذى يقص على الناس الأخبار والمواعظ.

(ويشترط أيضا) عند المالكية أن القصد المستمع تعلم القراءة من القارئ أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغيرها وتعلم القراءات أو تعليم القارئ " لقول " ابن عمر رضى الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن فإذا مر بسجود القرآن، سجد وسجدنا معه. أخرجه أحمد وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم من رواية عبيد الله العمرى وهو ثقة، لذا قال على شرط الشيخين (¬1) {54} (ويشترط) عندهم أيضا ألا يجلس القارئ ليسمع الناس حسن قراءته. فإن جلس لذلك فلا يسجد المستمع له وإن كان هو يسجد. (والمشهور) عند الشافعية أنه لا يشترط لسجود التلاوة قصد الاستماع، ولكنه فى حق المستمع آكد " لقول " ابن عباس: إنما السجدة على من جلس لها. أخرجه البيهقى بسند صحيح (¬2) {17} (فوائد) (الأولى) يشترط عند الحنفيين لسجود السامع شرطان. (أ) أن يكون التالى أهلا للقراءة بكونه عاقلا مميزا، فلا يجب السجود على من سمعها من مجنون وطير وآلة غناء (فونوغراف) بخلاف ما لو سمعها من كافر أو جنب أو حائض أو قارئ فى المذياع (الراديو) فإنه يسجد. (ب) وأن يكون السامع ممن تلزمه الصلاة ن فيجب السجود على جنب سمعها دون الحائض وغير المكلف والكافر. (وقالت) المالكية: يشترط لسجود السامع مع شرطان: (أ) أن يكون القارئ مستكملا لشروط الإمامة، بأن يكون ذكرا مسلما بالغا عاقلا، فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبى ولا مجنون، وإن طلب من القارئ غير المجنون. ¬

(¬1) انظر ص 164 ج 4 - الفتح العربى. و (يعلمنا القرآن) أى يعلمهم الأحكام والوعد والوعيد، وأخبار الماضين، وكيف يتلون القرآن. (¬2) انظر ص 324 ج 2 بيهقى (من قال إنما السجدة على من استمعها).

(ب) وأن يكون كل منهما متحليا بشروط الصلاة من طهارة حدث وحيث وستر عورة واستقبال قبلة، فإن كل القارئ هو المحصل لها سجد دون المستمع وإن كان المحصل لها المستمع لم يسجد، لأن سجوده تابع لسجود القارئ ولا سجود عليه لفقد شروط الصلاة. وهذا ظاهر فى الطهارة. وأما الستر والاستقبال فإن لم يمكنا فكذلك. وإن أمكنا فإنه يطالب بهما ويسجد بأن يستقبل إن كان متوجها لغير القبلة. ويستر عورته إن كان عنده ساتر. قاله العلامة الدرديرى (¬1). (وبمثله) قالت الحنبلية إلا إنهم قالوا: يسجد السامع لتلاوة صبى، لأنه يصلح أن يكون إماما فى الناقلة. (وقالت) الشافعية: يسن للسامع السجود وإن كان القارئ ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس. (الثانية) هل يشترط لسجود السامع سجود القارئ؟ لا يشترط عند الحنفيين والشافعيين. وهو رواية ابن القاسم عن مالك. فإن ترك القارئ السجود سجد المستمع، لأنه توجه عليهما فلا يترك أحدهما بترك الآخر. (وقالت) الحنبلية: لا يسجد المستمع إلا إن سجد القارئ ورواه مطرف وابن الماجشون عن مالك. لأن القارئ إمام له فلا تصح مخالفته. ويشهد له ما تقدم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد النبى صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدت سجدت، أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى (¬2) {55} ¬

(¬1) (انظر ص 127 ج 1 شرح اقرب المسالك) وسن سجود التلاوة). (¬2) تقدم رقم 32 ص 51 (حكم سجود التلاوة).

(الثالثة) إذا سجد المستمع مع القارئ لا ينوى الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله، والأفضل المتابعة (قال) علاء الدين الكاسانى: إذا قرأ الرجل آية السجدة ومعه قوم فسمعوها، فالسنة أن يسجدوا معه لا يسبقونه بالوضع ولا بالرفع، لأن التالى إمام السامعين، لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال للتالى: كنت إمامنا، لو سجدت لسجدنا معك , وإن فعلوا أجزأهم، لأنه لا مشاركة بينه وبينهم فى الحقيقة، ولذا لو فسدت سجدته بسبب لا يتعدى إليهم (¬1). (الرابعة) لو سجد لتلاوة فقرأ فى سجوده آية سجدة أخرى لم يسجد ثانيا على الصحيح لشهور. (الخامسة) لو أراد الاقتصار على قراءة آية أو آيتين فيهما سجدة ليسجد ففيه تفصيل بينه النووى بقوله: مقتضى مذهبنا أنه لا يكره إن لم يكن فى وقت كراهة الصلاة ولا فى صلاة. فإن كان فى وقت الكراهة ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد فى هذا الوقت ليصلى التحية لا غير. (وعن) أبى حنيفة ومحمد بن الحسن وأبى ثور أنه لا بأس به. وعن الشعبى والحسن البصرى وابن سيرين وأحمد وإسحاق أنه يكره ذلك أهـ بتصرف (¬2). (قال) علاء الدين الكاسانى: ولو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك، لأنها من القرآن. وقراءة القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور، والمستحب أن يقرا معها آيات ليكون قصده إلى التلاوة لا الى مجرد السجود أهـ. (السادسة) لو قرأ آية السجدة وعنده ناس. فإن كانوا متوضئين متهيئين ¬

(¬1) انظر ص 192 ج 1 بدائع الصنائع (سنن سجود التلاوة) وما ذكره عن عمر رضى الله عنه تقدم عن عطاء بن يسار ثبوته هذا عن النبى صلى الله عليه وسلم رقم 55، 32. (¬2) انظر ص 73 ج 4 شرح المهذب (الحادية عشرة) من مشاكل سجود التلاوة.

للسجدة قرأها، وإن كانوا غير متهيئين ينبغى الإسرار بها، لأنه لو جهر بها لألزمهم بما قد يشق عليهم أداؤه فيقعون فى المعصية وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) المالكية لا يطالب بالإسرار، لأن السامع لا يطلب منه سجود التلاوة إلا إذا كان محصلا لشروط الصلاة. (7) سجود التلاوة فى الصلاة: يشرع قراءة آية السجدة فى الصلاة الجهرية والسرية للإمام والمنفرد فى الفرض وغيره " لحديث " أبى رافع نفيع الصائغ قال: صليت مع أبى هريرة صلاة العتمة، أو قال صلاة العشاء، فقرأ " إذا السماء انشقت " فسجد فيها، فقلت يا أبا هريرة ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجدها حتى ألقاه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬1) {56} (ونقل) ابن القاسم عن مالك أنه يكره للإمام والفذ قراءة آية السجدة فى الفريضة مطلقا، وروى أشهب عن مالك أنه يكره إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يختلط عليهم إذا سجد، وروى عنه ابن وهب أنه لا بأس أن يقرأ الإمام آية السجدة فى الفريضة. (وقال) أبو حنيفة وابن حبيب المالكى وبعض الحنبلية: يكره قراءة آية السجدة والسجود لها فى الصلاة السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية، لأمن التخليط فيها. (ويرد) ما ذكر الأحاديث المذكورة فإنها صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم سجد فى السرية والجهرية ولا حجة لهم فى قول أبى رافع لأبى هريرة ¬

(¬1) انظر ص 379 ج 2 فتح البارى (من قرأ السجدة فى الصلاة فسجد بها) وص 78 ج 5 نووى مسلم (سجود التلاوة) وص 28 ج 8 - المنهل العذب (السجود فى: إذا السماء انشقت).

فى الحديث رقم 56: ما هذه السجدة؟ ولا فى حديث أبى حديث أبى سلمة قال: رأيت أبا هريرة قرأ " إذا السماء انشقت " فسجد بها فقلت: يا أبا هريرة ألم أرك تسجد؟ قال لو لم أن النبى صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد. أخرجه البخارى (¬1) وغيره {57} " لأن " أبا رافع وأبا سلمة لم ينكرا على أبى هريرة بعد أن أعلمهما بأن النبى صلى الله عليه وسلم سجد ولا احتجا عليه بعمل يخالفه (قال) ابن عبد البر: وأى عمل يدعى مع مخالفة المصطفى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أهـ. وقال أبو محمد عبد الله بن قدامة: قال بعض أصحابنا: يكره للإمام قراءة السجدة فى صلاة لا يجهر فيها وإن قرأ لم يسجد. وهو قول أبى حنيفة. ولم يكرهه الشافعى، لأن ابن عمر روى عن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم أنه سجد فى الظهر ثم قام فركع فرايناه أنه قرأ تنزيل السجدة رواه أبو داود (¬2) {58} واحتج أصحابنا بأن فيه إيهاما على المأموم. واتباع صلى الله عليه وعلى أله وسلم أولى. وإذا سجد الأمام سجد المأموم. وقال بعض أصحابنا: هو مخير بين ابتاعه وتركه، والأولى اتباعه " لقول " رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا (¬3) ولأنه لو كان بعيد لا يسمع أو أطروشا فى صلاة الجهر لسجد بسجوده إمامه كذا هاهنا (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 376 ج 2 فتح البارى (سجدة إذا السماء انشقت). (¬2) تقدم رقم 384 ص 276 ج 2 دين طبعة ثانية (القراءة في الظهر والعصر). (¬3) هو بعض حديث أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اّله وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر. وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد. واذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد] 59 [انظر ص 69 ج 3 دين طبعة ثانية (متابعة المأموم الإمام). (¬4) انظر ص 658 ج 1 مغنى (فروع في سجود التلاوة).

(وجملة) القول ما ذكره النووى فى المجموع بقوله: لا يكره قراءة السجدة عندنا للإمام كما لا يكره للمنفرد، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية. ويسجد متى قرأها (وقال) مالك: يكره مطلقا (وقال) أبو حنيفة: يكره فى السرية دون الجهرية. قال صاحب البحر: وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود حتى يسلم، لئلا يهوش على المأمومين (¬1). (وقال) فى البدائع: وإن تلاها مع ذلك سجد فى الصلاة لتقرر السبب فى حقه وهو التلاوة، وسجد القوم معه، لوجوب المتابعة عليهم فقد سجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسجد القوم معه. ولو تلاها الإمام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من سمعها، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تلا سجدة على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه (¬2) وفيه دليل على أن السامع يتبع التالى فى السجدة أهـ. (فوائد) (الأولى) يطلب السجود من المؤتم بتلاوة إمامه وإن لم يسمعها منه بأن قرأها الإمام سرا أو جهرا والمأموم ناه عنه، أو اقتدى به بعد قراءتها لما تقدم عن أبى هريرة وابن عمر أن الصحابة رضى الله عنهم سجدوا لسجود المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة، ولو سمعها من إمام فاقتدى به قبل سجوده للتلاوة سجد معه، وإن اقتدى بعد سجوده فى الركعة التى تلا فيها آية السجدة، لا يسجد المأموم لا فى الصلاة ولا بعدها. لأنه أدرك السجدة بإدراك الركعة فكأنه سجد، وأن اقتدى فى غير الركعة التى تليت فيها آية السجدة، سجد خارج الصلاة، لتحقق السبب كما لو لم يقتد بالتالى. ولا يصلب السجود بتلاوة المؤتم لا فى الصلاة ولا بعدها إلا على سامع ليس معه فى الصلاة فيسجد خارج الصلاة، وكذا لو سمعها مصل ممن ليس معه فى الصلاة فإنه يسجد بعدها لا فيها. فإن سجد فيها لا يجزئه السجود فيعيده ولا تبطل الصلاة على الأصح. ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 4 شرح المهذب (الخامسة) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة. (¬2) تقدم فى الحديث رقم 47 ص 78.

(وجملة) القول: أن التالى إما أن يكون فى الصلاة أو خارجها، فمن كان فيها إماما أو منفردا لزمه السجود فورا عند الحنفيين، وإن كان مأموما لا يسجد، لأنه ممنوع من القراءة، ومن كان خارجها لزمه السجود إن وجدت شروطه وإلا فلا. (وأما) السامع فإن كان إماماً أو مأموما سمعها من مأموم معه، فلا سجود عليه، وإن سمعها المأموم من إمامه فهو تبع له، وإن سمعها المصلى مطلقا ممن ليس معه فى الصلاة سجد خارجها. (الثانية) لو قرأ آية السجدة فى الصلاة قبل الفاتحة سجد، أما لو قرأها فى الركوع والسجود والتشهد، فإنه لا يسجد، لأنه ليس محل قراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة؟ سجد للتلاوة ثم عاد إلى القيام فقرأ الفاتحة. (الثالثة) لو قرأ فى صلاة الجنازة آية سجدة لا يسجد فيها، وهل يسجد بعدها؟ الأصح أنه لا يسجد، لأنها قراءة غير مشروعة، أفادة النووى فىالمجموع (¬1). (الرابعة) إذا سجد للتلاوة فى الصلاة فقام، يستحب له أن يقرأ شيئا من القرآن ثم يركع ولو كانت السجدة آخر السورة كالنجم " لقول" أبى هريرة: رأيت عمر بن الخطاب سجد فى النجم فى صلاة الفجر، ثم استفتح بسورة أخرى، أخرجه البيهقى (¬2) {18} (8) تكرير آية السجدة: من كرر آية سجدة أو سمعها أكثر من مرة ولو من متعدد فى مجلس واحد، كفته سجدة واحدة إن أخَّر السجود عن التلاوة الأخيرة اتفاقا، وكذا إن سجد عقب التلاوة الأولى عند الحنفيين وبه قال ابن سريج الشافعى. ¬

(¬1) انظر ص 73 ج 4 شرح المهذب (العاشرة) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة. (¬2) انظر ص 323 ج 2 بيهقى (السجدة إذا كان فى آخر السورة وكان فى الصلاة.

(وقال) مالك وأحمد: يسجد مرة أخرى لتجدد السبب. وهو مشهور مذهب الشافعى (وقيل) إن طال الفصل سجد ثانيا وإلا فلا. أما إن قرأ آية أخرى أو اختلف المجلس بالانتقال منه بثلاث خطوات، أو بالانتقال من غصن إلى غصن، طلب السجود لكل مرة، وإن كرر آية السجدة فى الصلاة فى ركعة واحدة، فكالمجلس الواحد، وإن كررها فى ركعتين سجد فيهما. (ومن) تلا آية السجدة ولم يسجد ثم دخل فى الصلاة وتلاها ثانيا وسجد فى الصلاة، كفى عن التلاوتين لاتحاد المجلس، والتلاوة الخارجية صارت تابعة للصلوية. وإن كان سجد للأولى قبل الصلاة، سجد للثانية عند الحنفيين، لأن السجود فى الصلاة أقوى فلا يكون تابعا (وبه) قال مالك وأحمد لتجدد السبب وهو وجه للشافعية. وقال ابن سريج وأبو حامد يكفيه السجود الأول. (9) كيفية سجود التلاوة: من طلب منه سجود تلاوة فى الصلاة كبّر للهوى وسجد ثم كبر للرفع، وهذا متفق عليه. وكذا من كان فى غير صلاة عند الحنفيين والمالكيين يسجد سجدة واحدة بشرائط الصلاة مكبراً للهوى والرفع بلا رفع يد ولا تشهد ولا سلام لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا. أخرجه البيهقى وأبو داود وقال: قال عبد الرازق: وكان الثورى يعجبه هذا الحديث، قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر أهـ. وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله العمرى وهو ثقة، ولذا قال: صحيح على شرط الشيخين (¬1) {60} ¬

(¬1) انظر ص 323 ج 2 بيهقى (سجود القوم بسجود القارئ) وص 34 ج 8 المنهل العذب.

ولم يرد فى الأحاديث ما يدل صريحاً على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كبر للإحرام فى سجود التلاوة ولا تشهد فيه ولا سلم. (وبه) قال الحنفيون والمالكيون وأكثر العلماء. (وقالت) الحنبلية: يرفع يديه مع تكبير السجود ويسلم (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد فى غير صلاة، وهو قول الشافعى لأنها تكبيرة افتتاح. وإن كان السجود فى الصلاة فقياس المذهب لا يرفع لأن محل الرفع ثلاثة مواضع ليس هذا منها، ولأن فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان لا يفعل فى السجود يعنى لا يرفع يديه. وهو حديث متفق عليه. (¬1) (ومشهور) مذهب الشافعية: أنه إذا كان فى غير صلاة نوى وكبر للإحرام رافعا يديه ثم يكبر للهوى من غير رفع ثم يسجد ويكبر للرفع ويسلم ولا يشترط فيه تشهد على الصحيح (قال) النووى فى المجموع: إذا سجد لتلاوة فى غير الصلاة نوى وكبر للإحرام ويرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى من غير رفع اليد. وتكبير الهوى مستحب لا شرط، والصحيح المشهور فى تكبيرة الإحرام أنها شرط ثم يرفع رأسه مكبرا. وهذا التكبير مستحب على المذهب. وهل يفتقر إلى السلام. ويشترط لصحة سجوده قولان مشهوران. أصحهما أشترطه. وعليه هل يشترط التشهد؟ الصحيح لا يشترط (¬2). (وقال) علاء الدين الكاسانى فى البدائع: وأما سنن السجود (فمنها) أن يكبر عند السجود والرفع منه "لقول " عبد الله بن مسعود للتالى: إذا قرأت سجدة فكبر واسجد، وإذا رفعت رأسك فكبر {19}. ولو ترك التحريمة يجوز عندنا. (وقال) الشافعى: لا يجوز لأن هذا ركن من أركان الصلاة، فلا يتأدى ¬

(¬1) انظر ص 655 مغنى (هل يرفع يديه مع تكبيرة السجود؟ ). (¬2) انظر ص 64 ج 4 شرح المهذب (كيفية سجود التلاوة إذا كان خارج الصلاة).

بدون التحريمة (ولنا) أن الأمر تعلق بمطلق السجود فلو أوجبنا شيئاً آخر لزدنا على النص، ولأن السجود وجب تعظيما لله تعالى وخضوعا له، وترك التحريمة ليس بمناف للتعظيم (¬1). (10) ما يقال فى سجود التلاوة: إن كان سجوده فى الصلاة، قال فيه ما يقال فى سجودها، وإن كان خارجها قال ما شاء مما ورد (ومنه) ما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فى سجود القرآن بالليل: سجد وجهى للذى خلقه وصورة وشق سمعه وبصره بحوله وقوته. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى، وزاد فتبارك الله أحسن الخالقين. وصححه أبن السكن (¬2) {61}. (وما) فى حديث ابن عباس قال: كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: إنى رأيت البارحة فيما يرى النائم كأنى أصلى إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدتُ فسجدتَ الشجرة لسحودى فسمعتها تقول اللهم احطط عنى بها وزرا واكتب لى بها أجرا: واجعلها لى عندك ذخرا، قال ابن عباس: فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول فى سجوده مثل الذى أخبره الرجل عن قول الشجرة. أخرجه ابن ماجه والحاكم وابن حبان والترمذى (¬3) { 62} وفى سنده الحسن بن ¬

(¬1) انظر ص 192 ج 1 بدائع الصنائع (سنن السجود). (¬2) انظر ص 161 ج 4 - الفتح الربانى - وص 37 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول إذا سجد) (وص 179 ج 2 تيسير الوصول 0 تفصيل سجود القرآن) وص 325 ج 2 بيهقى (ما يقول فى سجود التلاوة). (¬3) انظر ص 168 ج 1 سنن ابن ماجة (سجود القرآن) وص 402 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يقول فى سجود القرآن) (فأتاه رجل) خو أبو سعيد الخدرى. وقد روى الحديث عنه قال السندى: كأن النبى صلى الله وعلى آله وسلم أول الشجرة بنفسه الكريمة، لكونه شجرة الدين وأصله. فصلاة الرجل إلى اصل الشجرة هو اقتداؤه به فى الصلاة وغيرها من أمور الدين وقراءة السجدة هو قص هذه الرؤيا عليه .. وقد رأى أن الشجرة سجدت عند ذلك وقالت ما قالت، فسجد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عند قص الرؤيا عليه وقال ما قال و (احطط) أى ضع عنى بسبب هذه السجدة أو فى مقابلتها الوزر ولفظ الترمذى: اللهم اكتب لى بها عندك أجرا وضع عنى بها وزرا، واجعلها عندك ذخرا، وتقبلها منى كما تقبلتها من عبدك داود اهوليس المراد المماثلة من كل وجه بل فى مطلق القبول. فاله السيوطى فى حاشية الترمذى. والأقرب اعتبار التشبيه فى كمال القبول والكمال فى كل بحسب مرتبته.

محمد بن عبيد الله بن أبى يزيد: وفيه جهالة (وليس) ما ذكر من الأوعية متعيناً فى سجدة التلاوة بل له أن يقول فيها ما يقال فى سجود الصلاة. (قال) الكمال بن الهمام فى فتح القدير: ويقول فى سجدة التلاوة ما يقول فى سجدة الصلاة على الأصح. واستحب بعضهم أن يقول فى سجود التلاوة سُبْحَانَ رَبَّنَا إنْ كَانَ وَعْدَ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً، لأنه تعالى أخبر عن أوليائه بذلك قال تعالى فى سورة الإسراء: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} {108} وينبغى ألا يكون ما ذكر على عمومه، بل إن كانت (أى سجدة التلاوة) فى الصلاة المفروضة قال: سبحان ربى الأعلى، وإن كانت فى النوافل أو خارج الصلاة قال ما شاء مما ورد أهـ بتصرف. (11) السجود على الدابة: من كان راكباً وتلا آية سجدة قاله السجود على الدابة. ولو تعذر أوماً للسجود " لحديث " مصعب بن ثابت عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم، منهم

الراكب والساجد فى الأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده. وأخرجه ابو داود والبيهقى والحاكم (¬1) {63} ومصعب بن ثابت، ضعفه غير واحد. (وبهذا) قال الحنفيون والشافعى وأحمد وقالوا: يومئ بالسجود إن لم يتيسر على الدابة مستدلين بما فى الحديث من وضع الجبهة على اليد، فإنه فيه إيماء وزيادة (وخصة) المالكية بالمسافر سفر قصر وإلا نزل وسجد على الأرض ولا يجزئه الإيماء على الدابة، ومثل الراكب فى ذلك المعذور بنحو زحام فسجد على فخذه أو غيره، ولو وضع كفه على الأرض وسجد عليها بلا عذر جاز عند الحنفية على الصحيح مع الكراهة. (وقال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإذا كان على الراحلة فى السفر جاز أن يومئ بالسجود حيث كان وجهه كصلاة النافلة، فعَل ذلك علىّ وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير والمخعى وعطاء ربه قال مالك والشافعى وأصحاب الرأى وذكر حديث ابن عمر (¬2). (12) قضاء سجدة التلاوة: تقدم أن سجود التلاوة عند الحنفيين واجب على التراخى فى غير الصلاة فلا يفوت بالتأخير، أما فى الصلاة فواجب على الفور، فإذا لم يسجد فيها لا يسجد بعدها، لأنه وجب كاملا فلا يتأدى بالناقص. ¬

(¬1) انظر ص 32 ج 8 - المنهل العذب (الرجل يسمع السجدة وهو راكب) (وص 325 ج 2 بيهقى 0 قرا سجدة) أى سورة فيها آية سجدة، وفى رواية الطبرانى انه قرا سورة النجم. ويحتمل أنه اقتصر على قراءة ىية السجدة لبيان الجواز. وإن كان خلاف الأولى، لما فيه من تفصيل آية السجدة على غيرهم (منهم الراكب الخ) وفى رواية الحاكم: والساجد على الأرض والمعنى سجد الراكب والماشى سجد على الأرض والراكب على يديه. ولعل هذا لمن لم يتمكن من السجود على السرج. (¬2) انظر ص 658 ج 1 مغنى (فروع فى سجود التلاوة).

(الثانى) سجود الشكر

(وقال) مالك والشافعى وأحمد: يطلب السجود عقب قراءة آية السجدة أو سماعها. فإن أخر السجود وقصر الفصل سجد، وإن طال فات، وفى قضائه قولان (أشهرهما) أنه لا يقضى، لأنه يفعل لعارض وقد زال فأشبه الكسوف ولو قرا آية سجدة فى صلاته فلم يسجد، سجد بعد سلامه إن قصر الفصل. فإن طال ففيه قولان أشهرهما أنه لا يقضى. وإن كان القارئ أو المستمع محدثا حال القراءة. فإن تطهر عن فري سجد وإلا فات على المشهور افاده النووى فى المجموع (¬1). (الثانى) سجود الشكر يسن لمن حدثت له نعمة أو صرفت عنه نقمة أن يسجد الشكر المولاه على ما أولاده " لقول " أبى بكره: كان النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم كان إذا جاءه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى. أخرجه ابو داود والترمذى وقال حسن غريب (¬2) {64} " ولقول " عبد الرحمن بن عوف: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه فجئت أنظر فرفع راسه فقال: مالك يا عبد الرحمن؟ فذكرت ذلك له فقال: إن جبريل عليه السلام قال لى: ألا أشرك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه. أخرجه أحمد ورجاله ثقات، والبزار والحاكم وقال: هذا حديث صحيح. وزاد أحمد فى رواية: فسجدت لله عز وجل شكرا (¬3) {65} ¬

(¬1) انظر ص 71 ج 4 شرح المهذب (ملخص المسالة الثانية من مسائل تتعلق بسجود التلاوة) (¬2) انظر ص 179 ج 2 تيسير الوصول (سجود الشكر). (¬3) انظر ص 184، 185 ج 4 - الفتح الربانى وص 287 ج 2 مجمع الزوائد (سجود الشكر) وص 276 ج 1 مستدرك. و (من صلى عليك) يعنى: أن من طلب النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم زيادة القرب من ربه، تجلى الله عليه بالرحمة والأحسان. ومن دعا للنبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم بالسلامة من المكاره، سلمه الله من كل مكروه. وفى هذا دليل على مزيد فضل النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم وفضل الصلاة عليه. وأفضل صيغها الصلاة الإبراهيمية التى بعد التشهد، وقد تقدم بيانها فى بحث " كيفية الصلاة على النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم " ص 170 ج 2 دين طبعة ثانية.

" ولحديث " البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خر ساجدا حين جاءه كتاب على رضى الله عنه من ليمن بإسلام همدان ثم رفع راسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان. أخرجه البيهقى من حديث طويل وقال صحيح على شرط البخارى (¬1) {66} " ولقول " سعد بن أبى وقاص: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكه نريد المدينة، فلما كنا ببعض الطريق رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال: إنى سألت ربى وشفعت لأمتى فأعصانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى. ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث الأخر فخررت ساجدا لربى أخرجه أبو داود (¬2) {67}، وفى سنده موسى بن يعقوب الزمعى وفيه مقال، قاله المنذرى. (وروى) البيهقى وغيره سجود الشكر من فعل أبى بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر به رجل به زَمانة فنزل وسجد ومر به أبو بكر فنزل وسجد، ومر به عمر فنزل فسجد ¬

(¬1) انظر ص 369 ج 2 بيهقى (سجود الشكر) و (همدان) بكون الميم بعدها دال قبيلة باليمن وجميع ما فى الصحابة والرواة ومصنفات الحديث هو نسبة لهذه القبيلة. (¬2) انظر ص 179 ج 2 تيسير الوصول (سجود الشكر) و (اللث الآخر) بكسر الخاء أو فتحها، أى أعطائهم أشفع فيهم فلا يخلدون كالأمم السابقة.

أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف (¬1) {68} (وعن) عُرْ فجة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا به زمانة فسجد، وأن أبا بكر أتاه فتح فسجد، وأن عمر أتاه فتح فسجد، أخرجه الطبرانى فى الأوسط، وفيه محمد بن عبد الله الفهمى ولم يرو عنه غير مسعر (¬2) {69} (وبهذا) قال جمهور العلماء، منهم أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعى وأحمد وداود الظاهرى والليث بن سعد وإسحاق وابن المنذر. (وعن) أبى حنيفة ومالك روايتان (الأولى) الإباحة لما تقدم. (والمشهور) عنهما الكراهة لما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم أغثنا (ثلاثا) فَسقوا فى الحال، ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا فأقلعت، أخرجه الشيخان (¬3) {70} (وجه) الدلالة فيه أنه لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولا. ولا لدفع نفمته آخرا، ولأن الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلف السجود لذلك لزم الحرج. (والراجح) القول بمشروعية سجود الشكر للأحاديث المذكورة (ويجاب) عما استدل به مالك وأبو حنيفة بأن النبى صلى الله عليه وسلم ترك السجود فى وقاعة المطر المذكورة لبيان الجواز. وقولهما إن كلفه لزم الحرج، معارض للنص فلا يعوِّل عليه، ولأنه كان على المنبر وفى السجود حينئذ مشقة فيكتفى بسجود الصلاة. ¬

(¬1) (أنظر ص 289 ج 2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن. (¬2) (أنظر ص 289 ج 2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن. (¬3) هذا بعض حديث تقدم مطولا رقم 151 ص 135 ج 5 دين (أنواع الاستسقاء).

(قال) النووى فى المجموع: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة، سواء أخصته النعمة والنقمة أم عمت المسلمين، وكذا إذا رأى مبتلى ببلية فى بدنه أو غيره أو بمعصية، يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم لأنها لا تنقطع، وإذا سجد لنعمة أو اندفاع نقمة لا يتعلق بغيره، استحب إظهار السجود، وإن سجد ليليه فى غيره وصاحبها غير معذور كالفاسق، أظهر السجود لعله يتوب، وإن كان معذورا كالزمن ونحوه، أخفاه لئلا يتأذى به، فإن خاف من إظهاره الفاسق مفسدة أو ضررا، أخفاه أيضا. (ويفتقر) سجود الشكر إلى شروط الصلاة، وحكمه فى الصفات وغيرها حكم سجود التلاوة خارج الصلاة، وفى السلام منه والتشهد ثلاثة أوجه (الصحيح) السلام دون التشهد. (¬1) ... (وكذا) قالت الحنبلية: يشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة. (وقال) الإمام الصنعانى فى سبل السلام: ذهب إلى شرعية سجود الشكر الشافعى وأحمد خلافا لمالك ورواية لأبى حنيفة بأنه لا كراهة فيه ولا ندب والحديث دليل للأولين، وأعلم أنه قد اختلف هل يشترط له الطهارة؟ فقيل يشترط قياسا على الصلاة، وقيل لا يشترط، لأنه ليس بصلاة وهو الأقرب (¬2) ... (وقال) العلامة الشوكانى فى النيل: وليس فى أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان لسجود الشكر، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى، وذهب النخعى وبعض أصحاب الشافعى إلى أنه يشترط فى سجود الشكر شروط الصلاة (وليس) فى أحاديث الباب أيضاً ما يدل على التكبير ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 4 شرح المهذب و (الزمن) بفتح فكسر ن المريض مرضا مزمنا. (¬2) انظر ص 298 ج 1 سبل السلام (سجود الشكر وما يشترط فيه).

فى سجود الشكر، وفى البحر إنه يكبر، قال الإمام يحيى: ولا يسجد للشكر فى الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها (¬1) (فوائد) (الأولى) يحرم سجود الشكر فى الصلاة، فإن سجد فيها بطلت صلاته اتفاقا (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: ولا يسجد للشكر وهو فى الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها، فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسياً أو جاهلا بتحريم ذلك، فأما سجدة ص إذا سجدها فى الصلاة وقلنا ليست من العزائم، فيحتمل أن تبطل بها الصلاة لأنها سجدة شكر ن ويحتمل أن لا تبطل لأن سببها من الصلاة وتتعلق بالتلاوة فهى كسجود التلاوة. (الثانية) يصح سجود الشكر فى السفر على الراحلة بالإيماء كسجود التلاوة، وأما الماشى فى السفر ففيه وجهان (الصحيح) أنه يشترط كرنه على الأرض لعدم المشقة فيه وندوره (والثانى) يجزئه الإيماء. (الثالثة) يحسن لمن تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة مع سجود الشكر أن يتصدق أو يصلى شكرا لله تعالى. (الرابعة) لو تقرب إنسان لله تعالى بسجدة بغير سبب يقتضى سجود شكر ففيه وجهان (أصحهما) لا يجوز قياسا على الركوع، فإنه لو تطوع بركوع مفرد كان حراما بالاتفاق، لأنه بدعة - وكل بدعة ضلالة - إلا ما دل دليل على استثنائه، وسواء فى هذا الخلاف فى تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره وليس من هذا ما يفعله كثير من الجهة من السجود بين يدى المشايخ والملوك، بل ذلك حرام قطعا بكل حال ن سواء أكان إلى القبلة أم غيرها، وسواء اقصد السجود لله تعالى أم غفل، وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر او يقاربه، عافانا الله الكريم بمنه، قاله النووى فى المجموع (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 3 نيل الأوطار (هل يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة؟ ). (¬2) انظر ص 69 ج 4 شرح المهذب. فروع تتعلق بسجود الشكر.

(الثالث) الصلوات غير المشروعة

(الخامسة) اختلف فى قضاء سجدة الشكر إذا قامت، والصحيح أنها لا تقضى، لأنه لا يتطوع بها ابتداء على الصحيح، فلا تقضى كصلاة الكسوف. إلى هنا تم الكلام على الصلوات المشروعة مفروضة وواجبة ومسنونة، وما يتبعها، وإتماما للفائدة نبين غير المشروع منها فنقول: (الثالث) الصلوات غير المشروعة روت عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {71} وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، أى مردود وباطل لا يعتد به وفى هذه الرواية رد على من فعل فعل سوء قائلا إنه لم يحدث ما فعله بل سبقه به غيره وفيها بيان أن كل ما هو مخالف لأمر الشرع ففاعله آثم لقوله صلى الله عليه وسلم: فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنة وصححه عن العرباض بن سارية (¬2) (ومع) كثرة الصلوات المشروعة الثابتة بالطرق الصحيحة، نرى أن الشيطان سؤل للجاهلين الضالين الخروج عن الجادَّة، وحسّن لهم عدم الاكتفاء بالمشروع، فاخترعوا صلوات مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان. ولرغبتهم فى ترويج باطلهم، اخترعوا له أحاديث موضوعة مكذوبة على المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. هذا. والصلوات المبتدعة كثيرة المذكور منها هنا إجمالا إحدى وعشرون وتفصيلا ثمان وأربعون. ¬

(¬1) انظر ص 25 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة) (¬2) انظر ص 188 ج 1 - الفتح الربانى وص 24 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة)

1 - الموضوع فى الرواتب: تقدم ما ثبت منها بالأحاديث الصحيحة والحسنة. وقد قيل فيها ما لم يثبت من ذلك. 1 - من لم يداوم على أربع قبل الظهر لم تنله شفاعتى، قال النووى: لا أصل له. 2 - من صلى ركعتين بعد ركعتى المغرب بفاتحة الكتاب والإخلاص خمس عشرة مرة، فله كذا، قال ابن حجر: هذا متن موضوع. 3 - وركعتان بعد المغرب، فى الأولى الإخلاص خمساً وعشرين مرة، وفى الثانية إحدى وثلاثين مرة، فيه سليمان بن سلمة متهم. 4 - وركعتان بعد العشاء بالإخلاص عشرين مرة، فيه أبو سليمان يكذب. 5 - الوتر فى أول الليل مسخطة للشيطان، وأكل السحور مرضاة للرحمن. وضعه أبان بن جعفر البصرى، وقد وضع أبى حنيفة أكثر من ثلثمائة حديث مما لم يحدث به أبو حنيفة، ذكره العلامة محمد طاهر بن على الهندى فى تذكرة الموضوعات. 2 - صلاة ليلة الجمعة ويومها: قيل فى ذلك ما لم يثبت وهو: (أ) عن طاوس عن ابن عباس رفعه: من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل واحدة منهما بفاتحة الكتاب مرة، وإذا زلزلت خمس عشرة مرة، هوَّن

الله عليه سكرات الموت، ويسر الله له الجواز على الصراط يوم القيامة (قال) السيوطى فى اللآلئ: أورده الحافظ بن حجر فى أماليه وقال: غريب، وسنده ضعيف، فيه من لا يعرف (¬1) (وقال) العلامة محمد طاهر الهندى فى تذكرة الموضوعات: لا يصح فى صلاة الأسبوع شئ، وفى ليلة الجمعة اثنتا عشرة ركعة بالإخلاص عشر مرات باطل لا أصل له (وكذا) عشر ركعات بالإخلاص والمعوذتين مرة مرة باطل، (وكذا) ركعتان بإذا زلزلت الأرض خمس عشرة مرة، وفى رواية خمسين مرة والكل منكر باطل أهـ. (ب) وعن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا: من صلى يوم الجمعة ما بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسى مرة واحدة وخمساً وعشرين مرة قل أعوذ برب الفلق، وفى الركعة الثانية يقرأ بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس خمسا وعشرين مرة، فإذا سلم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم خمسين مرة، فلا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه عز وجل فى المنام، ويرى مكانه فى الجنة أو يرى له (قال) السيوطى: موضوع وفيه مجاهيل (¬2) وفى التذكرة: يوم الجمعة ركعتان والأربع والثمان والاثنتا عشرة لا أصل له، وقبل الجمعة أربع ركعات بالإخلاص خمسين مرة لا اصل له ومن صلى يوم الجمعة أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة قل هو الله احد مائة مرة، فقد أدى حق الجمعة كما أدت حملة العرش من حق العرش، فيه مروان ابن محمد ذاهب الحديث أهـ (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 38 ج 2 - اللالى المصنوعة، وص 46 - الفوائد المجموعة للشوكانى. (¬2) انظر ص 38 ج 2 - اللالى المصنوعة، وص 46 - الفوائد المجموعة للشوكانى. (¬3) انظر ص 38 ج 2 - اللالى المصنوعة، وص 46 - الفوائد المجموعة للشوكانى.

3 - صلاة ليلة السبت ويومه قيل فى ذلك ما لم يثبت وهو: (أ) عن أحمد بن عبد الله بن خالد النهروانى عن بشر بن السرى عن الهيثم عن يزيد الرقاشى عن أنس مرفوعا: من صلى ليلة السبت أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين، حرم الله جسده على النار، قال السيوطى: موضوع، غالب روانه مجهولون، ويزيد ضعيف، والهيثم متروك ن وبشر لا تحل الرواية عنه، وأحمد بن عبد الله هو الجويبارى الوضاع (¬1) (ب) وقال: وبهذا الإسناد عن أنس مرفوعا: من صلى يوم السبت عند الضحى أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، أعطاه الله بكل ركعة ألف قصر من ذهب مكللة بالدر والياقوت، وذكر أنواعا من هذا القبيل ما عليها من دليل. (وأورد) فى هذا حديثا آخر قال: إنه موضوع، فيه جماعة مجهولون (¬2) وفى التذكرة: وليلة السبت أربع ركعات بآية الكرسى ثلاثا لمغفرة الوالدين، فيه أبات متهم 4 - صلاة ليلة الأحد ويومه: قيل فى ذلك ما لم يثبت أيضا وهو: (أ) عن أحمد بن محمد بن عمر حدثنا أبو الحسن أحمد بن يونس، حدثنا ابو اسحاق إبراهيم بن شاذوية، حدثنا محمد بن ابى على، حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان عن أنس مرفوعا: من صلى ليلة الأحد أربع ركعات ¬

(¬1) انظر ص 26 ج 2 - اللالى المصنوعة، وص 44 - الفوائد المجموعة. (¬2) انظر ص 26 ج 2 - اللالى المصنوعة، وص 44 - الفوائد المجموعة.

يقرا فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وخمس عشرة مرة قل هو الله أحد، أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عشر مرات. وذكر أنواعا من الثواب ليس عليها أثاره صدق. قال السيوطى: موضوع مظلم الإسناد عامة من فيه مجهول. وسلمة بن وردان ليس بشئ، وأحمد بن محمد بن عمر كذاب أهـ وذكر فى هذا حديثا آخر موضوعا (¬1). (ب) وعن سعيد المقبرى عن أبى هريرة مرفوعا: من صلى يوم الأحد أربع ركعات بتسليمة واحدة يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة، وآمن الرسول إلى آخرها مرة، كتب الله تعالى له بكل نصرانى ونصرانية الف حجة، وألف عمرة، وألف غزوة، وبكل ركعة الف صلاة، وجعل بينه وبين النار الف خندق. وفتح له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء وقضى حوائجه يوم القيامة. قال السيوطى: موضوع فيه مجاهيل ص 27 جـ 2 - اللآلئ المصنوعة وص 45 - الفوائد المجموعة. 5 - صلاة ليلة الاثنين ويومه: قيل فى هذا ما لم يثبت وهو: (أ) عن يزيد الرقاشى عن أنس مرفوعا: من صلى ليلة الأثنين ست ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وعشرين مرة قل هو الله احد، ويستغفر بعد ذلك سبع مرات، أعطاه الله يوم القيامة ثواب الف صِدِّيق وألف عابد الخ ما قال من اختلاق. قال السيوطى: موضوع (¬2). (ب) حديث من صلى يوم الأثنين اربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة ¬

(¬1) انظر ص 44 - الفوائد المجموعة، وص 26 - اللالى المصنوعة. (¬2) انظر ص 45 - الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة.

الكتاب مرة، وآية الكرسى مرة وقل هو الله أحد مرة، وقل أعوذ برب الفلق مرة وقل أعوذ برب الناس مرة، كفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصرا فى الجنة من درة بيضاء، فى جوف القصر سبعة أبيات الخ ما فيه من الاختلاق وهو من وضع الحسين بن إبراهيم كذاب، يروى عن محمد بن طاهر. وضع من هذا الضرب فى سائر أيام الأسبوع ولياليه. وذكرنا منه ما تقدم، ليعرف به أن هذه ليست أحاديث، بل هى من المجازفات القبيحة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (¬1) (جـ) وعن سالم بن عبد الله بن عمر مرفوعا: من صلى يوم الاثنين أربع ركعات يقرا فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسى مرة، وقل هو الله أحد مرة، وقل أعوذ برب الفلق مرة، وقل أعوذ برب الناس مرة وإذا سلم استغفر الله عشر مرات، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عشر مرات، غفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصرا فى الجنة. وذكر أنواعا من الجزاء ما أنزل الله بها من سلطان. قال السيوطى: موضوع بلا شك، والمتهم به الجوزقانى، لأن رجال الإسناد كلهم ثقات. وهو الذى قد وضع هذا وعمل هذه الصلاة كلها، وصلاة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء وليلة الأربعاء وليلة الخميس ويوم الخميس وليلة الجمعة ص 27 ج 2 - اللالى. (وقال) الإمام محمد طاهر بن على الهندى فى تذكرة الموضوعات: وفى اللآلئ وفى يوم الاثنين أربع ركعات بآمن الرسول وثلاث قلاقل (¬2) مرة مرة، موضوع. والمتهم به الجوزقانى. وهو الذى وضع هذه الصلاة كلها، وصلاة الأسبوع، ولقد كان له حظ من علم الحديث فسبحان من يطمس على القلوب وفى ليلة الاثنين ست ركعات بالإخلاص عشرين مرة موضوع أهـ. ¬

(¬1) انظر ص 45 - الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة. (¬2) المراد بالقلاقل: قل هو الله احد والمعوذتان.

6 - صلاة ليلة الثلاثاء ويومه: قال فى التذكرة: وفى ليلة الثلاثاء ركعتان بالإخلاص والمعوذتين خمس عشرة مرة، وروى أربع ركعات. والكل باطل ص 45 - الفوائد. وفى يومه عشر ركعات بآية الكرسى مرة، والإخلاص ثلاثا موضوع ص 46 - الفوائد. 7 - صلاة ليلة الأربعاء ويومه: قال فى التذكرة: وفى ليلة الأربعاء ست ركعات بقل اللهم (¬1) ضعيف جداً. وروى أربع وثلاثون ركعة والكل باطل. وفى يومه اثنتا عشرة ركعة بآية الكرسى مرة، والإخلاص والمعوذتين ثلاثا ثلاثا، فى سنده كذاب، وقال فى الفوائد: موضوع ص 46. 8 - صلاة ليلة الخميس ويومه: قال فى التذكرة: وليلة الخميس ركعتان بآية الكرسى والإخلاص والمعوذتين خمساً خمساً، ضعيف جداً، وقال فى الفوائد: موضوع ص 46. وفى يومه ركعتان بآية الكرسى مائة فى الأولى والإخلاص مائة فى الثانية، ضعيف، وقال فى الفوائد: موضوع ص 46. وفى الذيل: ركعتان ليلة الخميس بين المغرب والعشاء بآية الكرسى والإخلاص والكافرون والمعوذتين كل خمس مرات، تؤديان حق الوالدين وإن لم يبرهما، فيه عاصم بن مضرس متروك أهـ ملخصا ¬

(¬1) أى آية: قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير ن إنك على كل شئ قدير. و (ضعيف) قال فى الفوائد: موضوع ص 46.

9 - صلاة الأوابين: وهى عشرون ركعة بعد المغرب، وقد تقدم فى بحث الرواتب الترغيب فى التنفل بين المغرب والعشاء فى عدة أحاديث (¬1) وأما التحديد بعشرين ركعة وترتيب ثواب خاص عليها فقد قيل به، ولكنه لم يثبت. (أ) عن يعقوب بن الوليد المدائنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا: من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة. أخرجة ابن ماجه والترمذى. قال المنذرى فى الترغيب: ويعقوب كذبه أحمد وغيره (¬2) (وقال) الذهبى فى الميزان: كذبة ابو حاتم ويحيى. وقال أحمد: كان من الكذابين الكبار يضع الحديث أهـ. (ب) وعن أبان عن أنس مرفوعا: من صلى عشرين ركعة بعد المغرب يقرأ فى كل ركعة قل هو الله أحد أربعين مرة، صافحتُه يوم القيامة. ومن صافحته يوم القيامة أمن الصراط والحساب. أخرجه ابن شاهين. قال السيوطى: لا يصح فيه مجاهيل، وأبان ليس بشئ، ص 28 جـ 2 - اللآلى 10 - صلاة الغفلة: قد قيل فيها ما لم يثبت، أخرج ابن شاهين عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى مرفوعا: يا سلمان ما من عبد يقوم فى ظلمة وغفلة الناس فيستاك ويتوضأ ويمشط رأسه ولحيته ويصلى ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وقل يأيها الكافرون، والثانية بفاتحة الكتاب. وقل هو الله أحد ويتشهد ويسلم، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 2 دين (راتبه المغرب البعدية غير المؤكدة). (¬2) انظر ص 204 ج 1 (الترغيب فى الصلاة بين المغرب والعشاء).

حىّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، رافعاً بها صوته. ثم يقوم فيصلى ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ويتشهد ويسلم ويقول: لا إله إلا الله الخ ما تقدم. وذكر أنواعا من الثواب ليس عليها اثارة من كلام النبوة قال السيوطى: موضوع، فيه مجاهيل ص 28 ج 2 - اللآلئ. (وقال) فى التذكر: أربع ركعات فى ظلمة الليل بأربع قلاقل، موضوع 11 - صلاة عاشوراء: قيل فيها ما لم يثبت، أخرج ابن شاهين عن أبى هريرة مرفوعا. من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وآية الكرسى عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر سبعين مرة، أعطاه الله فى الفردوس قبة بيضاء، فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفى ذلك البيت سرير من نور، قوائم السرير من العنبر الأشهب، على ذلك السرير ألفا فراش من الزعفران. وذكر كلاما كثيرا من هذا النوع. قال السيوطى: موضوع ورواته مجاهيل ص 26 جـ 2 - اللآلئ. وص 47 - الفوائد. 12 - صلاة رجب: قيل فيها ما لم يثبت. (أ) أخرج الجوزقانى عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا، من صلى المغرب أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة، ويسلم فيهن عشر تسليمات، حفظه الله وماله وأهله وولده،

وأجير من عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب، قال السيوطى: موضوع وأكثر رواته مجاهيل ص 29 جـ 2 - اللالئ وص 47 - الفوائد. (ب) صلاة الرغائب، وهى صلاة ثنتى عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وأنا أنزلناه فى ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد ثنتى عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى على النبى صلى الله عليه وسلم سبعين مرة ثم يقول، اللهم صلى على النبى الأمى وعلى آله، ثم يسجد فيقول فى سجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح وسبعين مرة، ثم يرفع رأسه ثم يقول: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأعظم سبعين مرة. ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال فى السجدة الأولى، ثم يسال الله تعالى حاجته. ذكره الجوزقانى من طريق على بن عبد الله بن جهضم الصدائى بسنده إلى حميد الطويل عن أنس مرفوعا وفيه: فإنها تقضى، والذى نفسى بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة، إلا غفر الله له جميع ذنوبه وإن كان مثل زبد البحر، وذكر انواعا من الثواب ليس عليها اثارة صدق. (قال) السيوطى: موضوع، اتهموا به ابن جهضم، وسمعت شيخنا عبد الوهاب يقول: رجاله مجهولون، قتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم أهـ ص 30 ج 2 - اللآلى. وص 48 - الفوائد. (وقال) العلامة الحلبى فى شرح منية المصلى: وقال أبو الفرج بن الجوزى وأبو بكر الطرطوشى: صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه. وقد ذكروا لكراهتها وجوها (منها) فعلها بالجماعة وهى نافلة ولم يرد به الشرع (ومنها) تخصيص سورة الإخلاص والقدر ولم يرد به

الشرع (ومنها) تخصيص ليلة الجمعة دون غيرها. وقد ورد النهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام (ومنها) أن العامة يعتقدونها سنة من سنن النبى صلى الله عليه وسلم فيكون فعلها سببا لكذبهم عليه صلى الله عليه وسلم (قلت) بل كثير من العوام يعتقدونها فرضا، وكثير منهم يتركون الفرائض ولا يتركونها، وهو المعصية العظمى (ومنها) أن فعلها يغرى قاصد وضع الأحاديث بالوضع والافتراء على النبى صلى الله عليه وسلم (ومنها) أن الاشتغال بعدِّ السور مما يخل بالخشوع والتدبر وهو مخالف للسنة. (ومنها) أن فى صلاة الرغائب مخالفة السنة فى تعجيل الفطر (¬1). (ومنها) أن سجدتيها مكروهتان إذ لم يشرع التقرب بسجدة منفردة بلا ركوع غير سجدة التلاوة عند أبى حنيفة ومالك. وعند غيرهما غيرها وغير سجدة الشكر (ومنها) أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان (¬2) فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف، وإنما حدثتا بعد الأربعمائة (¬3). وتقدم فى بحث " بدع المساجد " الكلام على بدعية صلاة الرغائب وافيا كافيا. ¬

(¬1) يعنى لمن كان صائما، ففى الحديث الموضوع: وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس فى رجب ثم يصلى ليلة الجمعة ثنتى عشرة ركعة الخ. (¬2) يريد صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف من شعبان (فقد) قال ابو محمد عز الدين ابن عبد السلام المقدسى: لم يكن ببيت المقدس قط صلاة الرغائب فى رجب، ولا صلاة نصف شعبان. حدث فى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، أن قدم علينا رجل من نابلس يعرف بابن أبى الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلى فى المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان الخ ما تقدم بص 292 دين. (¬3) انظر ص 433 غنية المتملى فى شرح منية المصلى (النفل بالجماعة على سبيل التداعى مكروه).

(جـ) صلاة ليلة النصف من رجب - قيل فيها ما لم يثبت. أخرج الجوزقانى عن محمد بن يحيى عن أبيه عن أنس مرفوعا: من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة، يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرات، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات فإذا فرغ من صلاته صلى علىَّ عشر مرات. ثم يسبح الله بحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة، بعث الله تعالى إليه ألف ملك يكتبون له الحسنات، ويغرسون له الأشجار فى الفردوس. وذكر أنواعا من العطاء ما أنزل الله بها من سلطان. (قال) السيوطى: موضوع رواته مجاهيل ص 30 ج 2 - اللالئ وص 50 الفوائد وفيه: وقل هو الله أحد، عشرين. (د) وأخرج الجوزقانى عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا من صام يوما من رجب وصلى فيه أربع ركعات يقرأ فى أول ركعة مائة مرة آية الكرسى وفى الركعة الثانية مائة مرة قل هو الله احد، لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له. (قال) السيوطى: موضوع أكثر رواته مجاهيل وعثمان متروك ص 47 - الفوائد. 13 - صلاة نصف شعبان: قيل فيها ما لم يثبت. (أ) أخرج الجوزقانى عن مجاهد عن على مرفوعا: يا على من صلى مائة ركعة فى ليلة النصف من شعبان يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، عشر مرات. يا على ما من عبد يصلى هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة، ثم ذكر أنواعا من الثواب ليس عليها أثارة صدق ص 30 ج 2 - اللآلئ وص 50 - الفوائد. (ب) وعن ابن عمر مرفوعا: من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد فى مائة ركعة، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه فى منامه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من النار، وثلاثون

يعصمونه من أن يخطئ، وعشرة يكيدون من عاداه. أخرجه الجوزقانى والديلمى. ص 31 ج 2 - اللآلئ. (جـ) وعن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه مرفوعا: من قرأ ليلة النصف من شعبان قل هو الله أحد ألف مرة فى عشرة ركعات، لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من العذاب، وثلاثون يقوّمونه أن يخطئ، وعشرة أملاك يكتبون أعداءه. (قال) ابن الجوزى: هذا الحديث لا شك أنه موضوع وجمهور رواته فى الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء أهـ ونحوه للسيوطى ص 31 جـ 2 - اللآلئ. (وقد) تقدم فى بحث " بدع المساجد " الكلام على صلاة ليلة نصف شعبان بأتم من هذا (¬1). (وقد) سئل شيخ الإسلام تقى الدين عن رجل جمع جماعة على نافلة وأمهم من أول رجب إلى آخر رمضان، يصلى بهم بين العشاءين عشرين ركعة بعشر تسليمات، يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويتخذ ذلك شعارا، ويحتج بأن النبى صلى الله عليه وسلم أمَّ ابن عباس والأنصارى الذى قال له: السيول تحول بينى وبينك (¬2) فهل هذا موافق الشريعة أم لا؟ وهل يؤجر على ذلك أم لا؟ والحالة هذه. ¬

(¬1) انظر ص 292 وما بعدها ج 3 دين طبعة ثانية. (¬2) الذى فى صحيح البخارى أن عتبان بن مالك قال: يا رسول الله قد أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومى، فإذا كانت الأمطار سال الوادى الذى بينى وبينهم ولم استطع أن أتى مسجدهم فاصلى بهم ووددت يا رسول الله أنك تأتينى فتصلى فى بيتى فاتخذه مصلى. فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم فأذنت له. فقال: أين تحب أن اصلى من بينك؟ فأشرت إلى ناحية من البيت. فقام النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم فكبر فقمنا فصففنا فصلى ثم سلم (الحديث) {72} انظر ص 350 ج 1 فتح البارى (المساجد فى البيوت).

(فذكر) فى الجواب حكم الجماعة فى التطوع ثم قال: وهذا الذى ذكرناه فى التطوعات المسنونة. فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة فى وقت معيَّن، تصلى جماعة راتبه كهذه الصلوات المسئول عنها. كصلاة الرغائب فى أول جمعة من رجب، والألفية فى أول رجب ونصف شعبان. وليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وأمثال ذلك، فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام. وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم ياذن به الله أهـ. (وقال) الحافظ أبو حفص عمر الموصلى فى كتابه المغنى: صلاة الرغائب والمعراج والنصف من شعبان وصلاة الإيمان والأسبوع كل يوم وليلة وبر الوالدين ويوم عاشوراء وغير ذلك، لا يصح فى هذا الباب شئ عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهـ. (وقال) مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى فى سفر السعادة: وباب صلاة الرغائب، وصلاة نصف شعبان، وصلاة نصف رجب. وصلاة الإيمان، وصلاة ليلة المعراج، وصلاة ليلة القدر، وصلاة كل ليلة من رجب وشعبان ورمضان. هذه الأبواب لم يصح فيها شئ أصلا أهـ. 14 - صلاة ليلة الفطر ويومه: قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن مجاهد عن ابن مسعود مرفوعاً: من صلى ليلة الفطر مائة ركعة، يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات، ويقول فى ركوعه وسجوده عشر مرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا فرغ من صلاته، استغفر مائة مرة ثم يسجد ثم يقول:

يا حى يا قيوم ياذا الجلال والإكرام يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا أرحم الراحمين، يا إله الأولين والأخرين، اغفر لى ذنوبى، وتقبل صومى وصلاتى، والذى بعثنى بالحق إنه لا يرفع رأسه من السجود حتى يغفر الله له ويتقبل منه شهر رمضان، ويتجاوز عن ذنوبه. وذكر انواعا من الثواب تشهد بوضعه. (قال) السيوطى: موضوع، فيه جماعة لا يعرفون. انظر ص 32 ج 2 - اللآلى المصنوعة وص 52 - الفوائد المجموعة. (ب) وأخرج الجوزقانى عن عبد الله بن محمد حدثنا مالك عن سليمان التميمى عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى مرفوعا: من صلى يوم الفطر - بعدما يصلى العيد - أربع ركعات يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، وفى الثانية بالشمس وضحاها، وفى الثالثة بالضحى، وفى الرابعة بقل هو الله أحد، فكأنما قرأ كل كتاب نزله الله على أنبيائه، وكأنما أشبع جميع اليتامى ودهنهم ونظفهم، وكان له فى الأجر مثل ما طلعت عليه الشمس ويغفر له ذنوب خمسين سنة (قال) السيوطى: موضوع فيه مجاهيل، وعبد الله ابن محمد قال ابن حبان: لا يحل ذكره فى الكتب. انظر ص 32 ج 2 - اللآلى. 15 - صلاة يوم عرفة: قيل فيها ما لم يثبت، أخرج الجوزقانى عن النهاش بن فهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابى هريرة مرفوعا: من صلى يوم عرفة بين الظهر والعصر أربع ركعات، يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد خمسين مرة، كتب الله تعالى له ألف الف حسنة، ورفع له بكل حرف درجة فى الجنة، بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام، وذكر أنواعا من الثواب تشهد بكذبه (قال) السيوطى: موضوع فيه ضعفاء ومجاهيل. والنهاشى لا يساوى شيئا. وذكر حديثا آخر من طريق عبد الرحمن بن أنعم. وقال: لا يصح ابن أنعم ضعفوه. قال ابن حيان: يروى الموضوعات عن الثقات، ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب أهـ ص 33 ج 2 - اللألى. وص 53 - الفوائد.

16 - صلاة ليلة النحر ويومه: قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن أحمد بن أحمد بن غالب حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابى أمامة الباهلى مرفوعا: من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق خمس عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس خمس عشرة مرة. فإذا سلم قرأ آية الكرسى ثلاث مرات ويستغفر الله خمس عشرة مرة، جعل الله اسمه فى أصحاب الجنة، وغفر له ذنوب السر والعلانية، وكتب له بكل آية قرأها حجة وعمرة وكأنما أعتق ستين من ولد إسماعيل، فإن مات فيما بينه وبين الجمعة الأخرى مات شهيدا. (قال) السيوطى: أحمد بن محمد بن غالب هو غلام خليل وضاع ص 33 جـ 2 اللآلى وص 53 - الفوائد. (وقال) فى ذيل اللآلى: ما من عبد يصلى ليلة العيد ست ركعات إلا شفع فى أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار. فيه إسماعيل كذاب. (أ) وقال فى تذكرة الموضوعات: قول الثورى: من السنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر، وست ركعات بعد الأضحى، لا اصل له، وفى الصحيح خلافه وهو أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها أهـ. 17 - صلاة رؤية النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن ابى صالح عن ابن عباس مرفوعا: ما من مؤمن يصلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وخمسا وعشرين مرة قل هو الله أحد، ثم يسلم ثم يقول آلف مرة: صلى الله على محمد النبى الأمى فإنه يرانى فى المنام. ومن رآنى غفر الله له ذنوبه. (قال) السيوطى: لا يصح وفيه مجاهيل، وذكر من طريق محمد بن عكاشة

بسنده إلى ابن شهاب قال: من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرا فيهما بقل هو الله أحد آلف مرة ثم نام، رأى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (قال) السيوطى: ابن عكاشة كذاب ص 34 ج 2 - اللالى وصدره فى الفوائد ص 59. 18 - صلاة حفظ القرآن وغيره: قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الطبرانى أنى محمد بن إبراهيم القرشى حدثنا صالح عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب: يا رسول الله إن القرآن تفلت من صدرى فقال: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمهن؟ قال بلى بأبي أنت وأمى. قال: صلِّ ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ فى الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان، وبالثالثة بفاتحة الكتاب وبالم تنزيل السجدة، وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل. فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأثن عليه، وصل على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم قل: اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقتنى، وارحمني أن أتكلف مالا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عنى، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التى لا ترام، اسالك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حب كتابك كما علمتنى، وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عنى، واسالك أن تنوِّر بالكتاب بصرى، وتطلق به لسانى، وتفرح به عن قلبى، وتشرح به صدرى، وتستعمل به بدنى، وتقوينى على ذلك وتعيننى عليه، فإنه لا يعنينى على الخير غيرك، ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا او سبعا، تحفظ بإذن الله تعالى، وما أخطأ مؤمنا قط، فأتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بسبع جمع، فأخبره بحفظه القرآن والحديث فقال النبى صلى الله عليه وسلم: مؤمن ورب الكعبة، يا ابا الحسن (قال) السيوطى: لا يصح، محمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح إسحاق بن نجيح.

متروك. ثم قال: وأخرجه الحاكم عن ابى النضر الفقيه وأبى الحسن أحمد ابن محمد بن سلمة قال: حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريح عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس به وقال: صحيح على شرط الشيخين ص 34 ج 2 - اللالى وص 41 - الفوائد. (ورده) الشوكانى فى تحفة الذاكرين فقال: ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحُسن فضلا عن الصحة، وفى الفاظه نكارة وأنا فى نفسى من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوى والتعليم المصطفوى، وقد أصاب ابن الجوزى بذكره فى الموضوعات أهـ. (ب) وقال فى التذكرة: قال فى الذيل: يابن عباس ألا أهدى لك هدية علمنيها جبريل للحفظ؟ تكتب على طاس بزعفران فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص وسورة يس وسورة الواقعة والجمعة والملك، ثم تصب عليه ماء زمزم او ماء السماء ثم تشربه على الريق عند السحر بثلاثة مثاقيل من لبان. وعشرة مثاقيل من سكر طبر زد (¬1) وعشرة مثاقيل عسل، ثم تصلى بعد الشرب ركعتين بمائة مرة قل هو الله أحد فى كل ركعة خمسين مرة، ثم تصبح صائما. يابن عباس فلا يأتى عليك كذا وكذا إلا وتصير حافظا. وهذا لمن دون ستين سنة. قال ابن عباس وجدناه نافعا، هذا كذب بين وأشار إليه فى الفوائد ص 42 وعشرون ركعة بالإخلاص لحفظ المال والنفس والولد والوالدين موضوعات أهـ. ¬

(¬1) طبرزد، كفر جل معرب وفيه اربع لغات بذال معجمه وبدال مهملة وبنون وبلام وهو السكر الأبيض الصلب. واصله بالفارسية تبرزذ، والتبر الفأس وزذ أوزد الضرب كأنه نحت من جوانبه بفاس لصلابته وعلى هذا فتكون طبر زذ ثفة تابعة لسكر فى الإعراب وقبل الطبرزد هو السكر أو العسل الذى طبخ بمثل عشرة من اللبن الحليب حتى ينعقد ويطلق ايضا على الملح أهـ ملخصا من الصباح وغيره.

19 - صلاة قضاء الدين: قال فى التذكرة: علمنى جبريل دعاء فى قضاء الدين فقال: من أصابه دين فليتوضأ وليصل إذا زالت الشمس أربع ركعات، وليقرأ فى كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسى. فإذا سلم قرأ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26} تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} {27} آل عمران. ثم يقول يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمنى رحمة تغنينى بها عن رحمة من سواك، اقضى دينى. فإن الله يقضى دينه، وفيها اسم الله الأعظم. من نسخة نبيط ابن شريط الكذاب أهـ ص 59 - الفوائد. 20 - صلاة الهدية أو الفدية عن الميت: هى ركعتان تصليان فى أول ليلة بعد دفن الميت. ثم يدعو بهذا الدعاء: اللهم إنى صليت هذه الصلاة وأنت تعلم ما أريد، اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلان ابن فلان ويسمى الميت. (هذه) الصلاة لا اصل لها ولم يرد بها حديث. 21 - صلاة الكفاية: ورد فيها حديث موضوع. وصفتها أن يصلى ركعتين ن يقرا فى كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس مرات والقدر خمس مرات. ثم يقول فى أخره: يا شديد القوى، يا شديد المحال، ياذا القوة والجلال، ياذا العزة والسلطان، اذللت جميع مخلوقاتك، اكفنى ما أخاف وأحذر، يقولها ثلاث مرات، ثم يتشهد ويسلم.

(قال) الإمام ابن الجزرى فى عدة الحصن: صلاة الكفاية جربت ولا أعلمها وردت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهـ. (قال) الشوكانى فى شرحه: وهو حديث مكذوب. والتجربة لا تدل على صحته ولا يخرج بها الفاعل للشئ معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا أهـ ص 144 تحفة الذاكرين. تتمة فى بعض السجدات المبتدعة (قال) أبو سعيد فى التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعوة فيها. ولا اصل لتلك السجدة أصلا، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة وذلك بدعة (وقال) الغزالى فى الإحياء: قد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذن للإقامة يوم الجمعة، ولا يثبت له اصل فى خبر ولا اثر، لكن الوجه للتحريم أهـ وفى الصحيحين عن عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته (يعنى بالليل) فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة (¬1)] 73 [. (وعن) القاضى أنه استدل به لجواز التقرب بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر. وقد اختلفت الآراء فى جوازه (وفى) الحصن الحصين: والسجود بعد الوتر موضوع، ولكن صح أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلى بعده ركعتين جالسا أهـ من تذكرة الموضوعات. ¬

(¬1) تقدم رقم 214 ص 184 ج 5 دين (ركعات قيام الليل) وفيه: ويسجد فى سبحته فهو سجود صلاة لا سجود فرد.

اللباس

(الرابع) اللباس معلوم أن ستر العورة فرض ولا سيما فى الصلاة. وأن التجمل للصلاة مطلوب ولا سيما للجمعة والعيدين. ولذا عقب الكلام على أحكام الصلاة بذكر يحث اللباس. والكلام فيه ينحصر فى ثمانية وعشرين فرعا. 1 - حكم اللبس: اللباس تعتريه أحكام خمسة: (أ) فرض وهو ما يستر العورة ويدفع الحسر والبرد. قال الله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ زِينَتَكُمْ خُذُوا عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 31 - الأعراف أى ما يستر عورتكم عند الصلاة. والإنسان لا يتحمل الحر والبرد، فيحتاج إلى دفع ضررهما باللباس. قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ} (¬1) أى البرد. (ويكون) من قطن أو كتان أو صوف أو غيرها مما يحل، وقد لبس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصوف وغيره (روى) الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فى شملة قد عقد عليها. أخرجه ابن ماجه (¬2) {74} وخالد لم يلق عبادة ولم يسمع منه. والأحوص ضعيف. (وقال) المغيرة بن شعبة: وضأت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم ¬

(¬1) من آية 81 - النحل وصدرها: والله جعل لكم مما خلق ظلالا. (¬2) انظر ص 191 ج 2 سنن ابن ماجه (اللباس) و (الشملة) كساء بتغطى به وتلفف فيه (قد عقد عليها) لئلا يسقط من الصغر.

وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين (الحديث) أخرجه الترمذى (¬1) {75} (وقال) أبو بردة: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى هذين. أخرجه الستة إلا النسائى (¬2) {76} (ب) ومستحب وهو ما يحصل به اصل الزينة وإظهار النعمة (قال) تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (وعن) ابى الأحوض عن أبيه قال: دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فرآنى سيئ الهيئة. فقال: ألك من شئ؟ قلت: نعم. من كل المال قد آتانى الله تعالى، فقال: إذا كان لك مال فلير عليك. أخرجه النسائى (¬3) {77} (وعن) ابن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده. أخرجه الحاكم والترمذى وحسنه (¬4) {78} (جـ) ومباح وهو الثوب الجميل للتزين ولا سيما فى الجمع والأعياد ومجامع الناس " لحديث " محمد بن يحيى بن حبان (بفتح الحاء) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبى مهنته. أخرجه أبو داود والبيهقى. وأخرجه أبو داود عن يوسف بن عبد الله ابن سلام وأخرجه ابن ماجه عن عائشة أيضا (¬5) {79} (د) ومكروه وهو اللبس للتكبر والخيلاء " لحديث " عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كلوا واشربوا وتصدقوا فى غير إسراف ولا مخيلة. أخرجه أحمد والنسائى والحاكم وابن ماجه ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس) وص 270 منه (الخامس فى الصوف) وص 191 ج 2 - ابن ماجه (اللباس). (¬2) انظر ص 266 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس) وص 270 ج 1 (الخامس فى الصوف) وص 191 ج 2 - ابن ماجة (اللباس) (¬3) انظر ص 296 ج 2 مجتبى (ما يستحب من لبس الثياب (¬4) انظر رقم 1880 ص 293 ج 2 فيض القدير. (¬5) انظر ص 265 ج 3 تيسير الوصول (التنزين - اللباس) وص 176 ج 1 - ابن ماجة (الزينة يوم الجمعة)

وعلقه البخارى (¬1) {80} (وعن) ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة. أخرجه البخارى موقوفا (¬2) {81} (وقال) عبد الله بن عمرو: قلت يا رسول الله أمن الكبر ان يكون لى الحلة فألبسها؟ قال: لا قلت: أمن الكبر ان تكون لى راحلة فاركبها؟ قال: لا، قلت: أمن الكبر أن اصنع طعاما فأدعو أصحابي؟ قال لا، الكبر أن تَشْفَه الحق وتَغْمِضَ الناس. أخرجه أحمد والبراز بسند رجاله ثقات {82}. (هـ) وحرام على الرجال والخنائى المكلفين المختارين. وهو الحرير، فيحرم على الرجل والخنثى لا المراة لبسه ولو بحائل بينه وبين بدنه " وما قيل " من أنه لا يحرم إلا إذا مس الجلد " فغير " صحيح لا يجوز العمل ولا الفتوى به، لأنه مخالف لعموم الأدلة وهى: (حديث) ابى أمامة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا. أخرجه أحمد والحاكم (¬3) {83}. (وحديث) ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لاخلاقه له فى الآخرة. أخرجه الشيخان والنسائى (¬4) {84}. ¬

(¬1) انظر رقم 6402 ص 46 ج 5 فيض القدير. وص 198 ج 10 فتح البارى (كتاب اللباس) والمخيلة كعظيمة، الكبر (¬2) انظر رقم 6402 ص 46 ج 5 فيض القدير. وص 198 ج 10 فتح البارى (كتاب اللباس) والمخيلة كعظيمة، الكبر (¬3) انظر ص 133 ج 5 مجمع الزوائد (إظهار النعم واللباس الحسن) و (صفة الحق) من باب تعب جهله. وغمضة من باب ضرب وسمع وفرح، احتقره كاغتصمه وعايه وتهاون بحقه. (¬4) (انظر رقم 8982 ص 211 ج 2 فيض القدير. وص 268 ج 3 تيسير الوصول 0 الحرير تحريمة) و (من لاخلاق (أى لا نصيب (له) من الخير فى الآخرة وهو كناية عن عدم دخول الجنة قال تعالى فى وصف أهل الجنة ولباسهم فيها حرير فمن لبسه فى الدنيا لم يدخل الجنة. ويؤيده (قول) ابن عمر: حدثنى ابو حفص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من لبس الحرير فى الدنيا فلا خلاق له فى الآخرة أخرجه النسائى {85} ص 297 ج 2 مجتبى.

(وحديث) أبى أمامة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {86}. (وحديث) البراء بن عازب رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الديباج والحرير والإستبراق. أخرجه ابن ماجه (¬2) {87}. (وحديث) جوبرية بنت الحارث رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: من لبس ثوب حرير فى الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوبا من نار. أخرجه أحمد والطبرانى وفى سنده جابر الجعفى ضعيف وقد وثق (¬3) {88}. (وما ذكر) خاص بالرجال دون النساء " لحديث " على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله فى يمينه وذهبا فى شماله ثم رفع بهما يديه فقال إن هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثهم. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه (¬4) {89}. (ولحديث) زبد بن أرقم ووائلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) (انظر ص 269 ج 3 تيسير الوصول 0 الحرير - تحريمة) (¬2) انظر ص 195 ج 2 - ابن ماجة (كراهة لبس الحرير) والديباج: ماسداه ولحمته من حرير والإستبراق ما غلظ منه، فذكرهما معه من ذكر الأخص مع الأهم. (¬3) انظر ص 324 ج 6 مسند أحمد وص 141 ج 5 مجمع الزوائد (الحرير والذهب). (¬4) انظر ص 268 ج 3 تيسير الوصول (الحرير - تحريمة) وص 196 ج 2 - ابن ماجة (لبس الحرير والذهب للنساء) و (أن هذين). أى استعمال هذين، فخذف المضاف وأبقى الخبر على إفراده وعلى كل فالمراد أن الحرام لبسهما والأ فاستعمالهما صرفا وإتفاقا وبيعا، جائز للرجال والنساء واستعمال أوانى الذهب واتخاذها حرام على الكل.

قال: الذهب والحرير حل لإناث أمتى وحرام على ذكورها. أخرجه الطبرانى فى الكبير وأبو داود والنسائى وابن ماجه (¬1) {90}. (قال) ابن المدينى: حديث حسن ورجاله معروفون. (ولحديث) ابى موسى الشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: حُرِّمَ لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم. أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذى والحاكم وابن خزيمة والطبرانى (¬2) {91}. " ولقول " أنس: رأيت على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص حرير سيراه. أخرجه ابن ماجه (¬3) {92}. (وعن) أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا سيراء قال: والسيراء المضلع بالقز. أخرجه أبو داود (¬4) {93}. (ففى) هذه الأحاديث دلالة على حل لبس الحرير للنساء وتحريمه على الرجال وهو متفق عليه إن كان الحرير خالصا. وكذا إذا كان غالبا ظاهرا عند جمهور السلف والحلف. فإن الأدلة لم تفرق بين الخاص والمخلوط، ولأن الأقل كالعدم. (وقال) ابن عباس وجماعة: إنما يحرم الحرير الصافى الذى لا يخالطه غيره. ¬

(¬1) انظر ص 143 ج 5 مجمع الزوائد (الحرير والذهب). (¬2) انظر ص 392 ج 4 مسند أحمد وص 294 ج 2 مجتبى (تحريم الذهب 9 وص 40 ج 3 تحفة الأحوذى (الحرير والذهب للرجال) (¬3) (انظر ص 196 ج 2 ابن ماجه 0 لبس الحرير والذهب والنساء) و 0 سيراه) بكسر ففتح ممدودا وع من الثياب فيه خطوط يخالطه حرير. (¬4) انظر ص 50 ج 4 سنن أبى داود (الحرير للنساء)

(روى) خُصيف بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس قال: إنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصْمَت من الحرير. وأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به. أخرجه وأبو داود والبيهقى بسند صحيح كما قال النووى فى شرح المهذب (ولكن) خُصيف ضعفه أحمد وقال: ليس بحجة ولا قوى أهـ ووثقه ابن معين وأبو زرعة (وقال) الحافظ فى التقريب: صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره أهـ، وأخرجه الطبرانى بسند حسن والحاكم بسند صحيح. عن ابن جريح عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عن المصمت إذا كان حريراً (¬1) {20} (وعن) عبد الله بن سعد عن أبيه قال: رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء، عليه عمامة خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أبو داود (¬2) {94}. (قال) ابن الأثير فى النهاية: الخز ثياب تنسج فى صوف وإبريسم. وهى مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهى عنها لأجل التشبه بالعجم وزى المترفين. (وقال) القاضى عياض: الخز ما خلط من الحرير والوبر. وأجاب الجمهور (أ) عن اثر ابن عباس بأنه يحتمل أن يراد بالمصمت فيه الخالص أو ما غالبه حرير، بدليل قوله: وأما العلم وسدى الثوب فلا باس به. (ب) وعن حديث عبد الله بن سعد عن أبيه " بأن قول " الرجل فى عمامة ¬

(¬1) انظر ص 49 ج 2 سنن أبى داود (الرخصة فى العلم وخيط الحرير 9 وص 145 ج 5 مجمع الزوائد (استعمال الحرير لعله) والمصمت، بضم فسكون ففتح، الخالص والسدى بفتح السين وقد تضم، ما يمد طولا فى النسج، واللحمة، بضم اللام وفتحها ما ينسخ عرضا. (¬2) انظر ص 45 ج 4 سنن ابى داود (فى الخز) و (رجلا) هو عبد الله بن خازن بالخاء المعجمة والزاى، كنيته أبو صالح. قيل إن له صحبة.

الخز: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا يستلزم " جواز لبسه إياها، لجواز أن يكون النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سلمها له ليجعلها خماراً لبعض نسائه كما وقع نظيره لعمر وعلىّ وأسامة بن زيد رضى الله عنهم كما سيأتى. ويحتمل أن تكون تلك العمامة متخذة من حرير وغيره وليس الحرير غالبا. أو متخذة من وبر الأرنب كما قيل فى الخز. (ومن هذا) تعلم حرمة لبس القطانى والأحزمة المتخذة من الحرير الخالص أو الغالب. وقد تغالى بعضهم فاتخذ منه جبة أو عبارة أو قميصاً أو طيلسانا على الرأس أو غير ذلك. وسكت على هذا كثير من أهل العلم. يل استعمله بعضهم فاغتر بهم كثير من القاصرين الجاهلين واقتدى بهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (قال) النووى فى شرح مسلم: وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسى وهو نوع من الحرير، فكله حرام على الرجال سواء لبسه للخيلاء أو غيرها إلا أن يلبسه للحكة فيجوز فى السفر والحضر. وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير بجميع أنواعه، وخواتم الذهب وسائر الحلى منه ومن الفضة سواء المزوّجة وغيرها والشابة والعجوز والغنية والفقيرة. هذا مذهبنا ومذهب الجماهير انظر 32 ص 14 ج شرح مسلم. 2 - زر الطربوش: ومن الحرير المحرم على الرجال زر الطربوش، فإن الأدلة عامة فى تحريم الحرير على الرجال ولم يستثن النبى صلى الله عليه وسلم منه إلا مقدار الأربع الأصابع فاقل كما سيأتى وليس منها زر الطربوش. وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء. (قال) الشيخ عوض فيما كتبه على الخطيب شرح أبى شجاع (فرع) زر الطربوش حرام وقيل حلال أهـ (وقال) المدابغى: يحرم زر الطربوش أهـ فتراهما قد نصا على تحريمه عملا بالدليل. ولا غيرة بما قيل بحله، لعدم ما يدل عليه ومن ادعى حله فعلية الدليل وإلا فلا يقبل قوله. (وقال) الشيخ منصور الحنبلى فى شرح المنتهى: وحرم الأكثر استعماله.

(أى الحرير) مطلقا، فيدخل فيه تكة وشرَّابة مفردة وخيط سبحة أهـ ويعلم منه حرمة زر الطربوش بالأولى. (ولذا) افتى المرحوم الشيخ سليم البشرى الإسلام وغيره من علماء المذاهب الأربعة بتحريم زر الطربوش إذا كان من الحرير. (فقد سئلوا) بما نصه: هل زر الطربوش المعروف لبسه حرام أو مكروه أو جائز؟ فإن قلتم بالكراهة أو الجواز فما الدليل؟ (فأجاب) (أ) الأستاذ الشيخ محمد طموم المالكى أمين الفتوى للأستاذ الجليل الشيخ سليم البشرى شيخ الجامع الأزهر سابقا بقوله: لبس الحرير الخالص حرام على الذكور المكلفين، لما رواه ابن ماجه بسنده عن حذيفة رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن لبس الحرير والذهب (¬1) {95} وروى أيضا بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة (¬2) {96}. وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى تحريم الحرير إلا ما ستثنى كالعلم فى الثوب قدر اربع اصابع، والسجاف والخباطة به وراية الجهاد وخيط السبحة وستر السقف والحائط به بشرط ألا يستند إليه الرجل. ولم يستثنوا زر الطربوش فهو حرام إذا كان من خالص الحرير أهـ. ولما اطلع على هذا الجواب شيخ الإسلام الشيخ سليم البشرى كتب ما نصه: ما كتبه العلامة الشيخ محمد كموم هو الحق الذى لا شك فيه أهـ. (ب) وأجاب العلامة الشيخ محمد حسين الشافعى بقوله: وأما استعمال زر الطربوش فهو حرام، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة. أخرجه ابن ماجه وغيره من أصحاب السنن. وروى ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 2 - ابن ماجه (كراهية لبس الحرير) وحديث أنس أخرجه ايضا أحمد والشيخان والنسائى انظر رقم 9003 ص 218 ج 6 فيض القدير. (¬2) انظر ص 195 ج 2 - ابن ماجه (كراهية لبس الحرير) وحديث أنس أخرجه ايضا أحمد والشيخان والنسائى انظر رقم 9003 ص 218 ج 6 فيض القدير.

أيضا بسنده عن حذيفة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والذهب أهـ وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى تحريم لبس الحرير بجميع أنواعه وأصنافه. (جـ) وأجاب العلامة الشيخ محمود الشنقيطى بما نصه: لبس زر الطربوش الحرير حرام، فيجب على المكلف البعد عنه، فقد روى ابن ماجه فى سننه بسنده عن على بن ابى طالب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريراً بشماله وذهبا بيمينه، ثم رفع بهما يديه فقال: إنى هذين حرام على ذكور أمتى حلال لإناثهم (¬1) {97} ولبس زر الطربوش غير الحرير من الهذيان والعبث المطلوب تركه لا على جهة الوجوب أهـ. 3 - استعمال الحرير بغير اللبس: وكما يحرم على الرجال لبس الحرير يحرم عليهم استعماله بغيره من أنواع الاستعمال فيحرم جعله وسادة أو لحافا أو تكة للسراويل أو سترا أو ملاءة " لحديث " حذيفة رضى الله عنه: قال نهانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نشرب فى آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها: وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. أخرجه البخارى (¬2) {98} " ولقول " على رضى الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسىّ وعن جلوس على المياثر. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة بألفاظ مختلفة (¬3) {99} ¬

(¬1) (تقدم رقم 89 ص 176 وص 226 ج 10 فتح البارى 0 افتراض الحرير) (¬2) (تقدم رقم 89 ص 176 وص 226 ج 10 فتح البارى 0 افتراض الحرير) (¬3) انظر ص 80 ج 1 مسند أحمد وصدره: نهانى عن ثلاثة وص 72 ج 14 نووى مسلم (تحريم خاتم الذهب على الرجال) وص 47 ج 4 سنن أبى داود وص 294 ج 2 مجتبى (النهى عن لبس خاتم الذهب) وص 50 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية خاتم الذهب 9 والقسى، بفتح القاف وقد تكسر وشد السين المهملة المكسورة ثياب مخططة بالحرير تعمل بالقسى، موضع بمصر على ساحل البحر قريب من دمياط. (وقيل) هى ثياب مخلوطة بالحرير، وقيل ثياب من القز. وهو ردئ الحرير ن فابدلت الزاى سينا. و (المياثر) فراش صغير يتخذ من حرير يحشى بقطن أو صوف يضعها الراكب على البعير فوق الرحل ز فإن كانت من الحرير كما هو الغالب فهى حرام وهى عند مسلم فقط.

ولأنه فعل الأكاسرة (وقد) قال عمر رضى الله عنه: إياكم وزى الأعاجم. أخرجه ابن حبان (وقال) سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه: لأن أتكئ على جمر الغضى (¬1) أحب إلى من أن أتكئ على مرافق الحرير. " ولقوله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى حديث على رضى الله عنه: إن هذين حرام على ذكور أمتى، حلال لإناثهم. فإنه بعمومه يشمل الجلوس والاتكاء وغيرهما أنواع الاستعمال. (وبهذا) قالت المالكية والشافعية وأبو يوسف ومحمد. وهو مشهور مذهب الحنبلية. (وقال) أبو حنيفة: لا بأس بافتراش الحرير والنوم عليه واتخاذ الوسائد والمرافق والبسط والستور منه إذا لم يكن فيها تماثيل. وبه قال القسم وابن الماجشون. وروى عن ابن عباس وأنس (روى) وكيع عن مسعر عن راشد مولى بنى تميم قال: رأيت فى مجلس ابن عباس مرفقة حرير. (وقال) مؤذن بنى وداعة: دخلت على ابن عباس وهو متكى على مرفقة حرير، ولأن الفراش موضع إهانة. (قال) الشوكانى فى النيل: واستدل لهم بالقياس على الوسائد المحشوة بالقز إذ لا خلاف فيها. وهذا دليل باطل لا ينبغى التعويل عليه فى مقابلة النص. وقد تقرر بطلان القياس فى مقابلة النص، وأنه فاسد الاعتبار، وعدم حجية ¬

(¬1) الغضى: شجر خشية من اصلب الخشب.

أقوال الصحابة، لا سيما أقوال الصحابة، لا سيما إذا خالفت الثابت عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم (¬1). (والحكمة) فى تحريم الحرير على الرجال أنه خلق فى الأصل للنساء كالحلية بالذهب، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء. وقيل: حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب. وقيل: حرم لما يورثه للبدن لملامسته من الأنوثية والتخنث وضد الشهامة والرجولية. فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه فى الأكثر إلا وعلى شمائلة من التخنث والتأنيث والرخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم رجولية، فلابد أن ينقصه لبس الحرير منها وإن لم يذهبها، ولهذا كان أصح القولين أنه يحرم على الولى أن يلبسه الصبى لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث. أفاده ابن القيم (¬2). 4 - اللباس المخلوط وليس الحرير غالبا: إن كان الحرير مساويا لغيره أو أقل كالخز، سداه حرير ولحمته من غيره فعند الحنفيين يحل استعماله للرجال ولو كانت اللحمة أقل من السدى على الصحيح، وقيل: لا يحل إلا إذا غلبت اللحمة، وهو الصحيح عند الشافعية والحنبلية (لما) تقدم عن ابن عباس أنه قال: إنما نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الثوب المصمت من الحرير. فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا باس به. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (¬3). وقال النووى: وإذا كان بعض الثوب حريرا وبعضه غيره ونسج منهما، ¬

(¬1) انظر ص 78 ج 2 نيل الأوطار (افتراش الحرير كلبسة). (¬2) انظر ص 89 ج 3 زاد المعاذ (منافع الحرير الطبية) (¬3) تقدم أثر 20 ص 125 (دليل حل الحرير غير الصافى).

ففيه طريقان " أحدهما " إن كان الحرير ظاهرا يشاهد، حرم وإن قل وزنه، وإن استتر لم يحرم وإن كثر وزنه، لأن الخيلاء والمفاخرة إنما تحصل بالظاهر (والطريق) الثانى هو الصحيح المشهور أن الاعتبار بالوزن. فإن كان الحرير أقل وزنا حَلْ، وإن كان أكثر حرم. وإن استويا فوجهان، الصحيح الحل لأن الشرع إنما حرم ثوب الحرير وهذا ليس بحرير أهـ بتصرف (¬1) وهذا مذهب أحمد. (وعند) المالكية فى المخلوط بالحرير وغيره مساو أو أكثر، قول بالجواز وقول بالكراهة، وقول بالحرمة واختاره بعضهم، لما ثبت عن كثير من الصحابة مما يدل على تحريم المخلوط بالحرير (قال) ابن عمر: رأى عمر عُطاردا التميمى يقيم بالسوق حلة سيراء، وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم. فقال عمر: يا رسول الله إنى رأيت عطاردا يقيم فى السوق حلة سيراء، فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الاخرة. فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة. وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى على بن أبى طالب حلة (قال) شققها خمرا بين نسائك، فجاء عمر بحلته يحملها فقال: يار سول الله بعثت إلىّ بهذه وقد قلت بالأمس فى حلة عطارد ما قلت، فقال: إنى لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكنى بعثت بها إليك لتصيب بها، وأما أسامة فراح فى حلته فنظر إليه رسول الله نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أنكر ما صنع، فقال يا رسول الله ما تنظر ¬

(¬1) انظر ص 438 ج 4 شرح المهذب (تفصيل القول فيما إذا كان بعض الثوب إبريسما وبعضه قطنا).

إلى؟ فأنت بعثت إلىَّ بها، فقال: إنى لم أبعث إليك لتلبسها ولكنى بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين نسائك. أخرجه مسلم والبيهقى (¬1) {100} (وقال) على رضى الله عنه: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلة مكفوفة بحرير، إما سداها وإما لحمتها، فأرسل بها إلىّ فأتيته فقلت: يا رسول الله ما أصنع بها؟ ألبسها؟ قال لا، ولكن اجعلها خمراً بين الفواطم أخرجه ابن ماجه (¬2) {101}. (ورجح) الشوكانى هذا حيث قال بعد ذكر هذه الأحاديث: وقد عرفت مما سلف الأحاديث الواردة فى تحريم الحرير على الرجال بدون تقييد. فالظاهر منها تحريم ماهية الحرير عليهم، سواء أوجدت منفردة أم مختلطة بغيرها، ولا يخرج عن التحريم إلا ما استثناه الشارع من مقدار الأربع الأصابع من الحرير الخالص، وسواء أوجد ذلك المقدار مجتمعنا كما فى القطعة الخالصة أم مفرّقا كما فى الثوب المشوب (وحديث) ابن عباس، لا يصلح لتخصيص تلك العمومات ولا لتقييد تلك الإصلاقات لما عرفت " ولا متمسك " للقائلين بحل المشوب إذا كان الحريرمغلوبا " إلا قول " ابن عباس فيما أعلم (فانظر) أيها المنصف، هل يصلح جعله جسراً تذاد عنه الأحاديث الواردة فى تحريم مطلق الحرير ومقيدة؟ وهل ينبغى التعويل عليه فى مثل هذا الأصل العظيم؟ مع ما فى إسناده ¬

(¬1) انظر ص 39 ج 14 نووي مسلم (تحريم الذهب والحرير علي الرجال) و " ويقيم حلة " أي يعرضها للبيع " وسيراء" بكسر ففتح نوع من الثياب يخالطه حرير كالسيور و " من لا خلاق ط أى لا نصيب ط له " فى لبس الحرير "فى الاخرة " (¬2) انظر ص 196 ج 2 - ابن ماجة (لبس الحرير والذهب النساء) " وخمرا " بضم الميم ويجوز إسكانها جمع خمار، وهو ما يوضع على راس المراة و " الفواطم " فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج على ن وفاطمة بنت أسد أمه، وفاطمة بنت شيبة.

من الضعف الذى يوجب سقوط الاستدلال به على فرض تجرّده عن المعارضات (فإن) قلت قد صرح الحافظ بن حجر أن عمدة من يقول بجواز لبس ما خالطة الحرير إذا كان غير الحرير أغلب ما وقع فى تفسير الحلة السِّيراء (قلت) ليس فى أحاديث الحلة السِّيرَاء ما يدل على أنها حلال، بل جميعها قاضية بالمنع منها، كما فى حديث عمر وعلى وغيرهما مما سلف (فإن) فسرت بالثياب المخلوطة بالحرير كما قال جمهور أهل اللغة. كانت حجة عليهم لا لهم، وإن فسرت بأنها الحرير الخالص، فأى دليل فيها على جواز لبس المخلوط؟ وهكذا إن فسرت بسائر التفاسير المتقدمة. (والحاصل) أنه لم يأت المدعون للحل بشئ تركن النفس إليه، وغاية ما جادلوا به أنه قول الجمهور، وهذا أمرهين (والحق) لا يعرف بالرجال أهـ بتصرف (¬1). 5 - ما يباح من الحرير: يحل للرجال اليسير من الحرير، بأن كان قدر أربع أصابع مضمومة فأقل كعلم الثوب والطراز والقيطان والسجاف لإصلاح الثوب، سواء أكان مركبا عليها أم منسوجا فيها أم مصنوعا بالإبرة " لقول " سويد بن غفلة: خطب عمر رضى الله عنه بالجابية فقال: نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث أو أربع، أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وقال هذا حديث حسن ¬

(¬1) انظر ص 84، 85 ج 2، نيل الأوطار (اقوال العلماء فى لبس الثوب المسوب بالحرير).

صحيح (¬1) {102} " ولقول " عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر: أخرجت إلىّ أسماء جُبَّةَ طيالسة عليها لبنة شبرد من ديباح كسروانى، وفرجاها مكفوفان به، قالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبسها، كانت عند عائشة فلما قبضت عائشة قبضتها إلىّ، فنحن نغسلها للمريض منا يستشفى بها. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {103}. والمتبادر أن المراد قدر أربع الأصابع عرضا وإن زاد الطول. والمراد بالعلم ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة. والظاهر أنه لا فرق بينه وبين المطرف وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير فى أنه يتقيد بأربع أصابع وهذا متفق عليه. (قال) العلامة ابن عابدين فى رد المختار: وعلم الثوب رقمه وهو الطراز والمراد به ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بينه وبين المطرف - وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير - فى أنه يتقيد بأربع أصابع، خلافا للشافعية حيث قيدوا المطرز بالأربع الأصابع، ¬

(¬1) انظر ص 51 ج 1 مسند أحمد وص 269 ج 3 تيسير الوصول (ما ابيح من ذلك) اى من الحرير. وص 40 ج 3 تحفة الأحوذى (الحرير والذهب للرجال) و " الجابية " قرية بدمشق. (¬2) انظر ص 347 ج 6 مسند احمد. وص 43، 42 ج 14 نووى مسلم (تحريم الذهب والحرير على الرجال وغباحته للنساء) و " طيالسة " جمع طيلسان، وهو كساء غليظ و " لينة" بكسر فسكون أى رقعة فى جيب القميص. وكان عرضها شبرا. فشبر صفة للبنة و " الديباج " ما غلظ من الحرير و " كسروانى " بقتح فسكون " نسبة على كسرى ملك الفرس على غير قياس. والقياس كسر الكاف و " فرجاها " ثنية فرج وهو الشق أسفل الثوب ز و " المكفوف ط ما جعل له كبة بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها، والمعنى أن شقى الجبية اللذين فى اسفلها مكفوفان بالحرير.

وبنوا المطرف على العادة الغالبة فى كل ناحية وإن جاوز أربع أصابع، فالمراد بالعلم عندنا ما يشملهما، فيدخل فيه السجاف وما يخاط على أطراف الأكمام وما يجعل فى طوق الجبة، وهو المسمى قبة، وكذا العروة والزور كما سيأتى. ومثله فيما يظهر طرة الطربوش أى القلنسوة ما لم تزد على عرض أربع أصابع وكذا بيت تكة السراويل وما علا أكتاف العباءة وعلى ظهرها وما فى أطراف الشاش، سواء أكان تطريزا بالإبرة أم نسجا، فجميع ذلك لا بأس به إذا كان عرض أربع أصابع، وإن زاد على طولها بناء على مامر، ومثلة لورقع الثوب بقطعة ديباج بخلاف مالوجعلها حشوا. (قال) فى الهندية: ولو جعل القز حشوا للقباء فلا بأس به، لأنه تبع ولو جعلت ظهارته أو بطاتنه فهو مكروه، لأن كليهما مقصود، كذا فى محيط السرخسى وفى شرح القدروى عن أبى يوسف: أكره بطائن القلانس من إبريسم أهـ. وعليه فلو كانت قية الجبة أكثر من عرض أربع أصابع كما هو العادة فى زماننا فخيط فوقها قطعة كرباس ن يجوز لبسها، لأن الحرير صار حشوا، تأمل (¬1). (وقال) النووى فى المجموع: يجوز لبس المطرز بشرط ألا يجاوز طراز الحرير أربع أصابع، فإن زاد عليها فحرام للحديث السابق، ويجوز لبس الثوب المطرز والمجيّب ونحوهما بشرط ألا يجاوز العادة فيه، فإن جاوزها حرم بالاتفاق. ولو رقع ثوبه بديباج فهو كتطريزة، ولو خلط ثوبا بإبريسم جاز لبسه بلا خلاف، بخلاف الدرع المنسوجة بذهب قليل، فإنها تحرم لكثرة الخيلاء فيه. ولو اتخذ سبحة فيها خيط حرير لم يحرم استعمالها. لعدم الخلاء، ولو اتخذ جبة من غير الحرير وحشاها حريرا أو حشاء القباء (أى القفطان) والمخدة ونحوها، جاز استعمالها، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه، وقال: ¬

(¬1) انظر ص 248 ج 5 رد المحتار (اللبس) و " كرباس " بكسر فسكون أى قطن.

ظاهر كلامهم أنه لو لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفى وسطه حرير منسوج جاز. وفيه نظر واحتمال أهـ ملخصا (¬1). 6 - لبس الحرير لضرورة: يجوز لبس الحرير لحاجة كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبس الحرير " لقول " أنس: رخص النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف فى لبس الحرير لحكة بهما، أخرجه السبعة ولفظ الترمذى: شكو إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم القمل فرخص لهما فى قُمص الحرير فى غزاة لهما (¬2) {104} وهو مشهور مذهب الشافعية والحنبلية وظاهر مذهب الحنفيين. وبه قال ابن حبيب المالكى، ومثل الحكة غيرها من الأمراض التى ينفع فيها لبس الحرير. (وقال) ابن الصلاح: يرخص لبس الحرير للحكة والقمل فى السفر فقط، لظاهر قول أنس: رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام فى قمص الحرير فى السفر من حكة كانت بهما. أخرجه أبو داود (¬3) {105}، ولأن السفر شاغل عن المعالجة وتفقد الثياب وغيرهما. ¬

(¬1) انظر ص 348 ج 4 شرح المهذب (تفصيل القول فى الثوب بعضه حرير وبعضه قطن). (¬2) انظر ص 269 ج 3 تيسير الوصول (ما أبيح من ذلك) وص 196 ج 2 سنن ابن ماجه (من رخص له فى لبس الحرير). (¬3) انظر ص 50 ج 4 سنن ابى داود (لبس الحرير لعذر).

(وقال) مالك: لا يجوز لبس الحرير مطلقا سفرا وحضرا لحكة ونحوها وهو قول الحنبلية (وأجابوا) عن الحديث باحتمال أن يكون الترخيص خاصا بابن عوف والزبير، لكن الأصل عدم الخصوصية، ولا دليل هنا على التخصيص. (قال) النووى فى المجموع: يجوز لبس الحرير للحكة وللجرب ونحوه، هذا هو المذهب، وفيه وجه أنه لا يجوز وليس بشيئ , ويجوز لدفع القمل في السفر والحضر , وفيه وجه أنه لا يجوز إلا في السفر , واختاره الشيخ أبو عمرو بن صلاح , لأنه ثبت في روايه في الصحيحين قي هذا الحديث , أرخص لهما في ذلك السفر , والصحيح المشهور جوازه مطلقا , وبه قطع كثيرون واقتضاه إطلاق الباقين أهـ بتصرف واحد (¬1). (وقال) ابن القيم هذا الحديث (حديث أنس) يتعلق به أمران فقهي وطبي. فأما الفقهي فالذي استقرت عليه سنته صلي الله عليه وعلي آله وسلم إباحة الحرير للنساء مطلقا وتحريمه علي الرجال إلا للحاجه ومصلحة راجحه , فالحاجه كأن لا يجد ما يستر به عورته سواه (ومنها) إلباسه للمرض والحكة وكثرة القمل كما دل عليه حديث أنس، والجواز أصح الروايتين عن الإمام أحمد وأصح قولى الشافعى، إذ الأصل عدم التخصيص، والرخصة إذا ثبتت فى حق بعض الأمة لمعنى، تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه، ومن منع منه قال: أحاديث التحريم عامة، وأحاديث الرخصة تحتمل اختصاصا لعبد الرحمن بن عوف والزبير، أى ويحتمل تعديها إلى غيرهما وإذا احتمل الأمران، كان الأخذ بالعموم أولى. والصحيح عموم الرخصة فإنه عرف خطاب الشرع فى ذلك ما لم يصرح بالتخصيص كقوله صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 441 ج 4 شرح المهذب (يجوز لبس الحرير لحكة ونحوها).

عليه وسلم لأبى بردة: اذبحها ولا تصلح لغيرك (¬1) ولقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فى نكاح من وهبت نفسها له {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} من آية 5 الأحزاب. وتحريم الحرير إنما كان سداً للذريعة، ولهذا أبيح للنساء وللحاجة والمصلحة الراجحة، وهذه قاعدة ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة، كما حرم النظر سدا لذريعة الفعل، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة، وكما حرم التنفل بالصلاة فى أوقات النهى سدا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس، وأبيحت للمصلحة الراجحة أهـ بتصرف (¬2). (والحكمة) فى جواز لبس الحرير للحكة والقمل، ما قيل من أن فى الحرير برودة، وقيل إن فيه خاصية تدفع ما تنشا عنه الحكة والقمل. (فوائد) (الأولى) لو خاف الإنسان على نفسه من حر أو برد أو غيرهما ولم يجد إلا ثوب حرير، جاز لبسه بلا خلاف للضرورة، ويلزمه الاستتار به عن العيون إذا لم يجد غيره بلا خلاف، وكذا فى الخلوة إذا أوجبنا الستر فيها. ... (الثانية) يجوز لبس الحرير فى الحرب إذا دعت إليه ضرورة بأن لم يجد غيره، أو كان ثخينا لا يقوم غيره فى الحرب مقامه (وبهذا) قال الحنفيون والشافعية (قال) العلامة ابن عابدين فى رد المختار: اعلم أن لبس ¬

(¬1) هو بعض حديث تقدم رقم 21 ص 14 ج 5 دبن (لا يجزئ فى التضحية الجذع من غير الضأن). (¬2) انظر ص 88، 87 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج الجسم وما يولد القمل).

الحرير لا يجوز بلا ضرورة مطلقا، فما كان سداه غير حرير ولحمته حريرا، يباح لبسه فى الحرب للضرورة وهى شيئان: التهيب بصورته وهو بريقه ولمعانه، والثانى دفع معرة السلاح أى مضرته، فإذا كان رقيقا لم تتم الضرورة فحرام عند الإمام وصاحبيه (¬1). (وقال) النووى فى المجموع: يجوز للرجل لبس الديباج فى حال مفاجأة الحرب والقتال إذا لم يجد غيره، وكذلك يجوز الديباج الثخين الذى لا يقوم غيره مقامه فى دفع السلاح، ولا خلاف فى جوازه فى حال الضرورة. ولا يقال إنه مكروه فلو وجد غيره مما يقوم مقامه فوجهان (الصحيح) تحريمه لعدم الضرورة قياسا على الدرع المنسوجة بالذهب، فإنها لا تحل فى الحرب إلا إذا لم يجد ما يقوم مقامها باتفاق الأصحاب (والثانى) جوازه مع الكراهة، ووجهه القياس على التضبيب فإنه يجوز بالفضة للحاجة وإن وجد نحاسا غيره، ويفرق بينه وبين الدرع المنسوجة بالذهب بأن الحرير يسامح بقليلة كالعلم والجيب ونحوهما وعما دون نصف الثوب أهـ بتصرف (¬2). (وهذا) هو المشهور عند الحنبلية. وقيل يجوز لبس الحرير فى الحرب ولو بلا حاجة (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى: فأما لبسه فى الحرب فإن كان فى حاجة إليه كأن كان بطانة لبيضة أو درع ونحوه أبيح. قال بعض أصحابنا: يجوز مثل ذلك من الذهب كدرع مموه بالذهب وهو لا يستغنى عن لبسه وهو محتاج إليه. وإن لم يكن به حاجة إليه فعلى وجهين (أحدهما) يباح، لأن المنع من لبسه للخيلاء وكسر قلوب الفقراء: والخيلاء فى وقت ¬

(¬1) انظر ص 251 ج 5 رد المختار (اللبس). (¬2) انظر ص 439 ج 4 شرح المهذب (يجوز للرجل لبس الديباج فى حال مفاجأة الحرب إذا لم يجد غير هـ).

الحرب غير مذموم (والثانى) يحرم لعموم الخبر، وظاهر كلام أحمد رحمة الله إباحته مطلقا وهو قول عطاء (¬1). (وحاصل) مذهب الحنفيين فى هذا أن ما لحمته حرير وسداه غيره لا يحل إلا فى الحرب صفيقا يحصل به اتقاء العدو، فلو كان رقيقا حرم لعدم الفائدة ولا يجوز لبس الحرير الخالص فى الحرب عند الإمام، وقال أبو يوسف ومحمد يجوز لو كان صفيقا، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى الحرير الخالص فى الحرب. ورخص فى لبس الخز والديباج فى الحرب للضرورة، ولأن الخالص منه أدفع لحدة السلاح وأهيب فى عين العدو. وللإمام إطلاق النصوص الواردة فى النهى عن لبس الحرير من غير تفصيل. والضرورة تندفع بالمخلوط فلا حاجة إلى الخالص (وجملة القول) أن صور هذه المسالة ثلاثة. (أ) ما يكون كله حريرا وهو الديباج لا يجوز لبسه فى غير الحرب اتفاقا وأما فى الحرب فعند الإمام لا يجوز وعندهما يجوز. (ب) ما يكون سداه حريرا ولحمته غيره، لا بأس به فى الحرب وغيره. (جـ) ما لحمته حرير وسداه غيره، فهو مباح فى الحرب دون غيره. (الثالثة) لا بأس بعروة القميص وزره من الحرير وخياطته بخيطه، وجعل خيط السبحة وليقة الدواة وكيس المصحف وغطاء الكتب من الحرير. (وقال) ابن عابدين فى رد المختار: فيدخل فى العلم السجاف وما يخيط على أطراف الأكمام، وما يجعل فى طوق الجبة وهو المسمى قبة، وكذا العروة والزر (أى زر الصديرى ونحوه) كما سيأتى إن شاء الله، ومثله فيما يظهره طرة الطربوش أى القلنسوة ما لم تزد على عرض أربع أصابع (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 631 ج 1 مغنى (ما يرخص فيه من الحرير). (¬2) انظر ص 248 ج 5 رد المختار (اللبس).

(والطرة) هى حرف الشئ وجانبه كما فى كتب اللغة. فما كان منسوجا أو مخيطا من الحرير فى طرف القلنسوة الأعلى أو الأسفل، كما هو مشاهد فيما يسمونه طاقية مكية، لا باس به على ما استظهره ابن عابدين، بشرط أن لا يزيد على أربع أصابع. (وقال) أكثر الحنبلية: النهى عن استعمال الحرير يتناول كل ما ذكر. (قال) فى شرح المنتهى: وحرم الأكثر استعماله مطلقا فيدخل فيه تكة وشرّابة مفردة وخيط سبحة أهـ. (الرابعة) لو بسط فوق ثوب الحرير ثوب قطن وجلس عليه، جاز كما لو حشا الجبة والمخدة به، وكما لو بسط على النجاسة ثوبا طاهرا أو جلس على جبة محشوة بالحرير. قاله النووى فى المجموع (¬1). 7 - لبس المعصفر والمزعفر: يجوز للنساء لبس الثياب المصبوغة بعصفر أو زعفران دون الرجال " لقول " على رضى الله عنه: نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسى وعن القراءة فى الركوع والسجود، وعن لبس المعصفر. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة، قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {106} " ولحديث " جبير بن نفير أن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 454 ج 4 شرح المهذب (المسألة السادسة). (¬2) تقدم بلفظ آخر رقم 99 ص 128 (استعمال الحرير بغير اللبس) وما هنا لفظ الثلاثة.

صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين. فقال: هذه ثياب الكفار فلا تلبسها أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬1) {107} " ولحديث " طاوس عن عبد الله بن عمرو قال: رأى النبى صلى الله عليه وسلم علىّ ثوبين معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ قلت أغسلهما؟ قال بل احرقها، أخرجه مسلم ورزين (¬2) {108} " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل. أخرجه الشيخان والنسائى (¬3) {109}. " ولقول " ابن عمر: نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو بزعفران. أخرجه البخارى والنسائى وأبو داود (¬4) {110}. (واختلف) العلماء فى حكم لبس الرجل المعصفر والمزعفر (فقالت) الظاهرية إنه حرام، لظاهر هذه الأحاديث ونحوها، وبه قالت الشافعية فى المزعفر. (وقال) الحنفيون والحنبلية وجماعة من السلف: يكره لبسهما للرجال حملا للنهى على الكراهة، وهو مشهور مذهب مالك لقول أنس: رأى النبى ¬

(¬1) انظر ص 162 ج 2 مسند أحمد (مسند عبد الله بن عمرو) وص 53 ج 14 نووى مسلم (النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر) وص 55 منه. (¬2) انظر ص 236 ج 10 فتح البارى (النهى عن المزعفر للرجال) وص 78 ج 14 نووى مسلم وص 294 ج 2 مجتبى (النزعفر) و (يتزعفر)، أى يستعمل الزعفران فى ثوب أو بدن. (¬3) انظر ص 236 ج 10 فتح البارى (الثوب المزعفر) وص 8 ج 2 مجتبى (النهى عن الثياب المصبوغة بالورس والزعفران فى الإحرام) ورقم 100 ص 128 ج 1 تكملة المنهل (ما يلبس المحرم) (¬4) انظر ص 361 ج 2 تيسير الوصول (الوليمة) وفى رواية جاء عبد الرحمن ابن عوف وعليه درع (اثر 9 من زعفران.

صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال ما هذا؟ قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال: بارك الله لك أوْ لم ولو بشأة. أخرجه مالك والخمسة (¬1) {111}. (وجه) الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ولا أمره بغسله بل دعا له بالبركة، فدل على أن نهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال عن التزعفر للكراهة، إذ لو كان للتحريم لما أقره (وأجيب) بأن ما كان على ابن عوف من الزعفران لحقه من امرأته لا أنه وضعه قصداً، ورجحه النووى. (وروى) عن مالك وجماعة أنه يجوز لبس المزعفر والمعصفر لغير المحرم وروى عن الشافعى فى المعصفر أخذا بحديث ابن عمر المذكور فقد قيد فيه بالمحرم، وحملوا عليه المطلق كحديث أنس، ويؤيده (قول) أم سلمة: ربما صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره وردءاه بزعفران أو ورس. أخرجه الطبرانى بسند فيه مجهول (¬2) {112}. (وما ثبت) عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران، فقيل له لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران؟ فقال: أنى رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يدهن به ويصبغ به ثيابها كلها. أخرجه أحمد. (ورد) بأن هذا الحديث فى سنده مجهول فهو ضعيف. (وروى) عن مالك أنه يكره لبس المعصفر والمزعفر فى المحافل دون البيوت. ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى الصباغ) (¬2) انظر ص 54، 55 ج 14 نووى مسلم.

(والراجح) القول بحرمة لبسهما مطلقا، لظهور الأدلة السابقة فى الحرمة (قال) النووى فى المجموع: يحرم على الرجل لبس الثوب المزعفر، ونقل البيهقى وغيره أن الشافعى رحمة الله نهى الشافعى الرجل عن المزعفر واباح المعصفر (قال) الشافعى: إنما رخصت فى المعصفر لأنى لم أجد أحدا يحكى عن النبى صلى الله عليه وسلم النهى عنه إلا ما قال على رضى الله عنه: نهانى ولا أقول نهاكم - قال البيهقى: وقد جاءت أحاديث تدل على النهى على العموم ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثوبان معصفران فقال: هذه ثياب الكفار فلا تلبسها، رواه مسلم فى صحيحه (ثم روى) البيهقى روايات تدل على أن نهى الرجال عن لبسه على العموم، ولو بلغ الشافعى هذا لقال به إن شاء الله تعالى: ثم ذكر بإسناده ما هو مشهور صحيح عن الشافعى قال: إذا كان حديث النبى صلى الله عليه وسلم خلاف قولى فاعملوا بالحديث ودعوا قولى. (قال البيهقى): قال الشافعى وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر قال وآمره إذا تزعفر أن يغسله، قال البيهقى: فتبع السنة فى المزعفر فمتابعتها فى المعصفر أولى. قال وقد كره المعصفر بعض السلف. قال: ورخص فيه جماعة، والسنة أولى بالاتباع. أهـ بتصرف (¬1). 8 - لبس الأحمر: يجوز للنساء لبس الثوب الأحمر الخالص دون الرجال (لقول) عبد الله ابن عمرو: مرَّ على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عليه ثوبان أحمران ¬

(¬1) انظر ص 449 ج 4 شرح المهذب (المسألة الثالثة).

فسلم عليه فلم يرد عليه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أبو داود والترمذى (¬1) {113} وفى سنده أبو يحيى القتات ضعيف لا يحتج بحديثه " ولقول " البراء بن عازب: نهانا النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المياثر الحمر والقسى. أخرجه البخارى والترمذى (¬2) {114} والأحاديث فى هذا كثيرة. (أما) الثوب المشوب بالأحمر وغيره كبياض وسواد وغيرهما فإنه جائز للرجال والنساء. وعليه يحمل (حديث) البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مربوعا. وقد رأيته فى حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الخمسة، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬3) {115}. (وحديث) عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليه حلة حمراء (الحديث) أخرجه البخارى والترمذى (¬4) {116}. (وقول) ابن عباس: كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (¬5) {117}. (وحديث) هلال بن عامر عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلىّ أمامه يعبّر عنه. أخرجه أبو داود بسند حسن (¬6) {118}. ¬

(¬1) انظر ص 267 ج 3 تيسير الوصول (ألوان الثياب) وفى الحديث دلالة على جواز ترك رد السلام على من سلم وهو مرتكب منهيا عنه ردعا له وزجرا عن المعصية قال ابن رسلان: ويستحب أن يقول المسلم عليه أنا لم ارد عليك، لأنك مرتكب المنهى عنه زجرا، ولذلك قال كعب بن مالك: فسلمت عليه فوالله ما رد السلام على أهـ. (¬2) انظر ص 228 ج 10 فتح البارى (لبس القسى) وص 267 ج 3 تيسير الوصول (ألوان الثياب) ومربوعا، أى وسطا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير. (¬3) انظر ص 228 ج 10 فتح البارى (لبس القسى) وص 267 ج 3 تيسير الوصول (ألوان الثياب) ومربوعا، أى وسطا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير. (¬4) أنظر ص 230 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى الثوب الأحمر). (¬5) انظر ص 198 ج 2 مجمع الزوائد (اللباس يوم العيد). (¬6) انظر ص 267 ج 3 تيسير الوصول (الوان الثياب).

هذا. والمراد بالحلة الحمراء، بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمر مع سود كسائر البرود اليمنية. ووصفت بالحمرة باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر وإلا فالأحمر البحت منهى عنه كما تقدم ومكروة لبسه. (قال) ابن القيم فى زاد المعاد: كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبس مرة بردين أخضرين، ومرة بردا أحمر، ليس هون أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن برداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك. وقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غير معارض النهى عن لبس المعصفر والأحمر. وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما. فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه. والذى يقوم عليه بالدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهية هيئته كراهة شديدة أهـ. (وهذا) هو الظاهر وبه يجمع بين الأدلة (قال) الحافظ فى الفتح: القول السابع تخصيص المنع بالثوب الذى يصبغ كله. وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا. وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة فى الحلة الحمراء، فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها (¬1). (ولذا) قال بعض الحنفيين والحنبليين: يكره للرجال لبس الأحمر الخالص دون المشوب بغيره (قال) العلامة الحصكفى فى الدر: وكره لبس المعصفر والمزعفر الأحمر والأصفر للرجال. لا يكره للنساء، ولا بأس بسائر الألوان. وفى المجتبى والقهستانى وشرح النقاية لأبى المكارم: لا بأس بلبس الثوب الأحمر أهـ ومفادة أن الكراهة تنزيهه، لكن صرح فى التحفة بالحرمة فأفاد أنها تحريمة. وللشُّر نْبُلالى رسالة نقل فيها ثمانية أقوال منها أنه مستحب (¬2) أهـ. ¬

(¬1) (انظر ص 238 ج 10 فتح البارى الشرح 0 الثوب الأحمر). (¬2) (انظر ص 252 ج 5 الدر المختار هامش رد المختار 0 اللبس) وقال ابن عابدين فى رد المختار: قال أبو حنيفة والشافعى ومالك: يجوز لبس المعصفر. وقال جماعة من العلماء: مكروه كراهة التنزيه. وقال صاحب الروضة: يجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر بلا كراهة. وفى الحاوى الزاهدى يكره للرجال لبس المعصفر والمزعفر والمورس والأحمر وإن لم يكن حريرا إذا كان فى صبغة دم وإلا فلا وفى مجمع الفتاوى: لبس الأحمر مكروه وعند البعض لا يكره. وقيل يكره إذا اصبغ بالأحمر القانى. ولو صبغ بقشر الجوز عسليا لا يكره لبسه إجماعا أهـ بتصرف. ثم قال: وقال الشرنبلالى: لم تجد نصا قطعيا لإثبات الحرمة (يعنى فى الأحمر) ووجدنا النهى عن لبسه لعله قامت بالفاعل من تشبه بالنساء أو بالأعاجم أو التكبر وبانتفاء العلة تزول الكراهة بإخلاص النية بإظهار نعمة الله تعالى. وعروض الكراهة بالنجس تزول بغسله. ووجدنا نص الإمام الأعظم على الجواز ودليلا قطعيا على الإباحة وهو إطلاق الأمر بأخذ الزينة. ووجدنا فى الصحيحين موجبة وبه تنتفى الحرمة والكرامة. بل يثبت الاستحباب اقتداء بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهـ أقول: ولكن جل الكتب على الكراهة وبه أفتى العلامة قاسم وفى الحاوى الزاهدى: ولا يكره فى الراس إجماعا أهـ ملخصا انظر ص 252 رد المختار.

(وقال) الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى فى كشاف القناع: ويكره للرجل دون المرأة لبس مزعفر " لقول " أنس إن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل متفق عليه (¬1) وبكره للرجل لبس أحمر مصمت لما ورد عن عبد الله بن عمرو قال: مر على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عليه ثوبان أحمران فسلم فلم يرد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه. رواه أبو داود (¬2) قال أحمد: يقال أول من لبسه آل قارون أو آل فرعون، ولو كان الأحمر المصمت بطانة. وخرج بالمصمت ما فيه حمرة وغيرها، فلا يكره ولو غلب الأحمر. وعليه يحمل لبس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحلة الحمراء أو البرد الأحمر. ويكره للرجل أيضاً لبس ¬

(¬1) متفق علبه أى أخرجه الشيخان وكذا النسائى. تقدم رقم 109 ص 142 (¬2) وأخرجه ايضا مالك والترمذى. وتقدم رقم 113 بص 144.

طيلسان وهو المقور على شكل الطرحة يرسل من فوق الرأس، لأنه يشبه لبس رهبان النصارى. وأما المدور فهو غير مكروه بل قيل باستحبابه (وكذا) المعصفر فيكره للرجل، لما روى على قال: نهانى رسول الله عليه وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القسى وعن القراءة فى الركوعوالسجود وعن لباس المعصفر. رواه مسلم (¬1) {119}، إلا فى إحرام فلا يكره للرجل لبس المعصفر ويباح للنساء لتخصيص الرجل بالنهى أهـ بتصرف (¬2). (وقالت) المالكية والشافعية وبعض الحنفيين: يجوز لبس الأحمر الخالص غير المزعفر والمعصفر على ما تقدم. وروى عن على وطلحة والبراء وغيرهم من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب والشعبى والنخعى وغيرهم من التابعين " لحديث " البراء وغيره من الأحاديث الدالة على أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس الأحمر (¬3). (وأجابوا) عن أحاديث النهى عن لبس الأحمر بأنها ضعيفة كما تقدم أو محمولة على المعصفر والمزعفر. (وردّ) بأنها لكثرتها تقوى وتصلح للاحتجاج بها. ولا دليل على تخصيصها بالمعصفر والمزعفر. بل ورد النهى عن لبس ما صبغ بغيرهما (قالت) أمرأة من بنى أسد: كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغْرة إذ طلع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما رأى المغْرة رجع. فلما رأت ذلك زينب علمت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد كره ما فعلت فغسلت ثيابها ووارت ¬

(¬1) وأخرجه أيضا الثلاثة وتقدم رقم 106 ص 141 (لبس المعصفر) (¬2) انظر ص 192 ج 1 كشاف القناع (ما يكره من اللباس) (¬3) انظر الأحاديث من رقم 115 - 118 ص 145

كل حمرة ثم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجع فاطلع لم ير شيئاً دخل أخرجه ابو داود بسند فيه ضعيف (¬1) {120}. (وقال) بعض الفقهاء: يمنع لبس الأحمر ولو مخططا لإطلاق أحاديث النهى السابقة (وردّ) بأن الجمع بين الأحاديث يقضى بحمل حالة النهى على الخالص وأحاديث الإباحة على المشوب بالأحمر وغيره كما تقدم. (وقال) عطاء وطاوس ومجاهد: يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغة خفيفا " لحديث " يزيد بن أبى زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المفدّم قال يزيد: قلت للحسن ما المفدم؟ قال المشبع بالعصفر. أخرجه البيهقى وابن ماجه بسند صحيح رجاله ثفات (¬2) {121}. (وعن مالك) أنه يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ويجوز فى البيوت. وروى عن ابن عباس " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من لبس ثوب شهرة فى الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا. أخرجه أبو داود وابن ماجه وهذا لفظه (¬3) {122}. والأحاديث فى هذا كثيرة (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 4 سنن ابى داود (باب فى الحمرة) والمغرة بفتح فسكونأو فتح الطبن الأحمر. والمعصفر كمعظم المصبوغ بها. (¬2) انظر ص 197 ج 2 سنن ابن ماجه (كراهية المعصفر للرجال) و (المفدم) بالفاء وشد الدال المفتوحة، أى المشبع حمرة. (¬3) انظر ص 198 ج 2 سنن ابن ماجه (من لبس شهرة من الثياب) وص 44 ج 4 سنن ابى داود المعنى أن من لبس ثوبا يقصد به الاشتهار بين الناس بأن كان نفيا يلبسه تفاخرا بالدنيا وزينتها، أو خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء. و (ثوب مذلة) من اضافة السبب إلى المسبب أو بيانية تشبيها للمذلة بانثوب فى الاشتمال. (¬4) منها (حديث) من لبس ثوب شهرة اعرض الله عنه حتى يضعه متى وضعه أخرجه ابن ماجه والضياء المقدسى عن ابى ذر] 123 [انظر ص 198 ج 2 سنن ابن ماجه (وحديث) ما من أحد يلبس ثوبا ليباهى به فينظر الناس اليه إلا لم ينظر الله إليه حتى ينزعه متى نزعه. أخرجه الطبرانى والضياء المقدسى فى المختارة عن أم سلمة وفيه عبد الخالق بن زيد واقد وهو ضعيف {124} انظر ص 135 ج 5 مجمع الزوائد (ثوب الشهرة). (وحديث) (نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لبستين المشهورة فى حسنها والمشهورة فى قبحها , أخرجه الطبرانى عن ابن عمر، وفيه بزيغ وهو ضعيف] 125 [انظر ص 135 ج 5 مجمع الزوائد 0 فالثياب) الشرعية قصد ورحمة. وغيرها شقاء ونقمة، ألا قاتل الله قوما باعوا دينهم بدنياهم، وتركوا التزين بزى رضيته لهم الشريعة ن فارادوا نبذة واستبداله بثياب افرنجية، غيثارا لهواهم ودنياهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم، وهو التحلى بهدى النبى صلى الله عليه وسلم. وفق الله الجميع لسلوك سبيل الرشاد، والتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العباد.

(وقال) بعضهم: يجوز لبس ما صبغ غزلة ثم نسج. ويمنع لبس ما صبغ بالأحمر بعد النسج. وجنح إليه الخطابى وقال: إن الحلة الحمراء والبرد الأحمر الواردين فى لبسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حلل اليمن وبروده، وقد كان يصبغ غزلها ثم ينسج. وقال الطبرى: الذى أراه جواز لبس الثياب المصبوغة بكل لون إلا أنى لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة، ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة فى زماننا ذكره فى الفتح، وقال: والتحقيق فى هذا المقام أن النهى عن لبس الأحمر إن كلن من أجل أنه لبس الكفار فهو للزجر عن التشبه بهم، أو من أجل أنه زى النساء فهو للزجر عن التشبه بهن، أو من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمتنع حيث يقع ذلك. وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت أهـ ملخصا (¬1). ¬

(¬1) انظر ص 238 ج 10 فتح البارى الشرح (الثوب الأحمر)

9 - لبس الأبيض: يستحب لبس البيض وتكفين الموتى فيه " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: البسول من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم. وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى (¬1) {126} " ولحديث " سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: البسوا ثياب البياض فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى والترمذى، والحاكم وصححاه (¬2) {127} وقال صحيح على شرط الشيخين. (والأمر) محمول على الندب. أما فى اللباس فلما ثبت عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لبس غير الأبيض وأقر كثيرا من الصحابة على ذلك كما تقدم ويأتى. وأما فى الكفن " فلقول " جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إذا توفى أحدكم فوجد شيئاً فليكفن فى ثوب حِبَرة. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬3) {128}. والحبرة كعنبة، نوع مخطط من البرود اليمانية. ولذا اتفق العلماء على استحباب لبس الثياب البيض وتكفين الموتى بها (قال) ابن حجر الهيتمى فى الكلام على حديث جبريل حينما جاء إلى مجلس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) يأتى رقم 445 ص 256 ج 7 دين (تكفين الميت) ورقم 446 منه و (اطيب) أى أحسن من غيرها، لما فى البياض من الصفا والبريق واللمعان و (اطهر) لأنها إذا اصابها شئ من النجاسة أو الدنس ظهر فيها فبادر لابسها إلى تطهيرها وتنظيفها. (¬2) يأتى رقم 445 ص 256 ج 7 دين (تكفين الميت) ورقم 446 منه و (اطيب) أى أحسن من غيرها، لما فى البياض من الصفا والبريق واللمعان و (اطهر) لأنها إذا اصابها شئ من النجاسة أو الدنس ظهر فيها فبادر لابسها إلى تطهيرها وتنظيفها. (¬3) انظر ص 310 ج 8 المنهل العذب (الكفن) (فوجد شيئا) أى وجد أهله شيئا قليلا فى حال الضرورة فإن الثوب الواحد كاف حيينئذ وسيأتى أنواع الكفن فى محله إن شاء الله تعالى.

شديد بياض الثياب: ومن ثم استحب عمر رضى الله عنه البياض للقارئ. واستحبه بعض أئمتنا لدخول المسجد وينبغى ندبه لكل اجتماع ماعدا العيدين إذا كان عنده أرفع منه، لأنه يوم الزينة وإظهار للنعمة أهـ. 10 - لبس الأصفر: يجوز لبس الأصفر غير المعصفر والمزعفر " لما " فى حديث عبيد بن جريح أنه قال لابن عمر رضى الله عنهما: رأيتك تصبغ بالصفرة. فقال إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب ان أصبغ بها. أخرجه البخارى مختصرا (¬1) {129} " ولقول " قيس بن سعد: أتانا النبى صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء يتبرد فاغتسل ثم أتيته بملحفة صفراء فرأيت أثر الورس على عكنة. أخرجه ابن ماجه (¬2) {130} " ولقول" عبد الله بن جعفر: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوبين أصفرين. أخرجه الطبرانى فى الصغير (¬3) {131} " ولقول " عمران بن مسلم: رأيت على أنس بن مالك إزارا أصفر. أخرجه الطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح (¬4) {21} وقد اتفق على هذا العلماء. 11 - لبس أخضر: ويجوز أيضا لبس الأخضر " لقول " أبى رمثة: رأيت على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلام ثوبين أخضرين. أخرجه أحمد والثلاثة وقال الترمذى: ¬

(¬1) (مختصرا) من حديث مطول بص 239 ج 10 فتح البارى (النعال السبتية وغيرها) (¬2) انظر ص 197 ج 2 سنن ابن ماجه (الصفرة للرجال 9 و (العكن) بضم ففتح جمع عكنة: كغرفة وهى الطى فى البطن من السمن. (¬3) انظر ص 129 ج 5 مجمع الزوائد (الصباغ) وص 130 منه (¬4) انظر ص 129 ج 5 مجمع الزوائد (الصباغ) وص 130 منه

حديث حسن غريب لا تعرفه إلا من حديث عبيد الله بن غياد. وأبو رمثة التيمى اسمه حبيب بن حيان (¬1) {132} " ولحديث " يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر. أخرجه أحمد والدرامى والربعة إلا النسائى. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬2) {133} وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء. 12 - لبس الأسود: يجوز لبسه " لقول " عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن صحيح غريب (¬3) {134} " ولحديث " مطرف عن عائشة قالت: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، وكانت تعجبه الريح الطيبة. اخرجه الحاكم وابو داود والنسائى (¬4) {135} " ولقول " أم خالد بنت خالد: أتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة. فقال من ترون أن نكسو هذه؟ فسكت القوم فقال: ائتونى بأم خالد فأتى بها تحمل فأخذ الخميصة بيده ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 4 مسند احمد. وص 268 ج 3 تيسير الوصول (الأخضر). (¬2) انظر ص 217 ج 1 تكملة المنهل (الاضطباع فى الطواف) وبقية المراجع بهامش 1: منه والاضطباع جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر. (¬3) انظر ص 57 ج 14 نووى مسلم (التواضع فى اللباس) و (المرط) بكسر فسكون كساء طويل واسع من خز أو صوف أو كتان يؤثرون به و (المرحل) بالحاء المهملة المفتوحة المشددة المقوش عليه صور الرحال (بالهاء المهملة) وإنما المحرم صور الحيوان. ووصف بالسود لنلبة السواد فيه (¬4) انظر ص 54 ج 4 سنن ابى داود (فى السواد)

فألبسها وقال: أبلى وأخلقى وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال ك يا أم خالد هذا سناه. وسناه بالحبشية حسن. أخرجه البخارى (¬1) { 136} 13 - المخطط: يجوز لبس حلال مخطط بما لا يلهى " لقول " أنس. كان أحب ما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نلبسه الحبرة. أخرجه الخمسة (¬2) {138} والحبرة كعنبة برد مخطط من قطن أو كتان " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى بردة حبرة عقد بين طرفيها. أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار بسند رجاله ثقات (¬3) {139} 14 - السراويل: يستحب لبس السراويل للرجال والنساء " لقول " القاسم: سمعت أبا أمامة ¬

(¬1) انظر ص 217 ج 10 فتح البارى (الخميصة السوداء) و (تحمل (مبنى للمجهول أى يحملها الغير لصغرها (ابلى وأخلقى) بفتح فسكون امر من الإبلاء والإخلاق وهما بمعنى والمراد الدعاء بطول البقاء اى أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق 0 قال الحافظ فى الفتح: وفى رواية وأخلفى بالغاء أى أخلقى هذا الثوب واستخلفى غيره (ويؤيده) ما فى حديث أبى نضرة قال: كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له: تبلى ويخلف الله. أخرجه ابو داود بسند صحيح] 137 [انظر ص 217 ج 10 فتح البارى .. و (حسن) تفسير من بعض الرواة لقوله صلى الله عليه وسلم سناه، أى أنها كلمة حبشية معناها حسن 0 قال 9 الحافظ: وفى رواية: فجعل (يعنى النبى صلى الله عليه وسلم) ينظر الى علم الخميصة ويشير بيده الى وبقول: يا أم خالد هذا سنا ويا امك خالد هذا سنا. والسنا بلسان الحبشة الحسن أهـ (¬2) انظر ص 266 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس) (¬3) انظر ص 99 ج 3 مسند أحمد (والعقد بين طرفى الثوب) هو أن يضع طرفها على منكبة الأيمن ويأخذه من تحت إبطه اليسرى ويأخذ طرفه الذى على منكبة الأيسر من تحت إبطة اليمنى ثم يعقدها على صدره.

يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مشيخة من الأنصار، بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار: حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب. فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولوا ولا ياتزرون فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب (الحديث) أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {140} " ولحديث " على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يأيها الناس اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم، وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن. أخرجه ابن عدى فى الكامل، والعقيلى والبراز والبيهقى فى الأدب مطولا. وفى سنده إبراهيم بن زكريا العجلى البصرى. ذكره ابن حيان فى الثقات (¬2) {141} ¬

(¬1) نظر ص 264 ج 5 مسند أحمد و (حمروا وصفروا) أى غيروا الشيب بالحمرة والصفرة وتقدم فى بحث " تغيير الشيب " ص 195 ج 1 طبعة ثالثة بيان المذاهب فى صبغ الشعر وما يصبغ به، والجمع بيت الأحاديث الواردة فى تغيير الشيب امرا ونهيا. (¬2) انظر ص 122 ج 5 مجمع الزوائد (باب فى السراويل) هذا والمذكور فى الصل عجز الحديث. وصدره عن على قال: كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند اليقيع فى يوم مطير فمرت امرأة على حمار ومعها مكار فهوت يد الحمار فى وهدة أى منخفض من الأرض فسقطت المرأة فاعرض عنها النبى صلى الله عليه وسلم بوجهه. فقالوا ك يا رسول الله إنها متسرولة. فقال اللهم اغفر للمتسرولات من أمتى، يأيها الناس (الحديث) (وقال) ابو هريرة: بينا النبى صلى الله عليه وسلم جالس على باب من ابواب المسجد: مرت أمراة على دابة فلما حاذت النبى صلى الله عليه وسلم عثرت بها، فأعرض صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله إن عليهاسراويل فقال ك رحم الله المتسرولات أخرجه البيهقى فى الشعب] 142 [رقم 4420 ص 22 ج 4 فيض القدير (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله المتسرولات من النساء أخرجه الدار قطنى فى الأفراد (كسابقة فى المرجع) (قال) السيوطى فى اللآلى: ولمجموع هذه الطرق يرتقى الحديث الى درجة الحسن أهـ.

"ولقول " سويد بن قيس: جلبت أنا ومخرمة العبدى ثيابا من هجر، فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشى فساومنا سراويل فيعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له زن وأرجح. أخرجه أحمد والربعة وابن حيان (¬1) {143} " ولقول " أبى هريرة: دخلت مع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما السوق فجلس إلى البراز فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكأن لأهل السوق وزان يزن فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتزن وأرجح. فقال الوزان: إن هذه لكلمة ما سمعتها من أحد. فقال له أبو هريرة: كفى بك من الجفاء فى دينك ألا تعرف نبيك، فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يريد أن يقبلها، فجذب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده منه. وقال له: يا هذا إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها، ولست بملك إنما أنا رجل منكم فوزن وارجح، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم السراويل. قال أبو هريرة: فذهبت لأحمله عنه. فقال: صاحب الشئ أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا فيعجز عنه فيعينه أخوه المسلم. قال: قلت يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل؟ قال: أجل فى السفر والحضر، وفى الليل والنهار فإنى أمرت بالستر فلم أر شيئاً أستر منه. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى الموصلى وابن حبان فى الضعفاء والدار قطنى فى الأفراد، وفى سنده يوسف ابن زياد البصرى عن شيخه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى، وهما ¬

(¬1) انظر ص 352 ج 4 سند أحمد وص 266 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس) وص 194 ج 2 سنن ابن ماجه (لبس السراويل) و (هجر) (فتحتين، بلد قرب المدينة، يذكر فيصرف وهو الأكثر ويؤنث فيمنع من الصرف 0 والمساومة) تقدير ثمن السلعة من كل من البائع والمشترى

ضعيفان (¬1) {144}. (ولهذه) الروايات اتفق العلماء على جواز لبس السراويل. ولا دليل لمن قال بكراهته (قال) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب: سئل الإمام أحمد رضى الله عنه عن لبس السراويل فقال: هو أستر من الإزار، ولباس القوم كان الإزار. وفى الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب بعرفات: من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم {145}. (وبهذا) استدل الإمام أحمد على أنها كانت معروفة عندهم (قال) وروى عن عمر رضى الله عنه أنه كتب إلى جيشه بأذربيجان: إذا قدمتم من عزاتكم إن شاء الله، فألقوا السراويلات والأقبية والبسوا الأزر والأردية. فدل على كراهيته لها وأنها غير زيهم. وجزم فى الإقناع وغيره بسنية لبس السراويل وهو المذهب بلا ريب أهـ بحذف (¬2) (واختلفوا) فى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبسه أم لا؟ فصرح كثير منهم بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اشتراه، ولم يثبت من طريق صحيح أنه لبسه. (وقال) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب: قد روى عن ابراهيم وموسى عليهما السلام أنهما لبسا السراويل ولبسه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وروى عن غير واحد من الصحابة كسلمان. وعن على رضى الله عنه أنه أمر ربه، وأخرج ابن حبان عن بريدة قال: إن النجاشى كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنى قد زوجتك امرأة من قومك وهى على دينك، أم حبيبة بنت ابى سفيان وأهديت لك هدية جامعة: قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين، توضأ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح عليهما {146}. قال ¬

(¬1) انظر ص 212 ج 5 مجمع الزوائد (السراويل) (وص 200 ج 2 غذاء الألباب 0 لا يكره لبس السراويل) وص 46 ج 4 فتح البارى المطبعة البهية (¬2) نظر ص 212 ج 5 مجمع الزوائد (السراويل) وص 200 ج 2 غذاء الألباب (لا يكره لبس السراويل) وص 46 ج 4 فتح البارى المطبعة البهية

سليمان بن داود أحد رواة الحديث: قلت للهيثم بن عدى ما العطاف؟ قال الطيلسان. وأخرج أحمد من حديث مالك بن عميرة الأسدى قال: قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاشترى منى سراويل فارجح لى {147} (قال) فى الفتح: وما كان لتشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار (¬1) أهـ. (قال) وفى زاد المعاذ: واشترى صلى الله عليه وعلى آله وسلم السراويل. والظاهر أنه إنما اشتراه ليلبسه (وقد) روى فى غير حديث أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات فى زمانه وبإذنه أهـ. (فائدة) أول من لبس السراويل سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام، كان كثير الحياء حتى كان يستحى من أن تَرى الأرضُ مذاكيره، فاشتكى إلى الله تعالى فهبط عليه جبريل بخرقة من الجنة ففصلها جبريل سراويل وقال ادفعها الى سارة تخيطه. فلما خاطئة ولبسه ابراهيم قال ما أحسن هذا وأستره فإنه نعم الستر للمؤمن. ذكره فى غذاء الألباب (¬2) 15 - القميص: القميص هو مخيط له كمان وجيب - أى فتحة يخرج منها الإنسان رأسه - يلبس تحت الثياب. ويستحب لبسه " لقول " أم سلمة: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم القميص أخرجه أبو داود والترمذى وقال حسن غريب، إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد، تفرد به هو مروزى (¬3) {148} (وروى) بعضهم هذا الحديث عن أبى تُمَيْلَة عن عبد المؤمن ابن خالد عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أهـ. ولفظه عن أم سلمة قالت: لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القميص ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 2 غذاء الالباب (هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل) (¬2) انظر ص 201 ج 2 غذاء الالباب (هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل) (¬3) انظر ص 265 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس).

أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) {149} وقال الترمذى: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث عبد الله بن بريدة عن أمة عن أم سلمة أصح أهـ وعبد المؤمن لا بأس به. أبو تميلة بمثناه مصغرا، هو يحيى بن واضح الآنصارى. ذكره البخارى فى الضعفاء. وقال أبو حاتم ثقة يحوّل من كتاب الضعفاء للبخارى. ووثقة يحيى بن معين. وقال ابن خراش صدوق. وقال أحمد ويحيى لبس به بأس. وإنما كان القميص أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه أستر للعورة من نحو إزار ورداء، ولأنه أقل مؤنة فى اللبس وأخف على البدن. (فائدة) جيب الثوب فتحته التى يدخل منها الرأس. وكان جيب ثوب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صدره. (وقال) أبو هريرة: ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل البخيل والمتدصق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثيهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أناملة وتعفوه اثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت واخذت كل حلقة بمكانها ز قال ابو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول بأصبعة هكذا فى جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع أخرجه البخارى (¬2) {150} ¬

(¬1) انظرص 43 ج 4 سنن أبى داود (ما جاء فى القميص) وص 194 ج 2 سنن ابن ماجه (لبس القميص). (¬2) انظر ص 209 ج 1 فتح البارى (جيب القميص) ثديهما. بضم فكسر جمع ثدى وبفتح الثاء على الثنية. والتراقى جمع ترقوة بفتح فسكون فضم، وهى العظم الذى بين ثغرة النحر والعانق. فالترقوتان، العظمان المشرفان فى أعلى الصدر إلى طرف ثغرة النحر. و (تغشى) بضم ففتح فشد، أو بفتح فسكون، أى تغطى وتعفوا أثره أى تذهبه. و (قلص) الثوب، من باب صرب، انزوى وجواب لو فى قوله (فلو رايته) محذوف تقديره لتعجبت منه

(وقال) الحافظ فى الفتح: استدل به ابن بطال على أن الجيب فى ثياب السلف كان عند الصدر، وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت فى المواضع الذى ضاق عليها، وهو الثدى والتراقى. وذلك فى الصدر، فبان أن جيبه كان فى صدره، لأنه كان فى يده لم تضطر يداه إلى تدييه وتراقيه أهـ. (وقال) سلمة بن الأكوع: قلت يا رسول الله أنى رجل أصيد أفاْصلى فى القميص الواحد؟ قال نعم وازْرُرْهُ ولو بشوكة. أخرجه الشافعى وأحمد وابو داود والنسائى والحاكم (¬1) {151}. 16 - هيئة اللباس: يطلب فى اللباس أمور (أ) أن يكون وسطا بين الخسيس والنفيس "لحديث" ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن هاتين اللبستين المرتفعة والدون. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (¬2) {152}. (قال) النووى فى المجموع: يستحب ترك الترفع فى اللباس تواضعا ويستحب أن يتوسط فيه ولا يقتصر على ما يزردى به لغير حاجة ولا مقصود شرعى (قال) المتولى والرويانى: يكره لبس الثياب الخشنة إلا لغرض مع الاستغناء والمختار ماقدمناه، ومما يدل للطرفين (حديث) معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك اللباس تواضعا لله تعالى وهو بقدر عليه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أى حلل ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 1 بدائع المنن (وجوب ستر الورة فى الصلاة) وص 49 ج 4 مسند أحمد. وص 18 ج 5 المنهل العذب (الرجل يصلى فى قميص واحد) (¬2) انظر ص 265 ج 3 تيسير الوصول (ترك الزينة).

الإيمان شاء يلبسها. رواه الترمذى وقال: حديث حسن (¬1) {153} (وعن) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه ولعى آله وسلم: إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده. رواه الترمذى وقال حديث حسن (¬2) {154} (ب) ويستحب أن يكون الكم قصيرا إلى الرسغ، ويجوز أن يصل إلى رءوس الأصابع " لقول " أسماء بنت يزيد: كان كم قميص النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الرسغ. أخرجه الثلاثة وقال الترمذى: حسن غريب {155} (ولقول) أنس: كان يدُ كُمِّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الرسغ. أخرجه البراز ورجاله ثقات (¬3) {156} (وحديث) ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه. أخرجه الحاكم وابن حيان وصححاه (¬4) {157} (ولامنافاة) بين هذه الأحاديث، لاحتمال تعدد القميص، فأخبر كل بما رأى (قال) ملا على القارى فى شرح الشمائل: ويجمع بين هذه الروايات إما بالحمل على تعدد القميص أو بحمل رواية الرسغ على التقريب والتخمين أهـ. (وقال) المناوى: وجمع بعضهم بين حديث الرسغ وحديث أطراف الأصابع بأن الأول محمول على حالة السفر، فإن تقصير الكم فيه يساعد على النشاط، والثانى على حالة الحضر أهـ بتصرف. (وهذا) فى حق الرجل: وأما المرأة فيطلب منها تطويل الكم زيادة عن ¬

(¬1) وأخرجه أيضا أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد انظر ص 265 ج 3 تيسير الوصول (ترك الزينة) وص 439 ج 3 مسند أحمد. (¬2) انظر ص 497 ج 4 شرح المهذب (المسالة الخامسة من مسائل اللباس). (¬3) انظر ص 121 ج 5 مجمع الزوائد (القميص والكم). (¬4) انظر رقم 7165 ص 246 ج 5 فيض القدير ونسبة السيوطى لابن عساكر ورمز لضعفه.

الأصابع مبالغة فى الستر، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (¬1). ¬

(¬1) آية 59 - الآحزاب. و (يدنين) أى يغطين وجوههن ورءوسهن إلا عينا واحدة، ليعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن بأذى (من جلابيبعن) من التبعيض وجلابيب جمع جلباب وهو ثوب يستر جميع البدن. والاشارة فى قوله (ذلك) إلى أدناه الجلابيب. و (أدنى) أى أقرب (أن يعرفن) فيتميزن عن الإماء وبعرفن أنهن حرائر (فلا يؤذين) من أهل الفسق بالتعرض لهن خوفا من أهلهن (وسبب) نزول هذه الآية ما قاله أبو مالك: كان نساء النبى صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فقيل ذلك للمنافقين، فقالوا إنما نفعله بالإماء. فنزلت هذه (يأيها النبى قل لازواجك) الاية. أخرجه سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن ابى حاتم (23) انظر ص 297 ج 4 فتح القدير تفسير الشوكانى (وقال) محمد بن كعب القرظى: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن. فإذا قيل له قال: كنت أحسبها أمة. فامرهن الله أن يخالفن زى الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن، نخمر وجهها إلا أحدى عينيها (ذلك أدنى أن يعرفن) يقول ذلك أحرى أن يعرفن أخرجه ابن سعد (24) (انظر ص 297 ج 4 فتح القدير تفسير الشوكانى وفيه 0 وقال) ابن عباس فى هذه الاية: امر الله النساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. أخرجه ابن حرير وابن ابى حاتم وابن مردوية (25) (وقال) محمد بن سيرين سالت عبيدة السلمانى عن قول الله عز وجل ك يدنين عليهن من جلابيبهن فغطى وجهه وراسه وابرز عينه اليسرى. ذكره ابن كثير انظر ص 612 ج 6 منه (وقالت) أم سلمة: لما نزلت هذه الآية: يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن رؤسهن الغربان من الأكسية. أخرجه أبو داود وعبد الرازق وعبد بن حميد وابن حاتم. انظر ص 297 ج 4 فتح القدير تفسير الشوكانى (وقالت) عائشة: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: وليضربن بخمرهن على جيوبهن. شققن أكتف مروطهن (جمع مرط وهو كساء تأنزر به المرأة) فاختمرن بها. أخرجه أبو داود (26) انظر ص 61 ج 4 سنن ابى داود (لباس النساء) وفى سنده قرة بن عبد الرحمن المعافرى. قال أحمد: منكر الحديث

" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة. فقالت أم سلمة: كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال يرخين شبراً. قالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: فيرخين ذراعا ولا يزدن عليه. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذى (¬1) {158}. (جـ) وينبغى للرجل ألا يبالغ فى سعة الكم فلا يزيد اتساعه عن شبر، لأنه سرف منهى عنه (قال) العز بن عبد السلام: وإفراط توسعة الثياب والأكمام بدعة وسرف أهـ. (وقال) وفى زاد المعاد: وأما الأكمام الواسعة الطوال التى هى كالأخراج فلم يلبسها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أحد من أصحابه ألبتة، وهى مخالفة لسنته. وفى جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء وهى ممنوعة أهـ بتصرف. (وقال) ابن الحاج فى المدخل: ولا يخفى على ذى بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة مال، لأنه قد يفضل من هذا الكم ثوب لغيره أهـ. (وقال) فى النيل: لقد صار أشهر الناس بمخالفة هذه السنة فى زماننا هذا العلماء فَبُرَى أحدهم وقد جعل لقميصه كمين يصلح كل منهما أن يكون جبة أو قميصا لصغير من أولاده أو يتيم. ولبس فى ذلك شئ من الفائدة (الدنيوية) إلا العبث وتثقيل المؤنة على النفس، ومنع الانتفاع باليد فى كثير من المنافع وتعريضه لسرعى التمزق وتشويه الهيئة (ولا الدينية) إلا مخالفة السنة والإسبال والسرف والخيلاء أهـ بتصرف. (د) ويسن للرجل أن يكون ذيل ثوبه الى نصف الساق. ويجوز له ما نزل إلى الكعبين. ويحرم ما زاد عنهما بقصد الخيلاء. وترخى المرأة ذيلها إلى ذراع " لحديث " أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إزره المؤمن إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين. ما كان أسفل من ذلك فهو فى النار، ما كان أسفل من ذلك فهو فى النار. ومن جر إزاره بطرا ¬

(¬1) انظر ص 262 ج 3 تيسير الوصول (إزرة النساء) وص 46 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية جر الإزرار).

لم ينظر الله إليه يوم القيامة. أخرجه مالك وأحمد وأبو داودوابن ماجه (¬1) {159}. " ولقول " الأشعث بن سليم: سمعت عمتى تحدث عن عمها قال: بينما أنا أمشى إذا إنسان خلفى يقول: أرفع إزارك فإنه أتقى وأبقى، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقلت: يا رسول الله إنما هى بردة ملحاء قال: أمالك فىَّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه. أخرجه الترمذى فى الشمائل. وأخرجه أحمد وابن سعد والبيهقى بلفظ: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك وأنقى لربك: أمالك فىَّ أسوة؟ (¬2) {160} " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال. الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين، لا خير فى أسفل من ذلك. أخرجه أحمد ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 3 مسند أحمد. وص 59 ج 4 سنن ابى داود (قدر موضع الإزار (وص 194 ج 2 سنن ابن ماجه (موضع الإزار اين هو؟ ) و (الإزرة) بالكسر الحالة وهيئة الانزار ن أى حالة المؤمن التى ترضى ربه وتحسن شرعا، أن يكون إزاره إلى نصف ساقه. و (ما اسفل من ذلك الخ) أى ما دون الكعبين وهو قدم صاحب الإزار المسبل ن يكون فى النار عقوبة له. ويحتمل أن يراد به الشخص المسبل فيكون الكلام على حذف مضاف و (البطر) (بفتحتين الكبر وشدة المرح 0 لم ينظر الله اليه) أى نظر رحمة، وهو كناية عن أن الله يعذبه. (¬2) انظر ص 90 - الشمائل المحمدية و (عمته) هى رهم - بضم فسكون - بنت الأسود ابن خالد. و (عمها) عبيد الله بن خالد المحاربى و (أتقى) أى اقرب الى سلوك سبيل التقوى للبعد عن الكبر والخيلاء والقاذورات وفى بعض النسخ أنقى بالنون. أى أنظف إذ غسباله يقتضى تعلق النجاسة والقاذورات به فيتلوث (وأبقى) بالباء الموحدة، أى أكثر بقاء للثوب، فإن الإسبال يؤدى الى سرعة بلائه فينبغى للعاقل الرفق بما يستعمله والاهتمام بحفظه وتعهده، لأن إهماله تضييع وإسراف ز و (بردة ملحاء) كحمراء وهى كساء مخطط فيه بياض وسواد. ومراده أنها بردة مبتذلة ليست للزينة، فجرها لا يؤدى إلى الخيلاء، فاشار إليه صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به فى تقصير الثياب وإن لم يؤد إسبالها إلى الخيلاء سد للذريعة.

والطبرانى فى الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح (¬1) {161}. " ولحديث " سمرة بن فاتك أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: نعم الفتى سمرة، لو أخذ من لُمَّتِه وشمَّر من متزره ففعل ذلك سمرة، أخذ من لُمَّتِه وشمَّر من متزره. أخرجه أحمد عن شيخه يعمر بن بشر، ويقال مشايخ أحمد كلهم ثقات (¬2) {162}. " ولحديث " يزيد بن أبى سُمَّية قال: سمعت ابن عمر يقول: ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى الازار، فهو فى القميص. أخرجه أبو داود (¬3) {163}. " ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الإسبال فى الإزرار والقميص والعمامة من جرَّ منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة أخرجه البيهقى والأربعة إلا الترمذى بسند حسن (¬4) {164} (والإسبال) فى الإزرار والقميص بنزولها عن الكعبين، وفى العمامة بإرسال العذبة زيادة عن غايتها وهو نصف الظهر فإنه بدعة. " ولحديث " ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جَرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال ترخين شبرا قالت إذن تنكشف أقدامهن، قال فيرخين ذراعا ولا يزدن عليه أخرجه ابو داود والنسائى والترمذى (¬5) {165}. " ولحديث " ابن عمر أن أزواج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص لهن فى الذيل ذراعا، فكن يأتينا فتذرع لهن بالقصب ذراعا. أخرجه ¬

(¬1) انظر ص 222 ج 5 مجمع الزوائد (الإزرار وموضعه) و (اللمة) بضم فشد، ما وصل من شعر الرأس إلى المنكلبين. (¬2) انظر ص 222 ج 5 مجمع الزوائد (الإزرار وموضعه) و (اللمة) بضم فشد، ما وصل من شعر الرأس إلى المنكلبين. (¬3) انظر ص 60 ج 4 سنن ابى داود (قدر موضع الإزار) وص 299 جـ 2 مجتبى (إسبال الإزرار) (¬4) انظر ص 60 ج 4 سنن ابى داود (قدر موضع الإزار) وص 299 جـ 2 مجتبى (إسبال الإزرار) (¬5) انظر ص 262 جـ 3 تيسير الوصول (إزرة النساء).

ابن ماجه (¬1) والأحاديث فى هذا كثيرة (¬2) {166}. ¬

(¬1) انظر ص 195 جـ 2 سنن ابن ماجه (ذيل المرأة كم يكون؟ ) (¬2) منها: حديث حذيفة (1) قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن ابيت فأسفل، فإن ابيت فمن وراء الساق ولاحق للكعبين فى الإزار. أخرجه النسائى {167} انظر ص 299 ج 2 مجتبى (موضع الإزار) والعضلة بفتحات، اللحمة المجتمعة الممتلئة فى الساق. وحديث أبى هريرة قال: بينما رجل يصلى مسبلا إزاره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ فذهب فتوضا ثم جاء ثم قال: أذهب فتوضا فذهب فتوضأ ثم جاء فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: إنه كان يصلى وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل. أخرجه أبو داود والبيهقى {168} انظر ص 57 جأ 4 سنن ابى داود (إسبال الإزار) وفى سنده ابو جعفر الأنصارى المؤذن لا يعرف اسمه. وقال الحافظ بن حجر فى التقريب: مقبول من الثالثة. (ولعل) السر فى أمره بالوضوء وهو طاهر ان يتفكر فى موجب هذا الأمر ليعلم ما ارتكبه من المخالفة فيتباعد عنها، ويهتم بتطهير الباطن من دنس الكبر، لأن طهارة الظاهر تؤثر فى طهارة الباطن. ولما لم يفطن للغرض من أمره بالطهارى أولا، أمره بها ثانيا ن لذلك وزجرا له على إسبال الإزار (وظاهرة) (يدل على أن إسبال الإزار) بقصد الخيلاء مبطل للوصوء والصلاة (ولم يقل) به أحد من الأئمة، لضعف الحديث بجهالة أبى جعفر. وعلى فرض ثبوته فهو منسوخ، لأن الإجماع على خلافه.

(ففى) هذه الأحاديث تحذير الرجال من إسبال الإزار أسفل من الكعبين للخيلاء. وطلب الإسبال للنساء شبراً أو ذراعا. (قال) العراقى فى شرح الترمذى: الظاهر أن الذراع المرخص فيه للنساء يبتدئ من أول ما يمس الأرض، والمراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران " لقول " ابن عمر: رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمهات المؤمنين فى الذيل شبراً، ثم استزدنه فزادهن شبراً، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا. أخرجه أبو داود (¬1)، وهو يدل على أن الذراع المأذون فيه شبران أهـ ملخصا. (هذا) والتقييد بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيلاء، يدل بمفهمومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا فى هذا الوعيد لكنه مذموم (قال) النووى: يحرم إطالة الثوب والإزار والسراويل على الكعبين للخيلاء ويكره ¬

(¬1) وحديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم. قلت: من هم يا رسول الله قد خابوا وخسروا؟ فأعادها النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثا. فقلت: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا فقال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر. أخرجه السبعة إلا البخارى {169} انظر ص 148 جـ 5 مسند أحمد. وص 114 جـ 2 نووى مسلم (تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف) وص 57 جـ 4 سنن أبى داود وص 299 جـ 2 مجتبى (غسبال الإزار). (وفى رواية) لأبى داود ابى ذر قال: المنان الذى لا يعطى شيئا إلا أمنه أى عده على المعطى (والمنفق) بفتح النون وكسر الفاء المشددة، أو بسكون النون وكسر الفاء، المروج تجارته بالحلف الكاذب. وحديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا سفيان بن ابى سهل: لا تسبل إزارك إن الله لا يحب المسبلين. أخرجه أحمد وابن ماجه {170} انظر ص 246 ج 4 مسند أحمد. وص 194 جـ 2 سنن ابن ماجه (موضع الإزار اين هو؟ ). وحديث ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله الى من جر ثوبه خيلاء. فقل ابو بكر: يا رسول الله إزارع يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال إنك لست ممن يفعله خيلاء ز أخرجه الخمسة إلا الترمذى] 171 [ص 262 ج 3 تيسير الوصول (اسبال الإزار)

لغيره نص عليه الشافعى (¬1) (وقال) ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنَّ جر القميص وغيره من الثياب مذموم قاله الحافظ (¬2) وفيه قال ابن العربى: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبة ويقول لا أجره خيلاء، لأن النهى قد تناوله لفظا. ولا يجوز لمن تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله، لأن تلك العلة ليست فىَّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالة ذيله دلالة على تكبره أهـ (وحاصلة) أن الإسبال يستلزم جرَّ الثوب، وجرَّ الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده الملابس. ويدل على عدم التقييد بالخيلاء (أ) (ما أخرجه) أبو داود والنسائى والترمذى وصححه عن جابر بن سليم من حديث طويل وفيه: وأرفع إزارك إلى نصف الساق. فإن أبيت فإلى الكعبين. وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة (¬3) (ب) (وما أخرج) الطبرانى من حديث أبى أمامة قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصارى فى حلة - إزار ورداء - قد أسبل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو، فقال يا رسول الله إنى أحمش الساقين " أى دقيقها " فقال يا عمرو: إن الله تعالى قد أحسن كل شئ خلقه. يا عمرو إن الله لا يحب المسبل، والحديث رجاله ثقات (¬4) {172} (وظاهره) أن عمرا لم يقصد الخيلاء. وقد عرضت ما فى حديث الباب من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبى بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء. ¬

(¬1) انظر ص 454 ج 4 شرح المهذب (المسالة السابعه من مسائل اللباس) (¬2) انظر ص 206 ج 10 فتح البارى (شرح حديث: من جر ثوبة مخيلة لم ينظر الله اليه). (¬3) انظر ص 56 ج 4 سنن ابى داود (إسبال الإزار). (¬4) انظر ص 124 ج 5 مجمع الزوائد (الإزار وموضعه).

وهو صريح في أن مناط التحريم الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره، فلابد من حمل قوله: فإنها من المخيلة فى حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب. فيكون الوعيد المذكور فى حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا " والقول " بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر "تردُّه " الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله " ويرده " ما تقدم من وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبى بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء. وبهذا يحصل الجمع بين الآحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به فى الصحيحين أهـ بتصرف (¬1). (وقال) القسطلانى فى المواهب اللدنية: وحاصل ما ذكر فى الأحاديث أن للرجل حالين استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق. وحال جواز وهو أن ينزل به الى الكعبين، وكذا للنساء حالان: حال استحباب وهو أن تزيد على ماهو جائز للرجال بقدر الشبر. وحال جواز وهو أن تزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الذراع، وأن الإسبال يكون فى القميص والعمامة والإزار، وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء. وإن كان لغيرها فهو مكروه للتنزيه أهـ. هذا. وإنه ليسوءنا ويسوء كل غيور على دينه حريص على سعادة أمته أن ترى مخالفة هذه الأدلة بين ظهرانينا من الرجال والنساء. فنرى الرجال يسبلون الثياب تجر على الأرض ذيولها، ويوسعون الأكمام ويتركون الحبل على الغارب للنساء، فيقصرن الثياب ويكشفن الرءوس والنحور والصدور. ويسرن فى الطرقات متعطرات متبرجات متهتكات، كاسيات عاريات مائلات مميلات، يبدين زينتهن ويظهران أطرافهن على مرأى ومشهد من القريب والبعيد. ¬

(¬1) انظر ص 207 وغيرها ج 10 فتح البارى (شرح حديث: من جر ثوبة مخيلة لم ينظر الله اليه).

(وبهذا) تحقق ما أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخث المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) { 173} ¬

(¬1) انظر ص 109 ج 14 نووى مسلم (النساء الكاسيات العاريات .. اللباس) و (كاسيات) أى من نعم الله تعالى (عاريات) من شكرها، أو ساترة بعض بنسها كاشفة بعضه، أو تلبس ثوبا رقيقا يصف بدنها. و (مائلات) أى عن طاعة الله وما يلزمهن حفظة، أو يمشين متبخترات. و (مميلات) لأكتافهن، أو يعلمن غيرهن فعلهن المذموم أو يملن الشبان إليهن بما يبدين من زينتهن (رءوسهن كاسنمة البخت) أى يعظمنها ويكبرنها بما يلف كالعمامة، أو يجمعن شعورهن حتى تشبه اسنمة الإبل البخت ذات السنام المائل. وهو من شعار العاهرات. (قال) القرطبى فى معنى الحديث: نساء كاسيات عاريات، يعنى كاسيات بالثياب عاريات من الدين، لانكشافهن وغبداء محاسنهن. وقيل كاسيات ثيابا رقاقا يظهر ما تحتها وما خلفها فهن كاسيات فى الظاهر عاريات فى الحقيقة. وقيل كاسيات فى الدنيا بانواع الزينة من الحرام وما لا يجوز لبسه، عاريات يوم القيامة (مائلات) أى زائغات عن طاعة الأزواج وما يلزمهن من صيانة الفروج والتستر عن الأجانب. و (مميلات) يعلمهن غيرهن الدخول فى مثل فعلهن، وقيل مائلات متبخترات يملن رءوسهن وأعطافهن للخيلاء والتبختر، وقيل مميلات لقلوب الرجال بما يبدين من زينتهن وطيب رائحتهن (على رءوسهن مثل اسنمة البخت) أى يعظمهن رءوسهن بالخمر والمقانع ويجعلن على رءوسهن ما يسمى عندهن الفاهرة لا عقص الشعر والذوائب المباحة للنساء أهـ ملخصا (وفى الحديث) ذو هذين الصنفين، وهو معجزة ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم، لقد تحقق ما أخبر أنه سيكون وقد ورد تحذير النساء من لبس رقيق الثياب التى تصف البشرة فى غير حديث كما يأتى فى ط بحث الثياب الرقيقة " ص 179 - ان شاء الله تعالى

(وإن تعجب) أيها المؤمن فعجب من ذلك الرجل الذى يترك امرأته تتزيا بزى الخلاعة أمام البنات والخادمات (¬1) حتى فشا الفجور باسم المدنية والتقدم، وتهدَّم الشرف وضاعت الفضيلة تحت ستار الحضارة والرقى. (كيف) لا يخجل ذلك الرجل الذى يتأبط المرأة فى الطرقات وهى شبه عارية؟ أيصل به تفكيره إلى أن زوجته مشاع للجميع؟ فليتمتع بالنظر إليها من شاء. (ألا يحسّ) ذلك الرجل الذى يترك بناته على هواهنّ، ويتفانى فى شراء أدوات الزينة والتهتك لهنّ فيخلعن ثوب الوقار ويلبسن ما يغضب الواحد القهار. (ألا يجدر) بهؤلاء وأولئك أن يرجعوا إلى تعاليم الدين الحنيف فيعملوا على ما فيه الخير لنسائهم وبناتهم فى الدنيا والآخرة من حشمة ووقار. (ألا يجدر) بحضرات المحامين - وهم الطبقة المتعلمة ولاسيما الشرعيين منهم - أن يجعلوا من مكاتبهم أماكن وعظ وهداية لتلك التى خرجت من خدرها تريد محاربة زوجها، وقد حاربت ربها من قبله بخروجها عارية سافرة فى الطرقات يشاهدها الفساق والفجار، وكثير ماهم. (ألا تعمل) الحكومة على سنّ قانون يضرب بيد من حديد على كل من تحدّثها نفسها بانتهاك حرمتها وخروجها بشكل فاضح مزر بكرامتها وكرامة قومها ووطنها الإسلامى. ¬

(¬1) وإنا نسجل هنا مكرمة تذكر فنشكر لصاحب المعالى وزير المعارف - المرحوم محمود فهمى النقراشى باشا - فى هذا الشان. قالت مجلة الاعتام فى عددها الرابع الصادر فى 19 من شوال سنة 1358 هـ لاحظت وزارة المعارف أن بعض طالبات المدارس يذهبن الى مدارسهن بملابس الألعاب الرايضية القصيرة، ويظهرن بها فى الطريق بدل الملابس العادية. وترى الوزارة أن هذا يتنافى مع ما يجب أن تكون عليه الطالبة من تمام الحشمة فكتبت الى حضرات ناظرات مدارس البنات تطلب اليهن أن ينبهن الطالبات - لا سيما كبارهن - الى عدم الظهور فى خارج المدرسة بملابس الألعاب الرياضية (وإنها) لخطوة مباركة لمعالى وزير المعارف، نرجو أن يشفعها معاليه ببث الروح الدينية بين المتعلمين والمتعلمات، مع المراقبة الشديدة على تنفيذ هذا الأمر والعمل على مقتضاه، ومؤاخذة من يتوانى فى العمل به حتى يعود للأمة مجدها وعزها ويرجع لها وقارها وهيبتها، وكرامتها، نسال الله الجميع الهداية والتوفيق.

(هـ) وكذا تمنع المبالغة فى سعة الثياب كالفرجيات، لما فيه من الإسراف المنهى عنه (قال) ابن الحاج فى المدخل: وينبغى للعالم أن يتحفظ فى نفسه بالفعل، وفيمن يجالسه بالقول، من هذه البدعة التى يفعلها كثير ممن ينسب إلى العلم فى تفصيل ثيابهم من طول الكم واتساعه الخارج عن سبيل الشريعة فيقعون بسببه فى المحذور، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال (وقد) روى الإمام مالك فى موطئه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إزرة المسلم إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين. ما أسفل من ذلك ففى النار. ما أسفل من ذلك ففى النار. لا ينظر الله يوم القيامة الى من جر إزاره بطرا (¬1) {174}. (فهذا) نص صريح منه عليه الصلاة والسلام على أنه لا يجوز للإنسان أن يزيد فى ثوبه ما ليس فيه حاجة إليه، إذ أن ما تحت الكعبين ليس للإنسان به حاجة. فمنعه منه وأباح ذلك للنساء، فلها أن تجر مِرْطَها خلفهاً شبرا أو ذراعا للحاجة الداعية إليه وهى التستر والإبلاغ فيه، إذ المرأة كلها عورة إلا ما استثنى (وكره) الإمام مالك للرجل سعة الثوب وطوله عليه، ذكره ابن يونس. (وحكى) الإمام ابو بكر محمد بن الوليد الطرطوشى فى كتابه " سراج الملوك والخلفاء " أنه لما دخل محمد بن واسع سيد العُبَّاد فى زمانه على بلال ¬

(¬1) وأخرجه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى بلفظ تقدم رقم 159 بص 163 وما بعدها.

ابن أبى بردة أمير البصرة، وكان ثوبه إلى نصف ساقيه، قال له بلال: ما هذه الشهرة يابن واسع؟ فقال له ابن واسع: أنتم شهرتمونا، هكذا كان لباس من مضى، وإنما أنتم طولتم ذيولكم، فصارت السنة بينكم بدعة وشهرة أهـ (فتوسيع) الثوب وكبره، وتوسيع الكم وكبره ليس للرجل به حاجة " فيمنع مثل مازاد على الكعبين سواء بسواء، وإن كان للإنسان أن يتصرف فى ماله لكن تصرفا غير تام فهو محجور عليه، لأنه أبيح له أن يصرفه فى مواضع، ومنع من صرفه فى مواضع، فالمال فى الحقيقة ليس له وإنما هو فى يده على سبيل العارية على أن يصرفه فى كذا ولا يصرفه فى كذا. وهذا بين منصوص عليه فى القرآن والحديث. قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} آية 7: الحديد. ونحوه من الآيات، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يقول أحدكم مالى مالى، وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، وما ليست فأبليت، وما تصدقت فأبقيت (¬1) {175} ونحوه من الأحاديث، فما يفعلونه من الاتساع والكبر ليس مشروعا فيمنع. (قال) ابن القاسم: بلغنى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قطع كم رجل إلى أطراف أصابعه، ثم أعطاه فضل ذلك وقال له: خذ هذا واجعله فى حاجتك {27} (قال) ابن رشد: إنما فعل سيدنا عمر رضىالله عنه هذا لأنه رأى أن الزيادة فى طول الكمين على قدر الأصابع مما لا يحتاج إليه، فرآه من السرف وخشى عليه أن يدخله منه عجب، فأين الحال من الحال؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ¬

(¬1) أخرجه أحمد ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يقوم ابن آدم مالى مالى. وهو لك بابن آدم من مالك الى ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت؟ أو تصدقت فأمضيت؟ رقم 3231 ص 393 ج 2 كشف الخفاء وص 94 ج 18 نووى مسلم (الزهد).

(قال) أبو طالب المكى فى قوت القلوب: ومما أحدثوا من البدع لبس الثياب الذى خرجوا به عن حدَّ السمت والوقار، وتكلفهم فى حملة إن تركوه مدلى ثقل عليهم فى مشيهم فثقل مروءة أحدهم بسببه، ولا يقدر على المشى الكثير، ولا على تعاطى قضاء الحوائج. وإن رفع يديه به كان فيه كلفة وإن كان فى صلاة فإن رفع يديه به ضمة إليه، كان فيه شغل فى الصلاة فيمنع منه، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يكفت أحد شعره فى الصلاة. أو يضم ثوبه، وإن تركه على حاله انفرش على الأرض حين السجود والجلوس فيمسك به إن كان فى المسجد ما ليس له أن يمسكه، لأنه ليس له فى المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه. وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين فيكون غاضباً قدراً من المسجد وهو محرم، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين (¬1) {176} (وربما) أرتكب بدعة أخرى لأجل ثيابه وهى فرش سجادة. وربما جلس عليها وحده فيزداد الغصب مع ما ينضاف إلى ذلك من الخيلاء، وهذا أمر لو فعله بعض الأعاجم أو الجهلاء بدينهم، لوجب على العالم تحذيرهم منه وزجرهم والأخذ على أيديهم أو وعظهم إن كان يخاف شوكتهم، فكيف يفعله العالم فى نفسه؟ كان الناس يقتبسون آثار العالم ويهتدون بهديه ويرجعون عن عوائدهم لعوائده، فانعكس الأمر فصار من لا علم عنده من الأعاجم وغيرهم يحدثون أشياء مثل هذا، فيسكت لهم عليه ثم يتشبه العالم بهم فى فعلهم فكان الناس يقتدون بالعلماء، فرجعنا نقتدى بفعل الجهلاء. ¬

(¬1) أخرجه أحمد والشيخان عن عائشة انظر ص 63 ج 3 تيسير الوصول (الغصب)

(وهذا) الباب هو الأصل الذى تركت منه السنن غالبا، أعنى اتخاذ عوائد يقع الاصطلاح عليها ويمشى عليها فينشأ أناس عليها لا يعرفون غيرها ويتركون ما وراءها فجاء ما قال صاحب الأنوار رحمة الله سواء بسواء: ويلكم يا معشر العلماء السوء الجهلة بربهم، جلستم على باب الجنة تدعون الناس إلى النار بأعمالكم فلا أنتم دخلتم الجنة بفضل أعمالكم، ولا أنتم أدخلتم الناس فيها بصالح أعمالكم، قطعتم الطريق على المريد، وصددتم الجاهل عن الحق، فما ظنكم غدا عند ربكم إذا ذهب الباطل بأهله. وقرب الحق أتباعه؟ أهـ. (على أنه) لم ينقل عن أحد ممن مضى أنه كان لعلمائهم لباس يعرفون به غير لبأس الناس جميعا، لامزية لهم على غيرهم فى الثوب ولا فى التفصيل بل لباس بعضهم أقل من لباس الناس لتواضعهم وورعهم وزهدهم ولمعرفة الحق والرجوع إليه. ولفضيلة ذلك عند الشرع. والعالم أولى من يبادر إلى الأفضل والرجح فى الشرع، نعم سيدنا عمر رضى الله عنه قال: استحب للقارئ أن يكون ثوبه أبيض {28} يعنى يفعل ذلك توقيراً للعلم، فلا يلبس ثوبا وسخا ولم يقل أحد إنه يخالف لباس الناس بسبب علمه، فقد كان للإمام ثياب كثيرة يوقر بها مجلس الحديث حين كان يقرؤه. ولم ينقل عنه أنه كان فى غير مجلس الحديث إلا على العادة. وعلى كل حال لم يكن مخالفا لما امر به النبى صلى الله عليه وسلم، بخلاف لبس غالب علماء هذا الزمان. فإنه منهى عنه بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم، وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من التأكيد فى لبس الخشن من الثياب إلا فى الجمع والأعياد (¬1). ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم فى ذلك ¬

(¬1) " روى " سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أى حلل الأيمان شاء يلبسها. أخرجه الترمذى وحسنة والطبرانى والحاكم والبيهقى] 178 [انظر رقم 1872 ص 289 ج 2 فيض القدير ز والتبذل ترك التزين تواضعا (وهذا) لا ينافى ما تقدم رقم 154 ص 161 من قول النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده. وراه الترمذى وحسنة عن ابن عمرو] 179 [. (فإن المراد) به التوسط فى الملبس والتواضع فيه، وإظهار التجميل أحيانا إظهارا لنعم البارى جل شانه. (والمراد) بما هنا الرضا بالأدنى عن الأعلى تواضعا لله مع التوسط بين زى الفقراء وزى أهل الخيلاء، فإن خير الأمور أوساطها.

مخالفة لباس الناس لفقيه ولا غيره. وقد جعلت اليوم هذه الثياب للفقيه كأنها فرض عليه. ولا يمكن أن يقعد فى الدرس إلا بها. فإن قعد بغيرها قيل عنه مهين يتهاون بمنصب العلم لا يعطى العلم حقه، ولا يقوم بما يجب له، فانعكس الأمر ودثرت السنة ونسى فعل السلف، بفتوى من غفل أو وهم، واتباعها وشد اليد عليها لكونها جاءت فيها حظوظ النفس، وهى التميز عن الأصحاب والأقران، لأن من لبس ذلك الثوب عندهم قيل هو فقيه فيتميز إذ ذاك عن العوام. وهذه درجة لا تحصل له إلا بعد مجاهدة طويلة، حتى تحصل له درجة فضيلة تنقله ممن درجة العوام، فبنفس لبس تلك الثياب انتقلت درجته عنهم ورجع ملحوقا بالفقهاء فإنا لله وإنا اليه راجعون. صار الفقه بالزى دون الدرس والفهم. فاين هذا مما كان عليه الصحابة رضى الله عنهم والسلف من اللبس الموافق لفعل وقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم؟ وأن العالم إنما كان يعرف بينهم بحسن هدية لتخلقه بأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه: العالم يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون أهـ {29} (فأنظر) إلى قوله رضى الله عنه هل قال: العالم يعرف بوسع كمه وطوله ووسع ثوبه وحسنه؟

(وكذا) قال غير ابن مسعود رضى الله عنه من الصحابة. ولما كان العلماء على هذه الأوصاف كانت لهم اليد العليا وانتفع الناس بهم، ووجدوا البركة والراحة على ايديهم. (حكى) عبد الله بن أبى جمرة عن شيخه أبى الحسن الزيات أنه خرج إلى بستانه ليعمل فيه، لأنه كان من عادته يخرج لحائطه يعمل بيده، وإذا ببعض الظلمة أخذوه مع غيره فى السخرة لبستان السلطان، فمضى معهم وصار يعمل معهم إلى أن جاء الوزير لينظر ما عمل فى البستان، فوقعت عينه على الشبخ وهو يعمل فطأطأ على قدميه يقبلهما ويقول: يا سيدى ما جاء بك هنا؟ فقال: أعوانكم الظلمة. فقال يا سيدى عسى أنك تقِبلنا وتخرج فأبى. فقال له ولم؟ قال: هؤلاء إخوانى من المسلمين كيف أخرج وهم فى ظلمكم؟ لا أفعل ذلك. فسأله أن يخرج بهم فأبى. فقال له ولم؟ فقال له: غدا تأخذونهم إن كانت لكم بهم حاجة. فلم يخرج حتى تابوا إلى الله تعالى ألا يستعملوا أحداً من المسلمين ظلما أهـ. (فأنظر) إلى بركة زى العالم إذا كان مثل زى الناس، وما يحصل لهم به من الخير. هذا فى واحدة. فما بالك بغيرها وغيرها. فلو كان على الشيخ إذ ذاك لباس يعرف به لم يؤخذ، فكانت تلك البركة تمنع عن هؤلاء المساكين الذين أخذوا فى ظلم السلطان. (وعن) الفضيل بن عياض رحمة الله تعالى أنه قال: لو أن اهل العلم أكرموا أنفسهم، وشحوا على دينهم، وأعزوا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى، لخضعت لهم رقاب الجبابرة، وأنقادت لهم الناس وكانوا لهم تبعا وعز الإسلام وأهله، ولكنهم أذلوا أنفسهم ولم يبالوا بما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا بذلك ما فى أيديهم، فذلوا وهانوا على الناس أهـ.

(فهذه) المفاسد كلها ظاهرة مع ما يحصل فيها من المفاخرة والخيلاء أهـ ملخصا. وتمامه بكتاب إصابه السهام (¬1). 17 - التيامن فى اللباس وغيره: يسن التيامن فى اللبس وغيره من الأمور الشريفة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه. أخرجه النسائى والترمذى (¬2) {180} " ولحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم. أخرجه أحمد وأبو داود والطبرانى والبيهقى (¬3) {181} (قال) ابن دقيق العيد: هو حقيق بأن يصح. " ولقول " عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعجبه التيامن لترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله. أخرجه أحمد والشيخان (وأخرجه) السبعة بلفظ: كان يحب التيامن ما استطاع فى طهوره وتنعله وترجله وفى شأنه كله (¬4) {182} " ولحديث " حفصة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه. ويجعل شماله لما سوى ذلك. أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود (¬5) {183} (ولهذا) اتفق العلماء على أنه يستحب التيامن فى الأمور الشريفة، والتياسر ¬

(¬1) انظر ص 17 وما بعدها. (¬2) انظر رقم 6788 ص 159 ج 5 فيض القدير. (¬3) تقدم رقم 177 ص 261 ج 1 دين (التيامن فى الوضوء). الطبعة الثالثة. (¬4) تقدم رقم 176 ص 261 ج 1 دين (التيامن فى الوضوء) و (الترجل) تسريح الشعر. (¬5) انظر رقم 6985 ص 204 ج 5 فيض القدير وفيه. وقال النووى إسناد جيد.

فيما سوى ذلك (قال) النووى: هذه قاعدة مستمرة فى الشرع وهى " أن ما كان " من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الأبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والمصافحة والأكل والشرب واستلام الحجر الاسود وغير ذلك مما هو فى معناه " يستحب " التيامن فيه " وأما ما كان " بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك " فيستحب " التياسر فيه. وذلك لكرامة اليمين وشرفها (¬1). 18 - الثياب الرقيقة والضيقة: لا يحل لرجل ولا لامرأة لبس ثوب خفيف أو ضيق يصف العورة " لحديث " ضمرة بن ثعلبه أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه حلتان من حلل اليمن. فقال يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة؟ فقال يا رسول الله: لئن استغفرتَ لى لا أقعد حتى أنزعهما عنى. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لضمرة فانطلق سريعا حتى نزعهما عنه. اخرجه أحمد بسند رجاله ثقات إلا أن بقية مدلس (¬2) {184} ففيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كره من ضمرة أن يلبس حلة رقيقة " ولقول" دحية الكلبى: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُقباطىّ فاعطانى منها قُبطية فقال: اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصا وأعط الأخر امرأتك تختمر به فلما أدبر قال: وأمر امرتك أن تجعل تحثه ثوبا لا يصفها. أخرجه أبو داود والبيهقى والطبرانى والحاكم (¬3) {185} ¬

(¬1) انظر ص 74 ج 14 - نووى مسلم. (¬2) انظر ص 136 ج 5 مجمع الزوائد (باب فى الثياب الرقاق) (¬3) انظر ص 69 ج 4 سنن ابى داود (لبس القباطى للنساء) و (قباطى) بضم ففتح جمع قبطية، بكسر أو ضم وسكون، اى ثوب يصنعه قبط مصر، رقيقة بيضاء وضم القاف من تغيير النسب.

وفى سنده ابن لهيعة لا يحتج بحديثه. وقد تابعه أبو العباس يحيى بن أيوب المصرى، وفيه مقال وقد احتج به مسلم واستشهد به البخارى. قاله المنذرى " ولقول " أسامة بن زيد: كسانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبى فكسوتها امرأتى فقال لى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت يا رسول الله كسوتها امرأتى. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مرها فلتجعل تحتها غِلالة فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها. أخرجه أحمد والطبرانى والبيهقى وفيه عبد الله بن محمد ابن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات قاله الهيثمى (¬1) {186} (وعلى هذا) اتفقت كلمة العلماء (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: إذا كان اللباس خفيفاً يبدى لرقته وعدم ستره عورة لابسه من ذكر أو أنثى فذلك ممنوع محرم على لابسه لعدم ستره العورة المأمور بسترها شرعا بلا خلاف. وقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عدة أخبار فى النهى عن لبس النساء الرقيق من الثياب التى تصف البشرة " فقد " قال ابن عمرو رضى الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يكون فى آخر أمّتى رجال يركبون على سُرج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كاسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهنَ ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح واللفظ له والطبرانى فى معاجمه الثلاثة وابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال على شرط مسلم (¬2) {187} (وعن) خالد بن دريك أن عائشة قالت: إن أسماء بنت ¬

(¬1) انظر ص 136 ج 5 مجمع الزوائد (كسوة النساء) و (الغلالة)، بكسر العين، شعار يلبس تحت الثوب. (¬2) انظر ص 137 ج 5 مجمع الزوائد (كسوة النساء) و (البخت) نوع من الإبل ماش السنام. و (والعجاف) الهزيل

أبى بكر الصديق رضى الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه. رواه أبو داود. وقال هذا مرسل. خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضى الله عنها (¬1) {188}. (وقال) ابن الحاج فى المدخل: وليحذر العالم من هذه البدعة التى أحدثها النساء فى لباسهن وهن ناقصات عقل ودين، فمن ذلك ما يلبسن من هذه الثياب الضيقة والقصيرة وهما منهى عنهما ووردت السنة بضدهما. لآن الضيق من الثياب يصف من المرأة أكتافها وثدييها وغير ذلك. وغالبهن يجعلن القميص إلى الركبة، فإن انحنت أو جلست أو قامت انكشفت عورتها. وقد تقدم أن ذيل ثوب المرأة تجره خلفها ويكون فيه وسع بحيث إنه لا يصفها. وتمامه فيه. 19 - لبس الصوف والكتان ونحوهما: يباح لبس الثياب الصوف والكتان والوبر والشعر إذا كان من حيوان طاهر " لقول " سهل بن سهل: حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنمار من صوف أسود، وجعل لهاذؤابتان من صوف أبيض فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المجلس وهى عليه فضرب على فخذه فقال ألا ترون ما أحسن هذه الحلة؟ فقال أعرابى: يا رسول الله أكسنى هذه الحلة - وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سئل شيئا لم يقل لشئ يسأله ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 4 سنن ابى داود (ما تبدى المرأة من زينتها) وص 141 ج 2 غذاء الألباب (حكم لبس ما يصف البشرة) و (المحيض) زمن البلوغ والمراد بالمرسل ما يشمل المنقطع، وهو ما حذف منه غير الصحابى

لا - قال نعم، فدعا بمعقدتين فلبسهما فأعطى الأعرابى الحلة وأمر بمثلها تحاك، فمات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهى فى المحاكة. أخرجه الطبرانى وفيه زمعة بن صالح وهو ضعيف وقد وثق. وبقية رجاله ثقات (¬1) {189} " ولحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف، وكان نعلاه من حمار ميت. أخرجه الترمذى وقال: غريب، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2) {191}. (ورد) بأن فى سنده حميد الأعرج بن على أو ابن عمار وهو متروك. قاله المنذرى (وعلى هذا) اتفقت كلمة العلماء. (قال) ابن القيم فى زاد المعاد: وكان غالب ما يلبس النبى صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 130 ج 5 مجمع الزوائد (لبس الصوف) و (حيكت) مبنى للمجهول من حاك الثوب نسجه و (أثمار) جمع ثمرة بفتح فكسر وهى شملة من صوف و (المعقد) بشد القاف نوع من برود هجر و (المحاكة) بضم الميم موضع الحياكة وهى النسج (والحديث) أخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدى أن امرأة جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إنى نسجت هذه بيدى لأكسوكها فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا البها فخرج علينا فيها، وأنها لازاره فجاء فلان ابن فلان (رجل سماه يومئذ) فقال: يارسول الله ما أحسن هذه البردة؟ ! اكسنيها قال نعم. فلما دخل طواها وارسل بها اليه. فقال القوم: والله ما أحسنت، كسيها النبى صلى الله عليه وسلم محتاجا اليها ثم سالته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا. فقال إنى والله ما سالته إياها لألبسها، ولكن سالته إياها لتكون كفنى. فقال سهل فكانت كفنه يوم مات] 190 [انظر ص 92 جـ 2 سنن ابن ماجه (لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 270 ج 3 تيسير الوصول (الصوف) و (الكعبة) بضم فشد، القلنسوة الصغيرة.

وعلى آله وسلم هو وأصحابه من القطن. وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان. وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهانى بإسناد صحيح عن جابر ابن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف، وإزار صوف، وعمامة صوف، فاشماز منه محمد (يعنى ابن سيرين) وقال: أظن أن أقواماً يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم وقد حدثنى من لا أتهم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن. وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق أن تتبع (ومقصود) ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره. وكذلك يتحرر وززياً واحداً من الملابس ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا. ولبس المنكر إلا التقيد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها (والصواب) أن أفضل الطرق طريق النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم التى سنها وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها. وهى أن هديه فى اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة أهـ (¬1) (وقال) السفارينى فى غذاء الألباب: ويباح لبس الكتان إجماعا. والنهى عنه من حديث جابر باطل. ونقل عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه كرهه للرجال ولا شك فى الإباحة (¬2). ولا فرق فى إباحة ذلك بين الرجال والنساء " لحديث " عائشة (فعن) الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلى فى مروط نسائه. وكانت أكسية من صوف. أخرجه مسلم وأبو داود (¬3) {192} ¬

(¬1) انظر ص 36 ج 1 زاد المعاد (لبسه صلى الله علهي وسلم الصوف والقطن والكتان). (¬2) انظر ص 199 ج 2 غذاء الألباب (لا يكره لبس ثياب الكتان). (¬3) انظر ص 156 ج 2 منه (لا باس يلبس الصوف والقباء للنساء).

20 - القباء: هو بفتح القاف والمد من قبوت الحرف أقبوة إذا ضممته، وهو القفطان ففى القاموس: القبوة انضمام ما بين الشفتين، ومنه القباء من الثياب. هذا. ولا باس يلبسه إذا لم يكن حريرا (قال) المسور بن مخرمة رضى الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا. فقال مخرمة: يا بنى انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لى، فدعوته فخرج إليه وعليه قباء. فقال: خبأت هذا لك فنظر إليه فقال رضى مخرمة. أخرجه أبو داود والنسائى (¬1) {193}. وقال السفارينى: (سئل) شيخ الأسلام ابن تيمية عن طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه فى كميه هل هو مكروه أم لا؟ (فأجاب) بأنه لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء. وليس هذا من السدل المكروه. لأن هذه اللبسة ليست لبسة اليهود أهـ (¬2) 21 - البرنس: هو بضم فسكون، قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه. (ويباح) لبسه فى غير الإحرام، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل. أخرجه السبعة، من حديث ابن عمر (¬3) {194}. فقد دل ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 4 سنن ابى داود (ما جاء فى القبية) وص 298 ج 2 مجتبى (لبس الأقبية). (¬2) انظر ص 156 ج 2 غذاء الألباب (حكم لبس القباء). (¬3) هو بعض حديث لفظه ك لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون اسفل من الكعبين. انظر هامش 1 ص 72 (ارشاد الناسك الى أعمال المناسك) طبعة ثانية دين ج 9.

بمنطوقه على حرمة لبس البرنس للمحرم، وبمفهومه على إباحته لغيره. وقد ورد فى هذا أحاديث أخر فيها مقال (منها) قول أبى قرصافة: كسانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم برنسا وقال البسه. أخرجه الطبرانى. قال الهيثمى فيه جماعة لم أعرفهم (¬1) {195} 22 - لبس الفراء وجلد الأرنب: (الفراء) بكسر الفاء جمع فروة، وهو لباس معروف. (ويباح) لبسه إن كان جلد حيوان مأكول لم يعلم موته ولم يدبغ جلده. فالمعتبر فى حل لبسه عدم العلم بنجاسته، فإذا وجدنا جلد مأكول اللحم فالأصل أنه طاهر، ما لم نعلم أنه مات حتف أنفه أو ذكاه من لا تحل ذكاته له. (والأرنب) حيوان صغير قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة، يطلق على الذكر والأنثى، يقال للذكر خزر كصرد وللأنثى عكرشة (¬2) ويباح لبس جلده باتفاق العلماء. 23 - لبس المصبوغ من الثياب: يباح لبس الثوب المصبوغ بأى لون كان غير الأحمر القانى قبل غسله ما لم تعلم نجاسته ولو كان الصابغ غير مسلم، لأن الأصل الطهارة " ولعموم " حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص فى الثوب المصبوغ ما لم يكن له نفض ولا رِدْع. أخرجه أحمد (¬3) وفيه الحجاج بن أرطاة ¬

(¬1) انظر ص 127 ج 5 مجمع الزوائد (البرانس). (¬2) العكرشة، بكسر فسكون فكسر، الأرنبة الضخمة. (¬3) انظر ص 129 جـ 5 مجمع الزوائد (الصباغ) و (الردع) بكسر فسكون نفض الصبغ فهو عطف مرادف.

مدلس " ولقول" عائشة: كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوب مصبوغ بورس، وكان يلبسه فى بيته ويدور فيه على نسائه ويصلى فيه. أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف قاله الهيثم (¬1) {197} " لقول" عمران بن مسلم: رأيت بن مالك إزارا أصفر، أخرجه الطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {30} (وبهذا) قال الحنفيون والحنبليون. (وقالت) المالكية والشافعية: يكره لبس ما صبغه الكفار قبل غسله (قال) السفارينى فى الأقناع: وثياب الكفار كلهم وأوانيهم طاهرة إن جهل حالها حتى ما ولى عوراتهم، كما لو علمت طهارتها، وكذا ما صبغوه أو نسجوه وعبارة المنتهى " وما لم " تعلم نجاسته من آتية كفار ولو لم تحل ذبيحتهم كالمجوس وما لم تعلم نجاسته من ثيابهم ولو وليت عوراتهم وكذا من لابس النجاسة كثيرا " طاهر " مباح لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} وهو يتناول ما لا يقوم إلا بآنية (لكونه سائلا) ولأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة مشركة. متفق عليه. ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وبدن الكافر طاهر وكذا طعامه وماؤه وما صبغوه أو نسجوه. (وقال) فى الإقناع: وتصح الصلاة فى ثياب المرضعه والحائض والصبى مع الكراهة ما لم تعلم نجاستها. وعبارة الفروع: وثياب الكفار وآنيتهم مباحة إن جهل حالها وفاقا لأبى حنيفة (وعنه) الكراهة وفاقا لمالك والشافعى (وعنه) المنع فيما ولى عوراتهم. وعنه المنع ممن تحرم ذبيحته، وكذا حكم ما صبغوه وآنية من لابس النجاسة كثيرا وثيابه أهـ ملخصا (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى الصباغ). (¬2) انظر ص 130 جـ 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى الصباغ). (¬3) انظر ص 146 جـ 2 غذاء اللباب (حكم لبس ما صبغة اليهود قبل غسله) و (المزادة) بفتح الميم والقياس كسرها لأنها آله يستقى بها

24 - لبس المزرَّر وغيره: يجوز لبس القميص والقباء ونحوهما مزررا ومحلول الأزرار إذا لم تبد عورته. ولا كراهة فى واحد منهما " لما تقدم " عن سلمة بن الأكوع: قال يا رسول الله إنى رجل أصيد أفاصلى فى القميص الواحد؟ قال نعم وَزُرهَّ عليك ولو بشوكة. أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والنسائى والحاكم (¬1) {198} "ولحديث " معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى رهط فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى فى الشمائل بسند صحيح (¬2) {199} 25 - ما يقول من لبس جديدا: يسن لمن لبس جديدا أو عمامة أو نعلا أو نحوه أن يحمد الله تعالى ويدعوه بالوارد " لحديث " أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا استجد ثوبا سماه باسما قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول: اللهم لك الحمد إنك كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له. وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. أخرجه أحمد والحاكم والثلاثة وحسنه والترمذى. وقال النووى: حديث صحيح (¬3) {200}. ¬

(¬1) تقدم رقم 151 ص 160 (القميص) (¬2) (انظر ص 55 جـ 4 سنن ابى داود - حل الإزار) وص 194 ج 2 سنن ابن ماجه وص 59 الشمائل (لباس النبى صلى الله عليه وسلم) (¬3) انظر رقم 6562 ص 98 ج 5 فيض القدير وص 41 ج 4 سنن ابى داود (اللباس) و (سماه باسمه) والبداءة باسم الثوب قبل حمد الله تعالى ابلغ فى تذكر النعمة وإظهارها. فإن ذكر الثوب مرتين ظاهرا ومضمرا. (وخير الثوب) استعماله فى طاعة الله وعبادته (وشره) استعماله فى معصية الله ومخالفته وقيل (خير الثوب) بقاؤه ونقاؤه وكونه ملبوسا للحاجة لا للفخر والخيلاء وكونه حلالا له (وشره) كونه حراما أو نجسا أو لا يبقى زمنا طويلا، (وخير ما صنع له) هو دفع الضرورة التى يصنع لها اللباس من الحر والبرد (وشر ما صنع له) ألا يتوصل به الى المطلوب من دفع الضرر وويحتمل أن خير ما صنع له هو الشكر بالجوارح والقلب وشر ما صنع له هو الكفر والمعاصى.

" ولحديث " معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أكل طعاما ثم قال: الحمد لله الذى أطعمنى هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومن لبس ثوبا فقال: الحمد لله الذى كسانى هذا الثوب ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أخرجه أبو داود والحاكم وصححه وأخرج أحمد والترمذى صدره وحسنه الترمذى (¬1) {201}. " ولقول " أبى أمامة: لبس عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذى كسانى ما أوارى به عورتى وأبحمل به فى حياتى. قم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذى كسانى ما أوراى به عورتى، وأتجمل به فى حياتى، ثم عمد إلى الثوب الذى أخلق أو ألقى فتصدق به، كان فى كنف الله وحفظه وستره حيا وميتا قالها ثلاثا. أخرجه ابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه (¬2) {202} (وردّ) بأن فى سنده أصبغ بن زيد ضعفه ابن سعد وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال النسائى: لا بأس به ووثقه ابن معين والدار قطنى. وقال المنذرى صدوق وفيه أيضاً أبو العلا قال المنذرى: مجهول. ¬

(¬1) (انظر ص 42 جـ 4 سنن ابى داود 0 اللباس) وص 25 جـ 2 تيسير الوصول (دعاء اللباس والطعام) وص 507 جـ 1 مستدرك. وص 439 جـ 3 مسند أحمد. (¬2) انظر ص 192 جـ 2 سنن ابن ماجه (ما يقول من لبس جديا) وص 24 جـ 2 تيسير الوصول و (أخلف أو القى) أى أبلاه أو القاء لاستغنائه عنه.

26 - ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا: يسن الدعاء لمن لبس ثوبا جديدا " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى على عمر ثوبا فقال: البس جديدا، وعش حميدا، وموت شهيدا ويرزقك الله قرة عين فى الدنيا الآخرة. أخرجه أحمد والطبرانى والنسائى وابن ماجه وابن حبان وصححه (¬1) {203} " ولحديث " أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتِىَ بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال: من ترون أحق بهذه؟ فسكت القوم وفقال: إيتونى بأم خالد فأتى بها فألبسها إياها، ثم قال: أبلى وأخلفى مرتين (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود {204} وكذا البخارى بلفظ تقدم (¬2). (وقال) أبو نضرة المنذر بن مالك: وكان أصحاب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديدا قيل له: تبلى ويخلف الله تعالى. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬3) {31} 27 - تنظيف اللباس: يلزم غسل الثياب من النجاسة للصلاة كما تقدم. ويسن غسلها من الوسخ والعرق " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من كرامة ¬

(¬1) انظر ص 81 راموز الأحاديث وص 192 جـ 2 سنن ابن ماجه صدره الى قوله " مت شهيدا " (ما يقول من لبس ثوبا جديدا). (¬2) انظر ص 364 جـ 6 مسند أحمد. وص 42 جـ 4 سنن ابى داود (ما يدعى به لمن لبس جديدا) وتقدم رقم 136 ص 153 (لبس الأسود والخميصة) كساء اسود معلم الطرفين من خز أو صوف. (¬3) انظر ص 41 جـ 4 سنن أبى داود (اللباس).

المؤمن على الله نقاء ثوبه ورضاه باليسير. أخرجه الطبرانى (¬1) {205}، وفى سنده عبّ‍اد بن كثير وثقه ابن معين وضعفه غيره. وجرول بن حنفل ثقة. وقال ابن المدينى له مناكير. وبقية رجاله ثقات " ولحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام نظيف فتنظفوا، فانه لا يدخل الجنة إلا نظيف. أخرجه الطبرانى فى الأوسط، وفيه نعيم بن مورع وهو ضعيف. قاله الهيثمى (¬2) {206} (وكذا) يطلب تنظيف الشعر " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أكرموا الشعر. أخرجه البزار: وفى سنده خالد بن إلياس متروك (¬3) {207} (وقد) ورد فى الحث على النظافة عدة أحاديث منها (حديث) إن الله تعالى جميل يحب الجمال، سخى يحب السخاء نظيف يحب النظافة. أخرجه ابن عدى عن ابن عمر وضعفه السيوطى (¬4) {208}. (وحديث) أبى هريرة أن رجلا جميلا قال النبى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنى رجل حُبِّب إلىّ الجمال وأعطيت منه ما ترى. فأحب أن يكون ثوبى جميلا ونعلى جميلا، أفمن الكبر ذلك؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك من الكبر. ولكنّ الكبر مَنْ بطِر الحق وعمظ الناس، وفى رواية الترمذى: وغمض بالصاد بدل الطاء المهملة. أخرجه أبو داود (¬5) {209} ¬

(¬1) انظر ص 132 ج 4 مجمع الزوائد (النظافة). (¬2) انظر ص 132 ج 4 مجمع الزوائد (النظافة). (¬3) انظر ص 164 منه (ما جاء فى الشعر واللحية). (¬4) انظر رقم 1722 ث 225 ج 2 فيض القدير. (¬5) انظر ص 59 ج 4 سنن ابى داود (ما جاء فى الكبر - اللباس) و (بطر) كفرح، كفر النعمة وانكرها وبطر الحق دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا وقيل هو تضيعه وعدم العمل به، أو هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا (والغمط) بفتح فسكون، الاستهانة والاستحقار ومثله الغمص وغمط وغمص كسمع وضرب والثانى كفرح ايضا.

(وحديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطر الحق وغمْط الناس. أخرجه مسلم (¬1) {210}. وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء. هذا ويستحب غسل الثوب إذا توسخ وإصلاح الشعر إذا شعث " لحديث " جابر رضى الله عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى رجلا شعِثا قد تفرق شعره فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟ ورأى رجلا عليه ثياب وسخه فقال: أما كان بجد ماء يغسل به ثوبه؟ . رواه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين (¬2) {212} (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: يسن تنظيف الثياب كلها من قميص ورداء وإزار وسراويل وعمامة وغيرها، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال: أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه؟ ورأى رجلا شعِثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟ رواه الإمام أحمد والخلال من ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 2 نووى مسلم (تحريم الكبر 38 - الإيمان) وهذه الأحاديث " لا ينافيها " قوله صلى الله عليه وسلم: إن البذاءة من الأيمان فيما قوله أبو أمامة بن ثعلبه: ذكروا عند النبى صلى الله عليه وسلم الدنيا فقال الآ تسمعون ألا تسمعون؟ إن الذاذة من الإيمان. إن البذاذة من الإيمان. أخرجه ابو داود وابن ماجه والحاكم وهو حديث صحيح وسنده جيد] 211 [وانظر ص 72 ج 2 تيسير الوصول (الزهد) لأن " البذاذة " هى التقحل " سواء الحال " والتقشف ورثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التنزين والتنعم فى البدن والملبس، إيثارا لعدم الشهرة وبعدا عن التكبر على عباد الله تعالى. وقال أحمد: البذاذة التواضع فى اللباس. (¬2) انظر ص 51 جـ 4 سنن ابى داود (عسل الثوب) و (شعث) الشعر شعثا من باب تحب تغير وتلك لفلة تعهده بالدهن ونحوه

حديث جابر {213} وعلله الإمم أحمد بأن الثوب إذا اتسخ تقطع. وروى وكيع عن ابن مسعود أنه كان يعجبه - إذا قام إلى الصلاة - الرائحة الطيبة والثياب النقية {32} وروى أيضا عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: من مروءة الرجل نقاء ثوبه (¬1) {33} (وقال) ابن الأثير فى النهاية: إن الله تعالى نظيف يحب النظافة (¬2): نظافة الله تعالى كناية عن تنزيهه عن سمات الحدوث، وتعاليه فى ذاته عن كل نقص. وحبه النظافة من غيره، كناية عن خلوص العقيدة ونفى الشرك وبجانبه الأهواء. ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها. ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشَّبَه. ثم نظافة الظاهر لملابسه العبادات (ومنه) الحديث: نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن {214} أى صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها. وعن أكل الحرام والقاذورات. وفيه الحث على تطهيرها من النجاسات وعلى استعمال السواك أهـ بتصرف (¬3). 28 - طى الثياب: (قال) بعض الفقهاء: يطلب طى الثياب بعد خلعها والتسمية عليها " لحديث " إذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسم الله عليها لئلا يلبسها الجن الليل وأنتم بالنهار ¬

(¬1) انظر ص 215 جـ 2 غذاء الألباب (يسن تنظيف الثياب وطيها). (¬2) يشير الى تقدم رقم 208 ص 190 عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال إن الله تعالى جميل يحب الجمال، سخى يحب السخاء ن نظيف يحب النظافة. (إن الله جميل) أى جميل الذات والأفعال، والمراد بنظافة الله تعالى تنزهه عن النقائص. ويحب ما ذكر، رضاه عمن تخلق بشئ من صفاته. وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا، وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه لم يتسخ له ثوب قط، لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يفعل ثوبه. (¬3) انظر ص 156 جـ 4 النهاية فى غريب الحديث والأثر - مادة (نظف).

(الخامس) التحلى بالذهب والفضة

فتبلى سريعا. أخرجه الطبرانى " ولقول " عائشة: كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوبان يلبسهما فى جمعته، فإذا انصرف طويناهما إلى مثله. أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط بسند ضعيف. ويرده حديث عائشة: ما رأيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسب أحداً ولا يُطوى له ثوب. أخرجه ابن ماجه. ويمكن الجمع بينهما بأن المراد بقولها: ولا يُطوى له ثوب أى غير ثوبى الجمعة (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: ويحسن طىّ الثياب، لما رواه الديلمى عن جابر رفعه " طىّ الثوب راحته (¬1) {215}. وقد روى من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة وكلها واهية (¬2) أهـ. (الخامس) التحلى بالذهب والفضة يحل التحلى بهما للنساء. ولا يحل للرجل التحلى إلا بخاتم الفضة، فيحرم عليه التختم بالذهب. لما تقدم فى بحث لبس الحرير " ولقول " عمران بن حصين وأبى هريرة رضى الله عنهما: نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن خاتم الذهب. أخرجه الطحاوى (¬3) {216}، وكذا الشيخان من حديث أبى هريرة (¬4) " ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتماً من ذهب وجعل فصه مما يلى باطن كفه، ونقش فيه محمد رسول الله فاتخذ الناس مثله. فلما رآهم اتخذوه رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة، قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبى صلى ¬

(¬1) (انظر ص 216 ج 2 غذاء الألباب 0 يسن تنظيف الثياب وطيها) (راحته) أى من انتهاك الشياطين له ولبسها إياه، أو شبه الثوب فى طيه برجل يكون فى عمل فإذا فزغ منه استراح. (¬2) سيأتى بيان ما فيها فى بحث " ماقيل فى طمى الثياب " آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى. (¬3) انظر ص 351 ج 2 شرح معانى الآثار (التختم بالذهب). (¬4) انظر ص 245 ج 10 فتح البارى (خواتيم الذهب) وص 65 ج 14 نووى مسلم.

الله عليه وعلى آله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان فى بئر أريس، أخرجه الخمسة (¬1) {217}. " ولقول " علىّ رضى الله عنه: نهانى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسىّ، وعن القراءة فى الركوع والسجود وعن لباس المعصفر. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة. قال الترمذى حسن صحيح (¬2) {218}، (ففى) هذه الأحاديث دلالة على جواز تحلى النساء بالذهب وتحريمه على الرجال. " وأما حديث " ربعى بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يا معشر النساء، أما لكنَّ فىالفضة ما تحلين به لبس منكن امرأة تتحلى ذهبا وتظهره إلا عذبت به. أخرجه أبو داود والنسائى (¬3) {219}. " فمنسوخ " بالأحاديث السابقة وأشباهها ¬

(¬1) انظر ص 74 ج 2 تيسير الوصول (الزينة) و (لا ألبسه أبدا) قال ذلك لما رأى من تكبرهم بلبسه، أو لكونه من ذهب، وكان وقتئذ حرم على الرجال، وأريس كعظيم ممنوع من الصرف، حذيفة بقرب مسجد قباء (قال) ابو داود: ولم يختلف الناس على عثمان جلس على بئر اريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به (يعنى يحركه ويدخله ويخرجه) فسقط (وذلك) صورة فى خاتمة صلى الله عليه وسلم سر عظيم، فلما فقده عثمان رضى الله عنه انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون. وكان ذلك مبدأ الفتنة التى أفضت إلى قتله رضى الله عنه واتصلت إلى آخر الزمان. (¬2) تقدم رقم 106 ص 193 (لبس المعصفر) والقسى، بقتح القاف وشد السين نسيه إلى القسى - قرية قرب دمياط - وهو ثياب وكتان مخططة بإبريسم. (¬3) انظر ص 76 ج 2 تيسير الوصول (الزينة) و (ربعى) بكسر فسكون فكسر ثم شد الباء آخر الحروف و (حراش) بكسر المهملة بعدها راء مخففه وأخت حذيفة قيل اسمها فاطمة، وقيل خولة. وفى رواية عن ربعى عن امرأة عن أخت حذيفة (أما لكن) الهمزة للاستفهام الانكارى وما نافية أى أليس لكن كفاية فى الفضة. ويصح جعل أما للنبيه.

كما نقله ابن رسلان عن ابن عبد البر. (وعلى) فرض عدم النسخ فهو ضعيف، لجهالة امرأة ربعى (وعلى) فرض صحته، فهو محمول على من تزينت به وتبرجت وأظهرته للرجال الأجانب، ويؤيده قوله " تتحلى ذهبا وتظهره " ثم الكلام ينحصر فى ستة فروع. 1 - التختم بالفضة: يحل للرجال التختم بخاتم الفضة " لقول " أنس: كان خاتم النبى صلىالله عليه وعلى آله وسلم من وَرِق وكان فصه حبشيا، أخرجه مسلم والثلاثة. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {220}، " ولقوله " أيضا: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فضة كله فضه: فصه منه. أخرجه البخارى وأبو داود والترمذى، وقال هذا حديث صحيح (¬2) {221} ولقول أنس، لما أراد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما. فاتخذ خاتما من فضه ونقشه محمد ¬

(¬1) انظر ص 71 ج 14 نووى مسلم (تحريم خاتم الذهب على) وص 50 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى خاتم الفضة) و (الفص) بفتح الفاء بكسر وقد تضم ما ينقش فيه اسم صاحب الخاتم (حبشيا) أى كان فصه من عقيق او (بفتح فسكون) أى خرز ملون. ونسب إلى الحبشة، لأن ما ذكر يستخرج من أرضها (ولا منافاه) بينه وبين ما فى الحديث الآتى من قوله: فصه منه " لأنه " صلى الله عليه وسلم كان له عدة خواتيم، فتارة كان يلبس خاتما فصه منه، وتاره يلبس خاتما فصه حبشى وتارة يلبس خاتما فصه من عقيق. (¬2) انظر ص 249 ج 10 فتح البارى (نص الخاتم وص 50 ج 3 تحفة الأحوذى.

رسول الله. فكأنما أنظر إلى بياضه فى يده، أخرجه البخارى وابو داود مختصرا (¬1) {222} " وأما حديث " إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب الزهرى عن أنس بن مالك أنه رأى فى يد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطرحوا. أخرجه الشيخان وابو داود والنسائى (¬2) {223}، " فقد اتفق " الحفاظ على أن الزهرى غلط فيه، لأن المطروح إنما هو خاتم الذهب كما تقدم فى حديث ابن عمر رقم 217. (وللأحاديث) السابقة قال الجمهور: يسن للرجال التختم بالفضة لا فرق فى ذلك بين ذى السلطان وغيره، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعملا بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} آيه {21} الأحزاب (وروى) عن أحمد أنه إنما يستحب لذى السلطان. ويكره لغيره " لظاهر " حديث أنس السابق رقم 222. وفيه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ الخاتم حينما اراد أن يكتب الى الروم. وتوارثه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان للختم به من بعده " ولحديث " أبى ريحانة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الخاتم إلا لذى سلطان. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والطحاوى (¬3) {223} وقال: (فذهب) قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا الذى سلطان. واحتجوا بهذا الحديث (وخالفهم) فى ذلك آخرون، فلم يروا بلبسه ¬

(¬1) انظر ص 251 فتح البارى (اتخاذ الخاتم ليختم به) وص 74 ج 2 تيسير الوصول (الزينة). (¬2) انظر ص 247 ج 10 فتح البارى (خاتم الفضة) وص 70، 69 ج 14 نووى مسلم. (¬3) انظر ص 134 ج 4 مسند أحمد، وص 353 ج 2 شرح معانى الاثار (لبس الخاتم لغير ذى سلطان)

لسائر الناس من ذى سلطان أو غيره بأسا. ومن حجتهم فى ذلك الحديث الذى قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ألقى خاتمه فألقى الناس خواتيمهم (فقد دل) هذا على أن العامة قد كانت تلبس الخواتيم فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ (ورد) بأن حديث أبى ريحانه ضعيف (قال) الحافظ فى الفتح: قد سئل مالك عن حديث أبى ريحانة فضعفه وقال: سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال: البس الخاتم وأخبر الناس أنى قد أفتيتك. والذى يظهر أن لبسه لغير ذى سلطان، خلاف الأولى، لأنه ضرب من التزين، واللائق بالرجال خلافه. وتكون الأدلة الدالة على الجوازهى الصارفة للنهى عن التحريم (ويؤيده) أن فى بعض طرقه: نهى عن الزينة والخاتم، ويمكن أن يراد بالسلطان من له سلطنة على شئ ما يحتاج إلى الختم عليه، لا السلطان الأكبر خاصة. والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه " لمن لا يختم به " عبثا. وأما من لبس الخاتم الذى لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل فى النهى أهـ ينصرف (¬1). (وعلى هذا) يحمل حال من لبسه من الصحابة والتابعين ممن ليس له سلطان (وقال) الحنفيون: يجوز التختم بالفضة للرجال، لما تقدم، وتركه لغير ذى السلطان والقاضى وذى حاجة إليه للختم به أفضل. (قال النووى) فى المجموع: وقد أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال وكره بعض علماء الشام لبسه لغير ذى سلطان، وروى فيه أثرا، وهو فاسد مردود بالنصوص وإجماع السلف، وقد نقل العبدرى وغيره الإجماع فيه أهـ بتصرف (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 251 ج 10 فتح البارى. الشرح (باب اتخاذ الخاتم) وص 464 ج 4 شرح المهذب. (¬2) انظر ص 251 ج 10 فتح البارى. الشرح (باب اتخاذ الخاتم) وص 464 ج 4 شرح المهذب.

2 - كيفية التختم: يجوز لبس الخاتم فى كل من اليمين واليسار"لقول" ابن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم فى يمينه. أخرجه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬1) {224} "ولقول"عبد الله بن جعفر رضى الله عنه: كان النبى صلى الله عليه وسلم يتختم عن يمينه. أخرجه الترمذى والنسائى والطبرانى فى الكبير (¬2) {225} " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه، أخرجه النسائى والترمذى فى الشمائل (¬3) {226} (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يساره، وكان فصه فى باطن كفه. أخرجه أبو داود (¬4) {227}، (وعن) أنس قال: كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه وأشار الى الخنصر من يده اليسرى أخرجه مسلم (¬5) {228}. (واختلف) العلماء فى الأفضل، فعند غير الشافعية الأفضل لبسه فى خنصر اليسرى (قال) البدر العينى فى عمدة القارى: وينبغى أن يلبس خاتمه فى خنصر يده اليسرى، ولا يلبسه فى اليمنى ولا فى غير خنصر اليسرى، وسوَّى الفقيه أبو الليث بين اليمين واليسار (وقال) بعض أصحابنا: هو الحق لاختلاف الروايات ويقال جاءت الأحاديث صحيحة فى اليمين ولكن استقر الأمر على اليسار. ¬

(¬1) انظر ص 52 ج 3 تحفة الأحوذى (لبس الخاتم فى اليمين) وص 290 ج 2 مجتبى (موضع الخاتم) (¬2) انظر ص 52 ج 3 تحفة الأحوذى (لبس الخاتم فى اليمين) وص 290 ج 2 مجتبى (موضع الخاتم) (¬3) انظر ص 289 منه (سنة خاتم النبى صلى الله عليه وسلم) وص 82 - الشمائل المحمدية. (¬4) انظر ص 91 ج 4 سنن ابى داود (التختم فى اليمين أو اليسار). (¬5) انظر ص 72 ج 14 نووى مسلم (تحريم خاتم الذهب على الرجال).

(قلت) يدل على ذلك ما قاله اللغوى فى شرح السنة من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تختم أولا فى يمينه ثم تختم فى يساره وكان ذلك آخر الأمرين أهـ (¬1) (وقال) السفارينى فى غذاء الألباب: قال الدار قطنى وغيره: المحفوظ أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتختم فى يساره (قال) فى الإنصاف: لبس الخاتم فى خنصر يده اليمنى واليسرى سواء، ولا فضل فى لبسه فى إحداهما على الأخرى. والصحيح من المذهب أن التختم فى اليسار أفضل (قال) الإمام أحمد رضى الله عنه: هو أقرب واثبت وأحب إلىَّ (قال) الحافظ بن رجب: وقد أشار بعض أصحابنا إلى أن التختم فى اليمين منسوخ وأن التختم فى اليسار آخر الأمرين أهـ (قال) فى التلخيص: ضعف الإمام أحمد رضى الله عنه حديث التختم فى اليمين (قلت) الذى استقر عليه المذهب استحباب كون الخاتم فى خنصر اليسرى. وكرهه أحمد رضى الله عنه فى السبابة والوسطى للرجل وفاقا للثلاثة، للنهى الصحيح عن ذلك (قلت) وهو ما فى صحيح مسلم من حديث علىّ رضى الله عنه: نهانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أتختم فى أصبعى هذه أو هذه فأوما إلى الوسطى والتى تليها أهـ (¬2) {229} ثم قال (والأفضل) للابسه جعل فصه مما يلى كفه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وهو فى الصحيحين، وكان ابن عباس وغيره يجعله مما يلى ظهر كفه، رواه أبو داود، ويجوز جعل فصه منه ومن غيره (لقول) أنس: كان فصه منه كما فى البخارى، وفى مسلم كان فصه حبشيا أهـ ملخصا (¬3) (وقالت) الشافعية: الأفضل جعله فى خنصر اليمنى (قال) النووى فى ¬

(¬1) انظر ص 37 ج 22 عمدة القارئ (من جعل فص الخاتم فى بطن كفه). (¬2) انظر ص 73 ج 14 نووى مسلم (تحريم خاتم الذهب على الرجال) وص 244 ج 2 غذاء الألباب (يسن جعل الخاتم فى خنصر اليسرى). (¬3) انظر ص 246 منه.

المجموع: الصحيح المشهور أنه فى اليمين أفضل، لأنه زينة والمين أشرف وقيل فى اليسار أفضل، لأن اليمين صار شعار الروافض فربما نسب إليهم. والصحيح الأول، وليس هو فى معظم البلدان شعارا ولو كان شعارا لما تركت اليمين، وكيف تترك السنن لكون طائفة مبتدعة تفعلها، وفى سنن أبى داود بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يتختم فى يساره، وبإسناد حسن أن ابن عباس تختم فى يمينه، ويجوز الخاتم بفص وبلا فص ويجعل الفص من باطن كفه أو ظاهرها، وباطنها أفضل للأحاديث الصحيحة فيه، وأجمع المسلمون على أن السنة للرجل جعل خاتمه فى خنصره، وفى صحيح مسلم عن على رضى الله عنه قال: نهانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أجعل خاتمى فى هذه أو التى تليها، وأشار الراوى إلى الوسطى والتى تليها، وفى رواية أبى داود بإسناد صحيح فى هذه أو هذه، يعنى السبابه والوسطى أهـ بتصرف (¬1) 3 - التحلى بغير الذهب والفضة: لا يحل التختم بالحديد والنحاس والرصاص والزجاج " لحديث " عبد الله ابن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم خاتم من شبه فقال: مالى أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالى أرى عليك حلية أهل النار؟ فطرحه وقال: يا رسول الله من أى شئ أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا، أخرجه الثلاثة (¬2) {230} وفى سنده رجل ضعيف، لكن قال ملا على قارى فى شرح الشمائل حديث حسن. ¬

(¬1) انظر ص 462 ج 4 شرح المهذب (المسالة العاشرة من مسائل اللباس). (¬2) انظر ص 75 ج 2 تيسير الوصول (الزينة) و (الشبه) بفتحتين، نوع من النحاس الأصفر بشبه الذهب، وإنما قال (احد ربح الأصنام) لأنها كانت تتخذ من الشبه (وأما الحديد) فقيل كرهه لكراهة ريحه - وقيل لأنه زى بعض الكفار.

(وقال) المناوى: وتضعيف النووى له فى شرح مسلم معارض بتصحيح ابن حبان وغيره أهـ. وله شواهد تقويه (منها) حديث عمار بن ابى عمار أن عمر بن الخطاب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى فى يد رجل خاتما من ذهب فقال ألق ذا. فالقاه فتختم بخاتم من حديد. فقال: ذا شرمنه. فتختم بخاتم من فضه فسكت عنه. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح إلا أن عمارا لم يسمع من عمر. قاله الهيثمى (¬1) {231}، (وحديث) عبد الله بن عمرو أنه لبس خاتما من ذهب فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه كرهه فطرحه. ثم لبس خاتما من حديد فقال: هذا أخبث وأخيب فطرحه، ثم لبس خاتما من ورق فسكت عنه، أخرجه أحمد والطبرانى. وفى رواية لأحمد قال: فى الخاتم الحديد هذا حلية أهل النار، وأحد إسنادى أحمد رجاله ثاقت. قاله الهيثمى (¬2) {232} (وحديث (عبد الله بن عمرو: أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب وخاتم الحديد، أخرجه البيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (¬3) {233}، (وحديث) ابى أمامة أن رجلا دخل على النبى صلى الله عليه وسلم خاتم من صفر فقال: ما هذا الخاتم؟ قال من الواهنة، قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، أخرجه الطبرانى وفى سنده عفير بن معدان وهو ضعيف، قاله الهيثمى (¬4) {234}. (ولهذه) الأحاديث قال الحنفيون: يحرم على الرجل والمرأة التختم بالحجر والحديد والنحاس والرصاص والزجاج. ¬

(¬1) انظر ص 151 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى الخاتم). (¬2) انظر ص 151 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى الخاتم). (¬3) انظر ص 154 منه و (الصفر) بضم فسكون، نوع من النحاس. و (الواهنة) (¬4) انظر ص 154 منه و (الصفر) بضم فسكون، نوع من النحاس. و (الواهنة)

(وقالت) المالكية والحنبلية وبعض الشافعية: يكره التختم بما ذكر. (قال) تاسفارينى فى غذاء الألباب: ويكره تنزيها فى الأصح للرجل والمرأة اتخاذ خاتم من صفر، وكذا يكره الخاتم من رصاص ومن حديد، (قال) فى الفروع: يكره للرجل والمرأة خاتم حديد ونحاس ورصاص. (وقال) أحمد رضى الله عنه: أكره خاتم الحديد، لأنه حلية أهل النار (¬1) (وقال) النووى فى المجموع: قال صاحب الإبانة والبيان: يكره الخاتم من حديد أو شبه - بفتح الشين والباء - وهو نوع من النحاس لحديث بريدة المتقدم (¬2). (وقال) صاحب التتمة: لا يكره الخاتم من حديد أو رصاص " للحديث " فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للذى خطب الواهبة نفسها: اطلب ولو خاتما من حديد (¬3) ولو كان فيه كراهة لم يأذن فيه به، وفى سنن أبى داود بإسناد جيد عن معيقيب الصحابى رضى الله عنه قال: كان خاتم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديد ملوى عليه فضة (¬4) {235} فالمختار أنه لا يكره لهذين الحديثين. وضعف الأول أهـ بتصرف (¬5). (وأجاب) الجمهور (أ) عن حديث من وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كان قبل النهى عن التختم بالحديد، أو بأن المراد منه المبالغة فى طلب المهر ن فلا يستلزم جواز لبس خاتم الحديد. ¬

(¬1) انظر ص 243 ج 2 غذاء الألباب (يكره اتخاذ خاتم نحاس أو رصاص أو حديد) (¬2) هو الحديث رقم 230 ص 200 (¬3) هذا كلمة من الحديث رقم 59 ص 293 ج 3 تكملة المنهل العذب المورود (الترويج عن العمل بعمل) وبقية المراجع بهامش 4 ص 298 منه (¬4) انظر ص 90 ج 4 سنن ابى داود (فى خاتم الحديد). (¬5) انظر ص 464 ج 4 شرح المهذب (يكره خاتم من حديد أو نحاس).

(ب) وعن حيث معيقيب بأن العبرة بما ظهر، فإن أكثر من وصف خاتم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنه من فضه. (فالراجح) القول بأنه لا يحل لبس خاتم من حديد أو نحاس أو نحوهما (ويجوز) عند الحنفية والحنبلية التختم بالعقيق والماس والياقوت والزبرجد والزمرد والفيروزج ونحوها من الجواهر (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: ولا بأس بالتختم من بقية الجواهر من ياقوت وزبرجد وزمرذ وفيروزج ونحوها، فيباح اتخاذ الخاتم من هذه المعادن ونحوها (وأما) ما يروى فى التختم ببعضها من الفضائل فباطل مثل (حديث) تختموا بالزبرجد فإنه ينفى الفقر، رواه الديلى، لا يصح {236}، (وحديث) تختموا بالبزبرجد فإنه يسر لا عسر فيه، قال الحافظ بن حجر: هو موضوع {237} وفى النهاية: تختموا بالياقوت فإنه ينفى الفقر {238}. (قال) بعضهم: يريد أنه إذا ذهب ماله فباعه وجد فيه غنى، والأشبه إن صح الحديث أن يكون لخاصية فيه وفى خبر ضعيف أن التختم بالياقوت الأصفر يمنع الطاعون أهـ ملخصا (¬1) وسيأتى تمامه فى بحث " ما قيل فى الخاتم " آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى. ... (وقالت) الشافعية: يكره التختم بالعقيق والياقوت ونحوهما. (وقال) النووى فى المجموع: قال الشافعى فى الأم: لا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زىّ النساء لا للتحريم، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء. هذا نصه ونقله الأصحاب، واتفقوا على أنه لا يحرم أهـ (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 242 ج 2 غذاء الألباب (يباح اتخاذ الخاتم من بللور وباقوت وزبرجد ونحوها). (¬2) انظر ص 466 ج 4 شرح المهذب (لا يكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب).

4 - نقش الخاتم: يجوز للمتختم نقش اسمه أو اسم الله تعالى على الخاتم، لا نقش تمثال إنسان أو طير، ولا نقش محمد رسول الله، لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن ينقش أحد كنقش خاتمه (روى) ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب، ثم ألقاه ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمى هذا، وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلى بطن كفه، وهو الذى سقط فى بئر أريس، أخرجه مسلم (¬1) {239} أى نهى أن ينقش أحد على خاتمه مثل نقشه، لما روى عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله، وقال: إنى اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش أحد على نقشه. أخرجه الشيخان (¬2) {240} (ولعل) سر النهى ألا يلتبس أمر الخاتم، فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذه للختم به على كتبه التى يرسلها للملوك وغيرهم " فلو نقش " أحد كنقش خاتم الرسول صلى الله عليه سلم وختم على كتاب " وقع الاشتباه " (ومنه) يعلم أن النهى خاص بزمن النبى صلى الله عليه وسلم. (وكان) نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر فقد روى ثمامة عن أنس أن أبا بكر رضى الله عنه لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، أخرجه البخارى (¬3) {241} ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 14 نووى مسلم (تحريم خاتم الذهب على الرجال). (¬2) (انظر ص 68 منه وص 253 ج 10 فتح البارى 0 قوله تعالى صلى الله عليه وسلم لا ينقش على نقش خاتمه). (¬3) انظر ص 254 ج 10 فتح البارى (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة اسطر) (كتب) أبو بكر (له) لأنسى كتابا بين فيه مقادير الزكاة و (ثلاثة اسطر .. ) قال الحافظ فى الفتح: ظاهرة أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك، لكن أخرج ابو الشيخ فى اخلاق النبى صلى الله عليه وسلم من رواية عرعرة بن البرند (بكسر الموحدة والراء ثم نون ساكنة ثم دال) عن عزرة (بفتح فسكون) ابن ثابت عن تمامه عن انس قال: كان فص خاتم النبى صلى الله عليه وسلم حبشيا مكتوبا عليه لا اله الا الله محمد رسول الله وعرعرة ضعفه ابن المدينى وزيادته هذه شاذة أهـ.

(قال) فى الفتح: وظاهرة أنه كان على هذا الترتيب، لكن لم تكن كتابته على السياق العادى، فإن ضرورة الاحتياج الى أن يختم به تقتضى أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا " وأما قول " بعضهم إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق، يعنى أن الجلالة فى أعلى الأسطر الثلاثة، ومحمد فى أسفلها " فلم أر " التصريح بذلك فى شئ من الأحاديث " بل رواية الإسماعيلى يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال فيها: محمد سطر، والسطر الثانى رسول، والسطر الثالث الله أهـ. (ولهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور: يجوز نقش الخاتم ولو باسم الله. (قال) النووى فى المجموع: ويجوز نقشه وإن كان فيه ذكر الله تعالى (ففى) الصحيحين: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمد رسول الله ولا كراهة فيه عندنا، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والجمهور وكرهه ابن سيرين وبعضهم لخوف امتهانه. وهذا باطل منابذ للحديث ولفعل السلف والخلف أهـ (¬1) (لكن) أخرج ابن أبى شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه لم يكن يرى بأسا أن يكتب الرجل فى خاتمه حسبى الله ونحوها. فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت (ويمكن) الجمع بأن الكراهة حيث لا يؤمن حمله للجنب ¬

(¬1) انظر ص 463 ج 4 شرح المهذب (العاشرة) من مسائل اللباس

والحائض والاستنجاء بالكف التى هو فيها. والجواز حيث حصل الأمن من ذلك، فلا تكون الكراهة مطلقاً، بل من جهة ما يعرض لذلك. (وأخرج) ابن أبى شيبه عن ابن عمر أنه نقش على خاتمه عبد الله بن عمر. وأخرج عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه نقش اسمه على خاتمه وكذا القاسم ابن محمد (قال) ابن بطال: وكان مالك يقول من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم فى خواتيمهم (وأخرج) ابن أبى شيبه عن حذيفة وأبى عبيدة أنه كان نقش خاتم كل واحد منهما: الحمد لله، وعن على: الله الملك. وعن إبراهيم النخعى: بالله ن وعن مروان: باسم الله، وعن أبى جعفر الباقر: العزة لله، وعن الحسن والحسين: لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم، قاله الحافظ فى الفتح (¬1). " وقول " بعض الحنبلية: يكره أن يكتب على الخاتم ذكر الله تعالى من قرآن وغيره " لا دليل " عليه (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: ولم أجد للكراهة دليلا وهى تفتقر إلى دليل، والأصل عدمه. وقد ورد عن كثير من السلف كتابة ذكر الله على خواتيمهم. وهو ظاهر قوله عليه السلام للناس: إنى اتخذت خاتما ونقشت فيه محمد رسول الله، فلا ينقش أحد على نقشه (¬2) لأنه إنما نهاهن عن نقشهم محمد رسول الله، لا عن غيره. فإذا كان فيه ذكر الله تعالى فلا يدخل به الخلاء بل يضعه، لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، رواه ابن ماجه وأبو داود وقال حديث منكر (¬3) {242} ¬

(¬1) انظر ص 254 ج 10 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم لا ينقش على نقش خاتمه) (¬2) وهو بعض الحديث رقم 340 تقدم بص 204 (¬3) انظر ص 66 ج 1 سنن ابن ماجه (الخاتم فى الخلاء) وص 74 ج 1 - المنهل العذب (الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء) و (المنكر) ما رواه الضعيف مخالفا من هو أفوى منه أو ما انفرد به الضعيف. والحديث رواه همام عن ابن جربح عن الزهرى عن أنس: قال ابو داود مبينا علة نكارته وإنما يعرف عن ابن جريح عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس والوهم فيه من همام ولم يروه الا همام أهـ (ورد) بأن هماما ثقة حافظ خرج له الشيخان واحتجا به. وقال أحمد: ثبت فى كل المشايخ فليس بضعيف فلا يعد حديثه منكرا. ولذا قال المنذرى: الصواب عندى تصحيحه فإن رواته ثقات اثبات أهـ. وقال السيوطى فى درجات مرقاة الصعود: لا علة له عندى إلا تدليس ابن جريح فإن وجد عنه تصريحه بالسماه فلا مانع من الحكم بصحته أهـ. لكن ال ابن جريح: لم اسمع من الزهرى شيئا، إنما أعطانى جزءا فكتبته. قاله فى التهذيب، وتمامه فى المنهل ص 75 وما بعدها ج 1.

فإذا دعت الحاجة إلى الدخول به كخوف عليه فليجعل فصه فى باطن كفه أعنى إذا كان فيه ذكر الله تعالى ودخل به الخلاء. قال الإمام أحمد رضى الله عنه: الخاتم إذا كان فيه ذكر الله يجعله فى باطن كفه ويدخل الخلاء (وقال) عكرمة: قل به (¬1) هكذا فى باطن كفك فاقبض عليه. (تنبيه) لا يجوز أن ينقش على الخاتم صورة حيوان للنصوص الواردة فى ذلك كما تقدم، لكن هل يحرم لبس الخاتم المنقوش عليه ذلك أو يكره؟ فيه وجهان، أحدهما يحرم وهو منصوص عن الإمام أحمد فى الثياب والخواتم والثانى يكره ولا يحرم. وإليه مال الحافظ بن رجب أهـ ملخصا (¬2). 5 - وزن الخاتم وعدده: يجوز لرجل التختم بالفضة بخاتم فاكثر إن لم يزد عن مثقال وكان على هيئة خاتم الرجال. وإلا بأن كان له فصان أو أكثر حرم. وهذا مذهب الحنفيين. (وقالت) المالكية: يشترط أن يكون واحدا وزنه درهمان فاقل، فيحرم زيادته على درهمين وتعدده ولو كان اقل من درهمين. ¬

(¬1) قل ز أى افعل بالخاتم هكذا بان تحول الفص الى باطن الكف. (¬2) انظر ص 247، 246 ج 2 غذاء الألباب (لا يجوز أن ينقش على الخاتم صورة حيوان)

(وقالت) الشافعية والحنبلية: يسن التختم بالفضة كعادة أمثاله وزنا وعددا ومحلا بلا إسراف، فإن زاد عن عادة أمثاله حرم خلافا لمن قال يكره كونه مثقالا، ويحرم إن زاد (قال) السفارينى: والمذهب إباحة الخاتم من فضة ولو زاد على مثقال. وفى الرعاية يسن دون مثقال. وظاهر كلام الإمام والأصحاب لا بأس بأكثر من ذلك لضعف خبر بريدة وهو أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن الخاتم من أى شئ أتخذه؟ قال من فضة ولا تتمه مثقالا. رواه الخمسة، قال الإمام أحمد حديث منكر، والمراد ما لم يخرج عن العادة وإلا حرم أهـ (¬1) (ورد) تضعيف الحديث بتصحيح ابن حبان وغيره له كما تقدم (¬2) 6 - منع الصغير مما لا يحل للكبير: يحرم على ولى الصغير ذكرا أو انثى تمكينه مما لا يحل للكبير. فيحرم على البالغ إلباس الصغير الحرير أو الذهب أو غير خاتم الفضة إذا كان ذكرا، أو أن يطعمه أو يسقيه مطلقا فى إنائهما أو يمكنه من ذلك، لأنه لما حرم اللبس والأكل والشرب، حرم التمكين من ذلك كالخمر لما حرم شربه حرم سقيه " ولقول" عبد الله بن يزيد: كنا عند عبد الله بن مسعود فجاء ابن له عليه قميص من حرير قال من كساك؟ قال أمى فشقه وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا. اخرجه الطبرانى بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح (¬3) {34} وهذا مذهب الحنفيين. ¬

(¬1) انظر ص 240 ج 2 غذاء الألباب (لا باس بلبس خاتم الفضة 9 والمراد بالخمسة أحمد والأربعة. (¬2) انظر بحث " النحلى بغير الذهب والفضة " ص 200 (¬3) (انظر ص 144 ج 5 مجمع الزوائد 0 لبس الصغير الحرير)

(وقالت) المالكية: يكره تنزيها تمكين الصغير مما لا يحل للكبير. (وللشافعية) أقوال. قول بالجواز مطلقا ورجحه النووى وقول بالجواز إذا كان دون سبع سنين. والتحريم إذا بلغ سبعا فأكثر. وقول بالتحريم مطلقا. (قال) النووى فى المجموع: فأما الصبى فهل يجوز للولى إلباسه الحرير؟ فيه ثلاثا أوجه (أحدها) يحرم على الولى إلباسه وتمكينه منه. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فى الذهب والحرير: إن هذين حرام على ذكور أمتى (¬1) " وللحديث " الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى الحسن بن على رضى الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال كخ كخ (¬2) أى ألقها، وهو بفتح الكاف وبإسكان الخاء، وبكسرها مع التنوين، وكما يمنعه من شرب الخمر وأكل الربا والزنا وغيرها. (والثانى) يجوز له إلباسه الحرير ما لم يبلغ، لأنه ليس مكلفا ولا هو فى معنى الرجل فى هذا، بخلاف الخمر والزنا. وأما حديث التمرة فلأنه إتلاف مال لغيره. ولا خلاف لأنه يجب على الولى منعه منه وأنه تجب غرامته فى مال الصبى. (الثالث) إن بلغ سبع سنين حرم وإلا فلا، لأن ابن سبع له حكم البالغين فى أشياء كثيرة. هكذا ضبطوه فى حكاية هذا الوجه. ولو ضبط بسنّ التمييز لكان حسنا، لكن الشرع اعتبر السبع فى الأمر بالصلاة. واختلفوا فى الراجح من الأوجه. فالصحيح جوازه مطلقا. وقطع الشيخ نصر فى تذيبه بالتحريم ورجحه الشيخ أبو عمرو بن الأصلاح أهـ بتصرف. ¬

(¬1) الحديث أخرجه أحمد وغيره عن على رضى الله عنه بلفظ تقدم بص 123 رقم 89 (¬2) الحديث أخرجه البخارى وغيره عن ابى هريرة ان الحسن بن على رضى الله عنهما أخذ امرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: كخ كخ يطرحها ثم قال: أما شعرت - وفى رواية: أما علمت - أنا لا نأكل الصدفة؟ ] 243 [يأتى ان شاء الله رقم 161 ص 225 ج 8 دين (الهاشمى ومولاه).

(السادس) تشبه الرجال بالنساء وعكسه

(والراجح) القول بالتحريم وهو الأصح عند الحنبلية (قال) ابن قدامة فى المغنى: وهل يجوز لولى الصبى أن يلبسه الحرير؟ فيه وجهان، أشبهها بالصواب تحريمه " لعموم " قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حرم لباس الحرير على ذكور أمتى وأحل لإناثهم (¬1) (وروى) أبو داود بإسناده عن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى (¬2) {35} (وقدم) حذيفة من سفر وعلى صبيانه قُمُصٌ من حرير فمزقها على الصبيان وتركها على الجوارى. أخرجه الأثرم. وروى أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد (¬3) قال: كنت رابع اربعة أو خامس خمسة مع عبد الله فجاء ابن له صغير عليه قميص من حرير فدعاه فقال له من كساك هذا؟ قال أمى. فأخذه عبد الله فشقه (والوجه) الآخر أنه يباح، لأنهم غير مكلفين، فلا يتعلق التحريم بلبسهم كما لو البسه دابة، ولأنهم محل الزينة فهم كالنساء (والأول) أصح لظاهر الحديث وفعل الصحابة. ويتعلق التحريم بتمكينهم من المحرمات كتمكينهم من شرب الخمر وأكل الربا وغيرهما. وكونهم محل الزينة مع تحريم الاستمتاع بهم، يقتضى التحريم لا الإباحة بخلاف النساء أهـ. (السادس) تشبه الرجال بالنساء وعكسه لا يحل للرجل التشبه بالمرأة ولا للمرأة التشبه بالرجل فى اللباس وغيره " لقول " ابن عباس: لعن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهات من النساء ¬

(¬1) الحديث أخرجه أحمد والأربعة عن ابى موسى الأشعرى بلفظ تقدم بص 124 رقم 91. (¬2) انظر ص 50 ج 4 سنن ابى داود (الحرير للنساء). (¬3) انظر الأثر رقم 35 وعند الطبرانى من رواية عبد الله بن يزيد. ولعله روى عنه وعن أخيه عبد الرحمن.

بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء. أخرجه أحمد والبخارى والأربعة إلا النسائى (¬1) {244} (قال) ابن التين: المراد باللعن فى هذا الحديث مَنْ تشبه من الرجال بالنساء فى الزى. ومن تشبه من النساء بالرجال كذلك. فأما من انتهى فى التشبه بالنساء من الرجال إلى أن يؤتى فى دبره وبالرجال من النساء إلى أن تتعاطى السحق بغيرها من النساء، فإن لهذين الصنفين من الذنب والعقوبة أشد مما لم يصل الى ذلك. وإنما أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإخراج من تعاطى ذلك من البيوت، لئلا يفضى الأمر بالتشبه إلى تعاطى ذلك الأمر المنكر أهـ. " لقول" أبى هريرة لعن النبى صلى الله عليه وعلى وسلم الرجل يلبس لبسه المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم بسند صحيح (¬2) {245} " ولقول" عائشة: لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجلة من النساء. أخرجه أبو داود (¬3) {246} " ولحديث " رجل من هذيل عن عبد الله بن عمرو أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهى تمشى مشية الرجل فقال: من هذه؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبى جهل. فقال: سمعت رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وسلم يقول: ليس منا من تشبه بالرجال من النساء. ولا من تشبه من الرجال. أخرجه أحمد {247} (قال) الهيثمى: الهذل لا أعرفه وبقية رجاله ثقات. ورواه الطبرانى وأسقط الهذلى فعلى هذا رجال الطبرانى كلهم ثقات " ولذا صحح السيوطى. ¬

(¬1) أنظر ص 256 ج 10 فتح البارى (باب المشتبهين بالنساء اللباس) وص 60 ج 4 سنن ابى داود (لباس النساء). (¬2) انظر ص 61060 منه و (الرجلة) بفتح فضم المرأة المترجلة التى تتشبه بالرجال فى ريهم وهيئتهم فأما فى العلم والرأى فمحمود. افاده فى النهاية. (¬3) انظر رقم 7678 ص 384 ج 5 فيض القدير.

الحديث " ولحديث " ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه والديوث وَرَجَله النساء. أخرجه الحاكم والبزار والبيهقى بسند صحيح (¬1) {248} " ولحديث " عمار بن ياسر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر. أخرجه البيهقى فى الشعب والطبرانى بإسناد حسن (¬2) {249} قال المنذرى: ورواته لا أعلم فيهم مجروحا أهـ. " ولحديث " ابن عباس رضى الله عنهما قال: لعن النبى صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلانا وأخرج عمر فلانا. أخرجه الستة إلا مسلما (¬3) {250}. (ولهذه) الأحاديث قال جمهور العلماء: يحرم تشبه الرجال بالنساء وعكسه وهو مشهور مذهب الشافعية. (قال) النووى فى المجموع: المشهور فى المذهب أنه يحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة فى اللباس وغيره. ويحرم على المرأة أن تتشبه بالرجل فى ذلك وقدرددناه دعوى من قال: إنه مكروه وليس بحرام (ومما يدل) على التحريم حديث ¬

(¬1) انظر رقم 3529 ص 327 ج 3 فيض القدير. و (الديوث) بفتح الدال وشد الباء الذى يحلم الفاحشة فى أهله وبقرهم عليها 0 قال 9 ابن القيم: وذكر يدل على أن اصل الدين النيرة، فمن لا عبرة له لا دين له: فالعبرة تحمى القلب فتحمى له الجوارح فترفع السوء والفواحش. وعدمها يميت القلب فتحمى له الجوارح فترفع السوء والفواحش. وعدمها يميت القلب فتموت الجوارج فلا يبقى عندها دفع البته. والغيرة فى القلب كالقوة التى تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة كان الهلاك أهـ. (¬2) انظر رقم 3530 ص 327 ج 3 فيض القدير و (التقييد) هنا بابدا محمول على المستحل. (¬3) انظر ص 257 ج 10 فتح البارى (إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت - اللباس) وص 283 ج 4 سنن ابى داود (الحكم فى المخنثين - الأدب).

ابن عباس رضى الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخارى (¬1) {251}. (عن) أبى هريرة رضى الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود بإسناد صحيح (¬2) {252}. و (عن) ابن ابى مليكة قال: قيل لعائشة إن امرأة تلبس النعل فقالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء. رواه أبو داود بإسناد حسن أهـ. وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبى (¬3) {253}. هذا: وفى هذه الأحاديث دلالة على (أ) حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه، لأنه إذا حرم فى اللباس ففى الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح. قاله النووى. (ب) وأنه يلزم حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من الرجال وإبعاد من يستراب به فى أمر من الأمور. (جـ) وتعزيز من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفى من البلد إذا تعين ذلك طريقا لردعه (قال) الحافظ فى الفتح: ظاهر الحديث وجوب ذلك. وتشبه النساء بالرجال بالنساء من قاصد مختار، حرام اتفاقا. ويؤيد وجوب الإخراج ما ذكره البارودى فى الصحابة من طريق إبراهيم ابن مهاجر عن أبى بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنه: ألا تدلنا على أمرأة نخطبها لعبد الرحمن بن أبى بكر؟ قال بلى. فوصف امرأة تقبل باربع وتدبر بثمان فسمعه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا أنَّه أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد وليكن بها منزلك أهـ بتصرف. ¬

(¬1) تقدم رقم 244 ص 210 (شبه الرجال بالنساء، وعكسه). (¬2) تقدم رقم 245 ص 211. (¬3) تقدم رقم 246 ص 211.

(فائدتان) (الأولى) يحرم على الرجال خضاب يديه أو رجليه بالحناء لغير ضرورة لما فيه من التشبه بالنساء (قال) السيوطى فى الحاوى. وأما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فيستحب للمرأة المتزوجة، وحرام على الرجال إلا الحاجة (ومن الدليل) على تحريمه للرجال ما رواه أبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فامر به فنفى الى النقيع (¬1) {254}. (ومنها) حديث الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل (¬2) {255}. وعلة النهى اللون لا الرائحة، فإن ريح الطيب للرجل محبوب (¬3) والحناء فى هذا كالزعفران. والأحاديث فى استحبابه للنساء المتزوجات كثيرة مشهورة (¬4) أهـ. (الثانية) من اللباس الخاص بالرجال القلانس والعمائم والنعال. فلا يجوز للمرأة لبس ذكر. لما فيه من التشبه بالرجال (قال) الشعرانى كشف الغمة: وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى النساء عن لبس العمائم وهى ¬

(¬1) انظر ص 282 ج 4 سنن ابى داود (الحكم فى المخنثين - الأدب) و (النقيع) بالنون موضع بينه وبين المدينة عشرون فرسخا. (¬2) تقدم رقم 109 ص 142 (لبس المعصفر والمزعفر). (¬3) ولحديث: طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفى لونه. وطيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه. أخرجه الترمذى عن ابى خريرة والطبرانى عن أنس والبزار وقال الهيثمى: رجاله الصحيح] 256 [انظر رقم 5318 ص 284 ج 4 فيض القدير. (¬4) منها (ماروت) كريمة بنت همام أن امرآة سالت عائشة عن خضاب الحناء قالت لا باس به، ولكنى أكرهه لأن حبيبى صلى الله عليه وسلم كان يكره ريحه. اخرجه ابو داود قال تعنى خضاب شعر الرأس (36) انظر ص 76 ج 4 سنن ابى داود (الخضاب للنساء) (وحديث) عائشة أن امرأة مدت يدها الى النبى صلى الله عليه وسلم بكتاب فقبض يده. فقالت: يا رسول الله مددت يدى اليك بكتاب فلم تأخذه. فقال ما ادرى أبدا امراة هى أم رجل؟ قالت: بل يد امرأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وهذا لفظه (257) أنظر ص 77 ج ابى داود (الخضاب للنساء) (وحديث 9 ابن عمر قال: دخل على النبى صلى الله عليه وسلم نسوة من الأنصاء فقال: يا معشر الأنصاء اختضين عما (أى خضابا مستويا) واخفضن ولا تنهكن (بفتح فسكون ففتح، أى لا تبالغن فى خنان الأنثى) فإنه أحظى عند أزواجكن، وغياكن وكفر المنعمين قال مندل يعنى الزوج. أخرجه البزار، وفيه مندل بن على وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات. قاله الهيثمى (258) انظر ص 171 ج 5 مجمع الزوائد (زينة النساء واختضابهن) (قول) مسلم بن عبد الرحمن: رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امرأة كأن يدها يد الرجل، فأنبى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة وأناه رجل فى يده خاتم من حديد. فقال: ما طهر الله بداعيها خاتم من حديد. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبزار، فيه سميسة بنت نبهان ن قال الهيثمى: لم أعرفها. وبقية رجاله ثقات (259) انظر ص 172 ج 5 مجمع الزوائد (زينة النساء واختضابهن).

اللفافة الكبيرة على الرأس ويقول: إنما العمائم للرجال {260}. ودخل صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أم سلمة وهى تختمر فقال: ليَّه لاليتين (¬1) {261}. يعنى لا تكرربه طاقين فاكثر (وقال) تميم الدارى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى النساء عن لبس القلانس والنعال والجلوس فى المجالس ولبس الإزار والرداء بغير درع أهـ (¬2) {262} ¬

(¬1) لية: بفتح فشد الباء، منصوب بمقدر، أى اختمرى مرة من اللى لا مرتين أمرها أن يكون الخمار على راسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين، حذرا من الإسراف والتشبه بالمتعممين. والحديث أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وقال: معنى قوله ك ليه لا لينين، أى لا تعتمى مثل الرجل، وفى سنده وهب مولى أبى احمد قال المنذرى: يشبه المجهول وفى الخلاصة وثقة ابن حبان ولذا صحح الحديث الحاكم وأفره الذهبى. أنظر ص 64 ج 10 سنن ابى داود (الاختمار اللباس). (¬2) انظر ص 163 ج 1 كشف الغمة (ما يحل ويحرم من اللباس).

(السابع) العمامة

(السابع) العمامة هى بكسر العين ما يلف على الرأس. يسن للرجل أن يعتم لا سيما للصلاة ولقصد التجمل " لحديث " أبى المليح ابن أسامة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: اعتموا تزدادوا حلما. وقال على: العمائم تيجان العرب. أخرجه أبو داود، وأخرج الطبرانى المرفوع منه وأخرجه البزار والطبرانى والحاكم من حديث ابن عباس وقال الحاكم صحيح (ورد) بأن فى سند كل عبيد الله بن سعيد وهو متروك. وفى سند الطبرانى عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات (¬1) {263}. وأورده ابن الجرزى فى الموضوع. وتعقبه السيوطى قال المناوى وبالحملة فطرقه كلها ضعيفة. وأما وضعه فممنوع أهـ. " ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس العمائم بغير قلانس ويلبس القلانس اليمانية وهن البيض المضرية (الحديث) أخرجه الرويانى وابن عساكر (¬2) {264} وقال ابن عمر رضى الله عنهما كان النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم إذا أعتم سدل عمامته بين كتفيه. أخرجه الترمذى (¬3) {265} " ولحديث " ابى الحسن العسقلانى عن ابى جعفر بن محمد بن ركانة عن ابيه أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: فرق ما بيننا ¬

(¬1) انظر ص 261 ج 3 تيسير الوصول (العمائم - اللباس) وص 119 ج 5 مجمع الزوائد (العمائم) وص 555 ج 1 فيض القدير. (¬2) انظر رقك 7168 ص 246 ج 5 فيض القدير. (¬3) انظر ص 48 ج 3 تحفة الأحوذى (سدل العمامة أى ارسال طرفها (بين الكتفين).

وبين المشركين العمائم على القرنس. أخرجه أبو داود {266}. قال فى الميزان: محمد بن ركانة لا يصح حديثه انفرد به ابو الحسن لا يعرف انظر ص 429 ج 4 فيض القدير. (والمعنى) أن المسلمين يتعممون على القلانس. أما لبس القلنسوة وحدها فزى المشركين. قاله ابن العربى (وتقدم رقم 264 عن) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم، ويلبس العمائم بغير قلانس. ولم يرو أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس القلنسوة بغير العمائم. فيتعين أن يكون هذا زى المشركين. قاله القارى فى المرقاة (وقال) ابن تيمية: وهذا بين فى أن مفارقة المسلم للمشرك فى اللباس مطلوبة إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بلا عمامة حاصل فلولا أنه مطلوب ايضا لم يكن فيه فائدة أهـ. والأحاديث فى هذا كثيرة وإن كان فيها مقال فهى لكثرتها يقوى بعضها بعضا. ثم الكلام فى العمامة ينحصر فى عشرة فروع. 1 - قدر العمامة: لم يثبت فى قدر عمامة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث يصح الاعتماد عليه. فالمعول عليه فى حق كل واحد عادة أمثاله (قال) الشهاب الخفاجى فى شرحه على الشفاء: وكانت عمامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم قصيرة صغيرة أهـ. والمراد أنها كانت مائلة الى القصر والصغر. فلا ينافى أنها

كانت متوسطة (فقد قال) القسطلانى فى المواهب اللدنية. لم تكن عمامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكبيرة التى تؤذى حاملها، ولا بالصغير التى تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد بل وسطا بين ذلك أهـ ونحوه فى زاد المعاد. (وقال) ابن حجر فى شرح الشمائل: وقد كانت سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى ملبسه أتم وأنفع للبدن، وأخف عليه فإنه لم يكن يكبر عمامته إذ كبرها يعرض الرأس للآفات كما هو مشاهد. وصغرها لا يقى من الحر والبردبل كان يجعلها وسطا بين ذلك. وظاهر كلام صاحب المدخل أنها كانت سبعة أذرع أهـ. (وقال) فى شرح المواهب: ذكر عن النووى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان له عمامة قصيرة ستة أذرع، وعمامة طويلة إثنا عشرة ذراعا (وقال) الحافظ فى فتاوية: لا يحضرنى فى طول عمامة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدر محدود وقد سئل عنه الحافظ عبد الغنى النابلسى فلم يذكر شيئا. (قال) السيوطى: لم يثبت فى مقدارها حديث (وقال) ابن حجر المكى: لم يتحرر فى طولها وعرضها شئ. " وما للطبرانى " أن طولها سبعة أذرع. ولغيره عن عائشة أنها سبعة فى عرض ذراع، وأنها كانت فى السفر بيضاء وفى الحضر سوداء من صوف، وأن عذبتها فى السفر من غيرها وفى الحضر منها "لا أصل له" وفى تصحيح المصابيح لابن الجزرى: تتبعت الكتب لأقف على قدر عمامة النبى صلى الله عليه وسلم فلم أقف على شئ أهـ بتصرف. (فتحصل) مما ذكر أن عمامة النبى صلى الله عليه وسلم كانت وسطا لا كبيرة ولا صغيرة وأنه لم يثبت فى طولها وعرضها شئ. فينبغى التوسط فيها اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم.

2 - العمامة البيضاء: ثبت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس العمامة البيضاء والسوداء والصفراء والمخططة. وأفضلها البيضاء، لعموم الأخبار الدالة على فضل الأبيض منها (حديث) سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البسوا الثياب البيض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى والترمذى وقال حسن صحيح، والحاكم وصححه (¬1) {267} (وحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: البسوا من ثيابكم البيض، فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة وصححه الترمذى والحاكم (¬2) {268} (وغير ذلك) من الأحاديث التى تقدم بعضها فى بحث " لبس الثوب الأبيض " (¬3) (قال) المناوى فى شرح الشمائل: والأفضل فى لبسها (يعنى العمامة) البياض " وصحة لبس " المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسواد، ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بعمائم صفر " لا يعارضه " لأنه لمفاصد ومصالح اقتضاها خصوص ذلك المقام كما بينه بعض الأعلام، فلا ينافى عموم الخبر الصحيح الآمر بلبس البياض وأنه خير الألوان فى الحياة والممات أهـ. (وقال) فى در الغمامة: الأفضل فى لون العمائم، البياض " وصحة " لبسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعمامة السوداء ونزول الملائكة يوم بدر بعمائم صفر " الظاهر " أنه لحكمة تختص بذلك اليوم، وهى إظهار أمارات السرور للمسلمين بأنهم سينصرون على عدوهم، اذ فى الأصفر من التفريح والسرور وما شهد به عز وجل قائلا: " تَسُرُّ النَّاظِرِينَ " ومما يدل على اختصاص تلك الحكمة أن بعض ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 4 سنن أبو داود (العمائم) والقلانس جمع قلنسوة وهى ما يلبسه الرجال على الراس كالطاقية والطربوش واللبدة سواء كانت لاصقة بالراس ام مرتفعه والثابت من الطرق الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس اللاطئة المنبسطة على الراس (¬2) تقدمت رقم 128، 127، 126 ص 151 و (فإنها أطهر وأطيب أى يندب إبثار الملبوس الأبيض على غيره فى العمامة وغيرها، فإنه أطهر لأنه يحكى ما يصيبها من النجس (وأطيب) لدلالته على التواضع والتخشع وعدم العجب. (¬3) تقدمت رقم 128، 127، 126 ص 151 و (فإنها أطهر وأطيب أى يندب إبثار الملبوس الأبيض على غيره فى العمامة وغيرها، فإنه أطهر لأنه يحكى ما يصيبها من النجس (وأطيب) لدلالته على التواضع والتخشع وعدم العجب.

الملائكة كانوا بعمائم سود " وبعضهم بعمائم بيض كما فى رواية، فالملائكة فى الأولى المراد بهم أكثرهم بقرينة هذه الرواية، وأمره صلى الله عليه وسلم لأمته بلبس البياض وقال إنها خير الثياب (وفى رواية) إن أحسن ما زرتم به الله فى قبوركم ومساجدكم البياض (¬1) {269} أهـ (وقال) فى تحفة المحتاج بشرح المنهاج: والفضل فى لونها يعنى العمامة البياض " وصحة " لبسه صلى الله عليه وسلم لعمامة سوداء، ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بعمائم صفر "وقائع " محتملة فلا تتنافى عموم الخبر الصحيح الأمر بلبس البياض وأنه خير الألوان فى الحياة والموت أهـ. (وقال) العلامة محمد الكتانى: لم ار فى شئ من الآحاديث التى وقفت عليها الآن ما يصرح بلبسه عليه الصلاة والسلام للعمامة البيضاء، إلا أن المتبادر من كلامهم ومن إيثاره صلى الله عليه وعلى آله وسلم البياض على غيره فى غالب أحواله، لبسه لها فى الغالب لا سيما فى الجمع والأعياد والمحافل. وكأن هذا هو سر عدم اعتنائهم بإشاعه ذلك وإشهار ذكره، لأنه إنما يعنى كثيرا بالأشياء النادرة المخالفة للعادة. أما الأمور الكثيرة الشهيرة الموافقة للعادة فلا يحتاج الى اشاعتها والتنصيص عليها. لأن ذلك من باب الإخبار بما هو معلوم. ثم وجدت العلامة الصبان فى كتابه " إسعاف الراغبين فى سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته للطاهرين " قال ما نصه: ولبس - يعنى النبى صلى الله عليه وسلم. العمامة البيضاء والسوداء والصفراء والأكثر البيضاء أهـ (¬2) (وقال) الماوردى فى الأحكام السلطانية: ينبغى للإمام أن يلبس السواد لخبر مسلم، لكن ضعفه النووى بأن الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وعلى ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه عن شريح بن عبيد عن ابى الدرداء انظر ص 193 ج 2 (البياض من الثياب) وفى سنده مروان بن سالم الغفارى متروك الحديث. وباقى رجاله ثقات وشريح لم يسمع من أبى الدرداء. (¬2) انظر ص 85 - الدعامة فى أحكام سنة العمامة.

آله وسلم والخلفاء الراشدون إنما هو البياض. ثم قال: الصحيح أنه يلبس البياض دون السواد، إلا أن يغلب على ظنه ترتب مفسدة عليه لذلك من جهة السلطان أو غيره أهـ. (وقد) ورد أن الملائكة نزلوا يوم معممين بعمائم بيض (قال) الشوكانى فى تفسيره: قوله (مسومين) معلمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم احد عمائم حمراء. وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية عن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء متعجرايها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر (¬1) {37} (وأخرج) ابن إسحاق والطبرانى عن ابن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد ارسلوها فى طهورهم، ويوم حنين عمائم حمراء ولم تضرب الملائكة فى يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون (¬2) {38} (وقال) ابن كثير: قال ابو اسحاق السبيعى عن حارثة بن مضرب عن على ابن ابى طالب قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الابيض. وكان سيماهم أيضا نواصى خيولهم. رواه ابن ابى حاتم (¬3) {39}. (وقال) الحافظ البغوى: التسويم الإعلام من السومة وهى العلامة. واختلفوا فى تلك العلامة. فقال عروة بن الزبير: كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر. وقال على وابن عباس: عمائم بيض قد ارسلوها بين أكتافهم. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض فى قلانسهم ومغافرهم (¬4) أهـ {270}. ¬

(¬1) انظر ص 347 ج 1 فتح القدير و (معتجرا بها) من الاعتجار، ةهةلف العمامة، يقال اعتجر الرجل لف العمامة على رأسه. (¬2) انظر ص 347 ج 1 فتح القدير و (معتجرا بها) من الاعتجار، ةهةلف العمامة، يقال اعتجر الرجل لف العمامة على رأسه. (¬3) انظر ص 34، ج 2 تفسير ابن كثر (الملائكة المسومين). (¬4) انظر ص 235 ج 2 معالم التنزيل (تسويم الملائكة يوم بدر) و (مغافر) جمع مغفر بكسر فسكون، من الغفر وهو الستر والمراد به هنا زرد من حديد ينسج بقدر الرأس، ويلبس تحت القلنسوة.

وقال الحافظ السيوطى فى تفسيره الدر المنثور: وأخرج ابن إسحاق والطبرانى عن ابن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد ارسلوها فى ظهورهم، ويوم حنين، ولم تضرب الملائكة فى يوم سوى يوم بدر. وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون أهـ (¬1) {40} (وقال) القرطبى فى تفسيره: قوله تعالى مسومين، بفتح الواو اسم مفعول أى معلمين بعلامات. وفى قراءة مسومين لكسر الواو اسم فاعل أى قد علموا أنفسهم بعلامة وأعلموا خيلهم. وقد اختلفوا فى سيما الملائكة. فروى عن على ابن ابى طالب وابن عباس وغيرهما أن الملائكة اعتمت بعمائم بعمائم بيض قد ارسلوها بين أكتافهم ذكره البيهقى عن ابن عباس. وحكاه المهدوى عن الزجاج، إلا جبريل فإنه كان بعمامة صفراء على منوال الزبير بن العوام. وروى عن ابن عباس: تسومت الملائكة يوم بدر بالصوف الأبيض فى نواصى الخيل وأذنابها (وقال) عباد بن عبد الله بن الزبير وهشام بن عروة والكلبى: نزلت الملائكة فى سيما الزبير عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم أهـ ملخصا (¬2). 3 - العمامة السوداء: قد ثبت فى عدة أحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس العمامة السوداء (منها) حديث أبى الزبير عن جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى ¬

(¬1) انظر ص 71 ج 2، الدر المأثور فى التفسير بالمأثور (يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين). (¬2) انظر ص 196 جـ 4 - الجامع لأحكام القرآن (الثانية - قوله: مسومين).

آله وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، أخرجه السبعة إلا البخارى (¬1) {271} (وحديث) عمرو بن حريث أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. أخرجه الترمذى فى الشمائل والسبعة إلا البخارى {272} (¬2). (وحديث) ابى عبيدة الحمصى عن عبد الله بن بشر الحمصى قال. بعث رسول الله صلىعلى بن أبى طالب إلى خيبر فعممه بعمامه سوداء ثم ارسلها من ورائه، أو قال على كتفه اليسرى. أخرجه الطبرانى وحسنه السيوطى (¬3) {273}. (وقد) ثبت عن كثير من الصحابة والتابعين لبس العمامة السوداء اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم (منهم) على وابنه الحسن وعبد الله بن الزبير ومعاوية وأنس بن مالك وعمار بن ياسر وابن عمر وأبو الدرداء والبراء بن عازب وعبد الرحمن بن عوف وواثله بن الاسقع وسعيد بن المسيب والحسن البصرى وسعيد بن جبير وغيرهم. (روى) عمرو بن ميمون عم أبيه قال: رايت على على بن أبى طالب عمامة ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 4 سنن ابى داود (العمائم) وص 195 ج 2 سنن ابن ماجه (العمامة السوداء) وص 48 جـ 3 تحفة الأحوذى (العمامة السوداء). (¬2) انظر ص 88 - الشمائل (عمامته صلى الله عليه وسلم) وص 54 ج 4 سنن ابى داود ولفظه رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامه سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه. وص 195 ج 2 سنن ابن ماجه. (¬3) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى (ثلج الفؤاد فى أحاديث لبس السواد).

سوداء قد أرخاها من خلفه. أخرجه ابن سعد وابن ابى شيبه والبيهقى (¬1) {42} و (قال) أبو رزين: خطبنا الحسن بن على رضى الله عنهما وعليه ثياب سوداء وعمامة سوداء. أخرجه ابن سعد (¬2) {43}، (وقال) رشدين: رايت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء حرقانية ويرخيها شبرا أو قل من شبر. أخرجه ابن سعد (¬3) {44}، (وروى) عاصم بن محمد عن أبيه قال: رايت عبد الله بن الزبير اعتم بعمامة سوداء قد ارخاها من خلفه نحوا من ذراع. أخرجه ابن ابى شيبه (¬4) {45}. (وقد) أتى أبو موسى الأشعرى معاوية وهو بالنخيلة وعليه عمامة سوداء وجبة سوداء، ومعه عصا سوداء، أخرجه ابن سعد (¬5) {46}. (وقال) سلمة بن وردان: رأيت على أنس بن مالك عمامة سوداء على غير قلنسوة قد أرخاها من خلفه. أخرجه ابن سعد وابن أبى شيبة (¬6) {47} ¬

(¬1) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى و (حرقانية) أى سوداء، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون. (¬2) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى و (حرقانية) أى سوداء، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون. (¬3) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى و (حرقانية) أى سوداء، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون. (¬4) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى و (حرقانية) أى سوداء، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون. (¬5) انظر ص 103 ج 1 - الحاوى للفتاوى. (¬6) انظر ص 104 منه و (النخيلة) تصغير نخلة، موضع قرب الكوفة خرج اليه على رضى الله عنه لما بلغه قتل عاملة بالأنبار، وخطب خطبة ذم فيها أهل الكوفة. وقال: اللهم أنى لقد مللتهم وملونى فارحمنى منهم، فقتل بعد ذلك بأيام. وبه قتلت الخوارج وذلك أنهم تجمعوا بعد قتل على. وقالوا لم يبق عذر فى قتال معاوية وماروا حتى نزلوا النخيلة بظاهر الكوفة. فارسل اليهم معاوية طائفة من جنده فهزمتهم الخوارج فقال معاوية لأهل الكوفة: هذا عملكم ولا أعطيكم الأمان حتى تكفونى أمر هؤلاء فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم.

(وقال) ملحان بن ثوبان: رأيت على عمار عمامة سوداء أخرجه ابن ابى شيبه وأخرجه البيهقى عن ملحان بن ثوبان قال: كان عمار بن ياسر علينا بالكوفة وكان يخطبنا كل جمعة وعليه عمامة سوداء (¬1) {48} (وقال) ابو لؤلؤة: رايت على ابن عمر عمامة سوداء. أخرجه البيهقى (¬2) {49} (وروى) زياد عن شيخ يقال له سالم قال: رايت على ابى الدرداء عمامة سوداء (¬3) {50} (وقال) حرب الخنثعى: راست على البراء عمامة سوداء (¬4) {51} (وقال) عطاء: رأيت على عبد الرحمن بن عوف عمامة سوداء (¬5) {52} (وقال) حسين بن يونس: رأيت على واثلة عمامة سوداء. أخرجها ابن ابى شيبة (¬6) {53} وتمامه فى الحاوى للسيوطى. 4 - العمامة الصفراء: قد ورد فيها أحاديث منها (ما روى) ابو هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء أخرجه ابن النجار وابن عساكر فى تاريخه (¬7) {274} (وحديث) الفضل بن عباس قال دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى توفى فيه وعلى راسه عصابة صفراء، فسلمت عليه فقال: يا فضل. قلت: لبيك يا رسول الله قال أشدد بهذه العصابة راسى ففعلت. ثم قعد فوضع كفه على منكبى ثم قام فدخل المسجد. وفى الحديث قصة. أخرجه البخارى والترمذى فى الشمائل (¬8) {275} ¬

(¬1) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى. (¬2) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى. (¬3) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى. (¬4) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى. (¬5) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى (¬6) انظر ص 104 جـ 1 - الحاوى للفتاوى. (¬7) انظر ص 94 - الدعامة فى أحكام العمامة (ولبس ايضا العمائم الصفر). (¬8) انظر ص 94 منه وص 97 - الشمائل المحمدية (فى اتكائه صلى الله عليه وسلم) و (عصابة) أى خرقة أو عمامة صفراء. و (القصة) هى أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر الفضل فنادى الناس فاجتمعوا فخطبهم خطبة طويلة تقدمت بص 230 ج 4 دين طبعة ثانية (آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم).

" وحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة ثيابه كلها حتى عمامته. أخرجه أبو داود والنسائى وفى سنده اختلاف. قاله المنذرى (¬1) {276} (وحديث) عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر عليهم عمائم صفر. وكانت على الزبير يومئذ عمامة صفراء. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نزلت الملائكة اليوم على سيما ابى عبد الله " كنية الزبير بن العوام " وجاء النبى صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة صفراء. أخرجه ابن عساكر (¬2) {277} 5 - العمامة المخططة: ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تعمم بعمامة مخططة بخطوط حمر قال أنس بن مالك: رايت رسول الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فإدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم راسه ولم ينقض العمامة. أخرجه أبو داود بسند ضعيف (¬3) {278} 6 - العمامة الحمراء والخضراء: لم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تعمم بعمامة حمراء مصمته بل ¬

(¬1) انظر ص 52 ج 4 سنن ابى داود (المصبوغ بالصفرة) (¬2) انظر ص 94 - الدعامة فى أحكام العمامة (ولبس صلى الله عليه وسلم العمائم الصفر). (¬3) انظر ص 98 ج 2 - المنهل العذب (المسح على العمامة) (و 0 القطرية) بكسر فسكون، نسبة الى قطر بفتحتين قرية بالبحرين، وهى نوع من الثياب فيها حمرة ولها أعلام.

ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الأحمر المصمت كما تقدم فى بحث " لبس الأحمر ". (وكذا) لم يثبت عنه ولا عن أحد من أصحابه التعمم بعمامة خضراء. إنما حدثت سنة ثلاث وسبعين وسبعمائه بأمر الأشرف شعبان بن حسن. 7 - العذبة: بفتح الذال المعجمة وهى لغة طرف الشئ. وشرعا طرف العمامة المرسل على العنق فأسفل إلى نحو ذراع. وأقلها أربعة أصابع (¬1) وأوسطها شبر. لا فرق بين أن يكون المرسل الطرف الأعلى أو الأسفل. وتسمى أيضا ذؤابة - بضم ففتح - وأما الطرف الأعلى الذى لم يصل إلى العنق فيسمى عذبة لغة لا شرعا. (قال) العلامة القسطلانى: والعذبة الطرف، كعذبة السوط واللسان. أى طرفهما. فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة. وإن كان مخالفا للاصطلاح العرفى الآن أهـ. 8 - حكم العذبة: خى سنة (لحديث) نافع عن ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه. قال عبيد الله: ورايت القاسم وسالما يفعلان ذلك. أخرجه الترمذى وقال حسن غريب (¬2) {279}. (يحتمل) أن المسدل الطرف الأسفل أو الأعلى (قال) القسطلانى نقلا عن ¬

(¬1) الإصبع مؤنثة وقد تذكر. (¬2) انظر ص 48 ج 3 تحفة الأحوذى (سدل العمامة بين الكتفين) و (عبيد الله) هو ابن عبد الله بن عمر. و (القاسم) هو ابن محمد بن ابى بكر الصديق (وسالم) ابن عبد الله بن عمر.

الحافظ العراقى: ولم ار التصريح بكون المرخى من العمامة عذبة إلا فى حديث عبد الأعلى بن عدى عند ابى نعيم فى معرفة الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم دعا على بن أبى طالب يوم غدير خم فعممه وارخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال: هكذا فاعتصموا، فإن العمائم سيما الإسلام، وهى حاجز بين المسلمين والمشركين (¬1) {280}. (وفى بعض) طرق حديث ابن عمر ما يقتضى أن الذى كان يرسله النبى صلى الله عليه وسلم بين كتفيه الطرف الأعلى. أخرج ابو الشيخ ابن حبان وغيره عن ابى عبد السلام قلت لابن عمر: كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال: كان يدير كور العمامة على راسه ويغرزها من ورائه ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه. ذكره البدر العينى (¬2) {281}. (وحديث) سليمان بن خر بوذ عن شيخ من أهل المدينة قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: عممنى النبى صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى. أخرجه أبو داود (¬3) {282} وابن خر بوذ لا يعرف وشيخه مجهول، لكنه يتقوى بغيره فيصلح حجة. ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عمم ابن عوف مرتين. مرة سدلها بين يديه، ومرة من خلفه أهـ (ويؤيده) حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف لعمامة سوداء من قطن وأفضل من بين يديه مثل هذه يعنى قدر أربع أصابع. أخرجه ابن أبى شيبة (¬4) {283} ¬

(¬1) انظر ص 428 ج 8 - ارشاد السارى لشرح صحيح البخارى (باب العمائم) (وغدير) كعظيم فعيل بمعنى مفعول كأنه السيل غادره فى موضعه. و (خم) بضم الخاء اسم موضع وغدير خم بين مكه والمدينة على ميلين أو ثلاثة من الجحفة. (¬2) انظر ص 308 ج 21 عمدة القارى الشرح (العمائم). (¬3) انظر ص 55 ج 4 سنن ابى داود (فى العمائم) و (خربوذ) بفتح فشد الراء مفتوحة. (¬4) انظر ص 58 - الدعامة فى أحكام سنة العمامة.

(وحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربعة أصابع أو نحوها ثم قال هكذا ثم قال هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (¬1) {284} (وحديث) جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه. أخرجه مسلم والأربعة (¬2) {285}. (وحديث) على قال: عممنى النبى صلى الله عليه وسلم بعمامة سدل طرفها على منكبى وقال: إن الله أمدنى يوم بدر وحنين بملائكة معممين هذه العمامة وقال: إن العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين. اخرجه ابن أبى شيبة وأبو داود الطيالسى (¬3) { 286}. ¬

(¬1) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم) وهو عجز حديث. (¬2) انظر ص 262 ج 3 تيسير الوصول (العمائم) (¬3) انظر ص 6 - الدعامة فى أحكام سنة العمامة. و (بدر) موضع بين المدينة ومكة، كان به أول غزوة خرج فيها الأنصار وقاتل فيها المسلمون وانتصروا انتصارا باهرا مع قلة عددهم وعددهم، وكثرة عدوهم فيها أظهر الله الدين، وقويت شوكة المسلمين (وحاصلها) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه قدوم أبى سفيان من الشام ومعه ثلاثون أو اربعون رجلا بغير قريش (أى تجارتها) فخرج عليه الصلاة والسلام فى اليوم التاسع من رمضان سنة اثنتين من الهجرة (5 مارس سنة 624 م) فى بضع عشرة وثلثمائه (ثلاثة وثمانون من المهاجرين واحد وستون من الاوس. وسبعون ومائة من الخزرج) يعترض العير. فبلغ أبا سفيان ذلك. فبعث إلى أهل مكة يستنفرهم لنصرته. فقدم ابو جهل فى خمسين وتسعمائه. ولم يتخلف من بطونهم إلا بنو عدى، ولا من اشرافهم إلا أبو لهب، فإنه استأجر مكانه العاص بن هشام فقتل، ومات ابو لهب بعد بدر بليال بالعدسة (أى الجدرى) ولما بلغ عليه والصلاة والسلام الروحاء (فى الجنوب الغربى للمدينة. بينهما أربعون ميلا) وثبت له نفير قريش، استشار أصحابه فى طلب العير أو حرب النفير، وكانت العير أحب اليهم قال الله تعالى (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) فتكلم أبو بكر ثم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= عمر ثم قال المقداد بن الأسود: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فوالله لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا اياههنا قاعدون. ولكن امض ونحن معك عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك. فسر بقوله ودعائه بخير .. ثم قال: أشيروا على أيها الناس (وانما يريد الأنصار، لأن بيعة العقبة يفهم منها أنه لا تجب عليهم نصرته الا على من دهمه بالمدينة) فقال سعد بن عبادة: ايانا تريد يا رسول الله؟ والذى نفسى بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها فسر عليه الصلاة والسلام بقوله وقال أبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الى مصارع القوم. فعلموا أن الحرب لابد حاصلة وقد حصلت فإن ابا سفان سار بالعير على الساحل ونجا، واشار على قريش بالرجوع. فرجع الأخنس ابن شريق ببنى زهرة. ولم يشهد بدرا زهرى ولا عدوى. وقال ابو جهل: لا ترجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثا وتهابنا العرب. ثم سار العدو حتى نزل بعدوة بدر القصوى (أى الجهة البعيدة عن المدينة) بارض سهلة لينة. ونزل المسلمون بعدوته الدنيا بعيدا عن الماء فى أرض سبخة، فاصبحوا عطاشا بعضهم جنب، فوسوس لهم الشيطان فأنزل الله الماء فشربوا وتطهروا. وصلحت الأرض وتوحلت ارض العدو. قال تعالى: وينزل عليكم من المساء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على فلوبكم ويثبت به الأقدام. (وفى اليوم) السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة (13 مارس سنة 624 م) عدل عليه الصلاة والسلام الصفوف. ثم نظر قريشا مقبلة فقال: اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض. ومازال يدعو رافعا يديه حتى سقط رداؤه. ثم جلس عليه الصلاة والسلام هو وابو بكر فى عريش بنى لهما. (وقبل) أن تقوم الحرب، خرج الأسود بن عبد الأسود فقتله حمزة رضى الله عنه ثم برز من العدو عتبه وشيبه ابنا ربيعه والوليد بن عتبه، فخرج إليهم عوف ومعو 1 ابنا الحارث، وأمهما عفراء. وعبد الله بن رواحة. فقالوا من أنتم؟ فقالوا رهط من الأنصار فقالوا: انما تريد اكفاءنا من قريش فأخرج لهم عليه الصلاة والسلام حمزة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= عمه، وعلى ابن أبى طالب، وعبيدة بن الحارث فقتل حمزة شيبه، وعلى الوليد، وقتلا عتبه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فبشره النبى صلى الله عليه وسلم بالشهادة. فقال: لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق منه بقوله: ولا نسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبناءنا والحلائل ثم مات رضى الله عنه وانتشب القتال. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال. وأخذ جفنه من الحصباء رمى بها قريشا قائلا ك شاهت الوجوه ثم قال لأصحابه: شدوا عليهم فهزموا قريشا وقتلوا سبعين منهم. (منهم) ابو جهل وأمية بن خلف والجراح، قتله ابنه ابو عبيدة. وأسروا سبعين منهم العباس وعقيل بن ابى طالب وابو العاص بن الربيع زوج زينب ابنته عليه الصلاة والسلام. وقد افتدته بعقدها. فأطلقه ورد العقد لها برضا الصحابه. وشرط عليه أن يخلى سبيلها ففعل (قالت) عائشة رضى الله عنها: لما بعث اهل مكة فى فداء اسراهم بعثت زينب فى فداء ابى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها، كانت عند خديجة رضى الله الله عنها، أدخلتها بها على ابى العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقه شديدة وقال: إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذى لها قالوا نعم وكان صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلى سبيل زينب اليه، وبعث صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال لهما: كونا ببطن يأحج (بفتح التحتية وسكون الهمرز وكسر الجيم، موضع قريب من التنعيم) حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتيا بها. أخرجه ابو داود] 287 [انظر ص 26 ج 3 تيسير الوصول (غزوة بدر) وفى سنده محمد بن إسحاق مدلس (وقد اسلم) ابو العاص قبل الفتح فرد النبى صلى الله عليه وسلم اليه زينب بالنكاح الأول (ومن الأسرى) أبو عزة الجمحى، كان شاعرا بهيج المشركين على المسلمين، فطلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يطلقه على الأ يعود لمثل ذلك. فأطلقه منا (أى بلا فداء) لكنه لم يف بوعده وقتل بعد أحد، وفى حادثته ورد حديث: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. رواه أحمد وأبو داود عن أبى هريرة. انظر ص 454 ج 6 فيض القدير (ومن) لم يكن معه فداء (من الأسرى) وهو يحسن القراءة والكتابة كان فداؤه تعليم عشرة من أولاد المسلمين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (ولما تم) النصر امر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء المسلمين وكانوا أربعة عشر ستة من المهاجرين. منهم عمير بن ابى وقاص. وثمانية من الأنصار. منهم ابنا عفراء الخزرجيان، وسعد بن خثيمة الأوسى. كما أمر ي\بقذف اربعة وعشرين من صناديد قريش فى قليب (أى بئر) بدر ودفن الباقى. ثم رجع الى المدينة وجئ بالأسرى بعده بيوم فقرهم بين الصحابة وقال: استوصوا بهم خيرا. (ثم استشار) اصحابه فيهم. فقال ابو بكر: استبقهم وخذمتهم الفداء. وقال عمر: قدمهم نضرب أعناقهم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم مثلك يا ابا بكر مثل ابراهيم قال: فمن تبعنى فإنه منى، ومن عصانى فإنك غفور رحيم. ومثل عيسى قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثل موسى قال. ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبكم. (فعمل) النبى صلى الله عليه وسلم برأى ابى بكر وأخذ منهم الفاداء. وهو عشرون او اربعون أوقية من الذهب عن كل واحد. ومنهم من نقص عمه الا العباس فقد أخذ منه ثمانون أوقية عن نفسه، وثمانون أوقية عن عقيل بن ابى طالب ن ونوفل بن الحارث وأخذ منه وقت الحرب عشرون. (فعاتب) الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: ما كان لنبى أن يكون له اسرى حتى يثخن فى الأرض (أى يبالغ فى قتل الكفار ويظهر قوة الأسلام) تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم 67 * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم 68 * فكلوا مما غنتم حلال طيبا الآية 69 - الأنفال. (وفى هذه) الغزوة نصر الله المؤمنين بالملائكة. قال تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون 123 * اذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين 124 * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فوزهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين 125 - ىل عمران الآيات " وقال عز وجل اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بالف من الملائكة مردفين وفيها نزلت سورة الأنفال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (وعن) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة الحرب أخرجه البخارى] 288 [انظر ص 221 ج 7 فتح البارى (شهود الملائكة بدرا - المغازى). (وعنه) قال: حدثنى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائه وتسعة عشر رجلا ز فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول: اللهم أنجزلى ما وعدتنى اللهم آننى ما وعدتنى. اللهم إن تهلك هذه العصابة (أى الجماعة) من المسلمين لا تعبد فى الارض. فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فالقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه. ثم قال: كفاك بانبى الله كفاك مناشدتك (أى سؤالك) ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله تعالى: اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بالف من الملائكة مردفين (أى متتابعين يتبع بعضهم بعضا) أخرجه مسلم والترمذى] 289 [انظر ص 25 ج 3 تيسير الوصول (غزوة بدر). (ولما) فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الأسرى قال: من ينظر الى ما صنع أبو جهل، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى يرد (بفتحتين، اى حتى مات) قال أنت أبو جهل ظ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ أو قال قتله قوسه. أخرجه الشيخان عن أنس] 290 [انظر ص 209 ج 7 فتح البارى (قتل أبى جهل - المغازى). (والمراد) بابنى عفراء معاذ ومعوذ. وفى رواية الشيخين أن الذى قتله معاذ بن عمرو بن الجموح. ومعاذ بن الحارث بن رفاعه. وأمه عفراء (فقد) قال عبد الرحمن ابن عوف: بينا أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وسمالى ز فإذا بغلامين من الأنصار حديثه اسنانهما. تمنيت أن أكون بين أضلع منهما م فغمزنى أحدهما فقال يا عم هل تعرف ابا جهل؟ قلت نعم، ما حاجتك إليه بابن أخى؟ قال: اخبرت سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال لى مثلها فلم أنشب ان نظرت إلى ابى جهل يجول فى الناس فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= سالتمانى، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه. فقال: ايكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته فقال هل مسحتما سفيكيما؟ قالا: لا. فنظر فى السيفين فقال: كلا كما قتله. وقضى بسلبه (بفتحتين أى لباسه وسلاحه ومركبة) لمعاذ بن عمرو بن الجموح. وكانا معاذ ابن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح. أخرجه أحمد والشيخان] 291 [انظر ص 154 ج 6 فتح البارى (من لم يخمس الأسلاب. فرض الخمس). هذا. وحنين واد بين مكة والطائف. كانت غزوته فى شوال سنة ثمان (وحاصلها) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه بعد فتح مكة تجمع أربعة آلاف من هوازن وثقيف وبنى سعد وغيرهم لحربة عليه الصلاة والسلام، جمعهم مالك بن عوف النصرى، ومعهم دريد بن الصمة المشهور باصاله الرأى، وله مائة وعشرون أو مائة وستون سنة اشار بتمنيع الذرارى والأموال ولقاء الرجال بالرجال. وقال: إن المنهزم لا يرده شئ، فابى مالك وسار بهم. فاستعار النبى عليه الصلاة والسلام مائة درع بسلاحها من صفوان بن أمية (وكان مشركا) ثم خرج صلى الله عليه وسلم لست خلون من شوال (28 يناير سنة 630 م) باثنى عشر ألفا (جيش الفتح، وألفين من أهل مكة) واستخلف على مكة عتاب بن أسيد، فلما وصل حنينا خرج لهم كمين من جانبيها، فحمل عليهم المسلمون فانكشفوا واشتغل المسلمون بالغنائم، فاستقبلهم العدو بالسهام فعادوا منهزمين لا يلوى أحد على أحد، وكان رجل منهم حين رأى كثرتهم قال لن تغلب اليومعن قلة. فوكلهم الله الى كلمته وفروا مدبرين. ونادواهم الرسول صلى الله عليهم وسلم فلم يرجعوا. وثبت صلى الله عليه وسلم فى نفر من كبار الصحابة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى والعباس، فأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى الأنصار والمهاجرين، وكان صيتا فناداهم. فقالوا: يا لبيك يا لبيك ورجعوا مسرعين حتى جعل الرجل يثنى بعيرة فيمنعه التزاحم فيقتحم عنه ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة أو الف، فصاروا يقتلون وياسرون حتى فتح الله عليهم وقد غنموا غنائم كثيرة وكان فى السبى الشيماء (بفتح فسكون الياء ويقال: الشماء بلا ياء) بنت حليمة السعدية فأكرمها عليه الصلاة والسلام وزودها وردها الى قومها ووهبها عبدا وجارية فزوجت العبد الجارية =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (وفى) هذه الغزوة نزل قوله تعالى: ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين 25 * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ... وأنزل جنودا لم تروها 26* (التوبة) فقد أمده الله يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة، قيل القتال، ولكن لتشجيع المسلمين. (ثم) أمر عليه الصلاة والسلام بالسبابا (وكانت ستة آلاف) والأموال (وكانت أربعة وعشرين ألف بعير، وأكثر من أربعين الف شاة، واربعة آلاف أوقية من الفضة) فحبست بالجعرانة _ (موضع بين الطائف ومكة). (وبعد) غزوة الطائف رجع فقسم غنائم حنين فأعطى قوما يتالفهم كأبى سفيان، أعطاه أربعين أوقة من الذهب، ومائة من الإبل، وكذا ابنية معاوية ويزيد. وأعطى صفوان بن أمية شعبا (بكسر فسكون، الطريق بين الجبلين) مملوءا ابلا وشاه، فأسلم وقال لقومه: أسلموا فإن محمد يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة. وأعطى عينيه بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وغيرهم، كل واحد مائة من الإبل.

(فائدة) إذا أرخى العذبة من بين اليدين، فالأفضل إرخاؤها من الجانب اليمن " لقول" ابى أمامة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها من الجانب الأيمن نحو الأذن. أخرجه الطبرانى فى الكبير، وفى سنده جميع بن ثوب وهو ضعيف (¬1) {293}، لكن يقويه ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن فى شأنه كله. (وهذا) والأحاديث الدالة صراحة على أن ارخاء العذبة من سنن الرسول ¬

(¬1) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم).

صلى الله عليه وسلم الثابتة بامره وفعله وتقريره صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر. وبكفى ما رؤيناه آنفا ما بين صحيح وحسن. (وليس) فى شئ من هذه الاحاديث ولا غيرها أن العذبة كانت عريضة جعلوها على القفا وقاية من حر الشمس. أو عادة من عادات العرب فليست عبادة يتعبد بها. ولا قرية يتقرب بها الى الله تعالى. فلا قدوة فيها كما يزعمه بعض الناس، بل هو زعم باطل لوجوه (منها) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف - حين عممه وأرسل من خلفه اربعة اصابع ونحوها - " هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن " كما تقدم رقم 284. (أيأمر) صلى الله عليه وسلم بشئ تعود فعله المأمور؟ وما معنى هذا الأمر إذا؟ وما معنى الترغيب فيه بقوله: إنه أعرب وأحسن؟ (ومنها) ما تقدم قريبا عن أبى أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها (يعنى عذبة) من الجانب اليمن نحو الأذن (أكان) اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشان الولاة لتعليمهم عادة اعتادها العرب ودرجوا عليها؟ كلا لا هذا ولا ذاك. وإنما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن الولاة هم قادة العامة فينبغى أن يمونوا المثل الأعلى فى جميع أحوالهم وأطوارهم وهيئاتهم، لأنهم إذا صلحوا صلحت الرعية، وإذا فسدوا فسدت فقد قيل: الناس على دين ملوكهم. ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يولى إلا من كان جائزا صفات الكمال. وكان مع ذلك يوصيه بتقوى الله عز وجل فى نفسه وفى العامة. ويعلمه كيف سحين المعاملة مع الله تعالى ومع الناس. فماعمم صلى الله عليه وسلم الولاة، وأمرهم بأن يعتموا بهذه الكيفية، إلا لكونها أحسن الهيئات شكلا، واجملها منظرا. وأكملها هيبة وعملا. ولا شك أن هذا دليل واضح على أن إرسال العذبة أمر مطلوب يعنى

به حيث إن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها بيده الشريفة لأمرائه وأمرهم بفعلها، وبين لهم مزيتها. (ولو سلمنا) جدلا أن ارسال العذبة عادة عربية وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ولغيره وأمر بفعلها، فإنها تصير سنة شرعية يثاب على فعلها، إذ لا ريب أن الاقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره قربة جليلة يتقرب بها الى الله تعالى. (ولولا) تركه صلى الله عليه وسلم لها أحيانا وإقراره على تركها فى بعض الأوقات، لكانت واجبة، إذا الأصل فى الأمر الوجوب كما هو معروف (والحاصل) أن إرسال العذبة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابته بقوله وفعله وأمره وتقريره صلى الله عليه وسلم إن جاء العذبة بأنه أعرب وأحسن. (ولذا) اتفق السلف والخلف على أن العمامة والعذبة من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم اختلفوا فى أن العذبة سنة مؤكدة أو مستحبة. 9 - بعض نصوص الفقهاء فى العذبة (أ) نصوص السادة الحنفيين: (قال) العلامة الحصكفى فى الدر المختار شرح تنوير الأبصار: وندب لبس السواد وإرسال ذنب العمامة بين كتفيه إلى وسط الظهر. وقيل لموضع الجلوس وقيل شبر أهـ (وكتب) عليه العلامة ابن عابدين ما نصه: لأن محمدا ذكر فى السير الكبير فى باب الغنائم حديثا يدل على أن لبس السواد مستحب، وأن من اراد أن يحدد اللف لعمامته ينبغى له أن ينقضها كورا كورا، فإن ذلك أحسن من رفعها عن الرأس وإلقائها فى الأرض دفعة واحدة، وأن المستحب ارسال ذنب العمامة بين الكتفين أهـ. ومثله فى البحر وشرح منلا مسكين والطائى والعينى على الكنز (وقال) فى الدر المنتفى شرح الملتقى: والسنى إرخاء طرف العمامة بين

كتفيه قدر شبر، هكذا فعله عليه الصلاة والسلام، وقيل إلى وسط الظهر وقيل إلى موضع الجلوس أهـ ونحوه الأنهر شرح ملتقى الأبحر. (وفى صرة الفتاوى) سئل صاحب المنح عن إرسال العذبة هل هو سنة للخواص والعوام؟ وهل تارك العذبة يكون فاسقا أولا؟ ولو ضحك إنسان على من يرسل العذبة هل يكفر أولا؟ (فأجاب) المنقول فى الكتب المعتمدة كالخلاصة والزيلعى وشرح الشرعة أن العذبة مستحبة. وهى غرسال ذنب العمامة بين الكتفين: واختلفوا فى قدره. قيل شبر. وقيل إلى وسط الظهر. وقيل إلى موضع الجلوس. ولا فرق بين الخواص والعوام، ولا يفسق بتركه، لكنه سئ وكراهية. فيأثم ولو ييسير، لأن السنة طريقه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة. وسبيلها الإحياء دون الإماتة، وكانت حقا علينا فعوتبنا على تركها إلا أن يكون الترك على طريق التهاون والاستخفاف، فحينئذ يكفر أو يفسق لرجوع ذلك الى صاحبها. هذا إذا ترك سنة الهدى. وأما سنن الزوائد فتاركها لا يستوجب إساءته (وعن الخلاصة) لو قال: قصصت شاربك وألقيت العمامة على العاتق استخفاقا، بكفر. أو قال ما أقبح امرأة قص شاربه ولف طرف العمامة على النق، كفر أهـ. (ويأتى) بيان سنن الهدى وسنن الزوائد بيانا شافيا إن شاء الله تعالى. (وقال) فى الشرعة وشرحها للسيد على زاده: (ولبس العمامة حلم ووقار) أى دليل عليهما، وهى تيجان العرب. وقد لبس صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء (ويسدل) أى يرخى المتعمم (عمامته مطلقا بين كتفيه) فإنه سنة مستحبة ايضا (وفى) خزانة الفتاوى: والمستحب ارسال ذنب العمامة بين كتفيه الى وسط الظهر، ومنهم من قال الى موضع الجلوس ومنهم من قدر بالشبر. ولا باس بلبس القرنس، وليس السواد مستحب أهـ. (وفى الجامع الصغير) لقاضيخان أن الشبر للعوام، وإلى وسط الظهر لطلبة العلم وإلى المقعد للمقتى. وارساله بين الكتفين كما عرفت. وقيل ما بين الأذنين وقيل أى موضع كان. وقيل إرساله من القدام سنة.

(وفى شرح) الشمائل لابن حجر الهيتمى. عمم النبى صلى الله عليه وسلم ابن عوف وسدل لها بين يديه ومن خلفه. ثم قال: فالسنة تحصل بكل، لكن الأفضل ما بين الكتفين. ويحتمل أن السدل من وراء وأمام لمن اراد إرخاء طرفيها، وإلا فالمكتفى بواحد فالأفضل بين الكتفين ثم المنكب، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسدل دائما (وعن) عبد الحق: السنة غرخاء طرفها ويتحنك به وإلا فمكروه، قيل لمخالفته السنة، وقيل لأنه عمائم الشيطان أهـ. (وقال) الخادمى فى البريقة على الطريقة المحمدية: والتسويم الذى هو غرخاء ذنب العمامة هو المشار اليه بقوله تعالى: {يُمِددْكُمْ رَبُكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفِ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ}. (¬1) وعن الطيبى التسويم سنة مؤكدة وقيل مستحب أهـ. (وقال) مثلا على القارى فى شرحه على الشمائل للترمذى: قال ميرك وقد ثبت فى السير بروايات صحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرخى علاقته أحيانا بين كتفيه، وأحيانا يلبس العمامة من غير علاقة أهـ. (وقال) البغوى فى شرح السنة: قال محمد بن قيس رايت ابن عمر معتما قد ارسلها بين يديه ومن خلفه. فعلم مما تقدم أن الإتيان بكل واحد من تلك الأمور سنة أهـ ونصوص السادة الحنفية فى هذا كثيرة. (وحاصل) مذهبهم أنهم اتفقوا على أن العذبة سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقربة يتقرب بها الى الله تعالى، لا فرق فى ذلك بين الخواص والعوام، ولا بين الولاة والرعية. ولم يقدروا فى عرضها شيئا. أما طولها فقد علمت ما فيه، وأن من استهزأ بها كفر والعياذ بالله تعالى. (وكذا) العمامة السوداء ولف طرف العمامة تحت الحنك. والكمال الجمع بين العذبة والتحنيك. وإنما خلافهم فى كونها سنة مؤكدة أو مندوبة. (ب) كلام السادة المالكية: (قال) الشيخ على العدوى فى حاشيته على شرح أبى الحسن لرسالة ابن ابى زيد ¬

(¬1) بعض آية 125 آل عمران. وصدرها: بلى إن تصبروا وتتقوا.

القيروانى فى باب الجنائز فى مبحث التكفين عطفا على مستحبات الكفن وكذا يستحب عذبة فى العمامة ولا يختص استحباب العذبة بالميت إذا الحى كذلك أهـ. (وقال) ابن الحاج فى المدخل: وردت السنة بالرداء وكذلك العمامة والعذبة، لكن الرداء كان اربعة أذرع ونصفا أو نحوها. والعمامة سبعة أذرع ونحوها. يخرجون منها التلحية والعذبة. والباقى عمامة، على ما نقله الإمام الطبرى رحمة الله فى كتابه (وقال) أشهب: كان مالك رحمة الله إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وأسدل طرفها بين كتفيه (قال) بعض العلماء: السنة فى العمامة أن يسدل طرفها إن شاء أمامه بين يديه وإن شاء خلفه بين كتفيه. وقال: لابد من التحنيك فى الهيئتين (وفى) مسلم وأبى داود والنسائى عنه عليه الصلاة والسلام أنه أرخى طرف عمامته بين كتفيه. (وقال) القرافى رحمة الله: ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا أهـ " وما " حكاه القرافى رحمة الله من أن مالكا رحمة الله ما افتى حتى أجازه اربعون محنكا " دليل " على أن العذبة دون تحنيك يخرج بها عن المكروه، لأن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم قد امتازوا به دون غيرهم. وإلا فما كان لوصفهم بالتحنيك فائدة، إذ الكل مجتمعون فيه. وإذا كانت العمامة من باب المباح فلابد فيها من فعل سنن تتعلق بها فى تناولها باليمين والتسمية والذكر الوارد إن كان مما يلبس جديدا، وامتثال السنة فى صفة التعميم من فعل التحنيك والعذبة وتصغير بقدر سبعة اذرع أو نحوها، يخرجون فيه أهـ ملخصا. وهذا بإطلاقه يتناول الخواص والعوام الصوفية وغيرهم. (ج) كلام السادة الشافعية: (قال) العلامة ابن حجر فى شرح التحفة على المنهاج: وجاء فى العذبة أحاديث كثيرة منها صحيح ومنها حسن. ناصة على فعله صلى الله عليه وعلى آله

وسلم لها لنفسه ولجماعة من أصحابه، وعلى أمره بها. ولأجل هذا تعين " تأويل " قول الشيخين النووى والرافعى وغيرهما: ومن تعمم فله فعل العذبة وتركها. ولا كراهة فى واحد منهما. زاد المصنف أى النووى: لأنه لم يصح فى النهى عن ترك العذبة شئ " بأن المراد " بقوله: له فعل العذبة، الجواز الشامل للندب. وتركه صلى الله عليه وسلم لها فى بعض الأحيان، إنما يدل على عدم وجوبها أو عدم تأكد ندبها. وقد استدلوا بكونه صلى الله عليه وسلم ارسلها بين الكتفين تارة وألى الجانب الأيمن أخرى على أن كلا منهما سنة. وهذا تصريح منهم بأن أصلها سنة، لأن السنية فى إرسالها إذا أخذت من فعله صلى عليه وسلم لها، فاولى أن تؤخذ سنية اصلها من فعله لها وأمره بها متكررا. (ثم) غرسالها بين الكتفين افضل منه على الأيمن، لأن حديث الأول اصح. (وكأن) حكمة ندبها ما فيها من الجمال وتحسين الهيئة (وقد) قال بعض الحفاظ: أقل ما ورد فى طولها أربع أصابع، وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبرا أهـ. (ويحرم) إفحاش طولها بقصد الخيلاء (ولو خشى) من إرسالها نحو خيلاء لم يؤمر بتركها خلافا لمن زعمه، بل يفعلها ويجاهد نفسه فى إزالة نحو الخيلاء أهـ ملخصا. (وبذا) تزداد علما بأن من أدعى أن فعل العذبة ليس مندوبا بل هو من باب المباح مستندا فى دعواه المذكورة الى قول النووى: فله فعل العذبة وتركها، فهو مخطئ: على أن كلام النووى نفسه فى شرح المهذب يفيد ندبيه إرسالها حيث قال: ولم يصح فى النهى عن ترك إرسالها شئ، وصح فى الإرخاء الأحاديث السابقة أهـ. (وقال) العلامة المناوى فى شرحه على الشمائل للترمذى: العذبة سنة مؤكدة محفوظة لم يرض الصلحاء تركها. وقد جاء فيها احاديث كثيرة ما بين صحيح وحسن، ناصة على فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم لها لنفسه ولجماعة من صحبة وعلى أمره بها. ثم إرسالها بين الكتفين افضل منه على الأيمن

لأن حديث الأول اقوى وأصح (وكأن) حكمة سنها ما فيها من تحسين الهيئة (قال) بعض الحفاظ: وأقل ما ورد فى طولها اربع اصابع وأكثر ما ورد ذراع. وبينهما شبر. ويحرم إفحاش طولها بقصد الخيلاء (قال) الشافعى: ولو خاف من إرسالها نحو الخيلاء لم يؤمر بتركها، بل يفعلها ويجاهد نفسه (ولا) يسن تحنيك العمامة عند الشافعية. واختار بعض الحفاظ ما عليه كثيرون أنه يسن. وهو تحويق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العممة (وأطالوا) فى الاستدلال عليه بما رد عليهم، وممن جرى على ندبه صاحب الهدى. وقد جاء أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدخل عمامته تحت حنكه أهـ ملخصا. (وقال) شيخ الإسلام الباجورى فى حاشيته على الشمائل بعد كلام: وقد استفيد من الحديث أن العذبة سنة. وكأن حكمه سنها ما فيها من تحسين الهيئة وإرسالها بين الكتفين أفضل. وإذا وقع إرسالها بين اليدين كما يفعله بعض الصوفية وبعض أهل العلم، فهل الأفضل إرسالها بين اليدين كما يفعله بعض الصوفية وبعض اهل العلم، فهل الأفضل ارسالها من الجانب الأيمن لشرفه أو من الجانب الأيسر كما هو المعتاد، وفى حديث ابى أمامة عند الطبرانى ما يدل على تعيين الأيمن، لكنه ضعيف. وأشار بقوله " يعنى الترمذى " وكان ابن عمر يفعل ذلك. وقوله: ورايت القاسم بن محمد وسالما يفعلان ذلك أى السدل بين الكتفين، إلى أنه سنة مؤكدة محفوظة لم يتركها الصلحاء (وبالجملة) فقد جاء فى العذبة أحاديث كثيرة ما بين صحيح وحسن أهـ ملخصا. (د) كلام السادة الحنبلية: (قال) فى الإقناع وشرحه كشاف القناع (و) يسن (إرخاء الذؤابة خلفه) (قال الشيخ: إظالتها) أى الذؤابة (كثيرا من الإسبال) أى المنهى عنه وإن ارخى طرفها بين كتفيه فحسن، قاله الاجرى، وارخاها أبن الزبير من خلفه قدر ذراع وعن أنس نحوه، ذكر فى الآداب (ويسن تحنيكها) أى العمامة لأن عمائم المسلمين كانت كذلك على عهده صلى الله عليه وسلم أهـ.

(وقال) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب: روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه عمم عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه بعمامة سوداء وارخاها من خلفه قدر أربع أصابع. وقال: هكذا فاعتم فإنه أعرب وأجمل (¬1) ووفى الفروع وتبعه فى الإقناع وغيره قال شيخنا - يعنى شيخ الأسلام - وإطالتها كثيرا من الإسبال. وقال الآجرى: وإن أرخى طرفيها بين كتفيه فحسن. (وأخرج) الترمذى وحسنه عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه (¬2) (وروى) مسلم وأبو داود وابن حبان عن عمرو بن حريث قال: كأنى أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه (¬3). (وروى) مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائى عن جابر رضى الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء زاد النسائى: قد ارخى طرف العذبة بين كتفيه (¬4) (وروى) الطبرانى عن ثوبان رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم ارخى عمامته بين يديه ومن خلفه. وفى إسناده الحجاج بن رشدين وهو ضعيف (¬5) {294} (وروى) أيضا عن ابن عمر مرفوعا: عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة، وأرخوها خلف ظهوركم (¬6) {295} (وروى) أيضا بسند ضعبق عن أبى أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها عذبه من الجانب الأيمن نحو الأذن (¬7) (قال) الإمام المحقق فى الهدى: ¬

(¬1) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 (حكم العذبة) قال عياض: طرفها بالإفراد لا التثنية. (¬2) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 (حكم العذبة) قال عياض: طرفها بالإفراد لا التثنية. (¬3) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 (حكم العذبة) قال عياض: طرفها بالإفراد لا التثنية. (¬4) تقدم رقم 271 ص 222 (العمامة السوداء). (¬5) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم). (¬6) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم). (¬7) تقدم رقم 293 ص 236 (موضع ارخاء العذبة) وص 120 ج 5 مجمع الزوائد.

كان صلى الله عليه وسلم يتلحى بالعمامة تحت الحنك (¬1) أهـ ثم قال السفارينى (روى) ابو يعلى والبزار برجال ثقات وابن أبى الدنيا والطبرانى والبيهقى فى الزهد وحسن إسناده أبو الحسن الهيثمى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية يبعثه عليها، فاصبح عبد الرحمن وقد اعتم بعمامة كراييس سوداء فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعممه وارخى أربع اصابع أو قريبا من شبر. قال يا بن عوف هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن (¬2) {296} (وقال) صاحب القاموس فى شرحه على البخارى: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عذبة طويلة نازلة بين كتفيه وتارة على كتفه وأنه ما فارق العذبة قط أهـ. (ومن علم) أن العذبة سنة فتركها استنكافا عنها آثم، وغير مستنكف فلا (قلت) وظاهر كلام اصحابنا كراهة العمامة الصماء، بل صرحوا بذلك منهم صاحب الإقناع وشارح المنتهى (وفى الآداب) لا خلاف فى استحباب العمامة المحنكة وكراهة الصماء (وقد علمت) أن التحنيك مسنون وهو التلحى. (قال) الشمس الشامى: التلحى سنة النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح (وقال) الإمام ابن مفلح فى آدابه الكبرى: مقتضى كلامه فى الرعاية استحباب الذؤابة لكل أحد كالتحنيك يعنى يجمع بين التحنيك والذاؤبة. وفى الاداب الكبرى: ومن أحب أن يجدد العمامة فعل كيف أحب فى نقضها. (واختلف) العلماء فى مكان إرسال العذبة على أقوال (الأول) إرسالها من بين يديه ومن خلفه ففى الطبرانى بسند ضعيف عن ثوبان رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم أرخى عمامته من بين يديه ومن خلفه (¬3) {297} وروى ابو داود سند ضعيف عن عبج الرحمن بن عوف ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 2 غذاء الالباب (يسن ارجاء طرف العمامة). (¬2) انظر ص 207 ج 2 غذاء الألباب (سبب ارخاء العذبة) و (السرية كعطية الطائف من الجيش و (كراييس) جمع كرياس فسكون وهو القطن. (¬3) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (ما جاء فى العمائم)

أنه قال: عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى (¬1) {298} (والحديث) الثابت من عدة طرق أنه لما عممه أرسل العذبة من خلفه. (الثانى) إرسالها من الجانب الأيمن فقد روى الطبرانى بسند ضعيف عن أبى أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حت يعممه بعمامة ويرخى لها عذبة من الجانب الأيمن نحو الأذن (¬2) {299} (الثالث) إرسالها من الجانب الأيسر وهذا عليه عمل كثير من الصوفية (وقد) روى الطبرانى بسند حسن، والضياء المقدسى فى المختارة عن عبد الله ابن بشر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم ارسلها وراءه. أو قال على كتفه اليسرى، هكذا بالشك (¬3) {300} (الرابع) إرسالها خلف ظهره بين كتفيه، وهذا هو الأكثر الأشهر الصحيح أهـ كلام السفارينى ملخصا (وقد) أطال رحمة الله تعالى فى ذلك إطالة حسنة فراجعه إن شئت. 10 - فتاوى أئمة عصرنا فى العذبة: ولهذه النصوص أفتى علماء عصرنا أن العذبة سنة ثابته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلها لنفسه ولغيره من أصحابه وأمر بفعلها متكررا. وفعلها الصحابة رضى الله عنهم والتابعون والأئمة والصالحون. وأن التحنيك سنة أيضا وأن العمامة الخالية عنهما مكروهة. وأن الكمال الجمع بين العذبة والتحنيك (¬4). (ولم يقل) أحد من أرباب المذاهب: إن العذبة أو التحنيك أو العمامة ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 4 سنن أبى داود (باب فى العمائم). (¬2) انظر ص 120 ج 5 مجمع الزوائد (العمائم). (¬3) انظر ص 211 ج 2 غذاء الالباب (بيان مكان ارسال العذبة). (¬4) انظر ص 53.37.33.29 من كتاب فتاوى أئمة المسلمين للشيخ الامام.

(الثامن) سنن الهدى والزيادة

السوداء تسن فى زمن دون آخر، أو تختص بطائفة دون أخرى، وغير ذلك مما يبوقله أهل الافتراء والأهواء من الهذيان الذى ينادى عليهم بأنهم لا يعرفون شيئا من واضح أحكام الدين. وأين أولئك المجازفون المفترون من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: من تمسك بسنتى عند فساد أمتى فله أجر مائه شهيد. أخرجه البيهقى عن ابن عباس (¬1) {301} وقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا سنتى فقد أحبنى ومن احبنى كان معى فى الجنة. رواه السجزى فى الإبانة عن أنس (¬2) {302}. (فإن لم) يكن العمل بالسنة - لا سيما ما دثر منها عند فساد أهل الزمان وإعراضهم عن العمل بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (عملا) قيما جليلا، فما فائدة هذا الترغيب الصادر من المبعوث رحمة للعالمين؟ {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} {وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (¬3) (الثامن) سنن الهدى والزيادة بعدما تقدم من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة. نرى بعض من لم يوفق لإرسال عذبة العمامة يقول: العذبة من سنن الزوائد وهى لاثواب فى فعلها ولا عتاب فى تركها. يقصد بذلك رفع اللوم عنه فى عدم إرخائه العذبة. وهذا خطأ منه، لأن إرخاء العذبة من سنن الهدى لا الزوائد، لما تقدم من الأحاديث النبوية، والنصوص الفقهية الناطفة بأن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها لنفسه ولغيره وأمر بفعلها وقال: إنها أعرب وأحسن وأجمل. وسنن الهدى يثاب على فعلها ويلام على تركها. وعلى فرض أنها من سنن الزوائد فسنن الزوائد يثاب عليها، فلا يعقل أن فعلها وتركها سواء. ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترغيب فى اتباع الكتاب والسنة). (¬2) انظر رقم 8346 ص 40 ج 6 فيض القدير وفيه خالد بن أنس لا يعرف وحديثه منكر جدا. (¬3) آية 81 سورة الإسراء.

(وهناك) الفرق بين سنن الهدى وسنن الزوائد. (وأما) سنة الهدى فهى التى واظب عليها النبى صلى الله عليه وسلم تعبدا وابتغاء مرضاة الله مع الترك مرة أو مرتين بلا عذر، أو لم يتركها أصلا لكنه لم ينكر على التارك. (قال) العلامة النسفى فى شرحه على المنار: سنة الهدى أخذها هدى وتركها ضلالة أهـ (وقال) الكمال ابن الهمام فى التحرير وشرحه: سنن الهدى هى ما يكون إقامتها تكميلا للدين تاركها بلا عذر على سبيل الإصرار مضلل ملوم أهـ (وفى شرح) نور الأنوار على المنار: ترك سنة الهدى يستوجب إساءة كالعتاب واللوم أهـ (وقال) منلا خسروا فى المرقاة وشرحه: سنة الهدى مكملة للدين وتاركها مسئ يستحق اللوم كصلاة العيد والأذان والإقامة والصلاة بالجماعة والسنن الرواتب أهـ. (وأما) سنن الزوائد فقد عرفوها بالمثال (قال) فى المنار وشرحه نور الأنوار: سنن الزوائد هى كسير النبى صلى الله عليه وسلم فى لباسه وقعوده وقيامه (إلى أن قال) فهذه كلها من سنن الزوائد يثاب المرء على فعلها ولا يعاقب على تركها وهو فى معنى المستحب، إلا أن المستحي ما أحبه العلماء. وهذا ما اعتاده النبى صلى الله عليه وسلم أهـ. (وقال) العلامة ابن عابدين فى رد المختار: السنة نوعان: سنة الهدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها. وسنة الزوائد، ونركها لا يوجب ذلك كسير النبى صلى الله عليه وسلم فى لباسه وقيامه وقعوده، والنفل ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يسئ تاركه، وقيل هو دون سنن الزوائد. (وقد) مثلوا لسنة الزوائد ايضا بتطويله عليه الصلاة والسلام القراءة والركوع والسجود، ولا شك فى كون ذلك عبادة، وحينئذ فمعنى كون سنة الزوائد عادة أن النبى صلى الله عليه وسلم واظب عليها حتى صارت عادة له ولم يتركها إلا أحيانا، لأن السنة هى الطريقة المسلوكة فى الدين، فهى فى نفسها

عبادة، وسميت عادة لما ذكرنا. ولما لم تكن من مكملات الدين وشعائره سميت سنة الزوائد بخلاف سنة الهدى، وهى السنن المؤكدة القريبة من الواجب التى يضلل تاركها لأن تركها استخفاف بالدين (وبخلاف) النفل فإنه كما قالوا: ما شرع لنا زيادة على الفرض، والواجب والسنة بنوعيها. ولذا جعلوه قسما رابعا وجعلوا منه المندوب والمستحب وهو ما ورد به دليل ندب يخصه كما فى التحرير. (فالنفل) ما ورد به دليل ندب عموما أو خصوصا ولم يواظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم، ولذا كان دون سنن الزوائد كما صرح به فى التنقيح فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده فى غير هذا الكتاب أهـ ملخصا. (وملخص) القول أن سنن الهدى هى المعبر عنها عند الفقهاء بالسنة المؤكدة وسنن الزوائد هى المعبر عنها عندهم بالمندوب والمستحب، وأنه لا خلاف فى حصول الثواب بفعل سنن الزوائد كالمندوب. (وأما) ثبوت الكراهة وعدمها بترك سنن الزوائد والمندوبات، فظاهر عبارات الأصوليين والفقهاء عدم الكراهة. وعن بعضهم أن تركها مكروه تنزيها (والحق) أن تركها خلاف الأولى، فإن كراهى التنزيه لابد فيها من نهى مخصوص كما يؤخذ من كلام ابن عابدين فى " باب مندوبات الوضوء " من رد المحتار. والله تعالى أعلم. خاتمة فى اللباس وفيها ثمانية مباحث 1 - لباس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ينحصر بيانه فى عدة أمور: (1) كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو قميص أو جبة أو غيرها. قال ابو بردة: دخلت على عائشة فأخرجت لى إزار غليظا

من التى تصنع باليمن وكساء من هذه الأكسية التى تدعى الملبتدة وأقسمت لقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما. أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1) {303}. وعليه رداء نجرانى غليظ الحاشية. أخرجه الشيخان وابن ماجه (¬2) {304} (وعن) ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف (¬3) {305} (وقال) أيضا: كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين باطراف أصابعه، أخرجه ابن عساكر والحاكم وابن حبان وصححاه وقد تقدم هذا وأحاديث أخر فى بحث " القميص " " وهيئة اللباس " (¬4). (وقال) المغيرة بن شعبة: وضأت النبى صلى الله عليه وسلم جبة شامية ضيقة الكمين. أخرجه الشيخان (¬5) {306} (وقال) عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما: اخرجت إلى أسماء جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوقين بالديباج فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبى صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها. أخرجه مسلم والنسائى (¬6) {307}. ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 2 سنن ابن ماجه (لباسه صلى الله عليه وسلم) وص 56 ج 14 نووى مسلم (التواضع فى اللباس) و (الملبدة) بفتح الباء مشددة هى المرقعة وقيل الغليظة. (¬2) انظر ص 192 ج 2 سنن ابن ماجه (لباسه صلى الله عليه وسلم) (¬3) انظر ص 194 منه (كم القميص كم يكون). (¬4) انظر ص 158 رقم 149 وص 161 رقم 157 من هذا الجزء. (¬5) انظر ص 266 ج 3 تيسير الوصول (أنواع اللباس). (¬6) انظر ص 43، 42 ج 14 نووى مسلم (تحريم الذهب والحرير للرجال واباحته للنساء و (جبة طيالسة) (بالإضافة، والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام. وهو لباس العجم 0 وكسروانية) بكسر الكاف وفتحها، نسبة الى كسرى ملك الفرس. و (لبنة) بكسر فسكون رقعة فى جيب القميص و (المكفوف) ما جعل له كفة - بضم الكاف - وهو ما يكف به جوانبه ويعطف عليها. ويكون فى الذيل والفرجين والكمين (وفى حديث) دليل على استحباب التبرك بىثار الصالحين، وقصدت اسماء باخراج الجبة بيان أن المكفوف بالحرير جائز ما لم يزد على اربع أصابع. فإن زاد فهو حرام كما تقدم.

2 - ولبس النبى صلى الله عليه وسلم الحبرة. وهى معنبة نوع من البرود اليمنية. وكانت من أحب الثياب إليه، ولبس القباء والفروج، وهو القباء الذى شق من خلفه كما تقدم (¬1) (الواقدى: كان رداؤه وبرده طول سنة اذرع فى ثلاثة وشبر. وإزاره من نسج عمان طول اربعة أذرع وشبر فى عرض ذراعين وشبر. ولبس حلة حمراء، والحلة إزار ورداء ورداء، ولا تكون الحلة إلا اسما للثوبين معا، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتة لا يخالطها غيرها وإنما الحلة الحمراء بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية وهى معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر، وإلا فالحمر البحث منهى عنه أشد النهى كما تقدم (¬2)، ولبس الخميصة المعلمة والساذجة، ولبس ثوبا أسود، ولبس الفروة المكفوفة بالسندس كما تقدم 3 - وكان له صلى الله عليه وسلم بردان أخضران، والرد الأخضر هو الذى فيه خطوط خضر فهو كالحلة الحمراء، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم كساء اسود وكساء أحمر ملبد وكساء من شعر، وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر (فقد) قال أنس: كان أحب الألوان اليه الخضرة أخرجه ابو الشيخ وأبو نعيم فى الطب (وقال) قتادة أبو رمثة رضى الله عنه: ¬

(¬1) انظر " بحث القباء " وتثدم بص 184. (¬2) انظر " بحث لبس الأحمر " ص 144.

رأيت على النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين أخضرين أخرجه الثلاثة (¬1) {54} (ولكن) كان أكثر لباس النبى صلى الله عليه وسلم البياض، وقال خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم، أخرجه الحاكم والدار قطنى، وقد تقدم هذا وأحاديث أخر فى بحث " لبس الأبيض " (¬2). 4 - واشترى النبى صلى الله عليه وسلم سراويل، والظاهر أنه أنما اشتراها ليلبسها ن ولم يثبت من طريق صحيح أنه لبس السراويل كما تقدم فى بحث " السراويل " (¬3)، وكان أصحابه يلبسونها بإذنه صلى الله عليه وسلم. 5 - ولبس النبى صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم رمى به ونهى عن التختم بالذهب ثم اتخذ خاتما من فضة ولم ينه عنه، وثبت أنه لبسه فى اليمين واليسار، وكان يجعل فصه مما يلى باطن كفه كما تقدم فى بحث " كيفية التختم " (¬4) 6 - وأما الطيلسان فلم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لبسه ولا أحد من أصحابه، بل قد ثبت من حديث النواس بن مسعان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. أخرجه مسلم (¬5) {308} (ورأى) أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر (¬6) {55} (ولذا) كره لبسها جماعة من السلف والخلف " ولحديث ": من تشبه بقوم فهو منهم، أخرجه أبو داود عن ابن عمر والطبرانى فى الأوسط عن حذيفة بن اليمان (¬7) {309} وأما ما جاء " فى حديث الهجرة " أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 3 تيسير الوصول (الأخضر - الوان الثياب). (¬2) تقدم ص 151، 152. (¬3) تقدم ص 154 وما بعدها. (¬4) تقدم ص 198. (¬5) انظر ص 36 ج 1 - زارد المعاد (فصل فيما يتعلق بلباسه صلى الله عليه وسلم). (¬6) انظر ص 36 ج 1 - زاد المعاد. (¬7) انظر رقم 8593 ص 104 ج 6 فتح القدير شرح الجامع الصغير.

إلى أبى بكر متقنعا بالهاجرة " فإنما فعله " صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفى بذلك، ففعله للحاجة، ولم يكن عادته التقنع، وقد ذكر أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر القناع. وهذا إنما كان يفعله والله أعلم للحاجة من الحر ونحوه وأيضا التقنع ليس هو التطليس. قاله فى زاد المعاد (¬1) 7 - وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب كساها عليا (روى) جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: وكان النبى صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب فوهيها لعلى رضى الله عنه فربما طلع على فيها، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: أتاكم على فى السحاب أخرجه ابن عدى وأبو الشيخ ابن حبان وهو حديث مرسل ضعيف جدا (¬2) {310} (وكان) النبى صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة وتحتها قلنسوة، وكان يلبسها بلا قلنسوة (¬3)، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه كما تقدم وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك. 8 - وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه وقال: اللهم أنت كسوتنى هذا القميص أو الرداء أو العمامة. اسألك من خيره وخير ما صنع له. وأعوذ بك من شره وشر ما صمع له (روى) أبو سعيد الخدرى أن ¬

(¬1) انظر ص 36 ج 1 زاد المعاذ و (التقنع) بشد النون تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره. وحديثه رواه الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: بينا نحن جلوس فى بيتنا فى نحر (أى اول) الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل. أخرجه أبو داود (56) انظر ص 56 ج 4 سنن أبى داود (باب فى التقنع). (¬2) انظر ص 9 ج 5 زرقانى المواهب (النوع الثانى فى لباس النبى صلى الله عليه وسلم) و (السحاب) اسم العمامة، وليس المراد بها التى فى السماء كما زعمت الرافضة فقالوا إن عليا حى رفع فى السحاب. وهذا ضلال وجهل بين. (¬3) وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عدة قلانس كما تقدم بص 217، 216.

النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه إما قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه اسالك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. أخرجه أحمد والحاكم والثلاثة وحسنة الترمذى، وصححه النووى. وتقدم هو وأحاديث أخر (¬1). 9 - وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبا أو غيره بدأ بميامنة. وإذا تنزعه أخرجه مياسرة (قال) ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا لبس شيئا من الثياب، بدا بالأيمن وإذا نزع بدأ بالأيسر (وقال) أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا ارتدى أو ترجل (¬2) أو انتعل، بدأ بيمينه. وإذا خلع بدا بيساره. أخر جهما أبو الشيخ ابن حبان وسندهما ضعيف. وقد تقدم فى بحث " التيامن فى اللباس " الأحاديث الصحيحة فيه (¬3). 10 - وكان مقبض سيف النبى صلى الله عليه وسلم محلى بالفضة قال ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعة من فضة وكان يسمى ذا الفقار .... الحديث أخرجه الطبرانى (¬4). (ويشهد) له حديث جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة. أخرجه الترمذى فى الشمائل والثلاثة وحسنة الترمذى، وقال النسائى: وهذا حديث منكر (¬5). والصواب قتادة عن سعيد أهـ، وأخرجه الدرامى وقال: هشام الدستوائى ¬

(¬1) انظر بحث " ما يقول من لبس جديدا " ص 188، 187 رقم 200 - 202. (¬2) ارتدى، أى لبس الرداء. والترجل تسريح الشعر. (¬3) انظر ص 178. (¬4) انظر ص 271 ج 5 مجمع الزوائد (الات الحرب) وفى سنده على بن عروة متروك] 311 [و (قبيعة السيف) على وزن سفينة، ما على مقبضة من فضة أو حديد. (¬5) المنكر، ما خالف الضعيف فيه من هو أفوى منه أو ما تفرد به الضعيف ونقد بص 206 م

خالفه فقال، قتادة عن سعيد بن ابى الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم، وزعم الناس أنه هو المحفوظ أهـ (¬1) {312} (ففيه) دليل على جواز تحلية السيف بقليل من الفضة للرجل لا يذهب، وأما النساء فيحرم عليهن تحليته بالذهب أو الفضة، واختلفوا فى اللجام والسرج. فاباحه بعضهم كالسيف وحرمه بعضهم لأنه من زينة الدابة (قال) ابن حجر فى شرح الشمائل: فى الحديث حل تحلية آلة الحرب بالفضه للرجل. أما بالذهب فيحرم عليه كما يحرم تحليته بهما أو بأحدهما للنساء (والحاصل) أن الذهب لا يحل للرجال مطلقا لا استعماله ولا اتخاذا ولا تضبيبا ولا تمويها لالالة حرب ولا لغيرها، وكذا الفضة الا فى التضبيب والخاتم وتحلية آله الحرب أهـ. 2 - المخالفة فى اللباس: ينبغى للإنسان أن يكون لباسه من الحلال المعتاد لأمثاله، ويكره له لبس غير زى أهل بلده وأقرانه. ويحرم التشبه بأهل الكتاب فى اللباس الخاص بهم "لقول " أبى كريمة: سمعت على بن أبى طالب وهو يطب على منبر الكوفة وهو يقول: يأيها الناس إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم ولباس الرهبان، فإنه من ترهب أو تشبه فليس منى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه على بن سعد الرازى وهو ضعيف (¬2) {313} " ولقول" ابى أمامة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب. فقلنا يا رسول إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسرولون وأتزروا، وخالفوا ¬

(¬1) انظر ص 30 ج 3 سنن أبى داود (السيف يحلى) وص 83 شمائل الترمذى (صفة سيف النبى صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 131 ج 5 مجمع الزوائد (مخالفة أهل الكتاب فى اللباس وغيره).

أهل الكتاب قلنا يا رسول الله أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب فقلنا يا رسول الله يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: قصوا سبالكم ووفروا عثانينهم وخالفوا أهل الكتاب. أخرجه أحمد والطبرانى ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم، وهو ثقة. قاله الهيثمى (¬1) ({314} والأحاديث) فى هذا كثيرة (¬2). (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: سئل الحافظ جلال الدين السيوطى عن طالب علم تزيا بزى أهل العلم فى الأصل من قرى البر، ثم لما رجع إلى بلاده وعشيرته تزيا بزيهم وترك زى أهل العلم، هل يغترض عليه فى ذلك أم لا؟ (فأجاب) بما معناه لما اتصف بالصفتين لا اعتراض عليه فى اى الزيين تزيا. لأنه إن تزيا بزى العلماء فهو منهم. وإن تزيا بزى أهل بلده وعشيرته فلا حرج عليه اعتبارا بالأصل، ولأنه بين أظهر عشيرته وقومه، وهذا واضح، ولعل كلام علمائنا لا يخالفه. ومرادهم بقولهم: يكره خلاف زى بلده، يعنى بلا حاجة تدعو إلى خلافهم، فإن من صار من العلماء تزيا بزيهم فى أى مصر كان أو بلدة كانت غالبا أهـ. 3 - لبس الجلود أجمع العلماء على أنه لا يجوز لبس جلد الميتة ولا الانتفاع به إذا لم يدبغ ويجوز استعمال كل طاهر منها بالذكاة الشرعية أو الدبغ لا فرق فى ذلك بين مأكول اللحم وغيره من السباع وغيرها لعموم حديث عائشة قالت: سئل ¬

(¬1) انظر ص 131 ج 5 مجمع الزوائد و (عثانينهم) جمع عثنين، وهو اللحية. و (السبال) جمع سبلة بالتحريك الشارب. (¬2) منها (حديث) من تشبه بقوم فهو منهم. أخرجه وأبو داود عن ابن عمر بسند صحيح والطبرانى فى الأوسط عن حذيفة تقدم رقم 309 ص 252 (وحديث) خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى والحاكم عن شداد بن أوس] 315 [انظر رقم 3879 ص 431 ج 3 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

النبى صلى الله عليه وسلم عن ذكاة الميتة فقال: ذكاة الميتة دباغها أخرجه الأربعة إلا الترمذى {316} جعل الدباغ بمنزلة الذبح والذبح مطهر (¬1). " ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ايما إهاب دبغ فقد طهر. أخرجه السبعة إلا البخارى، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬2) {317}. " ولحديث " الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضى الله عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بشاةميتة لميمونة فقال: ألا دبغتم إهابها فاستمتعتم به؟ قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال: إنما حرم أكلها. أخرجه الستة إلا ابا داود (¬3) {318}. والإهاب الجلد قبل الدباغ. (ولذا) قال الحنفيون: يجوز استعمال كل جلد طهر بالدباغ والذكاة الشرعية، واستثنوا من ذلك ما لا يحتمل الدباغ كجلد الحية والفأر والطيور فلا يطهر بالدبغ لعدم إمكانه. وكذا جلد الخنزير لنجاسة عينه. (وبه) قالت الشافعية، إلا أنهم استثنوا من ذلك جلد الكلب ايضا قياسا على الخنزير. وكذا ما تولد من أحدهما مع حيوان آخر. وروى عن على وابن مسعود. (وقالت) المالكية: جلد المذكى من مأكول اللحم طاهر، وكذا جلد مكروه الأكل كالسبع والهرة سواء ذكى لأكل لحمه أو لأخذ جلده. أما محرم الأكل كالحمار والبغل والفرس، فجلده نجس لا يطهر بالذكاة ولا بالدباغ لكن يجوز استعماله فى اليابس والماء دون غيره من المائعات لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. ¬

(¬1) انظر ص 296 ج 2 تيسير الوصول (الجلود - الطهارة). (¬2) انظر رقم 2947 ص 139 ج 3 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر ص 296 ج 2 تيسير الوصول.

(واستدلوا) بحديث عبد الله بن عكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلمكتب الى جينة قبل موته بشهرين: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه الثلاثة {319}. (قالوا) هذا الحديث ناسخ للأحاديث السابقة لتأخره لأنه كان قبل موت النبى صلى الله عليه وسلم بشهرين أهـ (وأجاب) الجمهور بأنه لا يقاوم الأحاديث السابقة صحة واشتهارا قال الترمذى: سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان احمد بن حنبل يذهب الى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين. وكان يقول: كان هذا أخر أمر النبى صلى الله عليه وسلم. ثم ترك أحمد ابن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا فى إسناده حيث روى بعضهم وقال عن عبد الله ابن عكيم عن أشياخ من جهينة أهـ. وقال ابو الفرج بن عبد الرحمن فى الناسخ والمنسوخ وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم الأول - يعنى حديث ابن عباس - لأنه فى الصحيحين. وقال النسائى: أصح ما فى هذا الباب حديث الزهرى عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة. أفاده المنذرى. (قال) فى البدائع: الدباغ تطهير للجلود كلها إلا جلد الإنسان والخنزير. (وقال) مالك: إن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، لكن يجوز استعماله فى الجامد لا فى المائع بان يجعل جرابا للحبوب دون الزق للماء والسمن والدبس (¬1) (وقال) عامة اصحاب الحديث: لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه. (وقال) الشافعى كما قلنا، إلا فى جلد الكلب لأنه تجس العين عنده كالخنزير وكذا روى عن الحسن بن زياد. واحتجوا (يعنى المالكية والمحدثين) بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 296 ج 2 تيسير الوصول، وعكيم، مصغر. (¬2) الزق ن بكسر الزاى، السقاء، والدنس بكسر فسكون ما يسيل من الرطب.

واسم الإهاب يعم الكل إلا فيما قام الدليل على تخصيصه. (ولنا) ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ايما إهاب دبغ فقد طهر (¬1) كالخمر تخلل فتحل ولأن نجاسة الميتات لما فيها من الرطوبات والدماء السائلة، وأنها تزول بالدباغ، فتطهر كالثوب النجس إذا غسل. ولأن العادة جارية فيما بين المسلمين بلبس جلد الثعلب والفنك والسمور (¬2) ونحوها فى الصلاة وغيرها من غير نكير، فدل على الطهارة (ولا حجة) لهم فى الحديث. لأن الإهاب فى اللغة اسم الجلد لم يدبغ (وروى) عن ابى يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ، لعموم الحديث. والصحيح أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ، لأن نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل هو نجس العين. فكان وجود الدباغ فى حقه والعدم بمنزلة واحدة، وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ، لأن له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض أهـ بحذف. (ومشهور) مذهب الحنبلية أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ " لحديث " عبد الله ابن عكيم السابق (¬3). وقال بعضهم: يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره " لحديث " ابن عباس عن ميمونة السابق (¬4) " ولحديث " ابن عباس أن داجنا (¬5) لميمونة ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا انتفعتم بإهابها؟ الادبغتموه؟ فإنه ذكاته. أخرجه أحمد وكذا مسلم والأربعة بلفظ هلا أخذتم إهابها قد بغتموه فانتفعتم به، إنما حرم أكلها. فالذكاة المسبه بها لا يحل بعا غير المأكول، فكذلك الدباغ المشبه لا يطهر ¬

(¬1) أخرجه أحمد والأربعة عن عبد الله بن عكيم، وهو مضطرب جدا كما علمت. (¬2) أخرجه السبعة الا البخارى عن ابن عباس تقدم رقم 317 ص 257. (¬3) الفنك، بفتحتين دويية فى لحمها حلاوة والسمور، بفتح فشد. حيوان يشبه السنور كما سيأتى. (¬4) انظر رقم 319 ص 258. (¬5) انظر رقم 318 ص 257.

جلد غير الماكول (ورد) بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم غيره كما تقدم. " ولما " قالت الحنبلية لا يطهر جلد المينة بالدباغ " قالوا ": لا يحل لبس جلد كل ذى ناب من السباع ولو مذكى لما تقدم " ولقول " ابى ثعلبة الخشبى رضى الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع. أخرجه الستة "ولقول" ابن عباس: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع، وعن أكل كل ذى مخلب من الطير أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {320} وهذا يشمل ما يأتى: 1 - جلد الثعلب فكما لا يحل أكل لحمه لا يحل لبس جلده " لحديث " وابصة بن معبد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: شر السباع هذه الأثعل يعنى الثاعالب. أخرجه ابن قانع فى معجمه (¬2) {321}. (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: سماه النبى صلى الله عليه وسلمفى هذا الحديث سبعا. فعلى هذا يحرم أكل لحمه ولبس جلده والصلاة فيه، واختار هذا أبو بكر. قال فى الفروع: ويحرم الثعلب. وقال فى الإنصاف: أما الثعلب فيحرم على الصحيح من المذهب أهـ ملخصا (¬3) 2 - وجلد السمور - هو بفتح السين وشد الميم - حيوان برى يشبه السنور وهو حيوان جرئ، أجرا حيوان على الإنسان، لا يدبغ جلده. 3 - وجلد الفنك - وهو بفتحتين - دويبة فى لحمها حلاوة. قال فى الإنصاف: فى السمور والفنك وجهان، أصحهما يحرم أهـ. 4 - وجلد السنجاب وهو حيوان أكبر من الفار، شعره فى غاية النعومة قال فى الإنصاف: فى السنجاب وجهان، أحدهما يحرم، وقيل يكره، ومال ¬

(¬1) انظر رقم 9340 ص 304 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 220 ج 2 غذاء الألباب (هل يمتنع لبس جلد الثعلب فى الصلاة؟ ). (¬3) انظر ص 220 ج 2 غذاء الألباب (هل يمتنع لبس جلد الثعلب فى الصلاة؟ ).

الإمام الموفق إلى الإباحة، واختار فى منظومة الآداب القول بكراهة ما ذكر من جلد الثعلب وما بعده. (5 و 6 و 7 و 8) وجلد الأسد والنمر والذئب والسنور ونحوها. (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: وكل السباع من الأسد والنمر والذئب ونحوها، يمنع لبس شئ من جلودها. لنهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك لنجاستها وعدم طهارتها بالدباغ، كما يمنع لبس جلد سنور البر. أما السنور الأهلى فلا شك فى المذهب فى حرمته وحرمة لبس جلده. قال فى الإنصاف: وأما سنور البر، فالصحيح من المذهب أنه حرم، وفى الفروع: يحرم سنور بر على الأصح. وقيل يباح (وقد روى) البيهقى وغيره عن ابى الزبير قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهرة وأكل ثمنها (¬1) {322}. (وفى) مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع السنور (¬2) {323}، فقيل محمول على بيع الوحش الذى لا نفع فيه ن وقيل نهى تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته أهـ ملخصا. (واستدلوا) ايضا على عدم جواز الانتفاع بجلود السباع (بحديث) سعيد ابن أبى عروبة عن فتادة عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتادة عن أبى المليح بن اسامة عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن جلود السباع. أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم وزاد الترمذى: أن تفترش. وقال: لا نعلم أحدا قال عن أبى المليح غير سعيد ابن ابى عروبة. وأخرجه عن أبى المليح عن النبى صلى الله عليه وعلى وآله وسلم مرسلا وقال هذا اصح أهـ (¬3) {324}. (وبحديث) ابى المعتمر عن ابن سيرين عن معاوية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ركوب النمور. أخرجه ابن ماجه {325} ¬

(¬1) (انظر رقم 9340 ص 304 ج 6 غذاء الألباب 0 الحيوانات التى تمنع لبس جلودها). (¬2) انظر رقم 9340 ص 304 ج 6 غذاء الألباب (الحيوانات التى تمنع لبس جلودها). (¬3) انظر ص 297 ج 2 تيسير الوصول (الجلود).

وكذا أحمد وأبو داود عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تركبوا الخز ولا النمار (¬1) {326} (والمعنى) أنه نهى عن الركوب على السروج والرحال المغطاة بالخز، أى الحرير، وجلود النمور لما فيه من التكبر والخيلاء. أو لأنه زى الأعاجم (وبحديث) بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بنى أسد إلى معاوية ابن ابى سفيان فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن على توفى؟ (¬2) ¬

(¬1) انظر رقم 9768 ص 394 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 67 ج 4 سنن أبى داود (جلود النمور والسباع) والنمور جمع نمر بفتح فكسر وبكسر فسكون وهو سبع أجرا وأخبث من الأسد بجلده نقط سود وبيض بعيد الوثبة. (¬2) الحسن بن على رضى الله عنهما ولد فى رمضان سنة ثلاث من الهجرة. ونشأ فى حجر النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يحضر غزواته لصغر سنة. وكان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحبه (قال) اسامة بن زيد: طرقت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فى بعض الحاجة، فخرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مشتمل على شئ لا أدرى ما هو؟ فلما فرغت من حاجتى، قلت ما هذا الذى أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا حسن وحسين على وركية فقال: ابناى وابنا ابنتى، اللهم فإنى أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. أخرجه الترمذى وقال حديث حسن غريب وصححه ابن حبان والحاكم (*)] 327 [(وقال) زهير بن الحارث: بينما الحسن بن على يخطب بعد ما قتل على. اذ قاك رجل من الأزد فقال: لقد رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه فى حبوته (أى بين بطمه وفخذية وهو محتب) يقول: من أحبنى فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب. أخرجه أحمد. قال الهيثمى: وفيه من لم أعرفه (**)] 328 [ (وأخبر) النبى صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة (روى) أبو سعيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة. أخرجه أحمد والترمذى وقال حديث صحيح حسن (*)] 329 [ يعى أنهما رضى الله عنهما سيدا كل من مات شابا ودخل الجنة. وأخرجه الحاكم من طريق زر بن جبيش عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقال: هذا حديث صحيح بهذه الزيادة (يعنى وأبوهما خير منهما) ولم يخرجاه (تولى) الحسن رضى الله عنه الخلافة بعد قتل ابيه يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رمضان سنة اربعين من الهجرة بايعه أربعون ألفا من أهل العراق. وأول من بايعه قيس بن سعد بن عبادة، قال له: ابسط يدك ابايعك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقتال المحلين (أى من استحلوا قتل على ولعنه) فقال الحسن: على كتاب الله وسنة نبيه فإنهما يأتيان على كل شرط فبايعه الناس على ذلك. (وقد) كان على رضى الله عنه جهز جيشا لحرب الشام فأمر الحسن بخروج هذا الجيش تنفيذا لما عزم عليه ابوه وسير قيس بن سعد طليعة له ولكنه كان رضى الله عنه يكره الفتن واراقة الدماء، ويحب الألفة وجمع الكلمة. فارسل الى معاوية ابن ابى سفيان طالبا الصلح على شررط اشتراطها، وينزل لمعاوية عن الخلافة. فأرسل له معاوية مختوما ليس فيه كتابا طالبا منه أن يشترط لنفسه ما شاء، فكتب الحسن شروطا أهمها تأمين جيشه وشيعة على كلهم. فقبلها معاوية وقدم العراق وقابله الحسن بجيشه وبايعه بالخلافة هو وجنده فى أواخر ربيع الأول سنة إحدى واربعين هجرية. (وبهذا) تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم (قال) ابو بكر رضى الله عنه: رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن على معه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين قئتين من المسلمين، أخرجه البخارى (**) {330} (وقال) ابو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس وكان الحسن بن على يثبت على ظهره اذا سجد فعل ذلك غير مرة فقالوا له: انك لتفعل =

فرجع المقدام أى قال: إنا لله وإنا اليه راجعون. فقال له فلان (¬1): أتعدها مصيبة؟ فقال له: ولم لا اراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجره فقال: هذا منى وحسين من على (¬2) فقال الأسدى: جمرة أطفأها الله (¬3) فقال المقدام: أما أنا فلا ابرح اليوم حتى أغيظك واسمعك ما تكره. ثم قال يا معاوية: إن أنا صدقت فصدقنى وإن أنا كذبت فكذبنى قال افعل. قال: فانشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ¬

= بهذا شيا ما رايناك تفعله بأحد. قال: ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين. فلما ولى لم يهرق فى خلافته بمحجبة من دم. اخرجه] 331 [انظر ص 330 جـ 1 - الإصابة فى تمييز الصحابة (ترجمة الحسن بن على) (وكانت) خلافته سنة اشهر واياما. توفى رضى الله عنه سنة تسع واربعين أو سنة خمسين مسموما، قيل سمته امرأته جعدة بإشارة يزيد بن معاوية (قال) عمر بن إسحاق: دخلت أنا وصاحب لى على الحسن بن على فقال: لقد لفظت طائفة من كبدى، وإنى قد سقيت السم مرارا فلم اسق مثل هذا فأتاه الحسين بن على رضى الله عنهما فساله من سقاك؟ فابى أن يخبره أخرجه ابن سعد (57) انظر ص 331 ج 1 - الإصابة فى تمييز الصحابة. (¬1) فلان هو معاوية بن ابى سفيان. وأعجب العجب منه ألا يرى مثل موت الحسن ابن على - ابن بنت رسول اله صلى الله عليه وسلم الذى قد سماه سيدا - مصيبة وموتة من أعظم المصائب. ولله در المقدام رضى الله عنه فقد تكلم الحق وجاهر به ولم يخش فيه لومة لائم هكذا يكون المؤمن الصادق. (¬2) " هذا " أى الحسن منى أى يشبهنى والحسين يشبه عليا رضى الله عنهم وكان الحسن ذا حلم وأتاه كالنبى صلى الله عليه وسلم وكان الحسين ذا شدة وباس كابيه رضى الله عنهم. (¬3) جمرة الخ يريد أن الحسن رضى الله عنه كان فتنه. فلما توفى سكنت وما قال السدى ذلك إلا ملقا وتقربا الى معاوية فض الله فاه، وجزى المقدام خيرا

وسلم ينهى عن لبس الذهب؟ قال نعم. قال فانشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال نعم. قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال نعم. قال فوالله قد رايت هذا كله فى بيتك يا معاوية فقال معاوية: قد علمت أنى لن أنجو منك يا مقدام. قال خالد فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه (¬1) وفرض لابنه فى المائتين (¬2) ففرقها المقدام على اصحابه ولم يعط الأسدى أحدا شيئا مما أخذ. فبلغ ذلك معاوية، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده، وأما الأسدى فرجل حسن الإمساك لشيئه (¬3) أخرجه أحمد وابو داود وهذا لفظه وكذلك النسائى مختصرا وفى سنده بقية بن الوليد وهو مدلس، لكن فى سند أحمد تصريح بقية بالتحديث فانتفى تدليسه (¬4) {332}. (قال) ابن تيمية: وهذه النصوص تمنع استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه فى اليابسات وتمنع بعمومها طهارته بذكاة أو دباغ أهـ. (ورد) بأنه غير مسلم، لاحتمال أن النهى فى هذه الأحاديث عن مجرد افتراش جلود السباع والركوب عليها ن لما فيه من الخيلاء. ولا ملازمة بين ذلك وبين المجاسة ن كما لازمه بين النهى عن الذهب والحرير وبين نجاستهما. فلا معارضة ن بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها وافتراشها خيلاء وتكبرا (ويحتمل) أن النهى عما لم يدبغ منها جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على طهارة جلد الميتة مطلقا بالدباغ وجواز الانتفاع بها. ¬

(¬1) الصاحبان هما عمرو بن الأسود والرجل الأسدى. (¬2) فرض أى قدر لابن المقدام مائتى درهم من بيت المال. (¬3) المراد بالشئ المال والمناع. (¬4) انظر ص 132 ج 4 مسند أحمد مختصر حديث المقدام بن معد يكرب. وص 68 ج 4 سنن أبى داود (فى جلود النمور والسباع).

(فالراجح) مذهب غير الحنبلية لقوة أدلته. لما فيه من العمل بكل الأحاديث وعدم طرح شئ منها (قال) فى النيل: وأما الاستدلال بأحاديث الباب على ان الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم " فغير " ظاهر، لأن غاية ما فيها مجرد النهى عن الركوب عليها وافترائها، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة أهـ. 4 - اتخاذ النعل: النعل الحذاء وكل ما يقى القدم. ويستحب لبسها " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل. اخرجه مسلم وابو داود والنسائى وأحمد (¬1) {333}. (والمعنى) ان المنتعل شيبة بالراكب فى خفة المشقة وقلة التعب وسلامة الرجل من أذى الطريق ز وفيه غرشاد الى المصلحة، وتنبيه على ما يخفف المشقة، فغن الحافى المديم للمشى يلقى من الآلام والمشقة بالعثار وغيره، ما يقطعه عن المشى ويمنعه من الوصول إلى مقصوده كالراكب فلذلك شبه به أفادة الحافظ فى الفتح. (وعن) انس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أمرت بالنعلين والخاتم. أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخى وهو ضعيف (¬2) {334}. (وعن) عبيد بن جريح أنه قال لعبد الله بن عمر: رايتك تلبس النعال السبتية ز فقال له: إنى رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التى ليس فيها شعر، ويتوضا فيها فأنا أحب أن ألبسها. اخرجه البخارى ¬

(¬1) انظر رقم 999 ص 499 ج 1 - فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 69 ج 4 سنن ابى داود. (¬2) انظر ص 128 ج 5 مجمع الزوائد (فى النعال والخفاف)

والنسائى والترمذى فى الشمائل (¬1) {335} (وفيه دلالة) على جواز لبس النعال السبتية على كل حال وبه قال الجمهور (وقال) أحمد: يكره لبسها فى المقابر " لقول " بشير بن الخصاصية مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ثلاثا ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ثم حانت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نظرة فإذا رجل يمشى فى القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السبتيين ويحك الق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلعهما فرمى بهما ز اخرجه ابو داود والحاكم وصححه وأحمد (¬2) {336} واحتج به على ما ذكر (وتعقبه) الطحاوى بأنه يجوز أن يكون الأمر يخلعها لأذى فيهما. وقد ثبت فى الحديث أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين وهو دال على جواز لبس النعال فى المقابر. وثبت حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى نعليه (¬3). فإذا جاز دخول المسجد بالنعل الميت كما ورد النهى عن الجلوس على القبر، وليس ذكر السبتيتين للمتخصصين، بل اتفق ذلك. والنهى إنما هو للمشى على القبور بالنعال أهـ. والكلام هنا ينحصر فى اربعة مباحث: ¬

(¬1) انظر ص 264 ج 3 تيسير الوصول (الانتعال) وص 71 شمائل الترمذى و (الستية 9 بكسر فسكون نسبة الى السبت بكسر فسكون. وهى جلود البقر أو كل جلد مدبوغ لا شعر فيه. (¬2) انظر ص 82 ج 9 - المنهل العذب (المشى بين القبور بالنعل) (¬3) (قال) سعيد بن زيد: سالت أنسا أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه؟ قال نعم أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وقد تقدم بيانه بص 161 ج 3 دين (طبعة ثانية) فى بحث. الصلاة فى النعل والخف الظاهرين.

1 - نعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قد ورد فى وصف نعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحاديث منها: (1) حديث يزيد بن الشخير عن الأعرابى أن نعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت مخصوفة. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {337} (2) وحديث ابى هريرة قال: كان لنعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبالان ولنعل ابى بكر قبالان، ولنعل ابى بكر قبالان، ولنعل عمر قبالان. وأول من عقد عقدة واحدة عثمان. أخرجه الطبرانى فى الصغير والبزار بسند رجاله ثقات (¬2) {338} (3) وحديث ابن عباس قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبالان مثنى شراكهما: أخرجه الترمذى فى الشمائل (¬3) {339}. وقد كانت نعله صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة ملسنة (¬4) كما ¬

(¬1) انظر ص 138 ج 5 مجمع الزوائد (فى النعال والخفاف) و (مخصوفة) أى مخروزة قد ضم فيها طاق الى طاق من الخصف وهو ضم شئ الى شئ (وفيه) رد على من زعم أن نعل النبى صلى الله عليه وسلم كانت من طاف واحد. وفيل كان له صلى الله عليه وسلم نعل من طاف، ونعل من اكثر كما دلت عليه الأحاديث. (¬2) انظر ص 138 ج 5 مجمع الزوائد و (القبالان) تثنية قبال بكسر ففتح مخففا وهو السير الذى يعقد فيه الشسع (لكسر فسكون أحد سيور النعلف) الذى يكون بين إصبعى الرجل. (¬3) انظر ص 70 شمائل الترمذى (نعله صلى الله عليه وسلم) و (مثنى شراكهما) أى كان شراك نعله مجعولا اثنين من السبور. (¬4) المخصرة، التى لها حضر دقيق والمعقبة التى لها عقب أى سير من جلد فى مؤخر النعل يمسك به عقب القدم. والملسنة التى فى مقدمها طول على هيئة اللسان. لأن سبابه رجله صلى الله عليه وسلم كانت أطول اصابعه فكان فى مقدم النحل بعض طول لذلك

رواه ابن سعد فى الطبقات وقد بين الحافظ العراقى صفة نعلة صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: ونعله الكريمة المصونة طوبى لمن مس بها جبينه لها قبالان بسير وهما سبتيتان سبتوا شعرهما وطولها شبر واصبعان وعرضها مما يلى الكعبان سبع اصابع وبطن القدم خمس وفوق ذا فيت فاعلم وراسها محدد وعرض ما بين القبالين اصبعان اضبطهما 2 - لون النعل قال بعض العلماء: يستحب كون النعل اصفر ولم يثبت فيه حديث يعتمد عليه. وذكر فيه بعضهم آثارا (قال) العلامة الألوسى فى روح المعانى: وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة، ولهذا كان على كرم الله وجهه يرغب فى النعال الصفر ويقول: من لبس نعلا أصفر قل همه. ونهى ابن الزبير ويحيى بن ابى كثير عن لباس النعال السود لأنها تغم أهـ (وقال) القرطبى: قال ابن عباس: الصفرةتسر النفس، وحض على لباس النعال الصفر حكاة النقاش. وقال على بن ابى طالب كرم الله وجهه: من لبس نعلى جلد أصفر قل همه، لأن الله تعالى يقول: صفراء فاقع (¬1) لونها تسر الناظرين (¬2) حكاه عند الثعلبى. ونهى ابن الزبير وابن ابى كثير عن لباس النعال السود لأنها تهم. ومعنى تسر تعجب أهـ وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس الخف الأسود ¬

(¬1) فاقع لونها " أى شديد الصفرة صاف. (¬2) عجز آية 69 - البقرة.

(روى) بريدة أن النجاشى أهدى للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خفين اسودين ساذجين فلسهما ثم توضأ ومسح عليهما. أخرجه الترمذى فى الشمائل (¬1) {340} 3 - ما يطلب من المنتعل: ما يطلب منه أمور (أ) يستحب له البدء فى لبس النعل باليمنى، وفى خلفه باليسرى " لحديث " ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشمال، لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع. أخرجه البخارى وأبو داود وابن ماجه والترمذى فى الشمائل (¬2) {341} " ولقول " عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن ما ستطاع فى شانه كله. فى طهورة وترجله وتنعله وسواكه. أخرجه أحمد والستى والترمذى فى الشمائل (¬3) {342} " ولحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذ لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم. أخرجه ابو داود وابن حبان (¬4) {343}. (قال) القاضى عياض: الأمر فى هذه الأحاديث للاستحباب إجماعا. (وقال) ابن عبد البر: من بدا فى الانتعال باليسرى اساء، لمخالفته السنة. (ب) ويستحب لداخل المسجد تفقد نعله لإزالة ما علق بها فى نجس ¬

(¬1) انظر ص 68 شمائل الترمذى (خفة صلى الله عليه وسلم) و (ساذجين) بفتح الذال وكسرها أى لم يخالط سوادهما لون آخر. (¬2) انظر رقم 495 ص 304 ج 1 فيض القدير وص 73 شمائل الترمذى. (نعله صلى الله عليه وسلم). (¬3) انظر رقم 6995 ص 207 ج 5 فيض القدير. وص 73 شمائل الترمذى. و (الترجل) تسريح الشعر وتنظيمه وتحسينه. (¬4) انظر رقم 843 ص 436 ج 1 - فيض القدير.

" لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد. أخرجه الدار قطنى (¬1) {344}، و (تقدم) نحوه عن أبى سعيد الخدرى فى " بحث الصلاة فى النعل والخف الطاهرين " (¬2) (جـ) ويستحب للمنتعل أن يفسخ لأخيه الحافى فى الطريق السوى، رافة منه ولطفا ومودة وحرضا على دفع الأذى عن أخيه المسلم وإيصال النفع إليه وامتثالا لأمر النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم (روى) جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ليوسع المنتعل للحافى عن جدد الطريق، فإن المنتعل بمنزلة الراكب. أخرجه الخلال (¬3) {345}. (د) ويسن له خلع النعل إذا جلس ليستريح قدمه. وأن يجعلها وراءه أو على يساره، إلا لعذر كخوف عليها " لقول " ابن عباس: من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه، أخرجه أبو داود بسند حسن (¬4) {58} " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا جلستم فاخلعوا نعالكم - أحسبه قال - تستريح اقدامكم، أخرجه البزار وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمى وهو ضعيف (¬5) {346}. (وقال) السفارينى فى غذاء الألباب: ثم إن الإنسان إذا دخل المسجد وخلع نعليه تركهما أمامه، وقيل عن يساره، لأن النبى صلى الله عليه وعلى ¬

(¬1) انظر رقم 3311 ص 249 ج 3 فيض القدير. (¬2) ولفظه عن ابى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا جاء أحدكم الى المسجد فلينظر، فإن رأى فى نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما أخرجه أحمد وابو داود وابن حبان والبيهقى والحاكم بسند جيد. أنظر رقم 207 ص 161 ج 3 - الدين الخالص طبعة ثانية. (¬3) لم نعثر على مرجعه. و (الجدد) بفتحتين الأرض الصلبة المستوية، والجادة بشد الذال أوسط الطرق واسهلها وقد تخفف. (¬4) انظر ص 70 ج 4 سنن ابى داود (باب الانتعال). (¬5) انظر ص 140 ج 5 مجمع الزوائد (خلع النعل).

آله وسلم لما خلع نعليه وهو فى الصلاة جعلهما عن يساره. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1) ولأن اليسار جعلت للأفعال المستقذرة (قال) القاضى: فأما موضعهما من غير المصلى فإلى جنبه، كما تقدم عن ابن عباس (قال) فى الإقناع: ولا يرمى على وجه الكبر والتعاظة، وإن كان ذلك سببا لإتلاف شئ من ارض المسجد أو أذى أحد لم يجز. يضمن ما تلف بسببه. والأدب ألا يفعل ذلك أهـ. (هـ) ويستحب خلع النعل حال الأكل " لحديث " أنس أن صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا قرب إلى أحدكم طعامه وفى رجله نعلان فلينزع نعليه، فإنه اروح للقدمين. أخرجه البزار وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط (قال) الهيثمى: ورجال الطبرانى ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكونى لم أجد له من محمد بن الحارث سماعا أهـ (¬2) {347}. 4 - ما يكره للمنتعل: هو امور: (أ) يكره له الانتعال قائما إن كان فيه مشقة، وعليه يحمل حديث جابر قال: نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينتعل الرجل قائما. أخرجه أبو داود بسند حسن. وأخرجه البزار عن أنس بسند فيه عنبسة ابن سالم، ضعفه أبو داود. وأخرجه الضياء المقدسى فى المختارة والترمذى وصححه (¬3) {348}. (قال) الخطابى: إنما نهى عن لبس النعل قائما، لأن لبسها قاعدا اسهل عليه وأمكن له، وربما كان لبسها قائما سببا لانقلابه فامر بالقعود، لأنه اسهل واسلم من المفسدة أهـ. ¬

(¬1) ولفظه عن ابى سعيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى باصحابه اذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره (الحديث) تقدم تاما رقم 207 ص 161 ج 3 دين 9 الصلاة فى النعل والخف الطاهرين (¬2) انظر رقم 795 ص 417 ج 1 فيض القدير. (¬3) انظر ص 69 ج 4 سنن ابى داود (الانتعال).

(وبهذا) قال بعض العلماء (وقال) ابو بكر الخلال: كتب إلى يوسف ابن يعد الله: حدثنا الحسين بن على بن الحسين أنه سأل ابا عبد الله (يعنى الإمام أحمد) عن الانتعال قائما. قال لا يثبت فيه شئ. قال القاضى: وظاهر هذا أنه ضعف الأحاديث فى النهى. ذكره السفارينى فى غذاء الألباب. (ورد) بأن الحديث صححه الترمذى وحسنه غيره كما تقدم. (ب) ويكره المشى فى نعل أو خف واحدة لغير عذر " لحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يمشى أحدكم فى النعل الواحدة لينتعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا. اخرجه الشيخان وابو داود والترمذى. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: لا يمش أحدكم فى نعل واحدة أو خف واحدة. اخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة متكلم فيه. قال الهيثمى: ورجاله رجال الصحيح (¬1) {349}. " ولحديث " ابى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يمشى الرجل فى نعل واحدة أو خف واحدة. أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة متكلم فيه. قال الهيثمى: ورجاله رجال الصحيح (¬2) {350} " ولحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشى فى نعل واحدة حتى يصلح شسعه. ولا يمشى فى خف واحد ولا يأكل بشماله. اخرجه مسلم وأبو داود والنسائى (¬3) { 351} " ولحديث " ابى هريرة أن النبى ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 4 سنن ابى داود. وص 264 ج 3 تيسير الوصول (الانتعال) ولا يمشى نفى بمعنى النهى. وفى رواية البخارى وغيره: لا يمشى بالنهى. (¬2) انظر ص 139 ج 5 مجمع الزوائد (لا يمشى أحد فى نعل واحدة). (¬3) انظر ص 70 ج 4 سنن ابى داود (فلا يمش فى نعل ... ) أى ليس له أن يمشى فى نعل واحدة اذا قطع شسع نعله الأخرى حتى يصلح ما قطع فيمشى بالنعلين وهذا من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا منع المشى فى نعل واحدة مع الاحتياج لإصلاح الأخرى فمع عدم وجودها أولى. وهو يدل على ضعف قول على: كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا انقطع شسع نعله فى نعل واحدة والأخرى فى يده حتى يجد شسعا. أخرجه الطبرانى فى الأوسط] 352 [انظر ص 139 ج 5 مجمع الزوائد (المشى فى نعل واحدة) ولعل عليا رضى الله عنه لم يبلغه النهى " وكذا " ما روى عن على وابن عمر أيهما فعلا ذلك " فهو " محمول على أنه لم يبلغهما النهى، أو بلغهما فحملاه على التنزيه، أو كان زمن فعلهما يسيرا بحيث يؤمن معه المحذور. افاده الحافظ فى الفتح (وقال) قال ابن عبد البر: لم يأخذ أهل العلم برأى عائشة فى ذلك. والتقييد بقوله لا يمش قد يتمسك به من أجاز الوقوف بنعل واحدة اذا عرض للنعل ما يحتاج إلى اصلاحها، وقد اختلف ذلك، فنقل عياض عن مالك أنه قال: يخلع الأخرى ويقف قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح فى الفتوى وفى الأثر، وعليه العلماء، ولم يتعرض لصورة الجلوس والذى يظهر جوازها بناء على أن العلة فى النهى حصول المشقة للحافية .. أما على أن العلة فى النهى إرادة العدل بين الجوارح ن فإنه يتناول هذه الصورة ايضا أهـ بتصرف.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه فلا يمش فى الأخرى حتى يصلحها. أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (¬1) {353}. (قال) الخطابى: الحكمة فى النهى أن النعل شرعت لوقاية الرجل مما يكون فى الأرض من شوك أو نحوه، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشى أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى، فيخرج بذلك عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار. وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأى أو ضعفه (وقال) البيهقى: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن يرى ذلك منه. أفاده فى الفتح. (وقال) الخطابى أيضا: ويدخل فى النهى عن المشى فى نعل واحدة كل لباس شفع كالخفين وإدخال اليدين فى الكمين، ووضع الرداء على المنكبين. فيكره إدخال يد فى كم وإخراج الأخرى، ووضع الرداء على أحد المنكبين دون الآخر، وهذا فى الخف ظاهر، لأنه قد نص عليه كالنعل. وفى غيره لا يظهر إلا إن كانت علة النهى إرادة العدل بين الجوارح وترك الشهرة. (جـ) يكره لبس النعل والخف قبل نفضها " لقول " ابى أمامة: دعا ¬

(¬1) انظر ص 37 راموز الأحاديث.

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخفيه يلبسهما. فليس إحداهما ثم جاء غراب فاحتمل الأخرى فرمى بها فخرجت منها حية. فقال النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضها. أخرجه الطبرانى (¬1) {354} وفيه هاشم بن عمرو. قال الهيثمى: ولم اعرفه إلا أن ابن حبان ذكره فى الثقات. وفيه إسماعيل بن عياش وشيخه شامى، فرواته ثقات وهو صحيح إن شاء الله أهـ بتصرف. " لقول " ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اراد الحاجة ابعد، فانطلق ذات يوم لحاجته ثم توضأ ولبس أحد خفيه فجاء طائر أخضر فأخذ الخف الآخر فارتفع به ثم ألقاه، فخرج منه اسود سالح فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذه كرامة أكرمنى الله بها، اللهم إنى أعوذ بك من شر من يمشى على بطنه، ومن شر من يمشى على رجلين، ومن شر من يمشى على اربع. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده سعد بن طريف واتهم بالوضع. قاله الهيثمى (¬2) {355}. (د) ويكره للرجال والنساء لبس نعل له صوت إعجابا بصوته لأنه زى اليهود (قال) السفارينى فى غذاء الألباب: نص الإمام أحمد رضى الله عنه على كراهة اتخاذ النعال السندية (¬3) قال له المرزوى: أمرونى فى المنزل أن اشترى لهم نعلا سنديا للصبية. فقال لا تشتر ز فقلت يكره للنساء والصبيان؟ قال: نعم أكرهه. وإن كان للمخرج والطين فأرجو (¬4) وأما ان اراد الزينة فلا (وقال) عن شخص لبسها يتشبه بأولاد الملوك، أكرهه. وقال فى رواية صالح: إذا كان للوضوء فارجو. وأما للزينة فأكرهه للرجال والنساء. " وحكى " ابن الجوزى عن ابن عقيل تحريم الصرير فى المداس. ويحتمله كلام أحمد أهـ بحذف. ¬

(¬1) انظر ص 140 ج 5 مجمع الزوائد (النهى عن لبس الخف قبل أن ينقضها). (¬2) انظر ص 203 ج 1 - مجمع الزوائد (الأبعاد عند قضاء الحاجة) و (أسود) اسم للحية العظيمة و (سالح) أى له سلاح يؤذى به. (¬3) السندية، بكسر فسكون نسبة الى السند وهى نعال لها صوت كصرير الباب. (¬4) أى أن اتخذ السندى لمحل قضاء الحاجة والعمل فى الطبن فارجو أن لا بأس به.

(فوائد) (الأولى) يباح المشى فى قبقاب خشب فقد قال الإمام أحمد: لا باس بالخشب أن يمشى فيه إن كان لحاجة. قاله فى غذاء الألباب. (الثانية) يندب المشى حافيا بلا نعل أحيانا إن أمن مؤذيا ومنجسا، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقد كان يمشى حافيا، لاسيما إلى عيادة المريض تواضعا وطلبا لمزيد الأجر (قال) ابن عمر رضى الله عنهما - فى عيادة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن عبادة رضى الله عنه - فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشى فى السباخ. أخرجه مسلم (¬1) {356}. (وعن) قضالة بن عبيد رضى الله عنه أنه لما كان أميرا بمصر قال له بعض أصحابه: لا أرى عليك حذاء. قال: كان بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمرنا أن نختفى أحيانا. أخرجه أبو داود (¬2) {357}. (وعن) ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشى حافيا وناعلا. أخرجه البزار بسند رجاله ثقات وصححه العراقى (¬3) {358}. (وعن) ابى حدرد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: تمعددوا واخشوشنوا وانتصلوا وامشوا حفاة. أخرجه الطبرانى وابن شاهين وأبو نعيم، وفى سنده يحيى بز زكريا بن ابى زائدة وهو ضعيف. وأخرجه ابن عدى من حديث أبى هريرة (قال) المناوى: الكل ضعيف (¬4) {359}. (وقال) الحافظ ¬

(¬1) انظر ص 318 ج 2 تخريج أحاديث الإحياء للعراقى (جملة من محاسن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم) و (السباخ) جمع سبخة بفتح فسكون، وهى ارض تعلوها الملوحة لا تكاد تنبت. (¬2) لم نعثر عليه فى سنن أبى داود. (¬3) انظر ص 371 ج 2 - الإحياء للغزالى. (¬4) انظر ص 136 ج 5 مجمع الوائد (ترك الرفاهية) ورقم 3364 ص 268 ج 3 فيض القدير. و (تمعددوا)، أى تشبهوا بمعد بن عدنان فى تقشفه وخشونة عيشه وفى رواية تمعززوا، أى تشددوا فى الدين من العز والقوة (وانتضلوا) (أى تعلموا الرمى بالنضال أى السهام 0 وفيه) الحث على التواضع والنهى عن إفراط الترفه (قال) الغزالى رحمة الله: التنزين بالمباح مباح، لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تكون الا بمباشرة اسباب يلزم منها فى الغالب ارتكاب المعاصى من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك.

العراقى: يمشى بلا نعل ولا خف إلى * عيادة المريض حوله الملا (الثالثة) ينبغى للعاقل ألا يلتزم حالا واحدة من العيش، بل يكون كما وضعه الله عز وجل. فإذا وسع الله عليه فلا باس أن يظهر اثر نعمته عليه من غير كبر ولا عجب. وإذا تقلص عنه العيش فليلزم الصبر والرضا، وليكن مطمئن القلب منشرح الصدر، حتى يكون من خير عباد الله. فإن هذا شان العبد مع سيده إن منحه شكر، وإن منعه صبر ن وليتذكر (قول) النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يحب المؤمن المتبذل الذى لا يبالى ما لبس. أخرجه البيهقى فى الشعب عن ابى هريرة وفيه ابن لهيعة ولذا ضعفه المنذرى (¬1) {360} (وقوله) صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ليس البر فى حسن اللباس والزى، ولكن البر السكينة والوقار. أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس عن ابى سعيد الخدرى وضعفه السيوطى (¬2) {361}. (وروى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من لبس ثوب شهرة فى الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا. أخرجه ابن ماجه بسند حسن (¬3) {362} ¬

(¬1) انظر رقم 1872 ص 289 ج 2 فيض القدير و (لا يبالى ما يلبس) أى أهو من فاخر اللباس أم من أدناه. (¬2) انظر رقم 7571 ص 356 ج 5 فيض القدير. (¬3) انظر ص 198 ج 1 سنن ابن ماجه (من لبس شهرة من الثياب) أى من لبس ثوبا يقصد به الشهرة بين الناس سواء أكان نفيسا تفاخرا أم خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء

(الرابعة) يجوز اتخاذ الستور على الأبواب والمنافذ إذا لم تكن حريرا ولا فيها صورة محرمة. أما الستر من الحرير فحرام، وما فيه صورة فمكروه " لحديث " عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى فاطمة فوجد على بابها سترا فلم يدخل. وقلما كان يدخل إلا بدأ بها. فجاء على فرآها مهتمة فقال مالك؟ قالت: جاء النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى فلم يدخل فأتاه على وقال: يا رسول الله إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها قال وما أنا والدنيا، وما أنا الرقم فذهب الى فاطمة وأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: قل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يأمرنى به؟ قال: قل لها فاترسل به إلى بنى فلان. أخرجه أبو داود (¬1) {363}. ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 4 سنن ابى داود (اتخاذ الستور)، (وما أنا والدنيا) (أى ليس لى الفة بها ولا لها ومحبة معى حتى ارغب فيها. ويحتمل أن ما استفهامية اى: أى الفة لى بالدنيا؟ 0 والرقم) بفتح فسكون، النقش والوشى والمراد بينى فلان قوم فقراء فى حاجة الى لبس الستر.

(ويكره) تغطية الجدران بالثياب مطلقا ولو من غير الحرير ومما لا صورة فيه " لحديث " زيد بن خالد الجهنى عن أبى طلحة الأنصارى أن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى بعض مغازية وكنت أتحين قفوله فأخذت نمطا كان لنا فسترته على العرض فلما جاء استقبلته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذى أعزك وأكرمك، فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد على شيئا ورايت الكراهية فى وجهه، فأتى النمط حتى هتكه ثم قال: إن الله يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن، فقطعته وجعلته وسادتين وحشوتهما ليفا ن فلم ينكر ذلك على. أخرجه مسلم وابو داود (¬1) {364}. (قال) النووى فى شرح مسلم: استدلوا به على المنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب. وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح أهـ. (وقال) فى المجموع " وإطلاق " المقدسى التحريم فى غير المصورة من غير الحرير " ضعيف " والصواب أنه مكروه وليس بحرام " وأما حديث " عائشة فى صحيح مسلم قالت: أخذت نمطا فسترته على الباب، فلما قدم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى النمط عرفت الكراهية فى وجهه، فجذبه " من وجهين " أحدهما " أن هذا النمط كان فيه صورة الخيل وغيرها. وقد صرح بذلك فى باقى روايات الحديث فى مسلم " والثانى " أنه ليس فى حقيقة اللفظ تصريح بتحريمه، بل فيه أن الله تعالى لم يأمر به. وهذا إنما يقتضى أنه ليس بواجب ولا مندوب أهـ. 5 - كسوة الكعبة: تقدم أنه يكره تغطية الجدران بالثياب. ويستثنى من ذلك " الكعبة " فإن كسوتها مشروعة ولو بالديباج تعظيما لها وهو مجمع عليه كما قاله الحافظ فى الفتح. (قال) ابن جريح: أخبرت أن عمر كان يكسوها القباطى، وأخبرنى غير واحد أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كساها القباطى والحبرات. وابو بكر، وعمر، وعثمان. أخرجه عبد الرزاق (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 73 ج 4 سنن ابى داود (الصور) و (النمط) بفتحتين بساط لطيف له خمل (أى وبر) وقيل ثوب من صوف يجعل سترا و (العرض) بفتح فسكون الخشية المعترضة يسقف بها البيت ويوضع عليها الخشب الصغير وقال الهروى المحدثون يروونه بالضاد المعجمة وهو بالصاد أو السين، خشية توضع على البيت عرضا اذا ارادوا تسقيفه، ثم تلقى عليه أطراف الخشب القصار يقال عرصت البيت تعريصا. وذكره ابو عبيد بالسين وقال: والبيت المعرس الذى له عرس وهو الحائط تجعل بين حائطى البيت لا يبلغ به اقصاه والحديث فى سنن ابى داود بالضاد المعجمة وفى غريب الحديث بالصاد المهملة أو بالسين. (¬2) (انظر ص 297 ج 3 فتح البارى 0 فى معرفة يده كسوة البيت) و (القباطى بضم القاف جمع قبطية بكسر أو ض ... م فسكون وهو ثوب من كتان رقيق يصنع بمصر والحبرات جمع حبرة معنبة، برود نصنع باليمن.

" ولحديث " علقمة بن ابى علقمة أن أمه قالت: سالت عائشة أنكسو الكعبة؟ قالت: المراء يكفونكم. أخرجه عبد الرزاق (¬1) (وعن) ابن عمر أنه كان يكسو بدنه بالقباطى والحبرات يوم يقلدها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها الى شيبة بن عثمان فناءلها على الكعبة. أخرجه الفاكهى بسند صحيح وزاد فى رواية صحيحة فلما كست الأمراء الكعبة جللها (أى البدن) القباطى ثم تصدق بها (¬2). هذا: وأول من كساها أسعد أبو كرب تبع ملك حمير قبل الهجرة بقرنين كساها الخصف والمعافر والملاء والوصائل والعصب والمسوح والأنطاع والبرود (¬3) وجعل للكعبة بابا ومفتاحا (قال) الحافظ فى الفتح: روى الفاكهى من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه قال: زعموا أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن سب أسعد، وكان أول من كسا البيت الوصائل، ورواه الواقدى عن معمر عن همام بن منبه عن ابى هريرة مرفوعا. وأخرجه الحارث ابن ابى اسامة فى مسنده عنه. وزعم بعضهم أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وقيل إن عدنان أول من كسا الكعبة أو كسيت فى زميه أهـ (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 297 ج 3 فتح البارى و (البدن) بضمتين او بضم فسكون جمع بدنة، وهى ما يهدى الى الحرم من الإبل والبقر. (¬2) انظر ص 297 ج 3 فتح البارى و (البدن) بضمتين او بضم فسكون جمع بدنة، وهى ما يهدى الى الحرم من الإبل والبقر. (¬3) الخصف، بفتحتين جمع خصفة بفتحات وهى الثوب الغليظة جدا، والمعافرة فى الصل اسم بلد، سميت به الثياب التى تصنع فيه، والملاء بضم ففتح جمع ملاءة، وهى ثوب لين رقيق ينسج قطعة واحدة، وتسمى الربطة بفتح فسكون والوصائل جمع وصيلة وهى ثوب أحمر مخطط يصنع باليمن. والعصب بفتح فسكون برود يمانية يجمع غزلها ويسد ثم يصبغ وينسج مع غير المعصوب فيأتى موشى. والمسوح بضمتين جمع مسح كحمل، وهو ثوب من الشعر غليظ والانطاع جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها، وهو بساط من الجلد، والبرود جمع برد وهو ثوب مخطط وكساء بلتحف به. (¬4) ملخص من ص 297 ج 3 فتح البارى (فى معرفة بدء كسوة البيتث) وعلم منه إن فى أول من كساها ثلاثة اقوال: تبع ملك حمير وإسماعيل وعدنان فإن ثبتت فيجمع بينها بأن غسماعيل أول من كساها مطلقا، وأما تبع فاول من كساها الأنطاع والوصائل، وأما عدنان فعله أول من كساها بعد اسماعيل.

ولما بنت قريش الكعبة عملوا لعا كسا شتى من أنواع الثياب. ولم تزل تكسوها حتى كان زمن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى، وكان ذا مال فقال: أكسوها من مالى عاما وقوموا بكسوتها عاما. واستمر الأمر على هذا الى عهد النبى صلى الله عليه وسلم " فقد " روى الواقدى عن إبراهيم بن أبى ربيعة قال: كسى البيت فى الجاهلية الأنطاع. ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثياب اليمانية. ثم كساه عمر وعثمان القباطى. (وروى) الدار قطنى فى المؤتلف أن أول من كسا الكعبة الديباج نتيلةبنت جناب والدة العباس بن عبد المطلب، كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج. وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت، فرده عليها رجل من جذام فكست الكعبة ثيابا بيضا (وهذا) محمول على تعدد القصة (وحكى) الأرزاقى أن معاوية كساها الديباج والقباطى والحبرات فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، والقباطى فى آخر رمضان. وكساها الديباج يزيد بن معاوية، وابن الزبير، وعبد الملكبن مروان. وكانت كل كسوة تطرح على سابقتها، حتى سنة 160 هجرية حج المهدى العباسى، فأمر بتجريدها وألا يسدل عليها إلا كسوة واحدة. (والصحيح) أن أول من أمر بتجريدها من الكسوة العتيقة سيدنا عمر فكان ينزع كسوتها كل سنة ويستبدل بها جديدة ويقسم الأولى بين الحجاج (وذكر) الفاكهى أن أول من كساها الديباج، المأمون بن الرشيد

فكان يكسوها الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطى أول رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان. وكساها الناصر العباسى ديباجا أخضر. ثم كساها ديباجا أسود واستمر الأمر على هذا إلى الآن. فهى الآن تكسى فى العام مرة واحدة يوم النحر. جرت العادة أن تغسل الكعبة بماء زمزم فى السابع والعشربن من ذى القعدة، وتشمر ستورها وتكسى يوم الأضحى، ويأخذ الأشراف وبنو شيبة الكسوة العتيقة ويقتسمونها ويبيعون كل قطعة منها بأوفر الثمن. (هذا) وقد اختلف العلماء فى التصرف فى كسوتها، فقال النووى فى المجموع قال صاحب التلخيص وفيره من الشافعية: لا يجوز قطع أستار الكعبة ولا نقل شئ منها ولا بيعا ولا شراؤها، خلاف ما يفعله العامة يشترونه من بنى شيبة. وارتضاه الرافعى والحليمى. وقال ابن الصلاح: الأمر فيها إلى الإمام يصرفها فى بعض مصارف بين المال بيعا وعطاء، واحتج بما رواه الأزرقى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج. ... وهذا حسن متعين لئلا يؤدى إلى تلفها بطول الزمان. وروى الأزرقى عن ابن عباس وعائشة رضى الله هنهما قالا: تباع كسوتها وتجعل فى سبيل الله والمساكين وابن السبيل. قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة: ولا باس بان يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب وغيرهما. ولا يجوز أخذ شئ من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره. ومن أخذ شيئا منه لزمه رده إليها فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده من عنده فمسحها به ثم أخذه أهـ ملخصا (¬1). 6 - لبس الخرقة: الخرفة لغة قطعة من الثوب والجمع خرق كسدرة وسدر، وفى اصطلاح ¬

(¬1) ملخص من ص 459 - 462 ج 7 مجموع النووى (حكم سترة الكعبة).

الصوفية نوع من الثياب يلبسه الشيخ بعض المريدين حسبما يراه من حاله أو طاق من القماش يلفه على رأسه، يجمع الشيخ بعض الفقراء ويقرءون الفاتحة ويدعون للمريد، ثم يلبسه الشيخ ثوبا خشنا أزرق أو أحمر أو طاقية أو قلنسوة أو رداء أو يعممه. والكلام فيها بنحصر فى ثلاثة فروع. 1 - شرط لبسها: يشترط فيمن يريد لبس الخرقة أن يحسن النية بأن يقصد بلبسها حصول البركة له والتزى بزى القوم الصالحين، لا الرباء والشهرة. وإلا كانت حراما. وأن يكون أهلا لها. وأن يكون الشيخ من العارفين أرباب النظر الصائب والفكر الثاقب. (قال) القطب الشعرانى فى لواقح الأنوار: أحد علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نلبس لباس شبرة ولا لباس فخر ولا مباهاة، كأن نلبس المرقعات الملونة برقع خضر وصفر وحمر وسود ونحو ذلك، أو نلبس بشتا من ليف أو خوص أو حلفاء أو جلودا منزوعة الشعر. أو طرطور جلد أو خوص مكشوفا بغير عمامة، أو شملةحمراء أو خضراء أو نحوهما، أو نلبس طيلسانا رقيقا أو جبة نقية البياض جدا ونحو ذلك إلا بنية صحيحة شرعية. وقد كان الأشياخ لا يلتزمون لونا خاصا، فاعلم ذلم ولا تلبس لباس شهرة (روى) ضمرة بن ثعلبة أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم حلتان من حلل اليمن. فقال: يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة؟ فقال: يا رسول الله لئن استغفرت لى لا اقعد حتى انزعهما عنى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لضمرة، فانطلق سريعا حتى نزعهما عنه. أخرجه أحمد ورجاله ثقات غير بقية فإنه مدلس (¬1) {365} ¬

(¬1) انظر ص 136 ج 5 مجمع الزوائد (فى الثياب الرقاق).

(وعن فاطمة) الزهراء مرفوعا: شرار أمتى الذين غذوا بالنعيم، الذين يأكلون الوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون فى الكلام، أخرجه ابن أبى الدنيا والبيهقى بسند ضعيف (¬1) {366} (وروى) ابن عمر مرفوعا: من لبس ثوب شهرة البسه الله يوم القيامة ثوبا مثله ثم ألهب فيه النار. أخرجه أبو داود (¬2) {367} وتقدم نحوه عند ابن ماجه رقم 362 ص 277 (ويؤخذ) منه أن لبس الشملة الصفراء أو الحمراء أو غيرهما إذا قصد به الشهرة والفخر يكون حراما، وعليه تحمل فتوى قدوة المحققين الشيخ على العدوى بالحرمة. وأخذ منه أنه لا يجوز للشيخ أن يلبس المريد الخرقة إلا إذا كان الشيخ أهلا للإلباس، والمريد أهلا للبس، بخلاف ما شاع فى هذا الزمان من أن كل من أدعى المشيخة يأمر تلميذه بلبس الخرقة، وهو ليس من أهل الكمال. (قال) سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى دور الغواص: قلت لشيخنا على الخواص رحمة الله: ما شرط إلباس الخرقة عندكم؟ فقال: شرط إلباسها أن يعطى الله تعالى ذلك الشيخ من القوة والعزم أنه بمجرد ما يقول للمريد انزع فلنسوتك أو ثوبك مثلا أن ينزع عنه جميع الأخلاق المذمومة. ثم إنه يلبسه القلنسوة التى معه فيخلع عليه فيها جمع الأخلاق المحمودة التى يمكن مثله التخلق بها فمن لم يعطه الله ذلك فهو بإلباسه الخرقة للمريد كالمستهزئ بالطريق أهـ. 2 - فائدة الخرقة: (قال) العارف السهرودى فى عوارف المعارف: لبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد، وتحكيم من المريد للشيخ فى نفسه ز والتحكيم سائغ فى الشرع لمصالح دنيوية. فماذا ينكر المنكر للبس الخرقة على طالب صادق فى طلبة يقصد ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 2 كشف الخفاء (حرف الشين). (¬2) انظر ص 44 ج 4 سنن أبى داود (فى لبس الشهرة).

شيخا بحسن ظن وعقيدة. يحكمه فى نفسه لمصالح دينه يرشده ويهديه ويعرفه الطريق، ويبصره بىفات النفوس وفساد الأعمال، ومداخل العدو فيسلم نفسه إليه ويستسلم لرأيه ويستصوبه فى جميع تصاريفه، فيلبسه الخرقة إظهارا للتفويض والتسليم: ودخوله فى حكم الشيخ دخول فى حكم الله ورسوله وإحياء لسنة المبايعة مع رسول الله صلى الله علية وعلى آله وسلم (ثم قال) وسر الخرقة أن الطالب الصادق إذا دخل فى صحبة الشيخ وسلم نفسه له وصار كالولد الصغير مع الوالد يربيه الشيخ بعلمه المستمد من الله تعالى بصدق الافتقار وحسن الاستقامة ويكون للشيخ بنفوذ بصيرته الإشراف عليه ن فقد يكون المريد يلبس الخشن كثياب المتقفين المتزهدين، وله فى ذلك هوى كامن فى نفسه ليرى بعين الزهادة، فاشد ما عليه لبس الناعم. وللنفس هوى واختيار فى هيئة مخصوصة من الملبوس. كقصر الكم والذيل وطوله وخشونته ونعومته على قدر هواها، فليلبس الشيخ مثل هذا الراكن لتلك الهيئة ثوبا يكون سببا فى كسر هوى نفسه. وقد يكون على المريد ملبوس ناعم أو هيئة فى الملبوس تشرئب النفس الى تلك الهيئة بالعادة، فيلبسه الشيخ ما يخرج النفس من عادتها وهواها. فتصرف الشيخ فى الملبوس كتصرفه فى المطعوم، وكتصرفه فى صوم المريد وإفطاره وكتصرفه فى امر دينه بإرشاده إلى ما يرى له من المصلحة من دوام الذكر والتنفل بالصلاة ودوام التلاوة والخدمة، وكتصرفه فيه برده الى الكسب وغيره، فيأمر كل مريد بما يصلحه من أمر معاشه ومعاده، ولتنوع الاستعدادات تنوعت مراتب الدعوة. قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬1) (فالحكمة) رتبة فى الدعوة وكذا الموعظة والمجادلة، فمن يدعى بالحكمة لا يدعى بالموعظة وبالعكس ن فهكذا الشيخ يعلم من هو على وضع الأبرار ومن هو على وضع المقربين، ومن يصلح لدوام الذكر، ومن يصلح لدوام الصلاة، ومن له هوى فى التخشن أو فى التنعيم، فيخلع المريد من عادته ويخرجه من ¬

(¬1) صدر آية 125 سورة النحل.

مضيق هوى نفسه، ويطعمه باختياره ويلبسه باختياره ويداوى بالخرقة المخصوصة والهيئة المخصوصة داء هواه، ويتوخى بذلك تقريبه إلى رضا مولاه أهـ بتصرف. 3 - دليل لبس الخرقة: (قال) السيوطى فى زاد المسير: قد استنبطت للخرقة أصلا من السنة وهو (ما رواه) البيهقى فى الشعب عن عطاء الخراسانى أن رجلا أتى ابن عمر فساله عن إرخاء طرف العمامة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليها عبد الرحمن بن عوف وعقد له لواء وعلى عبد الرحمن عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته ثم عممه بيده وأفضل موضع اربع اصابع أو نحوها فقال: هكذا فاعتم فإنه أحسن وأجمل (¬1) {368}. (وما رواه) أبو داود والبيهقى عن عبد الرحمن بن عوف قال: عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدلها بين يدى ومن خلفى. وفى سنده شيخ مجهول (¬2) {370}. ¬

(¬1) انظر ص 229 حديث رقم 284 من هذا الجزء وص 12 ج 5 مجمع الزوائد (العمائم) ورواه الطبرانى فى الأوسط مطولا بسند حسن عن ابن عمر قال: كنت عاشر عشرة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم الأربعة وابن مسعود وابن عوف (الحديث) وفيه ثم أمر ابن عوف فتجهز لسرية بعثة عليها فاصبح وقد اعتم بعمامة كرابيس سواد فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ثم نقصها فعممه فارسل من خلفه اربع اصابع أو نحوها ثم قال هكذا بابن عوف فاعتم فإنه أعرب وأحسن] 369 [و (السرية) كعطية قطعة من الجيش، فعليه بمعنى فاعله، لأنها تسرى خفية و (كرابيس) جمع كرباس بكسر فسكون، وهو الثول الخشن من قطن أو غيره. (¬2) انظر ص 55 ج 4 سنن ابى داود (العمائم)

(وظاهر) أنه لا دلالة فى هذه الأخبار على إلباس الخرقة المعروفة عند الصوفية. (وقد) استدل ابن الصلاح وغيره على إلباسها بما تقدم عن أم خالد بنت خالد بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال: من ترون أحق بهذه؟ فكست القوم. فقال إيتونى بأم خالد فأتى بها فألبسها إياها ثم قال. أبلى وأخلفى، مرتين. أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود (¬1) وهو أيضا لا يدل على الدعوى كما هو واضح. (وقد) ذكر الحافظ بن الصلاح سنده فى لبس الخرقة إلى حبيب العجمى عن الحسن البصرى عن على بن أبى طالب وقال: ولبس بقادح فيما أوردناه كون لبس الخرقة ليس متصلا الى منتهاه على شرط أصحاب الحديث فى الأسانيد (¬2) أهـ. ¬

(¬1) تقدم ص 189 رقم 204 (ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا). (¬2) و (لبس الخرقة ليس متصلا ... ) هذا على ما رآه تبعا للبخارى وابن معين من عدم ثبوت سماع الحسن من على. ونحوه قول ابن الجزرى، وقد ساق سنده بلبس الخرقة من طريق الحسن، وقال: كذا وصلت لنا خرقة التصوف من طريق القوم، وأهل الحديث لا يثبتون للحسن سماعا من على مع انه عاصره بلا شك، يثبت أنه رآه، وأنه ولد فى خلافة عمر ن وصح أنه سمع خطبة عثمان أهـ. ورأت طائفة منهم الحافظ ضياء الدين المقدسى صحة سماع الحسن من على لتصريحه به فيما رواه أبو يعلى قال: أخبرنا جوبرية بن اشرس، أخبرنا عقبة بن ابى الصهباء الباهلى، سمعت الحسن يقول: سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره. أنظر ص 390 راموز الأحاديث قال محمد بن الحسن الصريفينى: هذا نص صريح فى سماع الحسن من على. ورجاله ثقات، جوبرية وثقة ابن حبان، وعقبة وثقة أحمد وابن معين أهـ] 371 [(واخرج) المزى من طريق ابى نعيم بإسناده الى يونس بن عبيد قال: قلت الحسن إنت تقول =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تدركه. قال باين أخى لقد سالتنى عن شئ وكان فى زمن الحجاج - كل شئ سمعتنى اقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عن على ن غير أنى فى زمان لا استطيع أن اذكر عليا أهـ (قال) الحافظ السيوطى فى " إتحاف الفرقة. برفو الخرقة ": وأنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصرى من على بن ابى طالب وتمسك بهذا بعض المتأخرين فخدش به فى طريق لبس الخرقة. واثبته جماعه وهو الراجح عندى لوجوه. ثم ساق ما يدل على سماع الحسن البصرى من على بن ابى طالب رضى الله عنه فقال: ذكر ما وقع لما من رواية الحسن عن على. (قال) أحمد فى مسنده: حدثنا هشام أخبرنا يونس عن الحسن عن على قال ك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رفع القلم عن ثلاثة، المجنون المغلوب على عقلة حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم وأخرجه الترمذى وحسنه، والنسائى والحاكم وصححه، والضياء المقدسى فى المختارة رقم 19 ص 94 ج 8 - الدين الخالص] 372 [. (قال) الحافظ زين الدين العراقى فى شرح الترمذى عند الكلام على هذا الحديث: قال على بن المدينى: الحسن رأى عليا بالمدينة وهو غلام وقال ابو زرعة: كان الحسن البصرى يوم بويع لعلى، ابن اربع عشرة سنة، ورأى عليا بالمدينة. ثم خرج الى الكوفة والبصرة ولم يبقه الحسن بعد ذلك وقال الحسن ن رايت الزبير يبايع عليا أهـ ويحمل قول النافى على ما بعد خروج على من المدينة. (وقال) النسائى: حدثنا الحسن بن احمد بن حبيب شاذ بن فياض عن عمر ابن ابراهيم عن قتادة عن الحسن عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: افطر الحاجم والمحجوم وأخرجه احمد وابن حبان والحاكم. انظر رقم 197 ص 362 ج 2 دين] 373 [وقال الصحاوى حدثنا أحمد بن داود بسنده الى قتادة عن الحسن وخلاس بن عمرو أن عليا قال فى الرهن يترادان فى الزيادة والنقصان جميعا فإن اصابته جائحة برئ (59) انظر ص 254 ج 2 (الرهن يهلك فى يد المرتهن) =

(فتحصل) أن لبس الخرفة وإلباسها بالكيفية التى عليها صوفية الزمان لا دليل عليه من الشرع (قال) العارف السهرورى فى عوارف المعارف: ولا خفاء أن لبس الخرقة على الهيئة التى تعتمدها الشيوخ فى هذا الزمان لم يكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه الهيئة والاجتماع لها والاعتداء بها فى استحسان الشيوخ أهـ. (قال) العلامة الشيخ محمد بن عبد الباقى الزرقانى فى كتابه " تلخيص مختصر المقاصد الحسنة: فى الأحاديث المشهرة: لبس الخرفة المشهور بين الصوفية باطل لا اصل له. نص عليه جمع من الحفاظ حتى ممن لبسها اقتداء بالسادة الصوفية. وللجلال السيوطى مؤلف سماه " إتحاف الفرقة برقو الخرقة ". لكن غاية ما فيه إثبات أن الحسن البصرى سمع من على فى الجملة. وليس فيه إثبات أن عليا البس الحسن. وى أن المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس عليا الخرقة على الصورة المتعارفة بينهم أهـ. (وقال) المحدث الشيخ إسماعيل العجلونى فى كشف الخفاء: لبس الخرقة الصوفية وكون الحسن البصرى لبسها من على: قال فى المقاصد: قال ابن دحية وابن الصلاح: باطل. وقال الحافظ بن حجر: ليس فى شئ من طرقها ¬

= (وقال) الدار قطنى: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا داود بن رشيد حدثنا ابو حفص الأبار عن عطاء بن السائب عن الحسن عن على قال: الخلية والبرية والبته والبائن والحرام، ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (60) ص 438 - الدار قطنى (الطلاق). (وقال) (الطحاوى): حدثنا ابن مرزوق حدثنا عمرو بن ابى رزين حدثنا هشام بن حسان عن الحسن عن على قال ليس فى مس الذكر وضوء ورواه ايضا عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حسين ورجل آخر (61) انظر ص 47 - ج 1 الطحاوى (مس الفرج عل يجب فيه الوضوء؟ ) (وذكر) السيوطى أحاديث اخر كلها من طريق الحسن عن على رضى الله عنه

ما يثبت ولم يرد فى خير صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم البس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لبعض اصحابه، ولا أمر أحد من الصحابة بفعل ذلك. وكل ما ورد فى ذلك صريحا فباطل. ثم قال: إن من الكذب المفترى قول من قال: إن عليا البس الخرقة الحسن البصرى. (وقال) فى التمييز: لم ينفرد الحافظ بن حجر بهذا، بل سبقه إليه جماعة حتى من لبسها وألبسها كالدمياطى والذهبى والهكارى وابى حبان والعلائى والعراقى وابن ملقن والأنباسى والبرهان الحلبى وابن ناصر الدين وغيرهم. (وقال) القارى: وكذا نسبة التلقين المتعارف بين الصوفية لا اصل له، " وكذا " نسبة الخرقة إلى أويس القرنى وأنه الصلاة والسلام أوصى له بخرقته، وأن عمر وعليا سلماها إليه " فغير " ثابت ولو ذكره بعض المشايخ، فالمدار على طريقة الصحة ومتابعة الكتاب والسنة أهـ ملخصا (¬1). (فالصواب) الاقتصار على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام، من مبايعة الناس على السمع والطاعة والوقوف عند الحدود من التخلى عن الرذائل والتحلى بالفضائل. " وأما " ما يقع من متصوفة الزمان من وضع ايديهم فى ايدى الرجال والنساء ومعاهدتهم على أن يكونوا تلامذة لهم ليتمشيخوا عليهم ويشاركوهم فى أموالهم تارة بالأكل فى بيوتهم، تارة بضرب عوائد يدفعونها فى وقت معين كأنها جزية تؤخذ بالجبروت " فهو " إحرام وإفساد خارج عن حد الشرع ولا يقره العقل. نسال الله لنا ولجميع الأمة كمال الهداية وتمام التوفيق. 7 - الفراش: يطلب الاقتصاد فيه والاكتفاء بالمحتاج إليه اقتداء برسول رسول الله صلى ¬

(¬1) انظر ص 137، 138 ج 2 كشف الخفاء (حرف اللام).

الله عليه وسلم وينبغى تجنب لين الفراش (فقد) قال جابر بن عبد الله ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفرش فقال: فراش للرجل وفراش لمراة وفراش للضيف والرابع للشيطان. أخرجه مسلم وابو داود والنسائى (¬1) {373}. (والمعنى) أن ما زاد عن الحاجة من الفراش فاتخاذه للمباهاة والفخر وما كان كذلك فهو مذموم يرتضيه الشيطان ويحسنه فاضيف اليه. ويحتمل أنه على ظاهره. والمعنى أن الزائد عن الحاجة يكون للشيطان عليه مبيت ومقبل هذا وتعدد الفراش للزوج والزوجة إنما يكون عند الحاجة كالمرض ونحوه، وإلا فاجتماعهما فى فراش واحد أفضل. وهو الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم، مع مواظبته على قيام الليل. (فقد) كان ينام مع زوجه فإذا أراد التهجد قام وتركها، فلنقتد به صلى الله عليه وسلموهذا من باب حسن العشرة، لا سيما إن عرف من حالها حرصها على النوم معه. (وقالت) عائشة رضى الله عنها: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذى ينام عليه من أدم حشوة ليف. أخرجه الخمسة إلا النسائى وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬2) {374}. وأخرجه ابو داود عن عائشة قالت: كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آدم حشوها ليف (¬3) {375} (وعنها) قالت: كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ¬

(¬1) انظر ص 270 ج 3 تيسير الوصول (الفرش) بضمتين جمع فراش. (¬2) انظر ص 270 ج 3 تيسير الوصول (فى الفرش والوسائد) و (الآدم) بفتحتين جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ. (¬3) انظر ص 71 ج 4 سنن ابى داود (فى الفراش) و (ضجعة) بكسر فسكون من الاضطجاع، وهو النوم وبفتح الضاد المرة من الاضطجاع. والمراد ما كان مضطجع عليه.

وسلم التى ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه (¬1) {376}. هذا. ويباح وضع ملاءه ونحوها من غير الحرير على الفراش " لحديث " جابر بن عبد الله قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اتخذتم أنماطا؟ قلت وأنى لنا الأنماط؟ فقال أم إنها ستكون لكم أنماط. أخرجه الخمسه. وفي روايه لمسلم: قال جابر. وعند امراتي نمط فانا اقول نحيه عني , وتقول فقد قال رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم. انها ستكون (¬2) {377}. (ففيه) دلاله علي جواز اتخاذ الانماط اذا لم تكن من حرير. وفيه معجزة للنبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم حيث وقع ما اخبر به ولم يكن فى زمانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. 8 - الاثار الموضوعة فى اللباس لم نال جهدا فى ذكر أدلة اللباس وما ألحق به وبيان حالها من صحة وحسن وضعف، وقد قيل فيه ما لم يثبت، فإتمامه للفائدة وتنبيها للغافل، وتحذيرا للعاقل من الاغترار به نبينه هنا وهو سبعة أنواع. 1 - ما قيل فى العمامة: ... (أ) قال المحدث العجلونى فى كشف الخفاء. ومن الموضوع ما أورده الديلمى عن ابن عمر مرفوعا: صلاة بعمامة تعدل بخمس وعشرين صلاة. وجمعة ¬

(¬1) انظر رقم 6868 س 181 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 71 ج 4 سنن ابى داود (الفراش) و (أنماطا) جمع نمط، كسيب وهو ثوب من صوف ذو لون، ولا يقال للابيض نمط.

بعمامة تعدل سبعين جمعة (¬1) وفيه: إن الملائكة يشهدون الجمعة معتمين ويصلون على أهل العمائم حتى تغيب الشمس. وفى لفظ عنه أيضا: جمعة بعمامة أفضل من سبعين بلا عمامة (¬2). (وعنه) وعن ابى هريرة معا: إن لله عز وجل ملائكة وقوفا بباب المسجد يستغفرون لأصحاب العمائم البيض (¬3) (وعن) جابر: ركعتان بعمامة افضل من سبعين بلا عمامة (¬4) (وعن) ابى الدرداء: إن الله وملائكته يصلون على اصحاب العمائم يوم الجمعة (وعن) على: العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين. وبعضه أو هى من بعض أهـ. (ب) وقال العلامة محمد طاهر فى تذكرة الموضوعات: قال فى المقاصد. صلاة بعمامة تعدل بخمس وعشرين. وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة. موضوع. (وقال) فى الذيل عن عبد الله بن عمر. يابنى أحب العمامة. يابنى اعتم تبجل وتكرم وتوقر. ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا، سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن صلاة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بغير عمامة، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة. إن الملائكة ليشهدون الجمعة معتمين ولا يزالون يصلون على اصحاب العمائم حتى تغرب الشمس (قال) ابن حجر. موضوع، فيه عباس بن كثير لم أر له ذكرا فى الغرباء. وفيه غيره، قلت: أخرجه ابن عساكر والديلمى. وفيه ايضا العباس المذكور (صلاة) على كور العمامة يعدل ثوابها عند الله غزوة فى سبيل الله. وضعه إبراهيم (الصلاة) فى العمامة عشرة الاف حسنة. فيه ابان متهم، وفى المقاصد هو موضوع أهـ. ¬

(¬1) انظر ص 25 ج 2 كشف الخفاء (حرف الصاد). (¬2) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره. (¬3) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره. (¬4) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره.

2 - ما قيل فى القباء والمنطقة: (قال) ابو سعيد العقيلى لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يرقى منبر النبى صلى الله عليه وسلم قباء ومنطقة ن فقال ابو البخترى حدثنى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن جبريل نزل على النبى صلى الله عليه وسلم قباء ومنطقة، متحجر فيها تحجيرا، هذا وضعه أبو البخترى (قال) الخطيب أنبأنا التنوخى حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر حدثنى عمر بن الحسن الأشنانى حدثنا جعفر الطيالسى عن يحيى بن معين أنه وقف على حلقة ابى البخترى فإذا هو يحدث هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر فقال له: كذبت يا عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلمن قال فأخذنى إلى والى الشرط (¬1) فقلت هذا يزعم أن رسول رب العالمين نزل على النبى صلى الله عليه وسلمقباء، فقالوا لى هذا والله قاص كذاب، وأفرجوا عنى. قاله السيوطى فى اللالى (¬2). 3 - ما قيل فى لبس الصوف: (أ) قال احمد بن عبد الله الجوئيارى حدثنا سلم بن سالم عن عباد بن كثير عن مالك بن دينار عن الحسن عن أبى هريرة مرفوعا: من سره أن يجلس مع الله تعالى فليجلس مع أهل الصوف، أخرجه الخطيب. قال السيوطى فى اللالى: موضوع، والمتهم به الجوئبارى (¬3). (ب) وقال هناد بن غبراهيم النسفى: أنبانا المنصور بن ربيعة بن أحمد الدينورى ¬

(¬1) أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس بسند ضعيف كما فى الجامع الصغير وقال المناوى إن فيه طارق بن عبد الرحمن. قال الحاكم شيئ الحفظ ومن ثم قال السخاوى هذا الحديث لا يثبت رقم 4468 ص 37 ج 4 فيض القدير. (¬2) الشرط، جمع شرطة كغرفة وغرف، الجند وأعوان السلطان، والوالى الرئيس. (¬3) انظر ص 141 ج 2 - اللآلى المصنوعة (الباس).

حدثنا عبد الرحمن بن الصومعى حدثنا على بن محمد بن البخارى حدثنا ابو زرعة محمد بن على بن محمد حدثنا ابو عمرو سعيد بن القاسم بن العلا البردعى حدثنا فارس بن محمد بن على حدثنا يحيى بن خالد المهلى حدثنا سعدان عن مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: مات النبى صلى الله عليه وسلم فى الصوف وعليه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم، ومات عمر بن الخطاب وعليه ثلاث عشرة رقعة بعضها من أدم. رواه الخطيب، قال السيوطى فى اللالئ موضوع، هناد ومقاتل كذابان، ومن بينهما مجاهيل أهـ (¬1). (جـ) وقال سليمان بن ارقم عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن الأعرج عن ابى هريرة. وحدث سليمان عن صالح بن كيسان عن ابى هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال: من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف وليعقل شاته. أخرجه ابن عدى قال ابن الجوزى: موضوع، سليمان متروك (¬2) (وقال) فى التذكرة فيه سليمان بن أرقم يروى الموضوعات (قلت) الحديث حسن له شواهد فعند البيهقى بوجه آخر: من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الأتن، فليس فى جوفه شئ من الكبر (¬3). (د) وقال فى التذكرة: قال فى الذيل: عن ابن عباس رفعه: نزل جبريل فى بعض الليل فقعد فمسحت يدى على ظهره فاصبت الشعر ن فقلت يا جبريل ما هذا الشعر؟ قال: الصوف لباس الأولياء. قلت سبحان لله الملائكة تلبس الصوف؟ قال نعم يا محمد، والله إن لباس حملة العرش الصوف. فيه عبد الله بن واقد، مظلم الحديث. ¬

(¬1) انظر ص 142 منه. (¬2) انظر ص 142 ج 2 - اللآلى المصنوعة (الباس). (¬3) انظر ص 142 ج 2 - اللالى (اللباس) من رواية ابى نعيم والبيهقى مرسلا وموقوفا و (الأنن) جمع أنان، وهى الأنثى من الحمير.

وحديث: من لبس الصوف ليعرفه الناس كان حقا على الله أن يكسوه ثوبا من جرب حتى تتساقط عروقه. فيه عباد بن كثير متروك أهـ. 4 - ما قيل فى الثوب: (أ) قال سليم بن عيسى أبو يحيى عن سفيان الثورى عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن عائشة أنها قالت، قال رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم، ابغض العباد إلى الله تعالى من كان ثوباه خيرا من عمله، أن يكون ثيابه ثياب الانبياء وعمله عمل الجبارين، أخرجه العقيلى، وقال: سليم مجهول فى النقل، حديثه غير محفوظ منكر (وقال) ابن الجوزى: موضوع. (وقال) فى الميزان: سليم بن عيسى الكوفى القارئ إمام فى القراءة عن الثورى أورد خبرا منكرا ساقه العقيلى وهو هذا، ثم قال: هذا باطل. ولعل هذا الرجل غير القارئ. قاله السيوطى فى اللآلى (¬1). (ب) وقال العجلونى فى كشف الخفاء: من تزيا بغير زيه فقتل فدمه هدر قال فى المقاصد، ليس له أصل يعتمد، ويحكى فيه حكايات منقطعة. (منها) أن بعض الجان حدث به إما عن على مرفوعا، وإما عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا واسطة، ولم يثبت منه شئ أهـ (¬2). 5 - ما قيل فى الخاتم: (أ) قال فى كشف الخفاء: الصلاة بخاتم تعدل سبعين صلاة بغير خاتم. قال فى المقاصد إنه موضوع (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 143 ج 2 اللالئ. (¬2) انظر ص 239 ج 2 كشف الخفاء. (¬3) انظر ص 25 ج 2 كشف الخفاء (حرف الصاد).

(ب) وقال: تختموا بالزبر جد فإنه يسر لا عسر فيه. قال الحافظ بن حجر موضوع (¬1). (جـ) وقال: تختموا بالزمر فإنه ينفى الفقر. رواه الديلمى عن ابن عباس ولا يصح (¬2). (د) وقال: تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر. رواه ابن عدى عن أنس وقال حديث باطل، فيه الحسين بن إبراهيم مجهول. ولذا حكم ابن الجوزى بوضعه واقره السيوطى. ورواه العقيلى والبيهقى وغيرهما عن عائشة بلفظ: تختموا بالعقيق فإنه مبارك (وقال) فى المقاصد: له طرق كلها واهية (فمنها) ما رواه البيهقى فى الشعب عن عائشة رضى الله عنها من طرق بالفاظ (منها) اشتر له خاتما وليكن فصه عقيقا، فإنه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالذى هو اسعد، وأعله ابن الجوزى بمحمدبن ايوب بن سويد، فإنه يروى الموضوعات عن ابيه وليس بشئ (¬3) (ومنها) أكثر تختم أهل الجنة بالعقيق (ومنها) لابن عدى عن أنس مرفوعا بلفظ: فإنه ينفى الفقر بدل: فإنه مبارك. زاد: واليمين أحق بالزينة. وجزم فى الميزان بأنه موضوع. وقال ابن عدى: هو باطل (ومنها) ما فى أمالى الحسين بن هارون الضبى عن جعفر بلفظ: من تختم بالعقيق ونقش فيه " وما توفيقى إلا بالله، وفقه الله لكل خير، وأحبه الملكان الموكلان به. وفى سنده ابو سعيد الحسن بن على كذاب (ومنها) لابن حبان فى الضعفاء عن فاطمة مرفوعا: من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرا. وفى سنده أبو بكر ابن شعيب لا يحل الاحتجاج بحديثه، يروى عن مالك ما لبس من حديثه. ¬

(¬1) انظر ص 299 ج 1 كشف الخفاء (حرف المثناة الفوقية). (¬2) انظر ص 299 منه. و (ينفى الفقر) قال بعضهم يريد أنه اذا ذهب ماله فباع خاتم الزمرد وجد فيه غنى والأشبه ان صح الحديث أن يكون لخاصية فيه، وتقدم نحوه بص 203. (¬3) انظر ص 299، 300 ج 1 - كشف الخفاء (حرف المثناة الفوقية) و (اشتر له) اى لشخص سئل عنه.

ورواه الطبرانى فى الأوسط وغيره بطرق وكلها باطلة. ومن ثم قال العقيلى: لا يثبت فى هذا عن صلى الله عليه وعلى آله وسلم شئ وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات أهـ مخلصا (¬1) (هـ) وقال يعقوب بن الوليد المدنى عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة مرفوعا: تختموا بالعقيق فإنه مبارك. اخرجه العقيلى وقال: لا يثبت فى هذا عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم شئ. ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات وذكر حمزة بن الحسن الإصبهانة فى كتابه التنبيه على حروف من التصحيف إن كثيرا من رواة الحديث يروونه تختموا بالعقيق وإنما تخيموا بالتحتية بالعقيق وهو اسم واد قرب المدينة (قال) ابن الجوزى: وهذا بعيد وقائل هذا أحق أن ينسب اليه التصحيف، لما ذكرنا فى طرق هذا الحديث (¬2). (وقال) الحافظ بن حجر فى تلخيص مسند الفردوس: ويؤيد قول حمزة ما أخرجه البخارى بلفظ: أتانى جبريل فقال: صل فى هذا الوادى المبارك يعنى العقيق، وقل عمرة فى حجة أهـ قاله السيوطى فى اللالئ (¬3). (وقال) فى كشف الخفاء: وهذا الوصف ثبت لوادى العقيق فى الحديث الذى أخرجه البخارى فى الحج عن ابن عباس يقول: أمه سمع عمر يقول: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم بوادى العقيق يقول: أتانى آت من ربى فقال ك ثل فى هذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة أهـ قال فى المقاصد " وما روى " المطرزى فى اليواقيت عن إبراهيم الحربى أنه سئل عنه فقال: إنه صحيح. ويروى ايضا " تخيموا " بالمثناه التحتية، أى اسكنوا العقيق واقيموا به " فغير " معتمد بل المعتمد بطلانه اهـ (4) ¬

(¬1) انظر ص 300 ج 1 - كشف الخفاء (المثناه الفوقية). (¬2) انظر ص 300، 301 ج 1 منه. (¬3) انظر ص 146 ج 2 - اللالى (اللباس).

6 - ما قيل فى النعل: (قال) فى كشف الخفاء: من لبس نعلا أصفر قل همه. رواه العقيلى والطبرانى والخطيب عن ابن عباس موقوفا لكن بلفظ: لم يزل فى سرور مادام لابسها بدل قل همه. وقال ابن ابى حاتم: سالت ابى عنه. فقال: كذب موضوع وعزاه فى الكشاف لعلى باللفظ الأول. وكأن المأخذ قوله تعالى: {صفراء صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} (¬1) 7 - ما قيل فى طى الثياب: قد قيل فيه عدة أحاديث كلها ضعيفة (منها) ما تقدم فى بحث " طى الثياب " (¬2) (ومنها) حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اطووا ثيابكم ترجع اليها ارواحها، فإن الشيطان إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه، وإذا وجده منشورا لبسه. أخرجه فى الأوسط وفيه عمر بن موسى بن وجيه وهو وضاع (¬3) (وقال) السخاوى فى المقاصد: إسناده واه (وقال) ابن الجوزى: حديث لا يصح (ومنها) حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: طى الثوب راحته، أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس (قال) ابن الجوزى: لا يصح وفيه أيضا عمر بن موسى الوجيهى (¬4) (وعن جابر) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله ¬

(¬1) انظر ص 301 ج 1 - كشف الخفاء (المثناة الفوقية). (¬2) انظر ص 276 ج 2 كشف الخفاء (حرف الميم) والآية رقم 69 - البقرة. (¬3) انظر ص 192. (¬4) انظر ص 135 ج 5 مجمع الزوائد (طى الثياب) وص 48 ج 2 كشف الخفاء (حرف الطاء المهملة) و (ترجع اليها ارواحها) يعنى تبقى فيها قوتها، شبيهها بذوات الارواح.

وسلم قال: الشياطين يستمتعون بثيابكم، فإذا نزغ أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها (¬1) فإن الشياطين لا تلبس ثوبا مطويا، أخرجه ابن عساكر وضعفه السيوطى (وذكر) فى كشف الخفاء حديثى جابر الأولين وحديث عائشة المتقدم فى بحث " طى الثياب " وقال: جميعها واهية، وكذا ما اشتهر على بعض الألسنة: اطووا ثيابكم بالليل لا يلبسها الجن تتوسخ، بل قال فى المقاصد: لم اره، وفى كلام بعضهم، اطوونى ليلا أجملكم نهار أهـ (¬2) تنبيهات الأول: اشتمل هذا الجزء عل أدلة الأحكام من الكتاب مضبوطة مفسرة مبينا مرجعها. الثاني: اشتمل على (أ) 378 ثمانية وسبعين وثلثمائة حديث المكرر منها 33 ثلاثة وثلاثون حديثا (ب) واشتمل على 62 اثنين وستين أثرا المكرر منها أربعة. الثالث: قد بين بها مش هذا الجزء أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أدلته ومراجع النصوص العلمية فلينظر بيانها بصحتي 375، 276 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله تعالى ولى التوفيق والهداية. والصلاة والسلام على من أنزل عليه الكتاب وعلى اله والأصحاب، والتابعين لهم بأحسان الى يوم الدين. تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه الجزء السادس من الدين الخالص ويليه ان شاء اللهخ تعالى الجزء السابع، وأوله الجنائز ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 2 كشف الخفاء (حرف الطاء المهملة) و (راحته) أى من انتهاك الشياطين له ولبسها غياه، أو شبهة فى طية يرجل يكون فى عمل فإذا فرغ منه استراح. (¬2) لم نعثر على مرجعة بهذا اللفظ والضمير فى أنفاسها الى الثوب. والقياس حتى يرجع اليه نفسه. ولعلالتأنيث من بعض الرواة.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء السابع عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الرابعة 1411 هـ - 1991 م

الجنائز

بسم الله الرحمن الرحيم الجنائز هي بفتح الجيمِ جِنَازة بكسرها وتفتح، من الخبر وهو الستر اسم للنعش عليه الميت (¬1). والكلام هنا ينحصر في سبعة أصول: (أ) المرض: المرض نعمة من نعم الله تعالى على عباده الصالحين والكلام فيه ينحصر في أحد عشر فرعا: (1) فضل المرض: جاء في فضله أحاديث (منها) حديث أبى هريرة: " من يُرد الله به خيراَ يُصَيِب منه " أخرجه الشيخان والنسائي (¬2) {1} (وحديث) أنس بن مالك: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا ذكرت من حسنها وجمالها. أتْرِ بُكَ بها قال: قد قبلتُها فلم تزل تمدحُها حتى ذكرت أنها لم تصُدع ولم تشتك شيئا قط " قال " لا حاجة في ابنتك. أخرجه أحمد وأبو يعلى بسند رجاله ثقات (¬3) {2} ¬

(¬1) وقيل هى بكسر الجيم اسم للنعش وبالفتح اسم للميت (¬2) انظر ص 86 ج 10 فتح البارى (كفارة المرض) و (يصب) بكسر الصاد عند الأكثر. والمعنى يبتليه الله تعالى بالمصائب ليثيبه عليها. وروى بفتح الصاد والمعنى يوجه اليه البلاء فيصيبه وهو أليق بالأدب لقوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) ويشهد للأول حديث محمود بن لبيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله قوما ابتلاءه فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات. انظر ص 86 ج 10 فتح البارى (¬3) انظر ص 294 ج 2 مجمع الزوائد (من لم يمرض) أتربك: أى اغنيك بها، يقال: اترب الرجل إذا استغنى.

وهو رافع للدرجات مكفر للسيئات لمن صبر ولم يجزع (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِن مصُيبِة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يُشاكُها " أخرجه البخاري (¬1) {3} (وحديث) أبى سعيد وأبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المؤمن من نصَب ولا وصَب ولا هَم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه " أخرجه البخاري والشيخان (¬2) {4} (في هذه) الأحاديث بشارة عظيمة للمؤمن لأنه لا ينفك غالبا عن ألم من مرض أو نحوه. وفيها أن الأمراض والآلام بدنية أو قلبية تكفر ذنوب من يصاب بها. وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن خصه الجمهور بالضفائر (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " أخرجه احمد ومسلم والترمذى (¬3) {5} حملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد، ويحتمل أن يكون معنى المطلق أن البلايا والأمراض ونحوها صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب. والمراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة (وقد) استدل بإطلاق الأحاديث على أن السيئات تكفر بمجرد حصول المرض أو غيره وإن يكن معها صبر (وقال) القرطبي وغيره: محله إذا صبر المصاب واحتسب (لحديث) صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد غير المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا " أخرجه مسلم (¬4) {6} ¬

(¬1) انظر ص 82 ج 10 فتح البارى (كفارة المرض). (¬2) انظر ص 84 ج 10 فتح البارى و (النصب) " بفتحتين " التعب. و (الوصب) المرض. والهم: الحزن على ما يأتى والغم: والآلم لما وقع (¬3) انظر ص 117 ج 3 نووى مسلم. (¬4) انظر ص 125 ج 12 منه

والظاهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات وإن لم يحصل صبر ولا جزع يذم عليه من قول أو فعل ففضل الله واسع. ولكن منزلته منحطة عن منزلة الصابر. وإن لم يكن صبر ومعه جزع يذم عليه نقص الأجر أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر (¬1). هذا ويندب للمريض أن يصبر ويحمد الله ولا يشكو وأن يتضرع إلى ربه (لحديث) أبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل ليقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدي فصبتوا عليه البلاء صبا فبحمد الله فيرجعون فيقولون: يا ربنا، صببنا عليه البلاء صبا كما أمرتنا فيقول: ارجعوا فإني أحب أن أسمع صونه " أخرجه الطبرانى في الكبير. وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف (¬2) {7} (2) فضل الله تعالى على المريض: من فضل الله تعالى على عبده المؤمن أنه إذا مرض أو منعه مانع من طاعة كان يؤديها وهو صحيح مقيم أن يعطيه الله تعالى أجر ما كان يعمله من الخير ومنعه منه مرض أو غيره. وقد ورد في هذا أحاديث (منها) حديث أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غيره مرة ولا مرتين يقول " إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر كُتِب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم " أخرجه آبو داود والبيهقى وكذا البخاري (¬3) بلفظ: إذا مرض العيد أو سافر كُتِب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. {8} (وحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ¬

(¬1) انظر ص 88 ج 10 فتح البارى (آخر كفارة المرض). ويشير الى هذا التفصيل حديث محمود بن لبيد المتقدم بهامش حديث رقم 1. (¬2) انظر ص 290 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن يبتلى) (¬3) انظر ص 218 ج 8 - المنهل العذب (إذا كان الرجل يعمل صالحا فشغله عنه مرض) وص 83 ج 6 فتح البارى (يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة)

إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفِته إلى " أخرجه أحمد وعبد الرازق بسند صحيح (¬1) {9} والأحاديث في هذا كثيرة: (¬2) (3) فضل الصبر: الصبر لغة حبس النفس عن الضجر والرضا بما يقتضيه العقل أو الشرع. واصطلاحا خلق فاضل يحمل النفس على التحلي بما يحسن والتخلى عن القبيح. (وقيل) هو اعتراف العبد بأن ما أصابه من الله واحتساب أجره عنده ورجاء ثوابه منه. (وقيل) هو حبس النفس على الطاعة ومشاقها والمصائب وحرارتها وعن المنهيات والشهوات ولذاتها (وهو) ثلاثة أنواع: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. هذا. والصبر فضله عظيم وأجره عميم قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (¬3) وقال: " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " (¬4) وأفضله ما كان عند الصدمة الأولى (لحديث) ثابت عن أنس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها: اتقى الله واصبري ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 2 مجمع الزوائد (ما يجرى على المريض) وأكفته بفاء وتاء مثناه أى أضمه الى القبر. (¬2) تقدم بعضها فى بحث صلاة المريض ص 36 ج 4 الطبعة الأولى. (¬3) الزمر: 39 - أى يعطون أجرهم بلا مكيال ولا ميزان (فقد) قال على رضى الله عنه: كل مطيع يكال له كيلا يوزن له وزنا الا الصابرين فإنه يخشى لهم خثيا. (¬4) البقرة: 155 - 157 - والصلاة: المغفرة والثناء الحسن. والرحمة: العطايا والإحسان. والمهتدون: الكاملون فى الهداية، فإن الرضا بالقضاء فى كل حال علامة الهدى الكامل. ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضى الله عنه: نعم العدلان ونعمت العلاوة. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فهذان العدلان وأولئك هم المهتدون. فهذه العلاوة وهى ما يوضع بين العدلين.

فقالت: وما تُبالى أنت بمصيبتي؟ فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم فأتته فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك. فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " أخرجه الخمسة وأبو نعيم والطبرانى والبيهقى (¬1) {10} أي لا يكون الصبر الكامل المترتب عليه الثواب العظيم والأجر الجزيل إلا عند أول نزول المصيبة بخلاف ما كان بعد ذلك فإنه بمرور الأيام يسلو (وفائدة) جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب الكامل. (وجوابه) صلى الله عليه وسلم بهذا عن قولها " لم أعرفك " من قبيل الأسلوب الحكيم كأنه قال لها: أدعى الاعتذار فآني لا أغضب لغير الله تعالى. وتحلى بما فيه سعادتك في الدارين وإنما يكون ذلك بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره ولا سيما عند مفاجأة المصيبة. وقد ورد في فضل الصبر أحاديث كثيرة (منها) حديث آبى هريرة قال: " جاءت امرأة بها آلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع لي فقال: إن شئتِ صبرتِ ولا حساب عليك. قالت بلى، أصبر وَلا حساب علىَّ " أخرجه البزار بسند حسن وأحمد وابن حبان بسند رجاله رجال الصحيح خلا محمد ابن عمرو وهو ثقة وفيه ضعف (¬2) {11} ¬

(¬1) انظر ص 95 ج 3 فتح البارى (زبارة القبور) وص 227 ج 6 نووى (الجنائز) وص 273 ج 6 المنهل العذب (الصبر عند المصيبة) وص 130 ج 2 تحفة الأحوذى (الصبر فى الصدمة الأولى) و (اتقى الله واصبرى) إنما أمرها النبى صلى الله عليه وسلم بذلك لأنها تبكى بنوح. ففى رواية يحيىبن كثير: فسمع ما يكره والمعنى: احذرى غضب الله تعالى وعقابه واتركى النياحة ولا تجزعى ليحصل لك الأجر (وما تبالى أنت بمصيبتى) أى لا يهمك أمرها. وفى رواية البخارى: إليك عنى فإنك لم تصب بمصبتى (والصدم) فى الأصل: ضرب الشئ الصلب بمثله فاستعير لورود المصيبة على القلب لشدته. (¬2) انظر ص 307 ج 2، وص 116 ج 5 مجمع الزوائد، وص 91 ج 10 فتح البارى

(وعن) عطاء بن آبى رباح عن ابن عباس قال: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت بلى. فقال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله تعالى لي. فقالت إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة. وإن شئتِ دعوتُ الله تعالى أن يعافيك فقالت أصبر. فقالت إنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها. أخرجه الشيخان (¬1) {2} (وعن) أنس قال ك سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة. يريد عينيه " أخرجه البخاري (¬2) {12} (وعن) أبى منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام فذكر الطاعون فقال: إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبضُ الصالحين قبلكم، اللهم اجعل على آل محمد نصيبهم من هذه الرحمة ثم نزل عن مقامه ذلك فدخل على عبد الرحمن ابن معاذ فقال عبد الرحمن (الحقُ مِن رَّبك فَلاَ تكُونَنَ مِنَ الممتَريِن) فقال معاذ: ستجدني إنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَابرين. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬3) {14} (وعن) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " أخرجه البخاري (¬4) ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح) (والصرع 9 بفتحتين: علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام (وسببه) ريح غليظة تنجس فى منافذ الدماغ أو بخار ردئ يرتفع اليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج فى الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لشدة الرطوبة (وقد) يكون الصرع من الجن ولا يقع الا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية. وإما لإيقاع الأذية به، وهذا لا يعالج الا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع ىثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل افعالها. انظر ص 90 ج 10 فتح البارى وتمامه يأتى علاج الصرع. (¬2) انظر ص 92 ج 10 فتح البارى (فضل من ذهب بصره) (¬3) انظر ص 311 ج 2 مجمع الزوائد (الطاعون وما تحصل به الشهادة). (¬4) انظر ص 191 ج 11 فتح البارى (العمل الذى يبتغى به وجه الله تعالى)

(4) عبادة المريض: العبادة: الزيارة وتفقد الحال، وهى حق من حقوق المسلم على المسلم (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم ست. قيل ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتَه فسلَّم عليه، وإذا دعاك فاجبه. وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عَطَسَ فحمد الله فسمَّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتَّبعه " أخرجه أحمد والشيخان {16} (¬1) والكلام فيها ينحصر في خمسة مباحث: (أ) حكمها: هي سنة مؤكدة عند الجمهور (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: " عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع " أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط، وفيه النضر آبو عمر وحديثه حسن (¬2) {17} (وقال) البخاري: إنها واجبة. وقال ابن حمدان: إنها فرض كفاية (لحديث) آبى موسى الأشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفُكّوا العانى " أخرجه احمد والبخاري وأبو داود (¬3) {18} (ولحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض واتباع الجنائز " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (¬4) {19} (وأجاب) الجمهور بأن الأمر في الحديث الأول والوجوب في الثاني محمول ¬

(¬1) انظر ص 143 ج 14 نووى (من حق المسلم على المسلم رد السلام) وص 72 ج 3 فتح البارى (الأمر باتباع الجنائز) ولفظ البخارى: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض الخ. (فسمته) بالسين المهملة من السمت وهو القصد والطريق القويم وروى بالشين المعجمة من التشميت وهو الدعاء بالخير والرحمة (¬2) انظر ص 296 ج 2 مجمع الزوائد (عيادة المريض) (¬3) انظر ص 89 ج 10 فتح البارى (عيادة المريض) وص 238 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) و (العانى) الأسير. (¬4) انظر ص 143 ج 14 نووى مسلم (حق المسلم للمسلم) وص 73 ج 3 فتح الباري (الأمر باتباع الجنائز) ولفظ البخاري تقدم بهامش حديث رقم 16.

على مزيد الترغيب في عيادة المريض والاهتمام بشأنها، وللحث على التواصل والألفة، وإلا فهي في الأصل مندوبة، وقد تصل إلي الوجوب في حق البعض وتتأكد في حق من ترجى بركته، وتسن فيمن يراعى حاله وتباح فيما عدا ذلك (ونقل) النووي الإجماع على عدم الوجوب يعنى على الأعيان (¬1) (هذا) وقد استدل بعموم قوله: " عودوا المريض " على مشروعية العيادة لكل مريض (وقد) جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني " أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقى والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه (¬2) {20} (ويلحق) بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك سببا لنشاطه وانتعاش قوته وفى إطلاق الحديث دليل على أن العيادة لا تتقيد بوقت. (ب) فضل العبادة: قد ورد فضلها والترغيب فيها أحاديث منها (حديث) ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضا لم يزل في خرفه الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى والبيهقى (¬3) {21} (وحديث) ثابت البنانى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 10 فتح الباري (وجوب عيادة المريض) (¬2) انظر ص 232 ج 8 - المنهل العذب (العيادة من الرمد) وص 381 ج 3 بيهقى (وأما) حديث آبى هريرة مرفوعا " ثلاث لا يعاد صاحبهن: الرمد، وصاحب الضرس، وصاحب الدملة " أخرجه الطبرانى في الأوسط، في سنده مسلمة بن على الحبشي ضعيف. انظر ص 300 ج 2 مجمع الزوائد وذكره ابن الجزرى في الموضوعات (ورد) بأنه ضعيف فقط. (¬3) انظر ص 125 ج 16 نووي مسلم (فضل عيادة المريض) وص 380 ج 3 بيهقى وص 124 ج 2 تحفة الاحوذى (والخرفة) كغرفة وهى ثمرة الجنة النضجة شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه من يجتنى الثمر (وجناها) آي يؤول به ذلك ذلك إلى الجنة واحتناء ثمارها.

توضا فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم مسيرة سبعين خريفا، فقلت يا ابا حمزة ما الخريف؟ قال: العالم " أخرجه أبو داود (¬1) {22} (وحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عاد مريضا خاض في الرحمة، فإذا جلس إليه غمرته الرحمة، فإن عاده من أول النهار استغفر له سبعون ألف ملك حتى يمسى، وأن عاده من أول الليل استغفر له سبعون آلف ملك حتى يصبح، قيل يا رسول الله هذا للعائد فما للمريض؟ قال: أضعاف هذا " أخرجه الطبرانى في الكبير. قال الهيثمى وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ولم أجد من ذكره (¬2) {13} (وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أدعوك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده " (الحديث) أخرجه مسلم (¬3) {24} أضاف المرض إليه تعالى - والمراد العبد - تشريفا للمريض، ومعنى " وجدتني عنده، " أى وجدت ثوابي وكرامتي، لقوله في تمام الحديث: لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو اسقياه لوجدت ذلك عندي: أى ثوابه (¬4) (ج) آداب العبادة: يندب فيها أمور: المذكور منها هنا عشرة: (1) يستحب لعائد المريض أن يدعو له بالشفاء ويأمره بالصبر (لحديث) عائشة بنت سعد بن أبى وقاص أن أباها قال: " اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 8 - المنهل العذب (فضل العبادة). (¬2) انظر ص 298 ج 2 مجمع الزوائد (عيادة المريض). (¬3) انظر ص 125 ج 16 نووي مسلم (عيادة المريض). (¬4) انظر ص 126 ج 16 نووي مسلم

قال: اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته " أخرجه أبو داود والبيهقى وكذا البخاري مطولا (¬1) {25} (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عنده سبع مرار: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض " أخرجه الثلاثة وابن حبان (¬2) {26} (وعن) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشى لك إلى جنازة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان (¬3) {27} (وعن) أبى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار، فأكب عليه يسأله قال: يا رسول الله ما غمِضت منذ سبع ليال ولا أحَدُ يحضرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى أخي اصبر، أى أخي اصبر، تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها. أخرجه ابن أبى الدنيا {28} (2) ويستحب إن يقول الزائر للمريض: لا باس عليك، طهور إن شاء الله تعالى (لحديث) ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده فقال: " لا باس، طهور إن شاء الله، فقال: كلا بل هي حُمى تفور على شيخ كبير حتى تزيره القبور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذا " أخرجه البخاري (¬4) {29} ¬

(¬1) انظر ص 237 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) وص 381 ج 3 بيهقى (وضع اليد على المريض) وص 94 ج 10 فتح الباري. (¬2) انظر ص 239 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) (¬3) انظر ص 24 ج 8 منه (الدعاء للمريض) و (ينكأ) كيمنع مهموزا: يجرح لإرضائك عدوا لدينك. (¬4) انظر ص 95 ج 1 فتح الباري (ما يقال للمريض) (ولا باس) آي أن المرض يكفر الخطايا و (طهور) آي هو مطهر لك من ذنوبك، وهو دعاء (فنعم إذا) آي إذا كان الأمر كما ظننت فنعم يحتمل أنه دعاء عليه. وأخبر عما يؤول إليه أمره ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن يكون الحمى طهرة لذنوبه. انظر ص 94 ج 10 فتح الباري.

(3) ويستحب للزائر أن يضع يده على مكان المرض ويسمى الله تعالى ويدعو للمريض لما تقدم، ولقول عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: باسم الله " أخرجه أبو يعلى بسند حسن (¬1) {30} (4) ويستحب للزائر أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة وقرب الشفاء (لحديث) آبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض " أخرجه ابن ماجه والترمذى بسند فيه لين (¬2) {31} (5) ويستحب لعائد المريض أن يطلب منه الدعاء فإن دعاءه مستجاب (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن قيس الغبي وهو متروك الحديث (¬3) {32} (6) ويستحب تخفيف العبادة وعد تكريرها في اليوم إلا إن رغب المريض في ذلك فإن رغب في التطويل أو تكرير العبادة من صديق ونحوه ولا مشقة في ذلك فلا بأس به (ويؤيده) حديث عروة عن عائشة قالت: " لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال خيمة في المسجد ليعوده من قريب " أخرجه آبو داود ومسلم وكذا البخاري مطول (¬4) { 33} ¬

(¬1) انظر ص 95 ج 10 منه (وضع اليد على المريض) (¬2) انظر 226 ج 1 - ابن ماجه (عيادة المريض) " ويطيب بنفس " الباء للتعدية أو زائدة. (¬3) انظر ص 295 ج 2 مجمع الزوائد (دعاء المريض) (¬4) انظر ص 231 ج 8 - المنهل العذب (العيادة مرارا) وص 373 ج 1 فتح الباري (الخيمة في المسجد للمرضى (والرجل) هو حبان - بكسر فشد - ابن قيس =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ابن علقمة (والأكحل) بفتح فسكون ففتح عرق في الذراع إذا قطع لا يرقا دمه حتى يموت صاحبه. (وغزوة) الخندق كانت في شوال سنة أربع من الهجرة (مارس سنة 626 ميلادية) لقول ابن عمر: " رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم اجازنى يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة (وحاصلها) أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه تحزب قبائل العرب بإغراء حيى بن أخطب من بنى النضير وآخرين لمهاجمة المدينة فاشار سلمان الفارسى على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر خندق شمال المدينة وهى الجهة التي يخاف دخول العدو منها فحفر وقد قاسى المسلمون في حفره صعوبات وكابدوا مشقات وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد معهم وينقل التراب بنفسه حتى وارى الغبار بشرته وكان يتمثل بقول عبد الله بن رواحه: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لا فينا إن الآلي قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ولما رأى ما بهم من النصب قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا ولما تم الخندق أقبلت الأحزاب كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب (إذ جاءوكم من فوقكم) آي من الشرق وهم غطفان خرجوا في آلف. عليهم عوف بن مالك، وعيينه بن حصن في بنى فزازة، والحارث بن عوف المرى، في بنى مرة. ومسور ابن مخرمه. فيمن تابعه من أشجع (ومن أسفل منكم) وهم قريش وكنانة وكانوا عشرة آلاف قائدهم أبو سفيان وانضم إليهم بنو قريظة ناقضين العهد. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف. وجعل بينه وبين العدو الخندق وترامى الفريقان بالنبل نبفا وعشرين ليلة. اشتد فيها الحصار على المسلمين ونجم النفاق واضطرب ضعفاء الدين قال الله تعالى (وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) (وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) (129 ورجع المنافقون قائلين: " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) (13) أراد النبي صلى الله عليه وسلم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= أن يصالح عيينه بن حصن على ثلث ثمار المدينة ثمار المدينة ليفرق الجمع واستشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في ذلك فقال ابن معاذ: قد كنا وهؤلاء على الشرك وهم لا يطعمون منا بثمرة إلا قرى- بالكسر - آي ضيافة أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعنابك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيك إلا السيف. فترك النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد ثم أفحم جماعة من العدو خيلهم مهزما - آي مضيفا - من الخندق منهم عمرو بن عبد ود وكان عمره تسعين سنة فبارزه على بن آبى طالب فقتله ومنهم عكرمة بن أبى جهل فجعل عليه على فالقى رمحه وولى منهزما. ومنهم نوفل بن عبد الله المخزومى فسقط في الخندق فقتله على. وأصيب سعد بن معاذ في أكحلة فقال: اللهم لا تمتنى حتى تقرعينى من بنى قريظة ثم جاء نعيم بن مسعود الأشجعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنى قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة - بفتح فسكون أو بضم ففتح - فتوجه إلى بنى قريظة وقال لهم: إن العرب إن لم ينصرفوا ينصرفوا ويتركوكم ومحمدا ولا طاقة لكم به فاتخذوا منهم رهائن كي لا ينصرفوا حتى يناجزوا منكم رهائن ويسلموهم له فيقتلهم وأخبر غطفان بمثل ذلك، ولما اصبحوا طلبت العرب من بنى قريظة الخروج للحرب فاعتذروا السبت وأنهم لا يخرجون معهم حتى يأخذوا منهم رهائن فصدقوا نعيما وتوهنوا وتخاذلوا وتفرقوا. ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية (منها) ط اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله عليهم ريحا في برد شديد فزلزلتهم واقلعتهم وأسقطت كل خيمة قائمة لهم وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة فيهم حتى قالوا: النجاء النجاء. وقام أبو سفيان وقال: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام فقد هلك الكراع (الخيل) والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون. والله ما تطئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يتمسك لنا بناء , فارتحلوا فإنى مرتحل فارتحلوا. ولما سمع غطفان بما فعلت قريش انهزموا راجعين إلى بلادهم تاركين ما استثقلوا من متاعهم فغنمه المسلمون وانصرفوا منصورين يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة أربع (وقد) استشهد منهم ثنى: ثلاثة من الأوس وهم سعد بن =

وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب عليه الخيمة في المسجد لتسهل عليه عيادته كثيرا. (7) ويستحب لمريد العبادة الوضوء (لحديث) أنس السابق في فضل العبادة (¬1) (8) ويستحب للعائد الذي يتبرك به المريض أن يتوضأ ويصب عليه وضَوءه (لقول) جابر " مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمى على فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضَوءه على فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث أخرجه البخاري (¬2) {34} (9) والأفضل المشي في العبادة ولا باس بالركوب لا سيما إذا كان لحاجة (لحديث) جابر: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا بِرْذَوْناً " أخرجه البخاري وأبو داود والترمذى والحاكم (¬3) {35} (وعن) عروة أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فَدَكِيه وأردف أسامة وراءه بعود سعد بن عبادة ¬

= معاذ وأنس بن أوس وعبد الله بن سهل وثلاثة من الخزرج وهم الطفيل بن نعمان وثعلبة ابن عنمه - بفتح المهملة والنون - وكعب بن زيد، وقتل من المشركين ثلاثة: منبه ابن عبد العبدرى، ونوفل بن عبد الله المخزومى، وعمرو بن عبدود (وفى غزوة الخندق) نزل قول الله تعالى من سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) 29 (إذ جاءوكم من فوقكم) الآيات. (¬1) تقدم رقم 22 ص 9. (¬2) انظر ص 90 ج 10 فتح الباري (عيادة المغمى عليه). (¬3) انظر ص 96 ج 1 مه (عيادة المريض راكبا وماشيا) وص 227 ج 8 المنهل العذب (أتمشى في العيادة) و (البرذون) بكسر فسكون ففتح - في الأصل: الدابة، وفى العرف: التركى من الخيل.

قبل وقعة بدر (الحديث) أخرجه البخاري (¬1). {36} (10) ويستحب للعائد ألا يتناول عند المريض طعاما ولا شرابا فإنه مكروه مضيع لثواب العيادة (لحديث) آبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده شيئا فإنه حظه من عيادته " أخرجه الديلمى في مسند الفردوس. وفيه موسى بن وردان ضعفه ابن معين والذهبي (¬2) {37} وفى معنى الأكل ما اعتيد من إتحاف الزائر يشرب القهوة أو الشراب أو اللبن أو نحو ذلك. فينبغي تجنبه للعائد إلا الأصل في عيادة فرعه فلا يمنع من ذلك (لحديث) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنت ومالك لأبيك " أخرجه الطبرانى والبراز وفيه عبد الله بن إسماعيل لحرراني قال أبو حاتم لين وبقية رجاله ثقات (¬3) {38} (فائدة) قال جابر: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يأبها الناس أنا أكرم الناس حسبا فذكر حديثا وفيه: من عاد مرضانا عدنا مرضاه " أخرجه أبو الطيب الغولى بسند ضعيف (¬4) {39} ولذا قال ابن وهب وأحمد: " لا تعد من لا يعودك " (لكن) قد يعارضه حديث قيس رجل من الأنصار قال: أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عد من لا يعودك " أخرجه الديلمى وهو حديث ضعيف (¬5) {40} ويجمع بينهما بأن هذا محمول على الفصل والأول على العدل. ¬

(¬1) انظر ص 95 ج 10 فتح الباري (عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار) و (على قطيفة) بدل مما قبله. (والإكاف) ما يلي ظهر الحمار كالبرذعة (والقطيفة) كساء يوضع فوق الإكاف (وفد كية) بفتحتين فكسر نسبة إلى فدك قرية بالشام صنعت فيها القطيفة. (¬2) انظر ص 402 ج 1 مناوى الجامع الصغير رقم 753. (¬3) انظر ص 49 و 50 ج 3 منه رقم 2713 (¬4) انظر ص 357 ج 2 كشف الخفاء. ورقم 3033 (¬5) انظر ص 357 ج 2 كشف الخفاء. ورقم 3033

(د) عيادة المرأة: لا باس بعيادة الرجل المرأة المريضة إذا لم تؤذ إلى خلوة بأجنبية (لحديث) عبد الملك بن عُمَيْر عن أم العَلاء قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: ابشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يُذْهب الله به خطاياه كما تُذْهِب النارُ خبث الذهب والفضة أخرجه أبو داود (¬1) {41} (وللمرأة) الأجنبية عيادة الرجل مع التستر وأمن الفتنة (فقد) عادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار. ذكره البخاري معلقا. (¬2) (وقالت) عائشة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال فدَخلتُ عليهما فقلت يا أبت كيف تجدُك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مُصَبَّح في أهله ... والموتُ أدنى من شِراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول: ألا ليتَ شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخِر وجَليل وهل أَرِدَنْ يوما مياه مَجِنَّة ... وهل تَبّدُوَنْ لي شامة وطفيل أخرجه البخاري (¬3) {42} ¬

(¬1) انظر ص 219 ج 8 - المنهل العذب (عيادة النساء). (¬2) انظر ص 93 ج 10 فتح الباري (عيادة النساء الرجال) و (وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى (كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك؟ و (مصبح) اسم مفعول كمحمد: آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله (والشراك) بكسر الشين - السير يكون في وجه النعل. والمعنى: أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله. و (الإذخر) بكسر فسكون: نبت طيب الرائحة. و (جليل) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و (أردن) بنون التوكيد الخفيفة وكذا (تبدون) و (مجنة) بالجيم وشد النون. موضع على أميال من مكة كان به سوق (وشامة وطفيل) قيل جبلان قرب مكة. وقال الخطابى: ثبت عندي أنهما عينان. (¬3) انظر ص 93 ج 10 فتح الباري (عيادة النساء الرجال) و (وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى (كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك؟ و (مصبح) اسم مفعول كمحمد: آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله (والشراك) بكسر الشين - السير يكون في وجه النعل. والمعنى: أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله. و (الإذخر) بكسر فسكون: نبت طيب الرائحة. و (جليل) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و (أردن) بنون التوكيد الخفيفة وكذا (تبدون) و (مجنة) بالجيم وشد النون. موضع على أميال من مكة كان به سوق (وشامة وطفيل) قيل جبلان قرب مكة. وقال الخطابى: ثبت عندي أنهما عينان.

عيادة الذمي: تجوز عيادته إذا أرجى منها مصلحة له أو للعائد أو كان قريبا أو جارا (لحديث) ثابت عن أنس أن غلاما من اليهود مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: " اسْلِمْ " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه: أطعْ أبا القاسم فاسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بى من النار " أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (¬1) {43} (وعن) أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يابن أخي أَدعُ إلهك الذي تعبُد أن يعافيني. فقال: " اللهم اشفِ عَّمى " فقام أبو طالب كأنما نَشِط من عِقال فقال له يابن أخي: إن إلهك الذي تعبُد لَيُطِيعُك. قال: " وأنت يا عم إن أطعتَ الله ليطيعُك " أخرجه الطبرانى في الآوسط وفيه الهيثم بن جمار البكاء وهو ضعيف (¬2) {44} وبهذا قال الجمهور. قالت الحنبلية: لا يعاد مبتدع ومجاهر بمعصية وتحرم عيادة الذمي (¬3) (5) طول العمر مع حسن العمل: طول العمر له اثر عظيم في السعادة وضدها لأنه كلما طال عمر الإنسان كثر عمله واطلع على أحواله الدنيا وتقلباتها (فإنه) اتعظ بكثرة من مات وما يقع من الشدائد، فزهد في الدنيا وأكثر من عمل الخير والبر، كثرت حسناته وكُفَّرت سياتُه ورُفعت درجاته وقبله مولاه إذ لم يره حيث نهاه ولم تفقده حيث أمره فكان سعيدا في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ¬

(¬1) انظر ص 94 ج 10 فتح الباري (عيادة المشرك) (وص 226 ج 8 - المنهل العذب) (عيادة الذمي). (¬2) انظر ص 300 ج 3 مجمع الزوائد (عيادة غير المسلم). (¬3) انظر ص 7 ج 2 غذاء الألباب.

وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (¬1) (وإن لم يتعظ) ويعتبر بتقلبات الدهر وشغلته دنياه عن طاعة مولاه كان طولُ عُمُره وبالا عليه وليس عليه وليس له عذر عند الله عز وجل بعد أن مدّ في عمره ومكنَّه من الطاعة فأبى أن يطيع مولاه قال الله تعالى: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ" (¬2) وعن آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أنت عليه ستون سنة فقد أعْذر الله إليه في العُمُر. أخرجه أحمد والنسائي والطبرانى (¬3) {45} ¬

(¬1) النحل: 97. (¬2) فاطر: 27 (أو لم بعمركم) استفهام توبيخى. آي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لعملتم به في مدة عمركم. أو المعنى: أو لم نعمركم تعميرا يتذكر فيه من تذكر. وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شانه فقصر ألا أن التوبيخ في المتطاول أعظم واختلف في مقدار العمر هنا. والصحيح أنه ستون أو سبعون (لحديث) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. اعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة " أخرجه البخاري (انظر ص 188 ج 11 فتح الباري) (من بلغ ستين سنة) وفى رواية لأحمد والطبرانى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة .. لقد أعذر الله إليه. لقد أعذر الله إليه. فالإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين ثم يشرع في النقص والهرم. ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله إلى عبادة ربه. كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة (فعن) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأفلهم من يجوز ذلك. أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن (انظر ص 264 ج 3 تحفة الأحوذى) (وجاءكم النذير) يعنى الشيب. والصحيح أن النذير هو النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو الحسن رزين بن معاوية عن ابن عباس. (¬3) انظر ص 52 - ج 7 - الفتح الرباني (لقد أعذر الله إليه) آي لم يبق له اعتذارا حيث امهله طول هذه المدة ولم يعتذر. فالأعذار إزالة العذر ومنه قولهم (أعذر من انذر) آي بالعذر وأظهره، وإنما كانت الستون أو السبعون حدا لهذا لأنها قريبة من معترك المنايا وهى سن الإنابة والخشوع وترقب المنية فهذا المنية فهذا أعذار بعد أعذار لطفا من الله بعبادة حيث نقلهم من الجهل إلى العلن ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليتمثلوا ما أمره به وينزجروا عما نهوا عنه. انظر ص 189 ج 11 - فتح الباري (من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر).

وقد ورد في فضل طول العمر وحسن العمل أحاديث (منها) حديث عبد الرحمن ابن آبى بَكرة عن أبيه أن رجلا قال: " يا رسول الله أى الناس خير؟ قال: من طال عُمره وحسُن عملُه. قال: فأى الناس شر؟ قال: من طال عُمره وساء عملُه " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح، والطبرانى والحاكم والبيهقى بسند صحيح (¬1) {46} (وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أُنَبئكم بخيركم؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " خيارُكم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا " أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {47} 6 - حسن الظن بالله تعالى: ينبغي المريض أن يغلَّب الرجاء على الخوف ولا يياسَ من رحمة الله فإنه لا يياسُ من روَح الله إلا القوم الكافرون، وعليه أن يحسن الظن بالله بأن يرجوَ مغفرتهَ وعفوَه، ولا يياسَ من رحمته لكن لا يركن إلى حسن الظن وهو منغمس في الشهوات وغارق في المخالفات ظالم لنفسه مخالف أوامر ربه. بل يلزم سبيل الرشاد متذكرا قول الله تعالى: " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " (¬3) فمن فعل ذلك ثم أحسن الظن بالله فقد أحسن إلى نفسه ¬

(¬1) انظر ص 50 ج 7 - الفتح الرباني وص 371 ج 3 بيهقى (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله) وص 264 ج 3 تحفة الأحوذى (طول العمر للمؤمن). (¬2) انظر ص 50 ج 7 - الفتح الرباني. وص 371 ج 3 بيهقى (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله). (¬3) النحل: 119 (للذين) متعلق بمحذوف آي ثم إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا السوء (بجهاله) آي بسبب جهل العواقب وجلال الله تعالى

وسَعِد سعادة أبدية ووضع الرجاء موضعَه. وأما ظن المغفرة والعفو مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرور. (روى) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الإيمانُ بالتمني ولكن ما وَقَرَ في القلب وصدقه العمل وإن قوما ألههم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نُحسِنُ الظن بالله تعالى وكَذّبوا لو أحسنوا الظنَّ لأحسنوا العمل " أخرجه البخاري في تاريخه والديلمى في مسند الفردوس تفرد به عبد السلام بن صالح لعابد قال ابن عدى مجمع على ضعفه انظر ص 335 رقم 7570 ج 5 فيض القدير {48} وعلى الجملة فحسن الظن المعتبر مستلزم لحسن العمل (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حسنُ الظن من حسن العبادة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان والترمذى وفيها مهنأ أبو شبل قال أبو داود ثقة بصري (¬1) {49} وأما حسن الظن بلا عمل فهو الطمع المذموم الواردُ فيه قول الله تعالى في الحديث القدسي: ما أقل حياء مَن يطمع في جنتي بغير عملِ كيف أجود برحمتي على من بَخِلَ بطاعتي؟ {50} فيجب على المرء أن يجتهد في طاعة الرحمن موقنا بالقبول والغفران فقد وعد الله بذلك وهو لا يُخلف الميعاد. ومن اعتقد أو ظن خلافَ ذلك فهو آيس من رحمة الله. وهذا من الكبائر وإن مات على ذلك وُكِلَ إلى ظنه (وقد) ورد في هذا أحاديث منها (حديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسْن بالله الظنَّ فإن قوما قد أرادهم سوء ظنهم بالله عز وجل. وذلكم ظنُكم الذي ظننتم بربكم أرْدكم فأصبحتم من الخاسرين " أخرجه أحمد وعبد الرازق وابن آبى الدنيا (¬2) {51} ¬

(¬1) انظر ص 455 ج 4 عون المعبود (حسن الظن). (¬2) انظر ص 39 ج 7 - الفتح الرباني (وذلكم ظنكم) آي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم فأصبحتم من الخاسرين في مواقف القيامة وخسرتم أنفسكم وأهليكم (قال) ابن مسعود: اجتمع عند البيت (الكعبة) ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا (وقال) الآخر إن كان يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم (الآية) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح. انظر ص 178 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة السجدة).

وحديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: " أنا عند ظن عبدي بى إن ظن بى خيرا فله وإن ظن شرا فله " أخرجه أحمد وفيه ابن لَهيعة مَتكلم فيه (¬1) {52} وحديث آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمر الله عز وجل فعَبدين إلى النار فلما وقف أحدهما على شَفَتِها التفت فقال: أمَا والله إنى كان ظني بك لَحَسن. فقال الله رُدوه فأنا عند ظنك بى فغفر له " أخرجه والبيهقى {53} (7) حسن الخاتمة: على العاقل ألا يغفُل عن طاعة الله تعالى وأن يجتهد في العمل بما يُرضى مولاه حتى يموت ويُبْعثَ على خير (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم قبضه عليه " أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان والحاكم (¬2) {54} (وحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام مَاَ كان يسدده ويرَفقه حتى يقال مات بخيرِ ما كان فإذا حُضِر ورأى ثوابهَ اشتاقت نفسه حين أحب لقاء الله وأحبَّ الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات ¬

(¬1) انظر ص 40 ج 7 - الفتح الرباني. (¬2) انظر ص 257 ج 1 مناوى رقم 381.

بشر ما كان عليه. فإذا حُضر ورأى ما أُعِدَّ له من العذاب جَزعَت نفسه فذلك حين كَره لقاء الله وكرِه الله لقاءه. أخرجه عبد بن حميد (¬1) {55} (8) شكاية المريض: لا باس أن يُخبر المريض بما يجده من ألم لا على سبيل الضَّجَر والسخط مبتدئا بحمد الله بأن يقول: الحمد لله أجد كذا وكذا أو والحمد لله بى كذا وكذا من الأذى (فقد) قال ابن مسعود رضى الله عنه: إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك. أخرجه الشيخان. {56} (وعن) هشام بن عروة عن أبيه قال: " دخلت أنا وعبدُ الله بن الزبير على أسماء بنتِ أبى بكر وأسماء وَجِعة فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وَجِعَة " (لحديث) أخرجه البخاري في الأدب المفرد {57} (وقال) القاسم بن محمد قالت عائشة: " وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاكِ لو كان وأنا حي فأستغفر لكِ وأدعو لك (لحديث) أخرجه البخاري (¬2) {58} وقد اختلف العلماء في هذا. والتحقيق أن الألم لا بقدر أحد على رفعه والنفوس مجبولة على وُجُدان ذلك فلا يُسْتطاع تغييرها عما جُبلت عليه وإنما كلف العبد ألا يقع منه في حَال المصيبة ماله سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد. وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور. وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه بذكر الألم للناس على سبيل التضجر. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا باس به اتفاقا (¬3). والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافى الصبرَ الجميل فإن سيدنا يعقوب وَعَدَ بالصبر الجميل والنبي إذا وعد لا يُخْلِف. ثم قال: " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ " (¬4) وكذلك سيدنا أيوب أخبر ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 7 - الفتح الرباني. (¬2) انظر ص 97 ج 10 فتح الباري (ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع أو واراساه). (¬3) انظر ص 96 ج 10 فتح الباري (ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع). (¬4) يوسف: 86

الله تعالى عنه أنه وجده صابرا مع قوله " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " (¬1) وإنما ينافى الصبرَ شكوى الله لا الشكوى إليه كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فاقة وضرورة، فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلي من لا يرحمك؟ ثم أنشده. وإذا عَرَاكَ بلية فاصبر لها ... صبرَ الكريمِ فإنه بك أعلم وإذا شكوتَ إلي ابنِ آدم إنما ... تشكو الرحيم إلي الذي لا يرحمُ هذا. وأنين المريض تارة يكون عند تبرم وتضجر فيكره. وتاره يكون عند تسخط بالمقدور فيحرُم. وتاره يكون لما ينشأ عنه من نوع استراحة بقطع النظر عن التبرم أو التضجر فيباح وتارة يكون عند ذل لرب العالمين وانكسار وخضوع مع حشم مادة العون إلا من بابه والشفاء إلا من عندِه فيندب (¬2). (9) مرض النبي صلى الله عليه وسلم: لما كان الموت مكروها طبعا لما فيه من شدة ومشقة عظيمتين، لم يمت نبي من الأنبياء حتى خير (قال) الزهري: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يَرَى مقعَده من الجنة ثم يُخَيَّر. فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غُشِىَ عليه. فلما أفاق شَخَصَ بَصَرهُ نحو سقف البيت ن ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى. فقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح. أخرجه مالك والشيخان والترمذى 0 (¬3) {59} ¬

(¬1) الأنبياء: 83 وأول الآية: وأيوب إذ نادى ربه ربه أنى مسني (¬2) انظر ص 396 ج 1 - غذاء الألباب (¬3) انظر ص 97 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم)، وص 209 ج 15 نووي (فضائل عائشة) وفى البخاري (ثم يحيا أو يخير) شك من الراوي هل قال يحيا (بضم ففتح فشد الياء) أو قال يخير. وعند أحمد: ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير.

وقد عرف الله النبي صلى الله عليه وسلم قثرْبَ أجله بإنزال سورة " إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: إنه نُعِيتَ إلي نفسي فبكت فقال: لا تبكى فإنك أول أهلي لاحِق بي فضحِكت (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح غبرَ هلالَ بن خَبَّابَ وهو ثقة وفيه ضعيف (¬1) {60} وقال جابر بن عبد الله رضى الله عنه: لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل نَعَيتَ إلى نفسي. فقال له جبريل: والآخر خير لك من الأولى. أخرجه الطبرانى. (¬2) {61} وعن آبى مُوَيِبَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. إنى أتِيتُ مفاتيح خزائنِ الأرض واُلخْلدَ ثم الجنةَ فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنةِ فاخترت لقاء ربى والجنةَ. أخرجه أحمد (¬3) {62} والأحاديث في هذا كثيرة (¬4). وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يُمَرَّضُ ¬

(¬1) انظر ص 23 ج 9 مجمع الزوائد (باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم إلى وما اطلعه الله عليه من ذلك). (¬2) انظر ص 92 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته) (¬3) انظر ص 97 ج 8 منه. (¬4) (منها) حديث معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى تحت راحلته فلما فزع قال يا معاذ: إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا. ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبرى. فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله ثم التفت فاقبل بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا. أخرجه أحمد بسندين رجالهما رجال الصحيح إلا راشد بن سعد وعاصم بن حميد وهما ثقتان. انظر ص 22 ج 9 مجمع الزوائد (باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم) وحديث العباس بن عبد المطلب قال: رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء باشطان (جمع شطن بكسر فسكون وهو الحبل الطويل) شداد فقصمت ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم له فقال: ذاك وفاة ابن أخيك. أخرجه البزار والطبرانى ورجالهما ثقات. انظر ص 23 ج 9 مجمع الزوائد.

باقتراب أجله مرض في أواخر الحجة سنة إحدى عشرة هجرية (سنة 632 ميلادية) وأول ذلك أنه خرج من جوف الليل إلى البقيع فاستغفر لهم ودعا كالمودع للأموات واصبح مريضا من يومه (قالت) عائشة: لما رجَعَ من البقيع وجدني وأنا أجد صُداعاً في رأسي أقول: وارأساه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فاستغفر لكِ وأدعو لكِ فقلت: واثُكلياه والله إنى لأظنك تحب موتى ولو كان ذلك لَظَلَلْتَ آخرَ يومك مُعَرَّسا بعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه (الحديث) أخرجه البخاري (¬1) { 63} وكان وجعه صلى الله عليه وسلم في الخاصرة وهو عرق في الكلية إذا تحرك أوجع صاحبه. وقيل كان مرضه الصداع (وقالت) عائشة رضى الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم. أخرجه البخاري (¬2). {64} ¬

(¬1) انظر ص 97 ج 10 فتح الباري وتقدم بعضه رقم 58 (واثكلياه) بضم الثاء وسكون الكاف وفتح اللام وتكسر. والشكل في الأصل فقد الولد ومن يعز على الفاقد وليس هذا مرادا هنا .. بل هو كلام يجرى على اللسان عند نزول المصيبة أو توقعها (ومعرسا) بضم ففتح أو سكون وشد الراء وتخفيفها من التعريس أو الإعراس. يقال: عرس واعرس إذا بنى على زوجه ثم استعمل في كل جماع. (¬2) انظر ص 92 ج 8 فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم) (وأبهري) بفتح فسكون ففتح وهو عرق مستبطن بالظهر بالقلب إذا انقطع مات صاحبه.

أصابه صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا حمى شديدة (قال) عبد الله بن مسعود: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَكُ فمسته فقلت: " إنك لتوعك وعكا شديدا. قال اجَل كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بان لك اجرين. قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها

سيئاتِه كما تحط الشجرة ورقها " أخرجه الشيخان (¬1). {65} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدور في مرضه على أزواجه التسع حتى اشتد به المرض في يوم ميمونة فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة فأذن له (قالت) لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فإذن له فخرج بين رجلين - العباس ورجل آخر - تخط رجلاه في الأرض ¬

(¬1) انظر ص 88 ج 10 فتح الباري (شدة المرض)، وص 127 ج 16 نووي (ثواب المؤمن فيما يصيبه) والوعك -. بفتح فسكون أو فتح - الحمى أو المها (تحط الشجرة ورقها) بفتح فضم فشد أي تلقيه منتشرا والمعنى أن شدة المرض ترفع الدرجات وتحط السيئات حتى لا يبقى منها شئ.

فلما دخل بيني واشتد وجعه قال: هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلى أعهد إلي الناس فأجلسناه في مخضب لحفصه زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه الماء من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن ثم خرج إلي الناس فصلى بهم وخطبهم أخرجه الشيخان (¬1). { 66} وهذه آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع القوم (قال) ابن شهاب: حدثني انس بن مالك رضى الله عنه أن المسلمين ببناهم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلى لهم لم يفاجئهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبتسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة أرخى الستر، وتوفى من ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم) (وسبع قرب " الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر. وسيأتي الحديث: أن تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر .. انظر رقم 89 والنسائي في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 وقل سبع مرات أعوذ بعزة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 " وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر 0 بحث الرقى) " وخطبهم " كان ذلك يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيام كان في مسلم: وهذه أخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت بصفحة 257 ج 4 - الدين الخالص طبعة أتولى وروى أن أخر خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس وجلس في اسفل مرقاة من المنبر فحمد الله واثنا عليه وقال أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم فهل خلد نبي قبلي فيما بعث إليه فاخلد فيكم؟ ألا إنى لاحق بربى وإنكم لاحقون بي فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا أتوصى المهاجرين فيما بينهم فان الله تعالى يقول (والعصر أن الإنسان لفي خسر أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وان الأمور تجرى بإذن الله) استبطاء أمر على استعجال فان الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد: فمن غالب الله غلبه ومن خاضع الله أخضعه.، فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. وأوصيكم بالأنصار خيرا فغنهم الذين تبوءاوا الدار والأيمان من قبلكم أن تحسنوا إليه. آلم يشاطروكم في الثمار؟ آلم يوسعوا لكم في الديار؟ آلم يؤثروكم على أنفسهم وبهم خصاصة الله فمن ولى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنها ولا تجاوزوا عن سيئهم. إلا ولا تستأثروا عليهم إلا وأنى فرط لكم وأنتم لاحقون بي إلا فان موعدكم الحوض، إلا فمن احب أن يجيد على غدا فليكف يده ولسانه (انظر ص 448 من كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للأستاذ محمد رضا).

يومه ذلك. أخرجه الشيخان. (¬1) {67} (10) أخر وصايا وكلمات النبي صلى الله عليه وسلم (ورد) في ذلك أحاديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفى فيه ن الصلاة وما ملكت أيمانكم فما زال يقولون حتى ما يفيض بها لسانه. أخرجه ابن ماجه بسند من صحيح. (¬2) {68} وحديث أنس قال: كان أخر وصية النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة مرتين وما ملكت أيمانكم وما زال يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه. ذكره الحاكم في المستدرك وقال قد اتفقنا (يعنى الشيخين) على أخراجه على وأخراج حديث عائشة: أخر كلمة تكلم بها الرفيق الأعلى. وقال الذهبي: فلماذا أوردته (¬3) {69} وحديث ابن آبى مليكه أن ابا عمر ذكوان مولى عائشة أخبره إن عائشة كانت تقول أن من نعم الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفى يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ربقى وريقة عند موته: دخل ¬

(¬1) انظر ص 101 ج 8 - فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم) (¬2) انظر ص 254 ج 1 - بن ماجه. و (الصلاة) آي ألزموها واهتموا بشأنها (وما ملكت أيمانكم) أي أدوار زكاة أموالكم وحقوق ما ملكتم من العبيد والدواب (حتى ما يفيض بها لسانة) آي ما يجرى بهذه الكلمة لسانه من فاض الماء إذا سال وجرى (¬3) انظر ص 57 ج 3 مستدرك (فلماذا أوردته) يريد أنه كان على الحافظ الحاكم إلا يورد الحديث في المستدرك حيث أن الشيخين اتفقا على إخراجه

على عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة النبي صلى الله عليه وسلم فرايته ينظر إليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك؟ فاشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه. وقلت: الينه لك؟ فاشار برأسه أن نعم، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو عليه فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا اله إلا الله إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده. أخرجه الستة ألا ابا داود (¬1) {70} وفى رواية مسلم: اللهم اغفر لي وارحمني والحقنى بالرفيق الأعلى (¬2) (والمراد) بالرفيق الأعلى: الملائكة أو المذكورون في قوله تعالى " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً " (¬3) قال السهيلى: فهذه آخر كلمة تكلم بها عليه الصلاة والسلام. وهى تتضمن معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كلام المؤمن لأنه قال " مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيُهمُ " وهم أصحاب الصراط المستقيم وهم أهل لا اله إلا الله. قال تعالى " اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ " ثم بين في الآية المتقدمة من الذين أنعم الله عليهم فذكرهم وهم الرفيق الأعلى الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم حين ¬

(¬1) انظر ص 102 ج 8 فتح الباري (مرضى النبي صلى الله عليه وسلم) (وسحري) بفتح فسكون في الأصل الرثة المراد به هنا الصدر و (نحري) بفتح فسكون موضع النحر. و (عبد الرحمن) هو ابن آبى بكر (فآمره) بشد الراء آي أداره في فمه (والركوة) بتثليث الراء إناء يصنع من الجلد و (العلبة) بضم فسكون القدح الضخم يتخذ من جلد الإبل. والشك من عمر بن سعيد الراوي عن ابن آبى مليكة. (¬2) انظر ص 208 ج 15 نووي. (¬3) النساء: 69 (والرفيق): المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين وقال الجوهري: الرفيق الأعلى: الجنة (وهذه) الأحاديث ترد على الرافضة زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على رضى عنه. قال الأسود بن زيد: ذكروا عند عائشة أن عليا رضى الله عنهما كان وصيا فقالت: متى أوصى إليه؟ وقد كنت مسننه إلى صدري أو حجري فدعا بالطست فلقد انحنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه. أخرجه الستة إلا أبا داود " انظر ص 223 ج 5 فتح الباري " " الوصايا " وقال طلحة بن مصرف: سالت عبد الله بن أبى أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو مروا بالوصية؟ قال أوصى بكتاب الله. أخرجه الستة إلا أبا داود. انظر ص 231 ج 5 فتح الباري، أراد بالنفي الأول الوصية التي زعم بعض الشيعة أنه النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة إلى على رضى الله عنه، وقد تبرأ على من ذلك فقد قيل له أعهد إليك النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لم بعهده إلى الناس، فقال لا والذي فلق الحبة وبرا النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة.

خير فاختار (وبعض) الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث: فاشار بإصبعه وقال: في الرفيق. وفى رواية أخرى أنه قال: اللهم الرفيقَ، أشار بالسبابة يريد التوحيد فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: " من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة (¬1) " ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الجنة ولو لم بشر ولكن ذكرنا هذا لئلا يقول القائل لم لم يكن آخر كلامه لا اله إلا الله وأول كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة أن قال: الله اكبر (¬2) وفى حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيروا الوفد بما كنت أجيزهم ". أخرجه البخاري (¬3). {71} وعن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة: ¬

(¬1) أخرجه أحمد وغيره عن معاذ بن جبل وسيأتي إن شاء الله رقم 254. (¬2) أخرجه ص 370 ج 2 - الروض الأنف (¬3) انظر ص 93 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم) و (جزيرة العرب) تشمل الحجاز ويجد وتهامة واليمن عند الجمهور، وعليه فيجب إخراج الكفار من اليمن، وخص الشافعي الجزيرة بغير اليمن بدليل آخر (وأجيزوا) آي أعطوا من يفد إليكم الجائزة ضيافة وإكراما كما كنت افعل.

لولا ذلك لأبرز قبره خشي أن يتخذ مسجدا. أخرجه البخاري (¬1) {72} (11) أنواع المرض: المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان (1) فمرض القلوب نوعان: (الأول) مرض شبهة وشك وهو المراد بقوله تعالى: " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً " (¬2) وقوله تعالى: " وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً " (¬3) (الثاني) مرض شهوة وغى، قال الله تعالى: " يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ " (¬4) فهذا مرض شهوة الزنا (هذا) وطب القلوب إنما يكون من طريق الرسل والدعاة إلى الخير المهديين. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وخالقها وبأسمائه وصفاته وافعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته تعالى ولمحابة متجنبة لمناهية ومساخطة. ولا صحة لها ولا حياة ألبته إلا بذلك ولا سبيل إلي تلقى القلوب طبها إلا من جهة الرسل وورثتهم. وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط. (ب) وأما مرض الأبدان فهو المراد بقوله: " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ " (¬5) وذكر مرض البدن في الوضوء والصوم والحج لسر بديع. ذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 8 فتح الباري (مرض النبي صلى الله عليه وسلم) (¬2) البقرة: 10 (¬3) المدثر: 31 وصدر الآية: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة (¬4) الأحزاب: 32 (¬5) النور: 61

حفظ الصحة، واستفراغ المواد الفاسدة، والحمية عن المؤذى. فذكر الله تعالى هذه الأصول في هذه المواضع الثلاثة. فقال في الصوم " وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " (¬1) أباح الفطر - لعذر المرذ - وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه الصوم من تحليل ما في المعدة وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف. وقال في الحج: " فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ " (¬2) أباح لمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر فإذا حلق رأسه فتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة فهذا استفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى انحباسه. وما يؤذى انحباسه عشرة: الدم والمنى إذ هاجا، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطس. وكل واحد من هذه يوجب حبسه داء. وقد نبه الله تعالى باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه تنبيها بالأدنى على الأعلى (وأما) الحمية فقال تعالى في آية الوضوء: " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً " (¬3) أباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيبه ما يؤذيه وهو تنبيه على الحمية عن كل مؤذ من داخل أو خارج. فقد ارشد الله تعالى عباده إلى أصول الطب الثلاثة. وسنذكر هدى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونبين أنه أكمل هدى (¬4) إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) البقرة: 184 (¬2) البقرة 196 (¬3) المائدة: 6 (¬4) انظر ص 63 و 64 ج 3 زاد المعاد

(ب) التداوي

(ب) التداوي كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه (روى) أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برا بإذن الله عز وجل " أخرجه مسلم (¬1) {73} (وفى الحديث) إشارة إلي استحباب التداوي وهو مذهب الجمهور وفيه رد على من أنكر ذلك من غلاة الصوفية وقال: كل شئ بقضاء وقدر فلا حاجة للتداوى. (ورد) بأنه أيضا من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلي التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها (¬2). (وقال) أسامة بن شريك: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأن على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من ههنا وههنا فقالوا يا رسول الله انتداوى؟ فقال تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 14 نووي (استحباب التداوي). (¬2) انظر ص 191 ج 14 نووي (استحباب التداوي).

غير داء واحد الهرم. أخرجه أحمد والأربعة. وقال الترمذى حسن صحيح (¬1) {74} (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا. أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه (¬2) {75} (والظاهر) أن الأمر في الحديثين للإباحة لأن السؤال إنما هو عنها (ولذا) قالت المالكية: التداوي وتركه سواء (وقال) بعض الشافعية: الأمر للندب، ولذا قالوا: التداوي افضل من الترك (ورد) بأنه قد ورد في مدح من ترك الدواء والاسترقاء توكلا على الله تعالى أحاديث (ولذا) قالت الحنبلية: ترك التداوي أفضل (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون. أخرجه الشيخان (¬3) {76} (وعن) المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اكتوى أو استرقي فقد برئ من التوكل. أخرجه أحمد والترمذى وصححه وابن ماجه والحاكم (¬4) {77} (وقال) الحنفيون: التداوي أكد للأمر به وقد تداوى النبي صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت اسقامة فكان يقوم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه. أخرجه أحمد (¬5) {78} ¬

(¬1) انظر ص 1 ج 4 عون المعبود. وص 158 ج 3 تحفة الأحوذى (وكأن على رءوسهم الطير) وصفهم بالسكون والوقار لأن الطير لا تقع إلا على شئ ساكن. (¬2) انظر ص 177 ج 2 - ابن ماجه. وص 104 ج 10 فتح الباري. (¬3) انظر ص 397 ج 1 غذاء الألباب. (¬4) انظر ص 242 ج 11 فتح الباري (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وص 90 ج 3 نووي مسلم، وهو عنده من حديث عمران بن حصين (دخول طوائف الجنة بغير حساب). (¬5) انظر ص 398 ج 1 غذاء الألباب

والمعول عليه أن التداوي لا ينافى التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء وطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك (¬1) (وأجابوا) عن حديثي ابن عباس والمغيرة بأن أهل الجاهلية كانوا يسترقون بالكلمات الخبيئة ويكتوون زاعمين أن الرقية والكي يمنعان من المرض أبدا فلذا منع منه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن من فعله فقد برئ من التوكل أما من تداوى أو استرقي أو اكتوى معتقدا أنها أسباب تنفع بإذن الله تعالى وأنها لا تنجع بذاتها بل بما قدر الله فهذا مطلوب لا ينافى التوكل. ثم الكلام هنا ينحصر في ستة فصول: (1) الطبيب: هو في الأصل الحاذق في كل شئ وخصه العرف بمن يعالج المرضى وينبغى أن يكون مسلما ثقة. ويكره لغير ضرورة طلب التداوي من ذمي لعدم الثقة بهم (أما) إذا دعت الضرورة لذلك فلا كراهة إذا كان خبيرا ثقة عند ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 10 فتح الباري (ما أنزل الله داء إلا انزل له شفاء) قال ابن القيم: لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات مسبباتها قدرا وشرعا وتعطيلها يقدح في نفس التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد من دينه ودنياه ودفع ما يضره فيهما، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، وقد روى أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: يا رب ممن الداء؟ قال منى، قال فممن الدواء؟ قال منى. قال فما بال الطبيب؟ قال رجل أرسل الدواء على يديه، وفى قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء، تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء فإن المريض إذا استشعر أن لدائه دواء تعلق قلبه بالرجاء وترك إلباس. ومتى قويت نفسه تغلبت على المرض ودفعته. وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء بحث عنه. وأمراض الأبدان كأمراض القلوب وما جعل الله القلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده فإن علمه صاحب الداء واستعمله وصادف داء قلبه أبرأه بإذن الله تعالى. انظر ص 67 و 68 ج 3 زاد المعاد.

المريض وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة وكان كافرا (¬1) وكذلك لا يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل إلا لضرورة وعليه يحمل حديث الربيع بنت معوذ. قالت كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقى القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلي المدينة. أخرجه البخاري. وفى رواية: كنا نسقى ونداوى الجرحى ونرد القتلى (¬2) {79} ففيه جواز معالجة المرأة الأجنبية للضرورة ولكن تكون بلا مباشرة ولا مس إذا أمكن وإلا فالضرورة تبيح المحظورة، وتعالج المرأة المرأة إن تيسير وإلا داواها الرجل بعد ستر جسدها إلا موضع المرض وبغض بصره ما استطاع إلا عن موضع الجرح ومما تقدم يعلم جواز عرض المريض على الطبيب (ويؤيده) حديث زيد بن اسلم أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من بنى أنمار فقال آيكما أطب؟ فقال وفى الطب؟ قال الذي أنزل الداء أنزل الدواء. أخرجه مالك في الموطأ {81} وفى قوله آيكما أطب دليل على أنه ينبغي اختيار الحاذق في الطب. (ب) ما يجوز التداوي به وما لا يجوز: يجوز التداوي بالطاهر الحلال ولا يجوز بالنجس والحرام (لحديث) مجاهد عن آبى هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وزاد يعنى السم (¬3) {81} ¬

(¬1) (يستطب) آي يجعل طبيبا. (¬2) انظر ص 52 ج 6 فتح الباري (رد النساء القتلى والجرحى) و (مداوة النساء الجرحى في الغزو). (¬3) انظر ص 7 ج 4 عون المعبود (الأدوية المكروهة) وص 160 ج 3 تحفة الأحوذى (من قتل نفسه بسم أو غيره)

والدواء الخبيث قد يكون خبثه لنجاسته وحرمته كالخمر والبول والعذرة ولحم غير المأكول (وعن) أبى الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداوا ولا تتداووا بحرام " أخرجه أبو داود وفى سنده إسماعيل بن عياش وفيه مقال (¬1) {82} وهذان الحديثان محمولان على النهى عن التداوي بالمسكر والحرام من غير ضرورة للجمع بينهما وبين حديث العرنيين (¬2)، ولا فرق في المحرم بين كونه مأكولا أو غير كلبن الأتان والخمر والسم والتميمة وهى خرزة أو خيط ونحوه يعلقها المريض. والصحيح من مذهب الشافعي جواز التداوي بالنجس سوى المسكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين بالشرب من ابوال الإبل للتداوى (ورد) بأنها طاهرة عند مالك، وعلى أنها نجسة فإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي بها (ويدل) على حرمة التداوي بالنجس مطلقا (حديث) عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا سال النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3) {83} دل على أن الضفدع يحرم أكله فيحرم التداوي به لأنه نجس (وعن) علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه: " أن طارق بن سويد سال النبي ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 4 عون المعبود (الأدوية المكروهة). (¬2) حديث العرنيين يأتى برقم 113 (لبن الإبل وبولها) أن شاء الله تعالى (¬3) انظر ص 6 ج 4 عون المعبود (الأدوية المكروهة) و (ضفدع) بكسر فسكون فبكسر وروى بفتح الدال.

(ج) الطب النبوي

صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له يا شئ الله: أنها دواء: قال النبي: لا، ولكنها داء. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح (¬1) {84} ففيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء بل داء فيحرم التداوي بها عند أكثر الفقهاء كما يحرم شربها. وأباح بعضهم التداوي بها عند الضرورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع التداوي بالخمر وذكر إنها داء، أباح التداوي ببول الإبل فلا يصح قياس أحدهما على الآخر بعد أن فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم (أما) إذا غص إنسان بلقمة، ولم يجد ما يسبغها إلا الخمر فيلزمه الإساغة بها لأن حصولها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي (هذا) وفد نص الإمام أحمد رحمة الله على كراهة التداوي بما يصنعه أهل الذمة لأنه لا يؤمن أن يخلط به سحري محرم. (ج) الطب النبوي: أنجح دواء وأنفعه ما بينه من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرضى نوعين: علاج بالأدوية الطبيعية وعلاج بالأدوية الإلهية. العلاج بالأدوية الطبيعية قد ورد عنه في ذلك الكثير وهناك خمسة وعشرين دواء: (1) العمل: المراد به العسل النحل وله منافع كثيرة: يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات، ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا وبفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ، ويحلل ¬

(¬1) انظر ص 7 ج 4 عون المعبود. وص 160 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهة التداوي بالمسكر).

الرطوبات أكلا وطلاء ويحفظ المعجونات وينقى الكبد والصدر ويدر البول والحيض وينفع للسعال البلغمى واصحاب البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء. وهو غذاء من الأغذية ودواء وحلوى وطلاء. وإذا شرب وحده بماء نفع من عضه الكلب الكلب وإذا وضع فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة اشهر وكذا الخيار، والقرع، والباذنجان، والليمون ونحوها. وإذا لطخ به البدن قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل السنان وحفظ صحتها. ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه وهو شفاء بنص الكتاب والسنة قال تعالى: " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ" (¬1) ¬

(¬1) انظر ص 108 ج 10 فتح الباري (الدواء بالعسل)

(وعن) أبى سعيد الخدرى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلا فسقاه، ثم جاءه فقال أنى سقيته فلم يرده إلا استطلاقا ثلاث مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرا " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح (¬1) { 85} في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وكذب بطن أخيك: إشارة إلي أن هذا الدواء نافع وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فكان كذلك وبرأ بإذن الله. (2) الجبة السوداء: هي دواء عام النفع عظيم الفائدة. وهى مذهبه للنفع نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مخففة ليلة المعدة وإذا دقت ¬

(¬1) النحل: 68، 69 (وأوحى ربك إلى النحل) ألهمها (أن أتخذى من الجبال بيوتا) آي مساكن توافقها في كوى الجبال وتجويف الشجر وفى العروش التي يبنيها الناس. ومن كمال قدرته تعالى أن الهم النحل اتخاذ بيوت على شكل مسدس ذي أضلاع متساوية وليس فيه خلل ولا فرج والهمها أن تجعل عليها أميرا نافذا حكمه وألهمها أن تجعل على كل باب خلية بوابا لا يمكن غير أهلها من دخولها. والهمها الخروج من بيوتها فترعى ثم ترجع إليها ولا تضل عنها (ثم كلى من كل الثمرات) (آي حلوها ومرها وطيبها ورديئها 0 فاسلكي سبل ربك) طرقه في طلب المرعى (ذللا) جمع ذلول حال من السبل آي مسخرة لك غير متوعرة لا تضلي عن العود منها إلى مسكنك. والمراد بالشراب العسل ومعنى (مختلف ألوانه) أن بعضه ابيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف مأكولها. وهو يخرج من أفواهها عن الجمهور (فيه شفاء للناس) من معظم الأمراض. وقيل شفاء لجميعها. ففي الباردة يستعمل خالصا وفى الحارة يستعمل مشوبا بغيره (روى) عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليها عسلا حتى الدمل وكان بعضهم يكتحل به ويستنشق. وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية.

وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار إذابت الحصاة وأدرت البول والحيض (قال) خالد بن سعد: خردجنا ومعنا غالب بن أبحر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فماده ابن آبى عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة الشويداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفى هذا الجانب فإن عائشة رضى الله عنها حدثتنى أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام " قلت وما السام؟ قال " الموت " أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه (¬1) { 86} وهذا الذي أشار إليه ابن آبى عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض من عطاس كثير. قالوا: تغلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الآنف ثلاث قطرات. فلعل غالب بن أبحر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن آبى عتيق الصفة المذكورة. وقد رويت من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث وفيه قال: كيف اصنع بها؟ قال: " تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين فإذا كان من الغذ قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفى الأيسر واحدة فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين " أخرجه المستغفرى في كتاب الطب (¬2) {87} ويؤخذ من هذا أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة ومركبة ومسحوقة وغير مسحوقة وأكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك. وقيل: المراد أنها شفاه من كل داء يحدث من الرطوبة (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 130 ج 10 فتح الباري (دواء المبطون) وص 176 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في العسل) (وكذب بطن أخيك) آي لم يصلح لقبول الشفاء (وقد) اعترض بعض الجهلة بان العسل مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال (والجواب) أن الإسهال يحدث بأسباب منها التخمة وعلاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة. فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها .. وللمعدة خمل كخمل المنشفة فغذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مقل العسل لاسيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أضعف القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء فآمره بمعاودة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء ن برا بإذن الله تعالى. انظر ص 131 ج 10 فتح الباري (¬2) انظر ص 111 ج 10 فتح الباري (الحبة السوداء 9 وص 178 ج 2 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 111 ج 10 فتح الباري

(3) العجوة: هي نوع من التمر الجيد بالمدينة ونخلها يسمى لينة قال تعالى: ماَ قَطَعُتْم مِن لِينَةٍ " وتخصيص المدينة إما لما فيها من البركة التي حصلت بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو لأن تمرها أوفق لمزاج المريض (¬1) لتعوده تناوله والعجوة تنفع لمرض القلب (روى) مجاهد عن سعد بن آبى وقاص قال: مرضت مرضا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها في فؤادي فقال: " إنك رجل مفئود غبت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطيب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن " أخرجه أبو داود وهو منقطع فإن مجاهدا لم يدرك سعدا إنما يروى عن مصعب بن سعد عن سعد (¬2) {88} وعن سعد بن آبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم " أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي (¬3) {89} ¬

(¬1) انظر ص 111 ج 10 فتح الباري (¬2) مزاج البدن بكسر الميم ما ركب عليه من الطبائع. (¬3) انظر ص 8 ج 4 عون المعبود (تمرة العجوة) و (مفئود) (اسم مفعول من الفؤاد وهو الذي أصابه داء في فؤاده آي قلبه 0 وابن كلدة) بفتحات و (يتطيب آي يعرف الطب. و (فليجأهن) بفتح الجيم وسكون الهمزة آي فليكسرهن (ثم ليلدك) بكسر اللام وسكونها وفتح الياء وضم اللام وشد الدال مفتوحة آي ليسقيك، من لده الدواء إذا صبه في فمه.

وخصوص السبع لعسله لسر فيها وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا، وقيل إنه تعبدي وهذا في عجوة المدينة وهى من أجود تمر الحجاز وهو صنف كريم مقو للجسم ومن ألين التمر وأطيبه وألذه. (4) الحناء: هي نافعة للقروح والصداع (فعن) سلمى أم رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء " أخرجه ابن ماجه والترمذى وهو حديث حسن (¬1) {90} (وقال) ابن القيم: روى ابن ماجه في سننه حديثا في صحته نظرا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن اله من الصداع (¬2) والصداع ألم في الرأس بعضا أو كلا (¬3). وعلاجه مختلف. فمنه ما علاجه بالاستفراغ. ومنه ما علاجه بتناول الغذاء. ومنه ما علاجه بالسكون والدعة. ومنه ما علاجه بالضمادات. ومنه ما علاجه بالتبريد. ومنه ما علاجه بالتسخين. ومنه ما علاجه باجتناب سماع الأصوات والحركات. ¬

(¬1) انظر ص 187 ج 10 فتح الباري (الدواء بالعجوة 9 وص 2 ج 14 نووي (فضل تمر المدينة) وص 8 ج 4 عون المعبود (تمرة العجوة) و (تصبح) آي أكلها في الصباح قبل أن يطعن شيئا و (تمرات عجوة) بالإضافة ويجوز التنوين على أن عجوة عطف بيان لتمرات أو صفة لها أو لسبع. ولفظ عجوة مطلق في هذه الرواية ومقيد بعجوة المدينة في الحديث السابق. وروى عند الاسماعيلى بلفظ: من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية. والعالية قرى في الجهة العالية من المدينة جهة نجد وعند مسلم عن عائشة بلفظ: إن في عجوة العالية شفاء أول البكرة. وتمامه في فتح الباري ص 187 ج 10. (¬2) انظر ص 185 ج 2 - ابن ماجه (الحناء 9 وص 164 ج 3 تحفة الاحوذى (التداوي بالحناء). (والقرحة) بفتح أو ضم فسكون الجراحة من نحو سيف أو سكين. (¬3) كذا في زاد المعاد ص 90 ج 3 ولم أر الحديث في ابن ماجه. و (غلف رأسه) من باب ضرب ضمخها. وغلف بشد اللام من كلام العامة والصواب غللها بالتشديد وغلاها تغلية أيضا. مصباح.

إذا عرف هذا فعلاج الصداع بالحناء علاج نوع من أنواعه فإنه إذا كان من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة استفراغها نفع فيها الحناء نفعا ظاهرا وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن وجعه بالرأس أو غيره. وفيه قبض تشد به الأعضاء وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهبة سكنه (¬1) وقد روى فائد عن مولاه عبيد الله بن على بن آبى رافع عن جدته سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " ما كان أحد يشتكى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: أخضبهما بالحناء ط أخرجه البخاري في تاريخه وأبو داود (¬2) وعبيد الله بن على قال ابن معين: لا باس به. وقال أبو يحيى الرازى: لا يحتج بحديثه {91} والحجامة تكون دواء لوجع الرأس إن كان ناشئا من كثرة ألم. والحناء تكون دواء لوجع الرجل الناشئ من الحرارة. والحديث بإطلاقه يشمل الرجال والنساء لكن الرجل يكتفي بخضب كفوف الرجل ويجتنب صبغ الأظافر احترازا من التشبه بالنساء ما أمكن (¬3) وليس في الحديث دليل على جواز خضاب الرجل يده ورجله لغير ضرورة (5) السنا: هو بالقصر والمد بنت حجازي يتداوى به. وأفضله المكي وهو دواء مأمون الغائلة حار يابس معتدل يسهل الصفراء والسوداء ويقوى القلب وينفع من الشقاق العارض في البدن ويفتح العضل وينشر الشعر وينفع من القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع. وشرب مائه مطبوخا اصلح من شربه مدقوقا ومقدار الشربة منه إلى ثلاثة دراهم ومن مائة إلي خمسة وإن طبخ ¬

(¬1) فما كان منه في أحد شقى الرأس يسمى شقيقة وإن كان شاملا لجميعه يسمى بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تستمل على الرأس كله. انظر ص 90 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة). (¬2) انظر ص 91 ج 3 زاد المعاد (علاج الصداع والشقيقة). (¬3) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة).

معه شئ من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم كان اصلح (¬1) وهو دواء مسهل (قالت) أسماء بنت عميس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بم تستمشين؟ قالت بالشبرم. قال: حار جار قالت: ثم استمشيت بالسنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو إن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا " أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حديث غريب (¬2) {92} (6) النسط: بضم فسكون نوع من البخور وهو نوعان: هندي اسود، وبحري ابيض. والهندي أشدهما حرارة. ومن منافع أنه يدر الحيض والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء وينفع لذات الجنب والعذرة (¬3) قال زيد بن أرقم: " امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت " ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة). (¬2) انظر ص 87 ج 3 زاد المعاد (علاج يبس الطبع) والعجم بفتحتين النوى من التمر والعنب وغيرهما، الواحدة عجمة بفتحات. (¬3) انظر ص 180 ج 2 - ابن ماجه (داء أتمشى) وص 175 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في السنا) و (بم تتمشين) آي بآي دواء تستطلقين بطنك حتى يمشى ولا يصير كالواقف فيؤدى باحتباس البراز (والشبرم) بضم فسكون فضم: حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوى. وقيل إنه نوع من قشر شجر وهو حار بابس قد أوصى الأطباء بترك استعماله لفرط إسهاله وخطره. وقيل هو نوع من الشيح و (حار (بحاء مهملة وشد الراء و (حار) بالجيم. آي شديد الإسهال قيل الثاني تأكيد للأول كقولهم حسن يسن أي كامل الحسن وإن كان في الجار معنى آخر وهو ما يجر الشيء الذي يصيبه من شدة حرارته وجذب له.

أخرجه الترمذى وقال حديث وقال حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد والحاكم بلفظ " تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت المسخن " (¬1) { 93} وعن أم قيس بنت محصن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب " أخرجه البخاري (¬2) {94} وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة أصاب ولدها ¬

(¬1) (كلف) الوجه كلفا تغيرت بشرته بلون علاه، و (ذات الجنب) ثلاثة أنواع: (أ) حقيقي وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للإضلاع ويحدث بسببه الحمى والسعال وضيق النفس والنبض المنشاري (ب) غير حقيقي وهو ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا (ج) وجع الخاصرة هذا وذات الجنب من الأمراض المخيفة لأنها تحدث بين القلب والكبد ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الله ليسلطها على، والمراد بها هنا النوع الثاني لأن القسط هو الذي يداوى به الريح الغليظة فغن القسط حار يابس قابض يحبس البطن ويقوى الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغميك ولا سيما وقت انحطاط العلة. انظر ص 133 ج 10 فتح الباري (ذات الجنب) و (العذرة) بضم فسكون وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الآنف والحق. (وقد) استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا، وهى تعرض في زمن الحر للصبيان وأمزجتهم حارة وقطر الحجاز حار. (وأجيب 9 بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفى القسط تخفيف للرطوبة وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالذات وبالعرض كثيرا، وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره. انظر ص 115 ج 10 فتح الباري (السعوط بالقسط الهندي). (¬2) انظر ص 174 و 175 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في ذات الجنب).

عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه " أخرجه أحمد وأصحاب السنن (¬1) {95} وعن انس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي " (¬2) {96} وهو محمول على إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لكل مريض ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتياج في المعالجة إلي دواء شديد الحرارة، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي اشد حرارة من البحري (¬3). (7) الإثمد : هو بكسر فسكون، حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يوجد في بلاد الحجاز يكتحل به وهو دواء نافع للرمد (¬4) ويستحب ¬

(¬1) (انظر ص 114 ج 10 فتح الباري 0 السعوط بالقسط الهندي والبحري) و (يسعط) بصيغة المجهول مخففا وروى مشددا مأخوذ من السعوط وهو ما يصب في الأنف (وكيفية) التداوي به أن يدق العود ناعما ويدخل في الأنف وقيل يبل ويقطر فيه. و (يلد) بصيغة المجهول وشد الدال من لد الرجل إذا صب الدواء في أحد شقى الفم. وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمسة الباقية لعدم الاحتياج إلى تفصيلها حينئذ. ففي رواية للبخاري عن الزهري قال: بين لنا اثنين ولم يبين لنا خمسة. (¬2) (انظر ص 114 ج 10 فتح الباري) السعوط بالقسط الهندي) (¬3) انظر ص 116 ج 10 منه (الحجامة من الداء) وبالجملة ففي القسط منافع وفوائد عجيبة وردت في الأحاديث وتقدم بعضها. قال ابن القيم: القسط نوعان هندي وأبيض وهو الينها ومنافعها كثيرة وهما حاران يابسان ينشفان البلم قاطعان للرزكام وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ومن الحمى وقطعا وجع الجنب ونفعا من السموم وإذا طلى به الوجه معجونا بالماء والعسل قلع الكلف وينفع من وجع الجنبين فأنكروه كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمى من ذات الجنب ولو أن هؤلاء الجمال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى لنقلوه بالقبول والتسليم ولم يتوقفوا على تجربته فما بالهم ينكرون ما نص عليه سيد الأنبياء والأطباء. نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه فمن اعتاد دواء وغذاء كان أنفع له واوفق مما لم يعتده بل وربما لم ينتفع به من لم يعتده وكلام الأطباء وإن كان مطلقا فهو بحسب الأزمنة والأمكنة والعوائد وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم إلا من أيده الله بروح افيمان ونور بصيرته بنور الهدى - انظر ص 179 ج 3 زاد المعاد. (¬4) انظر ص 114 ج 10 فتح الباري (السعوط بالقسط الهندي)

الاكتحال به (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشى وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها وفى اليسرى اثنين " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (¬1) {98} وحاصل ما ورد في كيفية الاكتحال أنه يكون ثلاثا في كل عين أو اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمين ثلاثا وفى اليسرى ثنتين أرجحها الأول (¬2). هذا ويعالج الرمد بالسكون وترك الحركة. والحمية يهيج الرمد وقد حمى إن النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا من التمر وأنكر عليه أكله وهو ارسد وحمى عليا من الرطب لما أصابه الرمد. وكان صلى الله عليه وسلم إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها. هذا وفى الرمد منافع كثيرة: منها ما يستدعيه من الحمية والاستفراغ وتنفية الرأس والبدن من فضلاتها والكف عما يؤذى النفس والبدن من الغضب والهم والحزن والحركات العنيفة والأعمال الشاقة. وفى أثر سلفى: لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى. ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة وترك مس العين والاشتغال بها. وقد روى في حديث مرفوع (الله اعلم به) ¬

(¬1) الرمد بفتحتين: ورم خار يعرض في بياض العين. (¬2) انظر ص 161 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء في السعوط) وسيأتي بيان السعوط و (اللدود) بفتح اللام الدواء يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل بإصبع وغيرها ويحتك به. (والمشى) بفتح فكسر فشد فعيل من أتمشى وهو ما يؤكل أو يشرب لاطلاق البطن.

علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين. وهو من أكبر الأدوية للرمد الحار فإن الماء بارد يستعان به على طفى حرارة الرمد إذا كان حارا، قال عبد الله بن مسعود لامرأته وقد اشتكت عينها: لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفى. تنضجين في عينك الماء ثم تقولين أذهب اليأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. وهذا خالص ببعض البلاد وبعض أوجاع العين فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما ولا الكلى العام جزئيا خاصا فيقع من الخطأ ما يقع (¬1) (8) السعوط: هو بفتح فضم ما يتداوى به في الأنف ويكون بالقسط وكيفية استعماله أن يستلقي المريض على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر ذمي ويقطر في انفه ماء أو دهن فيه دواء منفرد او مركب ليتسنى وصوله إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس وهو من خير الأدوية (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير ما تداويتم به السعوط والحجامة واللدود والمشى " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور (¬2) {99} (9) دواء الحمى: الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه في العروق إلي جميع البدن وهى قسمان: (1) عرضية وهى الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو الحر الشديد ونحو ذلك (ب) مرضية وهى ثلاثة أنواع منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدا تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تزول غالبا في يوم ونهايتها إلي ثلاثة. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الأصلية ¬

(¬1) انظر ص 366 ج 2 تيسير الوصول (ما وصفه صلى الله عليه وسلم من الأدوية) (¬2) انظر ص 121 ج 10 فتح الباري (الإمد والكحل).

فهي حمى دق وهى أخطرها. وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهى بعدد الأخلاط الأربعة. (¬1) هذا ودواء النوع الاول يكون بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وغيره وعليه يحمل حديث نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء " قال نافع: وكان عبد الله يقول: اكشف عنا الرجز. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (¬2) {100} وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى كثير من كثير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (¬3) {101} ¬

(¬1) انظر ص 98 و 99 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 161 و 163 ج 3 تحفة الأحوذى. و (اللدود) بفتح فضم دواء تقدم بيانه. واللدود بضمتين الفعل. ولددت المريض به ذلك. (¬3) انظر ص 136 ج 10 فتح الباري (الحمى من فيح جهنم).

وهو يشمل كل ماء (وقيل) المراد به ماء زمزم لما روى همام عن آبى جمرة الضبعى قال: " كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هي الحمى من فيج جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم. شك همام " أخرجه البخاري (¬1) {102} وقد تعلق به من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيدا لشك همام فيه وتعقب بأنه روى عن عفان عن همام: " فأبردوها بماء زمزم " أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان (¬2) {103} وقال ابن القيم: ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم ولغيرهم بما عندهم من الماء (¬3) والأمر بإطفاء الحمى بالماء البارد خاص ببعض الحميات دون بعض وببعض الأشخاص دون بعض وبأهل البلاد الحارة كأهل الحجاز إذ كان اكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا (وكيفية) ذلك ما في حديث هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت ندعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جبيها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء، أخرجه الشيخان وابن ماجه (¬4) {104} وما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء فليستنقع في نهر جار فليستقبل ¬

(¬1) انظر ص 134 ج 10 فتح الباري وص 195 ج 14 نووي (لكل داء دواء) وص 182 ج 2 - ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم). و (فيح) بفتح فسكون الياء وفى رواية فوح بالواو وفى رواية فور بالواو والراء والمراد شدة حرها. واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل هي حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أطهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. ويحتمل أنه من باب التشبيه. والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة شبيه بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها 0 ويؤيد) الأول قول ابن عمر: اكشف عنا الرجز. والرجز العذاب. انظر ص 134 و 135 ج 10 فتح الباري (وكأن) ابن عمر فهم من كون اصل الحمى من جهنم أن من أصابته عذب بها وهذا العذاب يكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة في أجوره، وللكافر عقوبة وانتقاما وإنما طلب ابن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله تعالى فإنه القادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه من غير أن يصيبه شئ يشق عليه. انظر ص 137 ج 10 فتح الباري. (¬2) انظر ص 182 ج 2 ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم) وكسرها بفتح فسكون فيحها (¬3) انظر ص 210 ج 6 فتح الباري (صفة النار) (¬4) انظر ص 210 ج 6 فتح الباري (الحمى من فيح جهنم)

جريته فيقول باسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس وليغمس فيه ثلاث خمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرا في خمس فسبع، فإن لم يبرا فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله " أخرجه أحمد والترمذى وقال غريب (¬1) وفيه سعيد بن زرعة مختلف فيه قال أبو بكر الرازى: إذا كان القوى قوية والحمى حادة والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا وكان معتادا استعمال الماء البارد اغتسالا فليؤذن له فيه (وقد) نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال: هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية فإن الماء في ذلك الوقت (قبل طلوع الشمس) أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس وفور القوى في ذلك الوقت لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء (¬2) وقد تكرر في الحديث استعمال النبي صلى الله عليه وسلم الماء البارد في مرضه كما في حديث عائشة قالت ك لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين يحظ رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر وقال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه هويقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيهن (الحديث) أخرجه البخاري (¬3) {106} ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى) (¬2) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري وص 196 ج 14 نووي (لكل داء ودواء 9، وص 182 ج 2 ابن ماجه (الحمى من فيح جهنم) و (الجيب) بفتح فسكون فتحة الثوب كالطوق والكم. (¬3) انظر ص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (فليستنقع) آي فليغتسل و (الجرية) بكسر الجيم و (بعد صلاة الصبح) (ظرف لستنقع. وكذا 0 قبل طلوع الشمس)

وقال سمرة: " النبي صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل " أيخرجه البزار والحاكم وصححه. ورد بان في سنده روايا ضعيفا (¬1) {107} وقال أنس: " إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال " أخرجه الطحاوى وأبو نعيم في الطب والطبرانى في الأوسط بسند قوى وصححه الحاكم (¬2) {108} (وروى) عبد الرحمن بن المرقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى رائد الموت وهى سجن الله في الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذانين المغرب والعشاء قال ففعلوا فذهب عنهم " أخرجه الطبرانى (¬3) {109} ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري (الحمى من فيج جهنم) (¬2) انظر ص 211 ج 1 منه (الغسل والوضوء في المخضب) وتقدم رقم 66 ص 28 و (من سبع قرب) يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وفى رواية الطبرانى في هذا الحديث من أبار شتى والظاهر أن ذلك للتداوى لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلى استريح فاعهد أو أوصى. و (اوكية) جمع وكاء وهو ما يشد به فم القربة. (¬3) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري وقد خفي ما دلت عليه هذه الأحاديث على بعض سخفاء الأطباء فاعترض على الحديث بان اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف (والجواب) أن هذا إنما يصدر عن مرتاب في صدق الخبر فيقال له أولا من أين حملت الأمر على الاغتسال؟ وليس في الحديث تخصيصه بالعسل وإنما فيه الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء. فإن تبين أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد وإنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها. والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت تلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم - أعلم بالمراد من غيرها (وقال) المازرى: ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها فعارض بعرض له من غضب يحمى مزاجه مثلا فتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حاله ما، لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرضى الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء وقوة الطباع وعلى تقدير ورود التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بأنه يحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي ويضمحك عند ذلك كلام أهل الطب. انظر ص 135 ج 10 فتح الباري (الحمى من فبح جهنم)

وهذه الأحاديث ترد تأويل ابن الأنبارى أن المراد بقوله: فأبردوها بالماء الصدقة به (قال) ابن القيم: أظن الذي حمل ثائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى فعدل إلي هذا وله وجه حسن لأن الجزاء من جنس العمل. فكأنه لما أحمد لهيب العطش عن المآن بالماء أحمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به فهو استعماله في البدن حقيقة. (¬1) (10) التلبينة: بفتح فسكون فكسر بهاء وبدونها وهى حساء رقيق يعمل من دقيق او نخالة ويجعل فيه عسل أو لبن ن وقيل يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا لا يخالطه سحري، وقيل هي ماء الشعير المطحون المغلي سميت تلبينة لتشبهها باللبن في الرقة والبياض وهو دواء للمريض والمحزون (روى) عروة عن عائشة أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض ولمخزون على الهالك وكانت تقول: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن " أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {110} ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 10 فتح الباري (¬2) انظر ص 113 ج 10 فتح الباري (التلبينة للمريض) وص 302 ج 14 نووي مسلم 0 لكل داء دواء 9 و (تجم 9 بفتح فضم وبضم فكسر وفى رواية مسلم: التلبينة مجمة بفتح الميم والجيم وشد الميم الثانية. وروى بضم أوله وكسر الثانية. يقال جم وأجم. والمعنى أنها تريح قؤاد المريض وتزيل عنه الهم والألم وتنشطه وتزيل عن المخزون الحزن. والمراد بالفؤاد براس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمى أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة. انظر ص 114 ج 10 فتح الباري.

وعن محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ويقول: إنه ليرتو فؤاد الحزين وبشروا عن فؤاد الحزين وبشرو عن فؤاد السقيم كما تشرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وابن ماجه والحاكم (¬1) {111} ومن شاء معرفة منافع التلبينة فليعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا. فإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية ولا شئ أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير وأما من يغلب على غذائه الحنطة فأولى به في مرضه حساء الشعير. والتلبية أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن وهى أكثر تغذية وأقوى فعلا وأكثر جلاء. وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق والطف فلا يثقل على طبيعة المريض. وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا وبالحزين إذا طبخ مطحونا (¬2) وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، ملطف للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل ¬

(¬1) انظر ص 113 ج 10 فتح الباري (التلبينة للمريض) وص 158 ج 3 تحفة الأحوذى (ما يطعم المريض) وص 178 ج 2 - ابن ماجه (التلبينة) و (برتو) بفتح فسكون فضم المثناه أى يقوى. و (يسرو) بفتح فسكون أى يكشف عنه ضره ويزيله (¬2) انظر ص 114 ج 10 فتح البارى

وصفته أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ويغلى في قدر نظيف بنار متعدلة إلى أن يبقى خمساه ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلى (¬1). (11) لبن الإبل وبولها: هو دواء نافع للمعدة من داء الاستسقاء (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بابوال الإبل فإنها نافعة لذرية بطونهم " أخرجه ابن المنذر (¬2) {112} وعن أنس: " أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابل الصدقة وقال: اشربوا من ألبانها وابوالها فشربوا من ألبانها وابوالها حتى صلحت أبدانهم " (الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى وقال حسن صحيح (¬3) {113} كانوا مرضى بالاستسقاء ففي رواية مسلم انهم قالوا: إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا وارتهشت (¬4) أعضاؤنا والجوى داء في الجوف والاستسقاء مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو بها كلها أو المواضع الخالية من النواحي آلتي بها تدبير الغذاء والأخلاط (ولما كانت) الأدوية الجالية آلتي بها علاجه هي الأدوية آلتي فيها إطلاق معتدل وإدرار بحسب الحاجة وهى موجودة في ابوال الإبل وألبانها (أمرهم) النبي صلى الله عليه وسلم بشربها ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 3 زاد المعاد (شعير) (¬2) انظر ص 110 ج 10 فتح البارى (الدواء بابوال الإبل) و (الذرية) بفتح فكسر جمع ذرب وهو من فسدت معدته والذرب بفتحتين فساد المعدة (¬3) انظر ص 110 ج 10 فتح البارى (الدواء بأوبال الإبل) و 159 ج 3 تحفة الأحوذى (شرب ابوال الإبل) و (عربنة) بالتصغير قبيلة و (اجتووا) أى حصل لهم الجوى وهو داء يصيب الجوف (¬4) ارتهش من الارتهاش وهو الاضطراب.

فإن في لبن اللقاح (¬1) جلاء وتلبينا وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد إذ كان أكثر رعيها الشيخ والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر (¬2) وغيرها من الأدوية النافعة للاستسقاء. وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد لما فيه من التفتيح والتلبين والإدرار والجلاء قال الرازى: لبن اللقاح يشفى أوجاع الكبد وفساد المزاج وهو ارق الألبان وأكثرها مائية وحدة وأقلها غذاء ن فلذا صار أقواها على تلطيف الفضول وإطلاق البطن وتفتيح السدد لما فيه من الملوحة اليسيرة ولذا صار أخص اللبان بتطرية الكبد وتفتيح سدده وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثا وإنما ينفع من الاستسقاء إذا استعمل بحرارته آلتي يخرج بها من الضرع من بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان فإن ذلك يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن وجب أن يطلق بدواء مسهل ولا يلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء فإن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء وشدة المنفعة فلو أن أنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفى به وقد جرب في قوم تزحوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضرورة إلى استعماله فعوفوا، وانفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب (¬3) (12) الحجامة والفصد: (الحجامة) هي شرط الجلد بنحو موسى وجذب الدم بالمحجم ونحوه (¬4) (والفصد) قطع العرق لأخراج الدم عند الداعية وإلا فلا ينبغي إخراجه بل تركه أنفع فهو يقوى البدن لأنه من خالص الغذاء الذي هو قوام البدن. ¬

(¬1) اللقاح بكسر اللام جمع لقحة وهى الناقه ذات اللبن (¬2) (القيصوم) نبات بالبادية منظف كالبابونج وهو الأقحوان، بضم فسكون فضم: نبات له نور ابيض لا رائحة له. و (الإذخر) بكسر فسكون فكسر: بنت بالحجاز له رائحة طيبة منظف. (¬3) انظر ص 78 ج 3 زاد المعاد (هدية رسول الله صلى الله عليه وسلم فى داء الاستسقاء). (¬4) يقال حجمه الحاجم حجما من باب قتل: شرطة، واسم الصناعة حجامة بالكسر.

والحجامة والفصد من خير الأدوية عند الداعية (لحديث) على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الدواء الحجامة والفصادة، أخرجه أبو نعيم في الطب ورمز السيوطى لضعفه (¬1) {114} وعن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن امثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي (¬2) {115} والخطاب لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة لسطح الجلد. ومسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر فالحجامة أولى والخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم (قال) ابن سيرين: " إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم " أخرجه الطبري بسند صحيح وقال: وذلك أنه يصير حينئذ في انتفاض وانحلال من قوى بدنه فلا ينبغي أن يزيده وهنا بإخراج الدم. ومحله حيث لم تتعين حاجته إليه ولم يعتده (¬3). هذا والحجامة تنفى سطح البدن أكثر من الفصد. والفصد ينفى أعماق البدن وهى للصبيان وفى البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد تغنى عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد (والتحقيق) أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الأزمان والمكنة الحارة والبدان الحارة آلتي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد (¬4) وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن أتتداوى بالأخف لا ينتقل إلي ما فوقه. فمتى أمكن التداوى ¬

(¬1) انظر ص 472 ج 3 مناوى رقم 4008 (¬2) تقدم رقم 96 ص 49 (¬3) انظر ص 116 ج 10 فتح البارى (الحجامة من الداء). (¬4) انظر ص 116 ج 10 فتح البارى (الحجامة من الداء).

بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء. ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب. ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى الفصد (¬1). ثم الكلام هنا في ثلاثة مباحث: (أ) فضل الحجامة: قد ورد في فضلها أحاديث (منها) حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب ويجلو عن البصر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به ما مر على ملا من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة (الحديث) أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور (¬2) {116} (وحديث) ابن مسعود قال: " حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسرى به أنه لم يمر على ملإ من الملائكة إلا أمروه أن مر أمتك بالحجامة " أخرجه الترمذى وقال حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس (¬3) {117} (وحديث) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن كان في شئ مما تداويتم به خير فالحجامة " أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وابن ماجه (¬4) {118} ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (قطع العرق). (¬2) انظر ص 182 ج 2 - ابن ماجه (الحجامة) وص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى الكى) و (يخف) من الإخفاق. و (الصلب) الظهر و (يجلو عن البصر) القذى والرمص ونحوهما و (قال) أى ابن عباس. و (عرج) بالبناء للمفعول أى اسرى به. (¬3) انظر ص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى الكى) وص 182 ج 2 ابن ماجه (الحجامة) و (ليلة) بالفتح مضاف الى (اسرى به) مبنى للمفعول. ويجوز جر (ليلة) منونة. (¬4) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (الحجامة). وص 182 ج 2 ابن ماجه والتعليق بقوله " إن كان ط ليس للشك بل للتحقيق لأن وجود الخير فى الأدوية محقق لا شك فيه فالتعليق به يوجب تحقق المعلق به لا ريب. انظر ص 182 ج 2 سندى ابن ماجه.

(وحديث) عاصم بن عمر عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شئ من ادويتكم خير ففي شربه عسل او شرطه محجم أو لدغة بنار وما أحب أن أكتوى " اخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬1) {119} اشتمل هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس. وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط. والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم. وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن. وأما الكي فإنما يستعمل آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات وحيث يتعين زوال الداء به. وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم. وفى المثل: آخر الدواء الكي. وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره واكتوى غير واحد من الصحابة (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 119 ج 10 فتح البارى (الحجم من الشقيقة والصداع) وص 192 ج 14 نووى (لكل داء دواء) (¬2) انظر ص 107 ج 10 فتح البارى (الشفاء فى ثلاثة) ولم يرد النبى صلى الله عليه وسلم الحصر فى الثلاثة فإن الشفاء قد يكون فى غيرها. وانما نبه بها على اصول العلاج. وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية. وشفاء الدموية بإخراج الدم بالحجم والفصد. والامتلاء الصفراوى وما ذكر معه، دواؤه المسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل. والكى إنما يستعمل فى الخلط البلغمى الذى لا تنحسم مادته إلا به ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكى وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعيينه طريقا الى الشفاء مع اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا يحمل حديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم: من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل. أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح ابن حبان والحاكم. انظر ص 107 ج 10 فتح البارى (الشفاء فى ثلاثة) وص 184 ج 2 ابن ماجه (الكى) وص 164 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية الرقية) و (برئ من التوكل) محمول على من فعل ما ذكر معتمدا عليه لا على الله تعالى.

(ب) موضع الحجامة: تكون الحجامة بالرأس وبين الكتفين وفى الأخدعين والكاهل وظهر القدم والفخذ وغيرها (روى) أبو كبشة الأنمارى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: من اهراق من هذه الدماء فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أثنى عليه غير واحد وتكلم فيه غير واحد النبي صلى الله عليه وسلم (¬1) {120} (وعن) قتادة عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثا في الأخدعين والكاهل" أخرجه الأربعة إلا النسائي بسند صحيح. وقال الترمذى حسن غريب وصححه الحاكم (¬2) {121} (قال) الأطباء: الحجامة في وسط راس نافعة جدا. وفصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن فسد. وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد. وفصد الودجين ينفع لوجع الطحال والربو (¬3) ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (موضع الحجامة) وص 183 ج 2 - ابن ماجه ز و (الهامة) الرأس وقيل وسطه (فلا يضره ... الخ) أى لا يحتاج للتداوى بشئ آخر غير الحجامة لشئ من الأمراض. (¬2) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (موضع الحجامة) وص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة) وص 183 ج 2 - ابن ماجه (موضع الحجامة) و (الأخدعان) عرقان فى جانبى العنق يحجم منه (والكاهل) ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر. (¬3) الباسليق عرق عند المرفق من ناحية الإبط. و (الشوصة) بفتح فسكون وجع فى البطن أو ريح تعتقب فى الأضلاع أو ورم فى حجابها من داخل. قاموس. و (الأكحل) بفتح فسكون ففتح عرق بالزند الأعلى من اليدين وهو عرق الحياة و (القيفال) بكسر فسكون معرب. عرق فى اليد يمشى الى البدن من ناحية الكتف و (الربو) بفتح فسكون النفس العالى.

عن فصد الباسليق. والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال. والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع السنان والوجه والحلقوم وتنقى الرأس. والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الحيض والحكة العارض في الأنثيين. والحجامة على اسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل (¬1) وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه. والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض (¬2). (فائدة) قال ابن الجوزى في اللقط: اعلم أن أحوج الناس للفصد الشبان والكهول وأصحاب الأبدان الثقيلة. وينبغي أن يتوقاه الصبيان إذ لم يبلغوا أربع عشرة سنة والمشايخ وأصحاب الأمراض الباردة ما أمكن. وقد يحدث من إسرافه الاستسقاء والهرم وضعف القوة والرعشان والفالج والسكتة والربو وضعف المعدة والكبد وربما أعقب استفراغ الدم الكثير وكثيرا ما تنحل عنه القوة ولا يرجع حتى يموت صاحبه على طول الأيام وكثيرا ما يثقل البدن به. (ج) وقت الحجامة: اعلم أن الدم يغلب في أوائل الشهر ويقل في آخره ولذا قالوا: الأفضل في الحجامة أن تكون في الربع الثالث من الشهر (لحديث) ¬

(¬1) (الصافن) عرق عند الكعب اليسر. و (البثور) جمع بثرة بفتح فسكون وهى خراج صغير و (النقرس) بكسر فسكون فكسر ورم ووجع فى مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين. (¬2) انظر ص 117 ج 10 فتح البارى (الحجامة على الرأس)

أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء " أخرجه الحاكم وأبو داود. وفيه سعيد بن عبد الرحمن وثقة الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه (¬1) {122} وهو عام مخصوص بالداء الذي سببه غلبة الدم. وللحديث: (أ) شاهد عن ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين " أخرجه أحمد والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد (¬2) {123} (ب) شاهد عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد الحجامة فليفحر سبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله، أخرجه ابن ماجه وفيه النهاس بن فهم ضعيف (¬3) {124} (وقال) أنس: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين " أخرجه الحاكم والطبرانى والترمذى وقال حسن غريب (¬4) {125} (ولكون) هذه الأحاديث لم يصح منها شئ (قال) حنبل بن إسحق: ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (متى يستحب الحجامة). (¬2) انظر ص 163 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة) ولفظ يوم مرفوع خبر إن وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم إذا فار وتردد فى البدن. (¬3) انظر ص 183 ج 2 - ابن ماجه (فى أى الأيام يحتجم؟ ) و (يتبيغ) بفتح الباء وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم اذا فار وتردد فى البدن. (¬4) انظر ص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (الحجامة)

كان أحمد يحتجم آي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت (¬1) (وقال) البخاري: احتجم أبو موسى ليلا (وعن) ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم (¬2) (أشار) البخاري إلى أن الحجامة تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا (وقال) الأطباء: إن أنفع الحجامة ما يكون في الساعة الثانية أو الثالثة نهارا وألا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام او غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع (وقد) ورد في تعيين أيام للحجامة حديث ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة وتزيد في العقل وفى الحفظ فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء " أخرجه ابن ماجه من طريقين ضعيفين. أخرجه الدارقطني بسند جيد عن ابن عمر موقوفا (¬3) {125} (ونقل) الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت. وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث (¬4) (وقال) أبو بكرة بكار بن عبد العزيز: أخبرتني عمتي كبشة بنت أبى بكرة أن ¬

(¬1) (انظر ص 116 ج 10 فتح البارى 0 اية ساعة يحتجم) (¬2) انظر ص 115 ج 10 منه (¬3) انظر ص 183 ج 2 - ابن ماجه (فى أى الياك يحتجم) وص 115 ج 10 فتح البارى (¬4) انظر ص 115 ج 10 فتح البارى

أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ. أخرجه أبو داود. وأبو بكرة بكار قال ابن معين: ليس حديثه أن وقال ابن عدى: أرجو أنه لا باس به وهو من الضعفاء الذين يكتب حدثيهم (¬1) {127} (فائدة) قال في تسهيل المنافع: ينبغي أن تكون الحجامة على الريق إلا أن يكون الإنسان ضعيفا فله أن يأكل قبل أن يحتجم. وينبغي لمن احتجم أن يصبر عن الأكل ساعة (¬2) (وقال) الشافعي رضى الله عنه: عجبت لمن يدخل الحمام ثم لا يأكل كيف يعيش؟ وعجبت لم احتجم وأكل من ساعته كيف يعيش؟ ومن افتصد أو احتجم وأكل لبنا أو حامضا يخشى عليه من البرص. (13) الكي: هو مس الجلد بحديدة محماة ونحوهما وهى المكواة وهو جائز للحاجة وتركه أولى إذا لم يتعين طريقا للدواء (قال) عاصم بن عمر بن قتادة: سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربه عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوى " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬3) {128} ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 4 عون المعبود (متى تستحب الحجامة) و (يزعم) أى يقول ويروى و (يوم الدم) أى يوم يكثر فيه الدم فى الجسم و (لا يرقا) بفتح فسكون ففتح فهمز أى لا يسكن الدم فيه. والمعنى أنه لو احتجم او افتصد يوم الثلاثاء لربما يؤدى الى هلاكه لعدم انقطاع الدم (وقد 9 أورد ابن الجوزى الحديث فى الموضوعات وتعقبه السيوطى بأن بكار بن عبد العزيز استشهد له البخارى فى صحيحه وروى له فى الأدب وقال ابن معين: صالح (¬2) انظر ص 52 تسهيل المنافع. (¬3) انظر ص 108 ج 10 فتح البارى (الدواء بالعسل) والحديث تقدم رقم 119 ص 62 و (لدغة) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة من اللذع وهو الخفيف من حرق النار. وفى قوله (توافق الداء) إشارة إلى أن الكى إنما يشرع منه ما يتعين طريقا الى الشفاء من الداء

فنسبة الشفاء إليه وقوله " توافق الداء " يدل على الجواز. وقوله " وما أحب أن أكتوى " يدل على فضل تركه (وروى) أبو الزبير عن جابر قال: " رمى سعد بن معاذ في أكحلة فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية " أخرجه مسلم (¬1) {129} (وعن) أبى سفيان عن جابر قالِ: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه " أخرجه مسلم (¬2) {130} (وعن) الحسن البصرى عن عمران بن حصين قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكي فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا. وفى رواية: فما افلحن ولا أنجحن " أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوى وقال: وكان يسمع تسليم الملائكة فلما اكتوى انقطع عنه فلما ترك رجع إليه. وأخرجه الترمذى وقال حسن صحيح (ورد) بأن الحسن لم يسمع من عمران. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: فاكتويت فما أفلحت ولا أنجحت (¬3) {131} (والنهى) فيه محمول على الكراهة أو خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث من الجواز (وقيل) إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح ¬

(¬1) انظر ص 194 ج 14 نووى (لكل داء دواء) و (المشقص) بكسر فسكون: آلة الكى. (¬2) انظر ص 193 ج 14 نووى (لكل داء دواء واستحباب التداوى) (¬3) انظر ص 4 ج 4 عون المعبود (الكى) وص 162 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية الكى) وص 184 ج 2 ابن ماجه (الكى) ورواية (فما أفلحن ولا أنجحن) بنون النسوة هى الصحيحة يعنى أن تلك الكيات التى اكتوينا بهن مخالفين نهى النبى صلى الله عليه لم تفدنا.

(وهذا) والكي ثلاثة أنواع: (أ) كي الصحيح لئلا يمثل وهذا الذي قيل فيه " لم يتوكل من اكتوى " لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع (ب) كي الجرح إذا فسد والعضو إذا قطيع وهذا الذي يشرع أتتداوى به (جـ) الكي لاحتمال أتتداوى به وهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق (هذا) وقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أمور: فعل النبي صلى الله عليه وسلم له. وعدم محبته له. والثناء على من تركه. والنهى عنه. ولا تعارض بينها لأن الفعل يدل على الجواز وعدم المحبة لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أولى وكذا الثناء على تاركه وأما النهى عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه أو عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء أو عما لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء (¬1). (14) الحمية: بكسر فسكون وهى منع المريض من تناول مالا يلائمه (¬2) وهى نوعان: حمية الصحيح يمنعه عما يجلب المرض. وحمية المريض يمنعه عما يزيد المرض وبها تتمكن القوى من دفع المرض. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وينهى عما يؤذى والأصل فيها قوله تعالى: " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً " (¬3) فحمى المريض من استعمال الماء لأنه يضره ¬

(¬1) انظر ص 119 ج 10 فتح البارى (من اكتوى أو كوى غيره) وص 83 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الكى) (¬2) يقال حمى المريض ما يضره أى منعه إياه (¬3) المائدة: ىية 6. و (الغائط) فى الصل المكان المنخفض والمراد به هنا قضاء الحاجة و (لا مستم) أى جامعتم (فلم تجدوا ماء) اى لم تقجروا على استعماله لمرض خيف حصوله أو زيادته أو بطء برئه أو لبرد أو لغير ذلك من اسباب التيمم (انظر اسباب التيمم ص 383 وما بعدها ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة)

(وقالت) أم المنذر سلمى بنت قيس: " دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه على وعلى ناقه ولنا دوال معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها فقام على ليأكل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى: مه مه إنك ناقه فجلس على والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل قالت فصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم على اصب من هذا فهو أنفع لك " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح ابن سليمان ورده المنذرى بان غير فليح قد رواه (¬1) {132} منع النبي صلى الله عليه وسلم عليا من الأكل من الدوالي لأنها فاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لأنها مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن وفى الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فإما أن نقف تلك البقية وأنا أن تتزايد فلما وضع بين يديه السلق والشعير أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصيب منه فإنه من أنفع الأغذية لناقه فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتليين وتقوية الطبيعة ما هو اصلح للناقه ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه (¬2) (وقال) صهيب: " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر ¬

(¬1) انظر ص 1 ج 4 عون المعبود (الطب) وص 178 ج 2 - ابن ماجه (الحمية) وص 157 ج 3 تحفة الأحوذى (الحمية) و (الناقة) بكسر القاف قريب العهد من المرض و (الدوالى) جمع دالية وهى العذق من البسر يعلق فإذا ارطب أكل و (السلق) بكسر فسكون: بنت معروف (¬2) انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية).

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أذن فكل فأخذت آكل من التمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم تأكل تمرا وبك رمد؟ فقلت: إنى امضغ من ناحية أخرى فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (¬1) {133} (وعن) قتادة بن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء " أخرجه البيهقى في الشعب والترمذى وقال حسن غريب والحاكم وقال صحيح (¬2) {134} (وعن) جعفر بن محمد عن أبيه قال: " أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قناع من تمر وعلى محموم فناوله تمرة ثم أخرى حتى ناوله سبعا وقال حسبك " ذكره الذهبي في الطب النبوي (¬3) {135} وقال: وذلك لأن التمر فيه حرارة تضر أصحاب الحميات وتورئهم الصداع والعطش فإذا أخذ منه القليل لم يكن له تلك المضرة (وقال) زيد بن اسلم: حمى عمر مريضا له حتى أنه من شدة ما حماه كان يمض النوى. ذكره الذهبي في الطب النبوي (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 178 ج 2 - ابن ماجه (الحمية) و (مضغ) من بابى نفع وقتل و (من ناحية أخرى) أى أنه يجيد مضغه فى الشدقين. (¬2) انظر ص 157 ج 3 تحفة الأحوذى (الحمية) ومنع السقيم من شرب الماء اذا كان يضره وما اشتهر من قولهم (الحمية راس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد) ليس حديثا بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب: انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد. (¬3) انظر ص 45 (منع المريض من الإكثار مما يزيد فى علته) والقناع بكسر ففتح - الطبق يؤكل فيه (¬4) انظر ص 42 (الحمية)

وبالجملة فالحمية من أكبر الأدوية: قبل الداء تمنع حصوله فإذا حصل تمنع تزايده وانتشاره (¬1). (15) الورس: هو بفتح فسكون. نبت طيب الرائحة يزرع باليمن وأجوده الأحمر اللين القليل النخالة ينفع من الكلف والحكة والبثور في سطح البدن إذا طلى به. وله قوة قابضة صابغة وإذا شرب نفع من الوضح (¬2). ومقدار الشربه منه درهم. وهو في منافعه قريب من القسط البحري وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسعفة (¬3) نفع منه (وهو) مع الزيت نافع من ذات الجنب (روى) قتادة عن ميمون أبى عبد الله عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت ألويت والورس من ذات الجنب قال قتادة وبلد من الجانب الذي يشتكيه أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وكذا ابن ماجه بلفظ: نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورسا وقسطا وزيتا بلد به (¬4) {136} وكيفية أتتداوى بما ذكر أن يدق القسط دقا ناعما ويخلط بالزيت المسخن وبذلك به مكان الألم والله الشافي. (16) رماد الحصير: يداوى به الجرح بعد غسله إن لم يكن غائرا (روى) أبو حازم عن أبيه سهل بن سعد الساعدى قال: جرح رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 97 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية). (¬2) (الوضح) بفتحتين: البرص. (¬3) (البهق) بفتحتين لون يعترى الجلد مخالف للونه وهو غير البرص (والسعفة) كغرفة سواد مشرب بحمرة. (¬4) انظر ص 174 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى دواء ذات الجنب) وص 181 ج 2 - ابن ماجه (ويلد) مبنى للمفعول أى يلقى فى الفم من اللدود بالضم. وأما اللدود بالفتح فهو الدواء يصب فى أحد جانبى فم المريض.

وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضة (¬1) على رأسه فكانت فاطمة تغسل الدم عنه وعلى يسكب عليه الماء بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد ¬

(¬1) (الرباعية) بوزن الثمانية، السن بين الثنية والناب (والبيضة) الخوذة توضع على الرأس و (أحد) بضمتين جبل فى الشمال الشرقى للمدينة على نحو ثلاثة أميال منها (كانت) غزوته فى شوال من السنة الثالثة للهجرة (يناير سنة 625 م) (وحاصلها) أن قريشا لما أصابها ببدر ما أصابها اجتمع كثير منهم بأبي سفيان وقالوا إن محمدا قتل خيارنا وقد رغبنا فى ترك ربح أموالنا فى التجارة التى خرجنا منها الى بدر (وكان الربح خمسين ألف دينار) لنحارب به محمدا فنزل " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون " 36 سورة الأنفال. فخرج أبو سفيان فى ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس وسبع عشرة امرأة يضربن بالدفوف ويبكين قتلى بدر ويحرضن المشركين على القتال ونزلوا بذى الخليفة وأبى العباس أن يخرج معهم بل كتب إلي النبى صلى الله عليه وسلم يخبره بخروجهم لقتاله فأشار النبى صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا للعدو فإن جاء قاتلوهم على افواه الأزقة فألح قوم من فضلاء المسلمين بالخروج فدخل صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته (بفتح اللام وسكون الهمزة أى درعه) وخرج فوجدهم قد رجعوا عن رايهم وقالوا اصنع ما ترى. فقال: ما ينبغى للنبى اذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل. واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وسار فى منتصف شوال بعد صلاة الجمعة فى الف منهم عبد الله بن ابى فى ثلثمائه منافق وفى اثناء الطريق رجع المنافق بمن معه. فهم بنو حارثه من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع فشلا فثنبتهما الله .. ونزل (اذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) 122 آل عمران. ومضى النبى صلى الله عليه وسلم بسبعمائه مشاة نزل بهم فى شعب أحد وجعل ظهره إلى احد ورتب الصفوف وأعطى مصعب بن عمير لواء المهاجرين وأسيد بن حضير لواء الأوس والحباب بن المنذر لواء الخزرج وعين الرماة خمسين عليهم عبد الله بن جبير وأمرهم أن يقفوا على الجبل لحماية ظهر المسلمين وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم نصرنا أم غلبنا. ثم حصل القتال فقتل حمزة ارظاة بن شرحبيل حامل لواء العدو واشتغل بقتل سباع بن عبد العزى الخزاعى فكمن له وحشى عبد جبير فقتله رضى الله عنه وقتل ابن قمأة مصعب بن عمير حامل لواء المهاجرين فأخذه على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= وحمل المسلمون على المشركين فهزموهم فترك الرماة مكانهم طنعا فى الغنيمة وقد حذرهم أميرهم عبد الله بن جبير قال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اثبتوا مكانكم. فابوا أن يطيعوه وثبت هو فيما دون العشرة وكان خالد بن الوليد على خيل العدو فصاح فيمن معه وحثهم على انتهاز الفرصة فقتلوا من ثبت من الرماة ثم ابوا المسلمين من خلفهم وكروا عليهم بالخيل واشبع أن محمدا قتل فانقضت صفوف المسلمين وتزاحفت قريش بعد هزيمتها وانهزم المسلمون لمخالفة بعضهم امر النبى صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله حكمة ذلك وعرفهم سوء عاقبة المعصية بقوله: " لقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم (تقتلونهم) بإذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " 152 - آل عمران. وثبت النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أربعة عشر من كبار الصحابه يدافعون عنه (وهم ابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن مالك من المهاجرين وابو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ واسيد بن حضير من الأنصار) وقد خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورموه بالحجارى حتى وقع وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج وجهه وكلمت شفتاه برمية من ابى عتبة بن وقاص فقال النبى صلى الله عليه وسلم كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فنول قوله تعالى: " ليس لك من الأمر شئ أو (بمعنى الى، أى فاصبر الى أن) يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " 128 - آل عمران. ودخلت حلقتان من المغفر فى وجنة النبى صلى الله عليه وسلم فانتزعهما ابو عبيدة عامر بن الجراح فسقطت ثليتاه (وقد) قاتل عن النبى صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل (قال) سعد بن ابى وقاص رايت النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد أخرجه البخارى (انظر ص 252 ج 7 فتح البارى: اذ همت طائفتان منكم) وفى مسلم يعنى جبريل وميكائيل. ثم عرف كعب بن مالك الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقتل فصاح: يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع نفر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= من المسلمين الى الشعب فإدركهم ابى بن خلف وهو يقول اين محمد؟ لا نجوت أن نجا. فاعترضه رجال من المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوا طريقه وأخذ حربه بن الحارث بن الصمة قطعته فى عنقه فتدأدا (أى تدحرج) منها عن فرسه مرارا ورجع يقول: قتلنى محمد، ومات بها وهو راجع الى مكه بسرف ولم يقتل النبى صلى الله عليه وسلم غيره (وممن ابلى) بلاء حسنا يوم أحد وعظم نفعه فيه طلحة بن عبيد الله وسعد بن ابى وقاص والزبير بن العوام (فقد) قال صلى الله عليه وسلم هذا اليوم كله لطلحة وقال سعد بن ابى وقاص: نثل 0 بالنون والثاء أى استخرج ما فيها من النيل وفى رواية بالتاء المثاه من فوق أى قدمها 9 لى رسول الله صلى الله عليه وسلم كسانته يوم أحد فقال ارم فداك ابى وأمى أخرجه البخارى انظر ص 252 ج 7 فتح البارى. (وممن ثبت) أيضا فى هذا اليوم أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية فقد ذكر سعيد ابن ابى زيد الأنصارى أن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت: دخلت على أم عمارة فقلت لها أخبرينى خبرك فقالت: خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى أصحابه والدولة والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف حتى خلصت الجراح الى. فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من اصابك بهذا؟ قالت ابن قميئة أقمأه الله ز لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلونى على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب ابن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة وقد ضربته على ذلك ضربات. قاله ابن هشام. ثم أشرف أبو سفيان فقال أفى القوم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال افى القوم ابن أبى قحافة ثلاثا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال افى ابن الخطاب ثلاثا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال إن هؤلاء قد قتلوا. لو كانوا فى الأحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه بل قال: كذبت يا عدو الله فقد ابقى الله لك ما يخزيك. فقال ابو سفيان: اعل هبل مرتين فقال صلى الله عليه وسلم قولوا: الله أعلى وأجل فقال ابو سفيان: انا العزى ولا عزى لكم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم قولوا: الله مولانا ولا مولىلكم فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال =

الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها (¬1) حتى إذا صار رمادا الزقته الجرح فاستمسك الدم. أخرجه الشيخان وابن ماجه. وكذا الترمذى عن آبى حازم قال: سئل بن سعد بأي شئ دووي جرح النبي صلى الله عليه وسلم؟ ¬

= وتجدون مثله لم ىمر بها ولم تسؤنى وقد استشهد من المسلمين سبعون (قال) ابى بن كعب: قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة. أخرجه الحاكم فى الإكليل وصححه ابن حبان. انظر ص 263 ج 7 فتح البارى (من قتل من المسلمين يوم أحد) ومثلت نساء المشركين بالشهداء فبقرن البطون وقطعن المذاكير وجدعن الآذان والأنواف (وممن) مثلن به حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم فلما نظر ذلك سنة حزن حزنا شديدا وترحم عليه وأثنى وقال: أما والله لئن صبرتم لهو خير للصابرين " 126 - النحل فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بل نصبر وكيف عما اراد وكفر عن يمينه. (¬1) المجن - بكسر ففتح فشد النون -: الترس و (فاطمة) هى بنت النبى صلى الله عليه وسلم وسبب مجيئها أحدا بينه أبو حازم قال: لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء الى الصحابه يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبى صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم. أخرجه الطبرانى وفى رواية له عن ابى حازم قال: فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقا الدم (الحديث) وفيه ثم قال يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون (وقال) عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: إن الذى رمى النبى صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه فى وجهه قال خذها منى وأنا ابن قميئة (كسفينة 9 فقال اقمأك (صغرك وأذلك) الله فانصرف الى اهله فخرج إلي غنمه فوافاها على ذروة جبل فدخل عيها فشد عليه فنطحه نطحه أدرأه من شاهق الجبل فتقطع انظر ص 261 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد).

فقال: كان على يأتي بالماء في ترسه وفاطمة تغسل عنه الدم وأحرق له حصير فحشى به جرحه. قال الترمذى حسن صحيح (¬1) {137} وفى الحديث أمران: (أ) جواز أتتداوى وأن الأنبياء قد يصابون بالجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكارة (¬2) (ب) وأن الحصير إذا أحرقت ووضع رمادها على الجرح أبطل زيادة الدم بل الرماد كله كذلك لأنه من شأنه القبض. ولذا ترجم الترمذى الحديث " أتتداوى بالرماد" ورماد الحصير طيب الرائحة فالقبض يسد أفواه الجرح. وطيب الرائحة يذهب برائحة الدم (¬3). (17) الترياق: هو بتثليث التاء والمشهور الكسر، ما يستعمل لدفع السم من دواء معجون ويجوز أتتداوى به إذا لم يكن فيه محرم أو نجس وإلا لا يجوز (وعليه) يحمل حديث عبد الرحمن بن رافع التنوخى قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قيل نفسي " أخرجه أبو داود وقال: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد رخص فيه قوم يعنى الترياق وعبد الرحمن بن رافع قال البخاري: في بعض حديثه بعض المناكير (¬4) [138] ¬

(¬1) انظر ص 261 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد) وص 148 ج 12 نووى (غزوة أحد) وص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (التداوى بالرماد) و (الترس) بضم فسكون ما يتترس به المحارب. (¬2) انظر ص 262 ج 7 فتح البارى (ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد) (¬3) انظر ص 177 ج 3 تحفة الأحوذى (التداوى بالرماد) (¬4) (انظر ص 5 ج 4 عون المعبود الترياق) و (أو قلت الشعر من قبل نفسى) أى قصدته وتقولته فلا يقول الشعر لقوله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغى له وأما قوله صلى الله عليه وسلم: أنا النبى لا كذب * أنا ابن عبد المطلب فقد صدر منه لا عن قصد

ومعنى الحديث: أنى إن فعلت هذه الأشياء كنت ممن لا يبالي بما فعله من الأفعال مشروعة أو غيرها ولا ينز جر عما لا يجوز فعله شرعا. (هذا) والترياق إذا لم يكن فيه نجس فلا باس بتناوله (والتميمة) قيل إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات واعتقاد هذا جهل وضلال إذ لا دافع غير الله تعالى ولا يدخل في هذا التعوذ بالقرآن والاستشفاء به لأنه كلام الله تعالى (¬1). (18) دواء النسا: النسا كالعصا عرق يظهر في الورك فيستبطن الفخذ (ويداوى) بما في حديث انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شفاء عرق النسا إلية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء " أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح (¬2) {139} وهذه المعالجة تصلح للعراب ومن يعرض لهم هذا المرض من يبس. وقد تنفع ما كان من مادة غليظة لزجة بالإنضاج والإسهال فإن الألية تنضج وتلين وتسهل والمقصود بالشاه العرابية ما قلت فضولها وشحومها. ورعيها يكون في البر ترعى مثل القيصوم والشيخ (¬3) (قال) ابن القيم: عرق النسا وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف إلى الفخذ وربما امتد على الكعب وكلما طالت ¬

(¬1) وتقدم تمام الكلام فى تعليق التمائم ونحوها بهامش صفحة 205 وما بعدها ج 5 الدين الخالص طبعة ثانية (¬2) انظر ص 181 ج 2 - ابن ماجه (دواء عرق النسا). وفى الحديث دليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافا لمن منع ذلك وقال: النسا هو العرق نفسه فيكون من باب اضافة الشئ الى نفسه وهو ممتنع وجوابه من وجهين: (أ) ... أن العرق أعم من النسا فهو من اضافة العام الى الخاص. أن النسا هو المرض الحال بالعرق والاضافة فيه من اضافة الشئ الى محله وقيل وسمى بذلك لأن ألمه ينسى ما سواه. انظر ص 86 ج 3 زاد المعاد (علاج عرق النسا) (¬3) انظر ص 181 ج 2 سندى ابن ماجه (دواء عرق النسا).

مدته زاد نزوله ويهزل معه الرجل والفخذ. وهذا العلاج خاص بأهل الحجاز ومن جاورهم ولا سيما أعراب البوادي فإن هذا المرض يحدث من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها بالإسهال. والآلية فيها الخاصيتان: الإنضاج والتليين. وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين. وتعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها وصغر مقدارها ولطف جوهرها مرعاها لأنها ترعى أعشاب البر الحارة كالشيح والقيصوم ونحوهما. وهذه إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن بلطفها بالتغذية بها ويكسبها مزاجا الطف منها ولاسيما الألية. وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم ولكن الخاصية آلتي في الألية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللين (¬1) (19) دواء العين: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق " أخرجه أحمد والشيخان ,أبو داود وابن ماجه (¬2) {140} آي الإصابة بها شئ ثابت متحقق. وبظاهر الحديث أخذ الجمهور وأنكره طوائف المبتدعة بلا وجه لأن كل شئ ممكن في نفسه ولا يؤدى إلى قلب حقيقة فهو من متجاوز العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى ولا فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 86 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى هلاج عرق النسا). (¬2) انظر ص 107 ج 5 مجمع الزوائد (العين) وص 158 ج 10 فتح البارى (العين حق) وص 170 ج 14 نووى (الطب) وص 1 ج 4 عون المعبود (العين) وص 185 ج 2 - ابن ماجه (العين). (¬3) انظر ص 158 ج 10 فتح البارى (العين حق)

(هذا) والعين نظر باستحسان مشوب بجسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر وقد خفي هذا على بعض الناس فقال كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ (والجواب) أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن بالهواء إلى بدن المعيون. ويقرب من هذا أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب شخص بحضرته فيتثاءب هو (ومذهب) أهل السنة في هذا أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس " قال الراوي يعنى بالعين. أخرجه أبو داود الطيالسى والبخاري في التاريخ والحكيم الترمذى والبراز بسند حسن ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة (¬1) {141} (وقد أجرى) الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة لم يتكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه. والتأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وخلقه وهو ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى وتارة يقع ذلك بالتوهم فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن ولا وقاية له اثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي (¬2) (وعلاج العين) بما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 106 ج 5 مجمع الزوائد (العين) وص 156 ج 10 فتح البارى (رقية العين). (¬2) انظر ص 156 ج 10 فتح البارى (رقية العين).

قال: " العين حق ولو كان شئ القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا " أخرجه أحمد ومسلم والحكيم الترمذى وابن حبان (¬1) {142} معناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها وسبق بها علمه فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى (وفى الحديث) صحة أمر العين وأنها قوية الضرر. (وإذا استغسلتم) بالبناء للمجهول آي إذا طلب منكم من نظرتم إليه أن تغسلوا له أطرافكم فأجيوه (وظاهر الأمر) الوجوب فمن خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين (وكيفيته) أن يغسل العائن وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وأطراف رجليه وما تحت إزاره في إناء ثم يصب ذلك الماء على راس المعيون وظهره من خلفه ثم يكفأ الإناء وراءه على الأرض (روى) الزهري عن آبى أمامه بن سهل ابن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط سهل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعا قال: من تتهمون؟ قالوا عامر بن ربيعة قال علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 14 نووى (الطب). (ولو كان شئ سابق ... الخ) فيه تأكيد وتنبيه على سرعة تأثير العين وفيه رد على من زعم من المتصوفة أن قوله (العين حق) يريد به القدر أى العين التى تجرى منها الأحكام فإن عين الشئ حقيقته والمعنى أن ما يصيب المعيون من الضرر عند نظر العائن إنما هو بقدر الله السابق لا بشئ يحدثه الناظر فى المنظور (ووجه الرد) أن الحديث ظاهر فى المغايرة بين القدر والعين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور والحديث جرى مجرى المبالغة فى إثبات تأثير يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فغيرها أولى. انظر ص 159 ج 10 فتح البارى (العين حق)

له بالبركة، ثم دعا بماء فامر أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وكبتيه وداخله إزاره وأمره أن يصب عليه قال معمر عن الزهري وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه .. أخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن حبان وصححه وابن ماجه وهذا لفظه وفى رواية مالك: فبرأ من ساعته (¬1) {143} (هذا) والأمر بالغسل مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه (وإن) توقف فيه متشرع قلنا له: قل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة (وإن) توقف فيه متفلسف رد عليه بأن عنده الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك (وقال) ابن القيم: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد. وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها فما الذي تنكره جهلتهم من الخواص الشرعية. هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة. فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن. فكأن أثر ذلك تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة. ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيئة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شئ ارق من المغابن (الأطراف) فكان في غسلها إبطال لعملها (وفى الحديث) ما يدل على وصول أثر الغسل إلى القلب وهو من ارق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار آلتي أثارتها العين بهذا الماء (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 373 ج 2 تيسير الوصول (العين) وص 107 ج 5 مجمع الزوائد وص 186 ج 2 - ابن ماجه والمخبأة المرأة المخدرة. و (لبط) كصرع وزنا ومعنى و (داخله الإزار) الطرف الذى يلى جسد المؤتزر. والمراد غسل ما يليه من الجسد. (¬2) انظر ص 160 ج 10 فتح البارى (العين حق)

(فائدتان) (الأولى) أن هذا الغسل إنما ينفع بعد استحكام النظرة. وقبله تدفع بالدعاء بالبركة (لما) في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة (¬1). (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأي شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم تضره العين " أخرجه البزار وابن السنى والبيهقى وفيه أبو بكر الهذلى ضعيف جدا (¬2) {144} (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت وقرأ: " وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قَّوةَ إلا باللهِ ". أخرجه الطبرانى والأوسط وفيه عبد الملك بن زراره وهو ضعيف (¬3) {145} (الثانية) دلت الأحاديث السابقة أن العائن إذا عرف يؤمر بالاغتسال وهو دواء نافع وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من رجل محب ومن رجل صالح وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر بالدعاء لمن أعجبه بالبركة وأن الإصابة بالعين قد تقتل. وهل يقتص من العائن؟ (قال) القرطبي: لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا (¬4). (والجمهور) أنه لا قصاص في ذلك لأنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وكذا ¬

(¬1) انظر رقم 143 ص 81 (¬2) انظر ص 109 ج 5 مجمع الزوائد (ما يقول اذا رأى ما يعجبه). (¬3) انظر ص 140 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول اذا رأى ما يعجبه). (¬4) انظر ص 160 ج 10 فتح البارى (العين حق)

لا دية فيه ولا كفارة لأنه لم يقع منه فعل سوى الحسد والنظر ولا يمكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه، والفرق بينهما فيه عشر (وفى الحديث) أنه ينبغي للإمام منع العائن - إذا عرف بذلك - من مداخله الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره اشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضى الله عنه بمنعه من مخالطة الناس واشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة. وهذا القول صحيح متعين (¬1). (20) علاج الصرع: الصرع بفتحتين علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام وهو نوعان: (أ) صرع من الأخلاط الرديئة وهو ملة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدا غير تام فيمنع نفوذ الحس والحركة فيه وفى الأعضاء نفوذا ما من غير انقطاع بالكلية. وقد يكون لسباب أخر كريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة. وهذه العلة من الأمراض الحادة المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة وقد بين الأطباء سببها وعلاجها وقالوا إن الصرع يبقى فيمن يصاب به حتى يموت (¬2). (ب) صرع من الجن: ولا يقع إلا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به. وقد أثبته عقلاء الأطباء ولا يعرفون له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها (¬3) وبدل على ثبوته حديث عطاء بن أبى رباح قال: قال لي ابن عباس: ¬

(¬1) انظر ص 161 ج 10 فتح البارى. وص 173 ج 14 نووى مسلم (الطب والمرض) (¬2) انظر ص 85 ج 3 زاد المعاد (صرع الأخلاط) (¬3) انظر ص 90 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)

ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: اصبر وإنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها أخرجه الشيخان (¬1) {146} كان صرعها من الجن لا من الخلط (فقد روى) ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: " إنى أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتى أستار الكعبة فتتعلق بها " أخرجه البزار (¬2). {147} (وفى هذه) الأحاديث بيان فضل من يصرع ويصبر وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة (وفيها) دليل على جواز ترك أتتداوى وأن علاج الأمراض بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية (¬3) 0 (قال) ابن القيم: وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: (أ) أمر من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلي فاطر هذه الأرواح وبارئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان فإن هذا نوع محاربة والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا أمرين: أن يكون السلاح جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل فكيف إذا عدم الأمران بخراب القلب من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولا سلاح له. ¬

(¬1) تقدم رقم 12 صفحة 7. (¬2) انظر ص 91 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح) (¬3) انظر ص 91 ج 10 فتح البارى (فضل من يصرع من الريح)

(ب) من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله اخرج منه أو يقول باسم الله أو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله مادي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اخرج عدو الله وأنا رسول الله. وشاهدت شيخنا (¬1) يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح آلتي فيه ويقول: قال لك الشيخ أخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع ولا يحس بألم وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ " (¬2) وكان يعالج بآية الكرسي ويأمر المصروع بكثرة قراءتها ومن يعالجه وبقراءة المعوذتين وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، واكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله يكون لقلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقيقة الذكر والتعاويذ والتحصينات النبوية والإيمانية فتلقى الروح الخبيئة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه. هذا ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى من هذه الأرواح الخبيثة وهى في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت (¬3) ولا عاصم للإنسان من الشيطان إلا ذكر الله تعالى فإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. (21) دواء الجنون: قد ورد في هذا معجزة عظيمة كي صلى الله عليه وسلم (روى) سليمان بن عمرو بن الآحوص عن أم جندب قالت: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر ثم انصرف وتبعته ¬

(¬1) (شيخنا) يعنى شيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تيمية. (¬2) سورة المؤمنون: آية 115 (¬3) انظر ص 84 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج الصرع)

امرأة من خثعم ومعها صبى لها به بلاء لا يتكلم فقالت يا رسول الله هذا أبني وبقية أهلي وإن به بلاء لا يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيتونى أن من ماء فأتى بماء فغسل يديه ومضمض فاه ثم أعطاها فقال اسقيه منه وصبى عليه منه واستشفى الله له قالت: فلقيت المرأة من الحول فسألتها عن الغلام فقالت برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس " أخرجه ابن ماجه (¬1) {148} (22) دواء الكلية: هي بضم فسكون ولكل حيوان كليتان وهما لحمتان منتبرتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين وإذا تحركت تداوى بالماء الحار والعسل (روت) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها فدواؤها بالماء المحرق والعسل " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثقه جماعة (¬2) {149} (23) أتتداوى بسمن البقر: قال زهير: حدثتنى امرأة أهلي عن مليكة بنت عمرو الزيدية من ولد زيد الله بن سعد قالت: " اشتكيت وجعا في حلقي فأتيتها فوضعت له سمن بقر قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء قلت قوله فأتيتها يعنى أن المرأة من أهله أتت مليكة، أخرجه الطبرانى. والمرأة لم تسم وبقية رجاله ثقات (¬3) {150} (24) الحقنة: هي بضم فسكون إيصال الدواء إلى الجوف بالحقنة (بكسر ¬

(¬1) انظر ص 188 ج 2 - ابن ماجه (النشرة) بضم فسكون نوع من الرقية يعالج بها المجنون. و (بقية أهلى) أى أنهم ماتوا وما بقى منهم الا هذا. (¬2) انظر ص 87 ج 5 مجمع الزوائد (عرق الكلية). (¬3) انظر ص 90 ج 5 مجمع الزوائد (التداوى بسمن البقر)

فسكون) (وهى مكروهة إلا لحاجه على الصحيح 0 قال) الخلال: كان أبو عبد الله - يعنى أحمد - كرهها في أول أمره ثم أباحها على معنى العلاج واحتج القاضى للقول المرجوح يعنى كراهة الحقنة مطلقا بما روى وكيع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقنة ورواه أبو بكر بن أبى شيبه عن على وسال ابن عباس رضى الله عنهما رجل: أحتقن؟ قال لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين. وراه الخلال وروى الخلال عن عمر رضى الله عنه أنه رخص في الحقنة وكرهها على ومجاهد والشعبي والمعتمد كراهتها بلا حاجة ولها تباح. (¬1) (25) الباسور: هو بالسين والصاد علة تحدث في المقعدة وفى داخل الأنف وقطعة مباح. وقيل يكره إن لم يخف التلف وإلا حرم والمنصوص عنه النهى عند الحنبلية ونص أحمد على الكراهة (¬2) هذا ويحل قطع عضو تمكن فيه الداء وخيف من بقائه السريان أو زيادة الألم. ويحل شق جرح ونحوه إن لم يخش منه ضرر. قال الإمام أحمد رضى الله عنه: كان الحسن يكره البط - يعنى شق الجرح - ولكن عمر رضى الله عنه رخص فيه وكذا معالجة الأمراض المخوفة ومداواتها ويروى عن على رضى الله عنه قال: " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل نعوده بظهره ورم فقالوا يا رسول الله: هذه مدة قال: بطوا عنه. قال على: فما ربحت حتى بطن مادي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبا أن يبط بطن رجل أحوى البطن (¬3) فقيل يا رسول الله هل ينفع الطب؟ قال الذي انزل الداء أنزل الشفاء (وروى) ابن السنى عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج في بعض أصبعى بثرة ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 2 غذاء الألباب. (¬2) انظر ص 21 ج 2 منه (¬3) الاحرى: السود

(د) بعض الأدوية والأغذية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

فقال: عندك ذريرة (¬1)؟ قلت نعم. قال ضعيها وقولي اللهم مصغر الكبير ومكبر الصغير صغر ما بى. ذكر هذه الروايات السفارينى (¬2) {151} (د) بعض الأدوية والأغذية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم علمت الكثير من الطب المكارة ونذكر هنا خمسة وخمسين دواء مرتبة على حروف الهجاء: (1) إذخر: هو بكسر فسكون فكسر نبت بالحجاز طيب الرائحة وله منافع: بفتح السدد وأفواه العروق وبدر البول والحميص ويفتت الحصى ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شربا وضمادا. واصله يقوى عمود الأسنان والمعدة ويسكن الغثيان ويعقل البطن (¬3) (2) الأرز: بفتح فسكون هو الصنوبر وحبه حار رطب وفيه إنضاج وتليين وتحليل وهو عسر الهضم وفيه تغذية كثيرة وهو جيد للسعال ولتنقية رطوبات الرئة ويولد مغصا. وترياقه حب الرمان المز (¬4) (3) الأرز: بضم فسكون وهو أغذى الحبوب بعد الحفظة وأحمدها خلطا يشد البطن شدا ويقوى المعدة ويدبغها وله تأثير في خصب البدن وكثرة التغذية وتصفية اللون (¬5). ¬

(¬1) (البثرة) بضم فسكون خراج صغير جمعها بثور وبثر كغرف. و (الذريرة) بفتح فكسر ويقال الذرور، نوع من الطيب ودواء هندى يتخذ من فتات قصب الطيب وهو حار يابس ينفع من ورم المعدة. (¬2) انظر ص 21 ج 2 غذاء الألباب (بط الجرح وقطع العضو خوف السريان) (¬3) انظر ص 157 ج 3 زاد المعاد (¬4) انظر ص 157 ج 3 زاد المعاد (¬5) انظر ص 157 ج 3 زاد المعاد

(4) الباذنجان: وهو أبيض واسود والصحيح أنه حار وهو مولد للسوداء والبواسير والسدد والسرطان والجذام ويفسد اللون ويسوده ويضر بنتن الفم والأبيض منه المستطيل عار من ذلك (¬1) (5) البسر: بضم فسكون وهو من النخلة كالعنقود من العنب وهو حار يابس ويبسه أكثر من حره يجفف الرطوبة ويدبغ المعدة ويحبس البطن وينفع اللثة والفم وأنفعه ما كان هشا وحلوا وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء (¬2) (6) البصل: هو حار وفيه رطوبة فضلية ينفع من تغير المياه ويدفع ريح السموم وبفتق ويقوى المعدة ويهيج الباه ويحسن اللون ويقطع البلغم ويجلو المعدة وهو بالملح يقلع الثآليل (¬3) وإذا شمه من شرب دواء مسهلا منعه من القيء والغثيان وأذهب رائحة ذلك الدواء وإذا تسعط بمائه تقي الرأس ويقطر في الأذن لثقل السمع والطنين والقيح والماء الحادث في الأذنين وينفع من الماء النازل من العينين اكتحالا. يكتحل ببذرة مع العسل لبياض العين. والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال وخشونة الصدر ويدر البول ويلين الطبع وينفع ماؤه مع الملح من عضه الكلب غير الكلب. وإذا احتمل فتح أفواه البواسير. (وأما) ضرره فإنه يورث الشقيقة ويصدع الرأس ويولد أرياحا وبظلم البصر وكثرة أكله تورث النسيان ويفسد العقل ويغير رائحة الفم والنكهة ويؤذى الجليس والملائكة وإمانته طبخا تذهب بهذه المضرات منه (¬4). (روى) معدان بن آبى طلحة اليعمرى أن عمر بن الخطاب قام يوم الجمعة خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " يأيها الناس إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا الثوم ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 158 ج 3 منه. (¬3) (الثأليل) جمع ثؤلول بضم فسكون وهو بثر - بفتح فكسر - صغير صلب وهو الخراج الصغير. (¬4) انظر ص 151 ج 3 زاد المعاد.

وهذا البصل ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد ريحه منه فيؤخذ بيده حتى يخرج بع إلى البقيع فمن كان آكلها لابد فليمتهما طبخا " أخرجه ابن ماجه (¬1). {152} (وعن) معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا وقال: إن كنتم لابد آكلوها فاميتوهما طبخا قال يعنى البصل والثوم " أخرجه أبو داود وسكت عليه (¬2) {153} (7) البطيخ: روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب فيقول نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا " أخرجه النسائي والترمذى مختصرا وقال حسن غريب وأبو داود وهذا لفظه وأخرجه ابن ماجه مختصرا عن سهل بن سعد (¬3) {154} الباء في الحديث بمعنى مع، آي كان يأكل أحدهما مع الآخر ويقول: إن حر الرطب بكسر ببرد البطيخ. وقد تبين أنس كيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم لهما قال: " كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة إليه " أخرجه أبو نعيم في الطب والطبرانى في الأوسط وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك (¬4) {155} ¬

(¬1) انظر ص 169 ج 2 ابن ماجه (أكل الثوم والبصل). (¬2) انظر ص 425 ج 3 - عون المعبود (أكل الثوم). (¬3) انظر ص 56 ج 3 تحفة الأحوذى (أكل البطيخ بالرطب) وص 427 ج 3 عون المعبود (الجمع بين اللونين عند الأكل) وص 164 ج 2 - ابن ماجه (القثاء والرطب يجمعان). (¬4) انظر ص 455 ج 9 فتح البارى (جمع اللونين أو الطعامين بمرة) وص 38 ج 5 مجمع الزوائد (البطيخ والرطب)

(قال) ابن القيم: وفى البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا الحديث يعنى حديث عائشة (وعن) حميد عن أنس قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخربز " أخرجه النسائي بسند صحيح (¬1) {156} والجربز بكسر فسكون فكسر نوع من البطيخ الأصفر وفى هذا رد على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر. وعلل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب (والجواب) أن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة (¬2) وعليه فالمراد بالبطيخ ما يشمل الأخضر والأصفر وهو بارد رطب وفيه جلاء وهو أسرع انحدارا عن المعدة. وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسر من الزنجبيل ونحوه وينبغي أكله قبل الطعام فإنه يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا ويتبع بالأكل (¬3) (8) البلح: (روى) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلوا البلح بالتمر كلوا الخلق بالجديد فإن الشيطان يغضب ويقول بقى ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد " أخرجه ابن ماجه والبراز وفيه أبو زكريا يحيى بن محمد ضعفه ابن معين وغيره وقال ابن عدى أحاديثه مستقيمة سوى أربعة أحاديث عد هذا منها وقال النسائي: حديث منكر (¬4) {157} ¬

(¬1) انظر 157 ج 3 زاد المعاد. وص 455 ج 9 فتح البارى (¬2) انظر ص 455 ج 9 فتح البارى (جمع اللونين أو الطعامين بمرة) وص 38 ج 5 مجمع الزوائد (البطيخ والرطب) (¬3) انظر ص 157 ج 3 زاد المعاد (¬4) انظر ص 164 ج 2 - ابن ماجه (أكل البلح بالتمر) والخلق بفتحتين القديم والحديث المنكر ما رواه الضعيف مخالفا للثقات أو ما تفرد به الضعيف.

(والباء) بمعنى مع، آي كلوا هذا مع هذا. وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكل البلح مع التمر ولم يأمر بأكل اليسر مع التمر لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب ففي كل منهما إصلاح للآخر وليس كذلك ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين (وفى الحديث) دليل على الجواز صناعة الطب وعلى مراعاة التدبير الذي يلزم في دفع كيفيات الأغذية والأدوية ويبوسة وهو ينفع الفم واللثة والمعدة ورديء للصدر والرئة بالخشونة آلتي فيه بطئ في المعدة يسير التغذية وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب وهما يولدان رياحا ونفخا ولا سيما إذا شرب عليهما الماء. ويدفع ضررهما بالتمر أو بالعسل والزبد (¬1). (9) البيض: بيض الدجاج أفضل من غيره والحديث افضل من العتيق وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلا. (ومه) (¬2) حار رطب يولد دما صحيحا محمودا ويغذى غذاء يسيرا وهو مسكن للألم مملس للحلق وقصبة الرئة نافع للحلق والسعال وحروق الرئة والكلى والمثانة مذهب للخشونة لاسيما إذا أخذ بدهن اللوز والحلو ومنضج لما في الصدر ملين له سهل لخشونة الحلق (وبياضه) إذا قطر في العين الورامة ورما حارا برده وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار لم يدعه ينتفط. وإذا لطخ به الوجع منع الاحتراق العارض من الشمس وهو وإن لم يكن من الأدوية المطلقة فإن له مدخلا في تقوية القلب جدا وهو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 157 زاد المعاد (¬2) (المح) بالضم خالص كل شئ وصفره البيض كالمحة. (¬3) انظر ص 158 زاد المعاد

(10) التمر: ما جف من ثمر النخل وهو فاكهة وغذاء ودواء وحلوى وهو من أهم أقوات العرب (روى) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بيت لا تمر فيه جياع أهله " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب (¬1) {158} كان التمر قوتهم فإذا خلا منه البيت جاه أهله (وفى الحديث) بيان فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه. وفيه حث على القناعة في بلاد كثر فيها التمر والمعنى أن من قنع به لا يجوع (وثبت) أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل التمر بالزبد وأكله بالخبز وأكله مفردا (روى) سليم بن عامر عن أبني بسر السلميين قالا: " دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقدمنا له زبدا وتمرا وكان يحب الزبد والتمر " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2) {159} (وقال) عبد الله بن سلام: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير ثم أخذ تمرة فوضعها عليها ثم قال هذه إدام هذه " أخرجه أبو يعلى وفيه يحيى بن العلا وهو ضعيف. وأخرجه أبو داود عن يوسف بن عبد الله بن سلام ولم يقل مرسلا. فدل على أن له رواية على أن مرسل الصحابي حجة إجماعا وليس في سند أبى داود يحيى بن العلا (¬3) {160} (وقال) زيد بن ثابت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الخبز ¬

(¬1) انظر ص 230 ج 13 نووى (ادخار التمر) وص 426 ج 3 عون المعبود (التمر) وص 164 ج 2 - ابن ماجه (التمر) وص 85 ج 3 تحفة الأحوذى (استحباب التمر) (¬2) انظر ص 428 ج 3 عون المعبود (الجمع بين الونين عند الأكل) وص 165 ج 2 - ابن ماجه (التمر بالزبد) " وابنا يسر هما عطية وعبد الله (والزبد) بضم فسكون ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم. وما يستخرج من لبن الإبل يسمى جنابا (¬3) انظر ص 40 ج 5 مجمع الزوائد (أكل الخبز بالتمر) وص 426 ج 3 عون المعبود (التمر).

بالتمر ويقول هذا إدام هذا " أخرجه الطبرانى في الصغير وفيه محمد بن كثير ابن مروان وهو ضعيف (¬1) {161} لما كان التمر طعاما مستقلا لم يعرف أنه إدام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الإدام. (هذا) والتمر مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ولا سيما مع حب الصنوبر ويبرئ من خشونة الحلق ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة يورث لهم السدد ويؤذى السنان ويهيج الصداع ويدفع ضرره باللوز والخشخاش وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن وأكله على الريق يقتل الدود فإنه مع حرارته فيه قوة ترباقية فإذا أديم استعماله على الريق خفف مادة الدود وأضعفه وقلله أو قتله (¬2). (11) التين: لم يكن التين بأرض الحجاز وقد اقسم الله به في القرآن. والصحيح أن المقسم به هو التين المعروف وهو حار رطب او يابس وأجوده الأبيض الناضج القشر يجلو رمل الكلى والمانة وهو أغذى من جميع الفواكه وينفع خشونة الحلق والصدر وقصبة الرئة ويغسل الكبد والطحال وينفى الخلط البلغمى من المعدة ويغذو البدن غذاء جيدا إلا أنه يولد القمل إذا أكثر منه جدا ويابسه ينفع العصب وهو مع الجوز واللوز مجمود ومن منافعه أنه يسكن العطش الناشئ عن البلغم المالح وينفع السعال المزمن ويدر البول ويفتح سدد الكبد والطحال وأكله على الريق ينقح مجارى الغذاء وأكله مع الأغذية الغليظة رديء جدا. والتوت البيض قريب منه لكنه أقل تغذية وأضر بالمعدة (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 40 ج 5 مجمع الزوائد (أكل الخبز بالتمر) (¬2) انظر ص 159 ج 3 زاد المعاد (والخشخاش) بفتح فسكون نبات معروف (¬3) انظر ص 159 ج 3 زاد المعاد (والخشخاش) بفتح فسكون نبات معروف

(12) الثريد: وهو مركب من خبز ولحم. فالخبز أفضل الأقوات واللحم سيد الإدام فإذا اجتمعا ففيهما الكفاية. واختلف أيهما أفضل والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر واللحم أجل وأفضل وهو طعام أهل الجنة قال الله تعالى لمن طلب البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل" أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (¬1) وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة. وعليه فالآية نص على أن اللحم خير من الحنطة (¬2). (13) الثلج: (روى) أبو هريرة حديثا في دعاء الاستفتاح، فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اغسلنى بالثلج والماء والبرد " أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬3). {162} (دل الحديث) على أن الداء يداوى بضده فإن في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد والماء البارد. ولا يقال إن الماء الحار ابلغ في إزالة الوسخ لأن في الماء البارد من تصلب الجسم وتقويته ما ليس في الحار. والخطايا توجب أثرين: التدنيس والإرخاء فالمطلوب تداويها بما ينظف القلب ويصلبه. فذكر الماء البارد والثلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين (وبعد) فالثلج بارد على الأصح فإنه يتولد في الفواكه الباردة وفى الخل وأما تعطيشة فنهييجه الحرارة لا لحرراته في نفسه وهو يضر المعدة والعصب وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة سكنها (¬4) ¬

(¬1) يشير الى الآية (واذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير) 61 البقرة. (¬2) انظر ص 60 ج 3 زاد المعاد. (¬3) انظر ص 156 ج 3 فتح البارى (ما يقول بعد التكبير) وص 96 ج 5 نووى (ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة) وص 193 ج 5 - المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح). (¬4) انظر ص 159 و 160 ج 3 زاد المعاد

(14) الثوم: هو بضم فسكون قريب من البصل (روى) شريك بن حنبل عن على رضى الله عنه قال: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخا. أخرجه أبو داود والترمذى وقال: ليس إسناده بذاك القوى. فإن فيه أبا إسحاق السبيعى مدلس اختلط أخيرا (¬1). {163} (والثوم) حار يابس يسخن ويجفف بالغا وهو نافع للمبرودين ولمن مزاجه بلغمى ولمن أشرف على الوقوع في الفالج ومفتح للسدد ومحلل للرياح الغليظة هاضم للطعام قاطع للعطش مطلق للبطن مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق. وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات أو لسع العقارب نفعها وجذب السموم منها ويسخن البدن ويزيد في حرارته ويقطع البلغم ويحلل النفخ ويصفى الحلق ويحفظ صحة أكثر الأبدان وينفع من تغير المياه والسعال المزمن ويؤكل نيئا ومطبوخا ومشويا وينفع من وجع الصدر من البرد ويخرج العلق من الحلق وإذا دق مع الخل والملح والعسل ثم وضع على الضرس المتآكل فتته وأسقطه وعلى الضرس الوجع سكن وجعه، وإن دق منه مقدار درهمين وأخذ مع ماء العسل أخرج البلغم والدود، وإذا طلى العسل نفع من البهق (ومن مضارة) أنه يصدع ويضر الدماغ والعينين ويضعف البصر والباه ويهيج الصفراء ويجفف رائحة الفم. ويذهب رائحة الثوم أن يمضغ عليه ورق السذاب (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 425 ج 3 عون المعبود وص 84 ج 3 تحفة الأحوذى (أكل الثوم وتهى بصيغة المجهول أى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكله الا مطبوخا (¬2) الذاب بفتح السين بقل معروف

(15) الجبن: هو بضم فسكون وبضمتين ما يتخذ من اللبن جامدا (روى) الشعبي عن ابن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع. أخرجه أبو داود، وفيه إبراهيم بن عيينة. قال أبو داود: صالح وقال أبو حاتم الرازى: شيخ يأتي بالمناكير (¬1) {164} (والرطب) من الجبن غير المملوح جيد للمعدة هين السلوك في الأمعاء يلين البطن تليينا معتدلا. والمملوح اقل غذاء من الرطب وهو رديء للمعدة مؤذ للأمعاء والعتيق يعقل البطن وكذا المشوى وينفع القروح ويمنع الإسهال وهو بارد رطب فإن استعمل مشويا كان أصلح لمزاجه فإن النار تصلحه وتعدله وتلطف جوهره وتطيب طعمه ورائحته والعتيق المالح حار يابس والملح منه يهزل ويولد حصاة الكلى والمثانة وهو رديء للمعدة (¬2). (16) الجمار: هو بضم فشد كرمان قلب النخلة وهو بارد يابس ينفع من نفث الدم واستطلاق البطن وغلبة المرة الصفراء وثائرة الدم ويغذو غذاء يسيرا وهو بطئ الهضم وشجرته كلها منافع ولذا مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل المسلم لكثرة خيره ومنافعه (¬3). (17) الحرير: (قال) أنس رضى الله عنه: رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة بهما. أخرجه أحمد والشيخان وكذا الترمذى بلفظ: إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل ¬

(¬1) انظر ص 424 ج 3 عون المعبود (أكل الجبن) (¬2) انظر ص 160 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 160 ج 3 زاد المعاد

إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قمص الحرير وقال: حسن صحيح (¬1). {165} (دل) الحديث على أن الحرير ينفع للحكة والقمل والجرب ونحوها. وهو كثر المنافع يقوى القلب وينفع من كثير من أمراضه ومن غلبة المرة السوداء والأدواء الناشئة عنها ويقوى البصر إذا اكتحل به. والخام منه حار يابس أو رطب أو معتدل فملبوسه معتدل الحرارة قال الرازى: الإريسم (الحرير) اسخن من الكتان وأبرد من القطن وأقل حرارة منه ولذا صار نافعا من الحكة فإنها لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة فلذلك رخص النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه لمداواة الحكة، وثيابه ابعد عن تولد القمل فيها فإن مزاجها مخالف لمزاج ما يتولبد منه القمل (¬2) (18) الحلبة: (قال) ابن القيم: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاد سعد بن آبى وقاص بمكة فقال: " ادعوا له طبيبا فدعى الحارث بن كلدة فنظر إليه فقال: ليس عليه بأس فاتخذوا له فريقه وهى الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما ففعل ذلك فبرئ (والحلبة) حارة يابسة وإذا طبخت بالماء لينت الحلق والصدر والبطن وتسكن السعال والخشونة والربو وعسر النفس وتزيد في الباه وهى جيدة للريح والبلغم والبواسير وتنفع من أمراض الرئة وتستعمل لهذه الأدواء ¬

(¬1) انظر ص 52 ج 14 نووى مسلم (اباحة لبس الحرير لحكة) وص 229 ج 10 فتح البارى (ما يرخص للرجال من الحرير للحكة) وص 40 ج 3 تحفة الأحوذى (لبس الحرير فى الحرب). (والحكة) بكسر فشد، نوع من الجرب وذكرت مثالا لاقيدا (وفى الحديث) دليل لجواز لبس الحرير للرجال للضرورة، وتقدم بيانه بصفحة 136 ج 6 دين خالص طبعة ثانية (لبس الحرير لضرورة). (¬2) انظر ص 88 ج 3 زاد المعاد (علاج الجسم وما يولد القمل).

مع السمن والفانيذ (¬1) و (دقيقها) إذا خلط بالنظرون والخل وضمد به حلل ورم الطحال وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه. وإذا شرب ماؤها نفع من المغص العارض من الرياح. وإذا أكلت مطبوخة بالتمر أو العسل أو التين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ونفعت من السعال المتطاول منه وهى نافعة من الحصر مطلقة المبطن. ومنافعها كثيرة قال بعض الأطباء: لو علم الناس منافعها لاشتروها مطلقة للبطن. ومنافعها كثيرة قال بعض الأطباء: لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهبا (¬2) (19) الخبز: (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وددت لو أن عندنا خبزة بيضاء من يره سمراء ملبقة بسمن ولبن نأكلها فسمع بذلك رجل من الأنصار فجاء به إليه صلى الله عليه وسلم في آي شئ كان هذا السمن؟ قال في عكة ضب فأبى أن يأكله " أخرجه ابن ماجه وأبو داود وقال: هذا حديث منكر (¬3). هذا وأحمد الخبز أجوده اختمارا وعجنا وأجوده ما اتخذ من الحنطة الحديثة ¬

(¬1) الفانيذ نوع من الحلوى يعمل من النشا والسكر معرب يانيذ (¬2) انظر ص 162 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 166 ج 2 - ابن ماجه (الخبز الملبق بالسمن) وص 423 ج 3 عون المعبود (الجمع بين لونين من الطعام). و (برة سوداء) اى حنطة فيها سواد خفى وقيل السمراء بيان لبرة. و (ملبقة) بشد الباء الموحدة المفتوحة أى مخلوطة خلطا شديدا بسمن ولبن. و (العكة) بالضم آنية السمن. والمعنى أنه كان فى وعاء من جلد ضب (فابى أن يأكله) لنفرة طبعة صلى الله عليه وسلم عن الضب لا لنجاسة جلده وإلا لأمره بطرحه ونهاه عن تناوله. (والمنكر 9 ما رواه من فحش غلطة أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه وكان منكرا لأنه مخالف لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم من الزهد والرغبة عن الدنيا ولذاتها. كيف وقد أخرج مخرج التمنى.

وأكثر أنواعه تغذية خبز السميد (¬1) وهو أبطؤها هضما لقلة نخالته. واحمد أوقات أكله آخر اليوم الذي خبز فيه. واللين منه أكثر تليينا وغذاء وترطيبا أسرع انحدارا. واليابس بخلافه. وخبز البر حار قريب من الاعتدال في الرطوبة واليبوسة. واليبس يغلب على ما جففته النار منه. والرطوبة على ضده. وخبز القطائف يولد خلطا عظيما. والفتيت بطئ الهضم والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء بطئ الانحدار. وخبز الشعير بارد يابس وهو اقل غذاء من خبزا الحنطة (¬2). (20) الخل: (روى) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سال أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خل فجعل يأكل به ويقوم نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل. أخرجه مسلم وكذا ابن ماجه مختصرا (¬3) {167} (دل) الحديث على فضيلة أخل وأنه أدم فاضل جيد. قال محمد بن زاذان: حدثتنى أم سعد قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وأنا عندها فقال: " هل من غذاء؟ قالت عندنا خبز وتمر وخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم الإدام الخل اللهم بارك في الخل فإنه إدام الأنبياء قبلي ولم يفتقر بيت فيه خل " أخرجه ابن ماجه (¬4) {168} (والغرض) من الحديث بيان أن الخل صالح لأن يؤدم به. وهو إدام حسن. ولم يرد ترجيحه على غيره من اللبن واللحم والعسل والمرق (هذا) ¬

(¬1) السميد، على وزن فعيل بالدال المهملة وبالمعجمة افصح وهو لباب الدقيق (¬2) انظر ص 163 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 6 ج 14 نووى (فضيلة الخل) وص 163 ج 2 (الائتدام بالخل). والأدم بضمتين جمع ادام بكسر الهمزة ما يؤتدم به. (¬4) انظر ص 163 ج 2 - ابن ماجه

والخل يابس تغلب عليه البرودة وهو قوى مجفف يمنع من أنصباب المواد ويلطف الطبيعة. وخل الخمر ينفع المعدة الملتهبة ويقمع الصفراء ويدفع ضرر الأدوية القتالة ويحلل اللبن والدم إذا جمدا في الجوف وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويمنع الورم أن يحدث ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأغذية الغليظة ويرق الدم وإذا شرب بالملح نفع من أكل الفطر القتال (¬1) وإذا احتسى قطع العلق المتعلق بأصل الحنك وإذا تمضمض به مسخنا نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة وهو مشه للكل مطيب للمعدة صالح للشباب وفى الصيف لسكان البلاد الحارة (¬2). (21) الخلال: هو ككتاب العود يحلل به الأسنان. وهو نافع اللثة والأسنان حافظ لصحتها نافع من تغير النكهة. وأجوده ما اتخذ من عيدان الأخلة وخشب الزيتون والتخلل بالقصب والآس والريحان مضر (¬3). (22) الدهن: هو بضم فسكون ما يدهن به من زيت ونحوه (قال) أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات. أخرجه الترمذى في الشمائل (¬4). {169} (وعن) زيد بن اسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " ¬

(¬1) (الفطر) بضم فسكون أو بضمتين نوع من الكمأة قتال. (¬2) انظر ص 163 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 164 ج 3 زاد المعاد (¬4) انظر ص 44 - الشمائل (ترجل النبى صلى الله عليه وسلم) والدهن بالفتح استعمال الدهن بالضم. والقناع ككتاب خرقة توضع على الرأس حين استعمال الدهن لتقى العمامة منه.

أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال: حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرازق عن معمر (¬1) {170} (هذا) والدهن يسدد مسام البدن ويمنع ما يتحلل منه وإذا استعمل بعد الاغتسال بالماء الحار حسن البدن ورطبه وإن دهن به الشعر حستنه وطوله ونفع من الحصبة ودفع أكثر الآفات عنه. وهو في البلاد الحارة من أكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لأهلها. وأما البلاد الباردة فلا يحتاج إليه أهلها. والإلحاح به في الرأس خطر بالبصر، وانفع الأدهان البسيطة الزيت ثم السمن ثم الشيرج. وأما المركبة فمنها بارد رطب كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار وينوم أصحاب السهر ويرطب الدماغ وينفع من الشقاق (¬2)، وغلبة اليبس والجفاف ويطلى به الجرب والحكة اليابسة فينفعها ويسهل حركة المفاصل ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف (ودهن) البان (¬3) حار رطب ومن منافعه أنه يجلو السنان ويكسبها بهجة وينقيها من الصدى ومن مسح به وجهه لم يصبه حصا وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها نفع من برد الكليتين وتقطير البول. (23) الذباب: (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحيه ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 2 - ابن ماجه (الزيت) وص 199 ج 3 تحفة الأحوذى أى اجعلوا الزيت إداما للخبز فلا يرد أن الزيت مائع لا يؤكل (¬2) (الشقاق) بالضم تشقق يصيب رسغ الدابة. (¬3) (الشقاق) بالضم تشقق يصيب رسغ الدابة.

داء وفى الآخر شفاء " أخرجه البخاري وأبو داود وزاد بسند حسن: وأنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله (¬1) {171} (وعن) أبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في أحد جناحي الذباب سم وفى الآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء " أخرجه ابن ماجه (¬2) {172} (وفى الحديث) أمران (فقهي) وهو أن ميتة مالا دم له سائل كالذباب طاهرة (وطبي) وهو أن غمس الذباب في الماء والطعام شفاء لما أنزله من الداء وقد تقدم الكلام فيهما في بحث الأنجاس (¬3) (وفى الحديث) طلب غمس الذباب كله في الماء والطعام ليقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها، وهذا أمر لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم بل هو خارج من مشكاة النبوة. ومع هذا فالطبيب العالم الموفق يخضع لهذا العلاج ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق وأنه مؤيد بوحي ألهى خارج عن قوى البشرية، وقد ذكر كثير من الأطباء أنه إذا ذلك بالذابا الورم الذي يخرج في شعر العين بعد قطع رءوس الذباب أبرأ هـ (¬4). (24) الذهب: (روى) عبد الرحمن بن طرفه عن عر فجة بن اسعد قال ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 10 فتح البارى (اذا وقع الذباب فى الإناء) وص 430 ج 3 عون المعبود (الذباب يقع فى الطعام) (¬2) انظر ص 185 ج 2 - ابن ماجه (الذباب يقع فى الإناء) وامقلوه أى اغمسوه ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء. (¬3) انظر ص 360 ج 1 - الدين الخاص طبعة ثانية. وص 428 منه طبعة ثالثة (¬4) انظر ص 10 ج ج 3 زاد المعاد (ارشاده صلى الله عليه وسلم الى دفع مضرات السموم).

" أصيب أنفى يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذت أنفا من ورق فانتن على فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب " أخرجه الثلاثة بسند جيد وحسنة الترمذى (¬1) {173} (هذا) والذهب زينة الدنيا ومفرح النفوس وسر الله في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة وهو أعدل المعادن أشرفها. وبرادته إذا خلطت بالأدوية نفعت من ضعف القلب والرجفان العارض من السوداء وينفع من حديث النفس والحزن والغم والفزع والعشق ويسمن البدن ويقويه ويحسن اللون وينفع من الجذام وجميع الأمراض السوداوية ويدخل في أدوية داء الثعلب وداء الحية شربا وطلاء ويجلو العين ويقويها وينفع من كثير من أمراضها ويقوى جميع الأعضاء وإمساكه في الفم يزيل البخر، ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي وكوى به لم ينتقط موضعه ويبرا سريعا. وله خاصية في تقوية النفوس لذا أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح (¬2). (25) الرطب: بضم ففتح هو ما أنضج من ثمر النخل (قال) عبد الله ابن جعفر: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء " أخرجه السبعة إلا النسائي (¬3). {174} ¬

(¬1) انظر ص 148 ج 3 عون المعبود (ربط الأسنان بالذهب) وص 65 ج 3 تحفة الأحوذى. (والكلاب) بضم الكاف وتخفيف اللام موضع بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة. كان فيه يومان من ايام العرب المشهورة. (¬2) انظر ص 164 و 165 زاد المعاد (¬3) انظر ص 455 ج 9 فتح البارى (جمع اللونين أو الطعامين بمرة) وص 227 ج 13 نووى (أكل القثاء بالرطب) وص 427 ج 3 عون المعبود. وص 96 ج 3 تحفة الأحوذى وص 164 ج 2 ابن ماجه (والقثاء بكسر القاف وضمها لغة

(الباء) بمعنى مع، آي يأكل القثاء مع الرطب (وكيفيته) ما في حديث عبد الله بن جعفر قال: " رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفى شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفى سنده ضعف (¬1). {175} وفى بعض الروايات زيادة: قال يكسر حر هذا برد هذا (وفيه) جواز أكلهما معا والتوسع في الأطعمة. (وقال) أنس: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والدار عمتي وقال: إسناده صحيح ن والترمذى وقال حسن غريب (¬2). {176} (والرطب) حار رطب يقوى المعدة الباردة ويزيد في الباه ويخصب البدن ويغذو غذاء كثيرا، وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل البلاد الحارة وأنفعها للبدن، ومن لم يعتده يسرع التعفن في جسده ويتولد عنده دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثار صداع وسوداء ويؤذى أسنانه. (وفى) فطر النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه أو على التمر أو الماء، تدبير لطيف جدا، فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شئ وصولا إلى الكبد وأحبه إليها ولا سيما إن كان رطبا فيشتد قبولها له فتنتفع به في والقوى، فإن لم يكن فالتمر بحلاوته وتغذيته ¬

(¬1) انظر ص 455 ج 9 فتح البارى (جمع اللونين أو الطعامين بمرة) (¬2) انظر ص 79 ج 10 - المنهل العذب (ما يفطر عليه) وص 432 ج 1 مستدرك وص 240. الدار قطنى - وص 37 ج 2 تحفة الأحوذى (ما يستحب عليه الإفطار).

فإن لم يكن فحسوات المساء تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم فتنتبه بعده للطعام وتأخذه بشهوة (¬1). (26) الرمان: (قال) على رضى الله عنه: كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة. ذكره حرب وغيره (¬2). (وحلو) الرمان حار رطب جيد للمعدة مقو لهابما فيه من قبض لطيف نافع للحلق والصدر والرئة جيد السعال. وماؤه ملين للبطن يغذو البدن غذاء فاضلا يسيرا سريع التحلل لرقته ولطافته ويولد حرارة يسيره في المعدة وريحا. ولذا يعين على الباه ولا يصلح للمحمومين، وله خاصية عجيبة، إذا أكل بالخبز يمنع من الفساد في المعدة. (وحامضة) بارد يابس قابض لطيف ينفع المعدة الملتهبة وبدر البول أكثر من غيره من الرزمان ويسكن الصفراء ويقطع الإسهال ويمنع القيء ويلطف الفضول ويطفئ حرارة الكبد ويقوى الأعضاء، نافع من الخفقان الصفراوي والآلام العارضة للقلب وفم المعدة ويقويها ويدفع الفضول عنها ويطفئ المرة الصفراء وإذا استخرج ماؤه بشحمه وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به قطع الصفرة من العين ونقاها من الرطوبات الغليظة وإذا لطخ على اللثة نفع من الأكله العارضة لها وإن استخرج ماؤهما بشحمهما أطلق البطن وأحدر الرطوبات العفنة المرية ونفع من حميات الغب المتطاولة (وأما الرمان) المز فمتوسط طبعا وفعلا بعد النوعين وهو أميل إلى لطافة الحامض قليلا (وحب) الرمان مع العسل طلاء للداحس والحروق الخبيثة وأقماعه للجراحات (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 165 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 166 منه (¬3) انظر ص 166 ج 3 زاد المعاد (والعنب) يكسر الغين وشد الياء من الحمى ما تأخذ يوما وتدع يوما

(27) الزبد: هو بضم فسكون ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم وهو حار رطب فيه منافع كثيرة. منها الإنضاج والتحليل وإبراء الورام تكون إلى جانب الأذنين والحالبين وأورام الفم وسائر الأورام آلتي تعرض في أبدان النساء والصبيان. وإذا لعق منه نفع من نفث الدم الذي يكون من الرئة وأنضج الأورام العارضة فيها وهو ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم. وإذا طلى على منابت أسنان الطفل كان معينا على طلوعها وهو نافع من السعال الناشئ من البرد واليبس ويذهب القوبى والخشونة آلتي في البدن ويلين الطبيعة ولكنه يسقط شهوة الطعام، ويذهب بوخامة الحلو كالعسل والتمر (¬1). (28) الزبيب: هو ما جف من العنب، وهو حار رطب وحبه بارد يابس. الحلو منه حار والحامض قابض بارد والأبيض أشد قبضا من غيره، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محلله باعتدال وهو يقوى المعدة ويلين البطن وهو أكثر غذاء من العنب وأقل غذاء من التين اليابس ويقوى الكبد والطحال، وينفع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة، وأعد له أن يؤكل بغير حبه وهو يغذى غذاء صالحا ولا يسدد كما يفعل التمر، وفيه نفع للحفظ. (قال) الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب (¬2). (29) الزنجبيل: هو حار رطب مسخن معين على هضم الطعام ملين للبطن تليينا معتدلا نافع من ظلمة البصر الناشئة عن الرطوبة أكلا واكتحالا معين على الجماع محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة، وعلى الجملة فهو صالح ¬

(¬1) انظر ص 166 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 167 ج 3 زاد المعاد

للكبد والمعدة الباردتى المزاج وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار اسهل فضولا لزجة لعابية ويقع في المعجونات آلتي تحلل البلغم. والمزى منه جار يابس يسخن المعدة والكبد وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ ويوافق برد الكبد والمعدة ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة مطيب للنكهة دافع ضرر الأطعمة الغليظة الباردة (¬1) وإن خلط برطوبة كبد المعز وجفف وسحق واكتحل به أزال الغشاوة وظلمة البصر (¬2). (30) الزيت: هو حار رطب وهو بحسب زيتونه (فالمعتصر) من النضيج أعدله وأجوده ومن الفج (¬3) فيه برودة ويبوسة (ومن) الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع من السموم ويطلق البطن ويخرج الدود. (والعتيق) منه اشد تسخينا وتحليلا وما استخرج منه بالماء أقل حرارة والطف وابلغ في النفع وأكل أصنافه ملينة للبشرة مبطئة المشيب وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ويشد اللثة وورقه ينفع من الحمرة والنملة والقروح الوسخة ومنافعة كثيرة (¬4). (31) السفرجل: هو ثمر معروف (روى) عبد الملك الزبيرى عن طلحة قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة فقال: دونكها يا طلحة فإنها تجم الفؤاد " أخرجه ابن ماجه. وعبد الملك مجهول. وأخرجه النسائي من طريق آخر عن أبى ذر قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 168 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 390 ج 3 قاموس (الزنجبيل). (¬3) (الفج) بكسر الفاء غير النضيج. (¬4) انظر ص 167 ج 3 زاد المعاد.

وهو في جماعة من أصحابه وبيده سفرجلة يقلبها فلما جلست إليه دحا بها إلى ثم قال: دونكما أبا ذر فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطلخاء الصدر " (¬1) {177} (والسفرجلة) بارد يابس قابض جيد للمعدة. والحلو منه اقل بردا ويبسا وأميل إلى الأعتدال. والحامض أشد قبضا ويبسا وبردا. وكله يسكن العطش والقيء ويدر البول ويعقل الطبع وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة (¬2) وينفع من الغثيان ويمنع من تصاعد البخرة إذا استعمل بعد الطعام وهو قبل الطعام يقبض وبعده يلين الطبع والإكثار منه مضر بالعصب مولد للقولنج (¬3) ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة وإن شوى كان اقل لخشونته وأخف وإذا قور وسطه ونزع حبه وجعل فيه العسل وطين جرمه بالعجين وأودع الرماد الحار نفع حسنا وأجوده ما أكل مشويا أو مطبوخا بالعسل (وحبه) ينفع من خشونة الحلق وقصبة الرئة وكثير من الأمراض (ودهنه) يمنع العرق ويقوى المعدة والمربى منه تقوى المعدة والكبد وتشد القلب وتطيب النفس (¬4). (32) السلق: هو بكسر فسكون نبات معروف وهو حار يابس أو رطب وفيه برودة مطلقة وتحليل وتفتيح وينفع من دار الثعلب والكلف والثآليل إذا ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 2 - ابن ماجه (اكل الثمار) وص 168 ج 3 زاد المعاد. (ونجم) بضم فكسر أى تريح الفؤاد وتكمل صلاحه ونشاطه. و (دحابها) (أى رفعها الى. و 0 طلخاء الصدر) ما يغشاه كالغيم للسماء. (¬2) نفث الدم: خروجه بشدة. و (الهيضة) القئ. (¬3) (القولنج) بضم القاف وقد تفتح وفتح اللام وقد تكسر وسكون النون: مرض معوى مؤلم يعسر معه خروج الريح. (¬4) انظر ص 168 ج 3 زاد المعاد

طلى بمائه ويقتل القمل ويفتح سدد الكبد والطحال ويعقل البطن. والإكثار منه يولد القبض والنفخ (¬1). (33) السمك: (قال) جابر بن عبد الله: " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائه راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد غير قريش فاقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فالقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلا وبمبرأ قمرا تحته (الحديث) أخرجه البخاري. وفى رواية قمر الراكب تحته فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول قال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك كي صلى الله عليه وسلم فقال: " كذبوا رزقا أخرجه الله. أطعمونا إن كان معكم فآتاه بعضهم فأكله " (¬2) {178} (والسمك) أصناف، وأجوده مالذ طبعه وطب ريحه وتوسط مقداره وكان رقيق القشر ولم يكن صلب اللحم ولا يابس ويتغذى بالنبات لا الأقذار وأصلح أماكنه نهر جيد الماء والسمك البحري فاضل محمود لطيف أتطرى منه بارد رطب عسر الهضم يولد بلغما كثيرا والمالح أجوده ما كان قريب العهد بالتملح وهو حار يابس وإذا أكل طربا لين البطن وإذا ملح وأكل صفى قصبة الرئة وجود الصوت (وماء) المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ¬

(¬1) اانظر ص 170 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 58 ج 8 فتح البارى (غزوة سيف البحر. و (الحبط) بفتحتين ورق الشجر. و (العنبر) سمكة كبيرة طولها خمسون ذراعا. وقد روى أنه كان على صورة البعير (والودك) بفتحتين الشحم و (ثابت) أى رجعت أجسامنا الى ما كانت عليه من القوة والسمن (فآتاه) بالمد أى أعطاه.

ابتداء العلة وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن. وإذا احتقن به أبرأ من عرق النسا وأجود السمك ما قرب من مؤخرة أتطرى السمين منه يخضب البدن لحمه وودكه (¬1) (34) السمن: تقدم حديث: ألبان البقر شفاء وسمنها دواء ولحمها داء (¬2) (وقال) على رضى الله عنه: " لم يستشف الناس أن أفضل من السمن " أخرجه ابن السنى (¬3) {179} (والسمن) حار رطب فيه جلاء يسير ولطافة وتفشية للأورام الحادثة من الأبدان الناعمة وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين ويبرئ الأورام الحادثة في الأذن والأرنبة وإذا دلك به موضع الأسنان نبتت سريعا وإذا خلط مع عسل ولوز مرجلا ما في الصدر والرئة وسمن البقر والمعز إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب (¬4). (35) السواك: (عن) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " أخرجه أحمد والنسائي والدرامى والحاكم وصححه النووى وذكره البخاري معلقا (¬5). {180} (وصح) أن النبي صلى الله عليه وسلم استاك عند موته، والأفضل كون الاستياك بالأراك والزيتون وينبغي القصد فيه فإن بالغ فيه فربما اذهب طلاوة ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر رقم 150 ص 87 ج 7 - الدين الخالص. (¬3) انظر ص 170 ج 3 زاد المعاد. (¬4) انظر ص 170 ج 3 زاد المعاد. (¬5) انظر ص 290 ج 1 - الفتح الربانى (ابواب السواك) وص 5 ج 1 نسائى وص 174 ج 1 درامى وص 113 ج 4 فتح البارى (السواك للصائم)

الأسنان وصقالها وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب النكهة ونقى الدماغ وشهى الطعام. وأجود ما استعمل مبلولا بماء الورد (وفى السواك) منافع أخرى: يشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويصحح المعدة ويصفى الصوت ويعين على هضم الطعام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويكثر الحسنات ويستحب كل وقت وبتأكيد في مواضع تقدم بيانها (¬1). (36) الشحم: (قال) عبد الله بن مغفل: " دلى جراب من شحم فأتيته فالتزمته ثم قلت: لا أعطى من هذا أحدا اليوم شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلى " أخرجه أبو داود والطيالسى وزاد: هو لك (¬2). {181} وأجود الشحم شحم حيوان سمين. وهو حار رطب اقل رطوبة من السمن ولذا لو أذيب الشحم والسمن كان الشحم أسرع جمودا، وهو ينفع من خشونة الحلق ويرخى ويعفن، ويدفع ضرره بالليمون المملوح والزنجبيل. وشحم المعز أقبض الشحوم وينفع من قروح الأمعاء ويحتقن به للسحج والزحير (¬3). (37) الصبر: هو بفتح فكسر (¬4) دواء مر (قالت) أم سلمة: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا، ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة. (¬2) انظر ص 18 ج 3 عون المعبود (إباحة الطعام فى أرض العدو) وص 160 ج 6 فتح البارى. (¬3) (السحج) كالمنع تسريح لين على فروة راس. (والزجير) استطلاق البطن بشدة. انظر ص 171 ج 3 زاد المعاد. (¬4) وتسكن الباء للتخفيف مع فتح الصاد وكسرها ففيه ثلاث لغات.

فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: غنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب قال: إنه يشب الوجه فلا تجمليه إلا بالليل وتنزعه بالنهار " (الحديث) أخرجه أبو داود (¬1). {182} (والصبر) الهندى ينفى الفضول الصفراوية آلتي في الدماغ وأعصاب البصر وإذا طلى على الجبهة والصدغ بدهن الورد نفع من الصداع وينفع من قروح الأنف والفم ويسهل السوداء (والصبر) الفارسى يذكى العقل ويمد الفؤاد وينقى الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة إذا شرب منه ملعقتان بماء، ويرد الشهوة الباطلة وإذا شرب في البرد خيف أن يسهل دما (¬2). (38) الضفدع: بكسر فكسر فكسر (روى) عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى عن قتله وقال خبيثة من الخبائث. أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم (¬3). {183} (قال) ابن القيم: من أكل من دم الضفدع أو جرمه ورم بدنه وقذف المنى حتى يموت، ولذا ترك الأطباء استعماله خوفا من ضرره (¬4). وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أتتداوى به (39) الطلح: قال تعالى: " وَطَلْحِ مَنْضُودِ " (¬5) (الطلح) شجر ذو شوك نضد مكان كل شوكة ثمرة. فثمرة قد نضد بعضه إلى بعض فهو مثل الموز (وهو) حار رطب أجوده النضيج الحلو ينفع من خشونة الصدر والرئة ¬

(¬1) انظر ص 261 ج 2 عون المعبود (ما تجتنبه المعتدة) (¬2) انظر ص 172 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 202 ج 2 سنن النسائى (الضفادع). (¬4) انظر ص 173 ج 3 زاد المعاد (¬5) الواقعة: 29

والسمال وقروح الكليتين والمثانة ويدر البول ويحرك الشهوة للجماع ويلين البطن ويؤكل قبل الطعام ويضر المعدة ويزيد في الصفراء والبلغم ودفع ضرره بالسكر أو العسل (¬1) (40) الطلع: قال تعالى: " وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ " (¬2) طلع النخل ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره والنضيد الذي قد نضد بعضه على بعض ما دام في قشرة فإذا انفتح فليس بنضيد وطلع النخل ينفع من الماء ودقيقه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة وهو متوسط في البرودة واليبوسة يقوى المعدة ويجففها ويسكن ثائرة الدم ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحازة وهو يعقل البطن ويقوى الأحشاء والإكثار منه يضر بالمعدة والصدر وربما أورث الفولنج وإصلاحه بالسمن أو السكر أو العسل (¬3). (41) الطيب: (روى) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " أخرجه النسائي والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (¬4) {184} (الطيب) غذاء الروح به تزيد القوى كما تزيد بالغذاء والشراب. والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء كي صلى الله عليه وسلم وله تأثير في حفظ الصحة ودفع كثير من الآلام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة به (¬5). (42) العدس: بارد يابس فيه قوتان متضادتان يعقل الطبيعة ويطلقها. ¬

(¬1) انظر ص 174 ج 3 زاد المعاد (¬2) سورة ص: 10 (والباسقات) الطوال. (¬3) انظر ص 174 ج 3 زاد المعاد (¬4) انظر ص 370 ج 3 مناوى الجامع الصغير رقم 3669. (¬5) انظر ص 173 ج 3 زاد المعاد

وقشرة حار يابس حريف مطلق للبطن وترياقة في قشرة، ولذا كان صحاحه أنفع من مطحونة وأخف على المعدة واقل ضررا فإن لبه بطئ الهضم - لبرودته ويبوسته - مولد للسوداء مضر بالأعصاب والبصر. وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء. وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديثة كالوسواس والجذام والحمى ويقلل ضرره السلق وإكثار الدهن وليجتنب خلط الحلاوة به فإنه يورث سددا كبدية وإدمانه يظلم البصر لشدة تجفيفه ويعسر البول ويوجب الأورام الباردة والرياح الغليظة وأجوده الأبيض السمين السريع النضاج (¬1). (43) العنب: هو من افضل الفواكه وأكثرها نفعا. يؤكل رطبا ويابسا وهو فاكهة وقوت وأدم شراب ودواء وطبعه حار رطب. وجيده الكبار المائى والبيض أحمد من الأسود إذا تساويا في الحلاوة، والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمد من المقطوف في يومه فإنه منفخ مطلق للبطن. والمعلق حتى بضمر قشرة جيد للغذاء مقو للبدن وغذاؤه كغذاء التين والزبيب، وإذا ألقى عجمه كان أكثر تليينا للطبيعة، والإكثار منه مصدع للرأس ودفع مضرته بالرمان المز. والعنب يسهل الطبع ويسمن، وجيده يغذو غذءا حسنا (¬2). (44) العنبر: هو من افخر الطيب بعد المسك، وقد اختلف في عنصره فقيل هو نبات ينبت في قمر البحر فيبتلمه بعض دوابه فإذا ثملت منه قذفته رجيعا فيقذفه البحر إلى ساحله، وقيل: طل ينزل من السماء في جزائر البحر فتلقيه الأمواج إلى الساحل. ومزاجه حار يابس مقو للقلب والدماغ والحواس ¬

(¬1) انظر ص 176 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 174 منه.

وأعضاء البدن، نافع من الفالج والمراض البلغمية وأوجاع المعدة الباردة والرياح الغليظة ومن السدد إذا شرب أو طلى به وإذا تبخر به نفع من الزكام والصداع والشقيقة الباردة (وهو) ألوان، فمنه الأبيض والأشهب والأحمر والأصفر والأخضر والأسود، وأجوده الأشهب، ثم الأزرق ثم الأصفر، وأردؤه الأسود. (45) الفضة: هي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن وضعف القلب وخفقانه وتدخل في المعاجين وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة خصوصا إذا أضيفت إلى العسل المصفى والزعفران ومزاجها يميل إلى اليبوسة والبرودة ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد (¬1). (46) القثاء: بكسر القاف وتضم وهو بارد رطب مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة بطئ الفساد فيها نافع من وجع المثانة وبذرة يدر البول وورقة إذا اتخذ ضمادا نفع من عضه الكلب وهو بطئ الانحدار عن المعدة برده مضر ببعضها ينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أكله بالرطب فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل عدله (¬2). (47) قصب السكر: هو حار رطب ينفع من السعال ويحلو الرطوبة والمثانة وقصبة الرئة وهو أشد تليينا من السكر ويعين على القيء ويدر البول ويزيد في الباه وينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوى ويولد رياحا تدفع بقشر وغسله بماء حار، وأجود السكر الأبيض الشفاف وعتيقه ألطف من جديده وإذا طبخ ونزعت رغوته سكن العطش والسعال وهو يضر المعدة آلتي تتولد فيها الصفراء لاستحالته إليها ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج أو الرمان (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 178 ج 3 زاد المعاد (¬3) انظر ص 179 منه.

(48) السكرات: هو حار يابس مصدع وإذا طبخ واكل أو شرب ماؤه نفع من البواسير الباردة وإن سحق بذرة وعجن بقطران وبخرت به الأضراس آلتي فيها الدود نثرها وأخرجها ويسكن الوجع العارض فيها، وإذا بخرت المقعدة ببذرة حفت البواسير وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللثة ويصدع ويظلم البصر وينتن النكهة وفيه إدرار للبول والحيض وتحريك الباه وهو بطئ الهضم (¬1). (49) السكرم: هو بفتح فسكون شجرة العنب وهى باردة يابسة إذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة (وعصارة) قضبانه إذا شربت سكنت القيء وعقلت البطن وكذا إذا مضغت قلوبها الرطبة (وعصارة) ورقها تنفع من قروح الأمعاء ونفث الدم وقيئه ووجع المعدة (وصمغه) إذا شرب أخرج الحصاة وإذا لطخ به أبرأ القوبى والجرب. وينبغي غسل العضو قبل الاستعمال بالماء والنطرون. وإذا تمسح به مع الزيت حلق الشعر (ورماد) قضبانه إذا تضد به مع الخل ودهن الورد نفع من الورم العارض في الطحال (¬2). (50) اللبان: (قال) على رضى الله عنه لرجل شكا إليه النسيان: عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان (¬3) (وعن) ابن عباس أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان (¬4) (وعن) أنس أنه شكا إليه رجل النسيان، فقال: عليك بالكندر (¬5) وانقعه من الليل فإذا أصبحت فخذ منه شربة على الريق فإنه جيد النسيان (ولهذا) سبب ظاهر فإن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ فلا يحفظ ما ينطبع فيه، نفع منه اللبان وأما إذا كان النسيان لغلبة شئ عارض أمكن زواله سريعا بالمرطبات. ¬

(¬1) انظر ص 185 ج 3 زاد المعاد (¬2) انظر ص 184 ج 3 منه (¬3) انظر ص 190 منه. و (الكندر) بضم فسكون فضم، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا - قاموس. (¬4) انظر ص 190 منه. و (الكندر) بضم فسكون فضم، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا - قاموس. (¬5) انظر ص 190 منه. و (الكندر) بضم فسكون فضم، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا - قاموس.

(هذا) واللبان ينفع من قذف الدم ونزفه ووجع المعدة واستطلاق البطن ويهضم الطعام ويطرد الرياح ويجلو قروح العين ويقوى المعدة الضعيفة ويسخنها ويجفف البلغم وينشف رطوبة الصدر ويجلو ظلمة البصر ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار، وإذا مضغ وحده أو مع الصعتر الفارسى جلب البلغم، ونفع من اعتقال اللسان ويزيد في الذهن ويذكيه. وإذا بخر به ماء نفع من الوباء وطيب رائحة الهواء (¬1). (51) ماء زمزم: هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس (وفى) حديث أبى ذر أنه أقام بين الكعبة وأستارها ثلاثين ما بين يوم وليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي من طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدى سخفة جوع، فقال: إنها مباركة وإنها طعام طعم (الحديث) أخرجه مسلم وزاده غيره: وشفاء سقم (¬2). {185} (وقال) محمد بن حبيب الجارودى: ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له فإن شربته تستشفى به شفاك الله وإن شربته مستعيذا أعاذك الله وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه " قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودى (¬3). {186} ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 88 ج 3 تيسير الوصول (أبو ذر الغفارى). و (عكن) بضم ففتح جمع عكنة كغرفة وهى طيات البطن (وسخفة الجوع) بفتح فسكون رقته وهزاله و (طعام طعم) أى مثبع. (¬3) انظر ص 473 ج 1 مستدرك.

(وعن) عبد الله بن المبارك أنه لما حج أتى زمزم فقال: اللهم إن ابن آبى الموالى حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر رضى الله عنه عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ماء زمزم لما شرب له فآني اشربه لظمإ يوم القيامة " وابن أبى الموالى ثقة فالحديث حسن (¬1). {187} (قال) ابن القيم: وقد صححه بعضهم وجعله بعضهم موضوعا، وكلا القولين فيه مجازفة. (وقد) جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله (¬2) وشاهدت من يتغذى به الأيام قريبا من نصف شهر أو أكثر ولا يجد جوعا ويطوف مرارا مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقى عليه أربعين يوما وله قوة يصوم ويطوف مرارا (¬3). (52) المسك: هو أطيب أنواع الطيب أشرفها وهو حار يابس يسر النفس ويقوى الأعضاء الباطنة شربا وشما، والظاهرة إذا وضع عليها نافع للشيوخ والمبرودين لا سيما زمن الشتاء، جيد للخفقان والغشى وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية ويجلو بياض العين وينشف رطوبتها ويبطل عمل السموم وينفع من نهش الأفاعي ومنافعه كثيرة (¬4). (53) الملح: (روى) انس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد إدامكم الملح أخرجه ابن ماجه وفيه عيسى بن آبى عيسى الخياط (¬5) {188} وسيد الشيء ما يصلحه وغالب الإدام إنما يصلح بالملح وهو يصلح كل شئ يخالطه حتى الذهب والفضة ففيه قوة تزيد الذهب صفرة والفضة بياضا وفيه جلاء ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 3 زاد المعاد. (¬2) برا من المرض يبرأ من بابى نفع وتعب وبرؤبرءا من باب قرب لغة. (¬3) انظر ص 192 منه. (¬4) انظر ص 192 منه. (¬5) انظر ص 163 ج 2 - ابن ماجه (الملح).

وتحليل وإذهاب للرطوبات الغليظة وتنشيف لها وتقوية للبدان ومنع من عفونتها وفسادها ونفع من الجرب المتقرح. وإذا اكتحل به قلع اللحم الزائد من العين ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار وإذا دلك به بطون أصحاب الاستسقاء نفعهم وينفى الأسنان ويدفع عنها العفونة ويشد اللثة ويقويها ومنافعه كثيرة (¬1). (54) النبق: بفتح فكسر واحدة نبقة مثل كلم وكلمة وهو ثمر السدر في حديث المعراج عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر " أخرجه البخاري (¬2). {189} والنبق رطبه رطب بارد ويابسه بارد وهو يعقل البطن وينفع من الإسهال ويدبغ المعدة ويسكن الصفراء، ويغذو البدن ويشهى الطعام ويولد بلغما وهو بطئ الهضم وسويقه يقوى الحشا ويصلح الأمزجة الصفراوية وتدفع مضرته بالشهد (¬3). (55) الهنديا: هي بكسر الهاء وفتح الدال وقد تكسر مقصورة وتمد، بقلة معروفة معتدلة نافعة للمعدة والكبد والطحال أكلا وللسعة العقرب ضمادا بأصولها وهى قابضة مبردة جيدة للمعدة وإذا طبخت وأكلت بخل عقلت البطن وإذا ضمد بها سكنت الالتهاب العارض في المعدة وتنفع من النقرس ومن أورام العين الحارة وتقوى المعدة وتفتح السدد العارضة في الكبد وتنفع من أوجاعها حارها وباردها وتفتح سدد الطحال والعروق الأحشاء وتنقى مجارى الكلى وأنفعها للكبد أمرها المعتصر ينفع من اليرقان السددى وإذا دق ورقها ¬

(¬1) انظر ص 193 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 149 ج 7 فتح البارى (المعراج) وتقدم الحديث تاما بهامش ص 147 ج 5 - الدين الخالص الطبعة الأولى. (¬3) انظر ص 194 ج 3 زاد المعاد.

ووضع على الورام الحارة بردها وحللها وجلا ما في المعدة وأطفأ حرارة الدم والصفراء، واصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منقوضة، لأنها متى غسلت أو نقصت فارقتها قوتها. وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم وإذا اكتحل بمائها نفع من العشاء ويدخل ورقها في الترياق وإذا اعتصر ماؤها وصب عليه الزيت نفع من الأدوية القتالة كلها (¬1). (56) اليقطين: هو في اللغة كل ما لا ساق له كالبطيخ والقثاء والخيار والمراد به هنا الدباء والقرع (روى) أنس بن مالك أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم قال لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب النبي صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء منذ يومئذ. أخرجه الشيخان (¬2). {190} (وقالت) عائشة: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة "، إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين " ذكره في الغيلانيات (¬3). {190} (هذا) واليقطين بارد رطب يغذو غذاء يسيرا وهو سريع الانحدار إن لم يفسد قهل الهضم تولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه فإن أكل بالخردل تولد منه خلط حريف وبالملح خلط مالح ومع القابض قابض وإن طبخ بالسفرجل ¬

(¬1) انظر ص 194 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 421 ج 9 فتح البارى (تتبع حوالى القصعة) وص 233 ج 13 نووى (جواز أكل المرق واليقطين). والصحفة بفتح فسكون القصعة. وتتبع الدباء من حواليها يحتمل أنه من حوالى ناحيته منها أو من جميع جوانبها. والنهى عن ذلك خشية أن يتقذرة جليسه والنبى صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بىثاره صلى الله عليه وسلم (¬3) انظر ص 195 ج 3 زاد المعاد.

(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية

إذا البدن غذاء جيدا وهو ينفع المحرورين لا المبرودين ومن الغالب عليهم البلغم وماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس وهو ملين للبطن وإذا لطخ بعجين وشوى في الفرن واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة سكن حرارة الحمى الملتهبة وقطع العطش وغذا غذاء حسنا، وإذا طبخ وشرب ماؤه أن من عسل أتطرون أحدر بلغما ومرة معا وإذا دق وصنع منه ضماد على اليافوح نفع من الأورام الحارة في الدماغ وإذا عصرت قشرته وخلط ماؤها بدهن الورد وقطر منها في الذن نفعت من الأورام الحارة، وهى نافعة من أورام العين الحارة ومن النقرس الحار. والقرع متى صادف في المعدة خلطا رديئا استحال إلى طبيعته وفسد وولد في البدن خلطا رديئا ودفع مضرته بالخل. وعلى الجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا (¬1). (هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أتتداوى بالعبادة والاستشفاء بالقرآن والأدعية، وهاك بعض ما ورد في ذلك، وهو عشرة فصول: (1) الصلاة: ثبت أنها تبرئ من ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء والآلام (روى) مجاهد عن آبى هريرة قال: هجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اشتكت درد؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصل فإن في الصلاة شفاء " اخرجه ابن ماجه وفيه ليث بن آبى سليم ضعفه الجمهور (¬2). {192} ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 180 ج 2 - ابن ماجه (الصلاة شفاء) و (هجر) من التهجير وهو التبكير. و (اشكمت درد) كلمة فارسية معناها أتشتكى بطنك؟ أو ابك وجع البطن؟ فاشتكمت معناه البطن ودرد أى وجع

وكانت الصلاة شفاء لثلاث علل: (أ) أن الصلاة أمر ألهى متعبد بها فهي تدفع الأمراض بالبركة (ب) أن النفس تلهو فيها عن الألم ويقل إحساسها به فتستظهر القوة عليه فتدفعه فإن قوة الأعضاء والمعدة والحواس هو الشافية بمراض بإذن الله تعالى والماهر من الأطباء يعمل كل حيلة في تقويتها إن كانت ضعيفة وفى انتباهها إن كانت غافلة وفى إلفاتها إن كانت معرضة وفى استزادتها إن كانت مقصرة. تارة بتحريك السرور والفرح وتارة بالحياء والخوف والخجل وتارة بتذكيرها وشغلها بعظائم الأمور وعواقب المصير وأمر المعاد والصلاة تجمع ذلك أو أكثره إذ يحضر العبد فيها خوف ورجاء وأمل وتذكر الآخرة وأحوالها. وكثير من الأمراض المزمنة تشفى بالأوهام. (جـ) أن في الصلاة أمرا طبيا وهو رياضة النفس والجسد لأنها تشتمل على قيام وركوع وسجود الورك وغير ذلك من الأوضاع آلتي تتحرك معها أكثر المفاصل وينغمر فيها أكثر الأعضاء سيما المعدة والأمعاء وسائر آلات التنفس والغذاء عند السجود. وما أنفع السجود الطويل لصاحب النزلة والزكام ولانضباب النزلة إلى الحلق وما أشد إعانته على فتح سدد المنخرين في علة الزكام وإنضاج مادته وما أقوى معاونة السجود على هضم الطعام من المعدة والأمعاء وتحريك الفضول المتخلفة فيها وإخراجها. إذ عنده تنعصر أوعية الغذاء بازدحامها وتساقط بعضها على بعض. وكثيرا ما تسر الصلاة النفس وتذهب العم والحزن وتذيب الآمال الخائبة وتكشف عن الآوهام الكاذبة ويصفو فيها الذهن وتطفأ نار الغضب (¬1) وتفيد الحب للخلق والتواضع للحق سبحانه وتعالى وترفق القلب وتحبب في العفو وكثيرا ما يحضر فيها الرأي والتدبير المصيب والجواب ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 2 سندى ابن ماجه.

السديد وتذكر العبد ما نسى فيتفكر في مصادر أموره ومواردها ومصالح دنياه وأخراه ومحاسبة النفس لا سيما إن طال القيام ليلا عند ما تهجع العيون وتهدأ الأصوات ولذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم (أ) بما في حديث سالم بن آبى أتجعد أن رجلا قال: ليتني صليت فاسترحت فكأنهم عانوا ذلك عليه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا بلاب أقم الصلاة أرحنا بها " اخرجه أبو داود (¬1). {193} (ب) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " (¬2) والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مذهبة للكسل منشطة للجوارح شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة من الشيطان مقربة من الرحمن مزيلة للهموم (قال) حذيفة بن اليمان: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. اخرجه أحمد وأبو داود (¬3). {194} (ومن هذا) قال بعضهم: يندب صلاة المصيبة وهى ركعتان عقبها. وكان ابن عباس يفعل ذلك ويقول: نفعل ما امرنا الله به بقوله: " وَاستَعِينُوا بِالْصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ " ومثل الصلاة في ذلك الذكر والدعاء. (قال) عبد الله بن جعفر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: " لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين " اخرجه أحمد بسند حسن. (¬4) {195} ¬

(¬1) انطر ص 108 ج 1 كشف الخفاء رقم 312. (¬2) تقدم رقم 184 ص 115 (الطيب). (¬3) انظر ص 247 ج 7 - المنهل العذب المورود (قياك النبى صلى الله عليه وسلم من الليل). (¬4) انظر ص 248 ج 7 - المنهل العذب المورود

وعلى الجملة فللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا وجلب خيري الدنيا والآخرة لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرا وباطنا. وفقنا الله تعالى للمحافظة عليها وتأديتها على الوجه الأكمل مع تمام الخشوع وكامل الإخلاص. (2) الصوم: هو جنة من أدواء الروح والقلب والبدن. منافعه كثيرة وله تأثير عجيب في حفظ الصحة وإذابة الفضلات وحبس النفس عن تناول مؤدياتها لا سيما إذا كان باعتدال وقصد (وفيه) من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها وهو أنفع دواء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم. وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعا وشرعا عظم انتفاع قلبه وبدنه به وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه. ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلا وآجلا، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (¬1) دلت الآية على أن أحد مفصودي الصيام الجنة والوقاية وهى حمية عظيمة النفع. والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله تعالى وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته (¬2). (3) القرآن: قال الله تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " (¬3) (المعنى) وننزل من القرآن ما كله شفاء فهو كما يشفى من أمراض الجسد يشفى من الضلالة والجهالة والشبه ويهتدي به من الحيرة. ¬

(¬1) البقرة: 183 (¬2) انظر ص 172 ج 3 زاد المعاد (¬3) الإسراء: 82.

(روى) الحارث الأعور عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ط خير الدواء القرآن " اخرجه ابن ماجه والترمذى (¬1). {196} (وقال) الذهبي في الطب المكارة: يقال إن رجلا شكا وجع عينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " انظر في المصحف ". فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأمراض القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل واحد يوفق للاستشفاء به. وإذا أحسن العليل أتتداوى به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداء ابدأ وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها. فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفى القرآن سبيل الدلالة على روائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه، قال الله تعالى " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " (¬2) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله (¬3). (4) الفاتحة: هي الشفاء التامم والدواء النافع والرقية الناجعة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرق مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوى بها والسر الذي لأجله كانت كذلك (روى) عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء " اخرجه الدرامي والبيهقى في الشعب مرسلا بسند رجاله ثقات (¬4). {197} ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 2 - ابن ماجه (الاستشفاء بالقرآن) (¬2) العنكبون: 51 (¬3) انظر ص 178 ج 3 زاد المعاد (¬4) انظر ص 445 ج 2 درامى

(وقال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شئ، فأتوهم فقالوا: يأبها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه. فهل عند أحد منكم من شئ؟ فقال بعضهم: نعم والله إنى لأرقى ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما. أخرجه الستة وهذا لفظ البخاري وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (¬1). { 198} ¬

(¬1) انظر ص 305 ج 4 فتح البارى (ما يعطى فى الرقية بفاتحة الكتاب) وص 187 ج 14 نووى (أخذ الأجرة على الرقية) وص 20 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى) وص 167 ج 1 تحفة الأحوذى (أخذ الأجرة على التعويذ) وص 5 ج 2 - ابن ماجه (فقال بعضهم) هو ابو سعيد الخدرى ففى رواية الترمذى وابن ماجه فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب؟ قلت نعم أنا. (والجعل) (بضم فسكون ما يعطى على العمل. و 0 القطيع) الطائفة من النعم. وفى رواية للبخارى: إنا نعطيكم ثلاثين شاة. وكان القوم ثلاثين. و (يتفل) بفتح الياء وضم الفاء وكسرها من النفل وهو نفخ معه قليل بزاق. ومحله بعد القراءة لتحصل بركتها فى الجوارح التى يمر عليها الريح ففى رواية أبى داود: فقرأ عليه بأم الكتاب وتفل حتى برئ .. وفى رواية أنه قرأ الفاتحة ثلاثا وفى أخرى سبعا والزيادة أرجح. و (نشط) بضم فكسر من الثلاثى وفى رواية أبى داود أنشط بصيغة المجهول من الإنشاط اذا عقد وأنشط اذا حل. و (القلبة) بفتحات العلة سميت بذلك لأن من تصيبه يقلب من جنب الى جنب ليعلم موضع الداء.

(والأمر) بالقسمة من باب المروءة والتبرع وإلا فأجر الرقية للراقي (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: اضربوا إلى معكم سهما - تطييبا لقلوبهم ومبالغة في بيان أنه حلال (وفى) الحديث جواز أخذ الأجرة على الرقية وهو متفق عليه. وكذا يجوز أخذها على تعليم القرآن عند الجمهور وهو المفتى به عند الحنفيين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" (¬1) فإنه وإن كان واردا في الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (وعن) خارجة بن الصلت التميمى عن عمه علاقة بن صحار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلم، ثم اقبل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندكم شئ تداوونه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوني مائة شاة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: هل قلت غير هذا؟ قلت: لا، قال: خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه. (¬2) {199} ¬

(¬1) ذكره البخارى معلقا عن ابن عباس انظر ص 304 ج 4 فتح البارى (ما يعطى فى الرقية) وهو طرف من حديث وصله البخارى بص 155 ج 10 فتح البارى (الشروط فى الرقية بفاتحة الكتاب). (¬2) انظر ص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى). (فلعمرى) أى لحياتى واللام فى وقله لمن أكل جواب القسم أى من الناس من يأكل برقية باطل كذكر الكواكب والاستعانة بها وبالجن فعليه 9 وزره وأنت أكلت برقية حق أى بذكر الله تعالى وكلامه فلا ورر عليك.

وفى رواية لأبى داود وقال: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقة ثم تفل فكأنما أنشط من عقال. (هذا) وإذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة آلتي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب. (وقد) اشتملت على أصول أسماء الله وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه ذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه وذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به وغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له مع ما تضمنته من إصلاح القلوب والرد على جميع أهل البدع والباطل. وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء (¬1) (وقد) قيل إن موضع الرقية منها: " إياك نعبد وإياك نستعين" ولا ريب أن الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع بين أعلى الغايات وهى عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل وهى الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرهما. (قال) ابن القيم: ولقد مر بى وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء فكنت أتعالج بالفاتحة آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا ثم أشربه ¬

(¬1) انظر ص 155 ج 10 فتح البارى (الرقى بفاتحة الكتاب). وانظر تمام بيان بعض ما تضمنته الفاتحة من الأسرار والعجائب بص 72 وما بعدها من الجزء الثالث من لدين الخالص طبعة أولى. وص 368 ج 2 طبعة ثانية.

فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع (¬1). (5) البقرة: قد ورد الترغيب في التحصن بسورة البقرة وبآيات منها (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه حكيم بن جبير غال في التسيع (¬2) {200} (وعن) ابن الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: إن لكل شئ سناما وسنام القرآن سورة البقرة وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي تقرا فيه سورة البقرة. أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقد روى مرفوعا (¬3). {201} (وعن) الشعبي عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شئ يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق. اخرجه الدرامي (¬4) {202} (وعن) آبى سنان عن المغيرة بن سبيع قال: من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن: أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها أخرجه الدرامي (¬5) {203} ¬

(¬1) انظر ص 122 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسام فى رقية اللديغ بالفاتحة) (¬2) انظر ص 560 ج 1 مستدرك (فضل سورة البقرة). (¬3) اانظر ص 560 منه (¬4) انظر ص 448 ج 2 دارمى (فضل أول سورة البقرة وىية الكرسى) (¬5) انظر ص 449 منه.

(6) المعوذات: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحصن عند نومه بقراءة الإخلاص والمعوذتين: (روى) معمر الزهري، عن عروة. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بنفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن وأمسح بيده نفسه لبركتها فسالت الزهري كيف ينفث؟ قال كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. أخرجه البخاري (¬1). {204} (وقالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم مسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده (الحديث) اخرجه البخاري (¬2). {205} (وعن) آبى سعيد الخدرى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما. اخرجه النسائي وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب (¬3) {206} (وهذا) لا يدل على المنع من التعوذ بغير عاتين السوريتين، بل يدل على ¬

(¬1) انظر ص 154 ج 10 فتح البارى (الرقى بالقرآن) والمعوذات بكسر الواو جمع معوذة أى محصنة. والمراد بها سورة الإخلاص والفلق والناس. وقيل المراد ما يشمل ما ذكر وكل ما ورد من التعويذ فى القرآن كقوله " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك أن يحضرون " 79 و 98 المؤمنون (¬2) انظر ص 163 ج 10 فتح البارى. و (النفث فى الرقية) أى كان يقرؤها وينفث حال القراءة. (¬3) انظر ص 165 ج 3 تحفة الأحوذى (الرقية بالمعوذتين).

الأولوية ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما أجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا (¬1). (7) علاج الضرس: (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ " وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ " الآية ". أخرجه الدار قطنى (¬2). {207} (8) علاج الجنون والصرع: (قال) آبى بن كعب: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع. فقال: وما وجعه؟ قال: به لمم، قال: فائتني به، فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 152 ج 10 فتح البارى. وانظر التفصيل فى بحث الدعاء والاستغفار بعد الصلاة ص 17 ج 3 - الدين الخالص طبعة أولى (¬2) تمام الآية " فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم بفقهون " الأنعام: 98 (¬3) (اللمم) بفتحتين نوع من الجنون (واربع الايات) من أول سورة البقرة هى: الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. (5) البيان - (ألم) اختلف المفسون فى الحروف التى فى اوائل السور والصحيح أنها من المتشابه الذى انفرد الله بعلمه فنؤمن به ولا نتكلم فيه وما قيل فيها غير ذلك فهو رجم بلا دليل والذى ينبغى لمن أحب السلامة واقتدى بالسلف ألا نتكلم بشئ من ذلك معترفا بأن فى إنزال هذه الحروف حكمة لا تبلغها عقولنا ولا تهتدى اليها افهامنا. وقوله " ذلك الكتاب " أى هذا القرآن فلإشارة الى الكتاب المذكور بعد. والعرب قد تشير إلى القريب الحاضر بما يشار به الى العبد الغائب اعظاما لقدره واسم الإشارة مبتدأ والكتاب صفته والخبر: لا ريب فيه. والريب الشك وقلق النفس واضطرابها ومعنى (لا ريب فيه) أن هذا الكتاب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ليس مظنة للريب لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضى كونه لا ينبغى الارتياب فيه بوجه من الوجوه. والمشهور الوقف على فيه .. وروى عن نافع وعاصم الوقف على - لا ريب - وعليه فالخبر محذوف والتقدير لا ريب فيه. فيه هدى. والهدى الدلالة الموصلة إلى المطلوب وهو قسمان (أ) هدى دلالة وهو ما يقدر عليه الرسل واتباعهم قال تعالى " ولكل قوم هاد" الرعد: 7 وقال تعالى (وإنك لتهدى الى صراط مستقيم) أى تدعو وتطل. الشورى: 52 .. (ب) هدى توفيق وتأييد. وقد انفرد به الله تعالى وهو المنفى فى قوله تعالى (انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) القصص: 56 وهو بهذا يجئ بمعنى خلق الإيمان فى القلب ومنه قوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم) وقوله (ولكن الله يهدى من يشاء). والمتقى لغة اسم فاعل من وقى وقاه فاتقى. والوقاية الصيانة. وشرعا من يقى نفسه ويحفظها من ارتكاب ما يوجب العقوبة من فعل أو ترك. وخص المتقين بهداية القرآن وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم وتكريما لأنهم آمنوا بما فيه وانتفعوا به (وقد) ورد فى هذا حديث عطية السعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا باس به حذرا مما به باس. أخرجه أحمد والبخارى فى التاريخ وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه (ورد) بأن فى سنده عبد الله بن يزيزد لا يعرف حاله: (انظر ص 443 ج 6 مناوى الجامع الصغير رقم 9942) (فالمصير) الى ما أفاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعيا للمتقى أخص من المعنى السابق. وقوله " الذين يؤمنون بالغيب " وصف كاشف للمتقين. والإيمان لغة التصديق وشرعا التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا تهتدى اليه العقول من عذاب القبر ونعيمه وأشراط الساعة والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار. و (الغيب) اسم لما أومن به مما ذكر (وقد ورد) فى فضل المؤمنين بالغيب حديث ابى جحفة الأنصارى قال: قلت يا رسول الله من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبمناك؟ قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحى من السماء. بل قوم ياتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بى ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= أخرجه أحمد والدارمى والطبرانى والحاكم (انظر ص 308 ج 2 دارمى وص 24 ج 1 فتح القدير الشوكانى) وقوله " ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " معطوف على يؤمنون. والإقامة لغة الدوام والثبات وإقامة الصلاة أداؤها فى أوقاتها بأركانها وسننها وآدابها كما أمرنا الله تعالى بقوله " حافظوا على الصوات والصلاة الوسطى وقوموا الله قانتين " البقرة: 238. وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحيح أن المراد بالصلاة هنا ما يشمل الفرض والنفل عام والمتقى يأتى بهما (والرزق) عند أهل السنة ما صلح الانتفاع به حلالا كان أو حراما. (والإنفاق) صرف المال فى المصالح وأتى بمن التبعيضية إشارة إلى طلب الاعتدال فى الإنفاق وترك الإسراف قال تعالى (والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان: 67 والمختار أن الآية عامة فى الزكاة والنفقة على الأقارب وغيرهم وفى صدقة الفرض والنفل لأنها سيقت للمدح والترغيب فى الإنفاق مما رزقوا وقوله " والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون " صفة أخرى للمتقين فهى معطوفة على الجملة السابقة ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف وأن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين والذين يؤمنون بما أنزل من قبلك وهو التوراه والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية بأن يؤمنوا بأنها من عند الله ويصدقوا بما لم ينسخ منها (قال) ابو ذر: قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل الله قال مائه كتاب واربعة كتب. أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ (إدريس) ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراه والإنجيل والزبور والفرقان أخرجه ابو حاتم البستى (انظر ص 157 ج 1 تفسير القرطبى) (وبالآخرة) اى بالدار الآخرة هم يوقنون وفى تقديم الجار مع اسناد يوقنون الى الضمير غشعار بالحصر وأن ما عدا هذا الأمر - الذى هو اساس الإيمان وراسه - ليس بمؤد الى الإيقان بالدار الآخرة والقطع بوقوعها وهو العلم الجازم مع انتفاء الشك والشبهة والمعنى أنهم موقنون بالبعث والنشور وسائر امور الآخرة بلا شك وعبر بالماضى فى قوله (أنزل اليك) مع أنه لم ينزل حينئذ الا البعض تغليبا لما نزل على ما لم ينزل وتنبيها على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل (والحق) أن هذه الآية وما قبلها فى شأن المؤمنين عامة وليس مجرد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ذكر الإيمان بما أنزل الى النبى صلى الله عليه وسلم وما أنزل الى من قبله يقتضى جعل ذلك وصفا لمؤمن أهل الكتاب خاصة فليس فى السياق ما يقتضى ذلك وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين فى أكثر من آية قال تعالى: يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل (النساء: 136) (وقال) آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله (البقرة: 285). (وقال) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم إن الله كان غفورا رحيما (النساء: 142) (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى: (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك) اى يصدقونك بما جئت به فى الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون ايمانا بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان. أى لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ويكفرون بما جاء من ربك. أخرجه ابن جرير وابن اسحاق وابن ابى حاتم (انظر ص 25 ج 1 فتح القدير للشوكانى). وقوله " اولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمام بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ فقيل أولئك على هدى ويصح أن يكون خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب. والاستعلام فى قوله (اولئك على هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به. شبهت حالهم بحال من اعتلى الشئ وركبه (والفرح) فى الأصل الشق والقطع يقال للذى شقت شفته افلح ومنه سمى الأكار فلاحا لأنه يشق الأرض بالحرث فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه (قال) القرطبى: وقد يستعمل فى الفوز والبقاء وهو اصله ايضا فى اللغة. فمعنى اولئك هم المفلحون الفائزون بالجنة والباقون. وفى تكرير اسم الإشارة دلاله على أن كلا من الهدى والفرح مستق بتمييزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزا (وأتى) بضمير الفصل للدلالة على اختصاهم بالفلاح دون غيرهم (وعن) عبد الله بن عمرو قال: قيل يا رسول الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= انا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نياس أو كما قال. فقال: ألا أخبركم عن أهل الجنة واهل النار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى قوله وأولئك هم المفلحون هؤلاء أهل الجنة. قالوا إنا نرجو أن تكون هؤلاء ثم قال: إن الذين كفروا سواء عليهم انذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب أليم. هؤلاء اهل النار. قالوا لسنا هم يا رسول الله قال أجل. أخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 26 ج 1 فتح القدير وقد تضمنت الآيات. (أ) بيان أن القرآن لعظم قدره وعلو مرتبته ووضوح دلالته لا يرتاب فيه - بوجه من الوجوه- العقلاء المنصفون ولا اعتبار لريب الجاحدين الجاهلين، وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو الهدى والنور الذى أوضح للناس الطريق فسعد به المتقون واهتدى بهدية الصادقون وتأدب بآدابه المهتدون. (ب) أن المتقين هم الذين جمعوا بين أنواع الطاعة القلبية والبدنية والمالية منهم الذين وحدوا ربهم فخرجوا من ظلمة الشرك الى نور التوحيد الخالص وانتقلوا من ديوان العاصين المتمردين الى ديوان الطائعين الخاضعين وترقوا فى معارج الطاعة حتى صفت اسرارهم عما سوى بارئهم رب العالمين فكانوا من المحسنين فلم يرهم مولاهم حيث نهاهم ولم يفقدهم حيث أمرهم وصدقوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما الأمور الغيبية التى لا تهتدى اليها العقول من اشراط الساعة وأحوالها من البعث والنشور والصراط والميزان والجنة والنار فبادروا بالعمل الصالح الذى يقيهم نار الجحيم ويدخلهم دار النعيم فهم يحافظون على الصلاة ويؤدونها فى أوقاتها خاشعين خاضعين مطمئنين موقنين أنها عماد الدين ولا سهم فى الإسلام لمن لا صلاة له وأها صلة بين العبد وربه وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وليس بين المسلم والكافر الا الصلاة وهى مائدة المقربين وقرة عين المؤمنين الصادقين وراحة المتقين. ولما كان صدق الإيمان والأخلاص فى العمل لا يظهران إلا بالمجاهدة بالنفس والنفيس جاهدوا أنفسهم حتى انفقوا مما آتاهم الله فى وجوه الخير يقدمون لأنفسهم ما ينفعهم فى رمسهم ويؤنسهم فى وحشتهم ويطمئنهم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه عاملين بقوله تعالى (آمنوا بالله =

وهاتين الآيتين: " وَإلهُكُمْ إلهُ وَاحِدُ " (¬1) ¬

= ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) الحديد: 7. لا غرو فإن التقوى جماع الخير كله وهى خير ما يستفيده الإنسان (فقد روى) ابو أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها أطاعته وإن ينظر اليها سرته وإن قسم عليها أبرته وان غاب عنها نصته فى نفسها وماله. اخرجه ابن ماجه ص 293 ج 1 (أفضل النساء): (وقيل) لبى الدرداء إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شئ فقال. يريد الرء أن يؤتى مناه ... ويابى الله إلا ما ارادا يقول المرء فائدتى ومالى ... وتقوى الله أفضل ما استفادا (جـ) إن افضل الإيمان واكمله التصديق بكل الكتب افلهية والعمل بما لم ينسخ منها لا نفرق بين أحد من رسله. والإيمان بالبعث والنشور وسائر احوال الآخرة. (د) الحث على التقوى والإيمان بالغيب والرسل وما أنزل اليهم واليوم الآخر والإتيان بالفرائض والإنفاق فى سبيل الخير فإن من تحلى بما ذكر فهم أهل الهداية والسعادة والفلاح الفائزون بما طلبوا الناجون ممامنه هربوا المقيمون مع من أحبوا. (هـ) تضمن قوله تعالى: (أولئك على هدى من ربهم) الرد على القدرية فى قولهم العبد يخلق إيمانه وهداه. ولو كان كما قالوا لقال أولئك على هدى من نفسهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. (¬1) الايتان هما قوله تعالى: (والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم (163) (إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما بنفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض لايات لقوم يعقلون) 164) (البيان) قال كفار قريش: يا محمد صف لنا ربك وانسبه. فأنزل الله سورة الإخلاص وهذه الآية (وإلهكم اله واحد) أى منفرد بالإلهية لا شريك له ولا نظير له هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد (لا اله) أى لا معبود بحق (إلا هو الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة. والرحمن من الصفات =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= الغالبة لم يستعمل فى غير الله عز وجل. ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية فقال (إن فى خلق السموات) مرتفعه بلا عمد لطيفة متسعة منظمة نظاما بديعا مزينة بالكواكب (والرض) متسعة كثيفة ذات وهاد ونجاد وجبال واشجار وبحار وأنهار وقفار وعمران ومنافع. وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى. ووجد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب (واختلاف الليل والنهار) بإضاءة أحدهما وإظلام الآخر وااقبال أحدهما وإدبار الآخر بلا فاصل بينهما قال تعالى: (لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون) (يسن: 40) قال تعالى: (وهو الذى جعل الليل والنهار خلفه) الفرقان: 62 (قال) عطاء: اراد خلافهما فى النور والظلمة والزيادة والنقصان فيأخذ هذا من هذا قال تعالى: (يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل) أى يزيد من أحدهما فى الآخر. وقدم الليل على النهار لأنه اصل .. قال الله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) (والفلك التى تجرى فى البحر) الفلك - بضم فسكون - السفن واحده وجمعه سواء. فإذا اريد به الجمع يؤنث والواحد يذكر قال تعالى: اذ ابق الى الفلك المشحون. وقال: حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة: والاية فيها تسخيرها وجريانها على وجه الماء (بما ينفع الناس) من الركوب والحمل عليها من جانب الى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما لهم من التجارة والمكاسب ونقل ما عند بعضهم الى بعض (وما أنزل الله من السماء) اى من السحاب (من ماء) أى المطر الذى به حياة العالم وإخراج النبات والرزاق (فأحيا به الرض بعد موتها) أى بعد يبسها وجدبها (وبث فيها) أى فرق فى الارض (من كل دابة) أى على اختلاف أشكالها والوانها ومنافعها وصغيرها وكبيرها. وهو يعلم ذلك كله فيرزقه لا يخفى عليه شئ من ذلك. (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (وما من دابة فى الرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين) (وتصريف الرياح) فمنها ما يأتى بالرحمة ومنها ما يأتى بالعذاب ومنها الحار ومنها البارد ومنها الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية ومنها ما يسير السفن الصغار والكبار كل على قدره (والسحاب المسخر) أى المذلل السائر (بين السماء والرض) الى ما يشاء الله من الاراضى والأماكن =

وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة (¬1). ¬

= كما يريد الله (لايات لقوم يعقلون) أى فى هذه الأشياء دلائل بينه وحجج قاطعة على وحدانية الله تعالى لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله. قال تعالى (إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لآولى الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ووجه دلالة هذه الآية على الوحدانية أن ما ذكر فيها من الايات الكونية قائم بنظام يقتضى قطعا أن تكون هذه الأشياء صادرة عن خالق واحد عليم حكيم ولو كان لها مصادر متعددة لاختل هذا النظام وفسد هذا العالم سمواته وارضه كما قال تعالى (لو كان فيهما ىلهة إلا الله لفسدتا) (روت) اسماء بنت يزيد بن السمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم فى هاتين الايتين (وإلهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) و (الم. الله لا اله الا هو الحى القيوم) أخرجه أحمد والدارمى وابو داود وابن ماجه والترمذى وصححه انظر ص 141 ج 1 فتح القدير للشوكانى (وعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس شئ اشد على مردة الجن من هؤلاء الايات التى فى سورة البقرة (وإلهكم اله واحد) الآيتين أخرجه الديلمى (انظر ص 141 منه) وعن ابن ابى نجيح عن عطاء قال: نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة (والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس اله واحد؟ فأنزل الله تعالى: (إن فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس الى قوله: لايات لقوم يعقلون) فبهذا يعلمون انه اله واحد وانه اله كل شئ وخالق كل شئ. اخرجه ابن ابى حاتم (انظر ص 374 ج 1 تفسير ابن كثير) (¬1) آية الكرسى قول الله تعالى (الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات وما فى الرض. من ذا الذى يشفع عنده الا بإذنه؟ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والرض ولا يؤةده حفظهما وهو العلى العظيم) وقد تقدم بيان فضلها وتفسيرها ومشتملاتها بص 14 ج 4 - الدين الخالص (والثلاث الايات) من آخر سورة البقرة هى قول الله تعالى (لله ما فى السموات وما فى الأرض وان تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر =

وآية من آل عمران: " شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ " (¬1) ¬

= لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير (284) آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير (285) (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين - 286) وتقدم بيانها بيانا وافيا بص 306 ج 5 - الدين الخالص (¬1) آية آل عمران قوله تعالى: " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم " 18 (سبب النزول) قال الكلبى: قدم حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبى صلى الله عليه وسلم الذى يخرج فى آخر الزمان. فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له: انت محمد؟ قال نعم. قالا وأنت احمد؟ قال: أنا محمد وأحمد. قالا انا نسالك عن شئ فإن أنت أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك. فقال نعم. قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه: " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة " الآية فأسلم الرجلان. اخرجه البغوى انظر ص 113 ج 2 وص 165 ج 3 نيسابورى " المفردات " (شهد الله) أى أخبر وبين بالادلة (أنه لا اله) أى لا معبود بحق (الا هو) (والملائكة) جمع ملك بفتحتين وهم عالم غيبى لا يعلم حقيقته الا الله تعالى لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة خلقوا من نور. وتمامه بص 56 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (وأولو العلم) النبياء والمؤمنون الذين عرفوا وحدانية الله تعالى بالدلائل (قائما بالقسط) أى منفردا بتدبير شئون خلقه وهو حال من الضمير بعد الا والعامل فيه ما تضمنته كلمة التوحيد. ويحتمل أن يكون حالا من أولى العلم أى حال كون كل واحد منهم قائما بالعدل فى اداء هذه الشهادةة. و (العزيز) القاهر الغالب. و (الحكيم) من يضع الأمور فى مواضعها. المعنى: شهد الله تعالى - وهو اصدق الشاهدين وأعدلهم - أنه لا معبود بحق الا الله المنفرد بالالهية لجميع الخلق (والهكم اله واحد) وانه المنفرد بالايجاد والإعدام =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= والاعطاء والمنع وما الى ذلك وأن الكل عبيده وخلقه محتاجون اليه وهو الغنى عما سواه (يايها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد) وأظهر ذلك وبينه بخلق الدلائل الدالة على انفراده بالوحدانية والقدرة التامة والعلم المحيط. وشهدت الملائكة والانبياء والمرسلون والمؤمنون الصادقون بذلك (وشهادة) الله تعالى والملائكة وأولى العلم يحتمل أن تكون بمعنى واحد وأن تكون مختلفة (أما الأول) فبيانه أن الشهادة هى الإخبار عن علم او الإظهار والبيان (وقد) أخبر الله تعالى فى مواضع كثيرة من القرآن أنه اله واحد لا اله الا هو (الله لا اله الا هو الحى القيوم - قل هو الله احد - لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) والتمسك بالدلائل السمعية فى هذه المسالة جائز لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا يتوقف على العلم بها واظهر الله تعالى أنه لا اله واحد يخلق ما يدل على ذلك (ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأولى الألباب) 190 آل عمران (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون) الايات من 20 - 27 الروم. وكذلك الملائكة وأولوا العلم، اخبروا أن الله اله واحد وأطهروا ذلك وبينوه: الملائكة للرسل والرسل للعلماء والعلماء لعامة الخلق (وأما الثانى) فبيانه أن شهادة الله على توحيده أنه خلق الدلائل الدالة عليه وشهادة الملائمة وأولى العلم عبارة عن اقرارهم بذلك. ونظيره قوله تعالى (ان الله وملائكته يصلون على النبى) فإن الصلاة من الله غير صلاة الملائكة وعلى الحقيقة فليس الشاهد الا الله تعالى لأنه خلق الأشياء الدالة على توحيده. ثم وفق العلماء لمعرفتها والتوصل بها الى اعتقاد وحدانيته ثم وفقهم فارشدوا غيرهم الى ذلك. ولذا قال (قل أى شئ أكبر شهادة؟ قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن) فهو يشهد أنه لا اله الا هو حال كونه قائما بالعدل يقال فلان قائم بالتدبير أى يجريه على سنن الاستقامة أو مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب. وفيما يامر به عياده من انصاف بعضهم بعضا والعمل على التسوية فيما بينهم. وكرر مضمون الشهادة بقوله (لا اله الا هو) تأكيدا وتوطئه لقوله (العزيز) العديم المثال القاهر لخلقه الذى لا يرام جنابه عظمه وكبرياء لأنه المنفرد بالالهية الكامل القدرة (الحكيم) فى اأفعاله واقواله وشرعه وتقديره لأنه العالم الذى لا يعزب عن علمه شئ. والقائم بتدبير امور خلقه بالعدل والإنصاف هذا ويطلب ممن قرأ أو سمع هذه الاية أن يقول: وأنا على ذلك من الشاهدين (لقول) الزبير بن العوام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرا هذه الآية (شهد الله أنه لا االه الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم) فقال: وأنا على ذلك من الشاهدين. أخرجه أحمد وابن حاتم وابن السنى وكذا الطبرانى بلفظ: وأنا اشهد أن لا اله الا انت العزيز الحكيم. انظر ص 296 ج 1 فتح القدير للشوكانى.

وآية من الأعراف: " إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ " (¬1) ¬

(¬1) (آية العراف قوله تعالى: " ان ربكم الله الذى خلق السموات والرض فى ستة ايام ثم استوىعلى العرش يغشى الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) 54 (المفردات (فى ستة ايام) أى فى مقدارها. لأن اليوم من طلوع الشمس الى غروبها ولم يكن حينئذ يوم ولا شمس ولا سماء. وقيل ستة أيام كأيام الآخرة كل يوم كألف سنة وقيل كايام الدنيا (والاستواء) لغة العلو والاستقرار والمراد هنا الأول (والعرش) فى الأصل سرير الملك والمراد به عرش الرحمن المحيط بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما (يغشى- بضم فسكون فكسر، أو بضم ففتح فشد - قراءتان. ولم يذكر تغشية الليل بالنهار اكتفاء (وحثيثا) أى سريعا (والخلق) أى المخلوق (والأمر) التصرف (وتبارك) تعالى وتعاظم (والرب) المالك والسيد وهو اسم من اسمائه تعالى (والعالمين) جمع العالم والسموات والرض وما بينهما وأوجده من العالم فى قدر ستة ايام من يوم الاحد الى الجمعة. قال سعيد بن جبير: الله عز وجل قادر على خلق السموات والأرض فى لمحة ولحظة ولكن خلقهن فى ستة ايام تعليما لخلقه التثبت والتأبى فى الأمور ذكره البغوى ص 488 ج 3. وفى الحديث التأبنى من الرحمن والعجلة من الشيطان. أخرجه البيهقى بسنده الى سعد بن سنان عن انس. وسعد ضعيف لم يسمع من انس على الوجه الذى يليق به بلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل فإنه تعالى لا يشبه خلقه (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) بل الامر كما قاله الأئمة منهم نعيم بن حماد الجزاعى شيخ البخارى قال: من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه .. فمن أثبت لله تعالى ماوردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذى يليق بجلال الله ونفى عن اللع تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى. وقوله تعالى (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا) أى يذهب أحدهما ظلام هذا بضياء هذا وضياء ها بظلمة هذا وكل منهما بطلب الآخر طلبا سريعا لا يتأخر عنه بل اذا ذهب احدهما جاء الآخر قال تعالى (لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون) فقوله: ولا الليل سابق النهار. أى لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو فى أثره بلا واسطة بينهما. ولهذا قال: يطلبه حثيثا (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) أى أن الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال (ألا له الخلق والأمر) أى له الملك والتصرف (تبارك الله رب العالمين) كما قال تعالى (تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا). وقد ورد عن أم سلمة فى قوله: استوى على العرش قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر. اخرجه ابن مردوية. انظر ص 202 ج 2 فتح القدير للشوكانى (وعن مالك) أن رجلا ساله: كيف استوى على العرش؟ فقال الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول. والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. أخرجه اللالكائى انظر ص 202 ج 2 منه.

وآخر سورة المؤمنين: " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ " (¬1) ¬

(¬1) آخر سورة المؤمنون قوله تعالى (فتعالى الله الملك الحق لا اله غلا هو رب العرش الكريم. 116 ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون 117 وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين 118) المفردات (فتعالى) أى تنزه عن الولد والشريك وأن يخلق شيئا عبثا (والعرش العظيم) أى السرير الحسن المنظر (والبرهان) الحجة الواضحة والبينة القاطعة (والحساب) الجزاء (والغفر) المحو أو الستر (والرحمة) التوفيق والسداد. والمعنى: أنه يجب على كل عاقل أن يعتقد أن الله تعالى منزه عن الولد والشريك والنقص لأنه الملك الحق فى كل أقواله وأفعاله لا معبود بحق إلا هو مالك العرش الكامل الخلق البهى الشكل فهو إله ورب لما دون العرش بالأولى. ثم رد الله ما عليه أهل الشرك موبخا لهم ومقرعا فقال " ومن يدع مع الله الها آخر" يعبده مع الله أو يعبده وحده بلا برهان ولا حجة فإنما جزاؤه عند ربه الذى خلقه فسواه ثم أخبر الله تعالى أنه لا فلاح للكافرين ولا نجاة لهم. ثم ارشد الله تعالى الى دعاء جامع فقال " وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين " (وقد) روى الحسن بن عبد الله أن ابن مسعود قرأ فى اذن مصاب " افحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم غلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق " حتى ختم السورة فبرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال. أخرجه ابن ابى حاتم والحكيم الترمذى وأبو يعلى وابن المنذر وابن مردوية وأبو نعيم فى الحلية. انظر ص 486 ج 3 فتح القدير الشوكانى.

وآية من سورة الجن " وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا " وعشر (¬1) آيات من أول الصافات (¬2) ¬

(¬1) آية الجن " وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا " المفردات: (وأنه) بفتح الهمزة عطف على محل المجرور فى قوله فآمنا به. كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وقرئ بكسر الهمزة عطف على انا سمعنا. اى فقالوا: انا سمعنا قرآنا وأنه تعالى جد ربنا والضمير فى أنه للشأن (والجد) العظمة والجلال. (والصاحبة) الزوجة. والمعنى: أن الجن لما سمعوا القرآن قالوا: صدقناه وصدقنا أن الله تعالى تنزه جلاله وعظمته عن أن يتخذ صاحبه أو ولدا. وكأن الجن نبهوا بهذا على خطإ الكفار الذين بنسبون إلى الله تعالى الصاحبة والولد (وعن) ابن عباس فى قوله تعالى " وإنه تعالى جد ربنا " قال: آلاؤه وعظمته. وروى عنه أمره وقدرته. اخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 298 ج 5 فتح القدير للشوكانى. (¬2) العشر الايات من أول الصافات قوله تعالى: " والصافات صفا (1) فالزاجرات زاجرا (2) فالتاليات ذكرا (3) إن الهكم لواحد (4) رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق (5) انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (6) وحفظا من كل شيطان مارد (7) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب (8) دحورا ولهم عذاب واصب (9) الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (10) " المفردات: (الصف) ترتيب الجمع على خط كالصف فى الصلاة (والزجر) فى الأصل الدفع بقوة والمراد به هنا قوة التصويت. (والمشارق) مشارق الشمس (قيل) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= إن الله تعالى خلق للشمس مشارق ومغارب بعدد ايام السنة تطلع كل يوم من واحد منها وتغرب فى واحد. كذا قال ابن عبد البر (وقيل) المراد بالمشارق كل موضع اشرقت عليه الشمس. وبالمغارب كل موضع غربت عليه الشمس. فكأن المعنى: رب جميع ما اشرقت عليه الشمس وغربت. وأما قوله فى سورة الرحمن " رب المشرقين والمغربين" فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس فى ايام الصيف وأقصر يوم فى الشتاء وكذا فى المغربين: وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التى تشرق منها الشمس والجهة التى تغرب فيها (والمراد) المتمرد العاصى. (لا سمعون) بشد السين والميم والأصل يتسمعون فإدغمت التاء فى السين. وقرأ الجمهور يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وفى معناها قوله تعالى " إنهم عن السمع لمعزولون " (والدحور) الطرد ودحورا مفعول لاجله (وقيل) إنه حال أى مدحورين. وقيل إنه جمع داحر كقاعد وقيل مفعولا مطلق لمقدر أى يدحرون دحورا (وواصب) اى دائم يصل الى القلب (والخطف) الاختلاس واخذ الشئ بسرعة (وشهاب ثاقب) أى نجم مضئ محرق. والمعنى: أن الله تعالى أقسم بالملائكة يصفون فى السماء كصفوف المؤمنين فى الصلاة بالملائكة تزجر السحاب وتسوقه. وبالملائكة يتلون كتاب الله تعالى. اقسم بما ذكر " أنه اله واحد وذلك أن كفار مكة قالوا: أجعل الآلهة الها واحدا؟ فاقسم الله بهوؤلاء " أنه لا اله إلا هو رب السموات والأرض وما بينهما " من المخلوقات ورب المشارق أى مطالع الشمس وأنه الملك المتصرف فى الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارة تبدو من المشرق وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليها. ثم أخبر أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها بزينة هى الكواكب فإن ضوءها يثقب جرم السماء الشفاف فتضئ لأهل الأرض كما قال تعالى " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " وقال: " ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم " (فقوله) هنا وحفظا أى وحفظناها حفظا من كل شيطان ما رداى متمرد عات إذا اراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه، ولذا قال: لا يسمعون الى الملأ الأعلى. أى لئلا يصلوا إلى الملآ الأعلى وهى السموات ومن فيها (ويقذفون من كل جانب) أى يرمون من كل جهة يقصدون السماء منها ويطردون طردا فلا يصلون =

وثلاث آيات من آخر الحشر (¬1). ¬

= اليها " ولهم " فى الدار الآخرة عذاب دائم موجع " إلا من خطف الخطفة " أى إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهى الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى من تحته ويلقيها الآخر إلى من تحته. فربما ادركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها بقدر الله قبل أن ياتيه الشهاب فيذهب بها الآخر إلى الكاهن (أ) وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان للشياطين لا ترمى فإذا سمعوا الوحى نزلوا الى الرض فزادوا فى الكلمة تسعا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه فشكوا ذلك الى إبليس لعنة اله فقال ما هو إلا من أمر حدث. فبث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى بين جبلى نخلة وقال وكيع: يعنى بطن نخلة. فرجعوا إلى ابليس فأخبروه فقال: هذا الذى حدث. أخرجه ابن جرير وابن كثير. انظر ص 124 ج 7 - ابن كثير. (ب) وعن سفيان بن عيينة بسنده الى ابى هريرة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا (بفتحتين من الخضوع أو بضم فسكون مصدر بمعنى خاضعين) لقوله كأنه سلسلة على صفوان (حجر أملس) فإذا فزع عن قلوبهم (أى كشف عنها الفزع) قالوا ماذا قال ربكم ظ قالوا للذى قال الحق وهو العلى الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسرتق السمع وهكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين اصابعه (أى فرق بينها) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها قبل أن يردكه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا - كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء. أخرجه البخارى والترمذى. انظر ص 380 ج 8 فتح البارى (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم). (¬1) آيات آخر الحشر هى قوله تعالى: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (21) هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحين (22) هو الله الذى لا اله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارى المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (24). المفردات الخاشع) الذليل المتواضع (والمتصدع) المتشقق (والقدوس) الطاهر من كل عيب (والسلام) السالم من كل نقص. والمسلم على عبادة فى الجنة كما قال: سلام قولا من رب رحيم. والمسلم لعبادة من الآفات. وهو مصدر وصف به للمبالغة (والمؤمن) الذى وهب عباده الأمن من عذابه والمصدق لرسله بإظهار المعجزات والصادق فى إنجاز وعده (والمهيمن) الشهيد على عباده الرقيب عليهم، وقيل اصله مؤيمن فقبلت الهمزة هاء فيكون بمعنى المؤمن والأول أولى (والعزيز) القاهر الغالب القوى الذى لا نطير له (والجبار) ذو العظمة الذى أجبر خلقه وقهرهم على ما اراد من أمره ونهيه والغنى المصلح من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير (والمتكبر) المتعالى عن كل نقص وذو الملك والكبرياء والقاصم العتاه من الخلق (الخالق) الموجد للاشياء على مقتضى إرادته (والبارئ) المنشئ المخترع للأشياء لا على مثال سبق وله من الاختصاص بالحيوان ما ليس لغيره من المخلوقات. يقال برأ الله النسمة وخلق السموات والأرض (والمصور) الموجد للصور على هيئات مختلفة. ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل فهو مترتب على الخلق والبرء (والحسنى) مؤنث الأحسن أى التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى واشرف مدلول. المعنى: أن الله تعالى أنزل على نبيه كتابا عظيم الشأن جليل القدر لمتانة الفاظه وقوة مباينى وبلاغته واشتماله على المواعظ التى تلين لها القلوب لو أنزل على جبل من الجبال لرأيته - وهو فى غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم - خاشعا متصدعا من خشية الله تعالى حذرا من عقابه وخوفا من أن لا يؤدى ما يجب عليه من تعظيم كلام الله واحترامه. وإذا كان الجبل فى غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع له وتصدع خوفا من الله عز وجل، فكيف يليق بالعقالاء ألا تلين قلوبهم عند سماع ىياته وتخشع وتتصدع أفئدتهم من خشية الله تعالى وقد فهموا أمره وتدبروا كتابه ولذا قال (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) فيما يجب عليهم التفكر فيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= ليتعظوا بالمواعظ وينزجروا بالزواجر، ثم أخبر الله تعالى أنه لا اله الا هو فلا رب غيره ولا معبود سواه وأنه عالم الغيب والشهادة يعلم جميع الكائنات شاهدها وغائبها فلا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم. لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وقوله (هو الرحمن الرحيم) أى أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات. فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. قال تعالى: (ورحمنى وسعت كل شئ) وكرر قوله (هو الله الذى لا اله الا هو) للتأكيد والتقرير (الملك) أى المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة (القدوس) الذى تقدسه الملائكة والخلق. أى يعتقدون أنه منزه عن كل نقص متصف بكل كمال (له الاسماء الحسنى) أى له اسماء أخرى هى أحسن الأسماء لدلالتها على اشرف مسمى وأكمل موجود (يسبح له ما فى السموات والارض) أى ينطق بتنزيهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال بلسان الحال أو المقال كل ما فيها قال تعالى: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) (وهو العزيز الحكيم) أى الغالب لغيره الذى لا يغالب مغالب. المدبر للأمور بحكمته حسب ارادته. (وعن ابن عباس) فى قوله (او أنزلنا هذا القران على جبل) قال: يقول لو أنى أنزلت هذا القرآن على جبل حملته اياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله. فامر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية السديدة والتخشع. قال: (كذلك يضرب الله الامثال لناس لعلهم يتفكرون). اخرجه ابن جرير وابن مردوية انظر ص 203 ج 5 فتح القدير لشوكانى. (وعن أنس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر رجلا إذا اوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر وقال: إن مت مت شهيدا. أخرجه ابن السنى فى عمل يوم وليلة وابن مردوية. انظر ص 203 ج 5 منه. (وعن) معقل بن يسار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح ثلا مرات: اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرحيم: ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه حتى يمسى. وإن مات =

وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقال الرجل كأنه لم يشتك قط. اخرجه ابن أحمد في زوائد المسند والبيهقى والحاكم وفيه أبو جناب وهو ضعيف كثير التدليس، وقد وثقة ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح (¬1). {208} (9) الرقى: بضم الراء والقصر جمع رقية كمدية، وهى ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء وهى جائزة بالقرآن والسماء الإلهية والأدعية النبوية اتفاقا بشروط ثلاثة: (أ) أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته (ب) وبلسان عربي أو بما يعرف معناه من غيره (جـ) أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بنفسها بل بفعل الله تعالى (¬2)، ودليلة قول عوف بن مالك: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا على رقاكم لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. أخرجه مسلم وأبو داود (¬3). {209} وحديث أتهيل بن آبى صالح عن أبيه قال: سمعت رجلا من أسلم قال: ¬

= فى ذلك اليوم مات شهيدا. ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة. أخرجه أحمد والدرامى والترمذى وحسنة والطبرانى والبيهقى - انظر ص انظر ص 203 ج 5 فتح القدير للشوكانى. (لاحكام) وقد تضمنت هذه الايات (أ) بيان علو شأن القرآن وجودة ألفاظه وقوة مبانية وبلاغته واشتماله على العظات التى تحيا بها القلوب (ب) تفريع من لم يخشع للقرآن ولا يتعظ بمواعظه (ج) الحث على التوحيد والتنفير من الشرك (د) بيان أن علم الله تعالى محيط بكل الخلق وأن إحسانه شامل للجميع. (¬1) انظر ص 27 ج 1 فتح القدير الشوكانى، وص 115 ج 5 مجمع الزوائد (رقية المجنون) (وبيان) سورة الإخلاص تقدم بص 15 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (وبيان) ما يتعلق بالمعوذتين تقدم بص 17 ج 3 منه. (¬2) انظر ص 152 ج 10 فتح البارى (الرقى بالقرآن). (¬3) انظر ص 187 ج 14 نووى (استحباب الرقية)، وص 13 ج 4 عون المعبود (الرقى).

كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت ن قال: ماذا؟ قال: عقرب، قال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خل لم يضرك إن شاء الله. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). {210} (وقول) جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى. فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى ن فعرضوها عليه، فقال: " ما آري باسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " اخرجه مسلم (¬2) {211} وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، ولكن دل حديث عوف بن مالك أن ما كان من الرقى يؤدى إلى الشرك يمنع. ومالا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدى إلى الشرك فيمتنع احتياطا (¬3). (وقال) بعضهم: لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة (لحديث) بريده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة " أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا الترمذى وأبو داود عن عمران بن حصين مرفوعا (¬4) {212} (وعن) سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة " اخرجه أبو داود (¬5). {213} ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى). (¬2) انظر ص 186 ج 14 نووى (استحباب الرقية من العين). (¬3) انظر ص 152 ج 1 فتح البارى (الرقى القرآن) وحديث عوف بن مالك تقدم رقم 209 ص 150. (¬4) انظر ص 186 ج 2 - ابن ماجه (ما رخص فيه من الرقى) وص 164 ج 3 تحفة الأحوذى (الرخصة فى ذلك) وص 12 ج 4 عون المعبود (تعليق التمائم). (¬5) انظر ص 15 ج 4 عون المعبود

والنفس العين، والحمة بضم ففتح السم. (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ " اخرجه أبو داود والحاكم والطبرانى (¬1). {214} (وأجاب) الجمهور أن تخصيص ما ذكر لا يمنع الرقية من غيره من الأمراض. فمعنى الحديث: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين وما معها. وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر. (قال) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن يقول " باسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار " اخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه والترمذى وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن آبى حبيبة، وإبراهيم يضعف في الحديث ويروى عرق يعار (¬2). {215} (وحديث) ثابت بن قيس بن شماس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض فقال: " اكشف الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس " ¬

(¬1) انظر ص 16 ج 4 منه (لا يرقأ) أى لا يسكن. (¬2) انظر ص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما يعوذ به من الحمى) وص 173 ج 3 تحفة الأحوذى (تبريد الحمى بالماء) و (نعار) بشد العين أى فوار يخرج منه الدم بقوة (ويعار) بالياء وشد العين أى صوات واستعاذ منه لأنه اذا غلب لم يمهل.

ثم اخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء ثم صبه عليه. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1) {216} والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الماء في فيه ثم رمى بالماء على التراب ثم صب التراب المخلوط بالماء على ثابت بن قيس. وإنما جعل الماء أولا في فيه ليخالط ريق النبي صلى الله عليه وسلم (ويؤيده) حديث سفيان بن عيينه عن عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا. ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها فقال: " تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا " اخرجه الستة إلا الترمذى (¬2). {217} المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يأخذ من ريق نفسه على سبابته ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شئ فيمسح به الموضع الجريح أو العليل قائلا حال المسح باسم الله ... " وفيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام وأن ذلك ¬

(¬1) انظر ص 12 ج 4 عون المعبود (فى الرقى). و (بطحان) بفتح فسكون اسم واد فى المدينة و (النفث 9 الرمى يقال نفثه من باب ضرب إذا رمى به ونفث اذا برق ولا ريق معه. (¬2) انظر ص 162 ج 10 فتح البارى (رقية النبى صلى الله عليه وسلم) وص 183 ج 14 نووى (رقية المريض)، وص 19 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى)، وص 187 ج 2 ابن ماجه (ماعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم) (وتربة ارضنا) أى هذه تربة أرضنا ممزوجة بريقة بضنا. والمراد جملة الأرض. والنفث ووضع السبابه على، لعله الخاصية فى ذلك أو لطلب مباشرة الأسباب المعتادة. وقد دلت التجارب الطبية أن للريق مدخلا فى النضج وتعديل المزاج. وتراب الوطن له تأثير فى حفظ المزاج ودفع الضرر. وتمامه بص 162 ج 10 فتح البارى. و (يشفى سقيمنا) بضم أوله مبنيا للمجهول. وبفتحه والفاعل مقدر وسقيم مفعول

كان أمرا فاشيا معلوما بينهم ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالأرض، ثم وضعها على موضع الألم يدل على استحباب ذلك عند الرقية. (وحديث) عثمان بن آبى العاص أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ اسلم فقال له: ضع يدك على الذي يالم من جسدك وقل: باسم الله ثلاث مرات، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. قال ففعلت ذلك مرارا فاذهب الله ما كان بى فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم. اخرجه مسلم والربعة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {218} والمقصود أنه يستحب وضع يده على موضع اللم ويأتي بالدعاء المذكور. (وقال) محمد بن سالم: قال لي ثابت البنانى: يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكى ثم قل: باسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعى هذا ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وترا، فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. أخرجه الترمذى وحسنه والحاكم وصححه (¬2). {219} وعن عبد العزيز بن صهيب أن أنسا قال لثابت البنائى: ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، فقال: اللهم رب الناس ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 14 نووى (استحباب وضع اليد على موضع الألم) وص 17 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى)، وص 175 ج 3 تحفة الأحوذى، وص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم) (مرارا) تكرير الدعاء لكونه أنجع وابلغ كتكرير الدعاء الطبيعى. وفى السبع خاصية لا توجد فى غيرها. (¬2) انظر ص 175 ج 3 تحفة الأحوذى. (الشرح)

مذهب البأس اشف أنت الشافعي لا شافي إلا أنت اشفه شفاء لا يغادر سقما " أخرجه أحمد والبخاري والثلاثة (¬1). {220} وعن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات: اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عوفي " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (ورد) بأن فيه ابا خالد الدالانى فيه مقال، وقال الترمذى: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال (¬2) {221} وعن خالد بن الوليد أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعه بالليل فقال: " إلا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام وزعم أن عفريتا من الجن يكيدنى فقال: أعوذ بكلمات الله التامات آلتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طارق الليل والنهار إلا طارقا طيرق بخير يا رحمن " اخرجه الطبري في معجمه والبيهقى وابن عساكر (¬3). {222} وهاك بعض ما ورد من الرقية لأمراض معينة: (1) الرقية من العين: العين إنسية وجنية (قال) أبو سعيد الخدرى: ¬

(¬1) انظر ص 161 ج 10 فتح البارى (رقية النبى صلى الله عليه وسلم)، وص 17 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى) (والسقم) بفتحتين وبضم فسكون. (¬2) اتظر ص 239 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء للمريض) وص ج 3 تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 57 الطب النبوى. (الأدوية النبوية).

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعبن الإنس، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1) {223} وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى بوجهها سفعة فقال: " بها نظرة فاسترقوا لها " (يعنى بوجهها صفرة). أخرجه مسلم (¬2) {224} يعنى أن بها عينا أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح (¬3). وتقدم أن التأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل ولا على الرؤية. فقد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وكثير من العائنين يؤثر في المعين من غير رؤية. قال تعالى: ¬

(¬1) انظر ص 318 ج 2 مجتبى (الاستعاذة من عين الجان) وص 186 ج 2 - ابن ماجه (من استرقى من العين). (¬2) انظر ص 185 ج 14 نووى (الرقية من العين) والسفعة بفتح وفاء ساكنة فسرت فى الحديث بالصفرة وقيل هى لون يخالف لون الوجه. وقيل أخذه من الشيطان. (¬3) انظر ص 117 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالادوية الروحانية الإلهية) وفيه: وقد انكر قوم قل نصيبهم من العلم النافع والعقل المانع أمر العين وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها وهم من أجهل الناس بالسمع والعقل وابعدهم معرفة بالارواح والنفوس وتأثيرها. والعقلاء على اختلاف مللم لا يدفعون أمر العين ولا ينكرونه وإن اختلفوا فى سببه ووجه تأثير العين (فقالت) طائفه إن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر ونظيره انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل الإنسان فيهلك فقد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على إنسان هلك فكذا العائن (وقالت) فرقة: لا يستبعد أنينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر ن ولا ريب أن الله تعالى خلق فى الأجسام والرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل فى كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة فى الأجسام كما هو مشاهد محسوس فأنت ترى الوجه يحمر خجلا إذا نظراليه من يستحى منه، ويصفر خوفا عند نظر من يخافه وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه بواسطة تأثير الأرواح. والأرواح مختلفة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هى الفاعلة بل التأثير للروح. والأرواح مختلفة فى طبائعها وقواها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا لا ينكره إلا من هو خارج عن دائرة الإنسانية ولذا امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شر الحاسد (والحسد) اصله الإصابة بالعين فإن النفس الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه تلك الخاصية.

" وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ" (¬1)، وقال تعالى: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " إلى قوله: " وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا. فالاستعاذة من الحاسد استعاذة من العائن. وهى سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه أخرى. فإن صادفته - لا وقاية عليه - آثرت فيه وإن صادفته واقيا نفسه لم تؤثر فيه (¬2). وتقدم أن علاج العين (أ) بعد الإصابة يكون بغسل العائن أطرافه وداخله إزاره ثم يصب ماء الغسل على راس المعين من خلفه بغته (ب) وقيل إصابة النظرة تدفع بدعاء العائن للمعين بالبركة وبقوله: ما شاء الله لا قوة إلا بالله (جـ) ويدفع شر العين أيضا بما في حديث آبى سعيد الخدرى قال: " أتى جبريل النبي صلى الله ¬

(¬1) سورة ن: 51 (والمعنى) وأن بعض قريش أرادوا أن يصيبوا النبى صلى الله عليه وسلم فنظر اليه من جربت إصابتهم فعصمه الله وحماه من عينهم فلم تؤثر فيه. وهذه الاية تنفع كتابة وقراءة للمعين فلا تضره العين. انظر ص 188 ج 4 الصاوى على الجلالين (ويزلفونك) بضم الياء وفتحها أى يحسدونك لولا وقاية الله لك وحمايتك منهم. (¬2) انظر ص 118 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية).

عليه وسلم: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، فقال جبريل عليه السلام: باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد. الله يشفيك، باسم الله أرقيك " أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذى (¬1). {225} وما في حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحق وإسماعيل. اخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (¬2). {226} قال ابن القيم: ومن الرقى آلتي ترد العين ما ذكر عن آبى عبد الله التياحى أنه كان في سفر ومعه ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه. فقيل لبى عبد الله: احفظ ناقتك من العائن. فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبه آبى عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت. فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها وهى كما ترى. فقال: دلوني عليه فدل فوقف عليه وقال: باسم الله حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه. " فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 14 نووى (الطب) وص 187 ج 2 - ابن ماجه (ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 187 ج 2 - ابن ماجه. وص 166 ج 3 تحفة الأحوذى (الرقية من العين) وكلمات الله هى القرآن واسماؤه تعالى وصفاته (والتامة) التى تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات (والهامة) كل ذات سم يقتل وأما ذو سم لا يقتل فهو السامى كالعقرب والزنبور (واللمم) طرف من الجنون يلم بالإنسان أى يعتريه فاللامة ذات اللمم.

إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ " (¬1) فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا باس بها (¬2). (2) الرقية من لدغة العقرب: (قال) عبد الله بن مسعود: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره " ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت. اخرجه ابن آبى شيبه. (¬3) {227} وفى هذا الحديث العلاج بدواء مركب من الإلهي واطبعي (أ) أما العلاج الإلهي فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي وإثبات الأحدية لله المستلزمة ففي كل شركة عنه وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها آي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويها وسفليها ونفى الوالد والولد والكفو عنه المتضمن لنفى الأصل والفرع والنظير والمماثل مما اختصت به وصارت تعدل ثلث القرآن. ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال وفى نفى الكفو التنزيه عن التشبيه والمثال وفى الأخذ نفى كل شريك لذي الجلال. وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد (وفى المعوذتين) الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا (فإن الاستعاذة) من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه سواء أكان في الأجسام أو الرواح. والاستعاذة من شر الغاسق - وهو الليل إذا اظلم أو القمر إذا غاب - تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر فيه من الأرواح الخبيثة ¬

(¬1) سورة الملك: عجز آية 3 وآية 4. و (الفطور) الصدوع والشقوق. وحسير أى منقطع لا يرى خالا. (¬2) انظر ص 120 ج 3 زاد المعاد. (¬3) انظر ص 122 ج 3 زاد المعاد (علاج لدغة العقرب).

آلتي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر انتشرت وعاثت (والاستعاذة) من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها. والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن. فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ولهما شان عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها (¬1)، وبهذا يظهر الشر فيما دل عليه حديث عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. اخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان وصححه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (¬2) {228} وفيه سر عظيم في دفع الشرور من الصلاة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما تعوذ المتعوذون بمثلهما). (ب) أما العلاج الطبعى فإن في الملح نفعا لكثير من السموم ولا سيما لدغة العقرب يضمد به مع بذر الكتان للسع العقرب. وفى الملح قوة جاذبة محلله تجذب السموم وتحللها. ولما كان في لسع العقرب قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج - وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره. وفيه تنبيه على أن علاج هذا الداء بالتبريد والجذب والأخراج (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 7 ج 4 - الفتح الربانى (اذكار وتعوذات ... عقب الصلوات) وص 186 ج 8 - المنهل العذب (فى الاستغفار)، وص 196 ج 1 مجتبى (قراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة). والمعوذات بكسر الواو. والمراد، سورتا الفلق والناس. (¬3) انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب).

(وقد) قال أبو هريرة رضى الله عنه: لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلته. فقيل كي صلى الله عليه وسلم: إن فلانا لدغته عقرب قلم ينم ليلته. فقال: أما إنه لو قال حين أمسى: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق - ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح " اخرجه مسلم والأربعة إلا الترمذى بسند صحيح رجاله ثقات. (¬1) {229} هذا، ومن الرقى النافعة من لدغ العقرب أن يسال الراقي اللدغ عن مكان اللدغة من العضو فيضع على أعلاه حديدة ويقرأ: " سلام على نوح في العالمين وعلى محمد في المرسلين من حاملات السم أجمعين لا دابة بين السموات والأرض إلا ربى آخذ بناصيتها أجمعين، كذلك يجزى عباده المحسنين، إن ربى على صراط مستقيم نوح نوح قال لكم نوح: من ذكرني لا تأكلوه إن ربى بكل شئ عليم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " ويكر القراءة وهو مجرد موضع الألم بالحديدة حتى ينزل السم إلى اسفل الوجع فإذا اجتمع في أسفله جعل يمص ذلك الموضع حتى يذهب جميع اللم ولا اعتبار بفتور العضو بعد ذلك (¬2). (وذكر) ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب قال: بلغني أن من قال حين يمسى: سلام على نوح في العالمين، لم تلدغه عقرب. (وقال) عمرو بن دينار: أخذ على العقرب ألا تضر أحدا قال في ليل أو نهار: سلام على نوح في العالمين (وذلك) أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالا: احملنا، فقال نوح: لا أحملكما فأنتما سبب الضرر والبلاء. فقالا: احملنا ونحن نضمن لك ألا نضر ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى) وص 186 ج 2 - ابن ماجه (رقية الحية والعقرب) وصف الكلمات بالتامات لأنها تنفع المقولة له وتحفظه من الآفات وتكفيه. (¬2) انظر ص 26 ج 2 غذاء اللباب (ما يرقى به الملدوغ).

أحدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما " سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ {79} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ " ما ضرتاه (¬1). هذا، واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد نزوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا. والأدوية الطبعية إنما تنفع بعد حصول الداء. فالتعوذات والأذكار إنا أن تمنع وقوع هذه الأسباب، وأما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه (¬2). (3) رقية النملة: النملة - بفتح فسكون - قروح تخرج في الجنبين ترقى فتبرأ بإذن الله. سميت بذلك لأن صاحبها يحس في مكانها كأن نملة تدب عليه وتعضه. وفى القاموس: والنملة شق في حافر الدابة وقروح في الجنب كالنمل وبثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويرم مكانها يسيرا ويدب إلى موضع آخر كالنملة (وسببها) صفراء حادة تخرج من أفواه العروق الدقاق ولا تحتبس داخل الجلد لشدة لطافتها وحدتها (قالت) الشفاء بنت عبد الله: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: " ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في السنن الكبرى بسند رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدى المصيصى وهو ثقة، وأخرجه الحاكم وصححه (¬3). [230] ¬

(¬1) انظر ص 27 ج 2 غذاء الألباب (ما يقال للحفظ من العقرب). والايات بالصافات: 79 و 80 و 81 (¬2) انظر ص 123 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب). (¬3) انظر ص 13 ج 4 عون المعبود (الرقى) والياء فى علميتها من إشباع الكسرة (والشفاء) بكسر الشين المعجمة والمد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= وفى الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة (ويؤيده) حديث عائشة بنت طلحة قالت: قلت لعائشة وأنا فى حجرها وكان الناس يأنونها من كل مصر فكان الشيوخ ينتابوننى (أى يقصدوننى مرة بعد مرة) لمكانى منها وكان الشباب يتآخوننى (أى يتخذونها أختا) فيهدون إلى ويكتبون إلى من الأمصار فأقول لعائشة: يا خالة هذا كتاب فلان وهديته فتقول لى عائشة: أى بنية فأجيبيه واثيبيه فإن لم يكن عندك ثاب أعطيتك فكانت تعطينى. أخرجه البخارى فى الأدب المفرد فى باب الكتابة إلى النساء (وممن) اشتهر بالفضل والعلم وجودة الخط من نساء السلف، شهدة بنت ابى نصر الكاتبة، كانت من العلماء كتبت الخط الجيد وسمع منها خلق كثير. توفيت فى المحرم سنة 574 هـ (انظر وفيات الأعيان لابن خلكان). (ومنهن) عائشة بنت أحمد القرطبية قال ابن حيان فى المقتبس: لم يكن فى زمانها من نساء الأندلس من يعدلها لعما وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف توفيت سنة 400 هـ (انظر المقرى فى نفخ الطيب (وقال) بعضهم: لا يجوز تعليم النساء الكتابة مستدلا بروايات ضعيفة واهية (منها) حديث عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة (الحديث) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء. وفى سنده محمد بن إبراهيم الشامى منكر الحديث وضاع قال الدار قطنى كذاب. وقال ابن عدى: عامة أحاديثه غير محفوظة. وأخرج الحديث البيهقى فى شعب الإيمان والحاكم من طريق ىخر وقال صحيح الإسناد (ورد) بأن فيه عبد الوهاب ابن الضحاك كذبه أبو حاتم (وقال) النسائى وغيره متروك وقال الدار قطنى منكر الحديث. وأخرجه البيهقى من طريق آخر وقال: هذا بهذا الإسناد منكر (ومنها) حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعا لا تعلموا نساءكم الكتابة (الحديث) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء وفيه جعفر بن نصر قال الذهبى متهم بالكذب. وقال ابن الجوزى فى العلل المتناهية هذا لا يصح. جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل. فهذه الروايات كلها ضعيفة جدا بل باطلة لا يصح الاحتجاج بها بحال (انظر ص 14 ج 4 هون المعبود) (فى الرقى). هذا هو موقف الإسلام حيال تعليم المرأة، فهو بهها هذا الحق كما يعطيه الرجل، لأنه يعتبرها قسيمته لها من الحق ماله، وعليها ما عليه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= والإسلام الذى اختص المرأة بنصيب من الحرمة والكرامة لم يظفر بمثله نظراؤها من الرجال - فكانت تجير الخائف وتفك العانى، وكفل لها حريتها وقد سحرمة رايها فلها أن تفصل عقدة الزواح إذا خدعت فيه أ, أكرهت عليه وليس لا مرئ أن يقودها فسرا إلى من لا تريد - هو الإسلام الذى اهتم بصلاح لها وتثقيف عقلها. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق والإسلام بتعليم المرأة يهيئ للمجتمع بيئة صالحة ويعد للحياة رجالا ينشئون نشأة طيبة. إن المرأة فى بيتها راعية على الولد والمتاع توجه وترشد، وتسدد وتقوم، وتدبر وتقتصد فتعليمها حق ييسر عليها وظيفتها والإسلام غنى بالنساء ذوات العقل الراجح كبار الصحابة فى كثير من أمهات المسائل. والإسلام غنى بالشاعرة الملهمة، والخطيبة المفوهة، والحافظة الواعية، وبين أولادهن تربية إسلامية، فنصروا دينهم بما حرصوا عليه من حياة وافتدوه بما وهبهم الله من أرواح، فقرأنا عن السلف الصالح البطولة النادرة، والسياسة الحكيمة. وإذا كان الإسلام قد قرر هذا الحق للمرأة فقد أحاطها بسياج من الحفظ يصونها، لأنها عورة مستورة إذا بلغت حد الشهوة حال بينها وبين اختلاط الرجال فلا يحل لأجنبى أن ينظر إليها أو يرى منها ما حرم الله. تغالى الماس فى هذا العصر ولم يفقهوا أمور الدين فلم يفرقوا بين تعليم البنت وحرمة الاختلاط. فشاع الفساد وعمت الفتنة. أمن الدين أن نراهن غاديات رائحات كاسيات عاريات خليعات راقصات فى سبيل طلب العلم؟ لا وايم الحق فما سمعنا عمن تعلمن وتفقهن فى الصدر الأول من الإسلام أنهن فرطن فى دينهن ولا فى عرضهن، ايها القوم افيقوا ولا تقولوا بعقولكم وتشايعوا أهواءكم فإن الدين نظم مقررة وقوانين مشرعة. لقد بلغ السيل الزبى وأهملت المرأة بيتها ورعاية ولدها واشتغلت بما يزيد النار اشتعالا. فراحت تطالب باعمال الرجال واستجيبت رغبتها فاصبحنا نراهن فى دور الحكومة يسيطرن على الرجال ويدبرن بعض أمور الدولة وإذا كان الأمر إلى النساء فلا خير فى الحياة على ظهر الرض الرض ويالها من نكبة أن يطالبن بحق الانتخاب ليتامرن ويتحكمن. فإذا كان تعليم المرأة يخرجها عما خلقت له فتغشى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= المجالس العامة وتجلس الرجل - فلا خير فيه. أما إذا تعلمت لتفقه نفسها وترعى أولادها وتحفظ عورتها خرجت الحكمة من بيتها وهى فى عقر دارها وألهبت العزائم واستنهضت الهمم وهى من وراء حجاب. وإنى أفسح المجال لفضيلة الستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت بحدث عن تعليم المرأة ومالها وما عليها من حقوق. قال: تعليم المرأة الطب: نص العلماء على أنه ينبغى أن تتعلم الطب لمعالجة نوعها لأن رؤية الجنس للجنس أخف وهذا يشمل الجراحة وغيرها. طبيعة المرأة: واذا كنت من الذين يحبذون تعليم المرأة فإنى ارى أن يقصر هذا التعليم على ما يناسب طبيعتها وبيئتها وما تدعو غليه حالة جنسها غليه وما يلائم رسالتها فى الحياة ومن العبث أن تتعلم المرأة هندسة البناء وهندسة الصرف والرى أو غير ذلك مما لا يتفق وتكوينها. إن مجتمعنا فى حاجة على زوجات وأمهات مثقفات ثقافة عالية فى كل ماله علاقة بشئون الأسرة والأولاد مع حظ وافر من التعليم حتى يستطعن تحقيق رساله سامية ينشدها المجتمع منهن. التعليم واختلاط الجنسين: وليس معنى تعليم المرأة أن يختلط الفتيان والفتيات فى الدراسة وأنا لا اعتقد - ككثير من الناس - أن تعليم المرأة يتوقف على بدهة هذا الاختلاط وإذا كان بعض المعاهد يرى فصل الطلبة عن الطالبات فى المراحل الأولى من التعليم بل بعضها يرى فصل صغار الطلاب عن كبارهم فإجدر بنا أن نرى استمرار هذا الفصل بين الطلبة والطالبات فى مراحل التعليم العالى التى تستدعى عناية خاصة والتى لابد فيها من مراعاة الغرائز، وأنا فى حيرة مما هو قائم الأن تمنع الاختلاط فى بدء مراحل التعليم حيث لا اعتراض على ذلك ونتيجة فى المراحل العالية التى يجب أن نحيط الفتاة فيها بسياج قوى. المرأة فى ميدان العمل: إن للمرأة أن تتناول الأعمال التى تتقنها فتستطيع أن تتكسب رزقها من التدريس لبنات جنسها وحياكة ملابسهن واشغال افبرة والكتابة وغير ذلك من المهن التى جرت العادة باختصاص المرأة بها وهذا كله حسن جميل على ألا تختلط بالرجال وألا تنزل إلى ميادينهم وليس فى هذا تضييق عليها أو احد من حريتها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= فى العمل كما يتوهم البعض بل هذا صون لها ورعاية لأنوثتها كما تلفت الى ذلك هذه الإشارة الجميلة التى تضمنتها قوله تعالى - بصدد المر لنساء النبى صلى الله عليه وسلم بالتحفظ - " فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض ". حقوق المرأة السياسية: ان ما نخشاه من الاختلاط فى التعليم وغيره هو بعينه ما نخشاه فى الاختلاط الذى تدعو إليه حركات الانتخاب. ولو أمكن أن يؤخذ راى المرأة فيمن ترشحه بعيدة من حركات الانتخابات المعروفة والتنقلات والاجتماعات الخاصة التى تدعو اليها مثل هذه الأحوال. نعم لو أمكن تلافى ذلك لما كان لدينا مانع من أن تعطى المرأة رايها فى المرشح الذى نختاره وأعتقد أن المرأة إذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة رايها فى المرشح الذى نختاره واعتقد أن المرأة اذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة الاختلاط وتكثر دواعية. وقد رايتا أن التنافس كثيرا ما يجر بالمرشحين الرجلين إلى التنابذ وإلقاء التهم بحق أو بغر حق، ولا أدرى ماذا يكون موقف المرشحة إزاء المرشح أو أزاء مرشحه أخرى وماذا يكون موقف الحامل والمرضع وأم الأطفال فى هذا الصدد ناخبة او مرشحة أتعنى بنفسها وأولادها؟ أن تعنى بإعطاء صوتها وبالمنافسة الانتخابية؟ ولا يقال إن التنافس الانتخابى يمكن ان يخلو من هذا لأنا نقول إن هذا قد يخف حدوثه مع الزمن ولكن ليس من الممكن خلو الانتخابات من هذا اللون فى أى بلد من البلدان (ولا يقال) إن بعض البلاد أعطت المرأة هذا الحق لدون نظر لما قد يترتب عليه لأتى اقول: إن البلاد التى يراد مجاراتها لم تمنح هذا الحق للمرأة الا تلبية لنزعات سياسية خاصة وليس تقرير حق للمرأة لا تأخذه الا عن هذا الطريق ولا تزال البلاد البعيدة عن العواصف السياسية والمؤثرات الخاصة بعيدة عن التفكير فى هذا ولكن يظهر أن حمى التقليد التى يصاب بها الضعيف من القوى كان لها رجة شديدة فى عقولنا وتفكيرنا وليس فى هذا الجانب فحسب بل فى جوانب شتى. وإذا كان الزمن - كما يقولون - يسير بالناس إلى ما يرونه طوعا أو كرها فنحن لا نعطيه قيادنا ولا نسلم له الأمر اختيارا منا وإقرار له فقرق بين ما يقع قهرا ولا اختيار للانسان فيه، وما يقع باختيار الإنسان ودعوته البه. وكم مما لا تحب موجود وحاصل وليس وجوده دليلا على استحسانه او على أنه حق ينبغى أن يسعى اليه إذا لم يوجد. لقد صح أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= إسرائيل. أخرجه أحمد والشيخان وهذا فى عصر السيدة عائشة يوم أن كان الدين حاكم النفوس ولا ادرى ماذا يكون الحال فيما نعلم اليوم ونرى. الرقص التوقيعى: أما الرقص التوقيعى فظاهر من اسمه أنه ليس نوعا صرفا من الرياضة البدنية وإلا لو كان ذلك لما احتاج إلى أن يكون على نغمات الموسيقى. ثم لا أدرى ما العلاقة بين مزاولة نوع من الرياضة وضرورة أن يتم على نغمات خاصة. إن مزالو أنواع الرياضة البدنية للمراة لا باس به مع الاحتفاظ بالمبدأ العام الذى يقرره الدين وهو صون الكرامة وعدم مزاولتة أما الرجال أو الأجانب فى الحفرت وغيرها ولكن الرقص نفسه سواء كان على أنغام موسيقية أو بدون أنغام ففيما أعتقد أنه ليس ضربا من ضروب الرياضة التى يحتاج اليها فى تقوية الجسم وعضلاته. ولكنه لهو كثير ما تكون له عواقب غير حميدة. وللرياضة أنواع كثيرة يتحقق بها تقوية الجسم والعضلات، وما دام لدينا من أنواع الرياضة ما يغنينا عن الرقص التوقيعى فأجرينا ونحن أمة إسلامية أن تحتفظ بكل مالنا من مميزات تعتبر قواما للشخصية الإسلامية وأن الاندفاع وراء هذه التيارات بعصف بشخصيتنا الإسلامية كما نرى ذلك فى إباحة الخمور والاتجار بها علنا وغير ذلك مما جعلنا ننسلخ من شخصيتنا الإسلامية وانسلخنا بذلك أيضا عن أنفسنا ولا ريب أن قوام الطوائف والجماعات أساسه الاحتفاظ بالشخصيات الخاصة (جريدة المصرى يوم 5 - 11 - 1368 هـ 29 - 8 - 1949) (العدد 4241). ولا يفوتنى هنا أن اسجل - لحضره صاحب المعالى أحمد مرسى بدر بك وزير المعارف - مكرمة من مكرماته الكثيرة وقرارا من قراراته الحكيمة فقد قرر. (أ) جعل التلعيم الدينى فى المدارس مادة أساسية لا كمالية كما كان من قبل (ب) إلغاء الرقص بمدارس البنات وأخذهن بما هو أجدى لهن من ذلك وأدعى إلى تربيتهن على الحشمة والكرامة وإبعادهن عن الخلاعة والتبذل والمجون (ج) تقييد بعثة البنات إلى الخارج حتى يتسنى لهن مسكن خاص يأوين إليه ومشرف أمين تطمئن النفوس إلى استقامته وأمانته وحسن سيرته. (د) أن يكون زى الطالبات والمدرسات والناظرات والمراقبات سادلا كاملا، وألا يستعلمن اصباغ الوجوه والأصابع ليظهرن بمظهر الحشمة والكمال. وإنا لنشكر لمعالى الوزير استجابته لنداء الضمير ودعاء الحق وانتصاره للفضيلة واعتزازه بتقاليد الدين التى تحفظ للمرأة كرامتها وتصون قدسيتها. =

وروى الخلال أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقى في الجاهلية من النملة، فلما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إنى كنت أرقى في الجاهلية من النملة وإنى أريد أن أعرضها عليك فعرضتها فقالت: باسم الله صلت حتى يعود من أفواهها ولا تضر أحد. اللهم اكشف البأس رب الناس قال: ترقى على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر يخل خمر حاذق وتطليه على النملة. (¬1) (4) رقية الحبة: قالت عائشة رضى الله عنها: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحية والعقرب " أخرجه ابن ماجه. (¬2) {231} والرقية منهما داخله في الرقية من الحمى. (5) رقية الفزع والرق: الأرق بفتحتين عدم النوم. قال بريدة: شكا خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الرق، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم وأو أن يبغي عز جارك وجل ثناؤك لا اله غيرك لا اله إلا أنت " أخرجه ¬

= ونحمد الله لهذة الأمة المصرية إجماعها على تقدير هذا العمل الجليل وإكبارها لشأن معالى الوزير ولم يشذ عن ذلك إلا بضعه من الكتاب والصحفيين اشتهروا بين الأمة المصرية الكريمة بمعاداة الإسلام والفضيلة ومناصرة الإباحية والرذيلة. ونشكر الله تعالى إذ لا يبلغ عددهم اصابع اليد الواحدة. وهذا ليس نصرا للوزير وحده بل نصر للحق وتأييد للدين " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ". (¬1) انظر ص 124 ج 3 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وسلم فى رقية النملة) (¬2) انظر ص 186 ج 2 - ابن ماجه (رقية الحية والعقرب.

الطبرانى وابن أبى شيبه والترمذى وقال: حديث ليس بإسناده بالقوى ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من غير هذا الوجه (¬1). {232} (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى " وَاضْمُمْ إلَيكَ جَنَاَحَكَ مِنَ الَّرهْبِ " المعنى: اضمم يدك إلى صدرك ليذهب عنك الخوف. قال مجاهد: كل من فرزع فضم جناحية إليه ذهب عنه الروع. (6) التمائم: هي جمع تميمة، وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم فابطلها الإسلام (روى) عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم بسند رجاله ثقات (¬2). {233} (وقال) عيسى بن عبد الرحمن بن آبى ليلى: دخلت على عبد الله بن عكيم آبى معبد الجهنى أعوده وبه حمرة فقلت: ألا تعلق شيئا؟ قال: الموت اقرب من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من تعلق شيئا وكل إليه " أخرجه أحمد والحاكم والنسائي والطبرانى والبيهقى والترمذى وقال إنما نعرفه من حديث ابن آبى ليلى. قال الهيثمى: هو سيئ الحفظ بقية رجاله ثقات (¬3). {234} والأحاديث في هذا كثيرة (¬4). وهى محمولة على التمائم والتعاويذ آلتي فيها ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 4 تحفة الأحوذى (الدعوات). (¬2) انظر ص 103 ج 5 مجمع الزوائد (فيمن يعلق تميمة). (¬3) انظر ص 171 ج 3 تحفة الأحوذى (كراهية التعليق) وص 103 ج 5 مجمع الزوائد. (من يعلق تميمة أو نحوها) (¬4) (تقدم بعضها فى صفحة 118 ج 5 - الدين الخالص 0 ما يقول من يفزع فى نومه)

شرك وما لا يعرف وعلى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها لاتقاء العين وهى ممنوعة اتفاقا. أما التمائم المشتملة على شئ من كتاب الله تعالى أو اسم من أسمائه أو دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعقبة ابن عامر: لا يجوز تعليقها. وبه قال الحنفيون وأحمد في رواية وبعض الشافعية لعموم الأحاديث السابقة (وقال) ابن عمرو وعائشة: لا بأس بتعليقها. وبه قال مالك وأحمد في رواية وأكثر الشافعية لحديث عوف بن مالك المتقدم في بحث الرقى (¬1) (وحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره. وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبها في صك ثم علقها في عنقه " أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والترمذى وقال: حسن غريب (¬2). {235} (والأفضل) لمن كملت ثقته بالله تعالى وتم تفويضه إليه ترك تعليق التمائم والتعاويذ (لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الجنة من آمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " أخرجه البخاري (¬3). {236} ¬

(¬1) انظر رقم 209 ص 150 (¬2) انظر ص 18 ج 4 عون المعبود (كيف الرقى وص 266 ج 4 تحفة الأحوذى وهمزان الشياطين وساوسهم والقائهم الفتنة فى القلب. (¬3) انظر ص 242 ج 11 فتح البارى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

فهؤلاء كمل تفويضهم إلى الله تعالى فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها. وأما تطبب النبي صلى الله عليه وسلم فلبيان الجواز (¬1). وهاك بعض ما ثبت في كتابه تمائم لبعض الأمراض: (1) تميمة الحمى: (قال) المروزى: بلغ أحمد أنى حممت فكتب لي من الحمى رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله وبالله ومحمد رسول الله يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم. أرادوا به كيد فجعلناهم الأخسرين. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل شف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين (¬2) (2) تميمة عشر الولادة: قال عبد الله بن أحمد: رأيت آبى يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شئ نظيف يكتب حديث ابن عباس رضى الله عنهما " لا اله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرون ما يوعدون. لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " (وعن) عكرمة أن ابن عباس قال: مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت: يا كلمة الله ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه فقال: يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها. قال: فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه. فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها. ذكره الخلال. وكل ¬

(¬1) انظر ص 91 ج 3 نووى مسلم (دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب) (¬2) (انظر ص 57 - الطب النبوى) الأدوية النبوية) وص 25 ج 2 غذاء الألباب (ما يكتب لحمى)

ما تقدم من الرقى فإن كتابته نافعة (¬1). (3) تميمة الرعاف: كان ابن تيمية يكتب على جبهة الراعف " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ " (¬2). ولا يجوز كتابتها بدم الراعف لأنه نجس (¬3). (4) تميمة الوحشة: (روى) أن امرأة شكت إلى الأمام أحمد أنها مستوحشة في بيت وحدها، فكتب لها رقعة بخطه " بسم الله وفاتحه الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي " (¬4). (5) تميمة عرق النسا: يكتب بسم الله الرحمن الرحيم اللهم رب كل شئ ومليك كل شئ وخالق كل شئ أنت خلقتني وأنت خلقت النسا فلا تسلطه على بأذى ولا تسلطني عليه بقطع. وأشفني شفاء لا يغادر سقما لا شافي إلا أنت (¬5). (6) تميمة وجع الضرس: يكتب على الخد الذي بلى الوجع بسم الله الرحمن الرحيم " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (¬6) " - وان شاء كتب - " وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (¬7) ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 3 زاد المعاد (كتاب لعسر الولادة) (¬2) هود: 44 (¬3) انظر ص 180 ج 3 زاد المعاد (كتاب للرعاف) (¬4) انظر ص 25 ج 2 غذاء الالباب (ما يكتب للوحشة) (¬5) انظر ص 181 ج 3 زاد المعاد (كتاب لعرق النساء) (¬6) الملك: 23 (¬7) الأنعام: 13 انظر ص 181 ج 3 زاد المعاد (كتاب لوجع الضرس)

(و) الآثار الموضوعة في المرض والطب

(7) تميمة للخراج: يكتب عليه: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً {105} فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً {106} لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً" (¬1) (و) الآثار الموضوعة في المرض والطب قد توخينا الطريق الثابت في ذكر الأدلة الواردة في المرض والطب وما يتعلق بهما وفيها الغنية لمن عقل، والكفاية لمن رشد. ولكن أبى قوم إلا أن يحيدوا عن جادة الطريق ويقعوا فيما حذر منه الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا الحديث عنى إلا ما علمتم فمن كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار " اخرجه أحمد والترمذى (¬2). {237} فعمموا وضلوا وأضلوا بتقولهم على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت عنه من طريق يعتمد وتنبيها للغافل وتحذيرا للعاقل أذكر هنا 29 تسعة وعشرين نوعا من ذلك فأقول: (1) فضل المرض: قد قيل فيه ما لم يثبت (أ) قال العلامة محمد طاهر ابن على الهندي في التذكرة قال في الذيل: الأمراض هدايا من الله للعبد فأحب العباد إلى الله أكثرهم هدية. فيه كذاب ومتروك (ب) وقال: من بات في شكوى ليلة لم يدع فيها بالويل وإذا أصبح حمد الله تناثرت منه الذنوب كما يتناثر ورق الشجر. من نسخة أبى هدبة (¬3) كذبه يحيى بن معين (جـ) قال العلامة العجلونى: ¬

(¬1) طه 106 - 107 (فيذرها) (اى يترك الأرض 0 قاعا) مستويا صلبا (صفصفا) توكيد لقاعا (عوجا انخفاضا (ولا أمتا) ارتفاعا (¬2) انظر ص 179 ج 1 - الفتح الربانى (تغليظ الكذب على النبى صلى الله عليه وسلم) (¬3) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات (المرض من الحمى والرمد ... )

المريض أنينه تسبيح وصياحه تكبير ونفسه صدقة ونومه عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله (قال) الحافظ ابن حجر: ليس بثابت لكن ذكر في المقاصد من رواية البيهقى عن سفيان الثوري أنه قال: ما أصاب إبليس من أيوب عليه الصلاة والسلام في مرضه إلا الأنين (وعن) وهب بن منبه أن زكريا عليه الصلاة والسلام هرب فدخل جوف شجرة فوضع المنشار على الشجرة وقطع بنصفين. فلما وقع المنشار على ظهره أن فأوحى الله إليه يا زكريا إما أن تكف عن أنينك أو أقلب الأرض ومن عليها فسكت حتى قطع بنصفين (وقال) عبد الله بن أحمد: لما مرض آبى واشتد مرضه ما أن، فقيل له في ذلك فقال: بلغني عن طاووس أنه قال: أنين المريض شكوى الله عز وجل. قال عبد الله: فما أن حتى مات (واسند) ابن الجوزى عن صالح بن الإمام نحوه وأنه لم يئن إلا في ليلة موته (وروى) البيهقى أن الفضيل بن عياض دخل على ابنه وهو مريض فقال: يا بنى إن الله أمرضك فما تئن. فصاح ابنه صيحة وغشى عليه وما أن حتى فارق الدنيا. وكان بعض السلف يجعل مكان الأنين ذكر الله والاستغفار (¬1). (د) وقال في التذكرة: لا تكرهوا أربعة فإنها لأربعة: لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى. ولا تكرهوا الزكام فإنه يقطع عروق الجذام. ولا تكرهوا السعال فإنه يقطع عروق الفالج. ولا تكرهوا الدماميل فإنها تقطع البرص (موضوع) فيه يحيى بن زهدم راوي الموضوعات (¬2). (وقال) ابن حبان: يحيى روى عن أبيه نسخة موضوعة لا يحل كتبها إلا على التعجب، لكن قال ابن عدى: أرجو أن يحيى لا بأس به. والحديث أخرجه البيهقى في الشعب وضعفه (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 2 كشف الخفاء. رقم 2287. (¬2) انظر ص 27 تذكرة الموضوعات المرض والحمى والرمد (¬3) انظر ص 215 ج 2 - اللآلى المصنوعة.

(2) التمارض: قال الحافظ العجلونى: لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا ذكره ابن آبى حاتم في العلل عن ابن عباس (وقال) أبو حاتم منكر. واسنده الديلمى عن وهب بن قيس مرفوعا. وعلى كل حال فلا يصح (وأما) الزيادة آلتي اشتهرت على ألسنة كثير من العامة وهى: فتموتوا فتدخلوا النار. فلا اصل لها أصلا (¬1) (3) إعطاء المريض ما يشتهيه: عن سلمان مرفوعا: من أطعم مريضا شهوته أطعمه الله من ثمار الجنة. رواه الطبرانى وفيه أبو خالد عمرو بن خالد وهو كذاب متروك (¬2). (4) الحمية: قال في التذكرة: البطنة اصل الداء والحثية أصل الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد (لم يوجد) وفى المقاصد: المعدة بيت الداء والحمية راس الدواء. لا يصح رقعه إلى النبي صلى الله عليه سلم. (¬3) (5) ذهاب البصر والسمع: قيل فيه ما لم يثبت (أ) عن وهب بن حفص بسنده إلى ابن عمرو مرفوعا: من اذهب الله بصره في الدنيا كان حقا على الله ألا ترى عيناه نار جهنم. اخرجه الدارقطني. وقال: تفرد به وهب وهو كذاب يضع. لكن له شواهد (¬4) محديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة يريد عينيه. اخرجه البخاري (¬5) ¬

(¬1) انظر ص 349 ج 5 مجمع الزوائد. (فيما يشتهيه المريض) (¬2) انظر ص 97 ج 5 مجمع الزوائد (فيما يشتهية المريض (¬3) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات وتقدم أنه من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب هامش ص 71 (¬4) انظر ص 215 ج 2 - اللآلى المصنوعة. (¬5) انظر ص 92 ج 10 فتح البارى (فضل من ذهب بصره)

(ب) وعن داود بن الزبر قان عن مطر الوراق عن هارون بن عنيسة عن عبد الله بن السائب عن رذان عن ابن مسعود مرفوعا: ذهاب البصر مغفرة للذنوب وذهاب السمع مغفرة للذنوب. ما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك. أخرجه الخطيب (وقال) ابن عدى: منكر المتن والإسناد وهارون لا يحتج به وداود ليس يشئ (¬1). (6) ما قيل في الزكام: (أ) روى محمد بن يونس الكديمى بسنده إلى عائشة مرفوعا: ما من أحد ألا في رأسه عرق من الجذام ينفر إذا هاج سلط الله عليه الزكام. أخرجه ابن عدى وقال لا يصح. محمد بن يونس يضع الحديث وأخرجه الحاكم وتقعبه الذهبي بإنه موضوع (¬2). (ب) روى يحيى بن محمد ب ن حسن بسند فيه محمد بن بشر البصرى إلى جرير ابن عبد الله مرفوعا: ما من آدمي إلا وفيه عرق من الجذام فإذا تحرك ذلك العرق سلط الله عليه الزكام يسكنه. أخرجه أبو سعيد النقاش وقال: موضوع بلا شك وضعه يحيى بن محمد أو محمد بن بشر (¬3). (7) العبادة: (أ) روى عباد بن كثير بالسند إلى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فقد الرجل انتظره ثلاثة أيام وإذا كان ثلاثة أيام سال عنه فإن كان مريضا عاده وإن كان غائبا دعا له وإن كان صحيحا زاره ففقد رجلا من الأنصار فسأل عنه يوم الثالث فقيل يا رسول الله مريض كأنه الفرخ فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد ما صلى: انطلقوا إلى أخيكم نعوده فخرج ومعه نفر من المسلمين فيهم أبو بكر وعمر فلما دخلوا عليه قعد النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 215 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬2) انظر ص 215 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬3) انظر ص 215 ج 2 - اللالى المصنوعة

عليه وسلم فسأله فإذا هو مثل الفرخ لا يأكل شيئا إلا يخرج من دبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنك؟ قال يا رسول الله بينا أنت تصلى قرأت في صلاة المغرب القارعة ثم مررت على هذه الآية: " يومَ يكونُ الناسُ كالفَراشِ الْمبثوث * وتكونُ الجبِالُ كالعِهْن المنقوشِ " فقلت إي ربى. فما كان لي من ذنب أنت معذبي عليه في الآخرة فعجل عقوبتي في الدنيا فرجعت إلى أهلي فأصابني ما ترى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئسما صنعت جلبت لنفسك البلاء لو سألت الله العافية في الدنيا والآخرة؟ قال فما أقول؟ قال تقول " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (¬1) ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأ وقام كأنما نشط من عقال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله حثنا آنفا على عيادة المريض فمالنا في ذلك من الأجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المرء المسلم إذا توجه إلى أخيه المريض يعوده خاض في الرحمة إلى حقوية (¬2) ورفع له بكل قدم درجة وكتب بكل قدم حسنة وحط عنه به خطيئة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة وكان المريض في ظل عرش الرحمن، وكان العائد في ظل عرشه، ثم يقول لملائكته كم احتبس عند عبدي المريض (¬3)؟ يقول الملك إذا كان لم يطلى احتبس عنده فواقا (¬4) قال اكتبوا له عبادة ألف سنة ثم يقول للملك كم احتبس؟ فإن كان أطال الحبس يقول بساعة اكتبوا له دهرا والدهر عشرة ألاف سنة إن عاش لم يكتب عليه خطيئة واستأنف العمل وإن مات قبل عشرة آلاف سنة دخل الجنة " أخرجه ابن شاهين وقال موضوع ¬

(¬1) البقرة: 201 (¬2) الحقو: بكسر فسكون الخاصرة (¬3) احتبس أى عائد المريض (¬4) (الفواق) بضم الفاء وفتحها الزمان بين حلبتى الناقة

والمتهم به عباد، وأخرجه أبو يعلى في مسنده. قال الهيثمى: عباد كان رجلا صالحا ولكنه ضعيف الحديق لغفلته. وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: تفرد به عباد بن كثير وهو واه وآثار الوضع لائحة عليه. (¬1) (ب) عن إبراهيم بن عبد الله الكوفى عن عبد الله بن قيس عن حميد الطويل قال: دخلنا على أنس بن مالك نعوده فقلنا حدثنا أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " عيادة مريض أحب إلى الله من عبادة أربعين أو خمسين سنة " اخرجه الأزدى وقال: لا أصل له. وإبراهيم وشيخه كذابان (¬2). (8) كا قيل في الجذام: عن الخليل بن زكريا عن ابن عوف عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بوادي المجذومين فقال: اشرعوا السير فإن كان شئ من الداء يعدى فهو ذها. أخرجه العقيلى وقال: لا يصح تفرد به الخليل وهو المتهم به (¬3). (9) ما قيل في نزول المرض والبرء: عن عبد الله بن الحارث بالسند إلى ابن عمرو مرفوعا: المرض ينزل جملة واحدة والبرء ينزل قليلا قليلا. أخرجه الخطيب وقال أخطأ عبد الله بن الحارث في رواية هذا مرفوعا أو موقوفا وإنما هو قول عروة بن الزبير. قال السيوى: وعبد الله المذكور نسبة ابن خبان وأبو نعيم وغيرهما إلى الوضع (¬4). (وقال) في التذكرة: قال في المقاصد: " المرض ينزل جملة واحدة والبرء ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬2) انظر ص 216 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬3) انظر ص 217 منه (¬4) انظر ص 217 منه

ينزل قليلا قليلا " (باطل) وفيه متهم يكذب (وقال) الخطيب: إنه خطأ قطعا ولا يثبت فيه بوجه من الوجوه ولا عن الصحابة بل قول عروة بن الزبير (¬1) (10) ما قيل في الحجامة والدواء: (أ) عن سيف ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة. أخرجه ابن عدى وقال لا يصح، سيف كذاب (¬2) (ب) وقال في التذكرة: الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان فتجنبوا ذلك. فيه ابن وصل اتهمه الخطيب بالوضع وقد احتجم صلى الله عليه وسلم في نافوخة. لكن احتجم معمر على هامته فذهب عقله (وروى) مرفوعا: الحجامة في الرأس من الجنون والجذام والبرص والنعاس والضرس (¬3). (11) ما قيل في وقت الحجامة: (أ) من عباد بن راشد عن الحسن قال: حدثني سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة يوم السبت يوم الأربعاء وقال من فعل ذلك فإصابه بياض فلا يلومن إلا نفسه ز أخرجه ابن عدى وقال لا يصح قال ابن حبان: الحسن لم يشافه ابن عمر ولا ابن عمرو ولا ابا هريرة ولا سمرة ولا جابرا. وعباد بن راشد يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات (¬2) انظر ص 217 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬3) انظر ص 207 تذكرة الموضوعات (¬4) انظر ص 218 ج 2 - اللالى المصنوعة

(وقال) في التذكرة: قال ابن حبان: موضوع لا يحل ذكر مثله إلا على الاعتبار. قلت له متابعات. قد ذكره أحمد الحجامة فيهما وعن بعضهم أنه أراد الحجامة في أحدهما فتذكر الحديث فامتنع ثم ظهر له ضعفه فاحتجم فأصابه البرص فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فقال: إياك والاستهانة بحديثي فتبت فعافاني الله. (¬1) (ب) روى إسماعيل بن عياش عن سليمان بن أرقم وابن سمعان عن الزهري بالسند إلى أبى هريرة مرفوعا: من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فأصابه برص فلا يلومن إلا نفسه. أخرجه ابن عدى (قال) السيوطى: لا يصح إسماعيل ابن عياش ضعيف وسليمان بن أرقم متروك وابن سمعان كذاب. ولا يحل ذكر مثل هذا الحديث إلا على سبيل الاعتبار لأنه موضوع (¬2). (جـ) روى يحيى بن العلاء الرازى بسنده إلى الحسين بن على مرفوعا: إن في الجمعة لساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات. اخرجه أبو يعلى وقال موضوع قال الهيثمى يحيى بن العلاء كذاب (¬3). (12) وجع العين: روى جابر بن عبد الله مرفوعا: لاهم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين. رواه الطبرانى في الصغير والأوسط والبيهقى. وفيه مرين بن سهل. قال الأسدى كذاب (¬4) وقال البيهقى إنه منكر. وذكره ابن الجوزى في الموضوعات. ¬

(¬1) انظر ص 208 تذكرة الموضوعات (¬2) انظر ص 218 ج 2 - اللالى المصنوعة (¬3) انظر ص 220 ج 2 - اللالى المصنوعة. وص 92 ج 5 مجمع الزوائد (أوقات الحجامة). (¬4) انظر ص 310 ج 2 مجمع الزوائد (وجع العين).

(13) ما قيل في الحرز: (قال) في التذكرة: حرز آبى دجانة واسمه سماك بن حرشة موضوع (¬1). ¬

(¬1) انظر ص 211 تذكرة الموضوعات. وحرز ابى دجانة ما ذكره فى اللالى المصنوعة عن إبراهيم بن موسى الأنصارى عن أبيه قال: شكا ابو دجانة الأنصارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بينا أنا البارحة نائم اذ فتحت عينى فإذا عند راسى شيطان فجعل يعلو ويطول فضربت بيدى إليه فإذا جلده كجلد القنفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومثلك يؤذى يا ابا دجانة؟ عامر دارك عامر سوء ورب الكعبة ادع لى على بن ابى طالب فدعاه فقال: يا ابا الحسن اكتب لأبى دجانة كتابا لا شئ يؤذيه من بعده. فقال وما أكتب؟ قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبى العربى الأمى التهامى البطحى المكى المدنى القرشى الهاشمى صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة والقرآن والقبلة صاحب قول لا اله الا الله - الى مطرق الدار من الزوار والعمار إلا طارقا يطرق بخير (أما بعد) (فإن لنا ولكم فى الحق سعة. فإن يكن عاشقا مولعا أو مؤديا مقتحما أو فاجرا مجتهرا أو مدعيا - محقا أو مبطلا - فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ورسله لديكم يكتبون ما تمكرون. اتركوا حملة القرآن وانطلقوا الى عبدة الأوثان " الى من اتخذ مع الله الها آخر لا اله الا هو رب العرش العظيم يرسل عليكما شواظ - أى لهب لا دخان فيه - من نار ونحاس فلا تنتصران. فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان - أى كالأديم الأحمر - فيومئذ لا يسال عن ذنبه إنس ولا جان " ثم طوى الكتاب وقال ضعه عند رأسك فوضعه فإذا هم ينادون النار النار أحرقتنا بالنار والله ما أردناك ولا طلبنا أذاك ولكن زائر زارنا فطرق فارفع الكتاب عنا. فقال: والذى نفسى محمد بيده لا ارفعه عنكم حتى استأذن رسو الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ارفع عنهم فإن عادوا بالسيئة فعد عليهم بالعذاب .. فوالذى نفسى محمد بيده ما دخلت هذه السماء دارا ولا موضعا ولا منزلا إلا هرب إبليس وذريته وجنوده والغاوون. ذكره ابن عدى وقال موضوع وإسناده مقطوع وأكثر رجاله مجاهيل وليس فى الصحابة من اسمه موسى اصلا 0 انظر ص 186 ج 2 اللآلى) (ومن المنكر) حرز ىخر جمعة من رمضان وهولا آلاء إلا آلآؤك يا الله إنك سميع عليم محيط به علمك كعسهلون " وبالحق أنزلناه وبالحق نزل " قال فى المقاصد: هذه الفاظ =

(14) ما قيل في أتتداوى بفضل الوضوء: روى عن آبى أمامه: الشرب من فضل وضوء المؤمن فيه شفاء من سبعين داء أداناها الهم. في سنده العكاشى كذاب ووضاع (¬1). (15) ما قيل في البلاء وعمل الدواء: قيل: آبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على بدن عبده. فيه الملطى كذاب يضع وروى: من خلط دواء فنفع به الناس أعطاه الله تعالى ما أنفق في الدنيا وأعطاه نعيما في الجنة. فيه يحيى بن البكاء مجمع على ضعفه وعبد الواحد بن زيد متروك (¬2). ¬

= اشتهرت ببلاد اليمن ومكة ومصر والمغرب وجملة بلدان حفيظة رمضان تحفظ من الغرق والسرق والحرق وسائر الافات وتكتب فى آخر جمعة منه والخطيب يخطب على المنبر وبعضهم بعد صلاة العصر وهى بدعة لا اصل لها وإن وقعت فى كلام غير واحد من الأكابر بل أشعر كلام بعضهم بورودها فى حديث ضعيف (وقال) النجم: وممن أنكرها القمولى فى الجواهر وقال إنها من البدع المنكرة وكان ابن حجر ينكرها جدا حتى وهو قائم على المنبر فى اثناء الخطبة حين يرى من يكتبها. وهذه بدعة عافى الله منها غالب الناس. قال ابن حجر فى التحفة: كتابه الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة لما فيها من تفويت سماع الخطبة والوقت الشريف فيما لم يحفظ ممن يقتدى به ومن اللفظ المجهول وهو كعسلون وقد جزم الأئمة بحرمة كتابه وقراءة الكلمات الأعجمية التى لا يعرف معناها (وقول) بعضهم: إنها حية محيطة بالعرش رأسها عند ذنبها لا يعول عليه لأن مثل ذلك لا مدخل للرأى فيه فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن المعصوم على أنها بهذا المعنى لا يلائم ما قبلها فى الحفيظة وهو لا آلاء إلا آلاؤك يا الله كعسهلون بل هذا اللفظ فى غاية الإبهام ومن ثم قيل إنها اسم صنم أدخله ملحد على جهله العوام وكأن بعضهم اراد دفع ذلك الإبهام فزاد بعد الجلالة محيط به علمك كعسهلون أى كإحاطة تلك الحية بالعرش وهو غفلة عما تقرر أن هذا لا يقبل منه إلا مع صح عن المعصوم (انظر ص 348 ج 2 كشف الخفاء رقم 2983) (¬1) انظر ص 209 تذكرة الموضوعات (¬2) انظر ص 209 تذكرة الموضوعات

(16) ما قيل في الملح: روى حماد بن عمرو عن السرى بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا: يا على إذا توضأت فقل باسم الله اللهم إنى أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك فهذا تمام الوضوء. وإذا أكلت فابدأ بالملح واختم بالملح فإن الملح شفاء من سبعين داء: الجنون والجذام والبرص ووجع الأضراس ووجع الخلق ووجع البطن وذكره السيوطى بطوله وقال: أخرجه الحارث بن أبى أمامه وأخرج البيهقى أوله في الدلائل وقال: وهو حديث موضوع. والمتهم فيه جماد بن عمرو وهو كذاب وضاع (¬1). (17) ما قيل في الأرز: بضم فسكون. قال ابن القيم: فيد حديثان موضوعان (أ) أنه لو كان رجلا لكان حليما (ب) كل شئ أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز فإنه شفاء لا داء فيه (¬2). (18) ما قيل في البان: وهو شجر معروف وقال: روى فيه حديث باطل: ادهنوا بالبان فإنه أحظى لكم عند نسائكم (¬3). (19) ما قيل في البيض: وقال. ذكره البيهقى في شعب الإيمان أثرا أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله سبحانه الضعف فأمره بأكل البيض وفى ثبوته نظر (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 200 ج 2 - اللآلى المصنوعة. (¬2) انظر ص 157 ج 3 زاد المعاد (ذكر شئ من الأدوية والأغذية المفردة) (¬3) انظر ص 164 منه. (حرف الدال فى الأغذية والأدوية) (¬4) انظر ص 158 منه (حرف الباء).

(20) ما قيل في الباذنجان: وقال - في الحديث الموضوع - الباذنجان لما أكل له. وهذا كلام يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن الأنبياء (¬1). (21) ما قيل في الخلال: بكسر الخاء - ما يتخلل به وقال. فيه حديثان لا يثبتان. (أ) حديث آبى الأنصاري يرفعه. يا حبذا المتخللون من الطعام إنه ليس شئ اشد على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام. فيه واصل بن السائب قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. (ب) حديث ابن عباس: قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلل بالليط والآس وقال إنهما يسقيان عروق الجذام وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري قال أحمد: كان أعمى يضع الحديث ويكذب (¬2) (22) ما قيل في الدهن: وقال: فيه حديثان موضوعان (أ) فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضل على سائر الناس (ب) فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأيان (¬3). (23) ما قيل في الزبيب: وقال: روى فيه حديثان لا يصحان: (أ) نعم الطعام الزبيب طيب النكهة ويذيب البلغم (ب) نعم الطعام الزبيب يذهب النصب ويشد العصب ويطفئ اللون ويطيب المكهة لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 3 زاد المعاد (حرف الباء). (¬2) انظر ص 163 منه. (حرف الخاء) والليط بكسر فسكون جمع ليطة وهى قشرة القصب (¬3) انظر ص 164 ج 3 زاد المعاد (حرف الدال فى الأغذية والأدوية). (¬4) انظر ص 167 منه (حرف الزاى)

(24) ما قيل في الطين: وقال: ورد فيه أحاديث موضوعة كحديث: من أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه (وحديث) يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يعصم البطن ويصفر اللون ويذهب بهاء الوجه - وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ولا اصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) (25) ما قيل في العنب: وقال: حديث حبيب بن يسار عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا. قال أبو جعفر العقيلى: لا أصل لهذا الحديث. وفيه داود بن عبد الجبار. قال يحيى بن معين: كان يكذب (¬2). (26) ما قيل في العدس: وقال: ورد فيه أحاديث كلها باطلة (أ) إنه قدس على لسان سبعين نبيا. سئل عنه ابن المبارك فقال: ولا على لسان نبي واحد. وإنه لمؤذ منفخ. (ب) إنه يرق القلب ويغزر الدمعة وإنه مأكول الصالحين. ثم قال: وأما ما يظنه الجهال أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه فكذب مفترى. وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشوى وهو العجل الحنيذ (¬3). (27) ما قيل في الكراث: وقال: فيه حديث باطل: من أكل الكراثثم نام عليه نام آمنا من ريح البواسير واعتزله الملك لنتن نكهته حتى يصبح (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 173 ج 3 زاد المعاد (حرف الطاء). (¬2) انظر ص 174 ج 3 زاد المعاد (حرف العين). (¬3) انظر ص 174 ج 3 زاد المعاد (حرف العين) و (الحنيذ) المشوى يقال حنذ الشاة من باب ضرب شواها. (¬4) انظر ص 185 منه (حرف الكاف).

(جـ) الطاعون

(28) ما قيل في اللبان: وقال: ورد فيه مرفوعا: بخروا بيوتكم باللبان والصعتر ولا يصح. ويروى أن رجلا شكا إلى على النسيان فقال: عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان (¬1). (29) ما قبل في النرجس: وقال: فيه حديث لا يصح: عليكم بشم النرجسفإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس (¬2). (جـ) الطاعون هو مرض عام يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان. سمى بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله (وقال) ابن سينا: الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن (¬3). وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الرنبة (وسببه) دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمى يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدى إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والخفقان (وقيل) سببه وخز الجن (ويؤيده) وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفى اصح البلاد هواء وأطيبها ماء، لأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى، وهذا يذهب أحيانا ويجئ أحيانا بلا انتظام ولا تجربة. فربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين؛ لأنه لو كان ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 3 زاد المعاد (حرف اللام). (¬2) انظر ص 194 منه (حرف النون). (¬3) ا (لمغابن) جمع مغبن كمسجد، الاباط والرفاع. وهى جمع رفع كقفل. اصل الفخذ وما حول الفرج وكل موضع يجتمع فيه الوسخ.

من فساد الهواء لعم الإنسان والحيوان والمشاهد أنه يصيب الكثير دون من بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم. فلو كان كذلك لعم جميع البدن وهذا يختص بموضع منه. ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأسقام. وهذا في الغالب يقتل بلا مرض. فدل على أنه من طعن الجن وقد دل على ذلك أحاديث (منها) حديث آبى موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فناء أمتي بالطعن والطاعون. قيل: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم من الجن وفى كل شهادة. أخرجه أحمد من طريق زياد بن علاقة عن رجل عن آبى موسى. وأخرجه البزار والطبرانى من وجهين آخرين سميا فيهما المبهم يزيد بن الحارث. والحديث صحيح. صححه ابن خزيمة والحاكم (¬1) {239} وهو رحمة وشهادة للمؤمن الصابر المقيم بمكانة موقنا بأنه لن يصيبه إلا ما قدر له. ورجز على الكافر (قالت) عائشة: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال: إنه كان عذابا ببعثه الله على من يشاء وإن الله جعله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد. أخرجه أحمد والبخاري، وأبو داود الطيالسى (¬2). {240} ومفهومه يقتضي أن من اتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطاعون، ثم لم يمت منه أنه يحصل له ثواب الشهيد (ويؤيده) حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن اكثر شهداء أمتي لصحاب الفرش ورب قتيل ¬

(¬1) انظر ص 139 ج 10 فتح البارى (ما يذكر فى الطاعون) و (علاقة) بكسر المهملة وفتح اللام مجففة. (¬2) انظر ص 149 ج 10 فتح البارى (أجر الصابر على الطاعون).

بين الصفين الله أعلم بنيته. اخرجه أحمد بسند رجاله موثقون. وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعيف (¬1). {241} هذا ويطلب ممن سمع بالطاعون في جهة ألا ينتقل إليها وإذا وقع بمكان فلا يفر منه أحد من أهله (لحديث) أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها. أخرجه مالك وأحمد والشيخان والترمذى وقال: حسن صحيح (¬2). {242} وظاهر النهى التحريم وبه قال الجمهور (ويؤيده) حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف. أخرجه أحمد وابن خزيمة (¬3). {243} (وقال) قوم: النهى هنا للتنزيه. فيجوز الإقدام على بلد الطاعون والخروج منه لمن قوى إيمانه وصح يقينه. وتمسكوا (أ) بحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: جئت عمر حين قدم من الشام فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في ظل الخباء فسمعته يقول حين تضور: اللهم اغفر لي رجوعي من ¬

(¬1) انظر ص 302 ج 5 مجمع الزوائد (رب قتيل بين صفين الله أعلم بنيته). (¬2) انظر ص 140 ج 10 فتح البارى (ما يذكر فى الطاعون) وص 205 ج 14 نووى (الطاعون) وص 160 ج 2 تحفة الأحوذى (الفرار من الطاعون). (¬3) انظر ص 235 ج 8 - المنهل العذب (الخروج من الطاعون) وأخرجه أحمد والبزار والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات عن جابر بن عبد الله بلفظ: الفار منه كالفار من الرزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد. أنظر ص 315 ج 2 مجمع الزوائد (فى الطاعون والثابت فيه)

سرغ. أخرجه ابن آبى شيبه بسند جيد وإسحاق بن راهوية (¬1). (ب) وبحديث هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام خرج غازيا نحو مصر فكتب إليه أمراء مصر أن الطاعون قد وقع فقال: أنما خرجنا للطعن والطاعون. فدخلها فلقى طعنا في جبهته ثم سلم. اخرجه ابن خزيمة بسند صحيح (¬2). {245} وإنما ندم عمر رضى الله عنه على رجوعه لأنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين وقد كان يمكنه الإقامة بقرب مكان الطاعون إلى أن يرتفع ثم يدخله ويقضى ما جاء لأجله وبرجوعه قد فاتت هذه المهمة فندم لذلك. (وقال) قوم: النهى عن دخول مكان الطاعون والخروج منه لضعيف الإيمان الذي ربما ظن أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار لفراره أما قوى الإيمان فيجوز له الدخول في بلد الطاعون والخروج منه لأنه لا يتسرب إليه ذلك الظن (وقال) الخطابى: النهى عن الدخول في بلد الطاعون تأديب وتعليم. والنهى عن الخروج تفويض وتسليم. (قال) ابن مسعود: الطاعون فتنة على المقيم والفار. أما الفار فيقول فررت فنجوت. وأما المقيم فيقول أقمت فمت. وإنما فر من لم يأت أجله وأقام من حضر أجله (¬3). . (وهذا) إذا كان الخروج فرارا من الطاعون كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 10 فتح البارى (ما يذكر فى الطاعون) (وقائل) من القيلولة. (وتضور) التوى. و (سرغ) بفتح فسكون موضع بالشام (¬2) انظر ص 145 ج 10 فتح البارى: (ما يذكر فى الطاعون). (¬3) انظر ص 207 ج 14 نووى مسلم (الطاعون).

فرارا منه - يعنى الطاعون. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬1). {246} أما إذا كان الخروج لحاجة أخرى فلا يشمله النهى كمن تهيا للرحيل من مكان إلى آخر ولم يكن طاعون ثم وقع وهو مستعد للانتقال. أما من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها مع قصد الفرار من الطاعون ففيه خلاف. فمن منع نظر إلى قصد الفرار. ومن أجاز نظر إلى عروض الحاجة للخروج. (فائدتان): (الأولى) حكمة النهى عن الدخول في مكان الطاعون ما فيه من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة كم أراد دخول دار فرأى بها حريقا تعذر إطفاؤه فعدل عن دخولها لئلا يهلك. فيحتمل أن النهى سد لذريعة لئلا يعتقد من يدخل الرض آلتي بها الطاعون - أنه لو دخلها وطعن - العدوى المنهي عنه (وقيل) إنما نهى عن الانتقال إلى مكان الطاعون لأن الانتقال بغير المزاج ويضعف القوى فإذا ضعفت القوى وتغير المزاج كان تأثير الهواء الموبوء أسرع. وأما النهى عن الخروج فرارا من الطاعون فلحكم (منها) أن مثل هذا الداء إذا وقع بأرض اضعف الأبدان وأثر فيها. وقد ثبت أن الانتقال يضعف الأبدان أيضا فتتفاقم البلية فلذا نهى عن الخروج (ومنها) أن الطاعون في الغالب يكون عاما فيعمم سببه من بالمكان فلا يفيده الفرار. لأن المفسدة إذا تعينت كان الفرار عبثا فلا يليق بالعاقل (ومنها) أن الأقوياء لو توافقوا على الخروج لضاع من عجز عنه بمرض أو غيره لفقد من يتعهده حيا وميتا. وفيه أيضا كسر قلوب الضعفاء (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 143 ج 10 فتح البارى (ما يذكر فى الطاعون) وص 210 ج 14 نووى (الطاعون) وص 234 ج 8 - المنهل العذب (الخروج من الطاعون). (¬2) انظر ص 147 ج 10 فتح البارى (الطاعون).

(الثانية) قد ورد في فضل الطاعون أحاديث آخر (منها) حديث آبى مسيب مولى رسول اله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتانى جبرائيل عليه السلام بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة أرسلت الطاعون إلى الشام. فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافر " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات والطبرانى في الكبير (¬1). {247} (وحديث) آبى قلابة أن الطاعون وقع الشام فقال عمرو بن العاص: إن هذا لرجز قد وقع فتفرقوا عنه في الشعاب والأدوية. فبلغ ذلك معاذا فلم يصدقه بالذي قال. فقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم اللهم أعط معاذا وأهله تصيبهم من رحمتك. قال أبو قلابة: فعرفت الشهادة وعرفت الرحمة ولم أدر ما دعوة نبيكم حتى أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو ذات ليلة يصلى إذ قال في دعائه ك فحمى إذا أو طاعونا. ثلاث مرات. فلما اصبح قال له إنسان من أهله: يا رسول الله، لقد سمعتك تدعو بدعاء. قال: وسمعته؟ قال: نعم. قال: إنى سالت ربى عز وجل ألا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها. فسالت الله ألا يسلط عليهم عدوا يبيدهم فأعطانيها. وسألته ألا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم باس بعض فأبى على. فقلت: حمى إذا أو طاعونا. حمى إذا أو طاعونا، يعنى ثلاث مرات. اخرجه أحمد وأبو قلابة لم يدرك معاذ بن جبل. (¬2) {248} (وحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون. قلت ك يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: ¬

(¬1) انظر ص 310 ج 2 مجمع الزوائد (الطاعون). (¬2) انظر ص 311 ج 2 مجمع الزوائد (الطاعون) والسنة بفتحتين القحط والشدة

(د) ما يطلب للمريض والمحتضر

غده كغدة البعير. المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف. أخرجه أحمد والطبرانى في الأوسط (¬1). {249} (د) ما يطلب للمريض والمحتضر يتعلق بالمريض أربعة فروع (1) يستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتمالهم الصبر على ما يشق من أمره. وكذا من قرب موته بسبب حد أو قصاص ونحوهما. ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك (لحديث) عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهى حبلى من الزنا فقالت: يا رسول الله، أصبت حدا فأقمه على. فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها. ففعل فامر بها النبي صلى الله عليه وسلمفشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت. ثم صلى عليها. أخرجه مسلم والأربعة (¬2). {250} (2) ينبغي ألا يكره المريض على تناول الدواء وغيره من الطعام (لحديث) عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم. اخرجه ابن ماجه والحاكم والطبرانى والبيهقى والترمذى بسند رجاله ثقات وحسنه الترمذى (ورد) بأن في مسنده بكر بن يونس وهو ضعيف (¬3). {251} ¬

(¬1) انظر ص 314 ج 2 مجمع الزوائد (فى الطاعون والثابت فيه والفار منه) (¬2) انظر ص 204 ج 11 نووى (حد الزنا) وص 259 ج 4 عون المعبود (المرأة التى امر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها) وص 325 ج 2 تحفة الأحوذى وص 61 ج 2 - ابن ماجه (الرجم). (¬3) انظر ص 178 ج 2 - ابن ماجه (لا تكرهوا المريض على الطعام) و (يطعمهم ويسقيهم) أى يمدهم بما يقع موقع الطعام والشراب أو يرزقهم صبرا على الم الجوع والعطش فإن الحياة كالقوة حقيقة من الله تعالى لا من الطعام والشراب ولا من جهة الصحة (وقال) القاضى عياض أى يحفظ قواهم ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب فى حفظ الروح وتقويم البدن (ونظيره) ما فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنى لست مثلكم إنى أطعم وأسقى. اخرجه الشيخان وأبو داود (انظر ص 146 ج 4 فتح البارى) (الوصال) وإن كان ما بين الإطعامين والطعامين بونا بعيدا (وقيل) معناه أنه يظهر قلب المريض من ريب الذنب وإذا طهره من عليه باليقين فأشبعه وأراواه فذلك طعامه وسقياه. ألا ترى أنه يمكث اليام الكثيرة لا يذوق شيئا ومعه قوته ولو كان ذلك فى ايام الصحة لضعف وعجز عن مقاساته والصبر على الجوع (قال) الموفق ما أعظم فوائد هذه الحكمة النبوية وأجودها للأطباء وذلك أن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال معدته بمجاهدة مادة المرض أو سقوط شهوته وكيفما كان فلا يجوز حينئذ إعطاؤه الغذاء فى هذه الحال (انظر ص 178 ج 2 سند ابن ماجه)

(3) ينبغي للمريض أن يحرص على تحسين خلقه وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا وأن يستحضر أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وأن يستحل زوجه وأولاده وسائر أهله وخدمة وجيرانه وأصدقاءه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة، وأن يرضيهم. وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت وأن يحافظ على الصلوات واجتناب النجاسة وغيرها من وظائف الدين. وألا يقبل قول من يجد له عن ذلك فإن هذا مما يبتلى به وهذا المخذل هو الصديق الجاهل والعدو الخفى وأن يوصى أهله بالصبر وترك النوح عليه وترك ما جرت به العادة من البدع في الجنائز، وأن يتعهدوه بالدعاء له (¬1). (4) يستحب وعظ المريض بعد عاقيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 118 ج 5 مجموع النووى (فروع خمسة)

من التوبة وغيرها من الخير وينبغي له المحافظة على ذلك. قال الله تعالى " وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً " (¬1) والوفاء بالوعد من صفات المؤمنين المفلحين. قال الله تعالى فيهم " وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ " (¬2) هذا والمحتضر من حضرته الوفاة وقرب موته وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه كان صالحا ذكرا كان أم أنثى شاهد حال احتضاره ملائكة الرحمة ورأى مكانه من الجنة، وإن كان فاجرا تحضره ملائكة العذاب ويرى مكانه من النار (قال) عطاء بن السائب: سمعت عبد الرحمن بن آبى ليلى يقول: حدثني فلا بن فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فأكب القوم يبكون قال " ما يبكيكم؟ فقالوا إنا نكره الموت قال " ليس ذلك ولكنه إذا حضر " فأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحُ وَرْيحاَنُ وَجَنَّةُ نَعيِم " فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب " وَأمْا إنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذَّبِينَ الضَّالَّينَ فَنُزلُ مِنْ حَمِيمِ وتَصْلِيةُ جَحِيمِ " فإذا بشر بذلك يكره لقاء الله والله للقائه أكره " أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيحين (¬3). {252} ¬

(¬1) الاسراء: 34. (¬2) المؤمنون: 8 (¬3) انظر ص 33 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له) وص 320 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن أحب لقاء الله) و (فلان) يريد اسم الصحابى وجهالته لا تضر (وحضر) بضم فكسر أى دنا موته. و (المقربين) هم الذين تحلوا بالأوامر والكمالات وتخلوا عن المحرمات والمكروهات وتركوا بعض المباحات (فروح) بفتح فسكون. أى راحة ورحمة وفرح (وريحان) بفتح فسكون. أى رزق فى الجنة (وجنة نعيم) أى فيها من أنواع النعيم مالا عين رأت وولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والمعنى أن الملائكة تبشرهم بما ذكر عند الموت .. وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق والبعث (الضالين) عن الهدى فهم اصحاب الشمال (فى) له (نزل) أى منزل (من حميم) وهو الماء الذى تناهت حرارته يصهر به ما فى بطونهم والجلود (وتصليه جحيم) معطوف على نزل أى أنه يصلى نارا حامية تغمره من جميع جهاته فوق ماذاقه من الم الحميم والبشرى تكون فى الخير حقيقة وفى الشر تهكما.

والمعنى أن حب الموت وكراهته إنما يكون عند النزع في حالة عدم قبول التوبة فإن كان إنسان يشاهد حينئذ ما هو صائر إليه وما أعد له من نعيم مقيم وعذاب اليم. فأهل السعادة والصلاح يحبون حينئذ الموت ولقاؤ الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويرضى عنهم ربهم فيجزل لهم العطاء ويعمهم بالكرامة. وأهل الشقاء والمعاصي يكرهون الموت حينئذ لما رأوا من سوء المنقلب ويبعدهم الله عن رحمته ومحل كرامته. وليس المعنى أن سبب حب الله لقاء الصالحين حبهم ذلك. ولا أن سبب كراهته تعالى لقاء الطالحين كراهتهم لذلك. بل المراد رضاة تعالى عن الأولين وسخطه على الآخرين. ثم يتعلق بالمحتضر أربعة أمور: (1) يسن توجيهه إلى القبلة مضطجعا على شقه الأيمن (لحديث) أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة سال عن البراء بن معرور فقالوا: توفى وأوصى بثلث ماله لك. وأن يوجه للقبلة لما احتضر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصاب الفطرة وقد رددت ثلث ماله على ولده. ثم ذهب فصلى عليه وقال: اللهم اغفر له وارحمه وأدخله وقد فعلت. أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح (¬1). {253} (وعن) سلمى أم آبى رافع أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها. أخرجه أحمد (¬2) {254} ¬

(¬1) انظر ص 384 ج 3 سنن البيهقى (ما يستحب من توجهه نحو القبلة) (وقد فعلت) بتاء الخطاب لله تعالى إخبارا من النبى صلى الله عليه وسلم أنه استجاب دعاء المبراء ويحتمل أنه مبنى للمفعول أى نفذت وصيته. (¬2) انظر ص 67 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح).

(لهذا) قال الحنفيون ومالك والجمهور: يسن إضجاع المحتضر على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد. وهو الصحيح عند السادي. فإن لم يمكن لضيق المكان ونحوه، أضجع على جنبه الأيسر مستقبل القبلي. فإن لم يمكن فعلى قفاه وجعلت رجلاه إلى القبلة. وعن السادي: أنه يوضع المحتضر على قفاه إلى القبلة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة وعليه عمل الناس والأولى القول الأول. (2) تلقين المحتضر: يسن تذكير من حضرته الوفاة كلمة التوحيد أو الشهادة من غير أمر بأن يقال أمامه: لا اله إلا الله محمد رسول الله لتكون آخر كلامه من الدنيا فينجو من النار (روى) كثير بن مرة عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد (ورد) بان في سنده صالح ابن آبى عريب وفيه مقال (¬1). {255} لكن يقويه حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات ويعلم أن لا اله إلا الله دخل الجنة. اخرجه أحمد ومسلم (¬2). {256} (وحديث) زاذان آبى عمر قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من لقن عند الموت لا اله إلا الله دخل الجنة. اخرجه أحمد بسند جيد (¬3). {257} ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 7 - الفتح الرابنى (ما جاء فى المحتضر) وص 251 ج 8 - المنهل العذب المورود (التلقين وفى رواية أحمد وجبت له الجنة. أى لابد من دخولها إما معجلا معافى. واما مؤخرا بعد عقابه. (¬2) انظر ص 52 ج 1 - الفتح الربانى (ما جاء فى نعيم الموحدين وثوابهم) وص 218 ج 7 نووى. (من مات على التوحيد دخل الجنة). (¬3) انظر ص 58 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى المحتضر).

(وحديث) ابن آبى طلحة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقنوا موتاكم شهادة أن لا اله إلا الله. فمن قالها عند موته وجبت له الجنة قالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته؟ قال: تلك أوجب وأوجب ثم قال: والذي للنبي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفه الميزان ووضعت شهادة أن لا اله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن. أخرجه الطبرانى بسند رجاله ثقات إلا أن ابن آبى طلحة لم يسمع من ابن عباس (¬1) {258} (وحديث) آبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقنوا موتاكم قول لا اله إلا الله. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬2) {259} والمراد من قرب موته (لما) في حديث آبى ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد قال: لا اله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. اخرجه مسلم (¬3) {260} يحتمل أن يكون هذا خاصا بمن كان آخر نطقه وخاتمه لفظه لا اله إلا الله وإن كان قبل ذلك مخلطا فيكون سببا لرحمة الله إياه ونجاته رأسا من النار وتحريمها عليه. بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلصين (¬4) (وهذا) التلقين سنة عند الجمهور (وقال) جماعة بوجوبه لظاهر الأمر. يلفن لا اله إلا الله بلا إكثار ولا موالاة لئلا يضجر لضيق حالة وشدة كربه ¬

(¬1) (انظر ص 323 ج 2 مجمع الزوائد 0 تلقين الميت). (¬2) انظر ص 54 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى المحتضر) وص 252 ج 8 - المنهل العذب المورود (التلقين) وص 219 ج 6 نووى (الجنائز) وص 127 ج 2 تحفة الآحوزى (ما جاء فى تلقين المريض 9 وص 228 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فى تلقين الميت لا اله الا الله) (¬3) انظر ص 94 ج 2 نووى (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة). (¬4) انظر ص 220 ج 1 نووى مسلم (من مات على التوحيد دخل الجنة).

فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بما لا يليق. وإذا قالها مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بكلان آخر فيعاد التلقين ليكون آخر كلامه. وقيل يكرها ثلاثا بلا زيادة (وقال) جماعة: يلقن الشهادتين: لا اله إلا الله محمد رسول الله. لأن المقصود تذكر التوحيد. وذلك يتوقف على الشهادتين وللجمهور أنه موحد ويلزم قول لا اله إلا الله الاعتراف بالشهادة الأخرى. فينبغي الاختصار على لا اله إلا الله، لظاهر الحديث. وأن لا يلح في ذلك ولا يقول له: قل لا اله إلا الله خشية أن يضجر فيقول: لا أقول ولكن يقولها أمامه معرضا له ليفطن فيقولها وينبغي ألا يلقنه من يتهمه لكونه وارثا أو عدوا أو حاسدا أو نحوهم (¬1). (فائدة) هذا التلقين خاص بالمسلم أما الكافر المحتضر فيعرض عليه الإسلام (لحديث) أنس أن غلاما يهوديا كان يضع كي صلى الله عليه وسلم: يا فلان، قل لا اله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه. فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه فقال أبوه: أطع ابا القاسم فقال الغلام: اشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول اله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجه بى من النار. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {261} ¬

(¬1) انظر ص 115 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 57 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى المحتضر) والغلام فى الأصل الولد الصغير ويطلق على الرجل مجازا باعتبار ما كان وهو المراد هنا لقوله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذى أخرجه بى من النار فلو كان صغيرا ما قال ذلك، لأن الصغير رفع عنه القلم ويحتمل أن يراد به الصغير. أو اختاره جماعة منهم الحافظ ابن حجر واستدلوا بالحديث على صحة إسلام الصبى الذى يعقل الإسلام وعلى أنه يعذب إذا عقل الكفر ومات عليه

(وقال) صفوان بن عسال المرادى: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على غلام من اليهود وهو مريض فقال: أتشهد أن لا اله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. ثم قبض فوليه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون فغسلوه ودفنوه أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن (¬1). {262} (3) يستحب حضور الصالحين ومن ترجى بركتهم عند المحتضر والدعاء له بالمغفرة والتخفيف عنه (لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بناته وهى تجود بنفسها فوقع عليها فلم يرفع رأسه حتى قبضت قال فرفع رأسه وقال: الحمد لله المؤمن بخير تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل أخرجه أحمد والنسائي بسند جيد (¬2). {263} (ولحديث) آبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نؤذنه لمن حضر من موتانا فيأتيه قبل أن يموت فيحضره ويستغفر له وينتظر موته. قال: فكان ذلك ربما حبسه الحبس الطويل فشق عليه. قال: فقلنا ارفق برسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يؤذنه بالميت حتى يموت. قال: فكنا إذا مات منا الميت آذناه به فجاء في أهله فاستغفر له وصلى عليه. ثم إن بدا له أن يشهده انتظر شهوده وإن بدا له أن ¬

(¬1) انظر ص 323 ج 2 مجمع الزوائد (تلقين الميت). (¬2) انظر ص 59 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى المحتضر) و (تجود بنفسها أى تخرج روحها والظاهر أنها بنت إحدى بنات النبى صلى الله عليه وسلم ففى رواية النسائى عن ابن عباس قال: لما حضرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة فأخذها فضمها إلى صدره ثم وضع يدع عليها فقضت وهى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث) ومعلوم أن بناته صلى الله عليه وسلم من صلبه توفن وهن متزوجات. و (يحمد الله) أى على خروجه من الدنيا وهى سجن المؤمن لاسيما إذا بشر بما أعده الله له من النعيم ورأى منزلته فى الجنة.

ينصرف انصرف. قال: فكنا على ذلك طبقة أخرى. قال: فقلنا ارفق برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم أن نحمل موتانا إلى بيته ولا نشخصه ولا نعنيه. قال: ففعلنا ذلك فكان الأمر. أخرجه أحمد بسند جيد (¬1) {264} (ولحديث) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيرا. فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت: يا رسول الله، إن ابا سلمة قد مات. فقال: قولي: اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة. قالت: فقلت فأعقبني الله عز وجل من هو خير لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم اخرجه أحمد ومسلم والربعة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح (¬2). {265} (4) قرا يس - يسن قراءة يس عند المحتضر ليخقق عنه بها (لحديث) معقل بن يسار رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على موتاكم. اخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه والأربعة إلا الترمذى بسند حسن (¬3). {266} ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى المحتضر) و (لا نشخصه) أى لا نكلفه الشخوص والحضور إلى أهل الميت فى منزلهم (ولا نعنيه) بشد النون الثانية أى لا ندخل عليه العنت والمشقة. (¬2) انظر ص 64 ج 7 - الفتح الربانى (قراءة يس عند المحتضر) وص 222 ج 6 نووى (ما يقال عند المريض والميت) وص 250 ج 8 - المنهل العذب المورود (ما يستحب أن يقال عند الميت) وص 228 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال عند المريض اذا حضر) وص 127 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى تلقين المريض عند الموت والدعاء له) وص 384 ج 3 بيهقى (ما يستحب من الكلام عنده) (¬3) انظر ص 63 ج 7 - الفتح الربانى (قراءة يس عند المحتضر) وص 257 ج 8 المنهل العذب (القراءة عند الميت) وص 228 ج 1 - ابن ماجه (فيما يقال عند المريض إذا حضر) (والحديث) أعله ابن القطان بالاضطراب وبأن فى سنده أبا عثمان سعد ابن عثمان السكنى عن أبيه وهما مجهولان. وقال الدار قطنى: وهذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن. ولا يصح فى الباب حديث.

أراد بقوله موتاكم من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه. وعبر عن المحتضر بالميت مجازا، لأنه صار في حكم الأموات (ويؤيده) قول صفوان بن عمر الضبى: حدثني المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالى حين اشتد سوقه فقال: هل منكم أحد يقرا يس؟ فقرأها صالح بن شريح السكونى فلما بلغ أربعين منها قبض. قال: فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الميت خفف عنه بها. قال صفوان: وقرأها عيسى بن المعتمر عن ابن معبد. أخرجه أحمد وفى سنده مبهم (¬1). {267} (وحديث) آبى الدرداء وأبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت تقرأ عنده يس إلا هون الله عليه. اخرجه ابن أبى الدنيا والديلمى في مسند الفردوس (¬2). {268} وحكمه قراءتها عند المحتضر أنها مشتملة على أصول العقائد فيتقوى بسماعها التصديق والإيمان وجميع المسائل المعنبرة من كيفية الدعوة وأحوال الأمم وإثبات القدر وأن أفعال العباد مستندة إلى الله تعالى وإثبات التوحيد ونفى التعدد ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 7 الفتح الربانى (قراءة يس عند المحتضر). (المشيخة) بفتح فسكون ففتح جمع شيخ وهو من تقدم فى السن. (والسوق) بفتح فسكون النزع كأن روحه تساق لتخرج من يدنه (فلما بلغ اربعين) أى اربعين آية من السورة وهى قوله تعالى: لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر " الاية. (¬2) انظر ص 258 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشرح 9

وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحساب والجزاء والمرجع. (¬1) (وقال) الشعبي: كانت الأنصار يستحبون أن تقرأ عند الميت سورة البقرة وكانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه (وقال) بعضهم: يحسن جمع أربعين حديثا في الرجاء تقرأ على المريض فيشتد حسن ظنه بالله. فإنه إذا امتزج خوف العبد بالرجاء عند الموت فهو محمود. (روى) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. فقال صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وأمنه مما يخاف. أخرجه ابن ماجه والترمذى بسند جيد (¬2). {269} هذا وجملة ما يطلب للمحتضر: أنه يستحب أن بلى المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه، ليذكره الله تعالى والتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والوصية. وإذا رآه منزولا به تعهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه. ويندى شفتيه بقطنة. ويستقبل به القبلة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه الطبرانى أني عن ابن عمر. (¬3) {270} ¬

(¬1) وقال المناوى: يس مشتملة على أحوال البعث والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمهم وإثبات القدر وأن افعال العباد مستندة إليه تعالى، وإثبات التوحيد ونفى الضد والند، وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور فى العرضات والحساب والجزاء والمرجع والمىل بعد الحساب وغير ذلك. فبقراءتها عنده يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتبه الى امهات اصول الدين ويتذكر ما اشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة (أنظر ص 67 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير). (¬2) انظر ص 293 ج 2 - ابن ماجه (ذكر الموت والاستعداد له) وص 128 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 395 ج 1 كشف الخفاء رقم 1261 (والحديث) أخرجه ابو يعلى والطبرانى فى الأوسط عن ابى عمر بسند فيه حمزة متروك. ورواه ابن عدى والطبرانى فى الكبير عن ابن عباس بلفظ: إن لكل شئ شرفا وأن شرف المجالس ما استقبل به القبلة. وفيه أبو المقدام هشام بن زياد متروك. قال ابن حبان موضوع وتمامه بص 169 ج 1 كشف الخفاء رقم 505

ويلقنه قول لا اله إلا الله (قال) الحسن: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: آي الأعمال افضل؟ قال: أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه سعيد بن منصور (¬1). {271} ويكون ذلك في لطف ومداراه ولا يكرر عليه ولا يضجره إلا أن يتكلم أن فيعيد تلقينه لتكون لا اله إلا الله آخر كلامه (وروى) عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه لا اله إلا الله فأكثر عليه. فقال له عبد الله: إذا قلت مرة فآنا على ذلك ما لم أتكلم (¬2) (وعن) معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة قال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: لكمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أخبؤها ولولا ما حضرنى من الموت ما أخبرتكم بها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان آخر قوله عند الموت لا اله أتخبؤها الله وحده لا شريك له، إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب. فلقنوهم موتاكم. فقيل: يا رسول الله فكيف هي للأحياء؟ قال هي أهدم وأهدم. أخرجه سعيد بن منصور (¬3) {272} (قال) أحمد: ويقرءون عند المحتضر ليخفف عنه يقرءون يس وفاتحة الكتاب (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 304 ج 2 مغنى ابن قدامة (ما يستحب عند المريض والمحتضر). (¬2) انظر ص 128 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 305 ج 2 مغنى ابن قدامة (ما يفعل عند المحتضر وبه) (¬4) انظر ص 305 ج 2 مغنى ابن قدامة (ما يفعل عند المحتضر وبه)

(هـ) الموت

(هـ) الموت الموت لابد منه لكل مخلوق ولا يترك أحد لأحد. قال الله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ " (¬1). وقال تعالى: " أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ " (¬2) ¬

(¬1) آل عمران: 185 (وإنما توفون أجوركم) بالثواب للمؤمن الصالح والعقاب للطالح والكافر (يوم القيامة) والذى يقع فى الدنيا أو فى البرزخ فإنما هو بعض الأجور وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال: لما توفى النبى وجاء التعزية جاءهم آت يسمعون حساولا يرون شخصا فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) إن فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال على رضى الله عنه أتدرون من هذا؟ هذا الحضر عليه السلام أخرجه ابن ابى حاتم. انظر ص 311 ج 2 تفسير ابن كثير (فمن زحزح) أى ابعد ونحى (عن النار) ونجا منها (وأدخل الجنة فقد فاز) أى ظفر بما يريد وبحا مما يخاف وهذا هو الفوز الحقيقى الذى لا فوز يقاس به فإن كل فوز - وإن كان بجميع المطالب - دون الجنة ليس بشئ بالنسبة اليها (وعن) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. اخرجه ابن أبى شيبه وابن حبان والترمذى والحاكم وصححاه عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت الى الناس ما يجب أن يؤتى اليه. أخرجه أحمد (انظر ص 312 ج 2 تفسير ابن كثير 9 (¬2) النساء: 76.

وقال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (¬1) فهو الله الحي الذي لا يموت. والجن والإنس والملائكة وحملة العرش وكل المخلوقات يموتون (قال) ابن عمر: كان بمكة مقعدان لهما ابن شاب فكان إذا أصبح نقلهما فأنى بهما المسجد فكان يكتسب عليهما يومه فإذا كان المساء احتملهما فأقبل بهما فافتقدهما النبي صلى الله عليه وسلم، فسال عنهما فقال: مات ابنهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو ترك أحد ترك ابن المقعدين. أخرجه الطبرانى فآنا الأوسط وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو متروك (¬2). {273} وفيما ذكر تسلية لكل الناس لأنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة آلتي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة فجازى الخلائق بأعمالهم قليلها وكثيرها فلا يظلم أحد مثقال ذرة. ثم الكلام هنا ينحصر فآنا ثلاثة عشر فرعا: (1) ما ورد فآنا الموت: جاء فآنا الموت أحاديث أخر (منها) حديث محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اثنتان يكرههما ابن آدم. يكره الموت والموت خير المؤمنين من الفتنة. وبكره قلة المال وقلة المال اقل للحساب. أخرجه أحمد بسند رجاله الصحيح (¬3). {274} ¬

(¬1) الرحمن: 27، 26 (¬2) انظر ص 320 ج 2 مجمع الزوائد (لا يترك الموت أحدا لأحد) (¬3) انظر ص 321 ج 2 منه (من أحب لقاء الله)

(وحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يلق ابن آدم شيئا قط خلقه الله اشد عليه من الموت لأهون مما بعده. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات. (¬1) {275} (وقالت) عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده فآنا القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعنى على سكرات الموت. أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود وفى سنده موسى بن سرجس ستور. (¬2) {276} وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحفة المؤمن الموت ¬

(¬1) انظر 64 ج 7 - الفتح الربانى. (¬2) انظر ص 65 ج 7 - الفتح الربانى (شدة الموت) وص 254 ج 1 - ابن ماجه (مرض النبى صلى الله عليه وسلم) وص 128 ج 2 تحفة الأحوذى (التشديد عند الموت) (وسكرات الموت) جمع سكرة وهى شدته. والمعنى أعنى على دفعا. وفىرواية للترمذى ك اللهم أعنى على غمرت الموت وسكرات الموت. والظاهر أن المراد بالغمرات الشدة وبالسكرات ما يترتب عليها من الدهشة والحسرة والموجبة للغفلة. ومسح الوجه بالماء لدفع حرارة الموت وكربه.

أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والحاكم والبيهقى بسند رجاله ثقات (¬1). {277} وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض يدبر فجعل يسعى حتى إذا أعيا وابتهر دخل جحره فقالت له الأرض: يا ثعلب ديني فخرج وله حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات. أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والأوسط وفيه معاذ بن محمد الهزلي قال العقيلى لا يتابع على رفع حديثه (¬2). {278} (2) تذكر الموت: يطلب من العاقل الإكثار من تذكر الموت لأنه يزهد لأنه يزهد فآنا الدنيا وأن يستعد له بالتحلي بالأعمال الصالحة آلتي تقربه من ربه والتخلى عن الأعمال السيئة آلتي تبعده عن رحمة ربه حتى إذا فجأة الموت كان فآنا عمل صالح فيجب لقاء الله والله يحب لقاءه ويبعث على ما مات عليه (وقد) ورد فآنا هذا أحاديث (منها) حديث محمد بن عمر بن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا من ذكر هاذ اللذات الموت. أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود بإسانيد صحيحة وابن حبان وزاد: فإنه ما ذكره أحد فآنا ضيق إلا وسعه ولا ذكره فآنا سعة إلا ضيقها عليه. وصححه ابن حبان والحاكم وأعله الدارقطني بالإرسال فإن ابن أبى سلمة لم يسمع من أبى هريرة (¬3). {279} (دل) الحديث على أنه ينبغي للإنسان ألا يغفل عن ذكر أعظم المواعظ ¬

(¬1) انظر ص 220 ح 2 مجمع الزوائد (تحفة المؤمن المون) (¬2) انظر ص 320 منه (فيمن يفر من الموت) و (ابتهر) أى غلب. من بهره الشئ إذا غلبه (والحصاص) بضم الحاء شدة العدو (وهو الجرى) وقيل هو الضراط. (¬3) انظر ص 32 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له 9 وص 258 ج 3 تحفة الأحوذى (ذكر الموت) و (هادم) بالذال المعجمة أى قاطع ومفرق. والمراد بالإرسال إسقاط راو

وهو الموت. وفى رواية للديلمى عن أبى هريرة: أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت. وفى حديث أنس عند ابن أل فآنا مكارم الأخلاق: أكثروا ذكر الموت فإن ذكره تمحيص للذنوب وتزهيد فآنا الدنيا (¬1). (وحديث) البراء بن عازب قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا قال: آي إخواني لمثل اليوم فأعدوا. أخرجه أحمد بسند حسن (¬2). {280} (وحديث) أبى سعيد الخدرى قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا يكتشرون فقال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر عاذم اللذات لشغلكم عما أرى. فأكثروا ذكر عاذم اللذات الموت. فإنه لم يأت على القبر يوم أتخبؤها تكلم فيقول: أنا بيت الغربة. أنا بيت الوحدة. وأنا بيت التراب. وأنا بيت الدود (الحديث) أخرجه البيهقى والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى واه (¬3). {281} ¬

(¬1) انظر ص 125 ج 2 سبل السلام (الجنائز) (¬2) انظر ص 33 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له) و (بصر 9 بضم الصاد وتكسر يقال بصرت بالشئ بصرا 0 بفتحتين) علمت (وبدر) أى مشى. وجثا من بابى علا ورمى أى جلس. وكأن القبر لم يدفن فيه أحد ولذا جلس عليه. أما بعد الدفن فلا يجوز الجلوس على القبر (والثرى) كالحصى التراب الندى. (¬3) انظر ص 305 ج 3 تحفة الأحوذى. و (يكتشرون) اى يضحكون من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك. وتمام الحديث: فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا. إما إن كنت لأحب من يمشى على ظهرى إلى فإذا وليتك اليوم (من تولية مبنى للمجهول أو من الولاية مبنى للمعلوم أى صرت قادرا حاكما عليك) وصرت إلى فسترى صنيعى بك فيتسع له قدر بصره ويفتح له باب إلى الجنة. وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحبا ولا أهلا. أما إن كنت لأبغض من يمشى على ظهرى إلى. فإذا وليتك اليوم وصرت الى فسترى صنيعى بك فيلتئم عليه حتى يلتقى عليه وتختلف اضلاعه. وقال (أى اشار) (رسول الله صلى الله عليه وسلم باصابعه فإدخل بعضها فى جوف بعض. قال: ويقيض له سبعون تنينا 0 بكسر التاء وشد النون أى حية عظيمة) لو أن واحدا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينشه ويخدشه حتى يفضى به الى الحساب قال النبى صلى الله عليه إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

(وحديث) عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. أخرجه الطبرانى فآنا الصغير والحاكم وأبو نعيم فآنا الحلية بسند حسن. {282} (وقال) أبو ذر: دخلت النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فقال: " يا أبا ذر إن للمسجد تحية. قلت: وما تحيته؟ قال: ركعتان تركعهما قلت: يا رسول الله، هل أنزل عليك شئ مما كان فآنا صحف إبراهيم وموسى؟ قال: يا أبا ذر (قد افلح من تزكى) حتى بلغ (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) قلت: يا رسول الله وما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك؟ عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب. عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل " أخرجه أبو الحسن

رزين بن معاوية وابن حبان. (¬1) {283} (وحديث) انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قلنا: يا سول الله، كلنا نكرة الموت. قال: ليس ذاك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر، جاءه البشير من الله عز وجل فأحب الله لقاءه. وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر وما يلقاه من الشر فكره لقاء الله وكره الله لقاءه ". أخرجه أحمد والبراز بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). {284} (وحديث) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات على شئ بعثه الله عليه ". أخرجه أحمد والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم (¬3). {285} (وحديث) حذيفة بن اليمان. قال: أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري. فقال: " من قال لا اله أتخبؤها الله ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة. ومن صام يوما ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة. ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة ". أخرجه أحمد بسند جيد (¬4). {286} ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 1 تيسير الوصول (سورة سبح) (¬2) انظر ص 26 ج 7 - الفتح الربانى (ذكر الموت والاستعداد له 9 وتقدم بأتم منه رقم 252 ص 194. (¬3) انظر ص 42 ج 7 منه (حسن الظن بالله وحسن الخاتمة). (¬4) انظر ص 42 ج 7 منه (حسن الظن بالله وحسن الخاتمة) و (ختم له بها) أى بكلمة التوحيد بأن كانت آخر كلامه. ففى رواية لمسلم وأحمد من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة. اى دخلها مع السابقين بفضل الله وعفوه أو بعد عقابه على ما اقترف.

(3) تمنى الموت: يكره للشخص تمنى الموت والدعاء به لضر دنيوي نزل به كمرض أو فاة أو محنة أو نحوها من مشاق الدنيا (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه. إنه مات أحدكم انقطع عمله. وإنه لا يزيد المؤمن من عمره إلا خيرا " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقى (¬1). {287} (وحديث) أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكى فتمنى الموت. فقال: يا عباس يا عم رسول الله. لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك. وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب خير لك فلا تمن الموت. أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2). {288} (وحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَتَمَنَّيَن أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي. وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". أخرجه السبعة والبيهقى (¬3). {289} ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 7 - الفتح الربانى (كراهة تمنى الموت .... ) و (من قبل أن يأتيه) هو فيدفى حالتى والتمنى والدعاء ومفهومه أنه إذا حل به الموت لا يمنع من تمنيه رضاء بلقاء الله. و (انقطع عمله) فيه إشارة الى ان حكمه النهى عن تمنى الموت والدعاء به هو انقسطاع العمل بالموت والعمل يراد به الثوب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو افضل الأعمال. (¬2) انظر ص 46 ج 7 - الفتح الربانى (مراهة تمنى الموت) و (تستعتب) من الاستعتاب وهو طلب زيادة العتاب أى تطلب رضاء الله تعالى بالتوبة والاستغفار. (¬3) انظر ص 99 ج 10 فتح البارى (تمنى المريض الموت) وص 7 ج 7 نووى (كراهة تمنى الموت) وص 242 ج 8 - المنهل العذب. وص 25 ج 2 تحفة الأحوذى (النهى عن تمنى الموت). (فإن كان لابد) أى إن كان من نزل به الضر لابد من طلبه الموت فليطلبه مفوضا إلى علم الله كأن يقول: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى من الموت بان تكون الطاعة غالبة على المعصية والأوقات خالية من الفتن (وتوفنى) إذا كان الامر على خلاف ما ذكر.

النهى فجأة هذه الأحاديث عن تمنى الموت والدعاء به إنما هو لنزول بلاء أو محنة دنيوية لما فجأة رواية ابن حبان: " لاَ يَتَمَنَّنَيَن أحَدُكَمَ الْمَوْتَ " لضر نزل به فجأة الدنيا. أما إن تمناه لضر أخروي كأن خشي فتنة فجأة الدين فهو جائز. فقد قال معاذ بن جبل: قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأى فيها الله تعالى وفيها أن الله تعالى قال له: سل. فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم أنى أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة فجأة قومي فتوفني غير مفتون. واسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حيك. أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح (¬1). {290} ¬

(¬1) الرؤيا هى ما فى قول معاذ: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة (أى أمر بإقامتها) فصلى وتجوز فى صلاته فلما سلم دعا (أى نادى) بصوته فقال ليا: على مصافكم كما أنتم. ثم انتقل الينا. فقال: أما إنى سأحدثكم ما حبسنى عنكم الغذاة إنى قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قدر لى فنعست (بفتح العين) فى صلاتى فاستثقلت فإذا أنا بربى فى أحسن صورة. فقال يا محمد. قلت لبيك رب. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ (الملائكة) قلت لا أدرى رب. قالها ثلاثا. قال فرايته وضع كفه بين كتفى قد وجدت برد أنامله بين ثديى فتجلى لى كل شئ وعرفت فقال يا محمد قلت رب لبيك. قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: فى الكفارات قال: ما هن؟ قلت مشى القدام الى الجماعات. والجلوس فى المساجد بعد الصلاة. وإسباغ الوضوء فى المكروهات قال ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل (الحديث) انظر ص 174 ج 4 تحفة الأحوذى

(4) علامات الموت: للموت علامات (منها) استرخاء القدمين واعوجاج الأنف وانخساف الصدغين وامتداد جلد الوجه وعرق الجبين (روى) عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ارقبوا الميت عند وفاته فإذا ذرفت عيناه ورشح جبينه وانتشر منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت. وإذا غط غطيط البكر المخنوق وكمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد نزل به. أخرجه الحكيم الترمذى. (¬1) {291} (وعن) عبد الله بن بريدة الأسمى عن أبيه أنه كان بخراسان فعاد أخاه وهو مريض فوجده بالموت وإذا هو يعرق جبينه فقال: الله أكبر. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين. أخرجه احمد والنسائي وابن ماجة والترميذى وحسنه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2). {292} (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن يموت بعرق الجبين. أخرجه الطبرانى فجأة الأوسط وفجأة الكبير نحوه فجأة حديث طويل رجاله ثقات ورجال الصحيح (¬3). {293} (وهذا) يدل على أن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت (وقيل) ¬

(¬1) (الغط) ترديد الصوت حيث لا يجد مساغا (وأزبد الشدق) خرج منه ما يشبه الزبد. والشد بفتح الشين وجمعه شدوق وبكسرها وجمعه أشداق. (¬2) انظر ص 59 ج 7 - الفتعح الربانى (ما جاء فى المحتضر) وص 259 ج 1 مجتبى (علامة موت المؤمن) وص 329 ج 1 - ابن ماجه (المؤمن يؤجر فى النزع) وص 128 ج 3 تحفة الأحوذى (¬3) انظر ص 325 ج 2 مجمع الزوائد (موت المؤمن وغيره) وزيادة الكبير: يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازى بها عند الموت أو يشدد عليه ليتمحص عنه ذنوبه.

انه يكون من الحياء لان المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء من الله تعالى فيعرق بذلك جبينه. فالعرق إنما يكون لمن حلت به الرحمة فانه ليس من ولى ولا صديق ولا بر أتخبؤها وهو يستحي من ربه مع البشرى والإكرام (وقيل) أن عرق الجبين علامة لموت المؤمن وأن لم يعقل معناه (¬1). (5) الموت فجأة أحد الحرمين: من مات فجأة الحرام المكي أو المدني أو بيت المقدس نال فضلا عظيما ورضا وقبولا (روى) سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين. أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفى سنده عبد الغفور بن سعيد وهو متروك (¬2). {294} (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فجأة الصغير والأوسط بسند حسن وفيه موسى بن عبد الرحمن المسروقى ذكره ابن حبان فجأة الثقات. وفيه عبد الله بن المؤمل وثقة ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره (¬3). {295} (وعن) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات فجأة بيت المقدس فكأنما مات فجأة السماء. أخرجه البزار وفيه سويف بن عطية البصري وهو ضعيف (¬4). {296} ¬

(¬1) انظر ص 259 ج 1 زهر الربى للسيوطى. (¬2) انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات فى أحد الحرمين) (¬3) انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات فى أحد الحرمين) (¬4) انظر ص 319 ج 2 منه (من مات فى بيت المقدس).

(قال) النووي: يستحب طلب الموت فجأة بلد شريف (لحديث) حفصة رضى الله عنها أن عمر رضى الله عنه قال: اللهم ارزقني شهادة فجأة سبيلك واجعل موتى فجأة بلد رسولك صلى الله عليه وسلم. فقلت: أنى يكون هذا؟ فقال يأتيني به الله إذا شاء. أخرجه البخاري (¬1). {297} (6) موت الضربة: من أسباب الشهادة الأخروية موت الشخص غريبا فجأة غير موطنه فقد تجرع مرارة فراق الأحبة والخلان والأهل والأوطان، ولا يجد له متعهدا فجأة مرضه غالبا ن لا يحضره إذا احتضر أحد ممن يلوذ به. فإذا صبر على ذلك محتسبا كان له الجزاء الأوفى (قال) عبد الله بن عمرو: توفى رجل بالمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: يا ليته مات فجأة غير مولده، فقال رجل: لم يا رسول الله؟ فقال: إن الرجل إذا توفى فجأة غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره فجأة الجنة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه ابن لهيعة متكلم فيه. أخرجه النسائي بسند جيد وصححه السيوطى (¬2). {298} (قوله ليته مات فجأة غير مولده) يعنى ليته كان غريبا مهاجرا إلى المدينة ومات بها. وليس المراد ليته مات بغير المدينة لئلا يخالف ما تقدم فجأة فضل الموت بالمدينة (¬3). (7) موت الفجأة: الفجأة - بفتح فسكون - آي الموت بغتة بلا سبق ¬

(¬1) انظر ص 118 ج 5 - مجموع النووى. (¬2) انظر ص 53 ج 7 - الفتح الربانى (فضل من مات غريبا) وص 252 ج 1 ابن ماجه (والأثر) بفتحتين الأجل (ومنقطعه) انتهاؤه. والمعنى أنه يفتح له فى الجنة بقدر المسافة التى بين وطنه وبين موضع موته زيادة عما كان يستحقه لو مات بوطنه. (¬3) انظر الأحاديث رقم 294 رقم 295 ص 214 ورقم 297.

مرض. وهو مذموم لأن من مات فجأة لا يمكنه الاستعداد للتوبة والعمل الصالح والوصية وغيرها ويحرم من ثواب المرض الذي يكفر الذنوب. ولذا استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال) أبو إمامة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من موت الفجاة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك (¬1). {299} ومع هذا فهو راحة للمؤمن الصالح من عناء الدنيا لأنه مستعد للموت بالأعمال الصالحة متذكر ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر نبي اللذات الموت (¬2)، فهو يتذكر الموت دائما ويعمل له. فإذا أتاه فجأة لا يضره بل يستريح به من نصب الدنيا. (أما الفاجر) فموته فجأة من علامة غضب الله عليه لأنه لم يتركه حتى يتدارك ما فاته من التفريط ويستعد للموت بالتوبة ولم يمرض لتكفر ذنوبه (قالت) عائشة: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فجأة الوسط. وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو متروك (¬3). {300} (ويقويه) حديث عبيد بن خالد السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موت الفجأة أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن. أخرجه البيهقى هي داود بسند رجاله ثقات (¬4). {301} ¬

(¬1) انظر ص 318 ج 2 مجمع الزوائد (موت الفجأة والمرض قبل الموت 9 (¬2) انظر رقم 279 ص 207 (¬3) انظر ص 70 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى موت الفجأة) وص 318 ج 2 مجمع الزوائد (واسف) بفتحتين أى غضب ويروى بفتح فكسر اسم فاعل. أى غضبان. (¬4) انظر ص 378 ج 3 - البيهقى. وص 242 ج 8 - المنهل العذب المورود (موت الفجأة).

(فائدة) قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من موتات أخر غير موتة الفجأة (روى) عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات: موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر على شئ، أو يخر عليه شئ، ومن القتل عند فرار الزحف أخرجه أحمد والبراز والطبرانى فجأة الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام (¬1). {302} (8) الموت يوم الجمعة: من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر وكتب له أجر شهيد (روى) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر. أخرجه أبو يعلى. وفيه يزيد الرقاشى وفيه كلام (¬2). {303} وعن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفى فتنة القبر وكتب شهيدا. أخرجه عبد الرازق (¬3). {304} (9) موت النبي صلى الله عليه وسلم: توفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثالث عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية (¬4) " 8 يونيو ¬

(¬1) انظر ص 318 ج 2 مجمه الزوائد (ما يستعاذ منه من موتات). (¬2) انظر ص 319 ج 2 مجمع الزوائد (من مات يوم الجمعة). (¬3) انظر ص 280 ج 2 كشف الخفاء رقم 2625. (¬4) قال السهيلى: اتفقوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين وأنه توفى فى ربيع الأول. غير أن أكثرهم قال فى الثانى عشر منه. ولا يصح أن يكون توفى صلى الله عليه وسلم إلا فى الثانى من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لاجماع المسلمين أن وقفة عرفة فى حجة الوداع كانت يوم الجمعة. وهو التاسع من ذى الحجة فأول ذى الحجة. يوم الخميس. فكان المحرم إما الجمعة وإما السبب. فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الاحد. فإن كان السبت فقد كان ربيع الاحد أو الاثنين. وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثانى عشر من ربيع يوم الاثنين بوجه. وذكر الطبرى عن ابن الكلبى وأبى مختف أنه صلى الله عليه وسلم توفى فى الثانى من ربيع الأول. وهذا القول وإن كان خلاف قول الجمهور فإنه لا يبعد إن كانت الثلاثة الأشهر قبله كلها تسعة وعشرين فتدبره فإنه صحيح (وقال) الخوارزمى: إنه صلى الله عليه وسلم توفى أول يوم من ربيع الأول وهذا اقرب فى القياس مما قاله ابن الكلبى. انظر ص 372 ج 2 - الروض الآنف.

سنة 632 ميلادية " وعمره ثلاث وستون سنة. ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دهش أصحابه دهشة عظيمة وطاشت عقولهم واختلط أمرهم. وممن اختلط عمر رضى الله عنه فجعل يصيح ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وتهدد من قاله. واقعد على رضى الله عنه فلم يستطع حراكا. وأخرس عثمان رضى الله عنه. واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمذا. واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول المصيبة وحق لهم ذلك. وكأن أثبتهم العباس وأبو بكر. فقد بلغ الخبر أبا بكر وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع (¬1) وهو في ذلك رضى الله عنه ثابت القلب حسن القول. ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف وجهه وقبل جبينه وجعل يبكى ويقول: يأبى أنت وأمي طبت حبا وميتا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء. ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس. ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء العيون. فأما مالا نستطيع نفيه فكمد ¬

(¬1) (اضنى) أى اصابه الضنا وهى مرض يتولد من وجع القلب. و (الكمد) بفتحتين الحزن المكتوم. و (السنح) (بضم فسكون أو فضم. موضع قرب المدينة كان به مسكن الصديق. و 0 هملت عينه تهمل) من باب نصر فاضت بالدموع. و (الزفرات) (جمع زفرة 0 بسكون الفاء) وهى النفس بفتحتين يقال: زفر يرفر من باب ضرب زفرا وزفيرا إذا خرج نفسه ممدودا " والغصص " جمع غصه وهىهنا ما يعرض للباكى فى حلقة من الحزن والغيظ.

وإدناف (¬1) يتحالفان ولا يبرحان. اذكرنا يا محمد عند ربك. ولنكن لك على بال. اللهم ابلغ نبيك عنا. ثم خرج وخطب الناس قال فيها: اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له. واشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، واشهد أن الكتاب كما نزل. وأن الدين كما شرع. وأن الحديث كما حدث. وأن القول كما قال. وأن الله هو الحق المبين. ثم قال: آيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت. وإن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا. وإن الله تعالى قد اختار لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ " (¬2)، ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم. وعاجلوا الشيطان بالخزى تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم، فلما فرغ من خطبته قال: يا عمر، أأنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب نبي الله صلى الله عليه وسلم: والذي للنبي بيده ما مات نبي الله؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا وكذا وقال الله تعالى: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ " (¬3) فقال عمر: والله لكأنى لم اسمع بها في كتاب الله قبل الآن لما نزل بنا أشهد أن الكتاب كما نزل. وأن الحديث كما حدث. وأن الله تعالى حي لا يموت إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله تحتسب رسوله وقال: لعمري لقد ايقنت أنك ميت ... ولكنما أبدى الذي قلته الجزع وقلت بغيب الوحي عنا لفقده ... كما غاب موسى ثم يرجع كما رجع ¬

(¬1) أدنفه المرض أثقله. (¬2) النساء: 135 (¬3) الزمر: 30

وكان هواي أن تطول حياته وليس لحى في بقا ميت طمع (¬1) (وقد) ورد في هذا أحاديث (منها) حديث ابن أبى مليكة عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند أمرأته ابنة خارجة بالعوالى فجعلوا يقولون لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال: أنت أكرم على الله أن يميتك مرتين. قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول: والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير أرجلهم، فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال: من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ" (¬2) قال عمر: فكأني لم أقرأها إلا يومئذ. أخرجه ابن ماجه (¬3). {305} وأخرجه البخاري عن عائشة وابن عباس بلفظ أتم من هذا تقدم في خطبة الصديق يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم (¬4). (قال) ابن عمر رضى الله عنهما: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر في ناحية بالمدينة فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فوضع فاه على جبين النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ¬

(¬1) انظر تمامه بص 377 ج 2 الروض الآنف. (¬2) ىل عمران: 144 (وأن يميتك مرتين) قاله لما زعم عمر وغيره أنه يرجع الى الدنيا فإنه لو رجع لمات ثانيا وهو أعلى قدرا من أن يموت مرتين. (¬3) انظر ص 255 ج 1 - ابن ماجه (وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم). (¬4) انظر ص 260 ج 4 - الدين الخالص.

يقبله ويقول: يأبى وأمى طبت حيا وميتا. فلما خرج مر بعمر وهو يقول والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقتل المنافقين. وقد كانوا استبشروا بموت النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا رءوسهم فمر به أبو بكر فقال: آيها الرجل أربع على نفسك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ " (¬1) " وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" (¬2) وأتى المنبر فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: آيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات. وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم الذي تعبدون حي لا يموت، ثم تلا " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الآية، ثم نزل. وقد استبشر المؤمنون بذلك واشتد فرحهم وأخذ المنافقين الكآبة. قال ابن عمر: والذي للنبي بيده لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت. أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح عدا على بن المنذر وهو ثقة. (¬3) {306} (10) رثاء النبي صلى الله عليه وسلم: قد قيل فيه الكثير (روى) عروة عن صفية بنت عبد المطلب قالت ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهف للنبي وبت كالمسلوب ... أرقب الليل فعلة المحروب (¬4) من هموم وحسرة أرقتني ... ليت أنى سقيتها بشعوب (¬5) ¬

(¬1) الزمر: 30 (¬2) الانبياء: 34 (¬3) انظر ص 37 ج 9 مجمع الزوائد (فى وداعه صلى الله عليه وسلم). (¬4) (المحروب) من أخذ ماله يقال حرب حربا من باب تعب: إذا أخذ جميع ماله فهو حريب. وحرب بالبناء للمفعول كذلك فهو محروب. (¬5) (شعوب) كرسول اسم للمنية.

حين قالوا أن الرسول قد أمسي ... وافقته منية المكتوب حين جئنا أل بيت محمد ... فاشاب القذال منى مشيب (¬1) حين رينا بيوته موحشات ... ليس فيهن بعد عيش غريب فعراني لذاك حزن طويل ... خالط القلب فهو كالمرعوب وقالت أيضا: ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا لأنفذنا ما أبكي الحروب لموته ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا (¬2) كأن على قلبي لفقد محمد ... ومن حبه من بعد ذاك المكاويا (¬3) أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدت أمسى بيثرب ثاويا (¬4) أري حسنا أيتمته وتركته ... يبكى ويدعو جده اليوم نائيا فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمى وآبائي ونفسي وماليا صبري وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب الدين ابلج صافيا (¬5) فلو أن رب العرش أبقاك بيننا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا ¬

(¬1) (القذال) بفتح القاف جماع مؤخر الراس. (¬2) (الهرج) بفتح فسكون الفتن والاختلاط وفسره النبى صلى الله عليه وسلم فى اشراط الساعة بالقتل (¬3) (المكاويل) جمع مكواة وهى خديدة يحرق بها الجلد. (¬4) (افاطم) بالترخيم مفتوح الميم أو مضمومها (والجدث) بفتحتين القبر و (ثاويا) أى ماكثا. (¬5) (صليب الدين) أى قويمة وفى رواية صليب العود بضم العين يكنى بها الجسم (وابلج) أى مشرق.

عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا (¬1) (أخرجه الطبرانى بسند حسن) (¬2) ... وقال غنيم بن قيس: إنى لأذكر قالة أبي على الحروب صلى الله عليه وسلم يوم مات: ألا لي الويل على محمد ... قد كنت فكأني حياتي بمرصد أنام ليلى آمنا إلى الغد أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير بشر بن آدم وهو ثقة (¬3) (وقالت) فاطمة بنت الحروب صلى الله عليه وسلم ترثى أباها وقد اجتمع إليها النساء بعد دفنه: اغبر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران (¬4) والأرض من بعد الحروب كئيبة ... أسفا عليه كثيرة الرجفان (¬5) فلتبكه شرف البلاد وغربها ... ولتبكه مضر وكل يماني (¬6) وليبكه الطود المعظم جوه ... والبيت ذو الأستار والأركان ¬

(¬1) السلام 9 بالجر صفة للفظ الجلالة (وتحية) بالرفع مبتدأ خبره عليك. ويجوز رفع السلام على أنه مبتدأ، ونصب تحية على الحال. ورفعها على أنها بدل من السلام. (¬2) انظر ص 38 ج 9 مجمع الزوائد. وفيه اصلاح من بهجة المحافل ص 120 ج 2 (¬3) انظر ص 39 ج 9 مجمع الزوائد (فى وداعه صلى الله عليه وسلم). (¬4) (آفاق) جمع افق وهى الناحية. و (كورت) اظلمت وذهب ضوءها و (العصران) تثنية عصر وهو ما بين الظهر والمغرب. وثنى لضرورة الشعر. (¬5) (مضر) مصروف لضرورة الشعر والمراد بها القبيلة. (¬6) (الطود) الجبل والمراد به جبل ابى قبيس أو حراء أو ثور. و (المعظم جوه) أى المرتفع فى الجو. والجو اسم لما بين السماء والارض

يا خاتم الرسل المبارك وصفه ... صلى عليك منزل الفرقان (¬1) (وقال) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه: أرقت فبات ليلى لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها ... يكاد بنا جوانبها تميل فقدنا إلهكم والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل (¬2) لعمري كان يجلو الشك عنا ... بما يوحي إليه وما يقول وبهدينا فما يخشى ضلال ... علينا والرسول لنا دليل افاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول (¬3) (وقال) حسان بن ثابت شاعر الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه: ما بال عينك لا تنام كأنها ... كحلت أما فيها بكحل الأرمد (¬4) جزعا على المهدى اصبح ثاويا ... يا خبر من وطئ الحصى لا تبعد ¬

(¬1) انظر ص 120 ج 2 بهجة المحافل. (بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم) (¬2) (كربت) بفتح فكسر أى قربت. (¬3) انظر ص 121 ج 2 بهجة المحافل (بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم). (¬4) (الأماقى) الجفون.

(11) ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم

وجهي يقيك الترب لهفى ليتني ... غيبت قبلك فكأني بقيع الغرقد (¬1) بأبي وأمى من شهدت وفاته ... فكأني يوم الاثنين الحروب المهتدى (¬2) فظلت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتني لم أولد (¬3) أاقيم بعدك بالمدينة بينهم ... يا ليتني صبحت سم الأسود (¬4) يارب فاجمعنا معا ونبينا ... فكأني جنة تثنى عيون الحسد (¬5) فكأني جنة الفردوس فاكتبها لنا ... ياذا الجلال وذا العلا والسودد صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد (¬6) (11) ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مات الحروب صلى الله عليه وسلم ولم يترك درهما ولا دينارا، بل ترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من الشعير. وقد ورد فكأني ذلك أحاديث (منها) حديث عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمه إلا بغلته البيضاء آلتي كان يركبها وسلاحه ¬

(¬1) (لهفى) كلمة يتحسر بها. أى يا لهفى عليك. (والبقيع) مقبرة المدينة. و (الغرقد) العوسج العظيم وهو نبت يكثر فى هذا المكان فلذا اضيف اليه. (¬2) (النبى) [>لأ /، (من) المنصوب بأفدى المقدرة. (¬3) (متبلدا) أى متحيرا ومتلهفا. و (متلددا) أى الوى لديدى عنقى. وهما صفحتاه كهيئة الفاقد لإلفه. وتلدد تلفت يمينا وشمالا وتحير وتلبث. (¬4) (صبحت) أى أتيت صباحا. و (وسم الأسود) نوع من الحيات فيه سواد وهو أخبثها. (¬5) (تثنى عيون الحسد) اى ترجعها لعدم استطاعه النظر إليها لما يترتب عليه من الحزن كما هو شأن الحسود يحزنه سرور المحسود. (¬6) انظر ص 122 ج 2 بهجة المحافل.

وارضا جعلها لابن السبيل صدقة. اخرجه البخاري والنسائي والترمذى فكأني الشمائل (¬1). {307} (وحديث) عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاه ولا بعيرا ولا أوصى أن. أخرجه مسلم هواي داود والنسائي (¬2) {308} (وحديث) إبراهيم النخعى عن الأسود بن زيد عن عائشة رضى الله عنها قالت: توفى الحروب صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين - يعنى صاعا من شعير. أخرجه البخاري (¬3) {309} (وحديث) عائشة قالت: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 8 فتح البارى (مرص النبى صلى الله عليه وسلم) وص 253 شمائل (ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحصر فى هذه الثلاثة إضافى وإلا فقد ترك النبى صلى الله عليه وسلم ثيابه وأمتعة بيته ولم تذكر لكونها يسيرة بالنسبة لما ذكر (قال) ابن سيد الناس: وترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وإزارا عمانيا وثوبين وقميصا صحاريا وآخر سحوليا وجبة يمانية وخميصة وكساء ابيض وثلاث قلانس أو اربعا وملحفة مورسة (وارضا) هى نصف ارض فدك وثلث ارض وادى القرى وسهمه من خمس خيبر وحصته من ارض بنى النضير. و (جعلها صدقة) أى جعل هذه الرض صدقة فى حياته على اهله وخدمة وفقراء المسلمين. (¬2) انظر ص 89 ج 11 نووى (ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصى فيه) وص 71 ج 3 عون المعبود (فيما يؤمر به من الوصية) (ولا اوصى بشئ) تعنى وصية المال لأن الإنسان إنما يوصى فيما يكون موروثا والنبى صلى الله عليه وسلم لم يتركك ما يورث عنه. وإلا فقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بامور تقدم بعضها فى بحث ىخر وصاياه. (¬3) انظر ص 128 ج 6 فتح البارى (نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته) نظر ص 128 ج 6 فتح البارى (نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته) (و 0 شطر) الشئ نصفه. وفى الترمذى إلا شئ من شعير. قيل كان نصف وسق. وقيل نصف مكوك وهو أحد عشر رطلا وربع رطل. و (فنى) الحكمة فى ذلك سنر السر النبوى وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده سوى القرآن.

شئ يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فكأني رف لي فأكلت منه حتى طال على فكلته ففنى. أخرجه الشيخان (¬1). {310} (وحديث) ابن شهاب قال: أخبرني عروة أن عائشة قالت: كانت فاطمة تسال أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة (¬2)، فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 6 فتح البارى (نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته) (و 0 شطر) الشئ نصفه. وفى الترمذى إلا شئ من شعير. قيل كان نصف وسق. وقيل نصف مكوك وهو أحد عشر رطلا وربع رطل. و (فنى) الحكمة فى ذلك سنر السر النبوى وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده سوى القرآن. (¬2) أما جبير (فقد) قال سهل بن ابى حثمة: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين: نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما أخرجه ابو داود بسند صحيح. انظر ص 119 ج 3 عون المعبود (حكم أرض خيبر) وأما فدك - بفتحات وهى بلد بين المدينة وخيبر على ثلاث مراحل من المدينة - فإن أهلها لما بلغهم فتح خيبر طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم الأمان على ان يتركوا البلد ويرحلوا فاجابهم. فكانت فدك فيئا لخ خاصة لأنها فتحت بلا ايجاف خيل (روى) ابن اسحاق عن الزهرى وغيره قالوا: بقيت بقية من أهل خيبر فتحصنوا فسالوا النبى صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. اخرجه ابو داود مرسلا. انظر ص 121 ج 3 عون المعبود (وأما) صدقته بالمدينة فقد روى معمر عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. أن كفار قريش كتبوا الى ابن ابى ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه سلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر - إنكم آويتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لتقاتله أو لتخرجنه أو لنسيرن اليكم بإجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم وتسبيح نساءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن ابى ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم لقيهم فقال: لقد بلغ وعيد قريش =

رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به. إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى على وعباس. وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كانتا لحقوقه آلتي تعزوه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الأمر قال: فهما على ذلك إلى اليوم. ¬

= منكم المبالغ ما كانت تكيدكم باكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا ابناءكم وإخوانكم فلما سمعوا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم تفرقوا .. فبلغ ذلك كفار قريش فكتبت كفار قريش بعد واقعة بدر الى اليهود إنكم أهل الحلقة (بفتح فسكون أى السلاح والدرع) والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم (بفتحتين) نسائكم شئ وهى الخلاخيل فلما بلغ كتابهم النبى صلى الله عليه وسلم واجمعت بنو النضير بالغدر فغرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج الينا فى ثلاثين رجلا من اصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا (أى عالما) حتى نلتقى بمكان المنصف (بفتح فسكون ففتح الموضع الوسط) فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم (أى أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بخبرهم) فلما كان الغدا غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب (أى الجيوش المجتمعة) فحصرهم فقال لهم إنكم والله لا تأمنون عندى إلا بعهد تعاهدونى عليه فابوا ان يعطوه عهدا فقاتلهم يومهم ذلك ثم غدا الغد على بنى قريظة بالكتائب - وترك بنى النضير - ودعاهم إلى ان يعاهدوه فعاهدوه فانصرف عنهم وغدا على بنى النضير بالكتائب فقاتهلم حتى نزلوا على الجلاء (اى الخروج من المدينة) فجلت بنو النضير واحتملوا ما أفلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاه الله اياها وخصه بها فقال تعالى: (وما افاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب). ويقول بغير قتال فأعطى النبى صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار كانادوى حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما وبقى منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى فى ايدى بنى فاطمة رضى الله عنها. اخرجه ابو داود. انر ص 116 ج 3 عون المعبود (خبر بنى النضير)

أخرجه الشيخان هواي داود والنسائي (¬1) {311} (وحديث) عائشة رضى الله عنها أن أزواج الحروب صلى الله عليه وسلم حين توفى صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر فكأني ميراثهن فقالت عائشة: أليس قد قال الحروب صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ أخرجه مالك والشيخان هواي داود (¬2). {312} (وحديث) أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى أبى بكر رضى الله عنه فقالت: من يرثك؟ فقال: أهلي ولدى. فقالت: مالي لا ارث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت الحروب صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث. ولكنى أعول من كان الحروب صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 123 ج 6 فتح البارى (فرض الخمس) وص 80 ج 12 نووى (حكم الفئ) وص 104 ج 3 عون المعبود (صفايا النبى صلى الله عليه وسلم من الاموال) و (إلا عملت به) وفى رواية البخارى فى المناقي: وانى والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التى كانت عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبهذا) تمسك الشافعى ومن قال: إن سهم النبى صلى الله عليه وسلم يصرفه له. وما بقى منه يصرف فى المصالح (وقال) مالك والثور: يجتهد فيه الإمام (وقال) احمد: يصرف فى الخيل والسلاح (وقال) أبو حنيفة: يرد مع سهم ذوى القربى الى البتامى والمساكين وابن السبيل. انظر ص 123 ج 6 فتح البارى (فأمسكهما عمر) أى لم يدقعهما لغيره مبينا سبب ذلك و (قال) أى الزهرى. (¬2) انظر ص 5 ج 12 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة) وص 76 ج 12 نووى (حكم الفئ) وص 105 ج 3 عون المعبود (صفايا النبى صلى الله عليه وسلم) و (لا نورث) أى جماعة الأنبياء ففى رواية تأنى رقم 314: إنا معاشر الأنبياء لا نورث

عليه وسلم يتفق عليه. أخرجه الترميذى فكأني الشمائل (¬1). هذا، والحكمة فكأني أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون أنهم خزان الله، والخازن لا يملك إلا قوته، وغيرهم مرتزقون. فمن أعطى رزقا ملكه. فإذا مات الخازن لم ترثه ورثته لعدم قيامهم مقامة إلا يكون من خلفه لعمري فهو أمين الله بعد والده (وقيل) الحكمة فكأني ذلك أنه لا يؤمن أن يكون فكأني الورثة من يتمنى موت الحروب فيهلك. ولئلا يظن بالآنبياء الرغبة فكأني الدنيا لورثتهم فيهلك الظان (¬2) (وقيل) لأن الحروب صلى الله عليه وسلم كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع. وهذا معنى الصدقة العامة. ووجهه أن الله تعالى بعث الأنبياء مبلغين رسالته وأمرهم ألا يأخذوا على ذلك أجرا قال تعالى: " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " (¬3). وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك. فكانت الحكمة فكأني ألا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لورثتهم وقوله تعالى: " وَوَرِثَ سُلَيْماَنُ دَاوُدَ " محمول على العلم والحكمة. وكذا قول زكريا: " فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّا يرثني " (¬4) وبهذا قال الأئمة الربعة والجمهور، ويؤيده ما روى سفيان بن عينه عن أبي الزناد أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة. أخرجه النسائي وأخرجه الدارقطني فكأني العلل من رواية أم هانئ عن فاطمة الزهراء عن أبى بكر الصديق بلفظ: إن الأنبياء لا يورثون. (¬5) [314] ¬

(¬1) انظر ص 254 المواهب اللدنية (ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم) (¬2) انظر ص 72 ج 12 نووى (حكم الفئ). (¬3) الشورى: 23. (¬4) انظر ص 6 ج 12 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا نور ما تركنا صدقة). (¬5) انظر ص 6 ج 12 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا نور ما تركنا صدقة).

(12) عرض عمل الحي على الميت

(12) عرض عمل الحي على الميت قد ورد هذا أحاديث (منها) حديث أنس: أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. أخرجه أحمد والحكيم الترمذى وفى سنده رجل لم يسم (¬1). {315} (وعن) أبي أيوب الأنصاري أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال: إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقى البشير فكأني الدنيا، فيقولون: أنظروا صاحبكم حتى يستريح فإنه قد كان فكأني كرب شديد ثم يسألونه ماذا فعل فلان؟ وماذا فعلت فلانه؟ وهل تزوجت فلانة؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول: هيهات قد مات ذلك قبلي ز فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهايوة فبئست الأم وبئست المربية وأن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة. فإن كان خيرا فرحوا واستبشروا وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فإتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم الهمه عملا صالحا ترضى به عنه وتقربه إليك. أخرجه الطبرانى فكأني الكبير والأوسط وفيه مسلمة بن على وهو ضعيف (¬2). {316} وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا. ¬

(¬1) (انظر ص 328 ج 2 مجمع الزوائد 0 عرض اعمل الأحياء على الأموات) وص 89 ج 7 - الفتح الربانى. (¬2) انظر ص 327 ج 2 مجمع الزوائد (موت المؤمن وغيره)

(13) مكان الموت

(13) مكان الموت قد ثبت أن كل إنسان يموت فكأني الأرض آلتي خلق منها. فإذا أراد الله تعالى موت عبد بأرض جعل له إليها حاجة ليموت بها تنفيذا لما قدره الله أزلا وقد ورد فكأني هذا أحاديث (منها) حديث مطر بن عكامس أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله ميتة عبد بأرض جعل له إليها حاجة أخرجه أحمد والحاكم والترمذى وقال: حسن غريب. ولا يعرف لمطر غير هذا الحديث (¬1). {317} (وحديث) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: مر الحروب صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر فقال: قبر من هذا؟ فقالوا: فلان الحبشي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: لا اله إلا الله لا اله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى تربته آلتي منها خلق. أخرجه البزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولهذا الحديث شواهد وأكثرها صحيحة وفى سند البزار عبد الله والد على بن المدينى، وهو ضعيف (¬2). {318} (وحديث) أبي عزة يسار بن عبيد أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى إذا أراد قبض روح عبد بأرض جعله له فيها أو بها حاجة. أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث صحيح. هواي عزة له صحبة (¬3) {319} ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 7 - الفتح الربانى (اذا اراد الله قبض عبد بارض يجعل له فيها حاجة) وص 367 ج 1 مستدرك. وص 201 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها) وقد اختلف فى صحبة مطر ز قال عبد الله بن أحمد: سالت ابى عنه هل له صحبة؟ فقال: لا يعرف. قلت رؤية؟ قال: لا أدرى. وقال غيره: صحابى سكن الكوفة. (¬2) انظر ص 42 ج 3 مجمع الزوائد (كل احد يدفن فى التربة التى خلق منها) وص 367 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 70 ج 7 - الفتح الربانى. وص 201 ج 3 تحفة الأحوذى (النفس تموت حيث ما كتب لها).

(14) الآثار الموضوعة فكأني الموت

(14) الآثار الموضوعة فكأني الموت لم آل جهدا فكأني ذكر ما ثبت من الأحاديث الصحيحة وغيرها فكأني الموت وفيه الكفاية. ولكن أبى المضلون إلا أن يتقولوا على المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ما لم يقل فليتبوءوا مقاعدهم من النار وتحذيرا للعاقل وتنبيها للغافل. أسواق هنا بعض ما لم يثبت فكأني ذلك فاقول: (1) ما قيل فكأني الموت عن مرض: قال ابن جريح: أخبرني إبراهيم بن محمد بن أبى عطاء عن موسى بن وردان عن أبى هريرة مرفوعا من مات مريضا مات شهيدا ووقى فتنة القبر وغدي وريح عليه برزقه من الجنة أخرجه عبد الرازق وابن ماجه (قال) البوصيرى فكأني الزوائد: فكأني إسناده إبراهيم بن محمد كذبه مالك ويحيى بن سعيد القطان وابن معين (وقال) أحمد: فدرى معتزلي جهمى كل بلاء فيه وقال البخاري: جهمى تركه ابن المبارك والناس ولذا أورد ابن الجوزى هذا الحديث فكأني الموضوعات (وقال) احمد بن حنبل: إنما هو من مات مرابطا (قال) الدارقطني بإسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى يقول حدثت ابن جريح هذا الحديث: من مات مرابطا فروى عنى من مات مريضا. وما هكذا حدثته (¬1)، لكن قال السيوطى فكأني اللآلى: وله طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه أبو نعيم فكأني الحلية من حديث محمد بن عبد العزيز الباروزى بسنده إلى طلق عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات غريبا أو مريضا مات شهيدا. قال أبو نعيم: غريب من حديث الباروزى عن حفص (¬2). (وقال) في تذكرة الموضوعات (قلت) له طريق أخري وشاهد غريب بلفظ: ¬

(¬1) انظر ص 253 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فيمن مات مريضا). (¬2) انظر ص 221 ج 2 - اللآلى المصنوعة (الموت والقبور)

من مات مريضا أو غريبا مات شهيدا. وفى الوجيز هو حديث أبي هريرة وفيه إبراهيم بن محمد متروك. قلت: وثقة الشافعي والحق أنه ليس بموضوع بل مصحف من مات مرابطا (¬1). (2) ما قيل فكأني الفرار من الموت: عن يحيى بن كثير بالسند إلى أبي هريرة مرفوعا: ولدا لسليمان ابن. فقال الشيطان: أنى أواريه من الموت؟ قالوا: نذهب به إلى تخوم الأرض. قال: يصل إليه الموت. قالوا: فنصعد به بين السماء والأرض. قال: نعم فصعد به. ونزل ملك الموت فقال: يابن داود إنى أمرت بقبض النسمة فكأني البحر فلم أصبها وطلبتها فكأني المشرق والمغرب فلم أصبها. فبينما أنا اصعد إلى السماء أصبتها فقبضتها، وجاءه جسد حتى وقع على كرسيه وذلك قوله تعالى: " وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيمْاَنَ وَأَلْقيْناَ عَلَى كُرْسَيِهَّ جَسدا ثمَّ أَنَابَ " اخرجه العقيلى قال السيوطى: موضوع. يحيى يروى عن الثقات ما ليس من حديثهم ولا ينسب إلى لعمري الله سليمان ذلك. ¬

(¬1) انظر ص 216 تذكرة الموضوعات

(3) ما قيل فكأني شدة الموت: (أ) عن جعفر بن نصر بسنده إلى أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا: لما أتى إبراهيم ربه عز وجل قال له: بإبراهيم كيف وجدت الموت؟ قال: وجدت حس نزع السل من الصوف، قال: هذا وقد يسرنا عليك الموت ذكره ابن حبان وقال: هذا متن موضوع. وجعفر ابن نصر يروى عن الثقات ما لم يحدثوا به (¬1) (ب) وقال فكأني التذكرة: لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على جبال الرض كلها لذابت (لم يوجد) (¬2) (جـ) وقال: إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول عليك السلام تفارقني أفارقك إلى يوم القيامة فيه ضعيف جدا. وفى الذيل: هو من نسخة أبي هدية (¬3) (د) وعن محمد بن قاسم البلخى حدثنا أبو عمرو الأبلى عن كثير عن أنس قال: لمعالجة ملك الموت اشد من ألف ضربة بالسيف ذكره الخطيب وقال لا يصح كثير متروك ومحمد قاسم كان يضع الحديث وإنما يروى عن الحسن (¬4) (وقال) فكأني التذكرة: لمعالجة ملك الموت اشد من ألف ضربة بالسيف لا يصح. فيه متروك وواضع وإنما يروى عن الحسن. قلت له شواهد. وفى الوجيز: فيه محمد بن القاسم يضع قلت: ورد مرسلا عن عطاء بن يسار بسند جيد وله شواهد من مرسل الحسن والضحاك. وعن على رضى الله عنه موقوف (¬5). (هـ) قال فكأني التذكرة: بين العبد والجنة سبع عقبات أهونها الموت. قلت: فما أصعبها؟ قال: الوقوف بين يدي الله إذا تعلق المظلومين بالظالمين من نسخة أبي هدبة كذبة يحيى بن معين. وقال فكأني التذكرة: تعسير نزع الصبي تمحيص للوالدين فيه أبو مقاتل كذاب (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 221 ج 2 - اللالى (هذا) والصحيح أن سبب فتنة سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام ما فى حديث ابى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله فقال له صاحبه (يعنى وزيره من الإنس والجن) قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الل (يعنى بلسانه لا أنه غفل عن التفويض الى الله تعالى بقلبه فإنه لا يليق بمنصب النبوة) فلم تحمل منهن الا امرأة واحدة جاءت بشق رجل (بكسر الشين أى نصفه. وهو لجسد الذى القى على كرسية) والذى نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون. اخرجه الشيخان. أنظر ص 23 ج 6 فتح البارى (من طلب الولد للجهاد) وص 119 ج 11 نووى (الاستثناء فى اليمين). (¬2) انظر ص 223 ج 2 - اللآلى المصنوعة. (¬3) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات (¬4) انظر ص 214 منه. (¬5) انظر ص 222 ج 2 - اللالى. (¬6) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات

(4) ما قيل فكأني قبض روح البهائم: (روى) الوليد بن موسى لسنده إلى انس بن مالك مرفوعا: آجال البهائم من القمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال والبقر والدواب كلها آجالها فكأني التسبيح فإذا انقضى تسبيحها قبض الله روحها وليس إلى ملك الموت من ذلك شئ. ذكره العقيلى وقال: موضوع والمتهم به الوليد أحاديثه بواطيل لا أصل لها. وهذا الحديث لا أصل له من حديث الأوزاعة ولا غيره (¬1). (5) ما قيل فكأني ذكر الموت: (قال) فكأني التذكرة: قال السيوطى فكأني محتضر الموضوعات: قيل: يا رسول الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم؟ فقال: نعم من ذكر الموت كل يوم عشرين مرة. لم يوجد مسندا (¬2). (6) ما قيل فكأني تناظر ملكي الحياة والموت: (قال) فكأني التذكرة: إن ملك الموت وملك الحياة تناظرا فقال ملك الموت: أنا أميت الأحياء. وقال ملك الحياة: أنا أحيى الأموات، فأوحى الله إليهما كونا على عملكما وما سخرتما من الصنع وأنا المميت والمحيى لا مميت ولا محيى سواي. لم يوجد (¬3). (7) ما قيل فكأني لراهنة الموت: (قال) فكأني التذكرة: إن إبراهيم قال لملك الموت لما جاء لقبض روحه: هل رأيت محبا كره لقاء جيبه؟ فقال: لا فقال: يا ملك الموت فالآن فاقبض روحي. لم يوجد (¬4). (8) ما قيل فكأني الغفلة عن الموت: (قال) السيوطى فكأني الذيل: إن ملك الموت لينظر فكأني وجوه العباد كل يوم سبعين نظرة، فإذا ضحك العبد ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 2 - اللآلى المصنوعة. (¬2) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات. (¬3) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات. (¬4) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات.

بعث إليه يقول: يا عجبا بعثت إليه لأقبض روحه وهو يضحك. من نسخة أبى هدبة (¬1) كذبة يحيى بن معين. (9) ما قيل فكأني تأخير دفن الغريق: (قال) فكأني التذكرة: يترك الغريق يوما وليلة ويدفن فيه سلم متروك وجبارة ضعيف (¬2). (10) ما قيل فيما لا يموت: (قال) فكأني التذكرة: ثنتان لا تموتان: الأنفحة والبيض. قال العقيلى: موضوع (¬3). (11) ما قيل إن الميت يجنب: (قال) فكأني التذكرة: ما مات أحد إلا يجنب فلذلك يغسل لأنه لا تنزع روح أحد إلا خرج ماؤه الشهيد وغيره فكأني هذا سواء. فيه نهشل كذاب (¬4). (12) ما قيل فكأني قبض الحروب صلى الله عليه وسلم: (أ) (قال) فكأني التذكرة: حديث مجيء ملك الموت فكأني أحسن صورة عند وفاته عليه الصلاة والسلام واستئذانه فكأني قبضه وقوله أين خلفت جبريل ظ قال: خلفته فكأني سماء الدنيا، فأتاه جبريل وقعد عند رأسه. وهو حديث طويل منكر (¬5) (ب) (وقال) فكأني الذيل: أغمى على الحروب صلى الله عليه وسلم فأتاه آت فقال: السلام عليك أدخل؟ فقال من حوله صلى الله عليه وسلم: إن كنت من المهاجرين أو من الأنصار فارجع، فإنه صلى الله عليه وسلم: إن كنت من المهاجرين أو من الآنصار فارجع، فإنه صلى الله عليه وسلم عنك مشغول، فرفع رأسه فقال: من تطردون، أتطردون داعي ربى عز وجل؟ ادخل يا ملك الموت. الخ بطوله فيه اصرم كذاب (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات. (¬2) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات. (¬3) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات. (¬4) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات. (¬5) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات. (¬6) انظر ص 215 منه.

(و) الروح

(و) الروح (قيل) إن الروح أمر غيبي استأثر الله بعلمه. قال تعالي " قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً " (¬1). (وقيل) الروح جسم نوراني لطيف تعجزوه متحرك ينفذ فكأني الأعضاء ويسرى فيها سريان الماء فكأني العود الأخضر والدهن فكأني الزيتون فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها منهذا الجسم اللطيف بقى ذلك الجسم مشابكا لهذه الأعضاء أفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح. ثم الكلام حي أربعة فروع: (1) أدلة أن الروح جسم: وهذا هو الصواب دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والعقل والفطرة، وهاك 26 دليلا: (1 - 3) قال الله تعالى: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " (¬2)، وفى الآية ثلاثة أدلة: الإخبار بتوفيها، وإمساكها، وإرسالها ¬

(¬1) الإسراء: 85 (¬2) الزمر: 42 (يتوفى الأنفس .. ) أى يقبض الرواح عند حضور آجالها ظاهرا بحيث ينعدم التمييز والإحساس وباطنا بحيث تنعدم الحياة والروح والحركة (والتى لم تمت ... ) أى ويبض الرواح التى لم تحضر آجالها عند نومها ظاهرا بحيث ينعدم التمييز والإحساس لا باطنا لبقاء الحياة والروح والحركة (فيمسك التى قضى عليها الموت) أى لا يردها الى جسدها ولا تحيا حياة دنيوية (ويرسل الأخرى) أى التى لم تمت فى منامها (إلى أجل مسمى) هو وقت موتها (انظر ص 287 ج 3 ساوى الجلالين).

(4 - 7) وقال تعالى: " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {93} وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " (¬1)، فيها أربعة أدلة: بسط الملائكة أيديهم لتناولها، ووصفها بالإخراج والخروج، والإخبار عن عذابها ذلك اليوم، والإخبار عن مجيئها إلى ربها. (8 - 10) وقال تعالى: " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {60} وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ " (¬2)، فيها ثلاثة أدلة: الإخبار بتوفي الأنفس بالليل، وبعثها إلى أجسادها بالنهار، وتوفى الملائكة له عند الموت. (11 - 13) وقال تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ ¬

(¬1) الانعام: 93: 94 (ولو نرى) الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم .. أى لو ترى الظالمين وقت كونهم فى سكرات الموت لرايت أمرا فظيما (والملائكة باسطو ايديهم) بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا (اخرجوا أنفسكم) أى ارواحكم لنقبضها (اليوم تجزون عذاب الهون) أى الذل والصغار لا عذاب التطهير كما يقع لبعض عصاة المؤمنين (كما خلقناكم أول مرة) أى حفاة عراة غرلا بلا قلفة وهذا عند الحساب فإنهم يخرجون من القبور بالأكفان فإذا حشروا ودنت الشمس من الرءوس تطايرت الأكفان انظر ص 27 ج 2 صاوى الجلالين. (¬2) الأنعام: 60: 61 (وهو الذى يتوفاكم بالليل) أى يقبض ارواحكم عند النوم ظاهرا (وما جرحتم) أى كسبتم (ثم يبعثكم فيه) أى فى النهار برد أرواحكم (ليقضى مبنى للمفعول) (أجل مسمى) هو أجل الحياة.

رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30} " (¬1)، فيها ثلاثة أدلة: وصفها بالرجوع، وبالدخول، وبالرضا. واختلف متى يقال لها ذلك: عند الموت أو عند البعث أو حي الموضعين (قال) سعيد بن جبير: قرئت " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً " عند المسيء صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضى الله عنه: إن هذا الحسن، فقال المسيء صلى الله عليه وسلم: أما إن الملك سيقولها لك عند الموت. أخرجه ابن جرير الطبري (¬2) {320} (وعن) أسامة بن زيد عن أبيه حي قوله " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " قال: بشرت بالجنة عند الموت ويوم الجمع. أخرجه ابن جرير الطبري (¬3). (وقال) أبو صالح: " ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً " هذا عند الموت " فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30} " هذا يوم القيامة. أخرجه ابن جرير الطبري (¬4). (15، 14) (قالت) أم سلمة: دخل المسيء صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر. أخرجه مسلم وابن ماجه (¬5). {321} فيه دليلان: وصف الروح بأنه يقبض وأن البصر يراه. (16) وعن عمارة بن خزيمة عن أبيه قال: رأسه حي المنم كأني أسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فإخبرته بذلك، فقال: إن الروح ليلقى الروح ¬

(¬1) الفجر: 27 - 30 (¬2) انظر ص 122 ج 3 تفسير الطبرى. (¬3) انظر ص 122 ج 3 تفسير الطبرى. (¬4) انظر ص 212 ج 6 تفسير الطبرى. (¬5) انظر ص 212 ج 6 نووى " الجنائز " وص 229 ج 1 - ابن ماجه (تغميض الميت) (وشق بصره) بفتح الشين أى انفتح وضمها غير مختار.

فأقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، فوضع جبهته على جبهة المسيء صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والنسائي. {322} فأخبر أن الرواح تتلاقى حي المنام. (18، 17) (وعن) أبي قتادة الحارث بن ربعي أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬1). {323} فيه دليلان: وصفها بالقبص والرد. (20، 19) (وعن) كعب بن مالك أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال: إنما نسمة المؤمن طائر يعلق حي شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم ببعثه أخرجه مالك وأحمد وابن ماجه النسائي والبيهقى بسند صحيح (¬2). {324} فيه دليلان: كون الروح طائر وتعلقه بشجر الجنة وأكله منه. (21 - 26) (وقال) مسروق: سألنا عبد الله عن هذه الآية " وَلاَ تَحْسبَنَّ الّذيِنَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الهِ أمْوَاتاَ بَلْ أَحيْاَء عِندَ رَبَّهِمْ يُرْزقُون " قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك المسيء صلى الله عليه وسلم، فقال: أرواحهم حي جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: آي شئ نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها). (¬2) انظر ص 85 ج 7 - الفتح الربانى " أمور تتعلق بالأرواح " (والنسمة) بفتحات الروح " ويعلق " بفتح الياء واللام وتضم أى تأكل وترعى من ثمار الجنة.

بهم ثلاث مرات. فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا حي أجسامنا حتى نقتل حي سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا. أخرجه مسلم (¬1). {325} فيه ستة أدلة: كونها مودعة حي جوف طير. وأنها تسرح حي الجنة وأنها تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها. وأنها تأوي إلى تلك القناديل. وأن الرب تعالى خاطبها واستنطقها فأجابته. وأنها طلبت الرجوع إلى الدنيا فعلم أنها مما يقبل الرجوع. وهذه أوصاف للروح المودعة حي الطير. وأطال ابن القيم حي ذكر الأدلة على جسمية الروح حتى أوصلها إلى ستة وعشرين ومائة دليل، وذكر شبه المتنازعين حي جسميتها وردها ردا مسهبا (¬2)، وفيما ذكرناه الكفاية. (2) مصير الروح بعد خروجها: دلت الأحاديث الصحيحة أن روح العبد الصالح تخرج بسهولة وتصعد إلى الملاء الأعلى فتحوز الرضا والقبول ثم ترجع إلى جسدها حي القبر فيسأل ويجيب أحسن الجواب ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها وتكون روحه حي عليين إلى يوم البعث والنشور. وأما الفاجر والمنافق فتحضره ملائكة العذاب ويرى مكانه من النار ن وتصعد روحه إلى السماء فتغلق دونها وترجع إلى جسدها ملعونة ممقوتة، فيسأله الملكان وهما على أقبح صورة فلا يجيب، فيذوق العذاب ألوانا، ويضيق عليه القبر ويفرش له من النار ويفتح له باب من جهنم وتكون روحه في سجين إلى يوم ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 13 نووى (بيان أن ارواح الشهداء فى الجنة) وفيه بيان أن الجنة مخلوقة موجودة. وهو مذهب أهل السنة وهى التى اهبط منها أدم وينعم فيها المؤمنون فى الاخرة. (¬2) انظر ص 285 وما بعدها من كتاب الروح.

الدين وتكون أرواح المؤمنين حي حواصل طيور خضر تأكل من ثمار الجنة (قالت) أم كبشة بنت معرور: دخل علينا المسيء صلى الله عليه وسلم فسألناه عن وتأكل من ثمارها وتشرب من مياهها فأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش يقولون: ربنا الحق بنا إخواننا وآتنا ما وعدتنا وإن أرواح الكفار حي حواصل طير سود تأكل من الغار وتشرب من الغار فأوى إلى حجر حي النار يقولون: ربنا لا تلحق بنا إخواننا ولا تؤتنا ما وعدتنا. أخرجه ابن منده (¬1). {326} (وقال) عبد الرحمن بن كعب: قالت أم مبشر لكعب بن مالك رضى الله عنه وهو شاك: اقرأ على بنى السلام (تعنى مبشرا) فقال: يغفر الله لك يا أم مبشرا ‍أو لم تسمعي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المسلم طير تعلق حي شجر الجنة حتى يرجعه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة، قالت: صدقت فأستغفر الله. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {327} (وعن) أم هاني رضى الله عنها أنها سألت المسيء صلى الله عليه وسلم: أتتزاور إذا متنا ويرى معضنا بعضا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تكون ¬

(¬1) انظر ص 91 ج 7 - الفتح البارى (الشرح). (¬2) انظر 86 ج 7 - الفتح الربانى (أمور تتعلق بالرواح) (ومبشر) بن البراء بن معرور الأنصارى صحابى ابن صحابى ابن صحابية. توفى فحزنت عليه أمه حزنا شديدا فكانت تأنى كل محتضر يعرف ابنها وتكلفة أن يقرا على ابنها السلام. فأنكر عليها كعب ابن مالك هذا الحزن مع أن ابنها فى النعيم المقيم وممن قال الله فيهم " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ط وذكرها بالحديث وكانت سمعته فقالت له: صدقت ولامت نفسها واستغفرت الله تعالى على ما فرط منها.

النسم طيرا تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس حي جسدها أخرجه أحمد والطبرانى وفيه ابن لهيعة متكلم فيه (¬1). {328} (فهذه) الأحاديث تدل على أن أرواح المؤمنين شهداء وغير شهداء حي الجنة إذا لم يحبسهم عنها كبيرة ولا دين. وبه قال أبو هريرة وابن عمر وأحمد والجمهور لقوله تعالى: " فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ " (¬2). ذكر أن الميت ثلاثة أقسام: مقربين حي الجنة. وأصحاب اليمين سالمين من العذاب. ومكذبين لهم " نُزُا مِنْ حَمِيمِ وتصلي جحَيِم " (وقيل) إن الحي حي الجنة إنما هو أرواح الشهداء (لقوله) تعالى: " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " (¬3) (ولحديث) ابن عباس أن المسيء صلى الله عليه وسلم وقال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم حي جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها فأوى إلى قناديل من ذهب معلقة حي ظل العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومثيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء حي الجنة نرزق لئلا يزهدوا حي الجهاد ولا ينكحوا عند الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا ابلغهم عنكم وأنزل: " وَلاَ تَحْسبَنَّ الّذِينَ قُتِلُوا حي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاَ " الآية. أخرجه أبو داود. تفرد به عبد اله بن إدريس عن محمد بت إسحاق (¬4). {329} (وعن) كعب بن مالك أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال: إن أرواح ¬

(¬1) انظر ص 329 ج 2 مجمع الزوائد (الأرواح). (¬2) الواقعة: 88 و 99 (¬3) آل عمران: 169. (¬4) (انظر ص 322 ج 2 عون المعبود 0 فضل الشهادة) و (مقليهم) بفتح فكسر أى مأواهم للراحة وقت الظهيرة (ولا ينكلوا) بضم الكاف اى لا يجيبوا.

الشهداء حي طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة. أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح (¬1). {330} (وقال) مجاهد: أرواح المؤمنين بفناء الجنة على بابها يأتيهم من نعيمها ولا يدخلونها (لحديث) ابن عباس أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء على بأرق نهر بباب الجنة حي قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرة وعشية من الجنة أخرجه أحمد والطبرانى حي الكبير بسند رجاله ثقات والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (¬2). {331} (وقال) جماعة من السلف والخلف: أرواح المؤمنين تكون حي عليين تحت العرش وأرواح الكفار حي سجين تحت الثرى (لقول) أبي موسى الأشعرى: تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك فتنطلق بها الملائكة الذين يتوفونه. فتتلقاه الملائكة من دون السماء فيقولون مرحبا بكم وبه، فيقبضونها منهم فيصعد به من الباب الحي كان يصعد منه عمله فتشرق حي السموات ولها برهان كبرهان الشمس حتى ينتهي بها النواحي العرش، وأما الكافر فإذا قبض انطلق بروحه فيقولون: ما هذا فيقولون: فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت بمساوئ عمله، فيقولون: لا مرحبا لا مرحبا ردوه، فيرد إلى اسفل الأرض إلى الثرى. أخره أبو داود الطيالسى (¬3). {332} ¬

(¬1) انظر ص 92 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح 9 وص 7 ج 3 تحفة الأحوذى (ثواب الشهيد). (¬2) انظر ص 294 ج 5 مجمع الزوائد (الشهادة وفضلها) (وبارق) بالتنوين اسم نهر فى الجنة. (¬3) انظر ص 93 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح)

(وتقدم) حي حديث البراء قال حي روح المؤمن: فيصعدون بها حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء أتتداوى تليها حتى ينتهي به النواحي السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي حي عليين (الحديث) (¬1). ولكن هذا لا يدل على استقرارها هناك لكن تصعد ليكتب كتابها حي عليين أو سجين ثم ترد إلى القبر (لقوله) حي حديث البراء: وأعيدوه إلى الأرض فإنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. (وقال) ابن عبد البر: أرواح المؤمنين غير الشهداء على أفنية القبور تسرح حيث شاءت وارواح الشهداء في الجنة لما تقدم وهو قول قوى (والصحيح) أن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ تفاوتا عظيما. ولا تعارض بين الأدلة، فإن كلا منها وارد على فريق من الناس بحسب درجاتهم في السعادة والشقاوة، (فمنها) أرواح في أعلى عليين في الملاء الأعلى وهى أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهم متفاوتون في مغازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء (ومنها) أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ¬

(¬1) انظر رقم 45 ص 60 ج 1 من الدين الخالص طبعة ثانية (وعليون) جمع على وهو كتاب جامع لأعمال الخير من مؤمنى الثقلين (وقيل) موضع فى السماء السابعة تحت العرش (وقيل) هو أعلى مكان فى الجنة وقيل غير ذلك. وقال الفراء: هو اسم على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه. وقال ابن كثير: والظاهر أنه مأخوذ من العلو وكلما علا الشئ وارتفع عظم واتسع (وسجين) كتاب جامع لأعمال الشر من الكفار والصحيح أنه مأخوذ من السجن وهو الضيق فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع.

وهى أرواح بعض الشهداء لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره. كما في حديث محمد بن عبد الله بن جحش: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يار سول الله مالي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة. فلما ولى قال: إلا الدين سارنى به جبريل آنفا أخرجه أحمد (¬1). {333} (ومنهم) من يكون محبوسا على باب الجنة كما في حديث سمرة بن جندب قال: صلى الله عليه وسلم الصبح فقال: هاهنا أحد من بنى فلان؟ قالوا: نعم، قال: إن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه. أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {334} (ومنهم) من يكون محبوسا في قبره كصاحب الشملة أتتداوى سرقها من الغنيمة (قال) أبو هريرة: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نعنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وقد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد اسود يقال له " مدعم" حتى أذا كانوا بوادي القرى، فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم فقتله. فقال الناس: هنيئا له الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا والذي للنبي بيده إن الشملة أتتداوى أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا. فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 97 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح) (¬2) انظر ص 99 ج 7 - الفتح الربانى (المبادرة إلى تجهيز الميت وقضاء دينه و (من بنى فلان) لم يسم سترا عليه.

صلى الله عليه وسلم: شراك من نار أو شرا كان من نار. أخرجه الشيخان وأبو داود وهذا لفظه (¬1). (ومنهم) من تحبس روحه في الأرض ولا ترفع إلى الملاء الأعلى لأنها كانت روحا سفلية أرضية، والأنفس الأرضية أتتداوى لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والأنس به والتقرب إليه لا تكون بعد المفارقة ليدنها إلا في الأرض. كما أن النفس العلوية أتتداوى كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة. (ومنها) أرواح تكون في تنور الزناة والزوانى. وارواح في نهر الدم تسبح فبه وتلقم الحجارة، ومن تأمل الآثار في هذا الباب عرف أن الأرواح على اختلاف محالها وتباين مقرها لها اتصال بأجسادها في قبورهم ليحصل للجسم من النعيم والعذاب ما كتب له. وأن لها شأنا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بالبدن في القبر وهى أسرع دووي حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا (وهى) تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم والم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن وما أشبه ¬

(¬1) انظر ص 473 ج 11 فتح البارى (هل يدخل فى الأيمان والنذور الأرض والغنم الخ) وص 28 ج 2 نووى (غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون) وص 20 ج 3 عون المعبود (تعظيم الغلول) والمراد بالأموال المواشى والعقار والنخيل (فوجه) أى توجه (نحو وادى القرى) موضع قرب المدينة به يهود (ومدعم) بكسر فسكون ففتح أهداه للنبى صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد (والشراك) بكسر الشين السير يكون فى النعل على ظهر القدم. وفيه تنبيه على عاقبة من خان فى الغنيمة ونحوها ولو فى اليسير.

حالها في البدن بحال الجنين في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن (¬1). (3) دور النفس: هي أربع (الأولى) بطن الأم وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث (¬2). (الثانية) الدار أتتداوى نشأت فيها والفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاروة. (الثالثة) دار البرزخ وهى أوسع من دار الدنيا وأعظم ن بل نسبتها إليها كنسبة دار الدنيا إلى بطن الأم. (الرابعة) دار القرار وهى الجنة أو النار فلا دار بعدها. والله ينقل النفس في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار أتتداوى لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها وهى أتتداوى خلقت لها وهيئت للعمل الموصل إليها. ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشان غير شأن الدار الأخرى فتبارك اله فاطرها ومنشئها ومحيها ومميتها ومسعدها ومشقيها فمن عرفها كما والنسائي شهد أنه لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل دووي قدير (¬3). (4) تلاقى الأرواح وتزاورها: دلت الأدلة على أن الأرواح باقية لا تفنى بفناء الجسم وأنها معذبة ومنعمة. فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقى والأرواح المنعمة المرسلة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا. وتتعارض وأن لم يكن من أجسامها تعارف في الدنيا. وأنها تبلغ سلام الأحياء لأمواتهم وأن الميت يعرف من يتولى تجهيزه ودفنه لاتصال الروح بالجسد حينئذ. ¬

(¬1) انظر ص 185 وما بعدها من كتاب الروح 0 (¬2) (الظلمات) أى وباقى الظلمات الثلاث وهى البطن والرحم والمشيمة التى هى كالوقاية للولد. (¬3) انظر ص 188 كتاب الروح.

(وقد) ورد في ذلك أحاديث (منها) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثال: إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم ما رأي أحدهم صاحبه قط. أخرجه أحمد بسند فيه ابن لهيعة وفيه كلام (¬1). {336} (وحديث) محمد بن المنكدر قال: دخلت على جابر بن عبد الله رضى الله عنهما وهو يموت فقلت: اقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (¬2). {337} (وحديث) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت يعرف من يحمله ومن يغسله ومن يدليه في قبره. أخرجه أحمد وابن جرير في التهذيب وفى سنده من لم يعرف. وأخرجه الطبرانى بلفظ: إن الميت ليعلم من يغسله ومن يكفنه ومن يدليه في حفرته (¬3). {338} وتكون كل روح مع رفيقها الذي على مقل عملها وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى: " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً " (¬4) ¬

(¬1) انظر ص 88 ج 7 - الفتح الربانى (أمور تتعلق بالرواح) (وما راى أحدهم صاحبه) أى ما رآه فى ادنيا ولكن عرفة بعد الموت لاتفاقهما فى العمل والعقيدة. (¬2) انظر ص 88 ج 7 - الفتح الربانى. يقال: أقرئ فلانا السلام وأقرى عليه السلام أى بلغة السلام بان تقول السلام عليكم من فلان فتحمله على الرد. (¬3) انظر ص 90 ج 7 - الفتح الربانى. و (يعرف من يحمله) أى يدرك ذلك لاتصال شعاع الروح بالجسد لأن الموت ليس بعدم محض. والشعور باق بعد خروج الروح. (¬4) النساء: 69.

وهذه المعية ثابته في الدنيا وفى دار البرزخ وفى دار الجزاء. فالمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة (روى) الأسود عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلى من للنبي وإنك لأحب إلى من ولدى، وإني لأكون في البيت فاذكرك فما اصبر حتى آتى فأنظر غليك وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبييت وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت جبريل بهذه الآية " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم " الآية. أخرجه الطبرانى وابن مردوية والضياء القدسي في ثفة الجنة وحسنه (¬1) {339} (وقال) تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) " (¬2) آي داخلي في جملتهم وكوني معهم (وهذا) يقال للروح عند الموت والبعث على ما تقدم. وقد اخبر الله تعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وأنهم يستبشرون بنعمة الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه: (أ) أنهم عند ربهم يرزقون وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون (ب) أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم (جـ) إن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا مثل يتباشرون وقد تواترت بذلك الرؤى (¬3). (فمنها) ما ذكره صالح بن بشر قال: رأيت عطاء السلمي في النوم بعد موته فقلت: يا ابا محمد الست في زمرة الموتى؟ قال: بلى. قلت ك فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى خير كثير ورب غفور ¬

(¬1) انظر ص 449 ج 1 فتح القدير للشوكانى. (¬2) الفجر: 27 - 30 (¬3) الرؤيا ما رايته فى منامك والجمع رؤى كهدى.

(ز) ما يتعلق بالميت

شكور. قلت: أما والله قد كنت طويل الحزن في الدنيا فتبسم وقال: أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا دائما ز فقلت: في أى الدرجات أنت؟ قال: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. (وقال) عبد الله بن المبارك: رأيت سفيان الثوري في النون فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: لقيت محمدا وحزبه. (قال) صخر بن راشد: رأيت عبد الله ابن المبارك في النوم بعد نوته فقلت: أليس قدمت؟ قال: فسفيان الثوري، قال: بخ بخ ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (وقال) مسمع بن عاصم: رأيت عاصما الجحدرى في منامي بعد موته بسنتين فقلت: أليس قدمت؟ قال: بلى ز قلت: وأين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد اله المزني فنتلقى أخباركم. قلت: أأجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات، بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح (¬1). وقد تقدم في بحث (عرض عمل الحي على الميت) عدة أحاديث صريحة في تلقى الأموات أخبار ذويها ممن يموت (¬2)، وتقدم حديث أم هانئ بنت أبي طالب وهو صريح في تزاور الأرواح (¬3). (ز) ما يتعلق بالميت من تحقق موته يتعلق به أمور: المذكور منها هنا 14 (1) يطلب ممن حضره أن يفعل به ما يؤدى إلى حسن منظره وهو تغميض عينيه وشد لحييه ¬

(¬1) انظر ص 29 كتاب الروح. (¬2) انظر ص 231. (¬3) انظر رقم 328 ص 243

وتليين أعضائه ومنع انتفاخه. فإذا مات شخص تولى أرفق الناس به إغماض عينيه ودعا له (لحديث) شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل البيت " أخرجه أحمد وابن ماجه والطبرانى في الأوسط والبراز والحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه فزعة بن سويد، قال أبو حاتم: محله الصدق ليس بذاك القوى (¬1). {340} (وقالت) أم سلمة: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فاغمضه فصيح ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لبى سلمة وارفع درجته في المهديين واخفله في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين. اللهم أفسح له في قبره ونور له فيه. أخرجه مسلم وأبو داود (¬2). {341} والإغماض إطباق الجفن الأعلى على الجفن الأسفل ويقول مغمضه: باسم الله ¬

(¬1) انظر ص 66 ج 7 - الفتح الربانى. وص 229 ج 1 - ابن ماجه (تغميض الميت) (فإن البصر يتبع الروح) الروح يذكر ويؤنث. والمعنى أن الروح إذا خرجت من الجسد يتبعها البصر ناظرا أين تذهب؟ وفى الحديث دليل على أن الروح جسم لطيف متخلل فى البدن تذهب حياته بذهاب الروح و " قزعة " بفتحات (وسويد) بالتصغير. (¬2) انظر ص 222 ج 6 نووى " الجائر " وص 254 ج 8 - المنهل العذب " تغميض الميت " " وشق بصره " بفتح الشين ورفع بصر على المشهور أى أنه لما حضره الموت انفتحت عيناه وشخص بصره. ويجوز نصب بصر على المفعولية أى أن الموت شق البصر " فصيح " بشد الياء أى رفعوا اصواتهم بالبكاء عاليا. وفى رواية مسلم فصيح ناس من أهله (ولا تدعوا على أنفسكم إلا بخير) نحو اللهم أجرنا فى مصيبتنا واخلفنا خيرا منها واغفر لنا ورضنا بقضائك وقدرك. ولا تدعوا بشر كالويل والهلاك (واخلفه) أى كن خليفة له فى إصلاح من يعقبه من ذربته حال كونهم فى الباقين من الناس فالغابرهنا الباقى.

وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده أسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه (قال) بكر بن عبد الله المزني التابعي: إذا أغمضت الميت فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله وإذا حملته فقل باسم الله ثم تسبح ما دمت تحمله أخرجه البيهقى بسند صحيح (¬1). {342} (2) ويسن شد لحيى الميت بعصابة عريضة تربط على رأسه لئلا يسترخي لحيه وينفتح فمه فيقبح منظره، وربما دخل إلى فيه شئ من الهوام أو الماء عند غسله. (3) ويسن تليين مفاصله فيمد ساعده إلى عضده ثم يرده ويرد ساقه إلى فخذه وفخذه إلي بطنه ويردهما ويلين أصابعه لأنه اسهل في الغسل ولأنها تبقى جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لأن الثياب تحمى الجسم فيسرع إليه التغير ويوضع على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره. (4) ويسن وضع حديدة على بطنه لئلا تنتفخ (قال) عبد الله بن آدم: مات مولى لأنس فقال أنس: ضعوا على بطنه حديدة أخرجه البيهقى (¬2). {343} فإن لم يتيسر الحديد وضع على بطنه طين رطب ولا يجعل عليه مصحف ويستقبل به القبلة كالمحتضر. ويتولى هذه الأمور ارفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه ويتولاها الرجل من الرجل والمرأة من المرأة فإن تولاه أجنبي أو محرم من النساء أو أجنبية أو محرم من الرجال جاز. (5) ويسن تغطية الميت بثوب يستره (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 385 ج 3 بيهقى (ما يستحب من اغماض عينيه اذا مات) (¬2) انظر ص 385 ج 3 بيهقى (ما يستحب من وضع شئ على بطنه ... )

عليه وسلم حين توفى سجى بثوب حبرة. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى وأبو داود (¬1). {344} وعلى هذا اتفق العلماء (وحكمته) صبياني الميت من الانتشار وستر عورته عن الأعين ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف منه شئ (¬2). (هذا) ويجوز تقبيل الميت إجماعا (لحديث) القاسم عن عائشة رضى الله عنه قالت: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (ورد) بأن في سنده عاصم بن عبيد الله بن عمر، وهو ضعيف تكلم فيه غير واحد (¬3). {345} (وعن) عائشة أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فاه بين عينيه ووضع يده على ساعدية وقال: يا نبياه يا صفياه. أخرجه الترمذى (¬4). {346} وفيه بيان موضع التقييل وكيفيته. (6) يطلب ممن حضر عند الميت ألا يقول إلا خيرا كالذكر والاستغفار ¬

(¬1) انظر ص 102 ج 7 - الفتح الربانى (تسجية الميت 9 وص 10 ج نووى وص 385 ج 3 بيهقى. وص 256 ج 8 - المنهل العذب (الميت يسجى). و (سجى) بضم فكسر أى غطى جميع بدنه (وحبرة) بكسر ففتح ثوب فيه أعلام. (¬2) انظر ص 10 ج 7 نووى مسلم (¬3) انظر ص 104 ج 7 - الفتح الربانى (تقبيل الميت). وص 229 ج 1 - ابن ماجه. وص 130 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬4) ذكره ابن العربى فى شرح الترمذى بسنده الى الترمذى (انظر ص 208 ج 4 شرح ابن العربى).

وأن يدعو له بالمغفرة ولأهله بحسن العاقبة (قالت) أم سلمة رضى الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن ابا سلمة قد مات. فقال: قولي اللهم اغفر لي وأعقبني منه عقبى حسنة. قالت: فقلت فأعقبني الله عز وجل من هو خيرا لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح (¬1). {347} وينبغي لأخل الميت أن يدعو له بالمغفرة ولأنفسهم بالصبر، وأن يكثروا من قول " إنَّا لِله وَإنَّا إليْهِ رَاجِعُونَ " (قالت) أم سلمة رضى الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد تصيبه مصيبه فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {348} ¬

(¬1) تقدم رقم 265 ص 200 (وإذا حضرتم الميت أو المريض) كذا بالشك فى رواية أحمد ومسلم وفى رواية الاربعة الميت بلا شك (وأعقبنى) من الإعقاب أى أبدلنى منه أى فى مقابلته عقبى حسنة أى بدلا صالحا. (¬2) انظر ص 68 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح) وص 221 ج 6 نووى (الجنائز) و (أجرنى) يقال أجرنى بالقصر عند أكثر أهل اللغة وقد يمد أى أعطانى أجرا جزاؤ صبرى على المصيبة " وأخلف " بقطع الهمزة وكسر اللام. يقال لمن ذهب ماله أو ولده أو قريبه أو شئ يتوقع حصوله مثله: أخلف الله عليك. أى رد عليك مثله. فإن ذهب مالا يتوقع كموت والد أو عم أو خال قيل له: خلف الله عليك بغير الف أى كان الله خليفة منه عليك.

(وعن) ابن عباس في قوله تعالى: " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " (¬1). قال: أخبر الله عز وجل أن المؤمن إذا سلم لأمر لله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: من اشترجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه، وجعل له خلفا يرضاه. أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه على بن أبي طلحة ضعيف (¬2). {349} (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للموت فزعا فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون. وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم اكتبه في المحسنين واجعل كتابه في عليين. واخلف عقبه في الآخرين اللهم لا تحرمنا أجره ولا تقتنا بعده. أخرجه الطبرانى في الكبير وابن السني في عمل يوم وليلة، وفيه قيس بن الربيع السدى وفيه كلام (¬3). {350} (وقال) الحسين بن على: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبه فيذكرها، وإن قدم فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله له عند ذلك وأعطاه ثوابه يوم أصيب بها. أخرجه الطبرانى فأعقبني الأوسط وابن ماجه، وفيه هشام بن زياد وهو ضعيف. وقال ابن حبان: روى الموذوعات عن الشتات (¬4) {351} ¬

(¬1) البقرة: 156 و 157 (¬2) انظر ص 330 ج 2 مجمع الزوائد (الاسترجاع). (¬3) انظر ص 331 منه. (¬4) انظر ص 331 ج 2 مجمع الزوائد (الاسترجاع وما يسترجع عنده) وص 250 ج 1 - ابن ماجه (الصبر على المصيبة) و (قدم) بضم الدال ضد حدث بضمها فهو قديم

(7) قضاء دين الميت

(7) قضاء دين الميت يطلب حث ورثة الميت على المسارعة بقضاء دينه لأن نفسه محبوسة حتى يقضى عنه دينه (روى) أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حسن ورجاله ثقات، إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ (¬1) {352} (وعن) أبي نضرة عن سعد بن الأطول أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه، فقال: يا رسول الله فقد أديت إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة. قال: فأعطها فإنها محقة ". أخرجه أحمد بسند جيد (¬2). {353} (دل) الحديثان على أن الميت لا يزال مشغولا بدينه بعد موته وفيهما الحث على التخلص منه قبل الموت. وإذا كان هذا فأعقبني الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا (¬3)؟ وفيهما إن روح الميت محبوسة بدينه حتى يقضى عنه. وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه، وأما من ¬

(¬1) انظر ص 100 ج 7 - الفتح الربانى (المبادرة الى تجهيز الميت وقضاء دينه) وص 166 ج 2 تحفة الأحوذى (نفس المؤمن معلقة بدينه) و (معلقة 9 أى محبوسة عن مقامها فى الجنة أو أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا هلاك حتى يقضى ما عليها من الدين إن كان ترك وفاة ولم ينو سدادا وإلا فلا يحبس. (¬2) انظر ص 100 ج 7 - الفتح الربانى. و (محقة) أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحى. (¬3) انظر ص 130 ج 2 سبل السلام.

لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد ما يدل على إن الله تعالى يقضى عنه، وكذا من مات محبا قضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورث فإن الله تعالى يقضى عنه. (روى) أبو أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تداين بدين وفى نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء. ومن تداين بدين وليس فأعقبني نفسه وفاؤه ثم مات اقتض الله عز وجل لغريمه منه يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وفيه بشر بن نمير وهو متروك (¬1). {354} (وعن) عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدعو الله صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه. فيقال: يابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم البس ولم أضيع ن ولكن أنى على أما حرق وإما سرق وإنا وضيعه، فيقول الله تعالى: صدق عبدي، وأنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيء فيضعه فأعقبني كفه ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته ". أخرجه أحمد أسعده والطبرانى وأعقبني نعيم فأعقبني الحلية بأسانيد أحدها حسن (¬2) {355} (هذا) ولأهمية الدين لكونه من حقوق العباد وهى مبنية على المشاحة، عد النبي صلى الله عليه وسلم عدم قضائه من أعظم الذنوب. وكان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات مدينا. (روى) أبو موسى الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 4 نيل الأوطار. (¬2) انظر ص 54 منه.

الذنوب عند الله أم يلقاه بها بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء. أخرجه أبو داود (¬1). {356} ولعل هذا محمول على ما إذا قصر فأعقبني الوفاء أو استدان لمعصية (ويؤيده) قول ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات وعليه دين. فمات رجل من الأنصار، فقال: عليه دين؟ قالوا: نعم فقال: صلوا على صاحبكم فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: إن الله عز وجل ويقول: إنما الظالم عندي فأعقبني الديون التي حملت فأعقبني البغي والإسراف والمعصية. فأما المتعفف ذو العيال فأنا ضامن أن أؤدي عنه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعد ذلك: من ترك ضياعا أو دينا فإلى أو على ومن ترك ميراثا فلأهله فصلى عليهم. أخرجه محمد بن الفضل الطبري والحازمى وقال: لا بأس به فأعقبني المتابعات، قال الحافظ: وهو ضعيف (¬2) (4). {357} ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 3 عون المعبود (التشديد فى الدين). (¬2) انظر ص 313 ج 4 فتح البارى (إذا أحال دين الميت على رجل جاز)

(وعن) سلمة بن الأكوع قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجنازة فقالوا: صل عليها. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا فصلى عليه. ثم أتى بجنازة أخرى، فقالوا يا رسول الله صلى عليها. قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم. قال: فهل ترك شسئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير. فصلى عليها. ثم أتى بالثالثة فقالوا: صل عليها. قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا. قال. فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعليه دينه فصلى عليه. أخرجه البخاري (¬1). {358} وعن عاصم بن ضمرة عن على رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسال عن رأيت من عمل الرجل ويسال عن دينه، فإن قيل عليه دين كف، وإن قيل ليس عليه دين صلى. فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سال: هل عليه دين؟ قالوا: ديناران. فعدل عنه وقال: صلوا على صاحبكم. فقال على: هما على وهو برئ منهما فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لعلى: جزاك الله خيرا وفك الله رهانك كما فككت رهان أخيك. إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه. ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة. فقال بعضهم: هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بلى للمسلمين عامة أخرجه الدارقطني (¬2). {359} وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين إما للتحذير عن الدين والزجر عن المماطلة والتقصير في الأداء. أو لكراهة أن يوقف دعاؤه ¬

(¬1) (¬2) انظر ص 112 ج 12 عمدة القارى (إذا أحال دين الميت على رجل جاز)

بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم (واستدل) بحديث على على جواز الضمان عن الميت الذي لم يترك وفاء بدينه، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم. (وقال) أبو حنيفة: لا يصح الضمان عمن لم يخلف وفاء لأن الكفالة عن الميت المفلس كفالة بدين ساقط وهى باطلة (وأجاب) عن الحديث بأنه يحتمل أن يكون إقرارا بكفالة سابقة فإن لفظ الإقرار والإنشاء فأعقبني الكفالة سواء ولا عموم لحكاية الفعل (ويحتمل) أن يكون وعدا بالسداد عن المدين لا كفالة. وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه ليظهر له طريق قضاء ما عليه فلما ظهر صلى عليه. والظاهر ما قاله الجمهور. هذا وكان امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين قبل فتح البلاد وكثرة الغنائم. فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مدينا وقضى دينه وبين أن من مات مسلما مدينا فدينه على ولى المسلمين يقضيه عنه من بيت المال. وإن كان له مال كان لورثته (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاه صلى وإلا قال المسلمين: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته أخره البخاري وابن ماجه (¬1). {360} وهذا محمول على من لم يترك وفاء (لحديث) أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء ¬

(¬1) انظر ص 39 ج 4 - فتح البارى (الدين) وص 41 ج 2 - ابن ماجه (من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله وعلى رسوله)

(8) المبادرة بتجهيز الميت

فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته. أخرجه البخاري (¬1) {361} والأحاديث فأعقبني هذا كثيرة، وهى تدل على أن من مات مدينا ولم يترك وفاء يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين لأنه من الغارمين - أحد مصارف الزكاة - فلا يسقط حقه بالموت. دعوى اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مسلم (لحديث) سلمان إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلى وعلى الولاة من بعدى من بيت المال. أخرجه الطبرانى. {362} (قوله: ومن ترك دينا فعلى) ناسخ لترك الصلاة على من مات عليه دين. فيقضى من بيت المال، وكذا يلزم من تولى أمر المسلمين إن يفعله لمن مات وعليه دين. فان لم يفعل أثم إن كان بقى من حق المتوفى من بيت المال بقدر ما عليه من الدين وإلا فبقسطه (¬2) (8) المبادرة بتجهيز الميت يطلب من ولى المتوفى المبادرة بتنفيذ وصيته والإسراع بتغسيبة بعد تحقق موته والتعجيل بالصلاة عليه ودفنه تكريما له (روى) الحصين بن وحوح إن طلحة بن البراء مرض فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده قال: إني لا أري طلحة إلا قد حدث فيه الموت فأذوني به حتى اشهده فاصلى عليه، وعجلوا فانه لا ينبغ لجيفة مسلم إن تحبس بين ظهرانى أهله. أخرجه أبو داود وسكت عنه ¬

(¬1) انظر ص 7 ج 12 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله). (¬2) انظر ص 320 ج 4 فتح البارى (قبيل كتاب الوكالة)

والبيهقى وفيه عروة أو عزرو بن سعيد الأنصاري وهما مجهولان (¬1). {363} (وعن) على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يا على لا تؤخرهن: الصلاة إذا آذنت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفئا " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذى وقال: حديث غريب وما أري إسناده بمتصل (¬2). {364} (وقالت) عائشة رضى الله عنها: إن ابا بكر لما حضرته الوفاة قال: أى يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين قال: فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا إلى الغد فإن أحب الأيام والليالي إلى أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وفيه ¬

(¬1) انظر ص 320 ج 8 - المنهل العذب (تعجيل الجنازة) وص 386 ج 3 بيهقى (التعجيل بتجهيزه إذا بان موته) والحصين بالتصغير. و (حوح) بواوين مفتوحين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة. و (لا ارى) بضم الهمزة أى لا أظن طلحة إلا قد ظهرت عليه أمارات الموت. (¬2) انظر ص 99 ج 7 - الفتح الربانى (المبادرة الى تجهيز الميت) وص 233 ج 1 ابن ماجه ولفظه: لا تؤخروا الجنازة إذا حضرت (وآذنت) أى حضر وقتها (وروى) أتت بتاءين والصواب آنت بالمد والنون أى حانت (والجنازة إذا حضرت) فلا تؤخر لزيادة المصلين عليها كما يفعله بعض أرباب الطرق إذا مات كبير لهم ينتظرون حضر دراويشة (وفى الحديث) دليل على أن صلاة الجنازة لا تكره فى الأوقات المكروهة (والأيم) من لا زوج له (إذا وجدت كفئا) فإنه لا يؤخر تزويجها ندبا والكف، فى النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة فى الإسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب (وجمع) تعجيل الصلاة والجنازة والأيم فى حكم واحد ن لما يشملها من معنى الزوم فيها وثقل محملها على من لزم عليه مراعاتها والقيام بحقها (وما أرى إسناده بمتصل) لأنه من طريق عمر بن على عن ابيه وقد قيل إنه لم يسمع منه ولكن قال ابو حاتم إنه سمع منه فاتصل إسناده. وأعله الترمذى أيضا بأن فى سنده سعيد بن عبد الله الجهنى وهو مجهول لكن ذكره ابن حبان فى الثقات.

(9) البكاء على الميت

أبو سعد محمد بن ميسر ضعفه جماعة كثيرون وقال أحمد: صدوق (¬1). {365} وحكمة طلب الإسراع بتجهيز الميت خوف تغيره وإذا تغير استقذرته النفوس ونفرت منه الطباع فيحط ذلك من كرامته، ولأن إبقاءه بين أهله يؤلمهم ويحملهم على كثرة البكاء والعويل. وهذا مذموم شرعا فينبغي أن يعجل به ولا ينتظر به حضور أحد إلا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير. وإن مات فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكته ولم يمت بل يترك حتى يتحقق موته فيبادر حينئذ إلى تجهيزه وكذا إذا مات مصعوقا أو غريقا أو حريقا أو خوفا من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو فأعقبني بئر فمات فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه (¬2). (9) البكاء على الميت البكاء بالمد اسم لخروج الدموع مع الصوت. وبالقصر اسم لخروجها بلا صوت. وقيل: هما بمعنى واحد. وهو جائز إذا خلا مما لا يجوز كالصراخ ودعوى الوبل والثبور وشق الجيوب وضرب الخدود وإلا حرم (لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما مات عثمان بن مظعون رضى الله عنه قالت امرأته: هنيئا لك يابن مظعون بالجنة، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نظر غضب فقال: وما يدريك؟ قالت: وينبغي الله فارسك وصاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني رسول الله وما أدرى ما يفعل بي فأشفق الناس على عثمان. فلما ماتت زينب ابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله والإسراع بذلك). (¬2) انظر ص 124 ج 5 مجموع النووى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعنون فبكت النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: مهلا يا عمر. ثم قال: ابكين وغياكن ونعيق الشيطان، ثم قال: إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان. أخرجه أحمد وفى سنده على بن زيد وهو ثقة وفيه مقال (¬1). { 366} (وعن) سالم أبي النضر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون وهو يموت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فسجى عليه وكان عثمان نازلا على أم معاذ الأنصارية قالت: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبا عليه طويلا واصحابه معه ثم تنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 17 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء فى البكاء) (وقالت امرأته) وفى رواية البخارى أن أم العلاء امرأة من الأنصار - كان يسكن عثمان فى بيتها وتوفى فيه - فقالت نحو ذلك. وقالته أيضا أم معاذ الأنصارية كما فى رواية الطبرانى التالية فيحتمل أن الكل شهدن له بذلك: و (نظر غضب) إنما غضب صلى الله عليه وسلم لأنها أخبرت بإمر مغيب لا يعلمه لعبد الرزاق: فوالله ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم. وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لقوله تعالى " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم " وكان ذلك قبل نزوله قوله تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " لأن الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية .. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة فيحمل الإثبات فى ذلك على العلم المجمل، والنفى على الإحاطة من حيث التفضيل. انظر ص 74 ج 3 فتح البارى (الدخول على الميت) و (يضربهن 9 الظاهر أن بكاءهن كان بصوت غير موتفع فنهاهن عمر حتى لا يجر الى النباحة فإمره النبى صلى الله عليه وسلم بتركهن مبينا عذرهن من النياحة بقوله وإياكن ونعيق الشيطان.

فبكى، فلما بكى أهل البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله ابا السائب، وكان السائب قد شهد معه بدرا. قال: فتقول أم معاذ: هنيئا لك ابا السائب الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يدريك يا أم معاذ؟ أما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرا. قالت: لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدا أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات (¬1). {367} ففيما ذكر دليل على جواز البكاء الخالي مما لا يجوز كالصراخ والندب وشق الجيب ولطم الخد. وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون كما ترى وبكى عند موت ولده إبراهيم غيره (روى) ثابت البنانى عن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم، فإخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بإخرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك بإبراهيم لمحزونون. أخرجه الشيخان والبيهقى وهذا لفظ البخاري (¬2). {368} ¬

(¬1) انظر ص 18 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء فى البكاء). (¬2) انظر ص 112 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم إما بك لمحزونون) (وص 74 ج 15 نووى 0 رحمته صلى الله عليه وسلم). و (القين) بفتح فسكون، الحداد. و (الظئر) (بكسر فسكون زوج المرضع 0 وتذرفان) أى يجرى دمعهما (وإنها رحمة) أى ما تراه من دمع العين هو رحمة أودعها الله فى قلوب عباده المؤمنين تنشا عن رقة القلب لا من الجوع. و (لمحزونون) كان حزن النبى صلى الله عليه وسلم بحكم الطبيعة لبشرية وهذا ليس محظورا فى الشرع إلا إن صحبة رفع صوت وجزع. وخاطب النبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم بهذه الكلمات مع أنه لم يكن يفهم الخطاب لصغره واحتضاره ليبين أن مثل هذا القول ليس منهيا عنه.

(وقال) ابن عباس: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي بعض بناته وهى فأعقبني السوق، فإخذها ووضعها فأعقبني حجرة حتى قبضت فدمعت عيناه، فبكت أم ايمن، فقيل لها: أتبكين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إلا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكى؟ قال: إني لم ابك وهذه رحمة إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل. أخرجه أحمد والنسائي أسعده بسند جيد (¬1). {369} (وقال) أسامة بن زيد: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغميمة ابنة زينب ونفسها نفعفع كأنها فأعقبني شن. فقال صلى الله عليه وسلم: لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله أتبكى؟ أولم تنه عن البكاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي رحمة جعلها الله فأعقبني قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء أخرجه أحمد والشيخان (¬2). {370} ¬

(¬1) انظر ص 136 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 18 ج 3 مجمع الزوائد. وبنات النبى صلى الله عليه وسلم كلهن توفين متزوجات. فالمراد هنا بعض بناته ولعلها أمام بنت زينب كما فى الحديث الآتى (والسوق) بفتح فسكون النزع كأن روحها تساق لتخرج من بدنها (وهذه رحمة) أى الدموع أثر الرحمة (ويحمد الله) * لآنه تعالى يطلعه على منزلته فى الجنة فيحمده لذلك. (¬2) انظر ص 140 ج 7 - الفتح الربانى (الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 100 ج 3 فتح البارى. وص 224 ج 6 نووى (الكاء على الميت) و (اميمة) تصغير أمامة وهى بنت ابى العاص. ولم تمت فى هذا المرض بل عاشت حتى تزوجها على بعد فاطمة رضى الله عنهم. و (تقعقع) أى تتحرك وتضطرب (والشن) بفتح الشين القربة الخلقة اليابسة شبه البدن بالجلد وشبه حركة الروح فيه بما يطرح فى الجلد من حصاة ونحوها. و (لله ما أحد) وفى رواية الشيخين إن لله ما أخذ، وله ما أعطى والمقصود الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله فإنا لله وإنا اليه راجعون (وكل) أى كل واحد من الأخذ والإعطاء مقدر باجل معلوم وفى رواية وكل شئ عنده أى فى علمه وإحاطته (والرحماء) جمع رحيم ومقتضاء أن رحمة الله مختصة بمن كثرت رحمته بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت فى حديث عبد الله بن عمرو: الراحمون يرحمهم الرحمن. اخرجه ابو داود وغيره. والراحمون جمع راحم وهو يشمل من فيه أدنى رحمة.

(وقال) ابن عمر رضى الله عنهما: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده فأعقبني غشية، فقال: قد قضى؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا. قال: ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - أشار إلى لسانه - أو يرحم. أخرجه الشيخان والبيهقى (¬1). {371} (دلت) هذه الأحاديث على إباحة البكاء على الميت والحزن عليه إذا لم يصحبه نوح أو شق جيب أو لطم خد أو سخط لأمر الله تعالى. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بكى، وبكى بعض الصحابة أيضا. (وقال) عبد الله بن يزيد: رخص فأعقبني البكاء من غير نوح أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير بسند جيد (¬2). {372} وعلى هذا أجمع العلماء ويجوز أيضا البكاء بصوت إذا غلب على الباكي الحزن ولم يبلغ إلى حد المنهي عنه (روت) عائشة رضى الله عنها أن سعد بن معاذ ¬

(¬1) انظر ص 113 ج 3 فتح البارى (البكاء عند المريض) وص 226 ج 6 نووى (الجنائز) وغشية بفتح فسكون فتخفيف الياء وفى رواية البخارى " فى عائشة " اى ما يغشاه من كرب الموت أو من يغشاه من أهله. (¬2) انظر ص 19 ج 3 مجمع الزوائد (البكاء)

(10) ندب الميت

لما مات حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعقبني بكر وعمر. فو الذي نفس محمد بيده إني لأعراف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا فأعقبني حجرتي، وكانوا كما قال الله " رُحَمَاء بينهم ". أخرجه أحمد (¬1). {373} ففي تفريقها بين بكاء عمر وأبي بكر وهى فأعقبني الحجرة، دليل على أنهما كانا يبكيان بصوت لشدة حزنهما على سعد ولم يقدرا على كتمه، ولكنه لم يبلغ إلى الحد المنهي عنه، ولذلك لم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم (10) ندب الميت يجوز ندب الميت بصفاته الممدوحة شرعا إن كان متصفا بها (روى) أنس ابن مالك أن فاطمة رضى الله عنها بكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه إلى جبريل نعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه والبيهقى (¬2). {374} ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 7 - الفتح الربانى (البكاء من غير نوح) (¬2) ذانظر ص 132 ج 7 - الفتح الربانى (البكاء من غير نوح) وص 105 ج 8 فتح البارى (مرض النبى صلى الله عليه وسلم) وص 256 ج 1 - ابن ماجه (وفاته) وص 71 ج 4 - البيهقى (البكاء بعد الموت) و (يا ابتاه) اصله يا ابى ولاتاء بدل من الياء والالف للندبه والهاء للسكت (من ربه ما ادناه) اى اى شئ جعله قريبا من ربه بصيغة التعجب (لاى جبريل نعاه) اى اخبرنى بموته حين نزل بقوله تعالى {إذا جاء نصرالله والفتح} السورة وبحديث ابى سعيد مرفوعا: إن عبدا خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده (الحديث) اخرجه مسلم. وتقدم ضمن اخر خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم ص 257 ج 4 - الدين الخالص. وفى رواية البخارى " الى جبريل ننعاه " اى نخبره بموته وان كان عالما به تاسفا على ما فقده من خصاله المحمودة. ولا يلزم ان يكون الاخبار للاعلام بل يكون لفائدة اخرى.

(11) النياحة والندب

(وعن أنس) أن ابا بكر رضى الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال: وأنبياء واخليلاه واصفياه. أخرجه احمد (¬1) {375} (وعن على) إن فاطمة رضى الله عنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها، ثم قالت: ماذا على مشتم تربة احمد ... إن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على مصيبة لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا (¬2) (11) النياحة والندب النياحة من النوح وهو رفع الصوت بالبكاء. والندب تعديد المحاسن والتغالى فيعا. وهما محرمان، فيحرم لابكاء على الميت إذا صحبة نياحة وندب أهله ضجر أهله ضرب خد أهله شق جيب أهله خمش وجه أهله نشر شعر أهله عويل وصراخ أهله دعاء بالويل والثبور ونحو ذلك مما يدل على عدم الرضا بقضاء الله وقدره (وقد) ورد في النهى عن ذلك عدة أحاديث (منها) حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أمور المزني صلى الله عليه وسلم قال: " ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوى الجاهلية " أخرجه البيهقى والسبعة إلا داود (¬3) [376] ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح) (¬2) انظر ص 411 ج 2 مغنى ابن قدامه. (¬3) انظر ص 105 ج 7 - الفتح الربانى (مالا يجوز من البكاء على الميت) وص 106 ج 3 فتح البارى (ليس منا من شف الجيوب) وص 109 ج 2 نووى (تحريم ضرب الخدود) وص 134 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 247 ج 1 - ابن ماجه (النهى عن ضرب الخدود) وص 63 ج 4 بيهقى. وص 263 ج 1 مجتبى. و (ليس منا) اى ليس من اهل سنتنا وطريقتنا الكاملة من فعل ذلك. فلمراد به المبالغة في الردع والزجر عن فعل ما ذكر. وليس المراد إخراجه من الدين الا إن استحل ما ذكر مع العلم بتحريمة او فعله ساخطا على القضاء فانه يكفر ولاعياذ بالله تعالى. والمراد بشق الجيب إكمال فتحة الى اخر الثوب وهو من علامات عدم الرضا بالقضاء. وخص الخد باللطم لكونه الغالب. وإلا فلطم بقية الوجه كذلك. والمراد بدعوى الجاهلية النياحة والندب كقولهم واجملاه واسنداه وظهرؤاه الى غير ذلك.

(وحديث) يزيد بن اوس قال: أغمي على أبي موسى الاشعرى رضى الله عنه فبكوا عليه، فقال: إني برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم. فسالوا عن ذلك آمراته فقالت: من حلق أو خرق أو سلق. أخرجه النسائي وأبو داود واحمد وهذا لفظه (¬1) {377} (وحديث) أبي بن أبي موسى قال: وجمع أبو موسى وجعا فغشى عليه ورآسة في حجر امرأة من أهله فصاحت فلم يستطيع إن يرد عليها شيئا. فلما أفاق قال: إني برئ منه محمد صلى الله عليه وسلم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالفة والحالقة والشاقة. أخرجه البخاري. (¬2) {378} وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره. لما تضمنه من عدم ¬

(¬1) انظر ص 263 ج 1 مجتبى (شق الجيوب) وص 284 ج 8 - المنهل العذب (النوح) وص 107 ج 7 - الفتح الربانى (مالا يجوز من البكاء على الميت) و (برئ) من البراءة وعلى الاصل الافنصال من الشئ والمراد التوعد بالايدخله في شفاعته مثلا (ومن حلق) اى من حلق شعره عند المصيبة (وخرق) اى شق ثوبة (وسلق) بالسين المهملة ويروى بالصاد من باب ضرب اى رفع صوته بالبكاء. (¬2) انظر ص 107 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من الحلق عند المصبية). و (الصالقة)

الرضا بالقضاء، فإن استحله مع العلم بالتحريم أو فعله سخطا من القضاء كفر، والعياذ بالله تعالى (¬1). (وحديث) أسيد بن أبى أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه - ألا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا ولا ننشر شعرا. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2). {379} (وحديث) أبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها ة الشاقة ثوبها، والداعية بالويل والثبور. أخرجه ابن ماجة وابن حبان بسند صحيح (¬3) {380} (وحديث) أنس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء حين بايعهن ألا ينحن، فقلن: يا رسول الله، إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنعدهن في الإسلام؟ فقال: لا إسعاد في الإسلام. أخرجه أحمد والنسائي (¬4). [381] ¬

(¬1) انظرص 106 ج 3 فتح البارى (ليس منا من شق الجيوب) (¬2) انظر ص 286 ج 8 - المنهل العذب (النوح) وص 64 ج 4 بيهقى. (وفيما أخذ علينا) أى كان فى العهد الذى أخذه علينا النبى صلى الله عليه وسلم أننا لا نعصيه فيما عرف شرعا من فعل الطاعات وترك المخالفات ومنه (ألا نخمش وجها) أى لا نخدش وجوهنا باظفارنا. يقال خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشا من باب ضرب اى جرحت ظاهر البشرة (ولا ندعو وبلا) اى لا ندعو بالويل والهلاك والمشقة كأن يقول الشخص يا ويلى يا هلاكى ويا عذابى (ولا ننشرا شعرا) اى لا نفرقه وكان ما ذكر من عادات الجاهلية يرتكب عند المصبية فنهاهن عنه (¬3) انظر ص 247 ج 1 - ابن ماجة (النهى عن ضرب الخدود) والويل والثبور: الهلاك. (5) (¬4) انظر ص 262 ج 1 مجتى (النياحة على الميت) (والبيعة) معاهدة النبى صلى الله عليه وسلم النساء على الا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يأتين بهتان ولا يعصين فى معروف. وكن 457 سبعا وخمسين وأربعمائة امرأة بايعهن يوم الفتح عند الصفا بعد ان بايع الرجال ولم يصافح واحدة منهن وقد تقدم بيانها مفصلا بص 24 ج 5 - الين الخالص.

والإسعاد المساعدة في النياحة. تقوم المرأة فتقوم أخري من جاراتها فتساعدها على النياحة. (وأما حديث) أم عطية رضى الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية. والإسعاد المساعدة في النياحة. تقوم المرأة فتقوم أخري من جاراتها فتساعدها على النياحة. (وأما حديث) أم عطية رضى الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية " يُبَايعْنكَ عَلَى أنْ لاَ يُشْرِكْنَ باللِه شَيئْاَ " إلى قوله ط وَلاَ يَعْصيِنَكَ في مَعْروفِ " كان منه النياحة، فقلت: يا رسول الله، إلا آل فلان وإنهم قد كانوا أسعدوني في الجاهلية فلابد لي من أن أسعدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا آل فلان. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقى (¬1). {382} (فيجاب) عنه بإنه كان قبل مبايعة أم عطية على التوحيد وغيره مما ذكر في الآية (فقد) قالت أم عطية: بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ علينا فيما أخذ أن لا ننوح، فقالت امرأة من الأنصار: إن آل فلان أسعدوني في الجاهلية وفيهم مأتم فلا ابايعك حتى أسعدهم كما أسعدوني، فذهبت فأسعدتهم ثم رجعت، فبايعت النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث) أخرجه أحمد، وكذا البخاري والنسائي بنحوه (¬2). {383} ¬

(¬1) نظر ص 108 ج 7 - الفتح الربانى (مالا يجوز من البكاء) وص 238 ج 6 نووى (تحريم النياحة) وص 62 ج 4 بيهقى (النهى عن النياحة) (¬2) انظر ص 109 ج 7 - الفتح الربانى (ما لا يجوز من البكاء) وص 450 ج 8 فتح البارى " إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " وص 183 ج 2 مجتبى (بيعة النساء والمرأة هى أم عطية (روى) محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: اردت أن ابابيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله إن امرأة أسعدتنى فى الجاهلية فأذخب فأسعدها ثم أجيئك فابايعك. قال: اذهبى فأسعديها يعنى قالت فذهبت فساعديها ثم جئت فبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه النسائى (183 ج 2 بيعة النساء) (وما قيل) من أن ذلك خاص بأم عطية فى غسعاد ىل فلان (يرده) ثيون ذلك لغيرها (فقد) أخرج ابن مردوية من حديث ابن عباس قال: لما آخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن ألا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم يا رسول الله كان أبى وأخى ماتا فى الجاهلية وإن فلانة اسعدتنى وقد مات أخوها (الحديث) (انظر ص 451 ج 7 فتح البارى) ومنه ظهر أن أقرب جواب أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم.

(وقال) بعض المالكية: النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر إنما المحرم ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية. والصواب ما ذكرناه وهو أن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس لما قاله هذا القائل دليل صحيح (¬1). (وحديث) أبي مالك الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من أمر الجاهلية لا يتركن: الفخر في الأخشاب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت. والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من حرب " أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (¬2). {384} ¬

(¬1) انظر ص 238 ج 6 نووى مسلم (تحريم النياحة). (¬2) انظر ص 109 ج 7 - الفتح الرباانى (التغليظ فى النياحة) وص 235 ج 6 نووى. وص 63 ج 4 بيهقى. و (الفخر فى الأحساب) الشرف بالاباء والتعاظم بمناقبهم كقوله: أنا ابن فلان العالم الكريم فيحرم ذلك فخرا وتكبرا على الغير. و (الطعن فى الأنساب) هو نسبة الرجل لغير ابيه كأن يقول له: لست ابن فلان أو أنت من أصل وضيع. (والاستسقاء بالنجوم) اعتقاد أن لها تأثير فى نزول المطر وهو كفر كما تقدم بص 238 ج 5 - الدين الخالص. (والسربال) القميص (ودرع من جرب) أى درع من أجل جرب بها. رخصت النائحة بهذا الوعيد لأن النياحة مختصة بالنساء غالبا وهن لا ينزجرن انزجار الرجال فاحتجن الى الوعيد الشديد.

(12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه؟

(وقال) أبو سعيد الخدرى: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وفى سنده محمد بن الحسن بن عطية العوفى عن أبيه عن جده والثلاثة ضعفاء. وأخرجه البزار والطبرانى وزادا فيه وقال: ليس لنساء في الجنازة نصيب (¬1). {385} وعلى هذا اتفقت كلمة جمهور العلماء، ودلت الأحاديث على التغليظ في آمر النائحة إذا لم تتب قبل موتها، وأنها مطرودة عن رحمة الله تعالى. وكذا المستمع لها وعليها مثل أوزار من اقتدى بها وعمل بعملها أو استمع لها وعلى ولى آمرها منعها من ذلك بكل طريق ممكن وإلا كان شريكها في الإثم نسال الله تعالى السلامة والهداية. (12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه؟ ورد أن الميت يعذب بالنياحة والبكاء عليه (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة. أخرجه أحمد (¬2). {386} ¬

(¬1) انظر ص 112 ج 7 - الفتح الربانى (التغليظ فى النياحة والنائحة والمستمعة) (وص 281 ج 8 - المنهل العذب 0 النوح) وص 63 ج 4 بيهقى. و (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى دعا عليها بالطرد عن رحمة الله. (والنائحة) المرأة التى تندب الميت وتعدد محاسنه (والمستمعة) والتى تعضد السماع وترغب فيه فهى شريكة النائحة فى الإثم وخصت المرأة بالذكر لأن النوح والإصغاء اليه يكون من النساء غالبا وإلا فالرجل كالمرأة فى ذلك. (¬2) انظر ص 117 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه).

(وعن) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب في قبره بما نيح عليه. أخرجه احمد والشيخان والنائحة وابن ماجه والبيهقى (¬1). {387} (وعن) أنس أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما عولت عليه حفصة قال: يا حفصة، أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: المعول عليه يعذب؟ وعول صهيب، فقال عمر: يا صهيب، أما علمت أن المعول عليه يعذب؟ أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي. {388} فظاهر هذه الأحاديث أن الميت يعذب بالبكاء عليه بصوت ونوح مطلقا. وبه قال عمر وابنه والمغيرة بن شعبة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم (وقال) جماعة من الشافعية منهم أبو حامد: إن الميت لا يعذب ببكاء الغير عليه مطلقا، لقوله تعالى: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " (¬2). . (وروى) عن أبي هريرة وعائشة: روى هشام بن عروة عن أبيه أن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت ليعذب ببكاء أهله، فذكر ذلك لعائشة فقالت: وهل (تعنى ابن عمر) إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فقال: إن صاحب هذا ليعذ وأهله يبكون عليه. أخرجه البيهقى والسبعة، إلا البخاري وابن ماجه (¬3). {389} ¬

(¬1) انظر ص 119 ج 7 - الفتح الربانى. وص 105 ج 3 فتح البارى (ما يكره من النياحة على الميت) وص 229 ج 6 نووى. وص 262 ج 1 مجتبى (النياحة على الميت وص 249 ج 1 - ابن ماجه وص 71 ج 4 بيهقى. (¬2) انظر ص 119 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه). وص 230 ج 6 نووى. وص 72 ج 4 بيهقى (وعولت) بشد الواو أى بكت رافعة صوتها. (¬3) الأنعام: 164 أى لا تحمل نفس مذنبة إثم نفس أخرى. وكذا غير المذنبة لا تحمل ذنب أخرى. فلا مفهوم لقوله وازره.

(وعن يحيى) بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقال: إن هذا ليعذب الآن ببكاء أهله عليه. فقالت عائشة: غفر الله لأبى عبد الرحمن إنه وهل إن الله تعالى يقول: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا ليعذب الآن أهله يبكون عليه. أخرجه أحمد (¬1). {390} (والجواب) أن إنكار عائشة هذا وحكمها على ابن عمر بالخطأ أو النسيان غير مسلم لأنه قد ثبت الحديث عن عمر وأبى موسى الأشعرى والمغيرة بن شعبة كما ثبت عن ابن عمر - كما تقدم - وهم جازمون به فلا وجه للنفى مع إمكان تأويله صحيحا (¬2)، كما يأتي. فإنكار عائشة لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه فإنهم قد يحضرون مالا تحضره ويشهدون ما تغيب عنه. واحتمال السهو والغلط بعيد جدا. ¬

(¬1) انظر ص 116 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وص 234 ج 6 نووى. وص 282 ج 8 - المنهل العذب (النوح) وص 262 ج 1 مجتبى (النياحة على الميت) وص 136 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى البكاء على الميت) وص 73 ج 4 بيهقى (الميت يعذب بالنياحة عليه) (وهل) بفتح الهاء واللام أى ذهب وهمه ما قال. ويجوز أن يكون من باب تعب بمعنى غلط. وفى رواية مالك ومسلم والبيهقى: ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحى فقالت عائشة: يغفر الله لأبى عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسى أو خطأ. إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: أنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب فى قبرها (انظر ص 283 ج 8 - المنهل العذب - الشرح). (¬2) انظر ص 115 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وأبو عبد الرحمن كنية ابن عمر.

(وذهب) الجمهور إلى تأويل الأحاديث الدالة على تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لمخالفتها لقوله تعالى: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " (¬1)، واختلفوا في التأويل على أقوال (أ) ذهب الجمهور إلى حملها على من أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكائهم ونوحهم عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه. وكان ذلك معروفا للعرب. قال طرفة بن العبد: إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقى على الجيب يا ابنه معبد (واعترض) بإن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدروها والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال (والجواب) أنه ليس شئ السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا. أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب، لقوله تعال: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " وهذا هو الصحيح وعليه عامة أهل العلم. ب- (وقال) داود الظاهري وطائفة: إنها محمولة على من لم ينه أهله عن ذلك. ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة ولا ظن أنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن ارتكابه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده. جـ- (وقال) ابن حزم وجماة: الأحاديث محمولة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكية أهله بها ويعذبونه لأجلها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها شئ معصية الله. وكرمه البخاري لم يضعه شئ موضعه. فهم يمدحونه بها ويبكونه لأجلها وهو يعذب بها (¬2) (واستدلوا) بحديث ابن عمر السابق في بحث البكاء ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه). (¬2) الأنعام: 164

على الميت، وفيه القضاء كفر صلى الله عليه وسلم قال: " ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بها - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " أخرجه الشيخان والبيهقى (¬1). {391} دل على أن البكاء البخاري يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها ونحو ذلك مما تقدم د- وأحسن تأويل شئ هذه المسالة أن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة الميت بما يندبه أهله به (ويؤيده) حديث أسيد بن أبى أسيد عن موسى بن أبي موسى الأشعرى عن أبيه أن القضاء كفر صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذ قالت النائحة: واعضداه واناصره واكاسباه جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها؟ فقلت: سبحان الله، يقول الله عز وجل: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ". فقال: ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). {392} ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح فى سنته). (¬2) تقدم رقم 371 ص 269

(وعن) أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت؟ أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب والحاكم وصححه (¬1). {393} (وعن) النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد الله بن رواحه فجعلت أخته تبكى وتقول: واجبلاء واكذا وكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل في آنت كذلك؟ فلما مات لم تيك عليه. أخرجه الآية (¬2). {394} هـ- (وقال) أبو جعفر الطبري والقاضى عياض وغيرهما: المراد بالتعذيب تألم الميت مما يقع من أهله من النياحة (لحديث) قيلة بنت مخرمة قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات، ونزل على البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه شئ الدنيا معروفا وإذا مات استرجع؟ فوالذى نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكى فيستعبر إليه صويحبه. فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم (الحديث) أخرجه ابن أبي شيبه والطبرانى وغيرهما بسند حسن (¬3). {395} (وقال) أبو هريرة: إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم فإذا رأوا خيرا فرحوا به، وإذا رأوا شرا كرهوه (الأثر). أخرجه ابن جرير الطبري بسند صحيح (¬4). {396} ¬

(¬1) انظر ص 125 ج 7 - الفتح الربانى (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وص 249 ج 1 - ابن ماجه (الميت يعذب بما نيح عليه) (وحبذة) حبذا من باب ضرب مثل جذبه جذبا. (¬2) انظر ص 136 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية البكاء على الميت) و (لهزه) كمنعه لكزة وضربه. (¬3) انظر ص 363 ج 7 فتح البارى (غزوة مؤته - بضم فسكون) (¬4) انظر ص 99 ج 3 فتح البارى (الشرح) و (قيلة) و (مخرمه) بفتح فسكون فيهما. و (الزيدة) بفتحات قرية من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق. وفيها مات ابو ذر الغفارى رضى الله. و (يستعير اليه) يعنى يتالم من بكائه

(13) نعى الميت

هذا، ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فإوصاهم بذلك عذب بصنعه. ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به. ومن كان يعرف من إن النياحة فأهمل نهيهن عنها، فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول. وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهى. ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصيى ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم. وحكى الكرمانى تفسيرا آخر وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة فيحمل قوله تعالى: "" وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " على يوم القيامة. وأحاديث تعذيب الميت بنوح أهله عليه على البرزخ (ويؤيده) أن مثل ذلك يقع فانعيني الدنيا والإشارة إليه بقوله تعالى: " وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة " (¬1)، فإنها دالة على جواز تعذيب الإنسان بما ليس له فيه تسبب فكذلك يمكن أن يكون الحال فانعيني البرزخ بخلاف يوم القيامة (¬2). (13) نعى الميت النعي - بفتح فسكون وتخفيف الياء، أو بفتح فكسر فشد الياء - هو فانعيني اللغة الإخبار بموت الشخص، وشرعا له ثلاث حالات (الأولى) إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح بموته من غير نوح ولا منكر آخر لتجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه والدعاء له وغير ذلك وهو مشروع (لحديث) أبي هريرة ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح). (¬2) الأنفال: 25.

أن النبي صلى الله عليه وسلم فى اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعا. أخرجه السبعة (¬1). {397} ¬

(¬1) انظر ص 218 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الغائب) وص 75 ج 3 فتح البارى (الرجل ينعى - إلى أهل الميت - بنفسه) وص 21 ج 7 نووى (التكبير على الجنازة) وص 49 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصلاة على المسلم فى بلاد الشرك) وص 280 ج 1 مجتبى (الصفوف على الجنائز) وص 240 ج 1 - ابن ماجه (فى الصلاة على النجاشى) وص 140 ج 2 تحفة الأحوذى (التكبير على الجنازة) وأخرجه عن عمران بن حصين وتشديد المثناة التحتيه وحكى فيها التخفيف - اسمه اصحمة بن ابحر وهو بالعربية عطية (وقد) اسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه. وسبب إسلامه أن النبى صلى الله عليه وسلملما رأى ما يصيب اصحابه من الأذى. وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ذلك البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل لكم الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه فخرج بعض المسلمين ألى ارض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم. فكانت أول هجرة فى الإسلام. فلما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمانوا بالحبشة وأ/، ,أ ,أن النجاشى قد أحسن صحبتهم، ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن ابى ربيعة ومعهما هدية اليه والى أعيان أصحابه .. فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا الى النجاشى هديته والى اصحابه هداياهم وقالا لهم: إن ناسا من شفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك، جاءوا بدبن مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد ارسلنا اشراف قومهم الى الملك ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا أن يسمع النجاشى كلام المسلمين فيمتنع من تسليمهم. فوعدهم أصحاب النجاشى بالمساعدة علىما يريدان ثم حضرا عند النجاشى وأعلماه بما جاءا له فاشار اصحابه بتسليم المسلمين اليهما فغضب من ذلك وقال: لا والله لا اسلم قوما جاوزونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم واسالهم عما يقول هذان فإن كانا صادقين أسلمتهم اليهما وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم. ثم ارسل النجاشى الى اصحاب البى صلى الله عليه وسلم فحضروا وقالوا: يستأذن أولياء الله فقال ائذنوا اليهم فمرحبا بأولياء الله فلما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= دخلوا عليه قالوا السلام عليكم فقال الرهط من المشركين: ايها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحبوك بتحيتك التى تحيا بها فقال لهم الملك: ما منعكم أن تحيونى بتحيتى؟ قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة - وقد اتفقوا على أن يقولوا الصدق، وكان المتكلم عنهم جعفر بن ابى طالب - فقال لهم النجاشى ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا دين أحد من الملل؟ فقال جعفر: ايها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار وياكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته بصدق فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش: وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام - وعدد عليه أمور الإسلام - فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا فتعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. فقال النجاشى: هل معك مما جاء به عن الله شئ؟ قال نعم فقرأ عليه (سورة مريم) فبكى النجاشى واسافقته، وقال النجاشى: إن هذا والذى جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انظلقا والله ما أسلمهم إليكما أبدا. فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما يبيد خضراءهم فقال له عبد الله بن ابى ربيهة - وكان أتقى الرجلين - لا تفعل فإن لهم أرحاما. فلما كان الغد قال غمرو للنجاشى: إن هؤلاء يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما فارسل النجاشى فسالهم عن قولهم فى المسيح فقال جعفر: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشى عودا من الأرض وقال: ما زاد على ما قاله عيسى مثل هذا العود. فنخرت بطارقته (أى تكلمت مع غضب ونفور) فقال وإن نخرتم. وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لى جبلا من ذهب وإننى آذنت رجلا منكم ورد هدية قريش. وقال /اأخذ الله الرشوة منى حتى آخذها منكم ولا أطاع الناس فى حتى أطيعهم فيه. وأقام المسلمون بخير دار. وكتب =

(وحديث) أنس أن الجرماني صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن ماجه للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زبد فاصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمره ففتح له. أخرجه أحمد والبخاري (¬1). {398} فإخبار الجرماني صلى الله عليه وسلم بقتل الثلاثة: يدل على أن الإعلام بموت أحد مباح لا نعى منهي عنه (وحديث) أبي هريرة رضى الله عنه أن إنسانا كان يقم المسجد أسود مات أو ماتت ففقدها الجرماني صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل الإنسان البخاري كان يقم المسجد؟ فقيل له: مات، قال: فهلا آذنتموني به؟ (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان في داود وابن ماجه والبيهقى (¬2) {399} (وحديث) يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته أن رافع بن خديج مات ¬

= الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى اشهد أنك رسول الله صادق مصدق وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفر بن ابى طالب واسلمت لله رب العالمين. وكان رضى الله عنه ردءا للمسلمين نافعا حاكما بالقسط مات بارض الحبشة فى رجب سنة تسع وقيل قبل الفتح (¬2) انظر ص 361 ج 7 - فتح البارى (غزوة مؤتة من ارض الشام)، (وزيد) هو ابن ثابت (وجعفر) بن ابى طالب. (من غير إمرأة أى أخذ الرابة خالد من غير أن يجعله النبى صلى الله عليه وسلم أميرا وكان فى ذلك بغزوة مؤته بضم فسكون (انظر بيانها بهامش ص 91 ج 4 - الدين الخالص).

بعد العصر فآتى ابن عمر فإخبر بموته، فقيل له: ما ترى ايخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فاصبحوا وأخرجوا بجنازته. أخرجه البيهقى (¬1). {400} فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت ليس نعيا محرما بل هو مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والحزن على أهله لكن فيه مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة إلي شهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وأصابه وما يترتب على ذلك من الأحكام (قال) الترمذى: لا باس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص (¬2). (والصحيح) البخاري تدل عليه الأحاديث الصحيحة أن الإعلام بالموت لمن لم يعلم ليس بمكروه بل أن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء وهذا نعى الجاهلية المنهي عنه فقد صحت الأخبار بالإعلام فلا يجوز إلغاؤه (¬3). (الحالة الثانية) الإعلام بدعوى الجمع الكثير للمفاخرة وهو مكروه، ومنه ما يقع من كثير من أهل الزمان إذا مات عظيم أعلنوا عن موته برئ الصحف وغيرها أو أرسلوا إلى الجهات الأخرى يخبرون أهلها بموته مفاخرة ومباهاة وعليه يحمل قول حذيفة: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القضاء كفر. أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى وهذا لفظه وقال حديث حسن (¬4) {401} ¬

(¬1) انظر ص 223 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على القبر بعد الدفن) وص 133 ج 3 فتح البارى. وص 25 ج 7 نووى. وص 45 ج 9 - المنهل العذب. وص 240 ج 1 ابن ماجه. وص 32 ج 4 بيهقى (ويقم) بضم القاف أى يكنس ويجمع الكناسة (أو ماتت) (شك من الراوى). وفى ارواية للبخارى أن رجلا اسود أو أمرأة سوداء وفى روابة له: أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه (أى لا أظنه) إلا امرأة. وفى رواية البيهقى تسميتها أم محجن. (¬2) انظر ص 74 ج 4 بيهقى (من كره النعى والإيذان). (¬3) انظر ص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى كراهة النعى). (¬4) انظر ص 216 ج 5 مجموع النووى.

كان أهل الجاهلية يشهرون الموت بهيئة كريهة فالنهى محمول عليه فخاف حذيفة أن يكون النهى مطلقا يشمل نعى الجاهلية والإعلام بالموت فأمر بترك هذا تورعا. (ويروى) برئ ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد وعلقمة وغيرهم. (قال) علقمة: لا تؤنوا بي أحدا، وقال عمرو بن شرحبيل: إذا أما مت فلا أنعى إلى أحد. (وقال) البيهقى: وبغنى عن مالك بن أنس أنه قال: لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس (¬1). (الحالة الثالثة) الإعلام بموته بنوح وغيره مما يشبه نعى الجاهلية كانوا يرسلون رجلا على أبواب الدور وفى الأسواق يعلن بموت فلان، وكانوا إذا توفى رجل ركب أحدهم فرسا ويقول: نعاء (¬2) فلانا ويخرج إلى القبائل بنعاه إليهم ويقول: هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان (ومن) هذا ما يقع برئ كثير من البلدان من طواف النساء برئ البلد يصحن ويولولن ويلطمن الخدود ويدعون بدعوى الجاهلية برئ حالة منكرة قبيحة. وفى بعض الجهات إذا مات عظيم وقفوا على المنارات ونحوها يخبرون بموته ويرفعون أصواتهم بالبكاء والنياحة أو يضربون بالطبول والموسيقى وهو محرم منهي عنه. ومنه التبرير البخاري يفعله بعض المؤذين على المنارات عند موت عالم أو عظيم من العظماء (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 7 - الفتح الربانى (ما جاء فى نعى الميت) وص 232 ج 1 ابن ماجه (ما جاء فى النهى عن النعى) وص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى كراهية النعى). (¬2) انظر ص 74 ج 4 بيهقى (من كره النعى والإيذان والقدر الذى لا يكره منه) (¬3) (نعاء) كدراك ونزال. فهو مبنى على الكسر: أى أنعاه وأظهر خبر وفاته.

(14) الإحداد على الميت

(روى) عنبسة عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن الجرماني صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والنعى من عمل الجاهلية. أخرجه الترمذى وقال: حديث غريب. وأخرجه من طريق سفيان الثوري عن أبي حمزة موقوفا على ابن مسعود وقال: وهذا اصح من حديث عنبسة عن أبى حمزة وهو ميمون الأعور وليس بالقوى (¬1). {402} والنهى فيه محمول على القضاء كفر البخاري كان عليه أهل الجاهلية جمعا بين الأحاديث فإن ظاهرة تحريم القضاء كفر وإن لم يصحبه ما يستنكر كما كانت تفعله الجاهلية من إرسال من يعلى بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق ولكنه قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس برئ اليوم البخاري مات فيه، وأخبر بقتلى موتة، وقال برئ السوداء التي كانت تقم المسجد: ألا أخبرتموني بموتها؟ فهي تدل على جواز الإعلام بالموت لمن يحضر الغسل والتكفين والصلاة. والمنع منه لغير ذلك (¬2). (وعن) إبراهيم النخعى وابن سيرين أنهما قالا: لا باس مات الرجل أن يؤذن صديقه واصحابه. إنما يكره أن يطاف برئ المجالس فيقال: أنعى فلانا فعل أهل الجاهلية. أخرجه سعيد بن منصور برئ سنته. (14) الإحداد على الميت الإحداد - من أحد ويقال الحداد من جد، كنصر وضرب - لغة المنع، وشرعا ترك ما يتزين به من حلى أو كحل أو حرير ولو أسود أو دهن ¬

(¬1) قد تقدم بيانه وبيان بدعة رثاء الميت فى المسجد بص 356، 355 ج 3 الدين الخالص. (¬2) انظر ص 129 ج 2 تحفة الاحوذى (كراهية النعى)

ولو غير مطيب أو اختضاب بحناء أو لبس مصبوغ بما له رائحة طيبة كالمزعفر والمعصفر الجديد البخاري يتزين به. (هذا) والإحداد واجب على المسلمة المكلفة التي مات زوجها أربعة اشهر وعشرا تأسفا على زوال نعمة النكاح لأنه سبب لعفتها وكفاية مئونتها. ويجوز للمرأة الإحداد على قريب غير زوج ثلاثة أيام فقط ما لم يمنعها زوجها (لحديث) أم عطية الأنصارية أن الجرماني صلى الله عليه وسلم قال: لا تجد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة اشهر وعشرا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا ولا تختضب ولا تمتشط إلا إذا طهرت تمس نبذة من قسط أو أظفار. أخرجه السبعة إلا الترمذى (¬1). {403} والحكمة برئ إحداد المرأة على الزوج أربعة أشهر وعشرا أن الولد بتكامل خلقه وتنفخ فيه الروح بعد مضى 120 عشرين ومائة يوم وهى زيادة على أربعة اشهر بنقصان الأهله فجبر الكسر إلى العقد وزيد العشر احتياطا (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 114 - الروضة الندية. (¬2) انظر ص 149 ج 7 - الفتح الربانى (الإحداد على الميت) وص 397 ج 9 فتح البارى (القسط للحادة عند الطهر) وص 118 ج 10 نووى (وجوب الإحداد فى هدة الوفاة) وص 210 ج 2 عون المعبود (ما تجتنبيه المعتدة) وص 328 ج 1 ابن ماجه (هل تحد المرأة على غير زوجها) وص 114 ج 2 مجتبى (الخضاب للحادة)، (العصب) بفتح فسكون برود يمانية يعصب غزلها ويشد ثم يصبغ إلا ثوب عصب. و (النبذة) بضم فسكون القطعة (والقسط) بضم فسكون (والأظفار) نوعان من العود رخص فى استعمالها للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب.

هذا وقد أفاد الحصر برئ قوله " إلا على زوج " أنه يجوز للمرأة أن تحد على غير زوجها - أبا أو ابنا أو أخا أو قريبا - ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد وليس ذلك واجبا لاتفاقهم على أن الزوج لو طلبها للجماع لا يحل لها منعه. ودل الحديث على (أ) أنه يحرم الإحداد على غير الزوج فق ثلاث وإن أذن الزوج (¬1). (ب) وأنه يجب الإحداد على الزوج أربعة اشهر وعشرا لأنه جواز بعد منع فيجب إلا لعذر (¬2). بإن كانت لا تجد إلا ثوب زينة أو بها نحو حكة فتلبس الحرير أو شكت عينها أو رأسها فيباح لها الكحل والأدهان (لحديث) أم حكيم بنت اسيد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينيها فتكتحل بكحل الجلاء فأرسلت إلى أم سلمة تسألها عنه فقالت: لا يكتحل منه إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت: دخل على الجرماني صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا، فقال الجرماني صلى الله عليه وسلم: إنه يشب الوجه فلا تحمليه ¬

(¬1) انظر ص 393 ج 9 فتح البارى (تحد المتوفى عنها اربعة أشهر وعشرا) وص 113 ج 10 نووى مسلم (وجوب الإحداد فى عدة الوفاة). (¬2) " وأما حديث عمرو بن شعيب أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على ابيها سبعة ايام وعلى من سواه ثلاثة ايام. اخرجه أبو داود فى المراسيل " فلو صح" لكان خصوص الب خرج من هذا العموم لكنه مرسل او معضل (أى سقط منه غير الصحابى) لأن جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين لم يرو إلا الشئ اليسير عن بعض صغار الصحابة (انظر ص 393 ج 9 فتح البارى).

إلا بالليل وانزعيه بالنهاؤ ولا تمتشطى بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب. قلت: بأي تألم أمتشط؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك. أخرجه مالك وأحمد وأبو داود في حسن ووالدة أم حكيم مجهولة (¬1). { 404} (ولذا) قال الحنفيون وأحمد والجمهور: يجوز للمعتدة المتوفى عنها زوجها الاكتحال بالإثمد ونحوه (والمشهور) عن مالك منع اكتحالها إلا لضرورة. (وقالت) (الشافعية: يحرم على المحدة الاكتحال ولو احتاجت إليه) لحديث) حميد بن نافع عن زينب ابنه أبي سلمة أن أم سلمة قالت: جاءت امرأة إلى الجرماني صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى زوجها وقد اشتكت عينها افنكحلها؟ فقال الجرماني صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا. كل ذلك يقول لا. ثم قال: إنما هي أربعة اشهر وعشر. وقد كانت إحداكن تألمه الجاهلية ترمى بالبعرة على راس الحول قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمى بالبعرة على راس الحول؟ فقالت: كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر سنة، ثم تؤتى بدابة - حمار آمرها شاة أو طائر - فتنفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شارت من طيب أو غيره. سئل مالك ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها. أخرجه الجماعة (¬2). {405} ¬

(¬1) " وأما " حديث اسماء بنت عميس زوج جعفر فقال: لا تحدى بعد يومك هذا .. أخرجه أحمد وابن حبان بسند قوى وصححاه (انظر ص 150 ج 7 - الفتح الربانى - الإحداد على الميت. وص 393 ج 9 فتح البارى) " فظاهره " أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بعد اليوم الثالث بل ظاهر النهى أن الإحداد لا يجوز. (والجواب) أنه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافة ويدل على الوجوب أيضا حديث زينب ابنه أبى سلمة الآتي رقم 405. (¬2) انظر ص 261 ج 2 عون المعبود (ما تجتنبه المعتدة) وص 115 ج 2 مجتبى (الرخصة للحادة أن تمتشط بالسدر). و (أسيد) بفتح فكسر (والجلاء) بالكسر والمد: الإثمد: سمى بذلك لأنه يجلو البصر (والصبر (والصبر) بفتح فكسر ككتف وتسكن الباء تخفيفا. (ويشب) بفتح فضم فشد الباء أى يحسن الوجه ويزيد في لونه (وتغلفين) من تغلف الشخص بالشيء تلطخ به آي تكثرين منه على شعرك حتى يصير غلافا له.

(15) تجهيز الميت

فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة وإن احتاجت إليه. وفى الحديث السابق فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار. (ووجه) الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل مطلقا. وإن احتاجت لم يجز ليلا مع أن الأولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار، فحديث الإذن تألمه الإكتحال لبيان أنه بالليل للحاجة غير حرام. وحديث النهى محمول على عدم الحاجة (¬1). (15) تجهيز الميت يكون بالغسل والتكفين والصلاة عليه وحمله ودفنه. وهى الطريقة المتبعة من لدن سيدنا آدم إلى الآن (روى) الحسن عن عتى بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب أن آدم عليه السلام قبضته الملائكة وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا له وصلوا عليه ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عليه اللبن ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا: بابني آدم هذه سنتكم. أخرجه ابن أحمد تألمه زوائد المسند والحاكم وقال صحيح الإسناد (¬2). {406} وهاك بيانها مرتبة: ¬

(¬1) انظر ص 395 ج 9 فتح الباري (تحد المتوفى عنها اربعة اشهر وعشرا) وص 113 ج 10 نووى (وجوب الإحداد فى عدة الوفاة) وص 258 ج 2 عون المعبود. وص 114 ج 2 مجتبى (ترك الزينة للحادة المسلمة) وص 328 ج 1 - ابن ماجه (كراهة الزينة للمتوفى عنها زوجها) و (اشتكت عينها) بالرفع فاعل، ويؤيده رواية مسلم عيناها وبالنصب على أنها مفعول والفاعل ضمير يعود على المرأة ويؤيده رواية لأبى داود اشتكت عينيها. و (افنكحلها) بفتح النون وضم الحاء (وحفشاء) بكسر فسكون أى بيتا صعيرا حقيرا (ثم تراجع) أى تعود الى الطيب والزينة و (تمسح به جلدها) وقال غير مالك تفتض أى تكسر ما هى فيه من العة بطائر تمسح به قبلها وتنبذة فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به (¬2) انظر ص 114 ج 10 نووى مسلم (وجو ب الإحداد فى عدة الوفاة).

(أ) غسل الميت

(أ) غسل الميت الغسل - بفتح فسكون مصدر غسل - لغة الإسالة، وشرعا إيصال الماء إلى جميع بدن الميت، والكلام فيه ينحصر في ثمانية مباحث. (1) حكم: هو فرض كفاية في حق المسلم غير الشهيد عند الأئمة الأربعة والجمهور إذا لم يكن خنثي. فإن كان فالأولى أن ييمم. وقيل يغسل في ثيابه. (ودليل) الوجوب حديث ابن عباس قال: بينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقصته ناقته فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رآسة فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. أخرجه السبعة (¬1) {407} (2) سبب غسل الميت: سبب لزومه الحدث على الأصح لأن الموت سبب للإسترخاء وزوال العقل وليس الغسل لنجاسته لأن الآدمي لا ينجس حيا ولا ميتا. (قال) ابن عباس: المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. ذكره البخاري تعليقًا ووصله ¬

(¬1) انظر ص 188 ج 7 - الفتح الربائى (تطيب بدن الميت) وص 88 ج 3 فتح الباري (كيف يكفن المحرم؟ ) وص 127 ج 8 نووى مسلم (ما يفعل بالمحرم إذا مات) وص 109 ج 9 - المنهل العذب. وص 269 ج 1 مجتبى (كيف يكفن المحرم إذا مات) وص 135 ج 2 - ابن ماجه (المحرم يموت) و (وقصته ماقته) من باب وعد اى رمت به فدقت عنقه. و (في ثوبيه) المراد بهما الإزار والرداء لان المحرم لا يلبس الثياب المخيطة. وفى رواية للبخاري وأبى دواد: وكفنوه في ثوبين (ولا تحنطوه) اى لا تطيبوه بالحنوط، وهو خليط من الطيب. (ولا تخمروا رأسه) اى لا تغطوه لان المحرم ممنوع من ذلك حيا وميتا عند الشافعى واحمد (وقال) الحنفيون ومالك: يفعل بالمحرم الميت ما يفعل بالحلال فيطيب ويغطى رأسه وقالوا: الحديث خاص بهذا الأعرابي ولا دليل على الخصوصية. كما سيأتي في بحث التكفين إن شاء الله.

الحاكم والبيهقى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنجسوا موتاكم فان المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا (¬1). {408} (3) شروط: هي شروط وجوب وصحة وجواز. (1) فشروط الوجوب خمسه: (1) كون الميت مسلما فلا يجب غسل الكافر - لان الغسل شرع كرامة وتعظيما للميت، والكافر ليس من أهل الكرامة والتعظيم - إلا إذا كان ذا رحم من المسلم فانه يغسله ويكفنه ويتبع جنازته على ما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى في بحث (تجهيز المسلم الكافر). (2) وجود الميت كلا أو جلا عند الحنفيين ومالك. فلو وجد طرف من أطراف الإنسان كيد أو رجل لا يغسل لان الشرع ورد بغسل الميت والميت اسم لكله أو أكثره، لان للأكثر حكم الكل. وإن وجد اقله أو نصفه لم يغسل لانه ليس بميت حقيقة ولا حكما. ولان الغسل للصلاة. ما لم يزد عن النصف لا يصلى عليه فلا يغسل إلا إذا وجد النصف مع الرأس فانه يغسل لكونه معظم البدن (وقال) الشافعي واحمد: عن وجد عضو إنسان تيقن موته يغسل ويصلى عليه لقول الشافعي: أنبا بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن أبا عبيدة صلى على رءوس. قال الشافعي: وبلغنا أن طائرا القي يدا بمكة في وقعه الجمل فمرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها. أخرجه البيهقى (¬2) [409] ¬

(¬1) انظر ص 82 ج 3 فتح البارى (غسل الميت) وص 398 ج 3 بيهقى (من لم ير الغسل من غسل الميت) (ولا تنجسوا موتاكم) أي لا تقولوا إنهم نجس. (¬2) تنظر ص 18 ج 7 بيهقى (غسل بعض الأعضاء إذا وجد مقتولا) و (وقعة الجمل) كانت في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين (وحاصلها) انه لما قتل عثمان رضى الله عنه، أتى الناس عليا رضى الله عنه وهو في سوق المدينة، فقلوا له ابسط يدك نبايعك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= فقال حتى يتشاور الناس .. فقال بعضهم لئن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يم خليفه بعده لم يؤمن الاختلاف وفساد الأمة فاخذ الاشتر بيده فبايعوه ثم أرسل إلى طلحه والزبير فبايعاه واستاذناه في العمرة وخرجا الى مكة فلقيا عائشة وعبد الله بن عامر - كان عاملا على البصره لعثمان - ويعلى بن أمية - كان عاملا له على اليمن - واتفقوا على المطالبة بدم عثمان حتى يقتلوا قتلته (قال) عوف الأعرابي: لما قتل عثمان وكان يعلى قدم حاجا فأعان طلحة والزبير باربعمائة الف وحمل سبعين رجلا من قريش واشترى لعائشة جملا يقال له عسكر بثمانين دينارا. أخرجه عمر بن شبية (انظر ص 42 ج 13 فتح البارى) واجتمع بمكة خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين فقامت عائشة رضى الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على المطالبة بدم عثمان وذكرت انه قتل ظلما في بلد حرام وشهر حرام فاستجاب الناس لها وساروا معها في آلف فارس من أهل المدينة ومكة قاصدين البصرة وتلاحق بهم آخرون فصاروا ثلاثة آلاف. وقد مروا في مميرهم ليلا بماء الحويا (بفتح فسكون) فنبحتهم كلاب عنده فقالت اى ماء هذا؟ فقالوا الحوبا. فقالت إنا لله وأنا إليه راجعون ما اظنننى الا راجعة قالوا ولم؟ قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف بأحد كن تنبح عليها كلاب الحويا؟ أخرجه احمد والحاكم بسند على شرط الصحيح (انظر ص 42 ج 13 فتح البارى) فقال لها عبد الله بن الزبير. إن الذى أخبرك أن هذا الماء ماء الحويا قد كذب: فارتحلوا نحو البصرة فأما اقتربوا منها كتبت الى الاحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس انها قدمت فبعث عثمان بن حنيف- عامل على على البصرة - عمر أن بن الحصين وأبا الأسود الدؤلى اليها ليعلما ما جاءت له فأما قدما سألاها ما جات له فذكرت أنها جاءت تطالب بدم عثمان وقالا لطلحة والزبير ما اقدمكها؟ فقالا: الطلب بدم عثمان فرجع عمران وابو الأسود إلى عثمان بن حنيف فقال أبو الأسود: يا ابن الأحنف قد أتيت فانفر وطاعن القوم وجالد واصبر واخرج لهم مستلما وشمر فصمم عثمان بن حنيف على منعهم من دخول البصره حتى يحضر على رضى الله عنه ونادى في الناس يامرهم بالاستعداد للقتال فقام رجل فقال ايها الناس: إن كان هؤلاء القوم (يعنى طلحة ومن معه) جاءوا خائقين فقد جاءوا من بلد يامن فيه الطير. وإن كانوا جاءوا=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= يطلبون قتله عثمان فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدى فقال: إنما جاءوا يستعينوا بنا على قتله عثمان منا ومن غيرنا فحصبة الناس فعلم عثمان بن حنيف أن لطلحة والزبير أنصارا بالبصرة وقدمت ام المؤمنين بمن معها غفنزلوا المربد قريبا من البصرة وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد وتكلم طلحة والزبير فندبا إلى الأخذ بثار عثمان والطلب بدمه وحرضت عائشة الناس وحثهم على القتال فقال لها حارثة بن قدامه السعدى: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح واقبل حكيم بن جبلة من فرسان البصرة فانشب القتال. وجعل أصحاب عائشة يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال وحكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم فأما كان اليوم الثاني خرجوا فاقتتلوا قتالا شديدا إلى أن زال النهار وقتل وجرح خلق كثير من الفريقين وتنادوا إلى الصلح على أن يرسلوا إلى المدينة من يتعرف أكانت بيعة طلحة والزبير طوعا أم كرها فإن ثبت انهما اكرها عليها ترك ابن حنيف البصرة وإن لم يكونا اكرها على البيعة خرج طلحة والزبير من البصرة. فأرسلوا كعب بن سور قاضى البصره فاما قدم المدينة قال: يا أهل المدينة أأكره طلحه والزبير على البيعة أم أتياها طائعين؟ فقال اسامة بن زيد إنهما اكرها. فلقى أسامة من سهل بن حنيف-والى المدينة - إهانة وبلغ هذا عليا. فأرسل إلى عثمان بن حنيف يقول: والله ما اكرها على فرقة ولقد اكرها على جماعة وفضل. فاما رجع كعب وانتشر خبر إكراه طلحة والزبير على البيعة طلبا من عثمان بن حنيف أن يخرج من البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة وحبسوا ابن حنيف فبلغ ذلك حكيم أهل المدينة للخروج الى البصرة وقال: إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم امركم فخف قوم لاجابته وتثاقل قوم فخرج من المدينة. فاما وصل الربذة أرسل محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر يستفران الناس. وأرسل معهما كتابا إلى أهل الكوفة فيه: أني اخترتكم على أهل الأمصار ورغبت إليكم وفزعت لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالإصلاح تريد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= لتعود هذه الأمة إخوانا. وكان مت رأى أبى موسى الاشعرى أمير الكوفة قعود الناس عن هذه الفتن فلم يخرج من الكوفه أحد فاغلظ محمد بن أبى بكر وابن جعفر لأبى موسى فقال إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما. فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فرجعا إلى على بالخبر فأرسل الحسن بن على وعمار بن ياسر ثانيا الى الكوفة فاقبلا حتى دخلا المسجد. فقال الحسن لأبى موسى لم تثبط الناس عنا فو الله ما أردنا الا الإصلاح؟ فقام القعقاع بن عمرو وقال: يأهل الكوفة لا بد من إمارة تنظم الناس وتنزع الظالم وتعز المظلوم. وهذا أمير المؤمنين إنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا فكونوا في هذا الأمر بمراى ومسمع. وقال ريد بن صوحان من زعماء الكوفة مثله. وقال الحسن على أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم والله لان يدعيه أولو النهى امثل في العاجل والأجل وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم. وان أمير المؤمنين يقول: قد خرجت مخرجي هذا ظالما او مظلوما وإني اذكر الله رجلا رأى حق الله الا نفر فمن وجدني مظلوما أعانني ومن وجدني ظالما اخذ منى فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. فاثر فيهم هذا القول ونفر معه قريب من تسعة الاف ثم نزل القعقاع بن عمرو ليكون بينهم وبين طلحة والزبير فقدم القعقاع البصرة وبدا بام المؤمنين فقال لها: أي أمة ما أقدمك هذه البلدة؟ قالت الإصلاح بين الناس. قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فحضروا فقال القعقاع: إنى سالت أم المؤمنين ما اقدمها؟ فقالت الإصلاح فهل أنتما متابعان؟ قالا نعم قال فأخبرني ماوجه هذا الإصلاح؟ قالا قتله عثمان فان هذا الأمر إن ترك تركا للقران. قال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتما قبل قتلهم اقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم سمائة رجل فغضب لهم سته آلاف فاعتزلوكم فقالت له عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال إن هذا الأمر دواؤه التسكين فإذا سكن اختلجوا فان انتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشر رحمة وإدراك الثأر وإن انتم أبيتم فعلامة شرو ذهاب هذا الملك فاثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا. قالوا أصبت واحسنت فإن رجع على وهو على مثل رأيك صلح الأمر فرجع إلى على واخبره الخبر فأعجبه ذلك واشرف القوم على الصلح والكل راغب فيه سمع بذلك السبيه (أصحاب عبد الله بن سبإ) وتحققوا أن الصلح إنما يعود عليهم بالوبال لانه إن تم كان على قتلهم لانهم هم الذين أثار واامر عثمان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= فباتوا شر ليلة وتشاورا فلم يجدوا غير انتشار الحرب ثم اصبح الناس والتقى الجيشان خارج البصرة وخرج الزبير وطلحة بين الجيشين فخرج إليهما على وقال لهما لعمرى قد اعددتما سلاحا وزجالا عن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ألم اكن أخاكما في دينكما تحرمان دمى واحرم دمكما فهل من حدث احل ذلك؟ فقال طلحة البت على عثمان فامن على قتلة عثمان ثم ذكر الزبير بأشياء (منها) مارواه عبد الملك بن مسلم عن أبى حزم المازنى قال: شهدت عليا والزبير حين توافقا فقال له على يازبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى عليه يقول إنك تقاتلني وانت ظالم؟ قال نعم لم اذكره إلا في موقفى هذا ثم انصرف. اخرجة أبو يعلى والبيهقى (انظر ص 240 ج 7 - البداية لابن كثير) (ولما) رجع الزبير رجع الناس وهم لا يشكون في الصلح وباتوا بأهنإ ليلة وبات الدخلاء باسوا حال فاما كان الغلس قاموا من غير أن يشعر بهم أحد واعملوا السلاح وثار كل قوم في وجوه أصحابهم فسال طلحة والزبير عن الخبر فقيل له ما شعرنا إلا وقوم منهم يعملون فينا السلاح. فقال: قد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ونادى في الناس أن كفوا واخرجوا أم المؤمنين في هودجها لعل الله يصلح بها فجعلت تنادى البقية البقية يا بنى اذكروا الله والحساب. والغوغاء يرمون الهودج ولا يأبون إلا إقداما واشتدت حمية اهل البصرة لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن محيص من القتال فاقتتلوا وترك الزبير القوم ورجع فتتبعه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلى بوادي السباع. وقد امسك بخطام الجمل كثير من أرباب الشجاعة والنجدة فقتل دونه السبعين من قريش وغيرهم واشتد أهل الكوفة على الجمل لانهم رأوا ان البصريين لا ينهزمون ما دام واقفا فرماه كثير منهم وكل من رماه قتل ثم عقروا الجمل وتفرقواعنه وحمل الهودج وهو مثل القنفذ من كثرة السهام وظهرت أثار الكدر على أمير المؤمنين من هذا الحادث الذى لم يكن فيه لاحد مأرب وأمر بحمل الهودج من بين القتلى وقال لمحمد بن أبى بكر انظر هل وصل على أم المؤمنين شئ من الجراحة؟ فوجدها بحمد الله سليمة لم تصب بشيء ثم جاءها على فقال: كيف أنت يا أمة؟ قالت بخير يغفر الله لك قالولك. وامر رضى الله عنه بدفن القتلى بعد ان صلى على الفريقين ثم طاف عليهم فاما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= اتى على طلحة قال: لهفى عليك ابا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت اكره أن أرى قريشا صرعى وأنت كما قال الشاعر. فتى كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر ثم جهز على أم المؤمنين وسيرها إلى مكة فبقيت بها حتى حجت ثم رجعت الى المدينة ورجع على إلى الكوفة التي جعلها مقر خلافته وقانا الله شر القيا والقال ولا سيما في شان الصحابة هداة الامة رضى الله عنهم (هذا) وقد ورد في هذه الوقعة أحاديث وأثار غير ما تقدم منها. (حديث) أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مامنها. أخرجه احمد والبراز بسند حسن (انظر ص 42 ج 13 فتح الباري). (وقول) أبى مريم عبد الله بن زياد الاسدى: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث على عمار اسفل من الحسن فاجتمعنا اليه (اى الى عمار) (قال ابو مريم) فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم اياه تطيعون أم هي؟ وفي رواية ام إياها. أخرجه البخاري (انظر ص 44 ج 13 فتح البارى) أراد عمار بذلك ان الصواب في تلك القصة مع على وان عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا عن أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسل. وهذا يعدمن أنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق. (وقول) ابى زيد قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل: ما ابعد هذا المسير من العهد الذى عهد اليكم يشير الى قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) فقالت ابو اليقظان؟ قال نعم قالت والله إنك - ما علمت - لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذى قضى لى على لسانك. أخرجه الطبرانى بسند صحيح (انظر ص 45 ج 13 فتح الباري).

لكن في سند اثر أبى عبيدة مجهول. وقال ابن المنذر في الأشراف: لا يصح ذلك عن أبى عبيدة: وذكر الحاكم في المستدرك بسنده عن الشعبي قال: بعث عبد الملك بن مروان براس عبد الله بن الزبير إلى خازم بخراسان، فكفنه وصلى عليه. قال الشعبي: اخطأ لا يصلى على الرأس. وفي سند الثاني بلاغ (¬1). ولان الغسل وصلاة الجنازة شرعا لحرمه الآدمي، وكل جزء منه محترم (وقال) احمد: صلى أبو أيوب على رجل، وصلى عمر على عظام بالشام. أخرجه عبدا لله بن احمد. وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف منهم مخالفا، وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلى عليه ودفن إلى جانب القبر، أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة إلى كشف الميت لان ضرر نبش الميت وكشفه اعظم من الضرر بتفرقة أجزائه (¬2). (واستدل) الحنفيون ومالك بما روى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما قالا: لا يصلى على عضو وهو يدل على انه لا يغسل، لان الغسل لاجل الصلاة، وأما صلاة أهل مكة على اليد التي ألقاها الطائر، فلا حجة فيها لأنه لم يعلم من المصلى عليها؟ أو تحمل الصلاة على الدعاء. (وكذا) صلاة أبى عبيدة على رءوس، وصلاة أبى أيوب على رجل، وصلاة عمر على العظام (تحمل) على الدعاء (¬3)، (وحاصل) المذاهب في المسألة انه إذا وجد بعض الميت بعض الميت غسل وصلى عليه عند الشافعي واحمد قل البعض أم كثر (وقال) دواد: لا يغسل ولا يصلى عليه مطلقا (وقال) الحنفيون ومالك: إن وجد اكثر من نصفه غسل وصلى عليه وإن وجد النصف فأقل فلا غسل ولا صلاة (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 18 ج 4 - الجوهر النقى (¬2) انظر ص 357 ج 2 شرح المقنع. (¬3) انظر ص 302 ج 1 بدائغ الصنائع. (¬4) انظر ص 255 ج 5 مجموع النووى.

(3) ويشترط لوجوب غسل الميت ألا يكون ساعيا في الأرض بالفساد، فلا يغسل وقطاع الطريق إذا قتلوا لان الغسل الكرامة وهؤلاء لا يستحقونها بل يستحقون الاهانه، وهذا مذهب النعمانى وأبى يوسف (وعن) محمد بن الحسن امرأة من قتل مظلوما لا يغسل ويصلى عليه كالشهيد، ومن قتل ظالما يغسل ولا يصلى عليه كالباغي، وسيأتي بيان سائر المذاهب في بحث الصلاة على العصاة إن شاء الله تعالى. (4) ويشترط لوجوب الغسل وجود الماء، فان لم يوجد من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم فكذلك وإن كانا من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم المس كما في حالة الحياة إلا إذا كان أحدهما لا يشتهى كالصغير والصغيرة فييمه بلا خرقة، وإن كانا زوجين فالمرأة تيمم زوجها بلا خرقة كما تغسله بلا خرقة إذا لم تبن منه حال حياته اتفاقا وكذا إذا لم يحدث بعد وفاته ما يوجب البينونة عند النعمان وصاحبيه خلافا لزفر، وأما الزوج فلا ييمم زوجنه بلا خرقه عند الحنفيين خلافا للشافعي على ما يأتي بيانه في شرط الجواز (¬1). (5) ويشترط ألا يكون الميت شهيدا لا يغسل كما يأتي في بحث الشهيد إن شاء الله تعالى. (ب) ويشترط لصحة غسل الميت شرطان: (1) النية من الغاسل لإسقاط الوجوب عن المكلف لا الطهارة فلا يصح تغسيل الكافر المسلم، لان الكافر ليس من أهل النية، وهذا مذهب الجمهور (والأصح) عند الشافعية انه لا يتشرط لصحة غسل الميت نية الغاسل لان القصد منه التنظيف فلا يجب فيه النية كإزالة النجاسة (وقيل) تجب لانه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة (وكيفية) النية أن ينوى الغسل الواجب أو الفرض أو غسل الميت. ¬

(¬1) انظر ص 304 ج 1 بدائع الصنائع.

(2) التييممة في إحدى الروايتين عن احمد، لانه غسل تعبدي من غير نجاسة - شرط لصحة الصلاة على الميت - فوجب فيه ذلك كغسيل الجنابة ولما تعذرت النية والتسمية من الميت طلبت من الغاسل، لانه المخاطب بالغسل (¬1) (ولا) تشترط التسمية عند الجمهور. (جـ) ويشترط لجواز غسل الميت كون الغاسل ممن يحل نظرة المغسول فلا يغسل الرجل المرأة ولا العكس. وفيه أربع صور: (1) فإذا ماتت امرأة بين رجال يممها ذو رحم محرم منها، فان لم يوجد يممها أجنبي بخرقه يلفها على يده عند الحنفيين واحمد (لحديث) مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها، والرجل مع النساء ليس معهمن رجل غيره فانهما ييممان ويدفنان وهما بمنزلة من لا يجد الماء. أخرجه أبو داود في سبيل المراسيل والبيهقى وقال: هذا مرسل (¬2) {410} (وقال) مالك والشافعي: إذا ماتت امرأة ليس لها زوج بين رجال غسلها ذو رحم محرم منها، لأنها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة، ولمفهوم حديث سنان بن غرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الرجل يموت مع أخرجه البيهقى والطبرانى في الكبير، وفيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد، وهو ضعيف (¬3). [311] فقوله: ليس معهما محرم يفيد أنهما لا ييممان مع وجود المحرم بل يغسلهما ¬

(¬1) انظر ص 328 ج 2 مغنى ابن اقدامة. (¬2) انظر ص 398 دج 3 بيهقى (المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امراة) (¬3) انظر ص 398 منه. وص 23 ج 3 مجمع الزوائد (المرأة تموت مع الرجال ولا محرم لها منهم). و (غرفة) بالغين المعجمة وفتحات.

فإذا ماتت امرأة ليس لها زوج غسلها النساء المحارم كالأم والبنت ثم ذوات الأرحام غير المحارم - كبنت العم وبنت العمة - أقربهن فاقربهن، فان لم يكن فالأجنبيات، فان لم يكن نساء أصلا غسلها الأقرب فالأقرب من رجال المحارم، فيقدم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم عم الأب ثم عم الجد (¬1) (وأجاب) الأولون عن الحديث بأنه ضعيف لا يحتج به، وبان المفهوم ليس بحجة عند الحنفيين. (2) وإذا مات رجل لا يحضره إلا اجنبيه بيمم عند الحنفيين ومالك وهو الصحيح عند احمد والشافعي (وعنهما) انه يغسل ويجعل الغاسل على يده خرقة (وقال) الحسن البصري وإسحاق: يغسل من فوق القميص يصب الماء عليه صبا ولا يمس وهو رواية عن احمد (ورد) بان الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أحق. (¬2) 3) وإذ مات صبى آمرها صبية لم يبلغا حد الشهوة جاز للرجال والنساء غسله فان بلغت الصبية حدا تشتهى لم يغسلها إلا النساء وكذا الغلام إذا بلغ حدا يجامع الحق بالرجال (¬3). وهذا مذهب الجمهور (والصحيح) عند احمد أن من بلغ عشرا ليس للنساء غسله (لحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مروا أو دلاكم بالصلاة وهم أبناء سبع وضربوهم عليها وهم ابنا عشر. وفرقوا بينهم في المضاجع. أخرجه احمد وأبو داود والحاكم وصححه (¬4). 412} ¬

(¬1) انظر ص 134 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 314 ج 2 شرح المقنع (الشرح الكبير). (¬3) انظر ص 149 ج 5 مجموع النووى. (¬4) انظر ص 237 ج 2 - الفتح الربانى (امر الصبيان بالصلاة) وص 121 ج 4

وأما الجارية إذا لم تبلغ سبعا، فقيل: يجوز للرجال غسلها، وقيل: حكمها حكم الغلام ولا يغسل الرجل من بلغت عشرا، لما ذكر في الحديث (ويحتمل) امرأة يحد ذلك بتسع في حق الجارية (لقول) عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة (وقال) سعيد والزهري: يكره للرجل غسل الصغيرة. واختاره بعضهم، لان عورة الجارية افحش من عورة الغلام. (¬1) (4) وإذ مات الخنثى المشكل، فان كانت هناك محرم له من لرجال أو النساء، غسله اتفاقا، وإن لم يكن له محرم منهما. فان كان الحنثى صغيرا جاز أن يغسله رجل أو امرأة فوق ثوب ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس لانه موضع ضرورة. (¬2) فائدتين: (الأولى) إذا مات الجنب أو الحائض يغسل غسلا واحدا عند كافة العلماء إلا الحسن البصري فقال: يغسل غسلين (¬3) (ولعله) يستدل بما روى إسحاق بن الحارث قال: رأيت خالد بن الحواري - رجلا من الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أتى أهله، فلما حضرته الوفاة قال: اغسلونى غسلتين غسلة للجناية وغسلة للموت. أخرجه الطبرانى في الكبير، وإسحاق لم يترجم وبقية رجاله ثقاب (¬4). {413} (الثانية) لا يجوز للسيد غسل أمته وأم ولده عند الحنفيين، ويجوز عند الثلاثة لانه يجوز له غسلهما في حال الحياة فجاز له غسلهما بعد الموت كالزوجة، ¬

(¬1) انظر ص 313 ج 2 شرح المقتع. (¬2) انظر ص 147 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 152 منه. (¬4) انظر ص 23 ج 3 مجمع الزوائد (فيمن يجنب ثم يموت قبل ان يغتسل)

ولا يجوز لام الولد والقنة والمدبرة غسل سيدها عند الحنفيين وهو الأصح عند الشافعي، وفرقوا بينها وبين الزوجة بان أم الولد والمدبرة بالموت صارت حرة، ولاقنة صارت للوارث (وقال) مالك واحمد: يجوز لام الولد غسل سيدها لأنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذا في الغسل ولأنها إذا ماتت تلزمه مئونة تجهيزها. أما غيرها من الإماء فلا يجوز لها غسل سيدها لما تقدم (¬1) (4) من يتولى غسل الميت: يستجيب أن يتولاء اقرب الناس إليه امرأة كان عالما بأحكام الغسل وإلا اختير رجل أمين ذو ورع ودين ورفق بالميت. إن رأى خيرا فشاه، وإن رأى عيبا ستره (وقد ورد) في هذا أحاديث (منها) حديث عائشة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غسل ميتا فادى فيه الأمانة ولم بفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقال: ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فان كان لا يعلم فمن ترون امرأة عنده حظا من ورع وأمانة. أخرجه احمد والطبرانى في الأوسط بسند فيه جابر الجعفى، وفيه كلام كثير (¬2) {414} والمراد بتأدية الأمانة امرأة يغسله كالوارد في الشريعة كما بابني بيانه، وان يعنى به ويكتم ما يرى من الميت مما يكرهه الناس (وبالحديث) استدلت الهادية على اشتراط العدالة في الغاسل. وخالفهم الجمهور. فان صح الحديث فذاك، وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا لانه مكلف بالتكاليف الشرعية ومنها غسل الميت. وإلا لزام عدم صحة كل تكليف من الفاسق، وهو خلاف ¬

(¬1) انظر ص 153 وص 154 ج 5 مجموع النووى. وص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 153 ج 7 - الفتح الربائى (من يلى غسل الميت) وص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله)

الإجماع ودعوى صحة بعضها دون البعض الأخر تحكم بلا دليل وترجيح بلا مرجح (¬1). (وحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. أخرجه احمد ومسلم (¬2) {415} (وفي الحديث) الترغيب في ستر عيوب المسلم لا فرق بين الحي والميت. فيدخل فيه ستر ما يراه الغاسل وغيره من الميت وكراهية إنشائه والتحدث به فانه من الغيبة. فيستجيب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه أن يتحدث به وإن رأي ما يكره لم يجز امرأة يتحدث به (لحديث) أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة، ومن حفر لأخيه قبرا حتى يجنه فكأنما اسكنه مسكنا حتى يبعث. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح. (¬3) {416} ويستثنى من هذا ما لو كان الميت مبتدعا مظهرا بدعته ورأى الغسل ما يكره فان له أن يحدث به الناس زجرا عن بدعته. والحديث محمول على الغالب (¬4) (وحديث) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت ككسره حيا. أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقى. (¬5) في الحديث دلالة على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 4 نيل الاوطار (من يلى الميت والرفق به) (¬2) انظر ص 154 ج 7 - الفتح الربائى (من يليه ورفقه به وستره عليه) وص 143 ج 16 نووى (تحريم الغيبة) (¬3) انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله) (¬4) انظر ص 186 ج 5 مجموع النووى. (¬5) انظر ص 55 ج 9 - المنهل العذب (الحفار يجد العظم هل يتنكب المكان؟ )

ذلك لان تشبيه كسر عظم الحي إن كان في التألم فهو حرام، لانه كما يحرم تاليم الحي يحرم تاليم الميت. وإن كان في الإثم فلا شك في التحريم. (ويؤيده) حديث أم سامة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: كسر عظم الميت مثل كسر عظمة حيا في الإثم. أخرجه ابن ماجه. وفي سنده عبد الله بن زياد مجهول. (¬1) {418} والغرض بيان امرأة الميت يتأذى مما يتأذى منه حال حياته فلا يهان ميتا. كما لا يهان حيا (قال) ابن مسعود: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته. أخرجه ابن أبى شبيه. (¬2) {419} (5) غسل أحد الزوجين الأخر: يجوز لكل من الزوجين امرأة يغسل الأخر (لقول) عائشة رضى الله عنها: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم البخاري بدئ فيه فقلت: وارأساه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك. أخرجه احمد والنسائي بسند جيد (¬3) {420} (وعن) أسماء بنت عميس امرأة فاطمة رضى الله عنها أوصت أن يغسلها على رضى الله عنه فغسلها هو وأسماء بنت عميس. أخرجه الدارقطني والبيهقى (¬4) {421} ولم ينكره أحد (وقالت) عائشة رضى الله عنها من حديث طويل: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه. أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة بسند جيد ولاحاكم وصححه (¬5) {422} ¬

(¬1) انظر ص 253 ج 1 - ابن ماجه. ولعل ابن زياد هو عبد الله بن زياد بن سليمان المدنى احد المتروكين. (¬2) تنظر ص 55 ج 9 - المنهل العذب (الشرح) (¬3) انظر ص 156 ج 7 - الفتح الربائى (غسل احد الزوجين للاخر) (وبدئ فيه) اى ظهر فيه مرض موته. (وددت الخ) يريد انها لو ماتت وهو حى لتولى ما يلزم لها بنفيه من تجهيز. (¬4) انظر ص 396 ج 3 بيهقى (¬5) انظر ص 156 ج 7 - الفتح الربائى (غسل أحد الزوجين للاخر) وص 299 = ج 8 - المهل العذب (ستر الميت عند غسله) وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الرجل امراته وعكسه) وص 398 ج 3 بيهقى (غسل المراة زوجها) والمعنى لو ظهر لى حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه.

(وقالت) عائشة: توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخر سنة ثلاث عشرة، وأوصى امرأة تغسله أسماء بنت عميس آمراته، وأنها ضعفت فاستعانت بعبد الرحمن. أخرجه البيهقى وقال: وهذا الحديث وإن كان من رواية محمد بن عمر الواقدى فليس بالقوى وله شواهد مراسيل عن ابن أبى مليكة وعن عطاء بن أبى رباح عن سعد بن إبراهيم أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر. (¬1) {423} ولم ينكر عليها أحد (وبهذا) قال مالك والشافعي والجمهور، وهو المشهور عن احمد. (وقال) الحنفيون والثوري: للمرأة أن تغسل زوجها لما تقدم، وليس للزوج امرأة يغسل امرأته، لان الموت فرقة تبيح زواج أختها وأربع سوى المتوفاة، فحرم عليه لمسها والنظر إليها كالطلاق بخلاف تغسيلها إياه فانه يجوز لبقائها في المدة. (وأجابوا) (أولا) عن حديث عائشة وفيه: فهيأتك ودفنتك. بان معناه قمت بما يلزم لتجهيزك، آمرها انه كان مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لان نكاحه لا ينقطع بالموت (لحديث) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل سبب ونسب منقطع بالموت إلا سبى ونسبى. أخرجه الطبانى في الكبير والحاكم والبيهقى (¬2) {424} ¬

(¬1) حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه. (¬2) انظر ص 302 ج 8 - المهل العذب (ستر الميت عند غسله).

(وثانيا) عن تغسيل على فاطمة: بان ابن مسعود أنكر عليه فقال على: أما علمت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة (فدعواه) الخصوصية دليل على انه كان معروفا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته. كذا قالوا (والمعول) عليه عدم الخصوصية، فقد ثبت أن المرأة تكون زوجة في الجنة لمن ماتت على ذمته. وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين أن المرأة غسل زوجها، ولكن تقدم ما يفيد منعه عند احمد في رواية. (هذا) والدليل ظاهر في جواز غسل الرجل امرأته. والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الأخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة ويأتي بالغسل على اكمل ما يمكنه لما بينهما من المودة والرحمة. وقياس المانعين الموت على الطلاق لا يصح لان الطلاق يمنع الزوجة من التظر بخلاف الموت ولانه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة بالنسبة للمرأة ولا اثر لها بدليل ما لو مات المطلق ثلاثا فانه لا يجوز لها غسله مع المدة ولان المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله ولا عدة عليها. وللخلاف والشبهة في غسل الرجل زوجته قال الحنبليون: يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه (¬1). فوائد: (الالوى) إذا كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها عند الحنفيين واحمد والجمهور، لان الكافر لا يغسل المسلم لان النية لازمة في الغسل والكافر ليس من أهلها وليس لزوجها غسلها، لان المسلم لا يغسل الكافر ولا يتولى دفنه ولانه لاميراث بينهما ولا موالاة وقد انقطعت الزوجية بالموت (¬2) (وقالت) المالكية: يجوز تغسيل الكتابية زوجها المسلم ولو قلنا إن الغسل تعبدي وقولهم من الكافر ليس من أهل التعبد، مقيد بالتعبد الذي يتوقف ¬

(¬1) انظر ص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 399 منه

على نية (¬1) (وقالت) الشافعية: إذا ماتت ذميه جاز لزوجها المسلم غسلها، وكذا لسيدها إن لم تكن مزوجه ولا معقده ولا مستبراة فان مات زوجها المسلم فهو مكروه. فقد نص الشافعي على أن غسل الكافر للمسلم صحيح ولا يجب على المسلمين إعادته. ولا يكفى انغسال الميت بالغرق، لانه لا بد في الغسل من فعل أدمى وقد وجد في الكافر دون الغريق. (¬2) (الثانية) لو ماتت امرأة رجل فتزوج أختها أو أربعا سواها ليس له غسل المتوفاة عند الحنفيين (وقال) مالك: يكره تغسيل الرجل امرأته إن تزوج أختها كما يكره لها تغسيله وإن تزوجت غيره (¬3) (ومشهور) مذهب الشافعي واحمد الجواز (وقيل) لا يجوز لان أختها والأربع لو متن في الحال لغسلهن. فلو جوزنا غسل هذه لزم منه جواز غسل امرأة وأختها في وقت واحد بالزوجية. (¬4) (الثالثة) لو طلق الرجل امرأته ثم مات أحدهما في المدة، فان كان الطلاق رجعيا فحكمهما حكم الزوجين قبل الطلاق لأنها زوجة تعتد بالوفاة وترثه ويرثها ويباح له وطؤها. وغن كان الطلاق بائنا فليس لاحدهما أن يغسل الأخر، لان اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى (¬5) (الرابعة) لو مات الزوج قبل الدخول بآمراته، يحتمل ألا يباح لها غسله، لانقطاع النكاح بالموت وعدم الاستمتاع بينهما حال الحياة (¬6) (6) تجهيز الكافر: لا يجب على المسلمين ولا غيرهم غسل الكافر اتفاقا سواء كان ذميا أم غيره، لانه ليس من أهل العبادة ولا من أهل التطهير. ¬

(¬1) انظر ص 165 ج 1 - الصاوى على الشرح الصغير (أحكام غسل الميت) (¬2) انظر ص 144 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 165 ج 1 صاوى. (¬4) انظر ص 136 ج 5 مجموع النووى. (¬5) انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه. وص 313 ج 2 شرح المقنع. (¬6) انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه. وص 313 ج 2 شرح المقنع.

ويجوز للمسلمين وغيرهم غسله. وأقاربه الكفار أحق به من أقاربه المسلمين. (وأما) تكفينه ودفنه فان كان ذميا ففي وجوهها على المسلمين إذا لم يكن له مال وجهان عند الشافعي (أصحهما) الوجوب وفاء بذمته كما يجب إطعامه وكسوته في حياته (وقيل) لا يجبان بل يبان وبه قال الحنفيون. وإن كان حربيا آمرها مرتدا لم يجب تكفينه اتفاقا ولا دفنه على الأصح بل يجوز إغراء الكلاب عليه. ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبة الكافر (¬1) (لحديث) ناجية بن كعب عن على رضى الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني، فذهبت فواريته، وجئت فأمرني فاغتسلت ودعا لي بدءوات ما يسرني ما على الأرض بهن من شئ. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقى (¬2) {425} ¬

(¬1) انظر ص 142، 143 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 63 ج 9 - المنهل العذب (الرجل يموت له قرابة مشرك) وص 398 ج 3 بيهقى (المسلم ينسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلى عليه) (والشيخ الضال) هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب عم النبي وشقيق ابيه. ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وثلاثين سنة. ولما مات عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وسلم كفله ابو طالب واحست كفالته فكان فيها اليمن والبركة له ولولده ولاهل بيته. ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله عليه وسلموحضر رؤساء قريش خطب ابو طالب فقال " الحمد لله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما. امنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن اخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح، فان كان في المال قل فالمال ظل زائل وامر حائل. ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله من مالى كذا وكذا - روى انه =

(وقال) علي: لما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب بكى ثم قال لي: اذهب فاغسله ثم كفنه ووراه، ففعلت ثم أتيته، فقال لي: اذهب فاغتسل، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى ¬

= جليل " والضئضئ والعنصر: الأصل ولما بعث صلى الله عليه وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه وادفع عنه بنفسه ولسانه وأهل بيته ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتساهدوا على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة - انجاز بنو هاشم وبنو المطلب الى ابى طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما اجمعوا عليه قال. الا بلغا عنى على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤى بنى كعب ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خطا في اللوح والكتب وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالحب (اى الخداع) إلى أن قال: فلسنا ورب البيت نسلم احمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب " عزاء " بفتح العين وضمها وتشديد الزاى الممدودة " الداهية العظيمة " وما احسن قوله في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم: والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بامرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيوبا ودعوتني وعرفت انك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة ... لو جدتنى سمحا بذاك مبينا وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب. فاشتد حزن النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونالت قريش منه صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب (هذا) وقد دل الحديث على انهمات كافرا ولذا لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر عليا بالصلاة عليه (ويدل) لهذا أيضا حديث سعيد بن المسيب عن أبيه ان أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد اله بن أبى أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا اله ألا الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك. فنزلت {ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب الجحيم} ونزلت {إنك لا تهدى من أحببت} اخرجه الشيخان (انظر ص 358 ج 8 - فتح البارى وص 214 ج 1 نووي) (الدليل على صحة إسلام من حضره الموت) (ويؤيده) أيضا ما ورى عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبى صلى الله عليه وسلم ما اغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار. ولولا اما لكان في الدرك الأسفل من النار. اخرجه الشيخان. انظر ص 134 ج 7 فتح الباري (قصة أبى طالب) وص 84 ج 3 نووي (شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبى طالب) (والضحضاع) بفتح المعجمتين بينهما

نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الايه: {ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين} الايه. أخرجه ابن سعد في الطبقات (¬1) {426} (وبهذا) قال الحنفيون والشافعي (وقالت) المالكية والحنبلية: ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواربه وجوبا مكفنا في شئ (¬2)، لقوله تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} (¬3). وغسلهم وتكفينهم ودفنهم تول لهم وهو تعظيم لهم وتطهير فاشبه الصلاة عليهم وهى ممنوعة. (والظاهر) المذهب الأول. وروى عن احمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم قال: فليركب دابته ويسير أمام الجنازة، وإذا أريد دفنه رجع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبى طالب (¬4). (7) كيفية غسل الميت: يطلب له أمور عشرة (1) أن يوضع الميت على مرتفع من خشب مبخر وترا بان تدار المبخرة حوله مرة أو ثلاثا أو خمسا فقط عند الحنفيين. (وقالت) الشافعية: يستجب أن يكون عند الميت مجمرة فيها بخور توقد من حين يشرع في الغسل إلى أخره. (وقيل) يستجب البخور عند الميت منحين يموت لانه ربما ظهر منه شئ تمنعه رائحة البخور (¬5) (2) وتستر عورته لزوما في غير الصغير بشد الإزار على العورة لحرمة النظر إليها كعورة الحي. (روى) حبيب بن ثابت عن عاصم بن ضمرة عن ¬

(¬1) انظر ص 65 ج 9 - المنهل العذب المورود (الشرح) (¬2) انظر ص 153 ج 5 - مجموع النووي. (¬3) الممتحنة: 13. (¬4) انظر ص 315 ج 2 شرح المقنع. (¬5) انظر ص 160 ج 5 مجموع النووي.

على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت. أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود. وحبيب لم يسمع من عاصم (¬1) {427} (دل) الحديث على أن الفخذ من العورة التي لا يجوز كشفها ولا النظر إليها من الحي والميت وهو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور. (3) وتنزع ثيابه للتمكن من التنظيف عند الحنفيين ومالك. وهو المشهور عند احمد. (وقالت) الشافعية: يسن أن يغسل في قميص رقيق يسيل منه الماء إلى بدن الميت ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيزها على بدنه والماء يصب (لقول) احمد: غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا: إلا تخلعوه واستروا نبيكم. وإن لم يكن قميص طرح عليه ثوب يستر جميع البدن. فان لم يكن طرح عليه ما يستر ما بين سرته وركبته. واتفقوا على وجوب تغطية ما بين السرة والركبة (وأجاب) الأولون (1) بان غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه كان خصوصية. وتجريد الميت من قميصه أمكن لتغسيله وابلغ في تطهيره. والحي يتجرد إذا اغتسل فكذا الميت (ب) وبأنه إذا غسل في ثوبه تنجس الثوب بما يخرج منه وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به، فآما النبي صلى الله عليه وسلم ففضلاته طاهرة (¬2)، وألا ترى انهم قالوا: امجرده كما تجرد موتانا؟ كما يأتي في حديث عائشة (¬3) فالظاهر امرأة تجريد الميت فيما عدا ¬

(¬1) انظر ص 82 ج 3 - الفتح الرباانى (حد العورة) وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الميت) وص 388 ج 3 بيهقى (ما ينهى عنه من النظر الى عورة الميت) وص 299 ج 8 - المنهل العذب (ستر الميت عند غسله). (¬2) انظر ص 348 ج 1 - الدين الخالص طبعه ثانيه رقم 501. (¬3) يأتي الحديث تاما في بحث غسل الميت صلى الله عليه وسلم وفي 443 ص 328.

العورة كان مشهورا عندهم، ولم يكن يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، بل الظاهر انه كان بأمره لانهم كانوا ينتهون إلي رأيه ويتبعون أمره ولان ما يخثى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأمونا في حقه صلى الله عليه وسلم لانه طيب حيا وميتا بخلاف غيره (¬1) هذا، ولا يلزم ستر الصبي حال الغسل فقد قال احمد: أي شئ يستر منه وليست عورته بعورة؟ ويغسله النساء (¬2) (4) ويستحب أن يغسل الميت في مكان مستور (ويكره) أن يحضره إلا من يعين في غسله لانه يكره النظر إلى الميت إلا الحاجة (قال) ابن المنذر: كان النخعى يحب أن يغسل وبينه وبين السماء سترة. وأوصى الضحاك إخاء سالما قال: إذا غسلتني فاجعل حولي سترا واجعل بيني وبين السماء سترا. وإنما استحب ذلك خشية أن تستقبل السماء بمورته (¬3) (5) ويستحب أن يغسل الميت على سرير متوجها إلى القبلة منحدرا نحو رجلية لينحدر الماء بما يخرج منه. ويبدا الغاسل فيحنى الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لان في إجلاسه تأذيا له. ثم يمر يده على بطنه يعصره عصرا رفيقا ليخرج ما معه من تجاسة ويصب عليه الماء حين يمر يده صبا كثيرا ليخفى ما يخرج منه ويذهب به الماء ز ويستحب أن يكون بقرب الميت مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحه بها لئلا يمس عورته ويزيل ما على بدنه من نجاسة لان الحي يبدا بذلك في اغتساله من الجنابة، ¬

(¬1) انظر ص 315 ج 2 مغنى ابن قدامه. (¬2) انظر ص 316 منه. (¬3) 1 نظر ص 317 ج 2 مغنى ابن قدامه.

وإن كان الميت امرأة حاملا لم يعصر بطها لئلا يؤذى الولد (روت) أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدءوا ببطنها فليسمح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن جبلي. فان كانت جبلي فلا يحركها " (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير (¬1) {429} (6) ثم توضا الميت ندبا كوضوء الصلاة بلا مضمضة ولا استنشاق عند الحنفيين واحمد والثوري لتعذر إخراج الماء من فمه وانفه بل يغسل كفيه. ثم يأخذ خرقة خشنة مبلولة فيسمح بها أسنانه وانفه حتى ينظفهما برفق. ثم يغسل وجهه ويتمم وضوء بادئا بالميامن (لحديث) أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته. أبدان بميامها ومواضع الوضوء منها. أخرجه السبعة والبيهقى (¬2) (وقالت) المالكية والشافعية: يستحب في وضوء الميت المضمضة والاستئناف كالحي (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم: فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا بقاء بسدر وماء فوضئيها وضوء الصلاة ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت). (¬2) انظر ص 166 ج 7 - الفتح الرباني (صفة غسل الميت) وص 85 ج 3 فتح الباري (يبدا بميامن الميت) وص 5 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت) وص 306 ج 8 المنهل العذب (كيف غسل الميت) وص 266 ج 1 مجتبى (ميامن الميت ............... ) وص 131 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 230 ج 1 - ابن ماجه (غسل الميت) وص 388 ج 3 ببيهقى (توضة الميت) (وابنه النبي صلى الله عليه وسلم) هي زينب زوج أبى العاص بن الربيع كما في مسلم توفيت سنة ثمان من الهجرة وقيل أنها أم كلثوم. ويجمع بين الروايتين بان أم عطية غسلتهما. (¬3) سآتي الحديث تاما رقم 439 ص 325. و (سفلتها) بكسر فكون أي أسفلها.

(وأجاب) الأولون عن الحديث بان المراد فيه غسل أعضاء الوضوء التي في تاب الله فلم تدخل المضمضة والاستنشاق، لان إدخال الماء الفم والأنف يتعذر إخراجه منهما ولا يؤمن منه وصوله إلى جوفه ولا يؤمن خروجه في أكفانه. هذا. وحكمة مشروعية توضئه الميت تجديد اثر سمة المؤمنين في ظهور اثر الغرة والتحجيل يوم القيامة. على يساره ليبدا باليمين فيغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى يساره وهذه غسلة. ثم يضجع على يمينه ويغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى اليمين وهذه غسله ثانيه. ثم يجلس الميت مسندا فيمسح بطنه برفق ليسيل ما بقى في المخرج فلا يتلوث الكفن. فان خرج منه شئ أزيل تنظيفا لمحله ولا يعاد الوضوء. ثم يضجع على الجانب الأيسر ويغسل بماء فيه كافور إن تيسر وهذه غسلة ثالثة (وهذا) مذهب الحنفيين واحمد (وحاصلة) انه يسن ضرب الدر ونحوه بالماء ثم يغسل برغوته راس الميت ولحيته ويغسل بدنه بالتفل ثم يصب على جميع بدنه الماء القراح وهكذا يفعل في كل مرة ثلاثا أو خمسا أو سيما إلا انه يجعل مع السدر في الغسلة الأخيرة كافور (وقالت) المالكية: الغسلة الأولى تكون بالماء القراح للتطهير والثانية يضاف عليها السدر أو الصابون للتنظيف وقيل العكس. والثالثة يضاف عليها الكافور للتطييب. (وقالت) الشافعية: يستحب أن تكون الغسله الأولى بالماء والسدر أو الصابون ثم يغسل بالماء القراح البارد وهو افضل من المسخن عند الشافعي واحمد لان البارد يقويه والمسخن يرخيه إلا أن يحتاج إلى المسخن لخوف الغاسل من البرد

أو الوسخ على الميت فيغسل بالمسخن ولا يبالغ فيه لئلا يسرع إليه الفساد (وقال) الحنفيون: المسخن افضل وليس عن مالك تفضيل (¬1) هذا ويسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر ونحوه عند الحنفيين ولا يسقط في الأصح عند الشافعية (والمشهور) أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغسال الواجبة والمندوبة وان الواجب مرة واحدة نعم جميع البدن عند الأئمة الأربعة والجمهور (وقال) أهل الظاهر والمزني: يجب ثلاث غسلات (8) ويستحب تسريح شعر المرأة لاميته وتضفيره ثلاثة قرون وطرحه خلفها (لما روى) محمد بن سيرين عن حفصة أخته عن أم عطية قالت: مشطناها ثلاثة قرون أخرجه السبعة والبيهقى , وفى رواية لأبى داود والبيهقى وضفرنا رأسها ثلاثة قرون ثم ألقيناها خلفها مقدم رأسها وقرنيها (¬2) {430} وفائدة المشط تبليغ الماء إلي البشرة وتنظيف الشعر (وبهذا) قالت الشافعية والحنبلية وهو المعتمد عند الملكية (وقال) الحنفيون والاوزاعى: يكره تسريح الشعر وقص الظفر والشعر وعقصه (¬3) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم: ولا تسرحي رأسها بمشط أخرجه الطبرانى في الكبير (¬4) (وعن) ¬

(¬1) انظر ص 163 و 168 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 165 ج 7 - الفتح الرباني (صفة غسل الميت)، وص 86 ج 3 فتح الباري (يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون)، وص 3 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت) وص 305 ج 8 - المنهل العذب (كيف غسل الميت) وص 267 ج 1 مجتبى (الكافور في غسل الميت)، وص 131 ج 2 تحفة الاحوذى، وص 230 ج 1 - ابن ماجه، وص 389 ج 3 بيهقى، و (مشطناها ... الخ) اى سرحنا شعرها وضفرناه ثلاث ضفائر، و (ثلاثة قرون) أي جعلنا قرنها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة وطرحنا الثلاثة خلفها. (¬3) المقص: جمع الشعر فوق الرأس (¬4) انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد.

عائشة أنها رأت امرأة يكدون رأسها بمشط فقالت علام تنصون ميتكم؟ أخرجه محمد بن الحسن وعبد الرزاق (¬1) {431} (والمعنى) امرأة الميت لا يحتاج إلي تسريح لانه من باب الزينة وقد استغنى عنها (وائجابوا) عن اثر أم عطية بأنها لم تستند فيه إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون مرفوعا بل هو رأي رانه فاستحسنته. والأصل ألا يفعل بالميت شئ من القرب إلا بأذن من الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا (والظاهر) اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستئذانه فيه ودعوى انه لم يرد ذلك مرفوعا مردود (فقد) روى هشام عن حفصة عن أم عطية أنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر. أخرجه سعيد بن منصور. وأخرجه ابن حيان في صحيحة عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون (¬2) {432} (وهو) يؤيد ما قاله الأولون من أن تسريح الشعر وضفره مستحب. أما قلم ظفر الميت واخذ شعر شاربه وابطه وعانته، فهو مكروه عند الحنفيين ومالك والثوري والجمهور. وهو المختار عند الشافعي (وقيل) لا يكره ولا يستحب إزالتها قبل الغسل (وأما) شعر الرأس فقال الشافعي: لا يحلق إن كان لا يعتاد حلق رآسة وإن اعتاد حلقه فالذهب انه لا يحلق وقيل على الخلاف في الظفر والشارب والإبط والعانة (وأما) ختان من مات قبل أن يختن. فالصحيح انه لا يختن ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 2 نصب الراية (وتنصون) كتبكون من نصوت الرجل إذا مددت ناصيته تعنى أن الميت لا يحتاج إلى تسريح. (¬2) انظر ص 86، 88 ج 3 فتح الباري (يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون).

ولو بالغا لانه جزء فلا يقطع كاليد المستحقة في قطع سرقة أو قصاص فأنها لا نقطع إجماعا بعد الموت. ويخالف الختان الشعر والظفر فانهما يزالان في الحياة للزينة والميت يشارك الحي ذلك. والختان يفعل للتكليف به وقد زال بالموت (هذا) والشعور المأخوذة من الميت وأظفاره وما سقط من تسريح رآسة ولحيته يستحب أن تصر كلها معه في كفنه ويدفن. واختار البغوى ألا تدفن معه بل توارى في غير القبر لانه لم يرد فيه خير ولا اثر (¬1) (9) ثم ينشف الميت بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ويجعل الطيب غير الزعفران والورس على رآسة ولحيته وأعضاء السجود لما في حديث أم سليم من قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا إلى أن قال: ثم طيبيها وكفنيها وأطوي شعرها ثلاثة اقرن. قصه وقرنين (¬2) (والفرق) بينه غسل الجناية ولا وضوء حيث اختار الشافعي استحباب ترك التنشيف فيهما أن هنا ضرورة أو حاجة إلى التنشيف وهو إلا يفسد الكفن (هذا) وإذا خرج من الميت بعد غسله وقبل تكفينه نجاسة وجب غسلها اتفاقا. وفي إعادة طهارته ثلاثة اوجه عند الشافعية أصحها لا يجب شئ لانه خرج عن التكليف بنقص الطهارة وقياسا على ما لو أصابته نجاسة من غيره فاه يكفى غسلها اتفاقا (وبهذا) قال الحنفيون ومالك والثورة. (وقيل) يجب أن يوضا كما لو خرج من حي. وقيل يجب إعادة الغسل لان الخارج من أحد السبيلين بنقص الطهر وطهر الميت غسل جميعه وليكون خاتمه أمره طهارة كاملة (¬3) ومذهب احمد في هذا انه إن خرجت نجاسة من قبله أو دبره وهو على مغتسلة ¬

(¬1) انظر ص 180 إلى 183 ج 5 مجموع النووي. (¬2) سيأتي تاما رقم 439 ص 325. (¬3) انظر ص 176 ج 5 مجموع النووي.

بعد الثلاث غسله إلى خمس فان خرج بعد الخامسة غسله إلى سبع ويوضئه في الغسله التي تلي خروج النجاسة لان القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلها ثلاثا أو خمسا أو سبعا امرأة رأيتن ذلك بماء وسدر. وإن خرج من الميت نجاسة من غير السبيلين لا يعادلة الغسل لانه لا ينقص الطهارة عند الحنفيين. وإن خرج من الميت نجاسة بعد الغسل سبعا لم يعد إلى الغسل لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولان زيادة الغسل وتكريرة عند كل خارج يرخى الميت ويفضي إلى الحرج فيكتفي بغسل النجاسة وحشو مخرجها بالقطن ونحوه ولا يوضا ويحتمل أن يوضا كالجنب إذا احدث بعد غسله وهذا احسن (¬1) وإن خرج من الميت شئ يسير بعد وضعه في الكفن لا يعاد غسله اتفاقا لان إعادة الغسل فيها مشقه شديدة ولا يعاد وضوءه ولا غسل موضع النجاسة دفعا للمشقة ويحمل بحاله. وإن كان الخارج كثيرا فاحشا فالصحيح انه لا يعاد إلى الغسل بحال دفعا للمشقه (¬2) (10) ويستحب تطيب بدن الميت وترا (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية: اغسلتها ثلاثا أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا. أخرجه السبعة والبيهقى (¬3) (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فاوتروا أخرجه الحاكم وابن حيان وصححاه والبيهقى (¬4) {423} ¬

(¬1) انظر ص 326 إلى 328 ج 2 مغنى ابن قدامه (¬2) انظر ص 331 منه. (¬3) يأتي الحديث تاما إن شاء الله تعالى رقم 427 ص 324. (¬4) انظر ص 264 ج 2 نصب الرايه. وص 355 ج 1 مستدرك. وص 405 ج 3 بيهقى " الحنوط للميت ".

(وقال) أبو وائل: كان عند على رضى الله عنه مسك فاوصى أن يحنط به. وقال: هو فضل حنوط رسول صلى الله عليه وسلم. أخرجه الحاكم وابن أبى شبيه في مصنفه والبيهقى بسند حسن (¬1) {434} (وقال) ابن مسعود: يوضع الكافور على مواضع سجود الميت. أخرجه ابن أبى شبية والبيهقى (¬2) {435} (وعن) سلمان انه استودع آمراته مسكا فقال: إذا مت فطببوني به فانه يحضرني خلق من خلق الله لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (¬3) {436} (هذا) ويستحب أن يجعل الطيب في مفاصل الميت ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كعلى الركبتين وتحت الإبطين وأصول الفخذين لأنها مواضع الوسخ وتطيب مواضع السجود لشرفها. وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقة بالمسك. ولا يجعل في عيني كافورا لانه يفسد العضو ويتلفه ولا يصنع مثله بالحي (¬4). فائدة: إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترافه بحيث لو غسل لتهرى أو خوف على الغاسل لم يغسل بل ييمم وجوبا عند الأربعة وأسحق لانه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة فوجب الانتقال فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل ¬

(¬1) انظر ص 361 ج 1 مستدرك. وص 405 ج 3 بيهقى " الكافور والمسك للحنوط كرسول طيب يخلط للميت وكل ما يطلب به من مسك وصدك وعنبر وكافور وغيرها فهو حنوط. (¬2) انظر ص 260 ج 2 نصب الرايه. وص 405 ج 3 بيهقى." الكافور والمسك للحنوط " (¬3) انظر غص 26 ج 2 نصب الرايه. والمراد بخلق الله الملائكة. (¬4) انظر ص 331 ج 2 مغنى ابن قدامة.

الجناية ولو كان فروح وخيف من غسله إسراع اليلى إليه بعد الدفن وجب غسله لان الجميع صائر إلي اليلى (¬1) (هذا) وقد ورد في كيفية غسل الميت أحاديث (اجمعها) حديث محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا إن اكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الاخره كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فأما فرغنا أذناه فالقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إياه. أخرجه السنهه والبيهقى (¬2) {437} (وحديث) قتادة قال: اخذ ابن سيرين غسله عن أم عطية قالت غسلنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فامرنا امرأة تغسلها بالسدر ثلاثا أن أنجت وإلا فخمنا فان أنجت وإلا فاكثر من ذلك. قالت قراينا أن اكبر من ذلك سبع. أخرجه احمد (¬3) {438} (والمراد) اغسلنها وليكن ثلاثا فان احتجن إلى زيادة عليها للاتقاء ¬

(¬1) انظر ص 178 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 164 ج 7 - الفتح الربانى " صفة غسل الميت " وص 83 ج 3 فتح البارى " غسل الميت ووضوءه بالماء والسدر " وص 2 ج 7 نووي (غسل الميت) وص 266 ج 1 مجتبى " غسل الميت بالماء والسدر " وص 130 ج 2 تحفة الاحوذى وص 229 ج 1 - ابن ماجه. وص 389 ج 3 بيهقى " او اكثر من ذلك " بكسر الكاف خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عند البخاري وأبى داود والنسائي عن حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثا او خمسا او سبعا او اكثر من ذلك وهى ترد على من زعم أن الزيادة على السبع مكروهة و " إن رايتن ذلك " اى الحاجة الى الزيادة لكن بشرط الإيثار " والحقو " بفتح الحاء وكسرها في الأصل محل عقد الإزار والمراد به هنا الإزار مجازا للمجاورة " واشعرنها " أي اجعلن الحقوا مباشرا جسدها تحت الأكفان. (¬3) انظر ص 165 ج 7 - الفتح الرباني " صفة غسل الميت "

فليكن خمسا. فان احتجن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعا. وهكذا أبدا (وحاصلة) أن الإيثار مأمور به والثلاث مأمور بها ندبا فان حصل الانقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتى يحصل الانقاء ويندب كونها وترا (¬1). (وحديث) حفصة بنت سيرين عن أم سليم أم انس بن مالك قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فايبدءوا يبطها فليمسح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا تحركيها فان أردت غسلها فابدئي بسفلتها فالقى على عورتها ثوبا ستيرا ثم خذي كرسفة فلفسليها فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات فاحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث فأحسني مسحها قبل أن توضئيها بماء فيه سدر وليفرغ الماء امرأة وهى قائمة لا تلي شيئا غيره حتى تنقى بالدر وأنت تغسلين وليل غسلها أولى الناس بها وإلا فامرأة ورعة مسلمة، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة، فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقاء بسدر وماء فلتوضئيها وضوء الصلاة، فهذا بيان وضوئها ثم اغسليها ثلاث مرات بماء وسدر فابدئي برأسها قبل كل شئ فأنقى كل غسلة من السدر بالماء ولا تسرحي رأسها بمشط فان حدث في الخامسة اجعليها سبعا وكل ذلك فليكن وترا بماء وسدر حتى لا يريبك رأسك فان كان في آخر غسلة في الثالثة أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من كافور وشيئا من صدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم اقعليها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها، فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا، ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها، هذا بيان الغسل، ثم أحشى سفلتها كرسفا ما استطعت، ثم امسحي كرسفها من طيبها، ثم خذي سبنية طويلة مغسولة فاربطيها على عجزها ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 7 نووي مسلم (غسل الميت).

كما يربط النطاق ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها، ثم ألقي طرف السبنية من عند عجزها القضاء كفر قريب من ركبتها، فهذا شان سفلتها، ثم طيبيها وكفنيها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها بالرجال، وليكن كفنها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها بالرجال، وليكن كفنها خمسة أثواب أحدها الإزار تلفى به فخذيها، ولا تنقصي من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها فاغسليه ثم اغرزيه في شعر رأسها وطيبي شعر رأسها فأحسني تطيبه ولا تغسليها بماء مسخن وأجمريها وما تكفنيها به بسبع نبذات إن شئت واجعلي كل شئ منها وترا وإن كانت مجدورة أو مخضوبة أو أشياء ذلك فخذى خرقة واسعة فاغسليها بالماء، وتنبعي كل شئ منها ولا تحركيها، فأنى أخشى أمه ينفجر منها شئ لا يستطاع ورده. أخرجه البيهقى وقال: رواه أبو عيسى الترمذى، وأخرجه الطبرانى في الكبير بسندين في أحدهما ليث بن أبى سليم وهو مداس لكنه ثقة، وفى الأخر جنيد وقد وثق وفيه بعض كلام وليس في أحد سندى البيهقى (¬1) {439} (تنبيه) علم أحاديث الباب انه لا يجب الغسل على من غسل ميتا لأنها سبقت للتعليم ولو كان واجبا أمامه وتقدم انه مستحب عند الجمهور. (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 4 بيهقى (غسل المرأة) ولم يعز الحديث الى الترمذى الا البيهقى ولم يوجد في كتاب الترمذى. وص 21 ج 3 مجمع الزوائد (تجهيز الميت وغسله) (والكرسفة) - بضم الكاف والسين - القطعة من القطن (وسبنية) بفتحتين فكسر نوع من الثياب يتخذ من مشاقة الكتان نسية الى سبن - موضع بالمغرب - والمراد بالقصة مقدم الراس وبالقرنين جانباها (ولا تغسلنها بماء مسخن) اى لا تغسل الرأس بماء شديد الحرارة خشية تساقط الشعر (ونبذات) جمع نبذة - بضم فسكون وهى الشيء اليسير. وفى الحديث نبذة قسط (بضم فسكون) اى قطعة منه. (¬2) انظر ص 309 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية.

(وحكمة) مشروعيته أن رشاش الماء يصل بدن الغسل فإذا علم أنه سيغسل لم يأل جهدا فأرسلت تغسيل الميت ولأن الغاسل يمسه الميت يحصل له ضعف يزول بالغسل. (فائدة) تقدم أن الآدمي لا ينجس بالموت وعليه فغسالته طاهرة. (8) غسل النبي صلى الله عليه وسلم: تولى غسله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد وقئم بن العباس وصالح مولى المنهي صلى الله عليه وسلم، وغسل صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات بماء وسدر (قال) عبد الملك ابن جريج: سمعت محمد بن على أبا جعفر قال: غسل المنهي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالمسدر، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر - يقال لها الغرس بقباء - كانت لسعد بن خيثمة، وكان المنهي صلى الله عليه وسلم يشرب منها، وولى سفلته على والفضل محتضنه والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت ويتنى إني لاجد شيئا يترطل على. أخرجه البيهقى مرسلا بسند جيد (¬1). {440} وفي رواية أحمد: وكان العباس وفضل وقئم يقلبونه مع على، وكان أسامة ابن زيد وصالح يصبان الماء (¬2). ولم ير على من المنهي صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى من الميت. ¬

(¬1) انظر من 301 ج 8 - المنهل العذب (الشرح) و (الغرس) - يضم الغين المعجمة وقد تفتح فسكون - بئر بقباء. " والسلفة " بكسر فسكون أسفل البدن. " والوتين " عرق فى الظهر يتصل بالقلب. " ويترطل " أى يثقل على. وهو كتابة عما يجده من ثقل جسد النبى صلى الله عليه وسلم. وفى رواية فجعل الفضل يقول: أرحنى فإنى أجد شيئا يتنزل على ظهرى. (¬2) انظر ص 301 ج 8 - المنهل العذب " الشرح ".

(روى) سعيد بن المسيب أن على بن أبى طالب لما غسل المنهي صلى الله عليه وسلم ذهب يلتمس منه ما يلتمس من الميت فلم يجده، فقال: بأبي الطيب طبت حيا وميتا. أخرجه ابن ماجة بسند صحيح رجاله ثقات (¬1). {441} وكانت عين من يساعد عليا فأرسلت غسله صلى الله عليه وسلم معصوبة العين. (قال): أوصاني المنهي صلى الله عليه وسلم فقال لا يغسلني إلا أنت، فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. أخرجه البزار والبيهقى (¬2). {442} (وخص) على بذلك لعله لشدة تحرزه عن النظر القضاء كفر ما لا يحل فلا يخشى عليه من ذلك (هذا) وقد ورد فأرسلت غسل المنهي صلى الله عليه وسلم أحاديث (منها) حديث عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل المنهي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندرى أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل أقوال وذقنه على صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو؟ أن غسلوا المنهي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا القضاء كفر المنهي صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه ¬

(¬1) انظر ص 231 ج 1 - ابن ماجة " غسل النبى صلى الله عليه وسلم " و " غسل وذهب " مبنى للفاعل والضمير يعود على على: يعنى أن عليا شرع يلتمس على السوأة ما يلتمس من الميت من الفضلات فلم يجد شيئا فقال " بأبي " أي أنت مفدى بأبي وأنت " الطيب " (¬2) انظر ص 301 ج 8 - المنهل العذب " الشرح " " وطمست " بفتحات أي ذهب ضوءها وهو تعليل لمحذوف تقديره فإني أحشى على غيرك أن تكون منه لفتة الى ما لا يحل نظره فتطمس عينه. وأما أنت فاعرف تحرزك عن ذلك فلا أخشى عليك.

(ب) تكفين الميت

بالقميص دون أيديهم. وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. أخرجه أبو داود والبيهقى وابن حبان والجاكم (¬1). {443} ولعل الصحابة رضى الله عنهم تذكروا بهذا الصوت ما كانوا يعرفون من وجوب حفظ كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم فغسلوه فأرسلت قميصه لا أنهم اعتمدوا فأرسلت ذلك على مجرد سماع الصوت، إذ مثل هذا لا ينبني عليه حكم شرعي. (وحديث) عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن عليا رضى الله عنه غسل المنهي صلى الله عليه وسلم وعلى المنهي قميص ويبد على خرقة يتبع بها تحت القميص. أخرجه البيهقى (¬2) {444} (والمعنى) أن عليا رضى الله عنه لف خرقة على بده وأدخلها تحت القميص يتعهد بها السوءة كما يصنع بغير المنهي صلى الله عليه وسلم من الموتى. وأما بقية الجسد الشريف فغسل من فوق القميص كما تقدم في حديث سعيد بن المسيب عن على (¬3). (ب) تكفين الميت هو فرض كفاية بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم - في شان المحرم الحي وقصته ناقته- وكفنوه في ثوبيه (¬4) ويقدم على الدين والوصية. فان كان الميت موسرا كفن من ماله وإلا فكفنه على من تلزمه نفقته إلا الزوج فلا يلزم بكفن امرأته عند محمد بن الحسن واحمد وهو مشهور مذهب مالك وصححه المارودى ¬

(¬1) انظر ص 299 ج 8 - المنهل العذب " ستر الميت عند غسله " وص 387 ج 3 يبقهى " غسل الميت فى قميص " (¬2) انظر ص 388 ج 3 بيهقى " ما ينهى عنه من النظر إلى عورة الميت ". (¬3) انظر رقم 441 ص 328 " غسل النبي صلى الله عليه وسلم " (¬4) انظر الحديث رقم 407 ص 293 " غسل الميت "

وغيره من الشافعية. فيجب كفنها من مالها لأنها بالموت صارت أجنبية فلا يلزم الرجل كفنها (وقال) أبو حنيفة وأبو سف: يلزمه كفنها ولو تركت مالا، وعليه الفتوى وهو الأصح عن الشافعية. وروى عن مالك لانه تابع للمؤنة كالكسوة فمن لزمه كسوتها في الحياة يلزمه كفنها بعد الوفاة كالأمة مع السيد (فان لم يكن) للميت مال ولا زوج ولا منفق فكفنه في بيت المال. فان لم يعط ظلما أهلها عجزا فعلى الناس. ولا يشترط كون التكفين من مكلف حتى لو كفنه صبى أو مجنون اجزا لوجود المقصود (وحكمة) وجوب التكفين أمه ستر الإنسان واجب في الحياة فكذا بعد الموت. ثم الكلام في الكفن ينحصر في عشرة فصول. (1) ما يطلب فيه: يطلب فيه أربعة أمور: (1) يستحب كونه ابيض (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه احمد وابن حيان والحاكم والبيهقى والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذى وابن القطان (¬1) {445} (وعن) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البسوا ثياب البياض فإنها أطيب واطهر وكفنوا فيها موتاكم. أخرجه احمد والنسائي والبيهقى والترمذى والحاكم وصححاه (¬2) {446} ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 7 - الفتح الرباني " استحباب إحسان الكفن " وص 245 ج 3 بيهقى (خير ثيابكم البيض - من كتاب الجمعة) وص 90 ج 4 عون المعبود (البياض - كتاب اللباس) وص 132 ج 2 تحفة الاحوذى (ما يستحب من الأكفان) وص 231 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 171 ج 7 - الفتح الرباني (استحباب إحسان الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (اى الكفن خير؟ ) وص 402 ج 3 بيهقى (استحباب البياض في الكفن) وص 132 ج 2 تحفة الاحوذى (ما يستحب من الأكفان)

فيستحب تكفين الميت في الأبيض لكونه أطيب، أي احسن من غيره لما في البياض من الصفاء والبريق ولانه اطهر فانه إذا أصابه شئ من النجاسة أو الدنس يظهر فيه. (والآمر) في هذه الأحاديث محمول على الندب (لقول) جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة. أخرجه أبو داود والبيهقى بسند جيد (¬1) {447} والحبرة كعنبه نوع من برود اليمن مخطط ذو ألوان من قطن أو كتان. ولذا اتفق العلماء على استحباب التكفين في الثياب البيض. وتقدم تمامه في بحث لبس الأبيض. (¬2) (ب) ويستحب تطيب الكفن وترا بان يدار المجمر وفيه المود مرة أو ثلاثا أو خمسا على الكفن بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق الرائحة به (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا. أخرجه احمد والبراز ولاحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البيهقى بلفظ: إذا أجرتكم الميت فاوتروا. وروى: أجمروا كفن الميت ثلاثا (¬3) {448} وهذا في حق غير المحرم. أما المحرم فلا يبخر كفنه (لحديث) ابن عباس ¬

(¬1) انظر ص 310 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 403 ج 3 بيهقى (من استحب في الكفن الحبرة) وص 170 ج 7 - الفتح الرباني (استحباب إحسان الكفن) (¬2) انظر ص 207 ج 7 - الدين الخالص. طبعة أولى وص 154 طبعة ثانيه. (¬3) انظر ص 188 ج 7 - الفتح الربائى (تطيب بدن الميت وكفنه) وص 26 ج 3 مجمع الزوائد (الاجمار). و (أجمرتم الميت) أي يخرتم كفنه أو بدنه بالطيب وص 405 ج 3 بيهقى (الحنوط للميت).

أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقتة وهو محرم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة مليبا. أخرجه السبعة (¬1) {449} وصفة التطييب أن يجعل الكفن على عود وغيره، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب. ويستحب أن يكون الطيب عودا وكون العود غير مطيب بالمسك فان كان مطيبا به جاز (¬2) (جـ) ويستحب تحسين كفن الميت بتنظيفه وكونه متوسطا سائرا الميت غير محرم استعماله (لحديث) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬3). {450} (وحديث) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فاعمقوا ووسعوا. أخرجه الديلى في مسند الفردوس (¬4) {451} ¬

(¬1) انظر رقم 407 ص 293 (غسل الميت) (¬2) انظر ص 167 ج 4 مجموع النووي. و (عبق به الطيب عبقا) من باب تعب، ظهرت ريحه بثوبه أو بدنه. (¬3) انظر ص 169 ج 7 - الفتح الربائى (استحباب إحسان الكفن) وص 10 ج 7 نووي مسلم (تحسين الكفن) وض 307 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 267 ج 1 مجتبى (الأمر بتحسين الكفن) وص 133 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 232 ج 1 - ابن ماجه (ما يستحب من الكفن) وص 403 ج 3 بيهقى. (ويحسن) بضم الياء وفتح الحاء أو إسكائها من التحسين أو الإحسان أي يجعل كفنه حسنا. (والكفن) بفتح الفاء اسم لما يكفن به. (¬4) انظر ص 308 ج 8 المنهل العذب (الكفن)

(وعن) أبى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون في قبورهم. أخرجه البيهقى في شعب الأيمان (¬1) {452} (د) وينبغي تجنب المغالاة في الكفن (روى) عن حذيفة رضى الله عنه انه قال عند موته: ابتاعوا لي كفنا فأتى بحلة ثمنها ثلاثمائة وخمسين درهما، فقال: لا حاجة لي بها اشتروا لي ثوبين أبيضين ولا عليكم ألا تغالوا فانهما لم يتركا على إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما. أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم والبيهقى (¬2) {453} والثوب العسيل والجديد سواء عند الحنفيين (لقول) عائشة: دخلت على أبى بكر رضى الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين. قال أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قلت: إن هذا خلق. قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو المهملة، فلم يتوف حتى أمسي من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. أخرجه البخاري (¬3) {454} ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 7 - الفتح الربائى (الشرح) (¬2) انظر ص 403 ج 3 بيهقى (من كره ترك القصد فيه). والحلة ثوبان. (¬3) انظر ص 163 ج 3 فتح الباري (موت يوم الاثنين) و (سحولية) بفتح السين وضمها نسبة سحول قرية باليمن. والسحولية ثياب بيض نقية. و (ارجو فيما بيني وبين الليل) أي ارجو الوفاة في هذا الوقت ليوافق يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. و (به ردع) بفتح فسكون أي لطخ لم يعمه كله (وخلق) بفتحتين أي غير جديد. (المهلة) بتثليث الميم وسكون الهاء القيح يسيل من الجسد.

(وقالت) المالكية والشافعية: الغسيل في الكفن افضل (لقول) عبادة بن نسى: لما حضرت أبا بكر الوفاة لعائشة: اغسلي ثوبي هذين وكفيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين أما مكسو احسن الكسوة، أو مسلوب أسوا السلب. أخرجه عبد الله بن احمد في زوائد كتاب الزهد (¬1) {455} (وقالت) الحنبلية: يستحب أن يكون الكفن جديدا إلا أن يوصى الميت بغيره فتمتثل وصبته، كما ورد عن الصديق. وبه قال الجمهور (لحديث) عائشة أن أبا بكر رضى الله عنه قال لها: يا بنية أي يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يا أبت كفناه في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة ادرج فيها إدراجا. أخرجه احمد والبيهقى (¬2) {456} (2) ما يكون من الكفن: يكفن الميت فيما يحل له لبسه حيا، فلا يكفن الرجل في الحرير إلا إذا لم يوجد غيره لكن لا يزاد على ثوب (وأما) المرأة فيكره تكفينها في الحرير عند وجود غيره عند الجمهور لان فيه سرفا وإضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فانه تجمل للزوج (وقيل) يجوز تكفينها فيه والاشبه الحرمة لما فيه من السرف والمغالاة المنهي عنها. قال احمد: لا يعجبني أن تكفن المرأة في شئ من الحرير (¬3). (وأما) المعصفر والمزعفر فيكره تكفينها فيه عند الشافعي واحمد. ولا يكره عند الحنفيين ومالك. ويعتبر في الكفن ¬

(¬1) انظر ص 262 ج 2 نصب الراوية. (¬2) انظر ص 173 ج 7 - الفتح الربائى (صفة الكفن للرجل) وص 399 ج 3 بيهقى (عدد الكفن) و (يمانية) بتخفيف الياء على المشهور لان الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية بشد الياء أو يمانية بتخفيفها. والتشديد لغة. (¬3) انظر ص 313 ج 2 مغنى ابن قدامه.

المباح حال الميت. فان كان غنيا فمن جياد ثيابه، وإن كان متوسطا فمن أوسطها وإن كان فقيرا فبحسب حاله (¬1). (3) كفن النبي صلى الله عليه وسلم: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمنية من قطن (قالت) عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية، من كسف ليس فيها قميص ولا عمامة. أخرجه الستة والبيهقى (¬2) {457} وهذا هو الصحيح الثابت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، وما خالفه ضعيف لا يحتج به. (1) كحديث يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة ثوبان، وقميصه الحي مات فيه أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود وقال: قال عثمان - يعنى ابن أبى شبية - في ثلاثة أثواب: حلة حمراء وقميصه الحي مات فيه. (¬3) {458} (قال) النووي: حديث ضعيف: يصح الاحتجاج به لان يزيد بن أبى زياد ¬

(¬1) انظر ص 197 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 87 فتح الباري (الثياب البيض للكفن) وص 7 ج 7 نووي (تكفين الميت) وص 311 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (كفن النبي صلى الله عليه وسلم) وص 231 ج 1 - ابن ماجة. وص 133 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 399 ج 3 بيهقى (عدد الكفن) والكرسف - بضم فسكون - القطن. (¬3) انظر ص 173 ج 7 - الفتح الربائى (صفة الكفن للرجل) وص 231 ج 1 ابن ماجة (كفن النبى صلى الله عليه وسلم) ى وص 400 ج 3 بيهقى (ذكر الخير الذى يخالف ما روينا في كفن النبي صلى الله عليه وسلم) وص 312 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) (ونجرانية) نسبة إلي نجران بلدة باليمن

مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات (¬1) (وأيضا) فان تكفين النبي صلى الله عليه وسلم في القميص الذي مات فيه وغسل فيه بعيد عادة وذكر الحلة في كفنه صلى الله عليه وسلم غلط (فقد) قالت عائشة: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، واما الحلة فإنما شبة على الناس فيها، إنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (الحديث) أخرجه مسلم والبيهقى (¬2) {457} (قال) الترمذى: حديث عائشة اصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليه عند اكثر آهل العلم (¬3) (ب) (وحديث) عبد الله بن عقيل عن محمد بن على بن الحنيفة عن أبيه على ضري الله عنه قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة أثواب. أخرجه احمد والبراز وابن أبي شبية، قال الهيثمى: وإسناده حسن (¬4) {460} (ورد) بان عبد الله بن محمد بن عقيل سيئ الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثة إذا خالف الثقات كما هنا (¬5) ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 7 نووى مسلم: يعنى انه خالف حديث عائشة المتفق على صحته ورواته كلهم ثقات. (¬2) انظر ص 7 ج 7 نووى , وص 400 ج 7 بيهقى (بيان عائشة سبب لرشتباه على غيرهم). (وشبة). بضم فكسر مشددا اى اشتبه عليهم الامر. (¬3) انظر ص 133 ج 2 تحفة الاحوذى. (¬4) انظر ص 176 ج 7 - الفتح الربانى (صفة الكفن) وص 23 ج 3 مجمع الزوائد (الكفن) (¬5) قال الحافظ في التاخيص: ابن عقيل سيئ الحفظ يصلح حديثة للمتابعات. فاما إذا انفرد فيحسن واما إذا خالف فلا يقبل وقد خالف هو رواية نفسه فروى عن جابر ان النبى كفن فى ثوب ثمرة ولكن روى الحاكم من حديث أبوي عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية عن على انظر ص 155 طبعة الهند (ويرده) ايضا قول الحاكم: تواترت الأخبار عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن مغفل وعائشة فى تكفين النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ويبعد أن يخفى على جميعهم الزيادة عليها.

(جـ) (ومنه) ما يرده حديث أقوى منه كحديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في بردين أبيضين وبرد أحمر. أخرجه أحمد بسند جيد، والبيهقى بلفظ: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حبرة (¬1). {461} (فإنه) يرده ما رواه عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. أخرجه البيهقى والأربعة (¬2). {462} (4) كفن الرجل: اقله ثوب يستر جميع البدن (لقول) خباب بن الأرت: إن مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال النبي صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 174 ج 7 - الفتح الربانى (صفة الكفن) وص 400 ج 3 بيهقى. (والبرد) بضم فسكون نوع من الثياب (وقيل) هو كساء أسود مربع صغير وهو خلاف البردة فإنها الشملة المخططة (وبردة حبرة) بالإضافة أو التنوين وحبرة كعنبة ثوب مخطط. وهذه الرواية تفسر البرد بإنه من الحبر ورواية أحمد بينت أنه أحمر. (¬2) انظر ص 400 ج 3 بيهقى. وص 312 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 268 ج 1 مجتبى (كفن النبى صلى الله عليه وسلم) وص 133 ج 2 تحفة الأحوذى وص 231 ج 1 - ابن ماجه.

وسلم: غطوا بعا رأسه واجعلوا على رجلية من الإذخر. أخرجه البيهقى والسبعة إلا ابن ماجه (¬1). {463} (ولهذا) قال الحنفيون ومالك وأحمد: أقل الكفن ما يستر جميع بدن الميت ذكرا كان أو أنثى، وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين. وبه جزم المحققون من الشافعية (وقال) العراقيون منهم: اقل الكفن ما يستر العورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة فدل ذلك على أنه يجزئ فيه ما وارى العورة (¬2). (ورد) بأن ما ذكر حالة ضرورة لا تتعداها (وقد) نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ في الكفن ثوب واحد يصف ما تحته من البدن (¬3). (ومنه) ترى أن الدليل يشهد للجمهور من أن اقل الكفن ثوب يستر جميع البدن. هذا وكفن الرجل ثلاثة أنواع: (1) كفن الضرورة - وهو ما يوجد لما تقدم عن خباب (¬4) (وحديث) الزبير بن العوام رضى الله عنه قال: إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 7 - الفتح الربانى. وص 91 ج 3 فتح البارى (التكفين فى ثوب واحد) وص 315 ج 8 - المنهل العذب (كراهية المغالاة فى الكفن) وص 6 ج 7 نووى مسلم (تكفين الميت) وص 269 ج 1 مجتبى (القميص فى الكفن) وص 401 ج 3 بيهقى (ونمرة) بفتح فكسر شملة بها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب (واإذخر) بكسر فسكون فكسر نبت بالحجاز طيب الرائحة (¬2) انظر ص 192 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 91 ج 3 فتح البارى (الكفن من جميع المال). (¬4) انظر رقم 463.

فقال: المرأة المرأة فتوسمت أنها أمي صفية، فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى فلدمت في صدري، وكانت امرأة جلدة فقالت: إليك لا ارض لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك، فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلي جنب رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن تكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فاقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له. أخرجه أحمد وأبو يعلى والبراز. وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وقد وثق (¬1). {464} (وقال) جابر بن عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬2). {465} (وعن) خباب بن الإرث أن حمزة رضى الله عنه لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدمية قلصت ¬

(¬1) انظر ص 181 ج 7 - الفتح الربانى (المواساة فى الكفن) و (المرأة المرأة) منصوب على التحذير أى احذروا إشرافها على القتلى خوفا من أن يصيبها من الشدة والتأثر بهذا النظر الفظيع ما لا تحتمله. وكرر لفظ المرأة للتأكيد. و (لدمت) من باب قتل أى ضربت ودفعت. و (جلدة) بفتح فسكون أى قوية صبور. و (اليك) اسم فعل بمعنى تنح عنى. و (لا ارض لك) أى لا مقر لك ولا وطن كلمة سب مثل لا أم لك (وعزم) أى أمر بمنعك أمرا مؤكدا. (¬2) انظر ص 310 ج 8 - المنهل العذب (الكفن) وص 402 ج 3 بيهقى (من استحب فى الكفن الحبرة)

عن رأسه، فمدت على رأسه وجعل على قدمية الإذخر. أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند بسند جيد (¬1) {466} (دل) هذا الحديث ونحوه على أنه إذا لم يوجد للميت إلا ثوب لا يستر كل البدن ستر رأسه وجعل على رجليه ما يستره من حشيش ونحوه، فإن لم يوجد إلا ما يستر العورة سترت لأنها أهم. وإن كثرت القتلى وقلت الأكفان كفن الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد كما صنع بقتلى أحد (قال) أنس: كثرت قتلى أحد وقلت الثياب فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسال: أيهم أكثر قرآنا فيقدمه إلى القبلة. أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه (¬2). {467} (ب) كفن الكفاية - يكفى في كفن الذكر البالغ والمراهق ثوبان إزار من الرأس إلى القدم على المشهور، ولفافة يلف بها من قرنه إلى قدمه، فيجوز الاقتصار عليهما بلا كراهة. ويكره. ويكره النقض عنهما بلا ضرورة (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حق المحرم الذي وقصته ناقعة: كفنوه في ثوبيه (¬3) (ولقول) صلى بن زفر: إن حذيفة بن اليمان كفن في ثوبين، بعثتي وأبا مسعود فابتعنا له كفنا حلة عصب بثلاثمائة درهم، قال: أرياني ما ابتعتما لي، فأريناه فقال: ما هذا لي بكفن، إنما يكفيني ربطتان بيضاوان لبس منها قميص، إني لا أنرك إلا قليلا حتى أنال خيرا منهما أو شرا منهما، فابتعنا له ربطتين بيضاوين. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات (¬4). {468} ¬

(¬1) انظر ص 184 ج 7 - الفتح الربانى (الكفن من راس المال) و (ملحاء) أى فيها خطوط سود وبيض (وقلصت) ذهبت (¬2) انظر ص 294 ج 8 - المنهل العذب (الشهيد يغسل) وص 138 ج 2 تحفة الأحوذى (ما جاء فى قتلى أحد) (¬3) انظر رقم 449 ص 332 (¬4) انظر ص 25 ج 3 مجمع الزوائد (الكفن (والعصب) بفتح فسكون برود يمنية يجمع غزلها ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتى موشيا (ملونا) لبقاء ما عصب منه أبيض لم يصبغ (انظر ص 100 ج 3 نهاية ابن الاثير) (والرباطة 9 بفتح فسكون كل ملاءة ليست قطعتين وقد تطلق على كل ثوب رقيق.

(جـ) كفن السنة - السنة في كفن الذكر البالغ والمراهق عند الحنفيين ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة، فالقميص من العنق للقدم بلا كمين ولا فتحة صدر ولا دخريص وهو المعروف بالجنب فلا يوسع أسفله بخلاف قميص الحي. والإزار من القرن (الرأس) إلى القدم على المشهور (¬1). اللفافة يلف بها من القرن إلي القدم (لحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميص. أخرجه الطبرانى في الأوسط بسند جيد (¬2). {469} (ولقول) عبد الله بن مغفل: إذا أنا مت فاجعلوه في غسلي كافورا وكفنوني في بردين وقميص فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه صدقة بن موسى وفيه كلام (¬3). {470} (وتكره) الزيادة على الثلاث لأنه سرف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة كما تقدم (¬4) (وقيل): لا باس بالزيادة على ثلاثة إلى خمسة (لحديث) ابن عمر أنه كفن ابنه واقدا ¬

(¬1) قال الكمال ابن الهمام: وأنا لا أعلم وجه مخالفة ازار الحى من السنة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك المحرم: كفنوه فى ثوبيه. وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه ومعلوم أن ازاره من الحقو وكذلك أعطى اللاتى غسلن ابنته حقوه. انظر ص 454 ج 1 فتح القدير (تكفينه). (¬2) انظر ص 24 ج 1 مجمع الزوائد (الكفن). (¬3) نظر ص 24 ج 1 مجمع الزوائد (الكفن). (¬4) انظر رقم 462 ص 337.

في خمسة أثواب: قميص وعمامة وثلاث لفائف، وأدار العمامة إلى تحت حنكة. أخرجه سعيد بن منصور في سنته (¬1). {471} (وقالت) الشافعية والحنبلية: السنة في كفن الرجل ثلاث لفائف بيض تعم جميع البدن سوى راس المحرم والأفضل أن لا يكون فيها قميص ولا عمامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة. (ولا يكره) زيادة قميص عليها ولا تكفينه في قميص بكمين وإزار ولفافة (لحديث) نافع عن ابن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفى جاء ابنه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه (الحديث) أخرجه الشيخان (¬2). {472} (ولا يكره) أيضا عند الشافعية زيادة العمامة (لقول) نافع: إن ابنا لعبد الله بن عمر مات فكتنه ابن عمر في خمسة أثواب: عمامة وقميص وثلاث لفائف. أخرجه البيهقى (¬3). {473} (وتكره) الزيادة على ذلك لأنه سرف (وكذا) تكره العمامة عند الحنبلية، فالأفضل عندهم أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها (وأما) إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أبي قميصه، فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص النبي صلى الله عليه وسلم (وقيل) إنما فعل ذلك جزاء ¬

(¬1) انظر ص 311 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشرح). (¬2) انظر ص 89 ج 3 فتح البارى (الكفن فى القميص). (¬3) انظر ص 402 ج 3 بيهقى (جواز التكفين فى القميص).

لعبد الله بن أبي عن كسوتة العباس قميصه يوم بدر (¬1). (وقالت) الشافعية فإن كان في الكفن قميص وعمامة استحب جعلها تحت الثياب لأن إظهارها لزينة وليس الحال حال زينة، وإن قال بعض الورثة يكفن في ثوب، وقال بعضهم في ثلاثة، ففيه وجهان: أحدهما يكفن في ثوب يعم ويستر. والثاني يكفن في ثلاثة وهو الأصح لأنه كفن المعروف المسنون (¬2). وهل للغرماء المنع من كفن السنة ظ الصحيح نعم. وعليه فيكفن عند الحنفيين كفن الكفاية وهو ثوبان للرجل وثلاثة للمرأة. وعند غيرهم يكفن بثوب يستر جميع البدن. (وقالت) المالكية: ندب أن يكفن الرجل في خمسة: إزار وقميص ولفاقتين وعمامة لها عذبة نحو الذراع ترسل على وجهه لما تقدم أن ابن عمر كفن ابنه في خمسة أثواب منها عمامة (¬3). (وأجابوا) عن حديث عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم بأن المراد بقولها فيه: " ليس فيها قميص ولا عمامة " أنهما زائدتان على الثلاث لا أنهما منها (ورد) بأنه خلاف الظاهر بل معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة، وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شئ آخر. وهذا الذي يقتضيه ظاهر ¬

(¬1) (انظر ص 328 و 329 مغنى ابن قدامة ويشير الى ما ورى سفيان بن عييينه عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال: لما كان يوم بدر أتى باسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبى صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن ابى يقدر عليه. بضم الدال أى يسعه لأن العباس وابن ابى كانا مستويين فى القامة) فكساه النبى صلى الله عليه وسلم إباه فلذلك نزع النبى صلى الله عليه وسلم قميصه الذى البسه (أى لعبد الله بم ابى عند دفنه) قال ابن عيينه: كانت له (أى لابن ابى) عند النبى صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه. أخرجه البخارى انظر ص 88 ج 6 فتح البارى (الكسوة للأسارى). (¬2) انظر ص 194 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر رقم 471 و 473

الحديث (¬1). (وأجاب) القائلون بعدم استحباب القميص عن آثري ابن عمر بأنه عمل صحابي لا يعارض الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (وجملة القول) أن العلماء اتفقوا على أنه لا يحب في كفن الرجل أكثر من ثوب يستر جميع البدن. واختلفوا في الأفضل. فقال الجمهور: أفضله ثلاث أثواب بيض ليس فيها عمامة (لحديث) عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (¬2). (ووجه) الدلالة أن الله عز وجل لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل. (5) كيف يكفن الرجل؟ كيفيته أن تبخر الأكفان بالطيب مرة أو ثلاثا أو خمسا (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أجمرتم الميت فأوتروا. وروى أجمروا كفن الميت ثلاثا. أخرجه البيهقى (¬3). {474} ثم تبسط اللفافة ثم الإزار عليها ويوضع الميت في القميص ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته، ويوضع الكافور على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما تقدم عن ابن مسعود: الكافور يوضع على مواضع السجود. أخرجه البيهقى وابن أبي شيبه (¬4). {475} وليصان عن صورة الفساد وتظيما له خشية أن تظهر منه رائحة كريهة ولا باس باستعمال أنواع الطيب غير الزعفران والورس في حق الرجل ولا باس بتطييب قطن منفوش ووضعه في أنفه وفمه خشية خروج شئ يلوث الأكفان ثم يوضع الميت على الإزار فيلف عليه من جهة يساره ثم من جهة يمينه ليكون الأيمن على الأيسر كما في حال الحياة ثم يلف اللفافة عليه كذلك. ويجمع ما فضل ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 7 نووى مسلم. (¬2) انظر رقم 462. (¬3) تقدم رقم 448. (¬4) تقدم رقم 435.

عند رأسه فيرد على وجهه وما فضل عند رجليه فيرد عليهما، ويربط الكفن إن خيف انتشاره وإذا وضع في القبر حل الرباط. (6) كفن المرأة: المرأة كالرجل في اقل الكفن وكفن الضرورة. فالواجب في كفنها ثوب ساتر جميع البدن عند الثلاثة. وعند الشافعي: ثوب ساتر العورة وهى جميع بدن الحرة إلا وجهها وكفيها (¬1). وأما كفن الكفاية فهو في حق البالغة والمراهقة إزار ولفافة وخمار يغطى به رأسها فيجوز الاقتصار عليها بلا كراهة ويكره تكفينها في ثوبين بلا ضرورة، أما الصغيرة فلا بأس بتكفينها في ثوبين. والسني في كفن المرأة البالغى المراهقة خمسة: قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة - عرضها ما بين الثدي والفخذ - يربط بها ثدياها وبطنها عند الحنفيين، وكذا عند الشافعي وأحمد غير أنهما يجعلان بدل الخرقة لفافة. واصله حديث ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، وكان أول ما أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب معه كفنها، فناولناه ثوبا ثوبا. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند لا باس به (¬2). {476} والحقاء ككساء الإزار، والدرع القميص، والملحفة الملاءة تلتحف بها المرأة، والثوب الآخر لفافة أخرى (وقال) الحنفيون: المراد بالملحفة الخرقة يربط بها ثديا ¬

(¬1) انظر ص 205 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 175 ج 7 - الفتح الربانى (كم يكون الكفن) وص 316 ج 8 المنهل العذب (كفن المرأة) وص 6 ج 4 بيهقى. والصحيح أن هذه القصة فى شأن زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم لأن أم كلثوم توفيت والنبى صلى الله عليه وسلم ببدر. والحقاء بالكسر والمد وفى رواية بالقصر لغة فى الحقو

المرأة وبطنها (وقال) عمر رضى الله عنه: كفن المرأة خمسة أثواب " وَلاَ تَعتْدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِب الُمْعتَدِين " أخرجه ابن أبى شيبة. (وقالت) المالكية: المستحب في كفن المرأة سبعة أثواب: إزار وقميص وخمار أربع لفائف وكأنهم يرون أن اسم العدد لا مفهوم له، فأباءوا الزيادة على ما في الحديث، ورأوا أن الأمر في ذلك واسع (ومذهب) الأولين هو الراجح لموافقته للنص، ولأن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون للتشريع. (7) كيف تكفن المرأة؟ : كيفية تكفينها عند الحنفيين أن يطيب الكفن كما تقدم ثم تبسط اللفافة ثم الإزار وتوضع المرأة في القميص ويجعل شعرها على صدرها ثم تخمر (¬1) ثم توضع على الإزار فتلف به ثم باللفافة ثم تربط الخرقة فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن لئلا ينتشر الكفن باضطرابها حال الحمل. (وكيفيته) عند الشافعية والحنبلية أن يشد على المرأة الإزار ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في لفافتين، ويعقد الكفن إن خيف انتشاره صيانة للميت ثم يحل في القبر. (8) كفن المحرم: إذا مات المحرم يغسل بماء وسدر كالحلال ولا يكفن في المخيط ولا يغطى رأسه ولا يطيب لبقاء حكم إحرامه (روى) سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم ¬

(¬1) تخمر: أى يغطى راسها بالخمار

القيامة ملبيا. أخرجه السبعة والبيهقى (¬1). {477} (وبهذا) قال الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري (وعن) أحمد لا يغطى وجهه لما روى في الحديث: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه (¬2) ولا يكفن في المخيط لأنه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت. والعمل على أنه يغطى جميع بدن المحرم إلا رأسه فإن كل الميت امرأة محرمة أليست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولا تطيب ولا يغطى وجهها لأنه يحرم على المحرمة في حياتها فكذلك بعد موتها. (فإن ماتت) المتوفى عنها زوجها في العدة فالصح أن تطيب لأن التطيب إنما حرم في الحياة لكونه يدعو إلى نكاحها وقد زال بالموت (¬3). (وقال) الحنفيون ومالك والأوزاعى: إذا مات المحرم انقطع إحرامه فيكفن في المحيط وتغطى رأسه ويطب وهو مروى عن عائشة وابن عمر (فقد) مات ابنه واقد بالجحفة محرما فكفنه وخمر وجهه ورأسه (وقال): لولا أنا حرم لطيبناه. أخرجه مالك في الموطأ (¬4). {478} (وقد سئل) عطاء عن المحرم يغطى رأسه إذا مات؟ فقال: غطى ابن عمر وكشف غيره. أخرجه عبد الرازق في مصنفه بأسانيد جياد (وحكى) ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم وتطييبه وتخمير رأسه لأن افحرام عبادة تبطل بالموت كالصلاة والصوم (وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأنه خصوصية لهذا الرجل لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بإنه يبعث ملبيا شهادة منه بأن حجه ¬

(¬1) تقدم رقم 449 ص 331 (¬2) هذه رواية مسلم انظر ص 128 ج 8 نووى. قال البيهقى وذكر الوجه غريب. (¬3) انظر ص 332 ج 2 شرح المقنع (¬4) انظر ص 152 ج 2 - الزرقانى على الموظإ (تخمير المحرم وجهه).

قد قبل وذلك غير محقق لغيره وبأن عمله قد انقطع بموته (لحديث) إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. أخرجه مسلم والبخاري في الأدب والثلاثة عن أبي هريرة (¬1). {479} (دل) الحديث على أن عمل الإنسان ينقطع بموته إلا في هذه الثلاثة وليس الإحرام منها (ورد) بأن الأصل عدم الخصوصية وأن قوله صلى الله عليه وسلم: يبعث ملبيا ليس قاصرا على ما قالوا، بل هو ظاهر في بقاء حكم الإحرام لأن التلبية شعار المحرم فالحكم عام. (ويؤيده) حديث ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء سدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرما. أخرجه النسائي (¬2). {480} وهو ظاهر في العموم واعتذر الداودى عن مالك بأنه لم يبلغه الحديث. (9) كفن الصغير ك الصغير كالكبير في الكفن ذكرا كان أم أنثى عند الشافعية فيستحب تكفين الصبي في ثلاثة أثواب كالبالغ. (قال) (الحنفيون) وأحمد: يحسن أن يكفن كالكبير، ويجوز تكفينه في ثوب واحد بلا كراهة، ولا باس بتكفين الصغيرة في ثوبين، والمراهقة بمنزلة البالغة في الكفن لأن المراهق حال حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة، فكذا يكفن فيما يكفن فيه. (قال) المروزى: سالت أبا عبد الله - يعنى أحمد - في كم تكفن الجارية ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 11 نووى (ما يلحق الإنسان بعد وفاته - الوصية) وص 77 ج 3 عون المعبود (ما جاء فى الصدقة) وص 129 ج 2 مجتبى (فضل الصدقة عن الميت). (¬2) انظر ص 269 ج 1 مجتبى (كيف يكفن المحرم).

إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين وقميص لا خمار فيه لأن غير البالغة لا يلزمها ستر رأسها في الصلاة (واختلفت) الرواية عن أحمد في الحد الذي تصير به في حكم المرأة في الكفن (فروى) عنه إذا بلغت (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم (¬1). {481} مفهومة أن غير البالغة لا تحتاج إلى خمار في صلاتها فكذا في كفنها، وقد كفن ابن سيرين بنته وقد قاربت الحيض بغير خمار. (وروى) عن أحمد أنها إذا كانت بنت تسع سنين يصنع بها ما يصنع بالمرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهى بنت تسع سنين وروى عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة (¬2). (10) كفن السقط ونحوه: السقط - بكسر السين - الجنين ينزل قبل تمامه وهو مستبين الخلق، وهو ومن ولد ميتا يلفان في خرقة بلا مراعاة وجه الكفن كالعضو من الميت، فإذا وجد عضو من أعضاء الإنسان أو نصفه مشقوقا طولا أو نصفه مقطوعا عرضا ليس معه الرأس يلف في خرقة وإن كان معه الرأس يكفن وقيل: يلف في خرقه. وإن وجد أكثر يكفن لأن للأكثر حكم الكل (¬3). (فوائد): (الأولى) إذا نبش القبر وأخذ الكفن فعند الشافعية يجب تكفينه ثانيا سواء كفن من ماله أو من مال غيره أو من بيت المال. (وقيل) ¬

(¬1) (انظر ص 89 ج 3 - الفتح الربانى 0 المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها) وص 30 ج 5 - المنهل العذب) (المرأة تصلى بغير خمار) (¬2) انظر ص 342 وما بعدها ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 307 ج 1 بدائع الصنائع.

إذا كفن من ماله ثم اقتسم الوثة التركة ثم نبش القبر وسرق الكفن استحب للورثة أن يكفنوه ثانيا ولا يلزمهم ذلك، لأنه لو لزمهم ثانيا للزمهم إلى مالا يتناهى (¬1) ولو كفن ثم أكله سبع وبقى الكفن (قيل) يقسم بين الورثة (وقيل) يكون لبيت المال لأنهم لم يرثوه عند الموت فلا يرثونه بعد (¬2). (وقال) الحنفيون: إذا نبش القبر وأخذ الكفن والميت لم يتفسخ كفن ثانيا من جميع المال لأن حاجته إلى الكفن ثانيا كحاجته إليه أولا: فإن قسم المال فالكفن على الوارث دون والغرمان والموضى له، لأنه بالقسمة انقطع حق الميت عنه فصار كأنه مات ولا مال له فيكفنه وارثه إن كان له مال ن وإن لم يكن له مال ولا لمن تلزمه نفقته فكفنه في بيت المال. وإن نبش بعد ما تفسخ وأخذ كفنه كفن في ثوب واحد، لأمه إذا تفسخ خرج عن حكم الآميين وصار كالسقط، ولذا لا يصلى عليه (¬3). (الثانية) يجوز للإنسان أن يعد لنفسه كفنا (لحديث) سهل بن سعد الساعدى أن أمرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها - أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة قال: نعم - قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فإخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد قال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفنى. قال سهل: فكانت ¬

(¬1) انظر ص 210 ج 5 مجموع النووى (¬2) انظر ص 296 ج 2 مهذب الشيرازى (¬3) انظر ص 309 ج 1 بدائع الصنائع.

كفنه. أخرجه البخاري (¬1). {482} (فقد) دل الحديث على جواز تحصيل مالا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته لما فيه من تذكر الموت والاستعداد له (وفى الحديث) افضل المؤمنين إيمانا أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا (¬2) (وقال) الصيرفي: لا يستحب أن يعد الإنسان لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من اثر أهل الخير والصلحاء، فإن ادخاره حينئذ حسن الحديث سهل المذكور. وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته؟ (قال) ابن بطال: وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم ليتمثلوا حلول الموت فيه. (ورد) عليه ابن المنير بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، ولو كان مستحبا لكثر فيهم (قال) البدر العيني: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه لأن ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، ولا سيما إذا فعله قوم من العلماء الأخيار (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 91 ج 3 فتح البارى (من استعد الكفن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم) و (فيها حاشيتها) يعنى أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية وقيل حاشية الثوب هدية فكأنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد. وقيل حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان فى طرفهما الهدب. و (أتدرون الخ) من قول سهل بن سعد كما فى رواية البخارى فى الأدب ولفظه: فقال سهل للقوم. أتدرون ما البردة؟ قالوا الشملة. وفى تفسير البردة بالشملة تجوز لأن البردة كساء والشملة ما يشمل به فهى أعم لكن لما كان أكثر اشتمالهم بالبردة أطلقوا عليها اسم الشملة (فحسنها) من التحسين أى نسبها الى الحسن. (¬2) انظر ص 61 ج 8 عمدة القارى (من استعد الكفن). (¬3) انظر ص 61 ج 8 عمدة القارى (من استعد الكفن).

الصلاة على الميت

الصلاة على الميت الكلام فيها ينحصر في عشرين فصلا (1) فضلها - قد ورد في الحث على الصلاة على الميت وتشييعه حتى يدفن أحاديث (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أصغرهما مثل أحد أو أحدهما مثل أحد أخرجه السبعة (وقال) الترمذى: حسن صحيح وروى من غير وجه (¬1). {483} وفى رواية للبخاري: من شيع جنازة، وفى أخرى له: من شهد والفاء في قوله: فصلى ليست للترتيب فإن الإجر المذكور يحصل لمن صلى على الجنازة وتبعها تقدمت الصلاة أم تأخرت (وحديث) خباب صاحب المقصورة قال: يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى يدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له ¬

(¬1) (انظر ص 197 ج 2 - الفتح الربانى 0 فضل الصلاة على الميت) وص 128 ج 3 فتح البارى (من انتظر حتى تدفن 9 وص 13 ج 7 نووى (فضل الصلاة على الجنازة) (ولفظ الشيخين 0 من شهد الجنازة حتى يصلى فله قيراط. ومن شهد حتى يدفن كان له قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين) وص 331 ج 8 - المنهل العذب وص 282 ج 1 مجتبى 0 ثواب من صلى على جنازة) وص 150 ج 2 تحفة الأحوذى (فضل الصلاة على الجنازة) وص 241 ج 1 - ابن ماجه (والقيراط) سدس درهم والدرهم ست عشرة خرنوبة. ولما كان القيراط المتعارف حقيرا مثله النبى صلى الله عليه وسلم بأعظم الجبال خلقا وأحبها لنفس المؤمن (ففى الحديث) إن أحدا جبل يحينا ونحبه. أخرجه مالك والشيخان والترمذى عن أنس ولكونه قريبا من المخاطبين خاطبهم بما يعرفون تقريبا لعقولهم وإلا فالثواب معنى لا يدرك بالحس.

مثل أحد. فارسل ابن عمر خبايا إلى عائشة يسألها عن قول أبى هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت فقال: قالت عائشة صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى ومسلم وهذا لفظه (¬1). {484} (وهذا) ظاهر في أن الأجر المذكور يحصل لمن خرج مع الجنازة من بيتها ولأحمد من حديث أبي سعيد الخدرى: من جاء جنازة في أهلها فتبعها حتى يصلى عليها فله قيراط (¬2)، ومقتضاه: أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره. (والظاهر) أن القيراط يحصل لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى، لحديث أبي هريرة مرفوعا: من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط. أخرجه أحمد ومسلم (¬3). {485} (فدل) على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع ابتاع (وقال) ابن المنير: إن القيراط لا يحصل إلا لمن ابتع وصلى، أو اتبع وشيع وحضر الدفن لا لمن اتبع وشيع ثم انصرف بلا صلاة، وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين: الصلاة أو الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المترتب عليه وإن كان يرجى أن يحصل بذلك فضل ما يحتسب (وقد) روى سعيد بن منصور عن مجاهد أنه قال: اتباع الجنازة افضل النوافل (وحديث) ابن سيرين عن ¬

(¬1) انظر ص 194 ج 7 - الفتح الربانى (فضل الصلاة على الميت) وص 16 ج 7 نووى، وص 333 ج 8 - المنهل العذب. وص 412 بيهقى. (والمقصورة) الدار الواسعة المحصنى. وقيل إنها أصغر من الدار تقصر لا يدخلها إلا صاحبها. (¬2) انظر ص 197 ج 7 - الفتح الربانى (فضل الصلاة على الميت وتشييع الجنازة) (¬3) انظر ص 15 ج 7 نووى

أبى هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين. كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط. أخرجه البخاري والنسائي (¬1). {486} وهو صريح في أن الحاصل من الصلاة والدفن قيراطان فقط (وظاهر) قوله في الحديث الأول: ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان (¬2) أن هذين القيراطين غير قيراط الصلاة وبه جزم بعض المتقدمين. ويمكن الجمع بينهما بأن المراد بقوله في الحديث الأول " فله قيراطان " أى بقيراط الصلاة. (دلت) هذه الأحاديث على أن من صلى على الميت وسيعه فله قيراطان من الأجر: قيراط للصلاة وقيراط للتشييع مع حضور الدفن والفراغ منه. وف بعضها عدم التقييد بحضور الدفن ولكن يحمل المطلق منها على المقيد، وهذا هو الصحيح. وقيل: يحصل القيراط الثاني إذا ستر الميت في القبر باللبن ونحوه وإن لم يلق عليه التراب (والحاصل) إن الانصراف من الجنازة مراتب (أ) أن ينصرف عقب الصلاة (ب) أن ينصرف عقب وضع الميت في القبر وستره قبل إهالة التراب. (جـ) أن ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ الدفن. (د) أن يمكث عقب الفراغ ويستغفر للميت ويدعو له ويسأل له التثبيت. فالرابعة أكمل المراتب والثالثة تحصل القيراطين ولا تحصلهما الثانية على أترجح. ويحصل بالإولى قيراط بلا خلاف. (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تبع جنازة ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 1 فتح البارى (اتباع الجنائز من الإيمان) وص 282 ج 1 مجتبى (ثواب من صلى على جنازة). (¬2) انظر رقم 483.

يحمل من علوها وحثا في قبرها وقعد حتى يؤذن له، آب بقيراطين من الأجر كل قيراط مثل أحد. أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة متكلم فيه، وعبد الله بن هرمز ضعيف (¬1). {487} وهو يدل على استحباب استئذان المشيع أولياء الميت في الأنصراف بعد الدفن. ولم يقل بذلك أحد إلا ما رواه ابن عبد الحكم عن مالك، وروى عن بعض الصحابة (وقال) الجمهور: لا يطلب استئذان المنصرف بعد الدفن (لقول) زيد بن ثابت رضى الله عنه: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك. ذكره البخاري معلقا. ووصله سعيد بن منصور من طريق عروة عن زيد بن ثابت قال: إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها (¬2) أى قضيتم حق الميت. فمن أراد الاتباع زيادة في الأجر فله ذلك 0 وقال: حميد بن هلال ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط. ذكره البخاري معلقا (¬3). (وبهذا) قال الجمهور لإطلاق أحاديث الباب (وقالت) المالكية: يكره الانصراف عن الجنازة قبل الصلاة عليها ولو بإذن أهلها لما فيه من الطعن ¬

(¬1) انظر ص 196 ج 7 - الفتح الربانى (فضل الصلاة على الميت) و (من علوها) بضم العين واللام وكسر الواو مشددة. وفيه إشارة الى كيفية حمل الجنازة بارتفاع سريرها على عاتق الرجال. (وحثا) التراب يحثوه ويحثيه حثيا من باب رمى لغة أى هاله بيده. (¬2) انظر ص 125 ج 3 فتح البارى (فضل ابتاع الجنائز) واراد البخارى بذكر هذين الثرين الرد على قول ابى هريرة: أميران وليسا بأميرين الرجل يكون مع الجنازة يصلى عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها (الثر) اخرجه عبد الرازق من طريق عمرو بن شعيب وهو منقطع موقوف (وقد) ورد مثله مرفوعا من حديث جابر. أخرجه البزار بسند فيه مقال. ومن حديث ابى هريرة مرفوعا بسند ضعيف. وهو الحديث رقم 487 (انظر ص 125 ج 3 فتح البارى) (الشرح) (¬3) انظر ص 125 ج 3 فتح البارى (فضل ابتاع الجنائز) واراد البخارى بذكر هذين الثرين الرد على قول ابى هريرة: أميران وليسا بأميرين الرجل يكون مع الجنازة يصلى عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها (الثر) اخرجه عبد الرازق من طريق عمرو بن شعيب وهو منقطع موقوف (وقد) ورد مثله مرفوعا من حديث جابر. أخرجه البزار بسند فيه مقال. ومن حديث ابى هريرة مرفوعا بسند ضعيف. وهو الحديث رقم 487 (انظر ص 125 ج 3 فتح البارى) (الشرح)

في الميت وإن طولوا. ويكره الانصراف بعد الصلاة بلا إذن أهلها إن لم يطولوا ولا يكره بعدها إن أذنوا أو طولوا ولو لم يأذنوا (¬1). 2 - حكم صلاة الجنازة: هي فرض كفاية بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: " وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُم " (¬2) والحمل على المفهوم الشرعي أولى (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم (الحديث) أخرجه الشيخان (¬3). {488} وقد نقلوا الإجماع على أن الجنازة فرض كفاية إلا ما حكى عن بعض المالكية من أنها سنة، وهذا متروك لا يلتفت إليه (¬4). وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضى الله عنه والأمة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم يومنا هذا عليها. (3) سببها: سبب لزومها الميت المسلم، لأنها شرعت قضاء لحقه فيصلى على كل مسلم مات بعد الولادة صغيرا كان أم كبيرا ذكرا أم أنثى إلا البغاة وقطاع الطريق ونحوهم، ولا يصلى على من ولد ميتا. وإن مات في حال ولادته، فإن كان خرج أكثره صلى عليه وإن كان اقله لم يصل عليه اعتبارا للأغلب (¬5). (4) شروطها: هي عامة وخاصة (أ) فالعامة هي ما يشترط للمكتوبة ¬

(¬1) انظر ص 172 ج 1 صغير الدرديرى (¬2) التوبة: 103 (¬3) انظر ص 414 ج 9 فتح البارى (قول النبى صلى الله عليه وسلم: من ترك كلا أو ضياعا فإلى - النفقات) وص 59 ج 11 نووى مسلم (الفرائض) (¬4) انظر ص 311 ج 1 بدائع الصنائع (¬5) انظر ص 212 ج 5 مجموع النووى.

إلا الوقت فيشترط لها الطهارة الحقيقية والحكمية واستقبال القبلة وستر العورة والنية حتى إنهم لو صلوا على جنازة والإمام غير طاهر فعليهم إعادتها لأن صلاة الإمام غير جائزة، فكذا صلاتهم لأنها مبنية على صلاته. ولو كان الإمام متطهرا والقوم على غير طهارة جازت صلاة الإمام وليس عليها إعادتها لأن حق الميت تأدى بصلاة الإمام، ولو تحروا على جنازة فأخطئوه القبلة جازت صلاتهم لأن المكتوبة تجوز فهذه أولى وإن تعمدوا خلافها لم تجز لأن استقبال القبلة شرط لا يسقط حالي الاختيار كما في سائر الصلوات (¬1). (وشذ) قوم فقالوا: يجوز أن يصلى على الجنازة بغير طهارة، وبه قال الشعبي وابن جرير الطبري والشيعة. ظنوا أن اسم الصلاة لا يتناول صلاة الجنازة، وإنما يتناولها اسم الدعاء إذ ليس فيها ركوع ولا سجود وهو قول خرق الإجماع فلا يلتفت إليه (¬2). (فائدة) من وجد الماء لكنه خاف باستعماله فوات صلاة الجنازة أيباح له التيمم؟ قال النعمان وسفيان الثوري والأوزاعى وجماعة: يتيمم ويصلى على الميت وهو رواية عن أحمد لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أتى بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم ثم صلى عليها. أخرجه البيهقى في المعرفة وقال: وهذا لا أعلمه إلا من هذا الوجه، فإن كان محفوظا فإنه يحتمل أن يكون ورد في سفر وإن كان الظاهر خلافه (¬3). {489} وتقدم نحوه عن ابن عباس في بحث ما يباح بالتيمم (¬4). والموقوف في هذا ¬

(¬1) (انظر ص 315 ج 1 بدائع الصنائع 0 بيان ما تصح به وما تفسد) (¬2) انظر ص 223 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر ص 230 ج 1 - الجوهر النقى على البيهقى. (¬4) انظر رقم 460 بص 432 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية. (التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة)

كالمرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي (وقال) مالك الشافعي: لا يتيمم للجنازة مع وجود الماء ولو خاف فوتها قياسا على سائر الصلوات وهى رواية عن أحمد. ولو كان المصلى ولى الميت لا يباح له التيمم مع وجود الماء اتفاقا لأن له حق الإعادة فر خلاف الفوت ومبني الخلاف تم صلاة الجنازة لا تقضي عند الحنيفين وعند غيرهم تقضي بخلاف الجمعة لانه فرض الوقت قائم وهو الظهر وبخلاف سائر الصلوات لأنها تفوت إلي خلف وهو القضاء الفائت إلي خلف قائم معني وسجده التلاوة ولا يخاف فوتها رأسا لانه ليس لآبائها وقت معين (¬1). (واستدل) من برى اشتراط الطهارة بعموم قول الله تعالى " وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداًد" (¬2) فسماها صلاة وقوله تعالى " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ " (¬3) وقوله صلى الله عليه وسلم ك لا يقبل الله صلاة بغير طهور (¬4) ولأنها لما افتقرت إلي شروط الصلاة دل على أنها صلاة وكون معظم مقصودها الدعاء لا يخرجها عن كونها صلاة. (وأجاب) الأولون بأن صلاة الجنازة خصت بجواز التيمم لمن خاف فوتها باستعمال الماء بما تقدم عن ابن عمر وابن عباس. ب- وشروطها الخاصة: أربعة (الأول) إسلام الميت فلا يصلى على كافر لقوله " وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ " (الثاني) طهارة الميت فلا تصح على غير شهيد لم يغسل إلا إذا دفن بغير غسل ولم يمكن إخراجه ¬

(¬1) انظر ص 51 ج 1 بدائع الصنائع. (¬2) التوبة: 84. (¬3) المائدة: 6 (¬4) هذا بعض حديث أخرجه السبعة إلا البخارى عن ابن عمر وتقدم تاما رقم 330 بص 268 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية. (أقسام الوضوء)

إلا بالنبش فإنه يصلى على قبره بغير غسل للضرورة عند الحنفيين والحنبلييم فاشبه على الغريق قبل الغسل كالغائب البعيد، لأن الغسل تعذر لمانع فأشبه الحي إذا عجز عن الغسل والتيمم صلى على حسب حاله (¬1) (وقالت) المالكية: الغسل والصلاة متلازمان في الطلب فكل من وجب غسله وجبت الصلاة عليه وبالعكس. وليسا متلازمين في الفعل وجودا وعدما لأنه قد يتعذر الغسل وتجب عليه الصلاة. ومن دفن بلا غسل نبش قبره وأخرج المغسل ما لم يتغير وإلا صلى على قبره بلا غسل (وقالت) الشافعية: لا يصلى على غير الشهيد بلا غسل مطلقا. فلو مات في بئر أو انهدم عليه جدار ونحوه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه. وتصح الصلاة بعد غسله قبل تكفينه مع الكراهة. (¬2) (الثالث) وضع الميت أمام المصلى عليه فلا تصح على محمول على الأعناق أو الدابة ولا على موضوع خلف المصلى عند الحنفيين وهو المعتمد عند مالك مطلقا والصحيح عند الشافعية والحنبلية إذا كان الجنازة حاضرة، فإن صلى عليها وهى على أعناق الرجال لم تجز عند الثلاثة وعلى المعتمد عند مالك (وقال) الأمير: الأظهر أنه لا يشترط وضعها عن أعناق الرجال. ولو تقدم المصلى على الجنازة عليها وهى حاضرة أو صلى على القبر وتقدم عليه ففيه وجهان عند الشافعية (أصحهما) بطلان صلاته وقيل يجوز إن قلنا بجواز إن قلنا بجواز التقدم على الإمام وإلا فلا وهو الصحيح. ولو صلى المأموم قدام الإمام وقدام الجنازة فإن أبطلنا صلاة المنفرد إذا تقدم على الجنازة فهذا أولى. وإلا ففيه القولان في تقدم المأموم على الإمام والصحيح بطلانها عند غير مالك. فحصل من هذا أنه متى تقدم على الجنازة ¬

(¬1) انظر ص 355 ج 3 ج 2 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 222 ج 5 مجموع النووى.

أو القبر أو الأمام فالصحيح بطلان صلاته (¬1) وإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه أو على قبره كما لو كانا في جانب واحد. وعن أحمد يجوز كما لو كان الميت في بلد أخرى (¬2). الصلاة على الغائب: (الرابع) من شروط صحة الصلاة على الجنازة حضور الميت كله أو جله فلا تصح على غائب عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد لأنه كالإمام " وقال " الشافعي وجمهور السلف: تجوز الصلاة على الغائب وهو المشهور عن أحمد (لحديث) أبي هريرة صلى الله عليه وسلم نعى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات (¬3). أخرجه السبعة. {490} (وعن) عطاء عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مات اليوم عبد الله صالح أصحمة فقوموا عليه. فقام فأمنا فصلى عليه. أخرجه أحمد والشيخان (¬4). {491} ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 5 مجموع النووى (¬2) انظر ص 355 ج 2 شرح المقنع. (¬3) تقدم رقم 397 ص 283 (نعى الميت) و (نعى النجاشى) أى أخبرهم بموته (فى اليوم الذى مات فيه) كان ذلك فى رجب سنة تسع وقيل كان قبل الفتح. والمراد بالمصلى مصلى العيدين ببطحان (لحديث) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن النجاشى قد مات فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه إلى البقيع فصفنا خلفه وتقدم النبى صلى الله عليه وسلم فكبر اربع تكبيرات. اخرجه ابن ماجه ما نظر ص 240 ج 1 (ما جاء فى الصلاة على النجاشى 9 والمراد بالبقيع بطحان. ويحتمل أن المراد بالمصلى مصلى الجنائز وبقيع الغرقد. (¬4) انظر ص 219 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الغائب) وص 132 ج 7 فتح البارى (موت النجاشى) وص 22 ج 7 نووى (التكبير على الجنازة). (وأصحمة) بفتح فسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين ومعناه بالعربية عطية. وغلط من قال إنه اضخمة بالخاء المعجمة.

والأحاديث في هذا كثيرة وهى صريحة في جواز الصلاة على الميت الغائب سواء أصلى عليه في البلد التي مات فيها أم لا. وساء أكانت البلد التي مات فيها جهة القبلة أم لا وهذا هو الراجح " وقال" ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلى عليه كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه. وإن صلى عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب وفى مذهب أحمد ثلاثة أقوال: أصحها هذا التفصيل والمشهور عند أصحابه الصلاة عليه مطلقا (¬1). (وقالوا): تتوقت الصلاة عليه بشهر كالصلاة على القبر لأنه لا يعلم بقاؤه من غير تلاش أكثر من ذلك (¬2). (وأجاب) الأولون عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وزيد ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب - لما استشهدوا بمؤتة (¬3) - بأنه كشف للنبي صلى الله عليه وسلم حتى رآهم وصلاة المأموم على ميت يراه الإمام دونه لا يمنع الاقتداء (روى) أبو المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي توفى فقوموا فصلوا عليه. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه فكبر أربعا وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه. أخرجه ابن حبان في صحيحه (¬4). {492} (وعن) عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا: لما التقى الناس بمؤته جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام ¬

(¬1) انظر ص 145 ج 1 زاد المعاد (لم يكن من هدية الصلاة على كل ميت غائب). (¬2) انظر ص 392 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) (مؤتة) بضم فيكون موضع بالشام كان بها غزوة تقدم بيانها بهامش ص 91 ج 4 - الدين الخالص (السفر يوم الجمعة). (¬4) انظر ص 122 ج 3 فتح البارى (الشرح)

فهو ينظر إلى معتر كهم فقال صلى الله عليه وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد، فصلى عليه ودعا له. وقال: استغفروا له دخل الجنة وهو يسعى. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه ودعا له وقال: استغفروا له دخل الجنة وهو يطير فيها بجناحين حيث شاء. أخرجه الواقدى في المغازى (¬1). {493} (ومنهم) من أجاب بأن هذا خاص بالنجاشي لإشهار أنه مات مسلما. ويدل على ذلك أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غائب سوى النجاشي (وما روى) أنه صلى على معاوية بن معاوية الليثى وهو غائبا يصح (¬2) (وأيضا) لم يثبت عن أحد الصحابة أنه صلى على غائب. ولا صلى أحد منهم - ممن كان غائبا عن المدينة - على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب (ورد) بأن هذا لا يفيد القطع بالخصوصية وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم صلى على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب (وقال) النووي: لو فتح باب هذا الخصوص لا نسد كثير من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله (قال) ابن العربي قالت المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم (قلنا) وما عمل به محمد ¬

(¬1) انظر ص 384 ج 2 نصب الراية. (¬2) (وما روى ... الخ) يشير الى ما رواه العلاء بن زيدل أو ابن زيد عن أنس أنهم كانوا فى تبوك فأخبر جبريل النبى صلى الله عليه وسلم بموت معاوية بن معاوية فى ذلك اليوم وأنه وقد نزل عليه سبعون الفا يصلون عليه فطويت الأرض للنبى النبى صلى الله عليه وسلم حتى ذهب فصلى عليه ثم رجع (قال النووى) حديث ضعيف ضعفه البخارى والبيهقى واتفق الحفاظ على ضعف العلاء وأنه منكر الحديث (انظر ص 253 ج 5 مجموع النووى) وقال على بن المدينى: العلاء بن زيد كان يضع الحديث وقال ابو حاتم: متروك الحديث حديثه ليس بالقائم.

تعمل به أمته. يعنى لأن لأصل عدم الخصوصية. (قالوا) طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه (قلنا) إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا صلى الله عليه وسلم لأهل لذلك. ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل إتلاف (وقال) الكرمانى قولهم - رفع عنه الحجاب - ممنوع ولئن سلمنا فكان غائبا عن الذين صلو عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم (¬1) (ويؤيده) حديث مجمع بن جارية الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه فصفنا خلفه صفين وما نرى شيئا. أخرجه ابن ماجه والطبرانى بسند صحيح رجاله ثقات (¬2). {494} وأجاب بعض الحنفيين عن ذلك بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلى عليه الإمام وهو يراه المأمومون فغنه جائزا اتفاقا (¬3). فائدة: لو صلى إنسان على أموات المسلمين في أقطار الأرض الذين ماتوا في يومه ممن تجوز الصلاة عليهم جاز وكان حسنا مستحبا لأن الصلاة على الغائب صحيحة على ما علمت. ومعرفة الموتى وأعدادهم ليست شرطا (¬4). (5) - وقت الصلاة الجنازة: ليس لها وقت محدود بل يصلى عليها متى حضر ولو في أوقات النهى عند الحنفيين والشافعي " لحديث " على رضى الله ¬

(¬1) انظر ص 122 و 123 ج 3 فتح البارى (الصفوف على الجنازة) (¬2) انظر ص 240 ج 1 - ابن ماجه (الصلاة على النجاشى) وص 123 ج 3 فتح البارى (الشرح). (¬3) انظر ص 123 ج 3 فتح البارى. (¬4) انظر ص 268 ج 5 مجموع النووى.

عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث لا يؤخرون: الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفئا. أخرجه أحمد والحاكم والترمذى وقال غريب ليس بمتصل (¬1) {495} فتجوز صلاة الجنازة في كل الأوقات ولا تكره في أوقات النهى ولكن يكره أن يتحرى صلاتها في هذه الأوقات بخلاف ما إذا حصل ذلك اتفاقا (¬2). (وعن) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان. فإذا طلع حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تبرز. وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب. أخرجه مالك وأحمد والنسائي بسند حسن (¬3). {496} (وقالت) المالكية: لا تكره صلاة الجنازة وقت الاستواء ولا بعد صلاة الصبح قبل الإسفار ولا بعد صلاة العصر قبل الاصفرار وتكره بعدهما. وتحرم وقت الطلوع والغروب إلا إن خيف تغيرها فتجوز (وقالت) الحنبلية: تجوز صلاة الجنازة بلا كراهة في كل وقت إلا وقت الطولع والاستواء والغروب فتكره " لحديث " عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو نفبرفيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. أخرجه البيهقى والجماعة إلا البخاري (¬4). {497} ¬

(¬1) تقدم رقم: ص 264 (¬2) انظر ص 213 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 297 ج 2 - الفتح الربانى (النهى عن الصلاة عند الطلوع والغروب) وص 65 ج 1 مجتبى (النهى عن الصلاة عند طلوع الشمس) (¬4) انظر ص 32 ج 4 بيهقى (من كره الصلاة والقبر فى الساعات الثلاث) وص 289 ج 2 الفتح الربانى (اوقات النهى) وص 114 ج 6 نووى مسلم. وص 25 ج 9 المنهل العذب (الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها) وص 283 ج 1 مجتبى (الساعات التى نهى عن اقبار الموتى فيهن) (وص 144 ج 2 تحفة الأحوذى 0 كراهية الصلاة على الجنازة عند الطلوع والغروب) وص 238 ج 1 - ابن ماجه (الأوقات التى لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن 9. (وتضيف 9 بضاد مفتوحة فياء مشددة أى تميل.

(وقال) الترمذى حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الساعات (وقال) ابن المبارك معنى هذا الحديث: أو أن نقبر موتانا - يعنى الصلاة على الجنازة وكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها وإذا انتصف النهار حتى تزول الشمس وهو قول أحمد واسحق (وقال) الشافعي: لا باس أن يصلى على الجنازة في الساعات التي يكره فيهن الصلاة (حمل) الترمذى قوله أن نقبر فيهن موتانا على صلاة الجنازة واستند إلى قول ابن المبارك وحمله أبو داود على الدفن الحقيقي حيث ذكره تحت باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها (قال) النووي: قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر. فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره (¬1). (ولكن) دعوى الأجماع على عدم كراهة صلا الجنازة في هذه الأوقات غير مسلم (فقد) قال بكراهتها فيها ابن المبارك وأحمد وأسحق (قال) الخطابي: ذهب أكثر أهل العلم إلى كراهية الصلاة على الجنائز في الأوقات التي اكره فيها الصلوات. وكأن الشافعي يرى الصلاة على الجنائز أى ساعة شاء من ليل أو نهار ¬

(¬1) انظر ص 114 ج 6 نووى مسلم (الجنائز).

وكذا الدفن وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث (¬1) وقد استند من فسر القبر بالصلاة إلى ما في حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن على ابن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس ط لحديث " أخرجه أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الجنائز (¬2). ولو صحت هذه الرواية لكانت قاطعة للنزاع. ولوجب حمل قوله أن نقبر فيهن موتانا على الصلاة. لكن هذه الرواية ضعيفة لضعف خارجة بن مصعب (قال) في التقريب: متروك وكان يدلس عن الكذابين ويقال إن ابن معين كذبه (¬3). فيكره عند أحمد واسحق وابن المبارك صلاة الجنازة وقت الطلوع والاستواء والغروب إلا إن خيف عليها التغير فتجوز بلا كراهة للضرورة (وقال) الحنفيون: يكره تحريما تأديتها في هذه الأوقات الثلاثة إن حضرت قبلها. ولا باس بالدفن في هذه الأوقات فإن صلوا في أحد هذه الأوقات لم يكن عليهم إعادتها لأن صلاة الجنازة لا يتعين لأدائها وقت ن ففي أى وقت صليت وقعت أداء لا قضاء. ولا تكره الصلاة على الجنازة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر قبل تغير الشمس لأن الكراهة في هذه الأوقات ليست لمعنى في الوقت فلا يظهر في حق الفرائض. ولو أرادوا أن يصلوا على جنازة وقد غربت الشمس فالفضل أن يبدءوا بصلاة المغرب ثم يصلون على الجنازة لأن العرب آكد منها فكان تقديمه أولى ولأن في تقديم الجنازة تأخير المغرب وهو مكروه (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 313 ج 1 معالم السنن (الدفن عند الطلوع والغروب). (¬2) انظر ص 250 ج 1 نصب الراية. (¬3) (انظر ص 144 ج 2 تحفة الأحوذى 0 الشرح). (¬4) انظر ص 316 ج 1 بدائع الصنائع (ما يكره فى صلاة الجنازة)

(6) مكانها: تجوز صلاة الجنازة في أي مكان طاهر ولو في المسجد بلا كراهة عند الشافعي وأحمد وإسحاق (لحديث) عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما توفى سعد بن أبي وقاص وأتى بجنازته أمرت به عائشة أن يمر به عليها فشق به في المسجد ودعت له فأنكره ذلك عليها فقالت ما أسرع الناس إلى القول ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على أبني بيضاء إلا في المسجد سهيل وأخيه. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخاري (¬1). {498} (وقال) الترمذى حديث حسن والعمل عليه عند بعض أهل العلم (قال) مالك: لا يصلى على الميت في المسجد (وقال) الشافعي. يصلى عليه في المسجد واحتج بهذا الحديث. وبهذا قال ابن حبيب المالكي وجمهور الفقهاء. وقد ورد فيه آثار (منها) ما روى هشام بن عرفة عن أبيه قال: ما صلى على أبي بكر إلا في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبه وسعيد بن منصور بسند رجاله ثقات (¬2). (وعن) ابن عمر رضى الله عنهما أن عمر رضى الله عنه صلى عليه في المسجد وصلى عليه صهيب. أخرجه البيهقى وابن أبى شيبه (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 247 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الجنازة فى المسجد) وص 28 ج 7 نووى. وص 21 ج 9 - المنهل العذب. وص 279 ج 1 مجتبى. وص 145 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 238 ج 1 - ابن ماجه. وص 51 ج 4 بيهقى (فشق به) أى ادخل الميت فى وسط المسجد فكأنه شفة نصفين (فدعت له) أى صلت عليه صلاة الجنازة ففى رواية لمسلم قالت: ادخلوا به المسجد حتى اصلى عليه. وما أنكر عليها الا من لم يبلغهم أن النبى صلى الله عليه وسلم على ابنى بيضاء فى المسجد فلما اخبرتهم بذلك سلموا لها هذا ك وبنو بيضاء ثلاثة: سهل وسهيل وصفوان. وأمهم البيضاء اسمها دعد. وابوهم وهب بن ربيعة القرشى الفهرى (انظر ص 39 ج 7 نووى مسلم). (¬2) انظر ص 52 ج 4 - الجوهر النقى. وص 277 ج 2 نصب الراية. (¬3) انظر ص 52 ج 4 - الجوهر النقى. وص 277 ج 2 نصب الراية.

(وقال) الحنفيون ومالك في المشهور عنه: تكره الصلاة تنزيها على الميت في المسجد سواء أكان الميت والقوم فيه أو القوم فيه والميت خارجه، لأن المساجد إنما أعدت للمكتوبة وتوابعها كنافلة وتدريس علم. وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى وصلى على النجاشي (¬1). (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى (¬2). {499} (وأجابوا) عن حديث عائشة بأن صلاته صلى الله عليه وسلم على أبني بيضاء في المسجد كانت واقعة حال لا عموم لها لجواز أنه صلى الله عليه وسلم كان وقتئذ معتكفا في المسجد أو أنه فعل ذلك لبيان الجواز فلا ينافى الكراهة ولو كان ذلك سنة عامة في كل ميت لكان معلوما للصحابة فلم ينكروا على عائشة أمرها بإدخال جنازة سعد بن أبي وقاص المسجد ولردت عليهم بقولها: كان النهى صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنازة في المسجد وما خصت ابن بيضاء بالذكر (ورد) بأنها لما أنكرت ذلك سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وأن الأمر استقر على جواز الصلاة في المسجد بلا كراهة (ويؤيده) صلاة الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد (وأجاب) الأولون: (أ) عن أن النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي خارج المسجد باحتمال أنه كان لضيق المسجد وكثرة المصلين أو لبيان الجواز فلا ينافى الكراهة. (ب) وعن حديث من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له. بأنه ضعيف ¬

(¬1) انظر رقم 490 ص 360. (¬2) انظر ص 248 ج 7 - لفتح الربانى (الصلاة على الجنازة فى المسجد) وص 24 ج 9 - المنهل العذب. وص 238 ج 1 - ابن ماجه. وص 52 ج 4 بيهقى. (فلا شئ له) أى من الثوب وفى النسخة الصحيحة فى شئ عليه أى من الأثم.

لا يصح الاحتجاج به (¬1) (ورد) بأنهم إنما ضعفوه بصالح مولى التوءمة لاختلاطه في آخر عمره ودعوى أنه لم يتميز ما روى عنه قبل الاختلاط وبعده غير صحيح (فقد) قال ابن معين: صالح مولى التوءمة ثبت حجة سمع منه ابن أبي ذئب قبل أن يخرف. والحديث من رواية ابن أبي ذئب فهو صحيح وحينئذ يجاب عنه بما قال النووي: الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود: من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه. أى فلا وزر عليه وتكون اللام بمعنى على جمعا بين الروايات (¬2) وعليه فالحديث من أدلة القائلين بجواز الصلاة على الجنازة خارج المسجد بلا كراهة وهو الظاهر من الأدلة إلا أنها في غير المسجد أفضل لما تقدم من إنكار الصحابة على عائشة أمرها بالصلاة على سعد في المسجد، فلو كانت الصلاة على الميت فيه مشهورة فاضلة لما أنكروا عليها فإنكارهم يدل على إن المشهور بينهم الصلاة على الجنازة خارج المسجد ويشهد له خروجه صلى الله عليه وسلم إلي المصلى للصلاة على النجاشي (¬3). ولم يكن من هدى النبي صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد وإنما كان كما صلى على أبني بيضاء وكي الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد (¬4) (فائدة) تكره الصلاة على الجنازة في المقبرة بين القبور عند جمهور العلماء وقال أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز لا تكره. وعن مالك روايتان (¬5). ¬

(¬1) (ضعيف) لأن فى سنده صالحا مولى التوءمة تكلم فيه غير واحد قال أحمد ابن حنبل: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوءمة وهو ضعيف. (¬2) انظر ص 40 ج 7 نووى مسلم. (¬3) انظر ص 193 ج 1 بداية المجتهد (موضع صلاة الجنازة). (¬4) انظر ص 140 ج 1 زاد المعاد (¬5) انظر ص 268 ج 5 مجموع النووى.

(7) أركانها: أركان صلاة الجنازة ثمانية (الأول) النية - وهى لغة العزم على الشيء، وشرعا العزم عليه مقترنا بفعله. وهى ركن عند المالكية والشافعية وشرط عند الحنفيين وأحمد لقوله تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " (¬1)، فإن الإخلاص هو النية لأنه عمل من أعمال القلب (ولحديث) إنما الأعمال بالنيات. أخرجه الشيخان عن عمر (¬2). {500} وقد أجمع العلماء على أنها فرض في مقاصد العبادات ومحلها القلب فلا يتلفظ بها، بل ينوى مع التكبير الصلاة على هذا الميت أو هؤلاء الأموات إن كانوا متعددين وإن لم يعرف عددهم. ويجب على المأموم نية الاقتداء ولا يشترط نية الفرضية عند غير الشافعية، ولا يشترط تعيين الميت ولا أنه رجل أو أمرأة، بل يكفيه نية الصلاة على هذا الميت، وإن كان مأموما كفاه نية الصلاة على من يصلى عليه الإمام. ولو عين الميت وأخطأ بأن نوى محمدا فكان عليا، أو رجلا فكان امرأة أو عكسه، لا تصح صلاته لأنه نوى غير الميت، وإذا نوى الصلاة على هذا محمد فكان محمودا فوجهان لتعارض الإشارة والنية، أصحهما الصحة، ولا يضر اختلاف نية الأمام والمأموم عند الشافعية والحنبلية، فإذا نوى الإمام الصلاة على حاضر ونوى المأموم على غائب وعكسه، أو نوى غائبا ونوى المأموم آخر صحت صلاتهما كما صلى الظهر خلف مصلى العصر (وقال) الحنفيون ومالك: لا يصح صلاة المأموم لعدم اتحاد الصلاة (¬3). (الثاني) التكبيرات الأربع: هي ركن لا تصح صلاة الجنازة إلا بها ¬

(¬1) البينة: آية 5. (¬2) انظر ص 6 ج 1 فتح البارى (بدء الوحى). (¬3) انظر ص 229 ج 5 مجموع النووى.

بالإجماع (لحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا. أخرجه الشيخان (¬1). {501} (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كبروا على موتاكم بالليل والنهار أربع تكبيرات. أخرجه أحمد والبيهقى وفيه ابن لهيعة فيه كلام (¬2). {502} (وعن) أبي سلمان المؤذن قال: توفى أبو سريحة فصلى عليه زيد بن أرقم فكبر عليه أربعا وقال: كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد بسند جيد (¬3). {503} (وبهذا) قال الئمة الأربعة والجمهور. وقد ورد فيه آثار أخر (روى) عبد الرحمن بن أبى ليلى أن زيد بن أرقم كان يكبر على جنائزنا أربعا وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألوه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخاري وقال الترمذى: حسن صحيح (¬4). {504} (وعن) عبد الله بن معقل أن عليا صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ¬

(¬1) انظر ص 132 ج 3 فتح البارى (التكبير على الجنازة اربعا) وص 22 ج 7 نووى مسلم. (¬2) انظر ص 229 ج 7 - الفتح الربانى (عدد تكبير صلاة الجنازة) وص 36 ج 4 بيهقى. (¬3) انظر ص 230 ج 7 - الفتح الربانى. و (ابو سريحة) بفتح السين اسمه حذيفة ابن اسيد بفتح فكسر. (¬4) انظر ص 36 ج 4 بيهقى (من روى: الله اكبر على الجنازة خمسا) وص 230 ج 7 - الفتح الربانى (عدد تكبير صلاة الجنائز) وص 36 ج 9 - المنهل العذب (التكبير على الجنازة) وص 281 ج 1 مجتبى. وص 140 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 236 ج 1 ابن ماجه (فيمن كبر خمسا) (فسالوه) فى رواية أبى داود وابن ماجه فسالته وهى تبين أن السائل ابن أبى ليلى

ستا ثم التفت إلينا فقال: إنه من أهل بدر. أخرجه الحاكم والبيهقى والطبرانى في الكبير بسند رجاله الصحيح (¬1). {505} (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ثلى على قتل أحد فكبر تسعا تسعا ثم سبعا سبعا ثم أربعا أربعا حتى لحق بالله أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط بسند حسن (¬2). {506} (وهذا) وقد استقر الأمر وأجمع العلماء على إن التكبير أربع (قال) أبو وائل: كانوا يكبرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سبعا وخمسا وستا، أو قال أربعا فجمع عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. أخرجه البيهقى بسند حسن (¬3). {507} وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وما سوى ذلك شاذ لا يلتفت إليه. (وقال) الترمذى: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن انس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق (¬4)، فالتكبيرات الأربع أركان لا تصح صلاة الجنازة إلا بها إجماعا. فائدتان: (الأولى) لو نقص مصلى الجنازة عن أربع تكبيرات بأن سلم بعد الثالثة، فإن كان عمدا بطلت صلاته عند الجمهور، وإن سلم ناسيا كبر الرابعة ¬

(¬1) (انظر ص 409 ج 3 مستدرك وص 36 ج 4 بيهقى 0 زيادة التكبير على الأربعة) وص 34 ج 3 مجمع الزوائد (التكبير على الجنازة) (¬2) انظر ص 35 ج 3 مجمع الزوائد (التكبير على الجنازة) (¬3) انظر ص 37 ج 4 بيهقى (أكثر الصحابة اجتمعوا على اربع) (¬4) انظر ص 140 ج 2 تحفة الأحوذى. (ما جاء فى التكبير على الجنازة)

وسلم (لقول) حميد الطويل: صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم ز أخرجه البخاري معلقا (¬1)، ولا يشرع فيها سجود السهو (الثانية) لو زاد الإمام على الربع التكبيرات لا يتبعه المقتدى بل ينتظر تسليمه ليسلم معه على المختار عند الحنفيين والشافعي (وقيل) يسلم بمجرد تكبير الإمام الخامسة ولا يتابعه لأن الزائدة على الأربع منسوخ (وقال) زفر: يتابعه لأن مجتهد فيه فيتابع فيه المقتدى إمامه كما في تكبيرات العيدين (ورد) بأن مازاد على الأربع منسوخ فلا يتابعه فيه بخلاف تكبيرات العيدين. (هذا) ومن كبر خمسا فإن كان ناسيا لم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو، كما لو كبر أو سبح في غير موضعه، وإن كان عمدا فوجهان: (أحدهما) تبطل صلاته لأنه زاد ركنا فاشبه من زاد ركوعا (والثاني) لا تبطل وهو الصحيح فقد صحت الأحاديث بأربع تكبيرات وخمس وهو من الاختلاف المباح والجميع جائز ولانه ليس إخلالا بصورة الصلاة فلم تلطل به كما لو زاد الأمام على أربع عمدا لم ينتظره المأموم سواء رآه مذهبا أم لا، ويكره انتظاره بل يسلمون وصلاتهم جميعا صحيحة، لأن التكبير في صلاة الجنازة ليس بمنزلة الركعات من كل وجه، فإن انتظروه فينبغي عدم البطلان، وإن زاد سهوا أو جهلا يجب انتظاره على المعتمد، فإن لم ينتظروه فينبغي الصحة، وإن شكوا أزاد عمدا أم سهوا؟ انتظروه على الظاهر، فإن لم ينتظروه فالصلاة صحيحة (¬2). (وقالت) الحنبلية: يتابعه في الخامسة فقط في ظاهر المذهب (وقيل) يتابعه إلى سبع، وقيل: لا يتابعه في الزائد على أربع ¬

(¬1) انظر ص 230 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 36 ج 9 - المنهل العذب المورود (التكبير على الجنازة).

ولكن لا يسلم إلا مع الإمام لأنها زيادة غير مسنونة للأمام فلا بتابعه المأموم فيها كالقنوت في الركعة الأولى. والرواية الأولى هي الصحيحة لما تقدم عن زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها (¬1). (الثالث) القيام للقادر عليه - فلا تصح قاعدا أو راكبا بلا عذر عند الحنفيين وأحمد وهو الصحيح عند المالكية والمشهور عند الشافعية (وقيل) يجوز عندهم القعود فيها مع القدرة على القيام كالنوافل لأنها ليست من فرائض الأعيان. وقيل: إن تعينت عليه لم تصح إلا قائما وإلا صحت قاعدا (¬2)، أما لو تعذر النزول لطين أو مطر فإنها تصح من الراكب اتفاقا. ولو كان الإمام مريضا فصلى قاعدا والناس قياما صحت صلاتهم عند النعمان وأبي يوسف والشافعية وهو رواية عن أحمد (لحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. أخرجه الشيخان (¬3). {508} (وقال) مالك في المشهور عنه ومحمد بن الحسن: تصح صلاة الإمام فقط، وهى رواية عن أحمد لأنه لا يصح افتداء القائم بالقاعد لعذر عندهم، لما روى الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحد بعدى جالسا. أخرجه البيهقى والدارقطني وقال: لم يروه غير جابر الجعفى عن الشعبي وهو متروك. والحديث مرسل ى تقوم به حجة (¬4). {509} ¬

(¬1) انظر ص 350 ج 2 - شرح المقنع. (¬2) انظر ص 222 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر ص 113 ج 2 فتح البارى (من قام إلى جنب الإمام لعلة) وص 140 ج 4 نووى (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر) والحديث تقدم تاما بص 121 و 122 ج 3 - الدين الخالص. (¬4) انظر ص 122 ج 3 - الدين الخالص. (اقتداء الجالس بالقائم وعكسه)

ولأن القيام ركن فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان (ورد) بأن الحديث لا يحتج به. وقد صلى إماما من جلوس أربعة من الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهم: اسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله، وقيس ابن فهد، وأبو هريرة، كما تقدم (¬1). (الرابع) قراءة الفاتحة - هي ركن بعد التكبيرة الأولى عند الحنبلية، وهو المشهور عند الشافعية (لحديث) جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعا، ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى. أخرجه البيهقى والحاكم وهذا لفظه ن وفيه إبراهيم بن محمد وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام وقد تغير أخيرا (¬2). {510} (وعن) أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتم على الجنازة فاقرءوا بفاتحة الكتاب. أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه معلى بن حمران قال الهيثمى: لم أجد من ذكره وبقية رجاله موثقون وفى بعضهم كلام (¬3). {511} (قال) طلحة بن عبد الله بن عوف: صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: إنها من السنة. أخرجه البخاري والثلاثة وابن حبان والحاكم والبيهقى وصححه الترمذى. {512} وقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم: يختارون ¬

(¬1) انظر ص 385 ج 1 مستدرك. وص 39 ج 4 بيهقى (القراءة فى صلاة الجنازة) (¬2) انظر ص 32 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على الجنازة). (¬3) انظر ص 132 ج 3 فتح البارى (قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة) وص 37 ج 9 - المنهل العذب. وص 71 ج 1 مجتبى (الدعاء) وص 142 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 38 ج 4 بيهقى.

أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة، إنما هو الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت. وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة. (وقول) الصحابي: من السنة كذا في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقرأ الفاتحة سرا (لقول) أبي أمامة بن سهل: السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافته ثم يكبر ثلاثا والتسليم عند الآخرة. أخرجه النسائي والطحاوى والبيهقى بسند صحيح (¬1). {513} وظاهر كلام المهذب وغيره من الشافعية اشتراط كون الفاتحة في الأولى لكن ذكر القاضي عياض وغيره أن أصل الفاتحة واجب وكونها في الأولى افضل ن ويجوز في الثانية مع إخلاء الأولى منها (¬2). (وقال) الحنفيون ومالك: لا قراءة في صلاة الجنازة (لقول) ابن مسعود: لم يوقت لنا في الصلاة على الميت قراءة ولا قول، كبر ما كبر الإمام، وأكثر من طيب الكلام. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬3) {514} (وروى) نافع أن ابن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة. أخرجه مالك في الموطأ (¬4). {515} (وعن) عبد الرحمن بن عوف وابن عمر أنهما قالا: ليس فيها قراءة شيء ¬

(¬1) انظر ص 281 ج 1 مجتبى. وص 288 ج 1 طحاوى. وص 39 ج 4 بيهقى (القراءة فى صلاة الجنازة). (¬2) انظر ص 223 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 32 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على الجنازة). (¬4) انظر ص 13 ج 2 - الزرقانى على الموطإ (ما يقول المصلى على الجنازة).

من القرآن، ولأنها شرعت للدعاء ومقدمه الدعاء الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا القراءة. (وقول) النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولا صلاة إلا بقراءة (لا يتناول) صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة حقيقية إنما هي دعاء واستغفار للميت ولأنها ليست بصلاة مطلقة فلا يتناولها مطلق الاسم. وتأويل حديث جابر أنه قرأ على سبيل الثناء لا على سبيل قراءة القرآن. وهذا ليس بمكروه عند الحنفيين (¬1). (وقال) ابن القيم: ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر إن يقرا على الجنازة بفاتحة الكتاب ولا يصح إسناده ز قال شيخنا: لا يجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بل هي سنة (¬2)، والدليل ظاهر فيما ذهب إليه الأولون. (واجابوا) عن قول ابن مسعود: لم يوقت لنا ن بان معناه لم يقدر. وهذا لا يدل على نفى اصل القراءة (وقد) روى ابن المنذر عنه أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب وأيضا هو ناف وغيره مثبت والمثبت مقدم على النافي. (الخامس) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - هي ركن عند الشافعية والحنبلية بعد التكبيرة الثانية (لقول) الزهري: أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرا في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه. أخرجه الشافعي في مسنده، والنسائي والبيهقى وعبد الرازق بسند صححه الحافظ ابن حجر (¬3). {516} ¬

(¬1) انظر ص 313 ج 1 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 141 ج 1 زاد المعاد. (¬3) انظر ص 132 ج 3 فتح البارى (قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة) وص 281 ج 1 مجتبى (الدعاء) وص 39 ج 4 بيهقى (القراءة فى صلاة الجنازة).

واقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على محمد، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. ولا تجب على الآل على المذهب. وقيل تجب وعن الشافعي أنه يكبر الثانية ثم يحمد الله ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات (¬1). (وقال) الحنفيون: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة بعد التكبيرة الثانية، لما تقدم، فإنه يدل على اصل المشروعية لا على الوجوب. (وقال) المالكية: تندب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرات الأربع (لقول) ابن شهاب: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه اخبره رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث ثم يسلم تسليما خفيفا حين ينصرف. والسنة أن يفعل من وراءه مثل ما فعل إمامه. قال الزهري: حدثني بذلك أبو أمامه وابن المسيب يسمع، فلم ينكر ذلك عليه. أخرجه البيهقى (¬2). {517} (السادس) الدعاء للميت - هو ركن بالإجماع (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى وابن حبان وفى سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. ولكن رواه ابن حبان من طريق آخر عنه مصرحا بالسماع ولذا صحح الحديث (¬3). {518} ¬

(¬1) انظر ص 235 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 40 ج 4 بيهقى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الجنازة). (¬3) انظر ص 40 ج 9 - المنهل العذب (الدعاء الميت) وص 35 ج 1 - ابن ماجه وص 40 ج 4 بيهقى (الدعاء فى صلاة الجنازة).

ومعنى أخلصوا له الدعاء أى اجعلوه الدعاء له خالصا مقصودا به وجه الله تعالى سواء أكان الميت محسنا أم مسيئا، فإن العاصي أحوج الناس إلى الدعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم. ولذا قدم بين أيديهم للشفاعة له ولا يكون الإخلاص إلا بصفاء الخاطر من الشواغل الدنيوية وبالخضوع بالقلب والجوارح. ويحتمل أن المعنى خصوا الميت بالدعاء وبه قال جمهور الشافعية، فيقول: اللهم اغفر له وارحمه، ونحوه، وأكثر الفقهاء على جواز تعميم الدعاء لما يأتي في الأحاديث. (وحديث) أبي هريرة ليس نصا فيما قاله الشافعية، فلا يصح حجة لهم. ويكفى أقل الدعاء نحو: اللهم اغفر له (ويسن) كونه بعد الثالثة عند الحنفيين (لحديث) فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقى والحاكم وصححه الترمذى (¬1). {519} وهو واجب بعد التكبيرة الثالثة عند الشافعية والحنبلية، ولا دليل على تخصيصه بها واقله ما يقع به اسم الدعاء. الدعاء المأثور: ولا يتعين فيه لفظ سوى أن يكون بأمور الآخرة وإن دعا بالمأثور فما أحسنه (وقد) ورد فيه أحاديث (منها) حديث عوف بن مالك رضى الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظنا من دعائه: ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 6 مسند احمد. وص 146 ج 8 - المنهل العذب المورود (الدعاء) وص 289 ج 1 مجتبى (التمجيد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة) وص 253 ج 4 تحفة الأحوذى (جامع الدعوات 9 وص 47 ج 4 بيهقى وص 230 ج 1 مستدرك

" اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعطف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وادخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار ". قال عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. أخرجه احمد ومسلم والنسائي والترمذى وابن ماجة والبيهقى (¬1). {520} (وقال) أبو هريرة رضى الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة قال: " اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فاحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفيه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا اجره ولا تضلنا بعده ". أخرجه احمد والأربعة والبيهقى (¬2) {521} وحديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الصلاة على ¬

(¬1) انظر ص 237 ج 7 - الفتح الرباني (ما يقال من الأدعية في الصلاة على الميت) وص 30 ج 7 نووي (الدعاء للميت في الصلاة) وص 281 ج 1 مجتبى (الدعاء) وص 141 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 235 ج 1 - ابن ماجة (الدعاء في الصلاة على الجنازة) وص 40 ج 4 بيهقى. و (البرد) بفتحتين ما ينزل من السحاب كصغار الملح أي يطهره بأنواع الرحمة التي نزلت منزلة الثلج والبرد في إزالة الوسخ. وخصهما بالذكر ناكيدا للطهارة لانهما باقيان على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي (وزوجا) معطوف على أهلا من عطف الخاص على العام. وهذا خاص بالرجل ولا يقال في الصلاة على المرأة: أبدلها زوجا خيرا من زوجها لجواز إن تكون لزوجها في الجنة. فان المرأة لا يمكن الشركة فيها بخلاف الرجل (انظر ص 281 ج 1 زهر الربى شرح المجتبى). (¬2) انظر ص 235 ج 7 - الفتح الرباني (ما يقال من الأدعية في الصلاة على الميت) ومن 41 ج 9 - المنهل العذب (الدعاء للميت) وص 281 ج 1 مجتبى. وص 141 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 235 ج 1 - ابن ماجة.

الجنازة فقال: " اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها وأنت اعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له فاغفر له ذنبه ". أخرجه احمد وأبو داود والبيهقى والنسائي في عمل اليوم والليلة بسند جيد (¬1). {522} (قال) واثلة بن الاسقع: صلى بنا صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: " اللهم أن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم فاغفر له وارحمه فانك أنت الغفور الرحيم " أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة بسند جيد (¬2) {523} (هذا) وقد جمع الشافعي - من مجموع الأحاديث الواردة - دعاء رتبه واستحبه قال يقول اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها - ومحبوبة وأحباؤه فيها - إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه. كان يشهد إن لا اله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك وأنت اعلم به. اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، واصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه. وقد جئناك راغبين ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 7 - الفتح الربائى (ما يقال من الادعيه في الصلاة على الميت) وص 40 ج 9 - المنهل العذب المورود (لدعاء للميت) وص 42 ج 4 بيهقى. (¬2) انظر ص 234 ج 7 - الفتح الربائى - وص 42 ج 9 - المنهل العذب المورود (الدعاء) (للميت) وص 235 ج 1 - ابن ماجة. والمراد بذمة الله حفظه ورعايته. والمرد بالحبل العهد أي اجعله في كنف حفظك وعهدك. والأظهر إن المراد بالحبل القرآن أي انه يتمسك به واقف عند حدود (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال: القرآن حبل الله المتين. أخرجه الحاكم وصحيحه. كان من عادة العرب إن يخيف بعضهم بعضا فكان الرجل إذا أراد سفرا اخذ عهدا من سيد كل قبيلة فيأمن به مادام في حدودها حتى ينتهي إلى الآخر فيأخذ مثل ذلك. فهذا حبل الجوار أي العهد والآمان والنصرة. انظر ص 197 ج 1 نهاية ابن الأثير (مادة حبل).

إليك شفعاء له. اللهم إن كان محسنا فزد إحسانه، وإن كان سيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنه القبر وعذابه، وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جبنيه ولقه برحمتك الآمن من عذابك حتى تبعثه آما إلى جنتك برحمتك يا ارحم الراحمين (¬1) وهذه الأدعية بالنسبة إلى الكبير (وأما) غير المكلف فلا يستغفر له بل يدعو بما في حديث أبى هريرة: اللهم اجعله لفقا سلفا وفرطا وأجرا. أخرجه البيهقى (¬2) {524} (وقال) الحسن: يقرا على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطا وسلفا وأجرا " أخرجه البخاري (¬3). (وقال) النووي: إن كان صبيا أو صبية اقتصر على ما في حديث: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره، وضم إليه: اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفعيا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتهما بعده ولا تحرمهما أجره (¬4). (السابع) السلام - هو ركن بعد التكبيرة الرابعة - يسلم مرة عند مالك والشافعي وأحمد. وواجب مرتين يمينا ويسارا ينوى بهما الميت والقوم عند الحنفيين. وأقله: السلام عليكم (لقول) ابن مسعود رضى الله عنه: ثلاث خلال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس إحداهن ¬

(¬1) انظر ص 238 ج 5 مجموع النووي. و (روح الدنيا) بفتح الراء نسيم الريح. و (ما هو لاقيه) أي الملكان والأهوال وغيرها و (لقه) بشد القاف أي أنله وأعطه بسبب رحمتك رضاك. (¬2) انظر ص 45 ج 4 بيهقى. (والفرط) بفتحتين السابق المهئ للمصالح. (¬3) انظر ص 132 ج 3 فتح الباري (قراءة الفاتحة على الجنازة). (¬4) انظر ص 238 ج 5 مجموع النووي (والذخر ما أعد لوقت الحاجة).

التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة. أخرجه البيهقى ووالطبرانى في الكبير بسند جيد رجاله ثقات (¬1) {525} (وقال) أبو موسى الاشعرى: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فسلم عن يمينه وعن شماله. أخرجه والطبرانى في الكبير والأوسط وفيه خالد بن نافع الاشعرى ضعفه أبو زرعة (¬2). {526} فالسلام ركن في صلاة الجنازة عند غير الحنفيين لا تصح إلا به لأنها صلاة يلزم لها الإحرام فلزم الخروج منها بالسلام كسائر الصلوات لما تقدم، ولحديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتموني أصلى. أخرجه البخاري (¬3) {527} وأما صفة السلام فالواجب عند الحنفيين تسليمتان يمينا ويسارا لما تقدم. والمختار عند مالك سلام واحد. (والمشهور) عن الشافعي انه يستحب تسليمتان (وقال) في ألام: تسليمة واحدة يبدا بها ملتفتا إلي يمينه ويختمها ملتفتا إلى يساره فيدير بها وجهه وهو فيها. وقيل: يأتي بها تلقاء وجهه وهو اشهر (¬4) (وقال) احمد: يسلم تسليمة واحدة وقال: من مسلم عليها تسليمتين فهو جاهل جاهل ويستحب أن يسلمها عن يمينه كسائر الصلوات وإن سلم تلقاء وجهه فلا يأس يقول: السلام عليكم ورحمة الله. وإذا قال: السلام عليكم اجزا. ويسن الإسرار بالسلام عنده. واختار القاضي أن المستحب تسليمتان (¬5) ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 4 بيهقى (من قال يسلم عن يمينه وعن يساره) وص 34 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على الجنازة). (¬2) انظر ص 34 ج 3 مجمع الزوائد. (¬3) انظر ص 76 ج 2 فتح الباري (الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة). (¬4) انظر ص 240 ج 5 مجموع النووي. (¬5) انظر ص 349 ج 2 شرح المقنع.

(الثامن) الترتيب بين الأركان - هو فرض عند الشافعي واحمد بان يقرا الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية ويدعو للميت بعد الثالثة ويسلم بعد الرابعة (وقال) الحنفيون: يسن الثناء بعد الأولي والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية والدعاء للميت ولنفسه وللمؤمنين بعد الثالثة. ويجب السلام مرتين بعد الرابعة. (وقالت) المالكية: يندب الثناء على الله تعالى ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل تكبيرة ثم يدعو وجوبا بعدهما في كل تكبيرة ثم يدعو وجوبا بعدهما في كل تكبيرة وفي الرابعة يسلم وجوبا. { تنبيه} علم مما تقدم إن فرائض صلاة الجنازة عند الحنفيين أربعة: النية وهى شرط والتكبيرات الأربع والقيام المقادر والدعاء. وأما السلام فواجب. وأركانها عند المالكية خمسه: النية والقيام المقادر على المشهور والتكبيرات الأربع والدعاء بينهن والسلام. وعند الشافعي واحمد ثمانية: النية والقيام والتكبيرات وقراءة الفاتحة بعد الأولى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية والدعاء للميت بعد الثالثة وتسليمة واحدة بعد الرابعة والترتيب (¬1) (8) سنن صلاة الجنازة - هي قسمان: خارج عنها وداخل فيها: (أ) فالسنن الخارجة أربع (1) قيام الأمام حذاء راس الرجل وحذاء وسط المرأة عند الشافعي واحمد وروى عن النعمان (لقول) نافع أبى غالب: مرت جنازة معها ناس كثير قالوا: جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها، فلما وضعت الجنازة قام انس فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شئ، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات لم يعطل ولم يسرع ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة: المرأة الأنصارية فقربوها وعليها نعش اخضر فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو ¬

(¬1) انظر ص 374 ج 2 مغنى ابن قدامة.

صلاته على الرجل ثم جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعا ويقوم عند راس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم (الحديث) وفيه قال أبو غالب: فسالت عن صنيع انس في قيامه على المرأة عند عجيزتها فحدثوني انه إنما كان لانه لم تكن النعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم. أخرجه أبو داود والبيهقى مطولا واحمد والطحاوى والترمذى وابن ماجه مختصرا وحسنه الترمذى (¬1) {528} ¬

(¬1) انظر ص 28 ج 9 - المنهل العذب (ابن يقوم الامام من الميت إذا صلى عليه؟ ) وص 23 ج 4 بيهقى. وص 204 ج 3 مسند احمد. وص 283 ج 1 طحاوى (الرجل يصلى على الميت اين يقوم منه؟ ) وص 146 ج 2 تحفة الاحوذي وص 224 ج 1 - ابن ماجه (تين يقوم الامام اذا صلي علي جنازه؟ ) (والنعش) في الاصل وما يحمل فيه والمراد هنا ثوب يوضع علي اعواد من جريد او قصب او خشب كالقبه فوق سرير المرأه لسترها وأول من فعل له ذلك فاطمه بنت النبي صلي الله عليه وسلم (روت) ام جعفر بنت محمد ان فاطمه بنت النبي صلي الله عليه وسلم يا اسما ني قد استقبحت ما يصنع بالنساء انه يطرح علي المرأه الثوب فيصفها فقالت اسماء الا اريك شيئا رايته بارض الحبشه؟ فدعت بجرائد رطبه فحنتها. ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة رضى الله عنها: ما احسن هذا واجملة! يعرف به الرجل من لارماة فاذا انا مت فاغسلينى انت وعلى رضى الله عنه ولا تدخلى على احدا. فاما توفيت جاءت عائشة رضى الله عنها تدخل فقالت اسماء: لاتدخلى. فشكت لابى بكر فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بينى وبين ابنة رسول الله صلى الله عنه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء ابو بكر رضى الله عنه فوقف على الباب وقال ياسماء ما حملك ان منعت أزواج النبى صلى الله عنه سولم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: امرتنى الا تدخلي على أحدا واريتها هذا الذى صنعت وهى حية فأمرتني ان اصنع ذلك لها فقال ابو بكر رضى الله عنه فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف وغسلها على اسماء رضى الله عنهما. اخرجه البيهقى انظر ص 34 ج 4.

(قال) الطحاوي: وهذا احب إلينا فقد قوته الآثار التي روينها عن النبي صلي الله عليه وسلم (ومشهور) مذهب الحنفين إن ألسنه وقوف المصلي إماما أو منفردا حذاء صدر الميت ذكرا كان أو أنثي (لقول) سمره بن حندب: صليت وراء النبي صلي الله عليه وسلم علي أمرأه ماتت في نفسها فقام عليها للصلاه وسطها. أخرجه السبعة والبهيقي (¬1) {529} (ووجهه) إن الصدر هو وسط البدن لان الرجلين والرأسين من الأطراف والبدن من العجيزه إلي الرقبه فكان وسطه الصدر , والقيان بحذاء الوسط أولى ليستوي الجانيان في الحظ من الصلاة ولان اللقب معدن العلم والحكمه فالوقوف بحياله أولي (¬2). (وأجابوا) عن قيام انس حيال عجيزة المرأة بان جنازتها لم تكن مستورة بقبه ونحوها يقوم الإمام حيال العجيزه ليسترها عن أعين الناس. وأما ألان فقد اتخذت القباب علي جنازة المراه فلا داعي لقيام الإمام عند العجيزه , بل يقف عند الصدر كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على النفساء. (ويدل) لهذا التأويل ما تقدم في أخر الحديث من قول أبي غالب: سالت عن صنيع انس في قيامه على المرأة عند عجيزتها فحدثوني انه إنما كان لانه لم تكن النعوش فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها عن القوم (ولكن) يرد هذا التأويل قوله في الحديث: وعليها نعش اخضر (وقالت) المالكية: السنة أن يقف المصلى عند وسط الذكر وحذو منكبي غيره لئلا يتذكر ما ينافى الصلاة إذا وقف ¬

(¬1) انظر ص 244 ج 7 - الفتح الربائى (موقف المصلى من الرجل والمرأة) وص 131 ج 3 فتح الباري (أين يقوم من المرأة والرجل؟ ) ومن 31 ج 7 نووي. وص 33 ج 9 المنهل العذب. وص 280 ج 1 مجتبى (الصلاة على الجنازة قائما) وص 147 ج 2 تحفة الاحوذى. وص 234 ج 1 - ابن ماجه. وص 34 ج 4 بيهقى (ما ورد في النعش للنساء) (¬2) انظر ص 312 ج 1 بدائع الصنائع.

عند وسط المرأة (قالوا) ووقوفه صلى الله عليه وسلم عند وسط المرأة لعصمته من تذكر ما ينافى الصلاة ويجعل الإمام راس الميت عن يمينه إلا في الروضة الشريفة فيجعل رأسه عن يساره بحاه راس النبي صلى الله عليه وسلم. (والظاهر) الذي تشهد له الأدلة ما ذهب إليه الأولون من إن الإمام يقف عند عجيزة المرأة لانه ابلغ في صيانتها عن الباقين ويقف عند صدر الرجل. (2، 3) ويسن إن يصلى على الميت جماعه ثلاثة صفوف (لحديث) مرئد ابن عبد الله اليزنى عن مالك بن هبيرة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف. أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه، والترمذى وحسنه (¬1) {530} وهذا متفق عليه، وكلما كثر الجمع كان افضل (لحديث) ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه. أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والبيهقى (¬2) {531} ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 7 - الفتح الربائى (ما يرجى للميت بكثرة المصلين عليه) وص 328 ج 8 - المنهل العذب (الصفوف على الجنازة) وص 234 ج 1 - ابن ماجه (من صلى عليه جماعة من المسلمين) وص 30 ج 4 بيهقى (ما يرجى للميت في ثكرة من يصلى عليه) وص 143 ج 2 تحفة الاحوذى. و (مرئد) بفتح فسكون ففتح. (وهبيرة) بالتصغير. و (أوجب) أي أوجب اصطفافهم المغفرة أو الجنة للميت. وفي رواية احمد: إلا غفر له. (¬2) انظر ص 202 ج 8 - الفتح الربائى. وص 18 ج 7 نووي (من صلى عليه أربعون شفعوا فيه) وص 235 ج 8 - المنهل العذب (فضل الصلاة على الجنازة) وص 30 ج 4

(وحديث) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يموت أحد من المسلمين فيصلى عليه أمة من الناس يبلغون إن يكونوا مائة فيشفعوا له إلا شفعوا فيه. أخرجه احمد ومسلم والنسائي والترمذى وقال حديث حسن صحيح (¬1) {532} ففي هذه الأحاديث الترغيب في الصلاة على الميت جماعة وفي كثرة المصلين عليه وعلى إن من صلى عليه جماعة من المسلمين المخلصين له في الدعاء قبل الله دعاءهم. وقدرت الكثرة في بعض الروايات بثلاثة صفوف واقل الصف اثنان وفي بعضها بأربعين وفي بعضها بمائة. ولا منافاة بينها لان اسم العدد لا مفهموم له. فذكر الأربعين لا ينافى ما دونه ولا ما فوقه. (وقال) القاضي عياض: هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك، فاجاب النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم عن سؤاله بما يناسبة. ويحتمل إن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم بقبول شفاعة مائة فاخبر به، ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم بثلاثة صفوف - وإن قل عددهم - فاخبر به (¬2). (قال) احمد: احب إذا كان فيهم قلة إن يجعلهم ثلاثة صفوف. قالوا: فان كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين في كل صف رجلين وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في كل صف رجل واحد (¬3). فائدتان: (الأولى) إذا لم يصل على الجنازة إلا إمام ورجل وامرأة يستحب أن يكون الرجل وراء الإمام والمرأة وراء الرجل ليكونوا ثلاثة صفوف. ¬

(¬1) انظر ص 202 ج 7 - التفح الربائى. وص 17 ج 7 نووي. وص 281 ج 1 مجتبى (فضل من صلى عليه مائة) وص 143 ج 2 تحفة الاحوذى (كيف الصلاة على الميت والشفاعة له. و (إلا شفعوا فيه) بشد الفاء مكسورة مبنى للمفعول أي قبل الله تعالى شفاعتهم فيه. (¬2) انظر ص 17 ج 7 نووي مسلم (¬3) انظر ص 374 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(ولحديث) عبد الله بن أبى طلحة " إن أبا طلحة دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبى طلحة حين توفى، فاتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه في منزلة، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراء وأم سليم وراء أبى طلحة، ولم يكن معهم غيرهم ". أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {533} (الثانية) يجوز للنساء حضور صلاة الجنازة إذا خرجن متسترات غير متبرجات ولا متعطرات وأمن الفتنة (لما) روى إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انتظر أم عبد الله حتى صلت على عقبة. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن (¬2) {534} فإن كن مع الرجال صلين مقتديات بإمامهم. وإن كن منفردات (قالت) الشافعية: يستحب إن يصلين منفردات، فان صلت بهن إحداهن جاز وكان خلاف الأفضل. (قال) النووي ك وفيه نظر وينبغي إن تسن لهن الجماعة كما في غيرها وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثوري واحمد والحنفيون. وقال مالك: يصلين فرادى (¬3) (4) يسن تسوية الصفوف في صلاة الجنازة كغيرها من الصلوات، لما تقدم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الصلاة على النجاشي صف أصحابه وكبر عليه أربعا (¬4) ¬

(¬1) انظر ص 34 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على الجنازة). وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود (وأم سليم) زوجة وهي والدة انس بن مالك. (¬2) انظر ص 34 ج 3 مجمع الزوائد (صلاة النساء على الجنائز) (¬3) انظر ص 215 ج 5 مجموع النووى (¬4) انظر رقم 297 ص 282 (نعى الميت)

(وروى) أبو المليح انه صلى على جنازة فالتفت فقال: استووا لتحسين شفاعتكم (¬1). (ب) السنن الداخلة في صلاة الجنازة للأمام تسع: (الأولى) رفع اليدين عند التكبيرة الأولى حذو المنكبين - كما في سائر الصلوات - وهو سنة بالإجماع. وكذا يستحب رفع اليدين عند باقي التكبيرات عند الشافعي واحمد. وروى عن مالك (لقول) نافع: كان ابن عمر يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، وإذا قام بين الركعتين يعنى في المكتوبة. أخرجه البخاري في كتاب رفع اليدين المفرد، والبيهقى وقال: ويذكر عن انس ابن مالك انه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة. قال الشافعي: وبلغني عن سعيد بن المسبب وعروة بن الزبير مثل ذلك (¬2) {535} (وقال) الحنفيون والثوري والزهري: لا يرفع يديه في صلاة الجنازة إلا في التكبيرة الأولي، وهو مشهور مذهب مالك (لحديث) طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود. أخرجه الدار قطبي وفي سنده الحجاج بن نصير بن السكن. قال العقيلى: مجهول. قال الحافظ: لا يصح فيه شئ (¬3) {536} يعنى انه لم يثبت في رفع اليدين في غير التكبيرة الأولي شئ يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة ¬

(¬1) انظر ص 275 ج 2 مغنى ابن قدامه. (¬2) انظر ص 123 ج 3 فتح الباري - وص 44 ج 4 بيهقى (يرفع يديه في كل تكبيرة). (¬3) انظر ص 192 - الدار قطنى.

فيها إن لم تكن مستندة إلى قوله أو فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فينبغي إن يقتصر على الرفع عند التكبيرة الأولي لانه لم يشرع في غير صلاة الجنازة إلا عند الانتقال من ركن إلى ركن ولا انتقال في صلاة الجنازة. (الثانية) وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة كسائر الصلوات. (ولقول) أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول التكبير ثم يضع يده اليمنى على يده اليسرى. أخرجه البيهقى والترمذى وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي سنده يزيد من سنان الرهاوى ضعفه أهل الحديث (¬1) {537} (قال) الترمذى: اختلف آهل العلم في هذا. قال ابن المبارك في الصلاة على الجنازة: لا يقبض بيمينه على شماله. ورأى بعضهم أن يقبض بيمينه على شماله، كما يفعل في الصلاة وهو احب إلى. (الثالثة) الثناء بعد التكبيرة الأولي وهو الدعاء بنحو: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك ز وغيره مما تقدم في بحث دعاء الاستفتاح (¬2) (وهو) سنة عند الحنفيين بقصد الثناء. وعليه يحمل ما تقدم عن ابن عباس رضى الله عنهما انه صلى على جنازة فقرا بفاتحة الكتاب (¬3) (وقالت) المالكية واكثر الشافعية والحنبلية: لا يستحب دعاء الاستفتاح ¬

(¬1) انظر ص 38 ج 4 بيهقى (وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة) وص ج 2 تحفة الاحوذى (رفع اليدين على الجنازة) (¬2) انظر ص 226 ج 2 - الذين الخالص (دعاء الاستفتاح). (¬3) تقدم رقم 512 ص 375 (قراءة الفاتحة).

في صلاة لأنها مبنية على التخفيف واختاره الطحاوى (قال) أبو داود: سمعت احمد يسال عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة: بسبحانك اللهم وبحمدك. قال: ما سمعت. وروى عنه انه سنة لان الاستعادة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح كسائر الصلوات (¬1) (الرابعة) التعود قبل قراءة الفاتحة عند الحنبلية وبعض الشافعية لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬2) وبالقياس على سائر الصلوات وهو مختصر لا تطويل فيه فاشبه التامين. (الخامسة) التامين عقب الفاتحة عند القائلين بمشروعية قراءتها في صلاة الجنازة تبعا القراءة كسائر الصلوات. (السادسة) قرائة سورة قصيرة بعد الفاتحة عند بعض الشافعية (لقول) طلحة ابن عبد الله بن عوف: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرا بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى اسمعنا، فأما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال: سنة وحق. أخرجه النسائي وأبو يعلى الموصلي بسند صحيح (¬3) {538} ولان كل صلاة تقرا فيها الفاتحة تقرا فيها السورة (وقال) الجمهور: لا تقرا سورة في صلاة الجنازة لأنها مبنية على التخفيف ولو شرعت قراءة السورة: فيها لشاع نقله (قال) البيهقى: حديث القراءة في صلاة الجنازة رواه إبراهيم بن أبى حرة عن إبراهيم بن سعد وفيه: فقرا بفاتحة الكتاب وسورة. وذكر السورة فيه غير محفوظ (¬4). (والأصح) عند الشافعية انه لا يستحب قراءة سورة ¬

(¬1) انظر ص 346 ج 2 شرح المقنع. (¬2) النحل: 98 (¬3) انظر ص 281 ج 1 مجتبى (الدعاء) وص 234 ج 5 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 38 ج 4 بيهقى. وقوله غير محفوظ (رد) بأنه محفوظ رواه النسائي كما ترى برقم 538 ولكنه لا يدل على فرضية القراءة ولا الجهر بها.

في صلاة الجنازة ونقل إمام الحرمين إجماع العلماء عليه (¬1) (السابعة) جهر الإمام بالتكبيرات والسلام عند الجمهور للإمام ولما روى نافع عن عبد الله بن عمر انه كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه. أخرجه مالك في الموطا (¬2) {539} (وقال) الحسن بن زياد: لا يرفع الصوت بالتسليم في صلاة الجنازة، وروى عن مالك لما في حديث أبى إمامة بن سهل إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرا بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولي سرا في نفسه (الحديث) وفيه ثم يسلم سرا في نفسه. أخرجه الشافعي في مسنده والنسائي والبيهقى (¬3). {540} ولكن العمل على الجهر بالسلام. وتقدم قول ابن مسعود رضى الله عنه: التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة (¬4)، وهو يدل على الجهر بالسلام، لان التسليم في الصلاة يكون جهرا للإعلام بالخروج منها. (الثامنة) الإسرار بالقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء عند الجمهور (لقول) أبى إمامة: السنة في الصلاة على الجنازة إن يقرا في التكبيرة الأولي بأم القران مخافتة ثم يكبر ثلاثا والتسليم عند الآخرة. أخرجه النسائي والطحاوى والبيهقى بسند صحيح (¬5) {541} (ويدل) عليه مفهوم قول ابن عجلان: سمعت سعيد بن أبى سعيد يقول: صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد لله ثم قال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة. ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 234 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 15 ج 2 - الزرقانى على الموطأ (جامع الصلاة على الجنازة) (¬4) انظر رقم 516 (¬5) تقدم رقم 513.

أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقد أجمعوا على أن قول الصحابي سنة. حديث مسند (¬1). {542} فإنه يفهم منه أن الأصل ففي القراءة الإسرار. وإنما جهر ابن عباس ليعلم القوم أن قراءة الفاتحة ففي صلاة الجنازة سنة. (وقال) أبو الزبير: سئل جابر عما يدعى للميت فقال: ما باح لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر. أخرجه أحمد (¬2). {543} (قال) الحافظ: الذي وقفت عليه: باح بمعنى جهر (وأما حديث) عوف ابن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظنا من دعائه: " اللهم اغفر له وارحمه " (الحديث). أخرجه النسائى (¬3). {544} (فاجاب) عنه الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالدعاء أحيانا لقصد التعليم. (وقال) بعض الشافعية: إن صلى ليلا جهر وإلا أسر (هذا) وقد اتفق العلماء على أنه يسر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء وعلى أنه يجهر بالتكبيرات والسلام وعلى أنه يسر بالقراءة نهارا. وفى الليل وجهان: أصحهما أنه يسر أيضا. (قال) الشافعي ففي المحتضر. ويخفى القراءة والدعاء ويجهر بالتسليم ولم يفرق بين الليل والنهار (¬4). (التاسعة) الدعاء بعد التكبير الرابعة (لما روى) إبراهيم الهجري من عبد الله بن أبي أوفى قال: ماتت ابنه له فخرج ففي جنازتها على بغلة خلف ¬

(¬1) انظر ص 358 ج 1 مستدرك (¬2) انظر ص 357 ج 3 مسند احمد. و (باح) بالشئ يبوح به إذا أعلنه. نهاية. (¬3) انظر رقم 520 ص 379. (¬4) انظر ص 234 ج 5 مجموع النووى.

الجنازة، ثم صلى عليها فكبر أربعا، فقام بعد التكبيرة الرابعة بقدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا. أخرجه البيهقى (¬1). {545} وهو مستحب عند الشافعية وروى عن أحمد ومباح عند الحنفيين ومالك ولا يتعين له دعاء، ولكن يستحب اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله أو يقول: " ربنا أتنا ففي الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " (¬2) (9) الأحق بالإمامة ففي الجنازة: الأولى بها عند النعمان ومحمد بن الحسن والثاني ففي القديم - الولي إن حضر، ثم القاضي، ثم إمام الجهة، ثم ولى الميت الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبة إلا الأب فإنه يقدم يقدم على الأبن إذا اجتمعا (لقول) ابى حازم: شهدت حسينا حين مات الحسن وهو يدفع فى قفا سعيد بن العاص وهو يقول: تقدم فلولا أنها السنة ما قدمتك. وسعيد أمير على المدينة يؤمئذ أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار بسند رجاله موثقون والبيهقى (¬3). {546} فيقدم الوالي على القريب لعموم ولايته (وقال) أبو يوسف والشافعي في الجديد: القريب أولى من السلطان، لأن هذه الصلاة مبنية على الولاية، والقريب في مثل هذا مقدم على السلطان كما في النكاح وغيره من التصرفات، ولأن هذه الصلاة شرعت للدعاء والشفاعة للميت ودعاء القريب أرجي لأنه يبالغ في إخلاص الدعاء له وإحضار القلب لزيادة شفقته وكمال تضرعه فكان اقرب إلى الإجابة. فاولى الناس بالصلاة عليه الأب ثم الجد ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ¬

(¬1) انظر ص 42 ج 4 بيهقى (الاستغفار للميت والدعاء له ما بين التكبيرة الرابعة والسلام) (¬2) انظر ص 239 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 31 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على الجنازة) وص 29 ج 4 بيهقى (من قال: الوالى احق بالصلاة على الميت من الولى)

ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم على ترتيب العصبات، لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء أرجي للإجابة فإنهم أفجع بالميت من غيرهم فكانوا بالتقديم أحق فإن اجتمع أخ شقيق وأخ لأب فالأخ الشقيق أولى (¬1). (وقالت) المالكية والحنبلية: الأولى بالصلاة على الميت: الوصي ثم الأمير ثم ألب وإن علا ثم الأبن وإن سفل ثم أقرب العصبة لإجماع الصحابة رضى الله عنهم على هذا، فقد أوصى أبو بكر أن يصلى عليه عمر، وأوصى عمر إن يصلى عليه صهيب، وأوصت عائشة أن يصلى عليها ابا هريرة (¬2). (وعن) أبي إسحق أن عبد الله بن مسعود أوصى: إذا أنا مت يصلى على الزبير بن العوام. أخرجه البيهقى (¬3). (فهذه) قضايا انتشرت ولم يظهر فيها مخالف فكان إجماعا سكوتيا (وأجاب) الأولون عن هذه الوقائع بحملها على إجازة أولياء الميت للوصية ولو لم يجيزوها ما صحت. (هذا) وإن اجتمع زوج المرأة وعصبتها فالظاهر تقديم العصبة عند غير النعمان فإنه يقدم زوج المرأة على ابنها منه. وروى عن أحمد لأن أبا بكرة صلى على امرآته ولم يستأذن إخوتها، ولأنها أحق بغسلها فكان أحق بالصلاة (واستدل) الجمهور بما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها ولأن الزوجية قد زالت بالموت فصار أجنبيا، والقرابة لم تزل. وعلى هذا إن لم يكن لها عصبة فالزوج أولي لأن له سببا وشفقة فهو أولى من ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 366 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 29 ج 4 بيهقى (من قال الوصى بالصلاة عليه أولى).

الأجنبي، فإذا استوى وليان في درجة فأولاهما أحقهما بالإمامة في المكتوبات، لعموم حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤكم لكتاب الله تعالى. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1). {547} (وقيل) إذ استوى الوليان يقدم الأسن لأنه أقرب إلي إجابة الدعاء وأعظم عند الله أجرا وهذا ظاهر مذهب الشافعي والأول أولى لأن فضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات مع أنه يقصد في الجنازة إجابة الدعاء وهى من العالم اقرب (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم. أخرجه الدارقطني قطني والبيهقى بسند ضعيف (¬2). {548} (فإن) استووا في العلم والسن والورع وتشاحوا، اقرع بينهم. ومن قدمه الولي فهو بمنزلته (¬3). (10) المسبوق فى صلاة الجنازة: له أحوال خمس: (أ) من سبق ببعض التكبير ينتظر الإمام حتى يكبر معه عند النعمان ومحمد ومالك وروى عن أحمد، لأن التكبير هنا بمنزلة ركعة ولو فاتته ركعة لم يشتغل بقضائها، فكذا إذا فاتته تكبيرة، ولو كبر حين حضر لا تفسد صلاته لكن لا تحسب له تكبيرة. (قال) الشافعي وأبو يوسف: يكبر حين يحضر ويعتبر ما أداه وهو الصحيح عن أحمد وروى عن مالك لأنه في سائر الصلوات متى أدرك ¬

(¬1) انظر ص 224 ج 5 - الفتح الربانى (من أحق بالإمامة) وص 172 ج 5 مسلم وص 296 ج 4 - المنهل العذب المورود. وص 126 ج 1 مجتبى. وص 196 ج 1 تحفة الأحوذى وص 160 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 90 ج 3 بيهقى (اجعلوا ائمتكم خياركم). (¬3) انظر ص 368 ج 2 مغنى ابن قدامة.

الإمام كبر معه بلا انتظار، وليس هذا اشتغالا بقضاء ما فاته فإنما يصلى مع الإمام ما أدركه كمن يكبر عقب تكبير الإمام قبل أن يتم المأموم القراءة فإنه يكبر ويتابع الإمام ويقطع القراءة (¬1) عند احمد وأبى يوسف وهو الأصح عند الشافعي. وتحسب له التكبيرة للعذر. (ب) وإن أدرك المأموم الإمام بعد التكبيرة الثانية حسبت له عند أبى يوسف والشافعي وبقضى واحدة. وتحسب له على الصحيح عند أحمد ولا يقضى شيئا. ولا تحسب له عند النعمان ومحمد ومالك ويقضى ثنتين. (جـ) ولو حضر المأموم بعد ما كبر الإمام الرابعة قبل السلام لم يدخل معه وقد فاتته الصلاة عند أبى حنيفة ومحمد ومالك لأنه لا ثمرة لتكبيرة وحده وقد أتم الإمام التكبيرات فلا تتأنى المتابعة (وقال) أبو يوسف والشافعي وأحمد: يكبر المأموم وتحسب له تطبيرة، وإذا سلم لإمام قضى ثلاث تكبيرات كما لو كان حاضرا خلف الإمام ولم يكبر حتى كبر الإمام الرابعة (¬2). (د) وإذا سلم الإمام وقد بقى على بعض المأمومين بعض التكبيرات، يأتي بها المسبوق قبل رفع الجنازة عند الحنفيين، لأن شرط صحة صلاة الجنازة حضور الميت. (وقال) غيرهم: يستحب عدم رفعها حتى يقضى المسبوق ما عليه. وهل يأتي به تباعا بلا ذكره بعده؟ قال الحنفيون: يدعو إن لم يخف رفعها وإلا أتى بما سبق به تباعا (وقال مالك) يدعو إن لم ترفع الجنازة، وإن رفعت تابع التكبير وسلم. وعند الشافعي وجهان: أصحهما أنه يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، وقيل: يكتفي بالتكبيرات (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 376 ج 2 مغنى (¬2) انظر ص 314 ج 1 بدائع الصنائع. (¬3) وملخص مذهب مالك فى المسبوق: أن من سبق بالتكبير مع الإمام ينتظر وجوبا حتى يكبر معه لأنه كالقاضى خلف الإمام إذا كل تكبيرة بمنزلة ركعة. فإن كبر صحت ولا يعتد بها عند الأكثر. وقال اشهب: يدخل مع الإمام ولا ينتظر لأنه لا تفوق التكبيرة إلا بالتى بعدها ويدعو المسبوق بعد تكبيرة فى القضاء إن تركت الجنازة وإن تركت الجنازة وإن رفعت والى التكبير بلا دعاء وسلم (انظر ص 168 ج 1 صعير الدرديرى).

(هذا) ولا تصح صلاة المسبوق في الجنازة عند الحنفيين ومالك والشافعي إلا بتدارك ما فاته قياسا على سائر الصلوات (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه السبعة (¬1). {549} (وقالت) الحنبلية: من فاته شئ من التكبير استحب له قضاؤه متتابعا فإن سلم مع الأمام ولم يقض فصلاته صحيحة (لما) روى أن عائشة قالت: يا رسول الله إني أصلى على الجنازة ويخفى على بعض التكبير، قال: سمعت فكبرى وما فاتك فلا قضاء عليك (¬2). (وأجابوا) عن الحديث بإنه ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله فيه: ولا تأنوها وأنتم تسعون (وروى) أنه صلى الله عليه وسلم سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فعلم أنه لم يرد بالحديث هذه الصلاة والقياس على سائر الصلوات لا يصح لأنه لا يقضى في شئ من الصلوات التكبير المنفرد. (هـ) وإذا أدرك الإمام في الدعاء على الميت تابعة فيه فإذا اسلم الإمام كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وكبر وسلم. (وقال) الشافعي: متى دخل المسبوق في الصلاة ابتداء بالفاتحة ثم أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 209 ج 5 - الفتح الربانى (فضل المشى الى الجماعة بسكينة) وص 266 ج 2 فتح البارى (المشى الى الجمعة) وص 98 ج 5 نووى (اسحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة) وص 271 ج 4 - المنهل العذب المورود (السعى الى الصلاة) (وص 148 ج 1 مجتبى السعى الى الصلاة). (¬2) ذكره ابن قدامة فى المغنى. (¬3) انظر ص 376 ج 2 منه.

(11) الصلاة على متعدد: إذا حضرا أكثر من ميت فالأفضل إفراد كل ميت بصلاة. ويجوز أن يصلى عليهم واحدة لأن المقصود من صلاة الجنازة الدعاء والشفاعة وهذا يحصل بصلاة واحدة. فان صلى على كل واحد على حدة فالأولى تقديم الأفضل فالأفضل، وإذا صلى عليهم دفعة واحدة فان كانوا من نوع واحد بان يكونوا ذكورا وإناثا، فان شاءوا وضعوا واحدا بعد واحدا مما يلي القبلة ليقوم الأمام بحذاء الكل وهذا هو الأولى، وحينئذ يكون أفضلهم مما يلي الأمام (لحديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم (الحديث). أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والترمذى وقال: حسن غريب (¬1) {550} (وقال) الشعبي: صلى على يوم صفين على عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة فكان عمار أقربهما إلي على، وكان هاشم أقربهما إلي القبلة أخرجه الطبرانى وفيه سفان ابن هارون وفيه كلام وقد وثق (¬2) {551} ¬

(¬1) انظر ص 302 ج 5 - الفتح الربائى (مشروعية وقوف اولى الاحلام والنهى قريبا من الامام) وص 154 ج 4 نووى (تسوية الصفوف وفضل الاول فالاول منها) وص 63 ج 5 المنهل العذب المورود (من يستحب ان يلى الامام في الصف) (وليلينى) بياء مفتوحة بعد اللام وياء مفتوحة ونون مشددة بعدها وفي رواية مسلم: ليلنى - بتخفيف النون ولاياء قبلها (¬2) انظر ص 36 ج 3 مجمع الزوائد (الصلاة على اكثر من ميت) (وصفين) بكسرتين وشد الفاء موضع قرب الرقه على الشاطئ القرات الغربى كانت وقعتها بين كل ومعاوية في غرة صفر سنة 27 سبع وثلاثين هجرية قتل فيها سبعون الفا دام القتال فيها 110 عشرة ومائة يوم. ثم رفع اهل الشام المصاحف يدعون الى ما فيها من الصلح مكيدة من عمرو بن العاص فكسف الناس عن الحرب. وتدعوا الى الصلح على يد حكمين .. فحكم (بشد الكاف) على ابا موسى الاشعرى وحكم معاوية عمرو بن العاص وكتبوا كتابا على =

(وإن) كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلى على كل نوع على حدة (لما) روى عن عبد الله بن مفغل انه صلى على الرجال على حدة وعلى المرأة على حدة ثم اقبل على القوم فقال: هذا الذي لا شك فيه. وإن صلى عليهم جميعا دفعة واحدة جاز. وحينئذ توضع الرجال مما يلي الأمام والنساء خلف الرجال مما يلي القبلة كما يصطفون خلف الأمام حال الحياة. (ولو) اجتمع رجل وصبى وخنثي وامرأة وصبية وضع الرجل مما يلي الأمام والصبى وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية (لحديث) نافع ¬

=أن يجتمعوا بإزرح (بضم الراء بلد بالشام) لينظروا في امر الامة فاقترف الناس ورجع معاوية الى الشام وعلى إلى الكوفة فخرج عليه الخوارج وقالوا لا حكم الا لله واجتمعوا يحروراء فبعث اليهم ابن عباس فجادلهم والزمهم الحجة فرجع منهم كثير وثبت قوم وساروا الى النهروان فسار إليهم على فقتلهم وقتل كبيرهم ذا الثدية (بضم الثاء وشد الياء) حرقوص ابن زهير سنة ثمان وثلاثين واجنمع الناس بازرح في شعبان من هذه السنة فقدم عمرو ابن العاص ابا موسى الاشعرى مكيدة منه فتكلم فخلع عليا وتكلم عمرو فاقر معاوية وبايع له فتفرق الناس على هذا وصار على في خلاف من اصحابة حتى اجتمع بمكة ثلاثة من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم والبرك بن عبد الله التميمى وعمرو بن بكير التميمى وتعاهدوا على ان يقتل الاول عليا والثانى معاوية والثالث عمرو بن العاص على ان يكون ذلك في ليلة واحدة ليلة حادى عشر او ليلة سابع عشر من رمضان سنة اربعين فقدم ابن ملجم الكوفة ليلة سابع عشر من رمضان لقتل على، فاستيقظ على رضى الله عنه سحرا فقال لابنه الحسن رايت الليلة النبى صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله: لقيت من امتك من الاود (بفتحتين التعب والثقل) واللدد (شدة الخصومة) ما لقيت فقال لى ادع الله عليهم فقلت: اللهم ابدلنى بهم خيرا لى منهم وابدلهم بى شرا لهم منى. ودخل المؤذن - ابن الذباح - على على فقال. الصلاة فخرج على على الصلاة فاعترضة ابن ملجم فضربة بالسيف فشد عليه فامسك واوثقوه واقام على الجمعه والسبت. وتوفي ليلة الاحد التاسع عشر من رمضان وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن بدار الاماة بالكوفة (انظر ص 67 تاريخ الخلفاء للسيوطى).

عن ابن عمر انه صلى على تسع جنائز جميعا فجعل الرجال يلون الأمام وجعل النساء يلين القبلة، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم - بنت على امرأة عمر بن الخطاب - وابن لها يقال له زيد وضعا جميعا، والأمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الأمام، فقال رجل فأنكرت ذلك. فنظرت إلي ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة. أخرجه النسائي والبيهقى والدار قطبي بسند صحيح (¬1) {552} (وعن) سليمان بن موسى أن واثلة بن الاسقع - في الطاعون كان بالشام مات فيه بشر كثير - فكان يصلى على جنائز الرجال والنساء جميعا - الرجال مما يليه والنساء مما يلي القبلة - ويجعل رءوسهن إلي ركبتي الرجال ز أخرجه الببيهقى (¬2) {553} ((دلت) هذه الأحاديث والآثار على انه إذا وجدت جنازة ذكور وإناث، تجعل الذكور مما يلي الأمام والإناث مما يلي القبلة، وإذا اجتمع رجل وصبى وامرأة يوضع الرجل أما ثم الصبي ثم الأنثى. وهذا متفق عليه. (فوائد) (الأولى) لو كبر الأمام على جنازة ثم أتي بجنازة أخري فوضعت معها استمر في صلاته على الأولى ويستأنف الصلاة على الأخرى عند الحنفيين ¬

(¬1) انظر ص 280 ج 1 مجتبى (اجتماع جنائز الرجال والنساء) وص 33 ج 4 بيهقى وص 194 - الدار قطبى (والامام) يعنى الامير لا انه كان إماما في الصلاة بل الامام كان ابن عمر ويحتمل ان سعيدا كان إمام في الصلاة بدليل قوله في رواية البيهقى: فصلى عليهما امير المدينة ويكون المراد بقوله: صلى (يعنى ابن عمر) على تسع جنائز اى اشار يترتيب الجنائز " والرجل المكر بضم فسكون فكسر " وضع الغلام جهة الامام والمراة جهة القبلة " عمار بن ابى عمار " كما في رواية النسائى والبيهقى. (¬2) انظر ص 32 ج 4 بيهقى (جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت).

والشافعي لان التحريمة انعقدت للصلاة على الأولى فيتمها، فان كبر التكبيرة الثانية ينويهما فهي للأولى فقط لانه لم يقصد الخروج عن الأولى فبقى فيها. وإن كبر ينوب الثانية وحدها فهي لها لانه خرج عن الأولى بالتكبيرة ناويا الثانية، كما إذا كان في الظهر فكبر ينوب العصر فانه يصير منتقلا من الظهر، فكذا هذا بخلاف ما إذا نواهما جميعا لانه ما رفض الأولى فيبقى فيها فلا يصير شارعا في الثانية. ثم إذا صار شارعا في الثانية فإذا فرغ منها أعاد الصلاة على الأولى (¬1). (وقالت) الحنبلية: إذا كبر على جنازة ثم جيء بأخرى، كبر الثانية عليهما وينويهما. فان جيء بثالثة كبر الثالثة عليهن ونوهن، فان جيء برابعه كبر الرابعة عليهن ثم يكمل التكبير إلي سبع وهو اكثر ما ينتهي إليه التكبير فان جيء بخامسة لم ينوها بالتكبير، وإن نواها لم يجز لأنه دائر بين أن يزيد على سبع أو بنقص في تكبيرها عن أربع وكلاهما ولا يجوز، وكذا لو جيء بثانية بعد التكبيرة الرابعة. لم يحزان يكبر عليها الخامسة لما بينا. فان أراد أهل الجنازة الأولي رفعها قبل سلام الأمام لم يجز، لان السلام ركن لا تتم الصلاة إلا به. إذا تقرر هذا فانه يقرا في التكبيرة الخامسة الفاتحة، وفي السادسة يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو في السابعة ليكمل لجميع الجنائز القراءة والأذكار كما كمل لهن التكبيرات (¬2). (الثانية) إذا صلى على موتى دفعة فان كان المصلى هو السلطان جاز، وإن كان بعض الأولياء، فان رضوا بصلاة واحدة قدم ولى السابقة، وإن ¬

(¬1) انظر ص 316 ج 1 بدائع الصنائع. وص 227 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 394 ج 2 مغنى ابن قدامة.

حضرت الجنائز دفعة اقرع بينهم، وإن لم يرضوا بصلاة واحدة صلى كل واحد على ميته عند الحنفيين والشافعي (¬1) (وقالت) الحنبلية: عن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض. (وقيل) يقدم من سبق ميته. (ووجه) الاول انهم تساووا فأشبهوا الأولياء إذا تساووا في الدرجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله (¬2)، وإن أراد ولى كل ميت إفراد ميته بصلاة جاز (¬3). (الثالثة) إن وجد من الأموات من يصلى عليه ومن لا يصلى عليه واشتبه الأمر صلى على الكل بنية من يصلى عليه عند الأئمة الثلاثة (وقال) الحنفيون: إن كان المسلمون اكثر صلى عليهم وإلا فلا لان للأكثر حكم الكل. (12) كيفية صلاة الجنازة: اجمع كيفية لكل ما ورد إن ينوب الصلاة على من حضر ويكبر رافعا يديه ثم يضع اليمنى على اليسرى فوق السرة ثم يأتي بدعاء الاستفتاح ويتعوذ ويقرا الفاتحة ويؤمن ويقرا سورة قصيرة ويدعو للميت سرا، ثم يكبر الثانية ويصلى على الأولياء صلى الله عليه وسلم بالوارد عقب التشهيد، ثم يدعو للميت، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ولنفسه وللمؤمني بالرحمة والمغفرة، والدعاء بالمأثور افضل، ثم يكبر الرابعة ويدعو بنحو قوله {ربنا آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ثم يسلم. (روى) سعيد بن كيسان عن أبيه انه سأل أبا هريرة كيف تصلى على الجنازة؟ فقال: اتبعها من بيت أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى ¬

(¬1) انظر ص 327 ج 5 مجموع النووى. (¬2) تقدم رقم 547 ص 396. (¬3) انظر ص 369 ج 2 مغنى ابن قدامة.

وصليت على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أقول: " اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا اله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك وأنت اعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه إن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده ". أخرجه مالك في الموطا (¬1) {554} (وعن) شر حبيل بن سعد قال: حضرت عبد الله بن عباس صلى بنا على جنازة بالابواء فكبر ثم قرا بأم القران رافعا صوته بها ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وثم قال: " اللهم عبدك وابن عبدك ورسولك اصبح فقيرا إلي رحمتك فقيرا إلي رحمتك وأصبحت غنيا عن عذابه تخلى من الدنياواهلها، وغن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له، اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفقنا بعده " ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم انصرف فقال: يأبها الناس أبي لم أقرا عليها إلا لتعلموا أنها سنة ". أخرجه البيهقى (¬2) {555} (13) إعادة صلاة الجنازة: لها ثلاث حالات: (أ) إن صلى على الميت غير الاحق بالصلاة عليه بلا إذن منه ولم يصل الاحق معه فله إعادة الصلاة عليه اتفاقا، لان الحق له وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى قبر بعد ما صلى على الميت كما ياتى، لانه عليه الصلاة والسلام كان الاحق بالصلاة عليه، وهذا متفق عليه. (ب) ولا يصح عند الحنفيين ومالك ان يصلى غير الاحق بعد ¬

(¬1) انظر ص 12 ج 2 - الزرقانى على الموطإ (ما يقول المصلى على الجنازة). (¬2) انظر ص 42 ج 4 بيهقى (الدعاء في صلاة الجنازة) و (الابواء) بفتح فسكون قرية بين مكة والمدينة في الشمال الشرقي من رابغ كان بها اول غزوة للنبى النبى صلى الله عليه وسلم: خرج في سفر سنة اثنتين من الهجرة يريد قريشا وبنى ضمرة من كتابة فصالحة مخشى (بفتح فسكون فكسر) ابن عمرو الضمرى (انظر ص 172 ج 1 بهجة النحافل)

صلاته لأن الفرض تأدى بالأولى. والتنقل بصلاة الجنازة غير مشروع (وروى) أبوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعد ما توفى عاصم أخوه فسال عنه فقال: أبن قبر أخى؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له. أخرجه عبد الرازق وقال وبه نأخذ (¬1). {556} (وقالت) الشافعية والحنبلية: من فاتته الجنازة فله أن يصلى عليها ما لم تدفن فإن دفنت صلى على القبر (لما) روى الحكم عن حنش قال: مات سهل بن حنيف فأتى به الرحبة فصلى عليه على رضى الله عنه فلما أتينا الجبانة لحقنا قرظة بن كعب فى نا س من قومه فقالو: يأمير المؤمنين لم نشهد الصلاة عليه فقال: صلوا عليه فصلى بهم قرظة بن كعب. أخرجه البيهقى (¬2). {557} وعن عمرو بن مرة عن خثيمة أن أبا موسى صلى على الحارث بن قيس الجعفى بعد ما صلى عليه أدركهم بالجبان. أخرجه البيهقى (¬3). {558} (جـ) ومن صلى على جنازة لا يشرع له إعادتها عند الحنفيين ومالك. ولا يستحب عند أحمد وهو الصحيح عند الشافعية لأن الثانية تكون نافلة والتنفل بها غير مشروع وعليه فلو صلاها ثانيا لا تصح عند الحنفيين ومالك، وتصح عند الشافعى وأحمد وإن كانت غير مستحبة وتقع نفلا. وقال القاضى حسين: تقع فرض كفاية كما لو صلت جماعة فصلاة الجميع تقع فرضا (¬4). هذا، وإذا صلى على الجنازة لا توضع لأحد يصلى عليها ثانيا، بل يبادر بدفنها إلا أن يرجى الولى فتؤخر إلا أن يخاف تغير الميت. ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 4 - الجوهر النقى (الصلاة على القبر). (¬2) انظر ص 45 ج 4 بيهقى (الرجل تفوته الصلاة مع الإمام فيصليها بعده) (والرحبة) بفتحات أو بفتح فسكون - المكان المتسع بين افنية القوم. (وقرظة) بالظاء المعجمة وفتحات (والجبان) الصحراء (¬3) نظر ص 45 ج 4 بيهقى (الرجل تفوته الصلاة مع الإمام فيصليها بعده) (والرحبة) بفتحات أو بفتح فسكون - المكان المتسع بين افنية القوم. (وقرظة) بالظاء المعجمة وفتحات (والجبان) الصحراء (¬4) انظر ص 246 ج 5 مجموع النووى

(وقال) ابن عقيل: لا ينتظر به أحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فى طلحة بن البراء: " وعجلوا فإنه لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرانى أهله " (¬1). وأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلى عليها. فعله على وأنس وسلمان بن ربيعة وغيرهم رضى الله تعالى عنهم (¬2). (14) الصلاة على القبر: لها حالان: (أ) من دفن بعد غسله بلا صلاة صلى على قبرة عند الحنفيين ما لم يغلب على الظن تفسخه. (وقالت) الشافعية والحنبلية: يصلى على القبر ابدا لعموم حديث يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقيل: فلانه فعرفها فقال: ألا آذنتمونى بها؟ قالوا: يا رسول الله كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك، فقال: لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم آذنتمونى به فإن صلاتى عليه له رحمة، ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه اربعا. أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والبيهقى بسند جيد والحاكم وابن حبان وصححاه (¬3). {559} ¬

(¬1) هو بعض حديث تقدم رقم 363 ص 263 (المبادرة بتجهيز الميت) (¬2) انظر ص 354 ج 2 شرح المقنع. (¬3) انظر ص 225 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على القبر بعد الدفن) وص 284 ج 1 مجتبى (الصلاة على القبر) وص 48 ج 4 بيهقى. وص 240 ج 1 - ابن ماجه. (فعرفها) الظاهر أنها المرأة التى كانت تقم (تكبس) (المسجد 0 روى) بريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبر جديد حديث عهد بدفن ومعه أبو بكر فقال: قبر من هذا؟ فقال ابو بكر ك يا رسول الله هذه أم محجن كانت مولعة بلقط القذى من المسجد فقال: أفلا ىذنتمونى؟ فقالوا كنت نائما فكرهنا أن نهيجك قال فلا تفعلوا فإن صلاتى على موتاكم نور لهم فى قبورهم. فصف اصحابه فصلى عليها. أخرجه البيهقى (انظر ص 48 ج 4 منه) (وقائلا) من القيلولة أى نصف النهار.

(وقال) الترمذى: والعمل على هذا. وهو قول الشافعى وأحمد وإسحق (وقال) بعض أهل العلم: لا يصلى على القبر، وهو قول مالك بن أنس (وقال) ابن المبارك: إذا دفن الميت ولم يصل علي القبر. وقال أحمد وإسحق: يصلى على القر إلى شهر (¬1). (وقالت) المالكية: من دفن بلا صلاة أخرج وصلى عليه إن لم يخف تغيره وإلا صلى على قبره وجوبا ما لم يظن فناؤه. (ب) أما من صلى عليه وليه أو غيره بإذنه فلا يصلى على قبره عند الحنفيين لأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا السلف الصالح أنه صلى على قبر النبي صلى الله عليه وسلم (وقال) مالك: من لمن لم يكن صلى على الميت وإن لم يكن ولى الميت فى أى وقت لإطلاق الأحاديث الواردة فى ذلك، كحديث ثابت البنانى عن أبى رافع عن ابى هريرة: أن امرأة سوداء رجلا كان يقم المسجد فقعده النبي صلى الله عليه وسلم فسال عنه فقيل: مات، فقال: ألا آذنمون به؟ دلونى على قبره فدلوه فصلى عليه. أخرجه أحمد والشيخان وابو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقى (¬2). {560} (وحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذه القبور ممتلئة ¬

(¬1) انظر ص 148 ج 2 تحفة الأحوذى (الصلاة على القبر) (¬2) انظر ص 223 ج 7 - الفتح الربانى. وص 133 ج 3 فتح البارى (الصلاة على القبر بعد ما يدفن) وص 25 ج 7 نووى مسلم. وص 45 ج 9 - المنهل العذب وص 240 ج 1 - ابن ماجه. وص 47 ج 4 بيهقى. (أو رجلا) الشك فيه من ثابت أو ابى رافع. وفى رواية للبخارى عن حماد عن ثابت أن امرأة أو رجلا كان يقم المسجد قال حماد: ولا اراه إلا امراة وتقدم عند البيهقى عن بريدة أنها أم محجن وهو كنيتها واسمها خرقاء.

على أهلها ظلمة وإن الله عز وجل ينورها بصلاتى عليها. وقال رجل من الأنصار يا رسول الله إن أخى مات ولم تصل عليه قال: فاين قبره؟ فأخبره فانظلق رسول اله صلى الله عليه وسلم مع الأنصارى فصلى. أخرجه أحمد والبيهقى وابو داود والطيالسى بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {561} والأحاديث فى هذا كثيرة، وهى تدل على أنه يجوز لمن لم يصل على الميت قبل دفنه أن يصلى على قبره وليا أو غيره ابدا، وبه قال الشافعى وابن المبارك واختاره ابن عقيل الحنبلى، لقول عقبة بن عامر: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمانى سنين كالمودع للأحياء والأموات (الحديث). أخرجه الشيخان وابو داود والبيهقى (¬2). {562} (ومشهور) مذهب أحمد أنه يصلى على القبر إلى شهر فقط (لما روى) قتادة عن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت النبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر. أخرجه الترمذى والبيهقى وقال: وهو مرسل صحيح (¬3). {563} (وأجاب) الحنفيون ومالك عن هذه الأحاديث (أ) بأن الصلاة على القبر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم (لقوله) فى حديث أنس: إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتى عليها (¬4). (وقوله) فى حديث يزيد ¬

(¬1) انظر ص 224 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على القبر) وص 36 ج 3 مجمع الزوائد. (¬2) (انظر ص 245 ج 7 فتح البارى 0 غزوة أحد) وص 78 ج 9 - النهل العذب المورود (الميت يصلى على قبره بعد حين) وص 14 ج 4 بيهقى (من روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم بعد 8 سنين). (¬3) انظر ص 149 ج 2 تحفة الأحوذى (الصلاة على القبر) وص 48 ج 4 بيهقى (¬4) انظر رقم 561.

ابن ثابت: فإن صلاتى عليه له رحمة (¬1). (ووجه) الدلالة أن صلاته صلى الله عليه وسلم لتنوير القبر والرحمة. وهذا لا يوجد فى صلاة غيره فلا تكون الصلاة على القبر مشروعة لغيره (ورد) ابن حبان ذلك بأن ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر يدل على جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأيضا فإن مجرد كون الله ينور القبور بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه الا ينفى مشروعية الصلاة على القبر لغيره اقتداء به صلى الله عليه وسلم وهو القائل: صلوا كما رايتمونى أصلى (¬2). فهو بعمومه يشمل صلاة الجنازة. (ب) (وأجاب) الحنفيون ايضا بأن ذلك خاص بولى الميت الذى صلى عليه وهو غائب. النبي صلى الله عليه وسلم عليه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو وليهم (وقال) ابن القاسم: قلت لمالك: فالحديث الذى جاء أنه عليه الصلاة والسلام صلى على قبر؟ قال: قد جاء وليس عليه العمل (¬3). (هذا) والظاهر الذى تشهد له الأدلة الثابتة ثبوتا لا يقابله العلماء إلا بالقبول أن الصلاة على القبر جائزة فى أى وقت، سواء فى ذلك من صلى على الميت ومن لم يصل وليس للمانعين منها دليل ناهض (ولا ينافى) ما ذكره حديث ابى مرثد الغنوى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجلسوا على القبور ولا تضلوا إليها " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وابو داود والبيهقى (¬4). {564} ¬

(¬1) تقدم رقم 559 ص 407 (¬2) تقدم رقم 527 ص 383 (¬3) انظر ص 49 ج 4 - الجوهر النقى (الصلاة على القبر). (¬4) انظر ص 89 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن البناء على القبر) وص 38 ج 7 نووى مسلم. وص 154 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية الوطء على القبور والجلوس عليها) وص 85 ج 9 - المنهل العذب المورود (كراهية القعود على القبر) وص 79 ج 4 بيهقى (النهى عن الجلوس على القبور).

فإن المراد منه الصلاة ذات الركوع والسجود بخلاف هذه فليست منهيا عنها لفعله صلى الله عليه وسلم إياها وإقراره الصحابة على فعلها. (15) صلاة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصحيح الثابت أن المسلمين صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم افرادا لا يؤمهم أحد. وقد جاء فى هذا أحاديث (منها) ما قال ابن عباس: لما صلى على رسول الله صلى الله علهي وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام ارسالا حتى فرغوا ثم أدخل النساء فصلين عليه ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ثم أدخل العميد فصلوا عليه ارسالا لم يؤمهم على النبي صلى الله عليه وسلم أحد. أخرجه البيهقى وفيه الحسين بن عبد الله تركه أحمد والنسائى وباقى رجاله ثقات (¬1). {565} قال الشافعى رجمة الله: وذلك لعظم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأبى هو وأمى وتنافسهم فى أن لا يتولى الإمامة فى الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة (¬2). (وحديث) سالم بن عبيد الله قال: دخل ابو بكر رضى الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ثم خرج فقيل له: توفى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فعلموا أنه كما قال. قيل: ويصلى عليه وكيف يصلى عليه؟ قال: يجيئون عصبا عصبا فيصلون عليه، فقالوا: هل يدفن وابن؟ فقال: حيث قبض الله روحه، فإنه لم يقبض الله روحه إلا فى مكان طيب. أخرجه البيهقى (¬3). {566} (وحديث) ابى عمران الجونى عن أبى عسيب أو أبى عسيم أنه شهد ¬

(¬1) انظر ص 30 ج 4 بيهقى (الصلاة على الجنازة افذاذا) (وارسالا) بفتح فسكون جمع رسل بفتحتين أى افواجا وفرقا يتبع بعضهم بعضا. (¬2) انظر ص 30 ج 4 بيهقى (الصلاة على الجنازة افذاذا) (وارسالا) بفتح فسكون جمع رسل بفتحتين أى افواجا وفرقا يتبع بعضهم بعضا. (¬3) انظر ص 30 ج 4 بيهقى. و (عصبا) بضم ففتح جمع عصبة بضم فسكون وهى الجماعة من العشرة إلى الأربعين

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: كيف نصلى عليه؟ قال: " ادخلوا ارسالا ارسالا فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر " (الحديث) أخرجه أحمد بسند رجاله الصحيح (¬1). {567} (والظاهر) أن أبا عسيب علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، فلما راى الصحابة يسال بعضهم بعضا عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بما علم. (ويؤيده) ما فى حديث ابن مسعود " قلنا: فمن يصلى عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا وقال: مهلا، غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا غسلتمونى ووضعتمونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير قبرى فاخرجوا عنى ساعة فإن أول من يصلى على خليلى وجليسى جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة عليهم السلام، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتى ثم نساؤهم، ثم ادخلوا على افواجا أفواجا وفرادى فرادى فصلوا على ولا تؤذونى بباكية ولا صارخة ولا رانة ولا بضجة، ومن كان غائبا من اصحابى فابلغوه عنى السلام " (الحديث) أخرجه البيهقى والبزار من عدة طرق بسند رجاله موثقون (¬2). {568} وإنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة على النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 7 - الفتح الربانى (مشروعية الصلاة على الأنبياء) وص 81 ج 5 مسند أحمد (أو ابى عسيم) مصغر شك من الراوى وهو صحابى لا تضر جهالته (والحديث) تمامه: فلما وضع فى لحده صلى الله عليه وسلم قال المغيرة: قد بقى من رجليه شئ لم يصلحوه قالوا: فادخل فاصلحه فدخل وأدخل فمس قدميه فقال: اهيلوا على التراب حتى بلغ أنصاف ساقيه ثم خرج فكان يقول: أنا احدثكم عهدا برسول الله صلى عليه وسلم. (¬2) انظر ص 25 ج 9 مجمع الزوائد (وداعه صلى الله عليه وسلم).

عليه وسلم بلا توسط أحد، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى من كل فرد فرد من كل الصحابة رجالهم ونسائهم وصبيانهم. (16) الصلاة على الصغير: يصلى كالكبير لعموم الأدلة (ولحديث) المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الطفل يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " أخرجه أحمد والبيهقى والربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {569} (وقالت) عائشة " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبى فصلى عليه، فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة؟ خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلا وخلقهم فى اصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وخلقهم فى أصلاب آبائهم " أخرجه النسائى (¬2). {570} (وشذ) سعيد بن جبير فى قوله: لا يصلى على الصغير ما لم يبلغ (وكذا) من قال: لا يصلى عليه ما لم يصل، محتجين بقول عائشة رضى الله عنها: لقد توفى ¬

(¬1) انظر ص 207 - الفتح الربانى (الصلاة على الصغير) وص 11 ج 9 - المنهل العذب المورود (المشى أمام الجنازة) وص 276 ج 1 مجتبى (الصلاة على الأطفال) وص 236 ج 1 - ابن ماجه. وص 144 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬2) انظر ص 286 ج 1 مجتبى (الصلاة على الصبيان) و (طوبى) من الطيب وهى الجنة أو شجرة فيها وقيل فرح وقرة عين (ولم يدركه) أى لم يدرك أوانه بالبلوغ (أو غير ذلك) اى بل غير ذلك أحق وأولى وهو التوقف. وقد أجمع العلماء على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة (وأجابوا) عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لعله نهاها عن المسارعة الى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل ان يعلم أن أطفال المسلمين فى الجنة وقد صرح كثير أن التوقف فى مثله أحوط إذ ليست المسالة مما يتعلق بها عمل ولا عليها اجماع. انظر ص 276 ج 1 سندى مجتبى.

إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه. أخرجه أبو داود وأحمد وقال: حديث منكر (¬1). {571} (ورد): (أ) بأن أكثر الرواة أثبتوا أنه صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم وروايتهم أولى لأنها أصح من رواية النفى وهى مثبته، فوجب تقديمها على النافية. (ب) أنه يجمع بينهما بأن من قال: صلى، اراد أمر بالصلاة عليه واشتغل هو بصلاة الكسوف. ومن قال: لم يصل، أراد لم يصل بنفسه (¬2). (قال) ابن عبد البر: حديث عائشة لا يصح، ويحتمل أن يكون معناه لم يصل عليه فى جماعة، أو أمر اصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم. (هذا) وولد الزنا يغسل ويصلى عليه عند الجمهور. (وقال) قتادة: لا يصلى عليه (¬3)، ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه كأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا عن ابويه أو عن أحدهما فإنه يصلى عليه (¬4). (17) الصلاة على السقط: السقط - مثلث السين والكسر أشهر - هو فى الأصل. الولد ينزل قبل تمام مدة الحمل بينا خلقه. والمراد به هنا ما نزل ميتا أو حيا ولم تستمر حياته. (وحكمه) أنه إن استهل - أى وجد منه ما يدل على حياته كبكاء أو صوت بعد الولادة - ثم مات فكالكبير، يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن ويرث ويورث اتفاقا (لحديث) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا استهل الصبى صلى عليه وورث وورث ". ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصلاة على الطفل) وص 209 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الصغير). (¬2) انظر ص 257 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 267 ج 5 منه. (¬4) انظر ص 219 ج 2 مغنى ابن قدامة.

أخرجه النسائى وابن ماجه والبيهقى (¬1). {572} (وعنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل. أخرجه النسائى والترمذى وقال: روى مرفوعا وموقوفا وهذا أصح (¬2). {573} (قال) الترمذى: ذهب بعض اهل العلم إلى هذا وقالوا: لا يصلى على الطفل حتى يستهل، وهو قول الثورى والشافعى (¬3)، وبه قال باقى الأئمة. وإن لم يستهل سمى وغسل - وإن لم يتم خلقه - وأدرج فى خرقة إكراما لبنى آدم ودفن بلا صلاة عليه عند الحنفيين ولا يرث إن انفصل بلا جنابة (¬4). ... (وقالت) المالكية: من لم يستهل صارخا يكره غسله والصلاة عليه ولو تحرك أو بال أو عطس إن لم تتحقق حياته، فإنه تحققت بأن رضع كثيرا أوقعت منه امور لا تكون إلا من حي وجب غسله والصلاة عليه (¬5). (وقالت) الشافعية: من لم يستهل أو يختلج وتحرك حركة تدل على الحياة فالصحيح أنه يغسل ويصلى عليه، وإن لم يتحرك ولم يختلج ولم يكن منه ما يدل على الحياة. فإن لم يبلغ اربعة اشهر فلا يصلى عليه اتفاقا ولا يغسل على المذهب. وإن بلغ اربعة أشهر فالصحيح ¬

(¬1) انظر ص 236 ج 1 - ابن ماجه (الصلاة على الطفل) وص 8 ج 4 بيهقى (السقط يغسل ويكفن). (¬2) انظر ص 145 ج 2 تحفة الأحوذى (ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل). (¬3) انظر ص 145 ج 2 تحفة الأحوذى (ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل). (¬4) (بلا جناية) أما لو نزل بجناية بأن ضرب شخص بطن امرأة فالقت جنينا ميتا فإنه يرث بأن مات ابوه قبل انفصاله ويورث ما وجب فيه وهو الغرة لأنه فى حكم الحى. والغرة (بضم فشد الراء) نصف عشر الدية - خمس من الإبل أو خمسمائه درهم - وتمامه بصفحة 123 وما بعدها من إرشاد الرائض (الحمل). (¬5) انظر ص 173 ج 1 صغير الدردير.

أنه يجب غسله ولا تجوز الصلاة عليه (وقال) أحمد: من لم يستهل إذا كان له اربعة أشهر غسل وصلى عليه. وقد صلى على ابن بنته ولد ميتا. ويدل له عموم ما روى المغيرة بن شعبة أن صلى الله عليه وسلم قال: والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة. أخرجه أحمد وابو داود والحاكم وصححه (¬1). {574} (قال) الترمذى: والعمل عليه عند بعض أهل العلم قالوا: يصلى على الطفل وإن لم يستهل بعد أن يعلم أنه خلق، وهو قول أحمد وإسحاق (¬2). (فاما) من لم يكن له اربعة اشهر، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولف فى خرقة ويدفن. فإن لم يتبين أهو ذكر أم أنثى؟ سمى باسم يصلح للذكر والأنثى كسلمة وقتادة وهند وعتبة، وهذا مستحب (لحديث) ابى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سموا أسقاطكم فإنهم من افراطكم. أخرجه ابن عساكر وحسنه السيوطى (¬3). {575} (18) الصلاة على المقتول: القتيل فى حد أو قصاص يجب أن يغسل ويصلى عليه عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور (لحديث) عبد الله بن بريدة عن ابيه أن أمرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أنى قد فجرت قال: ارجعى. فرجعت، فلما كان الغد اتت فقالت: لعلك أن تردنى كما رددت ¬

(¬1) انظر ص 207 ج 7 - الفتح الربانى (الصلاة على الصغير والسقط) وص 11 ج 9 - المنهل العذب المورود (المشى أمام الجنازة). (¬2) انظر ص 145 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬3) انظر رقم 4713 ص 113 ج 4 فيض القدير للمناوى (والأفراط) جمع فرط بفتحتين وهو من يتقدم القوم ليهيئ لهم منازل الآخرة ومقامات الأبرار. " وأما " خبر: أن عائشة اسقطت من النبى صلى الله عليه وسلم سقطا فسماه عبد الله وكناها به " فلا يصح ".

ما عز بن مالك فوالله إنى لحبلى (الحديث) وفيه: فأمر بها فحفر لها وأمر بها فرجمت. وكان خالد بن الوليد فيمن يرجمها وسبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا خالد فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " وأمر بها فصلى عليها ودفنت. أخرجه أحمد ومسلم وابو داود (¬1). {576} والأحاديث فى هذا كثيرة. (قال) مالك: يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة على من قتل فى حد زجرا للناس لئلا يجترثوا على مثل فعله. (ولقول) ابى بشر: حدثنى نفر من أهل البصر عن ابى برزة الأسلمى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ما عز بن مالك، ولم ينه عن الصلاة عليه. أخرجه وابو داود والبيهقى (¬2). {577} (وحديث) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رجلا من اسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا (الحديث) وفيه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ولم يصل عليه. أخرجه وابو داود والنسائى (¬3) {578} (وأجاب) الجمهور: (أ) عن حديث ابى بشر بأنه ضعيف لأن فى سنده مجاهيل. (ب) وعن حديث جابر بأن قوله فيه ولم يصل عليه. أى حين رجم فلا ينافى أنه صلى الله عليه وسلم بعد (فقد) روى ابو أمامه بن ¬

(¬1) انظر ص 202 ج 11 نووى (حد الزنا) وص 152 ج 9 عون المعبود (المرأة التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها). (¬2) انظر ص 18 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصلاة على من قتلته الحدود) وص 19 ج 4 بيهقى. (¬3) انظر ص 216 ج 7 - الفتح الربانى (هل يصلى الإمام على من قتل فى حد؟ ) وص 256 ج 4 عون المعبود (رجم ماعز) وص 278 ج 1 مجتبى (ترك الصلاة على المرجوم).

سهل بن حنيف فى قصة ماعز قال: فقيل: يا رسول الله أتصلى عليه؟ قال: لا فلما كان من الغد قال: صلوا على صاحبكم، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلموالناس. أخرجه عبد الرازق (¬1). {579} فهذا الخبر يجمع بين الروايات. فتحمل رواية نفى الصلاة على أنه لم يصل عليه حين رجم ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه فى اليوم الثانى وايضا فإن رواية الإثبات أقوى لأنها من رواية الصحيح. (19) الصلاة على العضاة: العصاة جمع عاص وهو من ارتكب ما يغضب الله تعالى كالباغى وقاطع الطريق ومن يسمى فى الرض بالفساد وقاتل نفسه متعمدا والكلام عليهم من جهة الصلاة ينحصر فى اربعة أقسام: (أ) من قتل من البغاة وقطاع الطريق ومن يعثو فى الأرض فسادا يغسل - فرقا بينه وبين الشهيد - يكفن ويدفن بلا صلاة عليه إهانة له عند الحنفيين (فقد) روى عن على رضى الله عنه أنه لم يصل على أهل نهروان. فقيل له: أكفار هم؟ فقال: لا، ولكن هم إخواننا بغوا علينا. اشار إلى أنه ترك الصلاة عليهم إهانة لهم ليكون زجرا لغيرهم. وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضى الله عنهم ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا (¬2). (وقال) الشافعى وأحمد: يصلى على العصاة لأنهم مسلمون قال تعالى: " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا ¬

(¬1) انظر ص 107 ج 12 فتح البارى (الرجم بالمصلى). (¬2) انظر ص 312 ج 1 بدائع الصنائع. و (نهروان) - بفتح فسكون - مدينة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقى. كان بها وقعة لعلى رضى الله عنه مع الخوارج. انظر ص 347 ج 8 معجم البلدان

الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه " (¬1). (وروى) مكحول عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر. أخرجه البيهقى وقال: مكحول لم يسمع من ابى هريرة ومن دونه ثقات. وقال الحاكم: هذا حديث منكر (¬2). {580} (وقال) البيهقى: قد روى - فى الصلاة على كل بر وفاجر والصلاة على من قال: لا إله إلا الله - أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما روى فى هذا الباب حديث مكحول عن ابى هريرة. (قال) مالك: لا يصلى الإمام وأهل الفضل على العصاة. (وإذا) قتلت البغاة رجلا من أهل العدل كفن فى ثيابه الصاحلة للكفن وصلى عليه بلا غسل عند الحنفيين لأنه شهيد (وقال) مالك والشافعى: يجب غسله والصلاة عليه وهو رواية عن أحمد (وعنه) أنه لا يغسل ولا يصلى عليه (¬3). (ب) ولا يصلى على من قتل نفسه متعمدا عند ابى يوسف والأوزاعى (لحديث) جابر بن سمرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وحسنه والبيهقى (¬4). {581} (وقال) البيهقى: قد روينا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلى أنه صلى الله ¬

(¬1) الحجرات: 9 (¬2) انظر ص 19 ج 4 بيهقى (الصلاة على من قتل نفسه). (¬3) انظر ص 267 ج 5 مجموع النووى. (¬4) انظر ص 47 ج 7 نووى مسلم (ترك الصلاة على قاتل نفسه) وص 279 ج 1 مجتبى. وص 191 ج 2 تحفة الأحوذى (من يقتل نفسه لم يصل عليه) وص 19 ج 4 بيهقى (الصلاة على من قتل نفسه غير مستحل لقتلها) (والمساقص) جمع مشقص- كمنبر - نصل عريض أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش أو غيره.

عليه وسلم إنما قال ذلك ليحذر الناس بترك الصلاة عليه فلا يرتكبوا كما ارتكب. (وقال) الترمذى: قد اختلف اهل العلم فى هذا، فقال بعضهم يصلى على كل من صلى للقبلة وعلى قاتل النفس وهو سفيان الثورى وإسحاق. (وقال) أحمد: لا يصلى الإمام على قاتل النفس ويصلى عليه غير الإمام وكذا الخائن فى الغنيمة (لحديث) زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه أن رجلا من المسلمين توفى بخيبر وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذى بهم قال: إن صاحبكم غل فى سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوى درهمين. أخرجه أحمد وابو داود والنسائى وابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {582} (وقال) النعمان ومحمد بن الحسن ومالك والشافعى: يصلى على قاتل النفس والغال الإمام وغيره كسائر العصاة لعموم الأدلة على طلب صلاة الجنازة. (وأجابوا) عن حديث جابر بن سمرة وزيد بن خالد بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغال عقوبة لهما وزجرا للناس عن الوقوع فى مثل ذنبهما كما ترك الصلاة على الدين زجرا للناس عن التساهل فى الدين وإهمال الوفاء به. ولما اتسعت الفتوحات وكثر المال صار يصلى على المدين ويسدد دينه كما تقدم. (جـ) سائر العصاة غير من تقدم يصلى عليهم اتفاقا لعموم الأدلة. ¬

(¬1) انظر ص 121 ج 7 - الفتح الربانى (ترك الإمام الصلاة على الغال ونحوه) وص 20 ج 3 عون المعبود (تعظيم الغلول) وص 278 ج 1 مجتبى (الصلاة على من غل) وص 102 ج 2 - ابن ماجه (الغلول (وغل) بفتح فشد أى خان فى الغنيمة قبل القسمة وهو محرم بالإجماع.

(قال) ابن سيرين: ما أعلم أن احد من أهل العلم ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تاثما (¬1). (وقال) ابو غالب: قلت لبى أمامه: الرجل يشرب الخمر فيموت يصلى عليه؟ قال: نعم، لعله اضطجع على فراشه مرة فقال لا إله إلا الله، فغقر له بها أخرجهما ابن ابى شيبه (¬2). (فإذا قتل) أو مات تارك الصلاة غسل وكفن وصلى عليه ودفن فى مقابر المسلمين كما يفعل بسائر اصحاب الكبائر على الصحيح عند الأئمة (وقال) بعض الشافعية: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويطمس قبره تغليظا عليه وتحذيرا من حاله وهو قول ضعيف ليس عليه من دليل (¬3). (قال) أحمد: من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا نصلى عليه وندفنه كما يصلى على ولد الزنا وعلى الزانية (وسئل) عمن لا يعطى زكاة ماله فقال: يصلى عليه، ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل والغال. وبهذا قال الأئمة الأربعة وغيرهم (¬4). (وأما) قول ابى قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعى لجنازة سال عنها فإن اثنى عليها خير قام فصلى عليها وإن أثنى عليها غير ذلك قال لأهلها: شأنكم بها ولم يصل عليها. أخرجه أحمد بسند صحيح (¬5). {583} (فمحمول) على المنافقين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن بالمدينة ¬

(¬1) (تأثما) أى خوفا من الوقوع فى الإثم. (¬2) انظر ص 213 ج 7 - الفتح الربانى (الشرح) (¬3) انظر ص 268 ج 5 مجموع النووى (¬4) انظر ص 419 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬5) انظر ص 213 ج 7 - الفتح الربانى (ترك الإمام الصلاة على الغال وقائل نفسه ونحوهما).

منافقين والله امره بعدم الصلاة عليهم بقوله: " وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً " (¬1)، لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سال عنها، فإن ذكرت بخير صلى عليها، وإن ذكرت بشر قال لأهلها: شأنكم بها ولم يصل عليها. وإنما قلنا ذلك لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ترك الصلاة على مسلم غير الغال وقاتل نفسه وكذا المدين في أول الأمر. (د) المبتدعة والخوارج: (قال) الحنفيون والشافعي: يصلى عليهم كغيرهم من المسلمين لعموم الأدلة (وقال) أحمد: لا اشهد الجهمية ولا الرافضة (¬2) (ويشهدهم من شاء 0 وقال) الفريابى: من شتم أبا بكر فهو كافر لا أصلي عليه. (وقال) أحمد: أهل البدع لا يعادون إن مرضوا ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا، وبهذا قال مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة لأقل من هذا وهو الدين والغلول فأولى أن تترك الصلاة به (¬3). (وروى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه والترمذى وحسنه وكذا ابن ماجة عن جابر وزاد: وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم (¬4). {584} (وقال) ابن حزم ك يصلى على كل مسلم بر أو فاجر مقتول في حد ¬

(¬1) التوبة: 84 (¬2) (الجهمية) هم اصحاب جهم بن صفوان. يقولون ك لا قدرة للعبد اصلا ولو كسا بل العبد بمنزلة الجماد. وأن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقى إلا الله. (والرافضة) شرذمة شغلت نفوسها بالخروج عن حد الاستقامة ولعن ابى بكر وعمر رضى الله عنهما وتكفيرهما والتبرؤ منهما. (¬3) انظر ص 419 ج 2 مغنى ابن قدامة (¬4) انظر ص 140 ج 1 - الفتح الربانى (هجر المكذبين بالقدر) وص 222 ج 4 عون المعبود (القدر) وص 25 ج 1 - ابن ماجه

أو في حرب أو في بغى يصلى عليهم الإمام وغيره. وكذا على المبتدع مالم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه أو غيره إذا مات مسلما لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: صلوا على صاحبكم. فمن منع من الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما وإن الفاسق لأحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم. (20) ما يفسد صلاة الجنازة: تفسد بما يفسد به سائر الصلوات من الكلام ونحوه والحدث والأكل والشرب والعمل الكثير والتحول عن القبلة وترك شرط من شروطها أو ركن من أركانها بلا عذر على ما تقدم بيانه في مبطلات الصلاة (¬1)، غبر أن الحنفيين قالوا: (أ) إن محاذاة المرأة للرجل لا تبطل صلاة الجنازة وإن أبطلت غيرها على ما تقدم في بحث (وقوف المرأة في صف الرجال) (¬2). (ب) القهقهة في صلاة الجنازة لا تنقص الطهارة، لأن القهقهة عرفت حدثا بالنص الوارد في صلاة مطلقة فلا يجعل واردا في غيرها (¬3)، لكن لو سبقه الحدث في صلاة الجنازة يبنى وإن عرف البناء بنص وارد في صلاة مطلقة. والفرق: (أ) أن القهقهة جعلت حدثا لقبحها في الصلاة وقبحها يزداد بزيادة حرمة الصلاة، ولا شك أن حرمة الصلاة المطلقة فوق حرمة صلاة الجنازة. فكان قبحها في الصلاة المطلقة فوق قبحها في صلاة الجنازة فجعلها حدثا هناك لا يدل على جعلها حدثا هنا. (ب) وكذا المحاذاة جعلت مفسدة في الصلاة تعظيما لها ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 4 - الدين الخالص (¬2) تقدم أن الراجح القول بعدم فساد صلاة الرجل بمحاذاة المرأو. انظر ص 145 وما بعدها ج 3 - الدين الخالص. (¬3) تقدم أن الراجح نقض الوضوء بالقهقهة فى الصلاة. انظر ص 259 وص 260 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية.

وليست صلاة الجنازة مثل تلك في التعظيم بخلاف البناء لأن الجواز وتحمل المشي في أعلى العبادتين يوجب في أدناهما (¬1). (فائدة) في الشهادة للميت وعليه: يجوز الثناء على الميت مطلقا (¬2)، ويجوز ذكر مساوئ المنافق والمجاهر بالفسق والبدعة للتحذير من طريقهم والتنفير من التخلق بأخلاقهم (لقول) أنس: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت. فقال عمر: فذاك أبي وأمي، مر بجنازة فأثنى عليها خيرا فقلت وجبت ثلاثا، ومر بجنازة فاثنى عليها شرا فقلت وجبت ثلاثا؟ فقال: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن اثنتيم عليه شرا وجبت له النار. انتم شهداء الله في الأرض ثلاثا. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقى (¬3). {585} المخاطب في هذا الحديث الصحابة ومن على شاكلتهم من المؤمنين الصالحين. (وروى) ثابت البنانى عن أنس قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر ص 316 ج 1 بدائع الصنائع (ما تفسد به صلاة الجنازة). (¬2) أما الحى فإنه منهى عن الثناء عليه اذا افضى إلى الإطراء خشية عليه من العجب والفخر. (¬3) انظر ص 40 ج 8 - الفتح الربانى (ثناء الناس على الميت) وص 148 ج 3 فتح البارى. وص 18 ج 7 نووى. وص 273 ج 1 مجتبى (الثناء) وص 75 ج 4 بيهقى (وجبت) فى رواية أحمد ومسلم: وجبت ثلاثا. وأنتم شهداء الله فى الأرض ثلاثا للتأكيد والاهتمام. والمراد بوجوب الجنة استحقاقها وثبوتها لذى الخير بمحض فضل الله تعالى، لأن الثواب من فضل الله تعالى والعقاب عدل منه. وذكر الثناء فى جانب الشر مشاكلة وإلا فالثناء لا يستعمل إلا فى الخير واستعماله فى الشر شاذ.

بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال: وجبت. ثم مر بأخرى فاثنوا عليها شرا فقال وجبت. فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت؟ قال: شهادة القوم، المؤمنون شهداء الله في الأرض. أخرجه البخاري (¬1). {586} فالمعول عليه في ذلك شهادة أهل الفضل والصلاح والصدق والأمانة بخلاف الفسقة لأنهم قد يذكرون أهل الفسق بالخير وأهل الفضل والصلاح بالشر فليسوا داخلين في هذا الحديث. ومصداقه قول الله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا " (¬2) أي جعلناكم عدولا خيارا تشهدون على غيركم من الأمم ويكون الرسول مزكيا لكم مبينا عدالتكم. ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مساوئ الميت - مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات كما يأتي - لأن النهى عن سبهم إنما هم المؤمنون الصالحون. أما المنافقون والمجاهرون بالفسق فيجوز سبهم للتحذير من التخلق بأخلاقهم (والظاهر) أن الذي اثنوا عليه شرا كان من المنافقين كما تقدم عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي أثنوا عليه شرا وصلى على الآخر (¬3). (ويحتمل) أمران آخران: (أ) أن الذي كان يحدث عنه الشر كان مجاهرا به فيكون من باب: لا غيبة لفاسق. (ب) يحمل النهى على ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 5 فتح البارى (تعديل كم يجوز؟ ) و (شهادة القوم) مبتدأ خبره محذوف تقديره مقبولة أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه شهادة القوم. و (المؤمنون) مبتدأ خبره (شهداء الله) (¬2) البقرة: 143. (¬3) انظر ص 149 ج 3 فتح البارى (ثناء الناس على الميت) وحديث ابى قتادة تقدم رقم 583 ص 421.

ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه (¬1). (وقال) أبو السود الدولي: أتيت المدينة وقد وقع فيها مرض - فهم يموتون موتا ذريعا - فجلست إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فمرت به جنازة فاثنى على صاحبها خير، فقال عمر: وجبت. ثم مر بأخرى فأثنى على صاحبها خير، فقال عمر: وجبت ثم مر بالثالثة فأثني عليها شر، فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة. قلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد ". أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقى والترمذى وقال: حسن صحيح (¬2). {587} ففي هذه الأحاديث تزكية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وأن لشهادة المؤمنين مدخلا في نفع المشهود له وضرر المشهود عليه. وللعلماء في ذلك قولان: (أ) أن هذا الثناء بالخير من أهل الفضل خاص بمن كان ثناؤهم مطابقا لفعاله فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث. ¬

(¬1) انظر ص 166 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من سب الأموات) (¬2) انظر ص 43 ج 8 - الفتح الربانى (ثناء الناس على الميت) وص 149 ج 3 فتح البارى. وص 273 ج 1 مجتبى (الثناء) وص 75 ج 4 بيهقى. وص 158 ج 2 تحفة الأحوذى (الثناء الحسن على الميت) و (ابو الأسود) اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان. و (خير) بالرفع نائب فاعل أثنى وهو المختار. وفى اصول البخارى. خيرا وشرا بالنصب. ووجهه بعضهم بأن الجار والمجرور اقيم مقام الفاعل وخيرا مقام المفعول وهو جائز وإن كان المشهور عكسه. وقال النووى: منصوب بنزع الخافض أى أثنى عليه بخير. وقول عمر لكل منهما وجبت قاله بناء على اعتقاده صدق الوعد المستفاد من قوله صلى اله عليه وسلم: أدخله الله الجنة. أما اقتصار عمر على ذكر من شهد له بالخير فهو للاختصار. وعرف من القصة أن المثنى على كل من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد. أنظر ص 149 ج 3 فتح البارى.

(ب) الصحيح المختار أنه على عمومه وأن كل مسلم مات فألهم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه علمنا بذلك أن الله تعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء (¬1). وهذا في جانب الخير واضح (ويؤيده) حديث ثابت عن انس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ط ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأذنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى: قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون ". أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2). {588} (وأما) جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك. لكن ذلك في حق من غلب شره على خيره. (ويؤيده) ما في حديث أنس قال: " كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بجنازة فقال: ما هذه؟ قالوا: جنازة فلان كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة أخري قالوا: جنازة فلان كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت. قالوا: يا رسول الله، قولك في الجنازة وجبت وجبت وجبت؟ فقال: نعم يأبا بكر، إن لله ملائكة تنظق على لسان بنى آدم بما في المرء من الخير والشر ". أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬3). {589} ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 7 نووى مسلم (¬2) انظر ص 45 ج 8 - الفتح الربانى (ثناء الناس على الميت). (¬3) انظر ص 48 ج 3 - الفتح الربانى (ثناء الناس على الميت).

وفى هذه الأحاديث أيضا دليل: (أ) على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة ولا بعد ذلك غيبه. (ب) وعلى نجاة من يشهد له الصالحون بالخير، ومحله إذا شهدوا بما يعلمون بحسب ظاهر حاله (وأما) ما اعتاده كثير من أهل الزمن من قول بعضهم بعد الصلاة على الميت: ما تشهدون فيه؟ فيقولون: هو من أهل الخير والصلاح - وإن لم يكن كذلك - فهو بدعة ذميمة أوقعت كثيرا من الناس في شهادة الزور مخالفة لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح. فقد علمت أنهم كانوا يشهدون بلا سؤال بما يعلمون في الميت: من خير أو شر. أما أهل زماننا فقد ابتدعوا السؤال وقد يشهدون زورا لأنهم لا يفرقون بين الصالح والطالح. فهم آثمون في ذلك، فعلى العاقل اجتناب ذلك والتأسى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه وسلف الأمة الصالحين وليهتد بهديهم. فالخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع، قال تعالى: " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً " (¬1) " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (¬2) (خاتمة) في سب الأموات - علمت أنه يجوز سب الميت الكافر والمنافق والمجاهر بالفسق والبدعة. أما المؤمن الصالح والفاسق غير المجاهر فيحرم سبه حيا وميتا. وعليه يحمل النهى الوارد في الأحاديث (كحديث) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقى (¬3). {590} ¬

(¬1) النساء: 115. (¬2) الأنعام: 153. (¬3) انظر ص 48 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن سب الأموات) وص 274 ج 1 مجتبى. وص 75 ج 4 بيهقى. و (افضلوا) أى وصلوا إلى جزاء ما قدموا من خير أو شر فلا يفيد سبهم.

(وحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا. أخرجه أحمد بسند جيد (¬1). {591} (وحديث) عمران بن أنس المكي عن عطاء عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى والترمذى وقال: حديث غريب سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: عمران بن أنس منكر الحديث. وقال العقيلى: لا يتابع على حديثه (¬2). {592} فهذه الأحاديث تدل بظاهرها على منع سب الأموات مطلقا. لكن هذا العموم مخصوص بغير الكافر والمنافق. فإن المؤمن الفاسق وإن جاز ذكر مساوية حال حياته ليجتنبها ويحذره الناس لا يجوز ذكرها بعد وفاته، إذ لا فائدة فيه حينئذ، خصوصا مع احتمال أنه مات تائبا. (ولذا) قال الجمهور: لا يجوز لعن يزيد بن معاوية والحجاج الثقفي وغيرهما ممن كثر شره والميت الذي ذكر بالشر عند النبي صلى الله عليه وسلم كان من المنافقين لما تقدم في رواية الحاكم أنه كان يبغض الله ورسوله. (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 49 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن سب الأموات) (فتؤذوا) أى فيتسبب عن الأموات أذية الأحياء من قرابتهم وليس هذا قيدا فى النهى فلا يجوز سب الأموات وإن لم يكن لهم قريب أو كان ولا يتأذى بسبهم أو لم يبلغه، لأن علة النهى المرحمة قطعا. (¬2) انظر ص 275 ج 4 عون المعبود (النهى عن سب الموتى) وص 75 ج 4 بيهقى (والمساوى) جمع مسوى - بفتح الميم والواو - مصدر ميمى وصف به ثم جمع. أو اسم مكان. (¬3) انظر رقم 589 ص 427

(د) حمل الجنازة

(د) حمل الجنازة هو فرض كفاية بالإجماع وليس في حملها دناءة وسقوط مروءة، بل هو بر وطاعة وإكرام للميت، فعله الصحابه والتابعون ومن بعدهم من أهل الفضل والعلم ثم الكلام هنا ينحصر في سنة مباحث: (1) من يحملها: إنما يحملها الرجال سواء أكان الميت ذكرا أم أنثى لأن النساء يضعفن عن الحمل وربما انكشف منهن شيء لو حملن. (ولحديث) أبي سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها لصعق. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقى (¬1). [593] ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 8 - الفتح الربانى (حمل الجنازة) (، وص 119 ج 3 فتح البارى 0 قول الميت وهو على الجنازة قدمونى)، وص 270 ج 1 مجتبى (السرعة بالجنازة) وص 21 ج 4 بيهقى (المشى بالجنازة)، (وضعت الجنازة) اى جعل الميت على السرير لقوله فى الحديث: فإن كانت صالحة (ويؤيده) حديث ابى هريرة مرفوعا: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال قدمونى (الحديث أحمد والنسائى. انظر ص 6 ج 8 - الفتح الربانى (حمل الجنازة) وص 270 ج 1 مجتبى والقائل الروح والحسد ز و (يسمع صوتها) يدل على أنه قول بلسان المقال لا بلسان الحال. و (يا ويلها) أى يا حزنها وأضافة إلى ضمير الغائب حملا على المغنى كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه (ويؤيده) ما فى حديث ابى هريرة السابق: وإذا وضع الرجل السوء على سريرة قال يا ويله اين تذهبون بى ويحتمل أنه لما ابصر نفسه غير صالحة تفرعنها وجعلها كأنها غيره (ولو سمعها) أى سمع صوت النفس السوء (لصعق) من باب تعب أى لغشى عليه من شدة ما يسمعه من الدعاء بالويل فغنه يصحح بصوت منكر. وهذا بالنسبة للميت السوء. وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق فى الكلام فلا يصعق من يسمع كلامه أن يحصل الصعق من كلام الصالح لكونه غير مألوف (وقد) روى ابن منده الحديث بلفظ ك لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسئ (فإن قيل) ورد فى حديث السؤال فى القبر: فضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعها كل شئ إلا الثقلين .. وفى حديث الباب استثنى الإنسان فقط (والجواب) (أن كلام الميت لا يقتضى الصعق إلا من الآدمى لكونه لم يالف سماع كلام الميت بخلاف الجن. وأما صيحة المضروب فى القبر فإنها غير مالوفة للانس والجن جميعا. انظر ص 12 ج 3 فتح البارى 0 قول الميت وهو على الجنازة قدمونى)

قال واحتملها الرجال، ولم يقل: واحتملت. فدل على تخصيص الرجال بحملها (أصرح) من هذا في منعهن من الحمل (حديث) انس قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة فقال: أتحملنه؟ قلن: لا. قال: أتدفنه؟ قلن: لا. قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات. أخرجه أبو يعلى وفيه الحارث بن زياد ضعيف (¬1). {594} ولأن الجنازة لا أن يشبعها الرجال، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيؤدى إلى الفتنة (¬2). (2) كيفية حمل الجنازة: يسن أن يحملها أربعة من الرجال إن كان الميت كبيرا فيكره كون الحامل اقل من ذلك والحمل على الدابة والظهر ونحوه مما لا إكرام فيه. وأما الصغير فلا باس أن يحمله واحد. (ويسن) أن يبدأ الحامل بمقدم الجنازة يضعه على كتفه الأيمن ثم يضع مؤخرها عليه ثم يضع مقدمها على يساره ثم مؤخرها على يساره (لقول) ابن مسعود رضى الله عنه: " إذا تبع أحدكم الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الاربعة ثم ليتطوع بعد أو يذر فإنه من ¬

(¬1) انظر ص 118 ج 3 فتح البارى (حمل الرجال الجنازة دون النساء) وص 28 ج 3 مجمع الزوائد - (اتباع النساء الجنائز). (¬2) انظر ص 118 ج 3 فتح البارى.

السنة ". أخرجه البيهقى وابن ماجة وأبو داود الطيالسى بسند رجاله ثقات وهو موقوف في حكم المرفوع لقوله: فإنه من السنة (¬1). {595} (وعن) أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حمل جوانب السرير الأربع كفر الله عنه أربعين كبيرة ". أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه: على بن أبى سارة وهو ضعيف (¬2). {596} (وبهذا) قال الحنفيون وروى عن أحمد والشافعي. وعن أحمد أنه يدور على السرير فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة (ومشهور) مذهب الشافعي أن الأفضل أن يحمل بين العمودين (لحديث) إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: " رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائما بين العمودين المقدمين واضعا السرير على كاهله " أخرجه الشافعي والبيهقى (¬3). {597} (هذا) ويحرم حمل الجنازة على هيئة مزرية كحملة في قفة وغرارة وعلى هيئة يخاف منها سقوطه. فإن خيف تغيره قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه فلا باس أن يحمل على الأيدي والرقاب حتى يوصل إلى القبر (¬4). (فائدة) يطلب ستر سرير المرأة بمكبة توضع فوق النعش، وتغطى بثوب لتستر المرأة عن أعين الناس. والصحيح أن أول من اتخذ لها نعش مستور فاطمة الزهراء. ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 4 بيهقى (حمل الجنازة) وص 232 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فى شهود الجنائز) (¬2) انظر ص 26 ج 3 مجمع الزوائد (حمل السرير). (¬3) انظر ص 20 ج 4 بيهقى (من حمل الجنازة فوضع السرير على كاهله بين العمودين). (¬4) انظر ص 270 ج 5 مجموع النووى

(روت) أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا سماء إني قد استفتحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء: ألا أريك شيئا رايته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا. فقالت فاطمة رضى الله عنها: ما أحسن هذا وأجمله؟ يعرف به الرجل من المرأة، وأوصت أن يتخذ لها ذلك، ففعلوه " أخرجه البيهقى (¬1). {598} (وأما) ما قيل من أن أول ما اتخذ ذلك في جنازة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمر بذلك (فباطل) غير معروف (قال) النووي: نبهت عليه لئلا يغتر به (¬2). (3) كيفية السير في الجنازة: يسن لحامليها الإسراع بها إسراعا وسطا لا يضطرب معه الميت على النعش ولا يحصل منه مشقة على الحامل أو المشيع (لحديث) سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرا تقدمونها إليه، وإن تك سوى بذلك ¬

(¬1) انظر ص 34 ج 4 بيهقى (ما ورد فى النعش للنساء) وتقدم الحديث تاما بهامش رقم 528 ص 384 (سنن صلاة الجنازة). (¬2) انظر ص 271 ج 5 مجموع النووى، ولعل مستند هذا القائل (ما روى) عن اسماء بنت عميس أن ابنة للنبى صلى الله عليه وسلم توفيت، وكانوا يحملون الرجال والنساء على الاسرة سواء فقالت يارسول الله: إننى كنت بالحبشة وهم يجعلون للمرأة نعشا فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شئ من خلقها أفلا أجعل لابنتك نعشا مثله؟ فقال: اجعليه فهى (أى اسماء) (اول من جعل نعشا فى الإسلام لرقية بنت النبى صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفيه خلف بن راشد وهو مجهول انظر ص 26 ج 3 جمع زوائد 0 ستر سرير المراة).

فشر تضعونه عن رقابكم " أخرجه السبعة والبيهقى (¬1). {599} (وقال) عطاء: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعونها ولا تزلزلوها " أخرجه أحمد ومسلم (¬2). {600} (وروى) عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشى مشيا خفيفا فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه فقال: " لقد رايتنا ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم نرمل رملا ". أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقى والحاكم بأسانيد صحيحة (¬3). {601} (وهذا) مستحب باتفاق العلماء. وشذ ابن حزم فقال بوجوب الإسراع بالجنازة. وهو عند بعض السلف والحنفيين المشي بها مسرعين دون الخبب (¬4). (وقال) الشافعي والجمهور: المراد بالإسراع ما فوق المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد. ومال القاضي عياض إلى نفى الخلاف فقال: من استحب الإسراع أراد الزيادة على المشي المعتاد من كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل (¬5). (4) تشييع الجنازة: تشييعها فرض كفاية بالسنة وإجماع الأمة (روى) ¬

(¬1) انظر ص 7 ج 8 - الفتح الربانى (حمل الجنازة والإسراع بها) وص 119 ج 3 فتح البارى (الشرعة بالجنازة) وص 12 ج 7 نووى. وص 11 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 270 ج 1 مجتبى. وص 232 ج 1 - ابن ماجه (شهود الجنازة) وص 138 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 21 ج 4 بيهقى. (¬2) انظر ص 4 ج 8 - الفتح الربانى (حمل الجنازة والإسراع بها) (والزعزعة والزلزلة) الحركة الشديدة. (¬3) انظر ص 13 ج 9 - المنهل العذب المورود (الإسراع الجنازة) وص 271 ج 1 مجتبى. وص 22 ج 4 بيهقى. وص 445 ج 3 مستدرك. و (ابو بكر) بقيع (بالتصغير) ابن الحارث. و (نرمل) من باب طلب أى نسير سيرا فوق المعتاد ودون الهرولة. (¬4) (الخبب) بفتحتين خطو فسيح دون (العنق) بفتحتين وهو شدة الإسراع فى السير. (¬5) انظر ص 119 ج 3 فتح البارى (السرعة بالجنازة).

أبو سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عودوا المريض وامشوا مع الجنازة تذكركم الآخرة ". أخرجه أحمد البزار بسند رجاله ثقات (¬1). {602} (وقد) ورد في فضل تشييع الجنازة أحاديث تقدم بعضها في (فضل الصلاة على الميت) (¬2) فيستحب للرجال اتباع الجنازة حتى تدفن، وهو مجمع عليه هذا، ويجوز المشي أمامها وخلفها وحيث شاء (لحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنتم مشيعون فامشوا بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها وقريبا منها " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية. وذكره البخاري معلقا (¬3). {603} والأفضل عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور المشي أمامها (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة ". أخرجه أحمد والأربعة (¬4). {604} (وفى) رواية لأحمد عن ابن عمر وعثمان رضى الله عنهم (وحكمه) ذلك أن المشبع شفيع والشفيع يتقدم المشفوع له. وقد ورد في هذا آثار (منها) قول أبى حازم: " رأيت أبا هريرة والحسن بن على رضى الله عنهما يمشيان أمام الجنازة " أخرجه البيهقى (¬5). (وقول) أبي حازم: " رأيت عبد الله بن عمر وحسن بن على وابن الزبير يمشون أمام الجنازة حتى وضعت " أخرجه البيهقى (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 3 مجمع الزوائد (اتباع الجنازة) (¬2) انظر ص 352 وما بعدها. (¬3) انظر ص 300 ج 3 تيسير الوصول (تشييع الجنازة) وص 118 ج 3 فتح البارى (السرعة بالجنازة) (¬4) انظر ص 15 ج 8 - الفتح الربانى (المشى أمام الجنازة وخلفها) وص 10 ج 9 - المنهل العذب المورود وص 275 ج 1 مجتبى (مكان الماشى من الجنازة) وص 127 ج 2 تحفة الأحوذى وص 233 ج 1 - ابن ماجه (شهود الجنازة). (¬5) انظر ص 24 ج 4 بيهقى (المشى أما الجنازة). (¬6) انظر ص 24 ج 4 بيهقى (المشى أما الجنازة).

(وقال) الحنفيون والأوزاعى: الأفضل المشي خلفها (لقول) البراء بن عازب رضى الله عنه: " امرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وعيادة المريض " (الحديث أخرجه الشيخان والنسائي (¬1). 605} والمتبع هو الماشي خلف لا المتقدم (وروى) مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة قربان وإن قربان هذه الأمة موتاها فاجعلوها موتاكم بين أيديكم ". أخرجه ابن أبي شيبه بسند صحيح مرسلا (¬2). {606} وتقدم أحاديث كثيرة - معظمها قوى بالغ القوة وغالب أسانيدها صحاح وحسان ورجالها ثقات - تدل على أن الأفضل اتباع الجنازة والمشى خلفها. ومنه تعلم أنه لا وجه لقول البيهقى: أحاديث المشي خلفها كلها ضعيفة (ومما) ورد في هذا (قول) طاوس: " ما مشى النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات إلا خلف الجنازة " أخرجه عبد الرازق وهو صحيح مرسل (¬3). {607} (وعن) ابن عمرو أن أباه قال: " إذا أنت حملتني على السرير فامش مشيا بين المشيين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبنى آدم " أخرجه ابن أبى شيبه (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 3 فتح البارى (الأمر باتباع الجنائز) وص 31 ج 14 نووى (تحريم الذهب والحرير على الرجل) وص 275 ج 1 مجتبى (الأمر باتباع الجنائز) ولفظ الحديث تاما عند البخارى قال البراء: امنا النبى صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: امرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعى ونصر المظلوم وابرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير والديباج (ما سداه ولحمته حرير) (والقسى 0 بفتح القاف وشد السين مكسورة) نسبة إلى القس قرية قرب دمياط - وهو ثياب مخططة من ثياب الشهرة (انظر هامش ص 249 ج 6 - الدين الخالص) والإستبراق (ما غلظ من الحرير) والمياثر (جمع ميثرة بكسر فسكون 0 غطاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير - كانت تصنعه النساء لأزواجهن من الديباج). (¬2) انظر ص 292 ج 2 نصب الراية (¬3) انظر ص 292 ج 2 نصب الراية (¬4) انظر ص 293 منه.

(وأجابوا) (أ) عن حديث ابن عمر بأنه محمول على بيان الجواز والتسهيل على الناس (فقد) روى زائدة عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه " أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمام الجنازة وكان على رضى الله عنه يمشى خلفها، فقيل لعلى: إنهما يمشيان أمامها، فقال: إنهما يعلمان أن المشي خلفها افضل من المشي أمامها كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا، ولكنهما سهلان يسهلان للناس " أخرجه الطحاوى والبيهقى وابن أبي شيبة وعبد الرازق بسند رجاله ثقات. قال الحافظ: وسنده حسن وهو موقوف له حكم المرفوع (¬1). {608} والمراد أن الناس يتحرزون عن المشي أمامها، فلو اختار أبو بكر وعمر رضى الله عنهما المشي خلفها، أضاف الطريق على مشيعيها (وعن) عبد الله بن يسار عن عمرو بن حريث قلت لعلى بن أبي طالب: ما تقول في المشي أمام الجنازة؟ فقال: المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع. فلت: فإني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمامها. قال: إنهما إنما كرها أن يحرجا الناس ". أخرجه أحمد والطحاوى بسند رجاله ثقات (¬2). {609} (ب) وعن الآثار بأنه لم يصرح في شيء منها بأن المشي أمامها أفضل فتحمل على الجواز. وقد صرح على رضى الله عنها بأن المشي خلفها افضل فكان أولى بالاتباع. (وقال) أبو الدرداء: من تمام أجر الجنازة أن تشيعها من أهلها وتمشى خلفها. (وقال) أبو الدرداء: من تمام أجر الجنازة أن تشيعها من أهلها وتمشى خلفها. (وقال) إبراهيم النخعى: قلت لعلقمة: أيكره المشي خلف الجنازة؟ قال: لا، إنما يكره السير أمامها. أخرجهما ابن أبي شيبة بسندين ¬

(¬1) انظر ص 279 طحاوى. وص 25 ج 4 بيهقى (المشى خلفها) وص 292 ج 2 نصب الراية. وص 119 ج 3 فتح البارى (السرعة بالجنازة). (¬2) انظر ص 15 و 16 ج 8 - الفتح الربانى (المشى أمام الجنازة وخلفها) وص 279 طحاوى

صحيحين (¬1). واقل أحوال ما روينا أنه يدل على أفضلية المشي خلفها. (وقال) أنس بن مالك والثوري: المشي أمامها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها سواء، لما تقدم عن أنس (¬2) (ولحديث) المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الراكب يسير خلف الجنازة والماشى يمشى خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها ". أخرجه أحمد والربعة والبيهقى والطحاوى والحاكم وصححه هو والترمذى (¬3). {610} (وهذا) ولا باس بالركوب لمشيع الجنازة عند الحنفيين. والفضل المشي إلا لعذر لأنه أقرب إلى الخشوع وأليق بالشفاعة (ويكره) للراكب أن يتقدم الجنازة لأنه لا يخلو من ضرر بالناس. (ولقول) النبي صلى الله عليه وسلم: الراكب يسير خلف الجنازة. (وقال) الجمهور: يكره الركوب مع الجنازة إلا لعذر. وحملوا الحديث على حالة الضرورة أو أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالركوب لمن يسير خلفها، إذن في مقابلة المنع فلا ينافى الكراهة المستفادة من إنكاره صلى الله عليه وسلم على من ركب مع الجنازة (فقد) قال ثوبان: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناسا ركبانا على دوابهم فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب ". أخرجه ابن ماجة والبيهقى والترمذى وقال: حديث ثوبان روى عنه موقوفا (¬4). {611} ¬

(¬1) انظر ص 25 ج 4 - الجوهر النقى (المشى خلفها. (¬2) انظر رقم 603 ص 435 (¬3) انظر ص 15 ج 8 - الفتح الربانى. وص 11 ج 9 - المنهل العذب المورود (المشى أمام الجنازة) وص 275 ج 1 مجتبى (مكان الراكب من الجنازة) وص 233 ج 1 - ابن ماجه (شهود الجنائز) وص 144 ج 2 تحفة الأحوذى (الصلاة على الأطفال) وص 25 ج 4 بيهقى (المشى خلفها) وص 278 طحاوى. وص 355 ج 1 مستدرك. (¬4) (انظر ص 232 ج 1 - ابن ماجه 0 شهود الجنائز) وص 23 ج 4 بيهقى (الركوب عند الانصراف من الجنازة) وص 138 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية الركوب خلف الجنازة)

(وأجاب) الحنفيون بأن إنكاره صلى الله عليه وسلم على من ركب إنما كان لأجل مشى الملائكة مع الجنازة. أو إنما أنكر عليهم ترك الفضل وهو المشي إلا لعذر. (وقالت) الشافعية: الفضل للراكب أن يسير أمامها كالماشى. لكن ظاهر حديث المغيرة يرده. (هذا) ويجوز لمشيع الجنازة الركوب حال الرجوع بلا كراهة اتفاقا (لحديث) جابر بن سمرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرسه " أخرجه مسلم والثلاثة والبيهقى. وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {612} (وعن) ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بدابة وهى مع جنازة فأبي أن يركبها. فلما انصرف أتى بدابة فركب فقيل له، فقال: " إن الملائكة كانت تمشى فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت ". أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2). {613} (وجملة القول في هذا البحث أن المشي خلف الجنازة افضل منه أمامها لقوة دليله وأن الراكب لعذر أو غيره يكون خلفها وأن الركوب بعد الانصراف منها جائز بلا كراهة وأن المشي في الجميع أفضل من الركوب إلا لعذر. (5) اتباع النساء الجنازة: لا يجوز لهن اتباع الجنائز لما يقع منهن من الصياح والنياحة ولطم الخدود وإزعاج الميت وتألم الحي (وقد) ورد في هذا ¬

(¬1) انظر ص 32 ج 7 نووى. وص 8 ج 9 - المنهل العذب المورود (الركوب فى الجنازة) وص 284 ج 1 مجتبى (الركوب بعد الفراغ من الجنازة) وص 138 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى ذلك) يعنى فى الركوب خلف الجنازة. وص 22 ج 4 بيهقى. و (ابن) يدالين وحاءين مهملتين ويقال ابو الدحداح وابن الدحداحة. واسمه ثابت كما فى رواية لابن احمد وهو صحابى جليل ابلى بلاء حسنا فى غزوة أحد. (¬2) انظر ص 8 ج 9 - المنهل العذب المورود (الركوب فى الجنازة) وص 23 ج 4 بيهقى (الركوب عند الانصراف من الجنازة).

أحاديث (منها) ما روى حليس بن المعتمر عن أبيه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على جنازة ن فجاءت امرأة بمجمر تريد الجنازة، فصاح بها حتى دخلت في آجام المدينة " أخرجه الطبرانى في الكبير. قال الهيثمى: وحليس لم أجد من ذكره (¬1). {614} (وحديث) محمد ابن الحنفية عن على رضى الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال: هل تحملن؟ قلن: لا، قال: هل تدلين فيمن يدلى؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات. أخرجه ابن ماجة والحاكم وفى سنده دينار عن عمر وثقه وكيع وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدى: متروك. وفيه متروك. وفيه إسماعيل بن سليمان قال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات وقال بخطئ. وباقي رجاله ثقات (¬2). {615} (وحديث) عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن نمشى مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها، فلما توجهنا إلى الطريق وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطنة رضى الله عنها فقال: ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم، فقال: لعلك بلغت معهم الكدى، قالت: معاذ الله أن أكون قد بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر. قال: لو بلغتها ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والنسائي والبيهقى. وفيه ربيعة بن سيف وثقه العجلى وضعفه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ كثيرا (¬3). {616} ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 3 مجمع الزوائد (اتباع النساء الجنائز). (مجمر) كمنبر ما يبخر به من عود وغيره. (وآجام) جمع أجم كعنق وهو الحصن (¬2) انظر ص 246 ج 1 - ابن ماجه (اتباع النساء الجنازة). (¬3) انظر ص 21 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن اتباع الجنازة بنار أو صياح أو نساء) وص 265 ج 8 - المنهل العذب المورود (التعزية) وص 265 ج 1 مجتبى (النعى) وص 77 ج 4 بيهقى (نهى النساء عن اتباع الجنائز) (فرحمت إليهم) أى دعوت لميتهم بالرحمة. (والكدى) بضم ففتح مقصورا جمع كدية كمدية وهى فى الأصل الأرض الصلبة. والمراد هنا المقابر لأنها كانت تحفر فى مواضع صلبة خشية السقوط. و (لو بلغتها) أى لو ذهبت معهم إلى المقابر لا تدخلين الجنة مع السابقين حتىيدخلها جد أبيك يعنى عبد المطلب فإنه من أهل الفترة هم إنما يدخلون الجنة بعد شدة واختبار ولا دلالة فى هذا على ما توهمه بعضهم من أن ارتكاب الكبيرة مؤد إلى الخلود فى جهنم لأنه لومشت امرأة مع جنازة إلى المقابر أو ارتكب أحد كبيرة غير مستحل لها لم يكن ذلك كفرا موجبا للخلود فى النار. وغايته أنه ذنب يعذب عليه مرتكبه ثم يصير إلى الجنة (انظر ص 266 ج 1 زهر الربى).

ولذا قال الحنفيون وأحمد والجمهور: يكره تحريم اتباع النساء للجنازة لظاهر النهى في الأحاديث وإن كان في بعضها ضعف فيقوى بعضها بعضا. ويعضده المعنى - الحادث باختلاف الزمان - الذي أشارت إليه عائشة رضى الله عنها بقولها: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأينا لمنعهن المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (¬1). {617} وهذا في نساء زمانها رضى الله عنها فما ظنك بنساء زماننا. (وقالت) الشافعية: يكره تنزيها خروج النساء مع الجنائز (لقول) أم عطية رضى الله عنها: " نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا ". أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة والبيهقى (¬2). {618} ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 5 - الفتح الربانى (منعهن من الخروج إذا خشى منه الفتنة) وص 238 ج 2 فتح البارى (خروج النساء إلى المساجد) وص 268 ج 4 - المنهل العذب المورود (التشديد فى ذلك) أى فى خروج النساء الى المساجد وص 133 ج 3 بيهقى (¬2) انظر ص 21 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن اتباع الجنائز بنار أو نساء) وص 93 ج 3 فتح البارى (اتباع النساء الجنازة) وص 2 ج 7 نووى (نهى النساء ع ابتاع الجنائز) وص 329 ج 8 - المنهل العذب المورود. وص 246 ج 1 ابن. ماجه. وص 77 ج 4 بيهقى.

أي نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسير مع الجنازة ولم يؤكد علينا في هذا النهى كما أكد علينا في غيره، فهو نهى تنزيه (وأجاب) الأولون بان هذا فهم فهمته أم عطية وفهمها ليس بحجة، وإلا فأصل النهى التحريم. (وقالت) الشافعية: يؤيد أن للتنزيه حديث محمد بن عمرو بن عطاء عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعها يا عمر فإن العين دامعة والنفس مصابة والعهد قريب ". أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجة بسند رجاله ثقات (¬1). {619} (ورد) بأنه لا يدل على جواز اتباع النساء الجنائز، فإن سياقه في نهى عمر لهن عن البكاء. (قال) سلمة بن الأزرق: سمعت أبا هريرة قال: مات ميت من آل النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب. أخرجه النسائي (¬2). {620} (فالحديث) كما ترى في البكاء بدمع العين بلا صياح وهذا مرخص فيه. وبه يحصل الجمع بين أحاديث الباب. وليس فيه جواز اتباع النساء الجنائز. (وقال) مالك ك لا يكره خروج عجوز لجنازة مطلقا ولا خروج شابة في جنازة من عظمت مصيبته عليها - كأب وأم زوج وولد وأخ وأخت - إذا أمنت الفتنة. أما من لم تأمنها فيحرم خروجها خلف الجنازة مطلقا (¬3). (ومحل) الخلاف إذا خرجت النساء متسترات بلا رفع صوت ولا نياحة وإلا فلا خلاف في منعهن من الخروج إلى القبور. (قال) ابن الحاج: واعلم أن الخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في نساء ذلك الزمان (يعنى زمن السلف الصالح) وكن على ما يعلم من ¬

(¬1) انظر ص 93 ج 3 فتح البارى (الشرح) وص 247 ج 1 - ابن ماجه (البكاء على الميت) (¬2) انظر ص 263 ج 1 مجتبى (الرخصة فى البكاء على الميت). (¬3) انظر ص 171 ج 1 صغير الدردير.

عادتهن في الاتباع. وأما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو ممن له مروءة أو غيره في الدين بجواز ذلك. فإن دعت ضرورة للخروج فليكن ذلك على ما علم في الشرع من الستر، لا على ما علم من عادتهم الذميمة في هذا (¬1). (فهذا) ابن الحاج يقبح ما كان عليه نساء زماننا - القرن الرابع عشر - الكاسيات العاريات المائلات المميلات - يخرجن نائحات لاطمات كاشفات الصدور والسيقان ناشرات الشعور صابغات الأيدي والوجوه. نعوذ بالله تعالى من ذلك ونسأله تعالى السلامة والهداية. (6) مكروهات الجنازة: يكره فيها أمور، المذكور منها هنا سبعة: (أ) يكره لمتبع الجنازة الضحك والتحدث في أمر الدنيا ومس الميت باليد ونحوهما تبركا. وقيل: يمنعه كمس القبر أولى، وهو بدعة قبيحة. (روى) الخلال في أخلاق أحمد بن حنبل أن على بن عبد الصمد الطيالسى مسح يده على أحمد ثم مسحها على يديه وهو ينظر فغضب شديدا وجعل ينفض يده ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره شديدا (¬2). (ب) ويكره تحريما أن تتبع الجنازة بنار أو صوت (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتبع الجنازة بنار أو صوت. أخرجه أحمد بسند فيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات، وأبو داود والبيهقى بسند فيه مجهولان (¬3). {621} (وحديث) زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة ¬

(¬1) انظر ص 208 و 209 ج 1 - المدخل (¬2) انظر ص 405 ج 1 كشاف القناع (¬3) انظر ص 20 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن اتباع الجنازة بنار أو صياح أو نساء) وص 336 ج 8 - المنهل العذب المورود (النار يتبع بها الميت) وص 394 ج 3 بيهقى.

أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه رجل لم يسم (¬1). {622} (وعن) أبي جرير أن أبا بردة قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت قال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي ولا تتبعوني بمجمر (الثر) أخرجه البيهقى وقال: وفى وصية عائشة، وعبادة بن الصامت، وأبى هريرة ـ وآبي سعيد الخدرى، واسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهم: ألا تتبعوني بنار. وأخرجه ابن ماجة لفظ: أوصى أبو موسى الأشعرى حين حضره الموت فقال: لا تتبعوني بمجمر، قالوا له: أو سمعت فيه شيئا؟ قال: نعم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنده حسن (¬2). {623} (وقال) عمرو بن العاص: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار. أخرجه مسلم من حديث طويل والبيهقى مختصرا (¬3). {624} (دل) ما روينا على أنه لا يجوز اتباع الجنازة بنار ولا صوت لأنه من فعل الجاهلية وفيه تشبه بأهل الكتاب، وقد نهينا عن التشبه بهم (فقد) رأى سعيد بن جبير مجمرا في جنازة فكسره وقال: سمعت ابن عباس يقول: لا تشبهوا بأهل الكتاب. أخرجه ابن أبي شيبه (¬4). وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء (قال) ابن نجيم: وينبغي لمن اتبع الجنازة أن يطيل الصمت ويكره تحريما رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما. فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه لقوله تعالى: " إن اللهَ لاَ يُحَبُ الْمثعْتدَيَنَ " ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 3 مجمع الزوائد (الصمت والتفكير لمن اتبع جنازة). (والرزحف) التقاء الصفوف فى القتال لأن الصمت أهيب للعدو. (وعند الجنازة) أى عند غسيل الميت والصلاة والمشى معه. (¬2) انظر ص 395 ج 3 بيهقى (لا يتبع الميت بنار) وص 233 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 138 ج 2 نووى (الإسلام يهدم ما قبله) وص 56 ج 4 بيهقى (ما يقال بعد الدفن) وسيأتى الحديث تاما إن شاء الله تعالى فى بحث (الانتظار بعد الدفن). (¬4) انظر ص 20 ج 8 - الفتح الربانى (الشرح)

أي الجاهرين بالدعاء (وعن) إبراهيم المخعى أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشى معها: استغفروا له غفر الله لكم (¬1) (وقال) النووي: يكره أن تتبع الجنازة بنار. والمراد أنه يكره البخور في المجمرة بين يديها إلى القبر. ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على كراهته للنهى ولأنه تفاؤل بذلك فأل السوء. وكذا يكره أن يكون عند القبر مجمرة حال الدفن: وأما اتباع الجنازة بنائحة فحرام فإن النوح حرام مطلقا (¬2) (وقال) ابن قدامة: يكره رفع الصوت عند الجنازة لنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة بصوت. وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعى وأحمد وإسحق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له. وهو بدعة محدثة (وروى) أن ابن عمر كان في جنازة فسمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله لكم. فقال ابن عمر: لا غفر الله لك. أخرجه سعيد ابن منصور (وقال) أحمد: لا يقول خلف الجنازة: سلم رحمك الله، فإنه بدعة ولكن يقول: باسم الله وعلى ملة رسول الله ويذكر الله إذا تناول السرير. وبكره اتباع الميت بنار (روى) عن ابن عمر وأبى هريرة وعبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار وسعيد بن المسيب وغيرهم أنهم أوصوا ألا يتبعوا بنار. فإن دفن ليلا فاحتاجوا إلى وضوء فلا بأس إنما يكره المجامر فيها البخور (¬3) (روى) ابن عباس " النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فاسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة " (الحديث) أخرجه الترمذى وقال حسن (¬4) {625} (وقال) ابن إدريس الحنبلي: ويكره رفع الصوت والضجة عند رفع الجنازة ويسن لمتبعها أن يكون متخشعا متفكرا في مآله ويرجع متعظا بالموت وبما يصير ¬

(¬1) انظر ص 192 ج 2 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق (¬2) انظر ص 281 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر ص 363 و 364 ج 2 مغنى ابن قدامة .. (¬4) انظر ص 157 ج 2 تحفة الأحوذى (الدفن بالليل) وقوله: حسن (رد) بأن فيه منهال بن خليفة ضعفه ابن معين. والحجاج بن ارطاة وهو مدلس لم يذكر سماعا.

إليه الميت (روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شهد جنازة رويت عليه كآبة وأكثر حديث النفس. أخرجه الطبرانى في الكبير. وفيه ابن لهيعة متكلم فيه (¬1). {626} (وقال) سعيد بن معاذ: ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها (¬2) (وقال) النووي في الأذكار: واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنائز فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة ما يخالفه. وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بالإجماع (¬3) (وقال) ابن الحاج: وليعذر من هذه البدعة التي يفعلها أكثرهم وهى أنهم يأتون بمن يذكرون أمام الجنازة جماعة على صوت واحد. يتصنعون في ذكرهم ويتكلفون فيه على طرق مختلفة. ثم العجب أنهم يحرفون أسماء الله تعالى. وهو أمر يؤدب عليه فاعله ويزجر. على أنهم لو أتوا بالذكر على وجهه لمنعوا منه لأنه محدث في الدين لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا السلف الصالح رضى الله عنهم. فقد كانوا يلتزمون في جنائزهم الأدب والسكون والخشوع حتى إن صاحب المصيبة لا يعرف من بينهم لحزن الأدب والسكون والخشوع حتى إن كان يريد أن يلقى صاحبه لضروروات فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام. وانظر قول ابن مسعود رضى الله عنه - لمن قال في الجنازة: استغفروا لأخيكم - لا غفر الله لك. فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم من رفع الصوت بمثل هذا اللفظ. فما بالك بما يفعلونه مما تقدم. فأين الحال من الحال؟ فعلى هذا يتعيت على من له عقل ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 3 مجمع الزوائد (الصمت والتفكر لمن اتبع الجنازة). (¬2) انظر ص 405 كشاف القناع. (¬3) انظر ص 183 ج 4 (الفتوحات الربانية على الأذكار النووية) (ما يقوله الماشى مع الجنازة)

ألا ينظر إلى أفعال أهل الوقت ولا عوائدهم. بل يلزم الاقتداء بأفعال السلف وأعوالهم فهم القوم لا يشقى جليسهم ولا من أحبهم إن المحب لمن يحب مطيع (¬1) (ولهذا) النصوص وغيرها أفتى علماء العصر: (1) أن السنة في السير مع الجنازة ألا يكون معها صوت ولا رايات ولا طبل ولا باز ولا موسيقى ولا مجامر ولا رفع صوت بذكر أو قرآن أو بردة أو غيرها. وأن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير معها لأنه أسكن للخاطر وأجمع للفكر فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال (¬2). (2) وقد سئل الأستاذ الإمام - الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية رحمة الله تعالى - عن الذكر جهرا أمام الجنازة بكيفية معتدلة خالية من التلحين هل ذلك جار على السنن القويم أو فيه إخلال بالدين؟ (فأجاب) بقوله: أما الذكر جهرا أمام الجنازة ففي الفتح والأنقروية من باب الجنائز: يكره للماشى أمام الجنازة رفع الصوت بالذكر فإن أراد أن يذكر الله فليذكره في نفسه وهذا أمر محدث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعين ولا تابعيهم فهو مما يلزم منعه (¬3). (جـ) (ويكره) لمشيع الجنازة الجلوس قبل وضعها عن الأعناق - عند الحنفيين وأحمد والأوزاعى وإسحاق - لأنه قد تدعو الحاجة إلى التعاون. والقيام أمكن فيه (ولحديث) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع " أخرجه مسلم وأبو داود والبيهقى (¬4). {627} ¬

(¬1) انظر ص 20 و 21 ج 3 مدخل (¬2) انظر ص 15 و 16 من تحفة الأبصار والبصائر فى بيان كيفية السير مع الجنازة إلى المقابر للشيخ الإمام رحمة الله والفتاوى من 1 - 9، 11، 12، 13، 16 من فتاوى ائمة المسلمين له. (¬3) هذا بعض فتوى تقدمت تامة فى (بدع الجمعة) ص 358 ج 4 - الدين الخالص (¬4) انظر ص 28 ج 7 نووى (القيام للجنازة) وص 3 ج 9 - المنهل العذب المورود وص 26 ج 4 بيهقى.

(وحديث) أبي سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا: " ما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع ". أخرجه النسائي (¬1) {628} (والمراد) حتى توضع بالأرض (لما) روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تبع أحدكم الجنازة فلا يجلس حتى توضع في الأرض ". أخرجه البيهقى وكذا أبو داود معلقا (¬2). {629} (وحكمه) النهى عن القعود قبل أن توضع الجنازة أن المشيع إنما جاء اهتماما بشأنها وليس منه أن يجلس قبل وضعها بالأرض. أما بعد وضعها فيطلب الجلوس ويكره القيام على المختار (لحديث) عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد فمر به حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اجلسوا خالفوهم ". أخرجه البيهقى والأربعة إلا النسائي وقال الترمذى: غريب وفيه بشر بن رافع ليس بالقوى وعبد الله بن سليمان عن أبيه وهو ضعيف وأبو منكر الحديث (¬3) {630} يعنى خالفوهم في القيام بعد وضعها على الأرض بالجلوس (وقالت) المالكية: يكره لمشيع الجنازة أن يستمر قائما حتى توضع (وقالت) الشافعية: لا يكره لمشيعها الجلوس قبل وضعها بالأرض (لقول) على رضى الله عنه: " قام النبي صلى الله عليه وسلم مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمرهم ¬

(¬1) انظر ص 271 ج 1 مجتبى (الأمر بالقيام للجنازة) (¬2) انظر ص 26 ج 4 بيهقى (القيام للجنازة) وص 4 ج 9 - المنهل العذب المورود ولفظه: روى الثورى عن سهيل عن أبيه عن ابى هريرة قال فيه حتى توضع بالأرض. (¬3) انظر ص 28 ج 4 بيهقى (من زعم أن القيام للجنازة منسوخ) وص 7 ج 9 - المنهل العذب المورود (القيام للجنازة) وص 241 ج 1 - ابن ماجه. وص 140 ج 2 تحفة الأحوذى (الجلوس قبل أن توضع (والحبر) بفتح الحاء وكسرها عالم اليهود.

بالقعود " أخرجه البيهقى والطحاوى (¬1). {631} (وقالوا) هذا الحديث ناسخ لأحاديث الأمر بالقيام قبل أن توضع (ورد) بأنه يمكن الجمع يجعل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقعود بعد القيام لبيان الجواز وحمل الأمر بالقيام على الندب. والنسخ لا يصار إليه عند إمكان الجمع (قال) النووي: واختلفوا في القيام على القبر حتى تدفن فكرهه قوم وعمل به آخرون. والمشهور في مذهب الشافعية أن القيام ليس مستحبا واختار المتولي أنه مستحب وهذا هو المختار فيكون الأمر به للندب. والقعود بيان للجواز ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث ولم يتعذر هنا (¬2) إذا ثبت هذا فالظاهر أنه يكره لمن تبع الجنازة الجلوس قبل وضعها بالأرض. وإذا جلس قبل ذلك طلب منه القيام لأن المقصود منه تعظيم أمر الموت وهو لا يفون بالجلوس (قال) البخاري: من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام. (وروى) سعيد المقبرى عن أبيه قال: " كنا في جنازة فأخذ رضى الله عنه بيد مروان فجلسا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه فأخذ بيد مروان فقال: قم فوالله لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك ن فقال أبو هريرة: صدق ".أخرجه البخاري والبيهقى (¬3). {632} (دل) الحديث على أن أبا هريرة لم يكن يرى القيام واجبا وأن مروان ¬

(¬1) انظر ص 27 ج 4 بيهقى (حجة من زعم أن القيام للجنازة منسوخ). (¬2) انظر ص 27 ج 7 نووى مسلم (القيام للجنازة). (¬3) انظر ص 115 ج 3 فتح البارى (متى يقعد إذا قام للجنازة) وص 26 ج 4 بيهقى (القيام للجنازة) (والمقبرى) نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها.

لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك وأنه بادر إلى العمل به بخبر أبي سعيد (¬1) أما من تقدم الجنازة فلا باس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه اتفاقا (قال) الترمذى: روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يقدمون الجنازة ويقعدون قبل أن تنتهي إليهم، وهو قول الشافعي (¬2)، وكذا باقي الأئمة. (د) ويكره تحريما تغيير اللباس حزنا على الميت أو ترك بعضه (لحديث) عمران بن حصين وأبى برزة قالا: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى قوما قد طرحوا أرديتهم يمشون في قمص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابفعل الجاهلية تأخذون أو بصنع الجاهلية تشبهون؟ لقد هممت أن أدعو عليكم دعوة ترجعون في غير صوركم. فأخذوا أرديتهم ولم يعودوا لذلك أخرجه ابن ماجة (¬3) {633} (والحديث) لو صح لأفاد الحرمة لكنه ضعيف لأن في سنده على بن الحزور وهو متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث عنده عجائب. وفيه نفيع ابن الحارث الأعمى تركه غير واحد، ونسبة يحيى بن معين وغيره للوضع. (هـ) ويكره عند مالك صلاة فاضل على بدعي لم يكفر ببدعته وعلى مظهر كبيرة كشرب خمر أمام الناس بلا مبالاة وعلى نظهر صغيرة مصر عليها (¬4). (و) وكره عنده تكبير نعش لميت صغير لما فيه من المباهاة، وفرش النعش بحرير أو خز ولا باس بستر الكفن بثوب طيلسان أخضر أو غيره وبنزع عند الدفن (¬5). (ز) ويكره لمن كان جالسا بالمصلى أو عند القبر ¬

(¬1) انظر ص 115 ج 3 فتح البارى. (¬2) انظر ص 151 ج 2 تحفة الأحوذى (القيام للجنازة). (¬3) انظر ص 233 ج 1 - ابن ماجه (النهى عن التسلب مع الجنازة) والتسلب الإحداد وهو ترك الزينة. (¬4) وتقدم بيان سائر المذاهب فى الصلاة على المبتدعة والخوارج ص 422. (¬5) انظر ص 172 ج 1 صغير الدرديرى والصاوى عليه.

أو في الطريق ومرت عليه جنازة القيام لها عند الحنفيين ومالك والشافعي وهو المشهور عن أحمد (لقول) واقد بن عمرو بع سعد بن معاذ: شهدت جنازة في بنى سلمة فقمت، فقال لي نافع بن جبير: اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت: حدثني مسعود بن الحكم الزرقى أنه سمع على بن أبي طالب رضى الله عنه يقول: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس ". أخرجه أحمد وابن حبان وكذا البيهقى ومسلم بلفظ: " رأينا النبي صلى الله عليه وسلم قام فقمنا فقعدنا " يعنى في الجنازة وأسانيد جيدة وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {634} (وقال) أبو معمر: كنا عند على فمرت به جنازة فقاموا لها فقال على: ما هذا؟ قالوا: أمر أبى موسى فقال: " إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك " أخرجه النسائي وابن أبي شيبة بسند جيد (¬2). (دلت) هذه الأحاديث على أنه لا يشرع القيام لمن مرت عليه جنازة إلا أن يريد اتباعها. (قال) ابن حبيب وابن الماجشون المالكيان وبعض الشافعية والحنبلية: يستحب لمن مرت عليه جنازة وهو جالس أن يقوم لها حتى تخلفه أو توضع (¬3) (لحديث) عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ¬

(¬1) انظر ص 36 ج 8 - الفتح الربانى (من قال بنسخ القيام للجنازة) وص 27 ج 4 بيهقى. وص 29 ج 7 نووى. وص 151 ج 2 تحفة الأحوذى (الرخصة فى ترك القيام للجنازة) (وبنو سلمة) بفتح السين وكسر اللام قبيلة من الأنصار. و (ثبت) كسبب أى حجة. (¬2) انظر ص 272 ج 1 (مجتبى) (الرخصة فى ترك القيام). (¬3) وهو قول ضعيف ومشهور مذهب مالك أنه: (أ) يكره لمن مرت به جنازة القيام بها. (ب) يكره لمن تبعها أن يستمر قائما حتى توضع. (جـ) يكره لمن سبق للمقبرة إذا رآها حتى توضع. (د) لا باس بالقيام عليها حين الدفن والقول بنسخة غير صحيح، وفعله على رضى الله عنه وقال: قليل لأخينا قيامنا على قبره. وأما القيام للحى فيحرم لم يحبه ويعجب به ويكره لمن لا يحبه ويتأذى منه ويجوز لمن لا يحبه ولا يعجب به. ويستحب للعالم والصهر والوالدين ولمن نزل به هم - فيعزى - أو سرور - فيهنأ وللقادم من سفر. وهذا كله ما لم يترتب على تركه فتنة فيجب. انظر ص 172 ج 1 الصاوى على صغير الدرير.

رأى أحدكم الجنازة ولم يكن ماشيا معها فليقم حتى تجاوزه أو توضع ". أخرجه السبعة والبيهقى وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1). {636} (وحديث) أبي سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع. أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقى وقال الترمذى: حسن صحيح (¬2). {637} (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى على جنازة فلم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه " (الحديث) أخرجه أحمد والطحاوى (¬3). {638} (قالوا) فهذه أحاديث غاية في الصحة قد شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة بها بعد عصر النبوة (وأجاب) الأولون: (أ) بأن الأمر بالجلوس لا يعارض بفعل بعض الصحابة بعد عصر النبوة لاسيما وقد تركه كثير من الصحابة عملا بالأمر بالجلوس. ومن علم حجة على من لم يعلم. (ب) وبأن الأمر بالقيام منسوخ بحديث على وغيره مما روينا في أدلة الجمهور (قال) الترمذى: حديث على حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم (قال) الشافعي: وهذا اصح ¬

(¬1) انظر ص 28 ج 8 - الفتح الربانى (من اتبع جنازة فلا يجلس حتى توضع) وص 115 ج 3 فتح البارى (القيام للجنازة) وص 27 ج 7 نووى. وص 2 ج 9 المنهل العذب المورود. وص 271 ج 1 مجتبى (الأمر بالقيام للجنازة) وص 151 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 26 ج 1 - ابن ماجه. وص 26 ج 4 بيهقى. (¬2) انظر ص 26 ج 8 الفتح الربانى (القيام للجنازة إذا مرت) (وص 116 ج 3 فتح البارى 0 من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع) وص 28 ج 7 نووى. وص 271 ج 1 مجتبى (الأمر بالقيام للجنازة) وص 26 ج 4 بيهقى. وص 151 ج تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 26 ج 8 الفتح الربانى (القيام للجنازة إذا مرت)

(هـ) الدفن

شيء في هذا الباب. وهذا الحديث ناسخ للحديث الأول: إذا رأيتم الجنازة فقوموا (وقال) أحمد: إن شاء قام وإن شاء لم يقم، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عنه أنه قام ثم قعد ومعنى قول على: قام النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة ثم ترك ذلك بعد فكان لا يقوم إذا رآها (¬4). (فائدة) يستحب لمن مرت به جنازة أن يدعو لها ويثنى عليها إن كانت أهلا لذلك، ويستحب لمن رآها أن يقول: سبحان الحي الذي لا يموت أو سبحان الملك القدوس (¬5). (هـ) الدفن هو مواراة الميت. والكلام فيه ينحصر في 18 ثمانية عشر فرعا: (1) حكم الدفن: هو فرض كفاية بالإجماع لأن في ترك الميت على وجه الأرض هتكا لحرمته ويتأذى الناس من رائحته. وعليه عمل الناس من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا. وقد ارشد الله تعالى قابيل إلى دفن أخيه هابيل، فبعث غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 152 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬2) انظر ص 281 ج 5 مجموع النووى. (¬3) (قابيل وهابيل) ابنا آدم على الصحيح. ذكر الله قصتها فى قوله تعالى فى المائدة " واتل عليهم نبأ ابنى آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما (هابيل) ولم يتقبل من الآخر. قال لقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين (28) إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه (هابيل) فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه. قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوراى سوءة أخى فاصبح من النادمين (31) " =

(2) وقت الدفن

وقال تعالى: " أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً {25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً " (¬1) أي جامعة للأحياء على ظهرها بالمساكن، والأموات في بطنها بالقبور. وقال تعالى: " ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ " (¬2) أي أكرمه بدفنه. (2) وقت الدفن: ليس للدفن وقت محدود، بل يجوز في أي وقت ليلا أو نهارا بلا كراهة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لقول) عمرو بن دينار: أخبرني جابر بن عبد الله أنه رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في القبر وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر " أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند على شرط الشيخين (¬3). {639} (وقالت) عائشة رضى الله عنها: " إن أبا بكر لم يتوف حتى أمسى من ليلة ¬

= (وحاصل) القصة ما روى ابن عباس وابن مسعود قالا: كان لا يولد لآدم ولد إلا ولد معه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر حتى ولد له ابنان: قابيل - وكان صاحب زرع - وهابيل - وكان صاحب ضرع - وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل. وهابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال هى أختى ولدت معى وهى أحسن من أختك وأنا أحق أن اتزوجها فامره أبوه أن يزوجها هابيل. وإنهما قربا قربنانا الى الله أيهما أحق بالجارية فقرب هابيل جذعة (ناقة لها رابع سنين) سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختى فقال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين .. أخرجه ابن جرير انظر ص 121 ج 6 تفسير الطبرى (وقال) عبد الله بن عمرو: أيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخته. انظر ص 120 منه (¬1) المرسلات: 25 و 26 (¬2) عبس: 21 (¬3) انظر ص 325 ج 8 - المنهل العذب المورود (الدفن بالليل وص 31 ج 4 بيهقى والمراد بالنار سراج منير فى المقبرة. و (الرجل) هو عبد الله ذو البجادين تثنية بجاد وهو كساء مخطط. والمراد (بالذكر) القرآن لقوله فى حديث ابن عباس: يرحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن. أخرجه الترمذى. انظر ص 157 ج 2 تحفة الأحوذى

الثلاثاء ودفن قبل أيصبح ". أخرجه البخاري (¬1). (وقال) ابن عباس: " مات إنسان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلا فلما أصبح أعلموه فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل وكانت الظلمة فكرهنا أن نشق عليك. فأتى قبره فصلى عليه " أخرجه البخاري وابن ماجة (¬2). {640} فقد اقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على الدفن ليلا، وإنما أنكر عليهم عدم إعلامه بموت الرجل. ولذا قال الجمهور: لا يكره الدفن ليلا. (وقال) الحسن البصري وسعيد بن المسيب: يكره الدفن ليلا. (وقال) ابن حزم: لا يجوز إلا لضرورة (لحديث) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: " توفى رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من بنى عذرة فقبر ليلا، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلى عليه إلا أن يضطروا إلى ذلك ". أخرجه أحمد، ونحوه لمسلم وأبى داود (¬3). (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا ط. أخرجه ابن ماجة (¬4). {642} (وأجاب) الجمهور بأن النهى عن الدفن ليلا يحتمل: (أ) أن يكون لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على كل ميت. ومن قبر ليلا قد ¬

(¬1) هو بعض حديث تقدم تاما رقم 454 ص 333 (تجنب المغالاة فى الكفن). (¬2) انظر ص 75 ج 3 فتح البارى (الإذن بالجنازة) وص 240 ج 1 - ابن ماجه (الصلاة على القبر). (¬3) انظر ص 67 ج 8 - الفتح البارى (الدفن ليلا) وص 10 ج 7 نووى (تسجية الميت وتحسين كفنه) وص 307 ج 8 - المنهل العذب المورود (الكفن) (ويصلى عليه 9 مبنى للمفعول يعنى أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس فيصلون عليه بخلاف الدفن ليلا ويصح كسر اللام مبنيا للفاعل والمعنى حتى يصلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصا على ذلك (¬4) انظر ص 239 ج 1 - ابن ماجه (الأوقات التى لا يصلى فها على الميت ولا يدفن)

(3) مكان الدفن

لا يتيسر له صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه. (ب) أو لقلة المصلين لا لعدم صحة الصلاة ليلا. فلا يكره الدفن ليلا ن لكن المستحب الدفن نهارا. (هذا) ولا يكره الدفن وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها عند الحنفيين ومالك والشافعي لإطلاق الأحاديث إلا أن يتحرى الدفن وقتها فيكره. (وعليه) يحمل حديث عقبة بن عامر قال: " ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازعة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخاري (¬1). {643} (وقالت) الحنبلية: يكره الدفن في هذه الأوقات. (وقال) ابن حزم: يحرم لظاهر النهى في حديث عقبة. (وأجاب) الجمهور عنه بأنه محمول على تحرى الدفن في هذه الأوقات. ومحل الخلاف ما لم يخشى تغير الميت وإلا فلا خلاف في جواز الدفن في هذه الأوقات بلا كراهة. (3) مكان الدفن: يدفن الميت في القبر، واقله حفرة توارى الميت وتمنع بعد ردمها ظهور رائحة منه تؤذى الحي ولا يتمكن من نبشها سبع. وأكمله اللحد، وهو حفرة في جانب القبر جهة القبلة يوضع فيها الميت وتجعل كالبيت المسقف ينصب اللبن عليه (¬2). والدفن فيه مستحب بالإجماع (لقول) عائشة رضى الله عنها " لما مات النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند النبي صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا، فجاء اللاحد ¬

(¬1) تقدم رقم 497 ص 364 (وقت صلاة الجنازة) (وأن نقبر) من بابى نصر وضرب أى ندفن. و (قائم الظهيرة) يعنى قيام الشمس ووقوفها عن الحركة فى رأى العين وقت الاستواء. (¬2) اللبن بفتح فكسر الطوب النئ

فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن ". أخرجه ابن ماجة بسند صحيح رجاله ثقات (¬1). {644} (وعن) سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه: " ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة (¬2). {645} (وقال) مبارك بن فضالة: حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: " لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد وآخر يصرخ. قالوا: نستخبر ربنا فنبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فارسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن ماجة، ومبارك وثقه الجمهور وقد صرح بالتحديث فزالت تهمة تدليسه وباقي رجاله ثقات فالسند صحيح (¬3). {646} (دلت) هذه الأحاديث على أن اللحد أفضل من الشق إلا أن تكون الأرض رخوة يخاف منها انهيار اللحد فيصار إلى الشق. وهو حفرة مستطيلة في وسط القبر تبنى جوانبها باللبن أو غيره يوضع فيها الميت ويسقف عليه باللبن أو الخشب أو غيرهما، ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت. أما إذا ¬

(¬1) انظر ص 243 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فى الشق). و (لا تصخبوا) بصاد مهملة ساكنة وخاء معجمة أى لا ترفعوا أصواتكم بالخصام. وفى نسخة (لا تضجوا) بكسر الضاد المعجمة وشد الجيم أى لا تصيحوا (فلحد) من باب نفع ويقال الحد كأكرم. (¬2) انظر ص 55 ج 8 - الفتح الربانى (اختيار اللحد على الشق) وص 33 ج 7 نووى. وص 283 ج 1 مجتبى (اللحد والشق) وص 243 ج 1 - ابن ماجه (استحباب اللحد). (¬3) انظر ص 243 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فى الشق). و (يلحد) كيمنع من لحد أو بضم فسكون من الحد. (ويصرخ) كيمنع يقال ضرح للميت حفر له والضريح اللحد أو الشق والثانى هو المراد للمقابلة. واللاحد كان ابو طلحة والشاق أبو عبيدة

كانت الأرض صلبة فالدفن فى الشق مكروه. (وعليه) يحمل حديث جرير ابن عبد الله البجلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء حتى جلس على شفير القبر، فقال: " الحدوا ولا تشققوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا ". أخرجه أحمد بسند جيد (¬1). {647} أي اللحد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والشق لغيرها من الأمم. وقيل: معناه اللحد لأموتنا معشر المسلمين والشق لغيرنا من أهل الكتاب (روى) جرير ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللحد لنا والشق لهل الكتاب " أخرجه أحمد وفيه عثمان بن عمير أبو اليقظا متفق على ضعفه (¬2). {648} فهذا يدل على كراهة الدفن في الشق. وفيما قبله إشعار بأفضلية الدفن في اللحد. (فوائد) (الأولى) يكره عند الحنفيين دفن الميت ولو صغيرا بالمنزل لأن هذا خاص بالأنبياء (وقالت) الشافعية والحنبلية: يجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع وليكثر الدعاء للميت ممن يزور المقابر (فإن قيل) كيف يكون الدفن في المقبرة أفضل والنبي صلى الله عليه وسلم دفن في البيت (فالجواب) أنه صلى الله عليه وسلم في الحجرة لقول أبي بكر من حديث ابن عباس الآتي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض (¬3) (وحكمه) اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك قصد كثرة زائرية والتخفيف عليهم بقرب زيارته (¬4) ولئلا يتخذ قبره مسجدا (روت) ¬

(¬1) انظر ص 52 و 53 ج 8 - الفتح الربانى (اختيار اللحد على الشق) و (شفير) كل شئ جانبه. (¬2) انظر ص 53 ج 8 - الفتح الربانى (اختيار اللحد على الشق). (¬3) يأتى الحديث تاما رقم 652 ص 461 وقد وافق على الصديق رضى الله عنهما على ذلك وقال: أنا سمعته أيضا. (¬4) انظر ص 283 ج 5 مجموع النووى.

عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " أخرجه البخاري (¬1). {649} (الثانية) لو قل بعض الورثة: يدفن الميت في ملكه وقال بعضهم: بل في المقبرة دفن فيها ولو بادر أحدهم ودفنه في البيت كان للباقين نقله لكنه يكره. ولو قال بعضهم: يدفن في البيت كان للباقين قبوله لأن عليهم فيه منة. ولو بادر أحدهم فدفنه في ملك نفسه أو كفنه من مال نفسه فالظاهر أنه لا ينقل ولا ينزع كفنه بعد دفنه في ملك الميت ثم باعته الورثة لم يكن للمشترى نقله وله الخيار في فسخ البيع إن كان جاهلا بدفنه (¬2) (وقد) سئل أحمد عن الرجل يوصى أن يدقن في داره قال: يدفن في مقابر المسلمين (¬3). (الثالثة) يستحب الدفن في أفضل مقبرة في البلد (روى) ميمون الأودى أن عمر قال: " يا عبد الله بن عمر اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يقرأ عمر عليك السلام ثم سلها أن أدفن مع صاحبي قالت: كنت أريده لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قال له ما لديك؟ قال: أذنت لك. قال ما كان شيء أهم إلى من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني ثم سلموا ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب. ¬

(¬1) انظر ص 165 ج 3 فتح البارى (قبر النبى صلى الله عليه وسلم) (لأبرز قبره) أى لكشف القبر ولم يتخذ عليه سور. والمراد الدفن خارج البيت وهذا قالتهه عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوى. ولذا لما وسع جعلت حجرتها مثلثه الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلى إلى جهة القبر مستقبل القبلة و (غير أنه خشى) بفتح الخاء أو بضمها وفى رواية البخارى غير أنى أخشى. وفى رواية مسلم غير أنه خشى بالضم لا غير. انظر ص 130 ج 3 فتح البارى (ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور) (¬2) انظر ص 283 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 390 ج 2 مغنى ابن قدامة.

فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين ". أخرجه البخاري (¬1) {650} (ويستحب) الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون لتناله بركتهم وكذا في البقاع الشريفة (قال) أبو هريرة: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله إليه عينه وقال: راجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة قال ثم مه؟ قال قم الموت. قال فالآن فسال الله أن يدينه من الأرض المقدسة رمية بحجر ". (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {651} (دل) الحديث على استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والقرب من مدافن الصالحين لشرفها وفضيلة المدفونين فيها فيكون أقرب إلى الرحمة. (الرابعة) يكره اتفاقا دفن الميت في تابوت لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه وفيه تشبه بأهل الدنيا. والأرض أنشف لفضلاته إلا إذا ¬

(¬1) انظر ص 166 ج 3 فتح البارى (قبر النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر). والمراد بصاحبى: النبى صلى الله عليه وسلم وابو بكر رضى الله عنه. (¬2) انظر ص 134 ج 3 فتح البارى (من أحب أن يدفن فى الرض المقدسة) وص 127 ج 15 نووى (فضائل موسى صلى الله عليه وسلم). و (متن الثور) ظهره. و (رمية بحجر) أى ادننى إلى الأرض المقدسة حتى يكون بينى وبينها قدر رمية الحجر. وإنما سال الإدناه إليها ولم يسال نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيقتين به الناس. وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، قالوا: كيف يجوز لموسى فقء عين ملك الموت؟ (والجواب) من وجهين: (أ) ... أنه لا يبعد أن يكون الله أذن لموسى فى هذه اللطمة امتحانا للملطوم. (ب) أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أنه ملك الموت وظن أنه رجل يريده فدفعه دفعا أدى إلى فقء عينه (ويؤيده) رواية صكة وليس فى الحديث أنه تعمد فقأها ولا يقال قد اعترق موسى - حين جاءه ثانيا - بأنه ملك الموت لأنا نقول إنه أتاه ثانيا بما علم به أنه ملك الموت فاستسلم (انظر ص 128 وما بعدها ج 15 نووى مسلم).

(4) دفن النبي صلى الله عليه وسلم

كانت الأرض رخوة أو ندية فلا باس بالدفن في التابوت (¬1) (4) دفن النبي صلى الله عليه وسلم: دفن صلى الله عليه وسلم بالموضع الذي توفى فيه وهو حجرة عائشة (قال) ابن عباس رضى الله عنهما: وقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر (يعنى النبي صلى الله عليه وسلم) فقال قائلون: يدفن في مسجده وقال قائلون: يدفن مع أصحابه فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما قبض نبي إلا دفن وسط الليل من ليلة الأربعاء. ونزل في حفرته على بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم أخوه وشقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أوس بن خولة لعلى بن أبي طالب: أنشدك الله وحفظنا من النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له على: انزل وكان شقران مولاه أخذ قطيفة كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك " أخرجه ابن ماجة. وفيه الحسين بن عبد الله تركه أحمد والنسائي وقواه ابن عدى وباقي رجاله ثقات (¬2) {652} (والقطيفة) كساء له خمل. والمشهور أن شقران انفرد بدفنها ولم يوافقه أحد من الصحابة على ذلك ولا علموا به (وقال) ابن عبد البر: أخرجت عن القبر لما فرغوا من موضع اللبنات (وقال) ابن عباس: " جعل تحت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن قطيفة حمراء ". أخرجه مسلم والنسائي والترمذى وقال حسن صحيح. وقد روى عن ابن عباس أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء (¬3) {653} ¬

(¬1) انظر ص 278 ج 5 مجموع النووى. وص 384 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 255 ج 1 - ابن ماجه (وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم). (ثم دفن ليلة الأربعاء) أخر دفنه لعدم اتفاقهم على موته صلى الله عليه وسلم أو لأنهم ما علموا بموضع دفنه حتى ذكرهم الصديق أو لاشتغالهم بامر الخلافة. (¬3) انظر ص 34 ج 7 نووى (وضع القطيفة فى القبر) وص 283 ج 1 مجتبى (وضع الثوب فى اللحد وص 153 ج 2 تحفة الأحوذى (الثوب يلقى تحت الميت فى القبر)

(5) ما يطلب في القبر

وهو قول الجمهور (وأجابوا) بأن ما فعله شقران خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم (قال) وكيع: هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. أخرجه ابن سعد في الطبقات وله عند الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افرشوا لي قطيفتى في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء (¬1). وقد نص الشافعي وغيره على كراهة وضع قطيفة أو مضربة (مرتبة) أو وسادة أو نحو ذلك تحت الميت (وشذ) عنهم البغوى فقال: لا بأس بذلك لهذا الحديث والصواب كراهته كما قال الجمهور (¬2) (5) ما يطلب في القبر: يطلب فيه ستة أمور: (أ) يستحب توسيعه وتحسينه اتفاقا وكذا إعماقه عند غير المالكية (لقول) هشام بن عامر: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله: الحفر علينا لكل إنسان شديد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفررا وأعمقوا وأحسنوا. وفى رواية: أوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآنا " أخرجه أحمد والبيهقى وأبو داود والنسائي (¬3). {654} (ودفن) الاثنين والثلاثة في القبر لا يكون إلا لضرورة كما يأتي إن شاء الله. (واختلف) العلماء في قدر الإعماق (فقال) الحنفيون وأحمد: يعمق قدر نصف القامة أو على الصدر وإن زاد فحسن. وطول القبر على قدر طول الميت ن وعرضه على قدر نصف طوله. (وقالت) الشافعية وبعض الحنبلية: حد الإعماق قدر قامة وبسطة وهى مد يديه قائمة إلى رءوس الأصابع وقدر بأربعة أربع. (قال) الحسن: أوصى عمر أن يجعل عمق قبره قامة وبسطة وحكمته إلا ينبش ¬

(¬1) انظر ص 283 ج 1 زهر الربى شرح المجتبى. (¬2) انظر ص 24 ج 7 نووى مسلم. (¬3) انظر ص 54 ج 8 - الفتح الربانى. وص 413 ج 3 بيهقى (اتساع القبر وإعماقه) وص 68 ج 9 - المنهل العذب المورود (تعميق القبر) وص 283 ج 1 مجتبى (اعماق القبر).

(ب) ويسن رفع القبر عن الأرض نحو شبر اتفاقا

القبر سبع ولا سارق ولا يظهر رائحة الميت (¬1). (وقالت) المالكية: اقل القبر ما منع رائحة الميت وحرسه من السباع ولا حد لأكثرة وندب عدم عمقه (¬2). (ب) ويسن رفع القبر عن الأرض نحو شبر اتفاقا (لقول) القاسم بن محمد ابن أبي بكر: " دخلت على عائشة فقلت: يا أماه اكشفي لي في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضى الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم (¬3). {655} (وروى) النعمان عن حماد عن إبراهيم النخعى قال: كان يستحب أن يرفع القبر عن الأرض حتى يعرف لكيلا يوطأ. أخرجه أبو يوسف في الآثار (¬4). (وحكمه) استحباب رفع القبر نحو شبر ليعلم أنه قبر فيتوفى ويدعى لصاحبه إلا أن يكون الميت مسلما دفن في دار الحرب فيخفى قبره خشية أن يتعرض له الكفار بالأذى أما رفع القبر فوق الشبر فهو بدعة مذمومة في الدين مخالفة لهدى الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح فيلزم إزالة الزائد (فما) يفعله الناس الآن - من تشييد القبور ورفعها كثرا - منكر يجب عليهم تسويتها بلا فرق بين نبي وغيره وصالح وطالح. (وأما) قول على رضى الله عنه لأبى هياج الأسدى: " أبعثك على ما بعثتي عليه النبي صلى الله عليه وسلم ألا تترك قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا في بيت إلا طمسته ". أخرجه أحمد ومسلم ¬

(¬1) انظر ص 288 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 174 ج 1 صغير الدردير. (¬3) انظر ص 72 ج 9 - المنهل العذب المورود (تسوية القبر) وص 3 ج 4 بيهقى و (لا مشرفة) أى غير مرتفعة (ولا لاطئة) بالهمزة أى غير لازقة بالأرض بل مرتفعة عنها شبرا (فقد) روى ابن حبان أن قبره صلى الله عليه وسلم كان مرتفعا شبرا عن الأرض. وهذا لا ينافى أنه كان مسما (ومبطوحة الخ) أى مفروشة بحصباء الموضع المعروف بالعرضة الحمراء. (والعرصة) كل موضع واسع لا بناء فيه. (¬4) انظر رقم 299 ص 18 - الآثار.

(جـ) ويسن بناء القبر باللبن والقصب

والثلاثة والبيهقى وقال الترمذى: حسن والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه (¬1) {656} (فإنه) لم يرد التسوية بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأحاديث (¬2). (وقد صرح بحرمة رفع القبر زيادة عن الشبر أصحاب أحمد وجماعة من المالكية والشافعية. (والقول) بأنه غير ممنوع لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير غير مسلم. (قال) الشافعي في الأم: رأيت من الولاة من يهدم ما بنى في المقابر ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك (¬3). (جـ) ويسن بناء القبر باللبن والقصب (البوص) لقول بريدة: " الحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصب عليه اللبن نصبا وأخذ من قبل القبلة ". أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه يحيى الحمانى وفيه كلام (¬4). {657} (وقال) الشعبي: " جعل على قبر النبي صلى الله عليه وسلم طن من قصب " أخرجه ابن أبي شيبة مرسلا (¬5)، والطن بضم الطاء: الحزمة. (وبكره) عند الأئمة بناؤه بالآخر والجص والخشب إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية (لقول) جابر: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد على القبر وأن يجصص ويبنى عليه ". أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخاري وقال ¬

(¬1) انظر ص 73 ج 8 - الفتح الربانى (تسوية القبور) وص 36 ج 7 نووى. وص 69 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 285 ج 1 مجتبى. وص 153 ج 2 تحفة الأحوذى وص 3 ج 4 بيهقى. و (ابوهياج) بفتح فشد الياء المثناة من تحت - اسمه حيان بن حصين تابعى ثقة. (والتمثال) صورة ذى الروح (والطمس) المحور والإزالة (¬2) انظر ص 296 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر ص 298 منه. (¬4) انظر ص 42 ج 3 مجموع الزوائد (اللحد). (¬5) انظر ص 471 ج 1 فتح القدير لابن الهمام.

الترمذى: حسن صحيح. وقد روى من غير وجه عن جابر. وقد رخص بعض أهل العلم - منهم الحسن البصري والشافعي - في تطبين القبور (¬1). {658} (وقال) النعمان: حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تربيع القبور وتجصيصها. أخرجه محمد بن الحسن في الآثار (¬2). {659} (وظاهر) النهى التحريم وبه قال ابن حزم وحملت الأئمة والجمهور النهى على الكراهة، لكن لا دليل على صرفه عن التحريم. وحكمته أن القبر للبلى لا للبقاء ولأن تجصيصه من زينة الدنيا ولا حاجة للميت إليها ولأن الآجر مسته النار فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا. (وأما) إذا كانت الأرض رخوة، بنى القبر بالآجر ونحوه بلا كراهة. والصحيح أنه لا يكره تطيينة عند الشافعي وأحمد لأنه لم يرد فيه نهى وهو المختار عند الحنفيين. (روى) جعفر بن محمد عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء " أخرجه أبو بكر النجاد وسكت عليه في التلخيص (¬3). {660} (وقالت) المالكية: يكره تطيين القبر ما لم يتوقف منع الرائحة على تطينه وإلا فلا كراهة (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 4 ج 4 بيهقى (لا يبنى على القبور ولا تجصص) وص 78 ج 8 - الفتح الربانى (النهى عن البناء على القبور) وص 37 ج 7 نووى. وص 79 ج 9 - المنهل العذب المورود (البناء على القر 9 وص 285 ج 1 مجتبى وص 244 ج 1 - ابن ماجه (النهى عن البناء على القبور وتجصيصها) وص 155 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية تجصيص القبور. (¬2) انظر ص 109 ج 1 قود الجواهر المنيفة. (¬3) انظر ص 386 ج 2 شرح المقنع وص 226 ج 5 تلخيص الحبير (هامش مجموع النووى) (وأما) ما رواه الحاكم والديلمى عن ابن مسعود مرفوعا: لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره أو قال ما لم يطوقبره (فسنده) باطل فإنه من رواية القاسم بن محمد الطايانى. وقد رموه بالوضع انظر ص 226 ج 5 تلخيص. (¬4) انظر ص 172 ج صغير الدردير والصاوى.

(د) ويسن - عند الحنفيين ومالك وأحمد وبعض الشافعية -: تسنيم القبر

(د) ويسن - عند الحنفيين ومالك وأحمد وبعض الشافعية -: تسنيم القبر أي جعله مرفوعا - كالسنام - نحو شبر (لحديث) أبى بكر بن عباس " أن سفيان التمار حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسما " أخرجه البخاري والبيهقى (¬1) " {661} (وقال) بعض الشافعية: يستحب تسطيح القبر (لقول) ثمامة بن شفى: " كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوقى صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوى ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقى (¬2). {662} (وفى حديث) أبي هياج عن على: ألا تترك قبرا مشرفا إلا سويته (¬3). (وأجاب) الجمهور بأن الحديثين ليسا نصا في التسطيح بل محتملان له ولإزالة ما ارتفع عن القدر المشروع في القبر وهو لا ينافى التسنيم (قال) الطبري: لا أحب أن يتعدى في القبور أحد المعنيين من تسويتها بالأرض أو رفعها مسنمة قدر شبر على ما عليه عمل المسلمين وتسوية القبور ليست بتسطيح (¬4) (ودليل) الجمهور اثبت وأصح وصريح في التسنيم. فكان العمل به أولى (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 165 ج 3 فتح البارى (قبر النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر) وص 3 ج 4 بيهقى (تسنيم القبور) (¬2) انظر ص 74 ج 8 - الفتح الربانى (تسوية القبور) وص 35 ج 7 نووى. وص 71 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 285 ج 1 مجتبى. وص 2 ج 4 بيهقى. (وثمامة بن شفى) بضم الثاء والشين وفتح الفاء. و (فضالة) بفتحتين كان قائد جيش غزوة رودس. وهى من جزر البحر الأبيض على ليلة من الأسكندرية فتحت سنة ثلاث وخمسين من الهجرة فى عهد معاوية. واستولى عليها السلطان سليم الثانى سنة 922 اثنين وعشرين وتسعمائة هجرية وهى الآن تبع ايطاليا. (¬3) تقدم الحديث رقم 656 ص 463 (¬4) انظر ص 4 ج 4 - الجوهر النقى. (¬5) (وقول) البيهقى: متى صحت راية القاسم - قبورهم مبطوحة - دل ذلك على التسطيح (رده) ابن التركمانى فقال: لم أر أحدا صرح أن المبطوح هو المسطح. بل المبطوح معناه غير المشرف. وقوله: لا مشرفة ولا لاطئة يدل على ذلك وحديث القاسم تقديم رقم 655 ص 463 (وقول) البيهقى: وحديث القاسم أصح وأولى أن يكون محفوظا (مردود) بأن هذا خلاف الاصطلاح بل حديث الثمار اصح لأنه مخرج فى صحيح البخارى. وحديث القاسم لم يخرج فى شئ من الصحيح (انظر ص 3 و 4 ج 4 - الجوهر النقى).

(هـ) ويسن -عبد النعمان ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد - رش الماء على القبر ليسكن ترابه

(هـ) ويسن -عبد النعمان ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد - رش الماء على القبر ليسكن ترابه (وروى) عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على قبر عثمان بن مظعون أمر فرش عليه الماء. أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (قال) الهيثمى: إلا أن شيخ البزار محمد بن عبد الله لم اعرفه (¬1). {663} (وعن) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم أخرجه الطبرانى في الأوسط بسند رجاله الصحيح خلا شيخ الطبرانى (¬2). {664} (وعن) أبي يوسف أنه كره الرش لأنه يشبه التطيين. وتقدم أنه لا بأس بالتطيين على المختار عند الحنفيين (ويكره) أن يرش القبر بماء الورد وأن يطلى بالخلوق لأنه إضاعة مال (¬3) (و) ويستحب - عند الشافعية وأحمد - تعليم القبر بحجر أو خشب أو غيره ليعرف (لحديث) كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله ابن حنطب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن فامر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. أخرجه أبو داود والبيهقى وابن أبى شيبة بسند حسن وكثير تكلم فيه وهو صدوق (¬4). {665} ¬

(¬1) انظر ص 45 ج 3 مجمع الزوائد (رش الماء على القبر). (¬2) انظر ص 45 ج 3 مجمع الزوائد (رش الماء على القبر). (¬3) انظر ص 298 ج 5 مجموع النووى (والخلوق) - بالقاف كرسول - طيب مركب من الزعفران وغيره. (¬4) انظر ص 53 ج 9 - المنهل العذب المورود (جمع الموتى فى قبر والقبر يعلم) وص 412 ج 3 بيهقى (اعلام القبر بصخرة او علامة ما كانت) والمطلب تابعى ولكنه فى الحديث قال الذى يخبرنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنى أنظر إلى بياض ذراعى النبى صلى الله عليه وسلم. وإبهام الصحابى لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول، و (أتعلم بها .. ) أى أعرف قبره بالعلامة وأدفن إلى جانب قبره من مات من أهلى وليس المراد أنه صلى الله عليه وسلم بدفن من مات منهم مع عثمان فى قبر لأنه لا يجوز دفن اكثر من واحد فى قبر إلا لضرورة.

(6) من يتولى الدفن

(ومشهور) مذهب مالك أنه: لا باس بوضع حجر أو عود أو نحوه على القبر ليعرف به ما لم يكتب عليه (وقال) الحنفيون: يجوز اتخاذ علامة للقبر بغير الكتابة إن خيف ذهاب معالم القبر، وإلا فإن قصد به الزينة كره وإن قصد به التفاخر والمباهاة حرم كما اعتاده كثير من أهل الزمان من المبالغة في تحسين القبر ونقشه ورفعه ووضع عمامة أو قلنسوة أعلاه. (6) من يتولى الدفن: يتولاه الرجال سواء أكان الميت ذكرا أم أنثى (لما) روى محمد بن الحنفية عن على قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذ 1 نسوة جلوس فقال ما يجلسكن؟ قلن لا. قال هل تحملن؟ قلن لا. قال هل تدلين فيمن يدلى؟ قلن لا. قال فارجعن مأزورات غير مأجورات. أخرجه ابن ماجة والحاكم (¬1) {666} (قال) أنس بن مالك: شهدنا ابنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان ثم قال: هل منكم من رجل لم يفارق الليلة؟ فقال أبو طلحة أنا يا رسول الله. قال: فانزل، فنزل في قبرها. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقى والطحاوى والترمذى في الشمائل (¬2) {667} ¬

(¬1) انظر رقم 615 ص 440 (اتباع النساء الجنائز). (¬2) انظر ص 59 ج 8 - الفتح الربانى (من اين يدخل الميت قبره) وص 102 ج 3 فتح البارى (ما يرخص من البكاء فى غير نوح) وص 53 ج 4 بيهقى (الميت يدخله قبره الرجال) وص 203 شمائل (بكاء النبى صلى الله عليه وسلم). (وابنته) هى أم كلثوم زوج عثمان. ووهم من قال هى رقية فإنها ماتت والنبى صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها. (لم يقارف) - بالقاف والفاء - أى لم يجامع لما فى حديث أنس أن رقية لما ماتت قال النبى صلى الله عليه وسلم: لا يدخل القبر رجل قارف أهله، فلم يدخل عثمان بن عفان القبر. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (انظر ص 60 ج 8 الفتح الربانى) والحكمة فى اختيار من لم يحصل منه جماع فى تلك الليلة أنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه فى تلك الليله، والسر فى إيثار ابى طلحة على عثمان أنه كان قد جامع بعض جواريه فى تلك الليلة فتلطف النبى صلى الله عليه وسلم فى منعه من النزول فى قبر زوجته بلا تصريح.

(دل) ما ذكر على أن الرجال أحق بالدفن من النساء، لأنهم أقوى عليه منهن ولأن المرأة إذا تولته أدى إلى كشف بعض بدنها وهو عورة (والأولى) عند الحنفيين والشافعي أن يدفن الرجل امرأته. فإن لم يكن زوج فمحارمها فإن لم يكن محرم فشيوخ الرجال واصلحهم لأن أبا طلحة رضى الله عنه تولى دفن بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أجنبي ولم يكن هناك محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلعله كان له عذر في عدم نزول قبرها وكذا زوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه (وقالت) الحنبلية: الأولي بذلك المحارم ثم الزوج ثم صالحو الناس وشيوخهم، لأن الزوج تزول زوجيته بموتها والقرابة باقية. وأولى الناس بدفن الرجل أولاهم الصلاة عليه من أقاربه لأن القصد الدعاء للميت والرفق به. (فائدة) يدخل القبر - عند الحنفيين والجمهور - من تدعو إليه حاجة الدفن وترا أو شفعا (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: كان الذين نزلوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أوس بن خولة لعلى بن أبي طالب رضى الله عنه: يا على أنشدك الله وحفظنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له انزل فنزل مع القوم فكانوا خمسة. أخرجه البيهقى وقال: وشقران هو صالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم لقبه شقران (¬1) [668] ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 4 بيهقى (الميت يدخله قبره الرجال) وتقدم نحوه رقم 652 ص 461.

(7) كيفية الدفن

(وقال) عامر: غسل النبي صلى الله عليه وسلم على والفضل واسامة بن زيد رضى الله عنهم وهم أدخلوه قبره قال وحدثني مرحب أو ابن أبي مرحب أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه فلما فرغ على رضى الله عنه قال: إنما يلي الرجل أهله أخرجه البيهقى (¬1). {669} (وقالت) الشافعية: يستحب كون الدافنيين وترا فإن حصلت الكفاية بواحد وإلا فثلاثة وإلا فخمسة إن أمكن (¬2) (7) كيفية الدفن: يدخل الميت القبر كيفما أمكن إما من جهة القبلة أو من مقابلها أو من قبل بعثتي أو من رجليه إذ لا نص يعين شيئا من ذلك (واختلف) العلماء في الأفضل (قال) مالك والشافعي وأحمد: يسن إدخاله القبر من قبل بعثتي بأن يوضه السرير في مؤخر القبر بحيث يكون راس الميت بإزاء موضع قدميه من القبر ثم يسل من قبل بعثتي (لقول) أبي إسحق عمرو بن عبد الله السبيعى: أوصى الحارث بن عبيد أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه. ثم ادخله القبر من قبل رجلي القبر وقال هذا من السنة " أخرجه أبو داود وابن أبى شيبة والبيهقى بسند صحيح (¬3). {670} (وقال) الحنفيون: الأفضل أن يدخل الميت من قبل القبلة بأن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل منه الميت فيوضع في اللحد (لحديث) عطية العوفى عن أبي سعيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من قبل القبلة واستقبل استقبالا " أخرجه ابن ماجة. وعطية ضعفه غير واحد (¬4). {671} (وروى) عمر بن سعيد: " أن عليا كبر على يزيد المكفف أربعا وأدخله من ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 4 بيهقى (¬2) انظر ص 291 ج 5 مجموع النووى. (¬3) انظر ص 59 ج 9 - المنهل العذب المورود (كيف يدخل الميت قبره؟ ) وص 54 ج 4 بيهقى. (¬4) انظر ص 242 ج 1 - بان ماجه (ما جاء فى إدخال الميت القبر)

(8) ما يطلب للدفن

قبل القبلة " أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرازق بسند صحيح وقال وبه نأخذ (¬1) {672} (وقد) ورد في هذا روايات وإن كان في بعضها ضعف ولكنها لكثرتها يقوى بعضها بعضا (هذا) وقد استبعد الشافعي إدخال النبي صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة وقال: إن هذا غير ممكن لأن شق قبره صلى الله عليه وسلم لاصق بالجدار ولحده تحت الجدار وليس هناك موضع يوضع فيه ولا يمكن إلا أن يسل سلا ويدخل من غير القبلة (ودعوى) أن استقبال القبلة افضل (جوابه) أن استقبالها إنما يستحب بشرطين: أن يمكن وألا ينابذ سنة وهذا ليس ممكنا ومنابذا للسنة (¬2). (أقول) الأمر في هذا واسع والمدار فيه على الأسهل. فإن سهل عليهم أخذه من جهة القبلة أو من جهة الرأس أو من جهة الرجلين فلا يخرج فيه. (8) ما يطلب للدفن: هو ستة أمور (أ) يستحب: عند الحنفيين ومالك وأحمد ستر فم القبر بثوب عند دفن المرأة دون الرجل (لما روى) على بن الحكم عن رجل من أهل الكوفة عن على بن أبي طالب رضى الله عنه: " أنه أتى ونحن ندفن ميتا وقد بسط الثوب على قبره فجذب الثوب من القبر وقال: إنما يصنع هذا بالنساء ". أخرجه البيهقى (¬3) {673} (وقالت) الشافعية: يستحب نشر ثوب على قبر الرجل والمرأة (لحديث) يحيى بن عقبة عن على بن بذيمة الجزرى عن مقسم عن ابن عباس قال: " جلل النبي صلى الله عليه وسلم قبر سعد بثوبه " أخرجه البيهقى وقال: لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة وهو ضعيف (¬4). {674} (وأجاب) الجمهور بأن الحديث ضعيف وعلى فرض الصحة فيحتمل أنه ¬

(¬1) انظر ص 300 ج 2 نصب الراية (¬2) انظر ص 295 ج 5 مجموع النووى (¬3) انظر ص 54 ج 4 بيهقى (ستر القبر بثوب) و (بذيمة) بفتح فكسر المعجمة (¬4) انظر ص 54 ج 4 بيهقى (ستر القبر بثوب) و (بذيمة) بفتح فكسر المعجمة

(ب) ويستحب لواضع الميت في القبر الدعاء له وإن كان مأثورا فما أحسنه

مخصوص بسعد بن معاذ رضى الله عنه لأنه كان مجروحا قد تغير جرحه فستره النبي صلى الله عليه وسلم لمنع الرائحة. (ب) ويستحب لواضع الميت في القبر الدعاء له وإن كان مأثورا فما أحسنه (ومنه) ما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1). {675} (وعن) ابن عمر رضى الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه الأربعة وقال الترمذى حسن غريب وصححه ابن حبان (¬2). {676} (وفى) رواية لابن ماجة: باسم الله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله (وفى) رواية للترمذى: باسم الله وباله وعلى ملة رسول الله (قال) عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج: قال لي أبي: يابنى إذ أنا من فالحد لي لحدا فإذا وضعتني في لحدي فقل: باسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن التراب على شنا ثم أقرا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمها فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ". أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله موثقون. وأخرجه البيهقى موقوفا على ابن عمر (¬3). {677} ¬

(¬1) انظر ص 58 ج 8 - الفتح الربانى (من اين يدخل الميت قبره وما يقال عند ذلك) وص 55 ج 4 بيهقى (ما يقال إذا أدخل الميت قبره). (¬2) انظر ص 62 ج 9 - المنهل العذب المورود (الدعاء للميت إذا وضع فى قبره وص 242 ج 1 - ابن ماجه 0 فى إدخال الميت القبر) وص 152 ج 2 تحفة الأحوذى. (¬3) انظر ص 44 ج 3 مجمع الزوائد (ما بقول عند إدخال الميت القبر) وص 56 ج 4 بيهقى (ما ورد فى قراءة القرآن عند القبر). (وشن) - بضم الشين المعجمة أو السين المهملة - أى ضع التراب على قبرى برفق (وفاتحة البقرة) (بسم الله الرحمن الرحيم آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) وتقدم بيانها بص 133 (علاج الجنون والصرع) وخاتمتها " آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكتة وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير 285 لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين 286 " تقدم بيانها بص 203 ج 5 - الدين الخالص.

(والحديث) صريح في أن القراءة تكون عند راس الميت في القبر (لكنه) ورد من طرق أخرى أن القراءة إنما تكون بعد الدفن خارج القبر (قال) أخرجه البيهقى وحسنة النووي وهو وإن كان من قول ابن عمر فمثله لا يقال من قبل الرأي (ويمكن) أنه لما علم بما ورد في فضل ذلك على العموم استحب أن يقرا على القبر رجاء أن ينتفع بقراءته (وحكمه) قراءة ما ذكر عند وضع الميت في قبره أن يكون كالحصن والعدة التي يتقى بها الفتن والأهوال. وخصت فاتحة البقرة لاشتمالها على مدح كتاب الله تعالى وأنه هدى للمتقين المؤمنين بالغيب والمقيمين الصلاة والمؤدين الزكاة. وخاتمها لاحتوائها على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وإظهار الاستكانة وطلب الغفران والرحمة والنصر على الأعداء والالتجاء إلى كنف الله تعالى وحمايته (وروى) قتادة أن أنسا دفن ابنا له فقال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه أبدله دار خيرا من داره ". أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات (¬1) [678] (ويستحب) أن يقول من يدخل الميت القبر بعد ما تقدم: اللهم أسلمه ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقول عند إدخال الميت القبر).

(جـ) ويلزم توجيه الميت إلى القبلة عند الجمهور

إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقة ونزل بك وأنت خير منزول به إن عاقبته فبذنب وإن عفوت فأنت أهل العفو غنى عن عذابه وهو فقبر إلى رحمتك. اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الأمن من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم اخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه برحمتك يا أرحم الراحمين (¬1). (جـ) ويلزم توجيه الميت إلى القبلة عند الجمهور (لما روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكبائر الإشراك بالله وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ". أخرجه البيهقى بسند صحيح (¬2). {679} والإلحاد بالبيت الميل عن الحق في حرم الكعبة (فقد) دل على أن الكعبة قبلة للحى والميت (وقالت) المالكية والقاضى أبو الطيب الشافعي: توجيه الميت إلى القبلة مستحب كوضعه على الشق الأيمن. (د) ويستحب اتفاقا أن يوضع على شقه الأيمن وأن يوضع خده على لبنه أو حجر أو تراب أو نحوه بأن ينحى الكفن عن خده ويوضع على ما ذكر (لقول) عمر رضى الله عنه: إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض. ذكره في المهذب (¬3) (هـ) ويستحب وضع شيء خلفه من لبن أو غيره يمنعه من الوقوع على قفاه (لقول) واثلة بن الأسقع كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميت في قبره قال: " باسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ووضع خلف قفاه ¬

(¬1) انظر ص 292 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 409 ج 3 بيهقى (ما جاء فى استقبال القبلة بالموتى). (¬3) انظر ص 291 ج 5 مجموع النووى.

(و) ويستحب حل عقد الكفن بعد الدفن

مدرة وبين كتفيه مدرة وبين ركبتيه مدرة ومن ورائه أخرى ". أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه بسطام بن عبد الوهاب وهو مجهول (¬1). {680} (وتقدم) أنه يكره أن يوضع تحت الميت وسادة أو مرتبة أو ثوب (¬2) (لما روى) يزيد بن الأصم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه كره أن يجمل تحت الميت ثوب في القبر. أخرجه البيهقى (¬3). (فائدة) لا باس بدفن شيء من آثار الصالحين مع الميت (لما روى) عن أنس رضى الله عنه: " أنه كانت عنده غصبة للنبي صلى الله عليه وسلم فدفنت معه بين جنبه وقميصه " أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (¬4). {681} (و) ويستحب حل عقد الكفن بعد الدفن لأن عقدها كان للخوف من انتشاره وقد أمن ذلك بدفنه (وروى) معقل بن يسار: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضع نعيم بن مسعود في القبر نزع الأخلة بفيه " أخرجه البيهقى (¬5) {682} (ولا يجوز) شق الكفن لأنه إتلاف مال وقد نهى الشرع عنه وأمر بإحسان الكفن وشقه يتلفه ويذهب بحسنه (¬6). ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 4 مجموع الزوائد (ما يقول عند إدخال الميت القبر) و (مدرة) (بفتحات - واحدة المدر وهو الطين المتماسك. (¬2) انظر ص 359 (دفن النبى صلى الله عليه وسلم). (¬3) انظر ص 408 ج 3 بيهقى (ما روى قطيفة ى صلى الله عليه وسلم). (¬4) انظر ص 45 ج 3 مجمع الزوائد (دفن الآثار الصالحة مع الميت) و (عصبة) بفتح فسكون واحدة العصب وهى يردد يمينه يعصب غزلها أى يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيظهر موشى لبقاء ما عصب منه أبيض. (¬5) انظر ص 407 ج 3 بيهقى (عقد الأكفان عند خوف الانتشار وحلها إذا أدخلوه القبر) و (الأخلة) ب بقتح فكسر فشد - جمع خلال وهو ما يربط به الكفن. (¬6) انظر ص 383 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(9) ما يطلب بعد الدفن

(9) ما يطلب بعد الدفن: يطلب بعدة ستة أمور: (أ) يستحب سد القبر سدا محكما بطوب نيء ووضع البوص ونحوه فوق اللبن ليمنع نزول التراب على الميت لما تقدم عن ابن أبى وقاص قال: وانصبوا على اللبن نصبا (¬1) (وقال) الشعبي: جعل على قبر النبي صلى الله عليه وسلم طن من قصب أخرجه ابن أبى شيبة مرسلا (¬2). (ويكره) سد القبر بالآجر والخشب والحجارة ونحوها - عند غير مالك إن لم تكن الأرض رخوة أو ندية، فإن كانت فلا بأس بسده بما ذكر. (وقالت) المالكية: يندب سد القبر باللبن فإن لم يوجد فلوح من خشب في جر فحجر فقصب، فإن لم يوجد شيء من ذلك فسن التراب بباب اللحد. وينبغي أن يلت بالماء ليتماسك (¬3). (ب) وبعد إهالة التراب على القبر يستحب - اتفاقا - لمن شهد الدفن أن يحثو على القبر ثلاث حثيات بيديه جميعا من قبل رأس الميت (لحديث) أبى هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثي عليه من قبل رأسه ثلاثا ". أخرجه ابن ماجة بسند ظاهر الصحة ورجاله ثقات (¬4). {683} (جـ) ويستحب - عند الحنفيين ومالك والشافعي - أن يقول في الحثية الأولى " مِنْهاَ خَلَقَنْاَكُمْ " وفى الثانية " وَفِيهاَ نُعِيدكُمْ " وفى الثالثة " ومِنْهاَ خَلَقَنْاَكُمْ وَفِيهاَ ¬

(¬1) انظر رقم 645 ص 457 (مكان الدفن). (¬2) انظر ص 471 ج 1 فتح القدير لابن الهمام، والطن بالضم الحزمة. (¬3) انظر ص 169 ج 1 صغير الدردير (¬4) انظر ص 244 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء فى حثو التراب فى القبر) (فحثى) من باب عدا ورمى

(د) ويسن للمشيعين الانتظار بعد الدفن قدر بحر جمل وتفريق لحمه ليأتنس بهم الميت

نُعِيدكُمْ ومِنْهاَ نُخْرِحكُم تاَرَةَّ أُخْرَى " أخرجه أحمد والحاكم من رواية عبيد الله ابن زخر عن على بن زيد بن جدعان عن القاسم وهم ضعفاء (¬1). {684} لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. (وقال) أحمد: لا يطلب ذكر الآية أو غيرها عند حثو التراب لضعف الحديث وعدم صراحته في المدعى. (د) ويسن للمشيعين الانتظار بعد الدفن قدر بحر جمل وتفريق لحمه ليأتنس بهم الميت. (قال) عمرو بن العاص رضى الله عنه من حديث طويل: " فإذا دفنتموني فشنوا على التراب شنا ثم أقيموا حول قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى ". أخرجه مسلم (¬2). {685} ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 8 - الفتح الربانى (ما جاء فى الحثى فى القبر) (¬2) انظر رقم 924 ص 444 ولفظ الحديث عند مسلم: عن ابن شماسة (بضم الشين) المهرى قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياقه الموت (بكسر السين أى حال حضور الميت) فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن افضل ما نعد شهادة أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله. إنى قد كنت على أطباق (أى أحوال) ثلاث لقد رايتنى وما أحد أشد بغضا للنبى صلى الله عليه وسلم منى لا أحب إلى أن أكون قد استمسكت منه فقلت فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله تعالى الإسلام فى قلبى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى قال: مالك يا عمرو؟ قلت اردت أن اشترط قال: ما تشترط بماذا؟ (الباء زائدة للتوكيد. أو اصلية لتضمين تشترط معنى تحتاط) فقال: أن يغفر لى قال: أما علمت أن الأسلام يهدم ما كان قبله؟ وما كان أحد أحب إلى من النبى صلى الله عليه وسلم ولا أجل فى عينى منه، وما كنت أطيق أن أملاء عينى منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأنى لم أكن أملآ عينى منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا اشياء ما أدرى ما حالى فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى (الحديث) انظر ص 137 ج 2 نووى (الإسلام يهدم ما قبله).

(هـ) ويستحب الاستغفار للميت والدعاء له عند القبر بعد دفنه بالثبات

(هـ) ويستحب الاستغفار للميت والدعاء له عند القبر بعد دفنه بالثبات. فيقول - مستقبلا وجهه - اللهم هذا عبدك وأنت أعلم به منا ولا نعلم منه إلا خيرا وقد أجلسته لتسأله. اللهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة كما ثبته في الدنيا. اللهم ارحمه وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا تضلنا بعده ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله ولسائر المسلمين (¬1). (قال) عثمان بن عفان رضى الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ". أخرجه أبو داود والحاكم وصححه والبيهقى بسند حسن (¬2). {686} (وكان) على رضى الله عنه إذا فرغ من دفن الميت قال: اللهم هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (¬3). (و) يستحب - عند أكثر الشافعية والحنبلية وبعض الحنفيين والمالكيين - تلقين الميت المكلف بعد الدفن بأن يقوم إنسان عند بعثتي ويقول: يا فلان بن فلانة ويا عبد الله بن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا - شهادة أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمد عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ¬

(¬1) انظر بحث (ما يقال عند الدفن والتلقين) من (شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور) للسيوطى فن الحديث رقم 79 بدار الكتب المصرية (¬2) انظر ص 73 ج 9 - المنهل العذب المورود (الاستغفار عند القبر للميت) وص 56 ج 4 بيهقى (ما يقال بعد الدفن). (¬3) انظر ص 304 ج 3 تيسير الوصول (نقل الميت).

وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا. فهذا التلقين عندهم مستحب (¬1) (لظاهر) حديث أبي سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقنوا موتاكم قول لا اله إلا الله " أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخاري (¬2). {687} (قال) الأى: لا يبعد حمله على التلقين بعد الدفن (¬3) لما فيه من حمل لفظ الحديث على ظاهرة والأصل عدم التأويل (وقال) ابن الحاج والقرطبي وغيرهما من المالكية: يندب التلقين بعد الدفن ويستأنس له بما قال أبو أمامه وهو في النزع إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على راس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانه فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعدا، ثم يقول يا فلان ابن فلانه، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله ولمن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن أماما، فإن منكرا ونطيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته، فيكون الله حجيجه دونهما ". قال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: " فينسبه إلى حواء يا فلان ابن حواء ". أخرجه الطبرانى في الكبير. قال في التلخيص: سنده صالح. وقال الهيثمى: وفى سنده جماعة لم أعرفهم (¬4). (فهذا) الحديث وإن كان ضعيفا فيستأنس به وقد اتفق العلماء على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب. وقد تقوى بشواهد كحديث " أسالوا له التثبيت " ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان، ولم يزل أهل ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر رقم 259 ص 197 (تلقين المحتضر) (¬3) انظر ص 62 ج 3 أبى مسلم (الجنائز) (¬4) انظر ص 45 ج 3 مجمع الزوائد (تلقين الميت بعد دفنه)

الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدي به وإلى الآن (¬1). (وقال) الكمال بن الهمام: وأما التلقين بعد الموت فقيل يفعل لحقيقة: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله. ونسب إلى أهل السنة والجماعة، وقيل: لا يؤمر به ولا ينهى عنه ولا شك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل (¬2). (وقال) بعض الحنبلية ك لا يستحب التلقين بعد الدفن بل يكره وهو مشهور مذهب المالكية لأنه لم يعرف لدى السلف الصالح بل هو مبتدع حدث بالشام (قال) الأثرم: قلت لأبى عبد الله (بعنى الإمام أحمد) فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان ابن فلانة اذكر ما فارقت عليه: شهادة أن لا اله إلا الله. فقال: ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذاك وكان أبو المغيرة يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يفعلونه (¬3). وأجابوا (أ) عن حديث " لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله " بأن التلقين حقيقة في المحتضر مجاز في الميت. ولذا قال ابن حبان وغيره: المراد بالميت من حضرة الموت. (ويؤيده) حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله. ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله ". أخرجه البيهقى في شعب الإيمان (¬4). {688} (وحديث) زاذان أبي عمر قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من لقن عند الموت لا إله إلا الله دخل الجنة. أخرجه أحمد بسند جيد (¬5). {689} (ويؤيده) أيضا ما رواه ابن حبان في الحديث بزيادة: فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك. ¬

(¬1) انظر ص 304 ج 5 مجموع النووى. (¬2) انظر ص 446 ج 1 فتح القدير لابن الهمام. (¬3) انظر ص 280 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬4) انظر ص 253 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشرح). (¬5) انظر رقم 257 ص 196 (تلقين المحتضر)

(وقال) النووي: لقنوا موتاكم أي من حضره الموت، والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث. فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (¬1) (ب) وعن حديث أبي أمامه بأنه ضعيف. ضعفه الحافظ بن حجر والعراقي والنووي وابن الصلاح. وقال في الهدى: لا يصح رفعه (أقول): والأمر في هذا واسع فلا ينهى عن التلقين بعد الدفن ولا يؤمر به، فإن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. تم الجزء السابع، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثامن وأوله: " محظورات القبر" ¬

(¬1) انظر ص 219 ج 6 نووى مسلم.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء الثامن عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الثالثة: 1406 هـ- 1985 م

(10) محظورات القبر

بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله وبه نستعين، ونصلي ونسلم على سيد النبيين وآله وصحبه والتابعين. (أما بعد) فقد تقدم الكلام بالجزء السابع على تسعة فروع من مباحث الدفن: (10) محظورات القبر ... يُمنع البناء والقعود والمشي والكتابة عليه والصلاة إليه وعليه، وغير ذلك مما يأتي، لأحاديث (منها) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبني على القبور أو يُقعدَ عليها أو يُصلَّى عليه. أخرجه أبو يعلى بسند رجاله ثقات. وروى ابن ماجه النهي عن البناء عليها فقط (¬1). {1}. (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬2). {2} ... (وحديث) عقبةَ بِن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق" أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (¬3). {3} ¬

(¬1) انظر ص 61 ج 3 مجمع الزوائد (البناء على القبور والجلوس عليها) وص 244 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 78 ج 8 - الفتح الرباني (النهي عن البناء على القبور والجلوس عليها والصلاة عليها) وص 37 ج 7 نووي. وص 83 ج 9 - المنهل العذب المورود (كراهية القمود على القبر) وص 287 ج 1 مجتبي وص 244 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن المشي على القبور والجلوس عليها). (¬3) انظر ص 244 ج 1 - ابن ماجه (أو أخصف ... الخ) من خصفت النعل بالرجل خرزته بها. وهذا إن أمكن ففيه تعب شديد (وما أبالي ... الخ) يريد أنهما في القبح سيان. فمن أتى أحدهما فهو لا يبالي بأيهما أتى.

(وحديث) سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبر شيء" أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح رجاله ثقات (¬1). {4} ... "وقول" الحاكم: ليس العمل عليه فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكتبون على قبورهم وهو شيء أخذه الخلف عن السلف. "رده" الذهبي بأنه محدث ولعل من فعل ذلك من السلف لم يبلغهم النهي (¬2). (وحديث) سليمان ابن موسى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه" أخرجه النسائي (¬3). {5} (وحديث) أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والبيهقي (¬4). {6} ... (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أخرجه مسلم والنسائي، وكذا أحمد وأبو داود والبيهقي بلفظ: "قاتل الله اليهود" (¬5). {7} (وحديث) عبد الرزاق بسنده إلى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا عقر في الإسلام " قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر، يعني بقرة أو شيئا. أخرجه أبو داود والبيهقي والترمذي وقال: حسن صحيح (¬6). {8} ¬

(¬1) انظر ص 244 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليه). (¬2) انظر ص 244 ج 1 سندي ابن ماجه. (¬3) أنظر ص 284 ج 1 مجتبي (الزيادة على القبر). (¬4) انظر رقم 564 ج 7 ص 318 - الدين الخالص (الصلاة على القبر). (¬5) انظر ص 151 ج 8 - الفتح الرباني (النهي عن اتخاذ المساجد على القبور) وص 12 ج 5 نووي. وص 82 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 288 ج 1 مجتبي. (¬6) أنظر ص 76 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 57 ج 4 بيهقي (والعقر) في الأصل ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف ونحوه وهو قائم (أو شيئا) وفي نسخة: أو شاة، والمراد بالشيء ما يذبح من الحيوانات غير البقر.

أفادت هذه الأحاديث عشرة أمور: (أ) النهي عن تجصيص القبور- وقد تقدم بيانه (¬1). (ب) النهي عن البناء على القبور: يعني أي بناء كان سواء تعلق بالميت كقبة أو بالحي كحجرة أو مدرسة أو خباء أو مسجد، أو كان البناء على نفس القبر ليرتفع من أن يوطأ كما يفعله كثير من الناس. وكره أحمد أن يقام على القبر فسطاط، لأن أبا هريرة أوصى حين حضره الموت: أن لا تضربوا على فسطاطا (¬2) (ولظاهر) النهي في الأحاديث قال ابن حزم: يحرم البناء على القبر مطلقا، وحمل غيره النهي على الكراهة إذا كانت الأرض غير مسبلة ولا موقوفة ولم يقصد بالبناء الزينة وإلا كان حراما (ولذا) قال الحنفيون: يحرم البناء على القبر للزينة ويكره للإحكام إلا إذا كانت الأرض موقوفة وإلا حرم مطلقا لما في ذلك من التحجير على الناس، وكذا المسبلة وهي التي اعتاد الناس الدفن فيها ولم يسبق لأحد ملكها. (وتكره) القباب والستور والعمائم لقبور الصالحين وغيرهم. ... (وقالت) المالكية والشافعية: يكره البناء على القبر أو تحويط عليه ولو بلا قبة إن كان بأرض مباحة ملك للميت أو غيره بإذنه أو أرض موات إذا لم يكن مباهى بها. فإن كان بأرض غير مباحة بأن كانت موقوفة للدفن مثل قرافة مصر أو فعل ذلك للمباهاة حرم لما فيه من التحجير على ما هو حق لجميع المسلمين ولأنه من الإعجاب وهما منهي عنهما، وكذا يحرم البناء والتحويط إذا كان ذريعة لإيواء أهل الفساد (¬3)، ومن الضلال المجمع عليه أن كثيرا من الأغنياء يبنون أسبلة ومدارس ومساجد وحجرا للاستقبال والبيات وينبشون القبور ويجعلون محلها المراحيض ويزعمون أنهم يحسنون صنعا. كلا ما فعلوا إلا الضلال والبهتان. ¬

(¬1) أنظر ص 261 ج 7 - الدين الخالص (بناء القبر). (¬2) أنظر ص 387 ج 2 شرح المقنع. (¬3) أنظر ص 172 ج 1 صغير الدردير.

ويجب على ولي الأمر أن يأمر بهدمها كما تقدم إلا إن كان البناء يسيرا للتمييز فإن جائز (ويكره) إقامة مظلة على القبر لأن عمر رضي الله عنه رأى مظلة على قبر، فأمر برفعها وقال: دعوه يظله عمله (¬1). ورأى ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: انزعه يا غلام فإنه يظله عمله. ذكره البخاري (¬2). (وقالت) الحنبلية: يكره البناء في المسبلة وغيرها، غير أن الكراهة في المسبلة أشد لأنه تضييق بلا فائدة واستعمال للمسبلة فيما لم توضع له. وعن أحمد منع البناء في وقف عام (قال) ابن تيمية: من بني ما يختص به في المقبرة غير المملوكة فهو غاصب عند الأئمة الأربعة. وفيه تضييق على المسلمين، وإن كان في ملكه فهو سرف وإضاعة مال وكل منهي عنه. والقول بتحريم البناء في المسبلة هو الصواب. وقال في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أنه منكر إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين فكيف بغيرهم (¬3). ¬

(¬1) أنظر ص 298 ج 5 مجموع النووي. (¬2) أنظر ص 145 ج 3 فتح الباري (الجريدة على القبر). (¬3) أنظر ص 410 ج 1 كشاف القناع (وقد) جاء إلى لجنة الفتوى بالأزهر- من جمعية جوات الإسلامية بالهند- السؤال الآتي: هل يجوز إقامة أضرحة أو أي أبنية أخرى فوق قبور المسلمين المدفونين في أرض موقوفة أعدت لدفن موتى المسلمين فحسب؟ (فأجابت) بما يأتي: بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه: تفيد اللجنة أنه لا يجوز شرعا إقامة أضرحة أو أبنية أخرى فوق قبور المسلمين المدفونين في أرض موقوفة أعدت لدفن موتى المسلمين. وذلك لورود السنة الصحيحة الصريحة بالنهي عن ذلك بل عن كل بناء على القبر. وذكرت حديث جابر السابق (رقم 5) وحديث أبي الهياج عن علي (رقم 656 ص/ 360 ج 7 - الدين الخالص) وقالت: وهذان الحديثان صريحان في النهي عن إقامة أبنية أو أضرحة على قبور الموتى. ويدل الحديث الثاني على هدم ما بني على القبور من الأبنية وتسويتها بالأرض. ولذلك قال الشافعي في الأم: ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها ولم أر الفقهاء يعيبون عله ذلك (وهما) يدلان على عدم جواز إقامة بناء على القبر مطلقا سواء أكان القبر في أرض مملوكة للباني أم غير مملوكة له كالأرض الموقوفة للدفن فيها أو المرصدة من ولي الأمر للدفن فيها لأن ما جاء بهذين الحديثين مطلق غير مقيد بأرض دون أرض .. فالذهاب إلى جواز ذلك في الأرض المملوكة وعدم جوازه في الأرض المسبلة أو الموقوفة لا دليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس. ومن هذا يتبين أنه لا يجوز إقامة أضرحة أو أبنية أخرى على القبور لا سيما أن ذلك مما يوجب التضييق على الناس في الدفن وأنه قصد به المفاخرة والزينة كما ظهر من السؤال وهذا هو ما عليه الأئمة الأربعة وتمامه بص 359 وما بعدها من المجلد 18 - الثامن عشر من مجلة الأزهر عدد ربيع الآخر سنة 1366 هـ.

(جـ) النهي عن القعود على القبور: ... والمراد به ما يشمل الجلوس والاضطجاع والاستناد والنوم، ولظاهر النهي والوعيد (قال) أبن حزم بحرمة ذلك، وحمل الجمهور النهي على الكراهة منهم الحنفيون والشافعي وأحمد وداود (وقال) مالك: لا يكره القعود على القبر إلا إذا قعد لقضاء الحاجة وهذا حرام اتفاقا (قال) في الموطأ: إنما نهى عن القعود على القبر- فيما نرى- للذاهب يعني لحاجة الإنسان من التبول والغائط (¬1)، ودليله ما (روي) عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها. أخرجه مالك في الموطأ والطحاوي بسند رجاله ثقات (¬2). (وقول) نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور. أخرجه البخاري ووصله الطحاوي (¬3) (وقول) عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجة فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمه ثابت رضي الله عنه قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليه. أخرجه البخاري ووصله مسدد في مسنده الكبير بسند صحيح (3). {9} فبين يزيد في هذا الأثر الجلوس المنهي عنه (ولذا قال) بعض المالكية: لا يكره القعود على القبر لغير قضاء الحاجة. ولكن مشهور المذهب أنه يكره القعود والمشي على القبر مطلقا إذا ظن بقاء شيء من عظام الميت، وإلا جاز بلا كراهة. (ورده) الجمهور بأنه لا يصح حمل أحاديث النهي عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة، لأن هذا على فرض ثبوته لا يخصص عموم النهي الصحيح الصريح في الجلوس (كحديث) أبي مرثد. الغنوى ¬

(¬1) أنظر ص 20 ج 2 - الزرقاني على الموطأ. و (نرى) بضم النون: أي نظن. (¬2) أنظر ص 20 ج 2 - الزرقاني على الموطأ. (¬3) (2، 3) انظر ص 146 ج 3 فتح الباري (الجريدة على القبر) و (خارجة) ابن زيد ابن ثابت.

السابق (¬1) (وحديث) عمارة بن حزم قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على قبر فقال: "يا صاحب القبر أنزل من على القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك" أخرجه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وقد وثق (¬2). {10} ... وذكر لأحمد أن مالكا يتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجلس على القبور أي للخلاء فقال: ليس هذا بشيء. ولم يعجبه رأى مالك (¬3). ... هذا، وحكمة النهي عن الجلوس على القبر ما يترتب عليه من الاستخفاف بحق المسلم وإيذائه (فقد) سئل ابن مسعود عن وطء القبر فقال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته. أخرجه سعيد بن منصور. وإيذاؤه محرم. ... قال الله تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" (¬4). ... (د) النهي عن المشي على القبر: ... الكلام فيه كالكلام في القعود عليه والاتكاء إليه ومحل الحرمة أو الكراهة إذا لم تدع إليه ضرورة كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بالمشي على القبور فإنه يجوز اتفاقا. ... (هـ) النهي عن الكتابة على القبر: ... لظاهر النهي (قال) ابن حزم والظاهرية: تحرم كتابة اسم الميت أو تاريخ وفاته أو شيء من القرآن أو أسماء الله تعالى أو نحو ذلك على القبر. (وقال) الحنفيون: يكره تحريما الكتابة على القبر مطلقا إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره. (وقالت) المالكية: تحرم كتابة القرآن وتكره كتابة أسم الميت ¬

(¬1) أنظر رقم 6 ص 3. (¬2) أنظر ص 61 ج 3 مجمع الزوائد (البناء على القبور والجلوس عليها .. ). (¬3) أنظر ص 387 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬4) الأحزاب: آية 58.

أو تاريخ موته. (وقالت) الشافعية والحنبلية: تكره الكتابة على القبر مطلقا، وحكمة النهي عن ذلك خشية أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيعرض المكتوب للإهانة. ... (و) النهي عن الزيادة على القبر: ... لا يجوز أن يزاد في بنائه زيادة تؤدي إلى ارتفاعه عن الشبر وأن يزاد على التراب الذي خرج منه كما قال البيهقي: لا يزاد في القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع. وكذا لا يزاد القبر طولا أو عرضا عن قدر جسد الميت. ... (ز) النهي عن الصلاة إلى القبور أو عليها: لظاهر النهي (قالت) الحنبلية والظاهرية: تحرم الصلاة في المقبرة وعلى القبر وتقدم بيان المذاهب في هذا وافيا في بحث المواضع المنهي عن الصلاة فيها (¬1). (وفي الحديث) السابع من أحاديث الباب منع الصلاة إلى قبور الأنبياء واتخاذها مساجد لأنه قد يفضي إلى عبادة من في القبر وكذا قبور الأولياء والصالحين. ولذا لما احتاجت الصحابة والتابعون إلى توسعة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وامتدت الزيادة إلى حجر أمهات المؤمنين- ومنها حجرة السيدة عائشة مدفن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما- بنوا حول القبر الشريف سورا مرتفعا مستديرا لئلا يظهر القبر في المسجد فيصلي إليه العوام. ثم بنوا جدارين كهيئة مثلث قاعدته الحائط الشمالي للقبر حتى لا يتمكن من استقبال القبر. وقد زعم بعضهم أن النهي عن الصلاة إلى القبر إنما كان في الزمن السالف لقرب العهد بعبادة الأوثان. أما الآن فلا كراهة فيها، وهو مردود باتفاق المسلمين على خلافه ولعموم النهي في حديث جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" أخرجه مسلم (¬2). {11} ¬

(¬1) أنظر ص 261 ج 3 - الدين الخالص. (¬2) أنظر ص 13 ج 5 نووي (النهي عن بناء المسجد على القبور).

(ح) التحذير من اتخاذ القبور مساجد: يحرم اتخاذ قبور المسلمين التي لم تندرس مساجد (¬1). كما يحرم بناء المساجد على القبور لما تقدم (¬2) (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره" (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان (¬3). {12} ... أي لولا الخوف من اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدا كما فعل اليهود والنصارى بأنبيائهم لكشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، أو المراد لدفن خارج بيته. وتقدم بيان ذلك وافيا في بحث اتخاذ القبور مساجد (¬4). ... (ط) التحذير من إيقاد السرج على القبور: ... يحرم إيقاد المصابيح والشموع على القبر ولو قبر نبي أو ولي لما فيه من تضييع المال بلا منفعة والمبالغة في تعظيم القبور كاتخاذها مساجد (ولقول) أبن عباس رضي الله عنهما: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " أخرجه أحمد والأربعة والبزار وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي (¬5). {13} ¬

(¬1) أما قبور المشركين وقبر المسلم إذا اندرس فيجوز اتخاذها مساجد لما تقدم بص 277 ج 3 - الدين الخالص. (¬2) أنظر حديث رقم 7 ص 3. (¬3) أنظر ص 154 ج 8 - الفتح الرباني (النهي عن اتخاذ المساجد على القبور) وص 130 ج 3 فتح الباري (ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور) وص 12 ج 5 نووي. (¬4) أنظر ص 277 ج 3 - الدين الخالص. (¬5) أنظر ص 160 ج 8 - الفتح الرباني (زيارة القبور) وص 102 ج 9 - المنهل العذب المورود (زيارة النساء للقبور) وص 287 ج 1 مجتبي (التغليظ في اتخاذ السرج على القبور) وص 246 ج 1 - ابن ماجه ولفظه: زوارات بضم الزاي: جمع زوارة بمعنى زائرة. و (السرج) بضمتين: جمع سراج وهو المصباح.

(ي) النهي عن الذبح عند القبر: دل الحديث الثامن من أحاديث الباب على تحريم الذبح عند القبر وأنه من عمل الجاهلية، كانوا يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد يقولون: نجازيه على فعله لأنه كان يطعمها الأضياف فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير، ومنهم من كان يزعم أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر راكبا، ومن لا يعقر عنده حشر راجلا. وهذا زعم باطل، ومنه يعلم أن ما يفعله كثير من أهل زماننا الجاهلين من نحر الإبل أو غيرها عند خروج الميت من باب الدار أو عند القبر ليس له أصل في الدين بل هو بدعة مذمومة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فليحذر من هذه البدعة ومما يفعله بعضهم من أنهم يحملون أمام الجنازة الخراف والخبز وغيرها ويسمون ذلك عشاء القبر، فإذا أتوه ذبحوا ما أتوا به بعد الدفن وفرقوه مع الخبز، ويقع بسبب ذلك تزاحم وضرب وإيذاء وعدم اعتبار بحال الميت. ... وهذا مخالف للسنة من وجوه: ... (ا) أن ذلك من فعل الجاهلية لما تقدم. ... (2) ما فيه من الرياء والسمعة والمباهاة والفخر لأن السنة في القرب الإسرار بها لأنه أسلم والمشي بذلك أمام الجنازة جمع بين إظهار الصدقة والرياء، ولو تصدق بذلك في البيت سرا لكان عملا صالحا إذا سلم من البدعة بأن يتخذ ذلك سنة أو عادة لأنه لم يكن من فعل من مضى، والخير كله في اتباعهم رضي الله عنهم (¬1). ¬

(¬1) أنظر ص 35 ج 3 - المدخل لابن الحاج.

(11) سؤال القبر وفتنته

(11) سؤال القبر وفتنته تقدم أنه يجب الإيمان بسؤال القبر وفتنته. وقد جاء في هذا أحاديث صحيحة بلغت حد الشهرة (منها) ما تقدم في بحث السمعيات (¬1). (ومنها) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فقال: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه جاء ملك في يده مطراق فأقعده، قال ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول له: صدقت، ثم يفتح له باب إلى النار فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت بربك فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه فيقول له: أسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا، فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت بقربك فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين. ... فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا قبل عند ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" أخرجه أحمد والبزار وزاد: "في الحياة ¬

(¬1) أنظر ص 62 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (سؤال القبر).

الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء". ورجاله رجال الصحيح (¬1). . {14} ... (وحديث) عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت يهودية فاستطعمت على بابي فقالت: أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، فلم أزل أحبسها حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ما تقول هذه اليهودية؟ قال: وما تقول؟ قلت: تقول أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه مدا يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر، ثم قال: أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا قد حذر أمته وسأحذر كموه تحذيرا لم يحذره نبي أمته، إنه أعور والله عز وجل ليس ¬

(¬1) أنظر ص 108 ج 8 - الفتح الرباني (هول القبر) وص 47 ج 3 مجمع الزوائد (السؤال في القبر). و (إن هذه الأمة) أي أمة الدعوى لا فرق بين مسلم وكافر. وتقدم بص 63 ج 1 من الدين الخالص طبعة ثانية: (أ) أن الأحاديث دلت على اختصاص هذه الأمة بسؤال القبر. (ب) بيان حكمة هذا الاختصاص وأن ابن القيم اختار القول بعموم المسألة لأنه ليس في الأحاديث ما ينفي المسألة عمن تقدم من الأمم. وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية امتحان هذه الأمة في القبور لا أنه نفى ذلك عن غيرهم قال: والظاهر أن كل نبي مع أمته كذلك فتعذب كفارتهم في قبورهم بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة (أنظر ص 141 كتاب الروح)، وقد يدل عليه قوله تعالى: "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" سورة غافر: آية 46. و (جاءه ملك) تقدم في حديث أنس وغيره ويأتي في حديث أبي هريرة رقم 17: فأتاه ملكان. ويجمع بينهما بأنه خص هنا أحدهما بالذكر لكونه يحمل المطراق (والمطراق) آله يضرب بها كالعصى و (لا دريت إلخ) أي لا فهمت ولا عرفت الحق بنفسك ولا تبعت من يعرف ولا قرأت القرآن فاهتديت به (ثم يقمعه) من أقع أي يضربه ضربة. و (الثقلان) الجن والإنس. ومقتضاه أن كل شيء غيرهما حتى الجماد يسمع الضرب. ويمكن أن يخص منه الجماد لما في حديث أبي هريرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: يسمعه كل دابة إلا الثقلين. أخرجه البزار (انظر ص 52 ج 3 مجمع الزوائد) و (هبل) كتعب، أي فقد عقله من شدة الخوف والجزع.

بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن، فأما فتنة القبر في تفتنون وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوفٍ، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: في الإسلام، فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى من عند الله فصدقناه، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله عز وجل، ثم يفرج له فرجة إلى الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقول له: هذا مقعدك منها وعلى اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله. وإذا كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا مشعوفا، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: ما هذا الرجل الذي فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا، فيفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، ويقال له: هذا مقعدك منها كنت على الشك وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يعذب" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيحين (¬1). { 15} ... (وحديث) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا أحف به عمله- الصلاة والصيام- فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده ومن نحو الصيام ¬

(¬1) أنظر ص 112 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في هول القبر وفتنته) وص 48 ج 3 مجمع الزوائد (السؤال في القبر) و (استطمعت) أي طلبت الطعام لفقرها .. وأحبسها: أي أشاغلها وأمنعها عن الانصراف حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم (ولا مشعوف) بالشين المعجمة والعين المهملة: من الشعف وهو شدة الفزع، ويطلق على شدة الحب.

فيرده، فيناديه أجلس، فيجلس، فيقول له: ماذا تقول في هذا الرجل؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من؟ قال: محمد، قال: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يقول: وما يدريك أدركته؟ قال: أشهد أنه رسول الله، قال يقول: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث. وإن كان فاجرا أو كافرا جاءه ملك ليس بينه وبينه شيء يرده، فأجلسه، قال: أجلس، ماذا تقول في هذا الرجل؟ قال: أي رجل؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قال يقول: ما أدري والله سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، قال له الملك: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث، وتسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل غرب البعير تضربه ما شاء الله صماء لا تسمع صوته فترحمه". أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). . {16} ... (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا ¬

(¬1) أنظر ص 114 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في هول القبر وفتنته) وص 51 ج 3 مجمع الزوائد (السؤال في القبر) (فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده إلخ) أي تدفع الملك عنه وتقول: ليس لك قبلي مدخل (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتي من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ليس قبلي مدخل، فيؤتى عن يمينه، فتقول الزكاة: ليس قبل مدخل، فيؤتى من قبل شماله، فيقول الصوم: ليس قبل مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات إلى الناس: ليس من قبلي مدخل (الحديث) أخرجه الطبراني في الأوسط بسند حسن (أنظر ص 51 ج 3 مجمع الزوائد) (وثمرة السوط) طرفه الأسفل. وغرب- بفتح فسكون- البعير: الدلو الكبير يحمله البعير .. يعني أن الله يسلط على الكافر أو الفاجر في قبره دابة صماء معها سوط طرفه من نار عظيم تضربه به إلى ما شاء الله.

نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمى عليه، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (¬1). {17} والأحاديث في هذا كثيرة صحيحة صريحة في أن سؤال القبر حق ثابت، وبه قال أهل السنة والجماعة، وأنكره ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة مستدلين: (أ) بقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى} (¬2). أي لا يذوقون في الجنة موتا سوى الموتة الأولى، ولو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين لا مرة. (ب) وبقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ} (¬3). ¬

(¬1) أنظر ص 162 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في عذاب القبر) و (قبر) أي دفن وهو أمر غالبي وإلا فالسؤال يكون لكل ميت حتى من أكلته السباع فإن الله تعالى يصل روحه بعجب الذنب فيحيا بحياته سائر أجزاء البلدان ليسأل فيثاب أو يعذب. ولا بعد في ذلك فإن الله على كل شيء قدير. و (أسودان) وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط: أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي (أي قرون) البقر وأصواتهما مثل الرعد (أنظر ص 54 ج 3 مجمع الزوائد) وإنما يكونان على هذه الصفة لما في سواد المنظر وزرقة العين من الهول والوحشة ويكون حالهما على الكفار أشد ليتحيروا في الجواب. وأما المؤمنون فيبتلون بذلك فيثبتهم الله فلا يخافون ويأمنون، جزاء خوفهم من الله في الدنيا. و (المنكر) أسم مفعول من أنكر. و (النكير) فعيل بمعنى مفعول من نكر كتعب، أي لا يعرفهما الميت لأنه لم ير مثلهما. وذكر بعض الفقهاء أن اسم الملكين اللذين يسألان المذنب منكر ونكير .. وأسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير (أنظر ص 155 ج 3 فتح الباري) و (في هذا الرجل) قيل تصور له صورة النبي صلى الله عليه وسلم فيشار إليه. (¬2) سورة الدخان: آية 56. (¬3) سورة فاطر: آية 22.

فإن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم الإسماع. (جـ) وبالعقل فإن نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا حتى تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه إحياء ولا مساءلة، وأبلغ منه من أكلته السباع والطيور وتفرقت أجزاؤه في بطونها وحواصلها، وكذا من أحرق وتفتتت أجزاؤه وذرتها الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وغربا، فإنا نعلم عدم إحيائه ومسائلته ضرورة (وأجاب) أهل السنة: ... (أولا) عن قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى} بأن ذلك وصف لأهل الجنة، أي لا يذوق أهلها فيها الموت فلا ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المساءلة وقبل دخول الجنة. ... (ثانيا) عن قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ}. ... بأن عدم إسماع من في القبور لا يستلزم عدم إدراكهم. (ثالثا) عن دليلهم العقلي أن المصلوب لا بعد في إحيائه ومساءلته مع عدم المشاهدة، كما في النائم فإنه حي ولا نشاهد حياته، وكما في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وهو بين أظهر أصحابه مع ستره عنهم ولا بعد في رد الحياة إلى بعض أجزاء البدن فيختص بالإحياء والمساءلة والعذاب وإن لم يكن ذلك مشاهدا لنا (¬1). هذا وقد دلت الأحاديث على أن السؤال عام للمؤمن والكافر والمنافق، خلافا لمن زعم أنه خاص بمن يدعي الإيمان إن محقا وإن مبطلا مستندا لقول عبيد بن عمير التابعي: " إنما يفتن رجلان مؤمن ¬

(¬1) انظر ص 145 إلى 147 ج 8 عمدة القارئ (الميت يسمع خفق النعال) و (قال) النووي: فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر؟ (فالجواب) أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها. وكذا اليقظان يجد لذة وآلما لما يسمعه، أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه. وأما إقعاده فيحتمل أن يكون مختصا بالمقبور دون المنبوذ ومن أكلته السبباع والحيتان. وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب. انظر ص 201 ج 17 نووي مسلم. (عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر).

ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه" أخرجه عبد الرزاق وهو مقطوع (¬1). ... والأحاديث الناصة على أن الكفار يسأل مرفوعة كثيرة صحيحة، فهي أولى بالقبول. وجزم الحكيم الترمذي بأن الكافر يسأل (¬2)، ويدل عليه الكتاب والسنة. قال الله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء" (¬3). ... وفي حديث أنس عند البخاري: وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (الحديث) (¬4). وفي حديث أبي سعيد: وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ (الحديث) (¬5). ... وفي حديث البراء بن عازب: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا (الحديث) وفيه: "فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك" (الحديث) (¬6). ... هذا، والسؤال يختص بمن شأنه أنه يفتن. وعليه فالصحيح أن الصبيان والأنبياء والملائكة والشهداء لا يسألون كما تقدم (¬7). ¬

(¬1) أنظر ص 155 ج 3 فتح الباري (ما جاء في عذاب القبر) و (المقطوع) ما أضيف إلى التابعي فمن دونه من قول أو فعل أو تقرير (أنظر ص 10 ج 1 - المنهل العذب المورود). (¬2) أنظر ص 155 ج 3 فتح الباري (ما جاء في عذاب القبر). (¬3) سورة إبراهيم: آية 27. (¬4) أنظر ص 154 وما بعدها ج 3 فتح الباري (ما جاء في عذاب القبر). (¬5) أنظر رقم 14 ص 11. (¬6) أنظر رقم 45 ص 60 وما بعدها ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (الأجل). (¬7) انظر ص 64 منه.

(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته ... تقدم أنه يجب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وهو ثابت بالكتاب والسنة قال الله تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" (¬1). ¬

(¬1) سورة الأنعام: آية 93: "ولو ترى" يا محمد أو كل راء "إذ الظالمون في غمرات الموت" أي سكراته وكرباته، جمع غمرة وهي الشدة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ثم استعملت في الشدائد والمكاره "والملائكة باسطوا أيديهم" بالضرب والتعذيب يضربون وجوههم وأدبارهم" سورة الأنفال: آية 52. يضربونهم حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم يقولون لهم: "أخرجوا أنفسكم" من هذه الغمرات التي وقعتم فيها أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب. أو أخرجوا أرواحكم من أجسادكم وسلموها إلينا. وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والسلاسل والأغلال والحميم وغضب الرحمن الرحيم، فتفرق روحه في جسده وتعصى وتأبى الخروج، فتضربه الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم "اليوم تجزون عذاب الهون" أي الهوان الذي تصيرون به في إهانة وذلك بعد ما كنتم فيه من الكبر والتعاظم "بما كنتم تقولون على الله غير الحق" أي بسبب قولكم غير الحق من إنكار إنزال الله الكتب على رسله والإشراك به "وكنتم عن آياته" أي عن التصديق بها والعمل بمقتضاها "تستكبرون" أي تتعاظمون عن الإيمان بالله والقرآن وكان ما جوزيتم به من عذاب الهوان جزاء وفاقا (روى) علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "والملائكة باسطوا أيديهم" قال: هذا عذاب الموت. والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم. أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم وابن منده (انظر ص 151 ج 3 فتح الباري) ويشهد له قوله تعالى: "فكيف إذا توفهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" سورة القتال: آية 27. وفي الآية حجة على أن النفس والروح شيء واحد لقوله تعالى: "أخرجوا أنفسكم" والمراد الأرواح.

خاطبوهم عند الموت بقولهم: اليوم تجزون عذاب الهون. وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة (¬1). ... وقال تعالى: "فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بال فرعون سوء العذاب* النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 151 ج 3 فتح الباري. وقال الحافظ: وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله. (¬2) سورة غافر: آية 45 و 46 "وحاق بآل فرعون" أي أحاط ونزل بفرعون وقومه "سوء العذاب" وهو الغرق في الدنيا والعذاب بنار الجحيم في العقبى. وبين ذلك بقوله "النار يعرضون عليها غدوا وعشيا" أي صباحا ومساء ما بقيت الدنيا فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولذا قال: "ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" أي يقال للملائكة: أدخلوا آل فرعون أشد عذاب النار ألما وأعظمه نكالا (أنظر ص 481 ج 4 فتح القدير للشوكاني) فالآية حجة في إثبات عذاب القبر، وفيها رد على من أنكره مطلقا لا على من خصه بالكفار، وفيها دليل على أن الأرواح باقية بعد فراقها، وهو قول أهل السنة والجماعة. "فائدة" هذه الآية مكية وقد استدل بها على عذاب القبر وقد روى إسحاق بن سعيد عن أبيه عن عائشة أن يهودية كانت تخدمها (بضم الدال وكسرها) فلا تصنع إليها عائشة شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر. قالت: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علي فقلت: يا رسول الله قل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟ قال: لا. وعم ذلك (أي لم تسألين عن ذلك) قالت: هذه اليهودية لا نصنع إليها شيئا من المعروف وإلا قالت: وقاك الله عذاب القبر. قال: كذبت يهود لا عذاب دون يوم القيامة. ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم. أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (أنظر ص 54 ج 3 مجمع الزوائد "ما جاء في عذاب القبر"). (وقالت) عائشة: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: أشعرت أنكم تفتنون في القبور؟ فارتاع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما تفتن اليهود. فقالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هل شعرت أنه أوحى إلي أنكم تفتنون في القبور؟ فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر. أخرجه أحمد ومسلم (انظر ص 121 ج 8 - الفتح الرباني) فهذان الحديثان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علم بعموم عذاب القبر وهو بالمدينة. وآية "النار يمرضون عليها غدوا وعشيا" وآية "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين" مكيتان، وفيهما دليل على عذاب القبر لغير المؤمنين (أنظر ص 153 ج 3 فتح الباري).

ذكر عذاب الدارين ذكرا صريحا لا يحتمل غيره. ... وقال تعالى: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" (¬1). ... احتج ابن عباس على عذاب القبر، وذلك لأن قوله "من العذاب الأدنى" يدل على أنه يبقى بعد ما يذوقونه منه في الدنيا بقية يذوقونها بعد الموت، والعذاب الأكبر بعد الحشر. وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم: فيفتح له طاقة إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، فإن الذي يصل إليه بعض ذلك ويبقى أكثره. ... وقال تعالى: "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم" (¬2). ¬

(¬1) سورة السجدة: آية 21 (والعذاب الأدنى) مصائب الدنيا وفتنة القبر وعذابه (والعذاب الأكبر) عذاب الآخرة "لعلهم يرجعون" أي لعل من بقى منهم يثوب فيرجع. (¬2) سورة التوبة: آية 101. و (مردوا على النفاق) أي مرنوا واستمروا عليه وثبتوا عليه ثبوتا شديدا ومهروا فيه حتى خفى أمرهم على النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بسائر المؤمنين ولذا قال: "لا تعلمهم" أي لا تعلم أعيانهم فلا ينافى أن للنفاق دلائل لا تخفى عليه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" سورة القتال: آية 30. ولقوله "نحن نعلمهم" مقرر لما قبله لما فيه من الدلالة على أنهم مهروا في النفاق ورسخوا فيه على وجه يخفي على البشر ولا يظهر لغير الله تعالى لعلمه بما يخفي وما تكنه الضمائر. ثم توعدهم بقوله "ستعذبهم مرتين" أي في الدنيا بالفضيحة وإظهار حالهم وفي القبر بالعذاب والنكال "ثم يردون إلى عذاب عظيم" وهو عذاب الآخرة في النار. (روى) أبو مالك عن ابن عباس في قوله "وممن حولكم من الأعراب" الآية، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال "أخرج يا فلان إنك منافق وأخرج يا فلان فإنك منافق" فأخرج من المسجد ناسا منهم فضحهم. فجاء عمر وهم يخروجون من المسجد فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة (أي أنه لما رآهم خارجين ظن أنهم فرغوا من الصلاة فاستحيا أن يواجههم) وظن أن الناس قد انصرفوا، واختبئوا هم من عمر. ظنوا أنه قد علم بأمرهم، فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا، فقال له رجل من المسلمين: أبشر يا عمر قد فضح الله المنافقين اليوم. قال ابن عباس: فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد والعذاب الثاني عذاب القبر. أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط (انظر ص 231 ج 4 تفسير ابن كثير).

والأحاديث في هذا كثيرة: (منها) حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فاستوهبتها طيبا، فوهبت لها عائشة، فقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قلت: يا رسول الله، إن للقبر عذابا؟ قال: "نعم إنهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم" أخرجه أحمد والنسائي، وكذا البخاري بنحوه (¬1). {18} (وحديث) ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم تسمع أصواتهم" أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن (¬2). {19} ¬

(¬1) أنظر ص 118 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في عذاب القبر) وص 291 ج 1 مجتبي (التعوذ من عذاب القبر) وص 153 ج 3 فتح الباري (ما جاء في عذاب القبر). (¬2) أنظر ص 56 ج 3 مجمع الزوائد (العذاب في القبر).

(وحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يرسل على الكافر حيتان: واحدة من قبل رأسه والأخرى من قبل رجليه، يقرصانه قرصا، كلما فرغتا عادتا، إلى يوم القيامة" أخرجه أحمد بسند حسن (¬1) {20} ... (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر عذاب القبر من البول" أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وابن خزيمة وصححاه بسند جيد (¬2). {21} (وحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه حين توفى، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع في قبره وسوى عليه سبح النبي صلى الله عليه وسلم، فسبحنا طويلا، ثم كبر فكبرنا، فقيل: يا رسول الله لم سبحت ثم كبرت؟ قال: "لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عز وجل عنه" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند جيد (¬3). {22} ... وفيه دليل على أن ضغطة القبر تعم الصالح والطالح، فالصالح يضمه القبر ضمة رفق وإشفاق، والطالح يضمه ضمة تختلف منها أضلاعه. ... (وحديث) عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن للقبر ضغطة ولو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ" أخرجه أحمد والبيهقي بسند جيد (¬4). {23} ... (وحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي على صبي أو صبية فقال ¬

(¬1) أنظر ص 55 ج 3 مجمع الزوائد وص 124 ج 8 - الفتح الرباني (عذاب القبر). (¬2) انظر ص 130 ج 8 منه (عذاب القبر سبب البول) وص 74 ج 1 - ابن ماجه (التشديد في البول) (ومن البول) أي من جهة عدم التحرز منه لأنه مفسد للصلاة. (¬3) انظر ص 133 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في ضغطة القبر) وص 46 ج 3 مجمع الزوائد. (¬4) انظر ص 134 ج 8 - الفتح الرباني (ضغطة القبر) وص 46 ج 3 مجمع الزوائد.

"لو كان أحد نجا من ضغطة القبر لنجا هذا الصبي" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات (¬1). {24} ... قال أبو القاسم السعدي: لا ينجو من ضمة القبر صالح ولا طالح، غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى القبر ثم يفسح له. والمراد بضغطه القبر التقاء جانبيه على جسد الميت. وقال الحكيم الترمذي: سبب هذا الضغط أنه ما من أحد إلا وقد ألم بذنب ما، فتدركه هذه الضغطة جزاء لما ألم ثم تدركه الرحمة. وكذلك ضغطة سعد بن معاذ في التقصير من البول (¬2). (قلت) يشير إلى ما روي الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين دفن سعد بن معاذ: "إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة، فدعوت الله أن يرفعه عنه، وذلك بأنه كان لا يستبرئ من البول" أخرجه البيهقي (¬3). {25} ... وأما الأنبياء فليس لهم في القبور ضمة ولا سؤال لعصمتهم (وعن) أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس إلى قبر منها فقال: "ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق: يا بن آدم كيف نسيتني؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه؟ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن أيوب بن سويد، وهو ضعيف (¬4). {26} ¬

(¬1) انظر ص 47 ج 3 مجمع الزوائد (ضغطة القبر). (¬2) انظر ص 289 ج 1 زهر الربى. (¬3) انظر ص 290 ج 1 منه. (¬4) انظر ص 46 ج 3 مجمع الزوائد (خطاب القبر) و (ذلق وطلق) بفتح فسكون، أي فصيح بليغ.

والأحاديث في هذا كثيرة، وهي تدل على ثبوت عذاب القبر للكفار مطلقا ولمن شاء الله من الموحدين، وأنه لا ينجو من ضغطته إلا الأنبياء لعصمتهم، وأن نعيمه للمؤمنين الصالحين. ... (وبهذا) قال أهل السنة والجماعة، لأنه أمر دل عليه الكتاب والسنة، ولا يمتنع عقلا أن يعيد الله الحياة في الجسد كله أو بعضه ويعذبه أو ينعمه. وإذا ورد به الشرع ولم يمنعه العقل وجب قبوله واعتقاده. ولم يخالف في ثبوت عذاب القبر إلا الخوارج وأكثر المعتزلة. والمعذب عند أهل السنة الجسد كله أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه. وخالف فيه طائفة فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، وهذا فاسد، لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك. فكما أن الله تعالى قادر على أن يعيده للحشر، فهو قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء وإن أكلته السباع والحيتان (¬1). ... (قال) ابن القيم: أما عذاب القبر فحق أعاذنا الله منه، ولا خلاف بين أهل السنة فيه لثبوته بالأخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة المتواترة تواترا معنويا. (قال) أبو عبد الله أحمد بن حنبل: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل. وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله في عذاب القبر، فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها. كلها جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد، قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه". ... قلت له: وعذاب القبر حق؟ قال: حق يعذبون في القبور، وقال: نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير، وأن العبد يسأل في قبره، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أي في القبر (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 17 نووي مسلم (إثبات عذاب القبر والتعوذ منه). (¬2) انظر ص 91 كتاب الروح.

(وأما) محل العذاب فالروح والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة، فإذا مات العبد تبقى روحه منعمة أو معذبة، تارة منفردة عن البدن، وتارة متصلة به، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحالة مجتمعين (¬1)، فإذا كان يوم القيامة أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين وتعاد الأبدان. وهذا متفق عليه بين أهل الشرائع المسلمين واليهود والنصارى (¬2). وإنما أوقع من أحال عذاب القبر في الضلال قياسهم غيب المال على شاهد الحال. (والجواب) عن شبههم أنا نعلم أن الرسل صلوات الله عليهم وسلام لم يخبروا بما يحيله العقل، غاية ما يقال إنهم يخبرون بما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب من تفاصيل البرزخ واليوم الآخر والثواب والعقاب. ولا يكون خبرهم محالا في العقل أصلا، بل كل خبر يظن أن العقل يحيله، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون كذبا عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسدا، وهو شبهة خيالية يظن صاحبها أنها معقول صريح، قال تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى؟ } (¬3). ... وهذا يندفع بأمور ملاكها أن ننعم النظر في السنة مع التلبس بثوب الافتقار والتضرع للملك الجبار حتى نفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا نحمل كلامه ما لا يحتمله ولا نخرج به عن مراده، وقد حصل بإهمال ذلك من الضلال ما لا يعلمه إلا الله، وسوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة، بل أصل كل خطاء في الأصول والفروع، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد، وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما من عكس الأمر فعرض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يعتقده مما قلد فيه من أحسن الظن به فهو في الضلال لا ينفعه جدال، فدعه وما اختاره لنفسه ووله ما تولى وسل الله العافية (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 80 كتاب الروح. (¬2) انظر ص 83 منه. (¬3) سورة الرعد: آية 19 وانظر ص 99 كتاب الروح. (¬4) انظر ص 100 منه.

(فوائد): ... (الأولى) اعلم أن الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار. ولكل دار أحكام تختص بها: (أ) فدار الدنيا جعل الله أحكامها على الأبدان، وجعل الأرواح تبعا لها، ولذا جعل الله الأحكام الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافها. (ب) وجعل الله أحكام البرزخ على الأرواح وجعل الأبدان تبعا لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا- فتألمت بألمها وألتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب- تبعت الأبدان الأرواح في القبور في نعيمها وعذابها. والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم. فالأبدان هنا ظاهرة والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها، والأرواح هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها. تجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى أبدانها نعيما أو عذابا كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري إلى الأرواح. (جـ) وجعل الله أحكام الدار الآخرة على الأرواح والأبدان معا، فأحط بهذا الوضع علما يزل عنك كل إشكال. وقد أرانا الله تعالى من ذلك نموذجا في الدنيا من حال النائم، فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلا والبدن تبع له. وقد يتعدى أثره إلى البدن تأثيرا مشاهدا فيرى النائم أنه عذب أو نعم فيصبح وأثر ذلك في جسمه ونحو ذلك (¬1). (قال) سعيد بن سلمة: بينا امرأة عند عائشة إذ قالت: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أشرك بالله شيئا ولا أسرق ولا أزني ولا أقتل ولدى ولا آتي ببهتان بين يدي ورجلي ولا أعصى فلي معروف، فوفيت لربي فو الله لا يعذبني الله تعالى، فأتاه في المنام ملك فقال: كلا إنك تتبرجين ¬

(¬1) انظر ص 101 كتاب الروح.

وزينتك تبدين وخيرك تكدرين وجارك تؤذين وزوجك تعصين، ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها فقال: خمس بخمس ولو زدت زدناك. فأصبحت وأثر الأصابع في وجهها. ذكر الحارث بن أسد المحاسبي (¬1). (قال) ابن القيم: وأعجب من ذلك ربما رأيت النائم يقوم ويضرب ويبطش ويتكلم كأنه يقضان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك. وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس، فإذا كانت الروح هنا تتألم وتتنعم فيصل ذلك إلى البدن بطريق الاستتباع ففي البرزخ أقوى، فإذا كان يوم الحشر صار الحكم على الأرواح والأجساد معا، ومتى أعطيت هذا الموضع حقه لاحت لك أسرار أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر ونعيمه. ومن أشكل عليه شيء من ذلك فمن قلة علمه وسوء فهمه. وأغرب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد: هذا روحه في نعيم، وهذا روحه في عذاب، وربما استيقظا أو أحدهما وأثر ذلك على بدنه ولا شعور لأحدهما بما فيه الآخر (¬2). ... (الثانية) أعلم أن الله تعالى حجب أمر الآخرة وما كان متصلا بها عن إدراك المكلفين في هذه الدار، وذلك من كمال حكمته ليتميز المؤمن بالغيب من غيره. وأول ذلك نزول الملائكة على المحتضر على الهيئات التي تقدمت في الأحاديث. وقد يسلمون عليه ويرد عليهم بلفظ أو إشارة. وربما سأل من عنده عنهم: من أين هؤلاء الرجال الحسان؟ ونحو ذلك، وكل من امتدت حياته في هذه الدار رأى من ذلك ما يغنيه عن الأخبار، ويكفي من ذلك قوله تعالى: ¬

(¬1) انظر ص 139 ج 8 - الفتح الرباني (الشرح). (¬2) انظر ص 102 كتاب الروح.

{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} (¬1). ... أي أقرب إليه بملائكتنا ورسلنا وغير ذلك من قبض الروح وخروجها والشعاع الذي يخرج معها، والروح الطيب والخبيث، وهو غير مرئي لنا ولا محسوس وهو في هذه الدار، ثم تأتي الروح فتشاهد غسل الميت وتكفينه وحمله (¬2). (روى) أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الصعق" أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي (¬3). {27} وقد ثبت نحو هذا في هذه الدار وأطلع الله عليه بعض من اختار. فهذا جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتمثل له رجلا يكلمه تارة، وتارة يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس ولا يسمعه غيره من الحاضرين. وكان يدارسه القرآن ويشاهد الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال الاضطرارية الطبيعية ما يعلم بها مجيئه إليه قطعا من غير إخبار ولا يسمعون كلامه ولا يرون شخصه، وربما رآه بعضهم كما جاء في الصحيح (فقد) كانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط وتصيح بهم ويراهم الكفار ويسمعونهم كما أخبر كثيرا منهم بذلك بعد إسلامه ولا يسمع المسلمون ولا يرون. وكل من له نظر في كتب السنة الصحيحة قطع بذلك. وهذاه الجن تتكلم بالأصوات المرتفعة بيننا ونحن لا نسمعهم والعبد أضعف بصرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة ¬

(¬1) سورة الواقعة: آية 83 و 84 و 85. (¬2) انظر ص 103 و 104 كتاب الروح. (¬3) انظر رقم 593 ص 333 ج 7 - الدين الخالص (حمل الجنازة).

عذاب القبر، وربما كشف لبعض الناس عن شيء فربما ثبت وربما صعق (¬1)، وليس بعزيز على من أوجد هذا الإنسان من العدم وجعله حيا عالما سميعا بصيرا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، أن يجمع أجزاءه بعد أن تفرقت رمادا في هواء البر والبحر وفي حواصل الطير وبطون السباع، ويجعل للروح اتصالا بها لتحس بالعذاب والنعيم؛ فقد أرانا أعجب من ذلك بأن جعل في الجمادات شعورا وإدراكا (فقد) صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع تسليم الحجر والشجر عليه (¬2)، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل والحصى في أيديهم، وأما حنين الجذع فأشهر من أن يذكر (¬3). (الثالثة) اتساع القبر وضيقه ونوره وظلمته أمر معلوم من الدين بالضرورة لا مرية فيه لمتشرع لما تقدم من الأحاديث الصحيحة، وفيها أنه يفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون والكفار بعكس ذلك؛ هذا واتساع القبر للروح بالذات والبدن تبع لها فيكون البدن في لحد أضيق من ¬

(¬1) انظر ص 113 و 114 كتاب الروح .. (¬2) روي جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن بمكة حجرا كان يسلم على ليالي بعثت إني لأعرفه الآن" أخرجه مسلم والترمذي (أنظر ص 329 ج 3 تيسير الوصول) وقال ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: "أن أدعو هذا العذق من النخلة فيشهد لي أني رسول الله، فدعاه فجعل المذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرجع إلى موضعك، فعاد إلى موضعه والتأم، فأسلم الأعرابي. أخرجه الترمذي (انظر ص 330 ج 3 تيسير الوصول). (¬3) قال أنس: خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى لزق جذع، فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه صلى الله عليه وسلم، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل صلى الله عليه وسلم فمسه فسكن. أخرجه الترمذي (أنظر ص 330 ج 3 تيسير الوصول).

ذراع وقد فسح له مد بصره تبعا لروحه (قال) ابن القيم: أخبر بعض الصادقين أنه حفر ثلاثة أقبر، فلما فرغ منها اضطجع ليستريح فرأى فيما يرى النائم ملكين نزلا فوقفا على أحد الأقبر، فقال أحدهما لصاحبه: أكتب فرسخا في فرسخ، ثم وقفا على الثاني فقال: اكتب ميلا في ميل، ثم وقفا على الثالث فقال: اكتب فترا في فتر، ثم انتبه فجئ برجل غريب لا يؤبه له فدفن في القبر الأول، ثم جئ برجل آخر فدفن في القبر الثاني، ثم جئ بامرأة مترفة من وجوه البلد حولها ناس كثير فدفنت في القبر الضيق الذي سمعه يقول: فترا في فتر (¬1). ... (الرابعة) أعلم أن الميت إذا وضع في لحده ودفن لا يحجب التراب الملائكة عن الوصول إليه، بل لو نقر له حجر وأودع فيه وختم عليه بالرصاص لم يمنع وصولهم إليه، فإن هذه الأجسام الكثيفة لا تمنع خرق الأرواح لها، بل الجن لا يمنعها ذلك، وقد جعل الله تعالى الحجارة والتراب للملائكة بمنزلة الهواء للطير (¬2). (الخامسة) أعلم أن النار التي في القبر والخضرة ليستا من نار الدنيا ولا نباتها ولا يحس بهما أهل الدنيا. فالله تعالى يحمي على الميت ذلك التراب وتلك الحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون اعظم حرا من نار الدنيا بما لا يعلمه إلا الله ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك، وأعجب من هذا أن الرجلين يدفنان أحدهما إلى جنب الآخر، وهذا في حفرة من حفر النار لا يصل حرها إلى جاره، بل ربما كان في روضة من رياض الجنة. وقد أرانا الله تعالى من آثار قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك، لكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما إلا من وفقه الله وعصمه، فكيف ينكر في الحكمة إسبال غطاء يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ما يريد الله تعالى إخفاءه حتى إذا ¬

(¬1) انظر ص 105 كتاب الروح (والفتر) بكسر فسكون: ما بين رأسي الإبهام والسبابة. (¬2) انظر ص 104 و 105 كتاب الروح.

كشف الغطاء شاهدوه عيانا، وقد يطلع الله على ذلك بعض عبيده؛ ولو أطلع الكل عليه لزالت حكمة التكليف والإيمان بالغيب ولما تدافن الناس كما في الصحيحن (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بينا أسير بجنبات بدر إذ خرج رجل من حفرة في عنقه سلسلة فناداني: يا عبد الله اسقني، فلا أدري أعرف اسمي أو دعاني بدعاية العرب؟ وخرج رجل في ذلك الحفير في يده سوط فناداني: لا تسقه فإنه كافر ثم ضربه بالسوط حتى عاد إلى حفرته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا فأخبرته، فقال لي: أو قد رأيته؟ قلت: نعم. قال: ذاك عدو الله أبو جهل بن هشام وذاك عذابه إلى يوم القيامة. أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة وهو ضعيف (¬2). {28} ... وعن هشام بن عروة رضي الله عنهما عن أبيه قال: بينما راكب يسير بين مكة والمدينة إذ مر بمقبرة فإذا برجل قد خرج من قبره يلتهب نارا مصفداً ¬

(¬1) انظر ص 105 و 106 كتاب الروح (ولما تدافن الناس) أي لا يدفن بعضهم بعضا لما يحصل لهم من الفزع والدهشة المؤدية لترك مصالحهم حتى يتركوا دفن موتاهم، ولفظ الحديث: عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فيه أقبر وهو على بغلته فحادت به (أي مالت عن الطريق ونفرت لما اعتراها من الفزع عند سماع أصوات المعذبين بالقبور) وكادت أن تلقيه، فقال: من يعرف هذه الأقبر؟ فقال رجل: يا رسول الله قوم هلكوا في الجاهلية، فقال: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر، ثم قال: تعوذوا بالله من عذاب جهنم. قلنا: نعوذ بالله من عذاب جهنم. ثم قال: تعوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال. فقلنا: نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال. ثم قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر. فقلنا: نعوذ بالله من عذاب القبر. ثم قال: تعوذوا بالله من فتنة المحيا والممات. قلنا نعوذ بالله من فتنة المحيا والممات .. أخرجه أحمد ومسلم (انظر ص 126 ج 8 - الفتح الرباني (عذاب أهل الجاهلية في القبر) وص 202 ج 17 نووي. (¬2) انظر ص 57 ج 3 مجمع الزوائد (العذاب في القبر).

في الحديد فقال: يا عبد الله انضح يا عبد الله انضح، وخرج آخر يتلوه فقال: يا عبد الله لا تنضح يا عبد الله لا تنضح، وغشى على الراكب وعدلت به راحلته إلى العرج وأصبح قد أبيض شعره، فأخبر عثمان بذلك، فنهى أن يسافر الرجل وحده. ذكره ابن أبي الدنيا (¬1). (السادسة) أعلم أن عذاب القبر ونعيمه هو عذاب البرزخ ونعيمه وهو ما بين الدنيا والآخرة وإنما أضيف إلى القبر باعتبار الغالب؛ فالمصلوب والغريق والحريق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه حتى لو علق العاصي على رءوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه، ولو ألقى الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه فيجعل الله النار على هذا بردا وسلاما والهواء على ذلك نارا وسموما، فعناصر العالم ومواده منقادة لربها وفاطرها يصرفها كيف يشاء كما صرفها فيما ناشد بخلق هذه القوى فيها بعد أن لم تكن- تبارك اسمه (¬2). ... (السابعة) عذاب القبر نوعان: (أ) دائم وهو عذاب الكفار وبعض العصاة لقوله تعالى في آل فرعون: " النار يعرضون عليهم غدوا وعشيا " (¬3). وفي حديث سمرة عند البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم: فهو يفعل به ذلك يوم القيامة (¬4). وفي حديث أبي هريرة: في الذين ترضخ رءوسهم ¬

(¬1) انظر ص 107 كتاب الروح. و (المرج) بفتح فسكون: موضع بطريق المدينة. (¬2) انظر ص 117 و 118 كتاب الروح. (والأتون) بشدة التاء: الموقد، والعامة تخففه، وجمعه أتاتين بتامين. (¬3) سورة غافر: آية 46. (¬4) انظر الحديث تماما بهامش ص 153 ج 5 - الدين الخالص (الإسراء) وص 162 ج 3 فتح الباري (باب- بعد ما جاء في أولاد المشركين).

لا يفتر عنهم (¬1). وفي الصحيح عن أبي هريرة في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة (¬2). وفي بعض ألفاظ حديث البراء الطويل عند أحمد: ثم يخرق له خرق إلى النار فيأتيه من غمها ودخانها إلى يوم القيامة (¬3). لكن ورد في بعض الأحاديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين فإذا قاموا من قبورهم قالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا. ... (ب) عذاب منقطع، وهو عذاب من خفت جراثمهم من العصاة، فإن كلا يعذب بحسب جريمته، ثم يرفع عنهم بدعاء أو صدقة أو قراءة أو نحو ذلك (قال) عبد الله بن نافع: مات رجل من أهل المدينة فرآه رجل كأنه من أهل النار فاغتم لذلك، ثم إنه سابعة أو ثامنة رآه كأنه من أهل الجنة، فقال: ألم تكن قلت إنك من أهل النار؟ قال: قد كان ذلك، إلا أنه دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه فكنت منهم. ذكره ابن أبي الدنيا. ... (وقال) وحدثنا أحمد بن يحيى عن بعض الأصحاب قال: مات أخي فرأيته في النوم فقلت له: ما كان حالك حين وضعت في قبرك؟ قال: أتاني آت بشهاب من نار، فلولا أن داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به. (وقال) بشار بن غالب: رأي رابعة العدوية في منامي وكنت كثير الدعاء لها، فقالت لي: يا بشار هداياك تأتينا على أطباق من نور مغطاة بمناديل الحرير. قلت: وكيف ذاك؟ قالت: هكذا دعاء المؤمنين الأحياء للموتى إذا ¬

(¬1) الحديث أخرجه البزار. انظره تاما بهامش ص 149 ج 5 - الدين الخالص (الإسراء) وص 67 ج 1 مجمع الزوائد. (¬2) الحديث أخرجه الشيخان. انظر ص 202 ج 10 فتح الباري (من جر ثوبه من الخيلاء) وص 64 ج 14 نووي (تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه). و (يتجلجل) بالجيم: أي يتحرك وينزل مضطربا. والصحيح أن هذا الرجل كان من بني إسرائيل. (¬3) انظر ص 143 كتاب الروح.

استجيب جعل على أطباق النور ثم غطى بمناديل الحرير، ثم أتى بها الذي دعى له من الموتى فقيل: هذه هدية فلان إليك (¬1). (الثامنة) الأسباب الموجبة لعذاب القبر هي الجهل بالله تعالى، وإضاعة أوامره واتركاب معاصيه المفضية إلى سخطه وعذابه، فمن أغضب الله تعالى وأسخطه في هذه الدار، ومات من غير توبة، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه فمستقل ومستكثر (¬2). وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم للوقوع في عذاب القبر أسبابا كثيرة من اتقى ما ذكر من هذا الإجمال، استغنى عن تفصيلها، ولما كان أكثر الناس مستخفا بأكثر النواهي كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل إلا إن عفا الله، وهو أهل العفو والمغفرة. (التاسعة) الأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة (منها) العلم بالله وخشيته وتقواه وامتثال أمره والوقوف عند نهيه وتجنب الأسباب المقتضية للعذاب، ومن أنفع ذلك أن يجلس الإنسان قبل النوم ساعة يحاسب فيها نفسه ثم يجدد لكل ذنب توبة نصوحا وينام على هذه التوبة، فإن مات كان على توبة وإلا استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخير الأجل حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه التوبة لا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله تعالى واستعمل السنن التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يغلبه النوم (¬3). هذا، وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم للنجاة من عذاب القبر أسبابا أخرى (منها) الشهادة في سبيل الله (روى) راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. أخرجه النسائي (¬4). {29} ¬

(¬1) انظر ص 144 و 145 كتاب الروح. (¬2) انظر ص 123 منه. (¬3) انظر ص 127 و 128 كتاب الروح. (¬4) انظر ص 289 ج 1 مجتبي (الشهيد) ورقم 54 ص 74 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة (سؤال القبر).

والمعنى أن الشهيد اختبر إيمانه من نفاقه ببارقة السيف، فدل على أن إيمانه هو الذي يحمله على بروزه للقتل وبذل نفسه لله وتسليمها له، وهاج من قلبه حمية الغضب لله ورسوله إظهارا لدينه وإعزازا لكلمته فظهر أن دعواه الإيمان بلسانه برزت عن قلب صادق وضمير الله واثق، فأغنى ذلك عن الامتحان في قبره (ومنها) المواظبة على قراءة سورة تبارك في كل ليلة. (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة (تبارك الذي بيده الملك) حتى ختمها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا إنسان يقرأ سورة تبارك حتى ختمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر" أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه (¬1). {30} (وعن عكرمة) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال: اقرأ (تبارك الذي بيده الملك) وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية، والمجادلة تجادل يوم القيام عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن ينجيه من عذاب النار ومن عذاب القبر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي" أخرجه عبد بن حميد والحاكم والطبراني (¬2). {31} .. (ومنها) جملة أعمال صالحة مبينة في حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بمسجد المدينة. ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 1 تيسير الوصول (سورة الملك) وص 129 كتاب الروح وص 250 ج 5 فتح القدير للشوكاني. (¬2) انظر ص 19 ج 8 - المنهل العذب (الشرح) وص 129 كتاب الروح.

فقال: إني رأيت البارحة عجبا: رأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءه وضوؤه من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءته صلاته فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله فخلصه منهم، ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا فجاءه صيام رمضان فسقاه، ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة، ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرده عنه، ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت: إن هذا كان واصلا لرحمه فكلمهم وكلموه وصار معهم، ورأيت رجلا من أمتي يأتي النبيين وهم حلق حلق كلما مر على حلقة طرد فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي، ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه فجاءته صدقته فصارت ظلا على رأسه وسترا عن وجهه، ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى بها في الدنيا من خشية الله فأخرجته من النار، ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله فجاءه خوفه من الله تعالى فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه، ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلا من أمتي على شفير جهنم فجاءه وجله من الله تعلى فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السفعة فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته، ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط مرة ويحبو مرة فجاءته صلاته على فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز، ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله

(13) المشي بالنعلين بين القبور

فأخذت بيده فأدخلت الجنة" أخرجه الطبراني في الكبير والديلمي وأبو موسى المديني وقال: حديث حسن جدا، وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي، وكلاهما ضعيف (¬1). {32} ... وقال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام- يعني ابن تيمية- يعظم أمر هذا الحديث وقال: أصول السنة تشهد له وهو من أحسن الأحاديث (ومنه) تعلم رد قول ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح. ... (وقال) القرطبي: هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمال خاصة تنجي من أحوال خاصة، وإنما هذا لمن أخلص لله في عمله وصدق الله في قوله وفعله وأحسن نيته في سره وجهره، فهو الذي تكون أعماله حجة له دافعة عنه مخلصة إياه، فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار أخر، فإن الناس مختلفو الحال في الإخلاص في الأعمال (¬2). (13) المشي بالنعلين بين القبور يجوز- عند الحنفيين ومالك والشافعي- المشي بين القبور بالنعل والخف ¬

(¬1) انظر ص 132 وما بعدها كتاب الروح. ورقم 2652 ص 21 وما بعدها ج 3 فيض القدير (واحتوشته) احتاطت به (وحلق) بكسر ففتح: جمع حلقة بفتح أو كسر فسكون كقصعة وسدرة، والرواية بفتحتين على غير قياس، أي يجلسون دوائر دوائر (وأفراطه) جمع فرط بفتحتين، أي أولاده الصغار الذين ماتوا قبله وصبر عليهم (والسعفة) بفتح فسكون: خوص جريد النخل (أرى) النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا، ورؤيا الأنبياء حق ووحي .. (ليعلم) العباد فائدة هذه الطاعات وأن لكل نوع منها أثرا في الموقف وفي مواطن القيامة يعينه وينجيه من الأهوال (أنظر ص 25 ج 3 فيض القدير). (¬2) انظر ص 25 ج 3 منه.

ونحوهما (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع فرع نعالهم (الحديث) أخرجه احمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬1). {33} (وقال) أحمد وبعض الشافعية: يكره المشي بين المقابر بالنعل مطلقا. ويسن خلعه إذا دخلها إلا لضرورة كخوف نجاسة أو شوك أو حرارة أرض (لقول) بشير بن معبد: بينما أنا أماشي النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ثلاثا، ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ثلاثا، ثم حانت من النبي صلى الله عليه وسلم نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتك، مرتين أو ثلاثا. فنظر الرجل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه. أخرجه أحمد والحاكم وصححه والأربعة إلا الترمذي، وهذا لفظ أبي داود (¬2). {34} ¬

(¬1) أنظر ص 82 ج 8 - الفتح الرباني (المشي بين القبور بالنعل) وص 154 ج 3 فتح الباري (ما جاء في عذاب القبر) وص 203 ج 17 نووي (إثبات عذاب القبر) وص 88 ج 9 - المهل العذب المورود (المشي بين القبور بالنعل) وص 288 ج 1 مجتبي (التسهيل في غير السبتية) وأنظر الحديث تاما رقم 50 ص 72 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة (سؤال القبر). (¬2) انظر ص 80 ج 8 - الفتح الرباني (المشي بين القبور بالنعل) وص 85 ج 9 المهل العذب المورود، وص 288 ج 1 مجتبي (كراهية المشي بين القبور بالنعال السبتية) وص 244 ج 1 - ابن ماجه (خلع النعلين في المقابر) و (بشير) كعظيم، كان اسمه زحما- بفتح فسكون- فسماه النبي صلى الله عليه وسلم بشيرا. و (لقد سبق هؤلاء خيرا ... ) أي تقدموا الخير حتى جعلوه خلف ظهورهم ولم يعملوا به، والتكرير للتأكيد والتنفير من التخلق بأخلاقهم. و (لقد أدرك هؤلاء خيرا ... ) أي تحصلوا عليه. وفي رواية النسائي: لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا. أي سبقوه حتى جعلوه وراء ظهورهم ووصلوا إلى الخير والكفار بالعكس. و (عليه نعلان) يعني يمشي بينها في نعليه كما في رواية النسائي وابن ماجه. و (السبتيتين) بكسر السين وسكون الباء: نسبة إلى السبت وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ، سميت بذلك لأن شعرها قد سبت، أي أزيل. و (ويحك) كلمة ترحم وإشفاق، عكس ويلك: وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخلع احتراما للقبور.

(14) دفن أكثر من واحد في القبر

(وقال) ابن حزم: يحرم المشي بين القبور بنعلين سبتيتين، ويجوز بغيرهما عملا بالحديثين (¬1). ... (وأجاب) الجمهور عن حديث السبتيتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الرجل بخلعهما لاحتمال أنه كان بهما قذر أو لاختياله بهما، لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترفه والتنعيم، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون السائر في المقابر على زي التواضع. وبهذا يجمع بين الحديثين (¬2). (14) دفن أكثر من واحد في القبر لا يدفن اثنان فأكثر في قبر، بل يفرد كل ميت في قبر حال الاختيار، لأن الأحاديث دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل واحد في قبر. واستمر عمل الصحابة ومن بعدهم على هذا. فيكره جمع اثنين في قبر إلا لضرورة، ككثرة الموتى وتعسر إفراد كل ميت بقبر، أو قلة الدافنين أو ضعفهم، فيجمع بين الاثنين والأكثر في قبر بحسب الضرورة، لحديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال: جاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقالوا: يا رسول الله أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا؟ فقال: احفروا وأوسعوا واعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر، قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: أكثرهم قرآنا. أخرجه أحمد والبيهقي والثلاثة. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬3). {35} ¬

(¬1) (عملا بالحديث) وهذا جمع حسن. ولا وجه لمن غلط ابن حزم بأن سماع خفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي بين القبور، لأن الغالب فيمن دفن الميت أن يمشي بين القبور. والأحكام ينظر فيها إلى الغالب. (¬2) انظر ص 312 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 53 ج 8 - الفتح الرباني (دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد إذا اقتضى الحال ذلك) وص 413 ج 3 بيهقي (ما يستحب من اتساع القبر وإعماقه) وص 67 ج 9 - المنهل العذب المورود (تعميق القبر) وص 283 ج 1 مجتبي (ما يستحب من إعماق القبر) وتقدم نحوه رقم 654 ص 359 ج 7 - الدين الخالص (ما يطلب في القبر) (والقرح) بفتح أو ضم فسكون في الأصل: الجرح، وقيل بالفتح: الجرح، وبالضم: أثره وهو الألم (والجهد) بفتح فسكون: المشقة (وأحضروا) أمر من حفر كضرب.

(وروى) عبد الرحمن بن كعب أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد. أخرجه البخاري (¬1). {36} ... وفي الحديثين دليل على جواز دفن الرجلين والمرأتين في قبر للضرورة ويندب حاجز بين كل اثنين بتراب إن أمكن. وكذا يجوز دفن الرجل مع المرأة للضرورة (روى) واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه. أخرجه عبد الرزاق بسند حسن (4). {37} وليس من الضرورة المبيحة لجمع أكثر من ميت في قبر ضيق محل الدفن في تلك المقبرة مع وجود غيرها مسبلة أو موقوفة، ولا دفن الرجل مع قريبه اتفاقا. فإن حصلت ضرورة لدفن أكثر من واحد في القبر يقدم فيه أفضلهم إلى القبلة؛ فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل ثم الصبي ثم المرأة. ويقدم الأب على الابن وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة. وتقدم الأم على البنت. ولو مات جماعة من أهله وأمكنه دفنهم واحدا واحدا فعل، فإن خشي تغير أحدهم بدأ به ثم بمن خشي تغيره، وإن لم يخش تغير أحد بدأ بأبيه ثم أمه ثم الأقرب فالأقرب، فإن كانا أخوين قدم أكبرهما، فإن استويا أو كانتا زوجتين أقرع بينهما (¬2). ¬

(¬1) (3 و 4) انظر ص 129 ج 3 فتح الباري (دفن الرجلين والثلاثة في القبر). (¬2) انظر ص 284 ج 5 مجموع النوي.

(الفوائد): ... (الأولى) من مات في سفينة دفن في قبر إن أمكن الخروج قبل تغيره وإلا ألقى في البحر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه- عند النعمان ومالك وأحمد لما روى أنس بن مالك أن أبا طلحة ركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ولم يتغير. أخرجه البيهقي بسند صحيح (¬1). {38} ... وقال: وروينا عن الحسن البصري أنه قال: يغسل ويكفن ويصلي عليه ويطرح في البحر. وفي رواية: يجعل في زمبيل ثم يقذف به في البحر. ... (وقالت) الشافعية: يجهز ثم يجعل بين لوحين ويلقى في البحر ليلقيه إلى الساحل فلعله يصادفه من يدفنه. ... (الثانية) لو ماتت امرأة حامل واضطرب في بطنها ما رأوا أنه جنين حي، شق بطنها وأخرج، صيانة لحق الحي- عند الحنفيين وأكثر الفقهاء. (قالت) الشافعية: إن رجى حياة الجنين وجب شق جوفها وإخراجه، وإلا فثلاثة أوجه: أصحها لا تشق ولا تدفن حتى يموت، وقيل: تشق ويخرج، وقيل: يثقل بطنها بشيء ليموت الجنين، وهو مردود منكر، وكيف يؤمر بقتل حي معصوم وإن كان ميئوسا من حياته من غير سبب منه يقتضي القتل؟ وإذا قلنا بشق جوفها شق في مكان يسهل على الطبيب شقه (¬2). ... (وقالت) الحنبلية: لو ماتت وفي بطنها جنين ترجى حياته حرم شق بطنها بل تخرجه النساء لا الرجال، وهو معتمد مذهب مالك، لأن حياة الجنين مشكوكة فلا تهتك حرمتها لهذا المشكوك فيه. وإن لم يمكن إخراجه لا تدفن حتى يتحقق موته ولو تغيرت (وعن) مالك أنه إن رجى حياته يشق بطنها من خاصرتها اليسرى إن كان الحمل أنثى، ومن اليمين إن كان الحمل ذكرا. ¬

(¬1) انظر ص 7 ج 4 بيهقي (الإنسان يموت في البحر). (¬2) نظر ص 302 ج 5 مجموع النووي.

واتفق العلماء على أنه إن أمكن إخراجه بحيلة غير الشق وجب (¬1)، ولو خرج بعض الولد حيا ولم يمكن إخراجه إلا بشق شق المحل وأخرج لما ذكرنا. وإن مات على تلك الحال وأمكن إخراجه أخرج وغسل. وإن تعذر غسله ترك وغسلت الأم وما ظهر من الولد. وما بقى ففي حكم الباطن لا يحتاج إلى التيمم من أجله، لأن الجميع كان في حكم الباطن، فلما ظهر البعض تعلق به حكم الظاهر وما بقي فهو على ما كان عليه (¬2). ... والظاهر مذهب الأولين. والعمدة في ترجيح حياة الجنين وعدمها قول ثقات الأطباء. وقد ثبت ذلك فليس أمرا موهوما كما قاله الحنبلية بناء على تجربة ناقصة. ... (الثالثة) لو ماتت نصرانية حامل من مسلم دفنت في قبر وحدها وظهرها إلى القبلة على جانبها الأيسر- على المختار عند أحمد- ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن لأن وجهه إلى ظهرها وهي كافرة فلا تدفن في مقابر المسلمين وولدها محكوم بإسلامه فلا يدفن بين الكفار (روى) سليمان بن موسى عن واثلة بن الأسقع أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها ولد مسلم في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين. أخرجه البيهقي (¬3). ... (الرابعة) يستحب اتفاقا جمع الموتى الأقارب في مكان واحد بأن يقارب بين قبورهم، لأنه أيسر لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون وضع صخرة عند رأسه وقال: أتعلم بها قبره وأدفن إليه من مات من أهلي (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 174 ج 1 - الصاوي على صغير الدردير. (¬2) انظر ص 413 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 59 ج 4 بيهقي (النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم) (وأما) ما روي عمرو بن دينار أن شيخا من أهل الشام أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفن امرأة من أهل الكتاب في بطنها ولد مسلم في مقبرة المسلمين. أخرجه البيهقي بص 58 ج 4 (فقد) قال ابن المنذر: لا يثبت. (¬4) تقدم برقم 665 ص 363 ج 7 - الدين الخالص (تعليم القبر بحجر أو غيره).

(الخامسة) إن بلع شخص مالا فمات لا يشق بطنه ولو كان المال لغيره ولم يدع ما يفي به فعلى ورثته قيمته عند الحنفيين وابن حبيب المالكي وهو مشهور مذهب أحمد. وروى عن الشافعي (الحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "كسر عظم الميت ككسره حيا" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من عدة طرق بسند صحيح إلا سعد ابن سعيد الأنصاري فقد ضعفه أحمد ووثقه الكثيرون (¬1). {39} وجه الدلالة أن كسر العظم وشق الجوف في الحياة لا يجوز لاستخراج جوهرة وغيرها فكذا بعد الموت (ومشهور) مذهب مالك: أنه يشق بطنه إن ثبت- ولو بشاهد ويمين- أنه ابتلع مالا نصاب زكاة (¬2). ... (والصحيح) عند الشافعي: أنه يشق بطنه إن بلع مالا ليغره وطلبه صاحبه. وهو قول لأحمد، لأن فيه رفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بإبراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم. فعلى هذا الوجه إذا بلى جسده وغلب على الظن ظهور المال وتخليصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه. ... (ففي حديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "هذا قبر أبي رغال دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن" أخرجه أبو داود (¬3). {40} ¬

(¬1) انظر ص 58 ج 4 بيهقي (من كره أن يحفر له قبر غيره إذا كان يتوهم بقاء شيء منه مخافة أن يكسر له عظم) والحديث تقدم رقم 417 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (من يتولى غسل الميت). (¬2) انظر ص 174 ج 1 - الصاوي على صغير الدردير. (¬3) انظر ص 148 ج 3 عون المعبود (نبش القبور العادية يكون فيها المال) وهذا بعض حديث تقدم تاما بص 277 و 278 ج 3 - الدين الخالص (اتخاذ القبور مساجد). و (أبو رغال) بكسر الراء: أبو تقيف من ثمود. وهو غير أبي رغال الذي كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى الكعبة عام الفيل فمات في الطريق.

(15) نبش القبر

(وقيل) لا يشق بل تجب قيمته في تركته (أما) إذا بلع مالا لنفسه فوجهان مشهوران عند الشافعي: أحدهما يشق لأنه صار للورثة، والثاني لا يشق لأنه استهلكه في حياته فلم يتعلق به حق الورثة (ورد) بأنه لو كان مستهلكا لما شق جوفه لمال الأجنبي. وحيث قلنا بشق جوفه وإخراج المال، فلو دفن قبل الشق نبش القبر لذلك. (وقالت) الحنبلية: إن بلع الميت مالا له لا يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته (¬1) (وقيل) إنه إن كان يسيرا ترك، وإن كان كثيرا شق بطنه وأخرج، لأن فيه حفظ المال من الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه. وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذنه فهو كماله، لأن صاحبه أذن في إتلافه، ولو كان في أذن الميت حلق أو في إصبعه خاتم نزع، فإن صعب نزعه برد وأخذ، لأن تركه تضييع للمال (¬2). (15) نبش القبر ... يحرم نبش قبر ميت لدفن غيره لما فيه من هتك حرمة الميت. فلا يجوز دفن ميت في موضع ميت حتى يبلى الأول بحيث لا يبقى منه شيء من لحم أو عظم. فإذا بلى وصار ترابا جاز الدفن في موضعه اتفاقا. ولا يجوز أن يسوي عليه التراب ويعمر عمارة قبر جديد إن كان في مقبرة مسبلة لأنه يوهم الناس أنه قبر جديد فلا يدفنون فيه، بل يجب تركه على حاله ليدفن فيه من أراد الدفن. ويرجع في مدة البلى إلى أهل الخبرة، ولو حفر فوجد فيه عظام الميت لا يتمم حفره، ولو فرغ من حفره وظهر شيء من العظام جعل في جنب ¬

(¬1) انظر ص 301 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 414 ج 2 معنى ابن قدامة.

القبر ودفن الثاني معه، وكذا لو دعت الحالة إلى دفن الثاني مع العظام دفن معها (¬1). ... (قال) في المدخل: اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه ما دام شيء موجودا فيه حتى يفني، فإن فني جاز حينئذ دفن غيره فيه، فإن بقى شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه. (قال) بعضهم: ولا يجوز أخذ أحجار المقابر العافية لبناء قنطرة أو دار ولا حرثها للزراعة، لكن لو حرثت جعل كراؤها في مؤن دفن الفقراء (¬2). وكذا يحرم نبش قبر من دفن وأهيل عليه التراب بلا صلاة بل يصلي على القبر عند الحنفيين والشافعي وروى عن أحمد. وعنه أنه ينبش ويصلي عليه لأنه دفن قبل واجب الصلاة كما لو دفن بلا غسل. أما من لم يهل عليه التراب فيخرج ويصلي عليه لأن هذا ليس نبشا (¬3). هذا، ويجوز عند مالك والشافعي وأحمد نبش القبر لغرض صحيح كتحسين الكفن، وغسل من دفن بلا غسل، وتوجيه من دفن لغير القبلة، وإخراج مال وقع في القبر أو ترك فيه إلا أن يخاف على الميت أن يتفسخ فيترك. ... (قال) جابر بن عبد الله: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه" أخرجه الشيخان والنسائي (¬4). {41} (وقال) جابر بن عبد الله: "دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة" أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي (¬5). {42} ¬

(¬1) انظر ص 284 ج 5 مجموع النوي. (¬2) انظر ص 174 ج 1 - الصاوي على صغير الدردير. (¬3) انظر ص 298 ج 5 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 89 ج 3 فتح الباري (الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف) وص 121 ج 17 نووي (صفات المنافقين) وص 284 ج 1 مجتبي (إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه). (¬5) انظر ص 142 ج 3 فتح الباري (هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟ ) وص 284 ج 1 مجتبي. وص 57 ج 4 بيهقي (من حول الميت من قبره إلى آخر لحاجة). (والرجل) الذي دفن مع أبي جابر هو عمرو بين الجموح بن زيد كان صديق عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، دفن معه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم (روى) محمد بن إسحاق عن أبيه عن أشياخ من الأنصار قالوا: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح ممثلين فقال: ادفنوهما في قبر واحد فإنهما كانا متصاحبين في الدنيا .. أخرجه ابن أبي شيبة (أنظر ص 56 ج 8 - الفتح الرباني- الشرح).

ففيه دليل على جواز نبش القبر لأمر يتعلق بالحي، لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه. وقد بين جابر ذلك بقوله: فلم تطب نفسي. ولكن هذا إن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بذلك أو أقره فيها وإلا فلا حجة في فعل الصحابي. ... (وقال) الحنفيون: لا ينبش القبر لما ذكر لأن النبش مثلة، وقد نهى عنها. ... (وأجاب) الأولون بأن النبش إنما يكون مثله في حق من تغير وهو لا ينبش قبره (¬1) وإن وقع في القبر ماله قيمة نبش وأخرج، فإذا نسى الحفار مسحاته في القبر جاز نبشه وإخراجها، فإن أعطاه أولياء الميت ثمنها لا ينبش (¬2) ... وإن دفن من غير كفن ففيه وجهان: ... (أحدهما) يترك لأن المقصود من الكفن ستره، وقد حصل بالتراب. (الثاني) ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل (¬3). وكذا يجوز نبش القبر إذا دفن في أرض مغصوبة ولم يرض صاحبها ببقائه فيها عند مالك والشافعي وأحمد. ... (وقال) الحنفيون: إذا دفن في أرض مغصوبة أو أخذت بعد دفنه بشفعة، فالمالك مخير بين إخراجه ومساواة القبر بالأرض والانتفاع بها بزرع ¬

(¬1) انظر ص 415 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) وما روى أن المغيرة بن شيبة طرح خاتمة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: خاتمي، ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمة فكان يقول: أنا أقربكم عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم (فقد قال) النووي: حديث المغيرة ضعيف غريب (قال) الحاكم أبو أحمد: لا يصح. انظر ص 300 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 416 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(16) نقل الميت

ونحوه، لأن حقه في باطنها وظاهرها، فإن شاء ترك حقه في باطنها وإن شاء استوفاه (¬1). وإن كفن بثوب مغصوب فقيل تلزم قيمته من تركته ولا ينبش لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها. وقيل: ينبش إذا كان الكفن باقيا بحاله ليرد إلى مالكه، وإن كان باليا لزم قيمته من تركته، فإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه لا يملك ذلك، لأن فيه ضررا بالميت وإن بلى وعاد ترابا فلصاحب الأرض أخذها، وكل موضع أجيز نبشه لحرمة مالك الآدمي فالمستحب تركه احتراما للميت (¬2). ... (وجملة) القول أنه يجوز نبش القبر- لسبب شرعي- إذا بلى الميت وصار ترابا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه وزرع أرضه والبناء وسائر وجوه الانتفاع، وإن كانت عارية رجع فيها المعير، وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم أو غيره، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض. والمعتمد فيه قول أهل الخبرة بها (¬3). (16) نقل الميت يحرم عند الحنفيين إخراج الميت ونقله من قبره بعد دفنه إلا لعذر مما تقدم، ولذا لم ينقل كثير من الصحابة وقد دفنوا بأرض الحرب إذ لا عذر. ولو مات ابن لامرأة ودفن في غير بلدها وهي غائبة ولم تصبر وأرادت نقله لا تجاب إلى ذلك (¬4)، أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن أو تسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار. أما نقله من بلد إلى بلد فمكروه عند الحنفيين. والمستحب أن يدفن كل في مقبرة البلد التي مات بها (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 472 ج 1 فتح القدير للكمال ابن الهمام. (¬2) انظر ص 416 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 303 ج 5 مجموع النووي. (¬4) (لا تجاب إلى ذلك) فتجويز شواذ بعض المتأخرين ذلك لا يلتفت إليه (انظر ص 472 ج 1 فتح القدير لابن الهمام). (¬5) انظر ص 472 ج 1 منه.

(روى) ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة أنه لما توفى عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما بالحبشى حمل إلى مكة فدفن بها. فلما قدمت عائشة رضي الله عنها أتت قبره وقالت: " والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ولو شهدت ما زرتك " أخرجه الترمذي بسند رجله ثقات، إلا أن ابن جريح مدلس وقد رواه بالعنعنة (¬1). {43} ... (وعن عروة) بن رويم أن أبا عبيدة بن الجراح هلك بفحل فقال: "ادفنوني خلف النهر، ثم قال: ادفنوني حيث قبضت" أخرجه البيهقي (¬2). {44} (وقال) بعض الحنفيين: لا بأس بنقله من بلد إلى بلد قبل الدفن إذا أمن تغير رائحته (روى) أن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها. أخرجه مالك في الموطأ (¬3). {45} ... (وقال) داود بن قيس: حدثتني أمي أن سعد بن أبي وقاص مات بالعقيق على نحو من عشرة أميال، فرأيته حمل على أعناق الرجال حتى أتى به فأدخل المسجد فوضع عند بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفناء الحجر، فصلى عليه الإمام وصليت عليه بصلاة الإمام. أخرجه البيهقي (¬4). {46} ... (وقالت) المالكية: يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر قبل دفنه وبعده لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع وكرجاء بركته للمكان المنقول إليه أو لزيارة أهله أو لدفنه بينهم ونحو ذلك. فالنقل حينئذ جائز ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو نتانته أو كسر عظمه (¬5). ¬

(¬1) أنظر ص 157 ج 3 تحفة الأحوذى (زيارة القبور للنساء) و (الحبشي) بضم فسكون فكسر فشد الياء: موضع بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا. (¬2) انظر ص 85 ج 4 بيهقي (من كره نقل الموتى من أرض إلى أرض) و (فحل) بكسر فسكون: موضع بالشام كانت فيه وقعة للمسلمين مع الروم بعد فتح دمشق (قال) الحموى في المعجم: وأظنه عجميا لم أره في كلام العرب قتل فيها ثمانون ألفا من الروم. (¬3) انظر ص 18 ج 2 زرقاني على الموطأ (دفن الميت) و (العقيق) موضع قيل على ثلاثة أميال أو سبعة أو عشرة من المدينة نحو نجد. (¬4) انظر ص 57 ج 4 بيهقي (من لم ير بالنقل بأسا). (¬5) انظر ص 171 ج 1 صغير الدردير.

(والمعتمد) عند الشافعية: أنه يحرم نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن تكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيجوز النقل إليها لفضل المكان. ويحرم نقله من القبر إلا لغرض صحيح كما تقدم. ولو أوصى بنقله إلى غير الحرمين وبيت المقدس لم تنفذ وصيته لأن الشرع أمر بتعجيل دفنه، وفي نقله تأخيره وانتهاكه من وجوه وتعرضه للتغير وغيره. (قال) جابر بن عبد الله: "كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم" أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي بأسانيد صحيحة. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1). {47} ... وإذا لحق القبر سيل أو نداوة يجوز نقله على الأصح عندهم (لما) في حديث جابر بن عبد الله قال: "دفن مع أبي يوم أحد آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه من الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هنية في أذنه" أخرجه البخاري والبيهقي (¬2). {48} ... (وقالت) الحنبلية: لا يجوز نقل الشهداء لما تقدم عن جابر. ويجوز نقل غيرهم ولو بعد الدفن إلى بقعة خير من بقعته ولحاجة كإفراده عمن دفن معه (لقول) جابر: "دفن مع أبي رجل فكان في نفسي من ذلك حاجة، فأخرجته بعد ستة أشهر فما أنكرت منه شيئا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض" أخرجه أبو داود والبيهقي (¬3). {49} ¬

(¬1) أنظر ص 326 ج 8 - المنهل العذب المورود (الميت يحمل من أرض إلى أرض) وص 282 ج 1 مجتبي (أين يدفن الشهيد؟ ) وص 238 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم) وص 57 ج 4 بيهقي (من كره نقل الموتى من أرض إلى أرض) وص 303 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 141 ج 3 فتح الباري (هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟ ) وص 57 ج 4 بيهقي (من حول الميت من قبره إلى آخر لحاجة). (وهنية) تصغير هنة، أي شيء يسير. (¬3) انظر ص 89 ج 9 - المنهل العذب المورود (تحويل الميت من موضعه). وص 58 ج 4 بيهقي (والشعيرات) جمع شعيرة: تصغير شعرة للتقليل.

(17) إعداد القبر

(وقال) أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا. وقال الزهري: قد حمل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من العقيق إلى المدينة، وحمل أسامة بن زيد من الجرف. أخرجه البيهقي (¬1). وهذان موضعان قريبان لا يتغير الميت بالنقل إلى مثلهما. أما إذا كان المكان بعيدا يخشى من النقل إليه تغير الميت فلا يجوز نقله اتفاقا، لأن تعريض الميت للتغيير حرام. (17) إعداد القبر ... لا بأس أن يعد الإنسان لنفسه قبرا في أرض مملوكة له أو في مقبرة غير مسبلة ويوصى بدفنه فيه (قال) أحمد: لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ويوصى أن يدفن فيه. وعن عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك. ويحرم حفره في مقبرة مسبلة قبل وقت الدفن واتخاذ قبر فيها ليدفن فيه (¬2). (وقالت) المالكية: يحرم البناء في مقبرة موقوفة وإعداد القبر حال الحياة. وترب مصر كالملك فيجوز إعداد القبر فيها (¬3). (18) وضع الجريد على القبر قيل: لا بأس بما اعتيد من وضع الريحاني والجريد على القبور، لظاهر (حديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان، فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. ثم أخذ جريدة رطبة ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 4 بيهقي (من لم ير بالنقل بأسا). و (الجرف) بضم فسكون: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. (¬2) انظر ص 413 ج 1 كشاف القناع. وص 390 مغني ابن قدامة. (¬3) انظر ص 167 ج 1 مجموع الأمير.

فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبر واحدة. فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" أخرجه السبعة وقال الترمذي: حسن صحيح، غير أنه لم يذكر وضع الجريد (¬1). {50} (وقال) مورق العجلي: " أوصى بريدة الأسلمي أن يجعل في قبره جريدتان " أخرجه ابن سعد موصولا، والبخاري معلقا (¬2) أمر بريدة أن يغرزا في ظاهر القبر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وضعه الجريدتين على القبرين (5). (وقال) الجمهور: ليس في الحديث ما يدل على استحباب وضع الجريد على القبر لأنه واقعة حال لا تفيد العموم. (قال) الخطابى: وأما غرسه صلى الله عليه وسلم شق الجريد على القبر، وقوله: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" فإنه من ناحية التبرك بأثر التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لتخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس. والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 127 ج 8 - الفتح الرباني (عذاب عصاة المؤمنين في القبر وما يخففه عنهم) وص 146 ج 3 فتح الباري (الجريد على القبر) وص 200 ج 3 نووي (نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه) وص 78 ج 1 - المنهل العذب المورود (الاستبراء من البول) وص 291 ج 1 مجتبي (وضع الجريدة على القبر) وص 74 ج 1 - ابن ماجه (التشديد في البول) و (بنصفين) أي شقها نصفين، فالباء زائدة للتأكيد. و (غرز) بالزاي وفي رواية بالسين. (¬2) (4 و 5) انظر ص 145 ج 3 فتح الباري (الجريد على القبر). و (مورق) بضم ففتح فكسر الراء مشددة. (¬3) انظر ص 19 ج 1 معالم السنن (الاستبراء من البول).

ويؤيده أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة غير بريدة ولا سيما الخلفاء الراشدين أنه وضع جريدا ولا غيره على القبور، ولو كان ذلك سنة ما تركه أولئك الأئمة. ... (وفي حديث) العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والترمذي وقال: حسن صحيح (¬1). {51} (قال) الحافظ ابن حجر: وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصا بذينك الرجلين. ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذا عقبه بقوله: ورأى ابن عمر رضي الله عنهما فسطاطا على قبر عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله (¬2). ... (هذا) ووصية بريدة ليست حجة على غيره. فما قاله الخطابي ومن نحا نحوه هو الأولى ولا سيما أن غالب الناس يعتقد في وضع هذا الجريد ونحوه اعتقادا تأباه الشريعة المطهرة كما هو معروف من حالهم. نسأل الله السلامة والهداية. ¬

(¬1) انظر ص 188 ج 1 - الفتح الرباني (الاعتصام بسنته صلى الله عليه وسلم) وص 10 ج 1 - ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين) وص 24 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة) و (الخلفاء) قيل: هم الأئمة الأربعة رضي الله عنهم. وقيل: بل هم ومن سار بسيرتهم من المجتهدين فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم. و (عضوا عليها بالنواجذ) بالذال المعجمة وهي الأضراس، والمراد الحث على الاستمساك بالسنة كالاستمساك بالشيء بين الأضراس. (¬2) انظر ص 145 ج 3 فتح الباري (الجريدة على القبر) وفيه: وهذا الأثر وصله ابن سعد من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار قال: مر عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر وعليه فسطاط مضروب، فقال: يا غلام انزعه فإنه يظله عمله. قال الغلام: تضربني مولاتي. قال: كلا. فنزعه.

(الشهيد)

(الشهيد) أفرد يبحث لاختصاصه بفضيلة وأحكام. والكلام فيه ينحصر في سبعة فروع: (أ) تعريفه: هو لغة فعيل بمعنى فاعل لأنه شاهد، أي حي حياة خاصة في قبره ولأنه يشهد رحمة الله تعالى، أو بمعنى مفعول أنه مشهود له بالجنة ولأن الملائكة تشهد موته إكراما له. واختلف العلماء فيه عرفا. (فقال) الحنفيون: الشهيد شرعا هو مسلم مكلف طاهر قتله أهل الحرب مباشرة أو تسببا، أو قتله البغاة أو قطاع الطريق ولو بغير آلة جارحة، أو وجد ميتا في المعركة وبه أثر جراحة- كخروج الدم من موضع لم يعتد خروجه منه كالعين والأذن، لا من الأنف أو الدبر- ولم يرتفق بشيء من مرافق الحياة بعد الجرح- كأكل وشرب ونوم وعلاج- ونقله حيا من المعركة لغير خوف عليه من وطء الأقدام- أو قتل ظلما ولم يجب بقتله دية (¬1). (وقالت) المالكية والشافعية: الشهيد مسلم مات حال قتال الكفار سواء أقتله كافر أم أصابه سلاح مسلم خطأ أم عاد إليه سلاح نفسه أو سقط عن فرسه أم ضربته دابة فمات أم أصابه سهم لا يعرف هل رماه مسلم أو كافر أم وجد قتيلا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته، سواء أكان عليه أثر دم أم لا، وسواء مات في الحال أم تأخر ثم مات بذلك السبب قبل انقضاء الحرب، وسواء أكل أم شرب أم وصى أم لم يفعل شيئا من ذلك، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة والصبي والصالح والفاسق. فإذا انقضت الحرب ولا ترجى حياته فهو شهيد، وإن كانت ترجى حياته فليس بشهيد. ¬

(¬1) (قتل ظلما) أي لا حدا ولا قصاصا (ولم يجب بقتله دية) خرج القتل خطأ والقتل بغير محدد فإن الواجب فيه الدية عند النعمان.

(ب) تجهيز الشهيد

(وبنحوه) قالت الحنبلية، غير أنهم قالوا: إن مات في دار الحرب حتف أنفه أو عاد إليه سيفه فقتله، أو وجد ميتا ولا أثر به، أو حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطش أو طال بقاؤه عرفا غسل وسلى عليه وجوبا. ومن قتل مظلوما إن قتله الكفار صبرا في الحرب ألحق بشهيد المعركة فلا يغسل ولا يصلي عليه. (ب) تجهيز الشهيد: الشهيد لا يغسل، ويكفن في ثيابه الصالحة للكفن اتفاقا. ولا يصلي عليه عند مالك والشافعي والجمهور، وهو الأصح عن أحمد (لحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: "لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة، ولم يصل عليهم" أخرجه أحمد (¬1). {52} وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم" أخرجه البخاري والأربعة وإلا أبا داود وصححه الترمذي (¬2). {53} ... وقال: قد اختلف أهل العلم في الصلاة على الشهيد، فقال بعضهم: لا يصلي على الشهيد، وهو قول أهل المدينة وبه يقول الشافعي وأحمد. وقال ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 7 - الفتح الرباني (ترك غسل الشهيد). (¬2) انظر ص 136 ج 3 فتح الباري (الصلاة على الشهيد) وص 277 ج 1 مجتبي (ترك الصلاة عليهم) وص 147 ج 2 تحفة الأحوذي (ترك الصلاة على الشهيد) وص 238 ج 1 - ابن ماجه (الصلاة على الشهداء) و (في ثوب واحد) بأن يجمعهما في ثوب أو يقطعه بينهما للضرورة (ولم يصل عليهم) بفتح اللام لقوله ولم يغسلوا. وفي رواية للبخاري: وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم (بكسر اللام) ولم يغسلهم (أي لم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره). انظر ص 139 ج 3 فتح الباري.

بعضهم: يصلي على الشهيد، واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على حمزة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول إسحاق. والأصح عند الشافعية أن الخلاف في منع الصلاة على الشهيد. وقيل الخلاف عندهم في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة (قال) أحمد: الصلاة على الشهيد أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأ (¬1). ... (وحكمة) عدم غسل الشهيد بقاء الدم ورائحته لأنه أثر طاعة يبعث عليها. والصلاة تابعة للغسل (قال) الشافعي في الأم: لعل ترك الغسل والصلاة لأن يلقوا الله بكلومهم لما جاء أن ريح دمهم ريح المسك. واستغنوا بإكرام الله لهم عن الصلاة عليهم مع التخفيف على من بقى من المسلمين لما يكون فيمن قاتل من جراحات وخوف عودة العدو رجاء طلبهم وهمهم بأهلهم وهم أهلهم بهم (¬2). (وقال) الحنفيون: يصلي على الشهيد بلا غسل، وروى عن أحمد (لقول) عطاء بن أبي رباح "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد" أخرجه أبو داود مرسلا وأخرجه الواقدي في المغازي عن عطاء عن ابن عباس (¬3). {54} ... (وعن) أبي حماد الحنفي عن ابن عقيل عن جابر قال: جئ بحمزة فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم جئ بالشهداء فيوضعون إلى جانب حمزة فصلى عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم (الحديث) أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬4). {55} ... (وروى) عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ¬

(¬1) انظر ص 126 ج 3 فتح الباري (الصلاة على الشهيد). (¬2) انظر ص 264 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 46 مراسيل. وص 313 و 314 ج 2 نصب الراية. (¬4) انظر ص 119 ج 2 مستدرك. وص 309 ج 2 نصب الراية (وأبو حماد) مفضل بن صدقة- وإن ضعفه يحي بن معين والنسائي- فقد وثقه ابن مسلم وأثنى عليه أحمد بن محمد ابن شعيب ثناء تاما. وقال ابن عدى: ما أرى به بأسا.

يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم " (الحديث) أخرجه الشيخان (¬1). {56} ... (وأجاب) الأولون: (أولا) عن أحاديث الصلاة على الشهيد بأن المراد بالصلاة فيها الدعاء (ويرده) قوله في حديث عقبة: صلاته على الميت. (وثانيا) بأن هذا خاص بشهداء أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم بعد ثمان سنين (ورد) بأن هذا لا يدل على الخصوصية لأن الحنفيين يقولون بمشروعية الصلاة على قبر من دفن بلا صلاة ما لم يظن تفسخه ومعلوم أن الشهداء لا يبلون، فالصلاة عليهم يقول بها الحنفيون. ... فالراجح القول بوجوب الصلاة على الشهيد، لأن أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي. ومن مرجحات الإثبات هنا أنه لم يرو النفي إلا أنس وجابر (¬2)، وهما قد رويا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة (¬3)، فقد وافقا غيرهما في مشروعية الصلاة على الشهيد في تلك الواقعة. ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء. ¬

(¬1) انظر ص 36 ج 3 فتح الباري (الصلاة على الشهيد) وص 57 ج 15 نووي (حوض نبينا صلى الله عليه وسلم- الفضائل) و (الفرط) بفتحتين السابق. و (الحديث) تمامه: وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض- أو مفاتيح الأرض- وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها. (¬2) حديث أنس في عدم الصلاة على الشهيد هو ما حدث أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم. أخرجه أو داود والبيهقي والترمذي وقال حسن غريب (أنظر ص 290 ج 8 - المنهل العذب المورود) وص 10 ج 4 بيهقي (وحديث) جابر تقدم رقم 52 و 53 انظر ص 54. (¬3) حديث جابر في الصلاة على الشهيد تقدم رقم 56 و (حديث) أنس هو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به. ولم يصل على أحد من الشهداء غيره. أخرجه أبو داود (أنظر ص 297 ج 8 - المنهل العذب المورد) وأخرجه البيهقي مطولا وقال: هذه اللفظة "ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" ليست محفوظة (أنظر ص 11 ج 4 بيهقي).

(جـ) الشهيد غير المكلف

(جـ) الشهيد غير المكلف: إن كان الشهيد صبيا أو مجنونا لا يغسل كغيره عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد، لعموم حديث عبد الله بن ثعلبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقتلى أحد: "زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى: لونه لون الدم وريحه ريح المسك" أخرجه النسائي (¬1). {57} لم يفصل بين المكلف وغيره (وقال) النعمان: لا يثبت حكم الشهادة لغير المكلف لأنه ليس من أهل القتال فيغسل ويصلي عليه. (ورد) بأن النساء يعتبرن من الشهداء ولسن من أهل القتال. (د) الشهيد غير الطاهر: يعني الجنب والحائض ومن أصابته نجاسة- دلت الأحاديث السابقة على أن الشهيد لا يغسل ولو مات جنبا. وبه قالت المالكية وبعض الشافعية وأبو يوسف ومحمد (وقال) النعمان والحنبلية وبعض الشافعية: إذا مات الشهيد جنبا يغسل لأنه غسل وجب بغير الموت فلا يسقط بالموت كغسل النجاسة. (ولحديث) ابن الزبير رضي الله عنهما أن حنظلة بن أبي عامر قتل- يعني في غزوة أحد- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة" أخرجه البيهقي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وسنده جيد (¬2). {58} ¬

(¬1) انظر ص 282 ج 1 مجتبي (مواراة الشهيد في دمه) و (الكلم) بفتح فسكون: الجرح. و (يدمى) كيرضي. (¬2) انظر ص 15 ج 4 بيهقي (الجنب يستشهد في المعركة) وص 204 ج 3 مستدرك و (الهائعة) الصوت الشديد يدعو إلى الحرب.

(هـ) كفن الشهيد

(وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة ابن الراهب وهما جنب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسلهما" أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن (¬1). {59} (قال) الحافظ: وهو غريب في ذكر حمزة (وأجاب) الأولون بأن غسله للجناية لو كان واجبا ما سقط بغسل الملائكة، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله، ولهذا احتج القاضي حسين والبغوي بهذا الحديث لترك الغسل. هذا، والمرأة إذا طهرت من حيض أو نفاس ثم قتلت فهي كالجنب، ولو قتلت في حيضها أو نفاسها لم يجب الغسل لأن الطهر من الحيض شرط في الغسل فلا يثبت الحكم بدونه. وإذا أسلم الرجل ثم استشهد فلا غسل عليه لأنه روى أن أصيرم بن عبد الأشهل أسلم يوم أحد ثم قتل فلم يؤمن بغسله (¬2). (فائدة) لو أصابت الشهيد نجاسة لا بسبب الشهادة، لزم غسلها عند الجمهور وهو الأصح عند الشافعي لأنها ليست من آثار الشهادة (وقال) بعض الشافعية: إن أدى غسلها إلى إزالة دم الشهادة لم تغسل وإلا غسلت. (هـ) كفن الشهيد: يكفن في ثيابه الصالحة للكفن ويكمل إن نقص ما عليه عن كفن السنة، وينقص ما زاد عن الثلاث اتفاقا (لحديث) عبد الله بن ثعلبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: "زملوهم في ثيابهم" أخرجه أحمد وكذا النسائي بلفظ: زملوهم بدمائهم. ورجاله رجال الصحيح (¬3). {60} ¬

(¬1) انظر ص 23 ج 3 مجمع الزوائد (من يجنب ثم يموت قبل أن يغتسل). (¬2) انظر ص 402 ج 2 مغني ابن قدامة. (¬3) انظر ص 186 ج 7 - الفتح الرباني (تكفين الشهيد في ثيابه) وص 282 ج 1 مجتبي (مواراة الشهيد في دمه) وتقدم عنده تاما رقم 57 (وزملوهم) بشد الميم، أي لفوهم وغطوهم (بدمائهم) أي في ثيابهم الملطخة بالدم بلا غسل.

(و) من لا يعتبر شهيدا

وينزع عن الشهيد ما لا يصلح للكفن كالفرو والقلنسوة والخف والنعل والسلاح والدرع والجلد والنقاب عند الحنفيين والشافعي وأحمد (لقول) ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم" أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي سنده على بن عاصم- تكلم فيه غير واحد- عن عطاء بن السائب وفيه مقال. وقد حدث به بعد الاختلاط (¬1). {61} (وقال) مالك: لا ينزع عنه شيء مما ذكر، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ادفنوهم بدمائهم وثيابهم". (ورد) بأن الخف والخاتم والمنطقة ونحوها لا يعد من الثياب. هذا، ويجب عند الحنفيين ومالك دفن الشهيد بثيابه، لظاهر الأمر بدفنه بما قتل فيه (وقال) الشافعي وأحمد: يستحب دفنه بثيابه ويجوز تكفينه بغيرها لما تقدم أن صفية أخرجت ثوبين ليكفن فيهما حمزة رضي الله عنه، فكفن في أحدهما وكفن في الآخر رجل من الأنصار (¬2) (وأجاب) الأولون بأنه لم يكن على حمزة والأنصاري ما يصلح للكفن فكفن كل بثوب. (و) من لا يعتبر شهيدا: هو من لا يشمله تعريف الشهيد، وهو خمسة أنواع: (1) من مات في معترك الكفار فجأة أو بمرض فلا يعد شهيدا فيغسل ويكفن في غير ثيابه ويصلي عليه عند الثلاثة، وهو الصحيح عند الشافعي، لأنه لم يقتله المشركون ولا قتل بسببهم. (2) من قتله مسلم عمدا ولو باغيا أو قاطع طريق أو لصا فلا يعد شهيدا عند الثلاثة (وقال) الحنفيون: إنه شهيد لأنه قتل ظلما ولم تجب فيه دية فيصلي عليه بلا غسل. ¬

(¬1) انظر ص 289 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشهيد يغسل) وص 238 ج 1 ابن ماجه (الصلاة على الشهداء ودفنهم). (¬2) انظر رقم 464 ص 262، 263 ج 7 - الدين الخالص (كفن الضرورة).

(3) من وجد ميتا بعد الحرب وليس به أثر جراحة فلا يعد شهيدا عند الحنفيين وأحمد لعدم ما يدل على قتله، خلافا لمالك والشافعي. (4) من رفسته دابة في حرب المشركين أو عاد إليه سلاحه أو تردى عن جبل أو في قبر في حال المطاردة، فلا يعد شهيدا، فيغسل ويصلى عليه عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأنه لم يقتله المشركون (وقال) الشافعي: يعد شهيدا فلا يغسل ولا يصلى عليه لأنه مسلم قتل في معركة المشركين بسبب قتالهم (¬1). (5) من مات بغير حرب الكفار- كالمبطون والمطعون والغريق والغريب والميتة في الطلق ومن قتله مسلم أو غيره في غير حال القتال ونحوهم- فهؤلاء ليسوا بشهداء فيغسلون ويصلى عليهم اتفاقا. ولفظ الشهادة الوارد فيهم- كما سيأتي - المراد به أنهم شهداء الآخرة لا المعركة. (ز) أقسام الشهداء: أقسامه ثلاثة: ... (1) شهيد الدنيا والآخرة: وهو من مات في المعركة في حرب الكفار أو البغاة على ما تقدم بيانه ولم يراء ولم يخن في الغنيمة ولم يقتل مدبرا عن القتال، وهم أحياء في البرزخ حياة خاصة. قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل أن الله لا يضيع أجر المؤمنين" (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 167 ج 5 مجموع النووي. (¬2) سورة آل عمران: آيات 169 و 170 و 171 (قال) الجمهور حياة الشهداء حياة محققة ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون ويرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحا وليسوا فيها. (وقيل) إنها حياة مجازية. والمعنى أنهم مستحقون للتنعيم في الجنة. والصحيح الأول. ولا موجب للمصير إلى المجاز لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وقد وردت السنة بأن أرواحهم في حواصل طيور وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون (عند ربهم) أي في كرامته فهي عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب. و (يرزقون) الرزق المعروف فهم يأكلون من ثمار الجنة. وقيل المراد بالرزق الثناء الجميل، والصحيح الأول لما سبق. و (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي هم مسرورون بما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من حياة طيبة وما يصل إليهم من رزق الله تعالى (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) أي يفرحون بما أعطاهم، وبما أعد لإخوانهم الشهداء وغيرهم الذين لم يموتوا بعد لأنهم لما عاينوا ثواب الله وما أعده الله للمسلمين وتيقنوا بحقية دين الإسلام، استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام وإن لم يقتلوا فهم فرحون بأنفسهم بما أعطاهم الله مستبشرين للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و (يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) كرر يستبشرون للتأكيد ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبنعمة من الله وهي الجنة والمغفرة. والفضل من النعمة ذكر بعدها للتأكيد. وفيه دليل على اتساع النعمة وأنها ليست كنعم الدنيا، فهم يستبشرون بنعمة الله عليهم وبأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .. وقد ورد في هذا أحاديث تقدم منها حديث مسروق عن عبد الله رقم 325 ص 188 ج 7 - الدين الخالص، وحديث ابن عباس رقم 329 ص 190 منه (مصير الروح بعد خروجها).

وقد ورد في فضلهم أحاديث (منها) حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشهداء على بارق- نهر بباب الجنة- في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬1). {62} ¬

(¬1) تقدم رقم 231 ص 191 ج 7 - الدين الخالص (مصير الروح بعد خروجها). و (بكرة وعشيا) أي تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع والحزن. وهو يدل على أن الأرواح جواهر قائمة بنفسها تبقى بعد الموت مدركة على ما تقدم. وتخصيص الشهداء بما ذكر لاختصاصهم بمزيد البهجة والكرامة. وهذا لا ينافى أن نميم القبر وعذابه كما يكون للروح يكون للجسد لأن للروح اتصالا به.

(2) شهيد الدنيا فقط: وهو المقتول في حرب الكفار وقد خان في الغنيمة أو قاتل رياء أو قتل مدبرا فله حكم الشهادة في الدنيا فلا يغسل ويصلى عليه عند الحنفيين، ولا يصلي عليه عند غيرهم على ما تقدم، ولا ثواب له على الشهادة في الآخرة. (3) شهيد الآخرة فقط: بمعنى أن له ثوابا خاصا، وهو من مات في الطاعون والغريق والمبطون وغيرهم ممن ذكروا في أحاديث (منها) حديث جابر ابن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجميع شهيدة" أخرجه مالك وأحمد وأربعة إلا الترمذي بسند صحيح (¬1). {63} (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل. قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد" أخرجه مسلم (¬2). {64} ¬

(¬1) انظر ص 243 و 244 ج 8 - المنهل المورود (فضل من مات بالطاعون) وص 96 ج 2 - ابن ماجه (ما يرجى فيه من الشهادة) وص 67 ج 2 مجتبي (آخر الجهاد) و (المطعون) من مات بالطاعون. و (الغرق) بفتح فكسر، أي الغريق، ومحل كونه شهيدا ما لم يكن ألقى بنفسه في الماء. و (ذات الجنب) القروح تصيب الإنسان داخل جنبه وينشأ عنه حمى لازمة وسعال. وقد تقدم بيانها وطريق مداواتها بالقسط والزيت. انظر ص 40 ج 7 - الدين الخالص. و (المبطون) الذي يموت بمرض البطن كإسهال أو استسقاء. و (المرأة تموت بجمع) بتثليت الجيم والضم أشهر: هي التي ماتت وفي بطنها ولدها أو ماتت عند الولادة أو التي تموت بكرا. وجمع بمعنى مجموع، أي أنها ماتت مع شيء فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة. (¬2) انظر ص 62 ج 3 نووي (بيان الشهداء). و (في سبيل الله) أي طاعته كصلاة وذكر وقراءة قرآن ودراسة علم.

يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول

(وحديث) سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد. ومن قتل دون دمه فهو شهيد. ومن قتل دون دينه فهو شهيد. ومن قتل دون أهله فهو شهيد" أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان وصححه الترمذي. وأخرج البخاري صدره من حديث ابن عمرو (¬1). {65} ... ذكر في هذه الأحاديث ثلاثة عشر شهيدا. وقد أجتمع للحافظ ابن حجر من الطرق الجيدة أكثر من عشرين ليسوا في المرتبة سواء (¬2). ... هذا، ويتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول: (أ) التعزية ... هي من العزاء- بالفتح والمد- لغة: الصبر الحسن، وشرعا: تسلية المصاب وحثه على الصبر والرضا بالقدر، فإنه لابد للإنسان من أمر يمتثله ونهي يجتنبه وقدر يصبر عليه. وإليه الإشارة بقوله تعالى: ... "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المسحنين" (¬3). ... (1) حكم التعزية وفضلها: ... هي مستحبة. وقد ورد في فصلها والحث عليها أحاديث (منها) حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" أخرجه ابن ماجه والبيهقي. وفيه قيس أبو عمارة، ¬

(¬1) انظر ص 75 ج 5 فتح الباري (من قاتل دون ماله) ورقم 8617 ص 195 ج 6 فيض القدير للمناوي. و (دون ماله) دون- في الأصل- ظرف مكان بمعنى أسفل أو تحت. استعملت هنا للسببية توسعا لأن الذي يقاتل على ماله كأنه يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه. (¬2) انظر ص 29 ج 6 فتح الباري (الشهادة سبع سوى القتلى). (¬3) سورة يوسف: آية 90.

ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الذهبي. وقال البخاري: فيه نظر. وباقي رجاله ثقات (¬1). {66} (وعن) الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عزى مصابا فله مثل أجره" أخرجه ابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم. وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا (¬2). {67} ... (وروى) معاوية بن قرة عن أبيه قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي لا أرى فلانا؟ " قالوا: يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك فعزاه عليه، ثم قال: "يا فلان أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ " قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي. قال: "فذاك لك" أخرجه النسائي والبيهقي (¬3). {68} ¬

(¬1) انظر ص 250 ج 1 - ابن ماجه (ثواب من عزى مصابا) وص 59 ج 4 بيهقي و (من حلل) أي من الحلل المعدة لأهل الكرامة. (¬2) انظر ص 250 ج 1 - ابن ماجه. وص 59 ج 4 بيهقي. وص 163 ج 2 تحفة الأحوذي. وقول الترمذي (غريب) غير مسلم فقد رواه وكيع عن إسرائيل عن محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود مرفوعا وذكر المزي في أطرافه أن الثوري رواه عن ابن سوقة مثله (فهذان) تابعا ابن عاصم فروياه عن ابن سوقة مرفوعا (انظر ص 59 ج 4 - الجوهر النقي) (وقال) الزركشي في تخريج الرافعي- بعد ما ساق له عدة طرق- هذا كله يرد على ابن الجوزي حيث ذكر الحديث في الموضوعات (وقال العلائي: له طرق لا طعن فيها وليس واهيا فضلا عن كونه موضوعا. (¬3) أنظر ص 296 ج 1 مجتبي (التعزية) وص 59 ج 4 بيهقي (تعزية أهل الميت).

وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬1). {69} ... فيه دليل على جواز خروج المرأة محتشمة متسترة لتعزي جيرانها (ولهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور: يستحب تعزية جميع أقارب الميت- بعد الدفن وقبله- إلا شابه يفتتن بها، لا نعلم في هذا خلافا إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن لأنه خاتمة أمره. ... (ورد): (أ) بعموم أحاديث التعزية. ... (ب) أن المقصود بها تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله. ... (ويستحب) تعزية جميع أهل المصيبة الكبار والصغار والرجال والنساء إلا أن تكون المرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها. وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان أكد (¬2). ... (2) حكمتها: ... شرعت التعزية لما فيها من التعاطف والتحاب والتعاون على البر والتقوى والحمل على الصبر والرضا بالقدر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على الرجوع إلى الله تعالى ليحصل الأجر. والمشروع منها مرة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "التعزية مرة واحدة" (¬3). ... (3) وقتها: يدخل وقت التعزية من الموت إلى ثلاثة أيام بعد الدفن عند الحنفيين ومالك وأحمد وجمهور الشافعية، وأولها أفضل. وهي بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون قبل الدفن بتجهيزه ولأن وحشتهم بعد الدفن ¬

(¬1) تقدم تاما رقم 616 ص 341 ج 7 - الدين الخالص (اتباع النساء الجنائز). (¬2) انظر ص 409 ج 5 مغنى أبن قدامة، وص 305 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 145 ج 4 نيل الأوطار (تعزية المصاب).

لفراقه أكثر. وهذا إذا لم ير منهم جزع شديد وإلا قدمت لتسكينهم وتسليتهم وتكره تنزيها بعد الثلاثة لأن المقصود منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن إلا أن يكون المعزى أو المعزى غائبا فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث. والحاضر الذي لم يعلم الموت كالغائب. والظاهر امتدادها بعد القدوم والعلم ثلاثة أيام (وقال) بعض الشافعية: لا حد لوقتها. وقيل: إنه يعزي قبل الدفن وبعده في رجوعه إلى منزله، ولا يعزي بعد وصوله المنزل (¬1). ... (4) لفظ التعزية: تحصل التعزية بأي لفظ يتسلى به المصاب ويحمله على الصبر، والأفضل كونها بالوارد (ومنه) ما في حديث معاذ بن جبل أنه مات ابن له فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يعزيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل. سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو (أما بعد) فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة متع بها إلى أجل معدود ويقبضها لوقت معلوم، ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا أبتلى، وكان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير: الصلاة والرحمة والهدى إن احتسبته، فأصبر ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، وأعلم أن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع حزنا وما هو نازل فكأن قد والسلام" أخرجه الحاكم وقال: غريب حسن وابن مردويه والطبراني في الكبير والأوسط وفيه مجاشع بن عمرو ضعيف (¬2). {70} ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 3 ج 3 مجمع الزوائد (التعزية) ورقم 2260 ص 122 ج 8 كنز العمال وذكر عدة روايات ثم قال كل هذه الروايات ضعيفة لا تثبت فإن وفاة ابن معاذ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وإنما كتب إليه بعض الصحابة فتوهم الراوي فنسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم و (الغبطة) بكسر فسكون: النعمة والخير وحسن الحال (فكأن قد) أي فكأن قد وقع ما هو نازل أو حصل فلا فائدة في الجزع.

(وقول) أسامة بن زيد: أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعض بناته أن صبيا لها- ابنا أو بنتا- قد أحتضر فاشهدنا، فأرسل إليها يقرأ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب" أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬1). {71} ... (وعن) جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: "إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب" أخرجه البيهقي وقال: وقد روى معناه من وجه آخر عن جابر، ومن وجه عن أنس، وفي أسانيده ضعيف (¬2). {72} (وقد) بلغ الشافعي أن عبد الرحمن بن مهدي ماتا له ابن، فجزع عليه عبد الرحمن جزعا شديدا، فبعث إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك. واعلم أن أمض المصائب فقد سرور وحرمان أجر. فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 8 - الفتح الرباني (تعزية المصاب) وص 100 ج 3 فتح الباري (قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه) وص 224 ج 6 نووي (البكاء على الميت) وص 275 ج 8 - المنهل العذب المورود. وص 264 ج 1 مجتبي (الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة) وص 248 ج 1 - ابن ماجه (البكاء على الميت) و (إن لله ما أخذ) أي أن العالم كله ملك لله، فلم يأخذ ما هو لكن، بل أخذ ما هو له عندكم عارية. وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع ... (وما أعطى) أي له ما وهبه لكم وقدم الأخذ على الإعطاء وإن كان هذا سابقا لمناسبة المقام (فلتصبر) أي فلتتحمل مرارة فلقده بلا إظهار جزع (ولتحتسب) أي تدخر ثواب فقده والصبر عليه عند الله تعالى. (¬2) انظر ص 60 ج 4 بيهقي (ما يقول في التعزية من الترحم على الميت .. ). والحديث تقدم بأتم من هذا بهامش ص 16 ج 7 - الدين الخالص (الموت).

وزر؟ فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبرا وأحرز لنا ولك بالصبر أجرا. وكتب إليه: إني معزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سنة الدين فما المعز بباق بعد ميته ... ولا المعزى ولو عاشا إلى حين ... أخرجه البيهقي (¬1). ... وكتب رجل إلى آخر يعزيه بابنه: (أما بعد) فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة. فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع ما عوضك الله عز وجل من صلاته ورحمته (¬2). (وقال) أبو الحسن المدائني: دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في مرضه، فقال: يا بني كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحق. قال: يا بني لأن تكون في ميزاني أحب إلى من أن أكون في ميزانك. فقال: يا أبت لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 147 ج 4 - الفتوحات الربانية على الأذكار النووية. و (عز نفسك إلخ) أي صبرها على مضض المصائب بما تصبر به غيرك من التأمل فيما ورد من الوعد بالثواب وحسن المآب لمن صبر واحتسب. و (أمض) بفتح الميم وشد الضاد: أي أشد المصائب واوجعها (فتناول حظك إلخ) أي خذ نصيبك من الأجر بجميل الصبر وحفظ اللسان عما لا يرضى الرحمن (وقد نأى) أي بعد (عنك) الثواب لجزعك. (¬2) انظر ص 148 ج 4 أذكار. والولد (حزن) إن كان عاقا و (فتنتة) إن كان بارا. فإنه ربما يفتن بمحبته ويتقاعد عن الطاعات. قال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" سورة التغابن: آية 15 (فإذا قدمه إلخ) بشد الدال، أي إذا مات الولد قبله وأحتسب أجره عند ربه فهو له صلاة ورحمة. قال تعالى: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" سورة البقرة: آية 157. (¬3) انظر ص 150 ج 4 أذكار (وأجدني في الحق) أي الموت. فإن الحق يطلق على كل ثابت، سواء أكان عينا كالجنة أم لا كالموت.

(5) جواب التعزية: ... قال أحمد بن الحسين: سمعت أحمد بن حنبل وهو يعزي في عبثر ابن عمه وهو يقول: استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك (¬1). ويقال في جواب التعزية: آجرك الله. ... (6) تعزية الذمي: ... يندب تعزيته كعيادته عند الحنفيين والشافعي والجمهور، ويستحب أن يدعو للميت المسلم. فإذا عزى مسلما بمسلم قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك. وإن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وإن عزى كافرا بمسلم قال: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وإن عزى كافرا بكافر قال: أخلف الله عليك (¬2). (وتوقف) أحمد رحمه الله عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم. وفيها روايتها: (أ) لا نعودهم فكذا لا نعزيهم (لحديث) أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي (¬3). {73} (ب) نعودهم (لحديث) أنس: أن غلاما من اليهود مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقوم: "الحمد لله الذي أنقده بي من النار" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (¬4). {74} ¬

(¬1) انظر ص 410 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 305 ج 5 مجموع النووي "وقول" الشيرازي في المهذب في تعزية كافر بكافر: ولا نقص عددك لتكثر الجزية المأخوذة منهم "مشكل" لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام كفره فالمختار تركه (انظر ص 306 ج 5 مجموع النووي). (¬3) انظر ص 148 ج 14 نووي (النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام) وص 519 ج 4 عون المعبود (السلام على أهل الذمة). (¬4) انظر رقم 43 ص 16 ج 7 - الدين الخالص (عيادة الذمي).

فعلى هذا نعزيهم فنقول في تعزيتهم بمسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وعن كافر: أخلف الله عليك. وقيل: يقول: أعطاك الله مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل دينك (¬1). (7) الجلوس للتعزية: يكره- عند الشافعي وأحمد وجماعة من الحنفيين- لولى الميت الجلوس في مكان خاص يعزى فيه لأنه محدث وبدعة. (قال) كثير من متأخري الحنفيين: يكره الاجتماع عند صاحب البيت، ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزى، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل كل بأمره (¬2) لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء. (وقال) الشافعي في الأم: أكره المأتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر (¬3) (وقال) متقدمو الحنفيين: لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية بلا ارتكاب محظور من فرش البسط وتناول الدخان والقهوة وغيرها كعمل الأطعمة لأنها تتخذ عند السرور. (ونقل) الخطاب المالكي عن سند أنه يجوز الجلوس لها بلا مدة معينة. ومحل الخلاف في إباحة الجلوس وعدمها، إذا خلا المجلس من المنكرات وإلا امتنع اتفاقا، كما يقع من غالب أهل الزمان فإن مجالسهم للتعزية يرتكبون فيها مخالفات (منها) إتيانهم بأشخاص يقرءون القرآن بقصد إسماع الحاضرين في نظير أجر يأخذونه على قراءتهم. وغالب هذه المجالس في الأمصار تكون في الشوارع والطرقات، ويكثر إذ ذاك شرب الدخان واللغط ويحيى بعضهم بعضا بتحيات غير إسلامية نحو: نهارك سعيد، أو ليلتك سعيدة، أو البقية في حياتكم، أو لا يمشي أحد لكم في سوء، ونحو ذلك مما يشوش على القارئ. ¬

(¬1) انظر من 410 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 664 ج 1 رد المختار على الدر المختار. (¬3) انظر ص 148 ج 1 - الأم.

وينضم إلى ذلك اشتغالهم بشرب نحو القهوة والشاي. ومن المعلوم أن هذه الأمور كلها منكرات مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، مضادة للشريعة المطهرة، ولا سيما قراءة القرآن في الأماكن القذرة والطرق وحال شرب الدخان الذي تنفر منه الملائكة وكل من له طبع سليم من الآدميين. كيف يرتكب العاقل شيئا مما ذكر. وقد ورد في الفرقان والتوراة أنه يلزم المستمع كلام الله تعالى أن يكون في غاية الأدب والخشوع متدبرا ما يتلى عليه ليعمه الله بالرحمة والإحسان. قال تعالى: "وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" (¬1). وقال تعالى: "أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها" (¬2). (وقال) في التوراة: يا عبدي أما تستحي مني إذا يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شيء. وهذا كتابي أنزلته إليك أنظره كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أو كنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقصد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك. فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل في حديثه، أومأت إليه أن كف. وهأنذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني. أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك (¬3)؟ (وأيضا) فإن شرب الدخان في ذاته حرام فضلا عن تعاطيه في مجلس القرآن. (ووجه) حرمته أنه مضر بالصحة بإخبار منصفي الأطباء. ولا خلاف في تحريم تعاطي المضر. وقد صار ضرره محققا محسوسا مشاهدا بمن يتعاطاه في بصره وأسنانه وقلبه ورئتيه وأعصابه ... كل ذلك فضلا عن إضاعة المال ¬

(¬1) سورة الأعراف: آية 204. (¬2) سورة محمد: آية 24. (¬3) أنظر ص 269 ج 8 - المنهل العذب المورود.

فيما يغضب الكبير المتعال، وأن ذلك إسراف وتبذير حرمه الرب القدير وسوى بين فاعله والشياطين، قال تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (¬1). ولو أنا شاهدنا رجلا يرمي درهما في البحر، لعددناه مجنونا، فكيف ومتعاطي الدخان قد رمى بماله وصحته في مكان سحيق. زد على ذلك إيذاءه لمن يتعاطاه سيما في مجامع الصلاة ونحوها. وهو مؤذ للملائكة الكرام البررة من أمرنا بإكرامهم. (روى) جابر مرفوعا: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتز لنا أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2). {75} ومعلوم أن رائحة الدخان إن لم تكن في النتن أقبح من البصل والثوم فهي لا تقل عنهما. (وقال) جابر: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال: "من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس" أخرجه مسلم (¬3). [76] (وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند حسن (¬4). [77] ¬

(¬1) سورة الإسراء: أية 27. (¬2) انظر ص 232 ج 2 فتح الباري (الثوم النئ والبصل والكراث) وص 49 ج 5 نووي (نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد .. ) وص 360 ج 3 عون المعبود (أكل الثوم) وتقدم تمام الكلام في أدلة حرمة الدخان بهامش ص 310 ج 3 - الدين الخالص. (¬3) انظر ص 49 ج 5 نووي (نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد). (¬4) انظر رقم 8269 ص 19 ج 6 فيض القدير للمناوي.

(8) مأتم الأربعين والعام: ومن البدع المستنكرة والعادات المستقبحة الاحتفال بذكرى الأربعين ومرور العام، لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عهد الصحابة والتابعين، ولم يكن معروفا حينئذ. وفيه مفاسد دينية ودنيوية يأباها العقل والنقل. والخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف (¬1) ¬

(¬1) (وقد) ورد إلى فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية سابقا سؤال بشأن مأتم الأربعين. فأجاب بما نصه: يحرص كثير من الناس على إقامة مأتم ليلة الأربعين لا يختلف عن مأتم يوم الوفاة فيعلنون عنه في الصحف ويقيمون له السرادقات ويحضرون القراء وينحرون الذبائح ويفد المعزون فيشكر منهم من حضر ويلام من تخلف ولم يعتذر ويقيم السيدات بجانب ذلك مأتما آخر في ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء. ولا سند لشيء من ذلك في الشريعة الغراء، فلم يكن من هدى النبوة ولا من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين، بل لم يكن معروفا عند جمهور المسلمين بمصر بهذه الصورة الراهنة إلى عهد غير بعيد وإنما هو أمر استحدث أخيرا ابتداعا لا اتباعا، وفيه من المضار ما يوجب النهي عنه: (أ) فيه التزام عمل- ممن يقتدي بهم وغيرهم- ظاهرة أنه قربة وبر، حتى استقر في أذهان العامة أنه من المشروع في الدين. (ب) وفيه إضاعة الأموال في غير وجهها المشروع، في حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق لله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها مع تكاليف هذا المأتم، وقد يكون الورثة في أشد الحاجة إلى هذه الأموال. ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعا للنقد، وكثيرا ما يكون في الورقة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم في هذه البدعة. (جـ) وفيه مع ذكر تكرير العزاء وهو غير مشروع لحديث "التعزية مرة". (لهذا) وغيره من المفاسد الدينية والدنيوية أهبنا بالمسلمين: (1) أن يقلعوا عن هذه العادة الذميمة التي لا ينال الميت منها رحمة أو مشوبة، بل لا ينال الحي منها سوى المضرة إذا كان القصد مجرد التفاخر والسمعة أو دفع الملامة والمعرة. (2) وأن يعلموا أنه لا أصل لها في الدين. قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" سورة الحشر: آية 7. (أنظر الفتوى المقيدة بسجلات إفتاء الديار المصرية رقم 377 بتاريخ 14 أغسطس سنة 1947).

(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم (أولا) يستحب- عند الأئمة الأربعة وغيرهم- لأقارب أهل الميت وجيرانهم تهيئة طعام لهم- إن لم يرتكبوا منكرا- فقد أتاهم من الحزن ما يشغلهم عن تهيئة الطعام لأنفسهم، فتقديمه لهم نوع من البر بالقريب والجار والعطف عليه. وفيه أعظم تسلية لأهل الميت وعظيم الأجر لفاعليه. وقد ورد في هذا أحاديث (منها) حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نعى جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم" أخرجه أحمد والشافعي والأربعة إلا النسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن السكن والحاكم وفي سنده خالد بن سارة وثقه أحمد والترمذي وابن معين والنسائي وغيرهم (¬1). ¬

(¬1) انظر رقم 1091 ص 533 ج 1 فيض القدير. وص 287 ج 8 - المنهل العذب المورود. وص 134 ج 2 تحفة الأحوذي (الطعام يصنع لأهل الميت) وص 252 ج 1 - ابن ماجه (قتل) جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في جمادى الأول سنة ثمان من الهجرة بمؤتة (يضم فسكون) قرية بالشام قرب دمشق وقد تقدم بيان حاصل غزوة مؤتة بهامش ص 91 ج 4 - الدين الخالص (السفر يوم الجمعة) وقد ورد فيها أحاديث: ... (منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة رضي الله عنه وقال: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: فكنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفرا رضي الله عنه، فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية" أخرجه البخاري (انظر ص 360 ج 7 فتح الباري- غزوة مؤتة). ... (وحديث) أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخذ الراية زيد فأصيب ثم جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني النبي صلى الله عليه وسلم لتذرفان =

(وحديث) عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها فإني سمعت ¬

= (بكسر الراء، أي يسيل دمعها) ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة (بكسر فسكون، أي من غير تولية من النبي صلى الله عليه وسلم) ففتح الله تعالى له" أخرجه البخاري والنسائي (أنظر ص 75 ج 3 فتح الباري- الرجل ينعي الميت). ... (ويذكر) أن أبا بكر رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أصيب فلان ففلان" قال: حسبك يا رسول الله، فلو لم يقلها وتتابع القول لأصيبوا عن آخرهم (انظر ص 393 ج 1 بهجة المحافل). ... (وحديث) عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي (أي رجل من المدد الذين جاءوا يمدون جيش مؤتة) من أهل اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورا، فسأله المددى طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفرى بالمسلمين (يعني يفتك بهم، وهو كناية عن شدة نكايته بهم) فقعد له المدى خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله على المسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السلب (بفتحتين وهو ما مع المقتول من فرس وسلاح) قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى ولكني استكثرته. قلت: لتردنه إليه أو لأعرفنكها، أي لأجازيك بها حتى تعرف صنيعك هذا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه (قال) عوف فاجتمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددى وما فعل خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا خالد ما حملك على ما صنعت؟ قال: استكثرته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد رد عليه ما أخذت منه. قال عوف: فقلت له دونك يا خالد (أي خذها كأنه وفاء له بما وعده) ألم أف لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ فأخبرته، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خالد لا ترد عليه، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره". أخرجه مسلم وأبو داود وهذا لفظه (انظر ص 64 ج 12 نووي وص 23 ج 3 عون العبود (الإمام يمنع القاتل السلب إن رأي).

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "التلبينه مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن" أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {79} والمطلوب صنع طعام يشبع أهل الميت يومهم وليتهم، فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يستمر أكثر من يوم. ويسن الإلحاح عليهم في الأكل لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط الجزع. ولو كان النساء ينحن لم يجز صنع طعام لهن لأنه إعانة على المعصية. (ثانيا) ويكره تحريما- اتفاقا- جمع الناس على طعام يصنعه أهل الميت إن لم تدع إلى ذلك ضرورة كمعز مسافر سفرا طويلا (لقول) جرير بن عبد الله البجلي: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح (¬2). {80} ¬

(¬1) انظر ص 94 ج 8 - الفتح الرباني (صنع طعام لأهل البيت). وص 439 ج 9 فتح الباري (التلبينة- الأطعمة) وص 202 ج 14 نووي (والبرمة) بضم فسكون: القدر من الحجارة. وتقدم ببيان باقي غريب الحديث بص 47 ج 7 - الدين الخالص هامش رقم 110. (¬2) انظر ص 94 ج 8 - الفتح الرباني (صنع طعام لأهل الميت وكراهته منهم لاجتماع الناس عليه) وص 252 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن الاجتماع لأهل الميت وصنعة الطعام) "وأما" حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيته وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجئ بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا النبي صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة تقول: يا رسول الله إني أرسلت إلى النقيع (بالنون- موضع على نحو عشرين ميلا من المدينة يباع فيه الغنم- وأخطأ من قال البقيع بالباء) يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلى بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: أطعميه الأساري. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح وهذا لفظ أبي داود (أنظر ص 293 ج 5 مسند أحمد. وص 248 ج 3 عون المعبود- أجتناب الشبهات- البيوع) "فلا يعارض" حديث جرير لأنه ليس فيه أن الداعية امرأة المتوفي ففي الحديث استقبله داعي امرأة. وفي رواية أحمد: فقالت: يا رسول الله، إنه كان في نفسي أن أجمعك ومن معك على طعام. وعلى فرض أنها امرأة المتوفى فهي واقعة حال لا عموم لها. وحديث جرير عام.

(وقول) الصحابي: كنا نعد كذا من بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم وله حكم الرفع. (والمعنى) أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعا من النياحة الممنوعة شرعا لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم مع ما هم فيه من الاضطراب بموت أحدهم ولما فيه من مخالفة السنة، لأن الأهل والجيران مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت الطعام، وفي صنعهم هم عكس الموضوع ومخالفة المشروع. وعلى هذا اتفق العلماء. (قال) في شرح منية المصلى: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث وبعد الأسبوع، ونقل الطعام إلى القبر في المواسم واتخاذ الدعة لقراءة القرآن، وجمع الصلحاء والقراء للختم أو لقراءة سورة الأنعام أو الإخلاص. والحاصل أن اتخاذ الطعام عند قراءة القرآن لأجل الأكل يكره، وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا (¬1). وهذه الأفعال كلها للسمعة والرياء فيحترز عنها لأنهم لا يريدون بها وجه الله تعالى (¬2)، وهذا إذا لم يكن في الورقة صغار أو غائب ولم يحصل منكر. أما إذا كان كذلك فحرام باتفاق. (قال) ابن عابدين: إذا كان في الورثة صغار أو غائب أو ما يرتكب من المنكرات كإيقاد الشموع والقناديل ودق الطبول والغناء بالأصوات الحسان واجتماع النساء والمردان، وأخذ الأجرة على الذكر وقراءة القرآن وغير ذلك، فلا شك في حرمة تقديم الطعام من أهل الميت، وما ذكر من المنكرات وبطلان الوصية به (4). (وقال) بعض المالكية: وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة إن لم يكن في الورثة صغير وإلا فهو حرام. ومن الضلال الفظيع والمنكر الشنيع والحماقة غير الهينة تعليق الثريات (النجف) وإدارة القهوات ¬

(¬1) أنظر ص 609 شرح منية المصلى. (¬2) (3 و 4) انظر ص 664 ج 1 رد المختار.

(جـ) زيارة القبور

في بيوت الأموات والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات، ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته وهول السؤال، ولا فيما انتهى إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقامع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت وأنهم مخلدون بعده لقلنا إنما يفعلونه فرحا بذلك، ولكن الهوى أعماهم وأصمهم. وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة والمباهاة ومحمدة الناس. فهل في ذلك خيرا؟ كلا بل هو شر وخسران وضير (¬1). (جـ) زيارة القبور ... يستحب زيارة القبور للرجال من غير وطء للقبر، ولا استعانة بأهلها، ولا سؤالهم شيئا ولا مس القبر ولا تقبيله ولا الطواف به، فإنه من عادة أهل الكتاب، ولم يعهد في الإسلام إلا للحجر الأسود والكعبة. ويقصد بزيارتها وجه الله تعالى وإصلاح القلب ونفع الميت بالدعاء له وما يتلى عنده، لأن زيارتها تحدث في القلب خشية وتذكرا للموت. (وقد ورد) في هذا أحاديث: (منها) حديث عبد الله بن بريدة بن الخصيب الأسلمى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم الآخرة". وفي رواية: "فإن في زيارتها تذكرة" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وابن حبان والحاكم والبيهقي (¬2). {81} ¬

(¬1) انظر ص 272 ج 8 - المنهل العذب المورود. (¬2) انظر ص 158 ج 8 - التفح الرباني (استحبابها للرجال دون النساء) وص 46 ج 7 نووي. وص 101 ج 9 - المنهل العذب المورود (زيارة القبور) وص 285 ج 1 مجتبي وص 156 ج 2 تحفة الأحوذي (الرخصة في زيارة القبور) وص 245 ج 1 - ابن ماجه. وص 76 ج 4 بيهقي.

(نهاهم) النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور أولا لقرب عهدهم بالجاهلية فربما تكلموا بما اعتيد حينئذ من فحش القول. فلما انتشر الإسلام واطمأنوا به وعرفت أحكامه واشتهرت تعاليمه أمرهم النبي صلى الله عليه السلم بالزيارة مع مرعاة الآداب الشرعية، كما في حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا" أخرجه الشافعي وأحمد، وأخرجه الحاكم بلفظ: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (¬1). {82} ... والأمر في الحديثين للندب عند الجمهور للتعليل بعده (وقال) ابن حزم: إنه للوجوب (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زار قبري أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا" أخرجه البيهقي والطبراني في الأوسط والصغير، وفي سنده عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف (¬2). {83} (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي والحاكم وصححه والأربعة إلا الترمذي (¬3). . {84} ¬

(¬1) انظر ص 158 ج 8 - الفتح الرباني "والهجر" بضم فسكون" القول السوء. (¬2) انظر ص 59 ج 3 مجمع الزوائد (زيارة القبور). (¬3) انظر ص 159 ج 8 - التفح الرباني. وص 46 ج 7 نووي. وص 93 ج 9 - المنهل العذب المورود (زيارة القبور) وص 286 ج 1 مجتبي (زيارة قبر المشرك) وص 245 ج 1 - ابن ماجه (زيارة قبور المشركين) وما كان للنسائي وابن ماجه ذكر الحديث تحت هذه الترجمة وكأنهما أخذاها من المنع من الاستغفار أو من مجرد أنه الظاهر على مقتضى وجود أم النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لا من قوله: بكى وأبكى، إذ لا يلزم من البكاء عند الحضور في ذلك المحل العذاب أو الكفر بل يمكن تحققه مع النجاة والإسلام، هذا (والحق) نجاة والدي النبي صلى الله عليه وسلم لثلاثة مسالك: =

ولهذه الأحاديث قالت الأئمة الأربعة والجمهور: يسن للرجال زيارة القبور على الوجه المشروع حملا للأمر على الندب. (وقال) ابن حزم: زيارة ¬

= (أ) أنهما ما بلغهما الدعوة ولا عذاب على من لم تبلغه الدعوة لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" الإسراء: آية 15 - فلعل من سلك هذا المسلك يقول في تأويل الحديث: إن الاستغفار فرع تصور الذنب وذلك إنما يكون من المكلف. ومن لم تبلغه الدعوة (ب) غير مكلف فلا حاجة إلى الاستغفار له، فيمكن أن يقال: لا يشرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة لا لغيرهم وإن كانوا ناجين. وأما من يقول: إنهما أحييا للنبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به فيحمل الحديث على أنه كان قبل الإحياء. (جـ) وأما من يقول إن الله تعالى يوفقهما للخير والامتثال عند الامتحان يوم القيامة فيقول: لا داعي للاستغفار لهما قطعا. فاتضح وجه الحديث على جميع المسالك (انظر ص 286 ج 1 السندي على المجتبي). هذا: وأم النبي صلى الله عليه وسلم هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة. توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء فهي من أهل الفترة. (وقد) اتفق العلماء على أن من مات قبل البعثة ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا. وإنما بكى النبي صلى الله عليه وسلم لتذكر الآخرة وعدم إدراك أمه أيامه. هذا وقد ورد أدلة كثيرة صريحة في أن آباءه صلى الله عليه وسلم ناجحون (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه. أخرجه البخاري (أنظر ص 370 ج 6 فتح الباري- صفة النبي صلى الله عليه وسلم) والمراد بالقرن السيد وآباء الرجل. و(حديث) واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم وإسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بين كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. أخرجه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا لفظه (انظر ص 36 ج 15 نووي مسلم- فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم) وص 292 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل النبي صلى الله عليه وسلم) ومن المعلوم أن الخيرية والاصطفاء من الله تعالى والأفضلية عنده لا تكون مع الشرك (انظر ص 416 ج 2 - الحاوي للفتاوي للسيوطي). (وقد) روى عن أبويه صلى الله عليه وسلم ما هو صريح في توحيدهما واعترافهما بدين سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم. (روى) الزهري عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت: شهدت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم في علتها التي ماتت بها ومحمد - غلام يقع (مرتفع) له خمس سنين- عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت: =

القبور واجبة ولو مرة في العمر للأمر على الوجوب. ثم الكلام هنا ينحصر في أربعة مباحث: ¬

= بارك فيك الله من غلام ... يا بن الذي من حومة الحمام (الموت) نجا بعون الملك العلام ... فودى غداة الضرب بالسهام بمائة من إبل سوام ... إن صح ما أبصرت في المنام فأنت مبعوث لدى الأنام ... تبعث في الحل وفي الحرام تبعث بالتحقيق والإسلام ... دين أبيك البر إبراهيم فالله أنهاك عن الأصنام ... أن لا تواليها مع الأقوام ثم قالت: كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفني وأنا ميتة وذكرى باق. وقد تركت خيرا وولدت طهرا. ثم ماتت فكنا نسمع نوح الجن عليها، فحفظنا من ذلك: نبكي الفتاة البرة الأمينة ... ذات الجمال العفة الرزينة زوجة عبد الله والقرينة ... أم نبي الله ذي السكينة وصاحب المنبر بالمدينة ... صارت لدى حفرتها رهينة أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة بسند ضعيف (أنظر ص 429 ج 2 - الحاوي). فهذا صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث أبنها عليهما الصلاة والسلام ونهيها له عن الأصنام وموالاتها (وقد نقل) عن أبيه عبد الله ما يدل على توحيده وإيمانه وخوفه من الله وإيمانه بالشرائع القديمة. من ذلك قوله حين عرضت امرأة نفسها عليه: أما الحرام فالمهات دونه ... والحل لا حل فأستبينه يحمي الكريم عرضه ودينه ... فكيف بالأمر الذي تبغينه هذا مع ما كان عليه من كمال العفة، فقد افتتن به النساء ولم ينلن منه شيئا (وأما) حديث أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار. أخرجه مسلم (أنظر ص 79 ج 3 نووي - من مات على الكفر فهو في النار) "فهو" من رواية حماد بن سلمة عن ثابت، وقد خالفه معمر بن راشد عن ثابت فلم يذكر: إن أبي وأباك في النار، وإنما قال: إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. ولا دلالة في هذا على أن والده صلى الله عليه وسلم في النار. وحديث معمر أصح فإنه أثبت من حماد لأن حمادا تكلم في حفظه وفي أحاديثه مناكير. ولذا لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت، وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق الشيخان على التخريج له =

(1) كيفية الزيارة: ... يسن أن يخرج الزائر متواضعا مراقبا الله تعالى، معتبرا بمن تقدمه من الموتى، قاصدا وجه الله تعالى، ونفع الميت بالسلام عليه والدعاء له. فإذا وصل ¬

= فكان حديثه أثبت. ويقويه حديث الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار. أخرجه البزار والطبراني والبيهقي بسند على شرط الشيخين (أنظر ص 434 ج 2 - الحاوي للفتاوي). (هذا) ولو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضا بما تقدم من الأدلة. والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه (أنظر ص 436 ج 2 حاوي) وعليه فلو صحت رواية حماد بن سلمة "فالمراد" بقوله صلى الله عليه وسلم: إن أبي "أبو طالب" على حد قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" فقد كان عمه على المشهور. أو يراد بالنار نار الاختبار التي يؤمر بدخولها أهل الفترة ومن لم تبلغهم الدعوة. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى خلد في نار الجحيم. (روى) الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها. أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد وصححه. (أنظر ص 404 و 405 ج 2 حاوي). هذا وليس لنا أن نقول إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار لقوله تعالى: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" سورة الأحزاب: آية 57 (وقد) سئل أبو بكر بن العربي عن رجل قال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار، فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون للآية. قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وسلم إنه في النار (وتمامه بص 95 وما بعدها ج 9 - المنهل العذب المورود) وفيه بعد كلام: إذا =

القبر قام مسلما داعيا مستقبل القبلة على المشهور عند الحنفيين بلا تمسح بالقبر ولا طواف حوله ولا دعاء صاحبه. (وقبل) يستقبل وجه الميت، وهو قول الشافعي. وكذا الكلام في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم. ... (قال) أبو الليث: لا يعرف وضع اليد على القبر سنة ولا مستحبا بل هو بدعة منكرة من عادة أهل الكتاب (¬1). ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره. وهو بالخيار إن شاء زار قائما وإن شاء قعد كما يزور الرجل أخاه في الحياة. ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله. ... (قال) أبو الحسن محمد الزعفراني: واستلام القبور وتقبيلها كما يفعله العوام من المبتدعات المنكرة يجب تجنبه وينهى فاعله، فمن قصد السلام على ميت ¬

= علمت هذا تعلم أن آباه النبي صلى الله عليه وسلم ناجون إما لأنهم كانوا على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإما لأنهم من أهل الفترة الذين لم يبدلوا، فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام: (أ) من عرف الله ببصيرته وعقله فوحده بعبادته. (ب) من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي من الأنبياء ولا أبتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا، بل بقى مدة عمره على غفلته. وهذان القسمان غير معذبين. (جـ) من غير وبدل وأشرك وشرع لنفسه وحرم وحلل. وهذا معذب. وعليه يحمل ما ورد من الأحاديث الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة (كحديث) أبي هريرة مرفوعا: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه (بضم فسكون أي أمعاءه) في النار. وكان أول من سيب السوائب. أخرجه الشيخان (أنظر ص 197 ج 8 فتح الباري - ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) وص 189 ج 17 نووي (جهنم) والسوائب جمع سائبة وهي الدابة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء (والبحيرة) التي يحبس درها للأصنام فلا يحلبها أحد من الناس. وتمامه بص 99 ج 9 - المنهل العذب المورود. (¬1) انظر ص 408 شرح منية المصلي.

سلم عليه من قبل وجهه. وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة (¬1). ... (2) ما يقوله الزائر: يستحب للزائر التسليم على أهل القبور والدعاء لهم بالعافية والرحمة والمغفرة وإذا كان بالوارد فما أحسنه (ومنه) ما في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم فرطنا ونحن لك تبع، ونسأل الله لنا ولكم العافية". أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (¬2). {85} ... (وحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" أخرجه الترمذي وحسنه (¬3). {86} ... (وحديث) عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم- كلما كان ليتها- يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم ¬

(¬1) انظر ص 310 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 172 ج 8 - الفتح الرباني (ما يقال عند زيارة القبور) وص 45 ج 7 نووي. وص 278 ج 1 مجتبي (الأمر بالاستغفار للمؤمنين) وص 242 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا دخل المقابر) وص 79 ج 3 بيهقي. وعطف (المسلمين) على المؤمنين لاختلاف اللفظ لا لاختلاف المعنى، لأن المؤمن المنافق لا يجوز السلام عليه والترحم عليه. وذكر المشيئة للتبرك لا للتعليق لتحقق الموت. ويحتل أن التعليق بالنسبة للموت على الإيمان. و (الفرط بفتحتين: السابق. (¬3) انظر ص 156 ج 2 تحفة الأحوذي (ما يقول الرجل إذا دخل المقابر).

لاحقون، اللهم أغفر لأهل بقيع الغرقد" أخرجه مسلم (¬1). {87} (وحديث) عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بالبقيع فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم. أخرجه ابن ماجه (¬2). {88} ... (وقال) أنس: "مر رجل بالمقابر فقال: اللهم رب الأرواح الفانية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا منك وسلاما منا، فاستغفر له من مات من لدن آدم" أخرجه ابن النجار (¬3). دلت هذه الأحاديث: ... (أ) على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء يقدم فيه المبتدأ على الخبر وأنه يكون بأل أو التنوين، ويجوز في السلام على الموتى: عليكم السلام، بتقديم الخبر على المبتدأ (لقول) أبي جرى الهجيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: "عليك السلام يا رسول الله. فقال: لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى" أخرجه الثلاثة. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬4). {89} ... يعني أن هذه الصيغة تختص بالموتى. وأما السلام عليكم فمشترك (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 40 ج 7 نووي (ما يقال عند دخول القبور) و (البقيع) بالباء الموحدة: مدفن أهل المدينة. و (الغرقد) بفتح فسكون: شجر له شوك، سمي بقيع الغرقد لغرقد كان فيه. (¬2) انظر ص 241 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا دخل المقابر). (¬3) انظر رقم 2297 ص 126 ج 8 كنز العمال. (¬4) انظر ص 520 ج 4 عون المعبود (كراهية أن يقول عليك السلام) و (جرى) مصغر وكذا (الهجيمي). (¬5) "وما قاله" بعضهم من لزوم تقديم المبتدأ على الخبر في السلام على الأحياء والأموات وأن حديث أبي جرى إنما هو إخبار عن عادة أهل الجاهلية من تقديم الخبر على المبتدأ في تحية الموتى "بعيد" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن عليك السلام تحية الموتى. فعلم أنه يقال في السلام على الأموات: السلام عليكم. وعليكم السلام.

(ب) وأنه يطلب الدعاء للأموات بما تقدم في الأحاديث، وليحذر مما اعتاده بعض الجاهلين من التمسح بالقبر وتقبيله والطواف حوله ودعاء صاحبه وطلب ما يحتاجه منه فإن ذلك من عادة المشركين (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" (الحديث) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم (¬1). {90} ... وقد يفضي ذلك إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان، وفي المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المؤدية إلى فساد العقيدة. ... (3) زيارة النساء: ... يحرم على النساء زيارة القبور إن ارتكبن في زيارتها ما يغضب الواحد الغيور. وعليه تحمل الأحاديث الواردة في لعن زائرات القبور (ومنها) حديث ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور" (الحديث) أخرجه أحمد والأربعة والبزار وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي (¬2). {91} ... (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه وابن حبان (¬3). {92} أي دعا عليهن بالطرد عن رحمة الله تعالى لما يقع منهن حال الزيارة من الجزع وشق الجيوب ولطم الخدود والتبرج (قال) القرطبي: هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة. ولعل السبب ما يفضي ¬

(¬1) انظر الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية. (¬2) تقدم رقم 13 ص 9. (¬3) انظر ص 161 ج 8 - الفتح الرباني (لعن زائرات القبور) وص 246 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن زيارة النساء للقبور) وص 156 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية زيارة القبور للنساء). و (زوارات) بفتح الزاي: جمع زائرة، وقيل بضمها: جمع زوارة بمعنى زائرة.

إليه ذلك من تضييع حق الزوج وما ينشأ منهن من الصياح ونحوه (فقد) يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، فإذا كانت زيارتهن للاعتبار بلا تعديد ولا نوح فهي مكروهة تحريما عند بعض الحنفية والمالكية والشافعية لظاهر الأحاديث. ... (وقال) بعض الحنفية وأكثر الشافعية والحنبلية: تكره زيارتهن تنزيها. والصارف للأحاديث عن التحريم قول أم عطية: " نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا " أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه والبيهقي (¬1). {93} ... (وقال) فريق ثالث من الحنفيين: زيارتهن حينئذ جائزة. وهو قول لمالك ورواية عن أحمد (قالوا) إن منعهن من الزيارة كان قبل الترخيص، فلما رخص فيها عمت الرخصة الرجال والنساء. (ويؤيده) حديث عبد الله ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن، فقلت لها: أليس كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قال: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها. أخرجه الحاكم، وقال الذهبي: صحيح، والبيهقي وقال: " تفرد به بسطام بن مسلم البصري (¬2). {94} (وقالت) عائشة رضي الله عنها من حديث طويل: "فكيف أقول: تعني إذا زارت القبور- يا رسول الله؟ فقال قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" أخرجه أحمد ومسلم (¬3). {95} ¬

(¬1) تقدم رقم 618 ص 441 ج 7 - الدين الخالص (اتباع النساء الجنائز). (¬2) انظر ص 376 ج 1 مستدرك. وص 78 ج 4 بيهقي (ما ورد في دخولهن في عموم قوله فزوروها). (¬3) انظر ص 173 - 175 ج 8 - الفتح الرباني (ما يقال عند زيارة القبور) وص 41 - 44 ج 7 نووي (ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها).

فتعليمها ما تقول إذن لها بالزيارة للقبور (ويجمع) بين الأدلة بأن الإذن في الزيارة لمن خرجت متسترة خاشعة متذكرة أمر الآخرة، معتبرة بما صار إليه أهل القبور، تاركة النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب وسوء القول. وبأن المنع لمن فعلت شيئا مما ذكر كما يقع من كثير من نساء زماننا ولا سيما نساء مصر. ومعلوم أن أمن الفتنة في زماننا معدوم بل مستحيل عادة، إذ المرأة لو خرجت إلى زيارة القبور لا تسلم من ارتكاب الفجور وعبث الفساق وأهل الشرور. فيطلب طلبا أكيدا عدم خروج النساء لزيارة القبور لا ليلا ولا نهارا لا فرق في ذلك بين شابة وغيرها، إذ لكل ساقطة لا قطة ولا سيما ما هو فاش من غالب أهل الزمان من الفساد والإفساد. ومن القواعد المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ومن ثم ذهب شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية وغيرها إلى عدم جواز الزيارة للنساء. والله الهادي إلى سواء السبيل. ... (4) بدع المقابر: ومن البدع المذمومة ما التزموه في المقابر من العادات المقبوحة كاتخاذها أعيادا تشد إليها الرحال ويجتمع فيها النساء والرجال والأطفال ولا سيما في ليلتي العيدين وأول جمعة من رجب، وتذبح عندها الذبائح وتطبخ أنواع المآكل فيأكلون ويشربون ويبولون ويتغوطون ويلعبون ويصخبون ويقرأ لهم القرآن من يستأجرون لذلك من العميان ولهم أعمال من دون ذلك هم عليها عاكفون. وإذا كان ما يأتون من القراءة والذكر هنالك من البدع المنكرة وكان بعض المباحات يعد هناك من الأمور المكروهة أو المحرمة، فما القول في سائر أفعالهم الظاهرة والباطنة "ولو لم يرد" في حظر هذه الاجتماعات في المقابر إلا حديث ابن عباس مرفوعا: لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. أخرجه أحمد والأربعة والحاكم وصححه (¬1). "لكفى" ولكن ذلك كله قد صار ¬

(¬1) تقدم رقم 13 ص 9.

من قبيل شعائر الدين وآيات اليقين توقف له الأوقاف التي يسجلها ويحكم بصحتها قضاة جاهلون ويأكل منها أدعياء العلم الضالون المضلون. وقد كان بعض الصحابة وغيرهم من علماء السلف يتركون بعض السنن أحيانا حتى لا يظن العوام أنها مفروضة بالتزامها تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم في ترك المواظبة على بعض الفضائل خشية أن تصير من الفرائض. فخلف من بعدهم خلف قصروا في الفرائض وتركوا السنن والشعائر وواظبوا على هذه البدع حتى إنهم ليتركون لأجلها الأعياد والجمع. (ومن المنكر) ما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، يطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات المكفرة كقولهم: "أقصم ظهره يا سيد وخذ عمره وتصرف فيه يا إمام، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد. ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والبدوي والبيومي. وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي. وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس. وينذرون لهم النذور، ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج، ويضعون الدراهم في صناديقهم. ... ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح رضى الله تعالى عنهم، ولو عرف الناذر بطلان ذلك ما أخرج درهما، فإن الأموال عزيزة عند أهلها. قال تعالى: "ولا يسألكم أموالكم. إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم" (¬1). ... فالواجب على كل عاقل تحذير من يفعل ذلك، لأنه إضاعة للمال، ولا ينفعه ما يخرجه، ولا يدفع عنه ضررا، بل فيه المخالفة والمحاربة لله تعالى ورسوله ¬

(¬1) سورة القتال: آية 36 و 37 (فيحفكم) أي يجهدكم ويطلب منكم كل أموالكم (ويخرج أضغانكم) أي يظهر أحقادكم.

صلى الله عليه وسلم. ويجب رد المال إلى من أخرجه وقبضه حرام لأنه أكل مال الناذر بالباطل، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} (¬1). وفيه تقرير للناذر على قبح اعتقاده وشنيع مخالفته فهو كحلوان الكاهن ومهر البغى (¬2) ولأنه تدليس من هؤلاء القوم وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره. فأي تقرير لمنكر أشد من قبض النذر على الميت، وأي تدليس أعظم من هذا؟ ... (قال) الصنعاني بعد كلام في هذا الموضوع (فإن قلت) هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فلا بلدة ولا قرية إلا وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل ما يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع، بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلو عن قبر أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة، يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع عقل عاقل أن منكرا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة، ويسكت عليه علماء الإسلام. ... (قلت) إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفق عليه العالم جيلا بعد جيل، فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حولها إنكارها ونسعى في هدم منارها صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل: ينشأ الواحد منهم فيجد أهل بلدته يلقنونه في الطفولة أن يهتف باسم من يعتقدون فيه ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه، ويطوفون به على قبره، فينشأ وقد قر في ¬

(¬1) سورة النساء: أية 29 (الباطل) ما لم يبحه الشرع كالنذر لغير الله وكالغصب والقمار والرياء ونحو ذلك. (¬2) (حلوان الكاهن) ما يعطى من يدعي علم الغيب ويخبر الناس عما يقع لهم مستقبلا.

قلبه عظمة ما يعظمونه، فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ولا يسمعون من أحد إنكارا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل معظما لما يعظمونه، قابضا للنذور، آكلا ما ينحر على القبور، فيظن أن هذا دين الإسلام. ولا يخفي على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم أو العالم على وقوع منكر ليس دليلا على جوازه، ولنضرب لك مثلا من ذلك: هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا بالاتفاق أحدث فيه بعض الملوك هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد، واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله تعالى من الفساد وصيرت المسلمين كالملل المختلفة في الدين. بدعة قرت بها عين إبليس اللعين وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الأقطار إليها وشاهدوها وسكت منهم من سكت، أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله عاقل وكذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين (¬1). ... وقال ابن القيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور يزورها للدعاء لأهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم، فأبى المشركون إلا دعاء الميت والأقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه بعكس هدية صلى الله عليه وسلم فإنه هدى توحيد وإحسان إلى الميت، وهدى هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا للميت أو يدعوا به أو عنده، ويرون الدعاء عنده أولى من الدعاء في المساجد. ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين له الفرق بين الأمرين (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 29 وما بعدها من تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد. وانظر تمامه بص 103 ج 9 - المنهل العذب المورود (ومراده) بالمقامات الأربعة: مصلى الحنفي شمال الكعبة ومصلى المالكي غربها ومصلى الحنبلي جنوبها ومصلى الشافعي في الجنوب الشرقي منها. كان يصلي في هذه المقامات أثمة أربعة في وقت واحد. وقد اتفقت الأئمة الأربعة والعلماء على منع تعدد الجماعة في المسجد في وقت واحد، ولكن الآن يصلي بالحرم المكي إمام واحد. (¬2) انظر ص 146 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور).

(د) القرب تهدي إلى الميت

(د) القرب تهدي إلى الميت الميت ينتفع بما يهدي إليه من الطاعات وأنواع البر، كالصدقة والدعاء والصلاة والصيام وغيرها، قال تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" (¬1). ... (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائطي المخرف صدقة عليها. أخرجه أحمد والبخاري والثلاثة (¬2). {96} ... (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ فقال: نعم. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (¬3). {97} ¬

(¬1) سورة الحشر: آية 10. (¬2) انظر ص 97 ج 8 - الفتح الرباني (وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى) وص 253 ج 5 فتح الباري (الإشهاد في الوقف والصدقة- الوصايا) وص 130 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 78 ج 3 عون المعبود (من مات عن غيير وصية يتصدق عنه) و (أم سعد) هي عمرة بنت مسعود بن قيس أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم. وماتت سنة خمس من الهجرة وابنها غائب مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل. فلما رجعوا صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبرها. و (الحائط) البتسان. و (المخرف) كمنبر عطف بيان له: أي المثمر. وفي رواية البخاري: المخراف، كمفتاح، وهو المكان المثمر. (¬3) انظر ص 100 ج 8 - الفتح الرباني. وص 83 ج 11 نووي (وصول ثواب الصدقات إلى الميت) وص 129 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة على الميت) وص 83 ج 2 ابن ماجة (من مات ولم يوص هل يتصدق عنه؟ ) و (يكفر) من التكفير للسيئة يحتمل أن المتوفي لم يؤد زكاة وجبت عليه، فسأل ابنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن أداها هل يكفر عنه هذا الذنب. ويحتمل أنه ترك الوصية مع كثرة ماله، وعد هذا سيئة لما فيه من الحرمان من الثواب.

(وقال) أنس رضي الله عنه: يا رسول الله إنا نتصدق عن مواتانا ونجح عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليك؟ فقال: نعم، إنه ليصل إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه. أخرجه أبو حفص العكبري (¬1). {98} ... وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك. أخرجه مالك وأحمد والبخاري والنسائي (¬2). {99} ... وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. أخرجه أحمد والشيخان (¬3). {100} ... (وروي) أن رجلا سأل النبي صلى اغلله عليه وسلم فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وتصوم لها مع صيامك. أخرجه الدارقطني (¬4). {101} (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ¬

(¬1) انظر ص 309 ج 1 فتح القدير لابن الهمام. (¬2) انظر ص 99 ج 8 - الفتح الرباني (وصول ثواب القرب إلى الموتى) وص 252 ج 5 فتح الباري (ما يستحب لمن توفى فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت) وص 130 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت) (أفاد) هذا الحديث أن أم سعد ماتت وعليها نذر فوفاه عنها ابنها. وفي الحديث رقم 96 ص 92 أته تصدق عنها بحائطه المخرف (ويجمع) بينهما بأنه فعل ذلك كله. فلله دره من بار بأمه. (¬3) انظر ص 135 ج 10 - الفتح الرباني (قضاء الصوم عن الميت) وص 138 ج 4 فتح الباري (من مات وعليه صوم) وص 23 ج 8 نووي. (¬4) انظر ص 308 ج 2 فتح القدير لابن الهمام.

مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1). {102} ... (والأحاديث) في هذا كثيرة وكلها تدل على أن الميت ينتفع بعمل الحي من دعاء وصلاة وصدقة وصيام وحج، وغير ذلك من أنواع البر، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء. وبه قال جمهور أهل السنة منهم الحنفيون وأحمد. ... وقد أمر الله تعالى بالدعاء للوالدين بقوله: ... "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (¬2). ... وأخبر باستغفار الملائكة للمؤمنين، قال تعالى: ... "والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض" (¬3). ... وقال: "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" (¬4). (فهذه) الأدلة تفيد القطع بحصول الانتفاع بعمل الغير، ولا ينافيه قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعي" (¬5)، لأن المؤمن إذا عمل عملا ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 11 نووي (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته) وص 129 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت) ص 77 ج 3 عون المعبود (الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 298 ج 2 تحفة الأحوذى (الوقف- الأحكام) ومعنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته فلا ثواب له بعد إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه وكذا العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذا الصدقة الجارية. (¬2) سورة الإسراء: آية 24. (¬3) سورة الشورى: آية 5. (¬4) سورة غافر: آية 7 (¬5) صورة النجم: آية 39 (ودعوى) نسخها غير مسلمة لأنها من الأخبار، والنسخ لا يجري في الخبر (وجعل) اللام في "للإنسان" بمعنى على (بعيد) من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلا وأكدى (أي أمسك عن العطاء) نزلت في الوليد بن المغيرة سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه فوعظه فرغب في الإسلام وطمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين فقال: أتترك ملة آبائك؟ أرجع إلى دينك وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالا بعيدا وأعطى بعض المال للرجل ثم أمسك عنه وشح (قال) الشوكاني في تفسيره: ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصصه؛ فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم (أنظر ص 111 ج 5 فتح القدير).

خيريا وقصد به أخاه المؤمن وصل إليه ثوابه بسبب إيمانه، فكأنه من عمله (وقيل) إن الآية مخصوصة بغير ما دلت عليه الأدلة السابقة من أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من دعاء وصلاة وصدقة وقراءة قرآ. ... (وعن) عكرمة أن الآية خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام. أماهذه الأمة فالواحد منها ينتفع بعمل غيره لما تقدم. (وقيل) المراد بالإنسان في الآية الكافر، أي ليس له من الخير في الدنيا إلا ما عمل هو فيثاب عليه بالتوسعة في رزقه والعافية في بدنه وليس له في الآخرة شيء. هذا. وأعلم أن العبادة مالية وبدنية، فالمالية كالصدقة، نبه الشارع بوصول ثوابها على وصول ثواب سائر الأعمال المالية. أما أداء الدين فبالإجماع ولو كان من أجنبي بلا إذن. ونبه بوصول ثوابت الصوم وهو من العبادة البدنية على وصول ثواب العبادات البدنية. ونبه بوصول ثواب الحج المركب من عبادتين مالية وبدنية على وصول ثواب المركب منهما (ومشهور) مذهب مالك والشافعي أن ثواب العبادة البدنية لا يصل كالصلاة والصيام وقراءة القرآن أخذا بعموم قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقد علمت أن الآية لا تنافى انتفاع الميت بعمل غيره من قراءة وغيرها.

ولذا قال الحنفيون وأحمد: إنه ينتفع بعمل غيره إذا أدى بخشوع وخضوع ووقار ولم تكن القراءة بأجر وكانت على الوجه المشروع. ... (قال) ابن القيم: أفضل ما يهدي إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه. وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجر فيصل إليه ثوابها كما يصل ثواب الصوم والحج (¬1). ولذا اختار المحققون من أصحاب مالك والشافعي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت إذا جعلت من قبيل الدعاء بأن يقول: اللهم أجعل لفلان مثل ثواب ما قرأت. (قال) النووي: أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه إليهم، لقوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" (¬2). وغيرها من الآيات والأحاديث، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أغفر لأهل بقيع الغرقد". وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لحينا وميتنا". ... (واختلف) العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن. فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان (¬3) (أما القراءة) بأجر ولو بشرط فلا يصل ثوابها، والآخذ والمعطي آثمان به عند الحنفيين وأحمد (لحديث) عبد الرحمن بن شبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه ولا تغلوا ¬

(¬1) انظر ص 227 كتاب الروح. ويؤيده تصريح الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط. وقوله: إذا قلت قولا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فاتركوا قولي واعملوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم. فانظر كيف اعتبر الحديث الصحيح مذهبه وأنه راجع عن أقواله إذا خالفت الحديث. (¬2) سورة الحشر: آية 10. (¬3) أنظر ص 204 ج 4 شرح الأذكار (ما ينفع الميت من قول غيره).

فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني والبيهقي في الشعب بسند قوي رجاله ثقات (¬1). {103} فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم على القراء أن يتعوضوا بالقرآن شيئا من عرض الدنيا ولأن القراءة عبادة وأجرها من الله تعالى (وقالت) المالكية والشافعية: يجوز أخذ الأجر على القرآن لإطلاق حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ذكره البخاري معلقا (¬2). {104} ... وحمله الألون على خصوص ما ورد فيه من الرقي جمعا بين الأحاديث. وعلى الجملة فإن الصدقة على الميت والدعاء له يصل ثوابهما إليه باتفاق أهل السنة. أما القراءة والعبادة البدنية ففيهما خلاف والراجح وصول ثوابهما إليه. والخلاف في القراءة إن لم تخرج مخرج الدعاء وإلا وصل ثوابها اتفاقا. والواصل في الحج إلى الميت ثواب العمل عند الجمهور. وقال بعض الحنفيين: بل ثواب الإنفاق. ... وقال أحمد بن حنبل: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا (¬3). ¬

(¬1) انظر رقم 1338 ص 64 ج 2 فيض القدير للمناوي (ولا تجفوا عنه) أي لا تبتعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) أي لا تتجاوزوا حدوده من حيث اللفظ أو المعنى بأن تتأولوه بباطل، . أو المراد: لا تبذلوا جهدكم في قراءته من غير تفكر، ففي الحديث: "لا تفقه في قراءة القرآن في أقل من ثلاث" أخرجه أحمد عن قتادة (ولا تستكثروا به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا فلا تأخذوا على قراءته أجرا من حطام الدنيا. (¬2) انظر ص 304 ج 4 فتح الباري (ما يعطي في الرقية). (¬3) انظر ص 424 ج 2 مغنى.

هذا، ولا يشترط في وصول الثواب الإهداء باللفظ بل يكفي نيته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الفعل عن الغير كالصوم والحج والصدقة، ولم يقل لفاعل ذلك: قل اللهم هذا عن فلان بن فلان، والله تعالى يعلم نية العبد وقصده بعمله، فإن ذكره جاز وإن ترك ذكره واكتفى بالنية وصل الثواب. ولا يحتاج أن يقول: اللهم إني صائم غدا عن فلان بن فلان. ولهذا اشترط من اشترط نية الفعل قبل الفعل ليكون واقعا بالقصد عن الميت. فأما إذا فعله لنفسه ثم نوى أن يجعل ثوابه للغير لم يصر للغير بمجرد النية، كما لو نوى أن يهب أن يتصدق لم يحصل ذلك بمجرد النية، ولا يلزم أيضا تعليق الإهداء بأن يقول: اللهم إن كنت قبلت هذا العمل وأثبتني عليه فاجعل ثوابه لفلان: بل لا فائدة في هذا الشرط فإن الله تعالى يعطي ثوابه للمهدي إليه وإن لم يشترطه (¬1). ... واختلفوا أيضا في إهداء الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من لم يستحبه ورآه بدعة فإن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من اجر العامل شيء، لأنه هو الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ فللنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجر من اتبعه، أهداه إليه أم لم يهده (¬2). ومن العلماء من استحبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له والكامل قابل لزيادة ¬

(¬1) انظر ص 226 كتاب الروح. (¬2) انظر ص 22*9 منه (وقد) ذكر ابن حجر في الفتاوى الفقهية أن ابن تيمية زعم منع إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن جنابه الرفيع لا يتجرأ عليه إلا بما أذن فيه كالصلاة عليه وسؤال الوسيلة له (ورد) عليه السبكي بأن مثل هذا لا يحتاج لإذن خاص، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يعتمر عنه صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير وصية. وتمامه في رد المحتار ص 665 ج 1.

الكامل (وما استدل به) المانعون من أنه تحصيل حاصل لأن جميع أعمال أمته في ميزانه (يجاب عنه) بأنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلي عليه، ثم أمرنا بالصلاة عليه. وكذا اختلف في إطلاق قول العامل: اللهم أجعل ذلك زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم، فمنعه الحافظ ابن حجر لأنه لم يرد له دليل. ... (وأجاب) ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية بأن قوله تعالى: "وقل رب زدني علما" وحديث مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "واجعل الحياة زيادة لي في كل خير" دليل على أن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات (¬1). ... (خاتمة) يكره تحريما عند النعمان ومالك قراءة القرآن عن القبر لأنه لم يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من عمل السلف بل كان عملهم التصدق والدعاء لا القراءة. ... (وقال) محمد بن الحسن والشافعي: تستحب القراءة عند القبر لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يؤمئذ وكان له بعدد من فيها حسنات" ذكره القرطبي وابن قدامة (¬2). {105} (وأجاب) الأولون بأن الحديث لا أصل له في كتب الحديث (وقال) في شرح اللباب: ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى قوله: "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" وآية الكرسي ¬

(¬1) انظر ص 666 ج 1 - رد المختار. (¬2) انظر ص 3 ج 15 - الجامع لأحكام القرآن. وص 425 ج 2 مغنى ابن قدامة.

وآمن الرسول ويس وتبارك وسورة التكاثر والإخلاص ثنتي عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة أو سبعا أو ثلاثا. ثم يقول: اللهم أو صل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إلى الأموات (¬1) (ورد) بأنه لا يوجد ما يؤيد هذا ولو من طريق ضعيف. ... (وعن) على مرفوعا: من مر على المقابر وقرأ "قل هو الله أحد" إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات. أخرجه الدارقطني (¬2). {106} ... (ورد) بأن ابن الجوزي قال في التذكرة: هو مأخوذ من نسخة عبد الله ابن أحمد في الموضوعات (وقالت) الحنبلية وبعض المالكية: لا بأس بالقراءة عند القبر وجعل ثوابها للميت (روى) عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر (¬3). ولم يثبت ما يؤيده. (وقال) علي بن موسى الحداد: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من القبر قال محمد بن قدامة لأحمد: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم. قال: أخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء ابن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال: سمعت ابن عمر يوصى بذلك. فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل يقرأ. ذكره الخلال (¬4) (ورد) بأن هذا الحديث شاذ منكر رواه مبشر عن ¬

(¬1) انظر ص 666 ج 1 رد المحتار. (¬2) انظر ص 309 ج 2 فتح القدير لابن الهمام. (¬3) انظر ص 424 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬4) انظر ص 14 كتاب الروح: وتقدم بلفظ آخر مرفوعا وموقوفا رقم 677 ص 367 ج 7 - الدين الخالص (الدعاء للميت عند الدفن).

عبد الرحمن اللجلاج، وهو ليس من رجال الصحيح ولا السنن الذين يعتد بهم ولا يعرف له في الصحيحين إلا حديث واحد عند الترمذي، وقد قالوا إنه مقبول، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وتساهله في التعديل معروف، على أن مبشرا نفسه ضعفه بعضهم ولم يعتدوا بما رواه لأنه لم يتبين سببه فهو حديث لا يثبت، وعلى فرض ثبوته فهو من قول العلاء وابن عمر، ولعله اجتهاد منهما وهو موقوف لا حجة فيه. ولم يرد في هذا حديث صحيح ولا حسن ألبته. ... (وعن) أبي بكر رضي الله عنه مرفوعا: "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ عنده (يس) غفر له" أخرجه ابن عدى وضعفه السيوطي. وقال ابن عدى: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، لأن فيه عمرو بن زياد متهم بالوضع (¬1). {107} ... ولذا حكم ابن الجوزي عليه بالوضع وتعقبه السيوطي بأن له شاهدا، وهو حديث: "من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له وكتب برا" أخرجه الحكيم الترمذي عن أبي هريرة (¬2). {108} (وهذا) غير صواب لتصريح العلماء حتى السيوطي نفسه بأن الشواهد لا أثر لها في الحديث الموضوع بل في الضعيف (¬3). ... (واختار) ابن القيم أنه لا بأس بالقراءة على القبر تطوعا (لقول) الحسن ابن الصباح: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال: لا بأس بها. وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرءون عنده القرآن (¬4) (ورد) بأن هذا لا يثبت وعلى فرض ثبوته لا حجة فيه فقد قالوا: إن الصحابي إذا انفرد بقول أو عمل لا يعد قوله أو عمله حجة ¬

(¬1) انظر رقم 8717 ص 141 ج 6 فيض القدير للمناوي. (¬2) انظر رقم 8718 ص 141 منه. (¬3) انظر ص 141 منه. (¬4) انضر ص 14 كتاب الروح.

ولا يتخذ قدوة فيه، فكيف بغيرهم إذا كان قوله مخالفا للنصوص الصريحة في الكتاب والسنة. (فإن قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة (قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل أجاب كلا عن سؤاله، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذى له، وهذا سأله عن الصدقة فأذن له، ولم يمنعهم مما سوى ذلك. وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك، وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ "والقائل" إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك "قال" ما لم علم له به فإن هذه شهادة على نفي ما لم يعلم. فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه بل يكفي إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهدار لا يشترط كما تقدم (¬1). (ورد) بأنه ما من نوع من أنواع البر المشروعة إلا وقد نقل عن الصحابة والسف الصالح فيه الكثير الطيب حتى الصدقات التي صرح القرآن بتفضيل إخفائها على إبدائها تكريما للفقراء وسترا عليهم ولما قد يعرض فيها من المن والأذى والرياء المبطلة لها. وقراءة القرآن على القبر ليست كذلك حتى إن المراءاة بها مما لا يكاد يقع لأن من يقرأ لغيره لا يعد من العباد الممتازين على غيرهم فيكتمها خوف الرياء. فلو كانت القراءة عند القبر مشروعة لفعله السلف ولنقل إلينا منه الكثير، ولكنه لم يكن. ... (فالراجح) الذي تشهد له الأدلة الثابتة أن قراءة القرآن عند القبر مكروهة لأنه لم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح ولا حسن ولم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين. ولذا قال الإمام أحمد: القراءة عند القبر بدعة. وتقدم الجواب عما استند إليه القائلون بالاستحباب. والله الموفق للصواب. ¬

(¬1) انظر ص 228 و 229 من كتاب الروح.

الزكاة

الزكاة ... هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة. ذكرت بعد الصلاة لاقترانها بها في اثنتين وثمانين آية، وفي عدة أحاديث (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسلام، فقال: "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان" (الحديث) أخرجه الشيخان (¬1). {1} ... (وحديث) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصمونا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" أخرجه الشيخان وكذا أحمد عن أبي هريرة (¬2). {2} (وقال) ابن مسعود رضي الله عنه: مرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له. أخرجه الطبراني بسند صحيح (¬3). {3} ... (ثم) الكلام هنا ينحصر في خمسة عشر مبحثا: ... (1) تعريف الزكاة: ... هي لغة الطهارة والنماء والبركة، قال تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (¬4)، وقال: "وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون" (¬5) (وشرعا) حق واجب في المال لله تعالى. ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 1 فتح الباري (سؤال جبريل) وص 161 و 162 ج 1 نووي (تعريف الإسلام). (¬2) انظر ص 57 ج 1 فتح الباري (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وص 212 ج 1 نوي (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله) وص 96 ج 1 - الفتح الرباني (حكم الأمر بالشهادتين). (¬3) انظر ص 62 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الزكاة). (¬4) سورة التوبة: آية 103. (¬5) سورة الروم: آية 39.

وبعبارة أخرى تمليك جزء من مال عينه الشارع لمستحقه مع قطع المنفعة عن المملك من كل وجه (¬1) (سميت) بذلك لأنها مطهرة للمال بإخراج حق الغير منه، ومطهرة للمزكى من دنس البخل والآثام. وبها يبارك في المال ويخلف على المتصدق، قال تعالى: "وما انفقتم من شيء فهو يخلفه" (¬2). ... (وعن) أبي كبشة الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر" (الحديث) أخرجه الترمذي (¬3). {4} ... (2) دليلها: ... الزكاة فرض قطعي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. (قال) الله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (¬4)، وقال "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وقال تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده" (¬5). وغير ذلك من الآيات. ... (وقد) ورد فيها أحاديث غير ما تقدم (منها) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ¬

(¬1) (تمليك) خرج به الإباحة فلو انفق على يتيم ناويا الزكاة لا يجزئه. و (جزء من مال) خرج به المنفعة فلو أسكن فقيرا داره مدة بنية الزكاة لا يجزئه. و (عينه الشارع) خرج ما لم يعينه كصدقة التطوع والفطر لأنها وإن كانت مقدرة فليست معينة من المال لو جوبها في الذمة. و (مع قطع المنفعة) خرج الدفع إلى أصول المزكى وفروعه وزوجه ومكاتيه على خلاف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (¬2) سورة سبأ: أية 39. (¬3) انظر ص 284 ج 3 تيسير الوصول (المواعظ). (¬4) سورة البقرة: آية 43. (¬5) سورة الأنعام: آية 141.

وأني رسول الله، فإنهم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجه السبعة وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1). {5} (وحديث) على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما" أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط وقال: تفرد به ثابت بن محمد الزاهد وهو من رجال الصحيح، وبقية رجاله وثقوا، وفيهم كلام (¬2). {6} ... (وحديث) أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأباعدنهم ¬

(¬1) انظر ص 188 ج 8 - الفتح. الرباني (افتراض الزكاة) وص 229 ج 3 فتح الباري (أخذ الصدقة من الأغنياء) وص 196 ج 1 نووي (الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام) وص 84 ج 9 - المنهل العذب المورود وص. 33 ج 1 مجتبي (وجوب الزكاة) وص 5 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية أخذ خيار المال في الصدقة) وص 279 ج 1 - ابن ماجه (فرض الزكاة) (وقد بعث) النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن في ربيع الآخر سنة عشر من الهجرة (وقيل) بعثه سنة تسع أو ثمان. كان واليا على اليمن أو قاضيا بها (وكرائم) جمع كريمة أي نفيسة فلا يجوز للساعى اخذ خيار المال إلا برضا المالك. ولم يذكر في الحديث الصوم والحج، لأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر. (¬2) انظر ص 62 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الزكاة) (والجهد) بفتح فسكون: المشقة أي لن يصيب الفقراء الجهد والمشقة من الجوع والعرى إلا لمنع الأغنياء الزكاة وبخلهم بها.

ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وفي أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم" أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط. وفيه الحارث بن النعمان وهو ضعيف (¬1). {7} ... (وأجمع) المسلمون في جميع الأعصار والأقطار على فرضية الزكاة. فمن جحد فرضيتها وهو بين المسلمين فهو مرتد يستتاب ثلاثا. فإن تاب وإلا قتل لأنه أنكر أمرا ثابتا بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. أما من أنكر فرضيتها جهلا لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ بعيدا عن الأمصار والعلماء لا يحكم بكفره لعذره، بل يعرف فرضيتها وتؤخذ منه، فإن جحدها بعد ذلك حكم بكفره (¬2). ... (3) وقت افتراضها: فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة. وقيل: فرضت بمكة إجمالا وبينت بالمدينة تفصيلا جمعا بين "الآيات" الدالة على فرضيتها بمكة، كقوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده (¬3) ". وقوله: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (¬4). "والآيات" الدالة على فرضيتها بالمدينة، كقوله: "وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة" (¬5). وقوله: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (¬6). ... (4) سببها: ... سبب لزوم الزكاة الملك التام لنصاب حولي فارغ عن: (أ) دين ولو مؤجلا له مطالب من العباد سواء أكان لله كزكاة أو للعبيد. (ب) وعن حاجته الأصلية كدار السكني، وكتب العلم لأهله، وآلات الصناعة لأربابها، وأثاث المنزل، وآلات الحرب للمجاهدين. ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الزكاة). (¬2) انظر ص 334 ج 5 مجموع النوي. (¬3) سورة الأنعام: ىية 141. (¬4) سورة الذاريات: آية 19. (¬5) سورة البقرة: آية 43. (¬6) سورة التوبة: آية 103.

(5) حكمتها: ... وحكمة مشروعية الزكاة: (أ) التطهر من أدناس الذنوب والبخل. (ب) حفظ المال من التلف. (روي) أبو هريرة عن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تلف مال في بحر ولا بر غلا بحبس الزكاة" أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن هارون ضعيف (¬1). {8} ... (جـ) لما فيها من الإحسان إلى المحتاجين والرفق بهم ورفع درجات المزكي وتطييب قلوب الفقراء واطمئنانهم بما يأخذون من الأغنياء، فلا يطمعون في الاستيلاء على أموالهم بوجه غير مشروع. ... (د) وأيضا فإن المال محبوب بالطبع، فإذا استغرق القلب في حبه. اشتغل به عن حب الله وعن الطاعة المقربة إلى الله تعالى، فاقتضت الحكمة إيجاب الزكاة في ذلك المال ليكون سببا للقرب من الله تعالى. ... (هـ) وأيضا فإن إخراج المال شاق على النفس، فأوجب الله تعالى الزكاة لامتحان أرباب الأموال ليتميز بذلك المطيع المخرج لها عن طيب نفس من العاصي المانع لها. ولا ريب أن من أخرج الزكاة فقد حفظ دينه وأرضى ربه ونما ماله وحفظ من التلف، وتبرأ من دنس الشح. ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الزكاة) "وأما" حديث ابن مسعود مرفوعا: حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء. أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير وفي موسى بن عمير الكوفي وهو متروك (انظر ص 63 ج 3 مجمع الزوائد) "فقد" قال ابن الجوزي لا يصح. تفرد به موسى بن عمير وقال أبو حاتم ذاهب الحديث كذاب. وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. ثم ساق له أخبارا منها هذا (وقد) أورده السيوطي في الجامع الصغير عن الحسن مرسلا: "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء والتضرع: أخرجه أبو داود في المراسيل. وأسنده البيهقي وغيره من وجوه ضعيفة (انظر ص 388 ج 3 فيض القدير).

(6) منع الزكاة: منعها إثم كبير وضلال مبين جاء فيه الوعيد الشديد في آيات وأحاديث كثيرة (قال) تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" (¬1). ... (وقال) تعالى: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة. ولله ميراث السموات والأرض" (¬2). .. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا جيء به يوم القيامة وبكنزه فيحمي عليه صفائح في نار جهنم فتكوي بها جنبته وجنبه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون. ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا جيء به يوم القيامة وبإبله كأوفر ما كانت عليه فيبطح لها باقع قرقر تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مضى أخراها ردت عليه أولادها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى ¬

(¬1) سورة التوبة ىية 34 و 35. و (الكنز) ما لم تؤدي زكاته نقدا أو غيره. أما مازكي فليس بكنز على المختار (لحديث) أم سلعة موضوعا: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز" أخرجه أبو داود والدارقطني والبيهقي وقال: تفرد به ثابت بن عجلان وهو ثقة. وأخرجه الحاكم بلفظ: إذا أديت زكاته فليس بكنز (أنظر ص 136 ج 9 المنهل العذب المورود) و (البشارة) الخبر يتغير له لون البشرة لتأثيره في القلب فرحا أو حزنا. (¬2) سورة آل عمران آية: 180 و (البخل) منع الإنسان الحق الواجب و (التطويق) أن يجعل ما بخلوا به من مال طوقا من نار في أعناقهم. وقبل معناه أنهم سيحملون عقاب ما بخلوا به فهو من الطاقة لا من الطويق. وقوله "سيطوقون ما بخلوا به" بيان للشر الذي أو عدوا به "ولله ميراث السموات والأرض" أي له وحده ما فيهما مما يتوارثه أهلها. فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه؟ وهو لله سبحانه وتعالى لا لهم وإنهما هو في أيديهم عارية مستردة، قال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" سورة الحديد آية 7.

الجنة وإما إلى النار. وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا جيء به وبغنمه يوم القيامة كأوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة. والخيل ثلاثة وهي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي هي له أجر الذي يتخذها ويحبسها في سبيل الله فما غيبت في بطونها فهو له أجر وإن استنت منه شرفا أو شرفين كان له في كل خطوة خطاها أجر، ولو عرض له نهر فسقاها منه كان له بكل قطرة غيبته في بطونها اجر حتى ذكر الأجر في أرواثها وأبوالها. وأما الذي هي ستر فرجل يتخذها تعففا وتجملا وتكرما ولا ينسى حقها في ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأما الذي عليه وزر فرجل يتخذها أشرا وبطرا ورثاء الناس وبذخا عليه. قيل: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ما أنزل على فيها شيء إلا هذه الآية: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬1). [9] ¬

(¬1) انظر ص 193 ج 8 - الفتح الرباني (افتراض الزكاة) وص 64 ج 7 نووي (إثم مانع الزكاة) وص 299 ج 9 - المنهل العذب المورود (حقوق المال) (فتكوى بها جبهته إلخ) خص الجبهة والجنوب والظهور لأنها أشرف الأعضاء لاشتهالها على الدماغ والقلب والكبد، فالتألم بكيها أشد: لا يوضع دينار ولا درهم فوق غيره ولكن يوسع الجلد حتى توضع كلها عليه =

(وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه يوم القيامة، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: ¬

= بعد جعلها صفائح من نار (وأيضا) فإن الغني الشحيح إذا طلب منه السائل بدت على جبهته آثار الكراهة والمنع، وإن كرر السائل الطلب نأى بجنبه ومال عنه، وإن ألح في السؤال ولاه ظهره وتوجه إلى جهة أخرى وهي النهاية في الرد والغاية في المنع (وإلا) فالكي بها لجميع البدن (وظاهر) قوله (حتى يحكم الله بين عباده) أن هذا العذاب يكون في الموقف (وطول) يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة من أيام الدنيا (إنما هو) على الكافر والعاصي كل بقدر ذنبه، أما كامل الإيمان فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا. ... (روى) أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوما كان مقداره خمسين ألف سنة. فقيل: ما أطول هذا اليوم. فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة" أخرجه أحمد وابن حبان (انظر ص 300 ج 9 - المنهل العذب المورود- الشرح) (ويرى سبيله) بضم الياء مبنيا للمفعول وبفتحها مبنيا للفاعل، أي يعين له أحد الطريقين أو يعلم هو مصيره إما إلى الجنة إن كان ما ناله من العذاب كفر ما عليه أو عفا الله عنه، وإما إلى النار إن لم يكن كذلك، وهذا في غير مستحل منع الزكاة، أما هةو فيخلد فيها (والبطح) الإلقاء على الوجه (والقاع) الأرض المستوية الواسعة وكذا (القرقر) بفتحتين بينهما سكون وذكر للتأكيد أو هو الأملس من الأرض المستوية، وهو صفة لقاع، والمعنى أنه يلقى على وجهه لتطأه الإبل بأرض واسعة مستوية ملساء (والمغيب في بطن الخيل) العلف والماء (واستنت) أي جرت (والشرف) بفتحتين: المرتفع من الأرض. والمعنى: إن جرت الخيل للحصول على العلف والماء مكانا أو مكانين كان لصاحبها بكل خطوة خطاها في رعايتها وسقايتها أجر عظيم، والمراد (بحق الخيل) الإحسان إليها والقيام بمؤنها (وقيل) المراد به وجوب الزكاة فيها. وبه قال النعمان على ما يأتي ببيانه إن شاء الله. والمراد (بحق ظهورها) الجهاد عليه وما يكسبه من مال العدو وهو خمس الغنيمة (والأثر) بفتحتين من باب تعب: البطر وكفر النعمة بعدم شكرها (والبطر) كذلك، وقيل الأشر: المرح. والبطر: الطغيان عند الحق (والبذخ) بمعنى الأشر والبطر. يقال: بذخ الرجل، أي تكبر (والحمر) بضمتين جمع حمار.

"ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله" الآية. أخرجه مالك وأحمد والبخاري (¬1). {10} ... (وحديث) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه يفر منه وهو يتبعه فيقول: أنا كنزك، ثم قرأ عبد الله: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وصححه المنذري (¬2). {11} ... ففي هذه الآيات والأحاديث التنفير من منع الزكاة وأن مانعها يعذب بأنواع من العذاب. فتارة يجعل ماله صفائح من نار يكوي بها. وتارة يمثل ماله ثعبانا عظيما يطوقه ويأخذ بشدقيهز وتارة يمثل حيوانا يطؤه بأظلافه وينطحه بقرونه. وتارة يتبعه وهو يفر منه فيهدده وينهره بقوله: أنا كنزك أنا مالك الذي لم تؤد حقه فذق وباله وجزاء تفريطك. ودلت الأحاديث أيضا أن مانع الزكاة لا يخلد في النار إن لم يستحل تركها على ما تقدم. (7) قتال مانع الزكاة: ... اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانع الزكاة. (قال) أبو هريرة ¬

(¬1) انظر ص 200 ج 8 - الفتح الرباني (عذاب من منع الزكاة) وص 173 ج 3 فتح الباري (إثم مانع الزكاة) و (مثل) يشد الثل مبنيا للمفعول، أي صور ماله على صورة شجاع، وهو ذكر الحية الذي يقوم على ذنبه ويهجم على الفارس، (والأقرع) الذي انتحل شعره لكثرة سمه (والزبيبتان) نكتتان سوداو أن فوق عينه أةو نقطتان يكتنفان فاه. وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين. وقيل: نابان يخرجان من فيه مثل الفيل (واللهزمتان) بكسر اللام والزاي وسكون الهاء: الشدقان أو العظمان الناتئشان في الحيين تحت الأذنين. (¬2) أنظر ص 202 ج 8 - الفتح الرباني، وص 333 ج 1 مجتبي (التغليظ في حبس الزكاة) وص 279 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في منع الزكاة).

رضي الله تعالى عنه: "لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعدهن وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلك: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه (¬1). . {12} ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 8 - الفتح الرباني (افتراض الزكاة) وص 171 ج 3 فتح الباري (الزكاة) وص 200 ج 1 نووي (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وص 114 ج 9 - المنهل العذب المورود (الزكاة) وص 335 ج 1 مجتبي (منع الزكاة). ... (واستخلف) أي تولى الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتم له ذلك يوم الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الأول سنة 11 من الهجرة (9 يونيه سنة 632 م) (وأنظر) حديث بيعته رضي الله عنه ص 115 ج 9 - المنهل العذب المورود. ... (وكفر من كفر) أي ارتد عن الدين من أراد الله كفره، فأنكروا الشرائع الصلاة ومنعوا الزكاة، ومنهم من أقر بالصلاة ومنع الزكاة. ... وادعى النبوة مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي وسجاح بنت الحارث والأسود العنسي باليمن. فأسرع أبو بكر رضي الله عنه في تلافي الأمر، وأمر بعقد أحد عشر لواء لأحد عشر قائدا؛ فقاتلوا أهل الردة حتى رجعوا إلى الإسلام وقاتلوا المتنبئين حتى قتل مسيلمة باليمامة، والأسود العنسي بصنعاء وهرب طليحة الأسدي وسجاح وأسلما بعد ذلك. وكان لطليحة شأن في نصرة الإسلام زمن عمر بن الخطاب (وقاتلوا) مانعي الزكاة حتى أدوها وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. ... و (كيف تقاتل الناس .. الخ) عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتال مانعي الزكاة لأنها حق المال، كما يقاتل تارك الصلاة لأنها حق البدن. وبين ذلك لعمر رضي الله عنه فعرف أنه الحق (ومما) يدل على قتال مانع الزكاة كتارك الصلاة (حديث) ابن عمر - السابق رقم 2 ص 103 - الزكاة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" و (العقال) بكسر العين: الحبل يعقل به البعير، كان يؤخذ في الصدقة لأن على صاحبها تسليمها للساعي وإنما يكون بالرباط. وقيل أراد ما يساوي مقالا من حقوق الصدقة.

(وقد) جاء في هذا أحاديث كثيرة صحيحة تدل على أنه يطلب من الإمام قتال من امتنع عن تأدية الزكاة وكان ذا قوة (فإن) ظفر به وبماله أخذ منه الزكاة بلا زيادة ولا تسبي ذريته، لأن الجناية من غيرهم ولأن مانع الزكاة لا يسبي (وإن) ظفر به دون ماله دعاه إلى أداء الزكاة واستتابه ثلاثا. فإن تاب وأدى الزكاة إلا قتل عقوبة لا كفرا، لأن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم امتنعوا من قتال مانعي الزكاة في بدء الأمر ولو اعتقدوا كفرهم لما توقفوا عنه. ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على اصل النفي، ولأن الزكاة فرع من فروع الدين فلا يكفر تاركه بمجرد تركه كالحج (وروي) عن أحمد ما يفيد أنه يكفر بقتاله عليها (روى) الميموني عنه أنه قال: إذا منعوا الزكاة كما منعوها أبا بكر وقاتلوا عليها لم يورثوا ولم يصل عليهم. ... (وقال) ابن مسعود: ما تارك الزكاة بمسلم وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا: نؤديها، قال: لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فدل على كفرهم. ... (وأجاب) الجمهور عن هذا بأنه يحتمل أنهم جحدوا وجوبها، فقد نقل عنهم أنهم قالوا: إنما كنا نؤدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن لنا وليس صلاة أبي بكر سكنا لنا فلا نؤدي إليه. ... (ويحتمل) أن أبا بكر رضي الله عنه قال ذلك لأنهم ارتكبوا كبائر من غير توبة، فحكم لهم بالنار ظاهرا كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهرا.

والأمر مفوض إلى الله تعالى في الجميع ولم يحكم عليهم بالخلود في النار ولا يلزم من الحكم بها الحكم بالخلود بعد أن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما من أمته يدخلون النار ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنة (¬1). (أما) من منعها بلا قوة معتقدا وجوبها فإن الإمام يأخذها منه ويعزره، ولا يؤخذ منه أزيد منها عند الأئمة الأربعة والجمهور (لحديث) أبي هريرة أن أعرابيا قال للنبي صلى اله عليه وسلم: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلما أدبر قال: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" أخرجه الشيخان (¬2). {13} فقوله: لا أزيد على هذا، أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مطلق يشمل من منع الزكاة ثم أداها (وقال) الشافعي في القديم وإسحاق بن راهويه: يأخذ منه الزكاة وشطر ماله (لحديث) بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية ابن حيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنه لبون لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا عز وجل لا يحل لآل محمد منها شيء. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي (¬3). {14} ¬

(¬1) انظر ص 438 ج 2 مغني ابن قدامة. (¬2) انظر ص 170 ج 3 فتح الباري (الزكاة) وص 174 ج 1 نووي (الإيمان الذي يدخل به الجنة). (¬3) (انظر ص 217 ج 3 - الفتح الرباني 0 جامع لأنواع تجب فيها الزكاة) وص 170 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 335 ج 1 مجتبي (عقوبة مانع الزكاة) وص 105 ج 4 بيهقي (ما ورد فيمن كتمه). و (السائمة) ما ترعى في كلأ مباح. و (في كل أربعين ابنة لبون) بدل مما قبله. وهو محمول عند الجمهور على ما إذا زادت الإبل على مائة وعشرين. وعند الحنفيين على ما بعد مائة وخمسين على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. و (لا تفرق إبل عن حسابها) أي لا يفرق أحد الخليطين إبله عن إبل صاحبه فرارا من الصدقة. فقوله (عن حسابها) أي عن مقدارها وعددها الذي تجب فيه الزكاة كما إذا كان لأحدهما ثلاث من الإبل وللآخر اثنان فإن في مجموعها شاة. ولو فرقاها فلا شيء عليهما. و (مؤتجرا) أي طالبا أجرها من الله تعالى طيبة بها نفسه. و (الشطر) النصف. و (عزمة) أي عزم الله ذلك عزمة، أي أوجبه وجوبا.

(وأجاب) الجمهور بأنه لم يثبت (فقد) روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، وليس بهز حجة. ... (وقال) أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وسئل أحمد عنه فقال: ما أدري وجهه. وسئل عن سنده فقال: صالح. ... (8) فضل الزكاة: قد ورد في فضل الصدقة- واجبة أو غير واجبة - أحاديث (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه أو فصيله حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد، قال تعالى: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات". "ويمحق الله الربا ويربي الصدقات". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه المنذري (¬1). {15} (وحديث) أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما طلعت ¬

(¬1) انظر ص 181 ج 8 - الفتح الرباني (ما ورد في فضلها) وص 22 ج 2 تحفة الأحوذي (فضل الصدقة) وص 290 ج 1 - ابن ماجه. (ويأخذها بيمينه) هذا من أحاديث الصفات نؤمن به ونمره على ظاهره من غير تشبيه ولا تعطيل. قال تعالى: "ليس كمثله شيء" وقيل: المراد من أخذها باليمين حسن القبول وكمال الرضا عن المتصدق (والمهر) بضم فسكون: ولد الفرس الصغير (والفلو) بفتح فضم فشد الواو: هو المهر يفصل عن أمه وكذا الفصيل.

شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يأيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: الهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا مالا تلفا" أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد (¬1). {16} (وحديث) أنس أن رجلا من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف النفق وكيف أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين. فقال: يا رسول الله أقلل لي. قال: "فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا". قال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها وإثمها على من بدلها. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). {17} ¬

(¬1) أنظر ص 184 ج 8 - الفتح الرباني (ما ورد في فضلها) وقال المنذري: ورواء البيهقي من طريق الحاكم وزاد بعد قول الملكين: وأعط ممسكا تلفا. وأنزل الله في ذلك قرآنا- في قول الملكين: يأيها الناس هلموا إلى ربكم- في سورة يونس: "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" وأنزل في قولها: اللهم أعط منفقا خلفا .. الخ- "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى" إلى قوله: اللعسرى (أنظر ص 39 رقم 4 ج 2 - الترغيب في وجوه الخير) و (وهلموا .. الخ) أقبلوا على طاعة ربكم وتصدقوا بفضل مالكم ولا تبخلوا به رغبة من كثرته فإن ما قل منه وكفى صاحبه- بعد إخراج الصدقة منه- خير مما كثر وألهى صاحبه عن الصدقة وفعل الخير. (¬2) انظر ص 187 ج 8 - الفتح الرباني وص 63 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الزكاة). (والمحاضرة) الجماعة تأتي الرجل للضيافة. (وأقلل لي) أي بين لي بلفظ قليل.

والأحاديث في هذا كثيرة (¬1)، وهي تدل على أن الله تعالى يقبل الصدقة من عبده ويثيبه عليها ويبارك له في ماله إذا أخرجها من حلال مخلصا لله تعالى، وأن من أنفق في طاعة الله أخلف الله عليه وضاعف له الثواب أضعافا كثيرة، وأن أفضل الإنفاق الإنفاق على العيال ثم الأقارب والمساكين ونحوهم مع عدم التبذير، وأن البخل لا يزيد في المال إلا خسارا بل يذهب البركة منه ويحرم صاحبه من الثواب، ويقع في العذاب الأليم إذا بخل بالصدقة الواجبة. ¬

(¬1) (منها) حديث جرير بن عبد اله السابق رقم 5 ص 6 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثالثة. (وحديث) عدى بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ليس بينه وبينه ترجمان (بفتح التاء وضمها) فينظر عمن أيمن منه (أي ليستعين به في هذا الموقف) فلا يرى إلا شيئا قدمه، وينظر عمن أشأم منه (أي عمن يكون عن شماله) فلا يرى إلا شيئا قدمه، وينظر أمامه فتستقبله النار. فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل. فمن لم يجد فبكلمة طيبة. أخرجه أحمد والشيخان (انظر ص 155 ج 9 الفتح الرباني- صدقة التطوع. وص 323 ج 11 فتح الباري- من نوقش الحساب عذب). ... (وحديث) يزيد بن حبيب أن أبا الخير مرثد بن عبد الله حدثه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو يحكم بين الناس. أحد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. (أنظر ص 156 ج 9 الفتح الرباني- صدقة التطوع). ... (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ملكا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض اليوم يجزئ غدا، وملكا بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقا خلفا وعجل لمسك تلفا" أخرجه أحمد ومسلم. (انظر ص 158 د 9 - الفتح الرباني (صدقة التطوع). ... (وحديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم مال وارثه أحب إليه من مال؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال: أعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله. مالك إلا ما قدمت. ومال وارثك ما أخرت" أخرجه أحمد والبخاري والنسائي (انظر ص 160 ج 9 - الفتح الرباني. وص 204 ج 11 فتح الباري- ماق دم من ماله فهو له).

(9) شروط الزكاة: ... للزكاة شروط افتراض وشروط ضحة: ... (أ) فشروط الافتراض عشرة: ... (الأول) الإسلام- عند غير مالك- لقول أبي بكر فيما كتبه لأنس حين بعثه مصدقا: هذه فريضة الصدقة التي فرضها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (¬1). {18} ... (فلا تفترض) على كافر أصلي ولو ذميا لأنها قربة وليس هو من أهلها وهو غير مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح عند غير مالك. وإن أسلم لم يطالب بها في مدة الكفر لقوله تعالى: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" (¬2). (وكذا) لا تفترض في مال المرتد عند الحنفيين لأنه يصير كالكافر الأصلي حتى لو ارتد بعد لزومها تسقط عنه. (وقالت) الشافعية والحنبلية: من ارتد بعد لزومها لا تسقط عنه، لأن ما ثبت وجوبه لا يسقط بالردة كغرامة المتلفات. وأما ما لزمه حال الردة فيجب عليه وجوبا موقوفا- على الأصح- عند الشافعي فإن عاد إلى الإسلام وجبت عليه وإلا فلا (¬3). (وعند) الحنبلية قولان بالوجوب وعدمه. ... (وقالت) المالكية: الإسلام شرط لصحة الزكاة لا لوجوبها، فتجب على الكافر بمعنى أنه يعاقب على تركها عقابا زائدا على عقاب الكفر، لأنه ¬

(¬1) انظر ص 211 ج 8 - الفتح الرباني (كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة) وص 204 ج 3 فتح الباري (زكاة الغنم) وص 139 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 336 ج 1 مجتبي (زكاة الإبل) وص 283 ج 1 ابن ماجة (والمصدق) بفتح الصاد وكسر الدال مشددة: من يجمع صدقات النعم. وكان أبو بكر رضي الله عنه بعث أنسا إلى اليمن لجمع الصدقات. (¬2) سورة الأنفال: آية 39. (¬3) انظر ص 328 ج 5 مجموع النووي.

مخاطب بفروع الشريعة وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام، وإذا أسلمت سقطت عنه بلا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد (¬1). ... الزكاة في مال غير المكلف: ... (الثاني) من شروط افتراض الزكاة عند الحنفيين: التكليف- في غير زكاة الزروع والفطر- بالبلوغ والعقل فلا تفترض على صبي ومجنون لقول الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (¬2). وهما ليسا في حاجة إلى التطير، إذ لا ذنب عليهما (ولحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأقره الذهبي، لكن النسائي أخرجه من عدة طرق وقال: لا يصح منها شيء والموقوف أولي بالصواب (¬3). {19} (ولا يطالب) وليهما بإخراجها من مالهما لأنها عبادة محضة وليس مخاطبين بها، وإلزامهما بالمتلفات والغرامات لكونها من حقوق العباد، ووجوب العشر وصدقة الفطر في مالهما لما فيهما من معنى المؤنة فالتحقا بحقوق العباد (والمجنون) الأصلي إذا أفاق يعتبر ابتداء الحول من وقت إفاقته كوقت بلوغ الصبي. وكذا الجنون الطارئ إن استوعب الحول على الأصح. ولا عبرة بالجنون غير المستوعب. وهذا التفصيل يجري في المعتوه. ... (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: لا يشترط في وجوب الزكاة ¬

(¬1) تقدم بيان المذاهب في أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أوغير مخاطبين في بحث شروط الصلاة (أنظر ص 92 ج 2 - الدين الخالص). (¬2) سورة التوبة: آية 103. (¬3) انظر ص 238 ج 2 - الفتح الرباني (أمر الصبيان بالصلاة .. الخ)، وص 243 ج 4 عون المعبود (المجنون يسرق أو يصيب حدا) ورقم 4463 ص 35 ج 4 فيض القدير.

التكليف فتجب في مال الصبي والمجنون (لحديث) المثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من ولي يتيما له مال فليتجزأ له ولا يتركه تأكله الصدقة" أخرجه الدارقطني والترمذي وقال: " ألا من ولى يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه تأكله الصدقة " أخرجه الدار قطنى والترمذى وقال: إنما روى من هذا الوجه. والمثنى بن الصباح يضعف في الحديث. وأخرجه البيهقي والدارقطني بسند فيه مندل بن علي وهو ضعيف، والعزرمي وهو متروك (¬1). {20} ... (ولكن) له شاهدان: ... (أ) ما روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح (¬2). {21} ... (ب) ما روى ابن جريح عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" أخرجه الشافعي والبيهقي بسند صحيح (¬3). {22} (وقد) أكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا وما روى عن الصحابة في ذلك (¬4) (ولذا) قال الجمهور: يجب على ولي غير ¬

(¬1) أنظر ص 14 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة مال اليتيم) وص 107 ج 4 بيهقي (من تجب عليه الصدقة) وص 206 - الدارقطني (وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم). (¬2) انظر ص 67 ج 3 مجمع الزوائد (زكاة أموال الأيتام). (¬3) انظر ص 107 ج 4 بيهقي (من تجب عليه الصدقة) و (ماهك) بفتح الهاء. (¬4) (روى) سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. أخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر (انظر ص 107 ج 4) (وروى) عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عليا رضي الله عنه زكى أموال بني أبي رافع فلما دفعهم إليهم وجدوها ينقص فقالوا: إنا وجدناها بنقص، فقال علي: أترون أنه يكون عندي مال لا أزكيه؟ أخرجه البيهقي (أنظر ص 108 ج 4) (وروى) عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخا لي يتيما في حجرها وكانت تخرج من أموالنا الزكاة. أخرجه البيهقي (انظر ص 108 ج 4) (وروى) أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزكى مال اليتيم. وروى ذلك عن الحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما. أخرجه البيهقي (أنظر ص 108 ج 4).

المكلف إخراج زكاة ماله، لأن الزكاة تراد للثواب ومواساة الفقير. وغير المكلف من أهل الثواب والمواساة. ويجب في ماله غرامة ما أتلفه فوجبت الزكاة في ماله. (قال) الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا. فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد واسحق. وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك (¬1). ... (وأجاب) الجمهور: (أ) عن استدلال الحنفيين - بآية: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" فإن غير المكلف ليس من أهل التطهير- بأن الغالب في الزكاة أنها تطهير وليس ذلك شرطا. فإن العلماء اتفقوا على وجوب زكاة الفطر والعشر في مال غير المكلف وإن لم يكن في حاجة إلى التطهير. (ب) وعن حديث: رفع القلم عن ثلاثة، بأن المراد رفع الإثم والوجوب. والجمهور يقولون: لا إثم على غير المكلف ولا تجب الزكاة عليه بل في ماله، ويطالب بإخراجها وليه. وذلك أن المقصود من الزكاة سد حاجة الفقير من مال الغني شكرا لله وتطهيرا للمال. ومال غير المكلف قابل لأداء النفقات والغرامات. فعلى الولي إخراجها من مال غير المكلف. فإن لم يخرجها وجب على غير المكلف إخراجها بعد البلوغ والإفاقة، لأن الحق توجه إلى المال والولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إلى المال. وإذا نسب إلى الجنين مال بإرث ¬

(¬1) انظر ص 15 ج 2 تحفة الأحوذي.

أو غيره وانفصل حيا هل تجب فيه الزكاة عند الجمهور؟ الظاهر أنها لا تجب لأن الجنين لا تتيقن حياته ولا يوثق بها فلا يحصل تمام الملك واستقراره، فعلى هذا يبتدئ حولا من حين ينفصل (¬1). (والراجح) الذي يشهد له العقل والنقل ما ذهب إليه الحنفيون من أن زكاة غير العشر والفطرة لا تفترض في مال غير المكلف كباقي أركان الإسلام (قال) في الدرر البهية وشرحها: وتجب الزكاة في الأموال إذا كان المالك مكلفا. أعلم أن هذه المقالة قد ينبو عنها ذهن من يسمعها. فإذا راجع الإنصاف ووقف حيث أوقفه الحق- علم أن هذا هو الحق. وبيانه أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام. ولا خلاف أنه لا يجب شيء من الأربعة الأركان التي الزكاة خامستها على غير مكلف. فإيجاب الزكاة عليه إن كان بدليل فما هو؟ فما جاء عن الشارع في هذا شيء مما تقوم به الحجة كما يروي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر بالاتجار في أموال الأيتام لئلا تأكلها الزكاة (¬2). فلم يصح ذلك في شيء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فليس مما تقوم به الحجة. وأما ما روي عن ابن مسعود أنه قال: من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة، فإن شاء زكى وإن شاء ترك (¬3). وروى نحو ذلك عن ابن عباس. (وإن قال) قائل: إن الخطاب في الزكاة عام كقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" (فذلك) ممنوع، وليس الخطاب في ذلك إلا لمن يصلح له الخطاب وهم المكلفون. وأيضا بقية الأركان بل وسائر التكاليف- التي وقع ¬

(¬1) أنظر ص 330 ج 5 مجموع النووي. (¬2) هو حديث ابن عمرو السابق رقم 20 ص 120 (الزكاة في مال غير المكلف. (¬3) أخرجه البيهقي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود. وقال: ضعف أهل العلم ليثا. وقد روى عن ابن عباس إلا انه ينفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف لا يحتج به. وأيضا فإن الحديث منقطع لأن مجاهدا لم يدرك ابن مسعود (انظر ص 108 ج 4 بيهقي).

الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف- الخطاب بها عامة للناس. والصبي من جملة الناس. فلو كان عموم الخطاب في الزكاة مسوغا لإيجابها على غير المكلفين، لكان العموم في غيرها كذلك، وهو باطل بالإجماع. وما استلزم الباطل باطل. مع أن تمام الآية- أعني قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة- يدل على عدم وجوبها على الصبي وهو قوله: تطهرهم وتزكيهم بها، فإنه لا معنى لتطهير الصبي والمجنون ولا لتزكيته. فما جعلوه مخصصا لغير المكلفين في سائر الأركان الأربعة، لزمهم أن يجعلوه مخصصا في الركن الخامس وهو الزكاة. وبالجملة فأموال العباد محرمة بنصوص الكتاب والسنة لا يحللها إلا التراضي وطبية النفس، أو ورود الشرع كالزكاة والدية والأرش والشفعة. فمن زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله- سيما من كان قلم التكليف عنه مرفوعا- فعليه البرهان. والواجب على المنصف أن يقف موقف المنع حتى يزحزحه عنه الدليل. ولم يوجب الله تعالى على ولي اليتيم والمجنون أن يخرج الزكاة من مالهما ولا أمره بذلك ولا سوغه له، بل وردت في أموال اليتامى تلك القوارع التي تتصدع لها القلوب وترجف لها الأفئدة (¬1). ... (وقال) العلامة صديق بن حسن البخاري: والحق الذي لا محيص عنه أنها لا تجب الزكاة في مال الصبي. والمرفوع في هذه المسألة لم يثبت والموقوف لا حجة فيه. وحكم الصبي في جميع الفرائض- في الصلاة والصوم والزكاة- وأحد لم يخص منها شيء دون شيء (¬2). ... هل على العبد زكاة؟ (الثالث) من شروط افتراض الزكاة: الحرية، فلا تفترض على العبد القن والمدبر عند كافة العلماء وكذا المكاتب والمستسعى لا تجب عليهما زكاة عند الجمهور سواء الزرع وغيره لضعف ملكهما ولأن الزكاة للمواساة وليس ¬

(¬1) انظر ص 120 و 121 - الروضة الندية. (¬2) انظر ص 270 ج 1 فتح الملك العلام شرح بلوغ المرام.

الرقيق من أهلها (وقال) الحنفيون: على المكاتب زكاة الزرع دون باقي الأموال (لعموم) حديث معاذ رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ مما سقت السماء العشر ومما سقى بالدوالي نصف العشر" أخرجه النسائي (¬1). {23} ... والمستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة (وقال) أبو يوسف ومحمد: هو حر مدين يزكي ما زاد على الدين المطلوب منه لسيده إن بلغ نصابا وحال عليه الحول (وقال) الجمهور: إن عتق المكاتب والمال في يده استأنف له الحول من حين العتق، وإن عجز وصار المال للسيد ابتدأ الحول من حينئذ. ... زكاة الصداق والموقوف وغير المملوك ونحوها: ... (الرابع) من شروط افتراض الزكاة: الملك التام (وهو) عند الحنفيين أن يكون المال مملوكا في اليد (وعند) المالكية أن يكون للشخص حق التصرف فيما ملك (وعند) الشافعية والحنبلية أن يكون المال بيده يتصرف فيه باختياره وثمرته له ولم يتعلق به حق الغير، وعليه: (أ) فلا زكاة في الزرع الثابت بأرض مباحة اتفاقا لعدم الملك. (ب) ولو ملك ما لم يقبضه كصداق المرأة قبل قبضه فلا زكاة فيه حتى تقبضه على ما سيأتي بيانه في زكاة الدين إن شاء الله تعالى. (جـ) ومن قبض ما لا يملك كالمدين الذي بيده مال الدائن فلا زكاة عليه عند الحنفيين، لأنه غير مملوك له. (وقال) مالك: إن كان ما بيده نقدا وعنده عقار أو غيره يوفى منه الدين فعليه زكاة ما بيده متى مضى عليه حوله لأنه- بقدرته على تسديده من ماله- أصبح مملوكا له. أما إذا كان ما بيده حرثا أو ماشية أو معدنا فعليه زكاته وإن لم يوجد عنده ما يوفي به الدين. ¬

(¬1) أنظر ص 344 ج 1 مجتبي (ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر) و (الدوالي) جمع دالية، وهو ما يستسقى به من البئر.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: يجب على من استدان مالا أن يزكيه إذا حال عليه الحول وهو في يده لأنه ملكه بالاستقراض ملكا تاما. ... (د) ولا زكاة في المال الموقوف مطلقا عند الحنفيين لعدم الملك (وقالت) المالكية: تجب الزكاة في المال الموقوف على ملك الواقف لأن الوقف لا يخرج العين عن الملك. فلو وقف بستانا ليفرق ثمره على الفقراء أو بين بني فلان، وجب عليه أن يزكى ثمره إن بلغ نصابا وإلا فلا، إلا إذا كان عند الواقف ثمر بستان آخر يكمل النصاب فيجب عليه زكاة الجميع. ... (وقالت) الشافعية والحنبلية: لا تجب الزكاة في مال موقوف على غير معين كالمساكين أو على مسجد ومدرسة ونحوها. وتجب في الموقوف على معين إذا بلغ ثمره نصابا. وكذا تجب على من أجر أرضا موقوفة وزرعها فعليه زكاة الخارج إن بلغ نصابا مع أجرة الأرض. فإذا كانت الماشية موقوفة على جهة عامة كالفقراء والمساجد واليتامى فلا زكاة فيها اتفاقا، لأنه ليس لها مالك معين، وإن كانت موقوفة على معين واحد أو جماعة. فإن قلنا: إن الملك- في رقبة الموقوف- لله تعالى وهو الأصح، فلا زكاة اتفاقا كالوقف على جهة عامة. وإن قلنا: إن الملك في الرقبة للموقوف عليه وهو قول ضعيف عندهم، ففي وجوبها على الموقوف عليه وجهان: أصحهما لا تجب. والأشجار الموقوفة من نخل أو عنب إن كانت موقوفة على جهة عامة كالمساجد والمدارس والقراء والمساكين فلا زكاة في ثمارها. وإن كانت على معين وجبت الزكاة في ثمارها إذا بلغت نصابا اتفاقا. ويخرجها من نفس الثمرة إن شاء، لأنه يملك الثمرة ملكا مطلقا (وعن) أحمد: إن كانت موقوفة على غير معين لم تجب، وإن كانت على معين وجبت. وهكذا حكم الغلة الخالصة من ارض موقوفة إن كانت على معين وجبت زكاتها اتفاقا وإن كانت على جهة عامة لم تجب على المذهب (¬1). ¬

(¬1) انظر ص 340 ج 5 مجموع النووي.

(الخامس) من شروط افتراض الزكاة: ملك النصاب- في غير الزروع اتفاقا، وكذا في الزروع عند غير النعمان- فلا تفترض على من لم يملك نصابا، وهو ما قدره الشارع لافتراض الزكاة، ويختلف باختلاف المال المزكى كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ... (السادس) حولان: الحول القمري على ملك النصاب- في الأثمان والمواشي وعروض التجارة- فلا زكاة فيما ذكر إلا بعد مضي حول تام- تحديدا- بعد ملك النصاب عند غير الحنبلية- وتقريبا- عندهم فلا يضر نقصانه نصف يوم (لحديث) حارثة بن محمد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" أخرجه ابن ماجه مرفوعا والبيهقي مرفوعا وموقوفا (¬1). {24} ... قال البيهقي: وحارثة لا يحتج بخبره، والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة فيه عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم. (وعن) أيوب عن نافع أن ابن عمر قال: "من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول عند ربه" أخرجه الترمذي وقال: وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (¬2). {25} ... (وعن) عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ¬

(¬1) انظر ص 281 ج 1 - ابن ماجه (من استفاد مالا) وص 95 ج 4 بيهقي (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول). (¬2) انظر ص 9 ج 2 تحفة الأحوذى (لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول) و (هذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد) أي هذا الموقوف صحيح (وأما) حديث زيد بن أسلم عن نافع عن ابن عمر مرفوعا (فضعيف) قال الترمذي: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف. هذا: وقد روى المرفوع الدارقطني والبيهقي (انظر ص 198 - الدارقطني وص 104 ج 4 بيهقي).

ففيها خمسة دراهم" (الحديث) وفيه: وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1). {26} ... (أما) ما يخرج من الأرض كالزرع والمعدن والركاز فتفترض فيها الزكاة ولم يحل عليها الحول. وكذا ربح التجارة لأنه يزكي بحول أصله إن كان نصابا (وجملة) القول أن أموال الزكاة ضربان: (أ) ما هو نماء في نفسه كالحبوب والثمار: فهذا تجب فيه الزكاة بلا توقف على الحول. (ب) ما هو مرصد للنماء كالنقود وعروض التجارة والماشية: فهذا يعتبر فيه الحول اتفاقا (¬2). (والفرق) أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء. فالماشية مرصدة للدر والنسل. وعروض التجارة مرصدة للربح وكذا الأثمان. فاعتبر له الحول لكونه مظنة النماء، ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة. ولم تعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه وعدم ضبطه ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأحوال فلابد لها من ضابط كيلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد فينفذ مال المالك. أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها تتكامل عند نضوجها، فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ثم تعود في النقص فلا تجب فيها ثانية لعدم إرصادها للنماء. وكذلك الخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض فنزل منزلة الزروع والثمار، إلا أنه إن كان من جنس الأثمان وجبت فيه الزكاة عند كل حول لأنه مظنة للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورءوس مال التجارات (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 95 ج 4 بيهقي وعاصم بن ضرة وثقة ابن المديني معين والنسائي وتكلم فيه ابن حبان وابن عدى. فالحديث حسن (وقال) النووي في الخلاصة: وهو حديث صحيح أو حسن. ولا يقدح فيه ضعيف الحارث لمتابعة عاصم له (أنظر ص 328 ج 2 نصب الراية). (¬2) انظر ص 361 ج 5 مجموع النووي، وفيه: وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: تجب الزكاة فيما ذكر يوم ملك النصاب، فإذا حال الحول وجبت زكاة ثانية. (¬3) انظر ص 456 ج 2 شرح المقنع.

(السابع) من شروط افتراض الزكاة: كمال النصاب في طرق الحول- عند الحنفيين ومالك- ولا يضر نقصانه في أثنائه ما بقى من النصاب شيء، أما لو عدم بالمرة أو نقص في آخر الحول فلا تفترض الزكاة (وقال) الشافعي وأحمد: يشترط كمال النصاب في كل الحول، فلو كمل في أول الحول ثم نقص في أثنائه ثم كمل فلا زكاة إلا إذا مضى حول كامل من يوم التمام ولو بادل بماشية ماشية من جنسها، استأنف كل واحد منهما الحول على ما أخذه من حين المبادلة، وكذا لو بادل الذهب بالذهب والفضة بالفضة استأنف الحول وإن كان صيرفيا على الأصح (¬1). (وقال) بعض الحنبلية: نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه. (وقال) بعضهم: لا يعفى عن النقص في الحول وإن كان يسيرا لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (¬2). (وقال) بعضهم: نقص الحول أقل من يوم لا يؤثر لأنه يسير فأشبه الحبة والحبتين. وظاهر الحديث يقتضي التأثير وهو أولى، ومتى باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه أنقطع حول الزكاة واستأنف له حولا لما ذكرنا من الحديث. ولا نعلم في ذلك خلافا إلا أن يبدل ذهبا بفضة أو فضة بذهب فإنه مبني على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر، فقيل: يضم لأنهما كالجنس الواحد. فعلى هذا لا ينقطع الحول. وقيل: لا يضم أحدهما إلى الآخر لأنهما جنسان في باب الربا. فعلى هذا ينقطع الحول ومحل انقطاع الحول بالبيع والإبدال ما لم يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها وإلا فلا تسقط. وكذا لو أتلف جزءا من النصاب لتسقط عنه الزكاة لم تسقط وتؤخذ منه في آخر الحول من جنس المال المبيع أو المبدل دون الموجود لأنه الذي وجبت فيه الزكاة. وهذا قول مالك والأوزاعي وابن الماجشون وإسحاق (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 361 ج 5 مجموع النوي. (¬2) تقدم رقم 24 ص 126. (¬3) انظر ص 460 ج 2 شرح المقنع.

(فائدة) لو ملك أقل من نصاب ثم كمل بالربح ثم كمل بالربح لا يحسب الحول إلا من وقت الكمال عند الثلاثة لعموم حديث: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. ... (وقالت) المالكية: لو ملك أقل من نصاب في أول الحول ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب في آخر الحول وجب عليه زكاة الجميع (وعن أحمد) فيمن ملك دون النصاب من الغنم فكمل بنتاجها احتسب الحول من حين ملك الأمهات. والمذهب الأول لأن النصاب هو السبب فاعتبر معنى الحول على جميعه (¬1). ... (الثامن) - من شروط افتراض الزكاة- العلم بفرضيتها لمن أسلم في دار الحرب- عند الحنفيين- أما من أسلم في دار الإسلام فلا يشترط في حقه العلم بفرضيتها لأن لا يعذر بالجهل. (وقال) غيرهم: لا يشترط العلم بفرضية الزكاة ولو لمن أسلم في دار الحرب. فإذا مضت عليه سنين ولم يؤد زكاتها لومه إخراج الزكاة عن جميعها ولو لم يعلم بوجوب الزكاة أو كان في دار الحرب. ولو غلب أهل البغي على بلد ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعواما ثم ظفر بهم الإمام أخذ منهم زكاة الماضي عند مالك والشافعي وأحمد. ... (وقال) الحنفيون: لا زكاة عليهم لما مضى (¬2)، لأن العلم بفرضية الصلاة والصيام والزكاة شرط لمن أسلم في دار الحرب لأنه يعذر بجهله بخلاف من اسلم في دارنا، وأيضا فإن الصلاة والصوم عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية تتعلق بمرافق الأمة الاجتماعية العامة التي يكفلها الإمام وينفق منها في مصالح العامة، فلابد أن يكون له الولاية التامة على من يأخذها منه (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 457 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 337 ج 5 مجموع النووي. (¬3) أنظر ص 546 ج 2 مغنى ابن قدامة.

زكاة مال المدين: ... (التاسع) فراغ مال الزكاة- غير الزرع- من دين محيط بماله له مطالب من العباد- عند الحنفيين- بأن كان دينا للعبد أو لله له مطالب من العباد كالزكاة والمطالب بها الإمام في الأموال الظاهرة وهي المواشي وما يخرج من الأرض والملاك في الأموال الباطنة وهي أموال التجارة والأثمان، لأن الإمام كان يأخذها إلى زمن عثمان رضي الله عنه ثم فوضها إلى أربابها فهم نواب الإمام فيها. فلا تفترض الزكاة على مدين بما ذكر دينا محيطا بماله كله أو جله والباقي أقل من النصاب. أما إذا بقى منه نصاب فإنه يزكى الباقي لعدم المانع. أما الدين الخالص لله تعالى الذي ليس له مطالب من العباد كالنذر والكفارات ونفقة الحج فإنه لا يمنع وجوب الزكاة. (وقالت) المالكية: يشترط في زكاة النقدين- غير المعدن والركاز (¬1) - عدم دين ينقص النصاب وليس عند المالك ما يفي به من غير حاجته الضرورية. فلا تفترض زكاة النقدين على مدين دينا ينقص النصاب وليس عنده ما يفي بالدين من غير مال الزكاة بعد حوائجه الضرورية كدار السكنى. أما الماشية والحرث والمعدن والركاز فتجب فيها الزكاة ولو مع الدين. ... (والأصح) عند الشافعية: أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في أي مال كان. وقيل: إنه يمنع وجوبها في الأموال الباطنة وهي الذهب والفضة وعروض التجارة، ولا يمنعها في الظاهرة وهي الزروع والثمار والمواشي والمعادن (والفرق) أن الظاهرة نامية بنفسها، وبهذا قال مالك (¬2). ... (والأصح) عند الحنبلية أنه يشترط في كل أموال الزكاة عدم دين يستغرق النصاب أو ينقصه ولو كان الدين من غير جنس المال المزكى أو كان دين خراج أو أجرة أرض وحرث وغيرها؛ فمن كان عنده مال وجبت ¬

(¬1) الركاز: المال المدفون. (¬2) انظر ص 544 ج 5 مجموع النووي.

زكاته وهو مدين فليخرج منه ما يفي بدينه ثم يزكي الباقي إن بلغ نصابا وإلا فلا، لأن المدين محتاج والصدقة إنما تجب على الأغنياء (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" أخرجه أحمد وكذا البخاري معلقا في الوصايا (¬1). {27} ... (وروى) أبو عبيد في كتاب الأموال عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: "هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم ومن لم يكن عنده زكاة لم يطلب منه حتى يأتي تطوعا. قال إبراهيم النخعي: أراه (يعني شهر رمضان) (¬2). ... (وقالت) الحنبلية: دين الله تعالى كالنذر والكفارة فيه وجهان: (أحدهما) يمنع الزكاة لأنه دين يجب قضاؤه كدين الآدمي (وقد) روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر افأقضيه عنها؟ قال: "نعم فدين اله أحق أن يقضي" أخرجه الشيخان (¬3). {28} ... (وثانيهما) لا يمنع دين الله الزكاة، لأنها آكد منه لتعلقها بالعين. ويفارق دين الآدمي لتأكده وتوجه المطالبة به. فإن نذر الصدقة بمعين فقال: لله على أن أتصدق بهذه المائتي ريال إذا حال الحول (فقيل) يخرجها ولا زكاة عليه لأن النذر آكد لتعلقه بالعين والزكاة مختلف فيها (وقيل) تلزمه زكاتها وتجزيه الصدقة بالباقي ويكون ذلك صدقة مجزئة عن الزكاة والنذر، لأن الزكاة صدقة وباقيها يكون صدقة لنذره وليس بزكاة (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 3 فتح الباري (لا صدقة إلا عن ظهر غنى). (¬2) انظر ص 545 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 140 ج 4 فتح الباري (من مات وعليه صيام) وص 24 ج 8 نووي (قضاء الصوم عن الميت). (¬4) انظر ص 455 ج 2 شرح المقنع.

(العاشر) - من شروط افتراض الزكاة- التمكن من أدائها- عند مالك والشافعي في القديم- فلا تفترض فيما حال عليه الحول قبل التمكن من أدائها حتى لو هلك المال حينئذ فلا زكاة فيه لأنها عبادة، فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات. وكذا لو أتلف المال بعد الحول وقبل إمكان الأداء فلا زكاة عليه إذا لم يقصد بإتلافه الفرار من الزكاة. (وقال) الحنفيون وأحمد والشافعي في الجديد: لا يشترط لوجوب الزكاة التمكن من أدائها. فتجب بحلول الحول ولو لم يتمكن من الأداء. واتفق العلماء على أن إمكان الأداء شرط في الضمان. ومعناه أنه يضمن من الزكاة بقدر ما بقي من النصاب. فلو هلك النصاب كله بعد الحول وقبل إمكان الأداء فلا شيء على المالك، لأنا إن قلنا: الإمكان شرط في الوجوب فلم يصادف وقت الوجوب مالا، وإن قلنا: الإمكان شرط في الضمان فلم يبق شيء يضمن بقسطه. فلو حال الحول على خمس من الإبل فتلف واحد قبل الإمكان فلا زكاة على التالف اتفاقا. وأما الأربعة فإن قلنا: الإمكان شرط في الوجوب فلا شيء فيها. وإن قلنا: شرط في الضمان فقط وجب أربعة أخماس شاة. ولو تلف أربعة فعلى الأول لا شيء وعلى الثاني يجب خمس شاة. ولو ملك ثلاثين بقرة فتلف خمس منها بعد الحول وقبل الإمكان فعلى الأول لا شيء عليه، وعلى الثاني يجب خمسة أسداس تبيع. ولو تم الحول على تسع من الإبل فتلف أربعة قبل الإمكان، فإن قلنا: التمكن شرط في الوجوب وجب شاة، وإن قلنا: شرط في الضمان والوقص (¬1) عفو فكذلك، وإن قلنا: يتعلق الفرض بالجميع الفصحيح الذي قطع به الجمهور يجب خمسة اتساع شاة (¬2). (والراجح) أن الزكاة تجب بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن (لحديث) لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (¬3). فمفهومه وجوبها عليه إذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الأداء حتى حال عليه حولان ¬

(¬1) الوقص: بفتحتين وقد تسكن القاف: ما بين الفريضتين من نصب الزكاة. (¬2) انظر ص 375 ج 5 مجموع النووي. (¬3) لقد رقم 24 ص 126 (الحول).

وجبت عليه زكاة الحولين، ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحد. وقياس المالكية الزكاة على سائر العبادات ينقلب عليهم، فإننا نقول هذه عبادة فلا يشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات، فإن الصوم يجب على الحائض والمريض العاجز عن أدائه والصلاة تجب على المغمي عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءا ثم جن أو حاضت المرأة، والحج يجب على من أيسر في وقت لا يتمكن من الحج فيه أو منعه من المضي مانع. ثم الفرق بينهما أن تلك عبادات بدنية يكلف فعلها ببدنه فأسقطها تعذر فعلها. وهذه عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والوجوب في ذمته مع عجزه عن الأداء كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايته (¬1). (ب) شروط صحة أداء الزكاة: ... يشترط لصحة أدائها شرطان: ... (الأول) الإسلام- عند المالكية- بناء على المعتمد عندهم من أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. فلا تصح الزكاة من الكفار عندهم، كما لا تجب عليه عند غيرهم القائلين بأن الكفار غير مخاطبين بالفروع. ... (الثانية) النية المقارنة لأداء الزكاة حقيقة أو حكما- بأن دفع إلى الفقير بلا نية ثم نوى والمال بيد الفقير- أو المقارنة لعزل المقدار الواجب إخراجه لقوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" (¬2). فإن الإخلاص هو النية لأنه عمل قلبي (ولحديث) عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات" أخرجه الشيخان (¬3). {29} أي إنما صحتها بالنية (وقد) أجمع العلماء على أن النية فرض في الزكاة وغيرها من مقاصد العبادات، لكنه لو تصدق بكل المال ولم ينو الزكاة سقطت- عند الحنفيين- لدخول الواجب فيما تصدق به فلا يحتاج للتعيين. ¬

(¬1) انظر ص 539 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) سورة البينة: آية 5. (¬3) انظر ص 8 ج 1 فتح الباري (بدء الوحي) وص 53 ج 13 نووي.

(وقال) غير الحنفيين: لا تسقط الزكاة لعدم النية. (وشذ) الأوزاعي فقال: لا يشترط للزكاة نية لأنها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع. (ورد): (أ) بحديث: إنما الأعمال بالنيات؛ وأداؤها عمل فلابد له من النية. (ب) وبأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل فافتقرت إلى النية كالصلاة، وتفارق قضاء الدين بأنه ليس بعبادة، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقة، وولي الصبي والسلطان ينويان عند الحاجة. (هذا) والنية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون، ومحلها القلب، ويجوز تقديمها على الأداء زمنا يسيرا كسائر العبادات، ولأن الزكاة تجوز النيابة فبها فاعتبار مقارنة النية للإخراج يؤدي إلى الحرج، فإن دفع الزكاة إلى وكيله ونوي هو دون الوكيل جاز إن قرب الزمن وإلا لم يجز إلا إن نوى الوكيل أيضا عند الدفع، ولو نوى الوكيل دون الموكل لم يجز لأن الفرض يتعلق به، وإن دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال دفعها للفقراء جاز وإن تأخر دفعها لهم لأنه وكيل عنهم (¬1). (وحاصل) مذهب المالكية: أنه يجب على المزكي نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها لتتميز عن صدقة التطوع، فإن لم ينو ولو جهلا أو نسيانا لم تجزه. وهل يشترط إعلام الآخذ أو علمه بأنها زكاة أو لا يشترط لما فيه من كسر النفس؟ خلاف. ولا يجوز سرقة قدر الزكاة من مال من اشتهر بعدم التزكية لعدم النية (وقيل) يجوز إذا علم من شخص أنه لا يخرجها بحال وليس حاكم يكرهه على إخراجها. وإذا نوى رب المال بما سرق منه زكاة ماله لم تفده هذه النية لأن شرط النية أن تكون عند عزلها أو دفعها (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 505 ج 2 مغني ابن قداغمة. (¬2) انظر ص 604 ج 1 - الفجر المنير شرح مجموع الأمير.

(10) وقت تأدية الزكاة: يجب إخراجها فورا عند الثلاثة والجمهور، وهو المختار عند الحنفيين (لقول) عقبة بن الحارث النوفلي: "صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم فقام مسرعا فتخطي رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال: "ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته" أخرجه البخاري (¬1). {30} ففي الحديث دليل على: (أ) طلب المبادرة بإخراج الزكاة بعد وجوبها كراهة أن يحبس في القيامة على التأخير (قال) ابن بطال: إن تأخير الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة. (ب) أنه ينبغي أن يبادر بالخير، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والتسويف غير محمود. وفي المبادرة تخليص الذمة وبعد من المطل المذموم وحفظ للمال من الدمار (قالت) عائشة رضي الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته" أخرجه الشافعي والبخاري في التاريخ وابن عدى والبيهقي والحميدي (¬2). {31} (فهو) يدل على أن التراخي عن إخراج الزكاة بعد وجوبها سبب لإهلاك المال وإن كان عازما على إخراجها. وفيه دليل على تعلق الزكاة بعين المال لا بالذمة لأن الزكاة إذا لم تكن في جزء من المال فلا يستقيم اختلاطها بغيرها ولا كونها سببا لإهلاك ما خالطته (وفي) المنتقى: إذا لم يؤد الزكاة حتى مضي حولان فقد أساء وأثم وعليه زكاة حول واحد عند الحنفيين. (وعن) محمد أن ¬

(¬1) انظر ص 229 ج 2 فتح الباري (من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم) و (التبر) بكسر فسكون: الذهب الذي لم يصغ، ويقال للفضة أيضا. (¬2) انظر ص 211 ج 4 نيل الأوطار (المبادرة إلى إخراج الزكاة) ورقم 7897 ص 443 ج 5 فيض القدير للمناوي.

التأخير لا يجوز وهو نص على الفور. وذكر الجصاص أنها على التراخي لأنه إذا هلك النصاب بعد تمام الحول والتمكن من الأداء لا يضمن، ولو كانت واجبة على الفور لضمن كمن أخر صوم شهر رمضان عن وقته فإنه يجب عليه القضاء. ومعنى التراخي أنها تجب مطلقا بلا تعيين وقت، فمتى أدى في وقت ما جاز، وإذا لم يؤد إلى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب (¬1). والدليل يشهد للفورية، وعليه فإذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها لم يجز تأخيرها لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي فلم يجز فيه التأخير كالوديعة إذا طلبها صاحبها، فإن أخر الزكاة وهو قادر على أدائها ضمنها لأنه أخر ما يجب عليه مع إمكان الأداء فيضمنه كالوديعة وإن لم يتمكن فله التأخير إلى التمكن فإن أخر بعد التمكن عصى وصار ضامنا، فلو تلف المال كله بعد ذلك لزمته الزكاة، وإن تلف المال بعد الحول وقبل التمكن فلا إثم ولا ضمان عليه اتفاقا، وإن أتلفه المالك لزمه الضمان، وإن أتلفه أجنبي فعلى القول بأن التمكن شرط في الوجوب فلا زكاة، وكذا على أنها تتعلق بالعين فينتقل حق الفقراء إلى القيمة (¬2). (11) قضاء الزكاة: من وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها ثم مات لم تسقط عند الشافعي وأحمد والحسن البصري، فيجب إخراجها من ماله (لحديث) فدين الله أحق أن يقضي (¬3) (وقال) الليث والأوزاعي: تخرج من ثلث ماله قبل الوصايا (وقال) الحنفيون ومالك والشعبي والنخعي وسفيان الثوري: إن أوصى بها أخرجت من ثلث ماله كسائر الوصايا، وإن لم يوص لم يلزم الورثة إخراجها، وإن أخرجها وارث أو أجنبي لا يسقط الواجب لعدم نيته، وفعلهم لا يقوم ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 333 ج 5 مجموع النووي. (¬3) تقدم رقم 28 ص 131.

مقام فعله بدون إذنه وتعتبر صدقة تطوع، وإن أوصى معها بوصايا وضاق الثلث عن الكل يوزع بينهم بالسوية (فلو) قال: ثلث مالي لحج والزكاة ولعلي والكفارات قسم الموصى به على أربعة، ولا يقدم الفرض على حق الآدمي لحاجته. (واستدلوا) على سقوط الزكاة بالموت بأنها عبادة محضة شرطها النية فتسقط بالموت كالصلاة (وأجاب) الأولون: بأنها ليست كالصلاة لأنها لا تصح الوصية بها ولا تدخلها النيابة بخلاف الزكاة (¬1). (وعلى هذا) الخلاف: إذا مات من عليه صدقة الفطر أو النذر أو الكفارات أو الصوم أو النفقات فإنه لا يستوفى من تركته عند الحنفيين ومالك، ويستوفى عند الشافعي وأحمد، وإن مات من لزمه العشر، فإن كان الثمر أو الزرع باقيا فلا يسقط بالموت في ظاهر الرواية- عند الحنفيين- وإن استهلكه حتى صار دينا في ذمته فهو على هذا الخلاف، وإن أوصى بالأداء يؤدي من ثلث ماله عند الحنفيين ومالك. وعند الشافعي وأحمد يؤدي من جميع ماله. والكلام فيه مبني على أن الزكاة حق الله تعالى عند الحنفيين ومالك وهو لا يتأدى إلا بمباشرة أو إنابة، وعند الشافعي وأحمد: الزكاة حق العبد وهو الفقير فأشبهت سائر الديون وهي لا تسقط بموت المدين فكذا الزكاة ولو مات من عليه الزكاة في خلال الحول انقطع حكم الحول عند الحنفيين ومالك. وعند الشافعي وأحمد لا ينقطع الحول بل يبنى الوارث عليه، فإذا تم الحول أدى الزكاة (¬2). (فائدة) من لزمته زكاة ثم مرض ولا مال له لزمه أن ينوي تأدية الزكاة عند القدرة ولا يقترض، فإن اقترض ودفع الزكاة ناويا الوفاء عند التمكن فقد سقط عنه الواجب (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 335 ج 5 مجموع النووي. وص 461 ج 1 رد المحتار. (¬2) انظر ص 53 ج 2 بدائع الصنائع. (¬3) انظر ص 337 ج 5 مجموع النووي.

(أ) زكاة النعم

(12) ركن الزكاة: هو تمليك الحق الواجب في المال لمستحقه بتسليمه إليه أو إلى نائبه مع قطع المنفعة عن المالك من كل وجه لقوله تعالى: "وآتوا الزكاة" والإيتاء التمليك. وقوله: "إنما الصدقات للفقراء. . . . . . الآية" واللام تفيد التمليك فلا تدفع الزكاة فيما لا تمليك فيه، كبناء مسجد أو إصلاح طريق أو تكفين ميت فقير أو قضاء دينه ولو بأمره قبل موته، لأن قضاء دين الحي لا يقتضي التمليك للمدين، ففي الميت أولي. أما قضاء دين الحي الفقير بإذنه فإنه يجوز باعتبار أنه تمليك للمدين والدائن يقبضه بالنيابة. (13) أنواع الزكاة: هي نوعان: زكاة مال، وزكاة رأس، وهي صدقة الفطر (فزكاة) المال تكون في النعم والأثمان والعروض والزروع والثمار والمعادن، وهاك بيانها مرتبة: (أ) زكاة النعم ... النعم- بفتحتين- الإبل والبقر والغنم. وتفترض فيها الزكاة- بالسنة والإجماع- إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول وكانت سائمة- وهي التي تكتفي بالرعي في كلأ مباح في أكثر السنة- عند الحنفيين وأحمد، ولا عبرة لعلفها أقل الزمن لأنه لا يمكن الاحتزاز عنه، إذ لا توجد المرعى في كل سنة. والصحيح عند الشافعية أنها إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت الزكاة وإلا فلا. والماشية تصبر عن العلف اليومين ولا تصبر الثلاثة (ودليل ذلك) ما في حديث أنس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي رواية للبخاري والنسائي: "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها" (¬1). {32} ¬

(¬1) انظر ص 214 ج 8 - الفتح الرباني (كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة) وص 140 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 340 ج 1 مجتبي (زكاة الغنم) وص 206 ج 3 فتح الباري (زكاة الغنم) وص 338 ج 1 مجتبي (زكاة الإبل).

وعن معاوية بن حيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في كل خمس ذود سائمة صدقة" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله موثقون (¬1). {33} ... (قيد) وجوب الزكاة بالسائمة فدل على أن المعلوفة لا زكاة فيها. (وقال) مالك والليث: تجب الزكاة في الماشية ولو معلوفة أو عاملة متى بلغت النصب للإطلاق في عدة أحاديث: (منها) حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" الحديث أخرجه الجماعة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد روى من غير وجه (¬2). {34} ... (وحديث) معاذ أن النبي صلى اله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (¬3). {35} ... (وأجابوا) عن أدلة الجمهور بأن التقييد فيها بالسائمة خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، ويحتمل أن يكون ذكر السائمة لأن النعم وقتئذ كانت سائمة. ¬

(¬1) انظر ص 70 ج 3 مجمع الزوائد (ما تجب فيه الزكاة) و (خمس) مضاف إلى (ذود) بفتح فسكون، والذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر، وهو مؤنث لا واحد له من لفظه. (¬2) انظر ص 240 ج 8 الفتح الرباني (زكاة الذهب والفضة) وص 199 ج 3 فتح الباري (زكاة الورق) وص 52 ج 7 نووي (الزكاة) وص 123 ج 9 - المنهل العذب المورود (ما تجب فيه الزكاة) وص 336 ج 1 مجتبي (زكاة الإبل) وص 6 ج 2 تحفة الأحوذي (صدقة الزرع والثمر). (¬3) انظر ص 221 ج 8 - الفتح الرباني (زكاة البقر) وص 172 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 5 ج 2 تحفة لأحوذي.

(وأجاب) الجمهور عن هذا بأن الأصل في القيود في كلام الشارع اعتبارها فلا يترك ظاهرها والعمل بمفهومها إلا بدليل، ولا دليل يقضي بعدم اعتبار القيد، فذكر السوم لابد له من فائدة يعتد بها صيانة لكلام الشارع عن اللغو. والمتبادر منه أن للمذكور حكما يخالف المسكوت. ... (ويؤيده) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسن أو مسنة" أخرجه الطبراني في الكبير وفي ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس (¬1). {36} (وحديث) أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهم" (الحديث) وفيه: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء" أخرجه أبو داود والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي (وقال) ابن القطان: إسناده صحيح (¬2). {37} ... (وقد) روى مرفوعا وموقوفا، والموقف في هذا الباب له حكم الرفع. (وبهذا) يظهر أن ما ورد في زكاة المواشي مطلقا عن ذكر السوم غير باق على العموم لوجود ما يخصصه نصا أو قياسا (ومنه) تعلم أن الراجح مذهب الجمهور (وقال) ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بقول مالك والليث من فقهاء الأمصار، ثم الكلام ينحصر في تسعة فروع: ¬

(¬1) انظر ص 75 ج 3 مجمع الزوائد (بيان الزكاة). (¬2) انظر ص 158 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة)، وص 99 ج 4 بيهقي (كيف فرض صدقة البقر)؛ وص 204 - الدارقطني، وص 14 ج 2 - ابن أبي شيبة، وص 360 ج 2 نصب الراية. و (التبيع) ولد البقرة في السنة الأولى.

(1) زكاة الإبل: الإبل: اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهو يشمل العربي والبختي، وهو المتولد بين عربي وعجمي- منسوب إلى بختنصر- فهما في الزكاة سواء، وأقل نصاب الإبل خمس، ففيها إلى تسع شاة ثني من الضأن وهو ما تم له سنة، ولا يجزئ الجذع وهو ما أتى عليه أكثر السنة، وفي عشر إلى أربع عشرة شاتان، وفي خمس عشرة إلى تسع عشرة ثلاث شياه. وفي عشرين إلى أربع وعشرين أربع شياه. وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض- وهي التي تم لها سنة ودخلت في الثانية- سميت بذلك لأن أمها تصير في الغالب ذات لبن لأخرى. وفي ست وأربعين إلى ستين حقة- بكسر الحاء- وهي التي دخلت في السنة الرابعة وحق لها أن تركب وتحمل. وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة- بالذال المعجمة وهي التي دخلت في الخامسة وأجذعت، أي أسقطت مقدم أسنانها- وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة. واعتبر في الكل الأنوثة لما فيها من منفعة الدر والنسل. وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون. وفي إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة حقتان. (وعلى هذا) أجمعت الأمة واتفقت الآثار واشتهرت كتب الصدقات عن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن) أحسنها حديث أنس أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة إلى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر اله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاه، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض

أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي، وهذا لفظ البخاري (¬1). {38} ثم بعد عشرين ومائة تستأنف الفريضة عند الحنفيين والثوري. ففي كل خمس- تزيد على عشرين ومائة- شاة مع الحقتين إلى خمس وأربعين ومائة ففيها حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق. ثم تستأنف الفريضة. فيجب في كل خمس شاة مع ثلاث حقاق إلى خمس وسبعين ومائة ففيها بنت مخاض \وثلاثة حقاق. وفي ست وثمانين ومائة بنت لبون وثلاث حقاق. وفي ست وتسعين ومائة إلى مائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون. ثم تستأنف الفريضة كما استؤنفت في الخمسين التي بعد المائة والخمسين. (واستدلوا) بحديث حماد بن سلمة: قلت لقيس بن سعد: اكتب لي كتاب أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، فأعطاني كتابا أخبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتبه لجده عمرو بن حزم فكان فيه: "فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل" أخرجه أبو داود في المراسيل والطحاوي (¬2). {39} (وفي رواية) عن قيس بن سعد قلت: لأبي بكر بن عمرو بن حزم: أخرج لي كتاب الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: فأخرج لي كتابا فيه: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة. ¬

(¬1) انظر المراجع برقم 18 ص 118 (شروط الزكاة). (¬2) انظر ص 14 مراسيل، وص 417 ج 2 شرح معاني الآثار، وص 343 ج 2 نصب الراية.

(وقال) الشافعي والأوزاعي وابن القاسم المالكي: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة بواحدة ففيها ثلاث بنات لبون، وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وهكذا في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وهو رواية عن أحمد (لقول) ابن شهاب: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله ابن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر. فذكر الحديث (وفيه) فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقه حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وحدت أخذت" (الحديث) أخرجه أبو داود والحاكم والدارقطني (¬1). {40} (ومشهور) مذهب المالكية كمذهب الشافعي، غير أنهم حملوا الزيادة على عشرين ومائة على عشرة لا على واحدة وهو رواية عن أحمد (قالوا) إن زادت الإبل على مائة وعشرين، فإذا كانت الزيادة من واحد وعشرين إلى ¬

(¬1) انظر ص 155 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 393 ج 1 مستدرك، وص 205 - الدارقطني.

تسع وعشرين ومائة اختار الساعي حقتين أو ثلاث بنات لبون، وإن كانت الزيادة عشرات بأن بلغت مائة وثلاثين أو أربعين أو خمسين تغير الواجب وتقدر في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة (¬1). (واستدلوا) بقوله في حديث أنس: فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة (¬2). (وأجاب) الحنفيون: بأنه لا تعارض بين هذا وبين ما في حديث حماد ابن سلمة لحمل الزيادة في هذا على الزيادة الكثيرة جمعا بين الأخبار (روى) سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كتب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاه" (الحديث) وفيه عند أحمد: فإذا زادت (يعني على تسعين) ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (¬3). {41} (وقال) والعمل على هذا عند عامة الفقهاء. (وجملة) القول في زكاة الإبل أنهم أجمعوا على أن في أربع وعشرين فما دونها الغنم، وعلى أن في خمس وعشرين بنت مخاض، وعلى أن مقدار ¬

(¬1) انظر ص 530 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل). (¬3) انظر ص 207 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة) وص 153 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 3 ج 2 تحفة الأحوذى (زكاة الإبل والغنم) وقال الترمذي في العلل: سألت بالخاري عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون محفوظا، وسفيان بن حسين صدوق. قال المنذري: حديثه عن الزهري فيه مقال. (وقال) البيهقي: تابع سفيان بن حسين- على وصله- سليمان بن كثير، وهو ممن اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه.

الواجب في الإبل إلى مائة وعشرين على ما في حديث أنس (¬1): فإذا زادت على مائة وعشرين، فمذهب الشافعي والأوزاعي وأحمد وأبو داود أن في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة كما سبق. (وعن) مالك روماية كمذهب الشافعي، ورواية ثالثة أن الساعي يتخير في مائة وإحدى وعشرين بين ثلاث بنات لبون وحقتين. (وقال) إبراهيم النخعي والثوري والحنفيون: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة تستأنف الفريضة. فيجب في خمس وعشرين ومائة حقتان وشاة، وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان، وهكذا على ما تقدم (¬2). (2) ما يؤخذ في الزكاة عند عدم السن المطلوب: من لزمه سن كبنت لبون توجد عنده دفع أدنى منه والفرق بين السنين وهو شاتان أو عشرون درهما عند الشافعي وأحمد أو دفع أعلى وأخذ الفرق (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين- إن استيسرتا له- أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين" (الحديث) أخرجه الجماعة، إلا مسلما والترمذي (¬3). {42} ¬

(¬1) تقدم رقم 38 ص 141. (¬2) انظر ص 400 ج 5 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 203 ج 3 فتح الباري (من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنهد) وتقدم الحديث رقم 18 ص 18 (شروط الزكاة).

(وقال) الحنفيون: من لزمه سن ولم يوجد عنده يدفع أدنى منه والفرق بين السنين بالغا ما بلغ- ويجبر الساعي على قبول ذلك- أو يدفع أعلى من السن الواجب ويأخذ الفرق بين السنين من الساعي إن شاء لأنه في حكم البيع، وهو مبني على التراضي أو يدفع قيمة السن المطلوب مستدلين (بحديث) أنس المذكور، وتقدير الفرق فيه بالشاتين أو العشرين درهما بناء على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمنهم لا أنه تقدير لازم (وقال) مالك: يلزم رب المال بإحضار السن الواجب ولو بالشراء (والظاهر) المعقول ما ذهب إليه الحنفيون. واله ولي التوفيق. (3) زكاة البقر: البقر: اسم جنس واحدة بقرة ذكرا أو أنثى، وهو يشمل الجاموس، فهما في الزكاة سواء- سمي بقرا لأنه يبقر الأرض أي يشقها- وليس في أقل من ثلاثين منه زكاة بالإجماع، فإن كان ثلاثين سائمة متخذة للنسل والدر لا للتجارة وحال عليها الحول ففيها تبيعة أو تبيع له سنة عند الجمهور، وتشهد له اللغة. (وقال) مالك: التبيع ماله سنتان- سمي بذلك لأنه يتبع أمه- أما إن كانت للتجارة فالمعتبر أن تبلغ قيمتها نصابا وكذا الإبل والغنم. وإذا كانت أربعين ففيها مسنة أو مسن عند الحنفيين. والمسن ما له سنتان عند الجمهور (وقال) مالك: المسن ماله ثلاث سنين. (ودليل) ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسن أو مسنة" أخرجه الطبراني في الكبير وفي ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس (¬1). {43} ¬

(¬1) تقدم رقم 36 ص 14 (زكاة النعم).

(وقال) غير الحنفيين: يلزم في الأربعين مسنة أنثى للاقتصار عليها في أكثر الروايات كرواية أبي وائل بن سلمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة" أخرجه أحمد والثلاثة، وهذا لفظ النسائي (¬1). {44} ولا شيء فيما زاد على الأربعين إلى تسع وخمسين عند الثلاثة وأبي يوسف ومحمد. وروى عن النعمان وهو المختار وعليه الفتوى عند الحنفيين (لقول) معاذ: "بعثني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصدق أهل اليمن وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا- والتبيع: الجذع أو الجذعة- ومن كل أربعين مسنة. قال: فعرضوا على أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذاك وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة اتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة اتباع، وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا، وقال: إن الأوقاص لا فريضة فيها" أخرجه أحمد والبزار وهو ضعيف لأن في سند أحمد مجهولا وفي سند البزار الحسن بن عمارة وهو ضعيف (¬2). {45} ¬

(¬1) انظر ص 219 ج 8 - الفتح الرباني (جامع لأنواع تجب فيها الزكاة) وص 5 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة البقر) وص 172 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 339 ج 1 مجتبي (زكاة البقر). (¬2) انظر ص 221 ج 8 - الفتح الرباني (زكاة البقر وما جاء في الوقص) و (أصدق) بفتح الصاد وشد الدال: أي اجمع منهم الصدقة (فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم) إلخ لم يرجع من اليمن إلى المدينة إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (روى) طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك، فأبي أن يأخذ منه شيئا وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأساله، فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ أخرجه مالك في الموطأ والبيهقي، انظر ص 98 ج 4 بيهقي (كيف فرض صدقة البقر).

(وظاهر) الرواية عند النعمان أن فيما زاد عن الأربعين من البقر بحسابه. ففي الواحدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنين نصف عشر مسنة وهكذا، لأن الأصل أن لا يخلو المال عن شكر نعمته بعد بلوغه النصاب، والعفو لا يثبت إلا بنص، والمراد بالأوقاص في دليل الجمهور الصغار فلا تسقط الزكاة بالشك بعد تحقق السبب. (وروى) الحسن بن زياد عن النعمان أنه لا شيء فيما زاد عن الأربعين إلى الخمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع، لأن نصاب البقر مبني على أن يكون بين كل عقدين وقص وفي كل عقد واجب بدليل ما قبل الأربعين وبعد الستين، فيكون ما بين الأربعين والخمسين كذلك (ورد): (أ) بقول معاذ في الحديث السابق: وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا. (ب) وبقوله: "لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم في أوقاص البقر بشيء" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {46} (قال) ابن عبد البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن النسبة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها (¬2). ¬

(¬1) أنظر ص 73 ج 3 مجمع الزوائد (بيان الزكاة). (¬2) (وأما قول) ابن جرير الطبري: صح الإجماع أن في كل خمسين بقرة بقرة فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك فمختلف ولا نص في ايجابه (فمردود) بما تقدم من الأحاديث وإن كان في بعضها مقال لكنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا (وكذا) ما رواه معمر عن الزهري عن جابر ابن عبد الله قال: "في كل خمس من البقر شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياه، فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بقرة بقرة (قال) معمر قال الزهري: وبلغنا أن قولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين بقرة بقوة أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ثم كان هذا بعد ذلك" أخرجه البيهقي وقال: فهذا حديث موقوف ومنقطع، والمنقطع لا تثبت به حجة، وما قبله أكثر وأشهر (انظر ص 99 ج 4 بيهقي).

(فوائد) ... (الأولى) لا يخرج الذكر في الزكاة إلا في البقر والغنم. (قال) الخطابي: يشبه أن يكون ذلك لقلة نصاب البقر وانحطاط نوعه فيسوغ إخراج الذكر منه ما دام قليلا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون (¬1)، يعني فتتعين حينئذ الأنثى وهي المسنة عند غير الحنفيين، أما هم فقد سووا بين الذكر والأنثى في كل نصب البقر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما السابق (¬2). ... (وحكمة ذلك التقارب بين الذكر والأنثى في البقر والغنم دون الإبل، وعليه فابن اللبون في الغبل ليس بأصل إنما هو بدل من ابنة المخاض، ولهذا لا يجزئ مع وجودها. (الثانية) لرب المال أن يعطي المسنة عن التبيع والتبيعين عن المسنة أو يخرج أكثر منها سنا عنها، فإذا وجب تبيع فأخرج تبيعة أو مسنة أو مسنا قبل منه لأنه أكمل من الواجب، ولو وجب مسنة فأخرج تبيعين قبل منه، وإن أخرج مسنا لم يقبل (¬3) عند غير الحنفيين على ما تقدم. ¬

(¬1) انظر ص 34 ج 2 معالم السنن. (¬2) تقدم رقم 43 ص 146 (زكاة البقر). (¬3) انظر ص 416 ج 5 مجموع النووي.

(الثالثة) لا مدخل للجبران في غير زكاة الإبل. فإذا وجب تبيع أو مسنة ففقده لم يجز الصعود لسن أعلى ولا النزول لأسفل مع الجبران لعدم ورود النص به. والعدول إلى غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز. ... (الرابعة) لا زكاة في بقر الوحش على الأصح عند الجمهور، لأن اسم البقر لا ينصرف إليها عند الإطلاق، ولأنه لا يتأتى فيها تحقق نصاب مع السوق وحولان الحول، ولأنها لا تجزئ في الضحية والهدى فلا تجب فيها الزكاة. وسر ذلك أن الزكاة إنما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النماء فيها بالدر والنسل وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفة مئونتها فاختصت الزكاة بها دون غيرها (¬1). ... (4) زكاة الغنم: ... الغنم اسم جنس لا واحد له من لفظه يطلق على الذكر والأنثى ويشمل الضأن والمعز فهما في الزكاة سواء- سميت غنما لأنه ليس لها آلة دفاع فكانت غنيمة لكل طالب- وأول نصاب الغنم أربعون. فإذا كانت سائمة وحال عليها الحول ففيها إلى عشرين ومائة شاة وفي إحدى وعشرين ومائة إلى مائتين شاتان. وفي واحدة ومائتين إلى تسع وتسعين وثلاثمائة ثلاث شياه. وفي أربعمائة إلى تسع وتسعين وأربعمائة أربع شياه. ثم في كل مائة شاة. على هذا أجمعت الأمة وبه جاءت كتب الصدقات (منها) ما في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنس من قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين فقيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه ¬

(¬1) اغنظر ص 470 ج 2 مغنى ابن قدامة.

إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المتصدق" (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (¬1). {47} ... هذا. والشاة الواجبة في الغنم الثني من الضأن وهو ما له سنة، والثني من المعز ما له سنتان عند الحنفيين والشافعي، وماله سنة عند مالك وأحمد. ولا يجزئ الجذع من الضأن وهو ماله أكثر من ستة أشهر عند الحنفيين وهو المعتمد عند مالك. ويجزئ عند الشافعي وأحمد. ... (5) ما لا يؤخذ في زكاة الماشية: ... لا يؤخذ في زكاة النعم معيب ولا فحل للضراب ولا كريم (لما) في حديث سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق" أخرجه أبو داود والدارقطني (¬2). {48} والهرمة- بفتح فكسر- كبيرة السن التي سقطت أسنانها (والعوار) بفتح العين أو ضمها: العيب والنقص (والتيس) - بفتح فسكون- الفحل. أي لا يؤخذ فحل الغنم إذا كانت كلها أو بعضها إناثا لقلة الرغبة فيه لعدم سمنة أو لأن المالك يتضرر بأخذه. أما إذا كانت كل الغنم ذكورا فيؤخذ التيس ¬

(¬1) تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل). (¬2) انظر ص 156 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وأخرجه الحاكم من حديث أنيس (انظر ص 391 ج مستدرك) و (من الغنم) لا مفهوم له فإن المعيب لا يؤخذ في جميع المواشي. و (المصدق) - بفتح الصاد وكسر الدال المشددتين- رب الماشية. والاستثناء فيه راجع إلى التيس. والمعنى: لا يؤخذ تيس الغنم إلا أن يشاء المالك إعطاءه، لأن أخذه بغير اختياره يضره (وروى) بتخفيف الصاد وهو الساعي، فالاستثناء راجع إلى الثلاثة، أي لا تؤخذ الهرمة ولا ذات العيب ولا تيس الغنم إلا أن يشاء الساعي أخذ واحد مما ذكر بأن يرى أنه أنفع للفقراء.

وقيد بالغنم لأن الذكر من غيرها قد يؤخذ كابن اللبون والتبيع والمسن (وقال) أحمد: لا يؤخذ الذكر في شيء من الزكاة إذا كان في النصاب إناث غير تبيع البقر وابن اللبون بدلا عن بنت مخاض لم توجد. ... (وقال) الحنفيون: يجوز إخراج الذكر من الغنم الإناث لقوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة شاة" ولفظ الشاة يشمل الذكر والأنثى. وإن كان النصاب كله ذكر والأنثى. وإن كان النصاب كله ذكورا جاز إخراج الذكر في الغنم اتفاقا. وفي البقر في أصح الوجهين عند أحمد. وفي الإبل وجهان (والفرق) بين الثلاثة أن النبي صلى اله عليه وسلم نص على الأنثى في فرائض الإبل والبقر غير التبيع والمسن وأطلق في الشاة (وقال) في الإبل "من لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكرا". ... هذا (واختلف) في العيب المانع من الأجزاء في الزكاة، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وهو ما يوجب نقصان الثمن عند التجار (وقيل) هو ما يمنع الإجزاء في الأضحية. ومحل عدم إجزاء المعيب إذا كان المال كله سليما، فإن كان فيه سليم ومعيب أخذ سليما وسطا قيمته بين المعيب والسليم، وإن كان كله معيبا أخذ الساعي واحدة من أوسطه عند الثلاثة، وهو رواية عن مالك. والمشهور عنه أنه يكلف رب المال إعطاء صحيحة أخذا بظاهر الحديث. ... (ودليل) الجمهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإياك وكرائم أموالهم" (¬1)، ولأن مبنى الزكاة على المواساة وتكليف المالك إخراج الصحيحة عن المرضى إخلال بالمواساة. ولهذا يؤخذ الردئ من الحبوب والثمار الرديئة، والحكم في الهرمة كالحكم في المعيبة. (وجملة) القول أن أسباب النقص خمسة: ... (الأول) المرض، وتقدم بيانه. ¬

(¬1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 104 (دليل الزكاة).

(الثاني) العيب، وحكمه حكم المرض سواء أكانت الماشية معيبة كلها أو كانت معيبة كلها أو كانت معيبة وصحيحة، ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا معيبة وفيها بنتا مخاض إحداهما من أجود المال مع عيبها والأخرى دونها، فهل يأخذ الأجود؟ الصحيح أنه يأخذ الوسط لئلا يجحف برب المال. ... (الثالث) الذكورة- فإذا كانت الإبل كلها إناثا أو انقسمت ذكورا وإناثا لم يجز فيها الذكر إلا في خمس وعشرين من الإبل فإنه يجزئ فيها ابن لبون عند فقد بنت المخاض، وإن تمحضت ذكورا فالأصح جواز الأخذ الذكر. وعليه يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين. وأما البقر فالتبيع يؤخذ منها في موضع وجوبه وهو في كل ثلاثين وحيث وجبت المسنة تعينت عند غير الحنفيين إن تمحضت البقر إناثا أو كانت ذكورا وإناثا. ... (وقال) الحنفيون: يجوز أخذ المسن وإن تمحضت إناثا لما تقدم، وإن تمحضت البقر ذكورا جاز أخذ الذكر اتفاقا، ولو كانت البقر أربعين أو خمسين فأخرج تبيعين أجزأه. وأما الغنم فإن كانت كلها إناثا أو انقسمت ذكورا وإناثا تعينت الأنثى عند غير الحنفيين، وعندهم: يجوز الذكر لأن واجبها شاة وهو يقع على الذكر والأنثى، وإن تمحضت ذكورا أجزأ الذكر اتفاقا. ... (الرابع) الصغر- وللماشية فيه حالات: (أ) أن تكون كلها أو بعضها، ولو قدر الفرض في سن الفرض فيجب سن الفرض المنصوص عليه ولا يكلف فوقه ولا يدفع دونه وإن كان أكثرها كبارا أو صغارا. (ب) أن تكون كلها فوق سن الفرض فلا يكلف الإخراج منها بل يحصل السن الواجبة ويخرجها وله أن يدفع الأعلى أو الأقل مع الجبران في الإبل كما سبق.

(الخامس) رداءة النوع- فإن اتحد نوع الماشية وصفها أخذ الساعي من أيها شاء، إذ لا تفاوت، وإن اختلفت صفتها وهي نوع واحد ولا عيب فيها ولا صغر، فقيل: يختار الساعي خيرهما، وقيل: بل يأخذ الوسط لئلا يجحف برب المال (¬1). (6) توقي كريم المال في الزكاة: لا يؤخذ في الزكاة الماخض وهي الحامل ولا ما طرقها الفحل لاحتمال حملها ولا الأكولة وهي السمينة التي أعدت للأكل ولا خيار المال ولا ذات اللبن والولد (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "فإياك وكرائم أموالهم". (وروى) سفيان بن عبد الله الثقفي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدقا- علىالطائف- وكان يعد على الناس السخل فقالوا: أتعد علينا السخل ولا تأخذ منه شيئا؟ فلما قدم على عمر ذكر ذلك له، فقال عمر: نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الربي ولا الماهخض ولا فحل الغنم ونأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره" أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (¬2). {49} (وأيضا) فإن الزكاة تجب على وجه الرفق، وأخذ خيار المال خروج عن حد الرفق، فإن رضى رب المال بإخراج ذلك قبل منه (لقول) أبي بن كعب: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك. فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخدها. فقلت له: ¬

(¬1) انظر ص 419 إلى 424 ج 5 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 61 ج 2 زرقاني الموطأ (ما يعتد به من السخل في الصدقة) وص 100 ج 4 بيهقي (السن التي تؤخذ في الغنم) و (السخل) بفتح فسكون- جمع سخلة كتمر وتمرة. وهي ولد الضأن والمعز ساعة تولد، ويجمع أيضا على سخال (والأكولة) بفتح فضم- الشاة تعزل للأكل والعاقر من الشياه. وأما الأكولة بضمتين فهي قبيحة المأكول وليست مرادة هنا لأن السياق في تعداد الخيار (والربي) بضم الراء وشد الباء مقصورا: الشاة تربى في البيت للبنها، والجمع رباب كغراب (وغذاء المال) بكسر الغين والمد: جمع غذى ككريم وهو الصغير.

ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت على فأفعل فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته. قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي، فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية ليأخذها، فأبى علي، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك. قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها، ودعا له في ماله بالبركة. أخرجه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي وأبو داود، وهذا لفظه، وفيه محمد بن إسحاق مدلس لكنه صرح هنا بالتحديث (¬1). {50} (دل) الحديث على أن الكريم من المال لا يؤخذ لحق رب المال إلا إن تطوع به، وإذا ثبت هذا وأنه لا يؤخذ الردئ لحق الفقراء، ثبت أن الحق في الوسط من المال، فإذا جاء الساعي قسم الماشية أثلاثا: ثلث خيار، وثلث أوساط، وثلث ردئ، وأخذ من الوسط (¬2). (ومما يدل) على هذا حديث عبد الله بن معاوية الغاضري- من غاضرة قيس- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله ¬

(¬1) انظر ص 226 ج 8 - الفتح الرباني (اجتناب كرائم أموال الناس في الزكاة) وص 96 ج 4 بيهقي (ما يأخذ الساعي فوق ما يجب) وص 182 ج 9 - المنهل العذب المورود (وفيه) أي في المال. وفي رواية أحمد: فيها. أنث الضمير باعتبار الإبل (ولا لبن فيه) إلخ، يعني أن بنت المخاض لا منفعة فيها بلبن ولا ركوب لصغرها. (¬2) انظر ص 476 ج 2 مغنى أبن قدامة.

طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالك، فإن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره" أخرجه أبو داود والبزار والطبراني بسند جيد (¬1). {51} (فائدة) لو تبرع المالك بالحامل قبلت منه عند العلماء كافة غير داود قال: لا تجزئ الحامل لأن الحمل عيب في الحيوان، بدليل أنه لو اشترى جارية فوجدها حاملا فله ردها بسبب الحمل ولا تجزئ في الأضحية (ورد) بأن الحمل نقص في الآدميات لما يخاف عليهن من الولادة بخلاف البهائم. ولذا لو اشترى بهيمة فوجدها حاملا ليس له ردها به فليس الحمل فيها عيبا بل فضيلة، وإنما لم تجزئ الحامل في الأضحية، لأن المقصود من الأضحية اللحم، والحمل يهزلها. والمقصود في الزكاة كثرة القيمة والدر والنسل وذلك في الحامل فكانت أولى بالجواز (¬2). (7) ما لا زكاة فيه: هو خمسة أنواع: (أ) الرقيق والخيل: الرقيق آدمي مملوك (¬3)، فإن كان مملوكا للتجارة فيه الزكاة عند عامة العلماء إلا الظاهرية فلا زكاة فيه عندهم مطلقا كالخيل (والخيل) أسم جنس لا واحد له من لفظه، وأحوالها ثلاث: ¬

(¬1) انظر ص 181 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) و (غاضرة قيس) قبيلة. و (الرافدة) من الرفد- بفتح فسكون- وهو الإعانة. يقال: رفدته نفسه رفدا، من باب ضرب، أي أعانته. و (الدرنة) بفتح فكسر: الجرباء. و (الشرط) بفتحتين: صغار المال وشراره. و (اللئيمة) البخيلة باللبن. (¬2) انظر ص 428 ج 5 مجموع النووي. (¬3) والرق عجز حكمي سببه الكفر الأصلي.

(1) أن تكون للتجارة، ففيها زكاة التجارة إجماعا- خلافا للظاهرية- لكونها مالا ناميا فاضلا عن الحاجة، لأن الإعداد للتجارة دليل النماء والفضل عن الحاجة. (2) أن تكون معدة للركوب أو للحمل أو للجهاد في سبيل الله، فلا زكاة فيها اتفاقا لأنها مشغولة بالحاجة. ومال الزكاة إنما هو المال النامي الفاضل عن الحاجة. (3) أن تسام للدر والنسل، فلا زكاة فيها عند الجمهور والثلاثة وأبي يوسف ومحمد (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه" أخرجه السبعة، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1). {52} والعمل عليه عند أهل العلم أنه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة. فإذا كانوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال عليها الحول (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" أخرجه أحمد ومسلم والدراقطني (¬2). {53} (وعن) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" أخرجه أحمد والطحاوي والأربعة. وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح (¬3). {54} ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق والخيل والحمر) وص 209 ج 3 فتح الباري (ليس على المسلم في عبده صدقة) وص 55 ج 7 نووي وص 198 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الرقيق) وص 342 ج 1 مجتبي. وص 7 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 285 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الخيل والرقيق). (¬2) انظر ص 234 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق والخيل والحمر) وص 56 ج 7 نووي. (¬3) انظر ص 235 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق ... ) وص 167 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 343 ج 1 مجتبي (زكاة الورق) وص 3 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 285 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الخيل والرقيق).

(وقال) النعمان وزفر وزيد بن ثابت: لا زكاة في ذكور الخيل الخلص لعدم التناسل فيها. وتجب في الخيل- إذا كانت سائمة متخذة للنسل ذكورا وإناثا أو إناثا- عن كل فرس دينار أو ربع عشر قيمة الخيل إن بلغت نصابا ولا يقدر فيها نصاب عند النعمان في المشهور عنه (وقيل) نصابها ثلاثة أو خمسة (روي) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: في الخيل السائمة التي يطلب نسلها إن شئت في كل فرس دينار أو عشرة دراهم. وإن شئت فالقيمة. فيكون في كل مائتي درهم خمسة دراهم" أخرجه محمد في الآثار. وروى نحوه أبو يوسف (¬1). (وقد) تنازع العلماء في زكاة الخيل في زمن مروان بن الحكم فشاور الصحابة في ذلك فروى أبو هريرة الحديث: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (فقال) مروان لزيد بن ثابت: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال أبو هريرة: عجبا من مروان أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال زيد: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد به الفرس الغازي. فأما تاجر يطلب نسلها ففيها الصدقة. فقال: كم؟ قال: في كل فرس دينار أو عشرة دراهم (¬2). (وقال) يعلي بن أمية: ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلي من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال: غصبني يعلي وأخوه فرسا لي. فكتب إلى يعلي أن ألحق بي. فأتاه فأخبره الخبر فقال: إن الخيل لتبلغ هذا عندكم؟ ما علمت أن فرسا يبلغ هذا فنأخذ من كل أربعين شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا، خذ من كل فرس دينارا. فضرب علي الخيل دينارا دينارا " أخرجه عبد الرزاق والبيهقي (¬3). {55} ¬

(¬1) انظر ص 359 ج 2 نصب الراية. ورقم 429 ص 87 (آثار). (¬2) انظر ص 178 ج 2 سبل السلام (زكاة الخيل إذا كانت للتجارة). (¬3) انظر ص 119 ج 4 بيهقي (من رأى في الخيل صدقة) وص 359 ج 2 نصب الراية (والقلوص) الناقة الشابة.

(وقال) وقد روينا ما دل علي أن عمر رضي الله عنه إنما أمر بذلك حين أحبه أربابها (¬1). وهذه الرواية إن صحت تكون محمولة على مثل ذلك لتتفق الروايات (وقال) السائب بن يزيد: "رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب" أخرجه الطحاوي والدارقطني بسند صحيح (¬2). {56} (وأجاب) الجمهور بأن ذلك اجتهاد من عمر رضي الله عنه فلا يكون حجة. علي أنه روى عنه أنه إنما أمرهم بذلك حين اختاروا دفع الزكاة عن الخيل (روى) الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه: "خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى، ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه، فأبى، فكلموه أيضا، فكتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم" أخرجه البيهقي ومالك وقال: أي أرددها على فقرائهم (¬3). {57} (ففي) امتناع أبي عبيدة وعمر أولا من أخذ الزكاة في الخيل والرقي، دليل واضح على أنه لا زكاة فيهما، وإلا فما كان ينبغي أن يمتنعا عن أخذ ما أوجب الله أخذه. (ومما تقدم) يعلم أن القول بعدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق هو الأصح لقوة دليله. ولذا اختاره الطحاوي وأجاب عن أدلة الحنفيين. وقال: فلما لم يكن في شيء من هذه الآثار دليل على وجوب الزكاة في الخيل السائمة وكان فيها ما ينفي الزكاة فيها، ثبت بتصحيح هذه الآثار قول الذين لا يرون فيها زكاة (¬4). ¬

(¬1) (حين أحبه أربابها) يعني حين اختاروا أن يأخذ منهم صدقة في الخيل، يشير به إلى ماروي بعد (رقم) 57. (¬2) انظر ص 310 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 359 ج 2 نصب الراية. (¬3) انظر ص 118 ج 4 بيهقي (لا صدقة في الخيل) وص 72 ج 2 زرقاني على الموطأ (صدقة الرقيق والخيل) و (ازرق رقيقهم) أي فقيرهم أو عبيدهم. (¬4) انظر ص 311 ج 1 شرح معاني الآثار.

(ب) البغال والحمير: إن اتخذت للتجارة ففيها زكاة العروض كسائر أموال التجارة، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها اتفاقا لعدم التناسل في البغال وعدم قصده في الحمير (وفي حديث) أبي هريرة قال: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {58} (وعن) عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة". وفسره أبو عمر قال: الكسعة: الحمير: الخيل، والنخة: العبيد. أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن أرقم متروك (¬2). {59} دل ما ذكر على عدم وجوب الزكاة في الحمير والبغال إلا إذا كانت للتجارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك. (جـ) صغار النعم: يشترط في نصاب السائمة أن يكون كله أو بعضه كبيرا ذا سنة فأكثر فإن كان كله صغارا- فصلانا أو حملانا أو عجولا- (¬3) فلا زكاة فيه عند أبي حنيفة ومحمد وروي عن أحمد، فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم وضعت خمسا وعشرين فصيلا ومات الكبار قبل تمام الحول وتم على الصغار، ¬

(¬1) هذا عجز الحديث السابق رقم 9 ص 109 (منع الزكاة) (الجامعة) أي المتناولة لكل خير ومعروف، و (الفاذة) أي القليلة النظير، والمعنى أنه لم ينزل علي فيها نص، ولكن نزلت هذه الآية الدالة على الترغيب في الخير. فمن تطوع خيرا فهو خير له. (¬2) انظر ص 69 ج 3 مجمع الزوائد (صدقة الخيل والرقيق) و (الكسعة) بضم فسكون و (الجبهة) بفتح فسكون و (النخة) بضم النون مشددة وفتح الخاء. (¬3) (الفصلان) بضم الفاء أو كسرها- جمع فصيل: وهو ولد الناقة قبل أن يتم له سنة و (الحملان) بضم الحاء وكسرها- جمع حمل- بفتحتين: ولد الضأن في السنة الأول و (العجول) جمع عجل بكسر فسكون: ولد البقر في السنة الأولى.

فلا زكاة فيها وكذا الحملان والعجول، لأن تقدير النصاب إنما يعرف بالنص والنص إنما ورد باسم الإبل والبقر والغنم وهي لا تتناول الفصلان والحملان والعجول، فلم يثبت كونها نصابا (ولما روى) سويد بن غفلة قال: سرت مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تأخذ من راضع لبن (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والدارقطني، وفيه هلال بن خباب، وثقه كثير وتكلم فيه البعض (¬1). {60} (وقال) مالك وزفر: تجب الزكاة في الصغار كالكبار، وهو مشهور مذهب أحمد لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وقوله: في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، من غير فصل بين الكبار والصغار، لكنن لا يؤخذ الصغير (وعليه) فالمراد من الواجب في قوله: في خمس من الإبل شاة، وفي قوله: في أربعين شاة شاة، الكبيرة لا الصغيرة (ورد) بأن اسم الإبل والبقر لا يشمل الفصلان والعجول فالمراد بها الكبير. (وقال) أبو يوسف والشافعي: يجب في الصغار واحدة منها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: في خمس من الإبل شاة وفي أربعين شاة شاة، لكن لا سبيل إلى إيجاب المسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للسعاة: إياكم وكرائم أموال الناس ولا تأخذوا من حرزات الأموال ولكن خذوا من حواشيها (¬2). وأخذ الكبار عن الصغار أخذ من كرائم الأموال وحرزاتها (¬3) (ورد) بما تقدم. واستدلوا أيضا بما روي أبو هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 8 - الفتح الرباني (اجتناب كرائم الأموال) وص 175 ج 9 المنهل العذب المورود، وص 101 ج 4 بيهقي. و (راضع لبن) أي صغير لئلا يجحف بالفقير فإن حقه في الوسط. (¬2) روى عروة عن عائشة قالت: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا في أول الإسلام فقال: خذ الشارف والبكر ولا تأخذ حرزات الناس. أخرجه الطحاوي (انظر ص 314 ج 1 شرح معاني الآثار) و (الشارف) الناقة المسنة و (حرزات المال) خياره. (¬3) انظر ص 31 ج 2 بدائع الصنائع.

قال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" أخرجه البخاري (¬1). {61} والعناق: الأنثى الصغيرة من أولاد المعز، فدل أن أخذ الصغار زكاة كان أمرا ظاهرا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورد) بأنه روى عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: والله لو منعنوي عقالا- وهو صدقة عام أو الحبل الذي يعقل به بعير الصدقة- فتعارضت الرواية فيه فلم يكن حجة وإن ثبت فهو تمثيل لا تحقيق، أي لو وجبت هذه ومنعوها لقاتلتهم. وعلى هذا الخلاف إذا كان له مسنات فاستفاد في خلال الحول صغارا ثم هلكت المسنات وبقي المستفاد فهل تجب الزكاة في المستفاد؟ فمن كان له أربعون حملا ومسنة فهلكت المسنة وتم الحول على الحملان فلا زكاة فيها عند أبي حنيفة ومحمد، وعند مالك وزفر وأحمد تجنب فيها مسنة. وعند أبي يوسف والشافعي تجب واحدة من الصغار. هذا إذا كان الكل صغارا. فأما إذا اجتمعت الصغار والكبار وهي نصاب ومات بعضها قبل تمام الحول فإن الصغار تعد ويجب فيها ما يجب في الكبار وهو المسنة اتفاقا (لما تقدم) في حديث سفيان بن عبد الله الثقفي من قول عمر رضي الله تعالى عنه: نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ونأخذ الجذعة والثنية. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (¬2). {62} وذلك أن الأصل حال اختلاط الصغار بالكبار أنه تجب الزكاة في الصغار تبعا للكبار إذا كان العدد الواجب في الكبار موجودا مع الصغار في قولهم جميعا، فإذا لم يكن الواجب في الكبار كله موجودا مع الصغار فإنه يجب بقدر الموجود عند أبي حنيفة ومحمد. فإذا كان له مستنتان ومائة وتسعة عشر حملا ¬

(¬1) انظر ص 207 ج 3 فتح الباري (أخذ العناق في الصدقة). (¬2) هذا بعض الأثر رقم 49 ص 154 (توقي كريم المال في الزكاة).

يجب فيها مسنتان اتفاقا لوجود الواجب، وإن كان له مسنة واحدة ومائة وعشرون حملا أخذت تلك المسنة فقط في قول أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف والشافعي ومالك وأحمد تؤخذ المسنة وحمل، وإن كان له ستون من العجول فيها تبيع. فعند النعمان ومحمد يؤخذ التبيع لفقط، وعند غيرهما يؤخذ التبيع وعجل. وإن كان له ستة وسبعون من الفصلان فيها بنت لبون تؤخذ فقط عند النعمان ومحمد، وعند غيرهما تؤخذ بنت لبون وفصيل لأن الوجوب لا يتعلق بالصغار أصلا عندهما وعند غيرهما يتعلق بها (¬1). (وجملة) القول أن الأئمة اتفقوا على أن النتائج يضم إلى الأصل إذا كان نصابا ولا يستأنف له حول لتعذر تميزه وضبط أوقات وجوده فجعل تبعا للأصل. وإن لم يكن الأصل نصابا فلا يضم إليه النتائج عند الثلاثة (وقال) مالك: يضم. (د) العوامل: هي جمع عاملة، وهي ما أعدت للعمل حملا وركوبا وغيرهما. ولا زكاة فيها عند غير مالك (لحديث) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم" (الحديث) وفيه: "وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء" أخرجه أبو داود والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح (¬2). {63} (وعن) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس في الإبل العوامل ولا في البقر العوامل صدقة. أخرجه البيهقي والدارقطني (¬3). {64} ¬

(¬1) انظر ص 32 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) تقدم رقم 37 ص 140 (زكاة النعم). (¬3) انظر ص 116 ج 4 بيهقي (ما يسقط الصدقة عن الماشية) وص 204 - الدارقطني.

(وعن) أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في المثيرة صدقة" أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: في إسناده ضعف والصحيح موقوف. وقال الحافظ في الدراية: إسناد حسن وأخرجه عبد الرزاق موقوفا وهو أصح (¬1). {65} (فهذه) الأحاديث تدل على أنه لا زكاة في الماشية العاملة، وبه قال جمهور العلماء (وقال) مالك: تجب الزكاة فيها أخذا بإطلاق الأحاديث. (ورد) بأن المطلق يحمل علي المقيد (قال) الإمام أحمد: ليس في العوامل زكاة وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل (وكذا) لا زكاة في الماشية المعلوفة، خلافا لمالك على ما تقدم بيانه (¬2). (هـ) الأوقاص: هي جمع وقص- بفتح فسكون أو فتحتين- ما بين نصابي السائمة وهو عفو لا زكاة فيه اتفاقا، لكن تتعلق به الزكاة مع النصاب عند محمد بن الحسن وزفر وهو المعتمد عند المالكية، وهو قول للشافعي لأن الزكاة فرضت شكرا لنعمة المال والكل نعمة، فتتعلق به. (ويؤيده) ما في كتاب الصديق رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل: فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث" (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (¬3). {66} ¬

(¬1) انظر ص 204 - الدارقطني وص 116 ج 4 بيهقي. وص 360 ج 2 نصب الراية (والمثيرة) من أثار الأرض: عمرها بالزراعة. (¬2) تقدم ص 138 (زكاة النعم). (¬3) تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل) ورقم 47 ص 150 (زكاة الغنم).

(وعن) أبي وائل عن معاذ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة. أخرجه أحمد والثلاثة (¬1). {67} (وقال) النعمان وأبو يوسف وأحمد: لا تتعلق الزكاة بالعفو وهو المشهور عند المالكية والأصح عند الشافعية (مستدلين) بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في خمس من الإبل شاة ولا شئ في الزيادة حتى تبلغ عشرا" أخرجه أبو يعلي وأبو إسحاق الشيرازي (¬2). {68} (قال) في الهداية: وكذا قال في كل نصاب ونفى الوجوب عن العفو (¬3) (ورد) بأنه لا حجة فيه لأنه لم يثبت من طريق صحيح، وإذا ثبت لا يقوي قوة حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ولا خلاف في أن الوقص عفو لا زائد في الواجب لأجله. وإنما الكلام في تعلق الواجب به مع النصاب وهو الأقوى من جهة الدليل (وثمرة) الخلاف تظهر فيما إذا كان له تسع من الإبل أو مائة وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل أربع ومن الغنم ثمانون. فعلى الأول يلزم (5/ 9) خمسة أتساع شاة عن الإبل وثلث شاة عن الغنم الباقية. وعلى الثاني عليه شاة كاملة لبقاء النصاب. والله تعالى ولي التوفيق. (8) الجمع والتفريق: لا يجوز لأرباب الماشية الجمع بين متفرق أموالهم ولا تفريق المجتمع منها مخافة وجوب الصدقة عليهم أو كثرتها: كأن يكون لشخص أربعون شاة ولآخر أربعون ولثالث أربعون فيجمعونها ليكون فيها شاة واحدة بدل ثلاث. ¬

(¬1) تقدم رقم 44 ص 147 (زكاة البقر). (¬2) انظر ص 362 ج 2 نصب الراية. (¬3) انظر ص 512 ج 1 فتح القدير.

وأن يكون خليطان لكل واحد مائة شاة وشاة، فيكون الواجب عليهما ثلاث شياه فيفترقان عند طلب الساعي الزكاة فيكون على كل واحد منهما شاة واحدة، نهرا عن ذلك لأنه هروب عن الحق الواجب وإجحاف بالفقير. ولا يجوز أيضا للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة أو يجمع بين المفترق لتحققها أو زيادتها: كأن يكون لكل من الخليطين أربعون شاة فيفرق بينهما ليأخذ من كل واحد شاة بعد أن كان عليهما شاة واحدة، أو يكون لواحد عشرون شاة ولآخر كذلك فيأمر بجمعهما لأخذ الصدقة منهما، أو يكون لشخص مائة شاة وشاة ولآخر مثله فيأمر الساعي بجمعهما ليأخذ ثلاث شياه بدل شاتين (ودليل) ذلك ما في حديث سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود وهذا لفظه (¬1). {69} (وعن) ثمامة أن أنسا رضي الله عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" أخرجه البخاري (¬2). {70} (ومحل) عدم الجمع والتفريق خشية الزكاة في حالين: (أ) في الجنس الواحد فلا يدخل في النهي ما اختلف جنسه. فمن كان عنده دون نصاب من البقر ودون نصاب من الغنم مثلا لا يضم إلى بعض اتفاقا. (ب) إذا تعدد المالك، وأما إذا اتحد وكان له ماشية ببلد لا تبلغ نصابا وله بأخرى ما يكمله من جنسها فإنه يضم بعضها إلى بعض. وكذا من كان له ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 8 - الفتح الرباني (ما يجزئ من النعم). وص 283 ج 1 - ابن ماجه (ما يأخذ المصدق من الإبل) وص 177 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة). (¬2) انظر ص 252 ج 3 فتح الباري (لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع) (والتي فرض) أي كتب له الصدقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم.

نصاب في جهة وآخر في جهة أخرى فإنه يضم بعضه إلى بعض، ولا يضر اختلاف الأمكنة عند الجمهور، ووافقهم أحمد فيما إذا كانت ماشية الرجل متفرقة دون مسافة القصر. وأما إذا كانت بينهما مسافة قصر فما فوق فلا يجمع بينها وينزل كل منها منزلة مال مستقل. فما بلغ منها نصابا زكي وإلا فلا. (قال) ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد. وأجمع أهل العلم على ضم الضأن إلى المعز. فإذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من أي الأنواع أحب (وقال) مالك وإسحاق: يخرج من أكثر النوعين عددا، فإن استويا أخرج من أيهما شاء. (وقال) الشافعي: يؤخذ من كل نوع ما يخصه واختاره ابن المنذر لأنها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كل نوع منه كأنواع الثمر والحبوب. وهكذا الحكم في أنواع الإبل والبقر، وفي السمان مع المهازيل، والكرام مع اللثام. فأما الصحاح مع المراض والذكور مع الإناث والكبار مع الصغار فيتعين عليه صحيحة وأنثى وكبيرة على قدر قيمة المالين إلا أن يتطوع رب المال بالفضل (¬1). (9) الخلطة: هي نوعان: (أ) خلطة أعيان، وهي أن يكون مال كل متميزا فخلطاه في المراح (المبيت) والمسرح والمرعى وغيرها. (ب) وخلطة شيوع، وهي أن لا يتميز نصيب أحد الرجلين أو الرجال عن نصيب غيره، ولا تأثير لها بقسميها في وجوب الزكاة عند الحنفيين، فلا تجب الزكاة في نصاب مشترك لا يبلغ نصابا إلا بالضم، لا فرق في ذلك بين السائمة ومال التجارة، وإن تمت الخلطة باتحاد المسرح والمرعى والراعي والمراح والفحل وغيرها، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة (¬2). فإن المراد الجمع والتفريق في ¬

(¬1) انظر ص 480 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) تقدم رقم 70 ص 166 (الجمع والتفريق).

الأملاك لا الأمكنة. ألا ترى أن النصاب المفرق في أمكنة مع اتحاد المالك تجب فيه الزكاة. ومن ملك ثمانين شاة ليس للساعي أن يجعلها نصابين بأن يفرقهما في مكانين. فمعنى لا يفرق بين مجتمع أنه لا يفرق الساعي بين الثمانين مثلا ليجعلها نصابين. ومعنى لا يجمع بين متفرق أنه لا يجمع مثلا بين الأربعين المتفرقة بالملك بأن تكون مشتركة ليجعلها نصابا. والحال أن لكل عشرين (¬1). أما لو تعدد النصاب المشترك بحيث يبلغ- قبل الضم- ما لكل واحد بانفراده نصابا فإنه يجب عن كل منهما زكاة نصابه. فإذا أخذ الساعي زكاة النصابين من المالين. فإن تساويا فلا رجوع لأحدهما على الآخر. كما لو كان المال المشترك ثمانين شاة لكل منهما أربعون وأخذ الساعي شاتين منهما. وإن لم يتساويا تراجعا بالحصص بأن يكون لهما مائة وثلاثة وعشرون شاة لأحدهما الثلثان وللأخر الثلث فالواجب شاتان، فيأخذ من كل منهما شاة فيرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثلثي الشاة التي دفعها ويرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بثلث الشاة التي دفعها ويقام ثلثه مقام ثلث من الثلثين الماطلب بهما ويبقى ثلث شاة يطالب به صاحب ثلثي المال (¬2). وهذا هو المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصديق: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية". (وقالت) المالكية: خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة ولا أثر للخلطة إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابا بشرط اتحاد الراعي والفحل والمراح ونية الخلطة. وأن يكون مال كل متمايزا عن الآخر وإلا كانا شريكين. وأن يكون كل منهما أهلا للزكاة، فلو كان أحدهما عبدا أو كافرا فلا تصح خلافا لابن الماجشون. ولا يشترط اتحاد المبيت ولا كون الخلطة في جميع الحول. فلو اختلطا قبل الحول بنحو شهرين فهما خليطان ولا يكفي الشهر ¬

(¬1) انظر ص 496 ج 1 فتح القدير (صدقة السوائم). (¬2) انظر ص 38 ج 2 رد المحتار (زكاة المال).

خلافا لابن حبيب. ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي. وبه قال الأوزاعي: وما يؤخذ من المالين يوزع على الشريكين بنسبة ما لكل. ولو كان لأحدهما مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطا. (وقالت) الشافعية: الخلطة بقسميها تؤثر في إيجاب الزكاة في المواشي والزروع والثمار والنقدين بشروط خمسة: (1) أن يكون الشركاء أهلا لوجوب الزكاة: فلو كان أحدهما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل إن كان نصيب المسلم الحر نصابا زكاة وإلا فلا. (2) وأن يبلغ المال بعد لخطة نصابا. (3) وأن يمضي عليه بعد الخلط حول كامل. (4) وأن لا يتميز أحد المالين عن الآخر في المراح والمسرح والمشرب والراعي والمحلب (مكان الحلب) ولا يشترط خلط اللبن في إناء واحد. (5) وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد. فإذا كان بين شخصين فأكثر من أهل الزكاة نصاب مشترك في الأعيان أو الأوصاف ومضى بعد الخلط حول كامل ففيه زكاة المال الواحد. (وبهذا) قال أحمد، غير أنه قال: لا تؤثر الخلطة إلا في المواشي فتؤثر في إيجاب الزكاة وفي تكثيرها وتقليلها. فلو ملك شخصان فأكثر أربعين شاة وتحققت شروط الخلطة وجبت فيها الزكاة (لحديث) ثمامة بن عبد الله أن أنسا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المسلمين (الحديث) وفيه: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. أخرجه البيهقي والبخاري مفرقا في موضعين (¬1). {71} ¬

(¬1) انظر ص 104 ج 4 بيهقي (صدقة الخلطة) وص 202 ج 3 فتح الباري (ترجمتين بجملتي الحديث).

(وأجاب) الأولون بأنه محمول علي ما إذا كان لكل منهما نصاب، بدليل عموم السلب (في حديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس فيما دون خمس ذود صدقة" (الحديث) أخرجه الجماعة. وقال الترمذي: حسن صحيح وقد روي من غير وجه (¬1). {72} ... (وفي حديث) ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين من الغنم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها" أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (¬2). {73} وسائر النصوص الواردة في نصب الزكاة تدل على عدم الوجوب فيما دون النصاب (قال) ابن عبد البر: أجمعوا على أن المنفرد لا يلزمه زكاة في أقل من نصاب. واختلفوا في الخليطين. ولا يجوز نقض أصل مجمع عليه برأي مختلف فيه (وقال) الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت وإن لم يكن لكل نصاب، وليس ذلك برأي لأنه لم يفرق في حديثي الذود والغنم يبين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لمالك واحد. وقد اتفقوا في ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون أن عليهم شاة واحدة فنقصوا المساكين شاتين للخلطة. فقياسه لو كانت أربعون بين ثلاثة وجبت عليهم شاة للخلطة أيضا، لكن الاتفاق علي هذا إنما هو بين القائلين بتأثير الخلطة فلا يعادل القياس علي المجمع عليه. وهو خلاف عموم السلب في قوله: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وخلاف الشرط في حديث الغنم: (فقول) الحنفيين ومالك أرجح واستدلالهم أوضح (¬3). ¬

(¬1) تقدم رقم 34 ص 139 (زكاة النعم). (¬2) تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل). (¬3) أنظر ص 60 و 61 ج 2 زرقاني الموطأ (صدقة الخلطاء).

(ب) زكاة الأثمان

(ب) زكاة الأثمان الأثمان: هي الفضة والذهب. والكلام ينحصر في اثنى عشر فرعا: ... (1) زكاة الفضة: ... الفضة أسم لمعدن رزين. والزكاة فيها فرض- بالكتاب والسنة وإجماع الأمة- مضروبة وغير مضروبة إذا بلغت نصابا حال عليه الحول فاضلا عن الحوائج الأصلية والدين الذي له مطالب من العباد. ونصابها مائتا درهم ولو غير خالصة- عند الحنفيين ومالك- وفيها ربع العشر (خمسة دراهم) بالإجماع (روى) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" أخرجه الأربعة. وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح (¬1). {74} (وقال) الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم ليس فيما دون خمسة أواق صدقة، والأوقية أربعون درهما وخمس أواق مائتا درهم (¬2). ... (2) مقدار الأوقية والدرهم: ... المراد بالأوقية أوقية الحجاز. فالأواقي الخمس مائتا درهم بدرهم الوزن المتعارف. وفي الأحاديث المذكورة دليل على أن الأوقية والدرهم كانا معلومين لمن خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لبينهما لهم ولم يكلهم إلى مجهول (¬3). ¬

(¬1) تقدم رقم 54 ص 157 (ما لا زكاة فيه). (¬2) انظر ص 6 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬3) ومنه يتبين بطلان قول من زعم أن الدراهم كانت مجهولة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل. هذا والدرهم ستة دوانق وست عشرة حبة خرنوب. فالدانق حبتان وثلثا حبة. والدرهم المعتبر في الزكاة وغيرها هو درهم الوزن المتعارف الآن (قال) ابن منظور: وزنة المثقال المتعامل به الآن درهم وثلاثة أسباع درهم وهو بالنسبة إلى رطل مصري عشر عشر رطل (انظر ص 91 ج 13 لسان العرب، أي أن المثقال جزء من مائة من الرطل المصري. فالرطل المصري مائة مثقال، لكن الواقع أنه مائة مثقال وأربعة أخماس مثقال. وإذا ضربت في درهم وثلاثة أسباع درهم (مقدار المثقال بالدرهم) ينتج 144 أربع وأربعون ومائة درهم، وهو قدر الرطل المصري بالدرهم.

(3) نصاب الفضة بالدرهم والعملة: الدرهم لغة: اسم لما ضرب من الفضة على شكل مخصوص. وشاعاً: قدر مخصوص يزن ستة عشر قيراطاً ولو غير مضروب وهو الدرهم المتعارف، وهو يزن 3.12 جرام. والريال المصري يزن 9 دراهم أو 28 جراماً أو 144 قيراطاً وعياره (الخالص فيه من الفضة 4/ 5). والريال المجيدي= 1/ 4 17 قرشا ويزن 13/ 16 7 دراهم أو 3/ 8 24 جراما أو 125 قيراطا وفيه من غير الفضة 7/ 8 18 قيراطا وعياره 85.5/ 100. والشلن= 7/ 8 4 قرشا ويزن 1.81 درهم أو 5.65 جرامات أو 96 ر 28 قيراطا وفيه من غير الفضة نحو 1/ 10 وزنه. والفرنك= 3.8575 قرشا ويزن 1.6 درهما أو 5 جرام وفيه من غير الفضة نحو 1/ 5 وزنه. (وعلى) ما قاله الحنفيون ومالك- من أن المغشوش يعتبر كالخالص إن راج رواجه- يكون نصاب الفضة مائتي درهم أو 624 جرام أو 3200 قيراط أو 3/ 9 22 ريالا مصريا أو 25.6 ريالا مجيديا أو 110.5 شلنا أو 124.8 فرنك. (وعلى) ما ذهب إليه الشافعية والحنبلية- من أنه لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا- يكون نصاب الفضة 7/ 9 27 ريالا مصريا أو 30.15 ريالا مجيديا أو 122.8 شلن أو 156 فرنك (¬1). ¬

(¬1) وذلك بقسمة النصاب (مائتي درهم) على خالص الفضة في الريال المصري (7.2 دراهم) وقسمة النصاب بالقيراط على خالصها في المجيدي (106 قيراط وثمن قيراط) وقسمته على خالصها في الشلن (26.064 قيراطا) وقسمة النصاب بالجرام على خالصها في الفرنك (4 جراما).

هذا على التحقيق من أنه لا تفاوت بين الدرهم الشرعي والعرفي، وهو المختار عند محققي الحنفيين، وأما على ما قاله غيرهم من أن الدرهم الشرعي خمسون حبة وخمسا حبة من متوسط الشعير فينبغي تحويل الدراهم الشرعية إلى دراهم عرفية بضرب عدد الدراهم (200 × 50.4) حبة وهو مقدار الدرهم الشرعي وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي (64 حبة) ينتج (157.5) درهم عرفي (¬1). (فعلى) ما قاله المالكية- من أن المغشوش كالخالص- يكون نصاب الفضة 200 درهم شرعي أو 157.5 درهم عرفي أو 491.4 جرام أو 2520 قيراط (¬2) أو 17.5 ريالا مصريا أو 20.16 ريالا مجيديا أو 86.97 شلنا أو 98.28 فرنكا (¬3). (وعلى) مذهب الشافعية والحنبلية- من عدم اعتبار الغش واعتبار الخالص من الفضة- يكون نصابها بالعملة 21.87 ريالا مصريا أو 96.63 شلنا أو 122.85 فرنكا (¬4). ... (4) زكاة الذهب: الذهب معدن أصفر رزين والزكاة فيه فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمة- إذا بلغ نصابا حال عليه الحول فاضلا عن الحوائج الأصلية والدين الذي له مطالب من العباد - ونصابه عشرون مثقالا وفيها ربع العشر بالإجماع (الحديث) علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) ومنه تعلم أن ما ذكره العلامة الدردير في الشرح الصغير من أن نصاب الفضة بالدرهم العرفي (158 درهم وخمسة أثمان) غير محرر حتى على القول بأن الدرهم (57.6 شعيرة) فإن نصاب الفضة عليه بالدرهم العرفي (180 درهم) بضرب (57.6 شعيرة في 200 درهم) وقسمة الحاصل على (64 حبة). (¬2) وذلك بضرب النصاب (157.7 درهم) في جرام الدرهم وفي قيراطه. (¬3) وذلك بقسمة النصاب (157.5 درهم) على وزن الريال والشلن والفرنك. (¬4) وذلك بقسمة النصاب (157.5 درهم) على خالص الفضة في الريال المصري (7.2 دراهم) ويقال في الباقي نحو ما تقدم.

قال: "فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليه الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء- يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها مصف دينار فما زاد فبحساب ذلك" (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي وصححه البخاري وحسنه الحافظ وفيه الحارث الأعور مختلف فيه (¬1). {75} ... (وعن) ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار ومن الأربعين دينارا: دينارا. أخرجه ابن ماجه والدارقطني وفيه إبراهيم بن إسماعيل ضعيف (¬2). {76} ... (5) المثقال والعملة الذهبية: ... المثقال لغة: كل ما يوزن به قليلا أو كثيرا، وشرعا: قدر مخصوص يزن 6/ 7 22 قيراطا ولو غير مضروب، وهذا التقدير هو المفتي به والمختار عند الحنفيين فالمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ووزنه بالجرام 4.44 والجنيه المصري يزن بالدرهم 2.72 وبالجرام 8.5 وبالقيراط 42.6 وثمنه غش والجنيه المجيدي= 87.75 قرشا ويزن بالدرهم 1/ 3 2 وبالجرام 1/ 5 7 وبالقيراط 27 وبه 2.5 قيراط غش والجنيه الإنجليزي= 97.5 قرشا ويزن بالدرهم 2.56 وبالجرام 7.988 وبالقيراط 40.96 وغشه 1/ 12 من وزنه. والجنيه الفرنسي (الونتو) 77.15 قرشا ويزن بالدرهم 2.06 وبالجرام 6.452 وبالقيراط 32.96 وغشه عشر وزنه. ... (6) نصاب الذهب بالدينار والعملة: الدينار هو المثقال، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ووزنها 4/ 7 28 درهما ¬

(¬1) تقدم رقم 26 ص 100 (الحول). (¬2) انظر ص 281 ج 1 - ابن ماجه (زكاة الورق والذهب) وص 199 دارقطني.

أو 1/ 7 89 جراما أو 1/ 7 457 قيراطا (¬1) وتساوي 10.5 جنيهات مصرية أو 6/ 7 12 جنيها مجيديا أو 9/ 56 11 جنيها إنجليزيا أو 13.87 جنيها فرنسيا (¬2). هذا على التحقيق من أن المثقال 3/ 7 1 درهم. وأما على ما قاله بعض الفقهاء أن المثقال الشرعي 72 حبة فينبغي تحويل المثاقيل الشرعية إلى مثاقيل عرفية بضرب عدد المثاقيل الشرعية (20) في مقدار المثقال (72 حبة) وقسمة الحاصل على مقدار المثقال العرفي (91 حبة) ينتج 15.824 مثقالا عرفيا. ... (فعلى) ما قاله المالكية- من أن المغشوش كالخالص- يكون نصاب الذهب (20) عشرين مثقالا شرعيا أو 15.824 مثقالا عرفيا أو 22.6 درهما أو 70.512 جراما أو 361.6 قيراطا (¬3) ويساوي بالجنيه المصري 8.3 وبالجنيه المجيدي 9.773 وبالإنجليزي 8.828 وبالفرنسي 10.97 (¬4). ... (وعلى) ما قاله الشافعية والحنبلية- من أنه لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا- يكون نصاب الذهب بالجنيه المصري 9.478 وبالمجيدي 10.48 وبالإنجليزي 9.6 وبالفرنسي 12.18 (¬5). ... (7) هل في زكاة النقد عفو: اختلف العلماء في هذا فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والثوري وغيرهم إلى أنه لا عفو في النقدين. فما زاد على النصاب يزكي بحسابه ¬

(¬1) وذلك بضرب (20 مثقالا) في (درهم وثلاثة أسباع درهم) ثم ضرب الحاصل في جرام الدرهم وفي قيراطه. (¬2) وذلك بقسمة النصاب (28 درهما وأربعة أسباع درهم) على وزنه كل جنيه. (¬3) وذلك بضرب النصاب (15.824 مثقالا) في (درهم وثلاثة أسباع درهم) ثم ضرب الحاصل في جرام الدرهم وقيراطه. (¬4) وذلك بقسمة النصاب بالمثقال العرفي أو الدرهم أو أجزائه على وزن كل جنيه. (¬5) وذلك بقسمة النصاب (361.6 قيراط) على خالص الذهب في كل جنيه.

قل أو كثر (لما) في حديث عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك. أخرجه أبو داود والدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة. قال ابن القطان: إسناده صحيح وكلهم ثقات من طريق عاصم (¬1). {77} ... (وعن) نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسند صحيح (¬2). {78} ... (وذلك) لأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال. واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ولا معنى لاشتراطه بعد ذلك فيما لا ضرر في تجزئته كالدراهم والدنانير (وقال) النعمان وسعيد بن المسيب: لا شيء في الزائد على النصاب حتى يبلغ خمسه وهو أربعون درهما في الفضة- ففيها درهم- وأربعة مثاقيل في الذهب، ففيها قيراطان وسبعا قيراط (¬3). ... (واستدلوا): (أ) بما في كتاب عمرو بن حزم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "وفي كل خمس أوراق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي (¬4). {79} ¬

(¬1) تقدم رقم 37 ص 140 (زكاة النعم). (¬2) انظر ص 7 ج 3 - ابن أبي شيبة. وص 366 ج 2 نصب الراية. (¬3) وذلك بضرب قيمة المثقال بالقيراط 22 وستة أسباع قيراط في 4 ينتج 91 قيراطا وثلاثة أسباع قيراط ربع عشره قيراطان وسبعا قيراط. (¬4) انظر ص 395 و 396 ج 1 مستدرك. وص 367 ج 2 نصب الراية. وص 89 ج 4 بيهقي (فرض الصدقة).

(وأجاب) الجمهور بأن في سنده سليمان بن داود الخولاني (قال) ابن حزم ساقط مطروح (¬1)، وعلى فرض صحته فهو بمفهومه يفيد نفي الزكاة عما دون خمس النصاب. وحديث علي رضي الله عنه يفيد بمنطوقه وجوب الزكاة فيما دون الخمس. وكذلك حديث: في الرقة ربع العشر. وإذا تعارض منطوق ومفهوم رجح المنطوق. ... (ب) وبقول الحسن البصري: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم. أخرجه ابن أبي شيبة (¬2). ... (وأجاب) الجمهور بأن المراد أن ما زاد من الأربعينيات فيه درهم فلا ينافى أن الأقل منها يكون بحسابه جمعا بين الأدلة (ومنه) تعلم أن الراجح قول الجمهور لقوة أدلته. (ومما) ينبني على هذا الخلاف ما لو كان له خمسة دراهم ومائتان ومضى عليها عامان، فعند الجمهور عليه 1/ 8 5 دراهم زكاة العام الأول فبقى في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم ولا زكاة فيه. وعند النعمان عليه عشرة دراهم زكاة العامين لأنه لا زكاة عنده في الخمسة دراهم. ... (فائدة) المعتمد في فرضية الزكاة وأدائها في الأثمان الوزن لا القيمة عند الجمهور لأنه الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وهذا) عند الحنفيين إذا أدى من الجنس، أما لو أدى من خلافه فالمعتبر القيمة عندهم. ... (8) زكاة المخلوط والمغشوش: .. إذا سبك أحد النقدين بغيره فما غلبت فضته أو ذهبه فكالخالص منهما عند الحنفيين وكذا ما استوى فيه النقد وغيره احتياطا ومراعاة لحال الفقراء. ¬

(¬1) (مطروح) رد بقول البيهقي: وحديث سليمان بن داود مجود الإسناد. وقد أثنى على سليمان هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وغيرهم، ورأوا هذا الحديث موصول الإسناد حسنا (أنظر ص 90 ج 4 بيهقي). (¬2) انظر ص 368 ج 2 نصب الراية.

وإن سبك الذهب والفضة فإن كان الذهب غالبا فالكل في حكم الذهب الخالص وكذا إذا استويا لأنه أعز وأغلى قيمة، وإن كانت الفضة غالبة وبلغت نصابا ففيه زكاتها، وإن بلغ الذهب نصابا ففيه زكاته. وما غلب غشه ولم يكن ثمنا رائجا تعتبر قيمته لا وزنه، فإن بلغت نصابا من أقل نقد تفرض فيه الزكاة زكاه إن نوى فيه التجارة عند الحنفيين وإلا فلا. ... (وقالت) المالكية: تجب الزكاة في المغشوش وناقص الوزن إن راج كل رواج الكامل في المعاملات. فإن لم ترج أصلا أو راجت دون رواج الكاملة حسب الخالص في المغشوش فإن بلغ نصابا زكى وإلا فلا، واعتبر كمال الناقص بزيادة ما يكمله، فلو كانت المائتا درهم لنقها تروج رواج مائة وتسعين لم تجب الزكاة فيها إلا بزيادة ما يكملها، وبهذا قال أحمد في الناقصة. (وقال) الشافعي وأحمد: لا زكاة في المغشوشة حتى يبلغ الخالص منها نصابا. (وقال) بعض الشافعية: إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص تسومح فيه. وعليه عمل الناس، لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة. ... (9) ضم النقدين: ... قد اختلف العلماء في أنه هل يضم أحمد النقدين إلى الآخر؟ (فقال) الحنفيون ومالك وجماعة: يضم كل إلى الآخر. وروى عن أحمد: فإذا بلغ النصاب زكى. (وقال) الشافعي وداود: لا يضم. وروى عن أحمد: فلو ملك مائتي درهم إلا درهما وعشرين مثقالا إلا نصفا فلا زكاة في واحد منهما عند الشافعي ويزكي عند غيره. (واختلف) القائلون بالضم في كيفيته (فقال) النعمان: يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة. فإذا كان له مائة درهم وذهب قيمته مائة درهم وجبت الزكاة. (وقال) مالك وأبو يوسف وأحمد: يضم أحدهما إلى الآخر بالإجزاء. فإذا كان معه مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسون درهما وخمسة عشر دينارا ضم

أحدهما إلى الآخر. ولو كان له مائة درهم وخمسة دنانير قيمتها مائة درهم فلا ضم (¬1). هذا واختلاف الرواية عن أحمد فيما إذا لم يكن مع النقدين عروض تجارة وإلا لزم الضم رواية واحدة، لأن العرض يضم إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه. ... (وسبب) اختلافهم: هل كل واحد من النقدين تجب فيه الزكاة لعينه أو لسبب يعمهما وهو كونهما رؤوس الأموال وقيم المتلفات؟ فمن رأى أن الزكاة في كل لعينه قال: هما جنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر كما في البقر والغنم. ومن رأى أن المعتبر فيهما هو الأمر الجامع بينهما أوجب ضم بعضهما إلى بعض (¬2). (والمختار) القول بعدم الضم وهو الذي يشهد له الدليل. ... (10) زكاة الحلي: الحلي- بفتح فسكون- ما تتزين به المرأة من مصوغ المعدن وغيره، والجمع حلي بضم فكسر فشد- كفلس وفلوس- وتفترض الزكاة في تبر الذهب والفضة وهو ما ليس مضروبا وفي آنيتهما، والحلي غير المباح بالإجماع. وكذا تفترض في الحلي المباح عند الحنفيين ومجاهد والزهري وغيرهم (لحديث) ابن عمرو أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: " أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله تعالى بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله: أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي فيه حسين بن ذكوان ثقة، وصححه الحاكم (¬3). {80} ... ومنه تعلم أن قول الترمذي- لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء- غير صحيح. ¬

(¬1) انظر ص 18 ج 6 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 235 ج 1 بداية المجتهد (ضم الذهب إلى الفضة في الزكاة). (¬3) انظر ص 134 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة الحلي) وص 343 ج 1 مجتبي (والمسكة) بفتحات: الأسورة.

(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا. قال: هو حسبك من النار" أخرجه أبو داود والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين وفيه محمد بن عمرو بن عطاء ثقة (¬1). {81} (وعن أسماء) بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب، فقال لنا: أتعطيان زكاته؟ فقلنا: لا. قال: أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار؟ أديار زكاته" أخرجه أحمد بسند حسن (¬2). {82} ... (وقال) مالك والشافعي وأحمد: لا زكاة في الحلي المباح (لما روي) عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا: ليس في الحلي زكاة. أخرجه الدارقطني وابن الجوزي في التحقيق من عدة طرق فيها مقال (¬3). [83] ... (قال) البيهقي في المعرفة: وما يروي ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له إنما يروي عن جابر من قوله. وعافية مجهول. ... (وعن) عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه "أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة" أخرجه مالك والبيهقي (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة الحلي) وص 205 الدارقطني. وص 389 ج 1 مستدرك (والفتخة) بفتح فسكون أو فتح: خاتم كبير أو حلقة من فضة كالخاتم (وحسبك من النار) يعني لو لم تعذبي في النار إلا من أجل هذا لكفاك. وهو وعيد شديد لمن لم يؤد زكاة الحلي. (¬2) انظر ص 21 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الحلي). (¬3) انظر ص 205 الدارقطني. وص 374 ج 2 نصب الراية. (¬4) انظر ص 48 ج 2 زرقاني الموطأ (ما لا زكاة فيه من الحلي) وص 138 ج 4 بيهقي (لا زكاة في الحلي) والمراد أخوها لأبيها محمد بن أبي بكر.

(وعن) نافع أن ابن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. أخرجه مالك (¬1). ... (وعن) أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألفا. أخرجه الدارقطني (¬2). (وهذه) آثار تدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي. ولكن بعد ثبوت الحديث وحته لا حجة في الآثار (وروى) البيهقي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب أن زكاة الحلي عاريته (¬3). (وأظهر) الأقوال وأقواها دليلا القول بوجوب الزكاة في الحلي (قال) الخطابي: الظاهر من الكتاب يشهد لمن أوجبها والأثر يؤيده. ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها (¬4). ... (وأجاب) القائلون بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح: (أ) بأن الحلي كان في أول الإسلام محرما على النساء كما نقله البيهقي وغيره. (ب) بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم على الحلي مطلقا بالوجوب إنما حكم على فرد خاص منه وهو قوله (هذه) لأنه كان فيه سرف بدليل قوله في الحديث (غليظتان) وهم يقولون بحرمة ما فيه سرف ووجوب الزكاة فيه (¬5). (فوائد): ... (الأولى) ما ذكر من الخلاف في وجوب الزكاة في الحلي إنما هو في حلي الذهب والفضة. وأما حلي غيرهما كاللؤلؤ والمرجان والزبرجد والماس ونحوها فلا زكاة فيه اتفاقا إلا إذا اتخذ للتجارة ففيه الزكاة. ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 2 زرقاني الموطإ. (¬2) انظر ص 206 - الدارقطني. و (نحوا من خمسين ... .) أي أن حلي البنات كان نحوا من خمسين أل درهم مثلا. (¬3) انظر ص 140 ج 4 بيهقي. (¬4) انظر ص 17 ج 2 معالم السنن. (¬5) انظر ص 99 ج 1 كفاية الأخيار.

(الثانية) لا فرق في الحلي المباح بين أن يكون مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره أو لرجل يحلي به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فأشبه حلي المرأة، فإن اتخذ حليا فرارا من الزكاة لم تسقط عنه لأنها إنما سقطت عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيها عداه يبقى على الأصل. (الثالثة) إن انكر الحلي كسرا لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه، وإن كان كسرا يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة (¬1) وإن نوت المرأة بحلي اللبس التجارة، انعقد عليه حول الزكاة من حين نوت لأن الوجوب هو الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية انصرف إليه بغير استعمال (¬2)، وكذلك ما يباح للرجال من الحلي كخاتم الفضة وقبيعة السيف وحلية المنطقة وأنف الذهب، وكل ما أبيح للرجل حكمه حكم حلي المرأة لأنه مصروف عن جهة النماء فأشبه حليها (¬3). ... (الرابعة) يعتبر الناب في الحلي الذي تجب فيه الزكاة بالوزن. فلو ملك حليا قيمته مائتا درهم ووزنه دون المائتين لم يكن عليه زكاة. وإن بلغ مائتين وزنا ففيه الزكاة وإن نقص في القيمة (لحديث) ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة (¬4) اللهم إلا أن يكون الحلي للتجارة فيقوم. فإذا بلغت قيمته بالذهب أو الفضة نصابا ففيه الزكاة لأنها متعلقة بالقيمة. وهو مخير بين إخراج ربع عشر حلية مشاعة أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسها. ولو أراد كسرها ودفع ربع عشرها لم يكن له ذلك لأنه ينقص قيمتها. وإذا كان وزن الحلي عشرين مثقالا وقيمته ثلاثون فعليه نصف مثقال لا تزيد قيمته شيئا لأن نصاب الأثمان تتعلق الزكاة بوزنه لا بصفته كالدراهم المضروبة. وإن أراد ¬

(¬1) انظر ص 6.7 ج 2 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 6.8 ج 2 مغنى. (¬3) (قبيعة السيف) ما على مقبضه من فضة أو ذهب (أنظر ص 6.7 ج 2 شرح المقنع). (¬4) هذا بعض حديث تقدم مرجعه ص 139 رقم 34.

إخراج الفضة عن حلي الذهب أو الذهب عن الفضة، أخرج على الوجهين في إخراج أحد النقدين عن الآخر (¬1). (الخامسة) إن كان في الحلي جوهر ولآليء مرصعة فالزمكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجواهر لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم. فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر، لأن الجواهر لو كانت مفردة وهي للتجارة لقومت وزكيت فكذلك إذا كانت في حلي التجارة. ... (السادسة) إذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه، كما إذا اتخذت حلية الرجال كحلية السيف والمنطقة فهو محرم وعليها الزكاة، كما لو اتخذ الرجل حلي المرأة (¬2). ... (11) زكاة الدين: ... للعلماء في هذا تفصيل (قال) أبو حنيفة: الدين ثلاثة أقسام: (أ) قوى: وهو ما يكون بدل مال لو بقى في يده وجبت زكاته كثمن سائمة وبدل القرض والتجارة إذا كان على معترف به ولو مفلسا فإذا تم نصابا بنفسه أو بما عند الدائن وحال عليه الحول ولو قبل قبضه وجبت زكاة ما يقبض منه إذا كان أربعين درهما، فكلما قبض هذا المقدار لزمه أن يخرج عنه درهما ولا شيء فيما زاد حتى يبلغ أربعين، فإن قبض أول دفعة ثلاثين مثلا أو قبض في الأول أربعين، ثم قبض أقل منها، فإنه لا تجب عليه الزكاة في كل حال إلا في أربعين كاملة، لأن الزكاة لا تجب في الكسور من الأربعين. فلو كان له دين عند غيره ثلاثمائة درهم حال عليه ثلاث سنين فقبض منها مائتين فعليه خمسة للسنة الأولى وأربعة لكل من الثانية والثالثة عن مائة وستين ولا شيء عليه في الزائد لأنه دون الأربعين (¬3). . ويعتبر هنا حولان، الحول من وقت مل النصاب لا من وقت القبض، فيجب أداء الزكاة بمجرد القبض. ¬

(¬1) انظر ص 608 ج 2 مغنى. (¬2) انظر ص 609 ج 2 مغنى. (¬3) وذلك لأنه لما أخرج عن السنة الأولى خمسة بقى 195 درهم منها 40 في 4= 160 يخرج عنها 4 للسنة الثانية فيبقى 191 درهم منها أيضا 160 يخرج عنها 4 للسنة الثالثة ولا شيء في الزائد عن 160 لأنه لم يبلغ 40.

(ب) دين متوسط: وهو ما كان بدل مال لو بقى في يده لا تجب فيه زكاة كثمن دار السكنى وثيابه المحتاج إليها وطعامه وشرابه ودوابه المعلوفة والعاملة ونحوها من كل ما لا تجب فيه الزكاة وليس للتجارة. وهذا لا زكاة فيه حتى يقبض منه نصابا ويحول عليه الحول من وقت القبض على الأصح (وقيل) يعتبر حوله بحول الأصل، فإذا كان الدين خمسمائة درهم وقبض منها مائتين وحال عليها الحول بعد القبض لزمه خمسة دراهم ولا زكاة عليه فيما دون ذلك إلا إذا كان عنده ما يضم المقبوض من الدين إليه. (جـ) دين ضعيف: وهو ما لم يكن بدل مال كالمهر والوصية وبدل الخلع، ولا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض نصابا ويحول عليه الحول بعد القبض إلا إذا كان عنده نصاب سوى مال الدين فإنه إذا قبض من الدين شيئا ضمه إلى النصاب وزكاه بحوله. (وقال) أبو يوسف ومحمد: الديون كلها سواء تجب زكاة ما يقبض منها ولو قليلا (¬1). (وقالت) المالكية: من ملك مالا ميراثا أو هبة أو صدقة أو داقا أو بدل خلع أو ثمن عرض مقتنى، كأن باع متاعا أو عقارا ولم يتسلمه بل بقى دينا له عند واضع اليد فهذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا بعد قبضه ومضى حول عليه من وقت القبض، فلو ورث رجل مالا وعين له القاضي حارسا قبل قبضه واستمر دينا له عدم أعوام فلا يطالب بزكاته في كل هذه الأعوام ولو أخره فرارا من الزكاة، فإذا قبضه ومضى عليه حول من يوم القبض وجبت زكاة هذا الحول. (ومن) كان بيده مال وأقرضه لغيره وبقى عند الغير أعواما فتجب عليه زكاة عام واحد إلا إذا أخره قصدا فرارا من الزكاة فتجب عليه زكاته عن كل ¬

(¬1) انظر ص 349 ج 1 فتح الملك المنان بشرح منحة الرحمن (زكاة الدين).

عام قصد تأخير قبضه فيه. ويعتبر عام زكاة هذا المال من يوم الملك أو من يوم تزكيته إن كان زكاه قبل إقراضه. فإذا ملك شخ مالا ومكث معه ستة أشهر ثم أقرضه فمكث عند المقتض ستة أشهر أخرى وجبت فيه الزكاة عن هذا الحول لأنه يحتسب من يوم الملك. أما إذا بقى بيده سنة ثم زكاه وأقرضه لغيره فإن الحول يحسب من يوم تزكيته وتجب الزكاة في هذا الدين بشروط أربعة: (الأولى) أن يكون أصله عينا (ذهبا أو فضة) أو عرض تجارة لمحتكر (¬1) كما لو باع ثيابا للتجارة بعشرين جنيها مؤجلة إلى عام أو أكثر. أما إذا كان أصل الدين عرضا للقنية ولم ينو به التجارة، كما لو باع دارا يسكنها بأربعمائة جنيه مؤجل عاما أو أكثر، فلا تجدب عليه زكاة ثمنها إلا إذا قبض منه نصابا فأكثر ومضى على المقبوض عام من يوم قبضه زكى المقبوض لا غير، ولو كان اصل الدين عرض تجارة لتاجر مدير (¬2) زكي الدين كل عام بضمه إلى قيم العروض التي عنده وإلى ثمن ما باعه من ذهب أو فضة. (الثاني) أن يقبض شيئا من الدين وإلا فلا زكاة عليه إلا في دين تجارة المدير. (الثالث) أن يكون المقبوض ذهبا أو فضة، فإن قبض، فإن قبض عروضا كثياب وحبوب فلا زكاة عليه إلا إذا باع هذه العروض ومضي حول من يوم قبض العروض فيزكي الثمن إذا كان تاجرا محتكرا. أما المدير فيزكي قيمة العروض كل عام ولو لم يبعها، وإن لم يكن تاجرا أصلا بأن قبض عروضا للقنية ثم باعها لحاجة فتجب عليه زكاتها إذا مضى عليه حول من يوم قبض ثمنها. (الرابع) أن يكون المقبوض نابا على الأقل ولو قبضه في عدة مرات أو يكون عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال عليهما الحول أو كانا ¬

(¬1) المحتكر: هو من لا يبيع بالسعر الحاضر وإنما يحبس السلع رجاء ارتفاع الائتمان. (¬2) المدير: من يبيع ويشتري بالثمن الحاضر.

من المعادن، لأن المعادن لا يشترط في زكاة المستخرج منها حلول الحول، فلو قبض من دينه نابا زكاه دفعة واحدة ثم يزكى المقبوض بعد ذلك قل أو كثر إلا أن مبدأ الحول في المستقبل مختلف، فحول الناب المقبوض أولا من يوم قبضه وحول الدفع المقبوضة بعد من يوم قبض كل منها. أما إذا كان المقبوض أولا أقل من نصاب ولم يكن عنده ما يكمل الناب فلا يزكى إلا إذا تم المقبوض نصابا بدفعة أخرى. ويعتبر حول المجموع من يوم التمام ثم ما يقبضه بعد التمام يزكيه قل أو كثر، ويعتبر حوله في المستقبل من يوم قبضه. (وقالت) الشافعية: تجب زكاة الدين إذا كان ثابتا دراهم أو دنانير أو عروض تجارة ولو مؤجلا. ولا يجب على الدائن إخراجها إلا إذا تمكن من أخذ دينه، وحينئذ يخرجها عن الأعوام الماضية. وإذا تلف الدين قبل التمكن من أخذه سقطت زكاته. أما إذا كان ماشية أو مطعوما كالحبوب والتمر والفواكه فلا زكاة فيه. (وقالت) الحنبلية: تجب زكاة الدين الثابت في ذمة المدين ولو مفلسا ولا يجب إخراجها إلا عند قبضه فيزكى ما قبضه عما مضي فورا إذا بلغ المقبوض نصابا بنفسه أو بضمه إلى ما عنده من المال، ولا زكاة في الديون التي لم تثبت في ذمة المدين. والله تعالى ولي التوفيق. (12) زكاة الأوراق المالية (البنكنوت): ورقة البنك ورقة عملة قابلة لدفع قيمتها عينا لحاملها يتعامل بها كما يتعامل بالعملة المعدنية، فهي سندات دين على البنك يمكن الحصول على قيمتها فضة فورا وتقوم مقامها في المعاملة فتجب فيها الزكاة متى بلغت قيمتها نصابا، ووجدت سائر الشروط المعتبرة في زكاة النقدين عند الحنفيين ومالك. والتعامل بها ينطبق على قاعدة الحوالة بالمعاطاة من غير شرط إيجاب وقبول عند الثلاثة خلافا للشافعية حيث قالوا: لا تصح الحوالة بالمعاطاة لعدم وجود

الإيجاب والقبول بين المعطى والآخذ، ولذا قالوا هم والحنبلية: لا تجب الزكاة في الورق النقدي إلا إذا قبض مالكه قيمته ذهبا أو فضة ومضى على هذه القيمة حول كامل. (ورد) بأن هذا مناف لما تقتضيه حكمة التشريع وفيه ضياع لحق الفقير وهدم لأحد أركان الإسلام، وهو الزكاة التي شرعت طهرة للمال ولصاحبه ورأفة بالفقير وعطفا عليه وبه يكون التحابب والتآلف والتعاطف والتراحم المشار إليها في حديث: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه أحمد والشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: مثل المؤمنين ... الخ (¬1). {84} وإنا نجد الآن الأوراق المالية مكدسة في البنوك والخزائن وتمكث على هذا السنين الطوال لا يرف منها إلا ما تدعو الحاجة الوقتية إلى صرفه، فلو قلنا بعدم الزكاة فيها لأنها ليت ذهبا ولا فضة لما وجبت الزكاة على أحد. وهذا غير معقول. والمعقول أن من ملك النصاب من الورق المالي وحال عليه حول كامل لزمه زكاته باعتبار زكاة الفضة لأن الذهب غير ميسور الآن. هذا ما ندين الله تعالى به وهو الحق الصريح بلا مرية، وقانا الله تعالى من رذيلة البخل "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 338 ج 10 - فتح الباري (رحمة الناس- الأدب) و 140 ج 16 نووي مسلم (تراحم المؤمنين- البر). (¬2) قال المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف في كتاله "التبيان في زكاة الأثمان": ورد إلينا بتاريخ 11 ربيع الأول سنة 1324 هـ ؤال صورته: إذا وجد عند شخص ورقة بنكنوت قيمتها مائة جنيه مثلا وحال عليها الحول هل تجب فيها الزكاة؟ ... (فأجبنا) بوجوب الزكاة فيها تخريجا على زكاة الدين عند السادة الشافعية، لأن المزكى في الحقيقة هو المال المضمون بها. ... (وتفصيل) الجواب أن الأوراق المالية الجاري بها التعامل الآن معتبرة كسندات ديون =

أما أسهم الشركات كشركة المياه والترام والنور والغاز، وأوراق الديون ¬

= على شخص معنوي، كما هو الظاهر من التعهد المرقوم عليها وصورته: أتعهد بأن أدفع لدى الطلب مبلغ كذا لحامل هذا السند. أصدر بمقتضى المروم العالي المؤرخ في 25 يونيو سنة 1898. ... (وقد) سئل المرحوم الشيخ محمد بخيت بما صورته: السلام عليكم ورحمة الله (أما بعد) فنلتمس من فضيلتكم أن تفيدونا من الآتي: ... (أولا) حكم الزكاة في ورق البنكنوت هل تجب فيه زكاة المال؟ وإذا كانت تجب فعلى سعر الذهب أو الفضة؟ وما وجه ذلك على المذاهب الأربعة؟ (ثانيا) حكم زكاة الجنيه الذهب الذي كان مقداره 100 قرش والآن مقداره 130 قرش (مائة وثلاثون) فأكثر مع أن النصاب اثنا عشر جنيها تقريبا. وعلى سعره الحالي يبلغ أقل من عشرة جنيهات. ... (فأجاب) بقوله: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده (أما بعد): فالجواب عن السؤال الأول أن هذه الأوراق التي نستعملها وتسمى بالبنكنوت هي في الحقيقة سندات لحامليها. والحكومة ضامنة لقيمتها كما هو مقتضى ما هو مكتوب على الورقة الواحدة (أتعهد بأن أدفع عند الطلب مبلغ كذا لحامل هذا السند) وليست هذه الأوراق بمثابة نقود، بل المعاملة بهذه الأوراق تتخرج على الحوالة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة الحوالة كالبيع. والذي تقرر في المذهب أن الدين تجب زكاته إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وكان قويا. ولا شك أن قيمة هذه الأوراق تعتبر من الدين القوى الذي هو في حكم العين المقبوضة لتمكنه من استبدالها في أي وقت شاء. كما أن المعاملة بالحوالة على وجه التعاطي جائزة باتفاق أئمة المذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعي على قول صحيح. والأصح عندهم: لا تجوز. وبناء على ذلك تجب الزكاة في هذه الأوراق متى بلغ مقدارها نصابا من الفضة أو الذهب باعتبار ربع العشر. ويجوز أن يدفع ربع العشر من عينها عن طريق الحوالة للفقير بما يأخذه. كما يجوز أن يخرج ربع العشر ذهبا أو فضة. والله أعلم. ... (أما عن الثاني) فنفيد أن ناب الذهب في الزكاة هو عشرون مثقالا، والمثقال هو الدينار. والواجب في الإخراج متى حال عليه الحول هو ربع العشر والعبرة إنما هي باعتبار الوزن لا القيمة، وكل جنيه إنجليزي وزنه يساوي الجنيه الآخر، فهي كلها مساوية في الوزن، وحينئذ متى كان المال المزكى جنيهات إنجليزية (مائة جنيه مثلا) يخرج منها بع العشر وهو جنيهان ونف. وإن كان المال المزكى أوراقا فكذلك يخرج ربع عشر ما تشهد به. فإن كان عنده مائة ورقة (تشهد كل واحدة منها بمائة قرش صاغ) فالواجب عليه أن يخرج مائتين وخمسين قرشا وهو ربع العشر. والله أعلم. أنظر ص 45 من مجلة الإرشاد العدد الثامن من السنة الأولى 25 ذي الحجة سنة 1351 هـ.

(جـ) زكاة العروض

(الكمبيالات والسندات) فإن المعاملة بها لا يمكن تخريجها على قاعدة من قواعد الشرع لعدم إمكان صرف قيمتها فورا ولعدم قيامها مقام النقدين في التعامل، فإن تعامل بها أحد فحكمها حكم المقبوض بالعقود الفاسدة على الأصح. ومتى تلف ثمن الأوراق في يد بائعها يكون مثله أو قيمته باقيا على ملك مشتريها، فإن كانت من أسهم شركات تجارية ففيها زكاة التجارة، وإن كانت أسهم شركات غير تجارية كشركة الترام والمياه فلا زكاة إلا فيما قبض منها من المال وحال عليه الحول. وكذا سندات الديون التي يشتريها شخ من غيره، فمتى اعتبرها مملوكة له أي أنه مستحق للدين المكتوب في الورقة، وجبت عليه زكاة ما يقبضه من المدين على ما مر بيانه. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. (جـ) زكاة العروض ... العروض جمع عرض- فتح فسكون- وهو لغة: اسم لما سوى النقدين، والمراد به هنا ما عدا النقود والسوائم التي لم ينو فيها التجارة. ثم الكلام هنا في ثلاثة فروع: ... (1) حكم زكاة العروض: ... هي مشروعة عند الجمهور (لقول) جعفر بن سعد حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة بن جندب قال: "أما بعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" أخرجه أبو داود والبيهقي. قال ابن عبد البر: إسناده حسن (¬1). {85} ¬

(¬1) انظر ص 132 ج 9 - المنهل العذب المورود (العروض إذا كانت للتجارة) و 146 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) وجعفر وخبيب وأبوه ذكرهم ابن حبان في الثقات "فقول" ابن حزم: إنهم مجهولون وتبعه ابن القطان "غير مسلم" أنظر ص 214 هامش الدارقطني.

(ومعنى) الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة من المال الذي يعد للتجارة. وهذا إذا كان نصابا وحال عليه الحول (وظاهره) يعم كل ما يتجر فيه، سواء أكان في عينه زكاة كالنعم أم لا، كالعقار والخيل والبغال والحمير (وعن) ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس عن أبي ذر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته" أخرجه الدارقطني والبيهقي (¬1). {86} ... (والبز) - بفتح الباء وبالزاي- متاع البيت من الثياب ونحوها، ومن الناس من صحفه بضم الباء وبالراء المهملة وهو غلط (¬2) (قال) ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة في قيمتها- إذا بلغت نصابا لا في عينها- وحال عليها الحول. (فقال) غير المالكية: تجب بمضي كل حول، وكذا عند المالكية إذا كان التاجر مديرا وهو من يبيع كيفما اتفق ولا ينتظر ارتفاع السعر كأرباب الحوانيت. أما المحتكر وهو من لا يبيع في الحال بل ينتظر ارتفاع الأسعار فإن يزكيها إذا باعها عن عام واحد ولو مكثت عنده أعواما. وحجتهم ما نقله مالك من عمل أهل المدينة. (هذا) وقد ورد في زكاة التجارة آثار (منها) ما روى أبو عمرو بن حماس عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم والجعاف، فمرر بي عمر بن الخطاب فقال: أد صدقة مالك. فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم. قال: ¬

(¬1) انظر ص 203 - الدارقطني. وص 147 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) قال الترمذي في كتاب العلل: سألت البخاري فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس هو يقول: حدثت (بالبناء للمفعول) عن عمران (وقال) ابن القطان: ابن جريج مدلس لم يقل حدثنا عمران، فالحديث منقطع. (¬2) انظر ص 377 ج 2 نصب الراية.

قومه ثم أخرج صدقته. أخرجه أحمد والشافعي وعبد الرزاق والدارقطني والبيهقي (¬1) (وعن) نافع أن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة. أخرجه الشافعي وأحمد والبيهقي (¬2). ... (وقالت) الظاهرية: لا زكاة في مال التجارة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه" أخرجه السبعة (¬3). {87} ... (وأجاب) الجمهور بأن المراد به ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة. أما إذا كانوا للتجارة ففي أثمانها الزكاة إذا حال عليها الحول كما تقدم عن الترمذي (وأجاب) الظاهرية عن حديث سمة بأنه ضعيف كما تقدم، وكذا حديث أبي ذرة فقد ضعف الحافظ جميع طرقه. ... (قال) ابن رشد: والسبب في اختلافهم، اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس، واختلافهم في تصحيح حديث سمرة. أما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقود به التنمية فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق، أعني الحرث والماشية والذهب والفضة (وزعم) الطحاوي أن زكاة العروض ثابتة عن عمر وابنه ولا مخالف لهما من الصحابة. وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة وفيه ضعف (¬4). (وقال) في شرح الدرر البهية: ولا زكاة في غير الذهب والفضة من الجواهر كالدر والياقوت والزمرد والماس واللؤلؤ والمرجان وأموال التجارة ¬

(¬1) انظر رقم 3054 ص 302 ج 3 كنز العمال. وص 39 ج 2 - الأم. وص 213 الدارقطني. وص 147 ج 4 بيهقي (والأدم) بفتحتين أو ضمتين: جمع أديم وهو الجلد المدبوغ (والجعاف) الخفاف. (¬2) انظر ص 39 ج 2 - الأم. وص 147 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) وص 378 ج 2 نصب الراية. (¬3) تقدم رقم 52 ص 157 (ما لا زكاة فيه). (¬4) انظر ص 233 ج 1 بداية المجتهد (ما تجب فيه الزكاة).

لعدم قيام دليل يدل على ذلك، وقد كانت التجارة في عصره صلى الله عليه وسلم قائمة في أنواع مما يتجر به، ولم ينقل عنه ما يفيد ذلك (وأما) حديث سمرة بن جندب (فقال) ابن حجر في التلخيص: إن في إسناده جهالة (وأما) حديث أبي ذر (فقد) ضعف الحافظ في الفتح جميع طرقه. وقال في واحدة منها: هذا الإسناد لا بأس به. ولا يخفاك أن مثل هذا لا تقوم به الحجة لا سيما في التكاليف التي تعم بها البلوي. ... (وقد) نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة، وهذا النقل ليس بصحيح، فقد خالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام (إذا تقرر) هذا علمت أنه لا دليل على وجوب زكاة التجارة. والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يقوم دليل ينقل عنها (¬1). ... (2) شروط صيرورة العرض للتجارة. ... ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين: (أ) أن يملكه بفعله كالبيع والنكاح والخلع وقبول الوصية والهبة واكتساب المباحات، لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالصوم. ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض لأنه ملكه بفعله فأشبه الموروث. (ب) أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك، وإن ملكه بإرث وقصد أنه للتجارة لم يصر لها لأن الأصل القنية والتجارة عارض فلا يصار إليها بمجرد النية كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم السفر بدون فعل (وعن أحمد) رواية أخرى أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية (لقول) سمرة: أمرنا النبي صلى الله عليه ولم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع. فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله ولا أن يكون في مقابلة عوض بل متى نوى به التجارة صار للتجارة (¬2). ¬

(¬1) انظر 125 و 126 - الروضة الندية (زكاة الذهب والفضة). (¬2) انظر ص 623 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(3) كيف تزكي العروض؟ : النصاب في العروض- عند القائلين بزكاتها- هو نصاب الأثمان فتقوم العروض في بلد التجارة بما هو أنفع للفقير احتياطا لحقوقهم، فإن بلغت قيمتها نصابا بأحد النقدين ونوى فيها التجارة وحال عليها الحول فارغة عن الدين والحوائج الأصلية لزم فيها بع العشر ويضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة ويضم أحدهما إلى الآخر والعروض بعضها إلى بعض بالقيمة عند النعمان. (وقال) مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد: الضم في النقدين بالأجزاء، ولا ضم عند الشافعي على ما تقدم بيانه (¬1). "فمن كان" عنده حمار للتجارة قيمته ثلاثة أرباع النصاب ويملك نقودا تكمل النصاب وحال على الكل حول، أو كان عنده بغل وشاة للتجارة قيمتهما تبلغ نصابا "لزم" الضم والزكاة اتفاقا. ولا يضر نقصان الناب في أثناء الحول إن كمل في طرفيه عند الحنفيين، لأن في اشتراط كماله في كل الحول حرجا، فاعتبر كماله في أول الحول للانعقاد وفي آخره للوجوب. ولكن لابد من بقاء شيء من المال في أثناء الحول ليضم المستفاد إليه لأن هلاك الكل مبطل لانعقد الحول. (وقالت) الحنبلية: يشترط تمام الناب كل الحول، فلو ملك سلعة قيمتها دون النصاب فمضى نصف الحول وهي كذلك ثم زادت قيمتها دون النصاب فمضى نصف الحول وهي كذلك ثم زادت قيمة النماء بها أو تغيرت الأسعار فبلغت نصابا أو باعها بنصاب أو ملك في أثناء الحول عرضا آخر أو أثمانا تم بها النصاب، ابتدأ الحول من حينئذ فلا يحسب بما مضي. ولو ملك بالتجارة نصابا فنقص عن النصاب في أثناء الحول ثم زاد حتى بلغ نصابا استأنف الحول لكونه انقطع بنقصه في أثنائه (¬2). (وقالت) المالكية: لا يشترط في المال المتجر فيه أن يكون نابا في أول الحول بل المدار على نهايته، فإن تم النصاب في آخر الحول زكي وإلا فلا ¬

(¬1) تقدم ص 178 (ضم النقدين). (¬2) انظر ص 624 ج 2 مغنى ابن قدامة.

وهو الصحيح عند الشافعية لأنه يتعلق بالقيمة. وتقويم العرض في كل وقت يشق فاعتبر حال الوجوب وهو آخر الوقت. وعليه إذا اشترى عرضا للتجارة بشيء يسير انعقد الحول فإذا بلغ نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة. ولو كان عرض التجارة دون النصاب فباعه بسلعة أخرى دون النصاب في أثناء الحول لا ينقطع الحول عندهم. وأما ابتداء الحول ففيه تفصيل: (أ) إن ملك عرض التجارة بنصاب من النقد بأن اشتراه بعشرين مثقالا أو بمائتي درهم، ابتدأ الحول من حين ملك ذلك النقد وبنى حول التجارة عليه. هذا إذا اشتراه بعين النقد. (ب) فإن اشترى في الذمة ودفعه في ثمنه انقطع حول النقد وابتدأ حول التجارة من حين الشراء. (جـ) وإن كان النقد الذي اشترى به دون نصاب ينعقد الحول من حين الشراء عند مالك والشافعي ولا ينعقد عند غيرهما. (د) وإن اشترى بغير نقد فإن كان الثمن مما لا زكاة في عينه كالثياب والحديد، فابتداء الحول من حين ملك عرض التجارة، ولو كانت قيمته دون النصاب عند مالك والشافعي. (هـ) وإن كان الثمن مما تجب فيه الزكاة في عينه كالسائمة، فالصحيح أن حولها ينقطع ويبتدئ حول التجارة من حين ملك عرض التجارة ولا يبني لاختلاف الزكاة قدرا ووقتا بخلاف بناء التجارة على النقد (¬1). هذا، ويتصل بما تقدم من أنواع الزكاة ثلاثة أمور: (1) زكاة المستفاد: المستفاد قسمان: (أ) مستفاد من نفس المال البالغ نصابا بنتاج أو ربح، وهذا يتبع الأصل في حوله وزكاته. ¬

(¬1) انظر ص 55 و 56 ج 6 مجموع النووي.

(ب) مستفاد بنحو هبة أو إرث من جنس الناب في أثناء الحول، وهذا فيه خلاف. (قال) الحنفيون: يضم المستفاد من جنس نصاب إليه ويكون تابعا له في الحول والزكاة، سواء أكانت الفائدة حاصلة بهبة أو ميراث أو شراء أو نتاج أو غير ذلك فتزكى الفائدة مع الأصل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين إلى خمس ثلاثين من الإبل بنت مخاض فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون من غير فصل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه، ولأن المستفاد يضم إلى جنسه في النصاب اتفاقا فوجب ضمه إليه في الحول والزكاة كالنتاج ولأنه إذا ضم إلى النصاب وهو سبب فضمه إلى الأصل في الحول الذي هو شرط أولي. فإنه لو كان عنده مائتا درهم مضى عليها نصف حول ثم وهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب في هذه المائة إذا تم حولها اتفاقا ولولا المائتان ما وجبت الزكاة في المائة فإذا ضمت إلى المائتين في الوجوب فكذلك في وقته ولأن إفراد المستفاد بالحول يقضي إلى تجزئة الواجب في الماشية وإلى اختلاف أوقات وجوب الزكاة وإلى وجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه، ثم يتكرر ذلك في كل حول، وهذا حج مرفوع بقوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (¬1). وقد اعتبر الشارع دفع الحرج بإيجابه غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل فجعل فيها الغنم. (وقال) الشافعي وأحمد: يتبع المستفاد الأصل في الناب ويستقبل به حول جديد، سواء أكان الأصل نعما أم غيرها، فمن كان عنده ثلاثون من البقر ومضي عليها نصف حول ثم استفاد بغير نتاج عشرة فإذا تم حول الثلاثين لزم فيها تبيع وإذا تم حول الفائدة وجب فيها ربع مسنة أو ثلث تبيع، ومن كان عنده مائتا درهم مضى عليه تسعة أشهر ثم استفاد أخرى، زكى كلا ¬

(¬1) جزء من آية 78 آخر سورة الحج وأولها: وجاهدوا في الله ...

عند تمام حوله. "ووافق" مالك أبا حنيفة في النعم "فقال" يضم المستفاد منها إلى جنسه إذا كان الأصل نابا ويزكى معه في حوله دفعا لتجزئة الواجب، ووافق الشافعي وأحمد في الذهب والفضة فقال: إن المستفاد منهما يضم إلى الأصل في النصاب لا في الحول، بل يستقبل به حول جديد. (2) تعجيل الزكاة: يجوز لمن يملك نصابا أو أكثر تعجيل الزكاة لسنة أو أكثر- عند الحنفيين والشافعي وأحمد- بشرط أن يكون إخراجها بعد ملك الناب وأن لا ينقطع في أثناء الحول وأن يكمل في آخره (لحديث) ابن مسعود "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين" أخرجه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفيه محمد بن ذكواني تكلم فيه وقد وثق (¬1). {88} (وقال) أبو رافع: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ساعيا على الصدقة، فأتى العباس بن عبد المطلب، فأغلظ له العباس، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ إن العباس كان أسلفنا صدقة العام عام أول" أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل المكي تكلم فيه وقد وثق (1). {89} لكن جواز التعجيل مخصوص بالمالك ولا يصح من الوي والولي. (وقالت) المالكية: يجوز تقديم الزكاة شهرا مع الكراهة (وقال) سفيان الثوري وداود: لا يصح تعجيلها قبل تمام الحلول (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا زكاة في مال حتى يحول ¬

(¬1) (1 و 2) انظر ص 79 ج 3 مجمع الزوائد (تعجيل الزكاة). و (الصنو) - بكسر فسكون - الشقيق أو المثل، يعني: أما علمت أنه عمى؟ فكيف تتهمه بما ينافى كماله فلعل له عذرا!

عليه الحول" أخرجه ابن ماجه مرفوعا والبيهقي مرفوعا وموقوفا، وفيه حارثة ابن محمد، قال البيهقي: لا يحتج بخبره (¬1). {90} ونحوه من الأحاديث الدالة على تعليق وجوب الزكاة بالحول (وأجاب) الجمهور بأنها إنما تدل على اشتراط الحول في الوجوب، وهو محل اتفاق، والخلاف في جواز الإخراج قبل تمام الحول وقد دلت عليه أحاديث الباب. (فائدة) إذا عجل زكاته ثم هلك النصاب أو بعضه قبل تمام الحول خرج المدفوع عن كونه زكاة لأن شرطها الحول ولم يوجد. وهل يرجع فيها على المدفوع إليه؟ فيه تفصيل: (أ) إن كان الدافع المالك- وبين عند الدفع أنها زكاة معجلة وقال: إن عرض مانع من وجوبها استرجعتها- فله الرجوع اتفاقا. وإن اقتصر على قوله: هذه زكاة معجلة أو علم القابض ذلك، فالأصح جواز الرجوع (وقيل) لا رجوع لأن التمليك وجد فإذا لم يقع فرضا وقع نفلا كما لو قال: هذه صدقتي المعجلة فإن وقعت الموقع وإلا فهي نافلة ولا رجوع له- إذا لم تقع الموقع- اتفاقا. (ب) إن دفعها الإمام أو الساعي وذكر أنها معجلة ولم يشترط الرجوع، فله ردها اتفاقا. (جـ) إن دفع الإمام أو الساعي أو المالك ولم يقل: إنها معجلة ولا علمه القابض فالراجح جواز الرجوع مطلقا لأنه لم يقع الموقع (وقيل) لا رجوع مطلقا لتفريط الدافع (وقيل) إن دفع الإمام أو الساعي رجع وإن دفع المالك فلا رجوع، لأن الظاهر أن ذلك زكاة واجبة أو صدقة تطوع، وقد لزمت بالقبض فلا يملك الرجوع (ومتى) ثبت الرجوع، فإن كان المعجل تالفا ضمنه القابض إن كان حيا، وإن كان ميتا ضمنه ورثته في تركته، فإن كان ¬

(¬1) تقدم رقم 24 ص 126 (الحول).

مثليا كالدراهم ضمنه بمثله، وإن كان متقوما ضمنه بقيمته يوم الدفع على الأصح (وإن كان) المعجل باقيا رجع فيه (¬1). (3) تأخير الزكاة: إذا مضى حولان على ناب لم تؤد زكاته ففيه تفصيل: (أ) إن قلنا: الزكاة واجبة في عين المال- وهو مذهب الحنفيين ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد- فعليه زكاة واحدة، فإذا كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه شاة واحدة، لأن الزكاة تعلقت في الحول الأول بشاة من النصاب فلم تجب فيه فيما بعده زكاة لنقصه عن النصاب. وإذا كان عنده مائتا درهم فلم يزكها حتى مضى عليها حولان يزكها سنين، دفع عنها في أول سنة ربع العشر خمسة وعشرين درهما ثم في كل سنة بحساب ما بقى. وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد. ومن له أربعون من الغنم نتجت شاة في كل حول، وجب عليه في كل سنة شاة لأن النصاب كمل بالنتاج. فإن كان النتاج بعد وجوب الزكاة استؤنف الحول الثاني من وقت النتاج. (ب) وإن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة- وهو رواية عن الشافعي وأحمد- وجب عليه لكل حول زكاة. فمن له أربعون شاة مشى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه ثلاث شياه. ومن له دينار مضى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه سبعة دنانير ونصف دينار، لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم تؤثر في نقص النصاب. وهذا الخلاف في غير الإبل التي تجب فيها الغنم. أما ما زكاته الغنم من الإبل، فإن عليه فيه لكل حول زكاة، لأن الفرض يجب من غيرها فلا يتعلق بعينها عند الجمهور. وعن الشافعي أن الزكاة تنقصه كسائر الأموال. فمن ¬

(¬1) انظر ص 149 ج 6 مجموع النووي.

(د) زكاة الزروع والثمار

عنده خمس من الإبل مضى عليها ثلاثة أعوام، فعند الجمهور يلزمه لكل حول شاة. وعلى قول الشافعي لا يلزمه إلا شاة واحدة، لأنها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمسة كاملة (وأجاب) الجمهور بأن الواجب هنا من غير جنس النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه بخلاف غيره من المال فإن الزكاة تتعلق بعينه فتنقصه. فمن ملك خمسا وعشرين من الإبل حال عليها أحوال، فعليه للحول الأول بنت مخاض، وعليه لكل حول بعده أربع شياه وإن بلغت قيمة الشياه الواجبة أكثر من الإبل (¬1). (د) زكاة الزروع والثمار الزروع جمع زرع وهو ما استنبت بالبذر لقصد استغلال الأرض من الأقوات وغيرها (والثمار) جمع ثمر- بفتحتين- وهو ما يؤكل من أحمال الأشجار والنجوم- وهي ما لا ساق لها من النبات- كالبطيخ والقثاء. والكلام هنا ينحصر في اثنا عشر فرعا: (1) حكم زكاة الزرع: هي فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده" (¬2). والحق هو العشر أو نصفه. وقال: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض" (¬3). أضاف المخرج إلى المخاطبين فدل على أن للفقراء فيه حقا كما أن للأغنياء حقا. وقد علم من السنة أن حق الفقير العشر أو نصفه (وعن) جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله ولم قال: "فيما سقت السماء ¬

(¬1) انظر ص 465 ج 2 شرح المقنع. (¬2) سورة الأنعام، آية 141. (¬3) سورة البقرة، آية 267.

والأنهار والعيون العشر وفيما سقى بالسانية نف العشر" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنائي (¬1). {91} والأحاديث في هذا كثيرة، وعلى هذا أجمعت الأمة. (2) سببها: سبب زكاة الزرع الأرض النامية بالخارج حقيقة فلو تمكن من الزرع ولم يزرع فلا زكاة عليه، ولو أصاب الزرع آفة لا يلزمه شيء. (3) شروط افتراضها: هي شروط أهلية ومحلية: (أ) فشروط الأهلية ثلاثة: (الأول) الإسلام عند غير المالكية على ما تقدم بيانه في بحث شروط الزكاة وهو شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ إلا على مسلم لأن فيه معنى العبادة والكافر ليس من أهل وجوبها ابتداء. وكذا لا يجوز أن يتحول إليه عند النعمان ويجوز عند أبي يوسف ومحمد. فلو اشترى الذمي أرض عشر من مسلم فعليه الخراج عند النعمان لأن العشر فيه معنى العبادة والكفار ليس أهلا لوجوبها. وإذا تعذر إيجاب العشر عليه فلا سبيل إلى أن ينتفع الذمي بأرضه في دار الإسلام من غير حق يضرب عليه فضربنا عليها الخراج الذي فيه معنى الصغار كما لو جعل داره بستانا وتصير خراجية بمجرد شرائها. وفي رواية لا تصير خراجية ما لم يوضع عليها الخراج ولا يؤخذ إلا إذا مضت- من وقت الشراء- مدة يمكنه أن يزرع فيها، سواء زرع أو لم يزرع (وقال) أبو يوسف: عليه عشران لأنه لما وجب عليه العشر وهو كافر، ضوعف. ويوضع موضع الخراج (وقال) محمد: عليه عشر واحد لأن الأصل أن كل ¬

(¬1) أنظر 3 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزروع والثمار) وص 54 ج 7 نووي (ما فيه العشر أو نصف العشر) وص 202 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الزرع) و 344 ج 1 مجتبي (ما يوجب العشر) و (السانية) الناضح من الإبل والبقر يستقي عليه.

أرض ابتدئت بضرب حق عليها أن لا يتبدل الحق بتبدل المالك كالخراج. ويوضع عنده موضع الصدقة لأن الواجب لما لم يتغير قده لا تتغير صفته. ولو اشترى مسلم من ذمي أرضا خراجية فعلية الخراج ولا تنقلب عشرية لأن الأصل أن مئونة الأرض لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة (¬1). (الثاني) الملك التام للخارج- لا للأرض- للزوم العشر في الخارج من الأرض الموقوفة، ولعموم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض". وقوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده". (وحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر" أخرجه البخاري والأربعة (¬2). {92} (والعثري) - بفتحتين- ما يشرب بعروقه من غير سقي وهو المعروف بالبعلي. ففي رواية النسائي وابي داود وابن ماجه: أو كان بعلا. والمراد بالنضح سقي الزرع بآلة مطلقا. والمعنى في ذلك أن العشر يجب في الخارج لا في الأرض فكان ملك الأرض وعدمه سواء وعليه فلو استأجر شخص أرضا وزرعها فعليه زكاة الخارج- إن بلغ نصابا- عند الثلاثة وأبي يوسف ومحمد والجمهور (وقال) النعمان: الزكاة على صاحب الأرض لأن الخارج له حكما فإنه يأخذ بدله الأجرة فكأنه زرع بنفسه (ورد) بأن حقه في الأجر لا في الخارج والزكاة تجب في الخارج (¬3). ¬

(¬1) انظر 55 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 213 ج فتح الباري (العشر فيما يسق من ماء السماء) وص 198 ج 9 - المنهل العذب المورود (دقة الزرع) وص 344 ج 1 مجتبي (ما يوجب العشر) وص 14 ج 2 تحفة الأحوذي (الصدقة فيما يسقي بالأنهار وغيرها) وص 286 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الزوع والثمار) و (النضح) بفتح فسكون في الأصل: حمل البعير الماء لسقي الزرع. و (الناضح) البعير يحمل الماء للسقي. (¬3) انظر ص 56 ج 2 بدائع الصنائع.

(وقال) ابن رشد: والسبب في اختلافهم هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟ فلما كان عندهم أنه حق لأحد الأمرين اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى موضع الاتفاق وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد (فذهب) الجمهور إلى أنه ما تجب فيه الزكاة وهو الحب (وذهب) أبو حنيفة إلى أنه ما هو أصل الوجوب وهو الأرض (¬1). (الثالث) العلم بالفرضية لمن أسلم بدار الحرب- عند الحنفيين- على ما تقدم في شروط افتراض الزكاة (وأما) التكليف والحرية فليسا من شروط الفرضية هنا فيلزم العشر أو نصفه في الخارج من أرض الصبي والمجنون لعموم الأحاديث السابقة. (ب) شروط المحلية ثلاثة: (الأول) أن تكون الأرض عشرية، فلا عشر في الخارج من أرض الخراج- عند الحنفيين- لأن العشر والخراج لا يجتمعان في أرض واحدة (وقال) الثلاثة: يجتمعان فيجب العشر في الخارج من أرض الخراج كأرض مصر والعراق لأنهما حقان مختلفان ذاتا ومحلا وسببا. فإن الخارج يجب في الذمة والعشر يجب في الخارج وسبب وجوب الخراج الأرض النامية وسبب وجوب العشر الخارج حتى لا يجب بدونه. وهذا هو الحق ولذا اختاره المحققون من الحنفيين كالكمال ابن الهمام (قال) بعد قول صاحب الهداية- ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما- قد منع بنقل ابن المنذر الجمع في الأخذ عن عمر بن عبد العزيز. وقد نقل ابن المبارك الجمع بينهما مذهبا لجماعة آخرين فلم يتم (يعني دعوى أن أحدا من الأئمة لم يجمع بينهما) وعدم الأخذ من بعض الأئمة يجوز لكونه فوض الدفع إلى المالك فلم يتعين قول صحابي بعدم الجمع ليحتج به من يحتج بقول الصحابي. على أن فعل عمر ابن عبد العزيز يقتضي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يقول بمنع الجمع ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 2 بداية المجتهد (الأرض المستأجرة).

لأنه كان متبعا له مقتفيا لآثاره ثم المصنف (يعني احب الهداية) منع تعدد السبب وجعل السبب فيهما معا الأرض. ولا مانع أن يتعلق بالسبب الواحد- وهو الأرض هنا- وظيفتان مع أن العمومات تقتضيه مثل قوله صلى الله عليه ولم: "ما سقت السماء ففيه العشر" فإنه يقتضي أن يؤخذ مع الخراج إن كان (¬1). (قال) ابن رشد: وسبب اختلافهم كما قلنا: هل الزكاة حق الأرض أو حق الحب؟ فإن قلنا إنه حق الأرض لم يجتمع فيها حقان وهما العشر والخراج، وإن قلنا الزكاة حق الحب كان الخراج حق الأرض والزكاة حق الحب. وإنما يجيء هذا الخلاف في أرض الخراج لأنها ملك ناقص. ولذا اختلف العلماء في جواز بيعها. وأما إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي يزرعها فإن الجمهور على أنه ليس فيها شيء (وقال) النعمان: إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج. فكأنه رأى أن العشر هو حق أرض المسلمين والخراج هو حق أرض الذميين. لكن كان يجب على هذا الأصل إذا انتقلت أرض الخراج إلى المسلمين أن تعود أرض عشر، كما أن عنده إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي عادت أرض خراج (¬2). (الثاني) - من شروط المحلية- وجود الخارج. فلو لم تخرج الأرض شيئا لا يجب العشر لأنه جزء من الخارج وإيجاب جزء منه- ولا خارج- محال. الزروع التي تجب فيها الزكاة. (الثالث) كون الخارج من الأرض- عند النعمان وزفر- مما يقصد ¬

(¬1) انظر 366 ج 4 فتح القدير (العشر والخراج) "وأما" ما احتج به بعض الحنفيين من حديث يرويه يحيى بن عنبسة بسنده إلى ابن مسعود مرفوعا: لا يجتمع على مسلم خراج وعشر "فقد" أخرجه ابن عدى في الكامل والبيهقي في السن وقال: هذا حديث باطل وصله ورفعه. ويحيى بن عنبة منهم بالوضع (انظر ص 132 ج 4 بيهقي) وقال ابن عدى: يحيى بن عنبسة منكر الحديث. وإنما رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم ووصله يحيى وهو يروى الموضوعات عن الثقات. (انظر ص 442 ج 3 نصب الراية). (¬2) انظر ص 228 ج 1 بداية المجتهد (الأرض المستأجرة).

بزراعته استغلال الأرض عادة. فلا عشر عندهما في نحو حطب وحشيش وتبن وبذر بطيخ وقصب فارسي (البوص) لأنه لا يقصد بهذه الأشياء استغلال الأرض ونماؤها عادة، لأن الأرض لا تنمو بها بل تفسد، بخلاف قصب السكر. وأما لو اتخذ الأرض مشجرة أو مقصبة أو منبتا للحشيش، فإن الزكاة تجب في الخارج منها لأنه غلة وافرة قصد به استغلال الأرض ولعموم الآيات والأحاديث السابقة (وقال) أبو يوسف ومحمد: يشترط أن يكون الخارج نصابا مما يبقى سنة بلا علاج كثير، سواء أكان مكيلا كالتمر والحبوب أم غير مكيل كالقطن والسكر؟ فإن كان مما يكال فلابد أن يبلغ خمسة أو سق (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أو ساق من تمر ولا حب صدقة" أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي (¬1). {93} والوسق- بفتح فسكون- ستون صاعا والصاع قدحان بالكيل المصري. فالنصاب: خم وسبعون كيلة، أي ستة أرادب وربع أردب (وإن كان) الخارج مما لا يكال فعند أبي يوسف لا تجب فيه زكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال، فلا تجب الزكاة في القطن ونحوه إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من الشعير ونحوه. (وقال) محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه. ففي نحو القطن لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ خمسة قناطير، لأن التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه. وعليه فلا زكاة عند أبي يوسف ومحمد فيما لا يبقى سنة كالفواكه والخضراوات كالفجل والجرجير والثوم والبصل والقثاء والخيار والبطيخ والقرع والباذنجان واللوبيا الخضراء (لحديث) موسى بن طلحة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في الخضراوات زكاة" أخرجه الدارقطني وفيه مروان السنجاري ضعيف (¬2). {94} ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزرع والثمار) وص 52 ج 7 نووي (الزكاة) وص 343 ج 1 مجتبي (زكاة التمر) وص 128 ج 4 بيهقي (صدقة الزرع). (¬2) انظر 201 - الدارقطني.

(قال) الترمذي: ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروي هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلا. والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضراوات صدقة (¬1). وذلك لأن الأحاديث فيها وإن كانت ضعيفة فقد رويت من عدة طرق يقوي بعضها بعضا. (وقال) مالك: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يبقى وييبس ويستنبته بنو الإنسان، سواء أكان مقتاتا كالقمح والشعير والسلت والعلس والذرة والدخن والأرز والجلبان والبسيلة (أو غير مقتات) كالحمص والفول واللوبيا والعدس والترمس والزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر (ولا زكاة) في التين والرمان والتفاح وسائر الفواكه ولا في بذر كتان وقطن وسلجم ولا في جوز ولوز وحب الفجل الأبيض والعصفر، والتوابل وهي الفلفل والكزبرة والأنسيون. والشمار والكمون والحبة السوداء، ولا في الخضراوات وحب الرشاد. والنصاب عند مالك خمسة أوسق. والوسق ستون صاعا، والصاع قدح وثلث. فالنصاب عنده خمسون كيلة. (وقال) الشافعي: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يقتات ويدخ ويستنبته الآدميون كالقمح والشعير والسلت- وهو نوع من الشعير لا قشر له- والدخن والعد والذرة والأرز والحمص واللوبيا اليابسة والجلبان والفول. فلا زكاة فيما لا يقتات كالخضراوات وحب الرشاد والكمون وبذر القطن والكتان والتمس والسمسم والزيتون وبذر الفجل والقرطم. (وقال) أحمد: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يكال ويبقى وييبس ويستنبته الآدميون سواء أكان مقتاتا كالقمح والشعير والذرة والأرز والدخن، أم غير مقتات كالفول والعدس والكسبرة والكمون والكراوية والترمس ¬

(¬1) انظر ص 12 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة الخضراوات) والمراد من أهل العلم الأكثر (فقد) علمت أن النعمان يوجب في الخضراوات الزكاة.

والسمسم والحلبة وسائر الحبوب؟ وتجب أيضا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار اليابسة كالتمر والزبيب والمشمش والتبين واللوز والبندق والفستق. فلا زكاة في الفواكة كالخوخ والكمثرى والتفاح ولا في الخضراوات (هذا) والنصاب عند الشافعي وأحمد خمس وسبعون كيلة كما تقدم عن أبي يوسف ومحمد. (وقال) الحسن البصري والثوري والشعبي: لا تجب الزكاة إلا في القمح والشعير والزبيب والذرة والتمر (لحديث) (أبي موسى الأشعري ومعاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم وقال: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطقة والزبيب والتمر) أخرجه الحاكم والدارقطني والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح والبيهقي (¬1). {95} (وقال) موسسى بن طلحة: عندنا كتاب معاذ برضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر. أخرجه أحمد والدارقطني والبيهقي والحاكم وقال: هذا حديث قد احتج بجميع رواته. وموسى بن طلحة تابعي كبير لم ينكر أنه يدرك أيام معاذ (¬2). {96} (ورد) بأن صاحب الاستذكار ذكر أنه لم يلق معاذا ولا أدركه. (ورجح) بعضهم هذا القول لهذه الأدلة وإن كان في بعضها ضعف ولا يصح جعلها من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في بعضها من الحر تارة والنفي عما عدا هذه الأشياء تارة أخرى. ¬

(¬1) انظر ص 401 ج 1 مستدرك (أخذ الصدقة من الحنطة والشعير) و 201 الدارقطني. وص 75 ج 3 مجمع الزوائد (زكاة الحبوب) وص 125 ج 4 بيهقي (لا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير النخل والعنب). (¬2) انظر ص 7 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزرع والثمار) وص 201 - الدارقطني وص 128 ج 4 بيهقي (الصدقة فيما يزرعه الآدميون) وص 401 ج 1 مستدرك.

(4) وقت وجوب زكاة الزرع: تجب في الحبوب باشتدادها وفي الثمر يبدو صلاحه- عند مالك والشافعي وأحمد- فالوجوب: (أ) في زكاة الزرع بإفراك الحب واستغنائه عن السقي وإن بقى في الأرض لتمام طيبه لا باليبس كما قيل، وإلا لم يحسب ما أخذه فريكا أخضر وليس كذلك بل يحسب ويقدر جفافه. (ب) وفي زكاة الثمر بطيبه وطيب كل نوع معلوم فيه. فطيب البلح بإحمراره أو إصفراره وجريان الحلاوة فيه، وطيب العنب بظهور الحلاوة فيه (وعليه) فلا شيء على وارث مما ورثه قبل الإفراك والطيب إلا أ، يكون نصابا أو أقل ويكون عنده زرع يضم إليه ويزكيه. فإن بلغت حصة بعضهم نصابا دون البعض وجبت على الأول دون الثاني. أما ما ورثه بعد الطيب والإفراد فتجب زكاته وإن كان أقل من نصاب حيث كان المجموع نصابا لتعلق الزكاة بالموروث قبل الموت فيزكى حينئذ على ملك الميت. (والزكاة) في الزرع واجبة على ممن باعه بعد الإفراك والطيب، وإن افتقر البائع تؤخذ الزكاة من عين المبيع إن وجد عند المشتري ويرجع على البائع بثمنها. وإن لم يوجد المبيع لا تؤخذ الزكاة من المشتري بل من البائع عند يساره، وإن أهلك الزرع المشتري زكاه ورجع بما دفعه على البائع، وإن أهلكه أجنبي فزكاته على البائع ويرجع على الأجنبي بمثل ما أخرجه، وإن هلك بآفة سماوية فلا زكاة فيه على أحد لأنه جائحة على الفقراء (¬1). هذا، وبدو الصلاح في بعضه ولو قل وجبت الزكاة. وكذا اشتداد بعض الحب كاشتداد كله (¬2). (وقال) النعمان: تجب الزكاة بخروج الزرع وظهور الثمر لقوله تعالى: ¬

(¬1) انظر ص 553 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 465 ج 5 مجموع النووي.

"يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض" (¬1). أمر الله تعالى بالإنفاق مما أخرجه من الأرض، فدل على أن الوجوب متعلق بالخروج (وقال) أبو يوسف: تجب الزكاة بالإدراك لقوله تعالى: "وأتوا حقه يوم حصاده". ويوم حصاده هو يوم إدراكه فكان هو وقت الوجوب. (وقال) محمد بن الحسن: تجب الزكاة بالتنقية في الحبوب والجذاذ في الثمر لأنه حينئذ يتناهى عظم الحب والثمر. (وفائدة) هذا الاختلاف على قول النعمان لا تظهر إلا في الاستهلاك فما كان منه بعد الوجوب يضمن عشره وما كان قبله لا يضمن. وأما عند أبي يوسف ومحمد فتظهر ثمرة الخلاف في الاستهلاك والهلاك في حق تكميل النصاب وما هلك قبله لا يعتبر. وبيانه أنه إذا أتلف إنسان الزرع أو الثمر قبل الإدراك أخذ صاحب المال من المتلف ضمان المتلف وأدى عشره، وإن أتلف البعض دون البعض أدى قدر عشر المتلف من ضمانه، وإن أتلفه احبه أو أكله كلا أو بعضا يضمن عشره ويكون دينا في ذمته عند النعمان لأن الإتلاف حصل بعد الوجوب فكان الحق مضمونا. وأما عندهما فلا يضمن عشر المتلف لأن الإتلاف حصل قبل الوجوب، ولو بعد الوجوب ويكون عليه عشر الباقي قل أو كثر عند النعمان، لأنه لا يشترط النصاب. وكذا عندهما إن بقى نصاب، وإن هلك بعد الإدراك والتنقية والجذاذ أو بعد الإدراك قبل التنقية والجذاذ سقط الواجب اتفاقا، وإن هلك بعضه سقط بقدره وبقى عشر الباقي ولو قل عند النعمان، وعندهما يكمل نصاب الباقي بالهالك (¬2). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية، رقم 267. (¬2) انظر ص 63 ج 2 بدائع الصنائع.

(5) قدر الواجب في زكاة الزرع: يفترض في الزرع والثمر عشر الخارج إن سقى بلا آلة بل بماء المطر أو النهر أو العين، ونصف العشر مما سقى بآلة بخارية أو طمبور أو ساقية أو بماء مشتري. لما في ذلك من زيادة المؤونة. (ودليله) ما تقدم في حديث جابر وابن عمر (¬1). (وقول) معاذ: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آخذ مما سقت السماء العشر ومما سقى بالدوالي نصف العشر" أخرجه النسائي (¬2). {97} (وعن) موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه البيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬3). {98} وهذا متفق عليه، وإن سقى الزرع بآلة تارة وبلا آلة تارة، فإن كان ذلك متساويا لزم ثلاثة أرباع العشر عند الجمهور، وهو قول للحنفيين. والمشهور عنهم وجوب نصف العشر وهو الظاهر، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فعند الحنفيين وأحمد العبرة بالأكثر، وهو قول مشهور عن مالك وقول للشافعي. والآخر يؤخذ من كل بحسابه. ¬

(¬1) حديث جابر تقدم رقم 91 ص 199 وابن عمر رقم 92 ص 20 (زكاة الزروع والثمار). (¬2) تقدم رقم 23 ص 124 (هل على العبد زكاة)؟ (¬3) انظر ص 129 ج 4 بيهقي (الصدقة فيما يزرعه الآدميون) وص 401 ج 1 متدرك (الصدقة من الحنطة والشعير) (وإنما يكون ذلك ... إلخ) مدرج من الراوي في الحديث و (القصب) بالصاد عند الحاكم. وبالضاد عند البيهقي- بفتح فسكون- وهو كل نبت اقتضب فأكل طريا. وقيل هو نوع من الفاكهة يقطع فينبت خلافه.

(وجعل) النبي صلى الله عليه وسلم زكاة ما خفت مئونته العشر توسعة على الفقراء وما ثقلت مئونة سقيه نصف العشر رفقا بأرباب الأموال. هذا، ولا يحتسب الزارع ما أنفق على الغلة من سقي أو عمارة أو أجر حافظ أو عمال أو نفقة البقر أو تكاليف الزرع بل يؤخذ المفروض من كل الخارج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الحق على التفاوت بتفاوت المؤن، ولو رفعت المؤن لارتفع التفاوت. والله تعالى ولي التوفيق. (6) سقوط الزكاة: تسقط زكاة المواشي والأثمان والعروض والخارج من الأرض بواحد من ثلاثة: (أ) هلاك المال بعد الوجوب بأن حال عليه الحول أو حان حصاده ففرط في الأداء حتى هلك المال بلا استهلاك، فإن هلك كله سقط الواجب كله، وإن هلك بعضه سقطت حصته، لأن الزكاة متعلقة بعين المال لقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" (¬1) وقوله تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم" (¬2)، وبالهلاك قد فات محل الزكاة فتسقط عند الحنفيين ومالك، ويصرف الهالك إلى الكل عند محمد وزفر وهو المعتمد عند المالكية، وحكى عن الشافعي، وإلى العفو أولا ثم إلى ناب يليه، وهكذا عند النعمان وهو مشهور مذهب مالك، والأصح عند الشافعي. (وقال) أبو يوف: يصرف بعد العفو إلى الكل شائعا. فلو هلك خمسة عشر من أربعين من الإبل فأربعة من الهالك تصرف إلى العفو ثم أحد عشر إلى النصاب الذي يليه وهو ما بين خمس وعشرين وست وثلاثين عند النعمان ومن معه فيلزم بنت مخاض. وعند أبي يوسف يلزم 25/ 26 من بنت لبون. وعند محمد ومن معه يلزم خمسة أثمان بنت لبون. وهذا هو الأقوى لما تقدم ¬

(¬1) سورة التوبة، آية رقم 103. (¬2) سورة المعارج، ىية رقم 24.

من أن الزكاة تتعلق بالنصاب والعفو على الأصح. وخرج بالهلاك ما لو استهلكه بعد الحول فلا تسقط الزكاة للتعدي. ولو منع السائمة العلف والماء حتى هلكت فهو استهلاك على الصحيح عند الحنفيين. (وقال) الشافعي: إن هلك المال بتفريط بأن قصر في حفظه أو عرف المستحقين وأمكنه تسليمهم فأخر بلا عذر ضمن، لأنه متعد بذلك، وإن لم يفرط لم يضمن كالوكيل وناظر مال اليتيم إذا تلف في يده شيء بلا تفريط لا يضمن (¬1). (والمشهور) عن أحمد أن الزكاة لا تسقط يتلف المال سواء فرط أو لم يفرط. وحكى عنه الميموني أنه إن تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة وإن تلف بعده لم تسقط، لأنه مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين. فأما الثمرة فلا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض. ولهذا لو تلفت كانت في ضمان البائع، وبه قال مالك، إلا في الماشية فإنه قال: لا شيء فيها حتى يجيء المصدق فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه. (والصحيح) أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب بعد تلك المال، والتفريط أن يمكنه إخراجها فلا يخرجها، فإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط، سواء أكان لعدم المستحق أو لبعد المال أو لكون المطلوب إخراجه لا يوجد في المال (¬2). (ب) وتسقط الزكاة بالردة عند الحنفيين خلافا للأئمة الثلاثة على ما تقدم في شروط افتراض الزكاة حتى لو أسلم لا يجب عليه الأداء عند الحنفيين، ويجب عند الثلاثة لأنه قادر أداء ما وجب عليه بالعود إلى الإسلام. واستدل الحنفيون بحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما كان قبله" أخرجه الطبراني وابن سعد (¬3). {99} ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 6 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 464 ج 2 شرح المقنع. (¬3) انظر رقم 3064 ص 179 ج 3 فيض القدير. ورقم 243 ص 17 ج 1 كنز العمال.

ولأن المرتد ليس من أهل العبادة. (جـ) وتسقط الزكاة بموت من تلزمه بلا وصية عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعي وأحمد: لا تسقط بالموت على ما تقدم في بحث قضاء الزكاة (¬1). (7) خرص البلح والعنب: الخرص- بفتح فسكون مصدر خرص من بابي ضرب ونصر- لغة الحزر والتخمين. والمراد به هنا تقدي ما على النخل من الرطب تمرا وما على الكرم من العنب زبيبا بأن ينظر الخارص العارف فيقول: يخرج من هذا من التمر كذا ومن الزبيب كذا وكذا، فيحصى عليهم وينظر مبلغ العشر ممن ذلك، ثم يخلى بين المالك وبين الثمار يصنع ما أحب. وإذا أدركت الثمار أخذ منها العشر. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد (لقول) ابن جرير: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه. أخرجه أبو داود وأحمد والداقطنى وزادا: ثم يخيرون يهود أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك؟ وإنما كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة وتفرق. وفي سنده راو لم يسم (¬2). {100} ¬

(¬1) تقدم 136. (¬2) انظر ص 12 ج 9 - الفتح الرباني (خرص النخل والعنب) وص 214 ج 9 المنهل العذب المورود (متى يخرص التمر) وص 217 - الدارقطني. وقد رواه عبد الرزاق. والدارقطني بلا واسطة بين ابن جريج والزهري. وابن جريج مدلس فلعله ترك الواسطة تدليا. وذكر الدارقطني الاختلاف في الحديث فقال: رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل عن الزهرري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أعطى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود نخل خيبر مساقاة ليعملوا فيها ويكون لهم نصف الثمار. ثم أمر ابن رواحة بخرصها ليظهر نصيب اليهود من نصيبه صلى الله عليه وسلم؛ وليعلم قدر الزكاة في نصيبه صلى الله عليه وسلم، وخيرهم بين "أخذ التمر" بهذا الخرص ودفع قيمة ما يخص النبي صلى الله عليه ولم "أو دفعه إليه" وأخذ قيمة ما يخصهم منه حتى لا يكون هناك ظلم. (وقد) دل الحديث على أن خرص البلح يكون عند بلوغ صلاحه وأنه يكفي فيه العدل العارف الواحد. وبه قالت المالكية والحنبلية وبعض الشافعية. وقال بعضهم: لابد من اثنين. (وروى) سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تما. أخرجه أبو داود وبان ماجه وابن حبان والدارقطني والترمذي وقال: حسن غريب. وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة. وسألت البخاري عن هذا فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ. وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب أصح (¬1). {101} وفي الحديث انقطاع (¬2) (وحكمة) الخرص أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر، فلو منع رب المال من الانتفاع بالثمر إلى صلاحه لأضره ذلك. ولو انبسطت يده في الثمر لأخل ذلك بحق الفقراء. ولما كانت الأمانة غير متحققة عند كل واحد من أرباب الأموال وعمالهم وضع الشارع هذا الضابط ليتأتى لرب المال الانتفاع به مع حفظ حق المساكين (وفي الحديث) دليل على أن الزكاة لا تخرج عقب الخرص وإنما تخرج إذا صار الرطب تمرا والعنب ¬

(¬1) انظر ص 209 ج 9 - المنهل العذب المورود (خرص العنب) وص 286 ج 1 ابن ماجه (خرص النخل والعنب) وص 216 - الدارقطني. وص 17 ج 2 تحفة الأحوذى (الخرص) و (أسيد) بفتح فكسر. (¬2) (انقطاع) لأن سعيدا لم يدرك عتابا فإن سعيدا ولد سنة 15 هـ وعتابا مات سنة 13 هـ. قال النووي: هذا الحديث وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بقول الأئمة.

زبيبا. وهذا فيما شأنه أن يجفف من العنب والرطب، أما ما لا يجفف منهما كعنب مصر ورطب شمالها، فتجب فيه الزكاة عند النعمان قل أو كثر كسائر الفواكه وتخرج من عينه أو قيمته (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا زكاة فيه لعدم بقائه سنة علاج كثير. (وقالت) المالكية: يتصدق من ثمنه إن بيع وإلا فمن قيمته يوم طيبه ولا يجزئ الإخراج من عينه (وعن) سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث فإن لم تجذوا أو تدعوا فدعوا الربع. أخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه (¬1). {102} وقال الترمذي: والعمل على حديث سهل عند أكثر أهل العلم في الخرص. وفي رواية النسائي والترمذي والحاكم: إذا خرصتم فخذوا بالخاء، أي إذا قدرتم الثمار أيها الخارصون فخذوا ثلثي زكاة ما قدرتم عند الجذاذ واتركوا الثلث أو الربع لرب المال ليتصدق به على أقاربه وجيرانه. ويحتمل أن يكون المعنى: ارتكوا ثلث الثمرة فلا يؤخذ عليه زكاة رأفة بأرباب الأموال. والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي، فإن رأى الأكلة كثيرا ترك الثلث، وإن كانوا قليلا ترك الربع. (ولهذه) الأحاديث ونحوها قال مالك بوجوب الخرص في التمر والعنب سواء أكان شأنهما الجفاف أو لا كعنب مصر ولا يخص غيرهما في المشهور وفي إلحاق الزرع بهما عند عدم أمن أهله عليه قول مصحح. وقيل: يجعل عليهم حارس أمين. وهو قول صحيح (وإنما) خص التمر والعنب بالخرص على ¬

(¬1) انظر ص 13 ج 9 - الفتح الرباني (خرص النخل والعنب) وص 211 ج 9 المنهل العذب الموررود (الخرص) وص 344 ج 1 مجتبي (كم يترك الخارص؟ ) وص 17 ج 2 تحفة الأحوذي (الخر) وص 402 ج 1 متدرك (فجذوا) أي إذا قدر الخارص الثمار وعرفتم حق الله فيها فاقطعوا منها ما شئتم، وهو أمر إباحة.

المشهور لأن الشأن الاحتياج إليهما بالأكل والبيع والإهداء دون غيرها، فلو تركا بلا تخريص لغبن الفقرراء فلزم الحرص ليعرف ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وقدر الواجب. ويشترط أن يكون الخرص عند بدو الصلاح وأن يحتاج للأكل منهما رطبين فيخرص كل نخلة على حدة لأنه أقرب للصواب ويسقط الخارص ما تنقصه للجفاف فإن كان الباقي على تقدير الجفاف نصابا زكاه وإلا فلا. وإن تعدد الخاررصون واختلفوا في القدر عمل بقول الأعرف وإن اتحد الزمن وإلا فالأول. وإن استووا في المعرفة يؤخذ من قول كل بنسبته لمجموع عددهم (¬1) ثم بعد الخرص إن أصابته جائحة قبل جذاذه سقط حق ما تلف فإن بقى بعد ما تجب فيه الزكاة زكاه وإلا فلا. وإن زادت الثمرة بعد جذاذها على خرص عدل عارف وجب الإخراج عن الزائد (¬2). (وقالت) الشافعية والحنبلية: يسن خرص الرطب والعنب اللذين تجب فيهما الزكاة ولا مدخل للخرص في غيرهما لعدم التوقيف فيه ولعدم الإحاطة كالنخل والعنب. ويلزم خرص كل البستان، ولا يجوز الاختصار على رؤية بعضه وقياس الباقي به لأنها تتفاوت، فإن اختلف نوع التمر وجب خرص شجرة شجرة، وإن اتحد جاز خرصها واحدة واحدة وهو الأحوط وجاز أن يطوف بالجميع ثم يخرصه دفعة واحدة (¬3). (ويدل) أيضا على طلب الخرص قول أبي حميد الساعدي: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أخروا وخرص رسول الله ¬

(¬1) فلو خرص واحد البستان بمائة قنطار وآخر بثمانين وثالث بتسعين جمعت الأعداد وقسمت على ثلاثة فيكون الخارج وهو تسعون قنطارا المعول عليه. (¬2) انظر ص 555 ج 1 - الفجر المنير. (¬3) انظر ص 478 ج 5 - مجموع النووي.

صلى الله عليه وسلم عشرة أو سق فقال لها: أحصى ما يخرج منها" (الحديث) أخرجه البخاري (¬1). {103} (وقال) الحنفيون والثورى: لا يجوز الخرص، لأنه ظن وتخمين (ولحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخرص وقال: "أرأيتم إن هلك الثمر أيحب أحدكم أن يأكل مال أخيه بالباطل؟ " أخرجه الطحاوي وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه (¬2). {104} (وأجابوا): (أ) عن حديث عائشة بأن في سنده مجهولا. (ب) وعن حديث عتاب بأن فيه انقطاعا كما تقدم. (جـ) وعن حديث سهل بن أبي حثمة بأن فيه عبد الرحمن بن مسعود. قال ابن القطان: لا يعف حاله. ولذا قال أبو بكر بن العربي: لا يصح حديث سهل بن أبي حثمة ولا في الخرص حديث صحيح إلا حديث البخاري ويليه حديث ابن رواحة، وهو حديث عائشة. (د) وعن حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالخرص معرفة مقدار ما في نخل تلك المرأة خاصة ليأخذ منها الزكاة وقت القطع على حسب ما يجب عليها، وأيضا فقد خر حديقتها وأمرها أن تحى وليس فيه أنه جعل زكاة الثمر في ذمتها وأمرها أن تترف في ثمرها كيف شاءت. وإنما كان يفعل ذلك تخويفا لئلا يخونوا وأن يعرفوا مقدار ما في النخل ليأخذوا الزكاة وقت القطع. هذا معنى الخرص. فأما أنه يلزم به حكم شرعي فلا (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 221 ج 3 فتح الباري (خر الثمر) و (تبوك) موضع بين المدينة ودمشق. وغزوتها كانت في رجب سنة تسع من الهجرة (أنظر بيانها بهامش ص 313 وما بعدها ج 6 - الدين الخالص) و (أحصى) أي احفظي عدد كيلها. وفي رواية: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر ص 318 ج 1 - شرح معاني الآثار. (¬3) انظر ص 69 ج 9 - عمدة القارئ.

(وأجاب) الجمهور: (أ) بأن هذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال فقد قويت بعمل الأمة بمقتضاها. (ب) وأن العمل بالخرص بقى طوال حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به أبو بكر رضي الله عنهما (روى) سهل بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: "إذا أتيت أرضا فأخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون" أخرجه الحاكم (¬1). (قال) الخطابي: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان ذلك الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا، وذلك أنه ظن وتخمين وفيه غرر، وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار. (قلت) العمل بالخرص ثابت وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم وبقى الخرص يعمل به رسول الله صلى الله وسلم طول عمره، وعمل به أبو بكر وعمر. وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به، لم يذكر عن أحد منهم فيه خلاف. فأما قولهم إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار بالخرص الذي هو نوع من المقادير كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين (¬2). (ومنه) يعلم أن الراجح القول بمشروعية الخرص في البلح والعنب أخذا بظاهر الأحاديث. (8) ضم الحبوب والثمار: أجمع العلماء على أن الصنف الواحد من الحبوب والثمر يجمع جديده إلى رديئة وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كل واحد منهما، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه. واختلفوا في ضم الحبوب المختلفة: ¬

(¬1) انظر ص 403 ج 1 مستدرك. (¬2) انظر ص 44، ص 45 ج 2 معالم السنن (الخرص).

(فقالت) المالكية: تضم القطاني السبع بعضها إلى بعض، وهي العدس والحمص والبسلة والجلبان والترمس واللوبيا والفول. وروى عن أحمد (وكذا) يضم عند المالكية القمح والشعير والست لأنها جنس واحد في الزكاة. فإذا اجتمع منها خمسة أوسق زكاها وأخرج من كل بحسبه ويجرئ إخراج الأعلى منها أو المساوي لا الأدنى عن الأعلى. وكذا تضم أصناف التمر والزبيب بعضها لبعض، ولا يضم غير ما ذك من دخن وذرة وأرز وزيتون وحب فجل أحمر وسمسم وقرطم لأن كلا منها جنس على حدة. وإنما يضم صنف لآخر إن زرع أحدهما قبل وجوب زكاة الآخر بإفراكه وبقى من حب الأول إلى وجوبها في الثاني ما يكمل به مع الثاني نصاب كأن يبقى من الأول وسقان إلى وجوب زكاة الثاني وقد بلغ ثلاثة أوسق فيضم الأول وللثاني ويزكيان لأنهما كفائدتين جمعهما ملك وحول (¬1). (وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد في رواية: لا يضم شيء من الحبوب إلى غيره ولا من الثمار لعدم قيام الدليل على الضم (قال) ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا تضم الإبل إلى البقر ولا إلى الغنم ولا الثمر إلى الزبيب فكذا لا ضم في غيرها؛ وليس للقائلين بضم الأجناس دليل صحيح صريح فيما قالوه (¬2). (9) زكاة الزيتون والرمان: قال الله تعالى: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 555 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 511 ج 5 - مجموع النووي. (¬3) الأنعام، آية: 141. و (أنشأ) أي خلق (جنات معروشات) أي بساتين وغيرها ممسوكات مرفوعات (وغير معروشات) أي غير مرفوعات (قال) أبن عباس: (معروشات) ما انبسط على الأرض مما يعرش مثل الكروم والزرع والبطيخ (وغير معروشات) ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار (مختلفا) في الخلق والطعم (أكله) طعمه وحبه (متشابها) =

(قال) أنس وابن عباس والنعمان وغيرهم: المراد بالحق هنا الزكاة المفروضة- العشر ونصف العشر- ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك وبه قال بعض الشافعية. ولذا قال النعمان: تجب الزكاة في كل ما تنبت الأرض طعاما وغيره- بلا شرط نصاب- ومنه الزيتون والرمان. وإليه مال ابن العربي في أحكامه فقال: وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق وعضد مذهبه وقواه (¬1). (وقال) مالك: تجب الزكاة في الزيتون إن بلغ حبه نصابا وهو رواية عن ¬

= ورقة وثمره حال مما قبله (وغير متشابه) طعمه ولو وريحه وجرمه (وءاتوا حقه) أي زكاته (وقيل) هو إطعام من حضر وترك ما قط من الزرع والثمر للفقراء (يوم حصاده) أي وقت تيسر الإخراج منه 8 فيما لا يتوقف على تصفية كالعنب والزيتون والنخل. وأما ما لا يحتاج إلى تصفية كالحبوب فالمعنى وءاتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد الدرس والتذرية. ... (هذا) وقد اختلف في الآية. أهي محكمة أم منسوخة أم محمولة على الندب؟ فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد والنعمان ومن وافقهم إلى أنها محكمة وأنه يجب على الزارع يوم الحصاد أن يعطي من حضر من المساكين حقهم من الزكاة. (وقال) الحسن والنخعي إنها منسوخة بالزكاة ويؤيده أن هذه الآية مكية وآية الزكاة مدنية نزلت في السنة الثانية من الهجرة وإليه ذهب الجمهور من السلف والخلف. وقال بعضهم: الآية محمولة على الندب لا على الوجوب. ... (روى) حبان الأعرج عن جابر بن زيد في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: الزكاة المفروضة. أخرجه البيهقي وقال: ويذكر نحو هذا عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن الحنفية ومالك بن أنس (وذهب) جماعة من التابعين إلى أن المراد به بغير الزكاة المفروضة. ... (روى) نافع عن ابن عم في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: كانوا يعطون من اعتراهم شيئا سوى الصدقة (انظر ص 132 ج 4 بيهقي) (وروى) سالم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: كان قبل الزكاة فلما نزلت الزكاة نسختها. قال فيعطي منه ضغثا (قبضة من السنبل وغيره) ويذكر عن السدى أنها مكية نسختها الزكاة (انظر ص 133 ج 4 بيهقي). ... (وروى) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أو سق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين. أخجه أحمد وأبو داود بسند جيد (أنظر ص 305 ج 9 - المنهل العذب المورود) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل نخل يقطع من ثمره عشرة أوسق بعذق يعلق في المسجد ليأكل منه المساكين. والأمر هنا للندب عند الجمهور. (¬1) انظر ص 101 ج 7 تفسير القرطبي.

أحمد. تخرج الزكاة من زيته- وإن قل- إن كان له زيت وأمكن معرفة قدر الزيت ولو بالتحري أو بإخبار موثوق به فلا يخرج حينئذ من حبه أو ثمنه أو قيمته. وإن لم يكن له زيت كالزيتون الأخضر أو كان ولم يكن معرفة قدره تخرج الزكاة من قيمته إن أكله أو أهداه ومن ثمنه إن باعه. وإن لم يكن ما ذكر من القيمة والثمن نصابا إذ العبرة بنصاب الحب فإن لم يكن الحب نصابا فلا زكاة فيه. وأما حب الفجل الأحمر والقرطم والسمسم فيجوز الإخراج من زيتها وحبها (¬1). (والصحيح) عند الشافعية والحنبلية أنه لا زكاة في الزيتون، وبه قال أبو يوسف ومحمد لأنه لا يدخر يابسا فأشبه الخضراوات ولأنه لم يرد بالآية الزكاة لأنها مكية. والزكاة فرضت بالمدينة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده ونصابه خمسة أوسق (¬2) لكن تقدم أنه قيل: إن الزكاة فرضت بمكة إجمالا وبينت بالمدينة تفصيلا (¬3). (وقال) ابن رشد: وسبب اختلافهم هل الزيتون قوت أو ليس بقوت؟ ومن هذا الباب اختلاف أصحاب مالك في إيجاب الزكاة في التين أو عدم إيجابها. وذهب بعضهم إلى أن الزكاة تجب في الثمار دون الخضر وهو قول ابن حبيب لقوله تعالى: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات" الآية. ومن فرق في الآية بين الثما والزيتون فلا وجه لقوله إلا وجه ضعيف (¬4) (وهو) بهذا يميل إلى ما قاله النعمان. واختار القرطبي قول الجمهور قال: إن الزكاة إنما تتعلق بالمقتات دون الخضراوات، وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأترج فما ثبت أن النبي صلى الله عليه ولم أخذ منها زكاة ولا أحدا من خلفائه. وهذا هو الصحيح في المسألة (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 546 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 553 ج 9 - شرح المقنع. (¬3) تقدم ص 106 (وقت افتراض الزكاة). (¬4) انظر ص 233 ج 1 بداية المجتهد (ما تجب فيه الزكاة). (¬5) انظر ص 101 ج 7 تفسير القرطبي (والفرسك) بكر فسكون فكسر: الخوخ أو نوع منه.

(10) إخراج الطيب: ينبغي للمزكي أن يتحرى دفع الطيب الوسط من ماله في الزكاة ويتجنب دفع الردئ لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد" (¬1). المعنى أن الله تعالى يأمر عباده المؤمنين بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وينهاهم عن التصدق بردئ المال ودنيئه فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. ولذا قال: "ولا تيمموا الخبيث" أي لا تقصدوا المال الرديء فتخصوه بالإنفاق. ففي الآية الأمر بالتصدق بالطيب دون الردئ سواء الصدقة المفروضة والتطوع، وأنه ينبغي لرب المال أن يعطي الصدقة ولو تطوعا من أفضل ماله كسبا ونوعا، فإن ذلك أقرب إلى القبول وأجدر بالثواب العظيم، ¬

(¬1) سورة البقرة آية: 267 "ولستم بآخذيه" أي لو أعطيتموه ما أخذتموه "إلا أن تغمضوا فيه" أي تتغاضوا في أخذه والله الغني عنه. فلا تجعلوا لله ما تكرهون" واعلموا أن الله غني حميد" أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها وما ذاك إلا أن يواسي الغنى الفقير كقوله تعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وهو غني عن جميع خلقه وكلهم فقراء إليه وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب فليعلم أن الله غني واسع العطاء كيم جواد وسيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة وهو المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره لا إله غيره ولا رب سواه. ... (روى) عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" قال: من الذهب والفضة "ومما أخرجنا لكم من الأرض" يعني من الحب والثمر وكل شيء فيه زكاة. أخرجه ابن جرير في تفسيره (انظر ص 54 ج 3) وقال البراء: كانت الأنصار يعطون في الزكاة الشيء الدون من الثمر فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" الآية. فالدون هو الخبيث. ولو كان لك على إنان شيء فأعطاك شيئا دونه فقد نقصك بعض حقك قبلته فهو الإغماص (انظر ص 136 ج 4 بيهقي- يحرم على صاحب المال أن يعطي الصدقة من شر ماله).

قال الله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا" (¬1). (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه وأخذها بيمينه ورباها كما يربى أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله، أو قال: في كف الله، حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح (¬2). {105} (11) دفع القيمة: يجوز عند الحنفيين دفع القيمة في زكاة الماشية والزروع والنذر وصدقة الفطر والكفارات غير الإعتاق، فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض صح. وهذا في غير المثلى فلا تعتبر القيمة في نصاب مكيل أو موزون. ولو نذر التصدق بهذا الخبز مثلا فإنه يجوز التصدق بقيمته (لما روى) طاوس "أن معاذا قال لأهل اليمن: إيتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة" أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم الدال على صحته عنده (¬3). {106} ¬

(¬1) آخر سورة المزمل. (¬2) انظر ص 44 ج 9 - الفتح الرباني (كراهة تيمم الخبيث ودفعه في الصدقة) وص 290 ج 1 - ابن ماجه (فضل الصدقة) وص 22 ج 2 تحفة الأحوذى. وتقدم الحديث بلفظ آخر رقم 15 ص 115 (فضل الصدقة). (¬3) انظر ص 200 ج 3 فتح الباري (العرض في الزكاة) والعرض- بفتح فسكون ما عدا النقدين وقد وصل الحديث البيهقي وابن أبي شيبة من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس. انظر ص 113 ج 4 بيهقي (من أجاز أخذ القيم في الزكوات) (والخميص) ثوب من خز، له علمان (وقول) النووي: إن المراد من هذا أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة (يرده) تصريح معاذ بقوله: في الصدقة. وقوله: مكان الذرة والشعير. ولا مدخل لهما في الجزية (وقول) البيهقي: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلا فلا حجة فيه (يرده) أن المرسل حجة عند الحنفيين ومن يقول بقولهم (وقول) غيرهما: إن أثر معاذ فعل صحابي لا حجة فيه (يرده) أن معاذا كان أعلم الناس بالحلال والحرام. وقد بين له النبي صلى الله عليه ولم ما يصنع. فلا يعمل هذا إلا بتوقيف وإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم.

(ولما) في كتاب الصديق رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر" (الحديث) وفيه: فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين دررهما" (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي، وهذا من رواية النائي (¬1). {107} وهذا نص في جواز دفع القيمة لما تقدم عن الحنفيين أن تقدير الفضل بالعشرين درهما أو الشاتين لأنه كان قيمة التفاوت حينئذ وابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك (وقال) أبي بن كعب: بعثني النبي صلى الله عليه ولم مصدقا، فمررت برجل فقال: "هذه ناقة فتية عظيمة" (الحديث) وفيه: "فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك" (الحديث) أخرجه أحمد والحاكم وصححه. والبيهقي وأبو داود (¬2). {108} أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الناقة تطوع وبعضها فرض مكان بنت مخاض وليس في فروض الصدقات بعض ناقة فثبت أنه صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) تقدم رقم 42 ص 145 (ما يؤخذ في الزكاة عند عدم الن المطلوب). (¬2) تقدم تاما رقم 50 ص 155 (توقي كريم المال في الزكاة).

أخذها على وجه البدل (¬1) (هذا) وتعتبر القيمة في الوائم يوم الأداء عند الحنفيين وكذا في غيرها عند أبي يوسف ومحمد. وقال النعمان: تعتبر يوم الوجوب. (وللمالكية) هنا أقوال: جواز القيمة مطلقا وعدم الجواز مطلقا، وجواز إخراج الذهب والفضة عن الحرث والماشية فقط مع الكراهة وعدم الجواز فيما عدا ذلك. (وقالت) الشافعية: تجب الزكاة من عين المال المزكى، ولا تجزئ القيمة إلا عند عدم الجنس المطلوب (لحديث) عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله علبيه وعلى آله ولم بعثه إلى اليمن فقال: "خذ الحب من الحب والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر" أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء عن معاذ فإني لا أتقنه (¬2). {109} (وبهذا) قالت الحنبلية، إلا أن لهم في إخراج أحد النقدين عن الآخر قولين بالجواز والمنع. (وأجاب) الحنفيون بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم إلى آخره. ونصه على بنت المخاض وغيرها، إنما هو لبيان ما هو أيسر على صاحب المال؛ فلا ينافي جواز دفع القيمة باختيار المالك. ¬

(¬1) أنظر ص 114 ج 4 - الجوهر النقي. (¬2) انظر ص 203 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الزرع) و 285 ج 1 ابن ماجه (ما تجب فيه الزكاة) وص 112 ج 4 بيهقي (لا يؤدي من ماله إلا ما وجب عليه) وص 388 ج 1 مستدرك (فإني لا أتقنه) أتقن غيره أن عطاء لم يسمع من معاذ لأنه ولد بعد موته. قال البزار: لا نعلم أن عطاء مع من معاذ.

(12) هل في العسل زكاة؟ : لا زكاة فيما يخرج من الحيوان إلا العسل فقد اختلف فيه (قال) الحنفيون وأحمد وإسحق: يجب فيه العشر (لحديث) سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعى قال قلت: يا رسول الله إن لي نحلا. قال: أد العشر. قلت: يا رسول الله، أحمها لي. فحماها لي" أخرجه أحمد وابن ماجه والببيهقي وقال: هذا أصح ما روى في وجوب العشر في العسل، وهو حديث منقطع (¬1). {110} (قال) الترمذي: سألت البخاري عن هذا، فقال: حديث مرسل، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وليس في زكاة العسل شيء يصح (¬2). (وعن) عمرو بن الحارث بسنده إلى ابن عمرو قال: جاء هلال أحد بنى متعان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة، فحمى له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك، فكتب عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فأحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء" أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وحسنه ابن عبد البر، وقال الحافظ: إسناده صحيح إلى عمرو (¬3). {111} ¬

(¬1) انظر ص 17 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة العسل) وص 187 ج 1 - ابن ماجه وص 126 ج 4 بيهقي (والمتعي) بضم ففتح (واحمها) أي أحفظ لي مرعاها حتى لا يرعاها الناس. و (منقطع) أي حذف منه غير الصحابي. (¬2) انظر 126 ج 4 بيهقي (ما ورد في العسل). (¬3) انظر 205 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة العسل) وص 346 ج 1 مجتبي (زكاة النحل) و 126 ج 4 بيهقي. وص 223 ج 3 فتح الباري (العشرر فيما يسقى من ماء السماء) و (بنو متعان) بضم فسكون: قبيلة (وسلبة) بفتحات أو بفتح فسكون: وادلهم (ولي عمر) من باب ورث، أي تولى الخلافة، وبضم الواو فشد اللام مكسورة، أي جعل واليا (وسفيان بن وهب) هكذا هنا. وروى سفيان بن عبد الله وهو الصواب فإنه هو الذي كان عامل عمر على الطائف (والمراد بالذباب) النحل وأضيف إلى الغيث (المطر) لأنه يرعى ما ينبت به.

(وهذا) إذا أخذ العسل من أرض عشرية، وإن أخذ من أرض خراج فلا تجب فيه زكاة عند الحنفيين، لأنه قد وجب على مالكها الخراج بزرعها فلا يجب فيها حق آخر لأجلها. وأرض العشر لم يجب في ذمته حق عنها، فلذا وجبت الزكاة فيما يكون منها. وقد تقدم أن محققي الحنفيين يرون أنه لا مانع من الجمع بين الخراج وغيره. وسوى الإمام أحمد بين الأرضين في ذلك. (هذا) وهل للعسل نصاب؟ فيه خلاف (فقال) النعمان: لا نصاب له فتجب الزكاة في قليله وكثيره لإطلاق الأحاديث (وقال) أبو يوسف: لا زكاة فيه حتى يبلغ عشر قرب كل قربة خمسون رطلا عراقيا (¬1) (لحديث) عبد الله بن عمرو أن بني شبابة كانوا يؤدون إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن نحل كان لهم العشر من كل عشر قرب قربة" أخرجه الطبراني وأخرج نحوه أبو داود والبيهقي (¬2). {112} (وقال) محمد بن الحسن: لا زكاة في العسل حتى يبلغ خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا عراقيا (وقال) أحمد والزهري: لا زكاة فيه حتى يبلغ ¬

(¬1) الرطل العراقي ثلاثون ومائة درهم وتمامه يأتي في بحث قدر الصاع (من زكاة الفطر) إن شاء الله. (¬2) انظر ص 6 ج 2 فتح القدير. وص 207 و 208 ج 9 - المنهل العذب الموود (زكاة العسل) وص 128 ج 4 بيهقي (وبنو شبابة) بطن من قبيلة فهم.

عشرة أفراق (لما روى) عن عمر أن أناسا قالوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل وإنا نجد ناسا يسرقونها، فقال عمر: إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم" أخرجه الجوزجاني (¬1). قالوا: هذا تقدير من عمر رضي الله عنه، فيتعين المصير إليه. (ورد) بأنه لم يقم دليل على اعتبار النصاب في العسل. وغاية ما في حديث القرب أنه كان أداؤهم من كل عشر قرب قربة وهو فرع بلوغ عسلهم هذا المبلغ. أما النفي عما هو أقل من عشر قرب فلا دليل عليه (¬2) ويقال مثله في أثر الأفراق. (وقال) مالك والشافعي والثورى: لا زكاة في العسل قل أو كثر. وروى عن ابن عمر وعلي والجمهور لأنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن، (ولقول) عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمعنى: أن لا تأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (¬3). (وقال) يحيى بن آدم: حدثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: ليس في العسل زكاة. قال يحيى: وسئل حسن ابن صالح عن العسل فلم ير فيه شيئا، وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئا. أخرجه البيهقي (¬4). (وأجابوا) عن الأحاديث السابقة: (أ) بأنها ضعيفة لا تقوم بها حجة. (ب) وبأن هلالا المتعانى تطوع بما دفعه. ¬

(¬1) انظر ص 578 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 7 ج 2 فتح القدير. (¬3) انظر ص 72 ج 2 زرقاني الموطأ (صدقة الرقيق والخيل والعسل) وص 127 ج 4 بيهقي. (¬4) انظر ص 127 منه (ما ورد في العسل).

(روى) صالح بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا "أن هلال بن سعد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعسل، فقال: ما هذا؟ فقال: هدية. فأكل النبي صلى الله عليه وسلم. ثم جاء مرة أخرى فقال: ما هذا؟ فقال: صدقة. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذها ورفعها ولم يذكر عند ذلك عشورا ولا نصف عشور إلا أنه أخذها" فكتب عثمان بن محمد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز قال: فكنا نأخذ ما أعطونا من شئ ولا نسأل عشورا ولا شيئا فما أعطونا أخذنا. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (قال) الحافظ: لفن إسناد الأول أقوى إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب (¬1). (وقال) ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع. فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور (¬2). (هذا) وسبب اختلافهم اختلافهم في تصحيح حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في العسل: في كل عشرة أزق زق. أخرجه التمذي وقال: في إسناده مقال ولا يصح في هذا الباب كبير شيء. والطبراني في الأوسط والبيهقي وقال: تفرد به صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف (¬3). {113} ¬

(¬1) انظر 223 ج 3 فتح الباري. وص 207 ج 9 - المنهل العذب المورود (الشرح) و (إسناد الأول) يعني حديث هلال رقم 111 ص 225. (¬2) انظر ص 223 ج 3 فتح الباري. وقال: وما نقله عن الجمهور مقابلة قول الترمذي - بعد أن أخرج حديث ابن عمر (رقم 113) - والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. وأشار شيخنا إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى. (¬3) انظر ص 8 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة العسل) وص 17 ج 3 مجمع الزوائد، ولفظه: في العسل العشر في كل ثني عشرة قربة وليس فيما دون ذلك شيء. و 126 ج 4 بيهقي (وأزق) - بفتح فضم فشد- جمع زق- بكسر فشد- وهو ظرف من جلد يجعل فيه السمن والعسل.

(هـ) المعدن والركاز

ومما تقدم يعلم أن الصحيح القول بعدم وجوب الزكاة في العسل. (قال) أبو الطيب صديق بن حسن: ولم يكن من العادة النبوية أخذ الزكاة من الخيل والرقيق والبغال والحمير والبقول والبطيخ والخيار والعسل والفواكه التي لا تدخل المكيال ولا تصلح للادخار إلا الرطب والعنب، فإنه كان يأخذ الزكاة منها لا يفرق بين الرطب واليابس (¬1). (هـ) المعدن والركاز المعدن- بفتح فسكون فكسر- مأخوذ من العدن، وهو الإقامة، ومنه قوله تعالى: "جنات عدن" وعرفا- عند الحنفيين والمالكية والحنبلية- هو ما خلقه الله تعالى في الأرض من ذهب أو فضة أو نحا أو رصاص أو مغرة أو كبريت أو نحوها، كالبلور والعقيق والزرنيخ والنفط (زيت البترول). (والكنز) مأخوذ من كنز المال إذا جمعه. وعرفا- عند الحنفيين- اسم لمال دفنه بنو آدم في الجاهلية أو الإسلام. (والركاز) لغة مأخوذ من الركز بمعنى الإثبات. وشرعا- عندهم- اسم لمال ركزه الخالق أو المخلوق في الأرض. (والركاز) - عند مالك وأحمد- ما يوجد في الأرض أو على وجهها من دفائن الجاهلية ذهبا أو فضة أو غيرهما. (وقالت) الشافعية: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله فيه من الذهب والفضة فقط (والركاز) دفين الجاهلية، فهو خاص بالكنز عند مالك والشافعي وأحمد. (قال) مالك رضي الله عنه: الأمر الذي سمعت أهل العلم يقولون: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه ¬

(¬1) انضر ص 129 - الروضة الندية (زكاة النبات).

نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة. فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز. وذكره البيهقي (¬1). (وقال) الحنفيون: الركاز يعم الكنز والمعدن (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الركاز الذهب الذي ينبت في الأرض" أخرجه أبو يعلي والبيهقي. (وروى) من طريق آخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الركاز الخمس. قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت" أخرجه البيهقي وقال: تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف جدا جرحه أحمد ويحيى بن معين وجماعة (¬2). {114} فهذا يدل على أن الركاز هو المعدن. ثم الكلام هنا ينحصر في سبعة فروع: (1) المستخج من المعدن: هو ثلاثة أقسام: (أ) مائع كالقار (الزفت) والنفط (زيت البترول) والملح المائي. (ب) جامد لا ينطبع بالنار كالجص والنورة، والجواهر كالياقوت والفيروزج والزمرد، وهذان لا زكاة فيهما عند الثلاثة لعدم ما يدل على وجوب الزكاة فيهما. (وقال) أحمد: فيهما الزكاة لعموم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض" (¬3)، ولأنه معدن من غير جنس الأرض فتتعلق به الزكاة كالأثمان، فيجب في قيمته ربع العشر إذا بلغ نصابا في الحال (¬4). ¬

(¬1) انظر 47 ج 2 زرقاني الموطأ (زكاة الركاز) وص 155 ج 4 بيهقي (ودفن) - بكسر فسكون- أي مدفون. (¬2) انظر ص 78 ج 3 مجمع الزوائد (الركاز والمعادن) و 152 ج 4 بيهقي (المعدن ركاز فيه الخم). (¬3) سورة البقرة: آية 267. (¬4) انظر ص 580 ج 2 شرح المقنع.

(جـ) جامد ينطبع ويذوب بالنار كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص، وفيه الخمس عند الحنفيين إذا استخرج من أرض خراج أو عشر أو صحراء لقوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة" (¬1) ولا شك في صدق الغنيمة على هذا المال فإنه كان في أيدي الكفرة، وقد أوجف عليه المسلمون فكان غنيمة (ولحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار، والعجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس" أخرجه السبعة، وهذا لفظ مسلم (¬2). . {115} ... والزكاة يعم المعدن والكنز كما قلنا فكان إيجاب الخمس فيه إيجابا فيهما. ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطف الركاز عليه بعد إفادة أنه جبار، أي هدر لا شيء فيه وإلا لتناقض فإنه الحكم المعلق بالمعدن ليس هو المعلق به في ¬

(¬1) سورة الأنفال: الآية 41. (¬2) انظر ص 25 ج 9 - الفتح الرباني (الركاز والمعدن) وص 234 ج 3 فتح الباري (فر الركاز الخمس) وص 226 ج 11 نووي وص 322 ج 4 عون المعبود (العجماء والمعدن والبئر جبار- الديات) وص 345 ج 1 مجتبي (المعدن) وص 16 ج 2 تحفة الأحوذي (العجماء جرحها جبار) وص 77 ج 2 - ابن ماجه (الجبار) و (العجماء) بالمد: كل حيوان سوى الآدمي. وقال أبو داود: العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد بالنهار لا بالليل (والجبار) بضم ففتح مخففا: الهد، يعني أن ما أتلفته البهيمة هدر. هذا محمول على ما أتلفته نهارا أو ليلا بلا تفريط من مالكها أو أتلفت شيئا وليس معها أحد. أما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفت شيئا فعلى من معها الضمان وإذا أتلفت آدميا وجبت ديته على عاقلة من معها والكفارة في ماله عند الشافعي (وقال) مالك والليث: لا ضمان فيما أصابته بيدها أو رجلها. ... (وقال) الحنفيون لا ضمان فيما نفحت برجلها دون يدها لإمكان التحفظ من اليد دون الرجل وإذا كانت معروفة بالإفساد ولم يكن معها أحد وأتلفت شيئا بالنهار ضمنه مالكها لأن عليه ربطها حينئذ وإن انفلتت ليلا أو نهارا فأتلفت شيئا فلا ضمان عند الحنفيين. ... (وقال) مالك: يضمن صاحبها ما أتلفته (وقالت) الشافعية: إن فرط في حفظها ضمن وإلا فلا وكذلك المعدن والبئر إذا هلك الأجير فيهما فدمه هدر لا يطالب به. والمراد بالعجماء: الدابة المنفلتة ليس معها قائد ولا سائق. وبالبئر: ما يحفره الإنسان في ملكه فيتردى فيها إنسان فيكون هدرا.

ضمن الركاز ليختلف بالسلب والإيجاب، إذ المراد به إهلاكه الأجير الحافز له أو هلاكه به غير مضمون، لا أنه لا شيء فيه نفسه وإلا لم يجب شيء أصلا وهو خلاف المتفق عليه (¬1). (وقال) أحمد: تجب الزكاة في كل أنواع المعدن إن بلغ نصابا بنفسه أو قيمته بلا اشتراط حول لعموم قوله تعالى: (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ولقول الشافعي رضي الله عنه: أنبأ مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية. ومن ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. أخرجه مالك والبيهقي والشافعي وقال: ليس هذا مما يثبت هل الحديث ولو أثبتوه لم تكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلا إقطاعه. فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه (¬2). (وإنما) لم يعتبر له الحول لحوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار، ولأن النماء يتكامل فيه بالوجود والأخذ فهو كالزرع. إذا ثبت هذا فإنه يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك إهمال، فإن أخرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما، وإن بلغ مجموعهما نصابا لفوات الشرط، وإن بلغ أحدهما نصابا دون الآخر، ركي النصاب وحده، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالأثمان والخارج من الأرض. فأما ترك العمل ليلا وللاستراحة أو لعذر من مرض أو لإصلاح الأداة أو إباق خادم ونحوه، فلا يقطع حكم العمل وإن كان مشتغلا بالعمل فخررج بين المعدنين تراب لا شيء فيه (¬3). ¬

(¬1) أنظر ص 537 و 538 ج 2 فتح القدير (المعدن والركاز). (¬2) انظر ص 152 ج 4 بيهقي (زكاة المعدن ومن قال المعدن ليس بركاز) و (القبلية) بفتحتين فكر نسبة إلى قبل (بفتحتين) وهو ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام وقيل هي من ناحية الفرع (بضمتين) وهو موضع بين نحلة والمدينة (انظر ص 226 ج 3 نهاية). (¬3) انظر ص 528 ج 2 شرح المقنع

(وقال) مالك والشافعي: تجب الزكاة في معدن الذهب والفضة فقط إذا بلغ نصابا. وإن لم يحل عليه الحول (لحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (ابن عمرو) أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "لا زكاة في حجر" أخرجه ابن عدى في الكامل والبيهقي (¬1). {116} ورواه من طريقين آخرين موقوفا ومرفوعا وقال: رواة هذا الحديث النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر له حكما آخر , ذكره بالاسم الآخر وهو الركاز. ولفظ الحديث في صحيح كما تقدم: والبئر جبار , وفي الركاز الخمس , فلو قال: وفيه الخمس لحصل الالتباس بأحتمال عود الضمير إلى البئر (¬2). ... (ويؤيده) ما روى عن على رضى الله عنه أنه جعل المعدن ركازا وأوجب فيه الخمس. أخرجه حميد بن زنجويه النسائي (¬3). (2) مكان المعدن: هو ثلاثة اقسام: ... (الأول) ما يجده المسلم أو الذمى في داره أو ملكه. ولا شئ فيه عند النعمان وأحمد إلا إذا حال عليه الحول وهو نصاب ففيه الزكاة. (وقال) أبو يوسف ومحمد: يجب الخمس في الحال. (وقال) مالك والشافعي: تجب فيه الزكاة في الحال. ... (الثانى) ما يجده فلاوة أو جبل أو موات ففيه الخمس وباقيه للواجد. ... (الثالث) ما يستخرج من البحر , فلا همس ولا زكاة فيه عند النعمان ¬

(¬1) انظر ص 146 ج 4 بيهقى (مالا زكاة فيه من الجواهر غي الذهب والفضة). (¬2) أنظر ص 152 ج 4 - الجوهر النفى. (¬3) أنظر ص 103 ج 9 عمدة القارى (في الكاز الخمس) وقال الطحاوى في احكام القرآن: وقد كان الزهري-وهو راوى حديث الركاز -يذهب إلى وجوب الخمس في المعادن (روى) يونس عن الزهرى: في الركاز المعدن واللؤلؤ يخرج من البحر والعنبر من ذلك الخمس (أنظر ص 154 ج 4 - الجوهر النقى).

ومحمد مالك , وهو المشهور عن أحمد (لقول) أبن عباس رضى الله عنهما: " ليس في العنبر زكاة انما هو شئ دسرة البحر " أخرجه البيهقي وعلقه البخاري (¬1). (وقال) جابر: " ليس في العنبر زكاة وانما هو غنبمة لمن أخذه " أخرجه ابن أبى شيبه (¬2). (وقال) الشافعي: تجب الزكاة في الذهب والفضة فقط. (3) مكان الركاز: هو ثلاثة أقسام: ... (الأول) أن يجده مسلم أو ذمي ولو غير مكلف في موات أو ارض - لا يعلم مالكها - ولو على وجهها أو في طريق غير مسلوك , ففيه الخمس اتفاقا (لقول) ابن عمرو رضى الله عنهما: سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: " ما كان في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الكاز الخمس " أخرجه النسائي (¬3). {117} (الثاني) أن يجده في ملكه المنتقل إليه ولم يعلم انه دفين المسلمين فهو له عند أنى يوسف وهو الأصح عن أحمد , لان الركاز لا يملك بملك الأرض لانه ¬

(¬1) أنظر ص 146 ج 4 بيهق (ما لا زكاة فيه مما أخذ من البحر). وص 96 ج 9 عمدة القارئ (والعنبر) بفتح فسكون: نوع من الطيب (ودسره) أى دفعه ورمى به إلى الساحل " وأما " ماروى طاوس أن ابن عباس سئل عن العنبر: أفيه زكاة؟ فقال: أن كان فيه شئ ففيه الخمس " فقد " أخرجه البيهق وقال: فابن عباس علق القول فيه في هذة الرواية وقطع بأن لا زكاة فيه في الروايه الأولى. فالقطع أولى (أنظر ص 146 ج 4 بيهقى). (¬2) انظر ص 97 ج 9 عمدة القارى (ما يتخرج من البحر). (¬3) أنظر ص 345 ج 1 مجبي (المعدن) و (مأتى) كمرمي اسى مسلوك و (عرفها) أمر من التعريف وهو اعلام الناس باللقطة (والا فلك) أي أن لم يظهر مالكها فهيا لك. وهذا إذا كان فقيرا. أما الغنى فلا يملكها بلى يعطيها للفقراء.

مودع فيها وانما يملك بالظهور عليه وواجده قد ظهر عليه فاستحق أنا يملكه , إلا أن ادعى المالك الذى انتقل عنه الملك انه له فالقول قوله, لان يده كانت عليه يبعا لملكه , وأن لم يدعه فهو لواجده (وقال) النعمان ومحمد: هو الأول مالك للأرض أو لورثته أن عرف والا وضع في بيت المال. ... (وقال) الشافعى: هو للمالك قبل أن اعترف به , والا فهو لمن قبله كذلك إلى أول مالك , وهو رواية عن أحمد. وان انتقلت الأرض بالميراث حكم بأنه ميراث , فأن اتفقت الورثه على أنه لم يكن لمورثهم فهو لأول مالك , فان لم يعرف فهو مال ضائع يوضع في بيت المال , وان اختلفت الورثه فأدعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض , فكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذى لم يعترف به وحكم المدعى حكم المالك المعترف (¬1). ... (الثالث) أن يجده في ملك مسلم أو ذمي فهو لصاحب الملك عند النعمان ومحمد بن الحسن وهو رواية عن أحمد , وعنه أنه لواجده واستحسنه أبو يوسف , لان الكنز لا يملك بملك الأرض على ما تقدم إلا أن ادعاه المالك فالقول له , لأن عليه تبعا للملك وان لم يدعه فهو لواجده. ... (وقال) الشافعي: هو لمالك الدار أن اعترف به والا فهو لأول مالك. وان استأجر حفارا ليحفر له طلبا للكنز فوجده فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك , وان استأجره لأمر غير طلب الكنز فهوا لواجده , وقيل لمالك الأرض (¬2). (4) ما يجب في الركاز: الركاز إذا كان دفين الجاهلية بأن كان عليه صورة صم أو صليب أو كان ضرب الجاهلية ففيه الخمس اتفاقا , سواء أكان ذهبا أم فضه أم رصاصا أم زئبقا , أم كان من غير جنس الأرض أم لا ينطبع وأربعة أخماسه ¬

(¬1) أنظر ص 588 إلى 590 ج 2 شرح المقنع. (¬2) أنظر ص 590 منه.

لأقدم مالك للأرض - عند النعمان ومحمد بن الحسن ومالك والشافعي - أن عرف المالك ووجد الركاز في دار أو أرض مملوكتين له وأن كان ميتا فلورثته أن عرفوا وإلا يوضع في بيت المال (وقال) أبو يوسف وأحمد: أربعة أخماس الركاز للواجد ما لم يدعه مالك الأرض , فان ادعى أنه ملكه فالقول قوله اتفاقا (¬1). (ودليل) ذلك فول ابن عباس رضى الله عنهما: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس " أخرجه أحمد وابن أبى شيبة بسند جيد (¬2). {118} ... (وعن) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال - في كنز وجده رجل في خربة جاهليه -: أن وجدته في قريه مسكونة أو سبيل مؤتاة فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس. أخرجه البيهقى بسند حسن (¬3). {119} ولا طلاق هذه الأحاديث قال الحنفيون: يجب الخما في الركاز قل أو كثر ولا يعتبر فيه نصاب (وقال) الأئمة الثلاثة: يعتبر فيه النصاب (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا صدقة فيما دون خمس اوراق من الورق " أخرجه السبعة (¬4). {120} ... (وأجاب) الحنفيون بأن الظاهر من الصدقة الزكاة فلا تتناول الخمس لأنة لا يسمى زكاة إلا مجازا. ¬

(¬1) أنظر ص 207 ج 1 - الدرر المنيفة شرح الدرة اللطيفة للمرحوم الشيخ أمين خطاب. (¬2) أنظر ص 75 ج 9 - الفتح الربانى (الركاز والمعدن). (¬3) أنظر ص 155 ج 4 بيهقى (زكاة الركاز). (¬4) أنظر ص 281 ج 1 - ابن ماجه (ما تجب فيه الذكااة من الاموال) وتقدم بيان باقى المراجع ص 139 رقم 34 (زكاة النعم).

(5) من عليه الخمس؟ : يجب الخمس على من وجد الركاز من مسلم وذمى مكلفا وغير مكلف عند الجمهور. فعلى الذمى - يجد الركاز - الخمس. وغير المكلف يخرج عنه وليه عند الحنفيين ومالك وأحمد والثوري وغيرهم (لعموم) قول النبى صلى الله عليه وسلم: " وفى الركاز الخمس" (¬1) , فأنة يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل الركاز , وبمفهومة على أن باقيه لواجدة كائنا من كان. وحكى عنه الصبى والمرأة أنهما لايملكان الركاز (¬2). (6) مصرف الخمس: ... مصرفه مصرف خمس الغنيمة عند الحنفيين ومالك وهو الاصح عن أحمد لقوله تعالى: ((واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه)) (¬3) , ولا شك في صدق الغنيمة على هذا المال , فانه كان مع مكانة في ايدى الكفرة وقد اوجف عليه المسلمين فكان غنيمة. (وقال) الشافعي: مصرفه مصرف الزكاة. وروى عن أحمد (لحديث) عبد الله بن بشر الحثعمي عن جل من قومه قال: سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علىا رضى الله عنه فقال: اقسمها خمسة اقسام، فقسمتها، فأخذ منها على رضى الله عنه خمسا واعطانى أربعة اخماس، فلما ادبرت دعانى فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم. قال: خذها فاقسمها بينهم. أخرجه البيهقى (¬4). (ويجوز) لواجد الركاز أن يتولى تفرقة الخمس بنفسه عند الحنفيين ¬

(¬1) هذا عجز الحديث رقم 115 ص 231 (المستخرج من المعدن). (¬2) أنظر ص 587 ج 2 شرح المقنع. (¬3) سورة الانفال: آيه 41. (¬4) أنظر ص 156 و 157 ج 4 بيهقي (ماروى عن على في الركاز).

وابن المنذر لأثر على هذا وهو رواية عن أحمد ولأنة فئ مجاز رده أو بعضه على واجده كخراج الأرض (¬1). (7) ضم المعادن: أن وجد في المعدن أجناس من الذهب أو الفضة ضم بعضها إلى بعض لأنها من جنس واحد، وان كان فيه أحد النقدين وجنس آخر ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض إلى الأثمان، وان استخرج نصابا من معدنيين وجبت الزكاة فيه كالزرع في مكانيين (¬2). وان وجد في المعدن الذهب والفضة فهل يضمان؟ فيه خلاف تقدم بيانه في بحث ضم النقدين (¬3). زكاة الرءوسي ... وهى صدفة الفطر، ويقال لها زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان (روى) عبد الله بن عم أن النبي صلى الله علية وسلم ((فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو عبد، أو رجل أو امرأة، صغير أو كبير، صاعا من تمر أو صاعا من شعير)) أخرجه مالك والنسائى ومسلم وهذا لفظه (¬4). ... هذا، والصدقة عطية يقصد بها وجه الله تعالى وثوابه. وزكاة الفطر شرعا مال يعطى لمن يستحق الزكاة على وجه مخصوص يأتى بيانه أن شاء الله تعالى. ثم الكلام هنا ينحصر في بعة عشر فرعا: ¬

(¬1) أنظر ص 587 ج 2 شرح المقنع. (¬2) أنظر ص 583 ج 2 منه. (¬3) تقدم ص 178. (¬4) أنظر ص 79 ج 2 زرقانى الموطا. وص 346 ج 1 مجتبى (فرض زكاة رمشان على المسلمين) وص 61 ج 7 نووى (زكاة الفطر) هذا وتسميه أول يوم من شوال يوم الفطر تسميه اسلاميه.

(1) حكم زكاة الفطر: هى واجبه عند الحنفيين لأنها ثبتت بدليل ظنى وان ورد في الحديث بلفظ: فرض، لأن معناه قدر. والراجح إنها واجبه على الفور يوم عيد الفطر (¬1)، لأنها إنما شرعت لغناء الفقير عن السؤال يوم الفطر. وفي التأخير تفويت لهذا الغرض السامي فوجوبها مقيد لا مطلق. (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: زكاة الفطر فرض (لحديث) نافع عن ابن عمر ((أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير (قال) (ابن عمر: فجعل الناس عدله مدين من حنطة)) أخرجه الشيخان وابن ماجه (¬2). {122} ... وأصل الأمر الوجوب. والواجب والفرض عندهم بمعنى، وهو ما طلب فعله طلبا جازما بدليل قطعى أو ظني. (وقال) أشهب المالكي وابن اللبان الشافعي وبعض الظاهرية: زكاة الفطر سنه، وتأولوا (فرض) بمعنى قدر (ورد) بورود الأمر بها والأمر للوجوب. (2) دليلها: زكاة الفطر مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: (قد أفلح من تزكي) (¬3). (روى) نافع عن ابن عمر انه كان يقول: نزلت هذه الآية في زكاة رمضان. أخرجه البيهقى (¬4). ¬

(¬1) واختار علاء الدين الكاانى أن وجوب زكاة الفطر على التراخى قال: أختلف اصحابنا في زكاة الفطر فقال بعضهم: تجب وجوبا مضيقا في يوم الفطر (وقال) بعضهم: تجب وجوبا موسعا في الممر كالزكاة والنذور وهذا هو الصحيح لأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فلا يتضيق إلا في آخر الممر (أنظر ص 69 ج 2 بدائع الصنائع). (¬2) أنظر ص 239 ج 3 فتح الباري (صدقه الفطر صاعا من تمر) وص 60 ج 7 نووى (زكاة الفطر) وص 287 ج 1 - ابن ماجة. (¬3) سورة الاعلي: آيه 14. (¬4) أنظر من 159 ج 4 بيهقى (زكاة الفطر).

(وقال) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فلي" ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر. أخرجه ابن مردويه والبيهقي (¬1). (وقال) ابن عمر: إنما نزلت هذه الآية في إخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" أخرجه ابن مردوديه والبيهقي (¬2). (وعن) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى من المسلمين. أخرجه السبعة (¬3). {123} (وقال) البيهقي: أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تميتها فرضا فلا يجوز تركها (¬4). (وفرضت) في شعبان من السنة الثانية من الهجرة. ¬

(¬1) انظر ص 415 ج 5 تفسير الشوكاني. (¬2) انظر ص 415 ج 5 تفسير الشوكاني. (¬3) انظر ص 134 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الفطر) وص 237 ج 3 فتح الباري (صدقة الفطر على العبد وغيره) وص 58 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 222 ج 9 - المنهل العذب (كم يؤدي من الفطر) وص 346 ج 1 مجتبي (فرض زكاة رمضان على المسلمين .. ) وص 28 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 287 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر). (¬4) (فلا يجوز تركها) يرد على من زعم أن وجوبها نسخ بزكاة المال (لقول) أبي عمار: سألت قيس بن سعد عن صدقة الفطر فقال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فلم ننه عنها ولم نؤمر بها ونحن نفعله. أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي (انظر ص 136 ج 9 الفتح الرباني- زكاة الفطر- وص 347 ج 1 مجتبي- فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة- وص 159 ج 4 بيهقي- زكاة الفطر فريضة) وقال: وهذا لا يدل على سقوط فرضها لأن نزول فرض لا يوجب سقوط آخر. وأيضا فإن في إسناده راويا مجهولا وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول (انظر ص 236 ج 3 فتح الباري- صدقة الفطر).

(3) سببها: سبب وجوب زكاة الفطر رأس يمونه ويلي عليه. (4) حكمتها: حكمة مشروعيتها أنها تطهير للائم مما وقع منه من اللغو والرفثي ولتكون عونا للفقراء على كفايتهم يوم العيد (روى) عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني وقال: ليس في رجاله مجروح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري (¬1). {124} والغرض من الحديث بيان أن إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد أفضل وهو مجمع عليه. (5) شروطها: تجب زكاة الفطر بشروط ثلاثة: (الأول) الإسلام: فلا تفترض على كافر إجماعا (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديثي ابن عمر "من المسلمين" (¬2)، ولأنها قربة وطهرة وهو ليس من أهلهما (قال) ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لأنه كافر وهي زكاة فلا تجب عليه كزكاة المال. ¬

(¬1) انظر ص 218 ج 9 - المنهل العذب (زكاة الفطر) وص 287 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر) وص 219 - الدارقطني. وص 409 ج 1 مستدرك (واللغو) ما لا فائدة فيه من قول أو فعل كالهزل واللعب والتعمق في الشهوات (والرفث) الفحش من القول. وكانت الفطرة كذلك لأن الحنات تذهب السيئات (وفي حديث) أبي ذر ومعاذ مرفوعا: واتبع السيئة الحسنة تمحها. أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي، (أنظر رقم 115 ص 120 ج 1 فيض القدير). (¬2) انظر رقم 121 ص 238 و 123 ص 240.

(وعن) أحمد وبعض الشافعية: أنه يجب على الكافر إخراج صدقة الفطر عن عبده المسلم لأن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه زكاة الفطر، كما لو كان سيده مسلما (¬1). (أما المرتد) فلا تجب عليه عند الحنفيين، ولو ارتد بعد لزومها تسقط عنه. وعند غيرهم تفصيل يعلم مما تقدم في بحث الإسلام من شروط افتراض الزكاة (¬2). (وهل) على المسلم أن يزكى عن عبده الكافر؟ (قال) الجمهور: لا تجب لظاهر الحديث. (وقال) الحنفيون والثورى: يجب على سيده المسلم أن يزكى عنه، لعموم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد من تمونون. أخرجه الدارقطني وقال: الصواب أنه موقوف، والبيهقي وقال: إسناده غير قوي لأن فيه القاسم بن عبد الله وليس بالقوى (¬3). {125} (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" أخرجه أحمد ومسلم والدارقطني (¬4). {126} والعبد يعم المسلم وغيره، ولأن الوجوب على السيد والشرط إسلامه. (ورد) بأن عموم العبد في الحديثين يخصصه قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من المسلمين" في حديثي ابن عمر (فهو) صريح في أن العبد لابد أن يكون مسلما وإن كان المؤدى عنه سيده (فالراجح) ما ذهب إليه الجمهور من أن العبد الكافر لا يجب على سيده المسلم أن يزكى عن مملوكه الكافر "لا يصلح" للاحتجاج به (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 647 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) تقدم ص 118. (¬3) انظر ص 220 - الدارقطني. وص 161 ج 4 بيهقي (إخراج زكاة الفطر). (¬4) تقدم رقم 53 ص 157 (ما لا زكاة فيه). (¬5) (لا يصلح للاحتجاج به) منه: ... (أ) حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "دقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني" (الحديث) أخرجه الدارقطني وفيه سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره (وقال) الذهبي: خبر واه (وقال) ابن الجوزى: زيادة اليهودي والنصراني فيه موضوعية. تفرد بها سلام الطويل. ... (ب) ما روى عن ابن عمر أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل ح وعبد صغير وكبير ذكر وأنثى كافر ومسلم حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه. أخرجه الدارقطني وفيه عثمان الوقاي متروك (انظر ص 224 - الدارقطني).

(الثاني) الحرية: فلا فطرة على رقيق إجماعا لأنه لا يملك، ولو ملك لا يتحقق منه التمليك. (الثالث) اليسار عند الحنفيين: ويتحقق بملك نصاب من أنصبة الزكاة فاضل عن حوائجه الأصلية كمسكنه ومركبه وأثاث منزله، فلا فطرة على فقير لا يملك هذا النصاب (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صدقة إلا عن ظهر غني واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" أخرجه أحمد وعلق البخاري صدره (¬1). {127} ولفظ (ظهر) زائد، ولا غنى مع الحاجة والمشغول بها كالعدم (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: لا يشتط في وجوبها اليسار، فتجب على من يجد ما يؤديه زيادة عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلته (لحديث) عبد الله بن ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه أن النبي صلى الله وسلم قال: "أدوا صاعا من قمح أو بر عن كل اثنين، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، غنى أو فقير، أما غنيكم الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما يعطي" أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني وأبو داود، وفيه النعمان بن راشد متكلم فيه (¬2). {128} ¬

(¬1) انظر ص 103 ج 9 - الفتح الرباني (اليد العليا والسفلى) وتقدم رقم 27 ص 131 (زكاة المدين). (¬2) انظر ص 143 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) و 163 ج 4 بيهقي (وجوبها على الغنى والفقير إذا قدر) وص 223 الدارقطني. و 235 ج 9 - المنهل العذب (من روى نصف صاع من قمح).

(وأجاب) الحنفيون بأن الحديث ضعيف بالنعمان بن راشد، فقد ضعفه غير واحد، وأيضا فإن أكثر الروايات ليس فيها ذكر الفقير فكانت هذه رواية شاذة فلا تقبل (وأجاب) الجمهور عن حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غني" بأن المشهور فيه ما روى أبو هريرة مرفوعا: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (¬1). {129} وهو لا ينافى طلبها من الفقير (ولعل) الظاهر قول الجمهور: إنها واجبه على الفقير الذي يجد ما يؤديها منه زائدا عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلته. (قال) الخطابي: وفي حديث عبد الله بن ثعلبة أنها تلزم الفقير إذا وجد ما يؤديه، ألا تراه يقول: وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه، فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره (¬2). (وأما) التكليف فليس شرطا في وجوب الفطرة عند الأئمة الثلاثة، والنعمان وأبي يوسف، فتجب في مال الصبي والمجنون الغنيين يخرجها الولي منه وإلا أخرجها الولي عنهما من ماله (وقال) محمد وزفر: لا فطرة عليهما، فلو أدى الأب أو الوصي من مالهما لا يضمن عند الجمهور، ويضمن عند محمد وزفر، لأنها عبادة والعبادة لا تجب على غير المكلف. (وقال) الجمهور: إنها ليست بعبادة محضة بل فيها معنى المؤنة فأشبهت زكاة الحرث (وكذا) صوم رمضان ليس شرطا لوجوب الفطرة، فمن أفطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه صدقة الفطر، لأن الأمر بأدائها مطلق عن هذا الشرط ولأنها تجب على غير المكلف بالصوم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 3 فتح الباري (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) وص 327 ج 9 - المنهل العذب المورود (الرجل يخرج من ماله) وص 350 ج 1 مجتبي (الصدقة عن ظهر غنى). (¬2) انظر ص 52 ج 2 معالم السنن (كم يؤدي في صدقة الفطر). (¬3) انظر ص 70 ج 2 بدائع الصنائع.

(6 و 7) ركنها وثمرتها: ركن صدقة الفطر تمليكها لمستحقها فلا تتأدى بالإباحة كالإطعام، وثمرتها سقوط الواجب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى. (8 و 9) من تجب عليه وعنه: تجب على المسلم الحر الموسر أو ما يجد ما يؤديه زيادة عن قوته وقت من يمونه يوم العيد وليلته على ما تقدم بيانه. وتجب عن نفسه وعمن تلزمه نفقته ويلي أمره بسبب من ثلاثة: (أ) القرابة: كطفله الفقير الذي عليه نفقته (لقول) عبد الله بن ثعلبة: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قبل الفطر بيوم أو يومين فقال: "أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد صغير أو كبير" أخرجه عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والدارقطني بسند صحيح قوي، غير أن عبد الله بن ثعلبة مختلف في صحبته (¬1). {130} ولأن نفقتهم واجبة على الأب وولايته عليهم تامة (وهل) يخرج الجد عن ابن ابنه الفقير الصغير حال عدم الأب أو كونه فقيرا؟ (ذكر) محمد ابن الحسن أنه لا يخرج لأن ولاية الجد قاصرة لأنها لا تثبت إلا عند عدم الأب فأشبهت ولاية الوصي (وعن) النعمان أنه يخرج عنه (وبه) قال مالك والشافعي وأحمد؛ لأن الجد قائم مقام الأب عند عدمه فكانت ولايته كولاية الأب (أما) الأولاد الذكور الكبار العقلاء فلا يجب على الأب أن يخرج عنهم عند الحنفيين ومالك وإن كانوا في عياله فقراء عاجزين عن الكسب، لأن أحد شطري السبب وهو الولاية منعدم فيهم. وإن أخرج عنهم بلا إذنهم جاز. (وقال) الشافعي وأحمد: على الأب فطرة أولاده الكبار إن كان ينفق ¬

(¬1) انظر ص 407 ج 2 نصب الراية. وص 143 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) وص 239 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 224 - الدارقطني.

عليهم لعجزهم عن الكسب، أو لاشتغالهم بطلب العلم، لعموم حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونونه" أخرجه البيهقي والدارقطني وقال: رفعه القاسم بن عبد الله وهو ليس بالقوى. والصواب وقفه (¬1). {131} ... (وقال) الأولون: الحديث محمول على جواز الأداء عنهم لا على الوجوب. ويخرج الأب عن الأنثى ما لم تتزوج. فلو زوجت الصغير وسلمت للزوج فلا فطرة لها على أبيها. ولا يلزم الرجل فطرة والديه وإن كانا فقيرين عند الحنفيين لعدم الولاية. وقال الأئمة الثلاثة: عليه فطرتهما كنفقتهما. (ب) الزوجية: فيجب على الرجل فطرة زوجته المدخول بها زوجة أبيه الذي عليه نفقته ولو غنية أو مطلقة رجعيا أو دعى للدخول بها- عند الأئمة الثلاثة والليث- لأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "ممن تمونون". ... (وقال) الحنفيون والثورى: لا يجب عليه فطرة الزوجة لأن ولايته عليها قاصرة على حقوق الزوجية، فإن كانت غنية فعليها فطرتها في مالها. ... (جـ) ملك من يمونه ويلي عليه: فيخرج الفطرة عن عبده للخدمة ولو مدبرا أو أم ولد أو مأذونا له في التجارة، لعموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق (وأما) زوجة العبد ففطرتها عند الحنفيين على نفسها إن كانت حرة موسرة وإلا فلا. (والمعتمد) عند مالك أن لا فطرة لها على زوجها (وقيل) يخرج عنها ولو حرة لوجوب نفقتها عليه (¬2). (وقال) الشافعي: فطرتها على سيد زوجها وهو قياس مذهب أحمد. وذكر أصحابه أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة (¬3). (فائدة) الخادم الحر ولاية مخدومه عليه قاصرة، فلا تلزمه فطرته عند ¬

(¬1) تقدم رقم 125 ص 242. (¬2) انظر ص 612 ج 1 - الفجر المنير. (¬3) انظر ص 651 ج 2 شرح المقنع.

الحنفيين وعليه فطرة نفسه إن كان غنيا (وقال) غيرهم: إن التزم المخدوم نفقة الخادم لزمه فطرته وإلا فلا. (10) وقت وجوب زكاة الفطر: تجب بطلوع فجر يوم الفطر- عند الحنفيين والليث وهو رواية ابن القاسم عن مالك- لأنها قربة تتعلق بيوم الفطر فلا تتقدم عليه كالأضحية. (وقال) الشافعي وأحمد والثوري: تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان وهو رواية أشهب عن مالك، لأنها تضاف إلى الفطر فتجب به (ولما) في حديثي ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان (¬1) والفطر من رمضان لا يكون إلا بغروب شمس آخر رمضان، ولأن الفطرة شرعت طهرة للصائم كما في حديث ابن عباس (¬2) فأفاد أن وقت الوجوب بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان. (وثمرة) الخلاف تظهر فيمن ولد أو أسلم أو استغنى عند طلوع فجر يوم الفطر وبعد غروب شمس آخر يوم من رمضان: تلزم فطرته عند الحنفيين، ولا تلزم عند غيرهم. وإن حصل ما ذكر بعد الفجر فلا زكاة اتفاقا. ومن مات أو ارتد أو أعسر قبل طلوع الفجر لزمت فطرته عند الشافعي ومن وافقه. ولا تلزم عند الحنفيين. (11) وقت أدائها: وقت أداء زكاة الفطر جميع العمر عند الأربعة والجمهور ولا تسقط بالتأخير عن يوم الفطر، لأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فتؤدي في أي وقت، وإنما يتعين بالأداء أو بآخر العمر وفي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما في سائر الواجبات الموسعة. غير أن المستحب أن يخرجها قبل الخروج إلى المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (¬3) ويأمر به ¬

(¬1) تقدم رقم 121 ص 238، 123 ص 240. (¬2) تقدم رقم 124 ص 241 (حكمتها). (¬3) انظر ص 84 ج 2 بدائع الصنائع.

(روى) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو لصلاة يوم الفطر. أخرجه الترمذي. وقال: حسن صحيح (¬1). {132} (وعن) ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة" أخرجه السبعة إلا ابن ماجه (¬2). {133} وباستحباب ذلك قال الأئمة الأربعة والجمهور واستدلوا بهذه الأحاديث على كراهة تأخير إخراج صدقة الفطر عن صلاة العيد (وقال) ابن حزم بحزمته (وظاهر) قوله في حديث ابن عباس: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (¬3) (أن) من أداها بعد صلاة العيد لا تعتبر زكاة بل صدقة من الصدقات، وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى (والجمهور) على أنها مجزئة إلى آخر يوم الفطر وتأخيرها عنه بلا عذر حرام عند الأئمة الأربعة والجمهور، لأن زكاة واجبة لإغناء الفقير في هذا اليوم، فكان في تأخيرها إثم، ولا تسقط بالتأخير (خلافا) للحسن بن زياد الحنفي وداود الظاهري حيث قالا بسقوطها لأنها قربة تختص بيوم العيد فتسقط بمضيه، كالأضحية تسقط بمضي أيام النحر (ورد) بأن الأضحية غير معقولة المعنى فلا تكون قربة إلا في وقتها، أما الزكاة فإنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط إلا بالأداء. (وعن) ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد. قيل لأحمد: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها، قال: نعم إذا أعدها القوم واتباع السنة أولى (¬4) (ويجوز تقديمها) ولو قبل رمضان ولعدة سنين على الصحيح ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 2 تحفة الأحوذي (تقديمها قبل الصلاة) (والغدو) المشي أول النهار. (¬2) انظر ص 150 ج 9 - الفتح الرباني (وقت إخراجها) وص 241 ج 3 فتح الباري (الصدقة قبل العيد) وص 63 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 220 ج 9 - المنهل العذب المورود (متى تؤدي) وص 348 ج 1 مجتبي (الوقت الذي يستحب أن تؤدى فيه صدقة الفطر). (¬3) تقدم رقم 124 ص 241 (حكمتها). (¬4) انظر ص 666 ج 2 مغنى ابن قدامة.

عند الحنفيين لتحقيق سبب الوجوب وهو راس يمونه ويلي عليه فصار كإخراج الزكاة بعد وجود النصاب. وعند الشافعي يجوز تعجيلها بعد دخول رمضان لا قبله لأنها صدقة الفطر ولا فطر قبل الشروع في الصوم. (وقال) بعض الحنبلية: يجوز تعجيلها في النصف الأخير من رمضان (وقال) مالك والكرخي: يجوز تقديمها يوما أو يومين قبل العيد وهو مشهور مذهب أحمد (لقول) ابن عمر رضي الله عنهما: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة. قال نافع: وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين" أخرجه أبو داود والدارقطني (¬1). {134} (وقال) البخاري: وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (¬2) وهذا مما لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم بل لابد من كونه بإذن سابق فإن الإسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل، فلم يكونوا يقدمون عليه إلا بسمع (¬3) (والدليل) ظاهر فيما ذهب إليه مالك وأحمد، لأن المقصود من زكاة الفطر إغناء الفقير يوم العيد وتعجيلها اليوم واليومين لا يخل بالمقصود منها، فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغني بها عن السؤال فيه. والله ولي التوفيق. (12) الواجب في زكاة الفطر وقدره: يجب فيها نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب عند الحنفيين (لحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر ¬

(¬1) انظر ص 220 ج 9 - المنهل العذب المورود (متى تؤدى) وص 224 - الدارقطني. (¬2) انظر ص 242 ج 3 فتح الباري (صدقة الفطر على الحر والمملوك). (¬3) انظر ص 42 ج 2 فتح القدير (مقدار الواجب ووقته).

أو عبد صغير أو كبير مدان من قمح أو صاع سواه من طعام" أخرجه الدارقطني والترمذي وقال: حسن غريب (¬1). {135} (وقال) ابن عمر: "كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب. فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء" أخرجه أبو داود والدارقطني (¬2) (وقالت) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدين من قمح بالمد الذي تقتاتون به" أخرجه أحمد والطبراني. وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه ورواه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح (¬3). {136} (ولهذه) الأحاديث قال الحنفيون وزيد بن علي: يجزئ فيها نصف صاع من بر وصاع من غيره (وعن) النعمان أنه يكفي من الزبيب نصف صاع (لكنه) مردود بهذه الأحاديث ونحوها الدالة على الزبيب لا يكفي منه إلا صاع. ولذا اختاره أبو يوسف ومحمد، وعليه الفتوى عند الحنفيين، وقالوا: تؤدي من القمح ودقيقه وسويقه والشعير ودقيقه وسويقه والسلت كذلك والتمر والزبيب. ولا تكفي الفطرة من غير هذه الأصناف إلا بالقيمة. (وقال) مالك والشافعي: يجب في صدقة الفطر صاع من غالب قوت البلد في السنة. ورجح الحطاب المالكي اعتبار غالب القوت في رمضان. واستظهر الأمير غالب القوت يوم الوجوب (وقال) أحمد: يجب في الفطرة ¬

(¬1) انظر ص 220 - الدارقطني وص 28 ج 2 تحفة الأحوذى (صدقة الفطر) وفي سند الحديث سالم بن نوح وثقه أبو زرعة وابن حبان، وقال في التنقيح: هو صدوق روى له مسلم في صحيحه وقال النسائي: ليس بالقوى. (¬2) انظر ص 227 ج 9 - المنهل العذب المورود (كم يؤدي في صدقة الفطر) وص 222 - الدارقطني وفي سند الحديث عبد العزيز بن أبي داود وثقه يحيى القطان وابن معين وأبو حاتم والحاكم وغيرهم. وهم أعرف ممن ضعفه. وقد أخرج له البخاري استشهادا (والسلت) بضم فسكون نوع من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة، وقيل هو حب بين الحنطة والشعير. (¬3) انظر ص 144 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) وص 81 ج 3 مجمع الزوائد (صدقة الفطر).

صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب يخير في الإخراج من أيها إن وجدت، وإلا أخرج من المقتات من حب أو تمر وهو قول للشافعي ويخرج الأقط في رواية عن أحد (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا إذا كان فينا النبي صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت" أخرجه السبعة وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1). {137} والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون مكن كل شيء صاعا. وهو قول الشافعي وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: من كل شيء صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة و (السمراء) القمح. والحديث يدل: (أ) على جواز إخراج الأقط في الفطرة. وبه قال مالك وروى عن أحمد (وقال) الحنفيون: لا يجزئ إلا باعتبار القيمة (وقال) الشافعي: لا أحب أن يخرج الأقط فإن أخرج صاعا منه لم يتبين لي أن عليه الإعادة. ¬

(¬1) انظر ص 138 ج 9 - الفتح الرباني (مقدارها وأصنافها) وص 239 ج 3 فتح الباري (صاع من زبيب) وص 62 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 229 ج 9 المنهل العذب المورود (كم يؤدي في صدقة الفطر) وص 347 ج 1 مجتبي (الزبيب) وص 27 ج 2 تحفة الأحوذى وص 288 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر) و (الطعام) في الأصل يشمل كل ما يقتات به من الحنطة والتمر والشعير وغيرها (وقوله) في رواية لأحمد وغيره: فلماجاء معاوية وجاءت السمراء قال: إني أرى معدا من هذا يعدل مدين (دليل) على أن الحنطة لم تكن لهم قوتا قبل هذا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا؟ (والأقط) - بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن مع فتح الهمزة وكسرها-: لبن مجفف غير منزوع الزبد.

(ب) على أنه يكفي في الفطرة نصف صاع من بر، وهو قول الحنفيين وقد صح عن الخلفاء الراشدين وغيرهم (روى) أبو قلابة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أخرج زكاة الفطر مدين من حنطة وأن رجلا أدى إليه صاعا بين اثنين. أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والطحاوي (¬1). (وقال) عمر لنافع: إنما زكاتك على سيدك أن يؤدي عنك عند كل فطر صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع بر. أخرجه الطحاوي (¬2) (وقال) عثمان رضي الله عنه في خطبته: أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة. أخرجه الطحاوي (¬3). (وقال) علي رضي الله عنه: على من جرت عليه نفقتك نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر. أخرجه عبد الرزاق والدارقطني (¬4) (وقال) ابن الزبير: زكاة الفطر مدان من قمح أو صاع عن تمر أو شعير. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (¬5). الدقيق والسويق: يجوز إخراجهما في الفطرة عند الحنفيين وأحمد (لقول) أبي سعيد الخدري: لم نخرج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت. أخرجه النسائي (¬6). {138} (وروى) محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: أمرنا أن نعطي صدقة رمضان عن الصغير والكبير والحر والمملوك صاعا من طعام، ومن أدى برا قبل منه، ومن أدى شعيرا قبل منه، ومن أدى زبيبا قبل منه، ومن أدى سلتا قبل منه، وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه، ومن أدى سويقا قبل منه ¬

(¬1) انظر ص 225 - الدارقطني. وص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 ج 2 نصب الراية. (¬2) انظر ص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 و 427 ج 2 نصب الراية. (¬3) انظر ص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 و 427 ج 2 نصب الراية. (¬4) انظر ص 225 - الدارقطني. وص 427 ج 4 نصب الراية. (¬5) انظر ص 427 منه. (¬6) انظر ص 347 ج 1 مجتبي (الدقيق).

أخرجه البيهقي وقال: هذا مرسل. محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا (¬1). {139} (هذا) والواجب عند الحنفيين نصف صاع من دقيق القمح وسويقه وصاع من دقيق الشعير وسويقه (وقال) أحمد: الواجب صاع من كل (وقالت) المالكية والشافعية والجمهور: لا يجوز إخراج الدقيق والسويق، لأنهما لم يذكرا في الأحاديث الصحيحة. (13) قدر الصاع: الصاع قدحان بالكيل المصري أو أربعة أمداد، والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين. وهو رطل وثلث بالعراقي عند مالك والشافعي وأحمد وفقهاء الحجاز وأبي يوسف. فيكون الصاع خمس أرطال وثلثا (وقال) النعمان ومحمد وفقهاء العراق: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال. والرطل العراقي عند الحنفيين والرافعي 130 درهم بالدرهم المتعارف، وعند الحنبلية 128 درهم وأربعة أسباع درهم، ورجحه النووي. وعند المالكية 128 درهم (والحق) أن الخلاف في وزن الصاع لفظي وبيانه: (أ) أن من قال: إنه خمسة أرطال وثلث رطل عراقي اعتبره من التمر والشعير (لقول) أبي داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلا وسمعته يقول: صاغ ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال ثمانية أرطال؟ قال ليس ذلك بمحفوظ. ذكره البيهقي (¬2). (وقال) الحسين بن الوليد القرشي: قدم علينا أبو يوسف رحمة الله من الحج فقال: إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم همني تفحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غدا. فلما أصبحت ¬

(¬1) انظر ص 168 و 169 ج 4 بيهقي (من قال يخرج من الحنطة نصف صاع). (¬2) انظر ص 170 ج 4 بيهقي (صاع النبي صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلث).

أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه أو عن أهل بيته أن هذا صاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فنظرت فإذا هي سواء فعايرته، فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة. ذكره البيهقي (¬1). (ب) ومن قال: الصاع ثمانية أرطال اعتبره من الماء (لما روي) عبد الكريم عن أنس بن مالك قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال" أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند ضعيف (¬2). {140} (وقال) والصحيح عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمس أمداد. ثم أخبرت أسماء بنت أبي بكر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر بالصاع الذي كانوا يقتاتون به. فدل ذلك على مخالفة صاع الزكاة والقوت صاع الغسل (¬3) (ومنه) يعلم أنه لا خلاف في وزن مد وصاع الفطرة. والاشتباه إنما جاء لعدم بيان المكيل بهما وهو يختلف خفة ورزانة (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 4 بيهقي. (¬2) انظر ص 226 - الدارقطني. وص 171 ج 4 بيهقي. (¬3) انظر ص 172 منه. (¬4) وذلك أن الماء أثقل من العدس وهو أثقل من الحلبة والفول. وهما أثقل من البر والحمص وهما أثقل من الذرة الشامي وهي أثقل من الذرة الطبيعي وهي أثقل من التمر والشعير. فإن الصاع منهما يزن 693 وثلث درهم وهي خمسة أرطال وثلث بالعراقي. والصاع من الماء العذب الصافي أو المعين 1040 درهم وهي ثمانية أرطال بالعراقي. وقد وزن القدح المصري فوجد أنه يسع من القمح 470 درهم ومن الذرة الشامي 454 ونصف درهم ومن الشعير 370 ونصف درهم، أي أنه يسع مدين وثمن مد تقريبا إذا وضع الحب بلا زلزلة ولا دك ولا تقبيب باليد. فزيادة ثمن المد تقابل ما في الحب من الطين والتراب. فالقدح بحالته يساوي نصف الصاع "وأما" ما في كتب المالكية من أن الصاع بالكيل المصري قدح وثلث قدح "ففيه" شيء من التسامح حتى لو تمشينا على ما اشهر عنهم من أن الدرهم الشرعي أقل في الوزن من الدرهم العرفي. فإن الصاع على ما قالوا يسع من متوسط الشعير 682 درهما شرعيا بضرب خمسة أرطال وثلث في مقدار الرطل عندهم وهو 128 درهم وهي بالدرهم العرفي 537 درهم تقريبا بضرب دراهم الصاع وهي 682 في مقدار الدرهم الشرعي وهو 50.4 حبة من الشعير وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي وهو 64 حبة ينتج 537 درهم عرفي تقريبا. وتقدم أن القدح المصري يسع من الشعير 370 درهم ونصف درهم فإذا قسم مقدار الصاع على مقدار القدح كان الخارج 1 .. 45 أي قدح ونصف تقريبا "وما اشتهر" في كتب الحنفيين من أن الصاع قد حان وثلثا قدح "فمبني" على أن الصاع ثمانية أرطال بالعراقي وأن الخلاف في وزنه حقيقي وقد علمت أنه لفظي وأنه لا خلاف في أن صاع الفطرة خمسة أرطال وثلث بالعراقي (انظر تمامه ص 223 ج 9 - المنهل العذب المورود).

(14) إخراج القيمة: يجوز عند الحنفيين إخراج قيمة الواجب في زكاة الفطر، لما تقدم في بحث دفع القيمة في الزكاة (¬1) وروى عن أبي يوسف أنه قال: الدقيق أحب إلي من الحنطة والدرهم أحب إلي من الدقيق والحنطة لأن ذلك أقرب إلى دفع حاجة الفقير ولأن المطلوب إناء الفقير في هذا اليوم، والإغناء يحصل بالقيمة بل هو بها أتم وأوفر. ولا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة "فكما" لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة- بأن يؤدي نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز أن يؤدي نصف صاع من تمر- تبلغ قيمته نصف صاع من البر- بل يقع عن التمر، وعليه تكميل الباقي، لأن القيمة لا تعتبر في المنصوص عليه (¬2). (وقال) الأئمة الثلاثة: لا يجزئ دفع القيمة (قال) أبو داود: قيل لأحمد، أعطى دراهم في صدقة؟ قال: أخاف أن لا يجزئه. خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وظاهر) مذهب أحمد أنه لا يجزئ إخراج القيمة في شيء من الزكوات (وروى) عنه جواز دفع القيمة فيما عدا الفطرة (قال) أبو داود: سئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله قال: عشرة على الذي باعه. قيل له: فيخرج ثمرا أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمرا وإن شاء أخرج من الثمن (¬3) (هذا) والأفضل عند الحنفيين إخراج زكاة الفطر مما هو أعلى قيمة ¬

(¬1) تقدم ص 222، 223، 224. (¬2) انظر ص 72 ج 2 بدائع الصنائع. (¬3) انظر ص 661 ج 2 مغنى ابن قادمة.

(وقال) مالك وأحمد: الأفضل إخراج التمر (وقال) الشافعي: البر أفضل. ولعله كان أعلى في وقته ومكانه، لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمنا وأنفسها صنفا (واختار) مالك وأحمد إخراج التمر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. (قال) ابن عمر: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر فأعطى الشعير" أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (¬1). والحكمة في هذا أن التمر فيه قوة وحلاوة، وهو أقرب تناولا وأقل كلفة. والأفضل بعد التمر البر، وقيل الزبيب لأنه أقرب تناولا وأقل كلفة (ورد) بأن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير.؟ (قال) أبو مجلز: قلت لابن عمر: قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا نعطي البر؟ قال: لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي. أخرجه جعفر الفرياني (¬2). ويستنبط منه أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها، فإن التمر أعلى من غيره وقتئذ. (15) مكان أدائها: تؤدي زكاة الفطر في مكان المؤدى عنه- عند النعمان وأبي يوسف ومالك والشافعي- فيؤدي الموسر زكاة الفطر عن نفسه حيث هو وعمن يمونه ويلي عليه حيث هم، لأنها أحد نوعي الزكاة، وزكاة المال تؤدي حيث المال، فكذا زكاة الرأس تؤدي في مكان الرأس. والعبرة بقوت موضع المخرج عنه ¬

(¬1) انظر ص 139 ج 9 - الفتح الرباني (مقدارها وأصنافها) (وص 242 ج 3 فتح الباري 0 صدقة الفطر على الحر والمملوك) وص 228 ج 9 - المنهل العذب (كم يؤدي في صدقة الفطر) (فعدل) بفتحات، أي سوى الناس نصف الصاع من بر بصاع من غيره لما رأوا من الاستواء في المنفعة والقيمة. والمراد بالناس أهل المدينة والشام (فأعوز) أي أعجزهم الحصول على التمر. (¬2) انظر ص 242 ج 3 فتح الباري (الشرح).

فإن أخرج عن أهله من الصنف الذي يأكلونه وإن أخرجوا عنه أخرجوا من الصنف الذي يأكله (¬1) ولو عجلها بمحل ثم سافر لآخر فوجبت عليه فيه أجزأت (وقال) محمد بن الحسن المعتبر مكان المؤدى فيخرج عن نفسه وعمن يلي عليه في مكانه لأنها تتعلق بذمة المؤدى لا بماله فيعتبر مكانه. (16) سقوطها: تسقط زكاة الفطر عند الحنفيين بالردة وبموت من وجبت عليه بلا وصية (وقال) مالك تسقط بالموت بلا وصية لا بالردة (وقال) الشافعي وأحمد: لا تسقط بهما على ما تقدم بيانه في بحثي شروط افتراض الزكاة وقضائها (¬2) فإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها بلا وصية سقطت عنه عند الحنفيين ومالك، وإن أوصى بها تخرج من ثلث ماله كسائر الوصايا. (وقال) الشافعي وأحمد: تخرج من تركته وإن لم يوص. فإن كان عليه دين وله مال يفي بالفطرة والدين قضيا جميعا. وإن لم يف بهما قسم بينهما بالحصص. وإن كان عليه زكاة مال وصدقة فطر ودين، فزكاة الفطر والمال كالشيء الواحد لاتحاد مصر فهما فتقسم التركة بينهما وبين الدين، لأن حق الله تعالى وحق الآدمي إذا تعلقا بمحل واحد تساويا في الاستيفاء (ولو مات) من يمونه بعد وجوب الفطر تسقط عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعي وأحمد: لا تسقط لأنها دين ثبت في ذمته بسبب من يمونه فلا تسقط بموته (¬3). (17) مصرفها: تصرف زكاة الفطر عند مالك لحر مسلم فقير أو مسكين دون باقي الأصناف وجاز دفعها لأقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم. وللزوجة دفعها لزوجها الفقير بخلاف العكس (¬4) (وقال) غير مالك: تصرف لمن تصرف له الزكاة، ¬

(¬1) انظر ص 616 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) تقدم صفحة 118 (شروط الافتراض) وص 136 (قضاء الزكاة). (¬3) انظر ص 698 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬4) انظر ص 136 ج 1 - الفجر المنير.

لأنها صدقة فتدخل في عموم آية: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، ولا يجوز دفعها إلى ذمي- عند مالك وأبي يوسف والشافعي وأحمد- لأنها زكاة، فلا يجوز دفعها إلى غير المسلمين كزكاة المال (¬1). (وقال) النعمان ومحمد: يجوز دفعها لذمي لا لحربي، لقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" (¬2). (14) مصرف الزكاة تصرف إلى الأصناف المذكورة في آية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (¬3). قال ابن قدامة: ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف إلا ما روى عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية. والصحيح الأول، لأن الله تعالى قال: "إنما الصدقات للفقراء" وإنما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه (¬4)، والمذكور في الآية ثمانية أصناف: ¬

(¬1) انظر ص 690 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬2) سورة الممتحنة: آية 8 و 9. (¬3) سورة التوبة: آية 60. (¬4) انظر ص 689 ج 2 شرح المقنع.

(1 و 2) الفقير والمسكين: الفقير عند الحنفيين من له شيء دون النصاب أو قدر نصاب غير نام أو مشغول بالحاجة الأصلية- كمسكن وملبس ومركب- فيصبح الدفع إليه ولو كان صحيحا مكتسبا أو يملك نصبا كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية، ولذا يصح دفعها لعالم له كتب تساوي نصبا كثيرة لكنه محتاج إليها للدراسة والمراجعة، وكذا آلات المحترفين والصناع والزراع والمجاهدين. (وقال) مالك: الفقير من لا يملك قوت عامة (والمسكين) عند الحنفيين ومالك من لا شيء له، ولذا يحل له السؤال لقوته أو ما يواري جسده، بخلاف الفقير؛ فلا يحل له ولا لقادر على الكسب ولا من يملك خمسين درهما السؤال (لحديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح" فقيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "خمسون درهما أو قيمتها من الذهب" أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي وفيه حكيم بن جبير. تكلم فيه شعبة وغيره (¬1). {142} (وقالت) الشافعية: الفقير من لا مال له ولا كسب أو له مال أو كسب لا يكفيه ولا يحصل به نصف كفايته ومن تلزم نفقته العمر الغالب - وهو ستون سنة - بحيث لو وزع ما عنده من المال على غالب العمر لم يبلغ نصف كفايته. ولو كان يملك نصاباً أو أكثر فعليه زكاته وله أن يأخذ زكاة غيره (والمسكين) من له مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه: بأن يحتاج في اليوم إلى عشرة دراهم مثلاً وعنده كسب أو مال يبلغ خمسة فأكثر. ¬

(¬1) انظر ص 90 ج 9 - الفتح الرباني (النهي عن السؤال) وص 248 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطي من الصدقة) وص 363 ج 1 مجتبي (حد الغني) وص 289 ج 1 - ابن ماجه (من سأل عن ظهر غني) وص 19 ج 2 تحفة الأحوذى (من تحل له الزكاة) (وخموش) بالضم مصدر خمكش بفتحات بمعنى خدش. ويحتمل أن يكون خموش جمع خمش كفلس (والكدوح) بمعنى الخموش، ويحتمل أن يكون الكدوح مصدرا سمي به الأثر وأن يكون جمع كدح.

(وقالت) الحنبلية: الفقير من لا مال له ولا كسب يحصل به نصف كفايته كمن يكفيه عشرة ولا يحصل إلا على ثلاثة ولا له خمسون درهما أو قيمتها من الذهب (والمسكين) من يجد معظم كفايته أو نصفها، مثل من يكفيه عشرة فيحصل على خمسة فما زاد. هذا ما ذكره الفقهاء في معنى الفقير والمسكين. ويكفي أن نعلم أن الفقير من ليس بغنى. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حد الغنى- في حديث ابن مسعود- بخمسين درهما أو قيمتها من الذهب. فمن لم يملك هذا المقدار ولا قيمته فاضلا عن حوائجه الأصلية وحوائج من يمون فهو فقير تحل له الزكاة. ومن ملك هذا المقدار أو قيمته فاضلا عما ذكر فهو غنى لا تحل له الزكاة. (وبهذا) قال سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل (وقال) غيرهم ما تقدم وقالوا: ليس في الحديث بيان أن من ملك خمسين درهما لا تحل له الصدقة إنما فيه أن كره له المسألة فقط، لأن المسألة لا تحل إلا مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد قوته وما يستر عورته. (قال) أبو الطيب صديق بن حسن: والحق أن الفقير والمسكين متحدان يصح إصلاق كل واحد من الاسمين على من لم يجد فوق ما تدعو الضرورة إليه خمسين درهما. وليس في قوله تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين) ما ينافى هذا لأن ملكهم لها لا يخرجهم عن صدق اسم الفقر والمسكنة عليهم لما عرف من أن آلات ما تقوم به المعيشة مستثناة، والسفينة للملاح كدابة السفر لمن يعيش بالمكاراة والضرب في الأرض (¬1). (3) العامل على الزكاة: وهو من صبه الإمام لجمع الصدقات. ويدخل فيه الساعي والكاتب والقاسم والحاشر- وهو الذي يجمع أرباب الأموال للساعي- والحافظ لها. ¬

(¬1) انظر ص 134 - الروضة الندية (مصارف الزكاة).

فيعطي كل بقدر عمله ولو غنيا لا هاشميا (لحديث) عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1). {143} ولأنه فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين فيستحق الأجر كالغزاة والقضاة. ولذا جوزوا لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته ولم يكن له مرتب في مال الدولة. (هذا) ويشترط في العامل أن يكون حرا ذكرا مكلفا مسلما، لأن السعاية ولاية والولاة يشترط فيهم ذلك، ولأن الكافر ليس بأمين. ويشترط كونه غير هاشمي، لأن الهاشمي من أهل البيت، وقد منعهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخذ الزكاة ولو عمالا. (روى) عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه هو والفضل أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوجهما ويستعملهما على الصدقة فيصيبان من ذلك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمحمية الزبيدي: زوج الفضل، وقال لنوفل بن الحارث بن عبد المطلب: زوج عبد المطلب ابن ربيعة" الحديث أخرجه مسلم والنسائي وأحمد وهذا لفظه (¬2). {144} ولا تشترط فيه الحرية عند الحنبلية (وقال) بعضهم: لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى. وهذا مردود بالحديث (هذا) ويعطي العامل عند الحنفيين كفايته وكفاية أعوانه بالوسط إلا إذا استغرقت كفايته ما جمعه فلا يعطي ¬

(¬1) انظر ص 70 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة في سبيل الله) وص 271 ج 9 المنهل العذب المورود (من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني) وص 290 ج 1 - ابن ماجه (من تحل له الصدقة) وص 47 ج 1 - مستدرك. (¬2) انظر ص 177 و 178 ج 7 نووي (تحريم الزكاة على الآل) وص 365 ج 9 مجتبى (استعمال الآل على الصدقة) وص 79 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم).

أزيد من النصف (لحديث) المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال" أخرجه أحمد، وكذا ابو داود يسند صالح وسكت عنه هو والمنذري (¬1). {145} (قال) الخطابي: هذا يتأول على وجهين: (أحدهما) أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجر مثله وليس له أن يرتفق بشيء سواها. (والوجه الثاني) أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله ويكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله (¬2). (وقال) مالك: يعطي العامل بقدر عمله وإن استغرق ما جمعه. (وقال) الشافعي: يعطي قدر أجر مثله. (وعن) أحمد روايتان: يعطي العامل ثمن ما جمع أو يعطي بقدر عمله. فعلى هذه الرواية يخير الإمام بين أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم إما على عمل معلوم أو مدة معلومة، وبين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فإذا فعله استحق الجعل وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه (¬3). (روى) عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطي عليه عمالة فلا تقبلها؟ قال: أجل إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: إني أردت الذي أردت، وكان النبي ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 9 - الفتح الرباني (العاملين عليها) وص 95 ج 3 عون المعبود (أرزاق العمال) (والغال) بشد اللام: الخائن. (¬2) انظر ص 7 ج 3 معالم السنن. (¬3) انظر ص 695 ج 2 شرح المقنع.

صلى الله عليه وسلم يعطيني المال فأقول: أعطه من هو افقر إليه مني، وإنه أعطاني مرة مالا فقلت له: أعطه من هو أحوج إليه مني. فقال: ما آتاك الله عز وجل من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به. ومالا، فلا تتبعه نفسك" أخرجه البخاري والنسائي وهذا لفظه (¬1). {146} (4) المؤلفة قلوبهم: المؤلفة: جمع مؤلف من التأليف، أي الجمع، والمراد جمع القلوب. وهم ثلاثة أقسام: (أ) كفار كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطيهم تأليفا لهم ليسلموا هم وقومهم. وهذا من الجهاد لأنه كما يكون بالسنان يكون بالإحسان. (ب) وكافر كان يعطي لدفع شره. (جـ) ومن أسلم على ضعف كان يعطي ليثبت إسلامه. هذا وقد سقط نصيب المؤلف عند الحنفيين من الزكاة لإجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق من آخر دفعة دفعها لهم النبي صلى الله عليه وسلم وظهر ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه لما جاءه عيينه بن حصن والأقرع ابن حابس والعباس بن مرداس وطلبوا من الصديق نصيبهم، فكتب لهم به وجاءوا على عمر وأعطوه الخط، فأبى ومزقه وقال: هذا شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه تأليفا لكم على الإسلام والآن قد اعز الله الإسلام وأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف "الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (¬2) فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه ¬

(¬1) انظر ص 123 ج 13 فتح الباري (رزق الحاكم والعاملين عليها- الأحكام) وص 365 ج 1 مجتبي (من آتاه الله مالا من غير مسألة)، (وعمالة) - بضم العين وتخفيف اليم- ما يعطاه العامل نظير عمله. أما بفتحها فنفس العمل (ما آتاك الله) رواية البخاري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك). (¬2) سورة الكهف: آية 59.

فقالوا: الخليفة أنت أم عمر؟ فقال: هو إن شاء. ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان إجماعا. فلولا اتفاقهم عليه وأن مفسدة مخالفته أكثر من المفسدة المتوقعة لمنعهم لبادروا لإنكاره (¬1). (وقال) حبان بن أبي جبلة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أتاه عيينه بن حصن: الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. يعني ليس اليوم مؤلفة. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (¬2). (وقالت) الشافعية: من أسلم على ضعف في ألفته بالمسلمين أو على ضعف في يقينه يعطي تأليفا له وتثبيتا لإسلامه (ويعطي) مسلم قوي الإيمان والألفة بالمسلمين لكن له شرف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام غيره (ويعطي) مسلم- ذو شوكه يكفينا شر من يليه من الكفار أو مانعي الزكاة- إن رأى الإمام الحاجة لإعطائه بأن يكون إعطاؤه أهون على المسلمين من محاربة الكفار أو مانعي الزكاة. أما المؤلف الكافر وهو من يرجى إسلامه أو يخاف شره فلا يعطي من الزكاة اتفاقا ولا من غيرها على الأصح عندهم إلا لنازلة نزلت بالمسلمين، كأسر بعضهم وهجوم الكفار على بعض بلاد الإسلام ولا يردون الأسير ولا يندفعون عن بلاد الإسلام إلا ببذل مال لهم فيعطون من غير الزكاة حينئذ للضرورة ولا يعطون منها، لأن الله أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف. وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفة الكفار من الغنائم فكان من خمس الخمس وهو ملك النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه حيث شاء (¬3). (وقال) مالك وأحمد: يعطي المؤلفة من الزكاة ولو كفارا لإطلاق قوله تعالى: "والمؤلفة قلوبهم" (ولحديث) أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا عن الإسلام إلا أعطاه فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا ¬

(¬1) انظر ص 15 ج 2 فتح القدير لابن الهمام. (¬2) انظر ص 113 ج 10 تفسير الطبري. (¬3) انظر ص 289 روضة المحتاجين.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطي عطاء ما يخشى الفاقة" أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {147} (قالوا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة كثيرا حتى مات. ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ. والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة. فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره. (قال) الزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة. على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة. فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم، فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا (¬2). (فالظاهر) جواز إعطاء المؤلفة عند الحاجة إلى التأليف. فإذا كان قوم لا يطيعون الإمام إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة (¬3). (5) الرقاب: جمع رقبة والمراد بها المكاتب يعطى من الزكاة لتخليص رقبته من الرق (فعند) الحنفيين والثوري والليث بن سعد وأحمد: يعان مكاتب غير المزكى -ولو كان سيده غنيا لا هاشميا- من الزكاة في فك رقبته (وقال) الشافعي: يعان المكاتب كتابة صحيحة وإن كان قادرًا على الكسب وسيده كافرًا أو هاشميًا أو مطلبيًا (ويشترط) ألا يكون معه ما يفي بنجوم الكتابة. (وقال) مالك وإسحق: المراد بالرقاب أن يشتري من الزكاة عبد مؤمن ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 9 - الفتح الرباني (المؤلف قلوبهم) وص 72 ج 15 نووي (سخاؤه صلى الله عليه وسلم) و (الشاء) جمع شاة. (¬2) انظر ص 527 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 234 ج 4 نيل الأوطار (المؤلفة قلوبهم).

وإن كان معيبا عيبا فاحشا كالعرج والعور والعمي ويعتق ويكون ولاؤه للمسلمين لأن المال لهم (واختار) هذا البخاري وابن المنذر محتجين بأن الرقاب لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين؛ لأنه مدين وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان، ولا يعتق، لأنه عبد ما بقى عليه درهم ولأن الشراء يتيسر في كل وقتع بخلاف الكتابة. (وقال) أبو جعفر الطبري: والصواب عندي قول من قال: عني بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون لإجماع الحجة على ذلك (¬1) وهو قول الجمهور. وقول مالك مخالف لظاهر الآية لأن المكاتب من الرقاب لأنه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه. إذا ثبت ذلك فإنه إنما يدفع إليه إذا لم يكن معه ما يقضي به كتابته ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة، فإن كان معه بعض الكتابة تمم له وفاء كتابته، وإن لم يكن معه شيء أعطى جميع ما يحتاج إليه لوفاء الكتابة ولا يعطي بحكم الفقر شيئا لأنه عبد. ويجوز إعطاء قبل حلول كتابته لئلا يحل النجم ولا شيئ معه فتفسخ الكتابة. ولا يدفع إلى مكاتب كافر شيء لأنه ليس من مصارف الزكاة. ويجوز أن يشتري بها أسيرا مسلما لأنه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة للعبد من الرق ولأن فيه إعزازا للدين فهو كصرفه على المؤلف قلوبهم ولأنه يدفعه إلى الأسير في قك رقبته فأشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين (¬2). هذا واختلف في المكاتب الفاسق هل يعان؟ قال الجمهور: يعان وهو الظاهر. ¬

(¬1) انظر ص 114 ج 10 جامع البيان. (¬2) انظر ص 698 ج 2 شرح المقنع (ويجوز أن يشتري بها أسيرا .. ) وهو الراحج عند المالكية (قال) الشيخ الإمام رحمه الله في حكمة البصير: أعلم أن في فك الأسير بالزكاة خلافا والراجع الإجزاء كما قاله ابن حبيب وابن عبد الحكم. وهو وجيه لأنه أولى من فك الرقاب التي بأيدينا (أنظر ص 907 ج 1).

(6) الغارم: أي المدين، وهو ثلاثة أقسام: (أ) من استدان لإصلاح حاله أو لعمارة مسجد أو إكرام ضيف وعجز عن أداء دينه كان لا يملك نصابا فاضلا عن دينه ولو له دين على غيره لكن لا يقدر على أخذه فيعطي من الزكاة ما يفي بدينه (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {148} (فقد) دل على أن من أصيب في ماله فهو غارم يباح له أخذ الصدقة سواء أكانت تطوعا أم واجبة (ويشترط) عند الحنفيين- أن يكون استدان لمباح ولو صرفه بعد في معصية. أما إن تداين لمعصية وصرفه في مباح أو في معصية وتاب توبة صادقة فإنه يعطي، وإن لم يتب لم يعط. ويشترط احتياجه للمساعدة بأن حل الدين ولم يقدر على وفائه وغن كان ما عنده يفي بجميع الدين فلا يعطي من نصيب الغارمين وإن صار فقيرا يأخذ بوصف الفقر. (وقال) مالك: يباع على المفلس دار سكناه فتباع في الدين ويسكن بالأجرة. وكتب طالب علم ينتفع بها كآلة الصناع، قيل: تباع في دين المفلس، والأصح لا تباع. هذا وخرج بدين الآدمي حقوق الله تعالى كالكفارة والزكاة والهدى فلا يعطي من الزكاة لوفاء ما ذكر (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 67 ج 9 - الفتح الرباني (الغارمين) وص 218 ج 10 نووي (وضع الحوائج- المساقاة) و (ليس لكم إلا ذلك) أي ليس لكم الآن إلا هذا، وليس لكم حبسه ما دام معسرا فليس فيه غبطال حق الغرماء فيما بقى. (¬2) انظر ص 598 ج 1 - الفجر المنير.

وإن كان الغارم من ذوي القربى فقال بعض العلماء: يجوز الدفع إليه لأن علة منعه من الأخذ منها لفقره صيانته عن أكلها لكونها أوساخ الناس وإذا أخذها للغرم صرفها إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها (وقيل) لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أم لم يأكلها (¬1). (ب) غارم استدان لإصلاح بين متخاصمين في قتيل أو مال متلف وإن عرف القاتل والمتلف فاستدان ما سكن به الفتنة فيعطي ما يقضي به دينه إن حل الدين ولم يبق له بعده قدر نصاب عند الحنفيين (وعند) الأئمة الثلاثة يعطي ولو غنيا بشرط أن يستدين ولم يوف من ماله. أما لو لم يستدن بأن أعطى من ماله ابتداء أو استدان ووفي من ماله فلا يعطي. (قال) قبيصة بن المخارق الهلالي رضي الله عنه: " تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فإما أن نحملها إوما أن نعينك فيها، وقال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لرجل تحمل حمالة قوم فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة أجاحت ماله فيسأل فيها حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما يوى ذلك من المسائل سحت يا قبيصة يأكله صاحبه سحتا" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (¬2). {149} ¬

(¬1) انظر ص 700 ج 2 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 65 ج 9 - الفتح الرباني (الغارمين) وص 133 ج 7 نووي (من تحل له المسألة) وص 275 ج 9 - المنهل العذب المورود (ما تجوز فيه المسألة) وص 360 ج 1 مجتبي (الصدقة لمن تحمل حمالة) و (الجائحة) ما يجتاح المال ويتلفه ظاهرا كالسيل والحريق (والقوام) بكسر القاف: ما تقوم به الحاجة ويستغنى به (والقوام) بفتح القاف: الاعتدال (والسداد) بكسر السين: ما تسد به الحاجة والخلل، وأما بالفتح فهو الإصابة في النطق والرأي (والفاقة) الفقر والحاجة (والسحت) بضم فسكون: الحرام، وسمي سحتا لأنه يسحت، أي يمحق.

(جـ) غارم لضمان فغن كان بإذن المضمون أعطى إن أعسر هو والأصيل وإن كان بغير إذنه أعطى إن أعسر وإن لم يعسر المضمون. (هذا) والراجح أن الغارم يعطي من الزكاة مطلقا (قال) أبو الطيب صديق بن حسن: وأما الغارم فظاهر إطلاق الآية يشمل من عليه دين سواء أكان غنيا أو فقيرا مؤمنا أو فاسقا في طاعة أو معصية. أما عدم الفرق بين الغني والفقير، فلإطلاق الآية ولاستثناء الغارم من حديث: لا تحل الصدقة لغني. وأما عدم الفرق بين المؤمن والفاسق، فلإطلاق الآية لا سيما إذا استدان الفاسق في غير سرف ولا معصية فلا معنى لاشتراط الإيمان. وأما عدم الفرق بين الدين في طاعة أو معصية. فلإطلاق الآية. وإذا ورد ما يقتضي التقييد بما لزم في طاعة أو معصية، فلإطلاق الآية. وإذا ورد ما يقتضي التقييد بما لزم في طاعة فله حكمه. نعم إذا كانت الإعانة له تستلزم إغراءه على المعاصي ووقوعه فيما يحرم عليه، فلا ريب أنه ممنوع لأدلة أخرى. وأما إذا لومه الدين في السرف والمعصية ثم تاب وأقلع وطلب أن يعان من الزكاة على القضاء، فالظاهر عدم المنع (¬1). (7) سبيل الله: المراد به- عند النعمان- جميع القرب. فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخير إذا كان محتاجا (وقال) أبو يوسف: المراد منه فقراء الغزاة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك. (وقال) محمد: المراد به الحاج المنقطع (¬2). (روت) أم معقل الأسدية "أن زوجها جعل بكرا لها في سبيل الله وأنها أرادت العمرة، فسألت زوجها البكر، فأبى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأمره أن يعطيها، وقال النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم: الحج والعمرة من سبيل الله، فأعطاها البكر" ¬

(¬1) انظر ص 134 - الروضة الندية (مصارف الزكاة). (¬2) انظر ص 45 ج 2 بدائع الصنائع.

(الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. (ورد) بأن فيه مجهول وإبراهيم ابن مهاجر متكلم فيه (¬1). {150} ... (وقال) الأئمة الثلاثة: المراد بسبيل الله الغزاة المتطوعون بالجهاد أن لم يكن لهم شئ فى بيت المال فيعطون ولو أغنياء إعانة لهم على الغزو (لما) تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقه لغنى إلا لخمسة، ومنهم: أو غاز فى سبيل (¬2). ولن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعضهما ستة أصناف لم يشترط فيهم الفقر، فيجوز لهم الأخذ مع الغنى الظاهر الآية (¬3). ... (وأجاب) الحنفيون عن الحديث: لا تحل الصدقة لغنى إلا لغاز فى سبيل الله، بأنه محمول على من كان غنيا حال إقامته، فلا تحل له الصدقة، فإذا عزم على السفر للجهاد احتاج لعدة وسلاح لم يكن محتاجا لهم فى إقامته فيجوز أن يعطى من الصدقة وإن كان غنيا فى مصره. (وحاصل) مذهب مالك رحمه الله ان المجاهد فى سبيل الله أى المتلبس به ان كان ممن يجب عليه لكونه حرا مسلما ذكرا مكلفا قادرا، يعطى من الزكاة ما ينفقه فى جهاده ولو غنيا أو هاشميا، ويدخل فيه المرابط ويشترى له منها آلة الجهاد كسيف ورمح. وقولهم: لا يعطى للمجاهد الهاشمى، محمول على ما ينفقه على نفسه. وأما الآلة فلا يتملكها لأنها تبقى للمجاهدين، وكالمجاهد جاسوس يرسل للاطلاع على أحوال العدو ويعلمنا بها فيعطى منها وان كان كافرا لأنه ساع فى مصالح المسلمين (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 9 - الفتح الربانى (الصدقه فى سبيل الله) وص 151 ج 2 عون المعبود (العمره) وص 482 ج 1 مستدرك. (¬2) تقدم رقم 143 عن أبى سعيد ص 260 (العامل على الزكاة) .. (¬3) انظر ص 704 ج 2 شرح المقنع. (¬4) (فائدة) لا يصرف من الزكاة فى الحج عند الحنفيين ومالك والشافعي وهو الأصح عن =

(8) ابن السبيل: هو -عند الحنفيين- الغريب المنقطع عن ماله فيعطى من الزكاة ما يوصله لمقصده وإن كان غنيًا في وطنه، لأنه محتاج في الحال. (وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله وابن السبيل ورجل كان له جار فتصدق عليه فأهدى له" أخرجه أحمد وأبو داود وفيه عطية بن سعد العوفي ضعفه الثوري وابن عدى، وحسن له الترمذي أحاديث. {151} ¬

= أحمد لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما يتصرف إلى الجهاد، لان الزكاة انما تصرف الى المحتاج كالفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو على من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين، والحجد للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم عليه ولا حاجة به أيضا، لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، وتكليفه به مشقة قد خفف الله عنه إيجابها، وتوفير ما يعطي له لذوي الحاجة من المستحقين أو دفعه في مصالح المسلمين اولى (وعن) أحمد أن الفقير يعطي قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه، وهو قول إسحاق لما تقدم في حديث أم معقل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زوجها أن يعطيها بكرا- جعله في سبيل الله- لتعتمر عليه .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحج والعمرة من سبيل الله (أنظر رقم 150 ص 269)، والأول أولى، وأما الحديث فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله، والمراد بالآية غيره لما ذكرنا، وإذا قلنا: يدفع في الحج من الزكاة فلا يعطي إلا بشرطين: (أحدهما) ألا يكون له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة إلا لخمسة ولم يذكر الحاج فيهم (أنظر رقم 143 ص 260) ولأنه يأخذ لحاجته فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره (ثانيهما) أن يأخذ لحجته الفرض لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه وإبراهء ذمته، أما التطوع فله عنه مندوحة. (وظاهر) كلام أحمد جوازه في الفرض والنقل لأن الكل من سبيل الله، ولأن الفقير لا فرض عليه، فالفرض منه كالتطوعن فعلى هذا يجوز أن يدفع ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه. ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها (أنظر ص 701 ج 2 شرح المقنع).

ويلحق به كل من تعذر عليه حصوله على ماله ولو في بلده. والأولى أن يتسلف إن قدر (وقالت) المالكية والحنبلية: ابن السبيل. الغريب المحتاج لما يوصله وكان تغربه في غير معصية بالسفر، ويلزمه أن يتسلف إن قدر فإن لم يجد مسلفا أعطى من الزكاة ولو غنيا ببلده، وإن وجد مسلفا أعطى إن كان فقيرا ببلده. أما من كان معه ما يوصله فلا يعطي منها كما لو كان تغربه في معصية. ... (وقالت) الشافعية: ابن السبيل هو منن ينشئ سفرا لغرض صحيح ولو للتنزه أو يكون مجتازا فيعطي ما يوصله لمقصده إن كان محتاجا غير عاص بسفره، فإن كان سفره لمعصية فلا يعطي. وكذا الهائم الذي سفره لغيره غرض صحيح. ثم الكلام بعد ينحصر في سبعة فصول: (1) توزيع الزكاة على مستحقيها: خص الله تعالى الصدقة بهؤلاء الأصناف فلا تصرف لغيرهم ويجوز دفعها على كلهم أو بعضهم عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور، لأن الآية إنما سيقت لبيان أن الصدقة لا تخرج عن هذه الأصناف لا لإيجاب قسمها عليهم جميعا (روى) عطاء عن عمر: "إنما الصدقات للفقراء. قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك" أخرجه الطبري (¬1). (وقال) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "بعث على رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في ترابها، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين الأقرع بن حابس وبين زيد الخيل وعيينة بن حصن وعلقمة ¬

(¬1) انظر ص 115 ج 3 جامع البيان.

ابن علاثة، فغضبت قريش والأنصار وقالوا: تعطي صناديد أهل نجد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أتألفهم. ذكره علاء الدين الكاساني وقال: ولو كان كل صدقة مقسومة على الثمانين بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم الذهبية إلى المؤلفة دون غيرهم (¬1). (وقال) الشافعي: يلزم تعميم الأصناف إن قسم الإمام، وكذا إن قسم المالك. وكانوا محصورين (لقول) زياد بن الحارث الصدائي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك" أخرجه أبو داود والطحاوي، وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي تكلم فيه غير واحد (¬2). {152} (وبهذا) قال الزهري وداود (والظاهر) ما ذهب إليه الأولون، وليس في الىية ما يدل على طلب تعميم الأصناف. وفي التعميم حرج ومشقة (والمراد) من حديث زياد بن الحارث بيان أن الآية تكفلت ببيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم (ولذا) اختار بعض محققي الشافعية عدم وجوب التعميم. ¬

(¬1) انظر ص 46 ج 2 بدائع الصنائع (ذهيبة) تصغير وأنثه لأن الذهب يؤنث. (¬2) انظر ص 255 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطي الصدقة).

(قال) العلامة البيضاوي في تفسير الآية بعد أن ذكر قول الجمهور: واختاره بعض أصحابنا، وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى، على أن الآية لبيان أن الصدقة لا تخرج عنهم لا لإيجاب قسمها عليهم (وندب) إيثار المضطر على غيره بأن يزاد في عطائه منها بلا تحديد، فإن خيف هلاك أو شدة أذى وجب الإيثار ولا يندب تعميم الأصناف الثمانية عند مالك إلا أن يقصد الخروج من خلاف الشافعي (¬1). (وقال) الحنفيون وأحمد: يستحب تفريقها على من أمكن من الأصناف وتعميمهم ويبدأ بإعطاء جابي الزكاة لأنه يأخذ أجر عمله فكان استحقاقه أولى. ولذا إذا عجزت الصدقة عن أجره تمم من بيت المال، ويعطي كل صنف قدر كفايته فإن فضلت عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد إليه، وإن نقصت أعطى الإمام كل إنسان منهم ما يرى (¬2)، وإذا تولى الرجل تفريق زكاته، فالأفضل له- عند غير مالك- دفعها إلى الأقارب غير الأصول والفروع، لما فيه من الصلة والصدقة (روى) سلمان بن عامر الضبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صلة وصدقة" أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬3). {153} ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق، فإن استووا فيها فأولاهم أقربهم نسبا. (وقال) مالك: يكره تخصيص قريب لا تلزم المزكي نفقته. وأما إعطاؤه كغيره فلا كراهة فيه إن كان من أهلها، ولنائب رب المال أن يأخذ منها بالمعروف إن كان من أهلها (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 602 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 708 ج 2 - شربحج المقنع. (¬3) انظر ص 191 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة على الزوج والأقارب) وص 261 ج 1 - مجتبي (الصدقة على الاقارب) وص 22 ج 2 - تحفة الأحوذي، وص 407 ج 1 - مستدرك. (¬4) انظر ص 603 ج 1 - الفجر الجديد.

(2) شروط من تدفع له الزكاة: يشترط في مصرف الزكاة سبعة شروط: (أ) الإسلام (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في ففرائهم" (¬1)، والضمير للمسلمين فلا تدفع لكافر. نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفارا عند الشافعي يعطون أجرهم من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة، وكذا الجاسوس الكافر يعطي عند مالك والمؤلف الكافر يعطي عنده وعند أحمد (¬2)، وكذا إن كان عاملا في إحدى الروايتين عنه. ويجوز دفع الزكاة وغيرها للمسلم الفاسق إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ. (ب) الحرية- وهي شرط في غير الرقاب، فلا تعطي- عند غير الحنفيين- لرقيق ولا لمن فيه شائبة رق لأن نفقته على سيده، فإن عجز السيد عنها باعه أو أعتقه فيكون من أهل الزكاة، وإذا كان العبد عاملا جاز إعطاؤه من الزكاة أجر عمله (وقال) الحنفيون: لا يشترط حرية المؤدى إليه، فيجوز دفع الزكاة لعبد سيده فقير، وتقع للسيد، وكذا يصح دفعها عند النعمان لعبد سيده غنى إذا كان مأذونا له في التجارة وكان مدينا بما يستغرق رقبته وكسبه؛ لأن السيد لا يملك حينئذ كسبه فهو كالمكاتب. (وقال) أبو سف ومحمد: لا يجوز دفع الزكاة لعبد سيده غني، لأنه يملك كسبه عندهما (أما المكاتب) فيجوز- عند غير مالك- أن يدفع إليه غير سيده زكاته على ما تقدم بيانه في بحث الرقاب (¬3)، وكذا يجوز للسيد دفع ¬

(¬1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 105 (دليلها). (¬2) انظر ص 600 ج 1 - الفجر المنير. (¬3) تقدم ص 211.

زكاته إلى مكاتبه عند ابى يوسف ومحمد وهو الصحيح عن احمد، لأنه صار معه فى المعاملة كالأجنبى، فهو كالدائن يدف زكاته الى مدينه. (وقال) النعمان: لا يدفع السيد زكاتة لمكاتبه لأن للسيد حقا فى كسبه فكأنه دفع لنفسه، وهو رواية عن احمد. (ج) إلا يكون غنيا بمال: يشترط فى المصرف الاحتياج على ما تقدم فى بحث الفقير والمسكين فلا تدفع الزكاة إلا غنى بالإجماع (وهو) عند الحنفيين من يملك نصابا ولو غير تام - من النقود أو الماشيه أو العروض - فاضلا عن الدين والحوائج الأصلية (لحديث) سالم بن أبى الجعد عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحل الصدقة لغنى ولا ذى مرة سوى " أخرجه أحمد والنسائى وأبن ماجه والدار قطنى بسند رجاله ثقات، لكن قال أحمد: سالم لم يسمع من أبى هريرة. وأخرجه الحاكم عن ابى حازم عن أبى هريرة وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبى (¬1). {154} ... (وقالت) المالكيه: الغنى من يملك أو يكتسب ما يكفيه - هو ومن تلزمه نفقته - عاما فيجوز دفعها لمن يملك أو يكتسب نصابا فأكثر لا يكفيه. ... (وقالت) الشفاعية: الغنى من له مال أو كسب يكفيه ومن تلزمة نفقته العمر الغالب وهو ستون سنة على ما تقدم فى بحث الفقير والمسكين (¬2). ... (قال) الشافعى رحمة الله: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه فى نفسه وكثرة عياله (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 91 ج 9 - الفتح الربانى (من لاتحل له الصدقة) وص 363 ج 1 - مجتبى (اذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها) وص 289 ج 1 - ابن ماجة (من سال عن ظهر غنى) وص 210 - الدار قطنى، وص 407 ج 1 - مستدرك، (والمرة) بكسر الميم: الشدة والقوة (والسوى) السليم الخلق التام الأعضاء. (¬2) تقدم ص 259 (¬3) انظر ص 57 ج 2 - معالم السنن (من يعطى الصدقة وحد الغى) ..

(وعن) أحمد روايتان: (الأولى) أن الغنى هو من يقدر على تحصيل ما يكفيه ومن تلزمه نفقته، فاذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الزكاة وان يملك شيئا، وان كان محتاجا حلت له وان ملك نصابا من الأثمان وغيرها. (الثانية) أن الغنى هو من يملك خمسين درهما أو قيمتها من ذهب، أو قدر على تحصيل ما يكفيه على الدوام من يكسب أو تجارة أو عقار أو نحوها. فلو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفايه لم يكن غنيا وان ملك نصابا. وهذا هو الظاهر من مذهبه (لما) روى عن على وابن مسعود رضى الله عنهما انهما قالا: لاتحل له الصدقة لمن لهم خمسون درهما أو قيمتها من الذهب (¬1). ... (واجاب) الأولون بأن هذا وما روى مثله مرفوعا لا يدل على حرمة أخذ الزكاة علة من ملك خمسين درهما أو قيمتها، انما يدل على حرمة السؤال على من ذكر. على ان الحديث ضعيف لا يحتج به كما تقدم (¬2). ... (وقال) الحسن البصرى رضى الله عنه: الغنى من ملك اربعين درهما أو قيمتها (لقول) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه: سرحتى امى الى النبى صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته فاستقبلنى، فقال: " من استغنى اغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سال وله قيمه أو قية فقد ألحف. فقلت: ناقى الياقوتة معى خير من اوقية، فرجعت ولم أسأله " أخرجه احمد والنسائى بسند رجاله ثقات (¬3). {155} ¬

(¬1) انظر ص 523 ج 2 - مغى ابن قدامة. (¬2) تقدم رقم 142 ص 259 (الفقير والمسكين). (¬3) انظر ص 92 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 363 ج 1 - مجتبى (من الملحف؟ ) (وسر حتى) أى ارسلتى (وألحف) أى تعدى فى السؤال والح فبه و (الياقوتة) اسم للناقة.

والاوقيه أربعون درهما. (واجاب) الأولون عن هذا الحديث بحمله على حرمة السؤال. بمعنى انة لا يحل سؤال الصدقة لمن له أوقية أو قدرها من الذهب. أقسام الغنى: هو ثلاثة أقسام: (1) الغنى الموجب للزكاة، وهو أن يملك نصابا من المال النامى الفاضل عن حاجته الاصلية - عند الحنفين - وهو مانع من اخذ الزكاة (لقول) النبى صلى الله عليه وسلم لما بعثة الى اليمن: " ان الله افترض عليهم صدقة فى اموالهم تؤخذ من أغنبائهم وترد فى فقرائهم " (¬1). ... قسم الناس قسمين: أغنياء وفقراء وجعل الأغنياء يؤخذ منهم والفقراء ترد عليهم، فمن لم يؤخذ منه يكون مردودا عليه (وقال) مالك والشافعي واحمد: قد يجوز لمن تجب عليه الزكاة أن يأخذ زكاة غيرة، فمن ملك نصاب زكاة - لا تتم به الكفايه - من غير الأثمان فله أن يأخذ من الزكاة. ... (قال) الميمونى: ذاكرت أبا عبد الله - يعنى احمد - فقلت: قد تكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير وتكون له اربعون شاة وتكون له الضيعة لا تكفيه فيعطى الصدقة؟ قال: نعم وذلك لأنه لا يملك ما يغنيه ولايقد على كسب ما يكفيه فجاز له الاخذ من الزكاة كما لو كان ما يملك لا تجب فيه الزكاة (¬2). (2) الغنى المحرم لأخذ الصدقة والموجب لصدقة الفطر والأضحية - عند الحنفيين - وهو أن يملك مما لا تجب فيه الزكاة ما يفضل عن حاجته وتبلغ قيمة الفاضل مائتى درهم زيادة عما يحتاج اليه وليس للتجارة ولا من السوائم، فاذا كان كذلك حرم عليه أخذ الصدقة (وقال) مالك والشافعى وأحمد: لا يحل الأخذ من الزكاة لمن عنده ما يكفيه من مال أو كسب بلا زيادة ¬

(¬1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 105 (دليلها). (¬2) انظر ص 525 ج 2 - مغى ابن قدامة.

(لقول) عبيد الله ابن عدى: " أخبرنى رجلان أنهما أتيا النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع يسألانه الصدقة، فرفع فيهما النبى صلى الله عليه وسلم البصر وخفضه، فرآهما رجلين جلدين، فقال: ان شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب " أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود والدار قطنى بسند جيد (¬1). {156} ... (وأجاب) الحنفيون بأن هذا محمول على حرمة السؤال لا على حرمة الأخذ من الزكاة، ولو كان حراما لم يعطهما النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن قال ذلك للزجر عن السؤال والحمل على الكسب. (3) الغنى المحرم للسؤال: وهو يتحقق بالقدرة على الكسب أو بملك خمسين درهما أو قيمتها أو ما يستر جسده ويفى بقوت يومه (لحديث) سهل ابن الحنظلية أن البنى صلى الله عليه وسلم قال: " من سأل وعنده ما يغنيه فانما يستكثر من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه " أخرجه أحمد وأبو داود مختصرا بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). {157} ... الغنى بغيره: (د) يشترط فيمن تصرف له الزكاة أن لا يكون غنيا بغنى غيره وهو من تجب عليه فطرته عند الحنفيين ومن تلزمه نفقته عند غيرهم، فلا تدفع الى أولاد صغار أبوهم غنى وان لم يكونوا فى عيالهم لانهم أغنياء بغناه، أما الكبار الفقراء فتدفع لهم الزكاة لأنهم لا يعتبرون أغنياء بغنى أبيهم وان كانت نفقتهم ¬

(¬1) انظر ص 93 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 363 ج 1 - مجتبى (مسألة القوى المكتسب) وص 262 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطى من الصدقة) و (رجلان) من الصحابة وجهالة الصحابة لا تضر. و (جلدين) بسكون اللام: اى قويين. (¬2) انظر ص 94 و 95 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 253 ج 9 - المنهل العذب المورود (من تحل له الصدقة) (والحنظلية) اسم أم سهل، وأبوه الربيع بن عمرو.

عليه بان كان الوالد زمنا او اعمى، او طالب علم، او انثى لم تتزوج. وكزا يصح دفعها الى اصل الغنى وامرئته الفقيرين ولو فرض لها نفقه عند المعونان ومحمد، لانها لا تعد غنيه بغنى زوجها لانها لا تستحق عليه الا مقدار النفقه فلا تعد به غنيه. (وعن) ابى يوسف: لا يجوز اعطاؤها من الزكاة اذا قضي لها بالنفقة لانها تصير دينا بالقضاء فتصير بها غنيه بغنى زوجها (وقال) الائمه الثلاثة: لا تدفع الزكاة لمن تزلم الغنى نفقته كرفعه ولو كبيرا واصله وامرائتة الفقراء، وهذا - بالنسبه للمرأة - اذا كان زوجها موسرا ينفق عليها وان لم ينفق عليها وتعزر ذلك، جاز الدفع اليها كما لو طعلت منفعة العقار (¬1). عودة منفعة الزكاة على المزكى: (هـ) يشترط عدم اتصال المنافع بين المزكى والمؤدى اليه لأن ذلك يمنع تمليك الفقير من كل وجه بل صرافا الى نفس المزكى من وجهه، وعليه: (1) لا تدفع الزكاة لأصل المزكى كأبويه واجداده وجداته ولو من قبل الأم وان علوا (2) ولا الى فرعيه وان سفله، لعدم قطع المنفعة عن المزكى بدفعه لمن ذكر. وهذا مجمع عليه. (3) ولا يدفع الرجل زكاته الى امرأته اجماعا. (4) ولا تدفع المرأة الزكاة الى زوجها ولو معتدة من طلاق بائن بينونة كبرى - عند النعمان وأحمد فى روايه - لعدم قطع المنفعه عنها بدفعها لزوجها. (وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد فى روايه واشهب المالكي: يجوز للمرأة دفع زكاتها الى زوجها الفقير (لحديث) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن زينب أمرأة ابن مسعود قالت: يا بني الله إنك أمرت اليوم بالصدقة ¬

(¬1) انظر ص 526 ج 2 - مغنى ابن قدامه.

وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلي الله تعالي وعلى آله وسلم: " صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " أخرجه البخاري مختصرا (¬1). {158} ولأنه لا يجب على المرأة نفقة الزوج فلا مانع من الدفع إليه كالأجنبي لأن الاصل جواز الدفع الى الزوج لدخوله فى الاصناف المستحقة للزكاة، وليس فى المنع نص ولا إجماع (¬2). ... (وأجاب) الأولون عن حديث ابى معود بأنه محمول علي صدقة التطوع (لقول) البنى صلى الله عليه وسلم: " زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " والولد لا تدفع اليه الزكاة (ولحديث) رائطة امرأة ابن مسعود قالت: يا رسول الله، انى امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لولدي ولا لزوجي نفقه غيرها وقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشئ فهل لى من اجر فيما أنفقت؟ فقال لها النبى صلى الله وعليه وعلي آله وسلم: " أنفقي عليهم فان لك فى ذلك اجر ما انفقت عليهم " أخرجه أحمد والبيهقي (¬3). {159} ¬

(¬1) انظر ص 209 ج 3 - فتح الباري (الزكاة على الاقارب) و (ولودك) لعله مجاز عن الربائب (لحديث) زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت لبلال: سل النبى صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن انفق على زوجى وايتام لي فى حجري؟ فسأله فقال: " نعم ولها اجر القرابه واجر الصداقة " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وهذا لفظ البخاري مختصرا (أنظر ص 188 ج 9 - الفتح الرباني وص 210 و 211 ج 3 - فتح الباري الزكاة على الزوج والايتام. وص 86 ج 7 - نووي. وص 361 ج 1 - مجتبي - الصدقة على الاقارب. وص 289 ج 1 - ابن ماجة). . (¬2) انظر ص 714 ج 2 - شرح المقنع .. (¬3) نظر ص 189 و 190 ج 9 - الفتح الرباني (الدقة على الزوج والاقارب) وص 179 ج 4 - بيهقي (الأختيار فى صدقة التطوع) و (رائطة) هي زينب ف ى الحديث السابق، ولعلها كانت تتسمي باسمين.

(والراجع) عند المالكية أنه يكره للمرأة دفع الزكاة للزوج. وقيل: يمنع لعودها فى النفقة (¬1). ... الهاشمي ومولاه: ... (و) يشترط فيمن تصرف له الزكاة أن لا يكون من بنى هاشم ولا من مواليهم: ... [ا] فلا تدفع الزكاة للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لآله، وهم - عند الحنفيين - آل العباس بن عبد المطلب وآل على وجعفر وعقيل أبناء أبي طالب وآل حارث بن عبد المطلب (وخص) هؤلاء بالمنع لجواز الدفع الى غيرهم من بني هاشم وهم بنو أبي لهب لأنهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم فأستحقوا الاهانه بجواز دفع أوساخ الناس اليهم بخلاف هؤلاء فانهم آووا ونصروه فاستحقوا الكرامة بتنزيههم عن أوساخ الناس وهي الصدقة. (وقال) مالك وأحمد: آل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنو هاشم مطلقا حتى من اسلم من بنى لهب (¬2) (لعموم) قول النبى صلى الله عليه وسلم - فى حديث عبد المطلب بن ربيعه -: " ان الصدقه لا تنبغى لآل محمد انما هيا اوساخ الناس " (¬3). وقد اسلم عتبه ومعتب ابنا أبى لهب عام الفتح وشهد حنينا والطائف، وقد أعقبا. ... (وقال) الشافعي وجماعة: آل النبى صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم وبنو المطلب، لآن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاهم من سهم ذوى القربى ولم يعط غيرهم من قبائل قريش، فكان ذال يدل ما حرموة من الزكاة. ¬

(¬1) انظر ص 603 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) والمراد ببنوة هاشم كل من لهاشم عليه ولادة ذكرا أو أنثى ولو بواسطة غير انى فلا يدخل فى بنى هاشم ولد بناته (أنظر من 600 ج 1 - الفجر المنير). (¬3) هو بعض الحديث رقم 144 ص 261 (العامل على الزكاة).

(قال) جبير بن مطعم: لما كان يوم خبير وض \ع النبى صلى الله عليه وسلم سهم ذوى القربي فى بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عيد شمس، فأتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا سرول الله هؤلاء بنوا هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذى وضعك الله به منهم، فما بال اخواننا بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " انا وبنى المطلب لا نفترق فى جاهليه والا اسلام وانما نحن وهم شئ واحد وشبك بين اصابعه " أخرجه احمد وابو داود النسائى (¬1). {160} (وأجاب) الاولون بان بنى المطلب انماب اعطوا من خمس الخمس لنصرتهم وموالاتهم بنى هاشم الا لمجرد القرابه، فان بنى عبد شمس وبنى نوفل ليسوا دونهم فى القرابة ولم يعطوا من الخمس الخمس. والنصرة لا تقضى منع الزكاة فتعطى للمستحق من بنى المطلب بدخولهم فى عموم من يستحقهم وانما منع منها بنو هاشم لما فى حديث عبد المطلب بن ربيعه من قول النبى صلى الله عليه وسلم: ان هذة الصدقة انما هيا اوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد (¬2)." ولحديث ابى هريرة رضى الله عنة ان الحسن ابن على رضى الله عنهما اخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كخ كخ أرم بها، اما علمت" لا نأكل الصدقة او ان لا تحل لنا الصدقة؟ " أخرجه احمد والشيخان (¬3). {161} ¬

(¬1) أنظر ص 81 ج 4 مسند أحمد وص 106 ج 3 عون المعبود (مواضع قسم الخمس - الخراج) وص 178 ج 2 مجتبى (قسم الفيئ) (وشبك) أشار النبى صلى الله عليه وسلم بالتشبيك الى نصرتهم اياه حينما حوصروا فى شعب ابى طالب لما تعاهدت قريش على مقاطعه بنى هاشم فى البيع والشراء والنكاح وغيرها فانجاز بنو هاشم وبنو المطلب الى الشعب واستمروا محصورين فيه نحو ثلاث سنين الا أبا لهب فلم يكن معهم. (¬2) تقدم رقم 144 ص 261 (العامل على الزكاة). (¬3) انظر ص 75 ج 9 الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هشام) وص 227 ج 3 فتح الباري (الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم) وص 175 - ج 7 نووي (تحريم الزكاة على الرسول وآله) (وكخ) بفتح أو كسر فسكون الخاء مخففا ومثلا وبكسرها منونة وغير منونة: وهي كلمة لردع الصبي عن تناول ما لا ينبغي.

(فوجب) اختصاص بني هاشم بالمنع، ولا يصح قياس بني المطلب عليهم لأن بني هاشم أقرب إليه صلى الله عليه وسلم واشرف وهم آله (وهذا) في الصدقة الواجبة كالزكاة والكفارات وجزاء الصيد (متفق عليه) أما صدقة التطوع وغلة الوقوف، فالراجح عند الحنفيين أنها لا تدفع لهم إلا على وجه الهدية (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية، أكل، وإن قيل: صدقة، لم يأكل وقال لأصحابه: كلوا" أخرجه أحمد والشيخان (¬1). {162} ... (قال) الخطابي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة لنفسه وآله، وكأن المعنى في ذلك أن الهدية إنما يراد بها ثواب الدنيا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة عنه والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فلم يجز أن تكون يد أعلى من يده صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة (¬2). ... (والمعتمد) عند مالك والشافعي وأحمد وبعض الحنفيين: أنه يجوز لآل النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من صدقة التطوع قياسا على الهبة والهدية والوقف ولأن المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس وهي الزكاة لا صدقة التطوع (والظاهر) القول بحرمة صدقة التطوع عليهم كالفرص لأن الدليل لم يفصل وهو الراجح عند الحنفيين. ... (فائدة) إذا منعت الآل من حقهم في سهم ذوي القربى لم يعطوا من الزكاة عند الحنفيين وأحمد وهو الصحيح عند الشافعي، لعموم الأدلة المانعة، ولأن منعهم من الزكاة لشرفهم بقرابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي ¬

(¬1) انظر ص 76 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم لا الهدية) وص 127 ج 5 فتح الباري (قبول الهدية) وص 184 ج 7 نووي (إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) أنظر ص 71 ج 2 معالم السنن (الصدقة على بني هاشم).

باقية فيبقى المنع (وقال) مالك والأصطخري الشافعي والطحاوي: يجوز دفع الزكاة إليهم حينئذ بوصف الفقر. [ب] ولا تدفع الزكاة لموالي آل النبي صلى الله عليه وسلم عند الحنفيين والشافعي وأحمد وابن الماجشون (لحديث) أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال: أصحبني لعلك تصيب منها معي، فقلت: حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال: "مولي القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة" أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم وصححه وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {163} ... (وقال) مالك وبعض الشافعية: يجوز دفع الزكاة إلى موالي آل النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم ليسوا بقرابة ولا حظ لهم في سهم ذوي القربى فلا يحرمون من الصدقة كسائر الناس، ولأن علة التحريم- وهي الشرف- مفقودة فيهم (والحديث) حجة عليهم ولا قيام للعلة العقلية مع الدليل الصحيح الصريح، فلا تحل لهم صدقة الفرض وكذا صدقة التطوع على الراجح عند الحنفيين. والمعتمد عند الشافعية أنه يجوز لموالي آل النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من صدقة التطوع كالهدية والوقف. (ز) يشترط فيمن تصرف له الزكاة كونه أهلا للملك، فلا تدفع الزكاة فيما لا تمليك فيه كبناء مسجد أو قنطرة أو إصلاح الطرق أو تكفين ميت فقير أو قضاء دينه ولو بأمره قبل موته، ولو اشترى بالزكاة طعاما فأطعم الفقراء. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم) وص 291 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصدقة على بني هاشم) وص 366 ج 1 مجتبي (مولى القوم منهم) وص 21 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهة الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته ومواليه) وص 404 ج 1 مستدرك.

ولم يدفع عين الطعام إليهم لا يجوز لعدم التمليك (¬1)، ولو دفع زكاته إلى الإمام ¬

(¬1) انظر ص 39 ج 3 بدائع الصنائع (وقد) سئل الشيخ محمد بخيث مفتي الديار المصرية سابقا رحمه الله بما نصه: ما قولكم فيمن يقول بجواز دفع الزكاة- من غير تمليكها للفقير- إلى وجوه البر وغلى ما يظن نفعه للمجتمع من المصالح، كتكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد والمدارس والمستشفيات والمنتديات والاستخبارات الإسلامية ونحوها، فهل في جواز ذلك قول لأحد الأئمة ممن يؤخذ بقولهم وتظهر حجتهم؟ "وهل ما يذكره" الرازي في تفسيره عن القفال عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة للمساجد، لأن قوله "وفي سبيل الله" عام في الكل (أنظر ص 464 ج 4 التفسير الكبير للفخر الرازي- الصنف السابع) "مما يعول عليه" السادة الفقهاء. وهل هذا البعض في موضع الإمامة والقدوة والأخذ بقوله؟ وهلا تقضي ذلك إلى إبطال الحكمة في تشريع الزكاة؟ أفيدونا أدامكم الله مرجعا لحل المعضلات. ... (فأجاب) رحمة الله بما ملخصه: اطلعنا على هذا السؤال ونقيد أن علماءنا صرحوا بأنه لابد من عطاء الزكاة من التمليك وأنها لا تصرف إلى بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات والحج والجهاد وكفن ميت وكل ما لا تمليك فيه. وفسروا قوله "وفي سبيل الله" بفقراء الغزاة أو فقراء الحاج المنقطع بهم الطريق على ما بين في الأصل. وأبو يوسف رحمه الله يقول: الطاعات كلها في سبيل الله، ولكن عند إطلاق هذا اللفظ يكون المقصود منه الغزاة عند الناس ولا يصرف إلى الأغنياء من الغزاة عند خلافا للشافعي. وحكى أبو ثور عن أبي حنيفه أنه الغازي دون الحاجز وذكر ابن بطال أنه قال أبي حنيفة ومالك والشافعي. ولابد من التمليك أيضا عند الائمة الثلاثة. ... (قال) في الأم: ويعطي سهم سبيل الله جل وعز من غزا من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطي منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين (أنظر ص 62 ج 2 الأم- بيان أهل الصدقات) وقال في المدونة: وقال مالك: يعطي من الزكاة ابن السبيل وإن كان غنيا في بلده إذا احتاج. وإنما مثل ذلك مثل الغازي في سبيل الله يعطي منها وإن كان غنيا. قلت: فالحاجد المنقطع به، فقال مالك: هو ابن السبيل يعطي من الزكاة، قلت: والحاج عند مالك ابن السبيل وإن كان غنيا؟ قال: نعم (انظر ص 257 ج 1 مدونة- إعطاء المكاتب =

أو عامل الصدقة، جاز لأنه نائب عن الفقير في القبض. وكذا لو دفع زكاة ماله إلى غير مكلف فقير وقبض له وليه أو صيه جاز، لأن الولي يملك قبض ¬

= وابن السبيل من الزكاة) وقال مالك: لا يجزيه أن يعطي من زكاته في كفن ميت لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين ومن سمي الله، فليس للأموات ولا لبنيان المساجد (انظر ص 258 ج 1 مدونة- تكفين الميت من الزكاة). ... ((وقال) أبو بكر بن العربي في كتابه (الأحكام): قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو، ويؤثر عن أحمد وإسحاق إنه الحج، يعني أن الحج من جملة السبل مع الغزو، لأنه طريق بر فيعطي منه باسم السبيل. وهذا يحل عقد الباب ويحرم قانون الشريعة وينثر سلك النظر وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحج أثر (انظر ص 396 ج 1 - أحكام القرآن- التاسعة عشر). ... (وقال) الحافظ: وأما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيا أو فقيرا، إلا أن أبا حنيفة خصه بالغازي المحتاج (وعن) أحمد وإسحق: الحج من سبيل الله. وقال ابن عمر: أما إن الحج من سبيل الله. أخرجه أبو عبيده بإسناد صحيح. ... (وقال) ابن المنذر: إن ثبت حديث ابن عباس: حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج، قلت بذلك. وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها (انظر ص 213 ج 3 فتح الباري- قول الله تعالى: "وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله". ... (وقال) في كشاف القناع: وهم أي أهل الزكاة الذين جعلهم الشرع محلا لدفعها إليهم ثمانية أصناف لا يجوز صرفها إلى غيرهم كبناء المساجد والقناطر وتكفين الموتى ووقف المصاحف وغير ذلك من جهات الخير (أنظر ص 486 ج 1 - ذكر أهل الزكاة). ... "وأما" ما نقله الرازي عن بعض الفقهاء أنه أجاز صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد، لأن قوله "في سبيل الله" عام في الكل. أهـ. وجاري الفخر الرازي على ذلاك الخازن في تفسيره وصديق حسن خان في فتح البيان. "وما" نقله أبو بكر بن العرب عن محمد بن عبد الحكم من أنه يعطي من الصدقة في الكراع والساح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته (انظر ص 397 ج 1 - أحكام القرآن) "فذلك مردود" بما تقدم نقله عن الشافعي وما قاله أبو يوسف من أن =

الصقدقة عنه، وكذا الأجنبي الذي هو في عياله، لأنه كالولي في قبض الصدقة لكونه نفعا محضا، ألا ترى أنه يملك قبض الهبة له. ... (وعن) أبي يوسف ومحمد: أن من عال يتيما فجعل يكسوه ويملكه الطعام وينوي به زكاة ماله يجوز، ثم إن كان اليتيم عاقلا يدفع إليه وإن لم يكن عاقلا يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه ويطعمه لأن قبض الولي كقبضه لو كان عاقلا، ولا يجوز قبض الأجنبي للفقير المكلف إلا بتوكيله لأنه لا ولاية له عليه فلابد له من امره كما في قبض الهبة (¬1). ... (3) الخطأ في مصرف الزكاة: ... لو دفع المزكي- بعد التحري- زكاته إلى من ظنه مصرفا فبان أنه غني أو هاشمي أو ذمي أو أصله أو فرعه، أجزأه ما دفعه من زكاته- عند النعمان ومحمد (لقول) معن بن يزيد رضي الله عنهما: كان أبي أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن" أخرجه أحمد والبخاري (¬2). {164} ¬

= الطاعات في سبيل الله ولكن عند إطلاق هذا اللفظ المقصود منه الغزاة عند الناس. أهـ. أي عند العلماء فأقاد أن سبيل الله عام بحسب معنى اللفظ ولكن عرف في لسان الشارع بأن المراد منه خاص وهو ما تقدم فصار المعنى الخاص هو الحقيقة الشرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية لأن الحقيقة الشرعية هي المعنى المراد في إصطلاح تخاطب الشارع فلا يعدل عنه. وهذا كله إذا حمل قول بعض الفقهاء ومحمد بن عبد الحكم على ظاهره وأما إن جعل المراد منه ما قدمناه فلابد من التمليك ولا خلاف في عدم جواز صرفها لنفس تلك الخيرات، والله أعلم (12 ربيع الأول سنة 1348). (¬1) انظر ص 39 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 187 ج 3 فتح الباري (إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر).

فعموم لفظ- ما في قوله: لك ما نويت- يفيد المطلوب وإن كان يحتمل أن الصدقة كانت نفلا (ولحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: لأصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتى فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغنى فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬1). {165} (وقال) مالك وأبو يوسف والشافعي: لو دفع المزكى بعد التحري زكاته إلى من ظنه مصرفا فبان أنه غني أو هاشمي أو ذمي أو أصله أو فرعه لا يجزئه ما دفعه عن زكاته، لظهور الخطأ بيقين، وعليه الإعادة لأنه دفع ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 9 - الفتح الرباني (من دفع صدقته إلى من ظنه من أهلها ... ) وص 187 ج 3 فتح الباري (إذا تصدق على غني وهو لا يعلم) وص 110 ج 7 نووي (ثبوت أجر المتصدق) وص 348 ج 1 مجتبي (إذا أعطاه غنيا وهو لا يشعر) و (الرجل) المتصدق كان من بني إسرائيل كما في رواية لأحمد. و (تصدق) مبني للمجهول. وكذا (فأتى) وفي رواية الطبراني: فساءه ذلك فأتى في منامه أي أرى في المنام. وعند أحمد: فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت. وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت مختصة عندهم بأهل الحاجة من أهل الخير. وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع. واختلف الفقهاء في الأجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض. ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع. ولذا ترجم له البخاري فقال (باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم) ولم يجزم بالحكم وتمامه في فتح الباري (انظر ص 187 ج 3).

الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته وأخطأ اجتهاده (وأجابوا) عن الحديث باحتمال أن الصدقة فيهما كانت نفلا. ... (والمختار) عند أحمد أنه إذا أعطى الزكاة من يظنه فقيرا فبان غنيا أنه يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي ساله الصدقة: إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك (¬1) ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقوله (وأما) لو بان الآخذ عبدا أو كافرا أو هاشميا أو أصلا أو فرعا للمعطي لم يجزء عند أحمد رواية واحدة، لأنه ليس بمستحق ولا تخفي حاله غالبا فلم يجزء الدفع غليه كديون الآدمي. وفارق من بان غنيا بأن الفقر والغنى مما يعسر الإطلاع عليه ومعرفة حقيقته، فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره (¬2). ... (4) من يطالب بأداء الزكاة: مال الزكاة نوعان (ظاهر) وهو المواشي والزروع والمال الذي يمر به التاجر على العاشر (وباطن) وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها (أما الظاهر) فللإمام ونوابه من السعادة والعشار ولاية الأخذ والطلب (¬3) - عند الحنفيين ومالك- لقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" (¬4) نزلت في الزكاة وفيها أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأخذ الزكاة، فللإمام المطالبة بهذا وأخذها، ولقوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها" فقد جعل للعاملين عليها حقا، فلو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بدفع الصدقات وكان أداؤها لأرباب الأموال لم يكن لذكر (العاملين) وجه، وكان ¬

(¬1) تقدم رقم 152 ص 273 (توزيع الزكاة على ستحقيها). (¬2) انظر ص 528 ج 2 مغنى ابن قدامة. (¬3) (الساعي) من يسعى إلى القرى لأخذ صدقات المواشي في أماكنها (والعاشر) من يأخذ الصدقة من التاجر يمر عليه. (¬4) سورة التوبة: آية 103.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان لأخذ الصدقات من الملاك، وفعله الخلفاء من بعده. ... (وقال) الصديق رضي الله عنه- لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة-: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه (¬1) (وكذا) المال الباطن إذا مر به التاجر على العاشر كان له أن يأخذ منه، لأنه لما سافر به وأخرجه من العمران صار ظاهرا والتحق بالسوائم، لأن الإمام إنما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية، لأن المواشي في البراري لا تصير محفوظة إلا بحفظ السلطان وحمايته، وهذا المعنى موجود في مال يمر به التاجر على العاشر فكان كالسوائم، وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه نصب العشار وقال لهم: خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضياللبه عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليه واحد منهم، فكان إجماعا. (وروى) عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله بذلك وقال أخبرني بهذا من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... (وأما المال) الباطن الذي يكون في المصر فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر طالبا وعثمان طالب زماناز ولما كثرت أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الأمة وفي تفتيشها ضررا بارباب الأموال، فوض الأداء إلى أربابها. ... (وقال) الشيخ أبو منصور الماتريدي: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في مطالبة المسلمين بزكاة الورق وأموال التجارة، ولكن الناس كانوا يعطون ذلك للمستحق، ومنهم كان يحمل إلى الأئمة فيقبلون منه ذلك ولا يسألون أحدا عن مبلغ ماله ولا يطالبونه بذلك (¬2). ¬

(¬1) هذا بعض الحديث رقم 12 ص 112 (قتال مانع الزكاة). (¬2) انظر ص 35 ج 2 بدائع الصنائع.

(وقال) أحمد: يستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي (وعنه) يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي (وقال) الشافعي: دفعها إلى الإمام العادل أفضل، وهو قول الشعبي والأوزاعي، لأن الإمام أعلم بمصارفها ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لها (وكان) ابن عمر يدفع زكاته على من جاءه من سعاة ابن الزبير (وقال) سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني؟ وقال: ادفعها إليهم، فأتيت بان عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، فقال كل مثل ذلك (¬1). (هذا) ويجوز دفع الزكاة إلى السلطان الجائر ويبرأ رب المال بذلك عند الجمهور (لقول) أنس بن مالك رضي الله عنه: "أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا اديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها إثمها على من بدلها. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). {166} ... (قال) في المنتقى: احتج بعمومه من يرى أن الزكاة المعجلة إلى الأمام إذا هلكت عنده تهلك على حساب الفقراء دون الملاك (وقال) وائل الحضرمي: سأل سلمة بن يزيد الجعفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرايت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، فقال: "اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" أخرجه مسلم والترمذي (¬3). {167} ¬

(¬1) أخرج هذه الآثار سعيد بن منصور وابن أبي شيبة (وعن) سعد بن أبي وقاص مرفوعا: ادفعوها إليهم ما صلوا الخمس. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف (انظر ص 80 ج 3 مجمع الزوائد) (دفع الصدقات إلى الأمراء). (¬2) انظر ص 36 ج 9 - الفتح الرباني (براءة رب المال بدفع الزكاة إلى المصدق). وتقدم الحديث بأتم من هذا رقم 17 ص 116 (فضل الزكاة). (¬3) انظر ص 136 ج 12 نووي (الأمر بالصبر عند ظلم الولاة).

(وعليه) فلو أخذ الأمراء الظلمة الصدقات والعشور والخراج ولا يضعونها مواضعها فهل تسقط عن أربابها؟ اختلف المشايخ فيه (ذكر) الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه يسقط ذلك كله وإن كانوا لا يضعونها في أهل لأن حق الأخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم والوبال عليهم. وهذا قول الشافعي وأحمد. (وقال) أبو بكر الإسكاف: إن جميع ذلك لا يسقط ويعطي ثانيا، لأنهم لا يضعونها مواضعها ولو نوى صاحب المال أنه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله (قيل) يجوز لأنهم فقراء في الحقيقة. ألا ترى أنهم لو أدوا ما عليهم من التبعات والمظالم صاروا فقراء. (وقيل) إن السلطان لو أخذ مالا من رجل بلا حق مصادرة فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك عن زكاة ماله وعشر أرضه يجوز ذلك (¬1). ... (5) شروط ولاية آخذ الزكاة: ... يشترط لذلك شروط أربعة: (أ) وجود الحماية من الإمام: حتى لو ظهر أهل البغي على مدينة من مدائن أهل العدل وغلبوا عليها فأخذوا صدقات السوائم والعشور والخراج، ثم ظهر عليهم إمام العدل، لا يأخذ منهم ثانيا، لأن حق الأخذ للإمام لأجل الحفظ والحماية ولم يوجد إلا أنهم يفتون فيما بينهم وبين ربهم أن يؤدوا الزكاة والعشر ثانيا وكذا الخراج عند بعضهم (وقيل) ليس عليهم الإعادة لأن الخراج يصرف على المقاتلة والبغاة يقاتلون العدو ويذبون عن حريم الإسلام. وأما إذا مر من لزمته الزكاة على البغاة فأخذوها منه، فللإمام أخذها ثانيا، لأن التفريط من قبل من مر عليهم، والذمي في هذا كالمسلم. ¬

(¬1) انظر ص 26 ج 2 بدائع الصنائع.

(ب) وجوب الزكاة: فلا ولاية على من لم تجب عليه لأن المأخوذ زكاة وهي في عرف الشرع ما يجب إخراجه فلابد من تقدم الوجوب فتراعي شروطه وهي الملك المطلق وكمال النصاب وكونه معدا للنماء وحولان الحول وعدم الدين المطالب به من العباد وأهلية الوجوب وغير ذلك مما تقدم. (جـ ود) ظهور المال وحضور المالك: فلو حضر ولم يظهر ماله لا يطالب بزكاته لأنه لم يظهر ماله لا يدخل تحت حماية السلطان، وكذا إذا ظهر المال ولم يحضر المالك ولا المأذون من جهته كالوكيل، لا يطالب بزكاته. فإذا جاء الساعي إلى صاحب المواشي يريد أخذ الصدقة فقال: ليست مالي أو لم يحل عليها الحول أو على دين يحيط بقيمتها، فالقول قوله بيمينه لأنه ينكر وجوب الزكاة. ولو قال: أديت إلى مصدق آخر فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يصدق لظهور كذبه بيقين. وإن كان مصدق آخر يصدق مع اليمين- وإن لم يثبت دعواه- في ظاهرة الرواية (ولو قال) أديت الزكاة إلى الفقراء لا يصدق وتؤخذ منه عند الحنفيين (وقال) الشافعي: لا تؤخذ لأن المصدق لا يأخذ الصدقة لنفسه بل ليوصلها على المستحق وقد أوصلها المالك بنفسه. وللحنفيين أن حق الأخذ للإمام، فهو بقوله: أديت بنفسي، أراد إبطال السلطان، فلا يملك ذلك (¬1). (6) مكان صرف الزكاة: هو مكان المال المزكى، فلو كان المزكى في بلد والمال في بلد فهي المعتبرة، فينبغي صرف زكاة كل بلد إلى فقراء أهلها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 104 (دليلها).

(واختلف) العلماء في نقلها (فقال) الحنفيون: يكره نقلها بعد تمام الحول من بلد إلى ىخر لهذا الحديث (ولما روى) إبراهيم بن عطاء عن أبيه قال: إن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن عطاء وهو صدوق (¬1). {168} (سأل) الأمير عن المال زعما منه أن عمران كسائر العمال الذين يجمعون الأموال ويحملونها على الأمراء ليصرفوها في مصارفهم الخاصة، فأنكر عليه عمران وبين له أن الماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم صرف الزكاة لمستحقيها في المكان الذي جمعت فيه. (ولذا) قال الحنفيون: يكره نقلها إلا إلى قريب المزكي لما فيه من الصلة أو إلى شخص أحوج من أهل بلده أو أصلح أو أنفع للمسلمين أو من دار الحرب إلى دار الإسلام أو إلى طالب علم أو كانت معجلة قبل تمام الحول، فحينئذ لا يكره نقلها (لما روى) طاوس: "أن معاذا قال لأهل اليمن: إيتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة" أخرجه البخاري معلقا والبيهقي موصولا (¬2). {169} (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الصدقات من الأعراب خارج المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار بالمدينة (هذا) ولم يقل الحنفيون ¬

(¬1) انظر ص 246 ج 9 - المنهل العذب المورود (الزكاة تحمل من بلد إلى بلد) وص 285 ج 1 - ابن ماجه (عمال الصدقة). (¬2) تقدم رقم 106 ص 222 (دفع القيمة).

بحرمة نقلها لغير قريب أو أحوج، لأن آية: "إنما الصدقات للفقراء" وغيرها من النصوص مطلقة عن التقييد بمكان. (وقال) مالك وأحمد: يجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه إلى ما دون مسافة القصر، سواء وجد بموضع الوجوب مستحق أو لا، لأنه في حكم موضع الوجوب. ولا يجوز نقلها لمسافة القصر فأكثر إلا أن يكون المنقول إليهم أحوج فيندب نقل أكثرها لهم. وإن نقلت إلى مسافة القصر فأكثر إلى من هم أقل منهم في الاحتياج أجزأت مع الحرمة، وإن نقلت إلى مثلهم أجزأت مع الكراهة. (قال) أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا. قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا. (وقال) طاوس في كتاب معاذ بن جبل: من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشرة ترد إلى مخلافه. أخرجه الأثرم في سننه (¬1). وإن لم يوجد بمحل الوجوب أو قربه مستحق، نقلت وجوبا إلى محل فيه مستحق ولو بعد مسافة القصر (وقالت) الشافعية: يجب صرفها في بلد المال، فلو نقلت إلى بلد آخر مع وجود المستحقين ففيه أربعة أقوال الأصح أنه لا يجوز النقل ولا يجزئ ولو لأقل من مسافة القصر (¬2). ويجوز إن فقد المستحق في موضع الوجوب (لحديث) عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه، فبعث إليه معاذ بثلث صدقة ¬

(¬1) انظر ص 531 ج 2 مغنى ابن قدامة (والمخلاف) بكسر فسكون: العشيرة أو البلد. (¬2) (والقول الثاني) يجزئ النقل ويجوز مطلقا (الثالث) لا يجزئ ولا يجوز مطلقا (الرابع) يجزئ ويجوز النقل دون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز نقل الزكاة إليها وهذا إذا فرق رب المال زكاته، أما إذا فرقها الإمام أو الساعي فالأشبه جواز النقل مطلقا.

الناس، فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعث إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه منى. فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك. فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا. أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال (¬1). (وقال) أحمد: لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل عنهم، لأن الذي كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل عنهم، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها غليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليه (¬2). (وإذا) أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلي بيعها لمصلحة- من كلفه في نقلها أو مرضها أو نحوها- فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء، فسأل عنها، فقال المصدق: "إني ارتجعتها بإبل فسكت" أخرجه أبو عبيد في الأموال (¬3). {170} وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها أو غيرها. فإن لم يكن حاجة على بيعها، فقال بعض الحنبلية: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان. (وقيل) يجوز لحديث قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 532 ج 2 مغنى ابن قدامة (والجندل) بضم فسكون: بلد باليمن. (¬2) انظر ص 532 ج 2 مغنى ابن قدامة (والجندل) بضم فسكون: بلد باليمن. (¬3) انظر ص 533 منه (والكوماء) بفتح فسكون: الناقة العظيمة السنام. (¬4) انظر ص 533 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(7) ما يطلب من المزكى والآخذ: هو ثلاثة أمور: (أ) يسن للمزكي دفع الزكاة بيده اليمني متواضعا لله تعالى، معتقدا أن الفضل والنعمة من الله تعالى، وإنما أجرى الخير على يديه تفضلا منه وإحسانا داعيا بقوله: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما (لحديث) سويد بن سعيد حدثنا الوليد بن مسلم عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" أخرجه ابن ماجه وسويد فيه مقال، والوليد مدلس، والبختري متروك متفق على ضعفه (¬1). {171} (ب) ويسن للأخذ أن يدعو للمزكي بنحو آخرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا، وبارك لك فيما أبقيت (لحديث) وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا فأتي رجلا فآتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله. فبلغ الرجل. فجاء بناقة حسنا، فقال: أتوب إلى الله وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك فيه وفي إبله" أخرجه النسائي (¬2). {172} (وقال) عبد الله بن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي أبو أوفي بصدقته، فقال: الهم صل على آل أبي أوفى" أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬3). {173} ¬

(¬1) انظر ص 282 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال عند إخراج الزكاة) و (أن تقولوا) بدل من ثواب، أي لا تنسوا هذا الدعاء الذي فيه طلب الثواب من الله تعالى. (¬2) انظر ص 240 ج 1 مجتبي (الجمع بين المفترق .. ) و (فصيلا مخلولا) أي مهزولا وهو الذي جعل في أنفه خلال لئلا يرضع أمه فهزل. (¬3) انظر ص 232 ج 3 فتح الباري (صلاة الإمام على صاحب الزكاة ودعاؤه له) وص 84 ج 7 نووي (الدعاء لمن أتى بصدقته) وص 191 ج 9 - المنهل العذب المورود (دعاء المصدق لأهل الصدقة) وص 241 ج 1 مجتبي (صلاة الإمام على صاحب الصدقة) - وص 282 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال عند إخراج الزكاة) و (لفظ آل) زائد لأن الآل يطلق على ذات الشيء (وفي الحديث) دليل على جواز الدعاء بالصلاة على غير الأنبياء استقلالا وفي هذا خلاف (انظر ص 393 إرشاد الناسك. إلى أعمال المناسك- الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم).

(ولهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور: يسن دعاء آخذ الزكاة لرب المال. وأوجبه داود وبعض الشافعية لظاهر قوله تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" (ورد) بأن هذا مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم لكون صلاته سكنا لهم بخلاف صلاة غيره، ولو كان الدعاء واجبا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم السعادة. (جـ) يندب ستر الزكاة عن أعين الناس، لأن عمل السر أفضل إلا أن يكون الغالب تركها فيستحب الإظهار للاقتداء به. وقيل: إن إظهارها أفضل، وكذا سائر الفرائض، لكن يحرم قصد المحمدة (وأما) صدقة التطوع فيستحب فيها الإسرار لخبر: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه (¬1) (فعده) من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظل عرشه. ¬

(¬1) هذا بعض حديث (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه. ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (أنظر رقم 4645 ص 88 ج 4 فيض القدير).

(وقال) ابن عباس في قوله تعالى: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي" (¬1) الآية: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا. وكذا في جميع الفرائض والنوافل. وعن عقبة بن عامر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرىن كالمسر بالصدقة" أخرجه أحمد والثلاثة (¬2). {174} (15) صدقة التطوع الصدقة عطية يراد بها الثواب من الله تعالى، وقد تقدم في فضلها والترغيب فيها أحاديث (فيسن) للإنسان التصدق بما ينتفع به ويثاب عليه ولو قليلا، قال الله تعالى: "فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره" (¬3) (وعن) عدى بن حاتم أن النب صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" أخرجه أحمد ومسلم (¬4). {175} (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 271 (وما من نعما) في محل نصب تمييز، أي إن تظروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها. (¬2) انظر ص 202 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة السر) وص 357 ج 1 - مجتبي (السر بالصدقة) وص 263 ج 7 - المنهل العذب المورود (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل). (¬3) سورة الزلزة: آية 7. (¬4) انظر ص 156 ج 9 - الفتح الرباني (الحث على الصدقة) وص 100، 101 ج 7 نووي (والكلمة الطيبة) هي التي فيها تطييب قلب السائل وطاعة الله تعالى بالتسبيح والتحميد ونحوهما لما هو وقاية من النار.

لها: "يا عئشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان" أخرجه أحمد والبزار بسند حسن (¬1). {176} (ومن) آثار الصدقة الاستظلال بها يوم القيامة وإكرام الله للمتصدق وتأمينه يوم الفزع الأكبر (روى) يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير مرثد بن عبد الله حدثه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو يحكم بين الناس. قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا" أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2). {177} فتصدق أيها العاقل بفضل مالك يخلف الله عليك ويدعو لك الملك بالخلف ولا تمسك فيدعو عليك بالتلف فتكون من الهالكين وتندم ولا ينفعك الندم، قال الله تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (¬3). (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا " أخرجه مسلم (¬4). {178} وقال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله فرضا حسنا فيضاعفه له ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 9 - الفتح الرباني، ص 105 ج 3 - مجمع الزوائد (الحث على الصدقة). (¬2) انظر ص 416 ج 1 - مستدرك، وتقدم الحديث بهامش ص 117 (فضل الزكاة) (وظل الصدقة) كناية عن إكرام الله للمتصدق في الموقف وتأمين خوفه (ويحتمل) أن يجسم الله الصدقة فيكون لها ظل يستظل به المتصدق من حر الشمس في الموقف (وفي الحديث) أن من لم يجد ما يتصدق به إلا الشيء القليل فليتصدق به فإن أجره عظيم ونفعه غميم، والعبرة بالإخلاص في العمل. (¬3) سورة سبأ: آية 39. (¬4) انظر ص 95 ج 7 - نووي (كل نوع من المعروف صدقة).

أضعافا كثيرة" (¬1). وقال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا" (¬2). (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: "يا بن آدم أنفق أنفق عليك، وقال: يمين الله ملأي سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار" أخرجه مسلم (¬3). {179} (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبق درهم مائة ألف درهم. قالوا وكيف؟ قال: لرجل درهمان تصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق به" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه (¬4). {180} ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 245. (¬2) آخر سورة المزمل. (¬3) انظر ص 79 ج 7 - نووي (الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف)، و (أنفق أنفق عليك) هو بمعنى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" فيتضمن الحث على الإنفاق في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله (وسحاء) بالمد، أي دائمة الصب والهطل بالعطاء، يقال: سح يسح سحا فهو ساح، والمؤنث سحاء كهطلاء، وفي رواية: يمين الله ملأي سحا بالتنوين على المصدر (واليمين) هنا كناية عن محل العطاء وصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين التي لا يفيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتياح (نزع الماء) وخص اليمين لأنها في الأكثر مظنة العطاء على طريق المجاز والاتساع (أنظر ص 149 ج 2 - نهاية) وقال الترمذي: روى عن مالك بن أنس وسفيان ابن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف (بصيغة الأمر من الإمراء، أي أجروها على ظاهرها ولا تعرضوا لها بتأويل ولا تحريف بل فوضوا الكيف على الله سبحانه وتعالى) وهكذا قول أهل العلم منن أهل السنة والجماعة (انظر ص 23 ج 2 - تحفة الأحوذي) (الليل والنهار) منصوبان على الظرفية. (¬4) انظر ص 350 ج 1 - مجتبي (جهد المقل) وص 416 ج 1 - مستدرك، و (عرض المال) بضم العين: جانبه.

(وظاهر) الحديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المعطى. فصاحب الدرهمين حيث أعطى نصف ماله في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء يكون أجره على قدر همته، بخلاف الغني فإنه ما أعطى نصف ماله ولا في حال يعطي فيها عادة (¬1). والأدلة في هذا كثيرة- تقدم بعضها في فضل الزكاة (¬2)، وكلها تحث على الإنفاق في وجوه الخير وأنواع البر في هذه الدار لينتفع به في الجزاء. فعلى العاقل الراغب في الخير لنفسه أن يبادر بتقديم ما ينفعه في رمسه فيتصدق وهو صحيح محتاج قبل الفوات بهجوم الموت، قال الله تعالى: "وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعلمون" (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 350 ج 1 - سندي مجتبي. (¬2) تقدم ص 116. (¬3) المنافقون 10 و 11 (والمعنى) أن الله تعالى "بعد ان نهى" المؤمنين عن أن تشغلهم دنياهم عن طاعة مولاهم، لئلا يكونوا من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة "أمرهم" بالإنفاق في سبييل الخير فقال "وأنفقوا" تصدقوا "مما رزقناكم" وقال ابن عباس: يريد الزكاة "من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول" سائلا الرجعة "رب لولا أخرتني" أمهلتني "إلى أجل قريب فأصدق" أي فأتصدق وأزكي مالي "وأكن من الصالحين" أي من المؤمنين، وقيل: المراد بالصلاح هنا الحج، فكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ليستدرك ما فاته وهيهات كان ما كان واتى ما هو آت وكل بحسب تفريطه. أما الكفار فكما قال الله تعالى: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب 44 نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال 45" سورة إبراهيم (وقال) تعالى: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون 99 لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ على يوم يبعثون 100" سورة المؤمنون (وبرزخ) أي حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا "والله خبير بما تعملون" أي عليم بمن يكون صادقا في قوله وسؤاله ومن لو ردوا لعادوا إلى شر مما كانوا عليه (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو يجب عليه فيه زكاة فلم يفعل يسأل ارجعة عند الموت، فقال رجل: يا بن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكفار، فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم .... " إلخ السنرة أخرجه الترمذي وقال: حدثنا عبد بن حميدنا عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن أبي حية عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. هكذا روى ابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن ابي جناب عن الضحاك عن ابن عباس من قوله ولم يرفعه، وهذا أصبح من رواية عبد الرزاق (وأبو جناب) اسمه يحيى بن أبي حية وليس بالقوى في الحديث (انظر ص 202 ج 4 - تحفة الأحوذي- سورة المنافقون).

ثم الكلام في ستة فروع: (أ) التنافس في الخير: لما علم الصحابة رضي الله عنهم فضل الصدقة وعظيم ثوابها وجزيل نفعها تسابقوا إليها وتنافسوا فيها. فكان أحدهم يتصدق بما يناسب حاله ويتفق وماله (روى) الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة نفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهم: يا رسول الله كانت لي مائة دينار فتصدقت منها بعشرة دنانير، وقال الآخر: يا رسول الله كانت لي عشرة دنانير فتصدقت منها بدينار، وقال الآخر: كان لي دينار فتصدقت بعشرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم في الأجر سواء، كلكم تصدق بعشر ماله" أخرجه أحمد والبزار. والحارث فيه كلام كثير (¬1). {181} (وفي) الحديث تسلية للفقير وحثه على الصدقة كي لا يحرم من ثوابها. (وقال) أبو السليل: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال: حدثني أبي أو عمي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وهو يقال: من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة، فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين وأنا ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 9 - الفتح الرباني (من تصدق بعشر ماله) وص 111 ج 3 - مجمع الزوائد (أجر الصدقة).

أريد أن أتصدق بهما فأدركني ما يدرك بني آدم، فعقدت على عمامتي، فجاء رجل ولم ار بالبقيع رجلا أشد سوادا أصفر منه ولا آدم يعير بناقة لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال: يا رسول الله أصدقة؟ قال: نعم، قال: دونك هذه الناقة، فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه؟ فوالله لهي خير منه، فسمعها رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرار، ثم قال: ويل لأصحاب المئين من الغبل ثلاثا. قالوا: إلا من يا رسول الله؟ قال: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شمالهن ثم قال: قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا، المزهد في العيش، المجهد في العبادة. أخرجه أحمد، وفي سنده من لم يسم (¬1). {182} وقد دل الحديث (على) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشهد للمتصدق يوم الجزاء (وعلى) ذم من لم يتصدق بفضل ماله من الأغنياء وأن لهم الويل وهو شدة الهلاك وأليم العذاب (وعلى) مدح الزاهد في الدنيا، المجتهد في عبادة ربه جل شأنه، وأنه المفلح السعيد، جعلنا الله تعالى منهم. (وقال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر ¬

(¬1) انظر ص 184 ج 9 - الفتح الرباني، و (لوثا أو لوثين) أي لفة أو لفتين يريد التصدق بهما لتأثره بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، و (ما يدرك بني آدم) أي من الحرص على المال والبخل والإنفاق، فعدل عن ذلك وعقد عمامته بعد أن هم بالتصدق بجزء منها (وأصفر منه) أي أسود فإن الأصفر يطلق على الأسود، ومنه قوله تعالى: "كأنه جماله صفر" أي جمال سود، و (أدم) أي أسود، عطف تفسير، و (يعير بناقة) أي يتصدق بها، و (صدقة) أي اتريد صدقة؟ (فلمزه) أي عابه، و (إلا من قال بالمال هكذا) أي فرقه على من عن يمينه وشماله من المحتاجين، و (المزهد) بضم فسكون فكسر: القليل الشيء (المجهد) من أجهد نفسه في العبادة.

إن سبقت يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا"أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه (¬1). {183} (وفي الحديث) دليل على عدم كراهة التصدق بكل المال من صحيح البدن غير المدين الصبور الذي لا عيال له أو له عيال يصبرون، فإن فقد شيء من هذه كره. وهذا من حيث الجواز. أما من حيث الاستحباب فيستحب أن يكون ذلك من الثلث فقط جمعا بين قصة أبي بكر رضي الله عنه وحديث كعب ابن مالك قال: قلت: يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله على الله وإلى رسوله صدقة. قال: لا. قلت: فنصفه. قال: لا. قلت: فثلثه. قال: نعم. قلت: فإني سأمسك سهمي من خيبر" أخرجه أبو داود (¬2). {184} ولهذا قال الجمهور: يستحب أن تكون الصدقة من الثلث فقط. (وقال) مالك والأوزاعي: لا يجوز التصدق إلا بالثلث يرد على المعطي الزائد. ويرده قصة الصديق وعمر رضي الله عنهما. (ب) صدقة الجسد: إن الله تعالى كرم بني آدم وخصهم بمزايا لا تحصى وأنعم عليهم نعما لا تستقصى. فينبغي لكل منهم أن يشكر مولاه- على ما أولاه من فضل ورعاية- بالإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته، قال تعالى: ¬

(¬1) انظر ص 329 ج 9 - المنهل العذب المورود (الرجل يخرج من ماله)، وص 414 ج 1 - مستدرك، و (أبقيت لهم الله ورسوله) يعني أنه تصدق بكل ماله ولم يدخر لأهله شيئا ابتغاه مرضاة الله ورسوله. (¬2) انظر ص 240 ج 3 - عون المعبود (من نذر أن يتصدق بماله).

"فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" (¬1). (وعن) بريدة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الإنسان ستون وثلثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة، قالوا: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك" أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (¬2). {185} والمعنى أنه يندب لكل مكلف أن يتصدق بعدد مفاصله شكرا لله بأن جعل له مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط. وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنع التي اختص بها الآدمي. ولما فهم الصحابة رضي الله عنهم أن الصدقة لا تكون إلا بالمال وهم لا يقدرون على التصدق عن كل مفصل بين لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ثواب الصدقة ليس محصورا في المال فقال: النخاعة في المسجد تدفنها ... الخ، أي يكتب لك بها ثواب المتصدق بالمال، وكذا تنحية الشيء المؤذي- كشوك أو حجر- عن الطريق تثاب عليها فإن لم يتيسر لك ذلك فصل ركعتين سنة الضحى تجزئك عن صدقة الجسد. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة مشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الاذى عن الطريق صدقة" أخرجه أحمد والشيخان، وهذا لفظ مسلم (¬3). {186} ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 152. (¬2) انظر ص 176 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة الجسد). (¬3) انظر ص 177 ج 9 - الفتح الرباني وص 195 ج 5 فتح الباري (فضل الإصلاح بين الناس) وص 94 و 95 ج 7 نووي (كل نوع من المعروف صدقة) و (الخطوة) بفتح الخاء: المرة، وبضمها: ما بين القدمين.

والمعنى أن مما يثاب عليه ثواب الصدقة الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل، ومعاونة الضعيف على ركوب دابته وفي رفع متاعه عليها، والكلمة التي يطيب ويطمئن لها قلب المخاطب، فطيب الكلام من جليل عمل البر، قال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (¬1). والدفع يكون بالقول كما يكون بالفعل، ووجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن عطاء المال يفرح به قلب من يعطاه وكذلك الكلام الطيب فتشابها من هذه الجهة. (وعن) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة وتحميده صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ أحدكم من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬2). {187} والمعنى أن ركعتي الضحى تكفي عن الصدقات المطلوبة عن مفاصل الإنسان لأنه بتأديتها تتحرك جميع هذه المفاصل فيكون كل مفصل أدى ما عليه من الصدقة، ولعل تخصيص ركعتي الضحى بذلك أنه وقت غفلة أكثر الناس عن الطاعة لاشتغالهم فيه بأعمالهم الدنيوية. فالمصلى في هذا الوقت يكون قد أدى شكر المنعم الذي أنعم عليه بخلقه في أحسن تقويم وحفظه عما يغيره ويؤذيه. ¬

(¬1) سورة فصلت: آية 24. (¬2) انظر ص 22 ج 5 الفتح الرباني وص 233 ج 5 نووي وص 186 ج 7 المنهل العذب المورود (صلاة الضحى) والحديث تقدم ص 328 ج 5 الدين الخالص (والسلامي) بضم السين وفتح الميم في الاصل: عظام الأصابع ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله (ويجزئ) بضم الياء: من اإجزاء، وبفتحها: من جزي يجزئ، أي يكفي عن صدقة الأعضاء ركعتا الضحى.

(وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" أخرجه مسلم. وفي رواية: فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار (¬1). {188} (جـ) كل معروف صدقة: المعروف: اسم جامع لأنواع البر والخير وكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل. ومعنى كونه صدقة أن ثوابه كثواب من تصدق بالمال، فإن قارنته النية أجر صاحبها جزما وإلا ففيه احتمال. هذا والصدقة لا تختص بأهل اليسار بل كل واحد قادر على فعلها في أكثر الأوقات بلا مشقة. والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة تقدم بعضها. (ومنها) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "كل معروف صدقة ومن المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق وأن تفرغ من دلوك في إنائه" أخرجه أحمد والحاكم والترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرج مسلم صدره عن حذيفة (¬2). {189} (وعن) أبي موسى الاشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قيل: أرأيت إن لم يستطع أن يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. ¬

(¬1) انظر ص 92 و 93 ج 7 نووي (كل معروف صدقة). (¬2) انظر ص 174 ج 9 - الفتح الرباني (خصال تعد من الصدقة) وص 90 و 91 ج 7 - نووي، و (كل معروف صدقة) أي له حكمها في الثواب.

قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنه له صدقة" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (¬1). {190} والمعنى أنه يطلب من كل مسلم رأى محتاجا عاجزا عن الكسب مشرفا على الهلاك أن يتصدق عليه وجوبا إحياء له وغلا كان التصدق مستحبا متاكدا (وقد) دل الحديث على أن الصدقة تكون بالمال وبغير المال. وهو إما فعل وهو الإعانة أو تعرك وهو الغمساك عن الشر وأن أعمال الخير إذا حسنت فيها النية تكون كالصدقة في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة. وعلى أن الصدقة في حق القادرة عليها أفضل من سائر الأعمال القاصرة على فاعليها، وفيه أن من أمسك عن الشر يكتب له ثواب المتصدق. يعني إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك. والإمساك إما أن يكون عن غيره، فكأنه تصدق على الغير بالسلامة منه أو عن نفسه بأن كان شره لا يتعدى نفسه فأمسك عنه، فيكون قد تصدق على نفسه بمعنها من الإثم. (د) تصدق المرأة والولد والخادم من مال المالك: يجوز للمرأة والولد والخادم التصدق من مال الزوج والوالد والسيد ولو بلا إذنه- بما اعتيد التصدق بمثله- وبإذنه ورضاه في الكثير من غير إسراف ولا فساد وهم شركاء في الأجر (لديث) أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: يا نبي الله لي شيء إلا ما أدخل على الزبير فهل على جناح أن أرضخ مما يدخل على؟ فقال: "أرضخي ما استطعت ولا توعي ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 9 - الفتح الرباني، وص 197 ج 3 - فتح الباري (على كل مسلم صدقة) وص 94 ج 7 - نووي، وص 351 ج 1 - مجتبي (صدقة العبد) واعلم أنه لا ترتيب فيما تضمنه الحديث، إنما هو إيضاح لما يفعله عن عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فيلفعل الجميع، وفي الحديث فضل التكسب لما فيه من الإعانة ونفع النفس والاستغناء عن السؤال.

فيوعى الله عليه" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي ولفظهما: ولا توكي فيوكي الله عليك (¬1). {191} أي ليس لي من المال إلا ما أدخله الزبير بيته أيجوز لي أن أتصدق منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انفقي منه ولا تمسكي فيضيق الله عليك. (والحديث) محمول على إعطاء ما جرى العرف بإعطائه من غير إسراف، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإعطاء بلا توقف على إذن زوجها لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن الزبير تطيب نفسه بما تتصدق به. ولم يقيد إنفاقها بعدم الغسراف لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن السيدة أسماء رضي الله عنها ذات دين تحسن التصرف. (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا" أخرجه الستة وابن حبان (¬2) {192} (والحديث) محمول على ما إذا علمت المرأة والخادم رضا رب المال ¬

(¬1) انظر ص 97 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة المرأة من بيت زوجها بغير إذانه) وص 137 ج 5 - فتح الباري (هبة المرأة لغير زوجها) وص 119 د 7 - نووي (الحث على الإنفاق ... )، وص 18 ج 10 - المنهل العذب المورود (الشح)، وص 355 ج 1 - مجتبي (الإحصاء في الصدقة) و (أرضخي) أي أعطى شيئا قليلا مما جرت العادة بإعطاء مثله (ولا توعي) أي لا تدخري المال في الوعاء فيمنعه الله عنك كما منعت ويقتر عليك كما قترت (ولا توكي) من الغيكاء وهو المنع، أي لا تمنعي ما في يدك فيمنع اللفه عنك بركة رزقه. (¬2) انظر ص 195 ج 3 - فتح الباري (أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة) وص 111 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها) وص 336 ج 9 - المنهل العذب المورود (المرأة تصدق من بيت زوجها) وص 351 ج 1 - مجتبي (صدقة المرأة من بيت زوجها)، وص 26 ج 6 - تحفة الأحوذي (نفقة المرأة من بيت زوجها).

بالتصدق منه، أما إن عُلم رضاه أوُ شكَّ فيه فلا يجوز لغيره التصدق من ماله إلا بإذن صريح (وفرق) بعض العلماء بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها النظر في مال الزوج والتصرف في بيته فلها أن تتصدق بالمعتاد بلا إسراف (وأما) الخادم فليس له التصدق من مال سيده إلا بإذن صريح. (وقال) أبو أُمامة الباهلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة عام حجة الوداع: "لا تنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. قيل. يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: ذاك من أفضل أموالنا" أخرجه الترمذي وحسنه (¬1). {193} (وقال) عمير مولى آبى اللحم: كنت مملوكاً فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتصدقَ من مالَ مواليَّ بشئ؟ قال: نعم والأجر بينكما نصفان" أخرجه مسلم (¬2). {194} وهذا محمول على أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به. (ومعنى) والأجر بينكما نصفان، أى قسمان وإن كان أحدهما أكثر. ويحتمل أن يكون الأجر سواء، لأن الأجر فضل الله يؤتيه من يشاء، والمختار الأول. (ومعنى) هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر، والمراد المشاركة في أصل الثواب وإن كان أحدهما أكثر. فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته درهم مثلا يوصلها إلى فقير على باب الدار فأجر المالك أكثر، وإن أعطاه رمانة أون رغيفا ونحوهما ليعطيه إلى محتاج في مسافة بعيدة تزيد أجرة الذهاب إليها على الرمانة ونحوها فأجر الوكيل أكثر. وقد يكون عمله قدر الرغيف فيكون الأجر سواء.

_ (¬1) انظر 226 ج 2 - تحفة الأحوذي (نفقة المرأة من بيت زوجها). (¬2) انظر ص 114 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين .. ) و (آبي اللحم) بهمزة ممدودة وباء مكسورة، قيل له ذلك لأنه كان لا يأكل اللحم، واسمه عبد الله أو خلف أو الحويرث، استشهد يوم حنين.

(واعلم) أنه لابد للعامل والزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن إذن اصلا فلا أجر لهم، بل عليهمك وزر بتصرفهم في مال الغير بغير إذنه، والإذن صريح مفهوم من العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت به العادة وعلم بالعرف رضا المالك وإذنه حاصل وإن لم يتكلم، فإن شاك في رضاه أو علم من حاله الشح بذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه (¬1). (هـ) التصدق على الصالحين: الصالح المتقي الواقف عند الحدود القائم بحق العباد والمعبود- فهو الذي ترجى بركته وتستجاب دعوته- لذا يستحب للإنسان أن يخصه بصدقته إعانة له على طاعة الله تعالى (لحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح وأقره الذهبي (¬2). {195} المراد أن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة، ومخالطة غير التقي تخل بالدين وتوقع في الشبه والمحظورات، فكأنه ينهي عن مخالطة الفجار، إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحمة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به، وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان، لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين، بل المراد الإرشاد إلى الأكمل وألا يخالط غير التقي. فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعا ولا تخالل إلا تقيا (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 111 - 113 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين). (¬2) انظر رقم 9808 ص 404 ج 6 - فيض القدير. (¬3) انظر ص 405 ج 6 - فيض القدير.

(عن) عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من أخرج صدقة فلم يجد إلا بربريا فليردها" أخرجه أحمد وفي سنده ابن لهيعة ضعيف (¬1). {196} والمراد بالبرابرة: المتوحشون الذين لا دين لهم ولا خشية عندهم. أما المسلمون منهم الصالحون فيعطون الصدقة (والحديث) يدل على كراهة إعطاء الصدقة لفاسق إذا علم أنه يستعين بها على ارتكاب مكروه، ويحرم إعطاؤه إذا علم أنه يستعين بها على ارتكاب محرمن أما إذا لم يعلم شيئا أو علم أنه يستعين بها على القوت فلا كراهة في إعطائه ولو كافرا ويثاب على ذلك، قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (¬2)، ومعلوم أن الاسير حربي، وتقدم في حديث- من تصدق على سارق وزانية وغني- أنه قيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها (¬3). (و) الصدقة الجارية: أي الباقي أجرها بعد موت المتسبب فيها ما دامت قائمة، وهي عشر خصال نظمها الحافظ السيوطي في قوله: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 9 - الفتح الرباني (إعطاء الصدقة للصالحين) (والبربري) بفتح فسكون ففتح نسبة إلى بربر- وهم جيل بالمغرب جمعه برابرة. (¬2) سورة الإنسان: آية 8. (¬3) تقدم رقم 165 ص 289 (الخطأ في مصرف الزكاة).

وبيت للغريب بناه يأوى ... إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم ... فخذها من أحاديث بحصر وهاك بعض ما ورد فيها: (ورى) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (¬1). {197} المعنى أن الإنسان إذا مات انقطع ثواب عمله إلا من ثلاث خصال: (أ) الصدقة الجارية، أي المتصلة، كوقف أو بناء مسجد أو مستشفى أو منزل للضيف، ونحو ذلك. (ب) علم ينتفع به، كتعليم وتصنيف، وهذا أكثر ثوابا لطول بقائه على ممر الزمان. (جـ) ولد يدعو له، لأنه السبب في وجوده، وكذا دعاء غير الولد ينفع الميت، والتقييد بالولد لحثه على الدعاء لأصله. (وعن) أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطا في سبيل الله، ورجل علم علما فأجره يجري عليه ما عمل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليه، ورجل ترك ولدا صالحا يدعو له" أخرجه ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة الجارية) وص 85 ج 11 نووي (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته- الوصية) وص 77 ج 3 - عون المعبود (الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 129 ج 2 - مجتبي (فضل الصدقة عن الميت- الوصية).

أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة ورجل لم يسم، لكن حسنه الحافظ السيوطي لقوته بالحديث السابق (¬1). {198} والمرابط من لازم محلا بين داري إسلام وكفر لحراسة المسلمين، فمن مات على هذا الحال يكتب له كل يوم بعد موته ثواب المرابط إلى يوم القيامة أو إلى أن يأمن المسلمون من جهة العدو بأخذ بلاده أو الصلح بينهم وبينه. وكان هذا الأجر العظيم للمرابط، لأنه مهدد في كل لحظة بالقتل ولا يصبر على هذا إلا قوي الإيمان. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله تعالى ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يارب اني لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬2). {199} دل الحديث على أن دعاء الولد لوالديه ينفعهما بعد موتهما، فمن لم يدرك والديه وأراد برهما أو أدركهما وقصر في برهما فليكثر من الدعاء لهما بعد موتهما، فهو من أعظم أنواع البر بالوالدين، وللولد في ذلك أجر عظيم. وقد دلت أحاديث الباب أيضا: (أ) على فضل الزواج لرجاء ولد صالح. (ب) وعلى مشروعية الوقف وعظيم نفعه في الدنيا والآخرة. (جـ) وعلى فضل العلم والحث على التعلم والتصنيف والتعليم وأن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع. (د) وعلى أن الدعاء ينفع الميت وكذا الصدقة وقضاء الدين، والله تعالى ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق ¬

(¬1) أنظر ص 204 ج 9 - الفتح الرباني، وص 137 ج 3 - مجمع الزوائد (من يجري عليه أجره بعد موته) و (ما جرت عليه) أي مدة بقائها جارية. (¬2) انظر ص 205 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة الجارية).

الصيام

الصيام هو رابع أركان الإسلام. ذكر بعد الزكاة لذكره بعدها في الحديث. وهو لغة: مطلق الإمساك عن الكلام وغيره. ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً) (¬1) وشرعاً: الإمساك بنية عن الأكل والشرب وكل مفطر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بشرائط يأتي بيانها إن شاء الله تعالى. (وركنه) الإمساك عن كل مفطر- مما سيأتي- من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع نية الصوم من أهله وهو المسلم العاقل الخالي من حيض ونفاس. ثم الكلام ينحصر في ثلاثة عشر أصلاً: (1) فضل الصيام: الصوم- فرضاً ونفلاً- له وللصائم فضل عظيم وثواب كبير جاء فيه أحاديث (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصحب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان ¬

(¬1) سورة مريم: اية 26.

يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه" أخرجه أحمد ومسلم والنسائي (¬1). { 1} والمعنى أن كل عمل ابن آدم له فيه حظ نفسي- من رياء ونحوه فهو يتعجل به ثواباً من الخلق - إلا الصيام فإنه خالص لله تعالى لا يعلم ثوابه غيره وإنما خص الصيام بنسبته إلى الله تعالى- وكل الطاعات له- لأنه لم يعبد بالصيام غير الله تعالى. فلم يعظم الكفار في زمن ما معبوداً لهم بالصيام. وقيل: لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج ونحوهما. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله ¬

(¬1) (انظر ص 207 ج 9 الفتح الرباني 0 فضل الصيام) وص 30 ج 8 نووي وص 210 ج 1 مجتبي (والصيام جنة بضم الجيم: أي ستره ومانع من الرفث والآثام، ووقاية من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها (روى) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات" أخرجه الشيخان (انظر ص 77 ج 23 عمدة القاري وص 165 ج 17 نووي - الجنة وصفة نعيمها) (و 0 فلا يرفث) بتثليث الفاء، أي لا يتكلم بفحش القول (ولا يصخب) بالصاد أو السين وفتح الخاء: أي لا يصيح ولا يخاصم (ولا يجهل) أي لا يرتكب شيئاً من أفعال الجاهلية كالسفه والسخرية وما ذكر لا يباح في غير الصوم. والمقصود أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (فإن شاتمه) أي شتمه متعرضاً لمشاتمته (أو قاتله) أي نازعه ودافعه (إني صائم) أي يقول ذلك بلسانه ليعلم مخاطبه أنه معتصم بالصيام عن اللغو والرفث والجهل. أو يقول ذلك لنفسه منعاً لها من مقابلة الجهل بالجهل، وقيل يقول ذلك بلسانه في الفرض ولنفسه في التطوع (والخلوف) بضم الخاء: تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام و (أطيب عند الله) كناية عن رضاء الله وإحسانه لأن استطابة بعض الروائح من صفات المخلوقات والله تعالى منزه عن ذلك والمراد أن الخلوف أكثر من التطيب بالمسك المندوب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الخير .. و (فرح بفطره) أي لتمام عبادته وسلامتها من المفسدات ولما يترتب عليها من الثواب (وفرح بصومه) أي بما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله عليه بتوفيقه.

أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، والصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها" أخرجه البخاري وأبو داود (¬1) {2} (وعن) سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للجنة باباً يقال له الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ هلموا إلى الريان، فإذا دخل أخرهم أغلق ذلك الباب" أخرجه احمد والشيخان والنسائي والترمذي وفيه: فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبداً. وقال حسن صحيح (¬2) {3} (وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً" أخرجه السبعة إلا أبا داود (¬3) {4} ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 4 فتح الباري (فضل الصوم) وص 88 ج 10 - المنهل العذب المورود (الغيبة للصائم) و (يترك طعامه وشرابه) أي قال الله تعالى: يترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، أي خوفاً مني وامتثالاً لأمري، يدل على هذا ما في رواية أحمد: يقول الله عز وجل: إنما يترك طعامه وشرابه من أجلي. وفي هذا الحصر التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم هذا الجزاء وهو الإخلاص الخاص به، فلو ترك الطعام لغرض آخر كالتخمة لا يحصل له هذا الفضلز والمدار فيما ذكر على الداعي الذي يدعو إلى الفعل أو التركز ولاشك ان من لم يعرض له شهوة شيء طول النهار ليس في الفضل كم عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه (انظر ص 75 ج 4 فتح الباري) (وأنا أجزي به) أي بلا عدد ولا حساب. قال الله تعالى: (وإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) قال الأكثر: والصابرون الصائمون لأنهم يصبرون أنفسهم عن الشهوات. (¬2) انظر ص 213 ج 9 - الفتح الرباني (فضل الصيام) وص 79 ج 4 فتح الباري (الريان للصائمين) وص 32 ج 8 نووي وص 312 ج 1 مجتبي (والريان) ضد العطشان مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائم لأنه بتعطيش نفسه في الدنيا يدخل من باب الريان ليأمن العطش. (¬3) انظر ص 215 ج 9 - الفتح الرباني (فضل الصيام) وص 31 ج 6 فتح الباري (فضل الصوم في سبيل الله) وص 33 ج 8 نووي وص 213 ج 1 مجتبي وص 27 ج 1 - ابن ماجه (صيام يوم في سبيل الله) أي في الجهاد. و (خريفاً) أي سنة.

(2) وقت الصوم

وهو محمول على من لا يتضرر بالصوم ولا يفوت به حقاً ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات الغزو وإلا تعين الفطر ولا ثواب له إن صام. (وعن) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيهن فيشفعان" أخرجه احمد والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {5} والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكر الغناء والكفاية لمن أراد سلوك سبيل السعادة. والله ولي التوفيق والهداية. (2) وقت الصوم: هو نوعان: ما يرجع إلى أصل الوقت، وما يرجع إلى وصفه: (أ) فالذي يرجع إلى أصله هو بياض النهار من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فلا يجوز الصوم في الليل لأن الله تعالى أباح تناول المفطرات في الليل إلى طلوع الفجر، ثم أمر بالصوم إلى الليل. قال تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب الله عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 9 - الفتح الرباني (فضل الصيام) وص 181 ج 3 - مجمع الزوائد (فيشفعان) بضم الياء وشد الفاء: أي يقبل، الله شفاعتهما ويدخله الجنة، وهذا يحتمل الحقيقة بأن يخلق الله في الصيام والقرآن النطق، ويحتمل المجاز والتمثيل.

واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (¬1). والمراد بالخيط الأبيض بياض النهار وبالأسود ظلمة الليل (قال) عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود" عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لين فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2) {6} فكان هذا تعيين الليالي للفطر والنهار للصوم، ولأن الحكمة التي لها شرع الصوم من التقوى وتعرف قدر النعم الحامل على شكرها لا يحصل بالصوم في الليل لأن ذلك لا يحصل إلا بفعل شاق على البدن مخالف للعادة وهوى النفس ولا يتحقق ذلك بالإمساك في حالة النوم فلا يكون الليل محلاً للصوم (¬3). (ب) والذي يرجع إلى وصف الوقت من الخصوص والعموم ثلاثة أقسام: (الأول) وقت صوم التطوع وهو السنة كلها ما عدا يومي العيد وأيام التشريق ورمضان، فيجوز صوم التطوع خارج رمضان في كل أيام السنة ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 187 "وابتغوا ما كتب الله لكم" أي اطلبوا ما قدر الله لكم من الولد أو الرخصة بإباحة الطعام وغيره طول الليل، وسيأتي بيان الآية إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر ص 93 ج 4 - فتح الباري (قول الله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) وص 200 ج 7 - نووي (الدخول في الصوم بطلوع الفجر) وص 70 ج 10 المنهل العذب المورود (وقت السحور)، و (العقال) بكسر العين: الحبل يعقل بن البعير (إنما ذلك) إشارة إلى ما ذكر من قوله: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض .... إلخ، وعند مسلم وأبي داود: عن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار. (¬3) انظر ص 77 ج 2 - بدائع الصنائع.

غير أيام العيد والتشريق (لحديث) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله تعالى تصديق ذلك في كتابه: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" اليوم بعشرة أيام" أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه (¬1) {7} فقد جعل الدهر كله محلاً للصوم من غير فصل ولأن المعاني التي كان الصوم لها حسناً وعبادةً موجودة في سائر الأيام فكانت الأيام كلها محلاً للصوم عدا ما تقدم على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (الثاني) وقت الصوم غير المعين كقضاء رمضان والكفارات وهو كل السنة إلا يومي العيدين وأيام التشريق الثلاثة ويوم الشك ورمضان. أما الخمسة الأولى فلورود النهي عن صيامها لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله تعالى، فأوجب ذلك نقصاناً في صومها. والواجب في ذمته صوم كامل فلا يتأدى بالناقص. وأما يوم الشك فلأنه يحتمل أن يكون من رمضان وأن يكون من شعبان فإن كان من شعبان يكون قضاء هما لزم في الذمة، وإن كان من رمضان لا يكون قضاء، فلا يكون قضاء مع الشك (¬2). (الثالث) وقت صوم رمضان: وهو شهر رمضان فلا يجوز في غيره إلا قضاء، لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" أي فليصم في الشهر. ثم الكلام ينحصر في ستة فصول: ¬

(¬1) انظر ص 327 ج 1 - مجتبي (صوم ثلاثة أيام من الشهر)، وص 268 ج 1 - ابن ماجه، وص 60 ج 2 - تحفة الأحوذي. (¬2) انظر ص 79 ج 2 - بدائع الصنائع.

(1) ما يثبت بالهلال: يجب على الناس وجوباً كفائياً طلب رؤية الهلال في التاسع والعشرين من رجب وشعبان ورمضان وذي القعدة، لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً (روي) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" أخرجه مسلم واحمد وزاد: قال نافع فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رؤى فذاك. وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قتر أصبح مفطراً. وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً (¬1) {8} (فإن) رؤى هلال رمضان في التاسع والعشرين من شعبان، صام الناس لزوماً. وإن لم ير الهلال لنحو غيم أو غبار، لزم إكمال شعبان ثلاثين يوماً (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 7 نووي (وجوب صيام رمضان لرؤية الهلال) وص 250 - ج 9 الفتح الرباني (ثبوت الشهر برؤية الهلال) (فلا تصوموا حتى تروه) يعني هلال رمضان (ولا تفطروا حتى تروه) أي هلال شوال (فإن غم) بض فشد ويقال أعمى- بضم فيكون فكسر- أي وجد مانع من رؤية الهلال (قدروا له) امر من قدرت الشيء أقدره بكسر الدال وضمها أي قدروا له تمام الثلاثين أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين يوما. وبهذا قال الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور لقوله في رواية لمسلم: فاقدروا له ثلاثين وفي رواية وقدروه تحت السحاب ولذا أوجب الصيام من الغد إذا لم بر الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وكان بالسماء مانع من الرؤية من غيم ونحوه. (والفتر) بفتحتين الغبار (وأصبح صائماً) يدل على أن ابن عمر كان يرى صوم يوم الشك. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

ثلاثين يوماً" أخرجه احمد والشيخان والنسائي والدارمي (¬1) {9} (وعن) عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحفظ من هلال شعبان مالا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام" أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. والدارقطني وقال: إسناده حسن صحيح. وفيه معاوية بن صالح وثقه أحمد وإن قال أبو حاتم لا يحتج به (¬2) {10} والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى في رؤية هلال شعبان وعد أيامه محافظة على صوم رمضان تحرياً لا يتحراه في غيره من الأشهر التي لا يتعلق بها أمر شرعي كالحج والأضحية. فإن رؤى هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان صام رمضان وإن حال بين رؤيته غيم اكمل شعبان ثلاثين يوماً. (وعن) طلق بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى جعل هذه الأهلة مواقيت للناس صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا العدة" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفيه محمد بن جابر اليماني وهو صدوق (¬3) {11} ¬

(¬1) انظر ص 248 ج 9 - الفتح الرباني (ثبوت الشهر برؤية الهلال) وص 87 ج 4 فتح الباري (إذا رأيتم الهلال فصوموا) وص 193 ج 7 نووي (وجوب صيام رمضان لرؤية الهلال) وص 301 ج 1 مجتبي (إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم) وص 3 ج 2 دارمي (الصوم لرؤية الهلال). (¬2) انظر ص 254 ج 9 - الفتح الرباني (إكمال شعبان إذا غم الهلال) وص 42 ج 10 - المنهل العذب المورود (إذا أغمى الشهر) وص 423 ج 1 مستدرك وص 227 الدارقطني. (¬3) انظر ص 247 ج 9 - الفتح الرباني (ثبوت الشهر برؤية الهلال) وص 145 ج 3 مجمع الزوائد (الأهلة وقوله صوموا لرؤيته).

والمعنى أن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت ليعلم الناس بها أوقات الحج والعمرة والصوم والإفطار وآجال الديون وغير ذلك. فصوموا لرؤية هلال رمضان وأفطروا لرؤية هلال شوال. وليس المراد الصيام والإفطار من وقت الرؤية بل المراد الصوم من فجر الليلة التي رؤى فيها هلال رمضان والإفطار بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان سواء رؤى الهلال قبل الغروب أو بعده. والمراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفي رؤية عدلين أو عدل في الصوم. أما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل (¬1) ففي هذه الأحاديث الأمر بصوم رمضان عند رؤية هلاله وإن كان شعبان ناقصاً وبالفطر من رمضان برؤية هلال شوال وإن كان رمضان ناقصاً. وفيها النهي عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله ولم يكمل شعبان والنهي عن الفطر قبل رؤية هلال شوال إذا لم يكمل رمضان (فائدة) "قوله" في حديث ابن عمر فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه (¬2) "ظاهره" إيجاب الصوم والفطر للرؤية وجدت ليلاً أو نهاراً وحمله الجمهور على اليوم المستقبل في الصوم والفطر مطلقاً. وبيانه (أ) انه إن رؤى في التاسع والعشرين بعد الزوال، تكون الرؤية لليوم المستقبل اتفاقاً. (ب) وإن رؤى يوم الثلاثين قبل الزوال فهي للماضية عند أبي يوسف وحكى عن احمد وهو المختار. فيلزم صوم ذلك اليوم إن كان في آخر شعبان وفطره إن كان في آخر رمضان (وقال) النعمان ومحمد ومالك والشافعي: لا نعتبر للماضية بل للمستقبلة وهو المشهور عن أحمد (لقول) أبي وائل: جاءنا كتاب عمر- ونحن بخانقين- ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 7 نووي مسلم. (¬2) تقدم رقم 8 ص 323 (ما يثبت به الهلال).

إن الأهلة بعضها أعظم من بعض فإذا رأيتم الهلال لأول النهار فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان ذوا عدل انهما أهلاه بالأمس عشية. أخرجه الدارقطني من طريقين (¬1). (ب) الشهادة برؤية الهلال: إذا كان بالسماء مانع من الرؤية كغيم وغبار شديد يقبل في هلال رمضان خبر عدل واحد ولو أثنى أو عبداً (¬2) لأنه أمر ديني، وخبر العدل مقبول في الديانات ويلزم أن يكون المخبر مسلماً مكلفاً، ومستور الحال كالعدل، ولا يشترط لفظ الشهادة ولا الدعوى (لقول) ابن عمر رضي الله عنهما: "تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه" أخرجه أبو داود والدارمي والبيهقي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬3) {12} (قال) الترمذي: والعمل على هذا عند اكثر أهل العلم قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام، وبه يقول ابن المبارك والشافعي واحمد. وقال إسحق: لا يصام إلا بشهادة رجلين، ولم يختلف أهل العلم في الإفطار انه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين (¬4) فلابد في هلال شوال وذي الحجة من شهادة حرين أو حر وحرتين بشرط العدالة ولفظ الشهادة، لتعلق حق العباد بما ذكر، بخلاف صوم رمضان لأنه حق الشرع ولا تقبل شهادة واحد ولا شهادة النساء فقط ولا السبيل. (لقول) الحارث بن حاطب: "عهد إلينا النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 232 - الدارقطني. و (خانقين) بكسر النون والقاف، بلد قرب بغداد (وأهلاه) أي رأيا الهلال. (¬2) العدالة ملكة يحمل على ملازمة التقوى والمروءة وأدنى مراتبها ترك للكبائر وعدم الإصرار على الصغائر. (¬3) انظر ص 63 ج 10 - المنهل العذب المورود (شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان) وص 4 ج 2 دارمي. وص 212 ج 4 بيهقي. وص 423 ج 1 مستدرك. (وتراءى الناس الهلال) أي اجتمعوا لرؤيته. (¬4) انظر ص 34 ج 2 تحفة الاحوذي.

عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما، ثم قال: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوماً إلى عبد الله بن عمر فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه أبو داود والدارقطني مختصراً بسند صحيح (¬1) {13} (فهذا) الحديث يدل بمفهومه على عدم جواز شهادة رجل واحد في الإفطار، ولا يعارضه منطوق (بل) يؤيده منطوق حديث عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال: "شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس، فجاء رجل إلى وإليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان، فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزها وقالا: إن رسول الله صلى وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان، وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين" أخرجه الطبراني في الأوسط والدارقطني وقال: تفرد به حفص بن عمر الأبلي وهو ضعيف (¬2) {14} (وإن) لم يكن بالسماء مانع من رؤية الهلال فلابد في هلال رمضان وغيره- عند الحنفيين- من شهادة جمع عظيم يغلب على ظن القاضي صدقهم لأن خبر غيرهم في مثل هذا الحال ظاهر في الغلط فيتوقف في قبوله (وروي) عن النعمان الاكتفاء بشهادة اثنين بالرؤية وإن لم يكن بالسماء علة. وأنه يقبل في رمضان شهادة الواحد العدل وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله، لأن هذا من باب الإخبار لا من باب الشهادة، بدليل أنه تقبل شهادة ¬

(¬1) انظر ص 59 ج 10 - المنهل العذب المورود (شهادة رجلين على رؤية هلال شوال) وص 232 - الدارقطني (وننسك) - مضارع نسك كنصر- أي تقرب إلى الله تعالى بالصوم في رمضان والإفطار في أول شوال وبالأضحية وأعمال الحج في وقتها. (¬2) انظر ص 146 ج 3 مجمع الزوائد (الأهلة) وص 227 - الدارقطني.

الواحد إذا كان بالسماء علة. ولو كان شهادة لما قبل لأن العدد شرط في الشهادات. وإذا كان إخباراً لا شهادة فالعدد ليس بشرط في الإخبار عن الديانات وإنما تشترط العدالة فقط (¬1) (قال) ابن نجيم: ولم أر من رجحها من المشايخ. وينبغي العمل بها في زماننا لأن الناس تكاسلوا عن ترائي الأهلة فكان التفرد غير ظاهر في الغلط (¬2) (وقال) الشافعي وأحمد يكفي في هلال رمضان- وإن لم يكن بالسماء علة- رؤية عدل واحد ولو عبداً أو امرأة عند احمد وهو قول للشافعي. ومعتمد مذهبه انه لابد أن يكون حراً ذكراً. ولا يثبت هلال غير رمضان كشوال والحجة إلا بشهادة عدلين حرين لما تقدم (وقالت) المالكية: يثبت هلال رمضان وشوال برؤية عدلين أو جماعة مستفيضة وأقلها خمسة. وهذا في حق قوم يعنون بأمر الهلال. أما من لم يعن به فيثبت برؤية عدل واحد. ووافقه- في اشتراط العدلين- الأوزاعي والليث وإسحق وداود (وقال) الثوري: يكفي رجلان أو رجل وامرأتان، لحديث الحارث بن حاطب (¬3) (قال) النووي: ومحل الخلاف ما لم يحكم بشهادة الواحد حاكم يراه وإلا وجب الصوم ولم ينقض الحكم إجماعاً. (ج) من رأى الهلال ورد قول: من رأى وحده هلال رمضان وشهد عند القاضي ورد قوله لسبب ما، لزمه الصوم عند الثلاثة وهو المشهور عن احمد لتحقق رؤيته. وإن أفطر قضى فقط لأنه صار مكذباً شرعاً برد خبره ولأنه يحتمل الاشتباه. والكفارة تندرئ بالشبهة (ومن) رأى هلال شوال وشهد عند القاضي ورد قوله لزمه ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 268 ج 2 - البحر الرائق. (¬3) تقدم رقم 13 ص 327.

الصوم عند الحنفيين ومالك وأحمد احتياطاً للصوم (ولحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" أخرجه الترمذي بسند رجاله ثقات وحسنه وأخرجه الدارقطني من طريق الواقدي وقال ضعيف (¬1) {15} (قال) الترمذي: معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس (¬2) (وقال) الخطابي معنى الحديث أن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت أن الشهر كان تسعاً وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شيء عليهم من وزر. وكذلك في الحج إذا أخطئوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك (¬3) (وقال) الشافعي: من رأى هلال شوال ورد قوله لزمه الفطر عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تفطروا حتى تروه ولكن يخفيه لئلا يتهم. وهو قول للمالكية (وإن) رآه اثنان فلم يشهدا عند الحاكم جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف عدالتهما. ولكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الآخر (لقول) عبد الرحمن بن زيد "إني جالست أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنهم حدثوني أنه صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يوماً وإن ¬

(¬1) انظر ص 37 ج 2 تحفة الاحوذي (الفطر يوم تفطرون) وص 231 - الدارقطني. وأخرجه أبو داود مختصراً بلفظ: وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون. انظر ص 41 ج 10 - المنهل العذب المورود (إذا أخطأ القوم الهلال). (¬2) (وعظم) بكسر العين وفتح الظاء، أي كثرة الناس. (¬3) انظر ص 95 ج 3 معالم السنن (إذا أخطأ القوم الهلال).

شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" أخرجه احمد والنسائي بسند لا بأس به. ولم يذكر النسائي: مسلمان (¬1) {16} (وإن) شهدا عند الحاكم فرد شهادتهما لجهله بحالهما، فلمن علم عدالتهما الفطر لأن رد الحاكم هاهنا ليس بحكم منه وإنما هو توقف لعدم علمه. ولهذا لو ثبت عدالتهما يعد ذلك حكم بها وإن لم يعرف أحدهما عدالة صاحبه لم يجز له الفطر إلا أن يحكم بذلك الحاكم لأنه يكون مفطراً برؤيته وحده (¬2) (فائدة) إذا صام قوم ثمانية وعشرين يوماً من رمضان بعد إكمال شعبان ثم رأوا هلال شوال. فإن كانوا أكملوا شعبان بعد رؤية هلاله قضوا يوماً واحداً إذا لم يروا هلال رمضان حملا على نقصان شعبان. وإن أكملوه من غير رؤية هلاله قضوا يومين احتياطاً لاحتمال نقصان رجب وشعبان فإنهم لما لم يروا هلاله كملوا بالضرورة رجب (ولو) صام أهل بلد ثلاثين يوماً وصام أهل بلد آخر تسعة وعشرين يوماً (فإن كان) صوم أهل ذلك البلد برؤية الهلال وثبت ذلك عند قاضيهم أو عدوا شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا رمضان فعلى أهل البلد الآخر قضاء يوم لأنهم أفطروا يوماً من رمضان لثبوت الرمضانية برؤية أهل ذلك البلد وعدم رؤية أهل البلد لا يقدح في رؤية أولئك إذ العدم لا يعارض الوجود (وإن) كان صوم أهل ذلك البلد بغير رؤية هلال رمضان أو لم تثبت الرؤية عند قاضيهم ولا عدوا شعبان ثلاثين يوماً فقد أساءوا حيث تقدموا رمضان بصوم يوم وليس على أهل البلد الآخر قضاؤه لأن الشهر قد ¬

(¬1) انظر ص 264 ج 9 - الفتح الرباني (من يكتفي بشهادته برؤية الهلال) وص 300 ج 1 مجتبي (قبول شهادة الرجل الواحد على هلال رمضان) و (أنسكوا لها) أي تقربوا إلى الله بالصوم والفطر في وقتهما. (¬2) انظر ص 10 ج 3 شرح المقنع.

يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين: هذا إذا كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف فيها المطالع. فأما إذا كانت بعيدة فلا يلزم أحد البلدين حكم الآخر، لأن مطالع البلاد عند المسافة البعيدة تختلف فيعتبر في أهل كل بلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر. (¬1) (د) اختلاف المطالع: أي مطلع الشمس وزوالها وغروبها: ولا يعتبر في رؤية الهلال اختلاف المطالع، فإذا رأى الهلال أهل بلد لزم سائر البلاد العمل بمقتضى هذه الرؤية فيصوم المصري برؤية المكي وبالعكس- عند جمهور الحنفيين ومالك وأحمد والليث بن سعد وروي عن الشافعي- لعموم الخطاب في حدث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والدارمي (¬2) {17} وهذا خطاب عام لا يختص بأهل ناحية فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم إذا ثبت عند الغير رؤية من رأى بطريق شرعي موجب للصيام كأن يشهد اثنان فأكثر أن قاضي بلد كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى بشهادتهما فلهذا القاضي أن يحكم بشهادتهما لأن قضاء القاضي حجة وقد شهدوا به. أما لو أخبر جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان ليلة كذا فصاموا وهذا يوم الثلاثين بحسابهم فلا يباح لمن أخبروا بذلك فطر غد لأن أولئك الجماعة لم يشهدوا بالرؤية. ¬

(¬1) انظر ص 83 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) تقدم رقم 9 ص 324 (ما يثبت به الهلال).

(والمختار) عند الشافعية وصاحب التجريد وغيره من الحنفيين أن لأهل كل بلد رؤيتهم وهو الأشبه لأن كل قوم يخاطبون بما عندهم فلا يصوم المصري برؤية المكي مثلاً (روي) كريب "أن أم الفضل ابنة الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتموه؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. قال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثية والدارقطني وقال: إسناده صحيح. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم (¬1) {18} يعني أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا نعتمد على رؤية غيرنا ولا نكتفي بها بل لا نعتمد إلا على رؤية أهل بلدنا (وأجاب) الجمهور عن هذا الحديث: (أ) بأن الإشارة في قوله- هكذا امرنا- يحتمل أن يراد بها أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا ألا نقبل شهادة الواحدة في حالة الإفطار. (ب) وبأنه خبر واحد ليس فيه لفظ الشهادة ونصابها اثنان. (ج) وبأن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده. ¬

(¬1) انظر ص 270 ج 9 - الفتح الرباني (إذا رؤى الهلال في بلد دون غيره) وص 197 نووي (لكل بلد رؤيتهم) وص 50 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 300 ج 1 مجتبي (اختلاف أهل الآفاق في الرؤية) وص 35 ج 3 تحفة الأحوذي. وص 234 - الدارقطني (وأم الفضل) لبابة امرأة العباس رضي الله عنهما.

والمشار إليه بقوله: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو قوله: فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين (روي) عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا حتى تروه فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا" أخرجه الثلاثة وقال الترمذي حسن صحيح (¬1) {19} وهو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين. وعدم عمل ابن عباس رضي الله عنهما برؤية أهل الشام مع اختلاف المطلع إما لعدم ثبوت الشهادة على رؤيتهم، وإما اجتهاد منه وليس بحجة. فالذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه الأولون "ولا يلتفت" إلى قول ابن عبد البر: قد أجمعوا على أنه لا تراعي الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس "لأن" الإجماع، لا يتم والمخالف مثل الحنفيين ومالك وأحمد (وقال) ابن الماجشون: لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. (فائدة) دل حديث كريب (¬2) على أن من رأى هلال رمضان في جهة ثم انتقل إلى أخرى رؤى فيها الهلال في ليلة بعد الأولى فصام ثلاثين ولم ير هلال شوال في هذه الجهة، لزمه الصوم مع أهلها لأنه صار منهم. وأن أفطر لزمه القضاء عند من أخذ بظاهر الحديث. أما من لا يعتبر اختلاف المطالع فإنه يقول: يلزم أهل الجهة الثانية موافقته في الفطر إن ثبتت عندهم رؤية البلد ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 10 - المنهل العذب المورود (فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين) وص 302 ج 1 مجتبي وص 33 ج 2 تحفة الأحوذي (الصوم لرؤية الهلال) و (لا تصوموا) أي لا تصوموا رمضان حتى تروا هلاله ثم صوموا حتى تروا هلال شوال أو تكملوا عدة رمضان. (¬2) تقدم رقم 18 ص 332.

الأولى بوجه شرعي ولزمهم قضاء اليوم الأول وإن لم تثبت عندهم لزمه هو الفطر سراً والله تعالى ولي التوفيق. (و) لا يثبت الهلال بقول لحساب: لا يعتمد في ثبوت الصوم والفطر على قول المنجمين، لأنه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (روى) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" الحديث (وفيه) كان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب. أخرجه أبو داود والدارقطني (¬1) {20} (قال) المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم: فاقدروا له على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر: ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين، لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد. والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم (¬2) وأيضاً فإن الشارع لا يعول على الحساب ولا يعتمد عليه (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإتهام في الثالثة: والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬3) {21} ¬

(¬1) انظر ص 33 ج 10 - المنهل العذب (الشهر يكون تسعاً وعشرين). وص 229 - الدارقطني. وتقدم رقم 8. (¬2) انظر ص 189 ج 7 نووي مسلم. (¬3) انظر ص 252 ج 9 - الفتح الرباني (ثبوت الشهر برؤية الهلال) وص 89 ج 4 فتح الباري (قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكتب ولا نحسب وص 192 ج 7 نووي (وجوب صيام رمضان لرؤية الهلال) وص 31 ج 10 - المنهل العذب (الشهر يكون تسعاً وعشرين) وص 302 ج 1 مجتبي و (أمية) أي منسوبة إلى الأم باعتبار البقاء على ما ولدتنا عليه أمهاتنا لم يتعلم الكتابة والحساب. وهذا بالنظر للغالب في العرب (وعقد الإبهام) أي أنه أشار بيديه ثلاث مرات ناشراً أصابعه وفي المرة الثالثة قبض الإبهام إشارة إلى أن الشهر يكون تسعاً وعشرين ثم أشار بيديه ثلاث مرات ناشراً أصابعه ولم يقبض إبهامه في الثالثة إشارة إلى أنه يكون ثلاثين.

والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم والفطر بالرؤية لرفع الحجر عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو وجد بعدهم من يعرف ذلك. بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً: ويوضحه قوله في الحديث الماضي: فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين (¬1) ولم يقل فسلوا أهل الحساب. والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم. وإجماع السلف الصالح حجة عليهم وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل (¬2) وعلى هذا اتفق أهل الذكر من الفقهاء (قال) ابن عابدين: ولا عبرة بقول المنجمين- ولو عدولاً- في وجوب الصوم على الناس بالإجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه. وللإمام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى اعتماد قولهم لأن الحساب قطعي. وما قاله رده متأخرو أهل مذهبه (منهم) ابن حجر والرملي في شرحي المنهاج (وفي فتاوي) الشهاب الرملي الكبير الشافعي سئل: ¬

(¬1) تقدم رقم 19 ص 333. (¬2) انظر ص 90 ج 5 فتح الباري (الشرح).

(أ) عن قول السبكي: لو شهدت بينة برؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر وقال الحساب بعدم إمكان الرؤية تلك الليلة، عمل بقول أهل الحساب لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية. فهل يعمل بما قال؟ (ب) وفيما إذا رؤى الهلال نهاراً قبل طلوع الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر وشهدت بينة برؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، فهل تقبل الشهادة؟ لأن الهلال إذا كان الشهر كاملاً يغيب ليلتين أو ناقصاً يغيب ليلة. (جـ) أو غاب الهلال الليلة الثالثة قبل دخول وقت العشاء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء لسقوط القمر الليلة الثالثة. هل يعمل بالشهادة؟ (فأجاب) بأن المعمول به في المسائل الثلاث ما شهدت به البينة، لأن الشهادة نزلها الشارع منزلة اليقين. وما قاله السبكي مردود وليس في العمل بالبينة مخالفة لصلاته صلى الله عليه وسلم. ووجه ما قلنا: أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا" (¬1). (وقال) الشيخ عبد الحافظ في شرح مجموع الأمير: ولا يثبت رمضان بقول منجم لا في حق غيره ولا في حق نفسه، لأنه ليس من الطرق الشرعية ونحن مأمورون بتكذيبه، قال الله تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صدق كاهناً أو عرافاً أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد" (¬2). والكاهن الذي يخبر عن الأمور المستقبلة. والعراف هو الذي يخبر عن الأمور الماضية أو ¬

(¬1) انظر ص 10 ج 2 - در المختار (الصوم) (¬2) (روي) أبو هريرة مرفوعاً: من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. أخرجه أحمد والحاكم بسند قوي (انظر رقم 8285 ص 23 ج 6 - فيض القدير).

المسروق أو الضال ونحو ذلك. والمنجم هو الذي يعرف سير القمر وقوس الهلال ونوره، ومثله من يقول: أول الشهر طلوع النجم الفلاني، فإذا قال المنجم: الشهر ناقص أو تام لم يلتفت إلى قوله ولا إلى حسابه، لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا بوجوده وإن فرض صحة قوله (¬1). (وقال) النووي: إذا غم الهلال وعرف رجل الحساب ومنازل القمر وعرف بالحساب أنه من رمضان ففيه أوجه (أصحها) لا يلزم الحاسب ولا المنجم ولا غيرهما بذلك. لكن يجوز لهما دون غيرهما ولا يجزئهما عن فرضهما (¬2). (وقال) الإمام القسطلاني: قالت الشافعية: ولا عبرة بقول المنجم فلا يجب به الصوم ولا يجوز، والمراد بآية "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" (¬3) الاهتداء في أدلة القبلة. ولكن له أن يعمل بحسابه كالصلاة ولظاهر هذه الآية. وقيل: ليس له ذلك (¬4) ¬

(¬1) انظر ص 623 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 279 و 280 ج 6 - مجموع النووي. (¬3) سورة النحل: آية 16 .. (¬4) انظر ص 343 ج 3 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا) (ولا عبرة) أي في ثبوت الصيام عند الإمام وجماعة المسلمين، وقوله: (له أن يعمل بحسابه) أي في خاصة نفسه بشرط المنع من رؤية الهلال لغيم ونحوه، وهذه رواية مخالفة للمعلوم من مذهب الإمام الشافعي مع أنهم اختلفوا عليها في الاجزاء وعدمه، وقوله (كالصلاة) فيه نظر، فقد فرق الإمام القرافي بينهما قال: والفرق هاهنا أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبباً لوجوب الظهر وكذا بقية الأوقات فمن علم سبباً بأي طريق لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع، وأما الأهلة فلم يجعل خروجها من شعاع الشمس سبباً للصوم، بل نصبت رؤية الهلال- خارجاً عن شعاع الشمس- هي السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي ولا يثبت الحكم، لقول النبي صل الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته" (انظر رقم 9 ص 324 - ما يثبت به الهلال) ولم يقل: صوموا لخروجه عن شعاع الشمس، كما قال تعالى في الصلاة: "أقم الصلاة لدلوك الشمس" أي لميلها، ومعلوم أنه يجب الاقتصار- في القضاء والفتوى والعمل- على المشهور أو الراجح وطرح الشاذ والضعيف، والقول بجواز العمل بالحساب قول شاذ ومقيد بخاصة النفس وبالغيم فلا تجوز الفتوى به (وتمامه بص 119 ج 1 - فتح العلي المالك على مذهب الإمام مالك للشيخ عليش) ..

(فتحصل) مما ذكر أنه لا يعول على حساب ولا تنجيم لا في صيام ولا في إفطار ولو بالنسبة إلى نفس الحاسب والمنجم بل لابد في ذلك من رؤية الهلال أو إكمال العدد "ومن زعم" أن المقصود العلم أو الظن بدخول الشهر وخروجه، وأن الحديث لا يدل على إناطة ثبوت الصوم والإفطار برؤية الهلال "فقد غفل" عن كون الشارع لم يجعل الحساب ولا التنجيم طريقاً للعلم أو الظن بدخول الشهر أو خروجه، وإلا لقال: صوموا لعلمكم أو ظنكم بدخول الشهر أو خروجه مثلاً، والله الهادي إلى سواء السبيل. (ز) ما يقال عند رؤية الهلال: يستحب لمن رأى هلال رمضان أو غيره أن يقول: (ما في حديث) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "الله اكبر أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، ربنا وربك الله" أخرجه الدارمي والأثرم (¬1) {22} (وما في حديث) طلحة بن عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 - دارمي (ما يقال عند رؤية الهلال) و (الهلال) يكون في الليلة الأولى والثانية والثالثة ثم يكون قمراً. و (أهله) من الإهلال وهو في الأصل رفع الصوت نقل إلى رؤية الهلال، لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه. ونبه بذكر الأمن والسلامة، على طلب دفع كل مضرة وبالإيمان والإسلام على جلب كل منفعة على أبلغ وجه وأوجز عبارة.

(3) شروط الصيام

ربي وربك الله" أخرجه أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والحاكم وابن حبان وزاد: والتوفيق لما تحب وترضى (¬1) {23} (وما روي) قتادة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات. ثم يقول: الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا" أخرجه أبو داود وقال: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح (¬2) {24} (هذا) ما ورد "أما ما يفعله" بعض العوام من رفع الأيدي عند رؤية الهلال قائلين: (هل هلالك، جل جلالك، شهر رمضان علينا وعليك) ونحو ذلك، ثم يمسحون وجوههم "فبدعة" منكرة من عمل الجاهلية لم تفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح (ومن البدع) ما يفعله بعض العوام وأرباب الطرق، من الطواف ليلة رؤية رمضان- في العواصم وبعض القرى- بالرايات رافعين أصواتهم بالأذكار والصلوات مع اللغط والتشويش والزمر والطبل وزغاريد النساء واختلاط الرجال بهن وبالأحداث واستعمال آلات اللهو وغير ذلك فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا السلف الصالح رضي الله عنهم. (3) شروط الصيام هي نوعان: ما يعم الصيام كله، وهو شرط الأداء، وما يخص البعض، وهو شرط الوجوب. ¬

(¬1) انظر ص 4 ج 2 - دارمي، وص 245 ج 4 - تحفة الاحوذي. (¬2) انظر ص 48 ج 4 - عون المعبود.

(أ) شروط الأداء: هي ثلاثة أنواع: (1) ما يرجع إلى رفث الصوم، وتقدم بيانه (¬1). (2) شرط جواز الأداء، وهو الإسلام فلا يجوز صوم الكافر إجماعاً وفي كونه شرط وجوب خلاف يأتي بيانه. (3) شروط صحة الأداء، وهي ثلاثة: (الأول) الخلو عما ينافي الصوم من مفسد بطروه عليه ومن حيض ونفاس (وهو) شرط صحة عند الحنفيين والشافعي وأحمد وشرط صحة ووجوب عند مالك. فيجب الصوم على الحائض والنفساء إن رأت علامة الطهر ولو مع الفجر فتنوي حينئذ ويصح صومها، وإن شكت بعد الفجر هل طهرت قبله أم بعده؟ أمسكت بقية يومها وجوباً ولا كفارة إن لم تمسك وقضت ذلك اليوم المشكوك فيه (¬2) (والبلوغ) ليس من شروط الصحة لصحة صوم الصبي العاقل. (الثاني) التمييز، وهو شرط صحة عند الشافعي، فلا يصح صوم غير مميز كمجنون وإن قل جفونه ومغمىً عليه وسكران إذا لم يفيقا لحظة من النهار، أما إذا أفاق كل منهما ولو لحظة من النهار فإنه يصح صومه ولا يضر النوم جميع النهار، لأن النائم مميز حكماً لسرعة انتباهه إذا نبه. (ويلزم) المغمى عليه القضاء اتفاقاً لأن مدقه لا تطول غالباً ولا يزول به التكليف كالنوم. أما المجنون فلا يلزمه قضاء ما مضى في جنونه ولو كان غير مطبق لأنه يطول غالباً ويزول به التكليف. (وقال) مالك وأحمد: العقل شرط صحة ووجوب فلا يصح صوم المجنون ولا المغمى عليه ولا يجب عليهما. ومن زال عقله بجنون أو إغماء كل ¬

(¬1) انظر ص 222. (¬2) انظر ص 634 ج 1 - الفجر المنير.

اليوم أو جله ولو سلم أوله أو دون جله ولم يسلم عند طلوع الفجر، قضى الصوم وجوباً بأمر جديد، فلا ينافي أن العقل شرط وجوب وصحة معاً. أما من جن أو أغمى عليه نصف اليوم فأقل وسلم مما ذكر وقت طلوع الفجر، فلا قضاء عليه وإن لم ينو بالفعل حيث تقدمت له النية تلك الليلة ولو باندراجها في نية الشهر. والسكر ولو بحلال كالإغماء على الراجح ولا قضاء على النائم ولو نام كل الشهر إن بيت النية أولاً (¬1). (وقال) الحنفيون: ليس العقل ولا الإفاقة شرطاً لصحة الصوم لأن من نوى الصوم ليلاً ثم جن أو أغمى عليه نهاراً يصح صومه في ذلك اليوم، وإنما لم يصح فيما بعده لعدم تصور النية منهما، ومن جن كل رمضان بأن زال عقله قبل غروب شمس آخر شعبان واستمر حتى تم رمضان لا يقضي، لأنه لما طال جنونه باستيعاب الشهر سقط به القضاء دفعاً للحرج وإن أفاق لحظة منه ولو آخر النهار قضى ما مضى لتحقق سبب الوجوب وهو شهود بعض الشهر ولا حرج في القضاء حيث لم يستوعب الجنون الشهر كله. ولا فرق في ذلك بين الجنون الأصلي والطارئ في ظاهر الرواية. واختاره الكمال ابن الهمام. واختار الحلواني أن من أفاق في وقت غير صالح لإنشاء النية بأن أفاق بعد الزوال أو ليلاً لا قضاء عليه وصححه غير واحد فهما فولان مصححان. والمعتمد الأول، لأنه ظاهر الرواية، ومن أغمى عليه أياماً ولو كل الشهر قضاها إلا يوماً حدث فيه أو في ليلته الإغماء ولم يفطره، فلا يقضيه لتحقق الصوم فيه إذ الظاهر أنه نوى الصوم حملاً لحال المسلم على الصلاح، والفرق بين الإغماء والجنون أن الإغماء لا يطول عادة فلا يسقط به القضاء. (الثالث) النية وهي لغة: العزم، وشرعاً الإرادة المقارنة للفعل المسبوقة بعلم النوى. وصحت غير المقارنة في الصوم للضرورة. والشرط علمه بقلبه ¬

(¬1) انظر ص 634 ج 1 - الفجر المنير.

أي صوم يصوم. ولا عبرة باللسان وإن خالف القلب ويقوم مقامها التسحر. ولو قال: نويت صوم غد إن شاء الله تعالى صح استحساناً لأن النية أمر قلبي والمشيئة إنما تبطل العمل اللفظي. ثم الكلام فيها في ثلاثة مواضع: صفتها، وكيفيتها، ووقتها. (فصفتها) أنها ركن عند الشافعية وشرط لصحة كل صوم عند الثلاثة، لقوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" (¬1)، فإن الإخلاص هو النية، لأنه من أعمال القلب (وعن) عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" أخرجه الشيخان (¬2). {25} أي صحتها بالنية. وقد أجمع العلماء على أنها فرض في الصوم وغيره من مقاصد العبادات. والعبادة عمل يأتيه العبد باختياره خالصاً لله تعالى بأمره. والاختيار والإخلاص لا يتحققان بدون النية. (كيفيتها) يكفي عند الحنفنيين نية طلق الصوم في صوم النفل وفي الصوم المعين وقته كرمضان والمنذور المعين لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وهذا قد شهد الشهر وصامه فيخرج عن العهدة (ولو) نوى في رمضان النفل أو واجباً آخر، وقع عن رمضان (ولو نوى) في المنذور المعين وقته النفل، وقع عن المنذور. ولو نوى فيه واجباً آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان. ووجه الفرق أن شهر رمضان معين بتعيين الله تعالى فيظهر تعيينه في حق كل صوم آخر وأن التعيين في المنذور بتعيين العبد فيظهر تعيينه بالنسبة ¬

(¬1) سورة البينة: آية 5. (¬2) تقدم رقم 29 ص 133 (شروط صحة الزكاة).

لصوم التطوع دون الواجبات التي هي حق الله تعالى في هذه الأوقات فبقيت محلاً لها، فإذا نواها صح (وهذا) في حق المقيم. أما المسافر فإن صام رمضان بمطلق النية وقع صومه عن رمضان وإن صام فيه ناوياً واجباً آخر وقع عما نوى عند النعمان وعند الصاحبين يقع عن رمضان وكذا إن صام ناوياً التطوع عندهما وعن النعمان روايتان الأصح أنه يقع عن التطوع (¬1) (وهذا) وصوم القضاء والكفارات والنذور المطلقة لا يجوز إلا بتعيين النية حتى لو صام ناوياً مطلق الصوم لا يقع عما عليه ولو نوى بصومه قضاء رمضان والتطوع كان عن القضاه عند أبي يوسف لأن نية التعيين في التطوع لغو فلغت وبقي أصل النية فصار كأنه نوى قضاء رمضان (وقال) محمد: يكون عن التطوع، لأنه عين الوقت لجهتين مختلفتين فسقطتا وبقي أصل النية وهو نية الصوم فيكون عن التطوع (وإن) نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار يكون عن القضاء استحساناً عند أبي يوسف، لأنه خلف عن صوم رمضان وخلف الشيء يقوم مقامه. وصوم رمضان أقوى حتى تندفع به نية أي صوم آخر .. والقياس أن يقع عن التطوع وهو قول محمد، لأن جهتي التعيين تعارضتا فسقطتا فبقي نية مطلق الصوم فيكون تطوعاً (¬2) (وقال) مالك والشافعي وأحمد: يجب تعيين النية في كل صوم واجب بأن يعزم أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو عن نذر. ويجوز عندهم صوم النفل بنية مطلقة وعن أحمد أنه لا يجب تعيين النية لرمضان (فلو) نوى في رمضان الصوم مطلقاً أو نوى نفلاً وقع عن رمضان وصح صومه (ولو) نوى ليلة الشك: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فرضاً ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 85 منه ..

وإلا فهو نفل، لم يجزئه على الرواية الأولى، لأنه لم يعين الصوم عن رمضان جزماً ويجزيه على الأخرى، لأنه قد نوى الصوم. ولو كان عليه صوم من سنة خمس فنوى أن يصوم عن سنة ست أو نوى الصوم عن يوم الأحد وكان الإثنين أو ظن أن غداً الأحد فنواه وكان الإثنين، صح صومه لأن نية الصوم لم تحتل وإنما اخطأ في الوقت. وإذا عين النية عن صوم رمضان أو قضائه أو كفارة أو نذر لم يحتج أن ينوي كونه فرضاً. وقال ابن حامد يجب ذلك (¬1). وقت النية: وقتها عند مالك والليث: الليل في كل صوم ولو نفلاً (وقال) الشافعي وأحمد: وقتها الليل في الفرض والليل وأول النهار في النفل (وقال) الحنفيون: وقتها الليل في صوم ليس له وقت معين كقضاه رمضان وصوم الكفارات والنذر المطلق. أما الصوم المعين زمنه كأداء رمضان والنذر المعين فوقتها فيه من أول الليل إلى ما قبل الزوال. وكذا صوم النفل والمكروه (فيلزم) تبييت نية الصوم بإيقاعها في جزء من الليل بلا فرق بين صوم الفرض والنفل عند مالك، لعموم حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" أخرجه أحمد والأربعة والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعاً (وقال) الترمذي: حديث حفصة لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح (¬2) {26} فقوله: فلا صيام له نكرة. في سياق النفي تعم الفرض والنفل. والحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فهو صالح للاحتجاج به، لأن له شاهداً يقويه ¬

(¬1) انظر ص 18 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 275 ج 9 - الفتح الرباني (وجوب النية في الصوم ليلاً). وص 215 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 32 ج 1 مجتبي. وص 48 ج 2 تحفة الأحوذي (لا صيام لمن لم يعزم من الليل) وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 234 الدارقطني (ويجمع) بضم فسكون فكسر من أجمع إجماعاً. أي عزم النية وأحكمها.

(روت) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" أخرجه الدارقطني والبيهقي. وفيه عبد الله بن عباد ضعيف (¬1) {27} (وقال) الشافعي وأحمد: يجب تبييت النية في الفرض دون التطوع. وحملوا الأحاديث السابقة على الفرض دون النفل فلا يجب فيه التبييت (لحديث) عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقول: هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا قال إني صائم" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة. وهذا لفظ أبي داود (¬2) {28} (وقال) الحنفيون: يلزم تبيت نية الصوم من الليل ولو عند طلوع الفجر إن لم يتعلق بوقت معين كقضاء رمضان وصوم الكفارات والنذر المطلق. وحملوا على هذا حديث: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له (¬3) أما ماله زمن معين كأداء رمضان والنذر المعين فيصح صومه بنية في الليل والنهار قبل الزوال. وكذا الصوم المسنون والمكروه، فلا يلزم فيما ذكر تبييت النية لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل (¬4) (أباح) الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر وأمر بالصيام بكلمة ثم التي للتراخي فأفاد أن النية تعتبر بعد الفجر قطعاً (وعن) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية ¬

(¬1) انظر ص 234 الدارقطني وص 203 ج 4 بيهقي (الدخول في الصوم بالنية). (¬2) انظر ص 277 ج 9 - الفتح الرباني. وص 34 ج 8 نووي (جواز صوم النافلة بنية من النهار) وص 320 ج 1 مجتبي. وص 275 ج 4 بيهقي. وص 217 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 50 ج 2 تحفة الأحوذي (إفطار الصائم المتطوع). (¬3) تقدم رقم 26 ص 344. (¬4) سورة البقرة: آية 187.

يومه ومن لم يكن أكل فليصم. فإن اليوم يوم عاشوراء" أخرجه احمد والشيخان والنسائي والبيهقي (¬1) {29} كان صوم عاشوراء فرض حتى فرض رمضان فصار سنة كما سيأتي (¬2) ولو نوى صوم ما ذكر عند الزوال أو بعده, لا يصح لعدم مقارنة النية لأكثر النهار. (هذا) وقد علم أن الصوم في الليل كافية في كل صوم بالإجماع, لكن بشرط عدم الرجوع عنها. حتى لو نوي ليلا صوم غد ثم عزم ليلا على الفطر لم يصبح صائما، فلو أفطر لا شئ عليه في غير رمضان ولو مضى عليه لا يجزئه لا نتقاض النية بالرجوع. ولو نوي الصائم بالنهار الفطر لم يفطر. والأفضل في كل صوم أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه أو من الليل لأن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة ومن الليل تقارنه تقديرا (¬3). (وأجاب) من أجب تبييت النية في كل صوم: (أ) عن الآية بأنها محتملة لأن تكون نية الصوم نهاراً وأن تكون ليلاً. والمعني: ثم أتموا الصيام الذي نويتموه ليلاً. ... (ب) وعن حديث سلمة بأنه منسوخ بحديث: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له, لتأخر هذا. ولو سُلّم عدم النسخ فالنية إنما صحت في نهار عاشوراء لأنه ما بلغهم فرضية صوم إلا نهاراً. والرجوع إلى الليل حينئذ متعذر. والنزاع فيما كان ممكنا فيختص جواز النية بالنهار بمن ظهر له ¬

(¬1) انظر ص 179 ج 10 - الفتح الرباني (فضل يوم عاشوراء) وص 178 ج 4 - فتح الباري وص 13 ج 8 نووي وص 319 ج 1 مجتبي (إذا لم يجمع من الليل هل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟ ) وص 288 ج 4 بيهقي (صوم عاشوراء كان واجباً ثم نسخ وجوبه). (¬2) يأتي في بحث (مبدأ فرض الصيام - وصوم يوم عاشوراء) إن شاء الله تعالى. (¬3) انظر ص 85 ج 2 بدائع الصناع.

وجوب الصيام عليه نهارًا، كالمجنون يفيق، والصبي يحتلم، والكافر يسلم، ومن ظهر له نهاراً أن اليوم من رمضان. ... (ج) وعن حديث عائشة بأنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نوي الصوم وأراد الفطر لعذر (ويقوي) هذا قوله في رواية أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بأتيها وهو صائم. ولو سلم عدم الاحتمال فإن غايته تخصيص صوم التطوع من عموم الحديث من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له. (تنبيه) قد دلت أحاديث لزوم تبييت نية الصوم على أنها تجب لكل يوم وبه قال الحنفيون والشافعي والجمهور. وهو أصح الروايتين عن أحمد، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة (وقال) مالك وإِسحق: يكفي نية صوم لشهر أول ليلة من رمضان ولا يجب تجديدها لكل يوم بل يستحب، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. وهذا قد نوى جمع الشهر فكان له ما نوى (ورد) بإن معناه أن كل عبادة تحتاج إلى نية وصوم كل يوم من رمضان عبادة مستقلة فتحتاج إلى نية (ومنه) يعلم أن الراجح قول من قال بلزوم تبييت النية في كل يوم غير النقل. وقول من قال بلزومها في كل ليلة من رمضان وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه فيقال فيه مثل ما ذكر في رمضان (¬1). ... (ب) شروط وعيوب الصوم: يشترط لوجوبه ستة شروط. (1) الإسلام. وهو شرط وجوب وصحة عند الحنفيين وأحمد, فلا يفترض الصوم على الكافر الأصلي وإن عوقب في الآخرة على ترك اعتقاد افتراضه لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المرتد عند الحنفيين وهو الصحيح عند أحمد لأنه يصير كالكافر الأصلي، وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته وهي لا تصلح إلا من المسلم كما تقدم ¬

(¬1) انظر ص 26 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(وقال) الشافعي: الإسلام - ولو فيما مضى - شرط وجوب فلا وجوب فلا يجب الصوم على الكافر الأصلي وجوب مطالبة وإن كان يعاقب عليه في الآخرة عقاباً زائداً على عقاب الكفر ويجب على المرتد وجوب مطالبة بأن يقال له أسلم وصم. ويجب القضاء عليه إن عاد للإسلام. وهو رواية عن أحمد (هذا) ولا يجوز للمسلم إعانة الكافر على ما لا يحل عندنا كالأكل والشرب في نهار رمضان بضيافة أو غيرها لأنه إعانة على معصية (وقال) مالك الإسلام شرط صحة. فلا يصح صوم الكافر وإن كان واجباً عليه ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، لأنه يرى أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام. وإذا أسلم سقطت عنه ولو مرتداً لقوله تعالى "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (¬1) ". ... (2) البلوغ: وهو شرط وجوب عند الأربعة. فلا يفترض الصيام على صبي لعدم تكليفه. لكن على ولي الصبي أن يأمره به إذا أطاقه ويضربه عليه إذا امتنع كالصلاة في الأصح عند الحنفيين والشافعي واحمد (لحديث) الربيع بنت معوذ قالت "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائماً فليتم صومه. ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار" (الحديث) أخرجه الشيخان والبيهقي (¬2) {30} (وفي الحديث) تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين (واختلف) في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام (فعند) الحنفيين والشافعي يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر إذا أطاقه ¬

(¬1) سورة الأنفال: آية 39. (¬2) انظر ص 144 ج 4 فتح الباري (صوم الصبيان) وص 13 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) وص 288 ج 4 بيهقي.

(وقال) احمد يؤمر به لعشر (وقالت) المالكية: لا يجب الصوم على الصبي ولو مراهقاً ولا يطلب من الولي أمره به لأن الصوم غير مشروع في حقه (وحديث) الربيع بنت معوذ (يرده) لأنه يبعد كل البعد ألا يطلع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك. ... (3) العقل: وهو شرط وجوب عند الحنفيين والشافعي. فلا يفترض الصوم عند الحنفيين على مجنون مطلقاً، لعدم تكليفه (ولحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي (¬1). {31} (وقالت) الشافعية: لا يجب الصوم على المجنون إلا إن تعدى بتعاطي ما يزيل عقله من شرب أو غيره فيجب ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة. ومثله السكران على المعتمد. فإن تعدى بشرب المسكر وجب عليه الصوم ولزمه قضاؤه بعد الإفاقة، وإلا فلا يدب عليه. وأما المغمى عليه فيجب عليه قضاء الصوم وإن لم يعتمد بسبب الإغماء (وقال) مالك وأحمد: العقل شرط وجوب وصحة معاً. فلا يجب الصوم على مجنون ولا يصح منه على ما تقدم بيانه في شروط صحة الأداء (¬2). (4) يشترط لوجوب الصوم- عند الحنفيين- العلم بافتراضه لمن أسلم في دار الحرب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين أو واحد عدل عند النعمان (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا تشترط في المخبر العدالة ولا البلوغ ولا الحرية فلو أسلم الحربي في دارهم ولم يعلم أن عليه صوم رمضان ثم علم لا يلزمه قضاء ما مضى، أما من أسلم في دار الإسلام فلا يشترط في حقه العلم ¬

(¬1) تقدم رقم 19 ص 119 (الزكاة في غير المكلف). (¬2) تقدم ص 340.

بافتراضه فيلزمه قضاء ما لم يصمه بعد الإسلام، لأن الجاهل في دارنا لا يعذر بجهله في مثل هذا. (5 و 6) الإقامة والقدرة على الصوم: وهما شرطان لوجوب الأداء: فلا يجب أداء صوم رمضان على مسافر ولا على عاجز عنه حسا- لكبر أو مرض- أو شرعاً- لحيض أو نفاس- وعلى من زال عذره القضاء، لقوله تعالى "فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ أخر (¬1) " (ولحديث) معاذة العدوية "أن امرأة سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" أخرجه السبعة والبيهقي (¬2) {32} (فائدة) من صار أهلاً لوجوب الصوم بعد أن لم يكن واجباً عليه، لزمه إمساك بقية اليوم- احتراماً للوقت بقدر المستطاع عند الحنفيين وروي عن أحمد- ككافر أسلم أو صبي بلغ أو مجنون أفاق أو مسافر أقام أو مريض بريء وقد أفطر أو فات وقت النية. وأما لو زال المانع من الصوم قبل تناول مفطر وفوات وقت النية فيلزمه الصوم وإن نوى الفطر وكذا إذا طهرت حائض أو نفساء بعد الفجر أو معه، يلزمها الإمساك (هذا) والكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ، لا يلزمهما قضاء اليوم الذي صارا فيه أهلاً للصيام، لعدم أهليتهما له أول اليوم أما غيرهما- إذا صار أهلاً للصوم وكان قد أفطر أو فات وقت النية- فيجب عليه قضاء اليوم الذي صار ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 184. (¬2) انظر ص 153 ج 2 - الفتح الرباني (موانع الحيض .. ) وص 288 ج 1 فتح الباري (لا تقضي الحائض الصلاة) وص 26 و 27 ج 4 نووي (قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة) وص 42 و 43 ج 3 - المنهل العذب المورود وص 319 ج 1 مجتبي (وضع الصيام عن الحائض. وص 123 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 112 ج 1 - ابن ماجه. وص 308 ج 1 بيهقي.

(4) أقسام الصيام

فيه أهلاً للصوم (لحديث) عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال "صمتم يومكم هذا؟ قالوا. لا. قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه" أخرجه أبو داود وقال: يعني يوم عاشوراء (¬1) {33} ... (دل) الحديث على وجوب الإمساك على من وجب عليه الصوم في أثناء اليوم. وعلى لزوم القضاء إذا كان تناول مفطراً أو لم ينو الصوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسلم بالإمساك بقية يوم عاشوراء وقضائه. وكأن صومه واجباً على ما يأتي (وقال) مالك والشافعي: لا يلزم من ذكر إمساك ولا قضاء (وروي) عن احمد: بل يستحب له الإمساك لحرمة الشهر ولم يجب لأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً: وإذا أفطر كان له استدامة الفطر كما لو دام العذر. أما من أفطر والصوم واجب عليه، فيلزمه الإمساك والقضاء اتفاقاً كمن أفطر لغير عذر (ومن ظن) أن الفجر لم يطلع فأكل وقد طلع، أو أن الشمس قد غابت فأفطر ولم تغب والناسي للنية ونحو ذلك، فهؤلاء يلزمهم الإمساك والقضاء اتفاقاً. وكذا لو ثبتت رؤية الهلال في أثناء النهار. والله الهادي إلى سواء السبيل. (4) أقسام الصيام هو أربعة أقسام إجمالاً وثمانية تفصيلاً عند الحنفنيين (فرض) معين كأداء رمضان. وغير معين كقضائه وصوم الكفارات (وواجب) معين كالمنذر المعين بوقت كنذر صوم يوم الخميس وغير معين كالنذر المطلق. وإتمام صوم التطوع بعد الشروع فيه (ومنهي عنه) وهو حرام كصوم العيدين وأيام التشريق ومكروه تحريماً كصوم يوم الشك ومكروه تنزيهاً كصوم ¬

(¬1) انظر ص 208 ج 10 - المنهل العذب المورود (فضل صوم عاشوراء).

(أ) صيام رمضان

يوم عاشوراء مفرداً وسبت وأحد (وتطوع) وهو سنة كصوم عاشوراء مع التاسع. ومندوب كصوم ثلاثة أيام من كل شهر. وهاك بيانها مفصلاً: (أ) صيام رمضان: فرض صومه يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان من السنة الثانية من الهجرة. وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (¬1) " وقال تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه (¬2) " (وروي) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، وحج البيت" أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {34} (وقال) طلحة بن عبيد الله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مجد ثائر الرأس نسمع دوى صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم ¬

(¬1) سورة البقرة. آية 183 و 185 (¬2) سورة البقرة. آية 183 و 185 (¬3) انظر ص 79 ج 1 - الفتح الرباني (أركان الإسلام) وص 38 ج 1 - فتح الباري (الإيمان) وص 177 ج 1 نووي (أركان الإسلام) وقد أخرجه مسلم من أربع طرق. هذا لفظ الرابع. ولفظ الأول: بني الإسلام على خمسة على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج. فقال رجل الحج وصيام رمضان: قال (يعني ابن عمر) لا. صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر ص 176 ج 1 نووي) وفيهما كما ترى تقديم الصوم على الحج وفي الثاني والثالث تقديم الحج على الصوم كما عند أحمد والبخاري.

والليلة فقال: هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وصوم رمضان. قال: هل علي غيره؟ فقال: لا إلا أن تطوع (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وأبو داود وهذا لفظ مسلم (¬1) {35} والأحاديث في هذا كثيرة، وقد أجمعت الأمة على فرضية صوم رمضان لا يجحدها إلا كافر (وشرع) الصوم لحكم (منها) أنه وسيلة إلى شكر النعمة إذ هو كف للنفس على الأكل والشرب والمفطر، وهي من أجل النعم وأعلاها والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرف قدرها إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر. وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى في آية الصوم "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" (¬2). (ومنها) أنه وسيلة إلى التقوى لأنه إذا انقادت نفسه للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 1 - الفتح الرباني. وص 72 ج 4 فتح الباري (وجوب صوم رمضان). وص 166 ج 1 نووي (الصلوات أحد أركان الإسلام) وص 79 ج 1 مجتبي وص 276 ج 3 - المنهل العذب المورود و (رجل) هو ضمام بن ثعلبة. و (نجد) قسم من بلاد العرب بين الحجاز والعراق. و (ثائر الرأس) أي منتشر الشعر. و (دوي الصوت) بفتح الدال وكسر الواو وشد الياء- بعده في الهواء. وقيل هو صوت غير مرتفع كصوت النحل. و (رمضان) اسم للشهر المعروف وهو من الرمض (بفتح الميم) شدة الحر. وفيه دليل على جواز أن يقال: جاء رمضان بدون ذكر الشهر. وهو المختار عند المحققين "وما قيل" من أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى "ليس بصحيح" ولم يصح فيه شيء. وقد جاء فيه أثر ضعيف وأسماء الله تعالى توفيقية لا تطلق إلا بدليل صحيح (انظر ص 188 ج 7 نووي مسلم). (¬2) سورة البقرة: آية 185.

الحرام فكان الصوم سبباً للاتقاء عن محارم الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (ومنها) أن فيه قهر النفس وكسر الشهوة لأن النفس إذا شبعت مالت إلى الشهوات. وإذا جاءت امتنعت عما تهوي (روي) ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجالاً" أخرجه الشيخان (¬1) {36} .. فكان الصوم وسيلة إلى الامتناع عن المعاصي (ومنها) أن فيه كسر النفس وقهر الشيطان، فالشبع نهر في النفس يرده الشيطان والجوع نهر في الروح ترده الملائكة (ومنها) كونه موجباً للرحمة والعطف على المساكين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع والعطش في بعض الأوقات تذكر حال المسكين في عمومها فيسارع إلى رحمته ومواساته بما يمكن من ذلك وبه ينال حسن الجزاء من الله تعالى. (ومنها) ما يترتب على الصوم من رياضة النفس وراحة أعضاء الجهاز الهضمي شهراً من السنة لتقوى وتقوم بما خلقت له خير قيام. ولذا أباح الشارع الفطر لمن لا يلائمه الصوم كالمريض والمسافر. وهذه الحكم إنما تظهر ثمرتها لمن يعتدل في الطعام والشراب ويتحلى بالآداب الشرعية في الصيام. ثم الكلام ينحصر في سبعة فصول. ¬

(¬1) انظر ص 83 ج 4 فتح الباري (الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة) أي خاف ما ينشأ عنها من الوقوع في الزنا. وص 172 ج 9 نووي (استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه .... ).

(1) أحوال الصيام: شرع الصوم على ثلاثة مراتب (أ) إيجابه على وجه التخيير، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر- ولو قادراً صحيحاً مقيماً- وأطعم عن كل يوم مسكيناً. (ب) تحتم الصيام على القادر الصحيح المقيم، وكان إذا غربت الشمس يتناولون المفطر ما لم يناموا، ومن نام قبل أن يطعن ويشرب حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيامٍ أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين" (¬1) ¬

(¬1) معنى الآيتين: اعلموا أيها المؤمنون أن الله فرض عليكم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة فالتشبيه في وجوب الصيام (قيل) كان الصوم على آدم عليه الصلاة والسلام أيام البيض- الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر- وعلى قوم موسى عاشوراء (وقيل) التشبيه في القدر والوقت. والمعنى أن الله تعالى فرض على هذه الأمة صوم رمضان كما فرضه على من قبلهم، لكنهم زادوا في العدد إلى خمسين ونقلوا الصيام من أيام الحر إلى أيام الاعتدال (وقيل) التشبيه في الصفة. وهي ترك المفطر (والمعنى أن الله تعالى فرض عليكم ترك المفطرات كما فرضه على من قبلكم غير أنهم في صيامهم قصروا الإمساك عن المفطر من ذي الروح والمستخرج منه. وقوله تعالى (لعلكم تتقون) أي ليكون الصوم وقاية بينكم وبين العاصي. فإنه يكسر الشهوة التي هي مبدؤها ففي حديث ابن مسعود: ومن لم يستطع (يعني النكاح) فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع للشهوة. فصوموا أياماً معدودة معلومة وهي رمضان. ومن كان مريضاً مرضاً يشق معه الصوم أو مسافراً سفراً تقصر له الصلاة وبدأه قبل الفجر فله الفطر وعليه صيام أيام أخر قضاء ما أفطر .. أما من سافر نهاراً فلا يباح له الفطر في هذا اليوم (قال) علي رضي الله عنه: من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم، لأن الله يقول "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" أخرجه عبد ابن حميد وابن جرير (انظر ص 86 ج 2 جامع البيان) =

(جـ) التخفيف على الصائم بإباحة تناول المفطرات طول الليل قبل النوم وبعده، ¬

= وقوله "وعلى الذين يطيقونه فدية" أي على من يجهده الصوم لكبر أو مرض لا يرجي برؤه فدية، وهي عن كل يوم نصف صاع من بر أو سويقه أو دقيقه أو صاع من تمر أو شعير أو زينب عند الحنفيين. ومد (أي ربع صاع) من غالب قوت البلد عند غير الحنفيين. وعلى هذا لا نسخ في الآية (فقد) قرأها ابن عباس وقال: ليست بمنسوخة هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً. أخرجه البخاري والنسائي (انظر ص 125 ج 8 فتح الباري- قوله تعالى: أياماً معدودات ..... ) (وعنه) قال: يطيقونه يكلفونه فدية طعام مسكين واحد فمن تطوع خيراً طعام مسكين آخر. ليست بمنسوخة (الحديث) أخرجه النسائي (انظر ص 318 ج 1 مجتبي تأويل قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية ... ) و (قيل) المعنى وعلى المطيقين للصوم إن أفطروا بلا عذر فدية كانوا مخيرين بين الصوم والفدية. ثم نسخ التخيير بقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (قال) سلمة بن الأكوع: لما نزلت هذه الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. أخرجه الخمسة (انظر ص 126 ج 8 فتح الباري - فمن شهد منكم الشهر فليصمه- وص 318 ج 1 مجتبي وص 26 ج 10 - المنهل العذب- نسخ قوله: وعلى الذين يطيقونه) وقوله "فمن تطوع خيراً فهو خير لكم" أي فمن زاد في الفدية فله ثواب أكثر وصومكم أيها المرخص لهم في الفطر خير لكم من تأخير الصيام ومن الفدية إن كنتم تعلمون ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمة، لآثرتموه على عدمه. وإنما خص فرض الصيام بشهر رمضان لمزيد فضله: فقد أنزل فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر منه. ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً في ثلاث وعشرين سنة. والقرآن هداية للناس من الضلال وآيات واضحات من جملة الكتب السماوية الهادية إلى الحق والفارقة بينه وبين الباطل بما فيها من الحكم والأحكام. وقوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" أي فمن علم الهلال برؤية أو غيرها، فليصم رمضان إلا إذا كان مريضاً أو مسافراً فله الفطر وعليه قضاء ما أفطره وقد أباح الله الفطر للعذر ووسع في القضاء فلم يوجب فيه المبادرة في زمن معين ولا التتابع للتسهيل عليكم ولتكملوا قضاء ما فاتكم بعد زوال العذر ولتحمدوا الله وتشكروا له على ما أولاكم من النعم التي من اجلها الإرشاد لمعالم الدين.

قال الله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (¬1) ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 187. و (الرفث) الجماع وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء. وجعل كل من الزوجين لباساً للآخر لأنه يستره عند الجماع عن أعين الناس ولامتزاج كل منهما بالآخر عنده و (تختانون أنفسكم) أي تخونونها بالمباشرة في ليالي الصيام. وسماهم خائنين لأنفسهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم (فتاب عليكم) أي قبل التوبة من خيانتكم لأنفسكم أو خفف عنكم بإباحة الطعام وتناول المفطرات ليلاً. (وعفا عنكم) أي تجاوز عما ارتكبتم من الخيانة أو وسع وسهل لكم في الأمر (وابتغوا ما كتب الله لكم) أي اطلبوا الولد بمباشرة نسائكم والمراد بالخيط الأبيض الفجر الصادق المعترض نوره في الأفق وبالخيط الأسود سواد الليل (وقد) دل على هذه الأحوال حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال (الحديث) وفيه "وأما أحوال الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام فصام سبعة عشر شهراً من ربيع الأول إلى رمضان من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء ثم إن الله تعالى فرض عليه الصيام فأنزل (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فأجزأ ذلك عنه .. ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام. فهذان حالان. وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا. فإذا ناموا امتنعوا. ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صرمة بن قبس ظل يعمل صائماً حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح نائماً فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً قال "ما لي أراك قد جهدت جهداً شديداً قال: يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت وأصبحت صائماً وكان عمر قد أصاب من النساء- من جارية أو من حرة- بعد ما نام وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى "أحل لكم ليلة الصيام- الآية" أخرجه احمد وأبو داود والبيهقي وهو مرسل صحيح السند فإن ابن ابي ليلى لم يدرك معاذاً (انظر ص 239 ج 9 - الفتح الرباني- الأحوال التي عرضت للصيام. وص 151 ج 4 - المنهل العذب المورود- كيف الأذان).

(2) مبدأ فرض الصيام: (قال) الحنفيون ومالك وبعض الشافعية: أول ما فرض صيام عاشوراء ثم ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ ذلك بصوم رمضان بالإمساك كل يوم وليلة من بعد النوم إلى غروب الشمس، ثم نسخ ذلك بآية "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" وروي عن أحمد (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه" أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه وقال الترمذي: صحيح (¬1) {37} ... (والمشهور) عند الشافعية واحمد: أنه لم يفرض علينا صوم قبل رمضان (قال) معاوية بن أبي سفيان: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان (¬2) {38} ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 2 زرقاني الموطأ (صيام يوم عاشوراء) وص 184 ج 10 الفتح الرباني (عدم تأكد صومه بعد نزول رمضان) وص 175 ج 4 فتح الباري وص 4 ج 8 نووي وص 202 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 56 ج 2 تحفة الاحوذي. (¬2) انظر ص 106 ج 2 زرقاني وص 186 ج 10 - الفتح الرباني وص 175 و 176 ج 4 فتح الباري وص 8 ج 8 نووي.

استدلوا به على أنه لم يكن صوم عاشوراء فرضاً قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أنه يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه (¬1). (3) فضل صيام رمضان: صيام رمضان وقيامه لهما فضل كبير وثواب جزيل من أداهما مصدقاً محتسباً: أي طالباً رضاء الله وثوابه، غفرت ذنوبه وضوعفت حسناته ورفعت درجاته (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه السبعة. وزاد احمد في رواية: وما تأخر (¬2) {39} ... (وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله" أخرجه احمد وابن حبان والبيهقي بسند جيد (¬3) {40} ¬

(¬1) انظر ص 176 ج 4 فتح الباري. (¬2) انظر ص 219 ج 9 - الفتح الرباني (فضل صيام رمضان وقيامه) وص 81 ج 4 فتح الباري وص 40 ج 6 نووي. وص 308 ج 7 - المنهل العذب المورود (قيام رمضان) وص 31 ج 2 تحفة الاحوذي وص 258 ج 1 - ابن ماجه. و (إيماناً) أي تصديقاً بأنه حق. وظاهر الحديث يشمل غفران الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر. وقال الأكثر: المراد غفر الصغائر فقط. قال النووي: وفي التخصيص نظر وإن اجمعوا على الكبائر لا تسقط إلا التوبة أو بالحد. ومعنى غفر الذنب المتأخر أنه يحفظ من الوقوع فيه أو أنه إن وقع مغفوراً. وتقدم- بهامش ص 246 ج 5 - الدين الخالص- بيان الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة. (¬3) انظر ص 221 ج 9 - الفتح الرباني (فضل صيام رمضان وقيامه) وص 304 ج 4 بيهقي (وعرف حدوده) بان صامه راغباً في الثواب خائفاً من العقاب مخلصاً لله (ويحفظ ... ) أي اجتنب اللغو والرفث والخصام والغيبة والنميمة والنظر إلى ما يثير الشهوة.

(وقال) أبو هريرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه السبعة. وزاد النسائي في رواية "وما تأخر" (¬1). (وعن) معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً يصلي الخمس ويصوم رمضان غفر له. قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا" أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {42} قد دلت هذه الأحاديث على أن صيام رمضان وقيامه يكفر أن الذنوب المتقدمة وفي بعضها والمتأخرة. ويأتي في صوم عرفة أنه كفارة سنتين وفي عاشوراء أنه كفارة سنة وأن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما وأن العمرة إلى العمرة والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما وأن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. فكيف الجمع بينهما؟ (والجواب) أن كل واحدة من هذه الخصال صالحة لتكفير الصغائر فإن صادفتها كفرتها (وإن لم) يصادفها ذنب بأن كان عاملها سليماً من الذنوب لكونه غير مكلف أو موفقاً فلم يرتكب صغيرة أو ارتكبها وتاب أو عقبها بحسنة أذهبتها، قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 9 - الفتح الرباني وص 179 ج 4 فتح الباري وص 40 ج 6 نووي وص 306 ج 7 - المنهل العذب المورود (قيام شهر رمضان) وص 228 ج 1 مجتبي وص 205 ج 1 - ابن ماجه (من غير أن يأمرهم ... ) فيه دليل على عدم وجوب القيام. وأصرح منه حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله فرض صيام رمضان وسننت قيامه (الحديث) أخرجه احمد والنسائي وابن ماجه وفيه النضر بن شيبان ضعيف (انظر ص 244 ج 9 - الفتح الرباني). (¬2) انظر ص 222 ج 9 - الفتح الرباني و (دعهم) أي لا تخبرهم لئلا يتكلوا ويتركوا العمل. (¬3) سورة هود آية: 114.

فهذا (يكتب) له بهذا العمل حسناتٌ ويرفع له بدرجات، ويرجي أن يخفف عنه بعض الكبائر. (4) فضل رمضان: رمضان شهر عظيم مبارك أنزل الله في القرآن، قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (¬1)، وهو أفضل الشهور وشهر الصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. فرض الله صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه. وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر يضاعف الله فيه أجر العاملين ويغفر للصائمين (وقد) جاء في فضله والحث على العمل فيه أحاديث (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جاءكم رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتفل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم" أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي (¬2) { 43} ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 185. (¬2) انظر ص 225 ج 9 - الفتح الرباني (فضل رمضان والعمل فيه) وص 299 ج 1 مجتبي. وفائدة فتح أبواب الجنة في رمضان توقيف الملائكة على عمل الصائمين وحمد الله لهم وأن ذلك من الله بمنزلة عظيمة. وأيضاً إذا علم المكلف الموقن بهذا الخير الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بصدر منشرح واهتمام كامل (وهذا) يدل على أن أبواب الجنة تغلق في غير رمضان. ولا ينافيه قوله تعالى (وإن للمتقين لحسن مآب، جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) سورة ص آية 49 و 50 لأن هذا مع كونه في الآخرة لا يقتضي دوام كونها مفتحة الأبواب (وتغليق) أبواب النار في رمضان يقضي أنها تفتح في غير، ولا ينافيه قوله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها) سورة الزمر: 71 - لأن هذا في الآخرة ولا ينافي أن يكون هناك غلق قبل ذلك (وغلق) أبوابها في رمضان لا ينافي موت الكفرة فيه وتعذيبهم بالنار إذ يكفي فيه فتح باب صغير من القبر إلى النار غير الأبواب المغلقة (وتغل فيه الشياطين) لتعجيزهم من الإغواء وتزيين الشهوات .. ولا ينافيه وقوع المعاصي والشرور في رمضان لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة وشياطين الإنس فلا يلزم أن تكون كل معصية بوسوسة شيطان. فهذا إبليس لم يسبقه شيطان آخر وسوس له بل كانت معصيته من قبل نفسه.

(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين" أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وعندهما: فتحت أبواب الرحمة، بدل أبواب السماء (¬1) {44} (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار في كل ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 4 فتح الباري (هل يقال رمضان) (وص 187 ج 7 نووي (الصيام) وص 229 ج 1 مجتبي والمراد بـ (أبواب السماء) ما يصعد منها إلى الجنة لأنها فوق السماء وسقفها عرش الرحمن كما ثبت بالكتاب والسنة (وأبواب الجنة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "تحاجت النار والجنة فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقال الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (بفتح السين والقاف أي ضعفاؤهم والمحتقرون منهم) وعجزهم (بفتحتين جمع عاجز أي العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها) فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منكما ملؤها (الحديث) أخرجه مسلم انظر ص 181 ج 17 نووي (جهنم أعاذنا الله منها).

ليلة" أخرجه ابن ماجه والترمذي وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه (¬1) {45} (دلت) هذه الأحاديث على أن أبواب الجنة تفتح في رمضان حقيقة. وقيل: المراد بفتحها كثرة الطاعات المستلزمة دخول الجنة من الصيام والصلاة والذكر والقراءة في شهر رمضان. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه أو أحدهما الكبر فلم يدخلاه الجنة" أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه بسند جيد (¬2) {46} ... المعنى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره؛ وبر الوالدين وصيام رمضان والعمل الصالح فيه، أسباب لدخول الجنة، فمن بخل بالصلاة ¬

(¬1) انظر ص 259 ج 2 - ابن ماجه (فضل رمضان) وص 31 ج 2 تحفة الاحوذي (وصفدت) بضم المهملة وكسر الفاء المشددة أي شدت وأوثقت بالأغلال وهو معنى سلسلت وأغلقت (والمردة) جمع ما رد وهو المتجرد للشر. و (يا باغي الخير ... ) أي يا طالب الخير أقبل على فعله فإنك تعطي الثواب الجزيل على العمل القليل و (يا طالب الشر أمسك) وتب فإنه أو أن قبول التوبة. وفائدة هذا النداء- وهو غير مسموع- أن المؤمنين قد علموا به وصدقوا بخبر الصادق الأمين صلى لله عليه وسلم فتذكروا وأقبلوا على الخير وكفوا عن الشر وبه يحصل المقصود من النداء بأن يتذكر الناس كل ليلة أنها ليلة المناداة فيتعظوا بها. ولعل طاعة المطيعين وتوبة المذنبين ورجوع المقصرين في رمضان من أثر هذا النداء ونتيجة إجابة الله تعالى للداعين. ولهذا نرى أكثر المسلمين صائمين وغالب من يترك الصلاة في غير رمضان يصلون فيه ويصومون. (¬2) انظر ص 230 ج 9 - الفتح الرباني (فضل رمضان) ورقم 4459 ص 34 ج 4 فيض القدير (ورغم) بكسر الغين وفتحها أي ذل وأصابه الخزي والهوان وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مخلوط برمل.

على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره أو عق والديه أو لم يصم رمضان وقصر في طاعة الله تعالى لم يدخل الجنة مع السابقين وأذله الله وأخزاه. ... (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان وذلك لما يعد المؤمنون فيه من القوة للعبادة وما يعد المنافقون فيه من غفلات الناس وعوراتهم، هو غنم للمؤمنين يغتنمه الفاجر" أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي (¬1) {47} وفي رواية له: "ونقم للفاجر" أي أن الله تعالى ينتقم من الفاجر ويذيقه العذاب الأليم بسوء فعله وإيذائه المسلمين بتتبع عوراتهم في أثناء غفلتهم عن الدنيا وانقطاعهم لطاعة الله، فكأن ذلك غنيمة يغتنمها الفاجر في نظره ولكنها في الحقيقة شر له لو كان يعلم ما أعد له في الآخرة من العذاب الأليم. وأما المؤمن فإنه بعد ما يقويه على الطاعة في رمضان من ادخار ما ينفقه على عياله فيه لأن اشتغاله بالطاعة فيه يمنعه من تحصيل المعاش أو يقلل منه، فهو يحصل ما يلزمه وأولاده من القوت في رمضان قبل حلوله ليتفرغ فيه للطاعة فهو خير له لما اكتسبه فيه من الأجر العظيم والرحمة والمغفرة والعتق من النار. ... (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول إلى الحول المقبل، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة ويجيء الحور العين يقلن يارب اجعل لنا من عبادك أزواجاً تقر بهم أعيننا وتقر ¬

(¬1) انظر ص 231 ج 9 - الفتح الرباني وص 140 ج 3 مجمع الزوائد وص 304 ج 4 بيهقي (فضل رمضان).

أعينهم بنا" أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، وفيه الوليد القلانسي وثقه أبو حاتم وضعفه جماعة (¬1) {48} ... (وعن) أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر" أخرجه مسلم (¬2) {49} والأحاديث في هذا كثيرة (¬3)، وفيما ذكر الغناء والكفاية لمن تدبر واتعظ وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. (5) الطاعة في رمضان: ينبغي لكل عاقل الإكثار من العبادة في رمضان لأنها في الأيام الفاضلة لها مزية على غيرها. ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من العبادة في شهر رمضان ويحث على فعل الخير والإكثار منه فيه (روي) سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فطر صائماً على طعام وشراب من حلالٍ صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبريل ليلة القدر" أخرجه الطبراني في الكبير والبزار وزاد: ورزق دموعاً ورقة. قال سلمان: إن كان لا يقدر على قوته؟ قال: على كسرة خبز أو مذقة لبن أو شربة ماء كان له ذلك. وفيه الحسن بن أبي جعفر. قال ابن عدي: له أحاديث صالحة وهو صدوق، وفيه كلام (¬4) {50} ¬

(¬1) انظر ص 142 ج 3 مجمع الزوائد. و (صفق) من باب ضرب أي حركة الريح. (¬2) انظر ص 117 ج 3 نووي (فضل الوضوء والصلاة عقبه). و (إذا اجتنب) مبني للفاعل (الكبائر) مفعول. وروي: إذا اجتنب بزيادة تاء التأنيث مبني للمفعول والكبائر نائب فاعل. (¬3) منها ما تقدم عن سلمان الفارسي رص 251 ج 4 الدين الخالص. (¬4) انظر ص 156 ج 3 مجمع الزوائد (من فطر صائماً). و (مذقة لبن) بفتح بسكون الشربة من لين مخلوط.

(وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {51} ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسخى الناس وأكرمهم لأن نفسه صلى الله عليه وسلم أشرف النفوس ومزاجه أعدل الأمزجة، فلابد أن يكون فعله أحسن الأفعال، وخلقه أحسن الأخلاق. وكان جوده وكرمه في رمضان أكثر منه في سائر الأوقات. وفي الحديث فوائد: استحباب الإكثار من العطاء في رمضان ولا سيما عند ملاقاة الصالحين للتأثر بلقائهم، واستحباب زيارة أهل الصلاح والفضل ومجالستهم وتكرير ذلك إذا كان فيه مصلحة، وأن قراءة أفضل من التسبيح والتحميد وسائر الأذكار. ¬

(¬1) انظر ص 228 ج 9 - الفتح الرباني (فضل رمضان والعمل فيه) وص 82 ج 4 فتح الباري (أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان). و (المدارسة) القراءة بالتناوب. والظاهر أن جبريل عليه السلام كان يسمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ويقرؤه عليه ليزداد حفظاً. و (المراسلة) شبه عموم جوده وشمول نفعه بالريح المرسلة. وإنما هذا للتقريب من العقول وإلا فشتان ما بين الأمرين فإن جود النبي صلى الله عليه وسلم يحيي القلوب بعد موتها. والريح تحيي الأرض بعد موتها بما تحمله من الغيث. ولما كان ابن عباس يريد بيان تفاضله صلى الله عليه وسلم في الجود أشار إلى السبب الموجب لكثيرة جوده صلى الله عليه وسلم وهو كونه في رمضان وعند ملاقاة جبريل عليه الصلاة والسلام. أما رمضان فإنه شهر عظيم وفيه الصوم وهو من أشرف العبادات. وأما ملاقاة جبريل عليه الصلاة والسلام فإن فيها زيادة ترقي الغبي صلى الله عليه وسلم في المقامات وزيادة اطلاعه على علوم القرآن. وكان ينزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان ولم ينزل إلى غيره من الأنبياء في هذا الشهر. وكان يدارسه القرآن في رمضان لتجديد العهد واليقين.

(وكان) من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات: كان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان يواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة. وكان ينهي أصحابه عن الوصال فيقولون له: إنك تواصل. فيقول: "لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني (¬1). هذا ويستحب للرجل أن يوسع على عياله وأقاربه بلا تكلف ولا التزام ويحسن إلى جيرانه في شهر رمضان لاسيما في العشر الأواخر منه. ويسن الاعتكاف فيه وأكده العشر الأواخر منه (¬2)، كما يأتي إن شاء الله تعالى في الاعتكاف. (6) التفريط في رمضان: يلزم العاقل أن يتحلى بالفضائل ويتخلى عن الرذائل عموماً وفي رمضان خصوصاً، فلا يفطر فيه بلا عذر ولا يشرب فيه خمراً ولا يزني ولا يغتاب ولا يرتكب إثماً أياً كان، وإلا كان من المحرومين من الثواب المطرودين من رحمة رب الأرباب، الذين تضاعف لهم السيئات. وقد جاء في هذا أحاديث (منها) حديث زياد بن نعيم الحضرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن جاء بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت" أخرجه احمد مرسلا، لأن زياد بن نعيم ليس صحابياً. وفي سنده ابن لهيعة ضعفوه وله شواهد تعضده (¬3) {52} ¬

(¬1) انظر ص 154 ج 1 زاد المعاد. (¬2) انظر ص 377 ج 6 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 226 ج 9 - الفتح الرباني (وعيد من تهاون بصيام رمضان).

والمعنى أن الله تعالى فرض على كل مسلم مكلف أربع خصال من أركان الإسلام، وهي: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً. من أتى بثلاث منها لم يغنين عن المتروك، لأنه ركن مستقل يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فمن أدى الصلاة مثلاً ومنع الزكاة بعد وجوبها عليه، أثيب على تأدية الصلاة وعوقب على منع الزكاة. ومن جاء بهما وترك الصيام، أثيب عليهما وعوقب على ترك الصيام. ومن أتى بالثلاثة وهو مستطيع الحج ولم يحج، أثيب على الثلاثة وعوقب على ترك الحج. ومن أتى بهما جميعاً كان من الناجحين (هذا) ولم يذكر في الحديث النطق بالشهادتين وهو أول أركان الإسلام، لأنه ذكر هنا ما يفترض على كل مسلم ولا يتحقق الإسلام إلا بالنطق بالشهادتين فهو مذكور معنى. (وقال) البخاري: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه. وبه قال ابن مسعود. وقال سعيد بن المسيب والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد: يقضي يوماً مكانه (¬1) (دل) على أن من أفطر في رمضان وهو مقيم صحيح متعمداً بلا عذر فعليه إثم كبير ولا يكفي عن ذلك صيام الدهر كله. ¬

(¬1) انظر ص 114 ج 4 فتح الباري (إذا جامع في رمضان). و (يذكر عن أبي هريرة رفعه .... ) يشير إلى ما روي أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي والبيهقي والدارقطني وابن خزيمة وصححه والترمذي وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه سمعت محمداً البخاري يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث. ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا؟ انظر ص 135 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 264 ج 1 - ابن ماجه. وص 228 ج 4 بيهقي. وص 45 ج 2 تحفة الأحوذي.

والمراد به عند الجمهور أنه لا تحصل له فضيلة الصوم في رمضان وليس المراد أنه لو صام الدهر ناوياً قضاء ذلك اليوم لا يكفيه ولا يسقط عنه بل لو صام بنية القضاء سقط عنه الواجب عند الجمهور وعليه الكفارة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عري الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان" أخرجه أبو يعلي والديلمي بسند حسن وقال الذهبي: حديث صحيح (¬1) {53} وهذا بالنسبة للشهادة على بابه. وأما بالنسبة للصلاة والصوم فهو من باب الزجر والتهويل أو محمول على مستحل الترك (قال) الذهبي في الكبائر وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عرض أنه شر من المكاس والزاني ومدمن الخمر. بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال (¬2). (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجنة لتزين من السنة إلى السنة لشهر رمضان فإذا دخل رمضان قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك سكاناً ويقلن الحور العين: اللهم اجعل لنا من عبدك في هذا الشهر أزواجاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن صان نفسه في شهر رمضان فلم يشرب فيه مسكراً ولم يرم فيه مؤمناً بالبهتان ولم يعمل فيه خطيئة، وزوجة الله كل ليلة مائة حوراء وبني له قصراً في الجنة من ذهب وفضة وياقوتٍ وزبرجدٍ. لو أن الدنيا جمعت فجعلت في ذلك القصر لم تكن فيه إلا كمربط عنز في الدنيا ومن شرب فيه مسكراً أو رمي فيه مؤمناً ببهتان أو عمل فيه خطيئة أحبط الله عمله سنة فاتقوا شهر رمضان، ¬

(¬1) انظر رقم 5414 ص 311 ج 4 فيض القدير. (¬2) انظر رقم 5414 ص 311 ج 4 فيض القدير.

فإنه شهر الله - أن تفرطوا فيه فقد جعل الله لكم أحد عشر شهراً تنعمون فيها. وجعل لنفسه شهر رمضان فاحذروا شهر رمضان" أخرجه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن الأوزاعي إلا احمد بن أبيض. قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله موثقون (¬1) {54} (ففي هذه) الأحاديث الوعيد الشديد والتشنيع الفظيع على من تعمد الفطر في رمضان بلا عذر أو ارتكب فيه إثماً وأنه يضيع ثوابه ويحبط عمله. ومما يؤلم نفس الغيور ويضيق به صدره، أن يرى مخالفة هذه الأحاديث من بعض من يزعم انهم مسلمون. فيفطرون في رمضان جهاراً في الشوارع والأسواق ولا يجدون من ينهاهم. وإذا نهاهم إنسان قل أن يسلم من أذى فإنا لله وإنا إليه راجعون. ونرى كثيراً من المطاعم والمقاهي في المدن والقرى مفتحة الأبواب للمفطرين نهاراً جهاراً (¬2) .. وفي الليل ترى محلات الفجور وحانات الخمور ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 3 مجمع الزوائد (احترام شهر رمضان ومعرفة حقه). و (مربط) - كمقعد ومنزل- موضع تربط فيه الدابة. (¬2) (وقد) سئلت لما نصه: ما قولكم فيمن يفتح محلاً للطعام والشراب ويبيع ذلك للمفطرين في شهر رمضان ويقدم لهم ذلك في محله نهاراً. أيجوز ذلك أم هو حرام؟ أفيدونا مأجورين (فأجبت) قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فرض على عباده الصيام. وحرم على غير ذي العذر الإفطار في رمضان. والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن الله تعالى فرض صيام شهر رمضان على المكلف القادر الصحيح المقيم. والصيام ركن من أركان الإسلام قد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. والفطر فيه بغير عذر من الكبائر وتقديم الطعام أو الشراب لمن لزمه الصيام حرام، لما فيه من التعاون على المنكر. قال الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وعلى كل مسلم أن ينهي المفطر في رمضان بغير عذر عن الفطر وإلا كان شريكاً له في الإثم ويوشك الله أن يعم الكل بعذاب. قال الله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وقال النبي =

وأماكن الملاهي والقمار يؤمها الأشرار في ليالي رمضان التي هي جديرة بالصلاة ¬

= صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان" أخرجه احمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري .. وقال صلى الله عليه وسلم "لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم" أخرجه البزار والخطيب والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعون فلا يستجاب لكم" أخرجه الترمذي. فعلى أرباب المطاعم والمشارب والمقاهي إغلاقها نهاراً في رمضان. ويحرم عليهم تقديم الطعام والشراب نهاراً لأي مكاف بالصيام، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان والتهاون بأحكام الدين وترك النهي عن المنكر. وفي تركه الضرر العام وانتشار المعاصي والتظاهر بها. (وقد) ذهب جمهور العلماء إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وأنهم سيعذبون على تركها عذاباً شديداً زائداً على عذاب الكفر. قال الله تعالى في شأن أهل النار (ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين، حتى أتانا اليقين). وعليه فيحرم على المسلم تقديم الطعام والشراب في نهار رمضان للنصاري واليهود وغيرهم من الكفار فضلاً عن المسلمين. وعلى ولاة الأمور أن ينتبهوا لهذا وان يأخذوا على أيدي العابئين باحكام الدين المفطرين في رمضان المتجاهرين بالفسق والفجور خشية أن يعم الله الكل بالعذاب. وكفى ما مضي من إهمال وتفريط حتى حل بما ما حل وسلط الله تعالى علينا من لا يرحمنا. ولا نجاة إلا بالرجوع إلى حظيرة الدين والعمل بأوامره والوقوف عند حدوده. قال الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها (يا ايها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب" أخرجه أبو داود والترمذي. وذلك أن الهداية لا تتحقق إلا بالقيام بما كلفنا به. ومنه الأمر والنهي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقه الأمة في دينها، وأن يلهم الجميع الرشد والصواب، وأن يوافق الكل لتعرف أحكام الدين واتباع طريق سيد النبيين عليه وعلى آله الصلاة والسلام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. (11 من رمضان سنة 1360 العدد الرابع من السنة الثالثة من مجلة الاعتصام).

والقيام والتوبة من جميع الآثام فلو علم هؤلاء الجهال ما في قيام رمضان من الثواب ونزول الرحمات لرجعوا إلى الله تائبين وعلى ما فرطوا نادمين. ولكن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون. نعم نرى المساجد يؤمها في رمضان كثير من الناس ولكنهم قليلون بالنسبة لمن يؤم محلات الفساد والفجور. فالعاقل من خالف نفسه وهواه وتاب إلى مولاه وأقبل في رمضان على طاعة الله وأكثر فيه من الصدقة على أهل الفقه والاحتياج ووصل الأرحام واعتصم بحبل الله الذي لا ينام واستمسك بالعروة الوثقى وبذا يجوز الفصل والرضا ويكون من حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون. (7) كف الصائم جوارحه عما لا يرضى ربه: هذا مطلوب من الصائم وغيره إلا انه من الصائم آكد. والجوارح سبعة. (1) اللسان: فعلى الصائم حبسه عن النطق بالفحش والبهتان والمراء والخصومة والكذب وغيرها من الآثام. قال الله تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (¬1) " ويلزم الصمت والاشتغال بالطاعة من صلاة وذكر وتلاوة. ¬

(¬1) سورة ق آية: 18 و (رقيب) أي ملك يرقب قوله وفعله ويكتبه. و (عتيد) أي حاضر (روي) عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (ما يلفظ من قول غلا لديه رقيب عتيد) قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله: أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره. فذلك قوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم (وقال) ابن عباس أيضاً: إنما يكتب الخير والشر لا يكتب: يا غلام أسرج الفرس يا غلام اسقني الماء. أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم وصححه (وروي) عمرو بن ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول" أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والبيهقي في الشعب (انظر ص 76 ج 5 فتح القدير الشوكاني).

فهذا هو الذي يعتد به من صوم اللسان (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (¬1) {55} وليحذر الصائم كل الحذر من النميمة واللغو والزور والغيبة. وهي إفهام تنقيص الغير بما فيه. فإن لم يكن فبهتان (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله اعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (¬2) {56} ... ولا خلاف في أن الغيبة من الكبائر قد نفر عنها الشارع تنفيراً قال الله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم (¬3) " ¬

(¬1) انظر ص 343 ج 10 فتح الباري (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر- الأدب) وص 19 ج 2 نووي (إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت). (¬2) انظر ص 142 ج 16 نووي وص 420 ج 4 عون المعبود (الغيبة). (¬3) سورة الحجرات: آية 12.

والمعنى لا يأتي أحدكم بما يدل على تنقيص غيره ولو تعويضاً فإن من نقص مسلماً أو ثلم عرضه فهو كآكل لحمه حياً. ومن اغتابه فهو كآكل لحمه ميتاً. وهذا مكروه لديكم قطعاً فينبغي أن تكون الغيبة كذلك فامتثلوا أمر ربكم واحذروا عقابه بتباعدكم عما نهاكم عنه لأنه جل شأنه بليغ في قبول التوبة يجعل التائب كمن لم يذنب ويفيض عليه آثار إحسانه. (واللغو) الباطل وكل ما لا ثواب فيه وهو والغيبة مذمومان منهي عنهما كل إنسان والصائم أشد نهياً عنهما وعن غيرهما. وقد جاء في تحذيره مما ذكر أحاديث (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"أخرجه الجماعة إلا مسلماً (¬1) {57} المراد بالزور الحرام ومنه الكذب والغيبة. والمعنى أن من لم يترك حال صيامه القول الباطل من الكذب والغيبة وشهادة الزور والبهتان والقذف والسب واللعن والميل عن الحق وغير ذلك مما يجب على الإنسان اجتنابه، لا يقبل الله صيامه ولا يثيبه عليه (وقال) عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن امرأتين صامتا وإن رجلاً قال: يا رسول الله. إن هاهنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادنا أن تموتا من العطش فأعرض عنه أو سكت ثم عاد قال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا قال ادعهما فجاءتا فجيء ¬

(¬1) انظر ص 76 ج 10 الفتح الرباني (تحذير الصائم من اللغو والرفث والغيبة) وص 82 ج 4 فتح الباري (من لم يدع قول الزور والعمل به) وص 87 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 266 ج 1 - ابن ماجه وص 39 ج 2 تحفة الاحوذي (التشديد في الغيبة للصائم) (فليس لله حاجة) لا مفهوم له فإن الله تعالى لا يحتاج إلى شيء. وإنما المعنى: فليس لله إرادة في قبول صيامه. فوضع الحاجة موضع الإرادة. وهذا النفي كناية عن عدم القبول أي لا يقبل الله صيامه. وليس المعنى أنه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما المعنى التحذير من قول الزور وعمله. ومقتضاه أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه وان ثواب الصيام لا يوازن إثم ما ذكر.

بقدح أو عس فقال لإحداهما قيئ فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى قيء فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح. ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جاست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس" أخرجه احمد وأبو يعلي وفيه رجل لم يسم (¬1) {58} ... (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم إني صائم، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (¬2) {59} ... (ففي) هذه الأحاديث حث الصائم على التحلي بالأخلاق الكريمة لأنه متلبس بعبادة عظيمة وألا يقابل السيئة بالسيئة. فإن سابه أحد أو شاتمه فليعرض عنه قائلاً: إني صائم مرتين وفيها تحذيره من اللغو والرفث وهو الكلام القبيح. وتحذيره من الغيبة ونحوها من كل محرم شرعاً. فإن من ارتكب شيئاً مما ذكر فقد أحبط ثواب صيامه واستحق المقت من ربه. (2) البصر: فليغضه عن النظر إلى ما يشغله عن ذكر ربه قال الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم (¬3) " وقال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً (¬4) " ¬

(¬1) انظر ص 77 ج 10 - الفتح الرباني وص 171 ج 3 مجمع الزوائد (الغيبة للصائم). و (العس) بضم العين وشد السين، القدح العظيم (والعبيط) الطري النيئ الكثير. (¬2) انظر ص 430 ج 1 مستدرك. (¬3) سورة النور: آية 30. (¬4) سورة الإسراء: آية 36.

(روي) حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النظرة سهم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه" أخرجه الحاكم وصححه وأقره العراقي وضعفه المنذري (¬1) {60} ... (3) السمع: فيلزم صونه عن الإصغاء لكل ما يحرم قوله أو يكره لأن كل واحد منهما ينافي الكمال المطلوب من الإنسان التحلي به. وقد سوى الله تعالى بين القول الزور والفعل المذموم في التنقير، فقال الله تعالى: "سماعون للكذب أكالون للسحت" فقائل القبيح والمستمع له شريكان في الإثم. (4) البطن: الجسد إنما ينمو بما يتناوله الإنسان من الغذاء فليكن من الحلال المطلق فإنه مقلل للحساب مذهب للحسرة والندامة يوم المآب وهو من أعظم الأسباب للقرب من رب الأرباب (روي) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء. قالوا: يا نبي الله إنا نستحي من الله ولله الحمد. قال: ليس كذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعي وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" أخرجه احمد والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب. وفيه أبان بن إسحق متكلم فيه ووثقه العجلي. وفيه الصباح بن مرة وهو واه تكلم فيه لرفعة هذا الحديث والصواب وقفة. وقال الترمذي: حسن غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه. وأخرجه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة (¬2). {61} ¬

(¬1) انظر رقم 2864 ص 328 ج 2 كشفا الأخطاء. (¬2) انظر رقم 973 ص 487 ج 1 فيض القدير (الرأس وما وعى) أي ما جمع من الحواس الظاهرة كالسمع والبصر والفم فلا يستمع ولا ينظر إلى محرم ولا يتكلم بما لا ثواب له فيه. والحواس الباطنة بأن لا يفكر إلا فيما يعود عليه بالسعادة والرفاهية و (البطن وما حوى) أي ما جمعه من القلب والفرج واليدين والرجلين فإنها لاتصال عروقها بالبطن يقال إن البطن حوتها.

فليحذر العاقل أن يتناول عند فطره وفي كل أوقاته شيئاً من الحرام أو ما فيه شبهة فلا ينبغي لمن صام عن الحلال طيلة النهار أن يفطر على الحرام. (5) الفرج: فليحفظ مما لا يرضى قال الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم" (¬1) فإرسال الطرف مبدأ المحنة، والنظر يريد الزنا، ونهاية المحنة بلوغ النفس وطرها من المنظور إليه بالمباشرة والوطء (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوي ويتمنى وبصدق ذلك الفرج أو يكذبه" أخرجه مسلم (¬2). {62} ... (6 و 7) اليد والرجل: فلا يمدها العاقل- ولا سيما الصائم - لمنهى عن فبذلك يكمل له صومه ويقبل عمله، فكل صوم صينت فيه الجوارح عن اللغو والآثام، ينال به العز والإكرام من الله تعالى في الدنيا ودار السلام. (روي) المطلب عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتكم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم" ¬

(¬1) سورة النور: آية 30. (¬2) انظر ص 206 ج 16 نووي (قدر على ابن آدم نصيبه من الزنا).

(ب) الصوم الفرض غير المعين

أخرجه احمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب بسند جيد غير أن المطلب لم يسمع عبادة (¬1). {63} فمن أراد القبول والنجاة والحسنى وزيادة فليكف الجوارح عن استرسالها في القبائح نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق. (ب) الصوم الفرض غير المعين هو ما ليس له وقت معين كصوم قضاء رمضان وصوم كفارة القتل والظهار والفطر في رمضان، وكل منهما شهران متتابعان، وكفارة اليمين وجزاء الحلق، وكل منهما ثلاثة أيام، وصوم التمتع والقران وهي عشرة أيام، وكفارة جزاء الصيد وهو تقويم البدنة بدراهم والدراهم بطعام فصيام يوم بدلاً عن كل مد، أو يعطي نصف صاع من بر ونحوه على ما بين في الحج (¬2). ثم الصوم الفرض والواجب قسمان: (الأول) ما يلزم فيه التتابع وهو ستة: صوم رمضان وكل كفارة شرع فيها العتق ككفارة القتل والظهار والإفطار في رمضان وكذا كفارة اليمين عند الحنفيين وأحمد، فلابد فيما ذكر من التتابع للتقييد به في النص (قال) الله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" والشهر متتابع لتتابع أيامه فيكون صومه متتابعاً. وكذا الصوم المنذور المعين بأن قال: لله علىَّ أن أصوم شهر رجب مثلاً فلابد فيه من التتابع، ¬

(¬1) انظر رقم 1095 ص 535 ج 1 فيض القدير. والمراد بالضمان الالتزام أي التزموا وداوموا على استعمال هذه لجوارح في طاعة الله تعالى التزم لكم دخول الجنة مع السابقين الأولين. (¬2) انظر ما يلزم في حلق الناسك ص 268 إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك. (الجناية بغير الوطء) وانظر صوم التمتع ص 264 (التمتع) وصوم القارن ص 260 (كيفية القران) وصيام جزاء الصيد ص 284 (الجناية على الحرم)

وقال تعالى: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة مً من الله" (¬1)، وقال تعالى: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" (¬2) (وعن) أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: واقعت امرأتي في رمضان. قال: فهل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا (الحديث) أخرجه السبعة (¬3) {64} وبهذا قال كافة العلماء (¬4)، وقرأ ابن مسعود في كفارة اليمين: فمن لم يجد ¬

(¬1) سورة النساء: آية 92. (¬2) سورة المجادلة: آية 3 و 4 (والعود) في قوله (ثم يعودون لما قالوا) هو عزم المظاهر عزماً مؤكداً على وطء المظاهر منها. (¬3) انظر ص 89 ج 10 - الفتح الرباني وص 116 ج 4 فتح الباري (إذا جامع في رمضان) وص 224 ج 7 نووي (وجوب الكفارة فيه) وص 120 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 45 ج 2 تحفة الأحوذي وص 264 ج 1 - ابن ماجه. (¬4) (كافة العلماء) ولم يشذ إلا ابن أبي ليلى قال: يجوز التفريق في صوم كفارة رمضان (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً. أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والدارقطني (انظر ص 99 ج 2 زرقاني الموطأ- كفارة من أفطر في رمضان. وص 93 ج 10 الفتح الرباني وص 227 ج 7 نووي وص 131 ج 10 المنهل العذب المورود ص 225 ج 4 بيهقي. وص 251 الدارقطني أطلق الصيام في الحديث عن التتابع (وأجاب) الجمهور بأنه مقيد به في رواية مالك والبيهقي. وعلى فرض إطلاقه فهو محمول على المقيد.

فصيام ثلاثة أيام متتابعات (وقال) مالك والشافعي: لا يلزم التتابع في صوم كفارة اليمين لعدم التقييد به في قراءة الجمهور. (الثاني) ما لا يلزم فيه التتابع وهو ستة أنواع: قضاء رمضان وكل كفارة لم يشرع فيها عتق- كصوم التمتع والقران- وكفارة جزاء الحلق والصيد وصوم النذر المطلق واليمين المطلق، كأن يقول: والله لأصومن شهراً، لإطلاق الصوم فيما ذكر، قال الله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر (¬1)، أي فأفطر فليصم عدة ما فاته في أيام أخر، وقال تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم" (¬2)، وقال تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" (¬3) وقال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذو عدلٍ منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً" (¬4)، ذكر الله الصيام فيما ذكر مطلقاً عن شرط التتابع وكذا الناذر والحالق في النذر المطلق واليمين المطلقة (وبهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور (وقالت) الظاهرية: يلزم التتابع في قضاء رمضان (روى) عن أبيّ بن كعب انه قرأ: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر متتابعات. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان عليه صوم رمضان فليشرده ولا يقطعه" أخرجه البيهقي والدارقطني، ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 185. (¬2) آية 196 منها. (¬3) آية 196 منها. (¬4) سورة المائدة: آية 95.

(جـ) الصوم المنهي عنه

وفيه عبد الرحمن بن إبراهيم ضعفه يحيي بن معين والنسائي (¬1) {65} فهو لضعفه لا يصلح دليلاً على لزوم التتابع، وقراءة أبي لم تثبت ولو ثبتت تحمل على الندب دون الاشتراط، إذ لو ثبت على وجه الاشتراط ما خالف ابياً أحدً في لزوم التتابع (¬2) (فالحق) أنه لا يلزم التتابع في قضاء رمضان لما تقدم (ولقول) عائشة رضي الله عنها: نزلت: فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت متتابعات. أخرجه البيهقي والدارقطني وقال: إسناد صحيح (¬3). وقال البيهقي: وسقطت أي نسخت لا يصح له تأويل غير ذلك (وعن) سفيان ابن بشر بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: إن شاء فرق وإن شاء تابع. أخرجه الدارقطني وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر وصححه ابن الجوزي وقال: ما علمنا أحداً طعن في سفيان بن بشر (¬4) {66} (جـ) الصوم المنهي عنه ... ورد النهي عن عشرة أنواع من الصيام هاك بيانها: (1) يوم الشك: هو- عند الحنفيين والشافعي- اليوم الذي بلى التاسع والعشرين من شعبان إذا تحدث الناس بالرؤية ولم تثبت أو شهد بها من ردت شهادته لفسق ونحوه، فإن لم يتحدث بالرؤية أحد فليس يوم شك ولو كانت السماء مغيمة، ¬

(¬1) انظر ص 259 ج 4 بيهقي. وص 243 الدارقطني. (¬2) (ما خالفه أحد) أما ذكر التتابع في صوم كفارة اليمين في قراءة ابن مسعود فلم يخالفه فيه أحد من الصحابة فصار كالمتوفي العمل به. (¬3) انظر ص 258 ج 4 بيهقي (قضاء رمضان) وص 243 الدارقطني. (¬4) انظر ص 244 منه.

واختاره ابن عبد السلام المالكي (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدروا له" (¬1) أي أكملوا مدة ما قبله ثلاثين يوماً فإنه يدل على أن صبيحة يوم الغيم من شعبان جزماً. (وقالت) المالكية: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مغيمة فلو كانت مصحبة لم يكن يوم شك لأنه إن لم ير الهلال كان من شعبان جزماً (¬2). (وقالت) الحنبلية: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤية الهلال ليلته ولم يروه والسماء مصحية، فإن حال دون رؤيته غيم أو غبار فليس يوم الشك (والظاهر) مذهب الأولين هذا ولصوم يوم الشك ثلاث صور: ... (أ) أن ينوي صومه عن رمضان وهو مكروه تحريماً عند الحنفيين ومالك والليث (لقول) صلة بن زفر: كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مضية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أخرجه الأربعة والدارمي والدارقطني وقال: إسناد حسن صحيح ورواته ثقات (¬3) {67} (وقال) الترمذي: حسن صحيح والعمل على هذا عند اكثر أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق: كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه، ورأى أكثرهم إن صامه وكان من شهر رمضان أن يقضي يوماً مكانه (¬4). (وقال) الحنفيون: إن ظهر أنه من رمضان أجزأ عنه ¬

(¬1) هذا عجز الحديث رقم 8 ص 255 (ما يثبت به الهلال). (¬2) انظر ص 623 ج 1 الفجر المنير. (¬3) انظر ص 52 ج 10 المنهل العذب المورود (كراهية صوم يوم الشك) وص 306 ج 1 مجتبي وص 32 ج 2 تحفة الأحوذي وص 2 ج 2 دارمي وص 227 الدارقطني. (¬4) انظر ص 33 ج 2 تحفة الأحوذي.

(وقال) بعض المالكية والشافعية يحرم صومه يوم الشك عن رمضان، لظاهر قول عمار: ومن صام اليوم الذي شك فيه فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. والقائل بالكراهة حمل العصيان فيه على شدة الزجر فلا يقتضي الحرمة (وقال) ابن عمر: يجب صومه عن رمضان إذا حال دون رؤية الهلال سحاب أو غبار. أما إذا كانت السماء سحواً ولم ير الهلال فلا يصام وهو ظاهر مذهب أحمد (وعنه) أنه في حال الغيم لا يجب صومه ولا يجزئه عن رمضان إن صامه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك (وعنه) أيضاً رواية ثالثة أن الناس تبع للإمام فإن صاموا وإن أفطر أفطروا، وهو قول الحسن وابن سيرين (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" أخرجه الترمذي بسند رجاله ثقات وقال: حسن غريب (¬1) {68} ومعناه أن الصوم والفطر يكون مع الجماعة ومعظم الناس. (ب) أن ينوي صوم يوم الشك عن واجب غير رمضان، وهو مكروه تنزيهاً عند الحنفيين ويقع عما نواه إن ظهر أنه من شعبان في الأصح، وإن لم يظهر الحال لا يكفي عما نوي، لجواز أن يكون من رمضان فلا يكون قضاء بالشك، وإن ظهر أنه من رمضان أجزأ عنه لو كان الصائم مقيماً، ولو كان مسافراً فنوى فيه واجباً آخر لم يكره عند النعمان لأن أداء رمضان غير واجب عليه ويقع عما نوى وإن بان أنه من رمضان (وقال) أبو يوسف ومحمد: يكره للمسافر صومه كالمقيم ويجزئ عن رمضان إن بان أنه منه (وقال) مالك والشافعي: يجوز صوم يوم الشك عن واجب غير أداء رمضان كقضاء عن رمضان سابق أو نذر أو كفارة يمين. ¬

(¬1) تقدم رقم 15 ص 259 (من رأى الهلال ورد قوله)

(جـ) أن ينوي صوم يوم الشك تطوعاً فلا يكره- عند الحنفيين ومالك والشافعي- بل يستحب إن وافق صوماً اعتاده أو صام من آخر شعبان ثلاثة أيام فأكثر لا أقل (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم" أخرجه السبعة والدارقطني وقال: إسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {69} والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، وإن كان رجل يصوم صوماً فوافق صيامه ذلك فلا بأس به عندهم ففي الحديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له فإن يصله بصوم قبله ولا صادف عادة له فهو حرام على الصحيح عند الشافعي ولا بأس به عند الحنفيين ومالك، لأن المراد بالتقدم- المنهي عنه في الحديث- التقدم بصوم عن رمضان جمعاً بينه وبين حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لرجل: "هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت فصم يوماً أو يومين" أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والدارمي وقال: سرره آخره (¬2) {70} ... وفي رواية له: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) أي بدل ما اعتدت صيامه. ¬

(¬1) انظر ص 256 ج 9 - الفتح الرباني وص 90 ج 4 فتح الباري (لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين) وص 194 ج نووي وص 54 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 307 ج 1 مجتبي (التسهيل في صيام يوم الشك) وص 33 ج 2 تحفة الأحوذي وص 260 ج 1 - ابن ماجه وص 229 - الدارقطني. (¬2) انظر ص 206 ج 10 الفتح الرباني (النهي عن الصوم في النصف الثاني من شعبان والرخصة في ذلك) وص 53 ج 8 نووي (صوم شعبان) وص 45 و 46 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 18 ج 2 دارمي (الصوم من سرر الشهر) و (السرر) بفتحتين آخر الشهر ليلة ثمان وعشرين أو ما بعدها سمي بذلك لاستسرار القمر فيه أي استتاره.

فالأمر بصوم آخر شعبان محمول على استحباب صومه تطوعاً والنهي عن التقدم محمول على صومه عن رمضان جمعاً بين الأدلة وقال النووي: هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ويومين (ويجاب عنه) بأن هذا الرجل كان معتاداً صيام آخر الشهر أو نذره فتركه لخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي (¬1) (وعليه) فالحديث يدل على أن من اعتاد الصوم في النصف الثاني من شعبان فله صومه بلا كراهة، وكذا من كان عليه صيام نذر فله أن يؤديه فيه. فإن ضاق الوقت عليه ودخل رمضان قضاء في شوالٍ (¬2). هذا. والأدلة الصحيحة تدل على أن يوم الشك لا يصام عن رمضان ولو كان بالسماء غيم ولا عن نفل غير معاذ ولا بأس بصومه عن غيرهما. والله ولي التوفيق. ... (2) صوم العيدين: يحرم - عند مالك والشافعي وأحمد- صوم يومي عيد الفطر والأضحى سواء النذر والكفارة والقضاء والتطوع وبه قال بعض الحنفيين. ومشهور مذهبهم أن صومهما مكروه تحريماً؛ لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 7 نووي مسلم. (¬2) (هذا) وقد ذكر الحنفيون - لصوم يوم الشك- صورتين أخريين: (أ) أن يرد الصائم في أصل النية بأن ينوي صوم غد إن كان من رمضان وعدم صومه إن كان من شعبان فلا يصير صائماً لعدم الجزم بالنية فصار كما لو نوى أنه إن وجد غداء أفطر وإلا صام (ب) أن يردد في وصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان صام عنه وإن كان من شعبان فعن واجب آخر وهذا مكروه تنزيهاً لتردده بين أمرين الفرض والواجب (وكذا) يكره تنزيهاً لو نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع إن كان من شعبان لتردده بين مكروه وغيره وفي الصورتين إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لوجود أصل النية وهو كاف في رمضان لعدم لزوم التعيين فيه وإن ظهر أنه من شعبن يكون نفلاً غير مضمون بالقضاء لعدم التنفل قصداً.

تعالى (ولحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر" أخرجه السبعة إلا النسائي وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {72} ... وصف اليومين لبيان العلة في وجوب فطرهما وهي الإشعار بانتهاء صوم الفرض بعيد الفطر والتمكين من الأكل من الأضحية المتقرب يذبحها في الأضحى (وإن نذر) صوم هذين اليومين لم ينعقد نذره ولا شيء عليه عند مالك والشافعي والجمهور وهو رواية أبي يوسف عن النعمان، (وقال) أحمد وإسحق: من نذر صومها لا ينعقد نذره وعليه كفارة يمين (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين" أخرجه أحمد والأربعة، وقال الترمذي: حديث غريب وفي سنده سليمان بن أرقم قال النسائي متروك الحديث (¬2) {73} ¬

(¬1) انظر ص 140 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم يومي العيدين) وص 172 ج 4 فتح الباري وص 15، 16 ج 8 نووي وص 165 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 62 ج 2 تحفة الاحوذي. (¬2) انظر ص 230 ج 3 عون المعبود وص 145 ج 2 مجتبي (كفارة النذر) وص 367 ج 2 تحفة الأحوذي (لا نذر في معصية) وص 333 ج 1 - ابن ماجه.

(وأجاب) الجمهور عن الحديث بأنه ضعيف (ورد) بأنه روى من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً فهو صالح للاحتجاج به. وقد صححه الطحاوي وابن السكن. (وروي) محمد والحسن بن زياد عن النعمان أنه يصح نذر صوم يوم العيد لكن لا يصومه بل يقضيه في يوم آخر. لأنه نذر صوماً مشروعاً والنهي عن صومه لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره لكنه يفطر احترازاً عن المعصية ثم يقضي إسقاطاً للواجب وإن صامه يخرج عن العهدة لأنه أداة كما التزمه، ومنشأ الخلاف أن النهي هل يقضي فساد المنهي عنه؟ قال الأكثر: يقتضي فساده (وقال) الحنفيون: لا يقتضي الفساد ولا ينفي مشروعية الأصل ونسب إلى أكثر الفقهاء (ويؤيده) قول زياد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: رجل نذر أن يصوم يوماً فوافق ذلك يوم عيد فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم" أخرجه الشيخان (¬1) {74} فقد عرض ابن عمر للسائل بأن الاحتياط قضاء ذلك اليوم جمعا بين أمر الله تعالى بوفاء النذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد (ولو شرع) في صوم يومي العيد ثم أفسده يلزمه القضاء عند أبي يوسف ومحمد وأن الشروع في التطوع سبب الوجوب كالنذر، فإذا وجب المضي فيه وجب القضاء بالإفساد كما لو شرع في التطوع في سائر الأيام ثم أفسده (وقال) النعمان: لا يلزمه القضاء لأن الشروع ليس سبب الوجوب وضعا وإنما الوجوب يثبت ضرورة صيانة للمؤدى عن البطلان وتؤدى هاهنا لا يجب صيانته لمكان النهي فلا يجب المضي فيه فلا يضمن بالإفساد (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 172 ج 4 فتح الباري وص 16 ج 8 نووي (صوم يومي العيدين). (¬2) انظر ص 79 ج 2 بدائع الصنائع.

(وأما) لو نذر صوم يوم معين فوافق يوم العيد، فلا يحل صومه إجماعاً ويلزمه قضاؤه عند الحنفيين ولا يلزمه عند الجمهور وهو أصح قولي الشافعي، لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار. وكذا لو صادف أيام التشريق لا يجب قضاؤه في الأصح (¬1). ... (3) صوم أيام التشريق (¬2): هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وصومها حرام ولو للمتمتع عند الليث بن سعد وهو المشهور عن الشافعي والأصح عند أحمد وبه قال بعض الحنفيين. ومشهور المذهب أن صومها مكروه تحريماً لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله تعالى (ولقول) سعد بن أبي وقاص: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام مني أنها أيام أكل وشرب فلا صوم فيها يعني أيام التشريق. أخرجه احمد والبزار بسند رجاله رجال الصحيح (¬3) {75} ... والمعنى أن هذه الأيام لا يجوز صيامها لأن الله تعالى أكرمنا بضيافته لنا فيها فلا ينبغي الإعراض عنها كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: وهي أيام أكل وشرب. قال الخطابي وهذا كالتعليل لوجوب الإفطار فيها فلا يجوز صيامها تطوعاً ولا نذراً ولا عن صوم التمتع (¬4). (وعن) أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو ابن العاص رضي الله عنهما فقرت إليهما طعاماً فقال كل، فقال إني صائم. قال عمرو كل فهذه الأيام التي كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 16 ج 8 نووي مسلم. (¬2) (التشريق) لغة رفع الصوت بالتكبير بعد الصلوات في أيام التشريق. ويطلق على تخفيف لحوم الضحايا في الشرقة (أي الشمس). (¬3) انظر ص 142 ج 10 - الفتح الرباني. وص 202 ج 3 مجمع الزوائد (ما نهى عن صيامه من أيام التشريق). (¬4) انظر ص 128 ج 2 معالم السنن.

وسلم بفطرها وينهانا عن صيامها. وهي أيام التشريق. أخرجه احمد وابن خزيمة والحاكم وصححاه والنسائي وأبو داود والبيهقي والدارمي (¬1) {76} ... (وقال) مالك: يحرم على غير المتمتع صوم ثاني وثالث يوم النحر ولو نذراً، وبكره صوم رابعه تطوعاً، وإن نذر صومه لزمه صومه. وإن صامه تطوعاً ينعقد. وإذا أفطره عامداً غير قاصد التخلص من النهي، يلزمه قضاؤه وإنما لزم نذره مع أن النذر إنما يلزم به ما ندب نظراً إلى كونه لا ينحر فيه عند مالك ولا يرمي فيه المتعجل فضعف كونه من أيام التشريق المنهي عن صيامها فأعمل فيه النذر لقوته. ولما كان له حكمها عند بعض العلماء كره تطوعاً لعدم المعارض القوي (¬2) (وقال) الأوزاعي وإسحق والشافعي في القديم وأحمد في رواية: لا يجوز صيام أيام التشريق إلا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة الأيام في تسع ذي الحجة (لقول) ابن عمر: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة. فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام مني، أخرجه البخاري (¬3). (وقال) ابن عمر: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق" أخرجه الدارقطني وفيه يحيي بن سلام ليس بالقوي (¬4) {77} ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم أيام التشريق) وص 435 ج 1 مستدرك وص 166 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 260 ج 4 بيهقي. وص 24 ج 2 الدارمي. و (إني صائم) قاله ابن عمرو ففي الموطأ عن أبي مرة عن ابن عمرو أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو فوجده يأكل قال فدعاني فقلت له: إني صائم (الحديث) (انظر ص 223، 224 ج 2 زرقاني الموطأ- صيام أيام مني). (¬2) انظر ص 53 ج 2 (حكمة البصير للشيخ الإمام). (¬3) انظر ص 174 ج 4 فتح الباري (صيام أيام التشريق). (¬4) انظر ص 24 الدارقطني.

(وهذا) الحديث وإن تكلم فيه يؤيده عموم قول الله تعالى "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج (¬1) " فإن الآية عامة فيما قبل يوم النحر وما بعده. فتدل على جواز صيام أيام التشريق للمتمتع. وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن بالصيام وعموم الحديث المشعر بالنهي. وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعاً فكيف، وفي كونه مرفوعاً نظر (¬2) (فالراجح) القول بجواز صيام أيام التشريق للمتمتع دون غيره حملاً للأحاديث المطلقة في النهي عن صيامها على المقيدة بإباحة صومها للمتمتع. ... (فائدة) هل يصح نذر صوم أيام التشريق؟ (روي) محمد بن الحسن عن النعمان أنه يصح نذر صومها، لكن الأفضل أن يفطر فيها ويصوم أياماً أخر ولو صامها يكون مسيئاً، وإن خرج عن عهدة النذر، لأنه أوجب صومها ناقصاً وأداه ناقصاً (وروي) أبو يوسف عن النعمان انه لا يصح نذر صومها ولا يلزمه شي. ولو شرع في صومها ثم أفسده هل يلزمه القضاء؟ (¬3) فيه خلاف تقدم بيانه في صوم يومي العيد (وقالت) الشافعية: يجوز صوم هذه الأيام لسبب كنذر أو كفارة أو قضاء. أما ما لا سبب له فلا يجوز فيها اتفاقاً. (4) صوم يوم الجمعة: يكره- عند أبي يوسف والشافعي وأحمد- إفراده بالصوم إلا أن يوافق عادة له (الحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده" أخرجه البيهقي والستة إلا النسائي. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬4) {78} ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 196. (¬2) انظر ص 174 ج 4 فتح الباري (الشرح). (¬3) انظر ص 79 ج 2 بدائع الصنائع. (¬4) انظر ص 167 ج 4 فتح الباري وص 18 ج 8 نووي (كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته) وص 168 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 54 ج 2 تحفة الأحوذي وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 02 ج 4 بيهقي. و (لا يصم) بالنهي وفي رواية البخاري والترمذي: لا يصوم. بالنفي، والمراد منه النهي.

(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي. ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم والبيهقي (¬1) {79} ... (حمل) الجمهور النهي في الحديثين ونحوهما على الكراهة (وحمله) ابن حزم على الحرمة فقال: يحرم إفراد يوم الجمعة بصوم (وقال) الطحاوي: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه والآخر منهما النهي، لأن فيه وظائف فلعله إذا صام ضعف عن فعلها (وعن) النعمان ومالك ومحمد بن الحسن: أنه يباح صوم يوم الجمعة مطلقاً (قال) مالك في الموطإ: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومن يقتدي به ينهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن (وقال) ابن مسعود: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثةً أيام من غرة كل هلال وقلما يفطر يوم الجمعة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حبان وصححه والترمذي وحسنه (¬2) {80} لكن لا يتم الاستدلال به، لأن المعنى أنه كان يصوم يوم الجمعة مع يوم قبله أو بعده لا أنه كان يصومه وحده (فقد) نهى صلى الله عليه وسلم عن إفراده بالصوم. ولعل النعمان ومالكا ومن معهما لم يبلغهما أحاديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ولو بلغتهم لم يخالفوها وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (واختلف) في سبب النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم على أقوال (منها) أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى صلاة الجمعة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها، لقول الله تعالى: ¬

(¬1) انظر ص 18 ج 8 نووي وص 302 ج 4 بيهقي (النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم). (¬2) انظر ص 219 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال) وص 123 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم). وص 270 ج 1 - ابن ماجه (صيام يوم الجمعة) وص 294 ج 4 بيهقي. وص 54 ج 21 تحفة الأحوذي.

"فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون (¬1) " وغير ذلك من العبادات المطلوبة يومها فاستحب الفطر فيه، ليكون أعون للمؤمن على تأدبة هذه الوظائف بنشاط وانشراح بلا ملل ولا سآمة (ومنها) أن يوم الجمعة يوم للعيد الأسبوعي والعيد لا يصام (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده" أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد (¬2) {81} ولا يلزم من هذا أن يكون كالعيد من كل وجه؛ فإنه يباح صومه مع يوم قبله أو بعده أو وفق عادة بخلاف العيد فإنه لا يصام مطلقاً. (5) إفراد يوم السبت أو الأحد بصيام: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التطوّع بصوم يوم السبت وأباح صومه مع الجمعة وصامه هو مع الأحد (روي) عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فلميضغه" أخرجه احمد والأربعة والدارمي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي (¬3) {82} ... (وقال) ومعنى الكراهية في هذا أن يختص الرجل يوم السبت بصيام، ¬

(¬1) سورة الجمعة: آية 10. (¬2) انظر ص 148 ج 10 - الفتح الرباني (إفراد يومي الجمعة والسبت يصوم). وص 437 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 152 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن إفراد يومي الجمعة والسبت بالصيام) وص 170 ج 10 - المنهل العذب المورود (النهي أن يخصص يوم السبت بصوم) وص 54 ج 3 تحفة الأحوذي. وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 19 ج 2 دارمي: وص 302 ج 4 بيهقي وص 435 ج 1 مستدرك (والصماء) لقب واسمها بهيمه أو نهيمه صحابية. و (لحاء) ككساء قشر الشجرة و (يمضغ) بفتح الضاد وضمها.

لأن اليهود يعظمون يوم السبت (وعن) جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها في يوم الجمعة وهي صائمة فقال "أصمت أمس؟ قالت: لا قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري" أخرجه احمد والبخاري وأبو داود والشافعي والبيهقي (¬1) {83} (دل) الحديث على أن من شرع فيما يظنه طاعة فتبين له خلافه يطلب منه قطعه وفيه دلالة على إباحة صوم يوم السبت موصولاً بما قبله (وقالت) أم سلمة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد اكثر مما يصوم من الأيام ويقول "إنهما عيدا المشركين. فأنا أحب أن أخالفهم" أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم وابن خزيمة وصححاه. وهذا مختصر (¬2) {84} فالنهي عن صوم السبت في الحديث الأول، محمول على إفراده بالصوم. وأما إذا وصله بيوم قبله أو بعده كما في الحديثين بعده فجائز (ولذا) قال الحنفيون والشافعي وأحمد: يكره إفراد السبت بالصوم إن لم يوافق عادة له. ... (والحكمة) في النهي عن صومه أن اليهود كانوا يعظمونه باتخاذه عيداً، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفتهم (وقال) مالك وجماعة: لا يكره صومه ولو منفرداً. ولا دليل لهم على هذا (وقول) أبي داود: حديث عبد الله بن يسر منسوخ (غير) مقبول وأي دليل على نسخه؟ (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 150 ج 10 - الفتح الرباني وص 167 ج 4 فتح الباري (صوم يوم الجمعة) وص 172 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 302 ج 4 بيهقي. (¬2) انظر ص 224 ج 10 - الفتح الرباني (صيام السبت والأحد). وص 303 ج 4 بيهقي (النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم) وص 436 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 440 ج 6 مجمع النووي (وقال) مالك: هذا الحديث كذب. وهذا القول لا يقبل فقد صححه الأئمة. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري (انظر ص 439 ج 6 مجموع النووي).

(ويكره) إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان (¬1) بالصوم، لأنهما يومان يعظهما الكفار فيكون تخصصيهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم (¬2) كيوم الأحد إذا كانوا يعظمونه بالصوم. أما إذا عظموه بغيره فلا يكون صومه تشبهاً بهم (قال) العلامة القسطلاني: وقد ورد أيضاً النهي عن إفراد صوم يوم الأحد، لأن النصارى تعظمه كما أن اليهود تعظم يوم السبت (¬3). ... (6) صوم الدهر: ورد النهي عن صومه فيحرم صوم السنة كلها بما فيها أيام العيد والتشريق (وعليه) يحمل حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صام من صام الأبد" أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه (¬4) {85} ... (وحديث) عبد الله بن الشخير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر" أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان بسند جيد (¬5) {86} ... وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك عن الطعام والشراب ولأنه إذا اعتاد الصوم لم يجد ¬

(¬1) (النيروز) بفتح فسكون معرب نوروز بالفارسية ومعناه يوم جديد وهو أول توت و 22 سبتمبر أول فصل الخريف. و (المهرجان) يوم 29 برمهات و 25 مارس وهو يوم الاعتدال الربيعي. (¬2) انظر ص 98 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 59 مدارك المرام. (¬4) انظر ص 156 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم الدهر). وص 158 ج 4 فتح الباري (حق الأهل في الصوم). وص 45 ج 8 نووي. وهو في الصحيحين عجز حديث. وص 268 ج 1 - ابن ماجه. (¬5) انظر ص 157 ج 10 - الفتح الرباني. وص 268 ج 1 - ابن ماجه (صيام الدهر).

مشقه يترتب عليها مزيد الثواب فكأنه لم يصم. وحيث لم ينل راحة المفطرين فكأنه لم يفطر. ويحتمل انه دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك كراهة لفعله وزجراً له عن ذلك. (وحديث) أبي قتادة أن عمر رضي الله عنه قال: "يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؛ قال: لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر" (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود مطولاً والنسائي والترمذي وحسنه (¬1) {87} فإن ظاهره أنه تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه ورغبته عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غيرها أفضل. وهذا وعيد شديد يقتضي الحرمة (¬2)، وحمله الجمهور كغيره على من صام السنة كلها وفيها الأيام المنهي عن صومها (¬3)، أما لو صام السنة غير الأيام المنهي عنها فهو ¬

(¬1) انظر ص 160 ج 10 - الفتح الرباني (ما يستحب صومه وما يكره) وص 51 ج 8 نووي. وص 173 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 61 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 324 ج 1 مجتبي (النهي عن صوم الدهر). (¬2) انظر ص 159* ج 4 فتح الباري. (¬3) (وحمله الجمهور) (وقيل) بأن على فيه بمعنى عن أي ضيقت عنه فلا يدخلها. وذلك أن الصائم لما ضيق مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار. فلا يبقى له فيها مكان.

جائز (لحديث) أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن الآن الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام" أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقي بسند رجاله ثقات (¬1) {89} فإن متابعة الصيام تشمل صيام الدهر (وعن) عائشة أن حمزة الأسلمي رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إني رجل أشرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت وأفطر إن شئت" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي والدارمي والنسائي (¬2) {90} ... فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على متابعة الصوم في غير الأيام المنهي عن صيامها. وفيه دلالة على أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف منه ضرراً ولا يفوت به حقاً بشرط فطر يومي العيدين وأيام التشريق لأنه أذن له فيه في السفر ففي الحضر أولى. ... (وأما) إنكاره صلى الله عليه وسلم على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر (فلأنه) علم صلى الله عليه وسلم أنه سيضعف عنه. وهكذا جرى فإنه ضعف في آخر عمره وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬3). (وقال) أبو الخطاب الحنبلي: والذي يقوي عندي أن صوم الدهر مكروه وإن لم يصم الأيام المنهي عن صيامها، فإن صامها فقد فعل محرماً، ¬

(¬1) انظر ص 192 ج 3 - مجمع الزوائد (صيام الدهر). وص 301 ج 4 - بيهقي (من لم يرد بسرد الصيام بأساً). (¬2) انظر ص 100 ج 10 - الفتح الرباني (الفطر والصوم في السفر) وص 129 ج 4 فتح الباري. وص 237 ج 7 نووي. وص 146 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 324 ج 1 - مجتبي (سرد الصيام) وص 243 ج 4 بيهقي. وص 97 ج 2 - دارمي. (¬3) انظر ص 237 ج 7 - نووي مسلم.

وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه (¬1). (7) وصال الصوم- الوصال هو صوم يومين فأكثر بلا فطر بينهما قصداً- فليس منه الإمساك عن الفطر بلا قصد- وهو منهي عنه (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال- قالها ثلاث مرار- قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: "إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون" أخرجه مالك وأحمد والشيخان والبيهقي (¬2) {91} ... (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا"، قالوا: يا رسول الله إنك تواصلُ، قال: "إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكل بهم" أخرجه أحمد وكذا الشيخان والبيهقي بلفظ: نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال (الحديث) (¬3) {92} ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 3 - مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 109 ج 2 - زرقاني الموطأ (النهي عن الوصال) وص 79 ج 10 - الفتح الرباني وص 148 ج 4 فتح الباري (التنكيل لمن أكثر الوصال) وص 212 و 213 ج 7 نووي وص 282 ج 4 بيهقي و (يطعمني ربي ويسقيني) أي يجعله الله تعالى في قوة الطاعم الشارب (وقيل) وعلى ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له. والصحيح الأول، لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلاً (ويؤيده) قوله في حديث ابن عمر رقم 93 - إني أظل أطعم يقال ظل يفعل كذا إذا عمله في النهار دون الليل. ولا يجوز أن يكون أكلا حقيقياً في النهار (فاكلفوا) - بهمزة وصل وسكون الكاف وفتح اللام- من كلفت بهذا الأمر من باب تعب أي تكلفوا من العمل ما تطيقونه. (¬3) انظر ص 83 ج 10 - الفتح الرباني وص 147 ج 4 فتح الباري وص 212 ج 7 نووي وص 282 ج 4 بيهقي.

(وإنما) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم لئلا يشق عليهم (روي) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناسُ فشق عليهم فنهاهم، قالوا: إنك تواصل، قال: "لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأشقى" أخرجه البخاري (¬1) {93} ... وهل النهي للتحريم؟ (قال) الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور: إنه للكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بالصحابة ولو كان حراماً ما واصل بهم وقال ابن حزم والظاهرية: النهي للتحريم واختاره ابن العربي المالكي أخذاً بظاهر النهي (ورد) بأنه مصروف عن التحريم (بحديث) أبي هريرة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه (وبحديث) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمهما على أحد. أخرجه أحمد بسند صحيح (¬2) {94} ... (وقال) أحمد وإسحاق وابن المنذر وبعض المالكية: يجوز الوصال إلى السحر ويكره الزائد عليه (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (¬3) {95} (قالوا) هذا الوصال لا يترتب عليه مشقة ولا حرج، فقد تناول الأكلة التي للصائم في اليوم والليلة غير أنه نقلها من أول الليل إلى آخره، وكان هذا عوناً على قيام الليل. (ولا يخفى) أن محل ذلك لم يشق على الصائم وإلا فلا يكون قربة. (وفي) الحديثين رد على من قال: إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 4 فتح الباري (بركة السحور ............ ) (¬2) انظر ص 36 ج 10 - الفتح الرباني. (¬3) انظر ص 85 ج 10 - الفتح الرباني (الوصال إلى السحر) وص 149 ج 4 فتح الباري وص 85 ج 10 - المنهل العذب المورود (الوصال).

وإن كان تعجيل الفطر أفضل كما سيأتي (والظاهر) مذهب الجمهور: أن الوصال مكروه، لأن الأدلة صريحة في الكراهة. وقد واصل الصحابة رضي الله عنهم بعد النهي للتنزيه لا للتحريم (تنبيه) علم أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه يومين، وواصل أحياناً إلى السحر وثبت أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً. أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح. ... (8) الصوم في النصف الثاني من شعبان- يكره- عند الشافعية- صوم التطوع في النصف الثاني من شعبان إلا صوماً اعتاده أو وصله بصوم في النصف الأول (لحديث) العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان" أخرجه أحمد والأربعة وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ (¬1) {96} ولفظه عنده: إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا (والنهي) هنا للتنزيه رحمة بالأمة أن يضعفوا عن صيام رمضان على وجه النشاط، وأما من صام شعبان كله فقد تمرن على الصوم وتزول عنه الكلفة ولذا قيده بالانتصاف (وقيل): نهى عن الصوم في النصف الثاني من شعبان لأنه نوع من التقدم المنهي عنه (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد والجمهور: لا يكره صوم التطوع في النصف الثاني من شعبان (لحديث) عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لرجل: "هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟ يعني شعبان. قال: لا. قال: فإذا أفطرت "فصم يومين" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والدارمي (¬2) {97} ¬

(¬1) انظر ص 205 ج 10 - الفتح الرباني وص 56 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 51 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان). (¬2) تقدم رقم ص 384 (صوم يوم الشك).

وتقدم أنه يدل على أن من اعتاد الصوم في النصف الثاني من شعبان فله صومه بلا كراهة وأن من عليه صوم واجب كمنذر فله أن يؤديه فيه، فإن ضاق عليه الوقت ودخل رمضان قضاء في شوال (وأجاب) الجمهور عن حديث العلاء بأنه ضعيف، فقد قال أحمد وابن معين: إنه منكر (واستدل) البيهقي على ضعفه بحديث: لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين (¬1) فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، واستدل الطحاوي على ضعفه بحديث عمران ابن حصين (¬2). (9) صوم المرأة وزوجها حاضر: لا يحل للمرأة المتزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصم المرأة يوماً واحداً وزوجها شاهد إلا بإذنه إلا رمضان" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي والدارمي (¬3) {98} ... فيحرم على امرأة- يحتاجها بعلها- تطوّع بصلاة أو صوم أو اعتكاف أو حج أو عمرة بلا إذن من الزوج. وكذا ليس لها نذر شيء من ذلك بلا إذن. فإذا تطوّعت بشيء من ذلك أو نذرته بلا إذن فله إفساده عليها بالجماع ويلزمها قضاؤه. وأولى لو استأذنته فقال لها لا تصومي مثلاً فأصبحت صائمة فله جماعها. ¬

(¬1) تقدم رقم 69 ص 384 (صوم يوم الشك). (¬2) جمع الطحاوي بين حديث العلاء وحديث: لا تقدموا صوم رمضان، بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن (انظر ص 91 ج 4) فتح الباري. (¬3) انظر ص 166 ج 10 - الفتح الرباني وص 236 ج 9 فتح الباري (صوم المرأة بإذن زوجها) وص 115 ج 7 نووي (أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها) وص 232 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 303 ج 4 بيهقي وص 12 ج 2 دارمي.

وكذا لو دعاها لفراشه فأحرمت بصلاة نافلة أو فريضة متسعة الوقت فله قطعها وضمها إليها بخلاف ما ضاق وقته. وفي قطع الفرض إذا اتسع وقته نظر، لأن الصلاة أمرها يسير وهي فرض تلبست به وتريد براءة ذمتها. فإن أذن لها في نذر أو تطوع فليس له إفساده عليها. وإن علمت أنه لا يحتاج لها الزوج جاز لها التطوّع بلا إذن. ولها تعجيل قضاء ما عليها من صوم وله منعها بالأولى من فرض اتسع وقته (¬1) (وحكمة) حرمة ما ذكر على المرأة أن زوجها له حق الاستمتاع بها في أي وقت وهو واجب على الفور فلا يفوت بالتطوع ولا بواجب على يكره تطوعها بصوم وغيره بلا إذن زوجها. والصحيح الحرمة. فلو صامت بلا إذن صح صومها وإن كان حراماً، لأن تحريمه لحق الزوج لا لمعنى يعود على الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة فإذا صامت بلا إذن فلا ثواب لها (¬2). أما لو كان الزوج غائباً فلها التطوّع بما ذكر، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها بلا كراهة، وفي معنى الغيبة كونه مريضاً لا يستطيع الجماع (¬3). ... (10) ويكره لضيف تطوع بصوم بلا إذن رب المنزل (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ألبسه الله نعمى فليكثر من الحمد لله، ومن كثرت ذنوبه فليستغفر الله، ومن أبطأ رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن نزل بقوم فلا يصومنَّ إلا بإذنهم" أخرجه الطبراني ¬

(¬1) انظر ص 659 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 392 ج 6 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 238 ج 9 فتح الباري.

(د) صوم التطوع

في الصغير والأوسط من حديث طويل وفيه يونس ابن تميم ضعفه الذهبي (¬1). {99} ... (وكان) ابن عمر إذا أراد أحد أن يصحبه في سفر اشترط عليه ألا يصحبنا على تغير خلال ولا ينازعنا الأدان ولا يصومنَّ إلا بإذننا. أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) والنهي فيما ذكر للتنزيه (وحكمته) دفع تحرج أهل المنزل بصومه لتقييد الوقت وإحسان الطعام للصائم بخلاف ما إذا كان مفطراً فيأكل معهم ويندفع عنهم الحرج ولأن من آداب الضيف أن يطيع المضيف. فإن خالفه فقد ترك الأدب (¬3). (د) صوم التطوع ... التطوع بالصوم له فضل عظيم وثواب جزيل به تضاعف الحسنات وترفع الدرجات وتكفر السيئات "إن الحسنات يذهبن السيئات" والكلام هنا في أربعة وعشرين فصلاً: (1) صوم ستة أيام من شوال- يستحب- عند الحنفيين والشافعي وأحمد ومحققي المالكية- صيام ستة أيام من شوال (لحديث) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وستاً من شوالٍ فكأنما صام السنة كلها" أخرجه احمد والبيهقي والطبراني في الأوسط والبزار، وفيه عمرو بن جابر ضعيف (¬4) {100} ... لكنه يتقوى بحديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوالٍ فكأنما صام الدهر" أخرجه ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 3 مجمع الزوائد (من نزل بقول فأراد الصوم). (¬2) انظر ص 201 ج 3 مجمع الزوائد (من نزل بقول فأراد الصوم). (¬3) انظر ص 67 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬4) انظر ص 220 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ستة من شوال) وص 292 ج 4 بيهقي وص 183 ج 3 مجمع الزوائد.

أحمد ومسلم والبيهقي والدارمي والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح وفيه سعد بن سعيد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه (¬1) {101} (والمعنى) أن من واظب على صيام رمضان وستة أيام من شوال في كل سنة فكأنما صام طول حياته. أما من صام رمضان وستاً من شوال سنة واحدة فكأنما صام سنة واحدة لأن الحسنة بعشر أمثالها ورمضان بعشرة أشهر والستة الأيام بشهرين (والسر) في مشروعية صومها أنها تجبر ما وقع في رمضان من خلل. والأفضل عند الحنفيين والشافعي صومها متوالية عقب يوم الفطر لظاهر قوله "ثم أتبعه بست من شوال" فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال فقد حصل أصل السنة (وقال) أحمد: يستوي التتابع وعدمه في الفصل (وعن) مالك أنه يكره صوم هذه الأيام حذراً من اعتقاد وجوبها (قال) يحيي: سمعت مالكاً يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء (¬2) فمالك رضي الله عنه إنما كره صيامها لذلك. فأما من صامها رغبة لما جاء فيها فلا كراهة. ويحتمل أنه إنما كره وصل صومها بيوم الفطر. فلو صامها في أثناء الشهر فلا كراهة وهو ظاهر قوله: صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان (¬3) ومنه تعلم أنه لا وجه ¬

(¬1) انظر ص 221 ج 10 - الفتح الرباني وص 56 ج 8 نووي وص 292 ج 4 بيهقي وص 21 ج 2 دارمي وص 190 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 269 ج 1 - ابن ماجه وص 56 ج 2 تحفة الأحوذي (ولا يضر) التكلم في سعد من قبل حفظه فقد تابعه أخواه عبد ربه يحيي وصفوان بن سليم وغيرهم وقد روي الحديث من عدة طرق مرفوعاً ولا يشك في صحته. (¬2) انظر ص 126 ج 2 زرقاني الموطأ. (¬3) انظر ص 127 منه (وما نسب) للنعمان وأبي يوسف من أنه يكره صوم هذه الأيام محمول على من يصوم يوم الفطر وخمسة أيام بعده. فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة (انظر ص 78 ج 2 بدائع الصنائع) ..

للقول بكراهة صوم ستة أيام من شوال خشية اعتقاد وجوبها (وقول) مالك: لم أر أحداً يصومها (ليس) بحجة على الكراهة لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض وكونه لم ير لا يضر (وقولهم) إنه قد يخفي ذلك فيعتقد وجوبه (مردود) بأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله أنه يكره صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه خشية اعتقاد الوجوب وهذا لا يقوله أحد (¬1). ... (2) صوم شوال والأربعاء والخميس والجمعة: يستحب صوم شوال بعد يوم الفطر وصوم الأربعاء واليومين بعده من كل شهر (لقول) عكرمة بن خالد: حد ثني عريف من عرقاء قريش، حدثني أبي أنه سمع من فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من صام رمضان وشوالاً والأربعاء والخميس والجمعة دخل الجنة" أخرجه أحمد وفيه من لم يسم وبقية رجاله ثقات (¬2) {102} ... (وقال) مسلم القرشي: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فقال "إن لأهلك عليك حقاً، صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس فإذا أنت قد صمت الدهر" أخرجه أبو داود والترمذي وزاد: فإذا أنت قد صمت الدهر وأفطرت. وقال حديث غريب (¬3) {103} ... وقد جاء في هذا أحاديث ضعيفة يقوي بعضها بعضاً. ¬

(¬1) انظر ص 379 ج 6 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 223 ج 10 - الفتح الرباني (صيام شوال والأربعاء والخميس والجمعة) (والعريف) القائم بأمر جماعة يدبر أمرهم كرئيس البلد (والفلق) بسكون اللام. الشق، يعني أنه سمع الحديث من شق فم النبي صلى الله عليه وسلم. (¬3) انظر ص 189 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم شعبان) وص 55 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم الأربعاء والخميس) والضمير المستتر في (والذي يليه) عائد على رمضان والبارز على شوال أي صم رمضان وصم الشهر الذي يقع بعده وهو شوال. أخرجه الشيخان.

(3) الصوم في الأشهر الحرم: الحرم بضمتين جمع حرام وصفت بذلك لحرمتها وحرمة القتال فيها في الجاهلية وصدر الإسلام. وهي أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب قال الله تعالى "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم" (¬1). (وعن) أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان (¬2). {104} وقد جاء في الترغيب في الصوم فيها أحاديث (منها) حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال يا رسول الله أما تعرفني؟ قال ومن أنت؟ قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال ما أكلت طعاماً إلا بليل منذ فارقتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم عذبت نفسك؟ ثم قال صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر. قال: زدني فإن بي قوة قال صم يومين قال زدني قال: صم ثلاثة أيام قال زدني قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها" أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وأبو داود بسند جيد وهذا لفظه (¬3) {105} ¬

(¬1) التوبة: 26 (عند الله) أي في حكمه وتقديره (في كتاب الله) يعني اللوح المحفوظ. (¬2) انظر ص 225 ج 8 فتح الباري (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) وص 167 ج 11 نووي (تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال) و (رجب مضر) الخ فإن ذلك لأن ربيعة كانت تحرم بالحج في رمضان وتسميه رجباً، من رجبت الرجل حرمته، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة. (¬3) انظر ص 194 ج 10 - الفتح الرباني (الصوم في رجب والأشهر الحرم) وص 272 ج 1 - ابن ماجه وص 291 ج 4 بيهقي وص 180 ج 10 - المنهل العذب المورود و (مجيبة) بضم فكسر (وشهر الصبر) شهر رمضان. والصبر في الأصل الحبس سمي الصيام صبراً لما فيه من حبس النفس عن تعاطي المفطر ولا يضر جهالة أبي مجيبة أو عمها لأن الصحابة كلهم عدول.

(صم من الحرم) أي إذا أردت الزيادة عن ثلاثة أيام من كل شهر فصم من الأشهر الحرم غير أنك لا توالي الصيام فيها أكثر من ثلاثة أيام ثم أفطر مثلها وهكذا كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بضم أصابعه الثلاثة إلى أنه يصوم منها ثلاثة أيام وأشار بإرسالها إلى أنه يفطر ثلاثة أيام مع صيام رمضان وصيام ثلاثة أيام من كل شهر غير الأشهر الحرم. (4) صوم تسع ذي الحجة: يستحب لغير الحاج صيام تسعة أيام من أول ذي الحجة (لحديث) هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أو اثنين من الشهر والخميس" أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند جيد وقال تعني ويوماً آخر (¬1) {106} دل على استحباب صوم هذه الأيام ولا يعارضه (قول) عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقي وفي رواية لمسلم: لم يصم العشر (¬2) {107} (لأن) عائشة رضي الله عنها أخبرت بأنها لم تره صائماً، ولا يلزم من نفي ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 10 - الفتح الرباني (صوم تسع ذي الحجة) وص 195 ج 10 المنهل العذب المورود وص 284 ج 4 بهيقي و (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هي أم سلمة فقد رواه النسائي عن هنيدة عن أمه عن أم سلمة). و (تعني) يعني بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و (يوماً آخر) لتكون ثلاثة أيام. (¬2) انظر ص 237 ج 10 - الفتح الرباني وص 71 ج 8 نووي وص 198 ج 10 المنهل العذب الموورد (فطر العشر) والمراد بالعشر في الحديث تسع ذي الحجة، وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي وص 285 ج 4 بيهقي.

رؤيتها عدم صيامه في الواقع. وقد ثبت أنه كان يصوم تسع ذي الحجة والمثبت مقدم على النافي (ويحتمل) أنها أرادت أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيره (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس وفيهما مقال فالحديث ضعيف (¬1) {108} ... (5) صوم يوم عرفة: هو اليوم التاسع من ذي الحجة. ويتأكد صومه بغير عرفة (لحديث) أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي من عدة طرق (¬2) {109} ... قال الترمذي: قد استحب أهل العلم صيام يوم عرفة إلا بعرفة. ومعنى الحديث أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب السنة الماضية ويحول بين صائمه وبين الذنب في السنة الآتية: والمكفر الذنوب الصغائر عند الجمهور لأن الكبار لا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله، فإن لم يكن له صغائر خفف عنه من الكبائر إن كانت وإلا رفعت درجاته. ¬

(¬1) انظر ص 271 ج 1 - ابن ماجه (صيام العشر) وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي (العمل في أيام العشر) و (ما) بمعنى ليس (ومن أيام) من زائدة وأيام اسم و (احب إلى الله) بالنصب خبر ما (وأن يتعبد) متعلق بأحب بحذف الجار أي ليس أيام أحب إلى الله لأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة. (¬2) انظر ص 234 ج 10 الفتح الرباني (صوم يوم عرفة لغير الحاج) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 283 ج 4 بيهقي.

(وعن) سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوم عرفة غفر له سنتين متتابعتين" أخرجه الطبراني في الكبير وأبو يعلي بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {110} ... وحكمة تكفير صومه سنتين وجوه (منها) أنه من شهر حرام توسط بين شهري حرام من عامين فناسب أن يكفر العامين ولا كذلك عاشوراء (ومنها) اختصاص صوم يوم عرفة بالأمة المحمدية بخلاف يوم عاشوراء فإن اليهود كانت تصومه. هذا وصومه سنة لغير الحاج أما الحاج فيكره له صومه عند الجمهور (قال) عكرمة: سألت أبا هريرة عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة (¬2) {111} ... أي نهى النبي صلى الله عليه وسلم الحاج عن صيام يوم عرفة لأنه يضعفه عن الدعاء والذكر وسائر الأعمال المطلوبة منه في هذا اليوم، ولأنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه، (ولظاهر) النهي قال يحيي بن سعيد: يحرم على الحاج صوم يوم عرفة. وحمل الجمهور النهي عن صومه على الكراهة بالنسبة لمن يضعفه الصيام عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام. فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفاً فصوم ذلك اليوم أفضل له (وقال) أحمد: إن قدر على ان يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة (¬3). (وقال) جماعة: يستحب صوم يوم عرفة ولو للحاج إلا من يضعفه الصوم عن الوقوف بعرفات ويكون مخلاً له في الدعوات محتجين بعموم الأحاديث المرغبة في صيامه (وأجاب) الجمهور بأنها محمولة على من لم يكن بعرفة ¬

(¬1) انظر ص 189 ج 3 مجمع الزوائد (صيام يوم عرفة). (¬2) انظر ص 235 ج 10 - الفتح الرباني وص 198 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم عرفة بعرفة) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 284 ج 4 بيهقي. (¬3) انظر ص 131 ج 2 معالم السنن.

جمعاً بين الأحاديث، ولذا قالوا: يستحب إفطاره لمن بعرفة حتى قال عطاء: من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم (¬1). ... (تنبيه) علم: من حديث أبي هريرة النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة، ومن حديث أبي قتادة استحباب صومه مطلقاً "ومن حديث" عقبة بن عامر مرفوعاً "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا لأهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" أخرجه احمد والثلاثة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي والدارمي وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {112} ... "كراهة" صوم يوم عرفة مطلقاً (ويجاب) عنه بأن كونه عيداً لا ينافي الصوم أو أنه مختص بأهل عرفة. والظاهر أن قوله صلى الله عليه وسلم: وهي أيام أكل وشرب. راجع إلى يوم النحر وأيام التشريق. (هذا) ويجمع بين الأحاديث بأن صوم يوم عرفة مستحب لغير الحاج مكروه للحاج بعرفة إن كان الصوم يضعفه. ... (6) الطاعة في عشر ذي الحجة: هذه الأيام من المواسم الشرعية ذات النفحات الإلهية: للطاعة فيها فضل عظيم يضاعف فيها ثواب العمل الصالح. حث الشارع على الاجتهاد في أنواع العبادة فيها من صوم وصلاة وتكبير واستغفار وذكر وغيرها. (وقد) ورد في هذا أحاديث (منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام اعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" أخرجه أحمد ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 4 فتح الباري (الشرح). (¬2) انظر ص 143 ج 10 - الفتح الرباني (صوم أيام التشريق) وص 167 ج 10 المنهل العذب المورود وص 63 ج 2 تحفة الأحوذي وص 434 ج 1 مستدرك وص 298 ج 4 بيهقي وص 23 ج 2 دارمي (صيام يوم عرفة).

والبيهقي في الشعب وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس بسند جيد (¬1) {113} ... أي أكثروا فيهن من قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله (وقال) ابن عباس ويذكروا اسم الله في أيام معلومات. أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق. وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. ذكره البخاري (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر. قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح (¬3) {114} والمعنى أن العمل الصالح في الأيام المذكورة يعطي الإنسان عليه أجراً عظيماً لا يعطاه عليه لو عمله في غيرها جهاداً كان أو غيره. فالعمل فيها أفضل من العمل في غيرها وتظهر فائدة الأفضلية فيمن نذر الصيام أو علق عملاً من ¬

(¬1) انظر ص 168 ج 6 - الفتح الرباني (الحث على الذكر والطاعة في أيام العشر) و (ما من أيام ... ) أي ليس أيام العمل الصالح أعظم عند الله وأحب إليه من العمل في أيام عشر ذي الحجة فأيام اسم ما ومن زائدة وأعظم خبر لمبتدأ محذوف. (¬2) انظر ص 312 ج 2 فتح الباري (فضل العمل في أيام التشريق). (¬3) انظر ص 166 ج 6 - الفتح الرباني وص 313 ج 2 فتح الباري وص 196 ج 10 المنهل العذب المورود (صوم العشر) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 284 ج 4 بيهقي وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي (العمل في أيام العشر) و (ما من أيام ... ) أي ليس أيام يكون العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في أيام عشر ذي الحجة ولعل وجه استبعادهم- كون الجهاد في هذه الأيام احب منه في غيرها- أن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج فينبغي أن يكون في غيرها أحب منها فيها وقوله صلى الله عليه وسلم إلا رجل أي جهاد رجل. بيان لفخامة جهاده وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغاً لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه.

الأعمال بأفضل الأيام. فلو أفرد يوماً منها تعين يوم عرفة؛ لأنه أفضل الأيام العشر المذكور على الصحيح، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعاً بين هذه الأحاديث وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" (الحديث) أخرجه مالك وأحمد ومسلم والثلاثة (¬1) {115} ... (قال) الداودي: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة فيلزم تفضيل الشيء على نفسه (ورد) بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء أكان يوم الجمعة أم لا. ويوم الجمعة فيها أفضل من يوم الجمعة من غيرها لاجتماع الفضيلتين فيه. (¬2) ... (7) صوم المحرم: يستحب صوم شهر الله المحرم (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقي والدارمي (¬3) {116} وظاهره أن المراد صيام المحرم بتمامه. (ويؤيده) حديث النعمان بن سعد أن رجلاً قال لعلي رضي الله عنه يأمير المؤمنين. أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقالت ما سمعت أحداً سأل عن هذا بعد رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 6 الفتح الرباني وص 41 ج 6 نووي (فضل يوم الجمعة) وص 180 ج 6 المنهل العذب المورود وص 203 ج 1 مجتبي وص 354 ج 1 تحفة الأحوذي (الحديث) تقدم تاماً مبيناً بص 133 ج 4 الدين الخالص (الجمعة). (¬2) انظر ص 314 ج 2 فتح الباري (الشرح). (¬3) انظر ص 173 ج 10 - الفتح الرباني وص 54 ج 8 نووي (فضل صوم المحرم) وص 1783 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 53 ج 2 تحفة الاحوذي وص 273 ج 1 - ابن ماجه (صيام شهر المحرم) وص 291 ج 4 بيهقي. وص 21 ج 2 دارمي. وأضيف المحرم إلى الله للتعظيم.

يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم" أخرجه ابن احمد في زوائد المسند والدارمي والترمذي وقال حديث حسن غريب (¬1) {117} ... دلت هذه الأحاديث على فضل شهر الله المحرم لإضافته إلى الله تعالى، وعلى أن صيامه أفضل من صيام سائر الشهور بعد رمضان، لأن فيه تاب الله على قوم ويتوب على قوم آخرين. ... (8) صوم عاشوراء: عاشوراء بالمد وقد يقصر معدول عن عاشر للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة ثم صار علماً على اليوم العاشر من المحرم عند الجمهور (لحديث) عائشة رضي الله عنها: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر" أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {118} وعاشوراء يوم معظم في الجاهلية والإسلام (قال) ابن عباس: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيماً له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" أخرجه الدارمي والسبعة إلا الترمذي (¬3) {119} ¬

(¬1) انظر ص 173 ج 10 - الفتح الرباني وص 21 ج 2 دارمي وص 53 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم المحرم) و (تاب فيه على قوم) هم بنو إسرائيل وأنجاهم فيه من فرعون واغرقه والله اعلم بمن يتوب عليه فيه (ولا يقال) إذا كان صوم المحرم أفضل الصيام بعد رمضان فلم لم يكثر النبي صلى الله عليه وسلم الصيام فيه؟ (لأنا نقول) لعله صلى الله عليه وسلم لم يعلم فضل صوم المحرم إلا في آخر حياته أو أنه كان يعرض له فيه أعذار تمنع من صومه كسفر أو مرض. (¬2) انظر ص 189 ج 3 مجمع الزوائد (الصوم قبل عاشوراء وبعده). (¬3) انظر ص 22 ج 2 دارمي وص 178 ج 10 - الفتح الرباني (فضل يوم عاشوراء) وص 176 ج 4 فتح الباري وص 9 ج 8 نووي وص 204 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 271 ج 1 - ابن ماجه و (نحن أولى ... ) أي نحن أحق منكم بمتابعة موسى عليه الصلاة والسلام.

قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة في ربيع الأول فأقام بها إلى عاشوراء من السنة الثانية فوجد اليهود يصومونه فصامه وأمر بصيامه لا تقليداً لهم بل لوحي نزل عليه، أو لأنهم اخبروا أن موسى كان يصومه فصامه شكراً لله على نجاة موسى من عدوه. ... وكانت قريش تصومه عملاً بما علموا من شريعة إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم الصلاة والسلام وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه قبل البعثة موافقة لهم وبعد البعثة وقبل الهجرة بوحي لأنه فعل خير. ولما هاجر إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه استئلافاً لليهود. وكان صلى الله عليه وسلم في بدء الهجرة يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه (وكان) اليهود يعظمونه بالصوم وغيره كما قال أبو موسى الأشعري: "كان أهل خيبر يصومون عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم" أخرجه مسلم (¬1) {120} وللأمر بصيامه قال الحنفيون ومالك وبعض الشافعية: إن صيام يوم عاشوراء كان فرضاً ثم نسخ بفرض رمضان وصار صومه سنه وروي عن أحمد (ويؤيده) ما تقدم أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صمتم يومكم هذا؟ قالوا لا. قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه" أخرجه أبو داود، قال يعني يوم عاشوراء (¬2) {121} يعني أمسكوا عن المفطر بقية اليوم واقضوه بعد وهذا يدل على أن صيامه كان واجباً. (والمشهور) عند الشافعية وأحمد: أن صوم عاشوراء سنة من حين شرع ¬

(¬1) انظر ص 10 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) و (الحلي) بفتح فسكون جمعه حلي بضم الحاء وكسرها وكسر اللام وشد الياء و (الشارة) بالشين المعجمة بلا همز- الهيئة الحسنة والجمال أي يلبسونهن اللباس الحسن الجميل. (¬2) تقدم رقم 323 ص 351 (من صار أهلاً للصوم).

ولم يجب قط على هذه الأمة لكنه كان مؤكداً. ولما فرض رمضان صار مستحباً مستدلين (أ) بحديث بن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان (¬1) {122} ... (ورد) بان معاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما سمعه سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فمعنى لم يكتب لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعاً بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبها. وإن كان سمعه قبل إسلامه فالمراد لم يكتبه عليكم على الدوام كصيام رمضان (ب) وبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم عاشوراء يوم كان يصومه أهل الجاهلية. فمن أحب أن يصومه فليصمه. ومن كره فليدعه" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (¬2). {123} (وأجيب) بان تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين صومه وعدمه لا يدل على أنه لم يكن واجباً ثم نسخ وجوبه (قال) الحافظ في الفتح: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه. ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالغداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ويقول ابن مسعود: لما فرض رمضان ترك عاشوراء (¬3) مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق. فدل على أن المتروك وجوبه. وأما قول بعضهم: المتروك تأكد ¬

(¬1) تقدم رقم 38 ص 358 (مبدأ فرض الصيام) (¬2) انظر ص 185 ج 10 - الفتح الرباني. وص 6 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) وص 290 ج 4 بيهقي. (¬3) (ويقول ابن مسعود) يشير إلى ما قال علقمة: دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال: يأبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال: قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطراً فأطعم أخرجه مسلم (انظر ص 8 ج 8 نووي - صوم يوم عاشوراء).

استحبابه والباقي مطلق استحبابه فهو ضعيف بل تأكد استحبابه باقي لاستمرار اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم يصومه حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر" ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تأكيد أبلغ من هذا؟ (¬1) ... (9) الصوم قبل يوم عاشوراء وبعده: يستحب صوم التاسع من المحرم أو الحادي عشر أو هما مع عاشوراء (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: "حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا. يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" أخرجه مسلم وأبو داود والبيهقي (¬2) {124} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لئن بنيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (¬3) {125} ... يحتمل أن المعنى: إن عشت لأصومن التاسع بدل العاشر. والصحيح أن المعنى: إن عشت لأصومن التاسع والعاشر (ويؤيده) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود. وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً" أخرجه احمد والبزار والبيهقي بسند جيد (¬4) {126} ¬

(¬1) انظر ص 176 ج 4 فتح الباتري (الشرح) (¬2) انظر ص 12 ج 8 نووي وص 205 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع) وص 287 ج 4 بيهقي. (¬3) انظر ص 189 ج 10 - الفتح الرباني وص 12 ج 8 نووي وص 287 ج 2 بيهقي. (¬4) انظر ص 189 ج 10* الفتح الرباني وص 188 ج 3 مجمع الزوائد (الصوم قبل يوم عاشوراء وبعده) وص 287 ج 4 بيهقي وقد ذكر العلماء في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً: (أ) أن المراد منه مخالفة اليهود في الاقتصار على صوم العاشر (ب) أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم للنهي عن إفراده بالصوم كما نهى عن إفراد الجمعة بالصوم (ج) الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر انظر ص 383 ج 6 مجموع النووي.

أي صوموا معه يوماً آخر أو يومين مخالفة لليهود لأنهم يصومون عاشوراء فقط. (10) التوسعة في يوم عاشوراء: يوم عاشوراء موسم شرعي يستحب صيامه وإحياؤه بالطاعة والتوسعة على الأهل والأقارب والفقراء بلا تكلف ولا التزام (وقد) ورد في هذا أحاديث اجودها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار والبيهقي في الشعب على شرط مسلم وهذا أصح طرقه (¬1) {127} ... (11) بدع عاشوراء: قد أحدث الناس في هذا اليوم العظيم بدعاً منكرة وارتكبوا فهي أعمالاً مستقبحة (منها) صلاة أربعين ركعة بين الظهر والعصر على كيفية مخصوصة تقدم بيانها في الصلوات غير المشروعة وأنها موضوعة (¬2) (ومنها) ما قيل عن أبي هريرة رضي الله عنه: من صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد إحدى وخمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين عاماً. ¬

(¬1) انظر ص 284 ج 2 كشف الخفاء. وفيه: قال السخاوي في المقاصد: رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود وعن أبي سعيد. ورواه البيهقي عن جابر وأبي هريرة. وقال إن أسانيده كلها ضعيفة ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض استفاد قوة، بل قال العراقي في أماليه: لحديث أبي هريرة طرق صحح بعضها الحافظ بن ناصر الدين وتعقب ذكر ابن الجوزي له في الموضوعات وأورده ابن حبان في الثقات فالحديث حسن على رأيه. (¬2) تقدم ص 161 ج 6 الدين الخالص.

وهذا لم يثبت (ومنها) الاغتسال والاكتحال فيه وما قيل في الترغيب فيهما فيه لم يثبت (من ذلك) ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبداً. رواه الحاكم والبيهقي في شعبة والديلمي وقال الحاكم منكر. وقال في المقاصد: بل موضوع. وقال في اللاليء حديث منكر والاكتحال في هذا اليوم لا يصح فيه أثر فهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين "رضي الله عنه" وقبحهم (قال) ابن رجب في الطائف المعارف: كل ما روي في فضل الاكتحال والاختصاب والاغتسال يوم عاشوراء موضوع لم يصح (¬1) (ومنها) ما قبل عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: من اغتسل وتطهر في يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت. وضعه أيضاً قتلة الحسين (ومن البدع المذمومة) البخور الذي يسير به بعض العاطلين في الأزقة والحارات بمصر وغيرها في شهر المحرم ويسمونه بخور العشر وهو ملح ونحوه يصبغونه ألواناً ويرقى حاملوه الأطفال بكلمات ساقطة يقولونها بمحضر أمهاتهم يزعمون أن هذه الرقية وقاية لهم من العين وكل مكروه إلى السنة القابلة وتدخره النساء جميع العام ويزعمون أن المسحور إذا تبخر به بريء من السحر، وأنه ينفع من النظرة وهو من خرافاتهن (ومن البدع) أيضاً طبخ الحبوب في يوم عاشوراء زاعمين أن لذلك مزية في هذا اليوم وأن له أجراً عزيماً لمن يفعله ويطعم الفقراء والمساكين. وهذا أمر يحتاج إلى توقيف من المشرع صلى الله عليه وسلم ولم يثبت فهو بدعة وضلالة (ومنها) الشحذ على الأطفال في هذا اليوم باسم زكاة العشر رجاء أن يعيشوا وبعض أرباب الأموال يزعم ان ذلك يكفي عن زكاة ماله وهو وهم وجهل (ومنها) طواف البنات في شوارع مصر بأطباق الحلوى منادين بقولهن (ياسي على لوز) فهذا ضلال وعار وشنار تأباه المروءة والغيرة فإنهن ¬

(¬1) انظر ص 234 ج 2 كشف الخفاء.

يخرجن متبرجات متهتكات خليعات كالعاهرات يداعبهن الكهول والشبان وفي هذا من الفتنة والفساد ما تئن له الفضيلة. (وما قيل) من أنه يطلب في هذا اليوم بعد الاغتسال زيارة العالم وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم وتقليم الأظفار وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم (ليس له أصل) يدل على زيادة فضل لهذه الأمور في خصوص هذا اليوم بل هذه الخصال كلها مطلوبة شرعاً في أي وقت كان. أما تخصيصها بهذا اليوم فهو بدعة (قال) ابن الحاج: يوم عاشوراء موسم شرعي والتوسعة فيه على الأهل واليتامى والمساكين والصدقة مندوب إليها بلا تكلف وأن لا يصير ذلك سنة يسنن بها لابد من فعلها. فإن وصل إلى هذا الحد كره سيما إذا كان الفاعل ممن يقتدي به ولم يكن السلف يعتادون فيه طعاماً مخصوصاً بل كان بعضهم يترك التوسعة فيه قصداً للتنبيه على أنها غير واجبة. أما ما يفهمه الناس اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيره وطبخ الحبوب وغيرها، فلم يكن السلف يفعلون ذلك في هذه المواسم ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير لا بالتوسعة في المأكول (ومن) البدع المحدثة فيه تخصصه بزيارة القبور للرجال والنساء (ومنها) استعمال الحناء للنساء في هذا اليوم بزعم أنه من حق عاشوراء وتمامه فيه (¬1) (ومن) المختلق ما قيل إن آدم تاب الله عليه يوم عاشوراء، وإبراهيم نجاه من النار، وأيوب عافاه الله يومه، ويونس أخرجه الله من بطن الحوت يومه، ويعقوب اجتمع بيوسف يومه عليهم الصلاة والسلام. ... (12) صوم يوم الاثنين والخميس: يستحب صومهما (لقول) عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحرى صيام الاثنين والخميس" أخرجه احمد ¬

(¬1) ص 289 ج 2 المدخل (يوم عاشوراء).

والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه والترمذي وقال: حسن صحيح (¬1) {128} (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس فقيل له، فقال: إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول: أخرهما" أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح (¬2) {129} ... (13) صوم ثلاثة أيام من كل شهر: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإنه كصيام السنة (لحديث) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله" أخرجه احمد وابن حبان وابن خزيمة، وكذا النسائي وابن ماجه والترمذي وزادوا: فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: ¬

(¬1) انظر ص 228 ج 10 - الفتح الرباني (صيام الاثنين والخميس). وص 322 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم). وص 272 ج 1 ابن ماجه. وص 55 ج 2 تحفة الاحوذي. (¬2) انظر ص 227 ج 10 - الفتح الرباني. وص 272 ج 1 - ابن ماجه. و (إلا المتهاجرين) من الهجر وهو ضد الوصل والمراد هنا العداوة والبغضاء وعند ابن ماجه إلا متهجرين أي متقاطعين لأمر لا يقتضي ذلك. وإلا فالتقاطع للدين ولتأديب الأهل جائز. وفي رواية لمسلم: إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا. انظر هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا. كررها للتأكيد. وكأنه خطاب للملائكة. وقوله في حديث الباب: اخرهما كأنه خطاب لرئيس الملائكة أي لا تعرض عملهما حتى يصطلحا (ولفظ) الحديث عند مسلم: عن أبي هريرة مرفوعاً: تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا أمراً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اركوا (بهمزة وصل أي أخروا) هذين حتى يصطلحا. اركوا هذين حتى يصطلحا (انظر ص 122 ج 16 نووي- النهي عن الشحناء).

"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" اليوم بعشرة، وحسنه الترمذي (¬1) {130} (وعن) قرة بن إياس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره" أخرجه احمد والبزار والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {131} ... (وقال) أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي والترمذي (¬3) {132} ... (دلت) هذه الأحاديث على استحباب صيام ثلاثة أيام غير معينة من كل شهر. ويؤيده حديث معاذة عن عائشة أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر. قالت: فقلت من أيه كان يصوم؟ فقالت: لم يكن يبالي من أيه كان يصوم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬4) {133} ¬

(¬1) انظر ص 210 ج 10 - الفتح الرباني وص 327 ج 1 مجتبي وص 60 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم ثلاثة من كل شهر). وص 268 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 210 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام غير معينة من كل شهر) وص 196 ج 3 مجمع الزوائد. (¬3) انظر ص 163 ج 4 - تفح الباري (صيام البيض). وص 327 ج 1 مجتبي (صوم ثلاثة أيام من كل شهر). وص 392 ج 4 - بيهقي. وص 59 ج 2 - تحفة الأحوذي. (¬4) انظر ص 212 ج 10 - الفتح الرباني. وص 48 ج 8 - نووي (صيام ثلاثة أيام). وص 213 و 214 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال لا يبالي من أي الشهر).

(14) صوم أيام البيض: هي أيام الليالي المقمرة طول الليل (وقد) جاءت مفسرة في حديث قتادة بن ملحان قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال: هي كصوم الدهر" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (¬1) {134} (وقال) أبو ذر: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" أخرجه النسائي وصححه ابن حبان (¬2) {135} ... والأحاديث في هذا كثيرة وهي تدل على استحباب صوم أيام البيض وأنها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر. وبه قال الحنفيون وأحمد وجمهور الشافعية وابن حبيب المالكي (وقالت) المالكية: يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر ويكره تخصيصها بالبيض، وأحاديث الباب حجة عليهم (قال) ابن رشد: إنما كره مالك تحرى صومها مع ما جاء فيها من الأثر مخافة أن يظن الجاهل وجوبها (¬3)، وقد روي أن مالكاً رحمه الله كان يصومها وحض الرشيد على صيامها. ... (15) صيام ثلاثة أيام متفرقة: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر موزعة بين الاثنين والخميس وأحدهما مكرر، أو يصوم من كل عشرة أيام يوماً (لقول) حفصة: ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 10 - الفتح الرباني (صوم أيام البيض) وص 210 و 211 ج 10 المنهل العذب المورود (صوم الثلاث من كل شهر). وص 329 ج 1 مجتبي. وص 268 ج 1 - (¬2) انظر ص 328 و 329 ج 1 مجتبي (كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؟ ) (¬3) انظر ص 216 ج 1 بداية المجتهد (الصيام المندوب إليه).

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى" اخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬1). {136} (وقال) ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس من أول الشهر والاثنين الذي يليه والاثنين الذي يليه" أخرجه احمد بسند جيد. وكذا النسائي بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الاثنين من أول الشهر والخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه (¬2) {137} (وقالت) أم سلمة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس والخميس" أخرجه أبو داود والبيهقي. وكذا النسائي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميس والاثنين والاثنين (¬3) {138} ... هذه الرواية فيها انه صلى الله عليه وسلم أمر بتكرير يوم الاثنين، والتي قبلها فيها أنه أمر بتكرير الخميس. وقد سبق بفعله صلى الله عليه وسلم أنه كرر كلاً منهما. فدل المجموع على المطلوب إيقاع صيام الثلاثة في هذين اليومين إما بتكرار الخميس وإما بتكرار يوم الاثنين. ¬

(¬1) انظر ص 218 ج 10 الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام معينة من كل شهر) وص 212 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال الاثنين والخميس) وص 322 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم) وص 294 ج 4 بيهقي. (¬2) (انظر ص 218 ج 10 الفتح الرباني وص 328 ج 1 مجتبي 0 كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر). (¬3) انظر ص 213 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال الاثنين والخميس). وص 295 ج 4 بيهقي. وص 328 ج 1 مجتبي.

(وعن) أبي الدرداء أنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام اليوم الأول ويوم العاشر ويوم العشرين ويقول: هو صيام الدهر كل حسنة بعشر أمثالها. ... (16) صيام ثلاثة أيام معينة: يستحب صيام ثلاثة أيام معينة من كل شهر من أوله، أو السبت والأحد والاثنين من أول الشهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أول الشهر الذي بعده، أو الاثنين من أوله ثم الخميس والجمعة، أو ثلاثة من آخره (لحديث) ابن مسعود رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال وقاما يفطر يوم الجمعة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: حسن غريب (¬1) {139} ... (وعن) سفيان عن منصور عن خيثمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس" أخرجه الترمذي وحسنه، وقال: وروي عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه (¬2) {140} قال الحافظ في الفتح وهو أشبه (¬3): وإنما فعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم مراعاة للعدالة بين الأيام، وقد ذكر الجمعة في الحديث السابق، وإنما لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم الستة متوالية كي لا يشق على الأمة الاقتداء به رحمة لهم وشفقة عليهم. ... قال الروباني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب (وقال) غير واحد من العلماء: إن استحباب صيام البيض ¬

(¬1) تقدم رقم 80 ص 391 (صوم يوم الجمعة) (¬2) انظر ص 55 ج 2 تحفة الاحوذي (صوم الاثنين والخميس). (¬3) انظر ص 162 ج 4 - فتح الباري (صيام البيض).

غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (¬1) وهذا هو الأولى. وحمل المطلق من الأحاديث على المقيد منها لا حاجة إليه فإن الباب باب تطوع وهو واسع. ... (17) صوم داود عليه السلام: وهو صوم يوم وإفطار يوم وهو احب الصوم وأفضله؛ لأنه أشق على النفس، فإنه لا يعتاد الصيام ولا الفطر، وفاعله يمكنه أن يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم فإنه لا يمكنه القيام بهذه الحقوق. ... (قال) عبد الله بن عمرو: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، واحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" أخرجه الدارمي والبيهقي والسبعة إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري (¬2) {141} (وعن) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" أخرجه البخاري والنسائي وهذا لفظه (¬3) {142} ... (والأحاديث) في هذا كثيرة وهي صريحة في أنه ليس في صيام التطوع أفضل من صيام يوم وفطر يوم، فهو أفضل من صيام يومين وإفطار يوم ومن صيام الدهر سوى الأيام المنهي عن صيامها. ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 4 - فتح الباري. (¬2) انظر ص 229 ج 10 - الفتح الرباني. وص 290 ج 6 فتح الباري (أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود) وص 46 ج 8 نووي (صوم يوم وإفطار يوم) وص 209 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 221 ج 1 مجتبي (صوم نبي الله داود) و (أحب الصلاة إلى الله .. ) أي أفضل صلاة التطوع ليلاً صلاة داود. (¬3) انظر ص 76 ج 9 - فتح الباري ج 9 - فتح الباري (في كم يقرأ القرآن؟ ) وص 324 ج 1 مجتبي (صوم يوم وإفطار يوم).

(18) صوم رجب: لم يثبت من طريق صحيح في صوم رجب نهي ولا ندب إلا: (أ) ما ورد في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها. (ب) وما ورد في صوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وصوم أيام البيض وصوم داود، وتقدم كل هذا. (ج) وما ورد في مطلق التطوع (كحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك سبعين خريفاً" أخرجه احمد والنسائي وابن ماجه (¬1) {143} والمراد من سبيل الله الجهاد. وقيل: طاعة الله تعالى. والمراد من صام قاصداً وجه الله، والأول أقرب ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى لأن الصيام يضعفه عن اللقاء لأن أفضل الصوم حينئذ محمول على من لم يخش ضعفاً، ولاسيما من اعتاده فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد، فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين (وقال) عثمان بن حكيم: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب كيف أترى؟ قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬2) {144} ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 10 - الفتح الرباني (صوم التطوع في السفر) وص 313 ج 1 مجتبي (من صام يوماً في سبيل الله) وص 270 ج 1 - ابن ماجه وتقدم نحوه عن أبي سعيد رقم 4 ص 319 (فضل الصيام). (¬2) انظر ص 193 ج 10 - الفتح الرباني (الصوم في رجب) وص 38 نووي (صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان) وص 184 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم رجب).

والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صام التطوع تابع الصيام حتى تظن أنه لا يفطر، وإذا أفطر تابع الإفطار حتى نظن أنه لا يصوم. وهذه كانت حالته صلى الله عليه وسلم في رجب وغيره، لكن الحديث يؤخذ منه أن هذه الحالة برجب فيفيد فضل الإكثار من الصوم فيه، والأولى إبقاء الحديث على عمومه وأن رجباً كغيره من الشهور. ويؤيده (حديث) سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم" أخرجه البخاري (¬1) {145} فالظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال انه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور ولم يثب في صوم رجب نهي ولا ندب لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه (¬2). "وأما حديث" ابن عباس: "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم رجب" أخرجه ابن ماجه (¬3) {146} "فضعيف" لأن فيه داود بن عطاء متفق على ضعفه وزيد بن عبد الحميد متكلم فيه، وعلى تقدير صحته فهو محمول على صوم رجب كله وإفراده بالصوم. ولذا قال أحمد: يكره صوم جميعه منفرداً، فإن صام السنة كلها ما عدا يومي العيد وأيام التشريق فلا بأس بصيام جميعه (وقد) ورد في صيام رجب والعبادة فيه أحاديث منها الباطل ومنها الضعيف ذكر بعضها- للتنبيه وعدم الاغترار بها- في المنهل العذب المورود (¬4) (ولذا) حكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال: لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروي فيه ¬

(¬1) انظر ص 155 ج 4 فتح الباري (صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإفطاره). (¬2) انظر ص 38 ج 8 نووي مسلم. (¬3) انظر ص 173 ج 1 - ابن ماجه (صيام الأشهر الحرام). (¬4) انظر ص 186 ج 10 (صوم رجب).

(قال) حرشة بن الحر: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: رجب وما رجب؟ إنما رجب يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الإسلام ترك. أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه الحسن بن جبلة. قال الهيثمي: لم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات (¬1). (وقال) ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في فصل رجب: لم يرد في فضله ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة (وقال) أبو شامة: وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وكان عمر يضرب بالدرة صوامه، ثم قال: وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه دخل على أهله وقد أعدوا لرجب، فقال: ما هذا؟ فقالوا: لرجب نصومه، فقال: أجعلتم رجباً كرمضان قال الطرطوشي: يكره صيام رجب لأنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام- ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه- أنه فرض كرمضان أو أنه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامه- أنه فرض كرمضان أو انه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسنن الراتبة أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور جار مجرى صوم عاشوراء، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض ولو كان من باب الفضائل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله مرة في العمر كما فعل في يوم عاشوراء ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة وليس هو فرضاً ولا سنة باتفاق فلم يبق لتخصيصه للصيام وجه، فكره صومه والدوام عليه حذراً من أن يلتحق بالفرائض والسنن الراتبة عند العوام، فإن احب امرؤ أن يصومه على وجه تؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضاً أو سنة فلا بأس بذلك (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 191 ج 3 - مجمع الزوائد (صيام رجب) وأخرجه سعيد بن منصور بسند مجمع على عدالة رجاله. (¬2) انظر ص 42 و 43 - الباعث على إنكار البدع والحوادث (والدرة) - كسدرة- السوط.

(19) بدع رجب: قد أحدث الناس في هذا الشهر الحرام أموراً شنيعة وبدعاً ذميمة (منها) زيارة النساء المقابر في الجمعة الأولى منه وغيرها مما يعد عنهم موسماً، وهي من البدع المقبوحة والعادة المستنكرة وأي بدعة أكبر قبحاً وأعظم وزراً من بدعة جمعت مفاسد عديدة وشروراً كثيرة من انتهاك الحرمات وابتذال الأعراض وإضاعة الأموال وإيذاء الموتى وتهتك النساء واختلاطهن بالرجال مع فساد الأخلاق وانتشار الفساد وإحياء عادة الجاهلية من الندب والنياحة وشق الجيوب ولطم الخدود وصبع الوجوه والأيدي بالسواد ولا يخشين الوعيد، فيما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية" أخرجه السبعة إلا أبا داود، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {147} يحل الموسم بزعمهم- رجب أو غيره- فتصير النساء لا هم لهن إلا ما يعدونه للخروج إلى المقابر من ألوان الطعام وأنواع الفواكه وطاقات الأزهار. فالغني ينفق ذو سعة، والفقير يضيع ما تحتاج إليه عياله وقد يقترض لذلك بفوائد أو يرهن متاع بيته عند المرابين، ويكثر النزاع بين المرء وزوجه وقد يؤدي إلى الفراق أو دوام الخصام والشقاق، وإذا خرجن إلى المقابر رفعت الساء أصواتهن بالبكاء، وأظهرن الحزن والجزع، وتكلمن بكلمات كفرية فيها السخط على القدر والاعتراض على الله تعالى في حكمه وقضائه، وبعد قليل توضع الموائد فوق المقابر وعلى رؤوس الموتى، ومنها يأكلون كما تأكل الأنعام ناسين الموت وسكراته، وغافلين عن الموتى وما هم فيه من ظلمة ووحشة، فإذا أكلوا انتشروا في الصحراء يتزاورون كأنهم في منازل الأحياء لا في مقابر الأموات وأماكن الخشية والاعتبار. ذلك هو الضلال البعيد، كيف لا وهذا لا يرضى الرب ولا به ترحم الموتى، بل الأمر بالعكس، ¬

(¬1) تقدم رقم 376 ص 211 ج 7 - الدين الخالص (النياحة والندب).

ولم يأت في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول جمعة من رجب أو أي موسم جعل لزيارة القبور، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة أو أئمة السلف كان يخرج هو ونساؤه في هذه المواسم لزيارة الموتى. وكذا حمل الأطعمة إلى المقابر لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف الصالح، بل هو مناف للعبرة والاتعاظ مبطل لثواب الصدقة لما فيه من الرياء، ولو تصدقوا في البيوت سراً على المحتاجين لكان أرجى للقبول، وأقرب إلى الوصول ولكفوا حملها وحمل أوزارها (وقال) ابن عباس: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " أخرجه احمد والأربعة وحسنه الترمذي (¬1). {148} أي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من ذكر بالطرد عن رحمة الله تعالى، أما الزائرات فلما يكون منهن حال الزيارة من التبرج والجزع ولطم الخدود والندب والنياحة والتسخط وعدم الرضا بالقضاء والقدر. وأما المتخذون عليها المساجد فلما يكون منهم من تعظيم القبور والتشبه بعباد الأوثان. وأما المتخذون عليها السرج فلما فيه من تضييع المال بلا منفعة والمبالغة في تعظيم القبور. ... (ومن بدع رجب) صلوات غير مشروعة في أول ليلة من رجب وليلة الجمعة الأولى منه (صلاة الرغائب) وليلة النصف منه. وتقدم- في بحث الصلوات غير المشروعة- بيانها وأن ما ورد منها موضوع (¬2) (ومنها) ما قيل عن ابن عباس: من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتى عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وهو جالس ثم قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربع مرات ثم أصبح ¬

(¬1) تقدم رقم 13 ص 9 (التحذير من إيقاد السرج على القبور). (¬2) انظر ص 163 ج 6 - الدين الخالص.

صائماً حط الله عنه ذنوب ستين سنة وهي الليلة التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم. ... (قال) العجلوني: وكذلك صلاة عاشوراء وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق وكذلك صلاة ليالي رجب وليلة السابع والعشرين منه (¬1) (ومن الموضوع) ما قيل عن أبي هريرة رضي الله عنه: من صام السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهراً. قال أبو الخطاب: وهذا حديث لا يصح (¬2). (ومن الموضوع) ما روي حصين بن مخارق بسنده إلى الحسين رضي الله عنه مرفوعاً: من أحيا ليلة من رجب وصام يوماً أطعمه الله من ثمار الجنة وكساه من حلل الجنة وسقاه من الرحيق المختوم إلا من فعل ثلاثاً: من قتل نفساً، أو سمع مستغيثاً بليل أو نهار فلم يغثه، أو شكاً إليه أخوه حاجة فلم يفرج عنه. (قال) السيوطي: موضوع آفته حصين (¬3) (ومن البدع) الاجتماع في المساجد وزيادة الغور فيها وعلى المآذن واختلاط الرجال والنساء احتفالاً بالإسراء ليلة السابع والعشرين من رجب مع القراءة والذكر بالتحريف والتلحين في أسماء الله تعالى وغير ذلك من المنكرات والمفاسد على ما تقدم بيانه في بحث المواسم غير المشروعة (¬4). ... (20) صوم شعبان (¬5): يستحب صومه كله أو جله (لحديث) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ¬

(¬1) انظر ص 410 ج 2 كشف الخفاء. (¬2) انظر ص 64 الباعث على إنكار البدع والحوادث. (¬3) انظر ص 66 ج 2 اللآلئ المصنوعة. (¬4) انظر ص 143 ج 5 الدين الخالص. (¬5) "شعبان" من الشعب- بفتح فسكون - وهو الجمع والتفريق سمي بذلك لأنه تشعب فيه خير كثير.

صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان" أخرجه أبو داود والنسائي (¬1) {149} أي لم يكن يصوم تطوعاً شهراً كاملاً إلا شعبان فكان يصومه في بعض الأحيان. (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "كان أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2) {150} ... أي كان صوم شعبان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام، وكان يصل صيامه بصيام رمضان. ويحتمل أن المعنى: أنه كان يصوم في آخر شعبان حتى يقرب أن يصله برمضان. ... (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر من السنة أكثر من صيامه في شعبان، كان يصومه كله" أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {151} ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 10 - المنهل العذب المورود (من يصل شعبان برمضان) وص 321 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 200 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم) وص 188 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم شعبان) وص 321 ج 1 مجتبي. وص 292 ج 4 بيهقي. وص 434 ج 1 مستدرك. و (أحب) خبر كان وشعبان بالرفع اسمها على تقدير مضاف أي صوم شعبان أحب (وأن يصومه) - أن- أولت يصوم بمصدر هو دليل المضاف المقدر. وهذا لا ينافي حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين (الحديث) تقدم رقم 69 ص 384 (يوم الشك) لأن النهي عن التقدم محمول على من لم يصم شعبان كله أو معظمه بل يصوم اليوم أو اليومين قبل رمضان احتياطاً. (¬3) انظر ص 200 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم) وص 153 ج 4 فتح الباري (صيام شعبان) وص 38 ج 8 نووي.

والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه. ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى، لئلا يتوهم أنه واجب كرمضان (وقيل) المراد بقولها: كله-أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طوراً، فلا يخلي شيئاً منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض (¬1). ... (وحكمه) إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان ما دل عليه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه (¬2) وابن ماجه وابن حبان (¬3) {153} (21) نصف شعبان: صوم يوم نصف شعبان لعينه لم يرد به نص ثابت ولا أصل يعتمد بل يكره تخصيصه بالصوم (وأما) حديث ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية ابن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان ¬

(¬1) انظر ص 153 و 154 ج 4 فتح الباري. (¬2) انظر ص 203 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم) وص 322 ج 1 مجتبي (ويغفل الناس عنه .. ) ظاهره أنهم كانوا يصومون في رجب لأن ظاهر الغفلة عن شعبان أي عن تعظيمه بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به. ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في رجب وهو يفيد جواز صيامه لا أنه سنة متبعة (فأحب أن يرفع عملي .... ) طلباً لزيادة رفع الدرجة. ولا ينافي هذا عرض الأعمال كل اثنين وخميس كما تقدم برقم 129 ص 419 (صوم الاثنين والخميس) لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة في هذين اليومين ورفع أعمال العام مجملة في شعبان. (¬3) انظر ص 217 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في ليلة النصف من شعبان).

فقوموا ليلها وصوموا نهارها" (الحديث) أخرجه ابن ماجه وابن حبان. {153} فهو ضعيف جداً قال الإمام البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف بن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين: يضع الحديث (¬1) وقال النسائي متروك وقال الذهبي في الميزان: ضعفه البخاري وغيره وإبراهيم بن محمد ضعفه الجمهور (وما نسب) إلى علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة ثم قال: فإن أصبح في ذلك اليوم صائماً كان له كصيام ستين سنة ماضية وصيام ستين سنة مستقبلة (قال) ابن الجوزي: موضوع وإسناده مظلم (¬2) (وكذا) يكره اتخاذه موسماً تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وتقدم أنه من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها: وما قيل من قسم الأرزاق فيها لم يثبت (وقد) ابتدع فيها صلاة تسمى صلاة الرغائب وصلاة البراءة (قال) أبو الخطاب ابن دحية: أحاديث صلاة البراءة موضوعة. ومن عمل بخبر صح أنه كذب فهو من خدم الشيطان. وتقدم الكلام وافياً في ذلك وفيما أحدث ليلة نصف شعبان في بدع المساجد (¬3) وفي الصلوات غير المشروعة (¬4) وأن المراد من ليلة مباركة في قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركةٍ إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم" عند الجمهور هي ليلة القدر لا ليلة نصف شعبان. (ومن) البدع التي جرت إلى جملة من المحرمات وشاعت في غالب المساجد التي لم يقف ذو الشأن فيها عند الحدود الشرعية، اجتماع كثير من ¬

(¬1) انظر ص 217 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في ليلة النصف من شعبان). (¬2) تقدم تاماً ص 243 ج 3 هامش الدين الخالص. (¬3) انظر ص 346 منه. (¬4) انظر ص 164 ج 6 منه.

الناس صغاراً وكباراً ذكوراً ونساء داخل المسجد بعد صلاة المغرب من ليلة النصف من شعبان ويقرأ عليهم إمام المسجد أو من يقوم مقامه الدعاء المعروف الذي لم يثبت عن أحد ممن يقتدي بهم (ومما يؤلم) القلب ويحزن الفؤاد أن الأئمة العلماء الرسميين يلقنون هذا الدعاء للعوام فيرددونه وراءهم بأصوات مرتفعة وقد ضاق المسجد بمن فيه، لأن العوام لا يتخلف منهم أحد في هذه الليلة إلا النادر، لاعتقادهم أن قراءة هذا الدعاء سبب في طول العمر وتوسيع الرزق والغني عن الناس مع ما فيه من مخالفة كتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم والتخليط في قراءة سورة يس بعد الدعاء والتهويش الذي يعم القريب والبعيد ولاسيما من كان يتعبد داخل المسجد ومن المعلوم أن التشويش ولو على نائم خارج المسجد حرام بإجماع المسلمين فما الظن بوقوعه في مساجد الله تعالى والتشويش به على المتعبدين بدعاء ما أنزل الله به من سلطان فإنا لله وإنا إليه راجعون ومن المعلوم أن الدعاء في حد ذاته مشروع لكن بشرط أن يكون جارياً على الحدود الشرعية غير متعديها والله لا يحب المعتدين نسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه (¬1). (22) صوم الشتاء: الشتاء ليلة طويل ونهاره قصير. وهذه فرصة على العاقل اغتنامها لقيام الليل وصيام النهار. فلطول الليل يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم يقوم للتهجد والأوراد بنشاط فيجتمع له فيه نومه وراحة بدنه وإدراك وظائف العبادات. ولقصر نهاره يتسنى له صيامه، لأنه لا حر فيه ولا عطش ولا تعب ولا ملل (روي) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشتاء ربيع المؤمن، أخرجه احمد وأبو يعلي بسند حسن (¬2) {154} ¬

(¬1) انظر تمامه ص 348 ج 3 الدين الخالص. (¬2) انظر ص 200 ج 3 مجمع الزوائد (الشتاء ربيع المؤمن).

(وعن) عامر بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، أخرجه احمد والبيهقي والترمذي وقال حديث مرسل: عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم (¬1) {155} لكن قال أحمد: أرى له صحبة. وعده ابن حبان وابن منده وابن عبد البر من الصحابة. ... (وعن) ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مرحباً بالشتاء فيه تنزل الرحمة أما ليله فطويل للقائم وأما نهاره فقصير للصائم، أخرجه الديلمي (¬2) {156} ... (23) صوم الأعزب: الأعزب من لا زوج له فإذا لم يقدر على نفقات النكاح فليكثر من الصوم فإنه يكسر الشهوة، لحديث ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شباباً ليس لنا شيء فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أخرجه الشيخان (¬3) {157} ولا يقال إن الصوم يزيد في تهيج الحرارة، وهذا يثير الشهوة لأنا نقول: إنما يكون ذلك في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله ولي التوفيق. ... (24) فطر الصائم المتطوع: يجوز للصائم المتطوع الفطر ولو بلا عذر (لحديث) عائشة رضي الله عنها ¬

(¬1) انظر ص 206 ج 4 بيهقي وص 70 ج 2 تحفة الأحوذي (الصوم في الشتاء)، (والغنيمة الباردة) أي التي تحصل بلا مشقة أو الثابتة. يقال يرد لي على فلان كذا أي ثبت. او الطيبة. وكان الصوم في الشتاء غنيمة لحصوله بلا مشقة. (¬2) انظر ص 5 ج 2 كشف الخفاء. (¬3) تقدم رقم 36 ص 354 (صيام رمضان)

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم فقال: "أصبح عندكم شيء تطعمينيه؟ فنقول لا فيقول: إني صائم. ثم جاءها بعد ذلك فقالت: أهديت لنا هدية فقال ما هي؟ قالت حيس قال: قد أصبحت صائماً فأكل" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والنسائي وهذا لفظه (¬1) {158} ... قال الترمذي: والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يجب أن يقضيه. وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحق والشافعي (¬2) (وعن) أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فأتى بشراب فشرب ثم ناولني فقلت إني صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المتطوع أمير على نفسه فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطري" أخرجه الدارقطني والبيهقي وأحمد وهذا لفظه والحاكم بلفظ: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر: وقال صحيح الإسناد. وتلك الأخبار المعارضة لهذا لم يصح منها شيء (¬3) {159} (قال) ابن مسعود: إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بأحد النظرين: إن شئت صمت وإن شئت أفطرت. أخرجه البيهقي (¬4) (وقالت) عائشة: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أعندك شيء؟ قلت: لا. قال إذن أصوم. ودخل علي يوماً آخر ¬

(¬1) انظر ص 277 ج 9 - الفتح الرباني (وجوب النية في الصوم) وص 34 ج 8 نووي (جواز فطر الصائم نفلاً) وص 217 و 218 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 275 ج 4 بيهقي وص 320 ج 1 مجتبي (والحيس) - بفتح فسكون- طعام يتخذ من التمر والسمن واللبن منزوع الزبد أو الدقيق بدل اللبن. (¬2) انظر ص 49 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬3) انظر ص 169 ج 10 - الفتح الرباني (صوم التطوع لا يلزم بالشروع) وص 235 الدارقطني وص 276 ج 4 بيهقي وص 439 ج 1 مستدرك. (¬4) انظر ص 277 ج 4 بيهقي (صيام التطوع).

فقال أعندك شيء؟ قلت نعم. قال: إذن أفطر وإن كنت فرضت الصوم" أخرجه البيهقي والدارقطني وقالا: هذا إسناد صحيح (¬1) {160} ... (ولهذه) الأحاديث قال الثوري والشافعي وأحمد ومحققو الحنفيين: من دخل في صوم التطوع يستحب له إتمامه. وإذا أفطر ولو بلا عذر فلا إثم عليه لكن يكره له الفطر بلا عذر، لعموم قوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم (¬2) " وخروجاً من خلاف من أوجب الإتمام. وإذا أفطر بعذر فلا كراهة. وعلى كل فلا يجب القضاء بل يستحب. ... (وقال) مالك والحسن البصري: لا يجوز للمتطوع الإفطار. وإذا أفطر بلا عذر لزمه القضاء. وهو ظاهر الرواية عن النعمان لقوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل (¬3) " وهو يعم الفرض والنفل. ... (وإن) أفطر المتطوع لعذر كأن أمره أحد والديه أو شيخه بالفطر شفقة عليه وكطرو الحيض على المتطوعة، فلا إثم ولا قضاء عليه عند مالك والشافعي وأحمد ومحققي الحنفيين. وظاهر الرواية عندهم: لزوم القضاء (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتاني هو وأصحابه. فلما وضع قال رجل: أنا صائم. فقال له صلى الله عليه وسلم: دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم يوماً مكانه" أخرجه أبو داود الطيالسي والدارقطني والبيهقي وفيه: وصم يوماً مكانه إن شئت (¬4) {161} ¬

(¬1) انظر ص 275 منه. وص 236 الدارقطني. (¬2) سورة محمد: آية 23. (¬3) سورة البقرة: آية 187. (¬4) انظر ص 293 طيالسي. وص 237 الدارقطني وص 279 ج 4 بيهقي (التخيير في القضاء إن كان صومه تطوعاً) وص 456 ج 2 نصب الراية.

(وقال) أبو هريرة: أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فأكلتا منها فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "اقضيا يوما مكانه ولا تعودا" أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه محمد بن أبي سلمة المكي وقد ضعف بهذا الحديث (¬1) {162} ... (وأجاب) الأولون بأن الأمر بالقضاء في هذه الأحاديث للاستحباب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد عند البيهقي: وصم يوماً مكانه إن شئت (وعن) أم هانئ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرب شراباً فناولها لتشرب. فقالت: إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال: إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوماً مكانه وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي" أخرجه أحمد والبيهقي. وفيه سماك بن حرب متكلم فيه. وهارون ابن بنت أم هانئ لا يعرف (¬2) {163} ... (ولذا) اختار الكمال بن الهمام وتاج الشريعة وغيرهما من الحنفيين أنه يباح الفطر للمتطوع ولو بلا عذر، لتضافر الأدلة الصحيحة عليه وأن المختار استحباب القضاء. ... (هذا) وسائر النوافل من العبادات حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع ولا يجب قضاؤها إذا أبطلها عند الجمهور إلا الحج والعمرة فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكيد إحرامهما ولا يخرج منهما بإفسادهما (وعن) أحمد في الصلاة ما يدل على أنها تلزم بالشروع. أما من شرع في فرض كقضاء رمضان أو نذر معين أو مطلق أو صيام كفارة فلا يجوز له الخروج ¬

(¬1) انظر ص 202 ج 3 مجمع الزوائد (من يصبح صائماً ثم يفطر). (¬2) انظر ص 168 ج 10 الفتح الرباني (صوم التطوع لا يلزم بالشروع فيه) وص 278 ج 4 بيهقي (والسؤر) ما يقي من طعام الآكل أو شرابه.

(5) آداب الصيام

منه، لأن المتعين وجب عليه الدخول فيه وغير المتعين تعين بدخوله فيه فصار بمنزلة الفض المتعين وهذا مجمع عليه والحمد لله (¬1). (5) آداب الصيام الصوم ثلاث مراتب (الأولى) صوم العوام. ويحصل بالكف عن المفطرات بقطع النظر عن البعد عن المحرمات القولية والفعلية (روي) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رب صائم ليس له من صيامه لا الجوع" (الحديث) أخرجه ابن ماجه والنسائي بسند ضعيف وإن صححه السيوطي (¬2) {164} ... أي ليس لصومه قبل عند الله تعالى ولا ثواب له فيه، لارتكابه المحرم بالفطر على حرام وعدم حفظ جوارحه من الأيام وإن سقط فرض الصوم بكفه عن المفطرات. ... (الثانية) صوم الخواص ويحصل (أ) بصيانة الجوارح السبع- وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل- عن استرسالها في المخالفات (ب) وسكونها عن الحركات الرديئة ومنعها عن انتهاك المحارم المردية واستعمالها في شيء من الآثام المبعدة عن دار السلام. وهذا هو سر الصوم المشار إليه بقول الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (¬3) " ¬

(¬1) انظر ص 90 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 266 ج 1 - ابن ماجه (الغيبة والرفث للصائم). (¬3) سورة البقرة: آية 183.

ولذا قال الشاعر: إذا ما المرء صام عن الخطايا ... فكل شهوره شهر الصيام فعلى الصائم مراعاة هذه الجوارح وكفها عن استرسالها فيما منعت منه فإن قصر في حفظها ربما أداه إلى دخول جهنم من سبعة أبوابها فإنه لا يستحق أحد جهنم إلا بعصيانه بجارحة من هذه الجوارح فمن رعاها في صيامه أمنه الله من انتقامه يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث" (الحديث) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (¬1) {165} وقد تقدم تمام الكلام في هذا في بحث كف الصائم جوارحه عما لا يرضى ربه (¬2). (الثالثة) صوم خواص الخواص. وهو صوم القلب عن الاهتمام بشيء لا يرضى الله وصيانته عن الالتفات إلى الأغيار وإهمال الفكر في الدنيا وأسبابها وزينتها وشهواتها وشغل النفس بذكر الله تعالى وطاعته في جميع الحالات، وليس من الدنيا الاشتغال بتحصيل الكفاف الذي يسد الجوعة ويستر العورة وعلى كل فيستحب للصائم أمور المذكور منها أحد عشر. ... (1) يستحب تعجيل الفطر إذا دخل وقته بتحقق الغروب (لحديث) عاصم ابن عمر بن الخطاب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء الليل من هاهنا وذهب النهار من هاهنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم" أخرجه الدارمي والسبعة إلا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح (¬3) {166} ¬

(¬1) تقدم رقم 59 ص 375 (كف الصائم جوارحه). (¬2) تقدم ص 372. (¬3) انظر ص 5 ج 10 - الفتح الرباني وص 141 ج 4 فتح الباري (متى يحل فطر الصائم) وص 209 ج 7 وص 94 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 37 ج 2 تحفة الأحوذي وص 7 ج 2 دارمي.

المعنى أنه متى تحقق الصائم الغروب فليفطر. فهو خير بمعنى الأمر. أو فقد دخل وقت إفطاره. ولا منافاة بينهما لأن دخول وقت الإفطار لا ينافي الأمر به على وجه الندب أو الإباحة (وعن) سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" أخرجه الشيخان وابن ماجه والدارمي والترمذي وقال: حسن صحيح (¬1) {167} وهو الذي اختاره أهل العلم: استحبوا تعجيل الفطر. وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق والمعنى: لا يزال أمر أمتي منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة وإذا خالفوها كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون" أخرجه أحمد وابن مجه والنسائي وأبو داود وهذا لفظه والحاكم وصححه (¬2) {168} والمعنى: لا يزال الدين الإسلامي ظاهراً ما عجل الناس فطرهم في الصيام امتثالاً للسنة: فهم بخير ما حافظوا عليها. فهذه الأحاديث تدل على طلب تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب (والحكمة) فيه أنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة. قال الشافعي في الأم: تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمد ذلك ورأى الفضل فيه (¬3). ... (2) ويستحب كون الفطر قبل صلاة المغرب، ليطمئن قلبه في الصلاة ¬

(¬1) انظر ص 142 ج 4 فتح الباري (تعجيل الإفطار) وص 207 ج 7 - ابن نووي وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 7 ج 2 دارمي وص 38 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬2) انظر ص 6 ج 10 - الفتح الرباني (تعجيل الفطر) وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 76 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 431 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 360 ج 2 مجموع النووي.

وينقطع عن الشواغل والتطلع للمفطر. وأن يكون على رطبات وتراً. فإن لم يحدث فتمرات وتراً فإن لم يجد حساً حسوات من ماء (لقول) أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قل أني صلي فإن لم تكن حساً حسوات من ماء" أخرجه أبو داود والحاكم والدارقطني وقال: إسناده صحيح والترمذي وقال: حسن غريب (¬1) {169} دل الحديث على استحباب فطر الصائم على واحد مما ذكر مرتباً. فإن بدأ بالماء مع وجود التمر أو بالتمر مع وجود الرطب، فاتته السنة (فما) قيل إن الترتيب لكمال السنة، لا لأصلها غير مسلم (وعن) أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي المغرب حتى يفطروا ولو على شربة من ماء" أخرجه البيهقي والحاكم (¬2) {170} ... في الحديثين استحباب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب "وأما" ما روي حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة. أخرجه مالك في الموطأ (¬3). ... "فهو" لبيان جواز تأخير الفطر عن الصلاة، لئلا يظن وجوب التعجيل (وقال) الزرقاني: كانا يسرعان بصلاة المغرب، لأنه مشروع اتفاقاً وليس ¬

(¬1) انظر ص 79 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما يفطر عليه) وص 432 ج 1 مستدرك. وص 240 - الدارقطني وص 37 ج 2 تحفة الأحوذي. و (رطبات) جمع رطبة- بضم فسكون- وهو تمر النخل إذا نضج قبل أن يكون تمراً. وأقل الجمع ثلاث وهو الأكمل. و (حسوات) - بضم الخاء وفتح السين أو سكونها- جمع حسوة - بضم فسكون- أي شرب ثلاث مرات. (¬2) انظر ص 239 ج 4 بيهقي (ما يفطر عليه) وص 432 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ.

من تأخير الفطر المكروه، لأنه إنما يكره تأخيره إلى اشتباك النجوم على وجه المبادرة لكن روي ابن أبي شيبة وغيره عن أنس قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء (¬1). ... (وعن) سليمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء. فإن الماء طهور. أخرجه أحمد والدارمي والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري والأربعة إلا النسائي وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {171} ... الأمر فيه للندب. والتمر اسم جنس يصدق بالواحدة فيتحقق الطلب يأكل ثمرة. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على ثلاث تمرات وهو الأكمل. (دلت) هذه الأحاديث على استحباب الفطر على رطب أو تمر إن وجد فإن لم يوجد فعلى الماء لا فرق في ذلك بين مكي وغيره (وقول) من قال السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به (مردود) بأنه خلاف الاتباع، وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام بالفتح أياماً كثيرة ولم ينقل عنه أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء. ولو كان لنقل. ... (هذا) والحكمة في طلب الإفطار على التمر ونحوه أنه حلو والحلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم (فمن خواص) التمر أنه إذا وصل المعدة إن كان خالية حصل به الغذاء وإلا ساعد على هضم ما بها من بقايا الطعام (وقول) الأطباء: إنه يضعف البصر (محمول) على كثيره المضر دون ¬

(¬1) انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ. (¬2) انظر ص 7 ج 10 - الفتح الرباني. وص 7 ج 2 دارمي. وص 431، 432 ج 1 مستدرك. وص 78 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما يفطر عليه) وص 36 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 267 ج 1 - ابن ماجه.

قليله فإنه يقويه. وإذا كانت العلة كونه حلواً والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها وهذا من كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوي به لا سيما القوة الباصرة فإنها تقوى به (وأما) الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده (ولهذا) كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب (¬1). (3) كيف يفطر الصائم؟ - إذا لم يكن الطعام حاضراً تناول الصائم شيئاً مما تقدم ثم صلى المغرب وبعده يتناول حاجته من الطعام وإن كان الطعام حاضراً تناول شيئاً مما تقدم ثم أخذ حاجته من الطعام (لحديث) أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم" أخرجه الشيخان (¬2) {172} ... (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {173} (حملت) الظاهرية الأمر على الوجوب. وحمله الجمهور على الندب. ¬

(¬1) انظر ص 16 ج 1 زاد العاد. (¬2) انظر ص 110 ج 2 فتح الباري (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) وص 45 ج 5 نووي (ولا تعجلوا عن عشائكم) دل على أنه يأكل حاجته من الطعام كاملاً وهو الصواب. وأما ما تأوله بعضهم على أيه يأكل لقماً يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح يرده صريح الحديث (انظر ص 46 ج 5 نووي). (¬3) انظر ص 94 ج 4 - الفتح الرباني (كراهة الصلاة بحضرة الطعام) وص 109 ج 2 فتح الباري وص 45 ج 5 نووي.

فتكره الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع. وهذا إذا صلى حينئذ وفي الوقت سعة فإذا ضاق بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة، صلى على حاله محافظة على حرمة لوقت ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها (وقال) بعض الشافعية: لا يصلي بحاله بل يأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته. والصواب الأول (¬1) (ولظاهر) الحديثين قال أحمد وإسحاق: يقدم العشاء على الصلاة وإن لم يكن محتاجا إليه أو خفيفاً ولم يخش فساده لما فيه من شغل القلب وذهاب كمال الخشوع (وقال) الحنفيون والشافعي: إنما يبدأ بالعشاء إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه وإلا ترك الطعام وصلى (وعن) مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاماً خفيفاً (قال) حميد: كنا عند أنس رضي اله عنه فأذن بالمغرب فقال: أبدءوا بالعشاء. وكان عشاؤه خفيفاً. أخرجه الدارقطني (وقد) ظن قوم أن هذا من باب تقديم حظ العبد على حق الحق عز وجل وليس كذلك. وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العبادة بقلب غير مشغول (ولا يعارض) هذا حديث جابر مرفوعاً "لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره" أخرجه أبو داود وفيه (أ) معلي بن منصور كذبه أحمد. (ب) ومحمد بن ميمون منكر الحديث لا يحل الاحتجاج به (¬2) {174} ... لأنه ضعيف كما ترى فلا يعارض الصحيح. وإن سلمنا صحته فمعناه: لا تؤخر الصلاة عن وقتها. وإذا كان الوقت باقياً يبدأ العشاء. ¬

(¬1) انظر ص 46 ج 5 نووي. (¬2) انظر ص 403 ج 3 عون المعبود (إذا حضرت الصلاة والعشاء).

(4) ويستحب للصائم الدعاء عند فطره فإنه مجاب (روي) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد"، وكان عبد الله ابن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (¬1) {175} ... (وقال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال "دهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. والدارقطني وقال: تفرد به الحسين ابن واقد وإسناده حسن (¬2) {176} ذكر المشيئة للتبرك أو للتعليق فإن ثبوت الأجر لغير النبي صلى الله عليه وسلم مفوض لمشيئة الله تعالى فلا يدري قبل الله صومه أم رده؟ (وعن) معاذ ابن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" أخرجه أبو داود والبيهقي وهو مرسل لأن معاذ بن زهرة ليس له صحبة (¬3) {177} (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ¬

(¬1) انظر ص 274 ج 1 - ابن ماجه (الصائم لا ترد دعوته) قال الترمذي في النوادر خصت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بين الأمم في شأن الدعاء. قال تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (سورة الإسراء: آية 60) وإنما كان ذلك للأنبياء، فأعطيت هذه الأمة ما أعطيت الأنبياء فلما دخل التخليط في أمورهم من أجل الشهوات التي استولت على قلوبهم وحجبها شرع الصوم لأنه يمنع النفس عن الشهوات فإذا ترك شهوته ولم يتعلق بها قلبه صفاً وصارت دعوته بقلب فارغ قد زايلته ظلمة الشهوات وتولته الأنوار. فإن كان ما سأل في المقدر به عجل وإن لم يكن كان مدخراً له في الآخرة (انظر ص 274 ج 1 سندي ابن ماجه). (¬2) انظر ص 80 ج 10 - المنهل العذب المورود (القول عند الفطر) وص 339 ج 4 بيهقي. وص 422 ج 1 مستدرك وص 240 الدارقطني. (¬3) انظر ص 81 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 229 ج 4 بيهقي.

أفطر قال: "اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم" أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني وفيه عبد الملك بن هارون وهو ضعيف (¬1) {178} ... (دلت) هذه الأحاديث على طلب دعاء الصائم بما ذكر فيها بعد الفطر شكراً لنعمة زوال المشقة عنه والحصول على الثواب العظيم والله تعال مجيب الدعاء. ... (5) ويسن لمن أفطر عند غيره أن يدعو له بما في حديث مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال. أفطر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند سعد بن معاذ فقال: "أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة" أخرجه ابن ماجه - ومصعب ضعيف (¬2) {179} ... أي جعلكم الله أهلاً لذلك دائماً. فهو دعاء بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عندهم أو بشارة بما حصل لهم من الخير. (6) السحور: هو - بفتح السين- ما يتسحر به من طعام وشراب. وبالضم الأكل في السحر بنية الصوم وهو خاص بهذه الأمة (لحديث) عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وقال الترمذي حسن صحيح (¬3) {180} الفصل بمعنى الفاصل وأكله- بفتح فسكون- أي الفارق بين صيام أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصيام الأمم السابقة هو السحور فإنه من خصائص هذه ¬

(¬1) انظر ص 156 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أفطر). (¬2) انظر ص 273 ج 1 - ابن ماجه (ثواب من فطر صائماً). (¬3) انظر ص 16 و 17 ج 10 الفتح الرباني (فضل السحور) وص 207 ج 7 نووي. وص 65 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 304 ج 1 مجتبي. وص 40 ج 3 تحفة الأحوذي.

الأمة. أما الأمم السابقة فكان يحرم عليهم الطعام والشراب بالنوم كما كان لهذه الأمة في بدء الإسلام (وقد) جاء الأمر بالتسحر في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحور بركة أخرجه الستة إلا أبا داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه أحمد والنسائي من عدة طرق عن أبي هريرة (¬1) {181} ... وفي الحديث الحث على السحور والأمر فيه للندب، فقد أجمع العلماء على استحبابه، وأما البركة التي فيه فلأنه بقوى على الصيام وينشط له وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على التسحر (وقيل) لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار. وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر (¬2). (وعن) جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء" أخرجه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد حديثه حسن وفيه كلام (¬3) {182} والأحاديث في هذا كثيرة وفيما ذكرنا غناء وكفاية. وقت السحور: يمتد وقت السحور إلى طلوع الفجر الصادق، وحينئذ يجب الإمساك عن ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 4 فتح الباري (بركة السحور) وص 206 ج 7 نووي. وص 303 ج 1 مجتبي: وص 40 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 266 ج 1 - ابن ماجه وص 14 ج 10 - الفتح الرباني (فضل السحور). (¬2) انظر ص 206 ج 7 نووي مسلم. (¬3) انظر ص 16 ج 10 - الفتح الرباني وص 150 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء في السحور)

كل مفطر وهو المراد بقوله تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (¬1) " والفجر فجران: ... (1) الفجر الكاذب وهو الذي يبدو أولاً ساطعاً مستطيلاً من أعلى إلى أسفل. ... (2) الفجر الصادق وهو الذي يبدو منتشراً في الأفق بعد الأول بزمن يسع السحور. وقد بينت السنة علامة كل منهما. (روي) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة والدارقطني وقال: إسناده صحيح وحسنه الترمذي (¬2) {183} ... المعنى لا يمنعكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بلبل ولا يمنعكم البياض الذي يظهر في السماء شرقاً مستطيلاً كذنب الذئب فإنه هو الفجر الكاذب. وكلوا واشربوا حتى يظهر الفجر الصادق وهو المنتشر ضوءه في الأفق معترضاً في جانب السماء من جهة الشرق. (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل لينبه نائمكم ويرجع قائمكم وليس الفجر أن يقول هكذا وأشار بكفه ولكن الفجر أن يقول هكذا وأشار بالسبابتين" أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬3) {184} ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 187. (¬2) انظر ص 24 ج 10 الفتح الرباني (وقت السحور) وص 205 ج 7 نووي (الدخول في الصوم بطلوع الفجر) وص 67 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 305 ج 1 مجتبي. وص 39 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 23 الدارقطني. (¬3) انظر ص 35 ج 3 الفتح الرباني (الأذان أول الوقت) وص 71 ج 2 فتح الباري (الأذان قبل الفجر) وص 203 ج 8 نووي (الدخول في الصوم بطلوع الفجر) وص 68 ج 10 - المنهل العذب المورود (وقت السحور) وص 305 ج 1 مجتبي (كيف الفجر) وص 266 ج 1 - ابن ماجه. (ويرجع) كيضرب يستعمل لازماً ومتعدياً. يقال رجع محمد ورجعته وهو هنا متعد. (قائمكم) بالنصب مفعول يرجع أي يرد قائمكم إلى حاجته قبل الفجر.

والغرض الإشارة إلى أن الفجر الكاذب الذي يخرج مستطيلاً. وأما الفجر الصادق فلا يتحقق حتى يظهر النور منتشراً في الأفق (وقد دل) ما ذكر أنه يباح الأكل والشرب ونحوهما ليلة الصيام إلى ظهور الفجر الصادق. وهو قول الجمهور والأئمة الأربعة. وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأنصار. ... (7) ويسن تأخير السحور: إلى قبيل ظهور الفجر (لحديث) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور" أخرجه أحمد. وفيه سليمان بن أبي عثمان مجهول (¬1) {185} (وعن) أنس بن زيد بن ثابت رضي الله عنهم قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية" أخرجه السبعة إلا أبا داود. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {186} ... وبه يقول كافة العلماء: استحبوا تأخير السحور فينبغي العمل على هذا. وأما ما يفعله الناس اليوم من تعجيل السحور فهو خلاف السنة (قال) ابن أبي جمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله، لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم. ولو تسحر في جوف ¬

(¬1) انظر ص 12 ج 10 - الفتح الرباني. وص 154 ج 3 مجمع الزوائد (تعجيل الفطر وتأخير السحور). (¬2) انظر ص 28 ج 10 - الفتح الرباني. وص 98 ج 4 فتح الباري (قدركم بين السحور وصلاة الفجر) وص 207 ج 7 نووي. وص 304 ج 1 مجتبي. وص 266 ج 1 ابن ماجه. وص 38 ج 2 تحفة الأحوذي (قلت كم كان) أي قال أنس لزيد: كم كان بين السحور والصلاة؟ قال: قدر قراءة خمسين آية أي متوسطة قدر سورة المرسلات.

الليل لشق أيضاً على بعضهم ممن يغلب عليه النوم وقد يفضي إلى ترك صلاة الصبح في وقتها أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر (¬1) (والحكمة) في طلب تأخير السحور أن النهار يقبل وفي المعدة من الغذاء ما يتقوى به على الطاعة فلا يجهده الصوم ولا يقعده عن الطاعة. (فائدة) الشك في طلوع الفجر لا يمنع الأكل وغيره لقوله تعالى "وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". (قال) رجل لابن عباس متى أدع السحور؟ فقال رجل: إذا شككت. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما شككت حتى يتبين لك. أخرجه البيهقي (¬2) بسند صحيح (وقال) وروي في هذا عن أبي بكر الصديق وعمر وابن عمر رضي الله عنهم. قال النووي وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر وأما قول الغزالي والمتولي: لا يجوز للشاك في طلوع الفجر أن يتسحر فلعلهما أرادا أنه ليس مباحاً مستوى الطرفين بل الأولى تركه فإن أرادا به تحريم الأكل على الشاك في طلوع الفجر فهو غلط مخالف القرآن ولابن عباس ولجماهير العلماء ولا نعرف أحداً قال بتحريمه إلا مالكاً فإنه حرمه وأوجب القضاء على من أكل شاكاً في الفجر (¬3). ... (8) ويطلب من العاقل: - ولا سيما الصائم- ترك الإفراط في تناول الطعام. فليحترز الصائم من الشبع في الإفطار والسحور (روي) المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" أخرجه الترمذي (¬4) {187} ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 4 فتح الباري (الشرح). (¬2) انظر ص 221 ج 4 بيهقي. (¬3) انظر ص 306 ج 6 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 350 ج 2 تيسير الوصول (ذم كثرة الأكل).

والصائم إذا شبع عند فطره فقد ارتكب ما يقتضي النقص من أجره. والشبع يورث القسوة ويوفر الجفوة ويثير النوم ويجلب الكسل عن الطاعة (روي) عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول للحواريين: لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فتقسوا قلوبكم (¬1). (9) ويستحب للصائم: السواك أول النهار وآخره- عند الحنفيين ومالك والثوري ومحققي الشافعية- لما تقدم عن عامر بن ربيعة (¬2) والحديث وإن كان ضعيفاً - له شواهد تعضده (منها) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من خير خصال الصائم السواك" أخرجه ابن ماجه والبيهقي والدارقطني. وفيه مجالد ضعفه قوم ووثقه آخرون (¬3) {188} (وقال) الترمذي: ولم ير الشافعي بالسواك بأساً أول النهار وآخره (¬4) (وقال) أحمد وإسحق: يكره السواك للصائم بعد الزوال وهو المشهور عند الشافعية مستدلين بحديث الخلوف (¬5) وتقدم انه لا يدل على الكراهة ولذا نقل عن الشافعي وجماعة من أصحابه عدم كراهة السواك للصائم بعد الزوال. قال النووي: وهذا النقل غريب وإن كان قوياً من حيث الدليل. وبه قال المزني وأكثر العلماء وهو المختار (¬6) ¬

(¬1) انظر ص 91 مدارك المرام. (¬2) تقدم رقم 102 ص 173 ج 1 - الدين الخالص (السواك للصائم) الطبعة الثانية. (¬3) انظر ص 265 ج 1 - ابن ماجه (السواك للصائم) وص 272 ج 4 بيهقي (السواك الصائم) وص 248 الدارقطني. (¬4) انظر ص 47 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬5) تقدم رقم 103 ص 173 ج 1 - الدين الخالص الطبعة الثانية. (¬6) انظر ص 276 ج 1 مجموع النووي (استياك الصائم بعد الزوال).

(قال) عبد الرحمن بن غنم: سألت معاذ بن جبل أاتسوك وأنا صائم؟ فقال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت إن شئت غدوة وإن شئت عشية. قلت فإن الناس يكرهونه عشية قال: ولم؟ قلت: يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" قال: سبحان الله لقد أمرك بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك. وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً. ما كان في ذلك من الخير شيء. بل هو شر" (لحديث) أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وقد وثقه ابن معين في رواية (¬1) {186} هذا في استياك الصائم بسواك يابس وفي استياكه بالعود الرطب خلاف آخر. (قال) مالك وإسحق والشعبي: يكره. وروي عن أحمد خشية أن يتحلل منه في الفم شيء، ولما فيه من طعم (ورد) بأن ما يتحلل منه كماء المضمضة فإذا طرحه لا يضره وكذا ما فيه من طعم ولذا قال الحنفيون والثوري والأوزاعي والشافعي. لا بأس بالاستياك بالرطب كاليابس. وروي عن أحمد (قال ابن سيربن) لا بأس بالسواك الرطب قيل: له طعم. قال: والماء له طعم وأنت تتمضمض به. ذكره البخاري (¬2) وقال زياد بن حدير: ما رأيت أحداً كان أدوم لسوك رطب- وهو صائم- من عمر بن الخطاب (¬3). ¬

(¬1) (انظر ص 165 ج 3 مجمع الزوائد 0 السواك للصائم) و (الخلوف) - بضم الخاء وتفتح- تغير رائحة الفم من خلو المعدة. (¬2) انظر ص 110 ج 4 فتح الباري (اغتسال الصائم). (¬3) انظر ص 46 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(6) ما يباح للصائم

(10) ويستحب للصائم: الإكثار من العبادة والصدقة والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين لما تقدم في بحث الطاعة في رمضان (¬1). ... (11) وتسن صلاة التراويح وتقدم بيانها وافياً (¬2). (6) ما يباح للصائم ... يباح له أمور المذكور منها هنا ثمانية: ... (1) الكحل: بفتح فسكون - أي الاكتحال. وقد اختلف العلماء في اكتحال الصائم (فقال) الحنفيون والشافعي: يباح له الاكتحال ولا يفطر بذلك وإن وجد طعمه في حلقه ومثله ما يقطر في العين لأنها ليست بجوف ولا منفذ منها إلى الحلق (لقول) عائشة رضي الله عنها: "اكتحل النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم" أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفيه بقية وسعيد الزبيدي ضعيفان (¬3) {190} (وعن) انس بن مالك انه كان يكتحل وهو صائم. أخرجه أبو داود بسند لا بأس به (¬4). ومثل هذا لا يفعله أنس من قبل نفسه ففعله حجة (وقد) ورد في إباحة الكحل للصائم أحاديث وآثار تصلح بمجموعها للاحتجاج على جواره. (وقال) احمد: يكره الاكتحال للصائم وإن وجد طعمه في حلقه أفطر (وقال) مالك: يحرم إن تحقق وصوله إلى الحلق وعليه القضاء وإن شك كره (لحديث) معبد بن هوذة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتحل بالنهار ¬

(¬1) انظر ص 365. (¬2) انظر ص 243 ج 5 الدين الخالص. (¬3) انظر ص 265 ج 1 - ابن ماجه (الكحل للصائم) وص 262 ج 4 بيهقي. (¬4) انظر ص 105 ج 1 - المنهل العذب المورود (الكحل عند النوم للصائم).

وأنت صائم واكتحل ليلاً بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر" أخرجه البيهقي والدارمي. وفيه عبد الرحمن بن النعمان عن أبيه وهما ضعيفان (وقال) يحيي ابن معين: هو منكر (¬1) {191} (وقال) ابن عباس: الفطر مما دخل وليس مما خرج. ذكره البخاري معلقاً ووصله البيهقي وابن أبي شيبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم قال: الفطر مما يدخل وليس مما يخرج (¬2) والكحل إذا وجد طعمه في الحلق فقد دخل. (وحاصل) مذهب مالك أن كل ما وصل الحلق من هذه المنافذ- وهي العين والأذن والأنف ومسام الشعر- مفطر إلا إذا فعل ليلاً وهبط للحلق نهاراً فلا يضر. واعلم أن الكحل ونحوه إن علم عدم وصوله للحلق جاز نهاراً وإن علم وصوله حرم وإن شك في ذلك كره وقيل يجوز الكحل نهاراً ولو اعتاد وصوله للحلق وهو قول أشهب (¬3) (وقال) ما كان الناس يشددون في هذه الأشياء هكذا (وقال) ابن حبيب: يقضي بما وصل الفرض دون النفل فتحصل أن الذي لا يصل جائز اتفاقاً ولا يوجب قضاء مطلقاً اتفاقاً والواصل فيه أقوال ثلاثة وعلى هذا يجري الجواب فيما يقطر في الأذن. فيجوز إذا كان لا يصل ويختلف فيه إذا كان يصل. وقال التتائي بالقضاء ولو لم يصل (¬4) (وقال) ابن قدامة: فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطره وإلا لم يفطره. وكذا الذرور والصبر والفطور وإن اكتحل باليسير ¬

(¬1) انظر ص 262 ج 4 بيهقي (الصائم يكتحل) وص 15 ج 2 دارمي (والإثمد) بكسر فسكون حجر كحله أ- ود (ومنكر) لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد اكتحل وهو صائم. (¬2) انظر ص 125 ج 4 فتح الباري (الحجامة والقيء للصائم) وص 261 ج 4 بيهقي (الإفطار بالطعام وغيره). (¬3) انظر ص 637 ج 1 - الفجر المنير. (¬4) انظر ص 27 ج 2 حكمة البصير للشيخ الإمام.

من الإثمد غير المطيب كالميل ونحوه لم يفطر. وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم (¬1) والظاهر بل المعتبر مذهب من قال بإباحة الكحل ونحوه مما يقطر في العين وأنه لا يفطر لما تقدم من الأدلة وهي وإن كان في بعضها مقال لكنها لكثرتها يقوي بعضها بعضاً، ولأن الأصل في كل شيء الجواز ولا ينتقل عنه إلا بدليل وليس في الباب ما يصلح للنقل لاسيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالترغيب في الكحل بدون خطر على الصائم كما جاءت في السواك والعين ليست بمنفذ فلا يبطل الصوم بما يصل إليها. (2) الدهن: - بفتح فسكون- أي الإدهان: ويباح للصائم دهن الشعر بزيت ونحوه عند الجمهور ولا يفطر وإن وجد أثره في الحلق- إن كان لغير الزينة أما الاكتحال أو الادهان لفصد الزينة، فمكروه (وقالت) المالكية الادهان كالاكتحال، لأن ما يصل الحلق مفسد وإن كان دهناً وصل إليه من مسام شعر الرأس كحناء وضعه في رأسه فوجد طعمه في حلقه، أو كان كحلاً وصل إليه من عينيه. وإذا وضع دواء أو دهناً في أنفه أو أذنه ليلاً فهبط لحلقه نهاراً، فلا يضر (¬2). (3) الحقنة: في غير الدبر وقيل المرأة- يباح للصائم حقن الدواء ونحوه في العروق ولا يفطر به كالكحل، لأنه يصل إلى الجوف بواسطة المسام لا من منفذ مفتوح. وكذا الحقنة في إحليل الذكر لا يفطر بها الصائم عند النعمان ومالك ومحمد بن الحسن وأحمد ¬

(¬1) انظر ص 38 ج 3 مغنى ابن قدامة (والذرور) كرسول ما يذر في العين من الكحل وغيره و (الصبر) - بكسر الباء وتسكينها لغة قليلة- الدواء المر .. (¬2) انظر ص 637 ج 1 - الفجر المنير.

(وقال) أبو يوسف والشافعي: يفطر بها إن وصلت المثانة والخلاف مبني على أنه هل بين المثانة الجوف منفذ؟ عند الأولين لا، وعند أبي يوسف والشافعي نعم. وهذا أمر طبي يرجع فيه إلى أهل الذكر والخلاف فيما وصل إلى المثانة. أما ما دام الدواء في القضية فلا يفطر اتفاقاً كما أن الحقنة في الدبر وقبل المرأة تفسد الصوم اتفاقاً (¬1). ¬

(¬1) وقد سئل الأستاذ الجليل الشيخ محمد بخيت مفتي مصر سابقاً رحمه الله بما صورته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (أما بعد) فإننا نرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة عن حكم الحقنة تحت الجلد أو في العضلات أو في سائر الجسم وسواء أكانت للتداوي أو التغذية أو للتحذير (كالمورفين) المخدر وغيره. بحيث تكون الفتوى شاملة الحكم على المذاهب الأربعة: أدامكم الله ذخراً للعلم. (فأجاب) بقوله: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده (أما بعد) فقد اطلعنا على هذا السؤال وتفيد: أنه لو ادهن أو اكتحل، لا يفطر ولو وجد طعم الدهن أو الكحل. وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح، لأن الموجود في حلقه أثر داخل من المسام التي هي خلل البدن. والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ للاتفاق على أن من اغتسل في ماء فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر. وإنما كره الإمام الدخول في الماء والتلقف بالثوب المبلول، لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة. وبالجملة فالشرط في الفطر أن يصل إلى الجوف وأن يستقر فيه والراد بذلك أن يدخل إلى الجوف ولا يكون طرفه خارج الجوف ولا متصلاً بشيء خارج الجوف. وأن يكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة لا من المسام ونحوها من المنافذ التي لم تجر العادة بأن يصل شيء منها إلى الجوف ومن ذلك يعلم "أن الاحتقان" تحت الجلد سواه كان ذلك في العضدين أو الفخذين أو رأس الأليتين أو في أي موضع من ظاهر البدن. وسواء كان الحقن للتداوي أو للتغذية أو للتخدير "غير مفسد" للصوم لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً. وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفاً ولا في حكم الجوف. نعم إن كان لغرض التخدير كان غير جائز مع عدم الإفطار. وذلك لما رواه مسلم عن أم سلمة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. ذكره السيوطي في الجامع معزواً لأحمد وأبي داود رقم 9507 ص 338 ج 6 فيض القدير) هذا كله إذا لم يحصل في عقب الحقن. أما إذا حصل للمحتقن قيء عقب الحقن فإن حصل تقايؤه بسبب الحقنة وكان ما قاءه طعاماً أو ماء أو مرة وقد =

(4) تبرد الصائم: يباح له أن يدفع عن نفسه الحر أو العطش بصب الماء على رأسه أو بدنه كله أو بالمضمضة والاستنشاق بلا مبالغة فيهما عند الجمهور ومنهم أبو يوسف (لقول) رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسكب على رأسه الماء بالسقيا إما من الحر وإما من العطش وهو ¬

= ملأ الفم فسد صومه. وإن لم يملأ الفم أو كان ما قاءه بلغما فلا يفسد صومه. ومن ذلك يعلم أن ما يصل إلى الجوف لا يفسد الصوم إلا إذا وصل إليه من منفذ منفتح عرفاً. وهذا مذهب الحنفية وهو مذهب الشافعية إلا فيما لو وجد عين الكحل في حلقه كأن ظهرت في نحو نخامة فإنه إن ابتلعها فسد صومه وإلا فلا (قال) ابن قاسم العبادي في حاشية التحفة (قوله مفتوح) أي عرفاً أو فتحاً يدرك اهـ فأخرج بقوله: عرفاً أو فتحاً يدرك العين فإنها لا تسمى منفذاً منفتحاً في العرف وليس انفتاحها مدركاً كما أنه أخرج بهما مسام الجلد فإن انفتاحهما لا يدرك إلا بالاستعانة اهـ (وقال) الشرقاوي على التحرير قوله وإن وجد طعم الكحل خرج به ما لو وجد عينه كان ظهرت في نحو نخامة فإن ابتلعها ضر وإلا فلا (وأما المالكية) فقالوا لا يفسد الصوم إلا وصول شيء مائع إلى الحلق أو وصول شيء إلى المعدة سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل بشرط أن يكون من طريق متسع كالدبر وفرج المرأة وأما الحقنة في الإحليل (الذكر) فلا تفسد الصوم (وأما) الحنابلة فقالوا كما في شرح المنتهي هامش شرح في الإقناع ص 570 ج 1 مانصه: لو أفطر في إحليله أو غيب فيه شيئاً فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه اهـ ومن هذا يعلم أن الحقنة تحت الجلد لا تفسد الصوم باتفاق المذاهب الأربعة سواء كانت للتداوي أو للتغذية أو للتخدير وفي أي موضع من ظاهر البدن لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً وعلى فرض الوصول، فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفاً ولا في حكم الجوف. وليست تلك المسام منفذاً منفتحاً لا عرفاً ولا عادة، ومثل الحقنة تحت الجلد فيما ذكر الحقنة في العروق التي ليست في الشرايين والحقنة التي تكون في الشرايين وكلاهما أيضاً لا يصل منه شيء إلى الجوف لكن الفرق أن الحقنة التي في الشرايين تكون في الدورة الدموية ولذلك لا يعطيها إلا الطبيب. فالحق أن الحقنة بجميع أنواعها المتقدمة لا تفخر. (مجلة الإرشاد غرة رمضان سنة 1351 - العدد الثاني من السنة الأولى. صفحة 42 وما بعدها).

صائم. ثم لم يزل صائماً حتى أتى كديداً ثم دعا بماء فأفطر وأفطر الناس وهو عام الفتح" أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وصححه ابن عبد البر (¬1) {192} (وقال) النعمان: يكره للصائم تنزيهاً التبرد لما فيه من إظهار الضجر من العبادة وحمل فعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز رحمة بضعفاء الأمة (ورد) بأن هذا تعليل في مقابلة النص فلا يعول عليه. (5) ويباح للصائم مضغ طعام لابد منه لطفل بأن لم يوجد من يمضغه له غير صائم ولم يوجد ما يأكله الطفل بلا مضغ للضرورة. (6) الحجامة: هي أخذ الدم من الرأس؛ والقصد أخذه من أي عضو في الجسد يباح للصائم الاحتجام والفصد إذا لم يضعفه عن الصوم (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم" أخرجه أحمد والبخاري وهذا لفظه والبيهقي وقال الترمذي صحيح (¬2) {193} (وعن) ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة ¬

(¬1) انظر ص 46 ج 10 - الفتح الرباني وص 92 ج 10 - المنهل العذب المورود (السواك للصائم) وص 263 ج 4 بيهقي (الصائم يصب على رأسه الماء) و (السقيا) موضع بين مكة والمدينة على ميلين منها و (كديد) بفتح فكسر- ماء على مرحلتين من مكة (وهو عام الفتح) أي وهم مسافرون لفتح مكة. (¬2) انظر ص 37 ج 10 - الفتح الرباني. وص 127 ج 4 فتح الباري (الحجامة والقي للصائم) وص 263 ج 4 بيهقي. وص 64 ج 2 تحفة الأحوذي.

للصائم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف" أخرجه البخاري والبيهقي (¬1) {194} (وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للصائم والحجامة" أخرجه النسائي والدارقطني بسند صحيح كلهم ثقات (¬2) {195} (ولهذه) الأحاديث الصحيحة ونحوها قال الحنفيون ومالك والشافعي فيما نقله عنه الترمذي: لا بأس بالحجامة للصائم إذا لم تضعفه عن الصوم ولا تبطله وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين. إما إن أضعفته الحجامة عن الصوم يقيناً تحرم ولا تبطل الصوم وتكره إن ظن حصول ضعف بها وكرهت حجامة مريض إن شك في السلامة والعطب بخلاف الصحيح فلا تكره له عند الشك. وإن خشي بتأخيرها هلاكاً وجبت وإن أدت إلى الفطر ولا كفارة. والفصادة كالحجامة في هذا التفصيل (¬3) (وقال) احمد وإسحاق والأوزاعي وجماعة: الحجامة تحرم على الصائم وتفطره حجاماً ومحجوماً (لحديث) ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم" أخرجه أحمد وهذا لفظه. والأربعة والحاكم والدارمي والبيهقي من عدة طرق بألفاظ متقاربة. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين (¬4) {196} ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 4 فتح الباري. وص 263 ج 4 بيهقي. (¬2) انظر ص 239 - الدارقطني. (¬3) انظر ص 631 ج 1 - الفجر المنير. (¬4) انظر ص 35 ج 10 - الفتح الرباني (الحجامة للصائم) وص 94 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 64 ج 2 - تحفة الأحوذي. وص 265 ج 1 - ابن ماجه. وص 427 ج 1 مستدرك وص 14 ج 2 دارمي. وص 265 ج 4 بيهقي.

أي تعرض كل منهما للإفطار. أما المحجوم فلخشية الضعف. وأما الحاجم فلأنه لا يأمن أن يصل إلى جوفه شيء من الدم عند مص المحجم وليس المراد أنهما أفطرا حقيقة فهو نظير قولهم هلك فلان إذا تعرض للهلاك وإن كان سالماً. فالحديث لا تثبت به دعوى الحرمة والإفطار (وعن) رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افطر الحاجم والمحجوم" أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. والترمذي وقال حسن صحيح (¬1) {197} (وأجاب) الجمهور عن هذا الحديث بأنه منسوخ (وقال) ابن حزم: صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وإسناده صحيح (¬2) فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً (¬3). (ومنه) تعلم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور من أن الحجامة غير محرمة على الصائم ولا موجبة لإفطار الحاجم ولا المحجوم (وجملة) القول أنها مكروهة في حق من يضعف بها وتشتد الكراهة إذا كان الضعف يؤدي إلى الإفطار. ولا تكره في حق من لا يضعف بها. وعلى كل فتجنبها للصائم أولى (هذا) وقد أباح احمد للصائم الفصد والتشريط بالموسى بدل الحجامة للتداوي. (7) ويباح للصائم أن يصبح جنباً (لحديث) عائشة وأم سلمة "أن النبي ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 10 - الفتح الرباني. وص 428 ج 1 مستدرك. وص 64 ج 24 تحفة الأحوذي (كراهية الحجامة للصائم). (¬2) تقدم رقم 195 ص 460. (¬3) انظر ص 204 ج 6 - المحلي (المسألة 752).

صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم" أخرجه احمد والشيخان والدارمي وأبو داود والنسائي (¬1) {198} (وعن) عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم" فقال الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع" أخرجه مالك وأحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وهذا لفظه وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي (¬2) {199} أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشد الناس خشية لله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم العباد بربه. وخشيته صلى الله عليه وسلم خشية مهابة وإجلال لا خشية توقع مكروه لأنه معصوم مأمون العاقبة صلى الله عليه وسلم. (دل) الحديثان على أنه يجوز للصائم أن يصبح جنباً ولا قضاءً عليه سواء كانت الجنابة من جماع أو غيره. وسواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً ولو كان تأخير الغسل إلى ما بعد الفجر عمداً (وبهذا) قال الجمهور والأئمة الأربعة. وشذ من زعم أن من أخر الغسل عن الفجر عامداً لا يصح صومه. ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 10 - الفتح الرباني. وص 101 ج 4 فتح الباري (الصائم يصبح جنباً) وص 223 ج 7 نووي وص 13 ج 2 دارمي. وص 116 ج 10 المنهل العذب المورود. (¬2) انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ. وص 71 ج 10 الفتح الرباني (من أصبح جنباً وهو صائم) وص 223 ج 7 نووي. وص 119 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 213 ج 4 بيهقي.

(8) يباح للصائم بلع ريقه أولاً فأولاً، لأن في اتقائه حرجاً ومشقة ولا يمكن الاحتراز عنه "وما جعل عليكم في الدين من حرج" أما إذا جمع ريقه في فمه ثم ابتلعه فإنه يكره لما فيه من الشبهة ولا يفطر به إجماعاً. أما إذا ابتلع ريق غيره فعليه القضاء إجماعاً (¬1). وكذا عند الحنفيين إذا ابتلع ريق حبيبه لأنه مرغوب فيه طبعاً يلتذ به. ولا كفارة عند الشافعية والحنبلية (وإن جمع) شخص ريقه ثم ابتلعه قصداً لم يفطره، لأنه يصل إلى جوفه من معدته فأشبه ما إذا لم يجمعه (وعن) احمد أنه يفطره لأنه أمكنه التحرز منه فأشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق، والأول أصح فإن الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وإن قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين أصابعه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أنظر، لأنه ابتلعه من غير فمه فأشبه ما لو بلع ريق غيره (ولو) ترك في فمه حصاة أو درهماً فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظر (فإن) كان ما عليه من الريق كثيراً فابتلعه أفطر. وإن كان يسيراً لم يفطر بابتلاع ريقه، لأنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه فلا يفطره كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب المبلول (ولو) أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع لم يفطر، وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان إحداهما يفطر لأن النخامة تنزل من الرأس والريق من الفم (ولو) تنخم من جوفه ثم اذدرده أفطر لأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم ولأنها من ¬

(¬1) (فعليه القضاء ... ) لا يقال: روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها. أخرجه أبو داود (انظر ص 123 و 114 ج 10 - المنهل العذب المورود- الصائم يبلع الريق) لأنا نقول: قال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود انه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح. وعلى فرض صحته يحتمل أن يكون المعنى يقبل في الصوم وبمص لسانها في غيره، ويحتمل أن يمصه ثم لا يتبلعه.

(7) ما يكره للصائم

غير الفم فأشبه القيء والرواية الثانية لا يفطر لأنه معتاد في الفم غير واصل من خارج فأشبه الريق (فإن) سال فمه دماً أو خرج إليه قلس أو قيء فابتلعه أفطر وإن كان يسيراً لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكنه عفى عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فما هداه يبقى على الأصل وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجساً أو تنجس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء وإلا فلا (¬1). (7) ما يكره للصائم: هو أمور المذكور هنا خمسة عشر: (1) يكره له تحريماً ذوق شيء مفطر من غذاء أو دواء بلا عذر لما فيه من تعريض الصوم للفساد ولو كان نفلاً لغير عذر. ولا بأس به مع العذر كسوء خلق الزوج فحينئذ لا يكره لامرأته ذوق المرق بلسانها (وعليه) يحمل قول ابن عباس: لا بأس أن يتطاعم الصائم للشيء يعني المرقة ونحوها. أخرجه البيهقي (¬2). ومثل المرأة في ذلك الطاهي (الطباخ) وكذا يجوز لمن أراد شراء مأكول أو مشروب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه. وإذا ذاقه وجب عليه أن يمجه لئلا يصل إلى حلقه منه شيء. ومن أصبح بين أسنانه طعام فإن كان يسيراً لا يمكنه لفظه فابتلعه لا يفطر به لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وهذا مجمع عليه (وإن كان) كثيراً يمكن لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن ¬

(¬1) انظر ص 40 - 43 ج 3 - مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 261 ج 4 بيهقي.

ابتلعه عامداً فسد صومه عند الجمهور (وقال) الحنفيون: لا يفطر إن كان ما بين الأسنان دون الحمصة لأنه لابد أن يبقى بين أسنانه شيء مما يأكله فلا يمكن التحرز منه فأشبه ما يجري به الريق (وللجمهور) أنه بلع طعاماً يمكنه لفظه باختياره ذاكراً لصومه فأفطر به كما لو ابتدأ الأكل. ويخالف ما يجري به الريق فإنه لا يمكن لفظه (¬1). (2) ويكره للصائم مضغ العلك بكسر فسكون (اللبان) إن لم يتحلل منه شيء لما في ذلك من الاتهام لأن من رآه يظن فطره (ولقول) أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمضغ العلك الصائم" أخرجه البيهقي (¬2) (وقال) علي رضي الله عنه: إباك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره. وفي غير الصوم يستحب مضغ العلك للنساء ويكره للرجال على المختار إلا في خلوة لعذر كتسهيل ربح وتقليل بخر بفمه لحاجة. (3) ويكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق احتياطاً للعبادة فإنه يخشى وصول شيء من الماء إلى الحلق (لحديث) لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائماً" أخرجه أحمد والأربعة وقال الترمذي حسن صحيح. وقد كره أهل العلم السعوط للصائم ورأوا أن ذلك يفطر وفي الحديث ما يقوي قولهم (¬3). {200} ¬

(¬1) انظر ص 46 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 269 ج 4 بيهقي (وقال) الكمال ابن الهمام وعنه عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم (انظر ص 75 ج 2 فتح القدير). (¬3) انظر ص 35 ج 2 الفتح الرباني. وص 84 ج 2 - المنهل العذب المورود. وص 26 ج 1 مجتبي و 67 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم) وص 82 ج 1 - ابن ماجه و (السعوط) بضم السين الدواء يوضع في الأنف. وبفتحها مصدر لغة.

فلو بالغ في المضمضة أو الاستنشاق أو لم يبالغ ووصل إلى جوفه شيء من الماء خطأ (قال) الحنفيون ومالك والمزني: يفسد صومه وعليه القضاء وهو قول للشافعي وأحمد فيما إذا بالغ (وقال) أحمد والشافعي: لا يفسد صومه كالناسي إذا لم يبالغ قولاً واحداً عند أحمد ورواية عن الشافعي (وقال) الخطابي: فيه من الفقه أن وصول الماء إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان يفعله. وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه يفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو في غيره من حشو جوفه (¬1). (فأما) المضمضة لغير الطهارة فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه فحكمه حكم المضمضة للطهارة. وإن كان عابثاً أو تمضمض من أجل العطش كره. وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه قال: يرش على صدره أحب إلى. فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه أو ترك الماء في فيه عابثاً أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث لأنه مكروه. وإن دخل الماء في مسامعه من الغسل المشروع من غير إسراف ولا قصد فلا شيء عليه كما لو دخل إلى حلقه من المضمضة في الوضوء وإن غاص في الماء أو أسرف أو كان عابثاً فحكمه حكم الداخل إلى الحلق من المبالغة في المضمضة والاستنشاق والزائد على الثلاث (¬2). (4 و 5) ويكره - عند الحنفيين - للصائم القبلة الفاحشة وهي مص شفتيها وكذا المباشرة الفاحشة وهي أن يتعانقا متجردين متماسى الفرجين فتكره مطلقاً وإن أمن الإنزال والجماع لأن شأنه تعريض الصوم للفساد. وكذا يكره غير الفاحش منهما إن لم يأمن ما ذكر ولا يكرهان إن أمن ذلك (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ¬

(¬1) انظر ص 108 ج 2 معالم السنن. (¬2) انظر ص 44 و 45 ج 3 مغنى ابن قدامة.

المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب" أخرجه أبو داود والبيهقي بسند جيد (¬1) {201} والمراد من المباشرة ما عدا الجماع فتشمل القبلة والمس باليد واتصال الجسم بالجسم (وقال) ابن عمرو رضي الله عنهما: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم؟ قال: لا. فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم؟ قال: نعم فنظر بعضنا إلى بعض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض. إن الشيخ يملك نفسه" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام (¬2) {202} (بين) النبي صلى الله عليه وسلم أن القبلة والمباشرة لا يكرهان لذاتهما بل إذا أفضتا إلى الإنزال (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه" أخرجه السبعة إلا النسائي (¬3) {203} (دلت) هذه الأحاديث على أنه يجوز للصائم الذي يملك نفسه ويأمن الفتنة أن يقبل ولا يفسد صومه. وأما من لا يأمن الفتنة فيكره له التقبيل ¬

(¬1) انظر ص 115 ج 10 - المنهل العذب المورود (كراهيته للشاب) وص 231 ج 4 بيهقي. (¬2) انظر ص 51 ج 10 - الفتح الرباني (القبلة للصائم) وص 166 ج 3 مجمع الزوائد. (¬3) انظر ص 54 ج 10 - الفتح الرباني وص 106 ج 4 فتح الباري (المباشرة للصائم) وص 217 ج 7 نووي وص 265 ج 1 - ابن ماجه وص 48 ج 2 تحفة الأحوذي وص 109 ج 10 - المنهل العذب المورود (والأرب) بفتحات الحاجة والشهوة ويروي بكسر فسكون ويطلق على الذكر خاصة أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أقدر على وطره وشهوته يأمن مع المباشرة الإصابة في الفرج.

والمباشرة (وبهذا) قال الحنفيون وقال الشافعي: يكره ما ذكر إن لم يحرك الشهوة وإلا حرم. ومشهور مذهب مالك كراهة التقبيل ونحوه مطلقاً إذا علمت السلامة وإن لم تعلم فهو حرام. وروي ابن مذهب عن مالك الإباحة في النفل دون الفرض (قال) عبد الحافظ: وكره مقدمة جماع كقبلة وفكر ونظر إن أمن على نفسه من خروج مني أو مذي وإن لم يأمن ذلك بأن تحقق خروج أحدهما أو ظنه أو شك فيه حرم عليه كل من المقدمة والفكر، لا إن توهم عدم السلامة فلا حرمة وكفر مع القضاء إن أمني حال الحرمة لا حال الكراهة فلا يكفر وإنما يقضي فقط كما إذا أمذي مطلقاً حال حرمة أو كراهة (¬1) (وحاصل) مذهب أحمد أن المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة- بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل- لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة خفيفة- بحيث لا يغلب على ظنه ذلك- كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد وإن كان شيخاً هرماً لا تحرك القبلة شهوته ففي رواية لا تكره له لما تقدم مما يدل على إباحتها للشيخ وفي رواية يكره له القبلة لأنه لا يأمن من حدوث الشهوة، ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء فاستوى في القبلة فيه من تحرك شهوته وغيره. وأما اللمس بغير شهوة فليس بمكروه بحال (¬2). (هذا) وللمقبل والمباشر ثلاث أحوال: (أ) ألا ينزل فلا يفسد صومه اتفاقاً لحديث عائشة (¬3) (وحديث) جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "هششت فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً فقبلت وأنا صائم ¬

(¬1) انظر ص 630 ج 1 الفجر المنير. (¬2) انظر ص 48 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) هو ما تقدم رقم 203.

قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به فقال: فمه" أخرجه أحمد وأبو داود والطحاوي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬1) {204} (فمه) يعني فما الفرق بين المضمضة والقبلة فإن كلا لا يفطر الصائم. (ب) أن يمني فيفطر اتفاقاً، لإشارة الحديثين، ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإزال بالاستمتاع بغير الفرج وعليه القضاء فقط عند الحنفيين والشافعي وأحمد وكذا الكفارة عند مالك وإسحاق. (جـ) أن يمذي فيفطر وعليه القضاء عند مالك وأحمد (وقال) الحنفيون والشافعي: لا يفطر لأن المذي خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول ووجه الأول أنه خارج بشهوة عن مباشرة فأفسد الصوم كالمني فليس كالبول. واللمس بشهوة كالقبلة فيما ذكر. (6 و 7) ويكره للصائم تكرار النظر بشهوة إلى امرأته وإدامة الفكر في الجماع ولا بأس بذلك عند عدم الشهوة عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وعنه) أنه لا يكره بحال لأن إفضاءه إلى الإنزال المفطر بعيد جداً بخلاف القبلة (¬2). (وقال) مالك: النظر والفكر كالقبلة فإن أمن على نفسه من الإنزال كرها وإن لم يأمن حرماً (هذا) ولمكرر النظر ثلاثة أحوال: (أ) ألا ينزل فلا يفسد صومه اتفاقاً. ¬

(¬1) انظر ص 52 ج 10 - الفتح الرباني (الرخصة في القبلة والمباشرة للصائم) وص 113 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 431 ج 1 مستدرك و (هش) من بابي ضرب وتعب أي ارتاح ونشط و (مه) ما استفهامية حذفت ألفها وعوض عنها هاء السكت. وفي رواية أحمد (ففيم 9 أي ففيم تسأل؟ (¬2) انظر ص 49 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(ب) أن يمني فيفسد صومه عند احمد ومالك وعليه القضاء فقط عند أحمد وعند مالك عليه الكفارة أيضاً إن كان النظر محرماً (وقال) الحنفيون: لا يفطر مطلقاً ولأنه لا نص في الفطر بما ذكر ولا إجماع (وقالت) الشافعية: لا يفطر إلا أن اعتاد الإنزال بذلك فيفطر على المعتمد. (جـ) أن يمذي فلا يفطر عند الحنفيين والشافعي وأحمد لأنه لا نص في الفطر به ولا يمكن قياسه على إنزال المني لمخالفته له في الأحكام فيبقى على الأصل. فأما إن نظر فصرف بصره لا يفسد صومه وإن أنزل عند الثلاثة (وقالت) المالكية إن أمذى بالفكر أو النظر فعليه القضاء. وإن أمنى بإدامتهما فعليه الكعارة إن كانت عادته الإنزال ولو في حين ما. فإن كانت عادته عدم الإنزال بإدامة النظر أو الفكر فخالف عادته وأمنى فلا كفارة على ما اختاره ابن عبد السلام وكذا لو أمنى بمجرد نظر أو فكر فلا كفارة عليه عند ابن القاسم (¬1). وأما من فكر فأنزل فلا يفسد صومه عند الحنفيين والشافعي وهو الصحيح عن أحمد (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسهما ما لم تتكلم به أو تعمل به" أخرجه الستة (¬2) {205} (وقال) مالك يفسد صومه وروي عن أحمد، لأن الفكرة تستحضر فتدخل تحت الاختيار فقد مدح الله الذي يتفكرون في خلق السموات والأرض ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى ولو كانت الفكرة غير مقدور عليها لم يتعلق بها ذلك كالأحلام (¬3). (8) ويكره للصائم وغيره طول الصمت لما فيه من تفويت الغنم العظيم ¬

(¬1) انظر ص 111 ج 10 المنهل العذب المورود (الشرح). (¬2) انظر رقم 1704 ص 218 ج 2 فيض القدير. (¬3) انظر ص 41 ج 2 شرح المقنع.

والثواب الجزيل المترتب على خير القول من إرشاد إلى طريق أو أمر بمعروف ونهى عن منكر أو نصح مسترشد أو بث علم لمن يحسنه أو تلاوة قرآن بحيث يستمع لما يتلوه إلى غير ذلك من أنواع الطاعة القولية ولما فيه من حصول الشهرة والرياء بهذا العمل (قال) ابن عباس: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليم صومه" أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه (¬1) {206} (9 - 11) وكره للصائم إكثار نوم نهاراً لئلا يذهب مشقة الصوم وكره له شم روائح زكية كالمسك والعنبر والرند وكره مداوة أسنان نهاراً ولا شيء عليه إن سلم فإن ابتلع منه شيئاً غلبة قضى وإن تعمد كفر أيضاً إلا لضرورة في تأخير الدواء لليل كشدة تألم وإن لم يحدث منه مرض فلا تكره المداواة بل تجب إن خاف هلاكاً أو شديد أذى (¬2). (12) ويكره- عند مالك- للصائم أن غزل الكتان الذي له طعم وهو الذي يعطن في المبلات إذا لم يكن الغازل مضطراً للغزل وإلا فلا كراهة وعليه أن يمج ما تكون في فمه من الريق على كل حال. أما الكتان الذي لا طعم له وهو الذي يعطن في البحر فلا يكره غزله ولو من غير ضرورة. (13) ويكره- عند مالك- الحصاد للصائم لئلا يصل إلى حلقه شيء من ¬

(¬1) انظر ص 471 ج 11 فتح الباري (النذر فيما لا يملك وفي معصية) وص 228 ج 3 عون المعبود (النذر في المعصية) وص 334 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 630 ج 1 - الفجر المنير و (الرند) - بفتح الراء وسكون النون- شجر طيب الرائحة.

(8) ما لا يفسد الصوم

الغبار فيفطر ما لم يضطر إليه وإلا فلا كراهة وأما رب الزرع فله أن يقوم عليه عند الحصاد لأنه مضطر لحفظه وملاحظته (¬1). (14) ويكره للصائم- عند مالك- الاستياك بالسواك الرطب الذي يتحلل منه شيء، وإلا جاز في كل النهار، بل يندب لمقتضى شرعي كوضوء وصلاة كما تقدم (¬2). (15) ويكره للصائم- عند أحمد- أن يجامع وهو شاك في طلوع الفجر الثاني ولا يكره له السحور مع الشك في ذلك لأنه يتقوى به على الصوم بخلاف الجماع (¬3). وقد تقدم في المستحبات مع بعد تركه من المكروهات فليلاحظ هذا من يرغب في القربات. (8) ما لا يفسد الصوم هو أمور المذكور منها هنا ستة عشر: (1 و 2 و 3) الأكل والشرب والجماع ناسياً عند الحنفيين والشافعي (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" أخرجه السبعة وهذا لفظ مسلم وقال الترمذي حديث حسن صحيح (¬4): {207} ¬

(¬1) انظر ص 533 الفقه على المذاهب الأربعة. (¬2) انظر ص 534 منه. (¬3) انظر ص 536 منه. (¬4) انظر ص 61 ج 10 الفتح الرباني. وص 111 ج 4 فتح الباري وص 35 ج 8 نووي (أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر) وص 45 ج 2 تحفة الأحوذي وص 264 ج 1 - ابن ماجه (فإنما أطعمه الله وسقاه). يعني ما وقع منه من الأكل والشرب لا يفسد صومه، لأنه لم يكن له اختيار لنسيانه.

والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (وقال) مالك بن أنس إذا أكل في رمضان ناسياً فعليه القضاء والأول أصح (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة" أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والدارقطني والبيهقي بسند رجاله ثقات (¬1) {208} (وقال) أحمد يجب القضاء والكفارة بالجماع ناسياً ولا شيء في الأكل والشرب وبه قال ابن الماجشون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي وقع امرأته في رمضان بالكفارة ولم يسأله أواقعها عمداً أو سهواً؟ ولو كان هناك فرق في الحكم لاستفسر منه النبي صلى الله عليه وسلم (ورد) بأن قوله في الحديث: هلكت يدل على أنه واقع عمداً وكذا قوله عند البخاري: احترقت وفي رواية سعيد بن منصور تب واستغفر فإن ذلك كله يدل على أنه واقع عمداً خصوصاً التوبة والاستغفار فإنهما لا يكونان إلا من عمد. (وقالت) المالكية: من تعاطى أي مفطر ناسياً في رمضان فعليه القضاء دون الكفارة قياساً للصوم على الصلاة فكما أن ترك ركعة منها نسياناً يفسدها، كذلك ترك ركن من الصوم وهو الإمساك عن المفطر يفسده (وأجابوا) عن أحاديث الباب بأنها أخبار آحاد مخالفة للقاعدة (وهو) مردود بأن هذه الأحاديث قاعدة مستقلة في الصيام وقياسهم الصيام على الصلاة قياس في مقابلة النص لا يعول عليه (ودعوى) بعضهم أن الأحاديث محمولة على صيام التطوع (يرده) قوله صلى الله عليه وسلم: من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة فهذا هو الحق. (4) من احتلم نهاراً وهو صائم لا يبطل صومه إجماعاً. ¬

(¬1) انظر ص 430 ج 1 مستدرك. وص 237 الدارقطني وص 229 ج 4 بيهقي (من أكل أو شرب ناسياً).

(5) وكذا من احتجم عند الثلاثة خلافاً لأحمد كما تقدم (¬1) (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام" أخرجه البزار بسندين صحح أحدهما وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري (¬2) (روي) الحديث من عدة طرق ارتقى بها إلى درجة الحسن. والقيء فيه محمول على ما لو ذرعه القيء جمعاً بين الأخبار. {209} (6) ولا يفسد الصوم بإنزال مني بنظر وإن أدامه عند الحنفيين والشافعي، لأنه في معنى الاحتلام (وقال) مالك وأحمد: يفسد صومه وإن أمذى لا يفسد صومه عند الثلاثة ويفسد عند مالك كما تقدم إلا إن غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر (¬3). (7) ولا يفسد صوم من أنزل بإدامه فكر عند الحنفيين والشافعي. وهو الصحيح عن أحمد (وقال) مالك يفسد صومه كما تقدم. (8) ولا يبطل الصوم بالاكتحال ولا بما يقطر في العين ولو وجد طعمه في حلقه أو رأى لونه في بزاقه عند الحنفيين والشافعي، لأن الداخل من المسام الغير النافذة لا ينافي الصوم كما إذا تبرد بالماء ووجد أثره بباطنه (ولما) تقدم من الأحاديث الدالة على إباحة الكحل للصائم (وقال) مالك وأحمد: يبطل الصوم بالكحل ونحوه إن وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه كما تقدم. (9) ولا يبطل الصوم بالإدهان وإن وجد أثر الدهن في الحلق عند ¬

(¬1) انظر بحث الحجامة ص 459. (¬2) انظر ص 170 ج 3 مجمع الزوائد (الحجامة للصائم) وص 44 ج 2 تحفة الأحوذي (الصائم يذرعه القيء). (¬3) انظر ص 533 كتاب الفقه على المذاهب الأربعة.

الثلاثة (وقال) مالك: هو كالكحل إلا إذا وضع دهناً على جرح في بطنه واصل لجوفه، لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب وإلا لمات من ساعته (¬1). (10 و 11) ولا يبطل الصوم بالقبلة والمباشرة بلا إنزال إجماعاً كما تقدم. (12 و 13 و 14) ولا يفسد الصوم بشم الروائح العطرية كالورد والنرجس والياسمين ولا بتأخير غسل الجنابة حتى تطلع الشمس ولو مكث جنباً كل اليوم. ولا بدخول غبار طريق أو غربلة دقيق أو ذباب أو بعوض إلى حلقة رغماً عنه (¬2) (15) ولا يفسد صوم المرأة عند أحمد إذا أدخلت أصبعها أو غيره في فرجها ولو مبتلاً (¬3). (16) ومن ذرعه القيء لا يبطل صومه ولو كان ملء الفم إذا لم يعد منه شيء إجماعاً (لحديث) أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض" أخرجه أحمد والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي والأربعة إلا النسائي وقال الترمذي حسن غريب (¬4) {210} (وقال) محمد بن الحسن: أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول من استقاء وهو صائم فعليه القضاء. ومن ذرعه القيء فليس عليه شيء أخرجه محمد في موطئه وقال: وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة (¬5) (دل) الحديث على أن من غلبه القيء وهو صائم لا يفطر به ¬

(¬1) انظر ص 533 كتاب الفقه. (¬2) انظر ص 529 منه. (¬3) انظر ص 535 منه. (¬4) انظر ص 42 ج 10 - الفتح الرباني (القيء للصائم) وص 240 الدارقطني وص 426 ج 1 مستدرك. وص 219 ج 4 بيهقي. وص 106 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 4 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 264 ج 1 - ابن ماجه. (¬5) انظر ص 44 ج 2 تحفة الأحوذي وهامش (1) رقم 816 ص 179 آثار أبي يوسف

ولو كان ملء الفم وهو قول الأئمة الأربعة والجمهور ومحله ما لم يرجع منه شيء إلى حلقه بعد إمكان طرحه وإلا فعليه القضاء (وقال) محمد بن الحسن إن عاد بنفسه لا يفطر وهو الصحيح عند الحنفيين (وقال) أبو يوسف يفسد الصوم بعود القيء كإعادته إن كان ملء الفم ومبني الخلاف بينهما أن محمداً يعتبر الفعل وأبا يوسف يعتبر ملء الفم، لأن له حكم الخارج وما دونه لا يعتبر خارجاً، لأنه لا يمكن ضبطه. ويتفرغ على هذا أربع مسائل: (الأولى) إذا كان القيء أقل من ملء الفم وعاد أو شيء منه لم يفطر اتفاقاً لعدم الفعل عند محمد ولعدم ملء الفم عند أبي يوسف (الثانية) إذا كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئاً منه لم يفطر عند أبي يوسف وهو المختار لعدم ملء الفم ويفطر عند محمد للفعل. (الثالثة) إذا كان ملء الفم وعاد أو شيء منه لا يفطر عند محمد لعدم الفعل وهو الصحيح ويفطر عند أبي يوسف، لأنه يعتبر خارجاً شرعاً وقد دخل وهذه الصور يشملها الحديث. (الرابعة) إذا كان ملء الفم وأعاده أو شيئاً منه أفطر اتفاقاً. لأنه خارج أدخله جوفه ويدخل في معنى ذرع القيء كل ما غلب على الإنسان من دخول الذباب حلقه ودخول الماء جوفه إذا وقع في ماء غمر وما أشبه ذلك، فإنه لا يفسد صومه شيء من ذلك أما تعمد القيء فمفطر كما يأتي إن شاء الله تعالى. وعلى الجملة فلا يبطل الصوم بارتكاب شيء من المباح والمكروه للصائم على ما تقدم بيانه.

(9) ما يفسد الصوم

(9) ما يفسد الصوم هو قسمان ما يوجب القضاء. وما يوجب القضاء والكفارة: (أ) ما يوجب القضاء فقط: هو أمور المذكور منها هنا ستة عشر: (1) الإفطار مكرهاً أو خطأ كأن تمضمض فسبق الماء إلى حلقه فيفسد صومه عند الحنفيين ومالك. وروي عن أحمد، لتذكره الصوم ولأن المكره تناول المفطر لدفع الضرر عن نفسه فأشبه المريض ومن شرب لدفع العطش (وقال) الشافعي. لا يفطر المكره والمخطئ وهو المشهور عن أحمد (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه ابن ماجه والحاكم والطبراني والدارقطني. وفيه محمد بن مصطفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر. وبقية رجاله رجال الصحيح (¬1) {211} (وأجاب) الأولون عنه بأنه ضعيف. قال أبو حاتم: هذه أحاديث منكرة موضوعة وقد أنكره الإمام أحمد. وعلى فرض ثبوته فالمراد به رفع الإثم، لأن رفع الواقع محال بدليل لزوم الدية والكفارة في قتل الخطأ. (2) وصول ما لا نفع فيه للبدن إلى الجوف من منفذ مفتوح أو إلى باطن الرأس عمداً كأن ابتلع حصاة أو حديداً أو ملحاً كثيراً أو لوزة يقشرها فإنه يفطر عند كافة العلماء (¬2) لما في حديث عائشة من قوله صلى الله تعالى عليه ¬

(¬1) انظر ص 322 ج 1 - ابن ماجه (طلاق المكره والناسي) ورقم 1809 ص 267 ج 2 فيض القدير. (¬2) (كافة العلماء) وشذ الحسن بن صالح فقال. لا فطر بما ليس طعاماً ولا شراباً وحكى عن أبي طلحة الأنصاري انه كان يتناول البرد (بفتحتين ما ينزل من السحاب يشبه الحصا ويسمى حب الغمام) في الصوم ويقول: ليس بطعام ولا شراب (قال) أنس ابن مالك: مطرت السماء برداً. فقال لنا أبو طلحة: ناولني يا أنس من ذلك البرد فتناولته فجعل يأكل وهو صائم. قلت: ألست صائماً؟ قال: بلى إن هذا ليس بطعام ولا شراب وإنما هو بركة من السماء تطهر به بطوننا. قال أنس: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: خذ عن عمك. أخرجه أبو يعلي. وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه البزار موقوفاً وزاد: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فكرهه وقال: إنه يقطع الظمأ (انظر ص 171 ج 3 مجمع الزوائد- الصائم يأكل البرد) وفي قول سعيد إنه يقطع الظمأ رد على من يقول: إنه ليس شراباً. فالصواب ما ذهب إليه كافة العلماء. من أن هذا ونحوه من المفطرات.

وعلى آله وسلم "إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج" أخرجه أبو يعلي قال الهيثمي. وفيه من لم أعرفه وبقية رجاله ثقات (¬1) {212} (3) ويفسد الصوم بالحقنة وهي صب الدواء أو الماء في الدبر أو قبل المرأة. وأما احتقان الدواء في العروق فكالكحل لا يفسد به الصوم على ما تقدم بيانه. (4) ويفسد الصوم بالإسعاط وهو إيصال مائع وغيره إلى الجوف من الأنف. (5) ويفسد بإقطار مائع ولو ماء في الأذن على الصحيح عند الحنفيين والشافعي وأحمد لأنه وصل الجوف بفعله. أما إن خاض الماء فدخل أذنه لا يفسد صومه إتفاقاً. (وقالت) المالكية: يفسد الصوم بوصول مائع إلى الحلق من فم وأذن أو عين أو أنف سواء كان المائع ماء أو غيره وصل عمداً أو سهواً أو غلبة كماء غلب من المضمضة أو السواك حتى وصل إلى الحلق أو وصل خطأ كأكله نهاراً معتقداً بقاء الليل أو غروب الشمس أو شاكاً في ذلك ما لم يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس وإلا فلا يفسد صومه وفي حكم المائع البخور وبخار القدر إذا استنشقها فوصلا إلى حلقه وكذلك الدخان الذي اعتاد الناس شربه فمجرد وصوله إلى حلقه مفطر وإن لم يصل إلى المعدة. ¬

(¬1) انظر ص 167 ج 3 مجمع الزوائد (القبلة والمباشرة للصائم) و (من لم أعرفه) لعله سلمى البكرية.

وأما دخان الحطب فلا أثر له كرائحة الطعام إذا استنشقها (¬1). (6) ويفسد الصوم بمداواة جائفة - وهو جرح يبلغ الجوف- إذا وصل الدواء إليه. (7) ويفسد بمداواة آمة- بالمد والتشديد- وهي شجة تصل أم الرأس إذا وصل الدواء إلى دماغه ومتى وصل إليه وصل إلى جوفه لأن التحقيق أن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفذاً أصلياً وهذا إذا تحقق الوصول اتفاقاً وكذا إن شك فيه، وكان الدواء رطباً عند النعمان ومالك، لعموم ما ورد: الفطر مما دخل وليس مما خرج، أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس وأبو يعلي مرفوعاً (¬2) (وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد: لا يفسد الصوم بالشك في الوصول أما إذا كان الدواء يابساً فلا فطر اتفاقاً إذا شك في وصوله إلى الجوف. (8) ويفسد الصوم بتعمد القيء ولو قليلاً عند الأربعة ومحمد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن استقاء عمداً فليقض" (¬3) (وقال) أبو يوسف تعمد القيء لا يفسد الصوم إلا إذا ملأ الفم. وهو رواية عن أحمد لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن دسعة تملأ الفم" ولأن اليسير لا ينقض الوضوء فلا يفسد الصوم كالبلغم ذكره ابن قدامة وقال: والحديث لا نعرف له أصلاً ولا فرق بين كون القيء طعاماً أو بلغماً أو دماً ¬

(¬1) انظر ص 530 كتاب الفقه. (¬2) تقدم بعد رقم 191 ص 455 (ما يباح للصائم) من قول ابن عباس وتقدم عن عائشة مرفوعاً رقم 212 ص 478. (¬3) تقدم رقم 21 ص 475 (من ذرعه القيء).

أو غيره لأن الجميع داخل تحت عموم الحديث (¬1) (وقال) النعمان ومالك ومحمد: القيء إن كان بلغماً فهو غير مفسد مطلقاً (وقال) أبو يوسف: إذا ملأ الفم أفسد بناء على قوله: إنه ناقض للوضوء (والظاهر) أن قوله هنا أحسن لأن الفطر نيط بما يدخل الجوف أو بالقيء عمداً بلا فرق بين بلغم وغيره. (9) ويفسد الصوم- عند الحنفيين والشافعي وأحمد- بإنزال المني عن مباشرة بنحو قبلة أو تبطين أو بجامعة في غير سبيل آدمي حي مشتهي أو بوطء بهيمة أو ميتة أو صغيرة لا تشتهي أو استمناء بالكف وهذا حرام، فإن غلبته الشهوة ففعله لتسكينها فالرجاء ألا يعاقب. وإن خرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه لأنه خارج بغير شهوة فأشبه البول، ولأنه خرج من غير اختيار منه ولا تسبب فيه فأشبه الاحتلام. ولو جامع في الليل فأنزل بعد ما أصبح لم يفطر، لأنه لم يتسبب فيه نهاراً فأشبه ما لو أكل في الليل فذرعه القيء نهاراً (¬2) (وقالت) المالكية: يفسد الصوم بإنزال المني أو المذي مع لذة معتادة بنظر أو فكر أو غيرهما كالقبلة أو المباشرة فيما دون الفرج أما إذا خرج المني أو المذي لمرض فلا يفسد الصوم كما لا يفسد بخروج أحدهما بمجرد نظر أو فكر بلا استدامة إذا كان ذلك يكثر عرضه له بأن كان حصوله مساوياً لعدم حصوله في الزمن أو زائداً. أما إذا كان زمن عروضه أقل من زمن ارتفاعه فإنه يفسد الصوم (¬3). (10) ويفسد الصوم- عند الأئمة الأربعة والجمهور- يتناول مفطر مع ظن المبيح وفيه خمس صور: ¬

(¬1) انظر ص 52 ج 3 مغنى ابن قدامة و (الدسعة) بفتح فكسون- الدفعة من القيء ونسبه في النهاية لسيدنا علي وقال: وجعله الزخشري حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) انظر ص 48 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 529 كتاب الفقه.

(ا) فمن تسحر يظن بقاء الليل- وقد طلع الفجر- بطل صومه وعليه الفضاء عند الأربعة والجمهور (قال) مكحول: سئل أبو سعيد الخدري عن رجل تسحر وهو يرى أن عليه ليلاً وقد طلع الفجر. فقال: إن كان شهر رمضان صامه وقضى يوماً مكانه. وإن كان من غير رمضان فليأكل من آخره فقد أكل من أوله ذكره البيهقي. وقال: وقول من قال يقضي أصح لما مضى من الدلالة على وجوب الصوم من وقت طلوع الفجر (¬1). (ب) ومن أفطر آخر النهار يظن غروب الشمس ولم تغرب بطل بصومه عند الأربعة والجمهور (قال) شعيب بن عمرو الأنصاري أفطرنا مع صهيب الخير أنا وأبي في شهر رمضان في يوم غيم وطش فبينما نحن نتعشى إذ طلعت الشمس فقال صهيب: طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوماً مكانه. أخرجه البيهقي (¬2). (جـ) وإن أكل شاكاً في طلوع الفجر ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر عند الحنفيين والشافعي واحمد، لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (¬3) مد الأكل ولأن الأصل بقاء الليل فيكون زمان الشك منه ما لم يعلم بيقين زواله (وقال) مالك: يجب القضاء لأن الأصل بقاء الصوم في ذمته فلا يسقط بالشك ولأنه أكل شاكاً في النهار والليل فلزمه القضاء كما لو أكل شاكاً في غروب الشمس. ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 4 بيهقي (من أكل وهو يرى أن الفجر لم يطلع ثم بان أنه كان قد طلع). (¬2) انظر ص 217، 218 منه ورقم 1217 ص 379 ج 1 كشف الخفاء و (الطش) المطر. (¬3) سورة البقرة آية 187.

(د) وإن أفطر شاكاً في غروب الشمس ولم يتبين الأمر فعليه القضاء عند الأئمة الأربعة والجمهور لأن الأصل بقاء النهار. (هـ) وإن أكل ظاناً أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع ثم شك بعد الأكل ولم يتبين الأمر فلا قضاء عليه لأنه لم يوجد بيقين يزيل ذلك الظن الذي بني عليه فأشبه ما لو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد صلاته (¬1). (فائدتان) (الأولى) من جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع (فإن نزع) فوراً لم يفسد صومه عند الحنفيين والشافعي وهو مشهور مذهب أحمد، لأنه ترك للجماع فلا يتعلق به حكمه (وقال) مالك: يفسد صومه ولا كفارة عليه، لأنه لا يقدر على أكثر مما فعله فأشبه المكره. (وإن لم ينزع) فسد صومه وعليه القضاء اتفاقاً وكذا الكفارة عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لا كفارة عليه (الثانية) لو جامع يظن أن الفجر لم يطلع وتبين أنه قد طلع فسد صومه وعليه القضاء فقط عند الحنفيين والشافعي وقال مالك وأحمد: عليه الكفارة أيضاً. (11) يفسد الصوم بإدخال خرقة أو خشبة أو أصبع مبلولة في الدبر وقيل المرأة إذا لم يبق من المدخل شيء. أما إذا يغيبه كله لا يفسد صومه عند الحنفيين وأحمد ومالك (وقال) الشافعي: يفسد بذلك. (12) ويفسد صومه من استنجى فتعمد إيصال الماء إلى داخل دبره بأن بالغ في الاستنجاء أو استرخى. (13) ويفسد الصوم بالأكل عمداً بعد أكله ناسياً الصوم فظن أنه أفطر فيلزمه القضاء اتفاقاً لوجود المفطر ولا كفارة عليه عند الحنفيين والشافعي وأحمد للشبهة. وكذا لو علم أن صومه لا يفسد بالفطر ناسياً وبلغه الحديث في ¬

(¬1) انظر ص 74 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ذلك فلا كفارة عليه عند النعمان والشافعي وأحمد مراعاة لخلاف الإمام مالك (وقال) أبو يوسف ومحمد ومالك: عليه الكفارة لعدم الشبهة. (14) ويفسد الصوم بالحيض والنفاس إجماعا. والحكمة في عدم صحته معهما أن كلا منهما يضعف البدن كالصوم. واجتماع مضعفين مضر ضرراً شديداً فاقتضت الحكمة ترك الصوم معهما وقد تقدم أنهما يسقطان أداء الصوم دون قضائه. (15) ويفسد الصوم بالردة إجماعا وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه, لأن الصوم عبادة من شرط النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج ولأنها عبادة محضة ينافيها الكفر (¬1). (16) ويفسد الصوم بنية الفطر عند الأئمة الثلاثة وهو ظاهر مذهب أحمد لأنه عبادة من شرطها النية فيفسد بقية الخروج منه كالصلاة ولأن الأصل اعتبار النية في جمع أجزاء العبادة ولكن لما شق اعتبار حقيقها اعتبر بقاء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه حقيقة وحكمها ففسد الصوم بزوال شرطه. وإن عاد فنوى الصوم قبل الزوال أجزأه عند الحنفيين لأنه يصح بنية قبل الزوال ولا يجزئ عند من يشترط تبييت النية في رمضان. هذا ومن فسد صومه بشيء مما ذكر لزمه (أولاً) إمساك بقية اليوم في غير الحيض والنفاس احتراماً للوقت بالقدر الممكن (وثانياً) قضاء ما أفسده في أيام أخر. والكلام هنا ينحصر في ثلاثة فروع: (1) التتابع: لا يلزم في قضاء رمضان التتابع عند الأئمة الأربعة والجمهور، لإطلاق قوله تعالى "ومن كان يمرضاً أو على سفر فعدةُ من أيامٍ أخر" وتقدم الكلام فيه وافياً في بحث مالا يلزم فيه التتابع (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 3 مغني ابن قدامة. (¬2) تقدم ص 380.

(2) القضاء كالأداء: لا يطلب في قضائه أزيد مما وجب أداؤه عند الأربعة والجمهور - فمن أفطر متعمداً بلا عذر يلزمه صيام يوم واحد قضاء عن اليوم الذي أفطره مع الكفارة إن لزمته وتقدم تمام الكلام على هذا في بحث التفريط في رمضان (¬1). (3) تأخير القضاء: قضاء رمضان واجب على التراخي عند الجمهور لإطلاق الآية (ولقول) عائشة رضي الله عنها "إن كانت إحدانا لتفطر - يعني في رمضان- في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان"أخرجه مسلم (¬2) {213} والمعنى أن كل واحدة من نسائه صلى الله عليه وسلم كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستعدة لاستمتاعه في أي وقت شاء ولا تدري متى يريد؟ ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من كمال الأدب وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه (¬3). (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "ما كنت أقضي ما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح (¬4). {214} ¬

(¬1) تقدم ص 367. (¬2) انظر ص 22 ج 8 نووي (تأخير قضاء رمضان). (¬3) انظر ص 22 ج 8 نووي مسلم (تأخير قضاء رمضان). (¬4) انظر ص 131 ج 10 - الفتح الرباني (قضاء رمضان) وص 66 ج 2 تحفة الأحوذي.

(دل) الحديثان على جواز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان لعذره وبه قال علمة أهل العلم وهو وإن كان من فعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وأقره لتوفر دواعي أن يسأله زوجاته صلى الله عليه وسلم عن أمر الشرع. أما تأخير القضاء لغير عذر فهو جائز عند الجمهور إن أفطر لعذر كمرض أو سفر أو حيض وإذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول لزمه القضاء فوراً حينئذٍ. وكذا يلزمه القضاء فوراً عند الشافعية إذا تعمد الفطر بلا عذر (وقال) الحنفيون: يجب قضاء رمضان وجوباً موسعاً بلا تقييد بوقت ولو كان متعمداً الفطر فلا يأثم بتأخيره إلى رمضان الثاني. ويجب العزم على القضاء على الصحيح. (فائدة) إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر (فإن كان) لعذر بأن دام سفره أو مرضه حتى دخل رمضان الثاني، صام الحاضر ثم يقضي الأول ولا فدية عليه عند الأئمة الأربعة والجمهور (وإن أخر) القضاء لغير عذر (فقال) مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يصوم رمضان الحاضر ويفدي عن الماضي عن كل يوم مداً من طعام ويقضيه (لما روي) عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة وعليه مع ذلك القضاء. أخرجه مالك في الموطإ (¬1) (وقال) ابن عباس: من فرط في صيام شهر رمضان حتى يدركه رمضان ¬

(¬1) انظر ص 116 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية من أفطر في رمضان من علة).

آخر فليصم هذا الذي أدركه ثم ليصم ماقاته ويطعم مع كل يوم مسكيناً أخرجه الدارقطني (¬1). (وقال) الحنفيون والحسن البصري: من أخر قضاء رمضان حتى جاء آخر يلزمه القضاء فقط ولا فدية عليه ولو كان التأخير لغير عذر، لأن القضاء واجب على التراخي مطلقاً فلا يلزم بالتأخير سوى القضاء وهذا هو الراجح، لأنه لم يثبت في لزوم الفدية عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء بل كل ما ورد فيها آثار لا حجة فيها والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الفدية حتى يقوم دليل ناقل عنها ولا دليل هنا. وعلى القول بلزوم الفدية هل يسقط القضاء بها؟ ذهب الأكثر إلى أنه لا يسقط (وقال) ابن المنذر: قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وسعيد بن جبير وقتادة: يصوم رمضان الحاضر ويفدي عن الفائت ولا قضاء عليه. (ب) الكفارة في رمضان هي إعتاق رقبة ولو صغيرة أو معيبة عيباً لا يفوت كل المنفعة كالعور والمرج أو كافرة- عند الحنفيين- لإطلاق الأحاديث (وقال) الأئمة الثلاثة والجمهور يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة حملاً للمطلق في أحاديث كفارة الصيام على المقيد في آية كفارة القتل فإن الرقبة فيها مقيدة بالمؤمنة. فإن لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان ولا يوم منهي عن صومه كالعيدين وأيام التشريق. فإن لم يستطع الصيام أعطى ستين مسكيناً- ولو مراهقين- كل واحد نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك أو أطعمهم أكلتين مشبعتين عند الحنفيين (لما روي) مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ (وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين) يقول: هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ¬

(¬1) انظر ص 246 الدارقطني.

الصيام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من حنطة. أخرجه الدارقطني (¬1) وفي حديث سلمة بن صخر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكيناً" أخرجه أبو داود (¬2) {215} والوسق ستون صاعاً (وقال) مالك والشافعي: يعطي كل مسكين مداً من غالب قوت البلد (لما) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فأتى بعرق فيه نمر قدر خمسة عشرة صاعاً أخرجه أبو داود والدارقطني والبيهقي (¬3) (وقال) أحمد يعطي كل مسكين مداً من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير (قال) أبو زيد المدني: جاءت امرأة من يني بياضة بنصف وسق شعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المظاهر أطعم هذا فإن مدى شعير مكان مد بر" أخرجه أحمد (¬4) {316} وبه قال ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وزيد. ولا مخالف لهم في الصحابة ويجزئ الدقيق والسويق وإن غذى المساكين أو عشاهم لم يجزئه عند مالك والشافعي وهو أظهر الروايتين عن أحمد، لأن الشارع قدر ما يعطي لكل مسكين بمد من البر أو نصف صاع من غيره. وإذا أطعمهم لا يعلم أن كل مسكين استوفى ما يجب له (هذا) وظاهر الأحاديث أنه لابد من إطعام ستين مسكيناً ولا يكفي ما دونه وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة (وقال) الحنفيون: لو أطعم مسكيناً واحداً في ستين يوماً كفاه، لأن المراد سد حاجة الفقير والحاجة تتجدد بتجدد الأيام. فكان في اليوم الثاني ¬

(¬1) انظر ص 205 الدارقطني. (¬2) انظر ص 233 ج 2 عون المعبود (الظهار). (¬3) انظر ص 132 ج 10 - المنهل العذب المورود (كفارة من أتى أهله في رمضان) وص 243 - الدارقطني. وص 226 ج 4 بيهقي (والعرق) بفتحتين، المكتل يسع خمسة عشر صاعاً. (¬4) انظر ص 68 ج 3 مغنى ابن قدامة.

كمسكين آخر. والراجح مذهب الجمهور والمراد بالإطعام الإعطاء ولا يشترط حقيقة الإطعام وهو وضع المطعوم في الفم. بل يكفي الوضع بين يديه اتفاقاً وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم وبه قال الحنفيون. ونظر الشافعي إلى النوع فقال يسلم لوليه (¬1). (والحكمة) في جعل الكفارة من هذه الخصال الثلاثة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يفدي نفسه. (أ) إما بعتق رقبة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار" أخرجه الشيخان (¬2) {217} (ب) وإما بالصوم لأنه جنى على الصوم بإفساده. وكان شهرين لأنه لما أفسد يوماً كان كمن أفسد الشهر كله، لأنه كعبادة واحدة فكلف بشهرين زجراً له. (جـ) وإما بالإطعام، لأن فيه مقابلة كل يوم من الستين بإطعام مسكين. هذا ولزوم القضاء والكفارة على التراخي عند الأئمة الأربعة ومحمد بن الحسن. وهو الأصح. وعلى الفور عند أبي يوسف. هذا والكلام هنا ينحصر في ثلاثة فروع: (الأول) ما يوجب القضاء والكفارة: يوجبهما أمور المذكور منها هنا ثلاثة: (أولاً) الجماع: بتغييب جميع الحشفة أو قدرها من مقطوعها عمداً من مكل مختار لم يطرأ عليه مبيح للفطر بغير صنعه. كمرض- في أداء رمضان وكان ناوياً ¬

(¬1) انظر ص 118 ج 4 فتح الباري (الشرح). (¬2) انظر ص 477 و 478 ج 11 فتح الباري (قول الله تعالى: أو تحرير رقبة) وص 151 ج 10 نووي (فضل العتق).

الصوم وجامع في أحد سبيلي آدمي حي مشتهي وإن لم ينزل. فيجب القضاء والكفارة على الفاعل والمفعول عند الحنفيين ومالك وهو رواية عن أحمد (وقال) الشافعي: الكفارة على الفاعل فقط ويأتي بيانه. أما القضاء فلإدراك ما فاته (ولحديث) حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي يفطر يوماً في رمضان أن يصوم يوماً مكانه" أخرجه البيهقي (¬1) {218} (دل) على وجوب قضاء اليوم الذي أفسده. وبه قال الحنفيون ومالك وأحمد وهو مشهور مذهب الشافعي. وعنه انه لا قضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بالقضاء (وقال) الأوزاعي: إن كفر بالعتق أو الإطعام صام مكان اليوم الذي أفطره. وإن صام شهرين متتابعين؛ دخل فيهما قضاء ذلك اليوم. (وأما) لزوم الكفارة، فلحديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت قال: وما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا. قال: اجلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال تصدق به فقال: يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أمقر منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه. قال فأطعمه إياهم" أخرجه السبعة. وهذا لفظ أبي داود. وصححه الترمذي (¬2) {219} وقال الشافعي: وقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أفطر ¬

(¬1) انظر ص 226 ج 4 بيهقي (من روي الأمر بقضاء يوم مكانه). (¬2) انظر المراجع رقم 64 ص 297 (ما يلزم فيه التتابع) و (اللابتان) تثنية لابة بالياء الموحدة وهي الحرة- بفتح الحاء وشد الراء- أرض ذات حجارة سود.

فتصدق عليه: خذه فأطعمه أهلك، يحتمل معاني: يحتمل أن يكون الكفارة على من قدر عليها. وهذا رجل لم يقدر على الكفارة فلما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً وملكه قال الرجل: ما أحد أفقر إليه منا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فأطعمه أهلك لأن الكفارة إنما تكون بعد الفضل عن قوته واختار الشافعي لمن كان على مثل هذا الحال أن يأكله وتكون الكفارة عليه ديناً فمتى ما ملك يوماً كفر. (¬1) وهكذا قال الجمهور ومنهم الحنفيون ومالك وروي عن أحمد، لأن الرجل لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يعجزه عن الخصال الثلاث. أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس ولما أتى بعرق التمر أمره بإخراجه في الكفارة. فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمر بإخراجه. فدل هذا على ثبوتها في ذمته. وإنما أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في إطعام عياله، لأنه كان محتاجاً ومضطراً إلى الإنفاق عليهم في الحال. والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وبقيت الكفارة في ذمته (وقال) عيسى بن دينار المالكي: تسقط الكفارة بالإعسار لما تقرر أنها لا تصرف على المكفر ولا على عياله. ولم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو ظاهر مذهب أحمد وقول للشافعي (واستدل) له بحديث علي بن أبي طالب "أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت أهلي في رمضان قال هل تجد رقبة؟ قال لا قال فصم شهرين متتابعين. قال لا أطيق الصيام قال فأطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد قال ما أجد فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً. قال أطعمه ستين مسكيناً قال والذي بعثك بالحق ما بالمدينة أهل بيت أحوج منا. قال فانطلق فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك" أخرجه الدارقطني (¬2). {220} ¬

(¬1) انظر ص 46 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬2) انظر ص 251 الدارقطني.

(دل) على عدم استقرار الكفارة في ذمته (وقال) بعضهم: ما أكله الرجل كفارة له خصوصية (ورد) بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل (وأجاب) الجمهور بأن الحديث لا دلالة فيه على سقوط الكفارة بالإعسار، لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم تطوع بالتكفير عنه وسوغ له صرفها إلى أهله لبيان أنه يجوز التطوع بالكفارة عن الغير بإذنه وأنه يجوز للمتطوع صرفها إلى أهل المكفر (¬1). (فائدة) دلت أحاديث الكفارة على ثلاثة أمور: (أ) وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان عامداً وهو قول عامة العلماء (¬2) (وأما) من جامع تأسيساً فلا يفطر عند الحنفيين والشافعي لدخول الجماع في عموم الحديث من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة (¬3) (وهو) يرد على من قال بالقضاء كمالك والثوري وعلى من قال بلزوم القضاء والكفارة وهو أحمد ونافع وابن الماجشون المالكيان (هذا) وقد أجمع العلماء على أن من وطئ في نهار رمضان عامداً وكفر ثم وطئ في يوم آخر فعليه كفارة أخرى. وإن لم يكفر عن اليوم الأول فعليه كفارة واحدة عند الحنفيين وهو رواية عن أحمد لأنها جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتتداخل (وقال) مالك والليث والشافعي: عليه كفارتان وهو رواية عن أحمد، لأن كل يوم عبادة مستقلة. فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتداخل كرمضانين. أما من جامع مرتين في يوم واحد ولم يكفر عن الأول فيلزمه كفارة واحدة إجماعاً. وإن كفر عن الأول فلا يكفر ثانياً عند الثلاثة (وقال) احمد: عليه كفارة ثانية. وكذا كل من لزمه الإمساك وحرم عليه الجماع في نهار رمضان وإن لم يكن صائماً- كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد ¬

(¬1) انظر ص 113 ج 1 كفاية الأخبار. (¬2) (عامة العلماء) وشذ الشعبي وسعيد بن جبير وقتادة في قولهم: عليه القضاء دون الكفارة قال الخطابي بشبه أن يكون الحديث لم يبلغهم. (¬3) تقدم رقم 208 ص 473 (ما لا يفسد الصوم).

طلوع الفجر أو نسي النية أو أكل عامداً ثم جامع- فإنه يلزمه كفارة عند أحمد، لأن الصوم في رمضان عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها فتتكرر بتكرر الوطء إذا كان بعد التكفير كالحج (قال) الثلاثة: لاشيء عليه بذلك الجماع، لأنه لم يصادف الصوم ولم يمنع صحته فلا يوجب شيئاً كالجماع في الليل (¬1). (وجملة) القول في هذا عند مالك أن الكفارة تتعدد بتعدد الأيام ولا تتعدد بتعدد المفطر سواء كفر عن الأول أم لا، لبطلان صيامه في ذلك اليوم بالفطر الأول. وأما بالنسبة للمفعول فتتعدد. فإذا جامع امرأتين أو أكثر في يوم واحد تعددت عليه الكفارة بتعدد المكفر عنه (¬2). (ب) دلت الأحاديث على أن الكفارة تكون بأحد الخصال الثلاثة على الترتيب. لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقل السائل من أمر إلا بعد عجزه عنه، ولأنه عطف بعض الجمل على بعض بإلغاء التي للترتيب (وبهذا) قال الحنفيون والشافعي وابن حبيب المالكي وهو مشهور مذهب أحمد (وقالت) المالكية: الكفارة واجبة على التخيير وهو رواية عن أحمد (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً (الحديث) أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والدارقطني والبيهقي. وفي بعضها ترك التقييد بالتتابع (¬3) {221} ¬

(¬1) انظر ص 70 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر ص 641 ج 1 - الفجر المنير (قال) ابن رشد: والسبب في اختلافهم تشبيه الكفارات بالحدود. فمن شبهها بها قال. كفارة واحدة تجزيء في ذلك عن أفعال كثيرة كما يلزم الزاني جلد واحد ولو زنا ألف مرة إذا لم يجلد لواحد منها ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكل واحد من الأيام حكماً منفرداً بنفسه في هتك الصوم فيه، أوجب في كل يوم كفارة. والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة والحدود زجر محض (انظر ص 214 ج 1 بداية المجتهد). (¬3) انظر ص 99 ج 2 زرقاني الموطأ (كفارة من أفطر في رمضان) وص 93 ج 10 - الفتح الرباني. وص 226 و 227 ج 7 نووي. وص 130 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 251 الدارقطني وص 225 ج 4 بيهقي.

عبر فيه بأول المفيدة للتخيير فدل على أن الترتيب المذكور في غيره من الأحاديث ليس مراداً (وأجاب) الجمهور بأن أو في هذا الحديث ونحوه للتقسيم لا للتخيير تقديره يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما وتبينه الروايات الأخرى (¬1). وعن مالك أنه قال: الإطعام أحب إلى من العتق (¬2) وعنه في رواية أن الكفارة لا تكون إلا بالإطعام (لحديث) عباد بن عبد الله بن الزبير "أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: أتى رجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان فقال: يا رسول الله احترقت فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ما شأنك؟ فقال أصبت؟ أهلي قال: تصدق قال والله مالي شيء ولا أقدر عليه قال أجلس فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن المحترق آنفاً؟ فقام الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا: فقال يا رسول الله أعلى غيرنا؟ فوا الله إنا لجميع مالنا شيء قال كلوه" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي (¬3) {222} وفي قوله - احترقت وأصبت أهلي- دليل على أنه تعمد الجماع وقد اقتصر فيه على الإطعام فدل على أن الكفارة لا تكون إلا به (ورد) بأن الحديث مختصر فلا حجة فيه على ما ذكر فقد رواه عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: ¬

(¬1) انظر ص 227 ج 7 نووي مسلم. (¬2) انظر ص 117 ج 2 معالم السنن. (¬3) انظر ص 94 ج 10 - الفتح الرباني. وص 215 ج 4 فتح الباري (إذا جامع في رمضان) وص 228 ج 7 نووي. وص 133 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 223 ج 4 بيهقي (واحترقت) أي ارتكبت ما يوجب الحرق بالنار ففيه إطلاق اسم المسبب على السبب و (ما شأنك) كذا في رواية أحمد وعند أبي داود (ما شأنه).

كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل فارع فجاءه رجل من بني بياضة فقال. احترقت وقعت بامرأتي في رمضان قال: أعتق رقبة قال لا أجدها قال أطعم ستين مسكيناً قال ليس عندي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه عشرون صاعاً فقال تصدق به فقال ما نجد عشاء ليلة. قال فعد به على أهلك. أخرجه ابن خزيمة والبخاري في التاريخ والبيهقي وقال: الزيادات في هذه الرواية تدل على حفظ أبي هريرة ومن دونه لتلك القصة وقوله فيه عشرون صاعاً، بلاغ بلغ محمد بن جعفر. وقد روي في حديث أبي هريرة خمسة عشر صاعاً وهو أصح (¬1). {223} ولم يذكر في هذا الحديث الصيام وقد ذكر في حديث أبي هريرة والقصة واحدة فحفظ أبو هريرة ما لم تحفظه عائشة فالأخذ بحديثه حق. وأيضاً في حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للرجل الخصال الثلاث. (جـ) ظاهر الأحاديث أن الكفارة تلزم الرجل دون المرأة وبه قال الأوزاعي والحسن وهو أصح قولي الشافعي مستدلين بإفراده في الحديث في قوله: خذ هذا وتصدق به. وقوله: هل تستطيع هل تجد وبعدم إعلام النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بوجوب الكفارة عليها مع الحاجة إلى البيان (ورد) بأنه لا حاجة تدعو إلى بيان حكم الكفارة في حق المرأة لأنها لم تعترف ولم تسأل. واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكماً ما لم تعترف وأنها واقعة حال فالسكوت عنها لا يدل على حكم لاحتمال أن تكون المرأة غير صائمة لعذر كمرض أو سفر أو غير مكلفة أو طهرت من حيضها في أثناء النهار. ¬

(¬1) انظر ص 223 ج 4 بيهقي (كفارة من أتى أهله في رمضان) و (فارع) بالعين المهملة حصن بالمدينة يعرف بحصن حسان بن ثابت (وهو أصح) لا منافاة بين الروايتين لا مكان الجمع بأن من روي عشرين صاعاً أراد أصل ما كان في العرق (بفتحتين) الكتل. ومن روي خمسة عشر أراد ما أخذه الرجل.

والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين (ولذا) قال الحنفيون: الكفارة تلزم المرأة إن كانت مختارة لا مكرهة (وقال) مالك: تلزمها إن كانت مختارة وتلزم زوجها إن كانت مكرهة. وأما الأمة المكلفة فكفارتها على سيدها ولو مختارة (وقال) أحمد: لا تلزم المرأة إن كانت مكرهة وإن كانت مختارة فقيل تلزمها لأنها هتكت حرمة رمضان بالجماع وقيل لا تلزمها (قال) أبو داود: سئل أحمد عمن أتى أهله في رمضان أعليها كفارة؟ فقال ما سمعت أن على امرأة كفارة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر المرأة بشيء مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مالي يتعلق بالوطء من بني جنسه فكان على الرجل كالمهر. وإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها اتفاقاً وعليها القضاء عند الحنفيين وهو المشهور عن احمد والثوري والأوزاعي لأنه جماع في الفرج فأفسد الصوم كما لو أكرهت بالوعيد ولأن الصوم عبادة يفسدها الوطء ففسدت به على كل حال كالصلاة والحج ويفارق الأكل فإنه يعذر فيه بالنسيان بخلاف الجماع وكذا إذا وطئها نائمة وبهذا قال مالك في النائمة. وقال في المكرهة عليها القضاء وكفارتها على زوجها (وقال) الشافعي وابن المنذر: إن كان الإكراه بوعيد حتى فعلت أفطرت وإن كان إلجاء لم تفطر وكذا إن وطئها وهي نائمة لأنها لم يوجد منها فعل، فلم تفطر كما لو صب في حلقها ماء بغير إختيارها وروي عن أحمد أن كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره وعليه فلا قضاء عليها إذا كانت ملجأة أو نائمة (¬1). (فائدة) إن تساحقت امرأتان فلم ينزلا فلا شيء عليهما وإن أنزلتا فسد صومهما وهل يكون حكمهما حكم المجامع فيما دون الفرج إذا أنزل أو لا يلزمهما كفارة مجال فيه وجهان أصحهما أنه لا كفارة عليهما لأن ذلك ليس ¬

(¬1) انظر ص 58 ج 3 مغنى ابن قدامة.

بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل وإن ساحق المحبوب فأنزل فحكمه حكم من جامع دون الفرج فأنزل (وإن) جومعت المرأة ناسية الصوم فلا كفارة عليها كما إذا أكرهت وعليه القضاء عند مالك وهو رواية عن أحمد وقال الحنفيون والشافعي لا قضاء عليها وروي عن أحمد لأنه مفطر لا يوجب الكفارة فأشبه الأكل. وإن أكره الرجل على الجماع فسد صومه وعليه الكفارة عند بعض الحنبلية. لأن الإكراه على الوطء لا يمكن لأنه لا يطأ حتى ينتشر ولا ينتشر إلا عن شهوة فكان كغير المكره (وقال) أبو الخطاب: لا كفارة عليه وهو مذهب الحنفيين ومالك والشافعي، لأن الكفارة إما أن تكون عقوبة أو ماحية الذنب ولا حاجة إليها مع الإكراه لعدم الإثم (لحديث) إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (¬1). (وأما) إن كان نائماً بأن كان عضوه منتشراً في حال نومه فاستدخلته امرأته فلا قضاء عليه ولا كفارة وكذلك الملجأ بأن غلبته في حال يقظته على نفسه عند الشافعي لأنه حصل بغير اختياره فلا يفطر به. وظاهر كلام أحمد أن عليه القضاء وهو مذهب الحنفيين ومالك لأن الصوم عبادة يفسدها الجماع فاستوى في ذلك حالة الاختيار والإكراه كالحج. ولا يصح قياس الجماع على غيره في عدم الإفساد لتأكيد بإيجاب الكفارة وإفساده للحج من بين سائر محظوراته (¬2). (ثانياً) تناول مفطر عمداً: يجب القضاء والكفارة- عند الحنفيين- بتناول غذاء أو دواء وكل ما فيه نفع للبدن ويميل إليه الطبع وتنقضي به شهوة البطن كالأكل والشرب ¬

(¬1) تقدم رقم 211 ص 477 (ما يفسد الصوم). (¬2) انظر ص 59 و 60 و 61 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ومنه شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون والحشيش ونحوها من المكيفات وكذا ابتلاع ريق زوجته أو حبيبه تلذذاً (وقالت) المالكية: تجب الكفارة بتناول أي مفسد من مفسدات الصيام السابقة ما عدا إنزال المذي مطلقاً وبعض صور إنزال المني بأن خرج بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة (لحديث) أبي هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعتين أو يطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ما أحد أحوج مني، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه وقال له: كله" أخرجه مالك ومسلم والدارقطني والبيهقي وأبو داود (¬1) {224} هكذا رواه مالك وابن جريج وغيرهما عن الزهري بعموم المفطر الذي يشمل الأكل وغيره. (وعن) عامر بن سعد عن أبيه أنه قال "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفطرت يوماً من شهر رمضان متعمداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكيناً" أخرجه الدارقطني (¬2) {225} (استدل) الحنفيون ومالك بهذين الحديثين ونحوهما على أن من أفطر متعمداً في رمضان بالأكل وغيره لزمته الكفارة غير أن الحنفيين قيدوا المفطر بما يتغذى به عادة أو يتداوى به أو يميل إليه الطبع. أما ما لم تجر العادة بالتغذي به كالعجين والحصاة والنواة والملح الكثير ففيه القضاء فقط ¬

(¬1) انظر المراجع رقم 221 ص 387. (¬2) انظر ص 251 الدارقطني.

(وقال) الشافعي وأحمد وداود الظاهري: لا كفارة في مفطر إلا الجماع مستدلين بحديث أبي هريرة السابق أو الباب (¬1) فإنه صلى الله عليه وسلم رتب فيه الكفارة على الجماع وحملوا الأحاديث التي فيها مطلق الإفطار على المقيدة بالجماع ولأن وجوب الكفارة ثبت على خلاف القياس بالنص والنص عليها ورد في الجماع والأكل والشرب ونحوهما ليست في معناه، لأنه أشد حرمة وفيه الحد إن كان زنا فالنص الوارد فيه لا يشمل غيره. (ورد) بأن من أوجب الكفارة في غير الجماع أوجبها بالنصوص المتقدمة لا بالقياس (قال) شمس الدين السرخسي: ولنا حديث أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال من غير مرض ولا سفر؟ فقال نعم أعتق رقبة. وذكر أبو داود أن الرجل قال شربت في رمضان (وقال) علي رضي الله عنه: إنما الكفارة في الأكل والشرب والجماع. ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس إنما نوجبها استدلالاً بالنص (¬2). (ثالثاً) تناول مفطر مع ظن المبيح: ويجب القضاء والكفارة- عند الحنفيين ومالك - على من تناول مفطراً مع ظن المبيح للفطر كمن أفطر عمداً بعد الغيبة ونحوها من كل ما أجمع العلماء على أنه غير مفسد للصوم- كدهن الشارب- ولو بلغه حديث ما صام من ظل يأكل لحوم الناس أخرجه ابن أبي شيبة ولم يعلم أنه مؤول بذهاب الثواب لاتفاق العلماء على عدم الأخذ بظاهره وأن الغيبة غير مفسدة للصوم (وكذا) تجب الكفارة عند الحنفيين على من تناول مفطراً عمداً بعد أن احتجم أو حجم غيره فظن فساد صومه لخطأ ظنه إلا إذا أفتاه ففيه يعتمد على فتواه بفساد الصوم بالحجامة أو بلغه حديث أفطر الحاجم والمحجوم (¬3) ¬

(¬1) تقدم رقم 219 ص 384 و 385 (ما يوجب القضاء والكفارة). (¬2) انظر ص 73 ج 3 المبسوط. (¬3) تقدم رقم 196 ص 362 (الحجامة).

ولم يعلم تأويله، فلا كفارة عليه حينئذ وإن علم أنه منسوخ ثم أكل بعد الحجامة تلزمه الكفارة (وقالت) المالكية: لا كفارة عليه، لأنه تأول تأويلاً قريباً مستنداً فيه لموجود وهو الحديث المذكور. ومن أفطر متأولاً بقريب التأويل، لا كفارة عليه لأنه لا انتهاك عنده. وإنما هو جاهل وهناك بعض صوره: (1) فمن أفطر ناسياً فظن لفساد صومه الإباحة فأفطر ثانياً عامداً فلا كفارة عليه. (2) وكذا من أصبح جنباً فظن إباحة الفطر فأفطر عمداً. (3) وكذا من تسخر في الجزء الملاقي للفجر من الليل فظن بطلان صومه فأفطر وأما من تسحر قرب الفجر فظن فساد صومه فأفطر فعليه الكفارة لأنه تأويل بعيد. (4) ومن قدم من سفر ليلاً فظن أنه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه فبيت الفطر وأصبح مفطراً فلا كفارة عليه. (5) وكذا من سافر دون مسافة القصر تظن أن مثل هذا السفر يبيح الفطر فبيته. (6) وكذا من رأى هلال شوال نهاراً يوم الثلاثين فاعتقد أنه يوم عيد فأفطر (¬1)، وأما من أفطر عمداً بلا تأول أو بتأول بعيد- وهو ما استند فيه لمعدوم- فعليه الكفارة ولهذا أمثلة (منها) أن من عادته الحمى في يوم معين فبيت نية الفطر ¬

(¬1) انظر ص 644 ج 1 - الفجر المنير (فلا كفارة) لاستناده في (1) لموجود وهو الفطر أولاً ناسياً. وفي (2) لاستناده لإصباحه جنباً. وفي (3) لاستناده إلى احتمال الأكل وقد طلع الفجر. وفي (4) لاستناده إلى عدم تبيت النية وفي (5) لاستناده إلى قوله (فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر) وفي (6) لاستناده إلى حديث: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.

من الليل ظاناً أنه مباح فعليه الكفارة ولو حم في ذلك اليوم (ومنها) المرأة تعتاد الحيض في يوم معين فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في هذا اليوم لمجيء الحيض فيه ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة، ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه. (الثاني) شروط الكفارة: يشترط لوجوبها تسعة شروط: (1) أن يكون الصائم مكلفاً فلا كفارة على صبي ومجنون، لأنها عقوبة وهما ليسا من أهلها. (2) أن يكون مختاراً فلا كفارة على مكره لعدم إثمه بالفطر. (3) أن يكون متعمداً الفطر فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً فلا كفارة عليه كما تقدم. (4) أن يكون عالماً بتحريم الفطر في رمضان ولو جهل وجوب الكفارة عليه فلا كفارة على من جهل حرمة الفطر كحديث عهد بالإسلام أفطر عمداً مختاراً وعليه القضاء عند مالك والحنفيين (وقال) الشافعي: لا قضاء عليه (وقال) أحمدك لا يشترط لوجوبها الاختيار ولا العمد بتحريم الوطء في نهار رمضان. فيجب- عنده- القضاء والكفارة بالوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر، أو ميتة أو بهيمة سواء كان الواطئ متعمداً أو ساهياً أو عالماً أو جاهلاً مختاراً أو مكرهاً أو مخطئاً كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر لما تقدم. (5) ألا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفرٍ أو مرضٍ، فلو أفطر بعد حصول المرض أو السفر فلا كفارة عليه عند الحنفيين خلافاً للثلاثة، أما لو أفطر قبل حصول المبيح فلا تسقط الكفارة اتفاقاً. (6) أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو من أفطر غير متأول أو

متأولاً تأويلاً بعيداً فإن كان متأولاً تأويلاً قريباً فلا كفارة عليه عند الحنفيين ومالك كما تقدم (¬1). (7) أن يصل المفطر إلى الجوف من الفم، فلو وصل شيء إلى حلق الصائم ورده فلا كفارة عليه، وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق، وكذا لو وصل شيء من الأذن أو العين أو نحوهما مما تقدم فلا كفارة وإن وجب القضاء على ما تقدم بيانه. (8) تبييت النية: فلو لم يبيتها وأفطر نهاراً فعليه القضاء فقط اتفاقاً. (9) أن يكون الفطر في أداء رمضان، فإن كان في غيره كقضاء رمضان وصوم المنذور والكفارة والنفل فلا كفارة فيه (قال) ابن رشد: اتفق الجمهور على أنه ليس في الفطر عمداً في قضاء رمضان كفارة- لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعنى رمضان- إلا قتادة فإنه أوجب عليه القضاء والكفارة. وروي عن ابن القاسم وابن وهب عليه يومين قياساً على الحج الفاسد (¬2) وهو قياس مع وجود النص فلا يعول عليه. (الثالث) ما يسقط الكفارة: يسقطها أحد أمرين: (1) طرو مبيح للفطر- كحيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو سفر- فمن أفطر متعمداً ثم طرأ عليه مبيح مما ذكر تسقط الكفارة عنه عند الحنفيين لأنه صار في آخر النهار على حال لو كان عليهما في أوله يباح له الفطر فتسقط الكفارة للشبهة (وقال) مالك والشافعي وأحمد والليث: من جامع في أول النهار ثم مرض أو جنَّ أو حاضت امرأة أو نفست في أثناء النهار، لم تسقط الكفارة، ¬

(¬1) تقدم في بحث تناول مفطر مع ظن المبيح ص 498. (¬2) انظر ص 215 ج 1 بداية المجتهد.

لأن ما ذكر معنى طرأ بعد وجوب الكفارة فلم يسقطها كالسفر ولأنه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع تام فاستقرت الكفارة عليه كما لو لم يطرأ عذر (¬1). (ب) حصول شبهة تدرأ الكفارة فلو أخبر جماعة شخصاً بطلوع الفجر وهو يأكل فصدقهم وقال: إذا لم أكن صائماً آكل حتى أشبع ثم ظهر أن أكله الأول قبل طلوع الفجر وأكله الأخير بعد الطلوع فلا كفارة عليه عند الحنفيين؛ لأن إخبارهم بطلوع الفجر أورث شبهة أثرت في كونه صوماً تاماً وإن كان المخبر واحداً فعليه الكفارة- عدلاً كان المخبر أو غير عدل- لأن شهادة الفرد في مثل هذا لا تقبل فلا تورث شبهة (¬2) (ولو) نوى الصوم في رمضان قبل الزوال ثم أفطر عمداً لا تلزمه كفارة عند النعمان؛ لأن عدم تبييت النية شبهة بها نقص الصوم فتدرأ الكفارة (وقال) الصاحبان: عليه الكفارة؛ لأنه بفطره عمداً بعد نية صحيحة انتهك حرمة الشهر قطعاً وعلى قياس هذا لو صام يوماً من رمضان بمطلق النية ثم أفطر تلزمه الكفارة عند النعمان لمكان الشبهة خلافاً لهما (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 3 مغنى ابن قدامة (قال) ابن رشد: وسبب هذا الخلاف أن المفطر بشيء فيه اختلاف، فيه شبه من غير المفطر ومن المفطر. فمن غاب أحد الشيهين أوجب له ذلك الحكم. وهذان الشبهان أوجبا فيه الخلاف أعنى هل هو مفطر أو غير مفطر؟ ولكون الإفطار شبهة لا يوجب الكفارة عند الجمهور وإنما يوجب القضاء فقط: مال أبو حنيفة إلى أن من أفطر متعمداً للفطر ثم طرأ عليه في ذلك سبب مبيح للفطر أنه لا كفارة عليه كالمرأة تفطر عمداً ثم تحيض باقي النهار وكالصحيح يفطر عمداً ثم يمرض والحاضر يفطر ثم يسافر فمن اعتبر الأمر في نفسه أعنى أنه مفطر في يوم جاز له الإفطار فيه لم يوجب عليهم كفارة وذلك أن كل واحد من هؤلاء قد ظهر أنه أفطر في يوم جاز له الإفطار فيه. ومن اعتبر الاستهانة بالشرع أوجب عليه الكفارة، لأنه حين أفطر لم يكن عنده علم بالإباحة وهو مذهب مالك والشافعي (انظر ص 215 ج 1 بداية المجتهد). (¬2) انظر ص 277 ج 2 البحر الرائق (ما يفسد الصوم وما لا يفسده). (¬3) انظر ص 276 منه.

(10) الأعذار المبيحة للفطر

(10) الأعذار المبيحة للفطر تقدم أن ترك الصوم وإفساده لغير عذر حرام أما بعذر فلا يحرم وحيث اختلف الحكم بتحقق العذر وعدمه فلابد من بيان الأعذار المسقطة لإثم الفطر والمبيحة له وهي تسعة: (1) المرض: يباح الفطر في رمضان لمن دخل عليه وخاف- بغلبة ظن أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير ظاهر الفسق- من الصوم المرض إذا كان صحيحاً أو زيادته أو بطأه إذا كان مريضاً لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر (¬1) " (وفي) حديث معاذ بن جبل في أحوال الصيام قال: ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن- إلى قوله- فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح. ورخص فيه للمريض والمسافر. وثبت الإطعام الكبير الذي لا يستطيع الصيام، أخرجه احمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح (¬2). {226} وعلى هذا أجمعت الأئمة: فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً لما يتضمنه من الإضرار بنفسه وتركه تخفيف الله وقبول رخصته. ويصح صومه ويجزئه لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها. والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله والخوف من تجدد المرض في معناه ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 185. (¬2) انظر هامش ص 281.

(قال) أحمد- فيمن به شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشق أنتياه- له الفطر. وقال في الحارية تصوم إذا حاضت فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض يعني إذا حاضت وهي صغيرة إذا كانت تخاف المرض بالصيام فيباح لها الفطر وإلا فلا (¬1). (2) السفر: يباح الفطر للمسافر سفر قصر وإن لم يضره الصوم، لأن السفر الطويل لا يعري عن المشقة وهي لا تنضبط فاعتبر مظنتها لقوله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" أخرجه الجماعة والبيهقي وقال الترمذي حسن صحيح (¬2) {227} وهو نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار وأنه يصح صوم الفرض للمسافر وأن صومه في السفر ليس واجباً. وظاهره أنه سأل عن مطلق الصوم فرضاً أو غيره فلا يكون فيه حجة على من منع صوم رمضان في السفر. لكن قد صرح برمضان في أحاديث (منها) حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرٍ شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه" أخرجه مسلم (¬3) {228} ¬

(¬1) انظر ص 17 ج 3 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 97 ج زرقاني الموطأ. وص 100 ج 10 الفتح الرباني. وص 129 ج 4 فتح الباري (الصوم في السفر والإفطار) وص 237 ج 7 نووي. وص 146 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 41 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 262 ج 1 ابن ماجه. وص 243 ج 4 بيهقي. (¬3) انظر ص 238 ج 7 نووي (جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر).

ثم الكلام هنا في ستة فصول: (1) صوم المسافر: دلت أحاديث الباب على جواز صيام رمضان وفطره للمسافر وبه قال عامة العلماء. واختلفوا في الأفضل منهما (فقال) الحنفيون ومالك والشافعي والثوري: الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه والفطر أفضل لمن يقو على الصيام؛ لقوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم" و (لحديث) أبي الدرداء السابق ففيه فطر من اشتد عليهم الحرّ من الصحابة ولم يقو على الصيام وصيام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، لأنه لم يجهدها (وحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام ذلك حسنٌ ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (¬1) {229} (وقال) أحمد وإسحاق: الفطر أفضل (لحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناسُ عليه وقد ظلل عليه فقال ماله؟ قالوا هذا رجلٌ صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر" أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {230} تمسك بعض الظاهرية بهذا وقال إذا لم يكن من البر فهو من الإثم فدل على أن صوم رمضان لا يجزئ في السفر. وحمله أحمد على الكراهة (ورد) بأن الحديث معناه إذا شق عليكم وخفتم الضرر كما يدل عليه ¬

(¬1) انظر ص 102 ج 10 الفتح الرباني (جواز الفطر والصوم في السفر) وص 234 ج 7 نووي وص 245 ج 4 بيهقي. و (لا يجد) بكسر الجيم أي لا يحقد على غيره. (¬2) انظر ص 106 ج 10 الفتح الرباني (أفضلية الفطر في السفر) وص 233 ج 7 نووي.

سياق الحديث وصوم النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في شدة الحر ولو كان إثماً لكان أبعد الناس منه (قال) الخطابي: الحديث مقصور على من كان في مثل حال من سيق له فالمعنى ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره ولتخييره في حديث حمزة الأسلمي بين الصوم والإفطار. ولو لم يكن الصوم براً لم يخيره فيه (¬1) (وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأنظر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن أناساً صاموا فقال "أولئك العصاة أولئك العصاة" أخرجه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح (¬2) {231} (وأجيب) بأنه محمول على من تضرر بالصوم لقوله: إن الناس قد شق عليهم الصيام أو أنهم أمروا بالفطر أمراً جازما لبيان جوازه فخالفوا الواجب. وعلى التقديرين لا يكون الصائم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به (وقال) ابن عمر: لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم، أخرجه البيهقي (¬3) وهذا اجتهاد من ابن عمر فلا حجة فيه أو محمول على من يضعفه الصوم (والقول) الأول أعدل المذاهب. ¬

(¬1) انظر ص 124 ج 2 معالم السنن (اختيار الفطر). (¬2) انظر ص 232 ج 7 نووي وص 40 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية الصوم في السفر) و (كراع) بضم الكاف و (الغميم) بفتح الغين المعجمة واد أمام عسفان على نحو ثلاثة مراحل من مكة (وقال) الترمذي: قال الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس من البر الصيام في السفر" وقوله - حين بلغه أن ناساً صاموا- "أولئك العصاة" فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى. فأما من رأى الفطر مباحاً وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلى (انظر ص 41 ج 2 تحفة الأحوذي). (¬3) انظر ص 245 ج 4 بيهقي (من اختار الصوم في السفر إذا قوي عليه).

(ب) فطر المسافر: يجوز للمسافر في أثناء الشهر الفطر ولو شهد أول رمضان في الحضر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد- وهو ماءٌ بين عسفان وقديد- أفطر وأفطروا قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر" أخرجه البخاري (¬1) {232} فيه دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان وفيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه (¬2) (وقال) ابن عباس: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه حتى إذا بالكديد دعا بماء في قعبٍ ¬

(¬1) انظر ص 2 و 3 ج 8 فتح الباري (غزوة الفتح في رمضان). (وذلك على رأس ثمان سنين ونصف ... ) هكذا في رواية معمر وهو وهم الصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت سنة ثمان. ومن ربيع الأول إلى رمضان نصف سنة. فالتحرير أنها سبع سنين ونصف (انظر تمامه بص 3 ج 8 فتح الباري) و (الكديد) بفتح فكسر مكان فيه ماء بينه وبين المدينة نحو سبع مراحل وعلى مكة من مرحلتين والمرحلة يقطعها المسافر في يوم. و (عسفان) بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة و (قديد) بالتصغير موضع بين مكة والمدينة (وقد) غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث فتوهم أن الكديد فريب من المدينة وأن قوله: فصام حتى بلغ الكديد. كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة فزعم أنه خرج منها صائماً فلما بلغ الكديد في يومه أفطر في نهار رمضان واستدل بهذا على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه. ومذهب الحفنيين ومالك والشافعي والجمهور: أنه لا يجوز الفطر في هذا اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر. واستدلال هذا القائل بالحديث من العجائب لأن الكديد وكراع من الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة (انظر ص 230 و 231 ج 7 نووي). (¬2) انظر ص 230 ج 7 نووي مسلم.

وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون بعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون" أخرجه احمد (¬1) {233} المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استمروا يصومون من خروجهم من المدينة حتى بلغوا كديداً. وهذه المسافة تستغرق نحو سبعة أيام ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فشرب ليعلم الناس أنه قد أفطر فأفطروا (وفيه) دليل على أن فضيلة الفطر للمسافر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلتحق بذلك من يقتدي به ليتابعه من وقع له شيء مما ذكر ويكون الفطر في حقه حينئذ أفضل للبيان. والأحاديث في هذا كثيرة وكلها تدل (أولاً) على أن للمسافر أن يفطر في أثناء الشهر ولو استهل رمضان في الحضر فإن النبي صلى الله عليه وسلم استهل رمضان عام الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه لعشر مضين منه وصام حتى بلغ الكديد بعد سبعة أيام ثم أفطر وبهذا قال عامة العلماء (¬2) (ثانياً) تدل الأحاديث على أن من نوى الصوم وهو مسافر يجوز له الفطر وهو مذهب الجمهور وبه قطع أكثر الشافعية، وقال بعضهم: ليس له أن يفطر. (جـ) متى يفطر من خرج مسافراً؟ يباح لمن خرج مسافراً الفطر متى جاوز مساكن البلد، لقول ¬

(¬1) انظر ص 113 ج 10 الفتح الرباني (من شرع في الصوم ثم أفطر) و (القعب) - بفتح فسكون- قدح من خشب. (¬2) (عامة العلماء) وشذ عبيدة السلماني وأبو مجاز وسويد بن غفلة فقالوا: لا يباح لمن سافر في أثناء الشهر الفطر لقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا قد شهده وهو مقيم (ورد) بأن الأحاديث الصحيحة الكثيرة دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أول الشهر وهو مقيم ثم سافر بعد عشر منه ثم أفطر بعد سبعة أيام من سفره وقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" معناه من شهد كله خالياً من الأعذار فليصمه ومن شهد بعضه كذلك صام ما لم يطرأ عليه مبيح للفطر وإلا أفطر.

عبيد بن جبير. ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان فقلت: يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد، فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا، قال: فكل فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا" أخرجه أبو داود والبيهقي والدارمي وأحمد وهذا لفظه (¬1) {234} (دل) الحديث (أ) على أنه يجوز لمن بيت نية الصوم ثم سافر نهاراً أن يفطر وهو الأصح عن أحمد واختاره المزني (قال) الخطابي: وشبهوه بمن أصبح صائماً ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر للمرض. وكذلك من أصبح صائماً ثم سافر، لأن كلاً من المرض والسفر مرخص حدث في أثناء النهار (ورد) بأن السفر لا يشبه المرض، لأن السفر من فعله والمرض يحدث من غير اختياره فيعذر فيه لا في السفر (¬2) (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي والأوزاعي: لا يباح له فطر ذلك اليوم، لأن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة ¬

(¬1) انظر ص 158 ج 10 المنهل العذب المورود (متى يفطر المسافر إذا خرج؟ ) وص 246 ج 4 بيهقي وص 10 ج 2 دارمي. وص 117 ج 10 الفتح الرباني (وابن جبير) بالتصغير كان ممن بعث به المقوقس مع مارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فله صحبة (والفسطاط) بضم أو كسر فسكون في الأصل المدينة التي فيها مجمع الناس. والمراد هنا مصر القديمة التي بناها عمرو بن العاص (والسفرة) في الأصل يصنع للمسافر وتطلق على ما يوضع فيه الطعام مجازاً و (الغداء) بالدال الطعام يؤكل أول النهار و (أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) استفهام إنكاري أي لا يترك الأكل فإن في تركك له إعراضاً عن العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسم إذا قال الصحابي: من السنة كذا. فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وما حوزنا) بشد الواو وفتح الزاي أي الموضع الذي ضمنا وأردنا السفر إليه. (¬2) انظر ص 126 ج 2 معالم السنن.

(وأجابوا) عن الحديث (أولاً) بأن أبا بصرة لعله ثبت عنده بنوع اجتهاد أنه يجوز الإفطار إذا نوى الصوم بالليل، وإلا فلا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثانياً) أنه يحتمل أن أبا بصرة كان مقيماً في فسطاطه فخرج منها ليلاً قبل الصبح ولم ينو الصوم، فصار مسافراً فجاز له الإفطار لما فارق بيوت مصر من الجهة التي ركب فيها السفينة (¬1). (2) ودل الحديث أيضاً على أنه لا يجوز لمن خرج مسافراً الفطر حتى يجاوز مساكن البلد. وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور، لظاهر قوله في الحديث (ما تغيبت عنا منازلنا بعدُ) أي أتأمرنا بالطعام قبل بعدنا عن البيوت. قال: ذلك مستغرباً لظنه أن الفطر لا يجوز للمسافر وهو يرى العمران. فلا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها. (د) مسافة السفر المبيح للفطر: أقل مسافة يباح فيها الفطر للمسافر ثلاثة أميال أي فرسخ (5565 متر) عند الظاهرية (روي) روي منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط (وذلك ثلاثة أميال) في رمضان ثم إنه أفطر وأفطر معه ناسٌ وكره آخرون أن يفطروا. فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت النوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك- أخرجه احمد والطحاوي وأبو داود وهذا لفظه والبيهقي، ومنصور الكلبي قال ابن المديني: مجهول ووثقه العجلي وباقي رجاله ثقات يحتج بهم في الصحيح (¬2). القرية من دمشق هي قرية مزة- بكسر الميم وشد الزاي- كان يسكنها ¬

(¬1) انظر ص 160 ج 10 المنهل العذب المورود (الشرح). (¬2) انظر ص 118 ج 10 الفتح الرباني. وص 160 ج 10 المنهل العذب المورود (قدر مسيرة ما يفطر فيه) وص 241 ج 4 بيهقي.

دحية وهي قرية كبيرة بينها وبين دمشق نصف فرسخ، والمسافة التي بينها وبين المحل الذي انتهى سير دحية إليه كالمسافة التي بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة، ولعلها أميال. وقد رأى دحية أن هذه المسافة يرخص فيها للصائم بالفطر، ولذا أفطر وأفطر بعض من معه وعاب على من صام، لأنه فهم أن صيامهم ليس بقصد العزيمة بل هو إعراض عن رخصة الإفطار في السفر أو أنه يرى أن الفطر واجب بالسفر (قال) الخطابي: يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر، وقد خالفه غير واحد من الصحابة فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة (¬1). (وقال) الليث بن سعد: الأمر الذي اجتمع الناس عليه ألا يقصروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد في كل بريد اثنا عشر ميلاً (قال) البيهقي: قد روينا في كتاب الصلاة: ما دل على هذا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. والذي روينا عن دحية الكلبي إن صح ذلك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أي في قبول الرخصة لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه (¬2)، وإذا قال الأئمة الأربعة والجمهور: لا يجوز الفطر للمسافر إلا في مسافة تقصر فيها الصلاة والخلاف في فطر المسافر كالخلاف في قصر المسافر الصلاة فكل سفر يبيح قصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 127 ج 2 معالم السنن (والبرد) بضمتين جمع بريد. فتكون المسافة بالليل ثمانية وأربعين ميلاً. وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً عند غير الحنفيين وعندهم 83.5 ك ونصف كما تقدم في مسافة القصر (انظر ص 44 ج 4 الدين الخالص). (¬2) انظر ص 241 ج 4 بيهقي. (¬3) (فهو مبيح لفطر الصائم) قال ابن رشد: ذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي نقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة. وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر (وسبب) اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة. ولما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة. ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة (انظر ص 206 ج 1 بداية المجتهد).

(هـ) مدة فطر المسافر: هي مدة السفر، فللمسافر الفطر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوي الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثوري والمزني والليث بن سعد (وقال) الأئمة الثلاثة: المسافر إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام أفطر، وإن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج صام وقد تقدم في بحث مدة القصر أدلة كل (¬1)، وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته فإنه يفطر مدة انتظاره قضاء حاجته عند الحنفيين ومالك وأحمد، وروي عن الشافعي لما تقدم في بحث مدة القصر، (ولقول) ابن عباس رضي الله عنهما: صام النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد- الماء الذي بين قديد وعسفان- أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلح الشهر" أخرجه البخاري (¬2). {235} كان فتح مكة لثلاث عشرة أو ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة خلت من رمضان على الخلاف في ذلك (وفي الحديث) دليل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردداً جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر كما تقدم في بحث قصر الصلاة (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 59 ج 4 الدين الخالص. (¬2) انظر ص 2 ج 8 فتح الباري (غزو الفتح). (¬3) انظر ص 49 وما بعدها ج 4 الدين الخالص.

(و) انقطاع حكم السفر: ينتهي السفر بأحد أمور ثلاثة (أ) نية الإقامة بموضع صالح لإقامته مدة معينة على ما تقدم بيانه (ب) الرجوع إلى المكان الذي ابتدأ منه السفر (ج) نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر. أما إن نوى الرجوع بعد قطعها فإنه لا يلزمه الصوم إلا إذا دعا بالفعل. فإذا حصل واحد مما ذكر في أثناء نهار رمضان وهو مفطر، لزمه الإمساك عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وهو رواية عن أحمد، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصوم فإذا طرأ أوجب الإمساك كقيام النية بالرؤية. (وقال) مالك والشافعي: يستحب له الإمساك. وروي عن أحمد، لحرمة الشهر ولا يجب، لأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له استدامة الفطر كما لو دام العذر. وتقدم تمام الكلام في هذا في بحث من صار أهلاً للصيام (¬1). (3 و 4) الحمل والرضاع: الحامل هي التي في بطنها جنين. والمرضع التي شأنها الإرضاع وإن لم تباشره. والمرضعة هي المباشرة له بإلقام ثديها الصبي. فيباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما ولو رضاعاً- بغلبة الظنّ بنحو تجربة أو إخبار طبيب ثقة- من حصول ضرر بالصوم كضرر المريض. وللمرضع الفطر بشرب دواء أخبر الطبيب الثقة أنه يمنع استطلاق بطن الرضيع مثلاً (لحديث) أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام" أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي وحسنه الترمذي (¬2) {236} ¬

(¬1) تقدم ص 350. (¬2) انظر ص 126 ج 10 الفتح الرباني (الصيام للمريض والحامل والمرضع) وص 153 ج 10 المنهل العذب المورود وص 318 ج 1 مجتبي وص 263 ج 1 ابن ماجه وص 42 ج 2 تحفة الأحوذي (الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع) وص 231 ج 4 بيهقي.

(دل الحديث) على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما وبه يقول عامة العلماء. واختلفوا في لزوم القضاء والفدية عليهما (فقال) ابن عباس وابن عمر: عليهما الفدية بلا قضاء إذا خافتا على ولدهما (روي) سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنه قال إذا خافت الحاملُ على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً ولا يقضيان صوما أخرجه ابن جرير الطبري (¬1). (وعن) نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة. أخرجه مالك والبيهقي (¬2). (وقال) الحنفيون: يباح الفطر للحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما وعليهما القضاء عند القدرة ولا فدية عليهما لعدم النص عليها في الحديث (وبهذا) قال مالك في الحامل (وقال) في المرضع: إذا خافت على ولدها أو نفسها ولم تجد أجرة ترضعه بها عليها الفطر والقضاء والفدية لكل يوم مد (وقال) الشافعي وأحمد: يباح لهما الفطر وعليهما القضاء فقط إن خافتا على أنفسهما فقط أو مع ولدهما. أما إن خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء لأن حالهما لا ينقص عن حال المريض وعليهما الفدية أيضاً لكل يوم مد من غالب قوت البلد عند الشافعي لأنهما يطيقان الصوم وقد قال الله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (¬3) " (وقال) أحمد: الواجب مد بر أو نصف صاع شعير والخلاف فيه ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 جامع البيان. (¬2) انظر ص 116 ج 2 زرقاني الموطأ. وص 230 ج 4 بيهقي. (¬3) سورة البقرة آية 184.

كالخلاف في إطعام المساكين في كفارة الجماع. فإن عجزتا عن الإطعام سقط عنهما بالعجز ككفارة الوطء بل أولى لوجود العذر. وقيل لا يسقط (¬1). (5) الكبر: - بكسر ففتح- الطعن في السن يطلب من الشيخ الهرم والمرأة العجوز إذا لحقهما بالصوم مشقة أن يفطروا ويطعما لكل يوم مسكيناً مداً من بر عند الشافعي وأحمد ونصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك عند الحنفيين إن قدر وإلا استغفر الله تعالى وطلب منه العفو والاقالة (قال) ابن عباس رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه. أخرجه الدارقطني والحاكم وصححاه (¬2) (والظاهر) أن هذا موقوف. ويحتمل أن المراد رخص النبي صلى الله عليه وسلم فبني الفعل للمجهول للعلم بالفاعل. فإن الترخيص إنما يكون توقيفاً. ويحتمل أنه فهمه ابن عباس من الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" وهو الأقرب (وقال) مالك: الشيخ الفاني والمرأة الفانية يفطران ولا شيء عليهما لأنهما تركا الصوم للعجز فلا تجب فدية كالمريض الذي اتصل مرضه بالموت. وهذا قياس مع النص فلا يعول عليه. (هذا) ولو كان الشيخ الفاني مسافراً فمات قبل الإقامة لا يلزم الإيصاء بالفدية لأنه إنما ينتقل من الصوم إلى الفدية عند لزومه وهو لا يلزم المسافر. والفدية لا تكفي إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره، فلو لزمته كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ عاجز عن الصوم أو لم يصم ¬

(¬1) انظر ص 21 ج 3 شرح المقنع. (¬2) انظر ص 250 الدارقطني.

حتى عجز عنه لا تكفيه الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره. هذا ويجوز في الفدية طعام الإباحة عند الحنفيين وهو أكلتان مشبعتان (وقال) غيرهم لا يجوز بل لابد فيها من التمليك وإن قدر الشيخ أو العجوز على الصوم بعد الفدية، لزمه القضاء لأنه وجد أياماً أخر ولأن شرط وقوع الفدية خلفاً عن الصوم دوام العجز عنه (وعن) أحمد- فيمن أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام- روايتان (الأولى) لا يلزمه لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية الواجبة عليه فلم يعد إلى الشغل بما برئت منه كمن كان مريضاً لا يرجي برؤه أو شيخاً لا يستمسك على الراحلة فأقام من يحج عنه ويعتمر فيجزيء عنه وإن عوفي (الثانية) يلزمه القضاء لأن الإطعام شرع لليأس وقد تبينا ذهاب اليأس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض ثم حاضت (¬1). (6) يباح الفطر لمن أكره عليه بملجئ كالقتل أو قطع عضو. (7) ويباح الفطر للمجاهد لا علاء كلمة الدين ولو مقيماً إذا خاف الضعف عن الجهاد إذا استمر صائماً. (8 و 9) ويباح الفطر لمن خاف الهلاك أو نقصان العقل أو الضرر من جوع أو عطش شديدين إن لم يفطر لقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (¬2) ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) سورة البقرة آية 195. و (بأيديكم) الباء زائدة وقال المبرد: بأيديكم، أي بأنفسكم تعبير للبعض عن الكل. وقيل هو مثل مضروب للاستسلام يقال: ألقي فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم. و (التهلكة) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وتهلكه أي لا تأخذوا فيما يهلككم. قال أسلم أبو عمران: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة. فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما نزلت هذا الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله عز وجل (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي والحاكم وهذا لفظ أبي داود انظر ص 320 ج 2 عون المعبود (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة- الجهاد).

وقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (¬1) (ولحديث) ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا ضرر ولا ضرار" أخرجه أحمد بسند حسن (¬2) {237} (تتميم) من أفطر لعذر مما سبق ومات قبل زواله لا يلزمه قضاء ولا وصية بالفدية، لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر وهذا مجمع عليه (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (¬3) {238} ومن أفطر لعذر زوال قبل الموت بقدر ما فاته يلزمه قضاؤه، لإدراكه عدة من أيام أخر وإن لم يزل الذر بقدر ما فات بل زال أياماً أقل من الفائت ثم حل الموت، لزمه القضاء بقدر أيام زوال العذر. فإن كان قضاها فيها وإلا لزمه الوصية بالفدية عن كل يوم يلزمه قضاؤه. فمن أفطر لعذر. وتمكن من القضاء ولم يقض أو أفطر لغير عذر ومات ولم يقض أطعم عنه من له التصرف في ماله عن كل يوم مسكيناً (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً" أخرجه الترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. والصحيح عن ابن عمر موقوف وأخرجه ابن ماجه من طريق آخر مرفوعاً (¬4) {239} ¬

(¬1) سورة الحج آية 78. (¬2) انظر رقم 9899 ص 431 ج 6 فيض القدير. (¬3) انظر ص 109 ج 15 نووي (وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم). وص 2 ج 2 مجتبي (وجوب الحج) وص 253 ج 4 بيهقي. (¬4) انظر ص 43 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 274 و 275 ج 1 ابن ماجه (ومن مات وعليه صيام رمضان) (فليطعم) مبني للفاعل. أي فليطعم ولي الميت بدل كل يوم مسكيناً وروي مبنياً للمفعول ومسكين نائب فاعل.

و (لذا) قال الحنفيون: لا يصام عن الميت مطلقاً ويطعم عنه وليه إن أوصى به عن كل يوم لزم نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقة أو صاعاً من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك (وقال) مالك والشافعي في الجديد: يطعم عنه وليه مداً من طعام عن كل يوم، لقول ابن عباس لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة أخرجه النسائي في الكبرى بسند صحيح (¬1) (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم" أخرجه عبد الرازق والبيهقي (¬2). (هذا) ويلزم أن يكون الإطعام من ثلث ما تركه من عليه الفدية إن كان له وارث وإلا فمن الكل إن أوصى. والوصية لازمة إن كان له مال وإن لم يوص لا يلزم الإطعام عند الحنفيين ومالك وإن تبرع به الولي أو غيره صح وله الثواب عند الشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون ومالك: لا يسقط الواجب عن الميت لعدم نيته وفعل الغير لا يقوم مقام فعله بلا إذنه. والزكاة والصلاة كالصوم وكل صلاة في الفدية كصوم يوم على الصحيح عند الحنفيين (وقال) المحدثون والليث بن سعد والزهر كما والشافعي في القديم: يجوز الصوم عن الميت مطلقاً لا فرق بين قضاء رمضان والنذر والكفارات (لعموم) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) انظر ص 257 ج 4 الجوهر النقي. وص 263 ج 2 نصب الراية. (¬2) انظر ص 257 ج 4 بيهقي (من قال: يصوم عنه وليه).

"من مات وعليه صيام صام عنه وليه" أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي وأبو داود وقال: هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل (¬1) {240} المعنى أن من مات من المكلفين وعليه قضاء صيام لازم من فرض رمضان أو نذر أو كفارة صام عنه وليه. والمراد به كل قريب ولو غير عاصب على الصحيح. (وقال) بريدة رضي الله عنه "بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شعر أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي عنها" أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح (¬2) {241} (وقال) أحمد وإسحق: من مات وعليه صيام صاله عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مداً (لقول) ابن عباس "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك" أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم (¬3) {242} والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها والنذر أخف حكماً لكونه لم يجب بأصل الشرع وإنما أوجبه الناذر على نفسه (وأجاب) الجمهور عن هذه الأحاديث. ¬

(¬1) انظر ص 255 ج 4 بيهقي. وص 143 ج 10 المنهل العذب المورود. والحديث تقدم رقم 100 ص 93 (القرب تهدي إلى الميت). (¬2) انظر ص 132 ج 9 الفتح الرباني، وص 25 ج 8 نووي (قضاء الصوم عن الميت) وص 25 ج 2 تحفة الأحوذي (المتصدق يرث صدقته). (¬3) انظر ص 140 ج 4 فتح الباري، وص 24 ج 8 نووي (قضاء الصوم عن الميت).

(11) بدع رمضان

(ا) بأنها مصروفة عن الظاهر للإجماع على أن من مات وعليه صلاة لا يصلي عنه مع أنها دين عليه فكذا الصوم، لأن كلاً منهما عبادة بدنية. (ب) وبأنها معارضة بما تقدم من الأحاديث الدالة عن منع الصيام عن الغير ولذا أفتى ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما- فيما تقدم- بخلاف ما روياه فدل ذلك على أن العمل على خلاف ما رويا، لأن فتوى الراوي خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ويبعد عن مقام الصحابي أن يرجع عما رواه ويفتي بضده، إلا لاطلاعه على ناسخ نسخ ما رواه (ويؤيد) النسخ قول مالك في الموطأ: إنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل: هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد. ولا يصلي أحد عن أحد (¬1). (والظاهر) ما ذهب إليه أحمد من أنه لا يصام عمن مات وعليه صوم رمضان ويصام عمن مات وعليه نذر وبه يجمع بين الأحاديث (قال) ابن قدامة بعد كلام: إذا ثبت هذا فإن الصوم ليس بواجب على الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ولا يجب على الولي قضاء دين الميت وإنما يتعلق بتركته إن كانت له تركة فإن لم يكن له تركة فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته وذلك رهانه كذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولي بل كان من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه (¬2). (11) بدع رمضان قد تبين ما ينبغي للعاقل أن يتخلى عنه في هذا الشهر المبارك من التفريط واللغو وغيرهما من الرذائل (¬3) وما يلزم أن يتحلى به فيه من الفضائل لكن ¬

(¬1) انظر ص 111 ج 2 زرقاني الموطأ (النذر في الصيام والصيام عن الميت). (¬2) انظر ص 83 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) تقدم ص 367 و 372.

الشيطان لبني الإنسان بالمرصاد لا يألو جهداً في أن يحسن لهم ما يخرجون به عن طريق الجادة "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين (¬1) " فقد زين لهم بدعاً ومخالفات ما أنزل الله بها من سلطان فارتكبوها في هذا الشهر العظيم المبارك شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران والرضا والإحسان لمن أخلص فيه للرحيم الرحمن. (منها) ما يفعله بعض الجهلة عند رؤية هلال رمضان من رفع أيديهم قائلين هل هلالك جل جلالك. شهر مبارك علينا وعليك ونحوه مما تقدم في بحث ما يقال عند رؤية الهلال (¬2) (ومن) المخالفات الفظيعة ما يقع بعد رؤية هلال رمضان وهلال شوال من صباح النساء ولطمهن الخدود على من لم يحل عليه الحول من الأموات وهن على سطوح الدور والمنازل (والأقبح) من ذلك خروجهن بعد ذلك إلى المقابر واختلاطهن بالرجال يرتكبن أقبح الفواحش وقد ترك رعاتهن لهن الحبل على الغارب ناسين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها. والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته. والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته. فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر (¬3) {243} يعني كلكم ملزم بحفظ ما يطالب به من أمر رعيته إن كان والياً وعن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه والكل مسئول في الآخرة عن رعيته هل وفاهم حقوقهم وقام بمصالحهم الدينية والدنيوية؟ فإن وفي ما عليه من ¬

(¬1) سورة ص آية 82 و 83. (¬2) تقدم ص 339. (¬3) انظر رقم 6370 ص 38 ج 5 فيض القدير.

الرعاية فله الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل واحد من رعيته بحقه "يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبه وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (¬1) ". (وأفاد) الحديث أن الراعي إنما أقيم لحفظ ما استرعاه. وهو يشمل المنفرد إذ يصدق عليه أنه راع في جوارحه باستعمالها فيما خلقت له من طاعة الله تعالى: "إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً (¬2) ". يقع هذا (ولا عمل) بقول الله تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله (¬3) " ولا ارتداع مما قال ابن عباس: "لعن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زائرات القبور" أخرجه أحمد والأربعة والحاكم (¬4). {244} وإنما لعن لأنهن مأمورات بالقرار في البيوت. فأي امرأة خالفت ذلك وكان يخشى منها أو عليها الفتنة، فقد استحقت الطرد عن رحمة الغفار والابتعاد عن منازل الأبرار ويحرم عليها زيارة القبور أو تكره على ما تقدم بيانه في بحث زيارة النساء القبور (¬5) (ومن) البدع تأخير الفطر بعد تحقق الغروب بقصد التمكين فهو خلاف السنة، لما تقدم في آداب الصيام (¬6). (ومنها) ما يفعله كثير من الناس من وضع الطعام قبل الغروب والالتفاف ¬

(¬1) سورة عبس: آية 24 - 27. (¬2) سورة الإسراء: آية 36. (¬3) سورة الأحزاب: آية 33. (¬4) تقدم رقم 13 ص 10 (التحذير من إيقاد السرج على القبور). (¬5) تقدم ص 86. (¬6) تقدم ص 440 و 441.

حوله والنظر إليه زاعمين أن ذلك طاعة وأن الطعام يستغفر لهم لصبرهم عنه- مع حضوره وحاجتهم إليه- امتثالاً لأمر ربهم وخشية منه واحتراماً لرمضان شهر الصبر والصيام. (ومنها) فطر الجهلة على غير الحلو والماء بل يسرعون إلى تناول الدخان والتمباك ونحوهما وفي ذلك شغفهم ولذتهم وراحتهم كما يزعمون. مع أن تناول ما ذكر ممنوع مطلقاً كما تقدم في بحث (صيانة المسجد عن الروائح الكريهة (¬1) (ومنها) ما ابتدعه الجهلة في صلاة التراويح وقد تقدم بعضه في بحثها (¬2). (ومنها) إنارة المنائر في رمضان وزيادة النور في المساجد، فإنه إسراف وتبذير لم يكن من فعل السلف وهو حرام سيما إذا كان من مال الوقف. (ومن) أفظع المخالفات ما يفعله بعض الأعيان من إحضار قارئ يقرأ القرآن في حجرة صغيرة بينما هم يسمرون مع زائريهم في الحجرات الفخمة. والكل في لهو وإعراض عن كلام الله لا ينصتون إليه ولا يتعظون بآياته بل يرفعون أصواتهم بالقيل والقال وأمور الدنيا على القرآن ويعبثون ويشربون الدخان ويقهقهون كأنهم في مقهى أو مسرح ناسين قول الله تعالى: "وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" (¬3) وإذا رآهم على هذه الحال مرشد خاف مولاه فأمرهم بترك هذا الهذيان وبالتدبر لما يتلى عليهم من كلام الله عز وجل أبوا وأصروا واستكبروا ¬

(¬1) تقدم ص 210 ج 3 الدين الخالص. (¬2) تقدم ص 266 ج 5 الدين الخالص. (¬3) آية 204 سورة الأعراف. و (الإنصات) الإصغاء عند القراءة وقيل الاستماع في الجهرية والإنصات في السرية. أمرهم الله تعالى بالاستماع للقرآن والإنصات ليدبروا ما فيه من الحكم والمصالح ولينتفعوا بمواعظه وآدابه وأوامره وقيل هذا خاص بالصلاة عند قراءة الإمام ولا يخفى أن اللفظ أوسع من هذا فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حال وعلى أي صفة واجب على السامع.

استكباراً ولجهلهم وعدم تدبرهم يقرأ القاريء آيات العذاب والغضب واللعنة والطرد والوعيد فلا خوف ولا خشوع ولا خضوع بل يكون منهم الاستحسان وإظهار الرضا بقولهم الله الله غافلين عن قول الله تعالى: "ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" (¬1). (فعلى) العقلاء أن يتأدبوا في مجلس القرآن لأنهم حينئذ في حضرة الرحيم الرحمن الواحد القهار العزيز الجبار وأن يمنعوا العبث والريح الكريه ورفع الصوت والاشتغال بغير تدبر الآيات وأن يعملوا بما يتلى عليهم فيقفوا عند الحدود فلا يراهم مولاهم حيث نهاهم ولا يفقدهم حيث أمرهم. (ومنها) تعجيل السحور فهو خلاف السنة لما تقدم (¬2). (ومنها) التسحير وهو مناداة بعض الناس في الشوارع والحارات والطرق بكلمات يوقظون بها الناس للسحور فإن هذا لم يكن في شهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ولم يكن من فعل من مضي والخير كله في الاتباع والشر في الابتداع. ومما يزيد الطين بلة أن المسحرين يقومون إلى التسحير بعد نصف الليل فيكون لا فائدة في السحور ولا يساعد على أداء العبادة على وجهها الأكمل بلا مشقة. وإذا تسحر مبكراً فإنه يكسل عن قيام الليل لغلبة النوم عليه بخلاف ما إذا تسحر قريباً من طلوع الفجر فإنه يشتغل بعده بالطهارة لصلاة الصبح ثم يقضي وقته في ذكر الله حتى تطلع الشمس ثم ينصرف إلى عمله نشطاً (وبهذا) يحصل له التهجد ليلاً ويخف عليه الصوم نهاراً وينضبط حاله ولكنا نرى الناس في هذا الزمن يسهرون في المقاهي ودور الملاهي بزعم إحياء ¬

(¬1) آية 21 سورة الحشر. (¬2) تقدم ص 450.

(12) الموضوع في الصيام

ليالي رمضان والاحتفاء به حتى إذا انتصف الليل قاموا إلى السحور وبعدها ينامون ولا يوقظهم إلا حر الشمس. (ومن) الهذيان ما يفعله المسحرون في الأسبوع الأخير من رمضان من قولهم: لا أوحش الله منك يا شهر رمضان لا أوحش الله منك يا شهر الصيام. لا أوحش الله منك يا شهر القرآن. وغير ذلك. (ومن) المحدث الاحتفال بإحياء ليلة القدر في المساجد فإنه بدعة منكرة فيه مفاسد تقدم بيانها في بحث المواسم غير الشرعية (¬1). (12) الموضوع في الصيام وقد تحركت وبذلت الجهود في تخريج ما ثبت في الصيام من الأحاديث مبيناً حالها من صحة وحسن وضعف ونذكر هنا بعض الأحاديث الموضوعة لئلا يغتر بعض الجاهلين وهو أنواع المذكور منها هنا ستة: (الأول) ما قيل في رمضان وهو: (1) ما روي ابن عدي عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً: لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان قال ابن الجوزي موضوع آفته أبو معشر نجيح ليس بشيء (¬2). (2) ما روي ابن حبان عن أصرم بن حوشب بالسند إلى أنس مرفوعاً: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادي الجليل رضوان خازن الجنة فيقول: لبيك وسعديك. فيقول هييء جنتي وزينها للصائمين من أمة محمد ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي جبريل يا جبريل فيقول: لبيك ربي وسعديك. فيقول: أنزل إلى الأرض فغل مردة الشياطين عن أمة محمد ¬

(¬1) تقدم ص 157 ج 5 الدين الخالص. (¬2) انظر ص 5 ج 2 اللآلئ المصنوعة.

لا يفسدوا عليهم صيامهم ولله في كل ليلة من رمضان عند طلوع الشمس وعند وقت الإفطار عتقاء يعتقهم من النار الخ بطوله قال ابن الجوزي لا يصح أصرم كذاب (¬1). (3) ما روي عن عثمان بن عبد الله القرشي بالسند إلى أبي هريرة مرفوعاً: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه الصيام وإذا نظر إلى عبد لم يعذبه أبداً. ولله عز وجل في كل يوم ألف ألف عتيق من النار. فإذا كان ليلة النصف من شهر رمضان أعتق الله فيه مثل جميع ما أعتق وإذا كان ليلة خمس وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق وإذا كان ليلة تسع وعشرين أعتق فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله. وإذا كانت ليلة الفطر ارتجت الملائكة وتجلي الجبار جل جلاله مع أنه لا يصفه الواصفون فيقول للملائكة- وهم في عيدهم من الغد يوحي إليهم- يا معشر الملائكة ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ فتقول الملائكة: يوفي أجره. فيقول الله تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال السيوطي موضوع فيه مجاهيل والمتهم فيه عثمان. يضع (¬2). (4) ما روي ابن الناقور في خماسياته عن إبراهيم بن هدبة عن أنس مرفوعاً: لو أن الله عز وجل أذن للسماوات والأرض أن تتكلم لبشرت الذي يصوم شهر رمضان بالجنة. قال السيوطي: ابن هدبة كذاب (¬3). (5) ما قيل: يوم صومكم يوم نحركم. وفي لفظ: يوم رأس سنتكم. قال العجلوني، لا أصل له كما قاله الإمام أحمد والزركشي والسيوطي (¬4). (6) ما روي الدارقطني عن الحارث بن عبيدة الكلاعي قال: حدثنا ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 2 اللآلئ المصنوعة. (¬2) انظر ص 57 منه. (¬3) انظر ص 58 منه. (¬4) انظر ص 398 ج 2 كشف الخفاء.

مقاتل ابن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: من أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة. فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر المساكينَ قال السيوطي: مقاتل كذاب والحارث ضعيف (¬1). (7) ما روي الدارقطني عن محمد بن صبيح عن عمر بن أيوب الموصلي بالسند إلى أنس مرفوعاً: من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً. ومن أفطر يومين كان عليه أن يصوم ستين ومن أفطر ثلاثة كان عليه أن يصوم تسعين يوماً. قال الدارقطني: لا يثبت عمر بن أيوب لا يحتج به ومحمد بن صبيح ليس بشيء (¬2). (الثاني) ما قيل في الصوم المطلق وهو: (1) ما روي الخطيب عن إبراهيم ابن عبد الله بالسند إلى أنس مرفوعاً: إن الله تعالى أوحى إلى الحفظة أن لا تكتبوا على صوام عبيدي بعد العصر سيئة قال الدارقطني: إبراهيم بن عبد الله ليس بثقة حدث عن قوم ثقات بأحاديث باطلة منها هذا (¬3) (2) ما روي تمام عن موسى الطويل عن أنس مرفوعاً: من أفطر على تمرة من حلال، زيد في صلاته أربعمائة صلاة قال السيوطي: موسى يضع (¬4) (3) ما روي ابن عدي عن الحسن بن علي العدوي عن خراش بن عبد الله عن أنس مرفوعاً: من تأمل خلق امرأة حتى يتبين ثم حجم عظامها ورأى ثيابها وهو صائم فقد أفطر. قال السيوطي: موضوع العدوى وشيخه كذابان وإنما يروي عن حذيفة قال: من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب أبطل صومه (¬5) ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 2 اللآلئ المصنوعة. (¬2) انظر ص 60 ج 2 اللآلئ المصنوعة. (¬3) انظر ص 59 منه. (¬4) انظر ص 59 منه. (¬5) انظر ص 60 منه.

(4) ما روي الدارقطني عن سعيد بن عنبسة عن بقية عن محمد بن الحجاج عن جابان عن أنس مرفوعاً: خمس يفطرن الصائم وينقضن الوضوء: الكذب والنميمة والغيبة والنظر بشهوة واليمين الكاذبة قال السيوطي: مووضع سعيد كذاب والثلاثة فوقه مجروحين (¬1). (والثالث) ما قيل في صوم البيض- وهو ما روي ابن شاهين عن عبد الملك ابن هرون عن أبيه عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعاً: صوم البيض أول يوم يعدل ثلاثة آلاف سنة. واليوم الثاني يعدل عشرة آلاف سنة واليوم الثالث يعدل ثلاث عشرة ألف سنة. قال السيوطي موضوع. هرون لا يحتج به وابنه عبد الملك كذاب يضع (¬2). (الرابع) ما قيل في صوم ذي الحجة وهو: (1) ما روي ابن عدي عن محمد ابن المحرم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أن شاباً كان صاحب سماع فكان إذا هل هلال ذي الحجة الحرام أصبح صائماً فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ قال: إنها أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم فقال: لك بكل يوم عدل مائة رقبة تعتقها ومائة رقبة تهديها إلى بيت الله ومائة فرس تحمل عليها في سبيل الله فإذا كان يوم التروية فلك عدل ألف رقبة وألف بدنة وألف فرس تحمل عليها في سبيل الله. فإذا كان يوم عرفة فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس تحمل عليها في سبيل الله وصيام سنتين قبلها، وسنتين بعدها قال السيوطي لا يصح محمد بن المحرم كذاب (¬3) (2) وما روي ابن عدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ¬

(¬1) انظر ص 60 ج 2 - اللآلئ المصنوعة. (¬2) انظر ص 60 ج 2 - اللآلئ المصنوعة. (¬3) انظر ص 60، 61 ج 2 منه.

مرفوعاً: من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر وله بصوم يوم التروية سنة وله بصوم يوم عرفة سنتان. قال ابن الجوزي لا يصح الكلبي كذاب (¬1). (3) ما قيل: من صام يوم ثمانية عشرة من ذي الحجة كتب الله صيام سنتين شهراً قال العجلوني: ذكره الحلبي في سيرته من غير عزو لأحد ثم نقل عن الحافظ الذهبي أنه حديث منكر جداً. بل كذب فقد ثبت في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً هذا باطل (¬2). (4) ما روي ابن عدي عن أحمد بن عبد الله الهروي عن وهب بن وهب بسنده إلى ابن عباس مرفوعاً من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة قال السيوطي: الهروي ووهب كذابان (¬3). (الخامس) ما قيل في المحرم وهو: (1) ما روي أبو نعيم عن موسى الطويل عن أنس مرفوعاً: من صام تسعة أيام من أول المحرم بني الله له قبة في الهواء ميلاً في ميل لها أربعة أبواب قال السيوطي: موضوع آفتة موسى (¬4). (2) ما روي عن حبيب بن أبي حبيب بالسند إلى ابن عباس مرفوعاً: من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها. ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك وذكر مبالغات في الجزاء والثواب ليس عليها أثارة صدق قال السيوطي آفته حبيب (¬5). (السادس) ما قيل في رجب (ومنه) ما روي الديلمي عن أنس مرفوعاً رجب شهر الله وشعبان ¬

(¬1) انظر ص 61 ج 2 منه. (¬2) انظر ص 258 ج 2 كشف الخفاء. (¬3) انظر ص 61 ج 2 اللآليء المصنوعة (¬4) انظر ص 61 ج 2 اللآليء المصنوعة (¬5) انظر ص 61 ج 2 اللآليء المصنوعة

(13) الاعتكاف

شهري. ورمضان شهر أمتي. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق (¬1). (وقال) المناوي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خير: كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في وجب (¬2) ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب (¬3). (13) الاعتكاف ذكر بعد الصوم لأنه شرط في الاعتكاف الواجب اتفاقاً وكذا في غيره على الأصح كما يأتي، ولأن الاعتكاف مؤكد في العشر الأواخر من رمضان (وهو) في اللغة اللبث والحبس على الشيء خيراً كان أم شراً (قال) الله تعالى: "عن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد" (¬4). أي الملازم المسجد الحرام والطارئ عليه (وقال) تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم (¬5) " أي يلازمون عبادتها وفي الشرع المكث في مسجد جماعة- وهو ماله إمام ومؤذن ولو لم تصل فيه الخمس- مع النية. فاللبث ركن والنية شرط. وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة (قال) الله تعالى: "ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد (¬6) " ¬

(¬1) انظر ص 423 ج 1 كشف الخفاء. (¬2) أخرجه ابن أحمد والبيهقي وابن ماجه عن أنس مرفوعاً اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان (انظر ص 186 ج 1 كشف الخفاء). (¬3) انظر ص 18 ج 4 فيض القدير. (¬4) سورة الحج: آية 25. (¬5) سورة الأعراف: آية 138. (¬6) سورة البقرة: آية 187.

فالاختصاص بالمساجد وترك الوطء المباح، دليل على أن الاعتكاف قربة (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً" أخرجه البخاري وأبو داود والدارمي والبيهقي وابن ماجه (¬1) {245} (وسببه) النذر إن كان واجباً والنشاط الداعي إلى طلب الثواب إن كان تطوعاً. (وحكمه) مشروعية الاعتكاف الترغيب في جميع القلوب على الله تعالى بالخلوة مع خلو المعدة والإقبال على طاعة الله تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما سواه (وهو) مرغب فيه شرعاً لا سيما في العشر الأواخر من رمضان (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل" أخرجه احمد والترمذي وقال: حسن صحيح (¬2) {246} (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول: "التمسوها في العشر الأواخر" يعني ليلة القدر. أخرجه أحمد بسند جيد (¬3) {247} (هذا) والمعتكف ينبغي أن يكون قلبه معلقاً بالمسجد وأن يكون مرابطاً فيه فإن الملائكة تجالسه. فإن غاب بحثوا عنه وإن مرض عادوه ولا يحرم من دعائهم واستغفارهم له وهو في ضيافة الله وإكرامه يلحظه بعنايته ويكلؤه برعايته (روي) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) انظر ص 201 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) وص 239 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 27 ج 2 دارمي وص 314 ج 4 بيهقي وص 276 ج 1 ابن ماجه. (¬2) انظر ص 244 ج 10 - الفتح الرباني. وص 68 ج 2 تحفى الأحوذي (الاعتكاف). (¬3) انظر ص 244 ج 10 الفتح الرباني (فضل الاعتكاف).

إن للمساجد أوتاداً، الملائكة جلساؤهم إن غابوا يفتقدوهم وإن مرضوا عادوهم. وإن كانوا في حاجة أعانوهم" أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة. وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام. وقال: صحيح على شرطهما (¬1) {248} (وقال) أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة" أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال: إسناده حسن ورجاله رجال الصحيح (¬2) {249} ثم الكلام ينحصر في عشرة فروع: (1) حكم الاعتكاف: اتفق العلماء على مشروعية الاعتكاف واختلفوا في صفته (فقال) الحنفيون: هو ثلاثة أقسام (الأول) سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان لما تقدم (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" ثم اعتكف أزواجه من بعده اخرجه البيهقي والسبعة إلا ابن ماجه (¬3). {250} فالمواظبة عليه مع عدم الإنكار على من لم يفعله دليل أنه سنة (الثاني) واجب وهو ما لزم بالنذر المطلق كقوله: لله على أن اعتكف كذا. أو المعلق كقوله إن شفا الله فلاناً لاعتكفن كذا (وأصله) حديث ¬

(¬1) انظر ص 242 منه. (¬2) انظر ص 22 ج 2 مجمع الزوائد (لزوم المساجد) و (الروح) بفتح الراء الراحة. (¬3) انظر ص 314 ج 4 بيهقي. وص 261 ج 10 - الفتح الرباني (اعتكاف النساء) وص 193 و 194 ج 4 فتح الباري. وص 68 ج 8 نووي. وص 229 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 68 ج 2 تحفة الأحوذي.

ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أوف بنذرك" أخرجه الستة والدارقطني (وقال) الترمذي: حسن صحيح (¬1) {251} وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا قالوا: إذا أسلم الرجل وعليه نذر طاعة فليف به وقال بعضهم: لاعتكاف إلا بصوم. وقال آخرون: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه صوماً واحتجوا بحديث عمر وهو قول أحمد وإسحاق (¬2) (الثالث) مستحب وهو ما يكون في غير وقت السنة والواجب (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اعتكف إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه الديلمي في مسند الفردوس وفيه من لا يعرف (¬3). {252} (ومشهور) مذهب مالك رضي الله عنه أن الاعتكاف مندوب وقيل سنة في رمضان لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيه. مندوب في غيره (وقالت) الشافعية والحنبلية: الاعتكاف سنة إن لم ينذر وإلا كان واجباً. (2) زمن الاعتكاف: مشهور مذهب مالك أن أفله يوم وليلة. وقيل ثلاثة أيام وقيل عشرة (وقال) الحنفيون: أقل النفل منه لحظة غير مقدرة بزمان فيحصل بمجرد ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف ليلاً) وص 124 ج 11 نووي وص 240 ج 3 عون المعبود (من نذر في الجاهلية) وص 144 ج 2 مجتبي. وص 372 ج 2 تحفة الأحوذي (وفاء النذر) وص 277 ج 1 ابن ماجه. وص 246 الدارقطني (وليلة) وفي رواية يوماً. ولا معارضة لأن اليوم يطلق على مطلق الزمن ليلاً أو نهاراً. أو أن النذر كان ليوم وليلة ولكني يكتفي بذكر أحدهما عن الآخر. فرواية يوم أي بليلته. ورواية ليلة أي مع يومها. (¬2) انظر ص 373 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬3) انظر رقم 8480 ص 74 ج 6 فيض القدير.

المكث مع النية ولو ماراً بالمسجد ليلاً أو نهاراً وأقل الواجب يوم لاشتراط الصوم فيه على ما يأتي (وقالت) الشافعية: أقله لحظة وهو مشهور مذهب أحمد. والمستحب أن لا ينقص عن يوم خروجاً من خلاف من أوجبه. فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار أو لعمل أخروي أو دنيوي أن ينوي الاعتكاف فيثاب عليه ما لم يخرج من المسجد فإذا خرج ثم دخل جدد النية وليس للاعتكاف ذكر مخصوص ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف (¬1) ولا حدّ لأكثره عند الثلاثة (وقال) مالك: أكثره شهر (قال) عبد الحافظ: وأقل الاعتكاف المندوب عشرة وأكثره ما زاد عن شهر وما نقص عن عشرة لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينقص عنها هذا هو الراجح وقيل العشرة أكثر المندوب فيكره ما زاد عليها وفي كراهة ما دونها قولان (¬2). هذا ومن نذر اعتكاف يومين فأكثر ناوياً الليل والنهار أو لم ينو شيئاً أو نوى الليالي فقط لزمه اعتكاف الأيام بلياليها السابقة مع التتابع وإن لم يلتزمه وكذا إذا نذر اعتكافها بأيامها المتأخرة عند الحنفيين لأن ذكر الأيام أو الليالي بلفظ الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي والأيام لقوله تعالى: "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً" (¬3) وقوله: "ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا" (¬4) والخطاب لسيدنا زكريا. والقصة واحدة ولو نوى بالأيام النهار خاصة، تصح نيته لأنه نوى حقيقة ¬

(¬1) انظر ص 67 ج 8 نووي مسلم. (¬2) انظر ص 665 ج 1 - الفجر المنير. (¬3) سورة آل عمران: آية 41. (¬4) سورة مريم: آية 10.

كلامه فلا يلزمه اعتكاف الليالي. ولو نذر اعتكاف ليلة لا يلزمه شيء، لعدم الصوم. وعن أبي يوسف يلزمه اعتكافها بيومها (لحديث) عمر السابق (¬1) (وقال) النووي: إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة إلا أن ينويها فإذا نواها لزمها اعتكافها مع اليوم، لأن اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته. ولو نذر اعتكاف شهر دخلت الأيام والليالي اتفاقاً. لأن الشهر اسم لما بين الهلالين. ولو نذر اعتكاف يومين لزمه يومان اتفاقا وكذا ليلتان عند الحنفيين وروي عن أحمد (وقال) مالك والشافعي: لا تلزمانه لأن اليومين تثنية يوم وليس في اليوم ليلة فكذا في اليومين. وهل تلزمه ليلة؟ الراجح عند مالك والشافعي وأحمد أنه إن نوي التتابع أو صرح به لزمته الليلة وإلا فلا (¬2). (3) شروط الاعتكاف: يشترط لصحته سبعة شروط (الأول والثاني) الإسلام والتمييز فلا يصح من كافر ولا غير مميز لأنهما ليسا أهلاً للعبادة. أما الصبي المميز فيصح اعتكافه (الثالث) النية وهي شرط عند مالك والشافعي فلا يصح بدونها (الرابع) الطهارة من الحدث الأكبر فلا يصح ابتداء من حائض ولا نفساء عند مالك والشافعي وأحمد لأن مكثهما في المسجد معصية (وقال) الحنفيون: الخلو من الحيض والنفاس شرط لصحة الاعتكاف المنذور دون المسنون في ظاهر الرواية وكذا لا يصح من جنب عند الشافعي واحمد (وقال) الحنفيون ومالك: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة ولو طرأ الحيض أو النفاس أو الردة أو الجنابة في أثناء الاعتكاف لزمهم الخروج من المسجد ¬

(¬1) تقدم رقم 251 ص 419 .. (¬2) انظر ص 496 و 497 ج 6 مجموع النووي.

وبطل الاعتكاف (¬1) ويصح الاعتكاف المرأة ولو متزوجة والعبد كما يصح صيامهما لكن يحرم عليهما الاعتكاف بغير إذن الزوج والسيد ولو خالفا صح مع الحرمة (¬2) (الخامس) الكف عن شهوة الفرج في الاعتكاف الواجب مع الذكر والعلم بالتحريم عند الشافعي. ولا يشترط الذكر والعلم عند الثلاثة. فيحرم على المعتكف أمور المذكور منها- مع ما يفسد الاعتكاف- اثنا عشر: (1) الوطء ولو ليلاً خارج المسجد لقوله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" (¬3) ويفسد اعتكافه بالوطء وإن لم ينزل ولو ناسياً عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأن الليل محل للاعتكاف وحالة المعتكف مذكرة كحالة الصلاة فلا يعذر بالنسيان (وقال) الشافعي: لا يفسد اعتكافه بالوطء ناسياً كالصوم. ولا كفارة في وطء المعتكف في غير رمضان عند الثلاثة وهو المشهور عن أحمد. (2) ويحرم عليه مقدمات الوطء كاللمس والقبلة بشهوة، لأنها مؤدية إليه. ويفسد اعتكافه بالإنزال عن مباشرة في غير الفرج كاللمس والقبلة والتبطين والنفخيذ، لأن ما ذكر مع الإنزال في معنى الجماع. وإن أنزل بتفكر أو نظر لا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد وهو قول للشافعي وعنه يفسد وهو مذهب مالك. وكذا إن باشر بشهوة ولم ينزل فهو حرام إجماعاً ولا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد. وروي عن الشافعي لأنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجا فلا تفسد الاعتكاف كالمباشرة بغير شهوة ¬

(¬1) (وبطل الاعتكاف) هذا بالنسبة للحيض والنفاس والردة مجمع عليه. وبالنسبة للجنب عند الشافعي وأحمد. أما عند الحنفيين ومالك فاعتكاف الجنب صحيح مع الحرمة. (¬2) انظر ص 476 ج 6 مجموع النووي. (¬3) سورة البقرة: آية 187.

(وقال) مالك: يفسد اعتكافه وهو رواية عن الشافعي، لأنها مباشرة محرمة فتفسده كما لو أنزل. (3) ويفسد اعتكافه بالردة إجماعاً لقوله تعالى: "لئن أشركت ليحبطن عملك" (¬1) وبالردة صار ليس من أهل الطاعة، وإن عاد للإسلام لا يلزمه قضاؤه عند الحنفيين وملك والشافعي، لأن الإسلام يجب ما قبله (وقال) أحمد: يلزمه القضاء تغليظاً عليه. (4) ويفسد بالسكر الحرام ولو ليلاً عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون لا يبطل الاعتكاف بالسكر ليلاً. (5) ويفسد الاعتكاف- ولو تطوعاً عند مالك والحسن بن زياد- بالأكل أو الشرب عمداً نهاراً (وقال) الشافعي وأحمد: إنما يفسد بما ذكر الاعتكاف المنذور لا المسنون وهو ظاهر الرواية عن الحنفيين (¬2). (6 و 7) ويفسد الاعتكاف بالجنون والإغماء المنافيين للصوم عند الحنفيين ومالك والشافعي ولكنه لا يبتدئ الاعتكاف بعد زوالهما بل يبني على ما تقدم منه ويقضي الأيام التي حصلا فيها إن كان الصوم واجباً في الاعتكاف (وقال) احمد: يبطل الاعتكاف بالجنون لا بالإغماء. (8 و 9) ويفسد بالحيض والنفاس ولو قلت مدة الاعتكاف عند الحنفيين مالك واحمد. وبعد زوال المانع تبني على ما تقدم منه لأنها معذورة (وقالت) الشافعية: إنما يفسد الاعتكاف بهما إذا كانت مدة الاعتكاف المنذورة تخلو غالباً عنهما بأن كانت خمسة عشر يوماً فأقل في الحيض وتسعة ¬

(¬1) سورة الزمر: آية 65. (¬2) والأصل في هذه أن ما منع لأجل الاعتكاف كالجماع والخروج من المعتكف يستوي فيه السهو والليل وغيرهما وما منع لأجل الصوم كالأكل لا يستوي فيه العمد والنهار وغيرهما.

أشهر فأقل في النفاس في النفاس. أما إذا كانت مدة الاعتكاف لا تخلو غالباً عنهما بأن كانت تزيد على ما ذكر فلا يفسد بهما. (10) ويفسد بارتكاب كبيرة لا تبطل الصوم كالغيبة وترك الجمعة عمداً ثلاث مرات متوالية على قول مشهور عند المالكية. والآخر لا يفسد. وهو مذهب الأئمة الثلاثة. (11) ويفسد عند أحمد بنية الخروج من الاعتكاف وإن لم يخرج خلافاً للأئمة الثلاثة. (12) ويفسد بالخروج من المعتكف لغير حاجة طبيعية أو ضرورية أو شرعية على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في بحث خروج المعتكف. (الشرط) السادس أن يكون اعتكاف الرجل في مسجد تقدم فيه الجماعة عند الحنفيين وأحمد (لقول) ابن عباس رضي الله عنهما: إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور، أخرجه البيهقي (¬1) (وقال) علي رضي الله عنه: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعةٍ. أخرجه عبد الرازق وابن أبي شيبة (¬2) (روي) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. قال نافع: "وقد أراني عبد الله المكان الذي يعتكف فيه رسول الله من المسجد" أخرجه مسلم وابن ماجه وأبو داود وهذا لفظه (¬3) {253} ¬

(¬1) انظر ص 316 ج 4 بيهقي. (¬2) انظر ص 491 ج 1 نصب الراية. (¬3) انظر ص 66 ج 8 نووي. وص 277 ج 1 - ابن ماجه. وص 235 ج 10 المنهل العذب المورود (أين يكون الاعتكاف؟ ).

ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في غير المسجد (وقال) مالك: يصح الاعتكاف في كل مسجد ولا يشترط أن يكون جامعاً إلا لمن تجب عليه الجمعة زمن اعتكافه "ابتداء" كمن نذر اعتكاف ثمانية أيام فأكثر "أو انتهاء" كمن نذر أربعة أولها السبت فمرض بعد يومين وصح يوم الخميس فيلزمه الاعتكاف في الجامع بمكان تصح فيه الجمعة اختياراً. ولا يصح في رحبته وطرقه المتصلة لأنها لا تجوز الجمعة فيها إلا لضرورة الضيق. وإن اعتكف من تلزمه الجمعة في غير الجامع وقد نذر أو نوى أياماً تدركه فيها الجمعة خرج لها وجوباً وبطل اعتكافه ويقضيه. فإن لم يخرج إثم وصح اعتكافه إلا أن يترك الجمعة ثلاث مرات متوالية فيجري على الخلاف في الكبائر هل تبطل الاعتكاف؟ فتركها مرة بلا عذر صغيرة خلافاً لأصبغ، وتركها ثلاثاً كبيرة (¬1) (قالت) الشافعية: لا اعتكاف إلا في المسجد والأفضل أن يكون في المسجد الجامع ولا يعتكف في غيره إذا كان اعتكافه بتخلله جمعة. أما المرأة فلها أن تعتكف في المسجد وإن لم تقم فيه الجماعة وليس لها أن تعتكف في بيتها عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لها الاعتكاف في مسجد بينهما وهو افضل لأن صلاتها فيه أفضل. بل يتعين العمل به في هذا العصر الذي عمت فيه الفتن وانتشر الفساد وخلع في برقع الحياة وإذا اعتكف في المسجد استحب لها أن تستر بشيء لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأخبيتهن فضربن في المسجد ولأن المسجد يحضره الرجال. وخير لهم وللنساء أن لا يرونهن ولا يرينهم ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخبائه فضرب ولأنه أستر له وأخفى لعمله (قال) أبو سعيد الخدري: اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم ¬

(¬1) انظر ص 661 ج 1 الفجر المنير.

يجهرون بالقراءة وهو في قبلة له فكشف الستور وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة أو قال في الصلاة" أخرجه أحمد والنسائي وصححه النووي (¬1) {254} (فائدة) سطح المسجد كالمسجد في الاعتكاف وغيره اتفاقاً (وكذا) رحبته منه عند الحنفيين والشافعي ورواية عن أحمد وعنه أنها ليست منه فليس للمعتكف الخروج إليها، وهو قول مالك (والمنارة) التي في الرحبة يجوز للمؤذن وغيره صعودها ولا يبطل الاعتكاف بصعودها (ولها) أربع أحوال (إحداها) أن تكون مبنية داخل المسجد فيستحب الأذان فيها لأنه طاعة (الثانية) أن تكون في رحبته فالحكم فيها كذلك، لأن الرحبة من المسجد ولو اعتكف فيها صح اعتكافه على ما تقدم (الثالثة) أن تكون خارج المسجد ورحبته إلا أنها متصلة به ولها باب إليه فله أن يؤذن فيها لأنها متصلة به (الرابعة) أن تكون خارج المسجد غير متصلة به ففيها خلاف (¬2). (السابع) يشترط لصحة الاعتكاف مطلقاً الصوم عند مالك وروي عن أحمد. وهو شرط في صحة على أن اعتكف الواجب دون غيره في ظاهر الرواية عند الحنفيين حتى لو قال الله عليّ أن اعتكف يوماً بلا صوم لزمه الاعتكاف والصوم (وعن) الحسن بن زياد أن الصوم شرط للاعتكاف مطلقاً. ورجحه الكمال بن الهمام (لقول) عائشة رضي الله عنها: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما ¬

(¬1) انظر ص 202 ج 1 الفتح الرباني (والمناجي) المحدث وسمي المصلي مناجياً ربه لأنه يخاطبه بقوله: إياك نعبد وإياك نستعين والله تعالى يعلم السر وأخفى فلا داعي للجهر المشوش. (¬2) انظر ص 507 ج 6 مجموع النووي.

لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" أخرجه البيهقي وأبو داود (¬1) {255} (وعن) ابن عمر أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه عبد الله بن بديل، ضعفه الدارقطني، واثنى عليه غيره. قال ابن معين وأبو حفص في الثقات: مكي صالح وذكره ابن حبان في الثقات (¬2) {256} وزيادة الثقة مقبولة، وقد روي لزوم الصوم للمعتكف عن ابن عباس وعائشة وغيرهما. (روي) الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من اعتكف فعليه الصوم. (وروي) عطاء عن عائشة قالت: من اعتكف فعليه الصوم (¬3). (وعن) عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: المعتكف يصوم أخرجه البيهقي (¬4). (وعن) القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا: لا اعتكاف إلا بصيام، لقوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" فذكر تعالى الاعتكاف مع الصيام. أخرجه مالك في الموطأ وقال: والأمر على ذلك عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام (¬5). (وقال) الشافعي: الصوم ليس شرطاً لصحة الاعتكاف بل يصح اعتكاف لحظة لأنه يصح اعتكاف لحظة واحدة على ما تقدم وهو مشهور ¬

(¬1) انظر ص 321 ج 4 بيهقي، وص 246 ج 10 المنهل العذب المورود., (المعتكف يعود المريض). (¬2) انظر ص 252 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 316 ج 4 بيهقي (المعتكف يصوم). (¬3) انظر ص 488 ج 2 نصب الراية. (¬4) انظر ص 318 ج 4 بيهقي. (¬5) انظر ص 130 ج 2 زرقاني الموطأ (ما لا يجوز الاعتكاف إلا به).

مذهب أحمد (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه البيهقي وقال تفرد به عبد الله بن محمد بن نصر وأخرجه الحاكم وصححه وتصحيحه غير مسلم لأنه لم يرفعه غير عبد الله بن محمد وهو مجهول الحال (¬1). {257} وعليه فالراجح القول باشتراط الصوم في الاعتكاف ولو تطوعاً (قال) ابن القيم: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً قط، بل قالت عائشة رضي الله عنها: لا اعتكاف إلا بصوم ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف (¬2). (هذا) والخلاف في لزوم صوم المعتكف المتطوع وعمده مبني على الخلاف في أن اعتكاف التطوع مقدر بيوم أولاً على ما تقدم فمن قال إنه مقدر وهم الجمهور اشترط الصوم ومن قال: إنه غير مقدر لم يشترطه (قال) ابن قدامة: إذا قلنا إن الصوم شرط لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ولا بعض يوم ولا ليلة وبعض يوم لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام اليوم كله لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله (¬3) (4) وقت الدخول في المعتكف: من نوى اعتكاف يوم وليلة أو أكثر يدخل معتكفة قبل غروب الشمس عند الجمهور والأئمة الأربعة (لحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ¬

(¬1) انظر ص 318 ج 4 بيهقي وص 439 ج 1 مستدرك. (¬2) انظر ص 171 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف). (¬3) انظر ص 122 ج 3 مغنى ابن قدامة.

النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين- وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر" أخرجه البخاري (¬1) {258} وجه الدلالة أن العشر بدون هاء اسم لعدد الليالي وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين (وقال) الأوزاعي والثوري والليث بن سعد: يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح (لحديث) عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه. وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب" (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود (¬2) {259} (وأجاب) الأولون عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد أول الليل معتكفاً ولكنه لم يدخل المكان الذي أعدة للاعتكاف إلا بعد صلاة الصبح. (5) ما يستحب للمعتكف: يستحب له الاشتغال بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة. والذكر يشمل التسبيح والتهليل والتحميد والكبير والاستغفار والحوقلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء والتفكر في آيات الله تعالى. والطواف بالكعبة ودخولها في معنى الصلاة وكذا يستحب له ¬

(¬1) انظر ص 114 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأواخر). (¬2) انظر ص 246 ج 10 - الفتح الرباني (وقت الدخول في المعتكف). وص 68 ج 8 نووي. وص 276 ج 1 ابن ماجه وص 231 ج 10 - المنهل العذب المورود (فأمر ببنائه فضرب) أي أمر بخيمته التي فيها فنضبت.

عند الحنفيين والشافعية استذكار الحديث ودراسة العلم وسير الأنبياء والصالحين وكتابة أحكام الدين وغير ذلك من القرب وهو رواية عن أحمد (وقالت) المالكية: يكره اشتغاله بقربة غير ذكر الله تعالى والصلاة والتلاوة وهو رواية عن أحمد وإنما كره الاشتغال بالعلم- غير العيني- غير أنه أفضل من صلاة النافلة، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب ورياضة النفس وهو إنما يحصل غالباً بالذكر والصلاة لا بالاشتغال بالعلم. وكذا يكره عند مالك كتابة قرآن إن كثر ولا بأس باليسير وإن كان تركه أولى وكذا يكره صلاته على جنازة وإن وضعت بقربه أو كانت لجار أو صالح، لكونها مظنة الاشتغال مع الناس. وكذا يكره مشي لأذان على منار أو سطح أو غيرهما، لأنه كالخروج من المسجد. فإن أذن في موضعه أو بقربه جاز. وكذا يكره المشي للإقامة ولعيادة مريض بالمسجد إلا أن يكون قريباً منه فلا بأس أن يسلم عليه ولا يقوم ليعزي أو يهني (¬1) (وندب) مكث في المسجد ليلة العيد لمعتكف عشر رمضان الأواخر ليمضي من معتكفه إلى المصلي لو صل عبادة، وكذا لو اعتكف أقل من العشر وكان آخر اعتكافه آخر يوم من رمضان فيندب له المكث ليلة العيد فإن كانت ليلة العيد أثناء اعتكافه فهل يجب عليه المكث أولاً؟ لأنه لا يصوم صبيحة تلك الليلة. والراجح الأول. لكن إن خرج ليلة العيد أو يومه إثم ولا يبطل اعتكافه مراعاة للمقابل (وندب) مكثه بآخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالحديث (وندب) الاعتكاف برمضان لكونه سيد الشهور (وندب) أن يكون بالعشر الأخير منه لمصادفة ليلة القدر الغالب وجودها في رمضان أو في العشر الأخير منه (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 667 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) انظر ص 669 ج 1 منه.

(6) ما يباح للمعتكف: يباح له أمور المذكور هنا ثمانية: (أ) استخدام زوجته في غسل رأسه وتسريح شعره وإخراج بعض بدنه من المسجد لهذا الغرض (لقول) عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في المسجد فيصغي إليّ رأسه فأرجله وأنا حائض" أخرجه أحمد وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيخرج إليّ رأسه من المسجد فأغسله وأنا حائض (¬1). {260} (ب) ويجوز للمعتكف التنظف والغسل والحلق والتزين إلحاقاً بالترجل ولا يكره له إلا ما يكره في المسجد (قال) الخطابي: في حديث عائشة أن ترجيل الشعر مباح للمعتكف وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظفار وتنظيف الأبدان من الشعث والدرن (¬2) وللرجل أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب (قال) أحمد: لا يعجبني أن يتطيب لأن الاعتكاف عبادة تختص مكاناً ترك الطيب فيها مشروعاً كالحج وليس ذلك بمحرم لأنه لا يحرم اللباس ولا النكاح فأشبه الصوم (¬3). ولا يجوز للمرأة المعتكفة في المسجد التطيب لأنه داعية إلى تعلق قلوب الرجال بها في المسجد (¬4) (جـ) ويباح عند الجمهور للمعتكف وغيره الوضوء في المسجد إلا أن ¬

(¬1) انظر ص 251 ج 10 - الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (يجاور) أي يعتكف (فأرجله) بشد الجيم أي أسرحه. (¬2) انظر ص 140 ج 2 معالم السنن. (¬3) انظر ص 151 ج 4 مغنى ابن قدامة. (¬4) انظر ص 668 ج 1 - الفجر المنير.

يقذره أو يتأذى به الناس فإنه يكره (وعن) مالك أنه مكروه تنزيهاً للمسجد (وقال) الحنفيون يكره التوضؤ فيه إلا في موضع أعدّ لذلك (وعن) أحمد روايتان (إحداهما) لا يكره لقول أبي العالية حدثني من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً" أخرجه أحمد والبيهقي (¬1) {261} (والأخرى) يكره لأنه يبل من المسجد مكاناً يمنع المصلين من الصلاة فيه ولا يسلم من أن يبصق في المسجد أو يتمخط وإن خرج من المسجد للوضوء وكان تجديداً بطل اعتكافه لأنه خروج لما له منه بد وإن كان وضوءاً من حدث لم يبطل لأن الحاجة داعية إليه (¬2). (د) ويباح للمعتكف عقد النكاح ومراجعة امرأته في المسجد اتفاقاً، لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب فلم يحرم النكاح كالصوم ولأن النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام (¬3). (هـ) ويباح للمعتكف عقد البيع والشراء المحتاج إليه في المسجد بلا إحضار السلع فإنه مكروه تحريماً، لما فيه من شغل المسجد وجعله كالدكان وكذا يكره له تحريماً- عند الحنفيين وأحمد وعلى الصحيح عند الشافعي- عقد البيع والشراء لغير الحاجة الأصلية كالتجارة، لأنه منقطع إلى طاعة الله تعالى فلا يشتغل بأمور الدنيا (روي) عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابن عمرو قال: "نهى النبي ¬

(¬1) انظر ص 372 ص 4 بيهقي (من توضأ في المسجد). (¬2) انظر ص 151 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 151 ج 3 مغنى ابن قدامة.

صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد" (الحديث) أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي (¬1). {262} (وعن) الشافعي أنه يجوز للمعتكف أن يبيع ويشتري ولا يكثر منه فإن أكثر كره (وقال) مالك: يكره للمعتكف البيع والشراء في المسجد. ولو كان محتاجاً لشراء قوته خرج لشرائه (رأى) عمران القصير رجلاً يبيع في المسجد فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة. فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أولى (فأما) الصنعة فلا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيراً مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شيء يحتاج إلى ربط فيربطه لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى ليس قميصه وعمامته وخلعهما (¬2). (و) ويباح للمعتكف الأكل والشرب في المسجد اتفاقاً على وجه لا يؤدي إلى تقذير المسجد أو تضييقه على مصل (وقالت) المالكية: يكره أكل المعتكف بفناء المسجد أو رحبته فإن أكل خارجاً عما ذكر بطل اعتكافه، لأنه مشى في غير عمل الاعتكاف والمطلوب أن يأكل فيه على حدة أو في المنارة ويغلق عليه (¬3) (ويجوز) للمعتكف وغيره أن يضع المائدة في المسجد ويغسل يده بحيث لا يتأذى بغسالته أحد وغن غسلها في الطست فهو أفضل ويستحب للآكل ¬

(¬1) انظر ص 64 ج 3 - الفتح الرباني (ما تضان عنه المساجد) وص 232 ج 1 المنهل العذب المورود (التحلق يوم الجملة قبل الصلاة) وص 117 ج 1 مجتبي. وص 267 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 131 ح 1 ابن ماجه. (¬2) انظر ص 148 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 666 ج 1 - الفجر المنير.

أن يضع سفرة ومحوها ليكون أنظف للمسجد وأصون (¬1) ولا يجوز أن مخرج لغسيل يده لأن له من ذلك أبداً. (ز) ويباح للمعتكف الكلام للحاجة وتوديع زائره وزيارة امرأته له (لقول) صفيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي يقلني فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً" أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي (¬2). {263} (ح) ويجوز للمعتكف- عند غير المالكية- دخول بيته لحاجة الإنسان التي لابد منها كالبول والغائط وغسل الجنابة (وقالت المالكية: يكره دخوله محل أهله كزوجة- لئلا يطرأ عليه ما يفسد اعتكافه- ولو كان دخوله لحاجة من بول أو غائط فإن لم يكن به أهله لم يكره كما إذا كان أهله في علو المنزل ودخل هو أسفله والمراد محل أهله القريب من المسجد. أما البعيد فيبطل اعتكافه بدخوله إن أمكن غيره (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 534 ج 6 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 321 ج 4 بيهقي. وص 253 ج 10 الفتح الرباني (ما يجوز للمعتكف فعله) وص 197 ج 4 فتح الباري (هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ ) وص 156 ج 14 نووي، وص 243 ج 1 - المنهل العذب المورود، وص 278 ج 1 - ابن ماجه (فانقلبت) أي أردت الرجوع إلى بيتي و (يقلني) - بفتح فسكون- أي يردني إلى منزلي. و (إن الشيطان يجري .. ) وفي رواية للبخاري: يبلغ. وقد قيل: هو على ظاهره وان الله تعالى أقدره على ذلك (وقيل) هو على سبيل الاستعارة من كثرة وسوسته وكأنه لا يفارقه كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة (انظر ص 199 ج 4 فتح الباري. (¬3) انظر ص 666 ج 1 - الفجر المنير وفيه (فإن قيل) لم كره دخوله منزل أهله مع أنه يجوز مجيء زوجته إليه وأكلها معه وحديثها له؟ (يجاب) بأن المسجد وازع وزاجر لهما ولا وازع في المنزل.

(7) خروج المعتكف: لا يخرج المعتكف من معتكفه ليلاً أو نهاراً إلا لو أحد من أمور ثمانية: (الأول) حاجة طبيعية كبول أو غائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام (الثاني) حاجة ضرورية كانهدام المسجد وإخراج ظالم له كرهاً وخوف على نفسه أو ماله من ظالم فلا يفسد اعتكافه بخروجه لذلك اتفاقاً (لقول) عائشة: "وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إلا إذا أراد الوضوء وهو معتكف" أخرجه أحمد (¬1) {264} (قال) ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول لأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه وإن بغته القيء فله أن يخرج ليتقابأ خارج المسجد وكل ما لابد منه ولا يمكن فعله الخروج إليه ولا يفسدا اعتكافه ما لم يطل (¬2) (الثالث) حاجة شرعية كصلاة جمعة وعيد فيخرج في وقت يمكنه إدراك الجمعة مع الإمام ويصلي بعدها السنة أو ستاً ولو أتم اعتكافه في مسجد الجمعة صح مع الكراهة التنزيهية لمخالفته ما التزمه بلا ضرورة ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 10 الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (إلا إذا أراد الوضوء) إلا بمعنى أو والمعنى: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان من بول أو غائط أو غسل أو إذا أراد الوضوء لأن المساجد لم يكن بها حينئذ ماء للوضوء. (¬2) انظر ص 132 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(وقالت) المالكية والشافعية: لا يعتكف في غير المسجد الجامع إذا كان اعتكافه المنذور يتخلله جمعة فإن اعتكف في غيره وخرج للجمعة ونحوها، بطل اعتكافه (الرابع والخامس) الحيض والنفاس: فإذا حاضت المعتكفة أو نفست، لزمها الخروج من المسجد إلى البيت - عند الأئمة الأربعة- أو إلى رحبة المسجد عند مالك. وهو رواية عن أحمد (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب" أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ وصححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان (¬1). {265} ويفسد اعتكافها كما تقدم وإن انقطع الحيض تعود إلى معتكفها. (السادس) العدة: وإذا لزم المعتكفة عدة وفاة أو فراق لزمها الخروج لقضاء العدة في بيت الزوج عند الشافعي وأحمد (وقال) مالك: لا تخرج حتى يتم اعتكافها لأن الاعتكاف المنذور واجب والاعتداد في البيت واجب فقد تعارض واجبان فيقدم أسبقهما (¬2) وإذا خرجت للعدة هل يبطل اعتكافها؟ فيه طريقان: (أصحهما) لا يبطل حتى إذا نذرت متتابعاً أكملت العدة ثم عادت إلى المسجد وبنت على ما مضى وإذا لزمها الخروج للعدة فمكثت في الاعتكاف ولم تخرج عصت وأجزأها الاعتكاف (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 309 ج 3 - المنهل العذب المورود (الجنب يدخل المسجد) وتقدم رقم 563 ص 370 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية و (شارعة) أي أبوابها مفتحة فيه (وحسنه) قال ابن سيد الناس: إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته. فلا حجة لابن حزم في رده. (¬2) انظر ص 152 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬3) انظر ص 516 ج 6 مجموع النووي.

(السابع والثامن) العيادة وصلاة الجنازة- فيجوز للمعتكف إعتكافاً مستحباً الخروج من معتكفه لعيادة مريض وصلاة جنازة لأن كلاً مما ذكر تطوع. والأفضل عدم الخروج- إن لم يتعين عليه- للجنازة. وإن خرج لما لابد منه فسأل عن المريض في طريقة ولم يعرج عليه جاز ولم يبطل اعتكافه. فإن وقف بطل اعتكافه (قالت) عائشة رضي الله عنها: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة (الحديث) أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1) ولا يفسد إعتكاف التطوع- في ظاهر الرواية عند الحنفيين- بالخروج بغير عذر كالخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة، بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفاً ما أقام تاركاً ما خرج. ويفسد بما ذكر عند مالك والحسن بن زياد والشافعي وأحمد بناء على أنه مقدر بيوم كالصوم (¬2) (أما) المعتكف اعتكافاً منذوراً أو مؤكداً فلا يخرج لعيادة مريض ولا لصلاة جنازة، لأنه لا ضرورة إلى الخروج لأن عيادة المريض من الفضائل وصلاة الجنازة فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز إبطال الاعتكاف لأجلها. (ولما تقدم) عن عائشة قالت: السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة (¬3) يعني أنه لا يخرج من معتكفه قاصداً عيادة مريض أو صلاة جنازة. ¬

(¬1) انظر ص 208 ج 3 نووي. وص 277 ج 1 ابن ماجه (المعتكف يعود المريض ... ). (¬2) انظر ص 115 ج 2 بدائع الصنائع. (¬3) تقدم رقم 255 ص 541 (شروط الاعتكاف)

(وبهذا) قالت الأئمة الثلاثة وهو الصحيح عن أحمد والمشهور عنه أنه لا يخرج لذلك إلا أن اشتراطه (وحاصل) مذهب المالكية أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض ولا لتشييع الجنازة ولا للصلاة عليها ولو تعينت فإن خرج بطل اعتكافه ولو مرض أحد أبويه أو هما خرج وبطل اعتكافه، لأن في عدم خروجه عقوقاً أما جنازتهما معاً فلا يخرج على مشهور المذهب وأما جنازة أحدهما فيخرج لئلا يكون عدم خروجه عقوقاً للحي منهما. (فوائد) (أ) متى يخرج معتكف العشر الأواخر من رمضان؟ (قال) مالك وأحمد: يستحب له البقاء في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد وإن خرج بعد غروب شمس آخر رمضان أجزأه (وقال) أبو حنيفة والشافعي: يخرج بعد غروب الشمس (قال) سحنون وابن الماجشون: إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه. وسبب الاختلاف هل الليلة الباقية من حكم العشر أم لا؟ (¬1). (ب) إذا أنذر اعتكافاً متتابعاً وشرط الخروج منه إن عرض عارض مثل مرض خفيف أو عيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أو صلاة جمعة أو شرط الخروج لطلب علم أو لغرض آخر صح شرطه، وإذا قضى العمل الذي شرطه وخرج له لزمه العود والبناء على اعتكافه. فإن آخر العود بعد قضاء العمل بلا عذر بطل تتابعه ولزمه استئناف الاعتكاف ولو نذر اعتكافاً متتابعاً وقال في نذره إن عرض مانع قطعت الاعتكاف. فإذا عرض المانع الذي شرطه انقضى نذره وبرثت ذمته منه وجاز الخروج ولا رجوع عليه. ولو قال على أن اعتكف رمضان إلا أن أمرض أو أسافر فمرض أو سافر فلا شيء عليه ولا قضاء. ¬

(¬1) انظر ص 222 ج 1 بداية المجتهد.

(جـ) إذا مات وعليه اعتكاف فهل يطعم عنه؟ (قال) مالك وأحمد: لا يطعم عنه وهو الصحيح عند الشافعي. وقال أبو حنيفة: يطعم عنه. وعن ابن عباس وعائشة وأبي ثور أنه يعتكف عنه. (د) لو نذر أن يعتكف شهر رمضان من هذه السنة. فإن كان النذر في شوال لم ينعقد وإن كان قبله انعقد فإن لم يعتكف حتى فات رمضان، لزمه القضاء متتابعاً أو متفرقاً (¬1). (8) ما يكره للمعتكف: يكره له أربعة أمور: (أ) يكره له تحريماً الصمت بالكلية إن اعتقده قربة (لحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل" أخرجه أبو داود بسند حسن (¬2). {266} فإن سكت غير معتقد انه قربة فلا كراهة (لحديث) ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صمت نجا" أخرجه أحمد والترمذي بسند فيه ابن لهيعة. وأخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات (¬3). {267} والصمت عن الشر متعين على المعتكف وغيره (لحديث) أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ¬

(¬1) انظر ص 537 - 542 ج 6 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 81 ج 3 عون المعبود (متى ينقطع اليتم) (والصمات) بضم أوله السكوت. (¬3) انظر رقم 8819 ص 171 ج 6 فيض القدير.

ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (¬1). {268} فإن نذر الصمت في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به إجماعاً لما تقدم أن أبا إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه (¬2). (فائدة) لا يجوز لأحد أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمال له في غير ما هو له فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه وقد جاء لا تناظروا بكتاب الله، قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلاً قد جاء في وقته فتقول: وجئت على قدر يا موسى أو نحوه (¬3). (ب) يكره للمعتكف الكلام إلا بما فيه ثواب من قرآن وذكر وغيرهما من أنواع الطاعة. ويجتنب مالا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأنه من كثر كلامه سقطة (روي) أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي وصححه ابن عبد البر (¬4). {269} ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش. فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك. ويستحب للمعتكف إذا سبه إنسان أن لا يجيبه كالصائم. فإن أجابه أو سب غيره أو جادله بغير حق، كره لم يبطل اعتكافه. ويبطل ثوابه أو ينقص (¬5). ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 2 نووي (إكرام الجار والضيف) وص 204 ج 2 - ابن ماجه. (¬2) تقدم رقم 206 ص 471 (ما يكره للصائم). (¬3) انظر ص 150 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬4) انظر رقم 8342 ص 12 ج 6 فيض القدير. (¬5) انظر ص 534 ج 6 مجموع النووي.

(جـ) يكره عند مالك اعتكافه وليس معه كفاية واشتغاله بغير الذكر والصلاة والتلاوة كما تقدم. (د) يكره عنده إخراج القاضي للمعتكف لمقاضاته قبل تمام اعتكافه إن لم يكن فارا باعتكافه من دفع الحق ولم تطل مدة الاعتكاف بحيث تضر برب الحق وإلا وجب إخراجه في الحالة الأولى وبطل اعتكافه ولا كراهة في إخراجه في الثانية وإذا دعى المعتكف لتحمل شهادة إن كان اعتكافه تطوعاً ولم يتعين بالتحمل فالأولى-عند غير مالك- ألا يخرج وإن تعين عليه التحمل لزمه الخروج، لأن ذلك واجب. وإن كان اعتكافه واجباً لم يلزمه الإجابة سواء أكان متتابعاً أم لا، لأنه مشتغل بفرض فلا يلزمه قطعه. وهل يباح له الخروج؟ ينظر فإن لم يكن شرط التتابع جاز الخروج، لأنه لا يبطل بخروجه عبادته فإذا عاد بني وإن كان شرط التتابع لم يجز الخروج لأنه يبطل ما مضى من عبادته وإبطال العبادة الواجبة لا يجوز (¬1) (وقالت) المالكية: لا يخرج لأداء شهادة وإن تعينت عليه بل يذهب القاضي للمسجد أو تنقل عنه الشهادة لعدم تمكنه من الحضور كالمريض. (9) قضاء الاعتكاف: الاعتكاف مستحب وواجب (أ) فمن اعتاد اعتكاف أيام تطوعاً أو نواها ولم يدخل في الاعتكاف لعذر أو غيره يستحب له أن يقضيه اتفاقاً (لحديث) أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة ¬

(¬1) انظر ص 515 ج 6 مجموع النووي.

فلم يعتكف فلما كان في العالم المقبل اعتكف عشرين يوماً. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد وصححه ابن حبان والحاكم (¬1). {270} يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر سنة فلم يعتكف العشر في رمضان فاعتكف في العالم القابل عشرين يوماً عشرة قضاة عما فاته في العام السابق استحباباً وعشرة عن العام الحاضر ويحتمل أن الاعتكاف كان واجباً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصوصه فقضاه على سبيل الوجوب. (ومن) دخل في اعتكاف متطوعاً فله إتمامه وله الخروج منه متى شاء. وإن خرج يستحب له قضاؤه عند الشافعي وأحمد وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، لأن الاعتكاف لبث وإقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة وكل لبث فهو اعتكاف لا تتوقف صحته على تمام اليوم (وقال) مالك والحسن بن زياد يلزمه إتمامه فإن قطعه لأن الشروع في التطوع موجب للإتمام (¬2) عندهما صيانة للمؤدي عن البطلان كما في صوم التطوع وصلاة التطوع ومست الحاجة هنا إلى صيانة المؤدي لأن القدر المؤدي انعقد قربة فيحتاج إلى صيانته بالمضي فيه. (قال) الترمذي: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى. فقال مالك: إذا انقضى اعتكافه وجب عليه ¬

(¬1) انظر ص 247 ج 10 الفتح الرباني. وص 230 ج 10 المنهل العذب المورود (الاعتكاف) وص 276 ج 1 - ابن ماجه. وص 314 ج 4 بيهقي. (¬2) (قوله الشروع في موجب الخ) مسلم لكن بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج فما أوجب إلا ذلك القدر، فلا يلزمه أكثر من ذلك (انظر ص 115 ج 2 بدائع الصنائع).

القضاء واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال (¬1). (وقال) الشافعي: إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعاً فخرج فليس عليه قضاه إلا أن يجب ذلك اختياراً منه قال الشافعي وكل عمل لك ألا تدخل فيه فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة (¬2) وهذا هو الحق. وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه وهو نظير الاعتكاف لأنه غير مقدر بالشرع. (ب) يجب على من نذر اعتكافاً أو أفسده بخروج وغيره- مما تقدم في الشرط الخامس للاعتكاف (¬3) - أن يقضيه اتفاقاً إذا قدر على القضاء لأنه ¬

(¬1) الحديث أخرجه السبعة إلا الترمذي وفي لفظ البخاري: فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال انظر ص 195، 196 ج 4 فتح الباري (اعتكاف النساء) وليس فيه لفظ: خرج من اعتكافه عند واحد ممن خرجه فهو لا يدل على المدعي بل يدل على خلافه فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع وإنما فعله تطوعاً لأنه كان إذا عمل أثبته كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه له دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب وقضاؤه لا يدل على الوجوب لأن قضاء السنة مشروع. (فإن قيل) إنما جاز تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه، قبل الشروع. (قلنا) فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه فلم يكن القضاء دليلاً على الوجوب مع الاتفاق على انتفائه ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بمشقة شديدة واتفاق مال كثير ففي إبطالهما تضييع لماله وإبطال لأعماله الكثيرة وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال الأعمال. وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ولا عمل يبطل فإن ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل (انظر ص 120 ج 3 مغنى ابن قدامة). (¬2) انظر ص 71 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬3) تقدم ص 535 - 536.

إذا فسد التحق بالعدم فيحتاج إلى القضاء جبراً للفوات. ويقضى بالصوم لأنه فات مع الصوم فيقضيه معه. غير أن المنذور وإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور في شهر بعينه إذا أفطر يوماً أنه يقضي ذلك اليوم ولا يلزمه الاستئناف كما في صوم رمضان وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه متتابعاً فيراعي فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بلا عذر كالحرج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة- عند الحنفيين ولا يسقط القضاء عند الثلاثة- أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج أو بغير صنعة رأساً كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأن القضاء يجب جبراً للفائت. والحاجة إلى الجبر متحققة في هذا كله، إلا أن سقوط القضاء في الردة- عند الحنفيين- عرف بالنص وهو قوله تعالى "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" (¬1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله (¬2). (وإن نذر) اعتكاف شهر بعينه ففات بعضه، قضاه لا غير وإن فاته كله قضى الكل متتابعاً لأنه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف ديناً في ذمته فإن قدر على قضائه فلم يقضه أيس من حياته، يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم طعام مسكين لأجل الصوم لا لأجل الاعتكاف كما في قضاء رمضان. وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف فكذلك إن كان صحيحاً وقت النذر. فإن كان مريضاً وقته فذهب الوقت وهو مريض حتى مات فلا شيء عليه. وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه فجميع العمر وقته وفي أي وقت أدّى كان مؤدياً لا قاضياً. وإذا لم يؤد وأيس من حياته ¬

(¬1) سورة الأنفال: آية 38. (¬2) تقدم رقم 99 ص 169 (سقوط الزكاة).

يجب عليه أن يوصي بالفدية كما في قضاء رمضان. فإن لم يوصي حتى مات سقط عنه في أحكام الدنيا عند الحنفيين ومالك حتى لا تؤخذ الفدية من تركته ولا تجب على الورثة إلا أن يتبرعوا بها (وقال) الشافعي وأحمد لا تسقط وتؤخذ من تركته وتعتبر من جميع المال (¬1). (10) إحياء العشر الأواخر من رمضان: يستحب فيها الاجتهاد في الطاعة وإحياؤها بالعبادة وحث الأهل والأولاد ولو صغاراً يقدرون على إحيائها (لقول) عليّ رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة" أخرجه الترمذي باختصار. ورواه الطبراني في الأوسط وكذا أبو يعلي مختصراً بسند حسن. وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2). {271} وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليصادف في هذه العشر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر" أخرجه احمد والشيخان والبيهقي وابن ماجه (¬3). {272} (والمراد) بشد المئزر الاجتهاد في الطاعة زيادة على العادة (وقيل) هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادة. والمراد بإحياء الليل استغراقة ¬

(¬1) انظر ص 118 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) انظر ص 69 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 174 ج 3 مجمع الزوائد (العشر الأواخر من رمضان). (¬3) انظر ص 246 ج 10 - الفتح الرباني وص 192 ج 4 فتح الباري (العمل في العشر الأواخر من رمضان) وص 70 ج 8 نووي. وص 313 ج 4 بيهقي. وص 276 ج 1 - ابن ماجه (والمئزر) - بكسر الميم والهمز - الإزار.

بالصلاة وغيرها والجد في الطاعة "وقول" بعضهم: يكره قيام الليل كله محمول على المداومة عليه. وأما قيام ليلة أو ليلتين إلى العشر فليس بمكروه، ولذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين والعشر الأخير من رمضان. وفي أحاديث الباب الحث على الاهتمام بتجويد الخاتمة نسأل الله تعالى التوفيق والإكرام وحسن الختام. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. ((تنبيه)) قد بينا أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديث هذا الجزء ومراجع النصوص العلمية فانتظر بصفحتي 375، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. وإلى هنا ما تم يسر الله تعالى من تنقيح وتحرير وتنسيق ما ترك السيد الوالد الشيخ محمود خطاب- عمه الله تعالى بالرحمة والإحسان- من أصول الدين الخالص والتعليق عليه مع ضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان المراجع أسأل الله ذا الكرم العميم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. وأن ينقع به النفع العميم. إنه هو البر الرحيم. وقد استعنت بحول الله تعالى وقوته على إتمام قسم العبادات على النسق الذي سلكته في تنقيح الكتاب. فألفت (إرشاد الناسك. إلى أعمال المناسك) وتم طبعه وعم نفعه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله تعالى أن يمن على من فضله بإتمام الكتاب على هذا النظام المستطاب وإكمال مقاصده على وجه يرضيه ويرضي به عن عبده الفقير إلى رعايته وإعانته وتوفيقه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى بأثره، ، 11 شعبان 1970 هـ ... أمين محمود خطاب 17 مايو 1951 م ... من العلماء المدرسين بالجامعة الأزهرية.

نبذة مختصرة عن محقق هذا الكتاب فضيلة الإمام الشيخ أمين محمود خطاب ثاني أنجال المؤلف، ولد بسبك الأحد مركز أشمون في سنة 1304 هـ/1884 م، والتحق بالأزهر فحضر على كبار شيوخه وحصل على العالمية في رجب سنة 1329 هـ/ يونية سنة 1916 م، فعين مدرساً بالمعاهد الدينية الأزهرية بالوجهين القبلي والبحري والقاهرة، ثم عين مدرساً بكلية الشريعة، ثم بكلية أصول الدين، وتتلمذ عليه عدد من الدعاة والوعاظ والعلماء. وقد شارك في الدعوة إلى الكتاب والسنة، فكان وكيلاً للجمعية الشرعية في حياة والده، وبعد وفاته تولى إمامة أهل السنة. وعني بالبحث العلمي والتأليف فأذاع مؤلفات والده بنشرها وتحقيقها، ومنها: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود فزاد فيه الأجزاء من الحادي عشر إلى الرابع عشر، وحقق كتاب الدين الخالص وأثمه بإصدار الجزء التاسع منه، وعزم على استكمال المعاملات، ولكنه توفي في سنة 1387 هـ /1968 م قبل أن يتمكن من إصدار باقي الكتاب. واقتصر على الأجزاء التسعة، فشرع فضلة نجله الورع الشيخ يوسف أمين خطاب إمام أهل السنة في إعادة طبع هذا الجزء الثامن، متمنياً أن يتم إصداره في حياته. وعندما استشعر دنو أجله ألقى على جماهير المصلين بالمسجد الكبير بالخيامية عقب صلاة الجمعة كلمة وصاهم فيها بالالتفاف حول الجمعية الشرعية وبذل غاية الجهد في سبيل إنجاح مقاصدها لتظل مؤسسة إسلامية تحمل مشعل الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم. وطلب منهم متابعة طباعة هذا الجزء. ثم توفي بعد ثلاثة أيام يوم الاثنين 30 صفر 1396 هـ الموافق أول مارس 1976 م رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مثواه.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السّبكى المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352 هـ -7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان الجزء التاسع عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد أمين محمود خطاب المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387 هـ - 26 فبراير 1968 م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين حقوق الطبع محفوظة له الطبعة الثالثة سنة 1401 هـ - 1980 م

الحج

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الذي جعلَ البيت الحرام مثابةً للناس وأَمناً، وأَمرنا بأَن نتخذ مقام إبراهيم مُصَلًّى. وعَهِدَ إلى إبراهيم وإِسماعيل أَن يُطَهِّرا بيته للطَّائفين والعاكفين والركَّع السُّجود. وأَشهد أَن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحده لاَ شريك له. القائل {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬1) وأَشهد أَن سيدنا محمداً عبده ورسوله. المنَزَّل عليه (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (¬2). اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمدٍ القائل: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم} (¬3) وعلى آله الأَطهار، وصحابته الأَخيار، ومن نَسَكَ منسكَهم واهْتَدَى بهديهم وتَبِعَهم بإِحسان. (أَمَّا بعد) فيقول العبدُ الفقيرُ على رحمة رَبِّه القدير أَمين بن محمود ابن محمد بن أَحمد بن خطَّاب السُّبكي: هذا جزءٌ لطيفٌ في بيان أَعمال الحج والعُمْرة ومناسكهما عند الأَئمَّة الأَعلام مع بيان أدلتها النقلية وحكمها الشرعيَّة. ولم آلُ جهداً في بيانِ حالِ الحديث صِحَّةٌ وحسناً وغيرهما مع ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية 97. (¬2) سورة البقرة، الآية 196. (¬3) أخرجه البيهقى من حديث جابر، انظر ص 125 ج 5 (الإيضاع فى وادى محسر).

عَزْوِه لمخرجيه. وأَردتُ بالإمامين: مالِكاً وأَحمد (¬1) رضي الله عنهما. ¬

(¬1) (مالك) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن الحارث الأصبحى المدنى، إمام دار الهجرة وأحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعى النابعين. ولد سنة 95 خمس وتسعين هـ. ومات بالمدينة فى صفر سنة 179 تسع وسبعين ومائة عن أربع وثمانين سنة. وهو إمام الناس فى الفقه والحديث. أجمع العلماء على أمانته وجلالته وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره والإذغان له فى الحفظ والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " روى " أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة. أخرجه الحاكم والترمذى - وقال: هذا حديث حسن - قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة: إنه مالك بن أنس. انظر ص 6 ج 1 تيسير الوصول وص 114 ج 3 منه (مالك بن أنس رحمه الله) وقال فى التيسير: ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار ثم قال له: ينبغى أن تخرج معنا فإنى عزمت على أن أحمل الناس الموطأ، فقال: أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل فإن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده فى البلاد، فعند أهل كل مصر علم، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: اختلاف أمتى رحمة. وأما الخروج معك فلا سبيل إليه. قال صلى الله عليه وسلم: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وهذه دنانيركم كما هى فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومناقبه أكثر من أن تحصى، رحمة الله عليه. انظر ص 7 ج 1 تيسير الوصول. و(أحمد) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد، ينتهى نسبة إلى نزار بن معد بن عدنان: أحد الأئمة المتبوعين، مجمع على جلالته وأمانته وورعه وزهادته ولد ببغداد فى ربيع الأول سنة 164 أربع وسنين ومائة. وتوفى فى ربيع الأول سنة 241 إحدى وأربعين ومائتين، عن سبع وسبعين سنة. وله مسند فيه أربعون ألف حديث. وقيل ثلاثون ألفاً. المكرر منها عشرة آلاف. وقال: جعلته حجة بينى وبين الله. ولم يلتزم رحمة الله الصحة فى مسنده وإنما أخرج ما لم تجمع الناس على تركه. ومناقبه كثيرة.

وبالأئمة الإمامين والشَّافعي (¬1)، وبالشَّيخَيْن: البُخارى ومُسْلماً (¬2)، وبالثلاثة: ¬

(¬1) (الشافعى) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عد يزيد بم هاشم بن عبد المطلب القرشى. يجتمع نسبه مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده عبد مناف. وهو أحد الأئمة المجتهدين. قال: ولدت بعسقلانى فلما أتى على سنتان حملتنى أمى إلى مكة. وقيل ولد بغزة فى رجب سنة 150 خمسين ومائة أهـ. ومات بمصر ليلة الجمعة الأخيرة من رجب سنة 204 أربع ومائتين أهـ عن أربع وخمسين سنة. تفقه فى مكة على مسلم بن خالد الزنجى ثم قدم المدينة فلزم الإمام مالكاً وقرا عليه الموطأ حفظاً. وكان سنه إذا ذاك ثلاث عشرة سنة. ثم رحل إلى اليمن واشتهر بها، ثم رحل إلى العراق وجدّ فى طلب العلم ونشر علم الحديث ونسر السنة واستخرج منها الأحكام. وفى آخر سنة 199 تسع وتسعين ومائة أهـ رحل إلى مصر وألف كتابه الجديد والأم والإملاء الصغير والأمالى الكبرى وكتاب الرسالة وغيرها، وأحبه أهل مصر وغيرهم لعلمه وفضله وتقواه. ورحل الناس إليه من سائر الأقطار. " روى " أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اهد قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً (الحديث) أخرجه الخطيب وابن عساكر بسند حسن. انظر رقم 1460 ص 105 ج 2 فيض القدير وعن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً (الحديث) أخرجه أبو داود الطيالسى (انظر ص 39 و 40 الطيالسى) قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه: المراد بعالم قريش الإمام الشافعى رضى الله عنه، لأنه من قريش ومن علماء هذه الأمة. وقد ظهر علمه وانتشر فضله لا نعلم إحاطتها بأحد إلا الشافعى رحمه الله تعالى. ومناقبه كثيرة شهيرة، وفضائله أكثر من أن تحصى .. (¬2) (البخارى) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة. ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة 194 أربع وتسعين ومائة هـ. وتوفى ليلة الفطر سنة 256 ست وخمسين ومائتين، وله اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوماً. ولم يعقب ولداً ذكراً. طلب العلم وله عشر سنين، وقال: خرجت كتابى الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث وما وضعت فيه حديثاً إلا وصليت ركعتين. وجملة ما بصحيحه 7275 خمسة وسبعون ومائتان وسبعة آلاف حديث بما فيها المكرر وبحذفه أربعة آلاف حديث و (مسلم) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى. ولد سنة 204 أربع ومائتين. وتوفى لست بقين من رجب 261 إحدى وستين ومائتين، وله سبع وخمسون سنة. أخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والقعنبى وغيرهم من أئمة الحديث. قدم بغداد غير مرة وحدّث بها. وأخذ عنه الحديث خلق كثير، وقال: صنفت المسند من ثلاثمائة ألف حديث.

أبا داود والنسائى والترمذى (¬1) وبالأربعة الثلاثة وابن ماجه (¬2) وبالخمسة الشيخين والثلاثة، وبالستة الشيخين والأربعة، وبالسبعة أحمد والستة، وبالجماعة السبعة ومالِكاً. ¬

(¬1) (أبو داود) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدى السجستانى. ولد سنة 202 اثنتين ومائتين. وتوفى بالبصرة لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال سنة 275 خمس وسبعين ومائتين. وله ثلاث وسبعون سنة. قال: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث فانتخبت منها 4800 ثمانمائة وأربعة آلاف حديث. ضمنتها هذا الكتاب (يعنى السنن) وما ذكرت فى كتابى حديثاً أجمع الناس على تركه. قال الخطابى: لم يصنف فى علم الدين مثل كتاب السنن لأبى داود. وانظر ترجمته وافيه ص 15 - 19 ج 1 - المنهل العذب المورود. و(النسائى) هو أبو عبد الرحمن بن شعيب بن على بن بحر. ولد سنة 215 خمس عشرة ومائتين. ومات بمكة سنة 303 ثلاث وثلاثمائة وله ثمان وثمانون سنة، وكان شافعى المذهب. ساله بعض الأمراء عن كتابه السنن: أكله صحيح؟ فقال: فيه الصحيح والحسن وما يقاربهما، قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً، فصنف المجتبى (السنن الصغرى) فهو المجتبى من السنن. و(الترمذى) هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى. ولد سنة 200 مائتين، وتوفى بترمذ ليلة الاثنين الثالث عشر من رجب سنة 279 تسع وسبعين ومائتين، وله تسع وسبعون سنة. وله تصانيف كثيرة فى عالم الحديث. وجامعه من أحسن الكتب وأكثرها فائدة. ومن كان فى بيته فكأنما فى بيته نبى يتكلم. (¬2) (ابن ماجه) هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزوينى إمام متقن مقبول بالاتفاق. ولد سنة 209 تسع ومائتين. ومات يو الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة 293 ثلاث وتسعين ومائتين. وسننه أحد الكتب السنة التى تلقتها الأمة بالقبول. اشتملت على شئون انفرد بها عن غيره. والمشهور أن ما انفرد به يكون ضعيفاً غالباً. وقد حكم ابو زرعه على أحاديث كثيرة منه بأنها باطلة أو ساقطة أو منكرة. وعدد أحاديثه أربعة آلاف.

المقدمة فى فضل السفر وآدابه وأذكاره

وسميتُه "إرشاد النَّاسِك، إِلى أَعمال المنَاسِك " (¬1) وهو الجزءُ التَّاسع من الدِّين الخالِص. ويشتمل على مقدمة وأَحد عشر مقصداً وخاتمة. أَسأَل الله تعالى أَن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وسبباً للفوز بجنَّاتِ النَّعِيم، وأَن ينفع به النَّفْع العَمِيم. إِنه على ما يشاءُ قدير، وهو حَسْبى ونِعَم الوكيل. المقدمة فى فضل السفر وآدابه وأذكاره السَّفَر وإِن كان فيه مشَقَّةٌ علَى النَّفس، ففيه فوائدٌ دُنيوية وأُخروية جَلِيلة " روى " أَبو هريرة أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَافِرُوا تَصِحُّوا واغْزُوا تستغنُوا). أَخرجه أَحمد. وفى سنده ابن لهيعة متكلم فيه، لكن حسنه السيوطى وصححه المناوي (¬2). {1} كان فى السَّفَر الصِّحَّة لِمَا فيه من الحَرَكة والهواءِ الطَّلْق اللَّذين يعودان علَى البَدَن بالنَّفْع. وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ خارج يخرجُ من بيتِهِ إلاَّ بِبَابه رايتان راية بيد ملَك وراية بيد شيطان. فإِنْ خَرَجَ لِمَا يحب اللهُ عزَّ وجلَّ اتبعه الملَك برايته فلم يَزَل تحت راية الملَك حتى يرجع إلى بيِته. وإن خرج لِمَا يُسخط الله اتبعه الشَّيطان برايته. فلم يَزَل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته). أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند جيد (¬3). {2} ¬

(¬1) الناسك: العابد. والمناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها، وهو العبادة ومكانها وزمانها. وتسمى أفعال الحج كلها مناسك. (¬2) انظر ص 53 ج 5 الفتح الربانى. (¬3) انظر ص 54 منه. والمراد براية الملك أنه فى رعاية الله تعالى وحفظه من الشيطان ومن كل سوء وكونه تحت راية الشيطان كناية عن تسلطه عليه وارتكابه مالا يرضى الله.

هذا ويطلب ممن عزم على السَّفَر التحلِّى بآداب. المذكور منها هنا تسعة: (1) أن يُوصى بما يحتاج إلى الوصيَّة به، ويُشْهِد علَى وصيته ويستحل كل من بينه وبينه معاملة ويسترضى والديه وشيوخه ومن يندب إلى بره واستعاطفه. ويتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب ويهتم بتعلم ما يحتاج إليه في سفره فإن كان حاجا أو معتمراً تعلم مناسك الحج والعمرة. (2) ومنها أن يستشير فى السفر من يعلم منه النصيحة والشفقة والصلاح والاستقامة، لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (¬1)، ثم يستخير الله تعالى فيصلِّى ركعتين من غير الفريضة ويدعُو بدُعاء الاستخارة، لقول جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعَلِّمنا الاستخارةَ كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن يقول: (إذَا هَمّ أَحدكم بالأَمر فَلَيركَعْ ركعتين من غير الفريضة ثم ليَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُك بعِلْمكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسأَلُكَ من فَضْلك العَظيِم، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِر، وتَعْلَم ولاَ أَعْلَم، وأَنتَ عَلاَّم الغُيُوب. اللَّهُمَّ فإِن كنتَ تَعْلَم أَنَّ هَذَا الأَمَر " يُسُمِّى ما يُريد " خَيْرٌ لى في دِينى ومَعَاشِي ومَعَادِى وعاقبةِ أَمرِى فاقْدُرْهُ لى ويَسِّرْهُ وبارك لى فيه، اللَّهُمَّ وإِن كُنْتَ تَعْلَمه شَرًّا لى فى دِينى ومَعَاشِى وعاقبةِ أَمرِى، فاصْرِفْنى عنه واصْرِفْهُ عنِّى، واقْدُر لى الخيرَ حيث كان، ثم رَضِّنى به. أَخرجه السبعة إِلاَّ مُسْلِماً وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬2). {3} (3) ويُستحبُّ أَن يكون السَّفَر يوم الخميس، لقول كعب بن مالك رضي الله عنه: قَلَّمَا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أَراد ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية 159. (¬2) انظر ص 46 ج 5 الفتح الربانى. وص 32 ج 3 فتح البارى (التطوع مثنى مثنى - التهجد بالليل) وص 197 ج 8 النهل العذب (الاستخارة) وص 76 ج 2 مجتبى وص 215 ج 1 - سنن ابن ماجه، وص 348 ج 1 تحفة الأحوذى.

سَفَراً إِلاَّ يوم الخميس. أَخرجه أَحمد والبخارى وأَبو داود بسند جيد (¬1) {4}. وذلك لأَن يوم الخميس يَوْمٌ مُبَارَكٌ تُرْفَعُ فيه أَعمال العباد إلى الله تعالى. (4) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يطلب الوصيَّةَ والدُّعَاءَ من أهل الخير والصَّلاح، لحديث أَبى هريرة رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلاّ جاءَ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم يُريد سفراً فقال: يا رسول الله أَوْصِنى قال: أُوصِيكَ بتَقْوَى الله والتكبير على كل شَرَفٍ. فَلَمَّا ولَّى الرَّجُلُ قالَ النَّبى صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ ازْوِ لُه الأَرض وهَوِّن عليه السَّفَر). أَخرجه أَحمد والترمذى وحسنه وأَخرج ابن ماجه صدره (¬2). {5} وعن أَنس بن مالك رضى الله عنه ـ قال (جاءِ رَجُلٌ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إِنِّى أُرِيُد سفراً فَزَوِّدْنى فقال: زَوَّدَكَ الله التَّقوى، قال: زِدْنى. قال: وغفَر ذنبك. قال: زِدْنى بأَبى أَنت وأُمى، قال: ويَسَّرَ لكَ الخير حيثما كُنت). أَخرجه النسائى والحاكم والترمذى وحسنه (¬3) {6} (5) ويُستحبُّ للمُقِيم تَوْدِيع المسافر، لقول قَزَعة: قال لى ابن عمر: هَلُّم أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وأَمانَتَكَ وخواتيِمَ عملك). أَخرجه أَحمد وأَبو داود. وكذا أَحمد والترمذى من حديث سالم بن عبد الله وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬4) {7} ¬

(¬1) انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 70 ج 6 فتح البارى (من أحب إلى السفر يوم الخميس) وص 35 ج 3 سنن أبى داود (فى أى يوم يستحب السفر؟ ). (¬2) انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 91 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل التكبير فى سبيل الله) وص 244 ج 4 تحفة الأحوذى. (الشرف) بفتحتين: المكان المرتفع. وزى الأرض: طيها وتقريب البعيد. (¬3) انظر ص 244 ج 4 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا ودع إنساناً). (¬4) انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 34 ج 3 سنن ابى داود (الدعاء عند = الوداع)، وص 244 ج 4 تحفة الأحوذى، وأستودع الله دينك، أى طلب من الله حفظ دينك، والمراد بالمانة الأهل ومن يخلفه والمال الذى عند الأمين. والخواتيم: جمع خاتم وهو ما يختم به العمل.

(6) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر السَّلاَم علَى إِخْوانه وتوديعهم، لحديث أَبي هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إِذا أَراد أَحدكم سَفَراً فَلْيُسَلِّم على إِخوانه فإِنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيراً). أَخرجه الطَّبرانى فى الأَوسط وفيه يحيى بن العلاء البُجَلى ضعيف (¬1) {8}. وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَراد أَن يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لمنْ يَخْلُف: أَسْتَوْدِعكُم الله الذى لا تضيع ودائعه). أَخرجه ابن السنى (¬2) {9} (7) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يُصَلِّى ركعتين قبل خروجه، لقول عبد الله بن مسعود: (جاءَ رجُل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إِنِّى أُريد أَن أَخرج إِلى البحرَيْنِ في تجارة. فقال: صَلِّ ركعتين) أَخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (¬3) {10} (8) ويُستحبُّ له اتخاذ رفيق يأْنَسُ به ويتعاون معه على مشاقّ السَّفَر، لحديث ابن عمر (أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدَةِ: (أَن يَبِيتَ الَّرجُل وحده أَو يُسَافر وحده). أخرجه أحمد وحسنه السيوطى (¬4) {11} ¬

(¬1) انظر ص 210 ج 3 مجمع الزوائد (ما يفعل إذا أراد السفر). (¬2) انظر ص 152 تحفة الذاكرين. ودائع الله: الأمور التى فوض أربابها أمرها إلى الله تعالى. (¬3) انظر ص 283 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة إذا أراد سفراً). (¬4) انظر ص 63 ج 5 الفتح الربانى.

وعن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الَّراِكبُ شيطانٌ والَّراكِبَانِ شيطانان والثلاثة ركب). أَخرجه الإِمامان والأَربعة إلاَّ النسائى بسند حسن وصححه ابن خزيمة والحاكم (¬1) {12} وحكمة النَّهْى عن ذلك أَن الواحد لو مات فى سَفره قد لا يجد من يقوم بشأْنه، وكذا الإِثنان إِذا ماتا أَو إِذا مات أَحدهما لا يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة، ففى الغالب أَنه لا يخشى عليهم شئٌ من ذلك. وهذا زجر أَدب وإِرشاد، لما يخشى على الواحد من الوحشة، وليس بحرام. ومحله إذا لم يَدْعُ إِلى الانفراد داع كالتجسس وتعرُّف أَحوال العدو فإِنه يجوز، لقول جابر رضي الله عنه: نَدَبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير (الحديث) أخرجه البخارى (¬2) {13} (9) ويُستحبُّ للمُقِيم توصية المسافر بالدُّعاءِ له فى مواطن الخير، لقول عمر رضى الله عنه: (استأْذَنْتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة، فَأَذِنَ لى وقال: لا تَنْسَنَا أُخَىّ من دعائك). أَخرجه أَبو داود والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح والحاكم وصححه (¬3) {14} ¬

(¬1) انظر ص 211 ج 4 زرقانى الموطأ (الوحدة فى السفر .. ) وص 64 ج 5 الفتح الربانى، وص 36 ج 3 سنن أبى داود (الرجل يسافر وحده) وص 90 ج 2 تيسير الوصول (الرفقة - السفر) والمراد بالراكب المسافر وحده ولو ماشياَ، سمى لأنه أشبه الشيطان فى المخالفة (والثلاثة ركب) أى هم الذين يستحقون أن يسموا ركباً لكونهم محفوظين من الشيطان. (¬2) انظر ص 84 ج 6 فتح البارى (السير وحده - الجهاد). (¬3) انظر ص 161 ج 8 المنهل العذب (الدعاء) وص 275 ج 4 تحفة الأحوذى.

أذكار السفر

أذكار السفر المراد بها ما يشمل الدُّعاءَ، وهى أَنواع: المذكور منها هنا عشرة: (1) يُستحبُّ للمسافر الدُّعاء فإِنه مُستجابٌ: لحديث أَبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ: دعوةُ المظلوم، ودعوةُ المسافر، ودعوةُ الوالد لولده). أَخرجه أَحمد والأَربعة إَلاَّ النسائى، وحسنه الترمذى، وفى سنده أبو جعفر المدنى لا يعرف اسمه (¬1) {15} (2) ويُستحبُّ له الدعاءُ عند نهوضه وخروجه من بيته وركوب الدَّابة ونحوها: لقول أَنس رضى الله عنه: (لم يُرِد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قَطّ، إِلاَّ قال حين يَنْهَضُ من جُلُوسِه: اللَّهُمَّ لَكَ انتشرتُ، وإِليك توجهتُ، وبكَ اعتصمتُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقْتى وأَنتَ رجائى. اللَّهُم اكْفِنى ما أَهَمَّنى وما لا أَهْتَمّ له وما أَنتَ أَعْلَم بِه منِّى. اللَّهُمَّ زَوِّدْنى التَّقْوَى واغْفِرْ لى ذَنبى، وَوَجِّهْنى للخير أَيْنما توجَّهتُ، ثم يخرج). أَخرجه ابن جرير وأَبو يعلى، وفى سنده عمر بن مساور ضعيف (¬2) {16} وعن رَجُل عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ مُسْلم يخرج من بيِته يُريدُ سَفَراً أَو غيره فقال حين يخرج: باسم الله، آمنتُ بالله اعتصمتُ بالله، توكلتُ على الله، لا حولَ ولاَ قُوَّةَ إَلاَ بالله، إلاَّ رُزق خيرَ ذلك المخرج وصُرِف عنه شَرّ ذلك ¬

(¬1) انظر ص 195 ج 8 المنهل العذب (الدعاء بظهر الغيب) وص 299 ج 2 سنن ابن ماجه (دعوة الوالد والمظلوم) وص 118 ج 3 تحفة الأحوذى (دعاء الوالدين) وص 244 ج 4 منه (دعوة المسافر). (¬2) انظر ص 130 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا نهض للسفر).

المخرج). أَخرجه أَحمد بسند فيه من لم يسم وبقية رجاله ثقات (¬1) {17} وعن علّى رضى الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أَراد سَفَراً قال: اللَّهُمَّ بكَ أَصُولُ وبكَ أَحُولُ وبكَ أَسِيرُ). أَخرجه أَحمد والبزار بسند رجاله ثقات (¬2) {18} وقال علّى بن ربيعة: رأَيت عليًّا رضى الله عنه أَتى بدابة ليركبها، فلمَّا وضع رجْله فى الركاب قال: باسم الله، فلمَّا استَوَى عليها قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}. ثم حَمِدَ الله ثلاثاً وكَبَّر ثلاثاً، ثم قال: سُبحانك لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ قد ظِلَمْتُ نَفْسِى فاغْفِرْ لى، إِنَّهُ لا يَغْفِر الذُّّنُوب إِلاَّ أَنتَ. وقال: رأَيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مثل ما فَعَلْتُ (الحديث). أَخرجه أَحمد والثلاثة، والحاكم بأَسانيد صحيحة (¬3). {19} وعن ابن عمى رضى الله عنهما أَن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بَعيِره خارجاً إلى سَفَر كَبَّر ثلاثاً ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْألُكَ فى سَفَرنَا هَذَا البرّ والتَّقْوَى ومن العَمَل ما تَرْضَى. اللَّهُمَّ هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرنَا هَذَا واطْو عَنَّا بُعْدَه. اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحب فى السَّفَر والخليفة فى الأَهل. اللَّهُم إِنِّى أَعوذُ بكَ من وَعْثَاءِ السَّفَر وكآبةِ المنقَلَبِ وسُوءِ المنظر ¬

(¬1) انظر ص 65 ج 1 مسند أحمد. (¬2) انظر ص 75 ج 5 الفتح الربانى. و (أصول) أسطو واقهر. و (أحول) بالحاء المهملة، أى أتحرك أو أحتال وأدافع. (¬3) انظر ص 66 ج 5 الفتح الربانى. وص 34 ج 3 سنن أبى داود (ما يقول الرجل إذا ركب) وص 244 ج 4 تحفة الأحوذى. و (مقرنين) من أقرن الشئ أطاقه، أى وما كنا مطبقين قهره وركوبه إلا بتسخير الله إياه.

فى الأَهل والمال وإِذا رجَعَ قالهنّ وزاد فيهنّ: آيِبوُنَ تَائِبُون عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. أَخرجه أَحمد ومسلم والثلاثة (¬1) {20} (3) ويُستحبُّ للمُسَافر التَّكْبير والتَّحْميد والتَّمجيد عند صُعُوده والتسبيح عند هبوطه. لحديث أَنس رضى الله عنه (أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد أَكمة أَو نَشْراً قال: اللَّهمَّ لك الشَّرَف على كل شَرَف ولك الحمد على كل حال). أخرجه أحمد وأبو يعلى. وفيه زياد النميرى وثق على ضعفه وبقية رجاله ثقات، قاله الهيثمى (¬2) {21} وقال جابر رضى الله عنه: (كُنَّا نُسَافِرُ مع النبى صلى الله عليه وسلم، فإِذا صَعِدْنا كَبَّرْنا وإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا). أَخرجه أَحمد والبخارى والنسائى (¬3) {22} (4) ويُستحبُّ للمُسَافر إِذا أَمْسَى بأَرض أَن يدعو بما فى حديث عبد الله بن عمر قال: (كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا غَزَا، أَو سافر فأَدركَهٌ اللَّيلُ قال: يا أَرضُ، رَبِّى ورَبُّك اللهُ. أَعوذ بالله من شَرِّكِ وشَرِّ ما فيكِ، وشَرِّ ما خُلِقَ فيكِ، وشَرِّ ما يَدُبُّ عليكِ. أُعوذ بالله ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 5 الفتح الربانى، وص 110 ج 9 نووى مسلم (الذكر إذا ركب دابته مسافراً .. ) وص 33 ج 3 سنن أبى داود (ما يقول المسافر .. ) وص 245 ج 4 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا ركب دابة) و " وعثاء " - بفتح فسكون - من الوعث وهو فى الأصل أرض فيها رمال، والمراد به هنا مشقة السفر. و (سوء النظر فى الأهل) مرض بعضهم أو فقده أو غير ذلك. (¬2) انظر ص 77 ج 5 الفتح الربانى، وص 133 ج 10 مجمه الزوائد (ما يقول إذا أشرف على مكان مرتفع) و (الأكمة) بفتحات: ما ارتفع قليلا عن سطح الأرض. و (النشز) - بفتح فسكون: المكان المرتفع. وأو للشك. (¬3) انظر ص 77 ج 5 الفتح الربانى، وص 83 ج 6 فتح البارى (التسبيح إذا هبط وادياً).

من شَرِّ كل أَسَدٍ وأَسْوَدَ وحَيَّةٍ وعقربٍ، ومن شَرِّ ساكن البلد، ومن شَرِّ وَالدٍ وما وَلَدَ) أَخرجه أَحمد وأَبو داود بسند جيد (¬1). {23} (5) ويُستحبُّ لمن ركب البحر أَن يدعو بما فى حديث ابن عباس أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (أَمَانُ أُمَّتى من الغَرَقِ إِذا رَكِبُوا السفنَ أَو البحر أَن يقولوا: {باسم الله الملكِ وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (¬2) بِسْمِ اللهِ مَجْرَيهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (¬3). أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط. وفى سنده نهشل بن سعيد متروك ... (¬4) {24} وقد حدث فى هذا الزمان المركبات البخارية والكهربائية والسيارات والطائرات، فينبغى أَن يقول عند ركوبها ما يقال فى مثلها هيئة. (6) ويُستحبُّ لمن نزل منزلاً أَن يدعو بما فى حديث خَوْلةَ بنتِ حكيم السُّلَمِية أَن النَّبى صلى الله عليه وسلم قال: (من نَزَلَ منزلاً ثم قال: أَعوذُ بكلماتِ الله التَّامَّاتِ من شَرِّ ما خَلَق، لم يَضُرَّهُ شيءٌ حتى يرتَحِلَ من منزله ذلك). أَخرجه الإِمامان ومسلم والترمذى، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬5) {25} ¬

(¬1) انظر ص 76 ج 5 الفتح الربانى، وص 34 ج 3 سنن أبى داود (ما يقول الرجل إذا نزل المنزل) و (الأسود) العظيم من الحيات، وساكن البلد: الجن. والمراد بالبلد: المأوى. والوالد: إبليس. وما ولد: الشياطين. والمراد الاستعاذة من كل حيوان صغير وكبير. (¬2) سورة الزمر، الآية 67 (وما قدروا الله إلخ) أى ما عرفوه حق معرفته (والأرض جميعاً قبضته) أى تحت قهره وسلطانه (مطويات بيمينه) أى بقدرته. (¬3) سورة هود، من الآية 41. (¬4) انظر ص 132 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا ركب البحر). (¬5) انظر ص 210 ج 4 زرقانى الموطأ (ما يؤمر به من الكلام فى السفر) وص 377 ج 6 مسند أحمد (حديث خولة بنت حكيم .. ) وص 31 ج 17 نووى مسلم (الدعوات والتعوذ) وص 242 ج 4 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا نزل منزلا).

(7) ويُستحبُّ أن يدعو وقت السَّحر بما فى حديث أَبي هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان فى سفر وأَسْحَر يقول: (سَمَّعَ سامع بحمد الله ونعمته وحُسْن بلائه علينا، رَبَّنَا صاحِبنا وأَفضل علينا عائذاً بالله من النار). أَخرجه مسلم والحاكم وزاد: يقول ذلك ثلاث مرات ويرفع بها صوته (¬1) {26} (8) ويُستحبُّ لمن رأَى بلداً يقصدها الدعاءَ بما فى حديث عطاء ابن أَبى مروان عن أَبيه عن كعب عن صهيب أَن النبى صلى الله عليه وسلم لم يَرَ قرية يريد دخولها إِلاَّ قال حين يراها: (اللَّهُمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبْعِ وما أَظْلَلْنَ، وربَّ الأَرَضين السَّبع وما أَقْلَلْنَ، وربَّ الشياطين وما أَضْلَلْنَ، وربَّ الرِّياح وما ذَرَيْن: أَسْأَلك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذُ بك من شَرِّها وشَرِّ أَهلها وشَرِّ ما فيها). أَخرجه ابن حبان، والحاكم وصححاه، والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح غير عطاءٍ وأَبيه. وكلاهما ثقة. قاله الهيثمى (¬2) {27} وأَن يدعو بما فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: (كُنَّا نُسَافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإِذا رَأَى قريةٌ يُرِيدُ أَن يَدْخُلَهَا قال: اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فيها ثلاثاً، اللَّهُمَّ ارزقنا جَناها وحَبِّبْنَا إَلى أَهلها وحَبِّبْ صالحى أَهلَها إلينا). أَخرجه البطرانى فى الأَوسط بسند جيد (¬3) {28} ¬

(¬1) انظر ص 39 ج 17 نووى مسلم (الأدعية) و (سمع) بشد الميم المفتوحة، أى بلغ سامع قولى هذا لغيره. وضبطه بعض العلماء بكسر الميم مخففة. ومعناه: شهد شواهد على حمدنا لله على نعمه وحسن بلائه. والبلاء من الله تعالى قد يكون بالنعمة وهو المراد هنا (وصاحبنا) فعل دعاء. دعا الله تعالى أن يصاحبه بالعون ويتفضل عليه حال كونه عائذاً به من النار. (¬2) انظر ص 135 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا رأى قربة) وسؤال خير القرية والتعوذ من شرها، إنما هو باعتبار ما يحدث فيها من الخير والشر. وأما هى فلا خير لها ولا شر. (¬3) انظر ص 134 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا رأى قربة) و (الجنى) = بفتحتين فى الأصل: ما يجتنى من الشجر. وكأنه عبر به عن فوائد القرية المنتفع بها. ويحتمل أن يراد ما يجتنى من الثمر، لأنه أعظم فوائد الأرض.

المقصد الأول فى الحج

(9) ويُستحبُّ لمن رجع من السَّفَر أَن يُكَبِّر على كل شرفٍ ثلاثاً ويقول ما فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما. قال: (كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قَفَل من غَزْوٍ أَو حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ إِذا أَوْفَى على ثنيةٍ أَو فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثلاثاً ثم قال: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شئ قدير. آيِبُون تائبون عابدون ساجدون لربِّنَا حامدون، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحزاب وحده). أخرجه الشيخان (¬1) {29} (10) ويُستحبُّ لمن أَشرف على بلده أَن يقول ما فى حديث أَنس رضى الله عنه قال: (أَقبلنا مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى إِذا كُنَّا بظهر المدينة قال: آيِبُون عابدون لربِّنَا حامدون، فلم يَزَلْ يقول ذلك حتى قَدِمْنَا المدينة). أَخرجه مالك والشيخان (¬2) {30} المقصد الأول فى الحج الحجُّ أَحد أَركانِ الإِسلام المذكورة فى حديث حنظلة بن أبى سفيان عن عِكرمة بن خالد عن ابن عمر رضى الله عنهما أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: (بُنِىَ الإِسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أَنْ لاَ إِلهَ إلا اللهُ وأَنَّ ¬

(¬1) انظر ص 401 ج 3 فتح البارى (ما يقال إذا رجع من الحج .. ) وص 112 ج 9 نووى مسلم. و (أوفى) ارتفع وعلا (والثنية) بفتح الثاء وكسر النون وشد الياء (والفدفد) بفتح فسكون ففتح: المرتفع أو الفلاة التى لا شئ فيها. وقيل هو الغليظ من الأرض ذات الحصى. (¬2) انظر ص 278 ج 3 زرقانى الموطأ (جامع الحج) وص 117 ج 6 فتح البارى (ما يقول إذا رجع من الغزو 9 وص 113 ج 9 نووى مسلم (ما يقال إذا رجع من الحج وغيره).

مُحمداً رسولُ الله، وإِقامِ الصَّلاَةَ وإِيتاء الزَّكاةِ وحَجِّ الْبَيْتِ وصِيَامِ رمضان). أَخرجه أَحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {31} وهو بفتح الحاءِ وكسرها، لغة القصد إلى معظم، وشرعاً قصد البيت الحرام لأَداءِ أَفعالٍ مخصوصة من الطواف والسعى والوقوف بعرفة فى وقتها محرماً بالحج، وهو من الشرائع القديمة. " قال " محمد بن كعب القرظى أو غيره: (حج آدم عليه السلام فلقيته الملائكة فقالوا: بَرّ نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بأَلفى عام). أخرجه الشافعى (¬2). {1} وقد روى أنه ما من نبى إِلاَّ حَجَّ. ثم الكلام بعد ينحصر فى ستة مباحث: (1) حكمه: هو فرض على المستطيع من الإِنس والجن، لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (¬3)} قال ابن علان: دخل فى الناس الجنِّى بناءً على أَنه من نَوَسَ إِذا تحرك. فيجب الحج على المستطيع من الجن (¬4)، ¬

(¬1) انظر ص 78 ج 1 الفتح الربانى، وص 38 ج 1، فتح البارى (الإيمان) وص 177 ج 1 نووى مسلم (أركان الإسلام) وص 298 ج 2 مجتبى (على كم بنى الإسلام؟ ) و 352 ج 3 تحفة الأحوذى (بنى الإسلام على خمس) والحديث جاء فى رواية أحمد والبخارى والنسائى ورواية لمسلم بتقديم الحج على الصيام، وفى رواية الترمذى تقديم الصيام على الحج. وفى رواية لمسلم من طريق سعد بن عبيدة عن ابن عمر تقديم الصوم على الحج. فقال رجل: الحج وصيام رمضان. فقال أبن عمر: لا، صيام رمضان والحج. هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: فيه إشعار بأن رواية حنظلة مروية بالمعنى إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل أو سمعه ثم نسيه. (¬2) انظر ص 285 ج 1 بدائع المنن. (¬3) الآية 97 من سورة آل عمران. قال البيضاوى: وضع من كفر موضع من لم يحج، تأكيداً لوجوبه وتغليظاً على تاركه. (¬4) انظر ص 78 ج 7 دليل الفالحين.

وأَجمعت الأُمة على أَن الحج فرض فى العمر مرة واحدة، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما: (أَن الأَقْرَعَ بنَ حابسٍ سأَلَ النبى صلى الله عليه وسلم فقال: الحجُّ فى كل سنةٍ أَو مَرَّةٌ واحدةٌ؟ فقال: بَلْ مَرَّةٌ واحدةَ، فمن زادَ فتطوع). أَخرجه أَحمد والبيهقى والدارامى والحاكم وصححه والأربعة إلاَّ الترمذى (¬1) {32} (2) تعلم أحكام النسك: يجب على من يريد الحج والعمرة أَن يتعلم أَحكامهما مما يجب ويحرم ويكره ويباح؛ لأَن الله تعالى لا يقبل عبادة الجاهل، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (¬2)، وعن أَنس أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: {طلبُ الْعِلُمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ}. أخرجه ابن عدى والبيهقى وغيرهما من طرق. قال النووى: ضعيف وإِن كان معناه صحيحاً. وقال السيوطى: جمعت له خمسين طريقاً وحكمت بصحته لغيره ... (¬3) {33} قال العلماء: ما وجب عليك عمله وجب عليك العلم به، فأَول ذلك أَن ينظر المكلَّف إِذا وجب عليه الحج فى أَمر الزاد وما ينفقه فى حجه، فيكون ذلك من أطيب جهة تمكنه؛ لأَن الحلال يعين على الطاعة ويبعد عن المعصية، فعلى العاقل أَن يتحرَّز من الشُّبهات فإِن عجز عن ذلك فليفترض مالاً حلالاً ليحج به، فإِن الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبل إِلاَّ طَيِّباً (روى) أَبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إِذا خرج الحاجُّ بنفقةٍ طيبةٍ ووضَعَ رِجْلَهُ فى الغَرْزِ، فنادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ ¬

(¬1) انظر ص 15 ج 11 الفتح الربانى، وص 326 ج 4 السنن الكبرى، وص 29 ج 2 سنن الدارمى (كيف وجوب الحج) وص 441 ج 1 مستدرك، وص 2 ج 2 مجتبى، وص 257 ج 10 المنهل العذب، وص 108 ج 2 سنن ابن ماجه. (¬2) سورة النحل، الآية 43. (¬3) انظر رقم 5264 ص 267 ج 4 فيض القدير.

لَبَّيْكَ، ناداهُ منادٍ من السماءِ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، زَادُك حَلالٌ وراحِلَتُكَ حلالٌ وحجُّكَ مبرورٌ غير مَأْزُور، وإِذا خرج بالنفقةِ الخبيثةِ فوضَعَ رِجْلَهُ فى الغَرْزِ فنادَى: لَبَّيْكَ ناداهُ منادٍ من السماءِ: لا لَبَّيْكَ، ولاَ سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حرامٌ ونفقَتُكَ حرامٌ وحجُّكَ مَأْزُورٌ غير مبرور). أَخرجه الطبرانى فى الأَوسط (¬1). {34} (وعن) أَبى هريرة أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبلُ إِلاَّ طَيِّباً، وإِن الله تعالى أَمَرَ المؤمنين بما أَمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (¬2)}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (¬3) (}، ثم ذكَر الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يمدُّ يديهِ إِلى السماء يا ربِّ يا ربَّ ومَطْعَمُهُ حرام ومَشْرَبُهُ حرام وملبسُهُ حَرَام وغُذِّى بالحرام، فَأَنَّى يُستجابُ لذلك). أَخرجه أَحمد ومسلم والترمذى (¬4) {35} واعلم أَن عماد الدِّين وقوامَه هو طِيبُ المطعم. فمنْ طاب مكسبه زكا عمله. ومن لم يطب مكسبه خيِفَ عليهَ ألاَّ تُقْبل صلاتُه وصيامُه وحجُّه وجميعُ عمله؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (¬5)، ويُرْوَى لبعض الأَئِمَّة. إِذَا حَجَجْتَ بمالٍ أَصْلُه سُحْتُ ... فَمَا حَجَجْتَ ولكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ كُلَّ صَالِحَةٍ (¬6) ... ما كُلّ مَنْ حَجَّ بيتَ اللهِ مَبْرُورُ ¬

(¬1) انظر ص 114 ج 2 الترغيب والترهيب. وأخرج البزار نحوه بسنده فيه سليمان ابن داود اليمانى. وهو ضعيف. انظر ص 209 ج 3 مجمع الزوائد (الحج بالحرام) والغرز بفتح فسكون، ركاب الدابة. (¬2) سورة المؤمنون، الآية 51. (¬3) سورة البقرة، الآية 17. (¬4) انظر ص 381 ج 1 تفسير ابن كثير. (¬5) عجز الآية 27 من سورة المائدة. وصدره: " واتل عليهم نبا ابنى آدم ". (¬6) ويروى: إلا كل طيبة.

(3) متى فرض الحج؟ : الصحيح أَنَّهُ فُرِض سنة تسع من الهجرة، وأَمَّا قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (¬1) فإِنها وإِن نزلت سنةَ سِتًّ فليس فيها فريضةُ الحج وإِنما فيها الأَمُر بإِتمامِه وإِتمامِ الْعُمْرَةِ بعد الشُّرُوع فيهما، وذلك لا يقتضى وجوب الابتداءِ. (4) تأخير الحج: هو فرض على التراخي عند الشافعى ومحمد بن الحس، فلا يأْثم المستطيع بتأْخيره إِن حجَّ قبل مَوْتِه، وإِلاَّ تَبَيَّنَ إِثمه بالتأْخير. (قال) الربيع بن سليمان: أَنبأَ الشافعى قال: نَزَلَتْ فريضةُ الحجَّ على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وافتتحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ فى شهر رمضان، وانصرف عنها فى شوال واستخلف عليها عتَّاب بن أَسِيد فأَقام الحج للمسلمين بأَمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قادر على أَن يحج وأَزواجُه وعامةُ أَصحابه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تَبُوكَ، فبعث أَبا بكرٍ فأَقَامَ الحَجَّ للناس سنةَ تسعٍ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قادِرٌ على أَن يحجَّ ولم يحجَّ حتى سنة عشر، فاستدللنا على أَن الحج فرضه مرةٌ فى العمر، أَوله البلوغ وآخره أَن يأْتي به قبل مَوْتِه. أخرجه البيهقي (¬2) {2} وقال: واستدل أَصحابنا بحديث كعب بن عُجْرة على أنها ـ يعنى فريضة الحج ـ نزلت زمن الحديبية، فقد حَدَّثَ عبد الرحمن بن أَبى ليلى أَن كعبَ بن عُجْرة رضى الله عنه قال: وقف علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسِى يتهافت قملاٌ، فقال: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قلتُ: نَعَمْ يا رسول الله، قال: فاحْلَقْ رَأْسَكَ، ففىَّ نزلت هذه الآية: {فَمَن كَانَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية 196. (¬2) انظر ص 341 ج 4 سنن البيهقى (تأخير الحج).

مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (الحديث) أخرجه الشيخان (¬1) {36} فثبت بهذا نزول قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} زمن الحديبية. (وعن ابن مسعود) وغيره أنه قال فى قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} أَقيموا الحج والعمرة لله. أخرجه البيهقي (¬2) {3} (وقال) مالك وأَبو يوسف وأَحمد وبعض الشافعية: الحج فرض على الفور، فيأْثم المستطيع بتأْخيره، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} والأَمر على الفور (وعن ابن عباس) أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أَراد الحج فَليَتعجَّلْ) أَخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمي (¬3) {37} وأجاب الأولون: (ا) عن الآية بأَن الأَمر المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور. وعلى فرض أَنه يقتضيه فيصرفه إلى التراخى ما تقدم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأَكثر أَصحابه. (ب) وعن الحديث بأَنه لا يدل على الفورية؛ لأَنه فوض فعله إلى إِرادته؛ أَو أَن الأَمر بالتعجيل للندب جمعاً بين الأدلة. فالظاهر القول بأَن الحج فرض على التراخى، لقوة أَدلته، وإِن كان الأَفضل للمستطيع التعجيل بقدر الإمكان؛ لأَن الأَجل غير معلوم. (5) فضل الحج: الحج من أَفضل العبادات، وله فضل عظيم وثواب ¬

(¬1) انظر ص 11 ج 4 فتح البارى (قوله الله تعالى: أو صدقة) وص 119 ج 8 نووى مسلم (حلق الرأس للمحرم .. ). (¬2) ص 341 ج 4 سنن البيهقى (تأخير الحج). (¬3) انظر ص 15 ج 11 الفتح الربانى، وص 271 ج 10 المنهل العذب (تعجيل الحج)، وص 107 ج 2 سنن ابن ماجه (الخروج إلى الحج) وص 28 ج 2 سنن الدارمى (من أراد الحج فليستعجل).

جزيل، جاءَ فى فضله أَحاديث (منها) حديث أَبى هريرة أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أَفضلُ الأَعمالِ عند الله إِيمانٌ لا شكَّ فيه، وغَزْوٌ لا غُلول فيه، وحَجٌّ مَبْرُور). قال أَبو هريرة: حَجٌّ مبرورٌ يُكَفِّر خطايا تلك السنة، أَخرجه أَحمد وابن حبان (¬1) {38} (وعن أبى هريرة) (أَن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: {مَنْ حج فلم يرفثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ). أَخرجه أَحمد والشيخان والدارمى والأربعة إلا أبا داود (¬2) {39} (وعن عبد الله) بن عمرو أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إَنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبَاهِى ملائكَتَهُ عَشِيَّةَ عرفة بأَهل عرَفةَ، فيقول: انظروا إلى عِبَادِى أَتَوْنى شُعثاً غُبْراً). أَخرجه أَحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقون (¬3) {40} (وقال) ابن عمر رضى الله عنهما: (كنت جالساً مع النبى صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 11 الفتح الربانى، و (لا شك فيه) أى لم يشك فيما علم من الدين بالضرورة كالتوحيد والبعث وافتراض أركان الإسلام (والغلول) السرقة من الغنيمة قبل القسمة، وهو من الكبائر، قال تعالى: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " (والمبرور) من البر وهو الطاعة، مالا يخالطه إثم، وقيل هو المقبول، وعلامته أن يرجع خيراً مما كان، فلا يعاود المعاصى، ويصير عابداً ذاكراَ بعد أن كان غافلا. (¬2) انظر ص 6 ج 11 الفتح الربانى، وص 245 ج 3 فتح البارى (فضل الحج المبرور) وص 119 ج 9 نووى مسلم، وص 31 ج 2 سنن الدارمى، وص 3 ج 2 مجتبى، وص 108 ج 2 سنن ابن ماجه، وص 78 ج 2 تحفة الأحوذى، وفيه: غفر له ما تقدم من ذنبه (فلم يرفث) مثلث الفاء فى الماضى والمضارع، والأفصح أنه من باب نصر، والرفث: الجماع أو فحش القول (والفسوق) ارتكاب المعاصى والسباب، وهو منهى عنه مطلقاً وفى الحج أشد (ورجوعه كيوم ولدته أمه) كناية عن غفر الذنوب كلها. (¬3) انظر ص 7 ج 11 الفتح الربانى، والمراد بالمباهاة إظهار فضل الحجاج للملائكة وهذا بالنسبة لمن حج بمال حلال قاصداً وجه الله تعالى مخلصاً له (وشعثاً) بضم فسكون، أى لم ينظفوا أبدانهم وملابسهم (وغبراً) أى علاهم غبار الأرض.

عليه وسلم فى مسجد منى، فأَتَاهُ رَجُلُ من الأَنصار ورجلٌ من ثقيف، فسلما ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسأَلك. فقال: إِن شئتُما أَخبرتكما بما جئتُما تسأَلاني عنه فعلْتُ، وإِن شئتُما أَن أَمْسِك وتسأَلاني فعلْتُ. فقالا: أَخبرنا يا رسول الله. فقال الثقفي للأَنصارى: سَلْ، فقال: أَخبرنى يا رسول الله فقال: جئتنى تسأَلنى عن مَخْرجك من بيتك تَؤمّ البيت الحرام ومالك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالَك فيهما، وعن طوافك بين الصَّفا والمروة ومالك فيه، وعن وقوفك عَشيَّةَ عرفة ومالك فيه، وعن رَمْيك الجِمَارَ ومالك فيه، وعن نحرك ومالك فيه، وعن حلقك رأْسك ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك ومالك فيه مع الإفاضة. فقال: والذى بعثك بالحق لَعَنْ هذا جئت أَسأَلك. قال: فإِنك إِذا خرجتَ من بيتك تَؤُمّ البيت الحرام لا تضع ناقَتُكَ خُفًّا ولا ترفعه إِلاَّ كَتَب الله لك به حسنةٌ ومحا عنك خطيئة، وأَمَّا ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بنى إسماعيل، وأَمَّا طوافك بالصَّفا والمروة بعد ذلك كعتق سبعين رقبة، وأَمَّا وقوفك عَشِيَّةَ عرفة فإِن الله تعالى يهبط (¬1) إلى سماءِ الدنيا فيباهى بكم الملائكةَ يقول: عبادِى جَاءُونى شَعْثاً من كل فج عميق يرجون جنتى، فلو كانت ذنوبكم كعددِ الرَّمْل أَو كقطر المطر أو كزَبَدِ البحر لغفرتها، أَفِيضُوا عبادى مغفوراً لكم ولمن شفعتم له. وأَما رميك الجِمارَ فلك بكل حصاةٍ رميتها تكفيرُ كبيرة من الموبقات. وأَمَّا نحرك فمدْخور لك عند ربك. وأَمَّا حلاقك رأْسَك فلك بكل شَعْرَةٍ حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة. (وأَمَّا طوافك بالبيت بعد ذلك فإِنك تطوف ولا ذنبَ لك، يأْتى ملَك حتى يضعَ يديه بين كتفيك فيقول: اعمل ¬

(¬1) الهبوط فى الأصل: الانتقال من علو إلى أسفل، وهو مستحيل فى حق الله تعالى، فالحديث مصروف عن ظاهره بإجماع السلف والخلف.

المقصد الثانى: فى شروط الحج

فيما يُستقبل فقد غُفِرَ لك ما مَضَى). أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار واللفظ له. وقال: وقد رُوِى هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسنَ من هذا الطريق. قال المنذرى فى الترغيب: وهى طريق لا بأْس بها رواتها كلهم موثقون. ثم قال: ورواه ابن حبان فى صحيحه (¬1) {41} (6) الحث على الحج: قد ورد فى التحذير من ترك المستطيع الحج أَو تأْخيره ما فيه مُزْدَجر لمن اتَّعَظَ واعتبر، (روى) أَبو أُمامة أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يحبسه مرضٌ أَو حاجةٌ ظاهرةٌ أَو سلطانٌ جائر فلم يحجَّ فليمُتْ إِنْ شَاءَ يهودِيًّا وإِنْ شَاءَ نصرانيًّا). أَخرجه أَحمد فى الإيمان والدارمى والبيهقى وقال: وهذا وإن كان إِسناده غير قوى فله شاهد من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه (¬2) {42} يُشِيرُ إِلى قول عمر رضى الله عنه: لقد هَمَمْتُ أَن أَبعث رَجَالاً إِلى أَهل الأَمصار فلينظروا كل مَنْ كان له جَدَةٌ ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين. أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح (¬3) {4} المقصد الثانى: فى شروط الحج للحج شروط ثمانية، وهى الإِسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والعلم بافتراضه لمن أَسلم فى دار الحرب، والاستطاعة، والوقت، وعدم الجماع قبل الوقوف بعرفة. وهى أَربعة أَنواع: (الأَول) ما هو شرط فرض وصحة، وهو اثنان: (ا) الإِسلام فلا يفترض الحج ولا يصح من كافر أَصلى على الصحيح ¬

(¬1) انظر ص 274 ج 3 مجمع الزوائد (فضل الحج)، وص 110 ج 2 الترغيب. (¬2) انظر ص 79 ج 2 تحفة الأحوذى، وص 28 ج 2 سنن الدارمى (من مات ولم يحج) وص 334 ج 4 سنن البيهقى والإيمان كتاب للإمام أحمد غير المسند. (¬3) انظر ص 79 ج 2 تحفة الأحوذى. و (جدة) بكسر ففتح، المال والغنى.

عند غير مالك؛ لأَنه غير مخاطب بأَداء فروع الإِسلام كالصلاة والحج. ولا يجوز أَمره بالأَداء بشرط تقديم الإيمان؛ لأَنه أَصل فلا يكون تبعاً. وعليه فلا يعذب على تركه عذاباً زائداً على عذاب الكفر عند الحنفيين. وقالت الشافعية والحنبلية: يُعَذَّب وإِن لم يطالب بأَدائه فى الدنيا. وأَما مَنْ لم يعتقد افتراضه فهو معاقب اتفاقاً على تركه الاعتقاد (وقالت) المالكية: الإِسلام شرط صحة فقط؛ لأَن الكافر مخاطب بفروع الشريعة عندهم على المعتمد. وعليه فيعذب على ترك الحج عذاباً زائداً على عذاب الكفر. هذا، ومن حج ثم ارْتَدَّ ثمَّ أَسلم لا يلزمه إعادة الحج عند الشافعى. وقال الحنفيون ومالك: يلزمه إعادته لأَن وقته العمر، فلمَّا حُبط بالردة ثم أَدرك وقته مسلماً لزمه إِعادته كما يلزمه إعادة فرض أَداه فارتد ثم أسلم فى الوقت. (ب) والعقل: فلا يفترض ولا يصح الحج من مجنون اتفاقاً، لأنه غير مكلف وليس من أَهل العبادة، وكذا المعتوه وهو ناقص العقل. حج الصبى والرقيق: (النوع الثانى من الشروط) ما هو شرط للافتراض والإجزاءِ وهو البلوغ والحرية، فلا يفترض الحج على صبىّ لعدم تكليفه، ولا على عَبْدٍ ولو مأْذوناً له فى الحج ولو بمكة، لعدم ملكه الزَّاد والرَّاحِلة. ولو حجَّ الصَّبى والعبد صَحَّ حَجُّهما ولا يجزئهما عن حجة الإسلام، لقول جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: حَجَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساءُ والصِّبيان فلَبَّيْنَا عن الصِّبيان ورمينا عنهم. أخرجه أحمد. وفى سنده أَشعث بن سِوار وثَّقه بعضهم وضَّعفه الأكثر (¬1) {43} ¬

(¬1) انظر ص 30 ج 11 الفتح الربانى.

(وقال) السائب بن يزيد رضى الله عنه: حجَّ بى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وأَنا ابن سبع سنين. أخرجه أحمد والبخارى والترمذى وصححه (¬1) {44} وقال: قد أَجمع أَهل العلم على أَن الصبى إِذا حجّ قبل أَن يُدْرِك فعليه الحج إِذا أَدرك. وكذلك المملوك إذا حجّ فى رِقِّهِ ثم أُعتق فعليه الحج إِذا وجد إلى ذكل سبيلاّ أهـ. (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أَيَّما صبىّ حجَّ ثم بلغ الحنث فعليه أَن يحجّ حجةٌ أُخرى، وأَيَّما عبدٍ حجَّ ثم أُعتق فعليه أَن يحج حجة أُخرى). أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {45} (وقال) ابن عباس: أَيَّما مملوك حج به أَهله فمات قبل أَن يُعتق فقد قضى حجهّ. وإِنْ عَتق قبل أَن يموت فليحجج. وأَيَّما غلامٌ حجَّ به أَهله فمات قبل أَن يُدْرِكَ فقد قضَى حجته وإِن بلغ فيلحجَّ. أخرجه الشافعى (¬3) {5} دل ما ذكر على أَن حج الصبى ولو غير مميز صحيح منعقد. ويحرم الولى عن غير المميز ويجرده من المخيط ويلبى عنه ويطوف به ويَسْعَى، ويقف به بعرفة ويرمى عنه. وبه قال الأَئمة الأَربعة والجمهور. ¬

(¬1) انظر ص 30 منه، وص 51 ج 4 فتح البارى (حج الصبيان) وص 112 ج 2 تحفة الأحوذى. و (حج بى) مبنى للمفعول عند أحمد والبخارى. وعند الترمذى: حج بى أبى. (¬2) انظر ص 205 ج 3 مجمع الزوائد (حج الصبى قبل البلوغ .. ). (¬3) انظر ص 290 ج 1 بدائع المنن.

(فائدة) إذا بلغ الصبىّ أَو عَتق العبد يوم عرفة أَو قبله غير مُحْرِمَيْنِ فَأَحْرَمَا وَوَقَفَا بعرفة وأَتَمَّا المناسك أَجْزَأَهُمَا عن حجَّةِ الإِسلام إِجماعاً. وإِن بلغ الصبىّ وعتق العبد وهما مُحْرِمان وأَتما المناسك أَجزأَهما عن حجَّةِ الإِسلام عند الشافعى وأحمد؛ لأنهما وَقَفَا بعرفة وهما أَهل له فأَجزأَهما كما لَوْ أَحْرَمَا حينئذ. وقال مالك: لا يجزئهما، واختاره ابن المنذر. وقال الحنفيون: لا يجزئ العبد. أَمَّا الصبى فإِن جَدَّدَ الإِحرام بعد البلوغ وقبل الوقوف بعرفة أَجزأَه وإِلاَّ فَلا؛ لأَن إِحرامهما لم ينعقد واجباً فلا يجزئ عن الواجب كما لو بقيا على حالهما. وإذا بلغ الصبىّ وعتَق العبد بعد الوقوف بعرفة فعادا إليها قبل طلوع فجر يوم النحر أَجزأَهما عن حجة الإسلام عند الشافعى وأَحمد؛ لأَنهما أَدركا الوقوف وهما أَهل للوجوب، (وقال) أَبو حنيفة ومالك: لا يجزئهما عن حجة الإسلام كما تقدم. وإِن لم يعودا إلى عرفة أَو عادا بعد طلوع فجر يوم النحر لم يجزئهما عن حجة الإسلام اتفاقاً، ويتمان حجهما تطوعاً، لفوات الوقوف المفروض، ولا دم عليهما؛ لأنهما حَجَّا تطوعاً بإِحرام صحيح، فأَشبها البالغ الذى يحج تطوعاً. حج من أسلم فى دار الحرب: (الثالث) ما هو شرط لافتراض الحج فقط، وهو اثنان: (أ) العلم بافتراض الحج: بإِخبار رَجُلَين، أَو رَجُل وامرأَتَين، أَو واحد عَدْل - فى حق من أَسلم فى دار الحرب. فلو أَسلم حربى فى دارهم ولم يعلم بافتراض الحج وهو مستطيع ثم علم فقيراً لا يلزمه. ولو أَسلم فى دارنا لزمه الحج وإِن لم يعلم بافتراضه، لأَنه لا يعذر بجهله. وهو شرط وجوب وصحة عند مالك، فلا يجب الحج ولا يصح من حربى أَسلم فى دارهم ولم يعلم بافتراضه.

(ب) الاستطاعة: وهى شرط لافتراض الحج إجماعاً. وتتحقق بأُمور منها. (1) القُدْرَة على الزَّاد الذى يصح به بَدَنه. فمن اعتاد نحو اللحم إِذا قدر على خُبز وجُبن لا يعدّ مستطيعاً والمعتبر نفقة الوسط. (2) القُدْرَة على الرَّاحِلة المختصة به لمن لا يمكنه المشْى بلا مشَقَّة لبعده عن مكة. والمراد بالراحِلة المركب سواءٌ البرى والبحرى والهوائى كالطائرات. ودليل ذلك حديث قتادة عن أَنس رضى الله عنه أَنه لما نزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قيل يا رسول الله، ما السبيل؟ وقال: الزَّاد والراحلة. أَخرجه الدار قطنى والحاكم وصححه والبيهقى؛ وقال: المحفوظ عن قتادة عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً (¬1) {46} أما الزَّاد فهو أَن يملك ما يكفيه ويكفى من يعوله حتى يرجع. وأَما الرَّاحِلة فيشترط أَن تبلغه مقصوده ذهاباً وإياباً سواء أَكانت ملكه أم مؤجرةٌ بأُجرةٍ معتدلة يَقْدِرُ على دفعها بلا غُبن. ولا تتحقق الاستطاعة بإِعارةِ الزَّادِ والرَّاحِلة ولا إباحتهما. فلو بَذَل الابن لأَبيه الزَّاد والراحلة وأَباحَهُما له لا يلزمه الحج ولا يلزمه قبول ما بذله؛ لأنَّ شرط الفرضية لا يلزم تحصيله عند عدمه. هذا، ويُشْتَرط فيهما أَن يكونا فاضِلَيْن عن نفقَتِه ونَفَقَةِ مَنْ تلزمه نفقته حتى يعود، وعن حوائجه الأصلية؛ فلا تثبت الاستطاعة بثياب يلبسها ومتاع يحتاجه ودار يسكنها ولو كبيرة تفضل عنه بخلاف دار ¬

(¬1) انظر ص 254 سنن الدار قطنى، وص 442 ج 1 مستدرك، وص 330 ج 4 سنن البيهقى (الرجل يطبق المشى ولا يجد زاداً ولا راحلة فلا يجب عليه الحج).

لا يسكنها وضيعة يملكها فإنه يلزمه بيعها ليحج من ثمنها. وهذا مذهب الحنفيين والشافعى وأحمد (وقالت) المالكية: الاستطاعة: هى إمكان الوصول إمكاناً عادياً مع الأمن على النفس والمال بلا مشَقَّة فادِحَة ولو بلا زَادٍ وراحلةٍ لذى صنعة تقوم به وقدر على المشى. فيقوم مقام الزاد الصنعة الكافية كخياطة وحلاقة وطب. ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشى؛ فلا يجب الحج على غير المستطيع إلاَّ أنه إذا تكلفه صَحَّ ووقع فَرْضاً. هذا. ومن الاستطاعة عند غير الحنفيين أُمُورٍ خمسة: (1) عدم المانع الحسىّ الذى يمنع عن الذهاب إلى الحج، كالحبس والخوف من سلطان يمنع الناس من الخروج إلى الحج. (2) خلو المرأة من عدة مطلقها؛ لأن المعتدة من طلاق ولو رَجْعِيًّا عليها ملازمة البيت الذى كانت فيه وقت الفرقة، فلا تخرج منه ليلاً ولا نهاراً ولون بإِذن الزوج إلا لضرورة لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (¬1). وقال أحمد: لها أن تخرج إلى الحج فى عدةٍ الطلاق البائن دون الوفاة؛ لأن لزوم المنزل واجب فى عدة الوفاة دون عدة البائن. وأما معتدة الرجعى فكالزوجة. (3) أَمْن الطريق. (4) وجود زَوْجٍ أَو مَحْرَمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسق مع المرأَة. (5) صِحَّة البَدَنِ من الآفاتِ المانعة من القيام بما لابُدَّ منه. وهذه عند الحنفيين شروط للزوم أَداءِ الحج على المختار، وهو رواية عن أحمد، فإِن فَقَد بعضها مع تحقق شروط الافتراض، لا يلزمه الأَداءَ بنفسه بل يلزمه إحجاج الغير عنه أَو الإيصاء به عند الموت. وهناك بيان الثلاثة الأَخيرة: ¬

(¬1) انظر ص سورة الطلاق، من الآية 1.

1 - أمن الطريق: يُشْتَرَط للزومِ أَداءِ الحجِّ أَمْنُ الطريق على نفسِه ومالِه، بأَن يكونَ الغالب فيه السَّلاَمة ولو بالرِّشْوة. وقتلِ قطاع الطريق بعض الحجاج عُذر يُسقط لزوم الحج. وهل ما يؤخذ فى الطريق من نحو المكس والكوشان عُذر؟ المعتمد ـ لا ـ عند الحنفيين؛ لأن أمْن الطريق شرط للزوم الأَداءِ عندهم. فيلزم المستطيع الإِيصاءَ عند خوف الطريق؛ لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئل عن الاستطاعة فَسَّرَها بالزَّاد والرَّاحِلة؛ فلو كان أَمْنُ الطريق منها لذكَره. ومحل الخلاف فى لزوم الإيصاءِ إِذا مات قبل حصول الأمن وإِلاَّ لزم اتفاقاً. (وقالت) المالكية والشافعية: أَمْن الطريق شرط وجوب وهو من أَسباب الاستطاعة وما يؤخذ من المكس ونحوه عذر يسقط الحج إَن تَعَدَّدَ أَو أُجْحِفَ بصاحِبِه وإِلاَّ فلاَ عند المالكية. وعند الشافعية يُعَدّ عذراً وإِن قَلَّ المأْخوذ. وإِما الخفارة فجائزة وتوزع بحسب ما يخفر من الأمتعة. أَما الدال على الطريق فإِنه يأْخذ على الرءُوس. وهو رواية عن أحمد. وقيل: إِن كان فى الطريق عدو يطلب خفارة لا يلزمه الحج وإن كانت يَسِيرة لأَنها رِشْوَة. وقيل: إِن كانت لا تُجْحِف بماله لَزِمه الحج لإمكان بذلها (¬1). وإِذا كان لابُدَّ للحاجِّ من اجتيازِ البحر جازَ له ركُوبه إِن غلبت السلامة وإلاَّ فلا. فإِن كان هائجاً لا يجوز ركوبه لا لحج ولا لغيره حتى يَهْدَأَ (لقول) أَبى عمران الجونى: حدثنى بعض أَصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ بَاتَ فوق بيتٍ ليس له إِجَّار فوقع فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة، ومن ركب البحر ¬

(¬1) انظر ص 168 ج 3 مغنى.

عند ارتجاجه فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (¬1) {47} 2 - حج المرأة: يشترط للزُوم حَجِّهَا وجُود زَوْجٍ أَو محرمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسِق معها؛ لأَنها يَحْرُمُ عليها أَن تُسَافِر بلاَ محرَم أَو زَوْج، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تُسَافِر امرأَة إِلاَّ ومعها ذُو محرم. وجاءَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فقال: إِنِّى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا وامرأَتى حاجَّة قال فارجع فحجّ معها. أَخرجه الشافعى والشيخان وأحمد. وهذا لفظه (¬2) {48} والأَحاديث فى هذا كثيرة وهى تشمل كل سفرٍ ومنه الحج. والمحرم كل من حرمُ عليه نكاح المرأَة على التأْبيد بسبب مُباح لحرمتها (¬3) كالأَب والابن والأَخ وابن الأَخ ونحوهم. فليس من المحرم: (1) زوج أُخت المرأَة وعمتها وخالتها وأُمها إِذا فارق هذا الأُم قبل الدخول ـ فإن حُرمة من ذكر ليست على التأْبيد. (ب) وكذا مَنْ يحرم على التأْبيد لا لسبب مباح كوطءِ الشبهة فإِنه لا يوصف بالإِباحة، ولا غيرها من الأَحكام. فلا يحلُّ للمرأَةِ الخروجَ للحجِّ إذا لم يكن معها محرم أَو زَوْج، ولا يجوزُ لها الخروج عند الحنفيين ¬

(¬1) انظر ص 27 ج 11 الفتح الربانى. و (الإجار) بكسر الهمزة وشد الجيم: السور يرد الساقط، والمراد بالذمة العهد، لأن لكل واحد عهداً من الله تعالى بالحفظ، فإذا القى بيده إلى التهلكة انقطع عنه ذلك العهد. و (الارتجاج) الاضطراب. (¬2) انظر ص 290 ج 1 بدائع المنن، وص 53 ج 4 فتح البارى (حج النساء) وص 109 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) وص 38 ج 11 الفتح الربانى. (¬3) و (لحرمتها) خرج به المرأة الملاعنة فإنها حرام على الملاعن على التأييد تغليظاً عليهما لا لحرمتها فلا يحل سفرها معه.

وأَحمد مع امرأَة أَ! وأَكثر أَو رفقة مأْمونين؛ لأَّن خوف الفتنة قائم حينئذ (وقالت) المالكية: لها أن تخرج مع رِفْقَةٍ مأْمونة إِذا كان بينها وبين مكة يوم وليلة (وقالت) الشافعية: لها أَنتخرج مع نسوة ثقات ولو بعدت المسافة (وقيل): لها الخروج مع امرأَة حرة مسلمة ثقة، مستدلين: (أ) بما روى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أَن عمر رضى الله عنه أَذِنَ لأَزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى الحج، فبعث معهن عثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما. أَخرجه البخارى والبيهقى (¬1) {6} (ب) وبظاهر قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإِن لفظ الناس يتناول الذَّكَر والأُنثى، والاستطاعة تتحقق بوجود الزَّاد والرَّاحلة؛ ولأَنَّ الغرض من وجُودِ المحرم أَو الزَّوْج معها الأَمن عليها، وهو يحصل بجماعة النساء وبالرفقة المأْمونة. (وأجاب) الأَوَّلُون: (أ) بأَن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف محرمان لأُمهات المؤمنين. (ب) وبأَن الآية لا تتناول النساءَ حال عدم وجود الزوج والمحرم معها؛ لأَن المرأَة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يعاونها على ذلك، وليس هذا لغير الزوج المحرم فلم تكن مستطيعة عند عدمهما. ومعلوم أَن خوف الفتنة عند اجتماعهن غير مأْمون. (فائدة) لا يلزم الزوج، ولا المحرم السفر مع المرأَة إِذا لم يُوجَد غيره عند الحنفيين ومالك، وهو الصحيح عند أَحمد والشافعى؛ لأَن فى الحج ¬

(¬1) انظر ص 51 ج 4 فتح البارى (حج النساء) وص 326 ج 4 سنن البيهقى.

مشقة شديدة فلا تلزم أَحداً لأَجل غيره، كما لا يلزمه أَن يحجّ عنها إذا كانت مريضة. وإذا مات محرم المرأَةِ فى الطريق، قال أَحمد: إِذا تباعدت مضت فحجَّت لأَنه لابُدَّ لها من السفر بلا محرم فمضيها إلى الحج أَوْلَى إذا كان فرضاً. أَمَّا إِذا كان تطوعاً وأَمكنها الإِقامة فى بلد فهى أَوْلَى من سفرها بلا محرم. وليس للرجل منع امْرَأَتِه من حجة الإسلام عند الحنفيين وأَحمد، وهو الصحيح عن الشافعى؛ لأَنه فرض فليس له منعها منه. ويُسْتَحَبُّ أَن تستأْذِنه فإِن أَذن وإِلاَّ خرجت بلا إِذْنِه. فأَمَّا حج التطوع فله منعها منه إجماعاً، وليس له منعها من الحج المنذور؛ لأَنه واجب عليها فأَشبه حجة الإسلام. والأَصَحّ عند الشافعية أَنَّ له مَنْعَها عن الحج الفرض لكونه على التراخى، ولما روى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امْرَأَةٍ لها زَوْج ولها مال ولا يِأْذَن لها فى الحج: ليس لها أَن تَنْطَلِقَ إِلاَّ بإذن زَوْجِهَا. أخرجه الدار قطنى، وفيه العباس بن محمد بن مُجاشِع. حاله غير معروف (¬1) {49} (وأجاب) الجمهور بأَنه محمول على حجّ التطوع جمعاً بين الأدِلَّةِ. 3 - الحج عن الغير: تقدم أَن صِحَّةَ البدَنِ مَّما تتحقَّق به الاستطاعة فهى شرطٌ لوجوب الحجِّ عند أَبى حنيفة ومالك والشافعى وأَحمد فى رواية، فالْمُقْعَد والزَّمِن والمفلوج والمريض والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة بنفسه ومقطوع الرِّجْلَين والأَعمى وإِن وَجَدَ قائداً عند أَبى حنيفة، لا يجب عليهم الحج ولا يلزمهم إِحجاجُ الْغَيْرِ عنهم ولا الإيصاء به عند الموت. (وقال) أبو يوسف ومحمد وأحمد فى رواية: صِحَّةُ البَدَنِ شرطٌ لِلزُوم أَداء ¬

(¬1) انظر ص 257 سنن الدار قطنى.

الحج، فلا يلزم المقْعَد ومَنْ معه الأداء بأَنفسهم، وعليهم إِنابة غيرهم ليحجَّ عنهم إِن كانوا مستطيعين، ويجزئُهم حجه إِنْ دام العجز إلى الموت، فإِنْ زال حَجُّوا بأَنفسهم. ومحل الخلاف إذا لم يقدر من ذكر على الحج وهو صحيح، فإِنْ قدر ثم عجز قبل الخروج تقرر فى ذمته فيلزمه إحجاج غيره عنه من منزله اتفاقاً. ودليل ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن امْرَأَةٌ مِن خَثْعَم قالت: يا رسول الله، إِنَّ فريضةَ اللهِ على عِبادِه فى الحجِّ أَدركَتْ أَبى شَيْخاً كبيراً لا يستطيُع أَن يَثْبُتَ على الرَّاحِلة، أَفأَحُجَ عنه؟ قال: نَعَمْ. وذلك فى حجَّةِ الوَداع. أخرجه مالك والشافعى والشيخان وأبو داود والنسائى. وأخرج نحوه الدارمى (¬1) {50} وقال الترمذى: وقد صَحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب غير حديث، والعمل على هذا عند أهل الْعِلم. وبه يقول الثورى وابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق، يرون أَن يُحَجَّ عن الميت. وقال مالك: إذا أَوْصَى أن يَحُجَّ عنه حُجَّ عنه. وقد رخَّص بعضهم أن يُحَجَّ عن الحىّ إذا كان كبيراً وبحال لا يقدر أن يحجَّ، وهو قول ابن المبارك والشافعى (¬2)، وهو أَيضاً قول أحمد وابن حبيب المالكى والمختار عند الحنفيين، فيجوز عندهم الحج عن الْغَيْر سواءٌ أَوجب عليه الحج حال الصِّحَّة أم حال العجز بأَن قدر على الإنابة، وحاصِل مذهبهم أنه تجوز النيابة فى نفل الحج مطلقاً. ولا تجوز فى فرضه إلاَّ بشَرْطِ العجز المستمر إلى الموتِ ويقع عن المحجوج عنه. ويُشْترط النِّيَّة عن المحجوج عنه، ويندب ذكره فى التلبية، بأَن ¬

(¬1) انظر رقم 86 ص 101 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجع بهامش 2 ص 106 منه. (¬2) انظر ص 113 ج 2 تحفة الأحوذى (الحج عن الشيخ الكبير والميت).

يقول النائب: لَبَّيْكَ عن فلان، وأَن يكون النائب حُرَّا ذكَراً بالغاً، عالماً بالمناسِك قد حج عن نفسه. ويُكْرَه إِنابة العبد والمرأَة، ومَنْ لم يحج عن نفسِه، وليس للنائب أن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإنْ مَرِضَ فى الطريق، إلاَّ إنْ قيل له: اصنع ما شِئْتَ، فله حينئذٍ أَن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإن كان المأْمور صحيحاً. (وقال) مالك والليث: لا يحج أحد عن أحد إلاَّ عن مَيِّتٍ لم يحجَّ حجةَ الإسلام وأَوْصَى بها؛ لأَن الحج عبادة لا تدخله النيابة مع القُدْرَة، فلا تدخله مع العجز؛ لأن العبادة فُرِضَتْ للابتلاء وهو لا يوجد فى العبادة البدنية إلاَّ بإتعاب البدن فيها (ورد) بأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون بالغير "فإن قول " الخثعمية: إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركَتْ أبى شيخاً كبيراً. " يفيد " أن افتراض الحج لا يشترط له القدرة على السفر، وقد أقَرَّهَا النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يؤيد أن الاستطاعة المعتبرة ليست بالبدَنِ خاصَّة وإنما هي بالزَّادِ والراحِلة، ومنه يعلم أن الراجح القول بجواز النيابة فى الحج عند الداعية. (قال) ابن قُدَامة: ولا يجوز أن يستنيب فى الحج الواجب مَنْ يقدر عليه بنفسه إجماعاً. والحج المنذور كحجة الإسلام، فأَمَّا حج التَّطَوُّع فثلاثة أقسام: (الأول) أن يكون ممن لم يُؤَدِّ حجة الإسلام، فلا يجوز أَن يستنيب فى التطوع؛ لأنه لا يصح أن يفعله بنفسه فبنائه أَوْلى. (الثاني) أن يكون أدَّى حجة الإسلام وهو عاجز عن الحج بنفسه، فيصح أَن يستنيب فى التطوع اتفاقاً؛ لأَن ما تجوز الاستنابة فى فريضته تجوز فى نفله.

(الثالث) أن يكون أَدَّى حجة الإسلام وهو قادِرٌ على الحج بنفسه، فهل له أَن يستنيب فى حج التطوع؟ فيه قولان: (أ) يجوز عند الحنفيين وهو رواية عن أحمد؛ لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب. وتكره الإنابة فيها عند مالك. (ب) لا يجوز عند الشافعى. وهو رواية عن أحمد؛ لأنه قادر على الحج بنفسه فلا يجوز له أن يستنيب فيه كالفرض (¬1). وبقى الكلام فى أمرين. (1) حج الصرورة عن غيره: الصَّرورة مَنْ لم يَحُجَّ عن نفسِهِ، مأْخوذ من الصَّر وهو الحبس. فمن ترك الحج مع الاستطاعة فقد منع الخير عن نفسه. وقد اختلف العلماء فى حجه عن غيره، فمنعه الشافعى وأحمد، لحديث ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لَبَّيْكَ عن شُبْرمة، قال: من شُبْرُمة؟ قال: أَخ لى أَو قريب لى. قال حَجَجْتَ عن نفسك؟ قال: لا، قال: حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة. أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه. والبيهقى وقال: وقال إسناده صحيح وأخرجه الشافعى موقوفاً على ابن عباس (¬2) {51} (وقال) الحنفيون ومالك: حج الصَّرورة المستطيع عن غيره مكروه كراهةَ تحريم؛ لأنه يتضيق عليه فى أول سِنى الإمكان فيأْثم بتركه. وكذا لو تَنَفَّل لنفسه ومع ذلك يصحّ حجه؛ لأن النَّهْى ليس لعين الحج المفعول، بل لغيره وهو خَشْيَةَ ألاَّ يُدْرِك الفرض، إذ الموت فى سنة غير ¬

(¬1) انظر ص 180 ج 3 مغنى (¬2) انظر رقم 88 ص 107 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجح بهامش 2 و 3 ص 109 منه. والرجل الملبى " نبيشة " بالتصغير ابن عبد الله.

نادر. فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام ـ حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة ـ على الوجوب لا على الفرضية فلا ينفى الصحة. فوائد (الأولى) مِنْ عليه حجة الإسلام وحجة نذر، لَزِمَهُ تقديم حجة الإسلام عند الشافعى وأحمد، لما روى شُعبة عن سليمان أبو أبى سليمان أنه سمع أنس بن مالك يقول ـ فيمن نَذَرَ أَن يَحُجَّ ولم يَحُجَّ قطّ ـ قال: لِيَبْدَأْ بالفريضة. أخرجه البيهقى (¬1) {7} (وقال) الحنفيون ومالك: له أن يَحُجَّ حجَّةَ النَّذْر ثم يَحُجَّ حجَّةَ الإسلام من قابل. (الثانية) إذا أَمَرَهُ اثنانِ بالحجِّ عن كُلٍّ منهما، فإِنْ أَحْرَمَ بحجةٍ عنهما معاً وقع الحج عنه. ولهما الرجوع بما أَخذه منهما. وإِنْ أَحْرَمَ عن أَحدهما مبهماً، فإِن عينه قبل الوقوف بعرفة انصرف إليه، وإلاَّ انصرف إلى نفسه وضمن ما أخذ. (الثالثة) لو أّحْرَمَ بحجّ عن أَحد أَبَوَيْهِ أَو عنهما بلا أَمرهما ثم عينه عن أحدهما صَحّ؛ لأنه من قبيل جعل الثواب للغير لعدم الأمر فتلغو نيته. وهذا مندوب إليه؛ لحديث ابن عباس رضى الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَجَّ عن أَبَوَيْه أَو قضى عنهما مَغْرَماً بُعِثَ يوم القيامة مع الأبرار. أخرجه الدار قطنى وضَّعفه، والطبرانى فى الأوسط، وفى سنده صلة بن سليمان العطار متروك (¬2) {52} (2) الاستئجار للحج ونحوه: يجوز إجارة النفس للطاعة كالحج والعمرة وتعليم الفقه وغيره من العلوم والقرآن والأذان والإمامة، لحديث ¬

(¬1) انظر ص 339 ج 4 سنن البيهقى (الرجل ينذر الحج وعليه حجة الإسلام). (¬2) انظر ص 272 سنن الدار قطنى، وانظر رقم 8630 ص 116 ج 6 فيض القدير.

ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ أَحَقَّ ما أَخَذْتُمْ عليه أَجراً كنابُ الله. أخرجه البخارى (¬1) {53} وهو وإِنْ كان وَارِداً فى الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأُجْرَةِ على تعليم القرآن؛ لأن الْعِبرة بعموم اللفظ. وبهذا قال الشافعى وأَحمد فى رواية. وهو المفتى به عند الحنفيين (وقالت) المالكية: يُكْرَه للشخص إجارة نفسه للطاعة كالحج وقراءَة القرآن وتعليم العلم، لحديث الجارود ابن المُعَلَّى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ طَلَبَ الدنيا بعملِ الآخرةِ طُمِسَ وَجْهُهُ ومُحِى ذِكْره وأُثبتَ اسمه فى أَهل النار. أخرجه الطبرانى وأبو نعيم (¬2) {54} وللمحجوج عنه أَجْرُ النفقة التى أنفقها النائب، وله دعاؤه أيضاً، ولا يسقط حَجُّ الفرض عن المحجوج عنه ولا يكتب له نفلاً أَيضاً، لأنه لا يقبل النيابة. ويكتب نفلاً للأجير. ويجوز عند مالك أخذ الأُجْرَة على تعليم الأطفال القرآن والأذان ولو مع الصلاة. أما أَخْذُ الأُجْرَةِ على الإمامة وحدها فيكره إن كانت من المصَلِّين لا من الوقف أو من بيت المال، فإنه يجوز ويكون من باب الإعانة على الطاعة. ومنه ما يؤخذ على التدريس ونحوه مَّما وقف لأجله من وظائف الطاعات (¬3). (فوائد) (الأولى) قال ابن قدامة: وإن استأْجر ليحجَّ عنه أو عن مَيِّتٍ اعتبر فيه شروط الإجارة من معرفة الأُجْرَة. وما يأْخذه أُجْرَةٌ له يملكه ويباح له التصرف فيه والتوسع به فى النفقة وغيرها، وما فضل فهو ¬

(¬1) انظر ص 155 ج 10 فتح البارى (الشروط فى الرقية - الطب). (¬2) انظر ص 261 ج 2 كشف الخفاء. (¬3) انظر ص 80 ج 2 حكمة البصير لفهم مجموع الأمير.

له، وإن أُحْصِر أو ضَلَّ الطريق أو ضاعت النفقة منه فهو فى ضمانه وعليه الحج. وإنْ مات انفسحت الإجارة لتلف المعقود عليه. ويكون الحج أيضاً مَن موضع بلغ إليه النائب، وما لزمه من الدماء، فعليه لأن الحج عليه (¬1). (الثانية) قال النووى: أعمالُ الحجِّ معروفة، فإن علمها المتعاقدان عند العقد صحت الإجارة، وإن جَهِلها أحدهما لم تصحٌ. وهل يشترط تعيين الميقات الذى يُحرم منه الأجير؟ فيه قولان أصحهما لا يشترط تعين الميقات الذى يُحرم منه الأَجير؟ فيه قولان أَصحهما لا يشترط، ويحمل على ميقات تلك البلد فى العادة الغالبة. والثانى يشترط؛ لأن الإحرام قد يكون من الميقات وفوقه ودونه. والغرض يختلف بذلك فوجب بيانه (¬2). (الثالثة) حاصل مذهب الحنفيين فى مسألتين فى حج النائب: (أ) أنه لو أحرم شخص عن الآمر فأُحْصِر فالدم على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد وإن كان ميتاً. وعلى المأْمور الحج من قابل من ماله. وكذا لو فاته الحج ولا يضمن النفقة. وأما دم التمتع والقران والجناية فعلى المأْمور اتفاقاً. وإن جنى بالوطء قبل الوقوف بعرفة، فَسَد الحج وضمن النفقة، ولزمه الحج من قابل. (ب) ولو أَوْصَى شخص بالحج عنه فخرج رجل يَحُجّ عنه فمات فى الطريق أو سرقت نفقته يُحَجُّ عن الميت من منزله من ثلث ما بقى من ماله عند أبى حنيفة (¬3) (وقال) أبو يوسف ومحمد: يُحَجُّ عنه من حيث مات المأْمور، غير أَن محمداً قال: يُحَجُّ عنه بما بقى من المال المدفوع إلى الحاج إِنْ بقى منه شيءٌ وإِلاَّ بطلت الوصية. وقال أَبو يوسف: يُحَجُّ عنه بما بقى ¬

(¬1) انظر ص 182 ج 3 مغنى (الاستئجار للحج). (¬2) انظر ص 121 ج 7 شرح المهذب. (¬3) يراعى فى هذا ما يأتى فى الفائدة الرابعة ص 41.

من الثلث الأول، فإِنْ كانت التركة مائة جنيه مثلاً ونفقة الحج خمسة وعشرين فدفعها الوصىّ إِلى مَنْ يَحُجَّ عن الميت فسُرِقَتْ فى الطريق. فعند الإمام يأْخذ ثلث ما بقى من التركة، فإن سُرِقَ ثانياً ثُلث الباقى وهكذا، (وقال) أَبو يوسف: يأْخذ ما بقى من الثلث، فإِن سُرِقَ ثانياً لا يأْخذ شيئاً. وقال محمد: إِنْ سُرِقَ كل ما دفع أَولاً بطلت الوصية، وإن بقى منه شيءٌ يُحَجُّ به لا غير. فالخلاف فى موضعين: (أ) فيما يدفع ثانياً، وقول الإمام فيه أوجَه. (ب) وفي المحل الذى يلزم الإحجاج منه ثانياً. وهو مبنى على أَن السفر أَيبطل بالموت؟ قال الإمام نَعَمْ، لحديث أبى هريرة رضى الله عنه: أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا ماتَ الإِنسانُ انْقَطَعَ عنه عمله إِلاَّ من ثلاثة: مِنْ صَدَقَةٍ جارِيةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفُع بِه أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو له. أخرجه مسلم والثلاثة (¬1) {55} وقال الصاحبان: لا يبطل السفر بالموت، وهو أَوْجَه، لحديث أَبى هريرة رضى الله عنه: أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مِنْ خَرَجَ حاجاً فمات كُتب له أَجْرُ الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومَنْ خَرَجَ مُعتمراً فمات كُتب له أَجْرُ المعَتمِر إلى يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى وأبو يعلى. وفيه جميل بن أبى ميمونة. ذكره ابن حبان فى الثقات (¬2) {56} والحديث الأَول إِنما يَدُلُّ على انقطاع العمل. والكلام فى بطلان القدر الذى وجد من العبادة والثواب. وهو غير العمل. وانقطاع العمل لا يستلزم انقطاع ما وجد منه. ¬

(¬1) انظر ص 117 ج 3 سنن أبى داود (الصدقة عن الميت - الوصايا) وباقى المراجع بهامش 4 ص 74 ج 8 الدين الخاص (القرب تهدى إلى الميت). (¬2) انظر ص 208 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الحج والعمرة).

(الرابعة) يُشْترط فى حج المأْمور أن يُحرم من مِيقَاتِ الآمر عند الحنفيين إن اتَّسَعَ ثُلث مال الميت لنفقة حج المأْمور، وإن لم يتَّسع يُحَجّ عنه من حيث يبلغ استحساناً، فلو كان ثلُث ماله لا يسَعَ إِلاَّ أَن يحجّ عنه من مكة جاز الحج عنه منها. وهذا بحث هام ينبغى علمه، فإِن كثيراً من الناس يمنعون إخراج البدل من مكة مع قِلَّةِ النفقة. وقت الحج: النوع الرابع من شروط الحج ما هو شرط صحة فقط. وهو اثنان: (1) الوقت الذى لا يصح شئٌ من الحج إِلاَّ فيه وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة، لقوه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (¬1). قال ابن عمر: أَشْهُر الحجّ شوالٌ وذُو القَعدة وعشر من ذِي الحِّجة. أَخرجه البخارى معلقاً. ووصله ابن جرير والدارقطني بسند صحيح عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (¬2) {8} ورواه البيهقى عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن الزبير (¬3)، وبهذا قال الحنفيون والشافعى فى الجديد وأحمد. وقال مالك والشافعى فى القديم: زمن الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه، لقول أَبى أُمامة رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} قال: شوالٌ وذو القَعدة وذو الحجة. أَخرجه الطبرانى فى الصغير والأَوسط. وفيه حُصَين بن مخارق. قال الطبرانى: كُونى ثقة. وضعَّفه الدار قطنى وبقية رجاله موثقون. قاله الهيثمى ... (¬4) {57} ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية 197. (¬2) انظر ص 270 ج 3 فتح البارى (قول الله تعالى: الحج أشهر معلومات). (¬3) انظر ص 342 ج 4 سنن البيهقى (بيان أشهر الحج). (¬4) انظر ص 218 ج 3 مجمع الزوائد (أشهر الحج).

المقصد الثالث: فى أركان الحج

وهذا الحديث ضعيف كما تَرَى. فالحق أَن زمن الحجَّ شوال وذو القَعدة وعشر من ذِي الحجَّة. هذا. ولا يَصِحُّ الإِحرامُ بالحجِّ قبل أَشهر عند الشافعى، لقول ابن عباس رضى الله عنهما: مِنَ السُّنَّةِ أَلاَّ يُحْرِ م بالحج إِلاَّ فى أَشهر الحج. أخرجه البخارى معلقاً ووصله الحاكم والدارقطني والبيهقى بسند صحيح (¬1) {9} وقول الصَّحَابى " من السنة " فى حكم المرفوع: (وقال) الحنفيون ومالك وأَحمد: يَصِحُّ الإِحرام بالحج قبل أَشهره مع الكراهة، لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} أخبر الله تعالى أَن الأَهِلَّة كلها مواقيتُ للناس والحج فيصح الإحرام به فى جميع السُّنة كالعمرة (ورد) بأَن الآية مجملة بينت بآية {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} فالراجح والاحتياط أَلاَّ يحرم بالحج قبل أَشهره. أَما بقية أَعماله فلاَ تَصِحُّ قبل أَشهره اتفاقاً. (فائدة) سيأْتى أن المتمتع يحرم بالحج يوم الترْوِيَةِ أَو قبله. (ب) عدم الجِماع فى أَحَد سَبِيلَىْ آدمىّ حىّ مُشْتهى قبل الوقوف بعرفة، فإِن ذلك يفسد الحج كما سيأْتى إِنْ شَاء الله تعالى. المقصد الثالث: فى أركان الحج هي جمع ركن وهو ما تتوقَّفُ عليه صِحَّةُ الحج ولا يجبر تركه بِدَمٍ ولا غيره. وأَركانُ الحجِّ عند الحنفيين الوقوف بعرفة وأَكثر طواف الإفاضة، وهو أَربعة أَشواطٍ وباقى السَّبعة واجب. وعند مالك وأَحمد أَركانه أَربعة: (ا) الإحرام ـ وهو قَصْدُ الحج وِنيَّتِه. ... (ب) الوقوف بعرفة. ¬

(¬1) انظر ص 271 ج 3 فتح البارى (قول الله تعالى: الحج أشهر معلومات) وص 343 ج 4 سنن البيهقى (لا يهل بالحج فى غير أشهره).

(أ) الإحرام

(ج) السَّعْى بين الصَّفَا والمرْوَة. (د) طَوَافُ الإِفَاضَة. والمشهور عن الشافعى أَن أَركانه ستة: هذه الأَربعة، والحلق أَو التَّقْصِير. وترتيب معظم الأَركان بأَن يقدم الإحرام على جميعها، والوقوف بعرفة على طَوَافِ الإِفَاضَةِ، وهناك بيانها مفصلة: (أ) الإحرام هو عند الحنفيين الدخول فى أحَدِ النسكين (الحجّ والعمرة) أو فيهما بالنِّيَّة مع التَّلْبِية أَو فعلٍ يتعلقُ بالحج كتقليد الهدْى وسوقه؛ لأَن الإحرام عَزْمٌ على الأَداءِ فلا بد فيه من ذِكْرٍ أَو فِعْلٍ يدلٌ عليه وهو التلبية وسوق الهدْى أو تقليده. والمشهور عند الأَئمة الثلاثة أَن الإِحرام هو نية أَحَدِ النسكين أَوْهُما دُونَ التلبية. وهو شَرْطٌ لِصِحَّةِ الحجِّ عند الحنفيين ابتداءَ، ولذا صَحَّ تقديمه على أَشْهُرِ الحجِّ مع الكَراهة. وله حكم الركن انتهاءَ، ولذا لا يجوز لمن فاتَهُ الحج البقاءُ على الإحرام ليقضى به من عام قابل (وقال) غير الحنفيين: الإحرام ركن، لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬1)، والإخلاص النِّيَّة؛ لأنه عملٌ من أَعمال القلب (وعن) عُمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: {إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّات} (الحديث) أخرجه السبعة (¬2). {58} أي صِحَّةُ الأَعمالِ بالنِّيَّة. وقد أَجمع العلماءُ على أَنها فرض فى الحج وغيره من مقاصد العبادات. هذا، والثابت بالدليل أَن شرط النية علمه ¬

(¬1) سورة البينة، الآية 5. (¬2) انظر ص 17 ج 2 - الفتح الربانى. وص 8 ج 1 فتح البارى (بدء الوحى) وص 53 ج 13 نووى مسلم (إنما الأعمال بالنية - الجهاد) وص 262 ج 2 سنن أبى داود (فيما عنى به الطلاق والنيات) وص 24 ج 1 مجتبى (النية فى الوضوء) وص 288 ج 2 سنن ابن ماجه (النية - الزهد).

بقلبه: أى نسك يُؤَدِّى. والنية محلها القلب ولم يَرِد التَّلَفُّظ بهما عن أَحَدٍ ممن يُقْتَدَى بهم (قال) الكمال ابن الهمام: ولم نَعْلَم عن الرُّوَاة لنسكه عليه الصلاة والسلام أَن روى واحد منهم أَنه سمعه عليه الصلاة والسلام يقول: تّوَيْتُ الْعُمْرَة ولا الحجّ (¬1). هذا. والكلام فى الإحرام ينحصر فى خمسة مباحث: (1) ما يطلب للإحرام: يطلب من مريد الإحرام أُمور ستة: 1 - التنظيف: إِذا أَراد شخص الإحرام بنسك ندب له قَصُّ أَظافره وشَارِبه وحلْق عَاَنتِه ونَتْفِ إِبطَيْه. ثم يَتَوَضَّأُ أَو يَغْتَسِل ولو صَبِيًّا أَو حائضاً أَو نفساءَ؛ لأَنه للنظافة. والغُسْلُ أَفْضَلُ، لقول ابن عمر رضى الله عنهما: مِنَ السُّنة أَن يغتَسِلَ إِذا أَراد الإِحرام وإِذا أِراد دخول مكة. أخرجه البزار والدار قطنى والحاكم وصححه (¬2) {10} (وقالت) عائشة رضى الله عنها: نُفِسَتْ أَسماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بمحمد بن أبى بكر بالشجرة، فأَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَبا بكر أَن يَأْمُرَها أَن تَغْتَسلِ وتُهِلَّ. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والدارمى، وأخرج الأَئمة نحوه من حديث القاسم عن أسماء ... (¬3) {59} ¬

(¬1) انظر ص 138 ج 2 فتح القدير (الإحرام). (¬2) انظر ص 217 ج 3 مجمع الزوائد (الاغتسال الإحرام) وص 256 سنن الدار قطنى، وص 447 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 133 ج 8 نووى مسلم (إحرام النفساء) وص 289 ج 10 المنهل العذب (الحائض تهل بالحج) وص 111 ج 2 سنن ابن ماجه (النفساء والحائض تهل بالحج) وص 33 ج 2 سنن الدارمى، وص 143 ج 2 زرقانى الموطأ (الغسل للإهلال .. ) وص 4 ج 2 بدائع المنن، وص 128 ج 11 الفتح الربانى. و (نفست) بضم النون وفتحها وكسر الفاء، أى ولدت. و (الشجرة) سمرة بذى الخليفة كان يحرم منها النبى صلى الله عليه وسلم .. وفى رواية الأئمة: ولدت بالبيداء. وهو مكان بذى الخليفة.

(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ النفساءَ والحائض تَغْتَسِلُ وتُحْرِمُ وتَقْضِى المناسِك كُلَّها غير أَنهما لا تطوف بالبيْتِ حتى تَطْهُرَ. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (¬1) {60} دَلِّتْ هذه الأَحاديث على مشروعية الغُسْل لمنْ يريدُ الإِحرام فيغتسل بنية غُسْل الإحرام وهو غسل للنظافة، ولذا لا ينوب التيمم عنه عند العجز عند الحنفيين وأحمد. ويُشْتَرط عند المالكية اتصال هذا الغُسْل بالإحرام كاتصال غًسْل الجمعة بالرَّواح. فلو اغْتَسَل غَدْوَةٌ وأَحرم ظهراً لم يجزه ولا يضر الفصل بشَدِّ الرِّحال وإصلاح الحال. هذا ويُسَنُّ الغُسْل أَيضاً لدخول مكة وللوقوف بعرفة، لقول نافع: كان ابن عمر رضى الله عنهما يغْتَسِلُ لإحرامه قبل أَن يُحْرِمَ ولدخول مكة ولوقوفه عَشِيَّة عرفة. أخرجه مالك (¬2) {11} (وقال) النووى: يَغْتَسِل المحرم لسبعة مواطن: للإحرام ودخول مكة، والوقوف بعرفة، والوقوف بالمزدلفة، ولرَمْى الجِمَار الثلاث فى أَيام التشريق. يَغْتَسِلُ فى كلِّ يومٍ من الأَيام الثلاثة غُسْلاً واحداً لرمْى الجمرات. ولا يُسْتَحَبُّ الغُسْل لرمْى جمرة العقبة يوم النَّحْر؛ لأَنَّ وقته من نِصْفِ اللَّيل إلى آخر النهار فلا يجتْمع له الناس فى وقتٍ واحد (¬3). 2 - لباس المحرم: يُسَنُّ لمنْ يُرِيدُ الإحرام أَن يَلْبسَ: (أ) إِزَاراً مِنَ الوسَط ويُكْرَه شَدُّ حَبْل ونحوه عليه. ¬

(¬1) انظر ص 127 ج 11 الفتح الربانى، وص 290 ج 10 المنهل العذب (الحائض تهل بالحج) وص 118 ج 2 تحفة الأحوذى (ما تقضى الحائض من المناسك). (¬2) انظر ص 144 ج 2 زرقانى الموطأ (الغسل للإهلال). (¬3) انظر ص 213 ج 7 شرح المهذب.

(ب) رِدَاء مِنَ الكَتِف غَسِيلين أَو جَدِيدَيْن أَبْيَضَيْن. لقول ابن عباس رضى الله عنهما: انْطَلَقَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم مِنَ المدينة بعدما تَرَجَّلَ وادَّهَنَ ولَبِسَ إِزَارَهُ ورِدَاءَهُ هُوَ وأَصحابُه. ولم ينه عن شَيْءٍ من الأَرْدية والأزُر تُلبس إِلاَّ المزعْفرةَ التى تَردَع الجلد حتى أَصبح بذى الحُلَيفة ركب راحلته حتى استوى على البيداءَ أَهلَّ هو وأَصحابهُ (الحديث) أخرجه البخارى ... (¬1) {61} 3 - التطيب: ويُسَنُّ التَّطَيُّب قبل الإحرام للرَّجُل والمرأَةِ ولا يَضُرُّ بقاءُ لَوْنه بعد؛ لقول عائشة رضى الله عنها: كُنَّا نخرجُ مع النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بالسُّك المطَّيب عند الإحرام. فإذا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ على وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النبى صلى الله عليه وسلم فلا يَنْهَاهَا. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (¬2) {62} (وعنها) قالت: كُنْتُ أُطَيِّبُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لإِحرامِه قبل أَن يُحرم، ولإِحْلاَلِه قبل أَن يطوف بالبيت. أخرجه الشافعي والجماعة والدرامي. {63} ¬

(¬1) انظر ص 262 ج 3 فتح البار (ما يلبس المحرم .. ) و (المزعفرة) المصبوغة بالزعفران (وتردع الجلد) أى تلطخه، والردع: أثر الطيب. (¬2) انظر رقم 106 ص 142 ج 1 تكملة المنهل (ما يلبس المحرم) وباقى المراجع بهامش 3 ص 142 منه، و (نضمد) أى نلطخ، و (السك) بضم السين، نوع من الطيب.

دلَّ الحديثانِ على استحبابِ التطَيُّبِ عند الإحرام، وأنه لا يَضُرُّ بقاء أثره بعده. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسُف والشافعي وأحمد. (وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يكره التطيب بما يبقى أَثره بعد الإحرام، لحديث صفوان بن يعلى بن أُمية عن أبيه أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرَّانة قد أَهلّ بعمرةٍ وهو مُصَفِّر لحيته ورَأْسَه وعليه جُبَّة، فقال: يا رسول الله أَحْرَمْتُ بعمرةٍ وأنا كما تَرَى، فقال: انْزَعْ عنك الجبَّة واغسل عنك الصُّفرة. أخرجه الشافعى والجماعة إلاَّ ابن ماجه ... (¬1) {64} (وأجاب) الأَوَّلون عنه بأَنَّهُ منسوخ كما قال الشافعي؛ لأنه كان فى عام الجعرانة سنة ثمان، وأَحاديث عائشة فى حجة الوداع سنة عشر. ومنه تعلم أَن الراجح القول الأَوَّل لِقُوَّةِ أَدِلَّتِه. 4 - خضاب المرأة: ويُستحبُّ للمرأَةِ الْخِضَاب للإحرام، وإن لم يكن لها زوج أَو كانت عَجوزاً. فتُخضِّب يَدَيْهَا إِلى الكُوعَيْن وتمسَحُ وَجْهَهَا بشىْءٍ مِنَ الحِنَّاء ليستتر لونُ البَشرَة؛ لأنها تُؤْمَرُ بكَشْف الوجْه وهي محرمة، وقد ينكَشِف الكَفَّان أَيضاً؛ ولأن الحِنَّاء من زِينة النساء، فاستحبت عند الإحرام كالتّطَيُّب وتَرْجِيل الشَّعْر. وبُكْرَه لها الْخِضَاب بعد الإحرام؛ لأنه من الزِّينة وهي مكروهة للمحرم. 5 - تلبيد الشعر: ويُطلب من مُريد الإحرام أَن يُلَبِّد رأْسَهُ بصَمْغ ¬

(¬1) انظر رقم 96 ص 122 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحرم فى ثيابه) وباقى المراجع بهامش 4 ص 125 منه. و (الجعرانة) بكسرتين وشد الراء: موضع بين المزدلفة وعرفة على ستة عشر كيلو متراً من مكة.

ونحوه حِفْظاً له من الشَّعَث والقَمْل والانتشار، لقول ابن عمر رضى الله عنهما: سمعتُ النبى صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّداً. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقى ... (¬1) {65} دلَّ على استحبابِ تَلْبِيدِ الشَّعْر للمحرم رِفْقاً به وبُعْداً عن أَسباب الأَذَى. وبه قال الشافعى وأَحمد. وكذا الحنفيون ومالك إذا كان يَسيراً لا يُؤدى إِلى سَتْر رأْس الرَّجُل. أَما الكثير الذى يستر رُبْعَ الرأْس فأَكثر، فحرام يلزم فيه دم باستدامته حال الإحرام يوماً فأَكثر. وعليه يحمل ما رَوَى الصَّلْتُ ابْنُ زُبَيْدٍ عن غير واحد من أَهله أَن عُمَر رضى الله عنه وَجَدَ رِيحَ طِيب، وهو بالشجرة، فقال: مَّمنْ رِيحُ هذا الطيب؟ فقال: كثير بن الصلت: مِنِّى، لَبَّدْتُ رأْسِى وأَردتُ أَلاَّ أَحْلِقَ فقال عُمر: اذهب إلى شَرَبة فادْلُك رأْسَك حتى تُنْقِيَه، ففعل ذلك. أخرجه مالك (¬2) {12} أَمَّا لو دام أَقلَّ من يوم وليلة ففيه صَدَقة كصَدقة الفِطِر. أَمَّا المرأَةُ فلا تمنع من تَغْطِيةِ رَأْسِهَا فى الإحرام. هذا، ومن لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّره أَو عقَص شعره لَزِمَهُ الحلق عند الإحلال عند مالك والشافعى وأحمد، لحديث عبد الله بن رافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ للإِحرام فقد وَجَبَ عليه الحلق. أخرجه ابن عدى. وعبد الله بن رافع ضعيف. وقال الدار قطنى ليس بالقوى (¬3) {63} ¬

(¬1) انظر ص 357 ج 3 فتح البارى (من أهل ملبداً) وص 89 ج 8 نووى مسلم (التلبية .. ) وص 295 ج 10 المنهل العذب (التلبيد) وص 10 ج 2 مجتبى، وص 36 ج 5 سنن البيهقى (من أهل ملبداً). (¬2) انظر ص 156 ج 2 زرقانى الموطأ (الطيب فى الحج) والشجرة، وسمرة بذى الخليفة. و (الشربة) بفتحات: الماء المجتمع حول النخلة. (¬3) انظر ص 159 ج 9 عمدة القارى (من أهل ملبداً).

(وقال) الحنفيون: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّرها فله الحلق أَو التَّقْصِير، لقول ابن عباس: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو عَقَص أَو ضَفَّر فإِنْ كان نَوَى الحلق فَلْيَحْلِقْ، وإِنْ لم يَنْوِه فإِن شاءَ حلق وإِن شاءَ قَصَّر. ذكَره البدر العيني {13} وأجابوا عن حديث ابن عمر بأَن فى سنده عبد الله بن رافع، وهو ضعيف، فلا حجة فيه. أَفاده البدر العيني (¬1). 6 - ركعتا الإحرام: ويُستحبُّ لمريد الإحرام أَن يُصَلى رَكعتين فى غير وقت كراهة يَنْوِى بهما سُنَّةَ الإحرام، ويقرأْ فيهما بعد الفاتحة: قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون والإخلاص، وتُجْزئُ المكتوبة عنهما كتَحِيَّة المسجد. ودليله قولُ ابن عُمَر رضى الله عنهما: كان النبى صلى الله عليه وسلم يركَعُ بِذِى الْحُلَيْفَةِ ركعتين، ثم إذا اسْتَوَتْ به الناقة قائمة عند مسجد ذِى الْحُلَيْفَةِ أَهَلِّ بهؤُلاء الكلمات (الحديث). أخرجه مسلم (¬2) {67} وهذه الصَّلاَة مجمعٌ على استحبابها فى غير وقت كراهة، فإن كان فى الميقات مسجد اسْتُحِبَّ أَن يُصَلِّيها فيه، وإِلاَّ صَلاَّهَا حيثُ يُحْرِم. قال القاضى حسين وغيره: لو صَلَّى فريضةً كَفَتْ عن رَكْعَتَي الإحرام كتَحِيَّة المسجِدِ تندرج فى الفريضة. قال النووى: وفيما قالوه نظر لأَنها سُنَّة مقصودة فينبغى ألا تندرج كسُنَّةِ الصُّبح (¬3). (الثانى) أَماكن الإَحرام: قد حدد الشارع للإحرام بالنسك أَمكنة لا يحلُّ لمرِيد مكة مجاوزتها بلا إِحرام وهي خمسة: (الأول) ذو الْحُلَيْفَةَ لأَهل المدينة وكل من يمرّ به. ¬

(¬1) انظر ص 159 ج 9 عمدة القارى (من أهل ملبداً). (¬2) انظر ص 89 ج 8 نووى مسلم (التلبية .. ). (¬3) انظر ص 221 ج 7 شرح المهذب.

(الثانى) ذات عِرْقٍ لأَهل العراق وكل من يمرّ به (¬1). (الثالث) جُحْفة على ساحل البحر الأحمر الشرقى، وقد ذهبت أَعلامها ولم يبق إِلاَّ رسوم. ولذا صار النَّاسُ الآن يُحْرِمُنون من رابغ ـ مدينة فى شمالها ـ احتياطاً، وهي ميقاتٌ لأَهل مِصْر والشام ومن يمرّ عليها من الغربيين. (الرابع) قَرْن المنازل (¬2) لأهل نَجْدٍ ومن سَلَكَ طَريقهم. (الخامس) يَلَمْلَم (¬3) لأهل اليمن ومَنْ يمر بطريقهم. هَكَذَا وَقَّتَ النبى صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأَهْلِهَا ولمنْ يمرّ بها. (روت) عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهل المدينةِ ذَا الْحُلَيْفَةَ، وَلأهل الشام ومَصْر الْجُحْفَةَ وَلأَهل العراق ذاتَ عِرْقٍ، ولأهل نَجْدٍ قَرْناً ولأهل اليمن يَلَمْلَمَ. أخرجه النسائى (¬4) {68} ¬

(¬1) (ذو الحليفة) بضم الحاء مصغراً: موضع فى الجنوب الغربى للمدينة بينه وبين مسجدها نحو 18 ثمانية عشر كيلو متراً، وشمال مكة بينهما 450 خمسون وأربعمائة كيلو متر، ومنها أحرم النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع لأربع بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة، وتسمى العوام الآبار - التى بها - آبار على يزعمون أنه قاتل الجن بها. وهو كذب. و (ذات عرق) بكسر العين وسكون الراء: موضع فى الشمال الشرقى لمكة على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً. (¬2) (جحفة) بضم فسكون: قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 187 سبعة وثمانين كيلو متر، وكانت تسمى مهيعة فنزلها إخوة عاد فجاءتهم سيل فأجحفتهم فسميت الجحفة، و (رابغ) قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 204 أربعة ومائتى كيلو متر. و (قرن المنازل) بفتح القاف وسكون الراء: جبل مطل على عرفات شرقى مكة بميل قليل إلى الشمال على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً. (¬3) (يلملم) بفتحتين فسكون ففتح: جبل جنوب مكة على 94 أربعة وتسعين كيلو متراً. وهو ميقات لأهل تهامة من اليمنيين والهنود الذين يمرون عليه أو يحاذونه. أما أهل نجد اليمن فيمرون على قرن المنازل أو يحاذونه، فهو ميقاتهم دون يلملم. انظر رسم رقم 1 ص 54. (¬4) انظر ص 7 ج 2 مجتبى (ميقات أهل العراق).

(وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفةِ؛ ولأهل الشام الْجُحْفَة ولأهل نَجْدٍ قَرْنَ المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم. قال: فَهُنَّ لَهُنَّ ولمن أتَى عليهنَّ من غير أَهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فَمُهَلَّهُ من أهله حتى أهلُ مكةُ يُهِلُّون منها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وأخرجه الشافعى مختصراً (¬1) {69} وفي رواية لأبى داود: فَهُنَّ لهم " أى فالمواقيت المذكورة ميقات لأهل هذه الجهات " ولمنْ أَتَى عليها من غير أهلها، سواءٌ مَنْ كان له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ أم لاَ. فمنْ له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وفى طريقه مِيقَاتٌ قبل مِيقَاتِه كالشامى يمرّ بذى الْحُلَيْفَةَ قبل الجحفة (فعند) الشافعى وأحمد: يجب أن يُحْرِمَ من ذى الحليفة. (وقال) مالك: يندب له الإحرام منها، وهو المشهور عند الحنفيين، فإن لم يُحْرِم منها لَزِمَهُ الإحرام من الْجُحْفة. وقال الحنفيون أيضاً: يجوز للمدَنىّ أَن يجاوز ذا الحليفة بلا إحرام ويُحْرِمَ من الجحفة أو من محاذاتها. (روى) نافع أن عبد الله بن عمر أَهَلَّ من الفُرْع. أخرجه مالك والبيهقى (¬2) {14} وقال: قال الشافعى: وهذا عندنا أَنَّهُ مَرَّ بميقاتِه لم يُرِد حَجاً ولا عُمْرَةٌ ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 11 الفتح الربانى، وص 247 ج 3 فتح البارى (مهل أهل مكة .. ) وص 82 ج 2 نووى مسلم (مواقيت الحج) وص 280 ج 10 المنهل العذب، وص 6 ج 2 مجتبى (ميقات أهل اليمن) وص 302 ج 1 بدائع المنن. و (مهل) بضم الميم وفتح الهاء: موضع الإهلال أى الإحرام (حتى أهل مكة) برفع أهل، مبتدأ خبره يهلون، وهذا بالنسبة لمن أراد الإحرام بالحج فقط أو به مع العمرة. أما من أراد الإحرام بالعمرة فقط فيلزم أن يخرج إلى الحل ويحرم منه. (¬2) انظر ص 159 ج 2 زرقانى الموطأ (مواقيت الإهلال) وص 29 ج 5 سنن البيهقى (من مر بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة .. ) و (الفرع) بضم فسكون: موضع شمال مكة وجنوب ذى الحليفة.

ثم بدا له من الفُرْع فَأَهَلَّ منها، أَو جاءَ الفُرْعَ من مكة أو غيرها، ثم بدا له الإهلال فَأَهَلَّ منها. هذا، ومن سلك طريقاً بين ميقاتين بَرُّا أَو بحراً، فعند الحنفيين يَجْتَهد ويُحْرِم إذا حْاذَى ميقاتاً منهما. والأَبْعَدُ من مكة أَوْلَى بالإحرام منه، وهو ظاهِرُ المالكية. وعند أحمد يتعَيَّنُ الإحرام من أَبعدهما، وهو الأصح عند الشافعية. هذا ويصح لمريد النسك عند الحنفيين الإحرام قبل هذه المواقيت، وهو أَفضلُ لمنْ يأْمَنُ الوقوع فى محظوراتِ الإحرام، وهو قول للشافعى صححه الرافعى، لحديث أُمِّ سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أَهَلَّ بحَجَّةٍ أَو عُمْرَةٍ من المسجد الأَقْضَى إلى المسجد الحرام، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأَخَّر أو وَجَبَتْ له الجنة. أخرجه أحمد بسند لا بأْس به، وأَبو داود وابن ماجه والبيهقى بسند غير قوى (¬1) {70} وقال مالك وأحمد: يُكْرَهُ الإحرامُ قبل الميقات، وهو أَصَحُّ القولين عند الشافعية. وصححه النووى. هذا، وظاهر قوله فى حديث ابن عباس (¬2) ـ ممن أَراد الحجَّ والعمرة ـ أَن الإحرام من هذه المواقيت إنما يجبُ على مَنْ مَرَّ بها قاصِداً فسكاً دون مَنْ لم يُرِده، فلو أَنَّ شخصاً مَرَّ بميقاتِه وهو لا يريد نسكاً ثم أراده فإنه يُحْرِم حينئذٍ ولا يجب عليه دم عند الشافعى. (وقال) أبو حنيفة وأحمد والجمهور: يلزمه دَمٌ إِنْ لم يرجِعْ إلى الميقات، لأنه لا يجوزُ لمريد مكة مجاوزة الميقات بلا إحرام وإِنْ لم يُرِد نسكاً. ومَنْ فَعَل أَثِمَ ولزمه دم، ¬

(¬1) انظر ص 111 ج 11 الفتح الربانى ـ، وص 276 ج 10 المنهل العذب (المواقيت) وص 122 ج 2 سنن ابن ماجه (من أهل بعمرة من بيت المقدس) ولم يذكر فيه الحج، وص 3 ج 5 سنن البيهقى (فضل من أهل من المسجد الأقصى .. ). (¬2) (حديث ابن عباس) تقدم رقم 69 ص 51.

لما روى عطاءٌ أَن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إذا جاوز الوقْت فلم يُحْرِم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأَحرم. فإِنْ خَشِىَ إِنْ رجع إلى الوقت فَوَّت الحج فإنه يُحْرِم ويُهْرِيق لذلك دماً. أخرجه إسحق بن راهويه (¬1). {15} فهذا المنطوق أَوْلَى من المفهوم المخالف فى قوله ـ ممن أَراد الحج والعمرة ـ إِنْ ثَبَتَ أَنه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم دون كلام الرَّاوِى. وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات. أَما مَنْ كان فيه أو داخله، فَيَحِلُّ له دخول مكة لحاجةٍ بلا إحرامٍ لكثرةِ دخوله. وفي إلزامِه بالإحرام كلما دَخَلَ حَرَج. وهو مدفوع بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمُ فى الدِّين مَنْ حَرَج (¬2)}. وكذا مَنْ أَراد دخول مكة لقتالٍ مباحٍ أَو لخوفٍ من عَدُوّ لا يلزمه الإحرام؛ لأنَّ النبى صلى الله عليه وسلم وأَصحابه دخلوا يوم الفتح بلا إحرام، وكذا مَنْ جاوَزَ الميقاتَ لحاجةٍ فى غير مكة لا يلزمه الإحرام اتفاقاً. ومَتَى بدا له الإحرام يُحْرِم من موضعه ولا شىْءَ عليه عند مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد. وعن أحمد أنه يلزمه الرجوع إلى الميقاتِ والإحرام منه. هذا، ومن كان مَسْكَنه دون هذه المواقيت ـ بأَن كان بين مكة وأَحدها ـ فإِحرامه من بَلَدِه اتفاقاً لقوله فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما: ومَنْ كان دُونَهُنَّ فَمُهَلَّه من أَهلهِ. (فائدة) للحرم المكِّى حدود قد نُصِبَتْ عليها أَعلام فى خمس جهاتٍ تحيط بمكة. فعلى حَدِّه من جهة الشرق، الجعرانة بينه وبين مكة 16 ستة عشر كيلو متراً. وعلى حَدِّه من الشمال الشرقى (العراق) وَادِى نَخْلة بينه وبين مكة نحو 14 أَربعة عشر كيلو متراً. وعلى حَدِّه من جهة الشمال، التنعيم على طريق المدينة بينها وبين مكة 6 ستة كيلو مترات. ومن جهة الغرب بميل قليل إلى الشمال (من جهة جُدة) الحديبية وتسمى اليوم ¬

(¬1) انظر ص 281 ج 10 المنهل العذب (المواقيت). (¬2) بعض آية آخر الحج.

الشميسى، وهي التى وقعت بها بَيْعَةَ الرضوان بينها وبين مكة نحو 15 خمسة عشر كيلو متراً. ومن جهة الجنوب أَضاه (كنواه) على طريق اليمين بينها وبين مكة 12 اثنا عشر كيلو متراً وهذه الأعلام أحجار مُتْقَنَة النحت مرتفعة نحو متر، تقوم مُتَحَاذِية على جانبى كل طريق من هذه الطرق (انظر رسم رقم 1).

(الثالث) التلبية: هى منْ لَبَ بالمكان، وأَلَبَّ إذا أَقام به، فالملَبِّى يُخْبر عن إقامته وملازمته لعبادةِ الله تعالى. والمراد هنا العبادة المعهودة وهى الحج. والتلبية مشروعة بالسُّنة وإِجماع الأُمة، شرِعَتْ للتنبيه على إِكرام الله تعالى لعباده بأَنَّ وفودهم على بَيْنِةِ إِنما كان باستدعاء منه تعالى. ثم الكلام فيها ينحصر فى ستة مباحث: 1 - حكم التلبية: هى سُنَّةٌ عند الشافعى وأحمد، وهو رواية عن مالك وقال الحنفيون: هى شَرْطٌ من شروط الإحرام لا يَصحُّ بدونها للأمر بها فى حديث أُم سَلمَة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا آلَ مُحمدٍ مَنْ حَجَّ منكم فَلْيُهِلَّ فى حجِّه أَو حجَّته. أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (¬1) {71} ويقوم مقامها ما فيى معناها من تسْبِيحٍ وتهليل وسوق الهدْى وتقليده والتوجُّه معه. ومشهور مذهب مالك أَنها واجبة وفى تركها هَدْى. وحكى عن الشافعى (ويُسَنُّ) اتصالها بالإحرام عند الشافعى وأحمد، ويجب عند مالك. ويشترط عند الحنفيين. وفى تركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول، هَدْى عند القائل بالوجوب وبالشرطية إلاَّ إذا انعقد الإحرام بدونها من قولٍ أو فعلٍ متعلق به. 2 - لفظ التلبية: هو ما وَرَدَ: (1) فى قوله ابن عباس رضى الله عنهما: كانت تلبية النبى صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ لاَ شَريكَ ¬

(¬1) انظر ص 178 ج 11 الفتح الربانى (فليهل) أى فليلب. والشك من عبد الله ابن أحمد.

لَكَ لَبَّيْكَ. إِن الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ، لاَ شَرِيكَ لكَ. وقال: انْتَه إليها فإنها تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَخرجه أَحمد بسند رجاله ثقات ... (¬1) {72} (ب) وفى قول ابن مسعودْ رضى الله عنه: كان من تلبيةِ النبى صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَريكَ لكَ لَبَّيْكَ. إِنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ. أخرجه النسائى (¬2). {73} وأَجمعَ العلماءُ على استحبابِ الاقتصار على ما ثَبَتَ مرفوعاً إلى لنبى صلى الله عليه وسلم (واختلفوا) فى الزيادة عليه (فقال) أبو حنيفة ومحمد والشافعى وأحمد: لا بأْس بالزيادة التى فى حديث نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن تلبية صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللهم لَبّيَّكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّسْكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ قال نافع: وكان ابن عمر يزيد فى تلبيته: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك، والخيرُ بيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ والرغباءُ إِلَيْكَ والعمل. أخرجه الشافعى والجماعة والدارمى والبيهقى (¬3) {74} ¬

(¬1) انظر ص 176 ج 11 الفتح الربانى. ولبيك بالتثنية. والغرض منها التكثير وهو منصوب بفعل محذوف، أى أجيبك إجابة بعد إجابة (إن الحمد إلخ) بكسر الهمزة مستأنف وبفتحها للتعليل. أى أجيبك مرة بعد أخرى، لأن الحمد والنعمة لك. والكسر أجود. وفى تقديم الحمد على النعمة إشارة إلى عموم معنى الحمد، وهو أنه تعالى يستحق الحمد لذاته، أنعم أو لم ينعم (والملك) بالنصب عطف على الحمد، ولذا يوقف عليه. ويجوز رفعه على أنه مبتدأ والخبر محذوف، أى والملك لك كذلك. (¬2) انظر ص 18 ج 2 مجتبى (كيف التلبية). (¬3) انظر ص 89 ص 109 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيفية التلبية) وباقى المراجع بهامش 1 ص 113 منه (وسعديك) منصوب بمحذوف، أى أسعدنى إسعاداً بعد إسعاد، أو أسعد بإجابتى طاعتك سعادة بعد سعادة (والرغباء إليك) بفتح الراء والمد كالنعماء. ويروى بضمها والقصر، مثل النعمى من النعمة، أى أن الضراعة والمسألة والرغبة إليك يا من بيده الخير. (والعمل) أى العمل لو جهك ومرضاتك وبتوفيقك.

(وقال) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: أَهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَرَ التَّلْبية مثل حديثِ ابنِ عمر. قال جابر: والناس يزيدون: ذا المعارج ونَحْوَهُ مِنَ الكلام، والنبى صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً. أخرجه أبو داود (¬1) {75} والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يسمعهم يأْتون بهذه الزيادة ونحوها فلا ينكر عليهم، فسكوته صلى الله عليه وسلم يدل على جوازها. (وقال) مالك وأبو يوسف: تُكْرَهُ الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قَوْلٌ للشافعى، واختاره الطحاوي، لما روى عامر بن سعد بن أبى وَقَّاص أن أباه سمع رَجُلاً يقول: لَبَّيْكَ ذَا المعارج لَبَّيْكَ. فقال: سعد: إنه لذو المعارج، ولكِنَّا كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ نَقُولُ ذلك. أخرجه أحمد والبيهقى والطحاوى بسند رجاله رجال الصحيح. وأخرج الشافعى نحو (¬2) {16} قال الطحاوى: فهذا سعد قد كَرِهَ الزيادة على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمهم من تلبية، فبهذا نَأْخُذ. ولكن الراجح عدم كَرَاهة الزيادةِ لما تَقَدَّم؛ ولأنَّ التلبيةَ المأثورةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست منحصرةً فيما فى حديث ابن عمر. ¬

(¬1) انظر رقم 90 ص 113 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية) (والناس يزيدون إلخ) أى يلبون بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزيدون عليها: لبيك ذا المعارج، أى مصاعد الملائكة وهى السموات لأن الملائكة تعرج فيها. وقال قتادة: المعارج: الفواضل والنعم، لأن إفضاله الله تعالى على عبادة وإنعامة مراتب. (¬2) انظر ص 20 ج 2 بدائع المنن، وانظر باقى المراجع بهامش 2 ص 112 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية).

(فائدة): لا يُلبى بغير العربية إلاَّ إنْ عجز عنها عند مالك والشافعى وأحمد (وقال) الحنفيون: تَصِحُّ التلبية وما يقومُ مقامها من ذِكْر بغير العربية وإن أَحْسَنها، ولابُدَّ أَن تكون باللسان، فلو ذكَرها بقلبه لم يَعْتَدّ بها. والأَ! خْرَس لا يلزمه تحريك لِسَانه على المختار، بل يُسْتَحَبُّ كما فى الصلاة. 3 - الجهر بها: يُطْلَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلبية رفعاً لاَ يَضُرّ بالملِّبى ولا بغيرِه؛ لحديث السائب بن خَلاَّد رضى الله عنه: أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: أَتانى جبريل عليه السلام فقال: مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُم بالتلبية. أخرجه الأئمة والأربعة والدارمى والبيهقى والحاكم وصححه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح ... (¬1) {76} (وعن يزيدَ) بنِ خالد الجهنىّ أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: جاءَنى جبريل عليه السلام فقال: يا مُحمد مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالتَّلْبية فإنها من شعائر الدِّين. أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬2) {77} (ولذا) قال الحنفيون والشافعى فى الجديد والجمهور: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتلبية. ومَشْهُور مذهب مالك أنه يُسْتَحَبُّ التوسُّط بها فلا يجهر جداً ولا يسرّ حتى لا يَسْمَعَه مَنْ يَلِيه (وقال) أحمد: لا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها فى الأمصار ومساجدها إِلاَّ فى مكة والمسجد الحرام ومسجد مِنّى وعرفة؛ لما رُوِى أَنَّ ابنِ عباس سمع رَجُلاً يُلبى بالمدينة فقال: إنَّ هذا لَمجنُون إِنما التلبية إِذا برزَت. ذكَره ابن قدامة (¬3) {17} ¬

(¬1) انظر رقم 91 ص 113 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية) وباقى المراجع بهامش 4 ص 116 منه. (¬2) انظر ص 180 ج 11 الفتح الربانى، وص 112 ج 2 سنن ابن ماجه (رفع الصوت بالتلبية) وص 450 ج 1 مستدرك. (¬3) انظر ص 259 ج 3 مغنى.

(وقال) ولأنَّ المساجد إنما بُنِيَتْ للصلاة، وكَرَاهَة رَفْع الصَّوت فيها عامة إلاَّ للإمام، أَما مكَّةَ فَتُسْتَحَبُّ التلبية فيها؛ لأنها محل النسك , وكذا المسجد الحرام وسائر مساجد الحرم وعرفة (¬1)، وهذا في حق الرَّجُل. أَما المرأَةُ فلا يُسْتَحَبُّ لها رَفْعُ الصَّوت بالتَّلْبية بل تُسْمِع نفسها , لقول ابن عمر: لا تَصْعَدُ المرأَةُ فوق الصَّفَا والمرْوَةِ ولا تَرْفَعْ صَوْتَهَا بالتلبية. أخرجه البهيقي (¬2) {18} وهذا مجمع عليه، فإِن رَفَعَتْ صَوْتَهَا لا يحرم لأنه ليس بِعَوْرَة على الصحيح، بل هو مَكْرُوه. 4 - فضل التلبية: قد ورد ما يَدُلُّ على أَنَّ لها فَضْلاّ عظيماً وأًجراً جَزِيلاً (روى) سَهْلُ بن سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّى إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يميِنه وشمالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَو شَجَرٍ أَو مَدَرٍ حتى تنقطعَ الأَرضُ مِنْ هاهُنَا وهَاهُنَا. أخرجه ابن ماجة والبيهقي والترمذي , والحاكم وصححه (¬3) {78} (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أَهَلَّ مُهِلَ قَط ولا كَبَّرَ مُكّبِّر قَط إلاَّ بُشِّرَ , قِيلَ يا رسول الله، بالجنَّةِ؟ قال: نَعَم. أخرجه الطبراني في الأوسط بإِسنادَيْن رجال أحدهما رجال الصحيح (¬4) {79} ¬

(¬1) ص 259 ج 3 مغنى ابن قدامة. (¬2) ص 46 ج 5 سنن البيهقي (لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية). (¬3) ص 112 ج 2 سنن ابن ماجة (التلبية) وص 43 ج 5 سنن البيهقي (التلبية في كل حال) وص 84 ج 2 تحفة الآحوذي (فضل التلبية) وص 451 ج 1 مستدرك. و (حتى تنقطع الأرض الخ) يعني أنه يلى جميع ما على يمينه وشماله من حجر الأرض ومدرها وشجرها إلى منتهاها من الشرق والغرب. وفائدة الناسك من تلبية ما ذكر معرفة فضل هذا الذكر وأن له عند الله فضلا ومكانة ويحتمل أن يكتب له ثواب ذلك لأنه متسبب فيه. (¬4) ص 224 ج 3 مجمع الزوائد (الإهلال والتلبية).

والأحاديث في هذا كثيرة , ولذا أَجمعَ العلماءُ على عِظَمِ فَضْل التلبية؛ وقالوا: يُسْتَحَبُّ الإِكثار منها ويُسَنُّ الإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حالٍ كعَقِبِ الصَّلاَة ولو نَفْلاً، وكلما عَلاَ شَرَفاً أَو هَبَطَ وَادِياً أَو لَقيَ أَحداً أَو دَخَلَ في وقت السَّحَر , وهو الثلُث الأَخِير مِنَ اللَّيل (قال) خَيْثَمة: كانوا يَسْتَحِبُّون التلبية عند سِتّ: دُيُرَ الصَّلاة , وإذا استقَلَّتْ بالرَّجُل رَاحِلَته , وإذا صَعِدَ شَرَفاً أو هَبَطَ وَادياً وإِذا لَقِيَ بعضُهم بعضاً بالأسْحَار. أَخرجه ابن أَبي شيبة (¬1). وخَيْثَمة تابعي {19} ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّر التلبية - كلما أَخذ فيها - ثلاث مراتٍ متوالياتٍ. ويجوزُ ردّ السَّلام في أَثنائها، ولكن يُكْرَهُ لغيره السلام عليه حالها. وإذا رَأَي شيئاً يُعْجِبُه قال: لَبَّيْك إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (قال) مُجاهد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر في التلبية: لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، فذكَر التلبية ثم قال: لَبَّيْك إِن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة. أخرجه الشافعي والبيهقي (¬2) {80} 5 - مدة التلبية: يُلَبِّي المحرم بالحجِّ من وقت الإحرام إلى رَمْي جَمْرَةِ العقبة يوم النَّحْر بأَول حَصَاةٍ , لما روى ابن عباس عن الفَضْل أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى بَلَغَ الجمرة: أخرجه الشافعي والسبعة، وهذا لفظ مسلم (¬3) {81} ¬

(¬1) ص 33 ج 3 نصب الراية (مواضع إكثار التلبية) و (الشرف) بفتحتين , المكان المرتفع. و (الوادي) المكان المنخفض. (¬2) ص 10 ج 3 بدائع المنن وص 45 ج 5 سنن البيهقي (كيف التلبية). (¬3) أنظر: رقم 92 ص 116 ج 1 تكملة المنهل العذب (متى تقع التلبية؟ ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 118 منه.

(وقال) ابن مسعود رضي الله عنه: رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَزَلْ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة بأَوَّلِ حَصَاةٍ. أخرجه البيهقي (¬1) {82} دَلَّ ما ذُكر على أَنَّ الحاجَّ يَسْتَدِيُم التلبية حتى يشرع في رَمْي جَمْرَةِ العقبةِ غَدَاةَ يوم النَّحْر. وهو مذهب الحنفيين والجمهور وكذا الشافعي وأحمد في رواية. قال الإمام الرافعي: والسُّنة أَن يُكَبِّرُوا مع كلِّ حَصَاةٍ ويقطعوا التلبية إذا ابتدءُوا بالرَّمْي (¬2) (وقال) أَبو الفرج بن قدامة: ويُسْتَحَبُّ قَطْعُ التلبية مع أَول حَصَاةٍ (¬3) ومِمَّنْ قال يُلَبِّي الحاج حتى يرمى جمرة العقبة: عطاءُ وطاوسٌ والنخعي وسعيد ابن جُبَيْر وابن خزيمة، وقال الترمذي: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق , لما روى ابن عباس عن الفَضْل قال: أَفَضْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلمَ يَزَلْ يُلَبِّى حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة ويُكَبِّر مع كل حصاةٍ ثم قَطَعَ التلبية مع آخر حصاةٍ. أَخرجه البيهقي وابن خزيمة (¬4) {83} وقال: هذا حديثٌ صحيح مفسر لما أُبْهِمَ في الروايات الأُخرى وأَن المراد حتى أَتَمَّ رَمْى جمرة العقبة. لكن هذا ليس بمتعين، لقوله في الرواية الأولَى: فلَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حتى بَلَغَ الجمرة. وقوله في حديث ابن مسعود: حتَّى رَمَى جمرةَ العقبةِ بأَوَّلِ حصاةٍ، قال البيهقى: تكبيره مع كل حصاةٍ كالدليل على قطعة التلبية بأَول حصاةٍ. وقوله: يُلَبِّى حتى رَمَى الجمرةَ أَراد به حتى أَخَذَ في رَمْيها (وقال) مالك: يُلَبِّى حتى يدخل مكة فيقطعها حتى يطوف ويَسْعَى , ثم يُعَاوِدُها حتى زوال الشمس يوم عرفة ثم يقطعها , ¬

(¬1) ص 137 ج 5 سنن البيهقي (التلبية حتى يرمي جمرة العقبة) (¬2) ص 370 ج 7 فتح العزيز شرح الوجيز. (¬3) ص 451 ج 2 - الشرح الكبير. (¬4) ص 127 ج 5 سنن البيهقي (التلبية حتى يرمي جمرة العقبة).

لقول نافع: كان عبد الله بن عمر يقطَعُ التلبيةَ في الحجِّ إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصَّفَا والمرْوَةَ ثم يُلَبِّى حتى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلى عرفة، فإذا غَدا ترك التلبية. أخرجه مالك (¬1) {20} (وعن) عَلِىّ رضي الله عنه أَنه كان يُلَبِّى في الحجِّ حتى إذا زاغت الشمسُ من يوم عرفة قَطَعَ التلبية. أَخرجه مالك (¬2) {21} وقال: وذلك الأمر الذي لم يَزَلْ عليه أَهلُ الْعِلْم ببلدنا (¬3). وهذا مَرْدُودٌ بما تَقَدَّم من الأحاديث الصحيحةِ الدَّالَّةِ على أَن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مازال يُلَبِّى حتى بلغ جمرة العقبة. قال ابن العربي: وهذه كلها آراء وأصحها حديث الفَضْل المذكور (¬4). (أَما المعتمر) فيقطَعُ التلبيةَ إِذا استلم الحجَر الأَسْود؛ لحديث ابن عباس أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُلَبِّى المعتمر حتى يستلم الحَجَر. أخرجه أبو داود وأخرجه نحوه الترمذي والبيهقى (¬5) {84} وظاهرة أنه يُلَبِّى حال دخوله المسجد وبعد رُؤْيةِ البيت وحال مَشْيه حتى يشرع في استلام الحجَر ثم يقطَعُ التلبية. ويستثنى منه الأوقات التي ورد فيها دعاءٌ مخصوص. وبهذا قال الأئمة الثلاثة والجمهور (وقال) مالك: إِنْ أَحْرَمَ بالعمرة من الميقات قَطَعَ التلبية بدخولِ الحرَم , وإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الجِعرَّانة أَو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة (روى) نافع أن ¬

(¬1) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية). و (يطوف) يعني طواف القدوم. (¬2) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية). و (يطوف) يعني طواف القدوم. (¬3) (ببلدنا) يعني المدينة المنورة. (¬4) تقدم رقم 81 ص 60. (¬5) انظر رقم 94 ص 119 ج 1 تكملة المنهل العذب (متى يقطع المعتمر التلبية؟ ) وباقي المراجع بهامش م ص 120 منه.

ابن عمر رضي الله عنهما كان يترك التلبية في الُعْمرة إذا دخل الحرم. أخرجه مالك (¬1) {22} قال الُّزرقاني: وبه قال مالك في المحرم من الميقات (وقال) مجاهد: كان ابن عمر يُلَبِّى في العمرة حتى إِذا رَأَى بيوتَ مكة ترك التلبية وأَقبل على التَّكْبير والذِّكْر حتى يَسْتَلم الحجر. أخرجه البيهقى (¬2) {23} ودليل الجمهور أَقْوَى. 6 - ما يقال بعد التلبية: يُسْتَحَبُّ الدُّعاء والصَّلاَة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية , لما رَى خُزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا فرغ من تَلْبِيتِه سَأَلَ الله عز وجل رضوانه ومَغْفِرتَهُ واسْتَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّارِ (روى) عمارة بن خُزيمة بن ثابت عن أَبيه: أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله رضوانه وَمَغْفِرَتَهُ واستَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّار. وقال القاسم بن محمد: كان يُؤْمَر (يعنى المحرم) إذا فرغ من تلبيته أَن يُصَلِّى على النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقى (¬3) {85} (وقال) خُزيمة بن ثابت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله تعالى مَغْفِرَتَهُ ورضوانه واسْتَعْتَقَهُ مِنَ النَّار. أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه صالح بن محمد بن زائدة وثقه أحمد وضعفه غيره (¬4) {86} (الرابع) ما يحل للمحرم: يحل للمحرم سبعة أُمور. 1 - الاغتسال: يباح للمحرم بحجّ أَو عُمْرَةٍ غَسْلُ رَأْسِه وبَدَنِه بِرِفْقٍ , لحديث عبد الله بن حُنَيْن أَنَّ ابن عباس والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ , اختلفا ¬

(¬1) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية) (¬2) ص 104 ج 5 سنن البيهقي (لا يقطع المعتمر التلبية حتى يفتح الطواف) (¬3) ص 46 ج 5 سنن البيهقي (ما يستحب من القول في أثر التلبية) (¬4) ص 224 ج 3 مجمع الزوائد (الإهلال والتلبية).

بالأَبْوَاءِ فقال ابنُ عباس: يَغْسِلُ المحرِمُ رَأْسَهُ. وقال المسَوَر: لا يَغْسِل , فأَرْسَلَني ابنُ عباس إلى أبي أَيُّوبَ الأنصاريّ فوجَدْتُه يَغْتَسِلُ بين القرنين وهو يَسْتَتِرُ بثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عليه، فقال: مَنْ هذا؟ فُقْلتُ: أَنا عبد الله بن حُنَيْن أَرسَلَنى إِليك ابنُ عباس يَسْأَلُكَ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِم؟ فوضع أَبو أَيُّوبَ يَدَهُ على الثَّوْبِ فطأْطأَهُ حتى بَدَا لي رَأْسَهُ , ثم قال لإنسانٍ يَصُبّ عليه الماءَ: اصْبُبْ , فَصَبَّ على رأْسِه ثم حَرَّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْهِ فأقبل بهما وأدبر فقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل. أخرجه الشافعي والجماعة إلا الترمذي (¬1) {87} فهو يَدُلُّ على جواز اغتسالِ المحرم. وقد أجمعوا على أنه يغتَسِلُ من الجنابة. واختلفوا في غسله تبرداً , وفي دَلْكِ رَأْسِه بيده إذا أمِنَ سقوط شعر منه. فقال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: يجوز بلا كراهة لهذا الحديث. (روى) عكرمة أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حماماً وهو بالجحفة وهو مُحرم، وقال: ما يَعْبَأُ الله بأَوْساخنا شيئاً. أخرجه البيهقى وابن أبى شيبة (¬2) {24} (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: المحرم يَشُمُّ الرَّيْحَانَ ويدخل الحمامَ ويَنْزِعُ ضِرْسَهُ ويَفْقَأُ القُرْحة، وإذا انْكَسَر ظُفره أَماطَ عنه الأذَى. ¬

(¬1) انظر رقم 116 ص 152 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يغتسل) وباقي المراجع بهامش 1 ص 155 منه. و (الأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء , قرية شمال الجحفة. بها قبرا آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم. و (القرنان) خشبتان قائمتان على رأس البئر؛ أو بناءان تمد بينهما خشبة البكرة. (¬2) ص 63 ج 5 سنن البيهقي. (دخول الحمام في الإحرام) وص 31 ج 3 نصب الراية.

أخرجه الدارقطني والبيهقى بسند صجيح. وقال المنذرى: حسن ورجاله ثقات (¬1) {25} (وقال) مالك: يُكْرَهُ للمحرم الغسل بلا جَنابة , لما رَوَى نافع أن عبد الله ابن عُمر كان لا يغسل رَأْسَه وهو مُحْرم إلاَّ مِنَ الاحتلام. أخرجه مالك (¬2) {26} وقال: سمعتُ أهل العِلْم يقولون: لاَ بَأْس أن يَغْسِلَ الرَّجُل المحرم رَأْسَهُ بالغَسُول بعد أن يَرْمِى جَمْرَةَ العقبة وقبل أن يحلق رأسه. وذلك أنه إذا أراد رمى جمرة العقبة فقد حَلَّ له قَتْل الْقُمَّل وحَلْقُ الشَّعر وإَلقَاءُ التَّفَث ولبس الثِّيَاب (¬3). هذا. ويجوزُ للمحرم غَسْلُ رَأْسِه بالسدر والخطمىّ مع الكَرَاهَةِ عند الشافعية أن لم يَنْتِف شَعْراً ولا فِدْية عليه. وروى عن أَحمد. (وقال) أَبو حنيفة ومالك: يحرم ما ذكر وفيه الْفِدْية. وقال أَبو يوسُف ومحمد: عليه صدقة , لأن الخطمىّ تُسْتَلَذُّ رائحتُه ويُزيل الشَّعَث ويقتل الهوامَّ , فوجَبَتْ فيه الْفِدْية كالْوَرْس. 2 - تظلل المحرم: يجوزُ للمحرم التظلُّلِ بثّوْبٍ ونحوه من حَرّ أَو غيره , لقول أَمّ الحُصَين رضي الله عنها: حَجَبْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوداع , فرأَيْتُ أُسامة بن زَيْدٍ وبِلاَلاً وأَحَدُهما آخِذٌ بخِطام ناقِة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة. أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬4) {88} ¬

(¬1) ص 261 سنن الدارقطني. وص 63 ج 5 سنن البيهقي (دخول الحمام في الإحرام). (¬2) ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ (غسل المحرم). (¬3) الغسول كصبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما. و (التفث) بفتح الفاء ,الوسخ. (¬4) ص 402 ج 6 مسند أحمد (حديث أم الحصين الأحمسية ... ) وانظر رقم 110 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يظلل) وباقي المراجع بهامش 4 ص 147 منه.

(وقال) عبد الله بن عامر: خرجتُ مع عُمر رضى الله عنه فكان يطرح النَّ‍طْعَ على الشجرةِ فيستظلُّ به، يَعْنى وهو مُحْرِم. أخرجه ابن أبي شيبة (¬1) {27} (ولذا) قال الحنفيون والشافعي: يُبَاحُ للمحرم أن يُظَلِّلَ رَأْسَهُ بثَوْبٍ ومِظَلة ومِحْمَل ونحوها مَّما لا يصيب رَأْسَهُ أَو وَجْهَهُ. (وقال) أحمد: يُبَاُح له أن يُظَلِّلَ رَأْسه بثَوْب ونحوه , ويُكْرَهُ تنزيهاً الاستظلال بالهودج ونحوه (وقالت) المالكية: يباح للمحرم اتقاءَ الشمس والريح والمطر والبرد عن وجهه أَوْ رأْسِه بغير ملتصق بهما، بل بمرتفع ثابتٍ كبناءٍ وخِباءٍ وشَجَرٍ وسَقْفِ ويَدٍ وإِنْ كان المتقى في محمل مقبب بقبةٍ ثابتةٍ بقسمِير ونحوه , كما يجوزُ الاستظلال بالبعير. وإِن كان المحمَل غير مقبب بأَن رفع عليه ثوباً واستتر به فيفتدى وجوباً أَو ندباً وإِن كان مريضاً وكذا يفتدى لو أَلصق يده أَو غيرها برأْسِه أَوْ وَجْهِه إِن طال الإِلصاق. ويجوز الاتقاءَ بثوبٍ ونحوه يُنْصَبُ على عصا , ومنه المظلة والبرد لا في غيرهما كريحٍ وشمس فلا يجوزُ سائراً اتفاقاً ولا نازلاً عند مالك لأنه لا يثبت. وهذا التعليل يقتضى أن الثوب إذا ربط بحبالٍ وأَوتادٍ يجوز الاستظلال به لأنه حينئذ كالخباء (¬2) (قال) البيهقي: حديث أُمِّ الحصين حديث صحيح , يعنى أن الراجح القول بجواز استظلال المحرم مطلقاً لقوة دليله. هذا وأجمعوا على أنه لو قَعَدَ تحت خَيْمَةٍ أو سقفٍ جاز. وإِن دخل تحت أستار الكعبة حتى غَطَّتْهُ فإِن كانت لا تُصِيب رأْسَهُ ولا وَجْهَهُ فلا بأْس، وإلاَّ كره تحريماً. ¬

(¬1) ص 33 ج 3 نصب الرواية (تظلل المحرم) و (النطع) بفتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها , ما يتخذ من جلد. (¬2) انظر ص 751 وما بعدها ج 1 - الفجر المنير.

3 - الحجامة: يجوزُ للمحرم الحجامة لضرورةٍ بلاَ إزالة شعر , لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِم في رَأْسِه مِنْ صُدَاعٍ وَجَدَهُ. أخرجه السبعة والبيهقى (¬1) {89} وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مُحْرم على ظهر القَدَ‍م من وَجَعٍ كان به. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬2) {90} دَلَّ ما ذُكرِ على جواز الحجامة للمحرم لِعُذْرٍ. وعليه أجمع العلماءُ وعلى جوازِ الفَصْدِ ورَبْطِ الْجُرْح والدمل وقطع الْعِرْقِ وقَلْع الضرس وغير ذلك من وجُوِه التَّدَاوِي إذا لم يكُنْ فيه ارتكاب ما نُهِى عنه المحرم من تناوُلِ الطيبِ وقطع الشَّعْر , ولا فِدْيَةَ عليه في شئ من ذلك. 4 - شد الهميان: هو بكسر فسكون , ما تجعل فيه النقود. ويجوز للمحرم شَدُّهِ في وسطه ولو كان ما فيه نقود غيره عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , كما يجوزُ له التَّخَتُّم وشَدِّ ساعة على ساعِدِهِ واتخاذ موضع لحفظِ النقودِ بالإزَارِ , لقول ابن عباس رضي الله عنهما: لا بَأْس بالْهِمْيَان والخاتم للمحرم. أخرجه البيهقي (¬3) {28} وأخرج نحوه عن عائشة رضي الله عنها (وقالت) المالكية: يجوزُ شَدّ الْهِمْيَان لنفَقَتِه فقط , فلا يجوزُ شَدُّهُ فارِغاً أو للتجارة أو لنفقةٍ غيره فقط , فإن فَعَلَ هذا افْتَدَى , ويُشَدُّ على الجلد تحت الإزار. فأن شده فوقه افتدى. ويشد بإدخال أطرافه أثقابه. وأن شده لنفقته ونفقة ¬

(¬1) انظر رقم 111 , 112 وهامش 4 ص 148 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يحتجم) (¬2) انظر رقم 113 ص 149 منه وباقي المراجع بهامش 1 ص 150 منه. (¬3) ص 69 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يلبس المنطقة والهميان للنفقة).

غيره فلا بأس. فإنْ فرغت نفقته دون نفقة الغير وجب ردها له أن أمكن وإلا افتدى (¬1) وهذا التفصيل لا دليل عليه. فالراجح مذهب الجمهور. 5 - الاكتحال: يجوز للمحرم الاكتحال بغير مُطَيَّبٍ لعذر، لما روى عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم - إذا اشتكى عينيه - يَضْمُدهما بالصَّبر. أخرجه الدارمى وأخرج نحوه احمد ومسلم والثلاثة (¬2) {91} (وقال) نافع: كان ابن عُمر رضي الله عنهما إذا رَمِدَ وهو مُحْرم أَقطر في عينيه الصَّبِرَ إَقطاراً وقال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رَمِدَ ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد. أخرجه البيهقي (¬3) {29} (وقالت) شُميسة: اشتكَتْ عيني وأنا مُحْرِمة , فسأَلْتُ عائشة عن الكحل فقالت: اكتحلي باى كحل شِئْتِ غير الإثمد أو قالت: غير كل كحل أسود، أما إنه ليس بحرام ولكنه زِينة ونحن نكرهه وقالت: أن شئت كحّلتك بصبر، فأَبَيْتُ. أخرجه البيهقي (¬4) {30} ولذا أجمع العلماءُ على جواز الكحل للمحرم للتَّدَاوِي لا للزِّينة. 6 - نظر المحرم في المرآة: هُوَ مُبَاحٌ اتفاقاً إذا لم يَكُنْ للزِّينة (قال) ابن عباس: لا بَأْس أن ينظر في المرآه وهو مُحْرِم. أخرجه البيهقي (¬5) {31} ¬

(¬1) انظر ص 753 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) ص 71 ج 2 سنن الدارمي (ما يصنع المحرم إذا اشتكى عينيه) وانظر رقم 114 ص 150 ج 1 تكملة المنهل العذب (يكتحل المحرم) وباقي المراجع بهامش 1 و 2 ص 152 منه. و (يضمد) بتخفيف الميم من بابي نصر وضرب. وبشدها. أي يضع عليهما الدواء. و (الصبر) بكسر الباء ويسكن , الدواء المعروف. (¬3) ص 63 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يكتحل بما ليس بطيب). (¬4) ص 63 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يكتحل بما ليس بطيب). (¬5) ص 64 منه (المحرم ينظر في المرآة).

وعن نافع عن ابن عمر أنه نظر في المرآه وهو مُحْرم. أخرجه البيهقي (¬1) {32} (وقال) أحمد: إذا كان يُرِيدُ بالنظر زِينَةٌ فلا. قِيلَ: فكيف يريد زِينَةٌ؟ قال: يريد شعرة فَيُسَوِّيها. فإن نَظَرَ فيها لحاجة كمداواة جُرْحٍ أو إزالة شَعْرٍ يَنْبُت في عَيْنِه ونحوه مما أباح الشَّرْعُ له فعله، فلا بَأْس ولا فِدْيةَ عليه بالنظر في المرآة على كل حال. 7 - ويباح للمحرم وغيره قتل الغراب والحدأَة والحيَّة والعقرب والسَّبُع والنَّمِر والذئب والفأْرة والكلب العقور (قالت) حَفْصَةُ زَوْجُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ مِنَ الدَّواب كلُّها فاسِق لا حَرَجَ على مَنْ قتلهنَّ: الْعَقْرَبُ والْغَراب والحدأَة والفأر والكلب العقور. أخرجه مسلم والبيهقي. وأخرج نحوه احمد والبخاري وكذا أبو داود والنسائي عن ابن عمر (¬2) {92} (وعن) سعيد بن المَسَّيبِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَقْتُلُ المحرم الحيَّةَ والذئب. أخرجه أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند رجاله ثقات (¬3) {93} (وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما يقتل المحرم؟ قال: الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي. أخرجه أحمد وأبو داود ¬

(¬1) ص 64 ج 5 من سنن البيهقي. (¬2) ص 116 ج 8 نووي مسلم (ما يندب للمحرم وغيره قتله .. ) وص 210 ج 5 سنن البيهقي (ما للمحرم قتله من الدواب ... ) وص 285 ج 6 مسند أحمد (حديث حفصة أم المؤمنين .. ) وانظر رقم 123 ص 162 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما يقتلا لمحرم من الدواب) وباقي المراجع بهامش 2 ص 165 منه. (¬3) ص 265 , 266 ج 11 بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني.

وابن ماجة والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم (¬1) {94} وفي سنده يزيد أبي زياد وهو ضعيف وأن أخرج له مسلم. دلت هذه الأحاديث على أن ما يباح للمحرم قتله ثمانية: ... 1 - الكَلْبَ العَقُور , والمراد به عند الجمهور كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب , لقوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} (¬2) فاشتقها من اسم الكلب (وقال) الحنفيون: المراد به الكلب خاصة، ولا يلحق به في هذا الحكم سوى الذئب. ... 2 - والغراب الأبقع , وهو الذي في ظهره أو بطنه بباض. ... 3 - والعقرب ويقال للذكر والأنثى , وقد يقال للأنثى عقربة، وللذكر عقربان. وقيل: العقربان , دويبة طويلة كثيرة القوائم. 4 - والحدأة كعنبة (¬3) والتاء فيه للوحدة , وروى الحدأ بكسر ففتح فهمز بلا مد. ¬

(¬1) ص 136 ج 2 سنن ابن ماجه (ما يقتل المحرم) وانظر رقم 123 ص 166 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما يقتل المحرم من الدواب) وباقي المراجع بهامش 1 ص 167 منه (والفويسقة) تصغير فاسقة. وهي الفأرة. سميت فاسقة لكثرة إفسادها. قال يزيد بن أبي زياد: قلت لأبي سعيد: ولم سميت الفأرة الفويسقة؟ قال: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها فقتلها وأحل قتلها. أخرجه الطحاوي (انظر ص 385 ج 1 شرح معاني الآثار). (¬2) المائدة: 4. والمعنى: وأحل لكم صيد ما علمتموه من الكواسب للصيد - وهي سباع البهائم والطير كالكلب والصقر - حال كونكم مكلبين أي معلمين الجارحة. ويتحقق تعلمها في ذي الناب بترك الأكل من الصيد ثلاثاً متوالية. وفي ذي المخلب بالرجوع إذا وعى بعد الإرسال. (¬3) وفتح الحاء فيه خطأ.

5 - والفأرة بهمزة ساكنة وتسهل. أجمع العلماء على جواز قتلها للمحرم (وعند) المالكية خلاف في جواز قتل الصغير منها الذي لا يؤذي. 6 - والحيَّةُ أجمعوا على جواز قتلها في الحل والحرم. 7 - والذئب وقد ألحقه الحنفيون بالكلب لنه كلب برى. 8 - والسبع الذي يعدو بنابه على غيره. وهو يشمل كل حيوان مفترس الذئب والنمر والفهد والأسد. فللمحرم قتل ما ذكر ولا جزاء عليه. (الخامس) محرمات الإحرام: أي ما يحرم بسببه، وهو قسمان: (أ) ما يفعله المحرم خاصَّا به وهو الجماع ودواعيه ولبس لمخيط وإزالة الشعر وقلم الأظافر والتطيب وتغطية الرأس والوجه وعقد النكاح. (ب) وما يفعله لغيره وهو إزالة شعر الغير والتعرض لصيد البر ولو في الحل. وأما قطع شجر الحرم فحرمته لا تختص بالمحرم. وهاك البيان: - يحرم بالإحرام تسعة عشر أمراً. (1) الجماع ودواعيه كالتقبيل واللمس بشهوة والتعرض للنساء بفحش القول. (2) والخروج عن طاعة الله تعالى وهو قبيح في ذاته وفي حالة الإحرام أقبح. (3) والمخاصمة مع الرفقة والخدم وغيرهم. وهذا كله مجمع على تحريمه لقوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (¬1) وهو نهى بصيغة النفي كأنه قيل: فلا يكوننَّ في الحج رفث ولا فسوق ولا جدال. ¬

(¬1) البقرة من آية: 197 وصدرها: الحج أشهر معلومات. و (الرفث) الجماع. وقال ابن عباس: هو غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يتعرض لها بفحش القول. و (الفسوق ارتكاب المعاصي. و (الجدال) الماء والمخاصمة مع الرفقة والخدم إلا أن يستعقب خادما لأمر ارتكبه أو يضر به لإهمال وقع منه , فلا بأس , لقول أسماء بنت أبي بكر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبي. ولأبي لكر غلام جلس ينتظره إلى = = أن يطلع عليه فطلع , ليس معه بعيره , فقا: أين بعيرك؟ فقال أضللته البارحة , فقال أبو بكر: بعير واحد تضله؟ فطفق يضربه والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي بسند رجاله ثقات. وفيه ابن إسحاف مدلس وقد عنعن (انظر المراجع بهامش 1 ص 122 ج 1 تكملة المنهل العذب) هذا ويستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ أن الولى للمحرم ترك عتاب الخادم إذا ارتكب ما يعاب.

4 - لبس المخيط: وهو ما يحيط بالجسد أو بعضه بخياطة أو غيرها. فيحرم على الرجل المحرم لبسه إلا النعل الذي لا يغطى المفصل الذي في وسط القدم. قلا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا قباء ولا قلنسوة ولا عمامة ولا قفازاً ولا خفين إلا ألا يجد نعلين فيقطع الخفين اسفل من الكعبين، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفرانٌ ولا خفَّين إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين. أخرجه الشافعي والجماعة والدارمي والدارقطني والبيهقي (¬1) {95} ¬

(¬1) ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ (ما ينهي عنه من لبس الثياب في الإحرام) وص 191 ج 11 - الفتح الرباني. وص 258 ج 3 فتح الباري (ما لا يلبس المحرم من الثياب) وص 8 ج 2 مجتبي (النهي عن الثياب المصبوغة .. ) وص 86 ج 2 تحفة المحرم .. وص 32 ج 2 سنن الدارمي. وانظر رقم 100 ص 128 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما لا يلبس المحرم) وباقي المراجع بهامش 7 ص 132 منه. و (البرانس) جمع برنس بضم فسكون. وهو كل ثوب رأسه منه أو قلنسوة طويلة. و (السراويل) فارسي معرب. وهو ثوب خاص بالنصف الأسفل من البدن. و (الورس) بفتح فسكون. نبت أصفر طيب الريح يصبغ به.

والمراد بالكعبين العظمان الناتئان عند مفصل السَّاق والقدم عند الجمهور (وقال) محمد بن الحسن: الكعب هنا العظم الذي في وسط القدم عند مقعد الشراك. حمله على هذا احتياطاً. وقد اجمعوا على أن المذكور في الحديث مختص بالرَّجُل دون المرأة. فلا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس والنقاب والقفازان , لحديث ابن عمر رضي عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفَّازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبطت من ألوان الثياب معصفراً أو خز أو حلياً أو سراويل أو قمصا أو خفا. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند رجاله رجال الصحيح إلا ابن إسحق وهو حجة (¬1) {96} فلا يجوزُ للمحرم لبس شئ مما ذكر إجماعاً. هذا. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم: (1) بالقميص والسراويل على ما في معناهما، وهو ما كان محيطاً أو مخيطاً معمولا على قدر البدن أو عضو منه كالقباء والجبة والقفازين، لقول يعلى بن أمية: رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابياً قد أحرم وعليه جبة فأمره ينزعها. أخرجه الترمذي (¬2) {97} ¬

(¬1) ص 486 ج 1 مستدرك. وانظر رقم 104 ص 137 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما لا يلبس المحرم) وهامش 3 ص 139 منه. و (القفاز) بضم القاف وشد الفاء , جورب اليدين. و (النقاب) ما يستر الوجه. ومنه البرقع الذي فصل لستر الوج. وقيل هو الخمار الذي يشد على الأنف. و (الخز) بفتح فشد , ثياب تنسج من صوف وإبرايسم أو إبرايسم فقط , وهو نوع من الحرير. و (الحلي) بفتح الحاء وسكون اللام. وبضم الحاء وكسر اللام وشد الياء , ما تتحلى به المرأة من سوار وغيره. (¬2) ص 87 ج 2 تحفة الأحوذي (الذي يحرم وعليه قميص ... ).

(ب) ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمامة والبُرنس على كل سائر للرأس مخيطا أو غيره حتى العصابة فإنها حرام , فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو نحوهما شدها ولزمته الفدية. (ج) ونبه بالخفين على كل ساتر للرجل من حذاء وجورب وغيرهما. وهذا في حق الرجال. (د) ونبه بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطيب، فيحرم على الرجل والمرأة جميع أنواع الطيب في الإحرام. (وحكمة) تحريم اللباس المذكور على المحرم وأمره بلبس الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويظهر بمظهر الخاشع الذليل , وليتذكر كل وقت أنه محرم فيكثر من أذكار الإحرام ويجتنب محظوراته، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان، وليتذكر البعث والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي، وأجمعوا على تحريم لباس ما صبغ بالزعفران أو الورس ونحوهما مما يقصد به الطيب. هذا، ومن لم يجد إزار ولا نعلين , يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين عند الحنفيين ومالك. وإذا لبس كلا على حاله لزمته الفدية , لقوله صلى الله عليه وسلم: إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين (¬1). (وقال) الشافعي: لا يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين. وروي عن أحمد: وإذا لبس كلاٌّ على حاله لا فدية عليه , لأنه لو وجبت فدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم. والمشهور عن أحمد أن من لم يجد إزاراً ولا نعلا يلبس السراويل والخف على حالهما ولا فدية عليه , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات ¬

(¬1) هذا عجز الحديث رقم 95 ص 72.

وقال: إذا لم يجد المحرم إزاراً فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان والبيهقي والدارمي. وكذا أبو داود والنسائي مختصراً (¬1) {98} (وأجاب) الأوَّلون: بأن هذا المطلق محمول على المقيد بقطع الخفين، ويؤيده أن حديث ابن عباس روى موافقا لحديث ابن عمر في قطعهما (فقد) روى جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لم يجد إزاراً فليلبس السراويل وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين. أخرجه النسائي بسند صحيح (¬2) {99} والزيادة من الثقة مقبولة، فالأولى قطع الخفين عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط. (فائدتان) (الأولى) قيدوا اللبس الممنوع منه المحرم بالمعتاد، فلو ارتدى القباء أو ائتزر القميص جاز، ولو لبس القباء ولم يدخل يديه في كميه ولم يزرّه جاز مع الكراهة , ولا دم عليه عند الحنفيين وأحمد (وقال) مالك والشافعي: عليه الفدية , لقول نافع: وجد ابن عمر القرَّ وهو محرم فقال: ألق على ثوباً، فألقيت عليه برنساً فأخرجه وقال: تلقى على ثوباً قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبسه , أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد. وأخرجه البيهقى نحوه (¬3) {33} ¬

(¬1) انظر رقم 105 ص 141 ج 1 تكملة المنهل (ما يلبس المحرم) وباقي المراجع بهامش 4 منه. (¬2) ص 10 ج 2 مجتني (الرخصة في لبس الخفين في الإحرام لمن لا يجد نعلين). (¬3) انظر أثر 6 ص 140 ج 1 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 1 ص 141 منه. و (القر) بضم فشد , البرد الشديد.

(وأجاب) الأولون بأن هذا من ورع ابن عمر وتوقيه , كره أن يلقى عليه البرنس، وسائر العلماء إنما يكرهون لبسه مع إدخال يديه في كميه. (الثانية) دل حديث ابن عمر رقم 96 (¬1) (أولاً) على أنه يحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين. وبه قال مالك وأحمد وهو الأصح عن الشافعي والمشهور عند الحنفيين (وقال) محمد بن الحسن: يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين، وهو رواية المزني عن الشافعي وقول لمالك مستدلين بحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه. أخرجه الدارقطني والبيهقى بسند فيه مقال (¬2) {100} والراجح القول الأول , فأن حديث ابن عمر دلَّ بمنطوقه على تحريم لبسها القافزين. وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين. وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين. ودلالة المنطوق أقوى سيمّا وأن حديث ابن عمر صحيح , وحديث إحرام المرأة في وجهها ضعيف. (ثانيا) دلَّ حديث ابن عمر على أنه يجوز للمحرمة لبس المعصفر، وبه قال مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لا تلبس المعصفر، وهو المصبوغ بالعصفر إلا إذا كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد له ريح. 5 - لبس ما صبغ بمطيب: ويحرم على المحرم ولو أنثى لبس ثوب صبغ بما له رائحة طيبة كورس أو زعفران اتفاقاً , إلا أن كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد ريحه، فيحل لبسه للمحرمة عند غير مالك , لما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه ¬

(¬1) تقدم ص 73 (¬2) ص 286 سنن الدراقطني. وص 47 ج 5 سنن البيهقي (المرأة لا تنتقب في إحرامها .. ).

ورس أو زعفران أن يكون غسيلا , يعني في الإحرام. أخرجه ابن عبد البر والطحاوي (¬1) {101} (وقال) مالك: يكره لبس المزعفر ونحوه إلا أن يكون غسل وذهب لونه، فقد سئل عن ثوب مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب منه هل يحرم فيه؟ قال: نعم لا بأس بذلك ما لم يكن فيه إصباغ أو ورس. ذكره في الموطإ (¬2) 6 - التطيب: يحرم على المحرم ولو أنثى التطيب في الثوب والبدن إجماعاً , لما روى أسلم مولى عمر أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب بذي الحليفة فقال: مَّمِنْ هذا الريح؟ فقال معاوية: مِنِّى، أم حبيبة طببتني. فقال عمر: عزمت عليك لترجعنَّ فلتغْسِلَنَّه. أخرجه مالك وأحمد والبزار وزاد بعد الأمر بغسله: فأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحاجُّ الشَّعِث التَّفِل. ورجال أحمد رجال الصحيح؟ (¬3) {102} وإذا تطيب أو لبس ما نهى عنه , لزمته الفدية إن كان متعمداً بالإجماع , وكذا إذا كان ناسياً عند الحنفيين ومالك. (وقال) الشافعي وأحمد: لا فِدْيةَ على الناسي لما تقدم في حديث يعلى ابن أمية من قوله صلى الله عليه وسلم له: تنزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة (¬4) لم يأمره بالفدية وقد لبس في إحرامه جاهلا. والناسي في معناه (وأجاب) عنه الحنفيون ومالك بأنه كان قبل التحريم، فلذا لم يأمره النبي ¬

(¬1) ص 269 , 370 ج 1 شرح معاني الآثار (لبس ثوب منه ورس أو زعفران في الإحرام) (¬2) ص 151 ج 2 زرقاني الموطإ (لبس الثياب المصبغة في الإحرام). (¬3) ص 156 منه (الطيب في الحج) وص 218 ج 3 مجمع الزوائد (الطيب عند الإحرام) و (الشعت) بكسر العين مغبر الرأس لعدم تعهده. و (التفل) بكسر الفاء تارك الطيب حتى توجد منه رائحة كريهة. (¬4) تقدم رقم 64 ص 47.

صلى الله عليه وسلم بالفدية. وأما بعد التحريم فلا فرق بين الجاهل والناسي والعامد، فمن غطى رأسه ولو ناسيا يوما إلى الليل، فعليه الفدية عند الحنفيين، وأن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وعن مالك يلزمه صدقة إذا أنتفع بذلك أو طال لبسه. 7 - الدهان: ويحرم على المحرم دهن رأسه وبدنه بزيت أو شيرج عند الحنفيين لما فيه من الزينة والحاج أشعت أغبر (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا. وأخرجه البيهقي (¬1) {103} (وقال) مالك: لا يجوزُ للمحْرِم أن يدهن أعضاءه الظاهرة - كالوجه واليدين والرجلين - بزيت أو شيرج أو سمن، ويجوز دهن الباطنة، وهي ما يوارى باللباس لعدم ظهور الزينة (وقالت) الشافعية: يحرم استعمال ما ذكر في شعر رأسه ولحيته ويجوز في بدنه , لحديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن عند الإحرام بالزيت غير المقتت. أخرجه أحمد والبيهقى والترمذي وقال: مقتت: مطيب هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد وروي عنه الناس (¬2) {104} وقال الحافظ في التقريب: فرقد بن يعقوب السبخى بفتحتين وخاء معجمة , صدوق عابد، لكنه لَيِّن الحديث كثير الخطأ. ¬

(¬1) ص 58 ج 5 سنن البيهقي (الحاج أشعث لأغبر ... ) و (شعثا غبرا) بضم فسكون جمع أشعث وأغبر. (¬2) ص 99 ج 11 - الفتح الرباني. وص 58 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يدهن جسده غير رأسه ولحيته ما ليس بطيب) وص 123 ج 2 تحفة الأحوذي.

وإذا لم يثبت الحديث تعين المصير إلى حديث آخر، وهو أن الشرع إنما منع المحرم من استعمال الطيب، والدهن ليس منه، فلا يثبت تحريمه، وإنما مُنع في الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويزينه فتجب به الفدية، فإن استعمله في رأسه وهو أصلع جاز لأنه لبس فيه تزيين. وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت. والمشهور عن أحمد ألا فدية على من ادهن بزيت أو سيرج سواء كان في بدنه أو رأسه (¬1). 8 - التخضيب: يَحْرُم على المحرم ولو أنثى التخضيب بالحناء عند الحنفيين , لأنه زينة والحناء طيب كما قاله أبو حنيفة الدينورى وغيره من أهل اللغة (¬2) (وقالت) أم سلمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسى الحناء فإنه طيب. أخرجه ابن عبد البر في التمهيد والبيهقي في المعرفة، والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام وحديثه حسن. قال الهيثمى (¬3) {105} (وقال) مالك والشافعي وأحمد: الحنَّاء ليس بطيب , لقول كريمة بنت همام الطائية: كنا في مسجد الحرام وعائشة فيه، فجلسنا إليها، فقالت لها امرأة: يا أم المؤمنين ما تقولين في الحناء والخضاب؟ قالت: كان خليلي لا يحب ريحه. أخرجه البيهقي (¬4) {106} قال في الجوهر النقي: كريمة بنت همام لم أقف على حالها (وقال) ¬

(¬1) انظر ص 283 ج 7 شرح الهب (¬2) ص 61 ج 5 - الجوهر التقي. (¬3) ص 218 ج 3 مجمع الزوائد (الطيب عند الإحرام) وص 61 ج 5 الجوهر النقى. (¬4) ص 61 ج 5 سنن البيهقي (الحناء ليس بطيب).

البيهقي: وفيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء. (والظاهر) القول الأول , لأنه إن سلم أن الحناء ليس بطيب فهو زينة وترفه. (فائدتان) (الأولى) إذا وضع الطيب في مطبوخ أو مشروب ولم يبق له طعم ولا لون ولا ريح وتناوله المحرم فلا فدية عليه اتفاقا، وأن بقيت رائحته وجبت الفدية بأكله عند الشافعية (وقال) الحنفيون: لا فدية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب (¬1). (الثانية) يجوز للمحرم الجلوس عند العطار ولا فدية عليه عند الجمهور، وكره ذلك مالك، وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن. وأجمعوا على أنه له دهن بدنه بما ذكر وعلى أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه (¬2). 9 - شم الورد ونحوه: يحرم على المحرم استعمال وشم ما ينبته الآدمي للطيب ويتخذ منه طيب - عند الشافعي وأحمد - كالورد والبنفسج والياسمين والريحان والنرجس، فإن فعل ذلك ففيه الفدية , لأنها تجب في الطيب المأخوذ منه فتجب في أصله. وعن أحمد أنه لا فدية فى شم الورد , لأنه زهر كسائر الأزهار، والأولى تحريمه , لأنه ينبت للطيب ويؤخذ منه فأشبه الزعفران والعنبر. وأن مس من الطيب ما يعلق بيده كماء الورد والمسك المسحوق فعليه الفدية , لأنه استعمل الطيب (وعن) أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن؟ فقال لا. أخرجه البيهقي وابن شيبه (¬3) {34} ¬

(¬1) ص 282 ج شرح المهذب. (¬2) ص 282 منه. (¬3) ص 57 ج 5 سنن البيهقي. (من كره شمه للمحرم)

(قال) جابر: إذا شم المحرم ريحاناً أو مس طيباً أهراق لذلك دما (¬1) {35} (وقال) الحنفيون ومالك: يكره شم ما ذكر ولا فدية فيه. وروى عن أحمد: لأنه لا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكره شم الريحان للمحرم. أخرجه البيهقي بسند صحيح (¬2) {36} وقال عثمان بن عفان وابن عباس: شم الريحان حلال لا فدية فيه، وهو قول أكثر الفقهاء، وهو الموافق ليسر الدين. قال ابن قدامة: وإن مس مالا يعلق بيده كالمسك غير المسحوق، وقطع الكافور والعنبر فلا فدية لأنه لم يستعمل الطيب، فإن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا، وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا (¬3) (وقال) أما مالا ينتبه الآدمي للطيب ولا يتخذ منه طيب كالشيح والقيصوم والفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل وما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر فمباح شمه ولا فدية فيه. وقد روي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات (¬4) 10 - إزالة الشعر: يحرم على المحرم إجماعاً إزالة شعره بلا عذر، لقوله تعالى: " وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ " (¬5)، والمراد ¬

(¬1) ص 153 ج 9 عمدة القاري (الطيب عند الإحرام). (¬2) ص 57 ج 5 سنن البيهقي. (من كره شمه للمحرم) (¬3) ص 294 ج 3 مغني. (¬4) ص 293 ج 5 منه. و (القيصوم) فيعول نبات صحراوي طيب الرائحة. (والأترج) بضم فسكون فضم فشد , وفي لغة ترنج نوع من الفاكهة. (¬5) البقرة آية 196. والهدى ما يهدي إلى الحرم من الغنم. ومحله الحرم عند الحنفيين وأحمد لقوله تعالى: ثم محلها إلى البيت العتيق , وقوله هدياً بالغ الكعبة. وقال مالك والشافعي: محله موضع الحصر.

إزالة الشعر كيفما حلقا وقصا ونتفا وغيرها، وشعر باقي الجسد ملحق بشعر الرأس. ويجب على وليّ الصَّبي المحرم أن يمنعه من إزالة شعره وتجب به الفدية، سواء شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن. ولو حلق المحرم رأس الحلال لا يجوز عند الحنفيين فإن فعل فعليه صدقة. ويجوز ولا فدية فيه عند مالك والشافعي وأحمد. وأما حك المحرم رأسه فمباح إجماعا، لكن يكون برفق لئلا ينتف شعراً. 11 - قلم الظفر: ويحرص على المحرم أخذ ما طال من ظفره بلا عذر إجماعاً، وكذا أخذ ظفر غيره ولو حلالا عند الحنفيين، لأن قطع الظفر إزالة جزء يترفه به فحرم كإزالة الشعر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية لأنه يؤذيه ويؤلمه كالشعر النابت في عينه، فإن قص أكثر مما أنكسر فعليه الفدية لذلك الزائد , كما لو قطع من الشعر أكثر مما يحتاج إليه، وأن احتاج إلى مداواة قرحة فلم يمكنه إلا بقص إظفاره فعليه الفدية. وقال ابن القاسم المالكي: لا فدية عليه، وأن وقع في أظفاره مرض فأزالها فلا فدية عليه , لنه أزالها لعذر فأشبه قصها لكسرها. 12 - ستر الرأس: ويحرم على الرجل تغطية رأسه كلا أو بعضا مما يستر به عادة كالثوب والقلنسوة (الطاقية) والعمامة والطربوش، فلا شئ في سترها بنحو طبق أو قفة أو يد عند الثلاثة. (وقال) مالك: يحرم على الرجل ستر رأسه بكل ساتر كطين وعجين وجيز ودقيق وعمامة ويد. فإذا ألصقها برأسه وطال زمنه افتدى. وعن ابن عاشر: يجوز الاتقاء باليد ولا فدية لأنها لا تعد ساتراً (¬1)، وهذا هو الظاهر. ¬

(¬1) انظر ص 479 ج 1 - الفجر المنير.

13 - ستر الوجه: ويحرم على المحرم تغطية وجهها إجماعا وتستر منه مالا يتم ستر الرأس إلا به , ولها أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه لحاجة - كبرد وحر، أو خوف فتنة ونحوها - ولغير حاجة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي (¬1) {107} وإن أصاب الثوب وجه المحرمة بغير اختيار ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمداً أو استدامته لزمتها الفدية (وكذا) يحرم على المحرم تغطية وجهه كلاُّ أو بعضا بما يستر به عادة عند الحنفيين (وقال) مالك: يحرم عليه ستره كلا أو بعضاً بكل ساتر كطين وعجين وجير ودقيق، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وقصته راحلته وهو محرم فمات , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. أخرجه الشافعي والسبعة والبيهقي وهذا لفظ مسلم (¬2) {108} فهو يدلُّ على أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ولا وجهة لأنَّ قوله: فإنه يبعث مُلَبِّياً يدل على أن العلة الإحرام. وعن نافع أن ابن عمر كان ¬

(¬1) انظر رقم 109 ص 145 ج 1 تكملة المنهل العذب (في المحرمة تغطي وجهها) وباقي المراجع بهامش 2 ص 146 منه. (¬2) ص 210 ج 1 بدائع المنن وص 120 ج 2 تحفة الأحوذي (المحرم يموت في إحرامه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطي المحرم رأسه .. ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (غسل الميت) و (وقصته) وقص من باب وعد أي رمته فدقت عنقه.

يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. أخرجه مالك والبيهقي وصححه (¬1) {37} (وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: لا إحرام في وجه الرجل فله تغطيته دون المرأة , لقول عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غَطَّى وجهه بقطيفة أرجوان. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح. (¬2) {38} ودليل القول الأول أقوى. 14 - نكاح المحرم: ويحرم على المحرم عقد النكاح لنفسه أو غيره بولايةٍ أو وكالة عند مالك والشافعي وأحمد، لحديث أبان بن عثمان عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يَنْكِح المحْرِمُ ولا يُنْكَح ولا يَخْطُب. أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري وليس في الترمذي: ولا يخطب (¬3) {109} (وقال) الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يَرَوْنَ أن يتزوج المحرم , وأن نكح فنكاحه باطل. (وقال) الحنفيون: يجوز للمحرم عقد النكاح لنفسه وغيره بولاية أو وكالة , ¬

(¬1) ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ (تخمير المحرم وجهه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه) و (العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة. و (القطيفة) كساء له خمل. و (أرجوان) بضم فسكون فضم , صوف أحمر. (¬2) ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ (تخمير المحرم وجهه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه) و (العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة. و (القطيفة) كساء له خمل. و (أرجوان) بضم فسكون فضم , صوف أحمر. (¬3) انظر رقم 117 ص 115 ورقم 118 ص 156 ج 1 تكملة المنهل (المحرم يتزوج) وباقي المراجع بهامش 3 ص 156 منه. و (لا ينكح) بفتح فسكون فكسر أي لا يتزوج (ولا ينكح) بضم فسكون فكسر أي لا يتزوج غيره.

لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. أخرجه السبعة وزاد البخاري: وبنى بها وهو حلال (¬1) {110} (قال) الترمذي: واختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة، فقال بعضهم: تَزَوَّجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ثم بنى بها وهو حلال بسرف في طريق مكة (¬2). ورجح قول الجمهور , لأن حديث عثمان فيه بيان قانون كلى للأمة. وأما حديث ابن عباس ففيه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم. (وقال) الحنفيون: حديث ابن عباس أرجح فقد أخرجه السبعة فلا يعارضه حديث عثمان , لأن البخاري لم يخرجه. والأصل في أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العموم إلا أن قام دليل الخصوصية ولا دليل. (15) تعرض المحرم للصيد - يحرم على المحرم قتل كل صيد برى مأكول وحشى بأصله واصطياده لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" (¬3). والمراد صيد البر لأن صيد البحر حلال , لقوله تعالى: " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة " (¬4) , وكذا يحل للمحرم بالإجماع ما ليس بصيد كالبقر والغنم والإبل وغيرها من الحيوان الإنسى. ¬

(¬1) انظر رقم 120 ص 158 ج 1 تكملة المنهل (المحرم يتزوج) وباقي المراجع بهامش 7 ص 160 منه. (¬2) ص 89 ج 2 تحفة الأحوذي. (ما جاء في الرخصة في ذلك). (¬3) آية 95 المائدة. (¬4) آية: 96 المائدة. والمراد بالبحر كل ماء يوجد فيه صيد بحري. والمراد بطعامه ما لفظه البحر , وقيل ما يطعم من الصيد أي ما يحل أكله وهو السمك ونحوه (وللسيارة) أي المسافرين يتزودونه بجعله قديداً.

16 - ويحرم على المحرم الإعانة على قتل صيد البر المأكول الوحشى بدلالة أو إشارة أو إعارة آله إن اتصل بها القبض، ولم يكن المدلول عالماً بالصيد وصدق الدال، لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله إجماعاً وإن أعان على قتله فقتل لم يجب عليه الجزاء، لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه، ودليل ذلك حديث أبى قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف بعض أصحاب لهم محرمين وهو غير محرم، فرأي حماراً وحشياً فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه، فأبوا، فأخذ رمحه فشدَّ على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحابا لنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بعضهم، فلما أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طُعمة أطعمكموها الله تعالى. أخرجه الأئمة ومسلم وأبو داود والبيهقي والطحاوي (¬1) {111} وعند الشيخين أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار غليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقى من لحمها (¬2). وهذا يدل على أن مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه , يوجب عدم الحل \لمشاركته للصائد. 17 - ويحرم على المحرم تنفير الصيد وإتلافه وبيعه وشراؤه , لحديث ¬

(¬1) انظر رقم 127 ص 174 ج 1 تكملة المنهل العذب (لحم الصيد للمحرم) وباقي المراجع بهامش 5 ص 175 منه. و (القصة) كانت في عمرة الحديبية , ففي رواية يحيى ابن أبي كثير عن ابن أبي قتادة أن أباه قال: انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية , ولم يحرم أبو قتادة لأنه لم يقصد العمرة. (¬2) انظر المراجع بهامش 3 ص 107 منه.

ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمة الله يوم خلق السموات والأرض , فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة , وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده , ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها , فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر , فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال إلا الإذخر. أخرجه الشيخان والبيهقي، وكذا أبو داود مختصراً، وهذا لفظ مسلم (¬1) {112} دل (أولا) على حرمة قطع شوك الحرم. وبه قال الجمهور. (وقال) بعض الشافعية: لا يحرم قطعه لأنه مؤذ , لكنه قياس في مقابلة النص فلا يعول عليه (قال القرطبي) خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبت بلا صنع آدمي. أما ما ينبته الآدمي فيجوز قطعه عند الجمهور. (وقال) الشافعي: في الجميع الجزاء. وقد اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم , غير أن الشافعي أجاز قطع السواك، وأجاز أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها. ¬

(¬1) انظر رقم 278 ص 207 ج 2 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 2 ص 207 منه. و (لا يعضد) أي لا يقطع (ولا ينفر) من التنفير وهو الإزعاج (واللقطة) بفتح القاف وقد تسكن , الملقوط. أي لا تحل لقتطها إلا لمن يعرفها أبداً ولا يتملكها (والخلا) بفتح الخاء مقصوراً البنات الرطب ومده في الحديث خطأ واختلاؤه قطعه والخلاء بالمد المكان الخالي (والإذخر) بكسر فسكون فكسر نبت طيب = الريح تسقف به البيوت بين الخشب وبسدبه الخلل بين اللبنات في القبور وفت حهمزته خطأ (والفتن) بفتح فسكون , الحداد والصائغ أي يحتاج إليه من ذكر في وقود النار.

(ثانيا) دل قوله صلى الله عليه وسلم: ولا ينفر صيده، على حرمة إتلافه، لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى. (ثالثاً) دل قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يختلي خلاها، على تحريم رعى الرطب من نبات الحرم , لأنه أشد من القطع والاحتشاش، أما اليابس فيجوز قطعه على الأصح عند الشافعية. 18 - أكل المحرم لحم الصيد: يحرم على المحرم أكل لحم صيد البر إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه ولا أشار , لحديث المطلب بن عبد الله عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم. أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة والحاكم والدارقطني والطحاوي والبيهقي , وفي سنده عمرو بن عمرو مختلف فيه , وإن كان من رجال الصحيح (¬1) {113} (قال) الترمذى: حديث جابر حديث مفسر (¬2)، والمطلب لا نعرف له سماعا من جابر. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لا يرون بأكل الصيد للمحرم بأسا إذا لم يصطده أو يصد من أجله. (قال) الشافعي: هذا أحسن حديث روى في هذا الباب وأقيس , وهو قول أحمد وإسحاق (¬3)، وبمقتضاه قال مالك أيضا والجمهور: فإن صاده أو صيد له فهو حرام سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه، أما إن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى من لحمه المحرم أو باعه له لم يحرم عليه (وقال) ¬

(¬1) انظر رقم 126 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب (لحم الصيد للمحرم) وباقي المراجع بهامش 1 ص 173 منه. (¬2) (مفسر) أي مبين لأنه صريح في أنه لا يحل ما صاده المحرم أو صاده له حلال. (¬3) ص 90 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في أكل الصيد للمحرم).

الحنفيون: لا يحرم على المحرم ما صيد له بغير إعانة ولا إشارة منه , لحديث عمير بن سلمة الضمري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالعرج , فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهز , فقال: يا رسول الله، هذه رميتي فشأنكم بها , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق (الحديث) أخرجه الإمامان والنسائي والبيهقي. وهذا لفظ أحمد. وصححه ابن خزيمة (¬1) {114} 19 - ويحرم على المحرم كسر بيض الصيد وحلبه وبيعه وشراؤه، لحديث على بن زيد حدثنا عبد الله بن الحارث قال: كان أبي الحارث على أمرٍ من أمر مكة في زمن عثمان، فأقبل عثمان رضي الله عنه إلى مكة (الحديث) وفيه: ثم قال على: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى ببيض النعام، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل فشهد دونهم من العدة من الأثنى عشر , فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل رحله وأكل ذلك الطعام أهل الماء. أخرجه أحمد. وعلى بن زيد فيه كلام وقد وثق (¬2) {115} دل على أن كل طير وصيد حرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه، فإن أتلفه ضمنه بقيمته عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقال) مالك: يضمنه بعشر ثمن أصله (¬3). ¬

(¬1) انظر المراجع بهامش 1 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب. و (العرج بفتح فسكون , قرية جنوب ذي الحلفية. و (عقير) أي معقور مقتول. (¬2) ص 239 ج 11 - الفتح الرباني (فشهد دونهم من العدة) (أي شهد على بيض النعام بعض الأثنى عشر. وأهل الماء) أي المقيمون بهذا المكان من أهل الحل. (¬3) ص 332 ج 7 شرح المهذب.

(تتميم): لا شئ على المحرم عند الحنفيين والشافعي في قتل البعوض والبراغيث والبقَّ (وقال) مالك: إذا قتل الذباب والقمل يتصدق بشيء من الطعام. (وقال) الحنفيون: يحرم على المحرم قتل لقمل , وروى عن أحمد لأنه يترفه بإزالته فحرم كقطع الشعر , ولحديث عبد الرحمن بن أبي ليل عن كعب بن عجرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا كثير الشعر، فقال: كأن هوام رأسك تؤذيك؟ قلت: أجل، قال فاحلقه واذبح شاة نسيكة أو صم ثلاثة أيام , أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين. أخرجه الشافعي وهذا لفظه. والجماعة بألفاظ متقاربة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {116} فلو كان قتل القمل وإزالته مباحا لم يكن كعب يتركه حتى يصير كذلك , ولأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإزالته، والصئبان كالقمل لأنه بيضه , ولا فرق بين قتل القمل ورميه لحصول الترفه به. ويجوز للمحرم حك رأسه برفق كيلا يقطع شعراً أو يقتل قملا. فإن تفلي المحرم أو قتل قملا فلا فدية فيه , لأن كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد اذهب قملاً كثيراً ولم تجب عليه فدية إلا للحلق (¬2)، ولو ظهر القمل في بدنه وثيابه فله إزالته ولا فدية اتفاقاً، بخلاف قمل الرأس لأنه يتضمن إزالة الأذى من الرأس وقد ورد فيه النص. ¬

(¬1) انظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب (الفدية) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه. و (نسيكة) أي ما يجزئ في الأضحية. (¬2) ص 304 ج 3 شرح ابن قدامة.

(ب) الوقوف بعرفة

هذا. ويستحب عند الحنفيين والشافعي وأحمد قتل القراض للمحرم وغيره، فللمحرم أن يقرض بعيره. وكرهه مالك. وروي عن سعيد ابن المسبب أنه قال في المحرم يقتل قراضاً: يتصدق بتمرة أو تمرتين (¬1)، والله تعالى ولى التوفيق. (ب) الوقوف بعرفة عرفة واد بين المزدلفة والطائف , يمتد من علمي عرفة إلى جبل عرفة الذي يحيط بالوادي من الشرق على هيئة قوس , وفي طرفه من الجنوب الطريق إلى الطائف , وفي طرفه من الشمال لسان يبرز إلى المغرب يسمى جبل الرحمة , وسفحه الجنوبي هو حد عرفة الشمالي , وفي طرفه الغربي صخرة عالية هي موقف الخطيب , وفي أسفله مصلى تسمى مسجد الصخرات والمسافة من علمي على عرفة إلى فح جبل الرحمة تبلغ نحو خمسمائة وألف متر. (أنظر رسم رقم 2) هذا. والوقوف بعرفة يتحقق بالوجود في أي جزء من أجزائها محرماً واقفاً أو راكباً أو مضطجعاً عالما أنها عرفة أو غير عالم في وقته (وهو ركن) من أركان الحج إجماعاً لحديث عبد الرحمن بن يعمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه. أخرجه أحمد وهذا لفظه والأربعة والبيهقي والحاكم وصححه الترمذي (¬2) {117} ¬

(¬1) ص 334 ج 7 شرح المهذب. (¬2) انظر رقم 217 ص 94 ج 2 تكملة المنهل (من لم يدرك عرفة) وباقي المراجع بهامش 3 ص 96 منه. و «يعمر» بفتح فسكون ففتح أو ضم. و " جمع " بفتح فسكون المزدلفة وليلتها هي ليلة النحر.

وقال: والعمل عليه عند أهل العلم أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر , فقد فاته الحج ولا يجزئ عنه أنه جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها

عمرة وعليه الحج من قابل , وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (¬1). ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث: (1) وقت الوقوف - هو ما بين زوال شمس يوم عرفة وطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك والشافعي والجهور, لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال وكذا الخلفاء الراشدون (قال) ابن إسحاق: حدثنى نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: غدا رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم راح فوقف على الوقوف من عرفة. أخرجه أحمد وأبو داود , وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فهو حجة (¬2) {118} وفي حديث ابن يعمر: فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد أدرك الحج " فكان " فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانا لأول الوقت " وقوله " بيانا لآخره. ويكفي عند الحنفيين والشافعي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا وهو مشهور مذهب مالك غير أنه أن وقف بالنهار وجب عند الحنفيين ومالك وأحمد مدّ الوقوف إلى ما بعد الغروب. أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه. ومشهور مذهب الشافعي أن مد الوقوف إلى الليل سنة. (وقال) أحمد: وقت الوقوف بعرفة ما بين طلوع فجر يوم ¬

(¬1) ص 102 ج 3 تحفة الأحوذي. (من ادرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج) (¬2) انظر رقم 84 ص 147 ج 2 تكملة المنهل (الخروج إلى عرفة) وص 114 ج 12 - الفتح الرباني. و (نمرة) بفتح فكسر: موضع جنوب عرفة. (ومهجراً) أي ذاهبا وقت الهاجرة وهو شدة الحر.

عرفة وفجر يوم النحر. ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا لحديث عروة بن مُضرِّس الطائى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهاراً فقد تم حجه عجز حديث أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {119} وجه الدلالة أن لفظ الليل والنهار مطلق يشمل كل النهار (وأجاب) الجمهور عنه بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله (فالراجح) الذي يشهد له العقل والنقل ما ذهب إليه الجمهور من أن وقت الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال شمس يوم عرفة. (2) مكان الوقوف: عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة لحديث سليمان بن موسى عن جُبير بن مُطعم رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عُرفة (الحديث) أخرجه أحمد والبزار الطبراني في الكيير بسند رجاله موثقون. قاله الهيثمى (¬2) {120} قال بن عبد البر: أجمع العلماء على أن من وقف بعرنة لا يجزئه , ¬

(¬1) انظر رقم 218 ص 97 ج 2 تكملة المنهل العذب (من لم يدرك عرفة) وباقي المراجع بهامش 2 ص 98 منه. و (مضرس) بضم ففتح فشد الراء مكسورة. (¬2) ص 122 ج 12 - الفتح الرباني. وص 251 ج 3 مجمع الزوائد (الخروج إلى منى وعرفة). و (عرنة) بضم ففتح واد غرب عرفة. انظر رسم 2 ص 92.

والأفضل الوقوف عند الصخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو بالقرب منها. وأما ما اشتهر من الاهتمام بالوقوف على جبل الرحمة وترجيحه على غيره فخطأ مخالف للسنة. (3) آداب الوقوف - يسن لمريد الوقوف بعرفة أمور. (منها) الغسل لما تقدم (¬1) (ومنها) أن يقف راكبا عند الصخرات مستقبلا القبلة رافعا يديه للدعاء حامدا مهللا مكبرا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم داعيا ربه باجتهاد وحضور قلب اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. (4) دعاء عرفة: ويستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة فإنه يوم إجابة الدعاء وإفاضة الخير من الجواد الكريم الرءوف الرحيم. ويستحب أن يدعو بالمأثور (ومنه) ما في حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله عن على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلى بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً , وفي صدري نوراً , وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً. اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر. اللهم أني أعوذ بك من شر ما يَلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تُهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر. أخرجه البيهقي وقال: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف ولم يدرك أخوه عليا (¬2) {121} ¬

(¬1) تقدم عن ابن عمر أثر رقم 11 ص 45. (¬2) ص 117 ج 5 سنن البيهقي. و (بواثق الدهر) مهلكاته.

ومن الأدعية المختارة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ: اللهم أني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً , وأنه لا يغفرا لذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين , وتب على توبة نصوحا لا أنكثها أبداً وألزمني سبيل الاستقامة لا أزبغ عنها أبداً. اللهم أنقلني عن ذل المعصية إلى عز الطاعة واكفني بحلالك عن حرامك. وأغني بفضلك عمن سواك , ونور قلبي وقبري واغفر لي الشر كله , واجمع لي الخير. اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم يسرني لليسرى وجنبنى العسرى وارزقني طاعتك ما أبقيتني , أستودعك منى ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأدناتنا وخواتم أعمالنا وأقوالنا وأبدلنا وجميع ما أنعمت به علينا (¬1) ولا يتكلف السجع في الدعاء. ويستحب أن يخفض صوته به وأن يكرر كل دعاء ثلاثا ويكثر من التلبية رافعاً بها صوته وليدْع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصدقائه وكل من أحسن إليه وسائر المسلمين , وليحذرْ من التقصير في شئ من هذا فأن اليوم لا يمكن تداركه وينبغي أن يكرر الذكر والاستغفار والتوبة من جميع المخالفات مع الندم الشديد. (5) حكمة الوقوف: وحكمة مشروعية الوقوف بعرفة: أن الحجاج إذا اجتمعوا بها آملين رغباً ورهباً سائلين خوفاً وطمعاً وهم بين مقبول ومخذول , يتذكرون موقف القضاء (يَوْمَ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسَ إلا بإذنه فَمِنْهُمْ شَقيٌ وَسَعِيدٌ) ولا تخفي الثمرات العمرانية المترتبة على اجتماع ¬

(¬1) انظر ص 116 ج 8 شرح المهذب.

أطراف العالم الإسلامي في ساحة تجمع وفودهم , وتضم شتيتهم , ويقوم فيها خطيبهم يدلهم على ما فيه سعادتهم الباقية وهدايتهم الخالدة فلو شاءوا لا تنفعوا أعظم انتفاع في الدين والدنيا والآخرة. (6) فضل يوم عرفة: قد ورد في فضله أحاديث: (منها) حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي (¬1). {122} (وعن) طلحة بن عُبيد الله بن كَرِيز عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما رُؤى الشيطان يوماً هو فيه أَصغر ولا أَدْحَر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأَى من تَنَزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام , إلا ما رأُي يوم بدر. قيل وما رأي يوم بدر يا رسول الله؟ قال: أما إنه قد رأي جبريل يزَع الملائكة. أخرجه مالك مرسلا والحاكم موصولا (¬2) {123} (7) مسائل في الوقوف - (الأولى) أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر , كالجنب والحائض. ¬

(¬1) ص 116 ج 9 نووي مسلم (فضل يوم عرفة) وص 44 ج 2 مجتبي (ما ذكر في يوم عرفة) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة (الدعاء بعرفة) وص 118 ج 5 سنن البيهقي (فضل عرفة) و (ليدنو) أي بقرب إليهم بالرحمة والمغفرة والفضل. (¬2) ص 280 ج 2 زرقاني الموطإ (جامع الحج) و (يزع) بفتحتين أي يصف الملائكة القتال ويمنعهم عن الخروج من الصف.

(الثانية) لا يصح وقوف المغمي عليه عند الشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون ومالك: يصح. (الثالثة) إذا ضاق وقت العشاء والوقوف بأن كان لو مكث ليصلى العشاء في الطريق يطلع الفجر قبل وصوله إلى عرفة ولو ذهب ووقف يفوت وقت العشاء. (فقيل) يدع الصلاة ويذهب لعرفة. ورجحه المالكية واختاره بعض الحنفيين والنووي ارتكاباً لأخف الضررين لسهولة قضاء الصلاة بخلاف الحج (وقيل) يصلى العشاء قبل الفجر ولو فاته الوقوف , لأن تأخير الوقوف لعذر مع إمكان التدارك في العام القابل جائز وليس في الشرع ترك فرض حاضر لتحصيل فرض آخر. واختاره بعض الحنفيين والرافعي والشافعي (وقيل) يصلى ماشياً موميا ثم يقضبه احتياطياً وهو قول حسن وجمع مستحسن. (الرابعة) إذا التبس هلال ذي الحجة ووقفوا بعرفة بعد إكمال ذي القعدة , ثم تبين بشهادة أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجهم تام , ولا تقبل الشهادة لأن التدارك غير ممكن. وفي الأمر بإعادة الحج حرج بين فوجب أن يكتفي به عند الاشتباه بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية , لأن التدارك ممكن في الجملة , بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة. هذا ولو شهد شهود يوم التروية (¬1) أن هذا اليوم يوم عرفة , فإن أمكن إمام الحج أن يقف مع الناس أو أكثرهم قبلت الشهادة للتمكن من الوقوف فإن لم يقفوا فاتهم الحج. وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثر الناس لا تقبل الشهادة ويقفوا من الغد. ¬

(¬1) يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة.

(8) بدع عرفة: تقدم أن يوم عرفة فضله عظيم , فيه يتجلى الله على العباد ويعمهم بالرحمة والإحسان , ويباهي بهم الملائكة وأهل السماء. وتقدم بيان ما ينبغي للمؤمن أن يتحلى به في هذا اليوم من صالح الآداب وخير الأعمال , لكن الشيطان للإنسان بالمرصاد. أقسم بعزة الله تعالى أنه يغوي الناس ويبعدهم عن الطريق القويم فحَّسن لهم بدعاً ارتكبوها في هذا اليوم المبارك ما أنزل الله بها من سلطان. منها. (1) التعريف بغير عرفة: وهو اجتماع الناس بعد عصر يوم عرفة في المساجد أو غيرها يدعون ويهللون ويكبرون تشبها بمن بعرفة فقد كرهه قربة في غيره (قال) شعبة: سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد , فقالا هو محدث. ونحوه عن إبراهيم النخعي. ذكره البيهقي (¬1) {39} (2) ومنها ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان , من إيقاد الشمع بحبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها يصطحبون الشمع من بلادهم لذلك. وهذه ضلالة فاحشة ارتكبوا فيها أنواعاً من القبائح (منها) إضاعة المال في غير وجهه (ومنها) إظهار شعائر المجوس في الاعتناء بالنار (ومنها) اختلاط الرجال بالنساء. (ومنها) تقديم دخول عرفة على وقتها المشروع. فعلى ولي الأمر وكل من تمكن من غزالة هذه البدع أن يزيلها. (3) ومنها اعتقاد العامة أن جبل الرحمة هو الأصل في الوقوف بعرفة دون باقي بقاعها. وهذا خطأ بل أفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات عن يسار الجبل. ¬

(¬1) ص 117 ج 5 سنن البيهقي (التعريف بغير عرفات).

(جـ) طواف الركن

(4) ومنها حضور الحجاج عرفة بعد دخول وقت الوقوف فإن المطوفين يخرجون بهم ظهر يوم عرفة من مكة إلى عرفات رأساً فيفوتون عليهم بعض السنن وهي الخروج من مكة بعد شمس يوم التروية إلى منى وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والبيات بها حتى يصلى صبح يوم التاسع , والتوجه بعد طلوع شمسه من منى إلى عرفة والنزول بنمرة ثم خطبة إمام الحج بعد الزوال والجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بمسجد نمرة. كل هذه السنن يفوتها المطوفون على الحجاج جهلاً وتفريطاً. ومن الناس من يحضرون عرفة وقت الوقوف لأنهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رأساً وإنما السنة ما تقدم بيانه. (¬1) (جـ) طواف الركن (الثالث) من أركان الحج طواف الزيارة يعني زيارة مكة. ويسمى طواف الإفاضة. وهو مجمع على ركنيته. قال الله تعالى: {وَلَيَّطوَّفوا بِالبَيْتِ الْعَتِيق} (¬2) غير أن الحنفيين يرون أن الركن أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجب. (ويدخل) وقته بطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعي وأحمد: يدخل وقته بنصف ليلة النحر ولا آخر لوقته لكن يجب فعله في يوم من أيام النحر عند الحنفيين. فإن أخره عنها كره ولزمه دم. ومذهب المالكية أنه يجب فعله يوم النحر أو في يوم بعده من أيام ذي الحجة , فإن أخره عنها كره ولزمه دم. هذا وفعله يوم النحر أفضل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ¬

(¬1) ولذا تبعث الجمعية الشرعية الرئيسية بالقاهرة سنويا مع الحجاج مرشد أو أكثر يرشد الناس إلى المناسك فيؤدونها كاملة على الوجه الصحيح المشروع. (¬2) الحج آية: 29.

ثم رجع فصلى الظهر بمنى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي (¬1) {124} فيسن للحاج النزول من منى إلى مكة يوم النحر لطواف الركن. ولكن غالب الحجاج قد أماتوا هذه السنة في هذا الزمان فلا يطوفون طواف الركن إلا بعد نزولهم من منى بعد رمى الجمار في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق. والكلام بعد ينحصر في عشرة مباحث: (1) شروط الطواف - يشترط لصحته تسعة شروط: الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة والنية والطواف بجميع البيت سبعة أشواط وداخل المسجد ووراء حجر إسماعيل ومحاذاة الحجر الأسود بجميع بدنه والترتيب , وهو أن يطوف على يمينه والموالاة. وهاك تفصيلها. (الأول) الطهارة من الحدث والنجس فلا يصح من محدث حدثا أصغر أو أكبر , ولا من متنجس بدنه أو ثوبه عند مالك والشافعي والجمهور وهو المشهور عن أحمد , لما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها , غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر (¬2). والمراد بالطهارة هنا الغسل لما في حديث عائشة قالت: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي فقال: أنفستِ: يعني الحيضة قلت نعم قال: أن هذا شئ كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى ¬

(¬1) انظر رقم 261 ص 173 ج 2 تكملة المنهل العذب (الإفاضة في الحج) وباقي المراجع بهامش 1 ص 174 منه. و (أفاض) أي طاف طواف الإفاضة. و (فصلى الظهر بمنى) ولا ينافيه ما يأتي في حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم) من قوله: فصلى الظهر بمكة. لأن المراد أنه صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة أول الوقت ولما رجع إلى منى صلاها ثانيا بأصحابه متنقلا. انظر ص 29 ج 2 تكملة المنهل العذب. (¬2) تقدم رقم 60 ص 45 (التنظيف)

الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي (الحديث) أخرجه مسلم (¬1) {125} نهيت الحائض والنفساء عن الطواف حتى ينقطع الدم وتغتسل "قالت"عائشة رضي الله عنها: أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت (الحديث) أخرجه الشيخان والبيهقي (¬2) {126} (وقال) الحنفيون: الطهارة من الحدث ليست شرطاً في الطواف بل واجبة وهو رواية عن أحمد. فلو طاف محدثاً حدثاً أصغر صح طوافه ولزمه شاة. وإن طاف جنبا أو حائضا صح ولزمه بدنة ويعيده ما دام بمكة (وأما الطهارة) من النجس في الثوب والبدن والمكان فهي سنة مؤكدة عند الحنفيين لا تجبر بدم لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بالْبَيْت الْعَتيق}. وهو يتناول الطواف بلا طهارة قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج. (وأجاب) الأولون عن الآية: (أ) بأنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكر من الأحاديث. (ب) وبأن الطواف بغير طهارة مكروه عند الحنفيين ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه (والجواب) عن قياس الطواف على الوقوف وغيره , أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطاً في غيره. بخلاف الطواف فأنها واجبة فيه عند الحنفيين (¬3). ¬

(¬1) ص 146 ج نووي مسلم (وجوه الإحرام) و (أنفست) بفتح النون وتضم وكسر الفاء أي أحضت. (¬2) ص 310 ج 3 فتح الباري (من طاف بالبيت إا قدم مكة .. ) وص 220 ج 8 نووي مسلم (المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي) وص 86 ج 5 سنن البيهقي (الطواف على الطهارة). (¬3) ص 18 ج شرج المهذب.

(الثاني) من شروط الطواف ستر العورة عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أَمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي (¬1) {40} (وقال) الحنفيون: ستر العورة فى الطواف واجب. فمن طاف عريانا أعاد ما دام في مكة. فإن خرج منها لزمه دم وهذا فائدة عده واجباً هنا مع أنه فرض مطلقاً. (الثالث) يشترط لصحة طواف الوداع والتطوع النية إجماعاً وكذا طواف الإفاضة والعمرة عند أحمد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقا (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي: يجزئ الحاج طواف الركن والعمرة والقدوم بلا نية لأن نية النسك تسرى عليه كالوقوف بعرفة وغيره. (الرابع) يشترط أن يكون الطواف سبعة أشواط من الحجر الأسود إليه ولو ترك خطوة من السبع لم يحسب طوافه وأن أنصرف عن مكة ولا يجبر بدم ولا بغيره عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور , لقول ابن عمر رضي عنهما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا. أخرجه الشيخان (¬2) {127} ¬

(¬1) ص 314 ج 3 فتح الباري (لا يطوف بالبيت عريان) ص 115 ج 9 نووي مسلم وص 40 ح 2 مجتبي (خذوا مناسككم عند كل مسجد) وص 87 م سنن البيهقي (لا يطوف بالبيت عريان). (¬2) ص 316 ج 3 فتح الباري (من صلى ركعتي الطواف خلف المقام) وص 218 , 219 ج 8 نووي مسلم (المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي .. ).

(وقال) الحنفيون: ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم. (الخامس) أن يكون الطواف داخل المسجد الحرام فلا يجوز خارجه اتفاقاً. (السادس) أن يكون وراء حجر إسماعيل , لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من طاف بالبيت فليطف وراء الحِجْر ولا تقولوا الحطيم. أخرجه البخاري (¬1) {41} وعن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الحِجْر من البيت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه. قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفوا بالْبَيْتِ الْعَتِيق}. أخرجه البيهقي (¬2) {128} ولهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: يشترط لصحة الطواف كونه خارج الحجر والشاذِرْوان (¬3) فإن طاف ماشياً عليه ولو في خطوة ¬

(¬1) ص 267 , 268 ج 1 تسير الوصول (الطواف وراء الحجر). (والحجر) بكسر فسكون: فضاء شمال الكعبة محاط بقوس من البناء على شكل صف دائرة طرفاه إلى زاوية البيت الشمالية والغربية ارتفاعه 1,31 متر وسمكة 1,52 متر. والفضاء الذي بينه وبين حائط البيت هو المعروف بمحجر إسماعيل. ويدخل إليه من فتحتين بينه وبين البيت: شرقية واتساعها 2,3 متر. وغربية اتساعها 2,23 متر. والمسافة التي بين طرفي محيط الحجر وهو المسمي بالحطيم ثمانية أمتار , والتي بين منتصف جدار الكعبة الشمالي ووسط تجويف الحطيم 8,4 أمتار. وليس الحجر كله من البيت بل نحو ثلاثة الامتار التي من البيت مقدره بسته أذرع «روت» عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد شرك لهدمت الكعبة فأزلقها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا أقتصرتها حيث بنت الكعبة. أخرجه مسلم والبيهقى ص 91 ج 9 نووي مسلم (نقض الكعبة وبناؤها) وص 89 ج 5 سنن البيهقي (موضع الطواف) (أنظر رسم 3) ص 105. (¬2) ص 90 ج 5 سنن البيهقي (موضع الطواف). (¬3) (الشاذروان) بشين معجمة وذال مفتوحة أو مكسورة وراء ساكنة , القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجا عن عرض الجدار مرتفعا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع.

لم تصح طوفته , لأنه طاف في البيت لا بالبيت (وقال) الحنفيون: الطواف وراء الحجر واجب يجبر تركه بدم. (السابع والثامن) يشترط البداءة في الطواف مطلقا من الحجر الأسود. وأن يمشي عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره في الطواف , لقول جابر رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتي الحجر الأسود

فاستلمه ثم مشى عن يمينه فرَمَل ثلاثاً ومشى أربعا. أخرجه مسلم والنسائي. (¬1) {129} دل على أن الطائف يبتدئ من الحجر الأسود متيامناً جاعلاً البيت عن يساره. وهو شرط عند مالك وأحمد والشافعي , وواجب عند الحنفيين. فإن تركه لم يصح عند الثلاثة وأعاده عند الحنفيين مادام بمكة. وإن لم يعده لزمه دم. وكذا لو نكِّس الطواف فجعل البيت عن يمينه لم يجزئه عند الثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلا لبيت في الطواف على يساره وقال: لتأخذوا عنى مناسككم. ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الاتباع فيها لازماً كالصلاة. (وقال) الحنفيون: يعد الطواف ما كان بمكة فأن رجع لزم دم , لأنه ترك هيئة فلم تمنع الإجزاء. (التاسع) يشترط لصحة الطواف موالاته عند مالك وأحمد. فإن فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون التفريق يسيرا - ولو لغير عذر - أو كثيراً لعذر. (وقال) الحنفيون: الموالاة بين أجزاء الطواف سنة وهو الصحيح عن الشافعي. فلو فرق تفريقا كثيراً بغير عذر لا يبطل طوافه بل يبني على ما مضى منه. ولو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في الطواف النفل استحب قطعه للصلاة ثم يبني. وأن كان طوافاً مفروضاً كره قطعه لها. وإذا عرضت له حاجة ضرورية وهو في الطواف قطعه فإذا فرغ بنى وأن طال الفصل. وإذا أحدث في طوافه ولو عمداً لا يبطل ما مضى من طوافه على الصحيح عند الحنفيين والشافعي فيتوضأ ويبنى عليه (¬2). ¬

(¬1) ص 196 ج 8 نووي مسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم) وص 39 ج 2 مجتبي (الرمل من الحجر إلى الحجر) و (الرمل) بفتحتين: الإسراع في المشي مع هز الكتفين. (¬2) ص 47 ج 8 شرح المذهب

(2) واجبات الطواف - للطواف واجبات غير ما تقدم منها. (1) المشى فيه عند الحنفيين ومالك إلا لعذر يمنعه منه. فلو ركب فيه بلا عذر أعاده وإلا لزمه دم. وإن ركب لعذر فلا شئ عليه اتفاقاً «لقول» جابر بن عبد الله رضى الله عنهما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليُشرِف وليسألوه فإن الناس غَشَوْه. أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي. (¬1) {130} «وعن» أم سلمة رضي الله عنها أنها قدمت وهي مريضة فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة (الحديث) أخرجه الشافعي والسبعة إلا الترمذي (¬2). {131} دل الحديثان على مشروعية الركوب في الطواف لمرض أو حاجة ككونه إماما يعلم الناس المناسك. أما إن ركب لغير عذر فعليه دم عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعيون: لا شئ عليه وهو الصحيح عن أحمد (والراجح) الأول لأنه لا دليل في طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً على جواز الطواف راكباً بلا عذر , لأنه طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً هو وأم سلمة كان قبل أن يحوَّط المسجد. فإذا حُوط امتنع الركوب داخله إذ لا يؤمن التلويث (¬3). (2) (ومنها) صلاة ركعتين عند المقام أو حيث تيسر من المسجد بعد ¬

(¬1) أنظر رقم 154 ص 214 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف الواجب) وباقي المراجع بهامش 3 ص 215 منه. و (غشوه) بفتح الشين مخففة أي أزدحموا عليه (¬2) انظر رقم 156 ص 216 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف الواجب) وباقي المراجع بهامش 3 منه. (¬3) ص 318 ج 3 فتح الباري الشرح (المريض يطوف راكبا)

كل طواف ولو تطوعا (وهي) واجبة عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي للأمر بها في قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (¬1) ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها (وعن جابر) رضي الله عنه أن لنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعاً وأتى المقام فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى خلف المقام , ثم أتى الحجر فاستلمه (الحديث) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {132} وأخرجه النسائي وفيه: فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت (¬3). (وهذه) الصلاة تصح في أي مكان عند الجمهور ولا تفوت إلا بالموت ولا يجبر تركها بدم على الصحيح. ومشهور مذهب المالكية أنها تابعة للطواف , فأن صلاها في غيره أعاد مادام متوضئا. (وقال) أحمد: صلاة الطواف سنة وهو الأصح عند الشافعية , وقالوا: الأمر في الآية للاستحباب (ويسن) أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قبل يا أيها الكافرون , وفي الثانية قل هو الله أحد. لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) البقرة 125. ومقام إبراهيم: الحجر الذي كان يقوم عليه وقت بناء الكعبة وهو يليها من الشرق على حدود المطاف. حرر ابن جماعة أ، ارتفاعه 7/ 8 الذراع وأنه مربع ضلعه من كل جهة ¾ الذراع. وقد أقاموا عليه قبة ذات أربعة أعمدة محاطة بمقصورة نحاسية مربعة , كل ضلع منها نحو أربعة أمتار. أنظر رسم 3 ص 105 و (مصلى) أي صلوا إليه بأن يكون بين المصلي والكعبة. ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده. (¬2) ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي (يبدأ بالصفا .. ) (¬3) ص 138 ج 2 مجتبي (كيف يطوف أول ما يقدم .. ).

لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب , وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد , ثم عاد إلى الركن فاستلمه , ثم خرج إلى الصفا. أخرجه النسائي (¬1) {133} هذا. ولا يقوم مقام صلاة الطواف غيرها كركعتي الفجر عند الحنفيين ومالك وهو قول للشافعي. «قال» إسماعيل بن أمية: قلت للزهري عن عطاء يقول: تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف , فقال: السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى. أخرجه البخاري معلقاً (¬2) {134} ومشهور مذهب أحمد أن المكتوبة تجزئ عنها وهو الصحيح عند الشافعية. هذا (ولا بأس) بالصلاة بمكة إلى غير سترة , لقول المطلب بن أبي وداعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سبعه جاء حاشية المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطوافين أحد. أخرجه النسائي وابن ماجة وقال: هذا بمكة خاصة (¬3) {135} (وتؤدي) هذه الصلاة في أي وقت عند الشافعي وأحمد وبعض الحنفيين , لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة وصححه الترمذي (¬4) {136} ¬

(¬1) ص 40 ج 2 مجتبي (القراءة في ركعتي الطواف) (¬2) ص 315 ج 3 فتح الباري (صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين). (¬3) انظر المراجع بهامش 3 ص 333 ج 2 ـ الدين الخالص (ترك السترة) و (سبعه) بفتح فسكون أو بضمتين , أي لما فرغ من أشواط الطواف السبعه (¬4) انظر رقم 167 ص 231 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف بعد العصر) وباقي المراجع بهامش 2 ص 222 منه.

(وقال) أبو حنيفة ومالك: لا تصلى في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها , لما روي حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن عبد القارى أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس فركب حتى أناخ راحلته بذي طوى فصلى ركعتين. أخرجه مالك بسند على شرط الشيخين (¬1) {42} «وعن عطاء» أن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين. أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن {43} (وأجاب) الأولون عن هذين الأثرين بأنهما لا يعارضان حديث جبير المرفوع الصحيح. مسائل - (الأولى) إذا قلنا صلاة الطواف واجبة فلا تجوز من قعود مع القدرة على القيام على الأصح كسائر الواجبات. وقيل تجوز كما يجوز الطواف راكباً ومحمولا مع القدرة على المشي. وعلى أنها سنة يجوز فعلها قاعداً كسائر النوافل (¬2) ويجهر فيها ليلاً ويسر نهاراً. (الثانية) تطلب الصلاة عقب كل طواف. فأن طاف أكثر من طواف ثم صلى لكل طواف ركعتين جاز ولكنه ترك الأفضل عند الشافعي وأحمد. وكرهه الحنفيون ومالك , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله. ¬

(¬1) ص 213 ج 2 زرقانى الموطإ (الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف). (والقاري) بشد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة. و (ذو طوي) مثلث الطاء موضع قريب من مكة به آبار تعريف بآبار الزاهر. (¬2) ص 52 ج 8 شرح المذهب.

(الثالثة) تمتاز هذه الصلاة بأنها تدخلها النيابة فأن النائب في الحج يصلها وتقع عن المحجوج عنه على الأصح لأنها من أعمال الحج. (الرابعة) إذا حج الصبي فأن كان مميزاً طاف بنفسه وصلى ركعتيه وأن كان غير مميز طاف به وليه وصلى ركعتي الطواف وتع عن الصبي على الأصح تبعاً للطواف (¬1). (الخامسة) يستحب الدعاء عقب صلاة الطواف خلف المقام بما أحب من أمر الآخرة والدنيا. ويستحب أن يدعو بما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف المقام ركعتين ثم قال: اللهم هذا بلدك والمسح\جد الحرام وبيتك الحرام وأنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة. وهذا مقام والعائذ بك من النار فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم. اللهم أنك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت طالباً رحمتك مبتغياً مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لي وارحمني أنك على كل شئ قدير. ذكره صاحب الحاوي (¬2). (3) سنن الطواف - للطواف سنن المذكور منها هنا ثلاث عشرة: - (1) الاضطباع - وهو جعل الناسك وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر. وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعاً وعليه برد أخضر. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي البيهقي والترمذي وصححه (¬3) {137} ¬

(¬1) ص 54 ج 8 شرح المذهب. (¬2) ص 55 منه (¬3) أنظر رقم 157 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب (الاضطباع في الطواف) وباقي المراجع بهامش 1 ص 217 منه.

« وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عوأنقهم اليسرى. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {138} شرع الاضطباع لأنه يعين على الرمل في الطواف. (وقال) مالك: لا يستحب لأنه لا يعرف ولم ير أحداً يفعله (ورد) لثبوته بالأحاديث الصحيحة الكثيرة. وقد اتفقت النصوص على استحبابه وتعلى أنه يسن في طواف العمرة وطواف واحد في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة. ولا يسن في صلاة الطواف ولا للمرآة اتفاقاً لأن حالها مبنى على الستر. (2) الرمل بفتحتين. وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطأ وتحريك المنكبين. ويسن في الأشواط الثلاثة الأول إجماعاً ويمشى في الباقي على رسله بسكينة ووقار «لقول» ابن عمر رضي الله عنهما: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثاً ومشى أربعاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي (¬2). {139} شرع لإظهار القوة والنشاط. ولا يسن إلا في طواف العمرة وفي طواف يعقبه سعى في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة ولا يشرع تداركه: فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة الباقية لأن هيئتها السكينة ¬

(¬1) أنظر رقم 158 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب , وباقي المراجع بهامش 2 ص 219 منه (¬2) ص 18 ج 12 ـ الفتح الرباني. وص 7 ج 9 نووي مسلم (استحباب الرمل في الطواف.) وص 38 ج 2 مجتبي (كم بمشي) وص 115 ج 2 سنن ابن ماجه (الرمل حول البيت) وص 83 ج 5 سنن البيهقي.

والتمهل (ولا يشرع) للنساء , لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء سعي بالبيت (أي رمل) ولا بين الصفا والمروة. أخرجه البيهقي (¬1) {44} (3 و 4 و 5) ويسن في بدء الطواف استقبال الحجر الأسود مهللاً مكبراً اتفاقاً رافعاً يديه كالصلاة عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لقول ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر وأستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً فالتفت فإذا عمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تسكب العبرات. أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي (¬2). {140} «وعن عمر» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر أنك رجل قوى لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف أن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله فهلل وكبر. أخرجه الشافعي وأحمد. وفيه رأوا لم يسم (¬3). {141} «وعن طلحة» بن مصرف عن إبراهيم النخعي قال: ترفع الأيدي في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة , وفي التكبير للقنوت في التوتر , وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند الجمرتين. أخرجه الطلحاوي (¬4). {45} «وكان» مالك رحمه الله لا يرى رفع اليدين , لقول المهاجر المكي. ¬

(¬1) ص 84 ج 5 سنن البيهقى (لا رمل على النساء). (¬2) ص 454 ج 1 مستدرك (¬3) ص 43 ج 2 بدائع المنن. وص 34 ج 12 ـ الفتح الرباني (¬4) ص 391 ج 1 شرح معاني الآثار (رفع اليدين عند رؤية البيت) والمراد بالجمرتين الصغرى والوسطي.

سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود وقد حججنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يكن يفعله. أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي فلم يكن يفعله. أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي (¬1) {142} (وأجاب) عنه الأولون بأنه فيا لرفع عند رؤية البيت. وما روينا في الرفع عند استلا الحجر. (6 و 7) ويسن استلام الحجر الأسود بوضع يديه عليه وتقبيله بلا صوت أن استطاع بلا إيذاء وإلا مسه بشيء كيداً أو عود وقبله أو أشار إلى الحجر بنحو عصا مكبرا مهللا حامداً الله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم , لقول الزبير بن عربي: سألت بن عمر رضي الله عنهما عن الحجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. فقلت أرأيت أن زحمت عليه أو غلبت عليه فقال ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود الطيالسي. وهذا لفظه (¬2) {143} وظاهرة أن ابن عمر لم ير الزحام عذراً في ترك الاستلام. وهو محمول على ما إذا لم يؤد الاستلام حينئذٍ إلى إيذاء وإلا اكتفي بما يتيس كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه (¬3) «وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكب على الركن فقال: أني لأعلم أنك حجر ¬

(¬1) أنظر رقم 144 ص 200 ج 1 تكملة المنهل المذهب (رفع اليدين إذا رأي البيت) وباقي المراجع بهامش 2 , 3 , 4 , 6 ص 202 منه. (¬2) ص 33 ج 12 الفتح الرباني. وص 309 ج 3 فتح الباري (تقبيل الحجر) وص 39 ج 2 مجتبي (العلة في سعي النبي الله عليه وسلم بالبيت) وص 254 مسند الطيالسي (الزبير ابن العربي عن ابن عمر .. ). (¬3) انظر الحديث رقم 141 ص 113.

ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك وأستلمك ما أسلمتك ولا قبلتك , لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي بألفاظ مختلفة. وهذا لفظ أحمد. وأخرج السبعة نحوه عن عباس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {144} وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه , لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشى عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية. فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. قاله الطبري (¬2). «وقال» نافع: رأيت ابن عمر استلم الحج بيده ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. أخرجه مسلم (¬3) {145} والأحاديث في هذا كثيرة صريحة في مشروعية استلام وتقبيل الحجر الأسود دون غيره. وحكمة ذلك أنه لما جعل مبدأ للطواف منعاً لاضطراب ¬

(¬1) ص 33 ج 12 ـ الفتح الرباني. وص 38 ج 2 مجتبي (كيف يقبل) وص 74 ج 5 سنن البيهقي. وانظر رقم 147 ص 205 ج 1 تكملة المنهل العذب (تقبيل الجمر) وباقي المراجع بهامش 4 ص 207 منه. (لا تضر ولا نفع) أي إلإ بإذن الله تعالي. وقد ورد أنه ينفع من استلمه بالشهادة له يوم القيامة بإذن الله تعالي «روي» ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق. أخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن ماجه والترمذي وحسنه. انظر المراجع بهامش 1 ص 206 ج 1 تكملة المنهل العذب. (¬2) ص 300 ج 3 فتح الباري. الشرح (ما ذكر في الحجر الأسود). (¬3) ص 15 ج 9 نووي مسلم (استلام الركنين اليمانيين .. ).

الطائفين استحق أن يكرم ويقبل (وخص) بهذا لما ثبت من فضله. وقد اتفق العلماء على أن هذا للرجال دون النساء. (8) ويسن أيضاً وضع الخد على الحجر الأسود , لقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن يعني الأسود ويضع خده عليه. أخرجه أبو يعلي. وفي سنده عب الله بن مسلم بن هرمز. وهو ضعيف (¬1) {146} «وقال» سويد بن غفلة: رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بك حفيا. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (¬2) {147} وجه الدلالة أن وضع الخد من معاني الالتزام. فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عاليه. وبهذا قال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور. وقال: مالك وضع الجبهة عليه بدعة. قال عياض: وقد شذ في هذا عن العلماء (¬3). (9) ويسن الدعاء عند استلام الحجر بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة , وبالمأثور أفضل (ومنه) ما روي الحارث عن على رضي الله عنه أنه كان يقول إذا استلم الحجر: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي والطبراني في الأوسط , والحارث ضعيف وقد وثق. وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند ¬

(¬1) ص 241 ج 3 مجمع الزوائد (الطواف والرمل والاستلام). (¬2) ص 17 ج 9 نووي مسلم (تقبيل الحجر الأسود) وص 74 ج 5 سنن البيهقي. و (حفيا) أي معتنيا. (¬3) ص 16 ج 9 نووي شرح مسلم.

رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر (¬1) {46} (10) ويسن استلام الركن اليماني لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمها في شدة ولا في رخاء. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (¬2) {148} «وقال» ابن عمر: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين. أخرجه الطحاوي والسبعة إلا الترمذي (¬3) {149} والمراد باليمانيين الركن الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني. واقتصر صلى الله عليه وسلم على استلامها , لأن ركن الحجر الأسود فيه فضيلتان كونه على قواعد إبراهيم ووجود الحجر فيه. فلذا يستلم ويقبل. وفي الركن اليماني فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم. ولذا يستلم فقط , وأما الركنان الآخران فليس فيهما شئ من ذلك فلذا لا يستلمان ولا يقبلان. (11) ويسن الدعاء والذكر في الطواف بالوارد (ومنه) (أ) ما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي البيت فيستلم الحجر ويقول: باسم الله والله أكبر. أخرجه أحمد من حديث طويل (¬4) {150} ¬

(¬1) ص 79 ج 5 سنن البيهقي (ما يقال عند استلام الركن) وص 240 ج 3 مجمع الزوائد. (¬2) ص 15 ج 9 نووي مسلم (استلام الركنين اليمانيين) وص 39 ج 2 مجتبي. وص 76 ج 5 سنن البيهقي. (¬3) انظر رقم 148 ص 207 ج 1 تكملة المذهل العذب. و (اليمانيين) بتخفيف الياء المثناه التحتية على المشهور , لأن الألف عوض من ياء النسبة. (¬4) ص 67 ج 12 ـ الفتح الرباني.

(ب) ما في حديث سعيد بن جبير قال. كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو به بين الركنين: رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل عائبة لي بخير. أخرجه الحاكم بسند صحيح (¬1) {151} «وقال» أبو العباس الأصم: أنبأنا الربيع قال: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب كلما حاذي به (يعني بالحجر الأسود) أن يكبر وأن يقول في رمله: اللهم اجعله حجا مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً. ويقول في الأطواف الأربعة: اللهم اغفر وارحم , واعف عما تعلم , وأنت الأعز الأكرم. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أخرجه البيهقي (¬2). {47} هذا. ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف عند الحنفيين والشافعي وهو مشهور مذهب أحمد , لقول عبد الله بن السائب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بين الركن اليماني والحجر: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أخرجه الشافعي وأحمد البيهقي. وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححاه (¬3) {152} وعن مالك وأحمد أنه يكره قراءة القرآن في الطواف. وهو مردود بالحديث (ويستحب) أن يدع الحديث في الطواف إلا بذكر أو قراءة ¬

(¬1) ص 455 ج 1 مستدرك (واخلف على .. ) أي اجعل لي عوضا حاضرا عما غاب على وفات أو مالا أتمكن من إدراكه. (¬2) ص 84 ج 5 سنن البيهقي (القول في الطواف) وباقي المراجع بهامش 1 ص 230 منه. (¬3) ص 46 ج 2 كشف الخفاء. وص 459 ج 1 مستدرك. وص 85 ج 5 سنن البيهقي (إقلام الكلام بغير ذكر الله في الطواف).

أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو مالا بدمنه , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير. أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي (¬1). {153} (12) ويسن للطائف الدنو من الكعبة إجماعاً لأن القرب من البيت في الصلاة أفضل فكذا فيا لطواف وهذا بشرط ألا يؤذي ولا يتأذي للزحمة. فأن تأذي أو آذى بالقرب فالبعد أولى. وهذا في حق الرجل , أما المرأة فيستحب لها ألا تدنو من الكعبة حال طواف الرجال بل تكون في حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال. (ويستحب) لها أن تطوف ليلا فأنه أصون لها ولغيرها؛ فأن كان المطاف خالياً من الرجال استحب لها القرب من الكعبة كالرجل. وأصله حديث ابن جريح قال: أخبرني عطاء - إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال - قال: كيف تمنعهن وقد طاف نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: لقد أدركته بعد الحجاب: قلت كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطن. كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة: أنطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت: عنك وأبت فكن يخرجن متنكراتٍ بالليل فيطفن مع الرجال (الحديث) أخرجه البخاري والبيهقي (¬2) {154} ¬

(¬1) ص 311 ج 3 فتح الباري (طواف النساء مع الرجال) وص 78 ج 5 عبد الملك و (حجرة) بفتح فسكون أي ناحية من الناس معتزلة. (¬2) ص 38 ج 8 شرح المذهب.

فقد دل على طواف النساء ليلا متنكرات. هذا. وأن تعذر الرجل القرب من الكعبة مع الرمل للزحمة فأن رجا فرجة استحب أن ينتظرها ليرمل أن لم يؤذ بوقوفه أحداً وأن لم يرجها فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل من القرب بلا رمل (¬1). (13) وليس للطائف أن يكون خاشعاً خاضعاً متذللاً حاضر القلب ملازم الأدب ظاهراً وباطناً ملاحظاً أن الطواف صلاة فيتأدب بآدابها مستشعراً بقلبه عظمة من يطوف بيته (¬2). (4) مكروهات الطواف - يكره في الطواف أمور المذكور منها هنا ستة عشر: (1) ترك سنة من سنته , كالرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء ولا يلزمه لترك ما ذكر دم. (2) وتكره المبالغة في الإسراع في الرمل , بل يرمل على العادة. (3 و 4) ويكره الأكل والشرب في الطواف وكراهة الشرب أخف (وقال) الشافعي: لا بأس بشرب الماء في الطواف , وتركه أحب , لما روي ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء فيا لطواف. أخرجه البيهقي والحاكم وصححه {155} (5) ويكره للطائف وضع يده على فيه كما في الصلاة إلا أن يحتاج إليه أو يتثاءب فيضع يديه على فيه , لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي ¬

(¬1) ص 46 منه. (¬2) ص 85 ج 4 سنن البيهقي (الشرب في الطواف) وص 460 ج 1 مستدرك

صلى الله عليه وسلم قال: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فأن الشيطان يدخل. أخرجه مسلم (¬1) {156} (6 - 11) ويكره للطائف أن يشبك أصابعه أو يفرقع بها وأن يطوف وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح , أو وهو شديد التوقان إلى الأكل وما في معنى ذلك كما تكره الصلاة في هذه الأحوال (¬2). (12) ويكره في الطواف الكلام بغير ذكر الله تعالى ولو تلبية. (13 - 16) ويكره فيه أنشاد الشعر إلا ما قل. وبيع وشراء وطواف شخص عن غيره قبل أن يطوف عن نفسه (¬3). (4) أنواع الطواف - الطواف أربعة أقسام (الأول) طواف الركن وقد تقدم بيانه (¬4). (الثاني) طواف القدوم ويسمى طواف التحية , وطواف اللقاء. وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لأنه تحية الكعبة فلا يجب كتحية المسجد. و «تقدم» أن عائشة رضي الله عنها قالت: أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت أخرجه الشيخان والبيهقي (¬5). دل الحديث على أن تحية المسجد الحرام الطواف فيطلب ممن دخله ولو غير محرم الابتداء بالطواف إلا أن دخل في وقت منع الناس فيه من الطواف أو كان عليه فائتة أو خاف فوت المكتوبة أو التوتر أو سنة الراتبة. أو الجماعة , فيقدم ما ذكر على الطواف ثم يطوف. (وقال) مالك وبعض الشافعية: طواف القدوم واجب على من قدم ¬

(¬1) ص 122 ج 18 نووي مسلم (تشميت العاطس وكراهة التثاؤب). (¬2) ص 46 ج 8 شرح المذهب. (¬3) ص 719 ج 1 ـ الفجر المنير (¬4) انظر ص 91 وما بعدها (¬5) تقدم رقم 126 ص 102

مكة محرماً بالحج من الحل ولو مقيما بمكة ثم خرج إليه. وهو الحق , لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت «وعن جابر» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذوا مناسككم. فأني لا أدري لعلى لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي. وساقه البيهقي أيضاً بلفظ: خذوا عني مناسككم لعلى لا أراكم بعد عامي هذا (¬1). {157} وهذا يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه دليل. وأما من أحرم بعمرة أو بحج من الحرم , فليس عليه طواف قدوم ولا دم كما لا يجب على ناس وحائض ونفساء ومغمي عليه ومجنون حيث بقى عذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بالقدوم , وكذا لا قدوم على من زاحمه الوقت وضاق عليه بحيث يخشى بالتشاغل به فوات الحج (¬2) هذا , ويطلب في طواف القدوم ما يطلب في طواف الركن من شروط وواجبات وسنن , ومنها الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كما تقدم. (الثالث) طواف الوداع - بفتح الواو ويسمى طواف الصدر بفتحتين وطواف آخر عهد بالبيت. وهو الطواف عند إرادة السفر من مكة. وهو واجب لغير الحائض والمكي - وهو من كان مقيما داخل المواقيت - عند الحنفيين والشافعي وأحمد. فلا يجب على من كان داخلها ولا على الحائض. ¬

(¬1) انظر رقم 234 ص 123 ج 2 تكملة المنهل العذب (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 124 منه. وانظر ص 125 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر) (¬2) ص 720 ج 1 ـ الفجر المنير

ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت , إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. أخرجه الشيخان (¬1) {158} وقال مالك طواف الوداع سنة لا شئ في تركه وهو قول للشافعي لأنه لو كان واجباً لما خفف عن الحائض (ورد) بأن التخفيف دليل الإيجاب على غيرها. فالحق أنه واجب. ولطواف الوداع وقتان. (1) وقت استحباب وهو عند إرادة السفر. (2) ووقت جواز وأوله بعد طواف الزيارة إذا كان عازماً على السفر. فلو طاف له ثم أطال الإقامة بمكة بلا نية الإقامة لا يلزمه إعادته عند الحنفيين ولا آخر له ما دام بمكة. فلو طاف في أي وقت وقع أداءً. ولو سافر ولم يطفه لزمه الرجوع لطوافه ما لم يجاوز الميقات. فأن جاوزه فله أن يمضي وعليه دم , وهو أفضل , وله أن يرجع محرماً بعمرة , فإذا فرغ منها طاف للوداع ولا شئ عليه بتأخيره عند الحنفيين. وقال غيرهم شرط الاعتداء بطواف الوداع ألا يقيم بعده فوق ساعة فلكية وإلا أعاده , ومن سافر ولم يطفه رجع أن كان قريباً بأن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر وإلا أرسل دما عند من يرى وجوبه , وكذا من لم يمكنه الرجوع لعذر. ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لا يلزمه أكثر من دم. فائدة: ليس على المعتمر طواف الوداع , لأنه لم يرد إلا في الحج وقال الثوري: يجب على المعتمر أيضاً (¬2). ¬

(¬1) ص 379 ج 3 فتح الباري (طواف الوداع) وص 79 ج 9 نووي مسلم. و (أمر) مبني للمفعول والآمر النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث موفوع. (¬2) ص 306 ج 2 سبل السلام.

(الرابع) طواف التطوع. وهو سنة , فينبغي للناسك أن يغنتم مدة إقامته بمكة ويكثر الاعتمار والطواف والصلاة بالمسجد الحرام (¬1). (6) مسائل - (الأولى) من كان عليه طواف الركن فنوى غيره عن نفسه أو عن غيره تطوعا أو وداعا أو قدوما وقع عن طواف الركن كما لو أحرم بتطوع الحج أو العمرة وعليه فرضهما فأنه ينعقد عن الفرض. ولو نذر أن يطوف فطاف عن غيره , فأن كان زمان النذر معيناً لم يجز أن يطوف فيه عن غيره اتفاقا. وأن كان غير معين أو معيناً وطاف في غيره قبل أن يطوف للنذر لا يجوز أن يطوف عن غيره على الصحيح كطواف الإفاضة (¬2). (الثانية) لو طاف المحرم وهو لابس المخيط ونحوه صح طوافه وعليه الفدية , لأن تحريم اللبس لا يختص بالطواف فلا يمنع صحته. (الثالثة) إذا حاضت المرأة ولم تنك طافت للإفاضة لزم من معها من محرم أو زوج أو أجير الإقامة معها مدة اكثر الحيض وزيادة ثلاثة أيام عند مالك (وقال) الشافعي: لا يلزم الأجير الانتظار. (7) بدع الطواف - تقدم بيان ما ينبغي أن يتحلى به الطائف من صالح الأعمال , وجميل الخصال التي يرجى لمن أتى بها على وجهها الرضا والقبول , ولكن الشيطان العدو اللدود لبني الإنسان , حسن لهم بدعا ارتكبوها في الطواف منها. (1) التمسح بحيطان الكعبة غير الحجر الأسود والركن اليماني اللذين شرع استلامهما دون غيرهما. ¬

(¬1) ص 207 ج 8 شرح المذهب (ويكثر الاعتمار) أي الإتيان بعمرة يحرم بها من الحل. فإن تكريرها في السنة مشروع كما يأتي (¬2) ص 55 ج ى 8 شرح المذهب

(2) ومنها تقبيل غير الحجر الأسود , والتمسح بمقام سيدنا إبراهيم وتقبيله والطواف حوله. (3) ومنها ما ابتدع المطوفون من تلقينهم الحجاج في الطواف وغيره أدعية مخترعة بأصوات مرتفعة تشوش على الطائفين والمصلين. (4) ومنها اختلاط الرجال والنساء بشكل مريع في الطواف وغيره بحال يخجل منه وجه الحياء. فترى صفوف النساء أمام صفوف الرجال وكم حدث من تهتك وفتن. وهناك عند الحجر الأسود ترى الموت الأحمر من مزاحمة الرجال للنساء. والشرطة واقفون على يمين الحجر وشماله , لا لإبعاد النساء عن الرجال بل لتمكين من يعطيهم النقود من استلام الحجر وإلا دفع عنيفاً. وكذلك يكون الأمر في المشاهد الكريمة بمكة والمدينة إن أعطى الشرطة منها رضوا بكل منكر يفعل وإلا فهم الساخطون المنكرون. (5) ومن البدع المستقبحة خروج المودع إلى الوراء مستقبلا البيت ماشياً إلى الخلف , فهو مكروه لعدم الورود , بل يخرج وظهره إلى البيت. والأدب والتعظيم بالقلب. والله تعالى ولي الهداية والتوفيق. فظائع المطوفين - من المطوفين من كل همهم جمع المال بأي طريق كان ويعاملون الحجاج معاملة شاذة ويرون أن مالهم غنيمة مباحة يوحون إلى أوليائهم بجدة ومكة بتحصيل ضرائب من الحجاج فادحة وإلا لاقوا في الوصول إلى مصالحهم المرين. وأفظع من هذا حملهم الحجاج على دفع أثمان الدماء الواجبة أو الأضاحي لم يزعم أنهم أدوى بالثمن وأعرف بالمستحقين. واليقين انهم لهت آكلون وإذا لم يأخذوا من الحجاج أثمانهم استولوا في المذبح على الذبائح وباعوها أو فرقوها على معارفهم وأحبابهم ومن العجيب أنهم لا يتورعون عن الاختلاط الشائن بالسيدات والبنات.

فترى أحدهم متأبطا امرأة يجرى بها حول الكعبة أو في المسعى أو عند الجمرات. وهناك يكون المس والاحتكاك ويبلغ الشيطان مناه. والأفظع والأدهى استمرارهم على لهوهم حتى وقت الآذان وأقام الصلاة مع الإمام فترى المقاهي بهم عامرة والطرقات غاصة والمنازل مزدحمة. وهذا قليل من كثير. فليكن الحاج على حذر منهم وعلى بينة من أمره ومعرفة بالمناسك حتى يؤديها على الوجه المرضى. ولعل الحكومة السعودية تعد لمن يرغب في التطويف دراسة خاصة يعقبها اختبار ومن تحين حاله يعطي إجازة بعمله. (9) ما بعد الطواف - وبعد الطواف يصلى ركعتيه على ما تقدم بيانه ثم يأتي زمزم (¬1) ويشرب من مائها ويستحب ان يكثر منه وأن ينوي بشربه ما يريد من أمور الآخرة والدنيا وأن يستقبل القبلة ويسمى ويسرب ثلاثاً يقول في كل مرة: اللهم إني أسألك علماً نافعاً وقلبا خاشعا ونوراً ساطعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء. ثم يقول: اللهم غني أشربه لتغفر لي اللهم اغفر لي. أو اللهم إني أشربه مستشفياً به اللهم فاشفني ونحو هذا؛ فإذا فرغ حمد الله تعالى. وقد جاء في هذا أحاديث (منها) حديث محمد بن حبيب الجارودي ثنا سفيان بن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له فإن شربته تستشفي به شفاك الله. وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله. وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه. قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ¬

(¬1) زمزم يئر في المسجد الحرام شرقي الحجر الأسود بينها وبين الكعبة 28,5 نصف متر وثمانية وعشرون مترا سميت زمزم لكثرة مائها , وقبل لضم هاجر رضي الله عنها ماءها حين أنفجر وزمها إياه. انظر رسم 3 ص 105.

وشفاء من كل داء. أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجاوردي (¬1) {159} « وحديث» محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجال فقال من أين جئت؟ قال من زمزم فقال أشربت منها كما ينبغي؟ فقال وكيف؟ قال إذا شربت منها فاستقبل القبلة ثم اذكر اسم الله وتنفس ثلاثاً وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله تعالى فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم. أخرجه ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات (¬2). {160} (10) الوقوف بالملتزم - الملتزم بضم الميم وفتح الزاي ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة. يستحب للناسك بعد طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيضع صدره وبطه وخده الأيمن على حائط البيت ويبسط يديه على الجدار جاعلاً يده اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود متعلقاً بأستار الكعبة ويدعوا بما أحب من خيرى الدنيا والآخرة متحسراً على فراق البيت , لحديث المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله بن عمرو فلما فرغنا من السبع وكنا في دبر الكعبة فقلت ألا تتعوذ بالله من النار؟ قال نعوذ بالله من النار. ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطا وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) ص 374 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 129 ج 2 سنن ابن ماجه (الشرب من زمزم) وص 147 ج 5 سنن البيهقي (ولا يتضلعون) أى يشبعون من ماء زمزم من تضلع امتلأ شبعا أو ريا.

وسلم يفعله. أخرجه أبو داود والبيهقي وابن ماجه والمثني ضعيف (¬1) {161} « وعن ابن عباس» رضي الله عنهما أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ويقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه. أخرجه البيهقي بسند ضعيف (¬2) {48} والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. فائدتان: (الأولى) ذكرا لحسن البصري في رسالته لأهل مكة أن الدعاء يستحب في خمسة عشر موضوعا: في الطواف وعند الملتزم , وتحت الميزان , وفي البيت «الكعبة» وعند زمزم , وعلى الصفا والمروة , وفي المسعى , وخلف المقام. وفي عرفات وفي المزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث (¬3) فينبغي الحرص على الدعاء في هذه المواضع بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ومنه: اتللهم وفق ولاة الأمور في بلاد الإسلام لإزالة المنكرات والمخالفات وإقامة الحدود والعمل [أحكام التنزيل. اللهم لا تجعل لكافر على مسلم ولاية وطهر البلاد من أهل الشرور والفساد. ووفق المؤمنين للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل والوقوف عند الحدود الشرعية والإخلاص لله الواحد المعبود. وصلى الله على النبي وعلى آله. (الثانية) لا باس بنقل ماء زمزم إلى غير مكة , لحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن ¬

(¬1) انظر رقم 172 ص 240 ج 1 تكملة المنهل العذب (الملتزم) وباقي المراجع بهامش 1 ص 242 منه. (¬2) ص 164 ج 5 سنن البيهقي (الوقوف في الملتزم). (¬3) ص 261 ج 8 شرح المذهب.

(د) السعي بين الصفا والمروة

غريب والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد «ورد» بأن في سنده خلاد بن يزيد قال البخاري لا يتابع على حديثه. وأخرجه البيهقي من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن العلاء أبو كريب ثنا خلاد بن يزيد (السند) وقال: ورواه غيره عن أبي كريب وزاد فيه: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم (¬1) {162} (د) السعي بين الصفا والمروة (¬2) السعي بينهما سبعة أشواط - البدء مرة والعود أخرى - هو الركن الرابع للحج لا يصح إلا به ولا يجبر بدم ولا غيره عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد (وقال) الحنفيون: السعي واجب يجبر بدم. وهو الصحيح عن أحمد , لحديث حبيبة بنت أبي تجراه قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه ¬

(¬1) ص 123 ج 2 تحفة الأحوذي (حمل ماء زمزم) وص 485 ج 1 مستدرك. وص 202 ج 5 سنن البيهقي (الخروج بماء زمزم). و (الأداوى) كفتاوي جمع إداوة بكسر الهمزة , المطهرة. (¬2) (الصفا) في الأصل جمع صفاه وهي الحجر العريض الأملس. المراد به هنا مكان عال في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا. وهو شبيه بالمصلي طوله ستة أمتار وعرضه ثلاثة وارتفاعه نحو مترين يصعد إليه بأربع درجات (والمروة) =

وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي. أخرجه الشافعي وأحمد والدارقطني والبيهقي. وفي يوجد رسم سنده عبد الله بن المؤمل. وثقه ابن حبان

¬

في الأصل واحد المروة. وهي الحجارة البيض. والمراد به هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان في الشمال الشرقي للمسجد الحرام قرب باب السلام. وهو شبيه بالمصلي. وطوله أربعة أمتار في عرض مترين وارتفاعه نحو مترين. يصعد إليه بخمس درجات. والشارع الذي بين الصف والمروه هو المسعى. وسيأتي وصفه إن شاء الله تعالي. وقد أدخل في المسجد الحرام بمقتضى التوسعة السعودية سنة 1375 هـ. (انظر رسم ص 130 ورسم 5 ص 131)

وقال: يخطئ وضعفه غيره (¬1) {163} قال ابن المنذر: أن ثبت فهو حجة في الوجوب (ويقويه) حديث صفيه بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: كتب عليكم السعي فتسعوا. أخرجه أحمد. وفي سنده موسى بن عبيده وهو ضعيف. قاله الهيثمى (¬2) {164} أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسعي. والأمر للفريضة عند المالك والشافعي «وقال» الحنفيون: هو ظني فلا يفيد إلا الوجوب وهو الصحيح عند أحمد. «وقال» الترمذى: وأختلف أهل العلم فيمن لم يطف بين الصفا والمروة حتى رجع. فقال البعض: أن لم يطف بينهما حتى خرج من مكة فأن ذكر وهو قريب منها رجع فطاف بينهما وأن لم يذكر حتى أتى بلادة أجزأه وعليه دم. وهو قال الثوري. وقال بعضهم: لا يجزئه وهو قال الشافعي لأن الطواف بينهما ركن لا يجوز الحج إلا به (¬3) ثم الكلام ينحصر في ستة مباحث. (1) ـ شروط السعي ـ يشترط لصحة السعي خمسة شروط: (الأول) كونه بعد طواف ولو تطوعا. وهو شرط عند مالك والشافعي وأحمد. واختاره صاحب اللباب من الحنفيين. والأصح عندهم أنه واجب ¬

(¬1) ص 49 ج 2 بدائع المنن. وص 77 ج 12 - الفتح الرباني. وص 270 سنن الدارقطني. وص 98 ج 5 سنن البيهقي (السعي بين الصفا والمروة) و (تجراه) بكسر التاء أو فتحها فسكون الجيم فراء مهملة. والضمير في (يدور به) يرجع إلى الركعتين , أي تدور إزاره بركبتيه. (¬2) ص 247 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء في السعي) ولعل المرأة هي حبيبة التي في الحديث الأول. (¬3) ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي (يبدأها بالصفا قبل المروة).

لقول أبى هريرة رضى الله عنه ـ في قصة فتح مكة ـ: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يكر الله عز وجل ودعا بما يشاء أن يدعو. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {165} فإن لم يتقدمه طواف بطل عند الثلاثة. ولزم فيه دم عند الحنفيين. (الثاني) البدء في السعي بالصفا والختم بالمروة. وهو شرط عند مالك والشافعي وأحمد. واختاره صاحب اللباب من الحنفيين والأصح عندهم أنه واجب , وأنه واجب لحديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا رمل ثلاثا والمروة ومشي أربعا ثم قرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن ثم خرج فقال: أن الصفا من شعائر الله. فابدءوا بما بدأ الله به. أخرجه النسائي والدارقطني من عدة طرق. وصححه ابن حزم (¬2). {166} قال الترمذي: والعمل علي هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروه. فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا (¬3) (الثالث) قطع كل ما بين الصفا والمروة. فلو بقى منها بعض خطوة لم يصح سعيه حتى لو كان راكبا اشترط أن يسير دابته حتى تضع حافرها على الجبل أو إليه. ويجب على الماشي أن يلصق ـ في الابتداء ¬

(¬1) انظر رقم 146 ص 203 ج 1 تكملة المنهل العذب (رفع اليدين إذا رأى البيت) وص 93 ج 5 سنن البيهقي (الخروج إلى الصفا والمروة). (¬2) ص 40 ج 2 مجتبي (القول بعد ركعتي الطواف) وص 270 سنن الدارقطني. (¬3) ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي (يبدأ بالصفا قبل المروة).

والانتهاء ـ رجلة بالجبل بحيث لا يبقى بينهما فرجة عند الشافعي (¬1) ويجب على الماشي أن يلصق ـ في الابتداء (وقال) غيره: لا يطلب إلصاق العقب بالصفا والمروة , لأنه تنطع وتشديد وإنما المراعى في ذلك الشأن والعادة (¬2) (الرابع) كون السعي في المسعى (¬3) فلا يجوز السعي في غير موضعه لأنه مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف. وموضع السعي بطن الوادي. فأن التوي شيئا يسيرا أجزأه وأن عدل حتى دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا (¬4) (الخامس) موالاة السعي بلا تفريق كثير عند مالك ورواية عن أحمد. فأن جلس خفيفا بين أشواطه للراحة أجزاه. وأن طال أو فعل ذلك عبثا ابتدأه. ولا يبيع ولا يشتري ولا يقف مع أحد يحدثه. فأن فعل وكان خفيفا لا يضر. وأن طال بطل وأعاده ولا يقطعه لإقامة صلاة بالمسجد إلا أن ضاق وقتها فيصليها ويبني. وأن دافعه البول أو الغائط توضأ وابتدأ السعي أن طال الفصل. والكلام فيه أخف من الكلام في الطواف (¬5) (وقال) الحنفيون والشافعي والجمهور: الموالاة بين أشواط السعي سنة. وهو ظاهر مذهب أحمد. فلو تخلل فصل يسير أو طويل بينها ¬

(¬1) ص 69 ج 8 شرح المهذب. (¬2) ص 725 ج 1 الفجر المنير. (¬3) المسعى شارع عمومي بين الصفا والمروة. طوله نحو أربعمائة متر. من الصفا إلى الميل الأول 80 ثمانون مترا. وبين الميلين 70 سبعون مترا. وبعدهما إلى المروة نحو 250 خمسين ومائتي متر. وعرضه عشرون متراً. وقد بني في التوسعة السعودية من طابقين. وأقيم في وسط المسعى حاجز مرتفع قليلا جعله قسمين أحدهما للذهاب من الصفا والآخر للإياب من المروة (انظر رسم 4 ص 130 ورسم هـ ص 131) (¬4) ص 76 ج 8 شرح المهذب. (¬5) ص 724 ج 1 - الفجر المنير.

لم يضر. ولو أقيمت الصلاة وهو في أثناء السعي قطعه وصلاها ثم بنى عليه (¬1). (2) واجبات السعي - للسعي واجبات أخر. (منها) (1) المشي فيه مع القدرة عند الحنفيين ومالك. فلا يركب إلا لعذر لا يقدر معه على المشي أو لداع آخر كتعليم الناس. وعليه يحمل ما تقدم عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليًشرف وليسألوه فأن الناس غشوه (¬2). فلو سعى راكباً بلا عذر لزمه هدى. (وقال) الشافعي وأحمد: المشي في السعي سنة: لقول أبي الطفيل: قلت لابن عباس: حدثني عن الركوب بين الصفا والمروة , فأن قومك يزعمون أنه سنة. فقال: صدقوا وكذبوا. قلت: ما صدقوا وكذبوا ماذا؟ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرجوا حتى خرجت العواتق. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف وهو راكب ولو نزل لكان المشى أحب إليه. أخرجه أحمد وهذا لفظه. وأخرجه مسلم وأبو داود والبيهقي مطولا (¬3). {167} ¬

(¬1) ص 73 , 79 ج 8 شرح المهذب. (¬2) تقديم رقم 130 ص 170 (واجبات الحج). (¬3) ص 84 ج 12 - الفتح الرباني. وص 10 ج 9 نووي مسلم (الرمل في الطواف.) ورقم 159 ص 219 ج 1 تكملة المنهل العذب (في الرمل) وص 100 ج 5 سنن البيهقي. (وكذبوا ماذا) زاد أحمد في رواية فقال: صدقوا قد طاف بين الصفا والمروة على بعير. وكذبوا ليست بسنة (والعواتق) جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المراهقة. سميت بذلك لأنها عتقت من ابتذالها في الخروج والتصرف الذي تفعله الطفلة الصغيرة (ولا يضرب عنده أحد) أي كما يفعل بين يدي الملوك , لذلك ازدحموا عليه فركب صلى الله عليه وسلم دفعاً للزحام. ولولا شدة الزحام لنزل لأن المشي أحب إليه , فكيف يكون الركوب سنة. فهم كذبوا في قولهم: هذا سنة.

فلو سعى راكبا جاز ولكنه خلاف الأولى ولا دم عليه. ولو سعى به غيرة محمولا جاز , لكن الأولى سعيه بنفسه أن لم يكن صغيراً أو له عذر كمرض. (2) ويجب على من طلب منه طواف القدوم تقديم السعي على الوقوف بعرفة عند مالك وأحمد. وهو سنة عند الحنفيين وجابر عند الشافعية. (3) ويجب على من لم يطلب منه طواف قدوم تأخير السعي عن طواف الركن عند مالك وأحمد. وهو سنة عند الحنفيين وجائز عند الشافعية. (3) سنن السعي - وللسعي سنن أخرى المذكور منها هنا أربع عشرة: (1) يسن الخروج للسعي من باب الصفا. (2) وتسن الموالاة بين السعي والطواف عند الحنفيين ومالك وأحمد. فلو فرق بينهما ولو كثيراً جاز ولا دم عليه (وقالت) الشافعية: يجب عدم الفصل بينهما بالوقوف بعرفة. فأن تخللها الوقوف لم يجز السعي بعده قبل طواف الإفاضة بل يتعين حينئذ السعي بعد طواف الإفاضة. (3 - 6) ويسن الصعود على كل من الصفا والمروة , والذكر والدعاء عليهما بما أحب. والمأثور أفضل, لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. ويصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو. ويصنع على المروة مثل ذلك. أخرجه الإمامان النسائي والبيهقي (¬1) {168} ¬

(¬1) ص 217 ج 2 زرقاني الموطإ (البدء بالصفا في السعي) وص 85 ج 12 - الفتح الرباني. وص 41 ج 2 مجتبي (التكبير على الصفا) وص 93 ج 5 سنن البيهقي (الخروج إلى الصفا .. ).

(ويدعو) أي يدعو ثلاث مرات على المشهور عند الجمهور. قيل يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين (وقال) نافع: سمعت ابن عمر وهو على الصفا يدعو يقول: اللهم أنك قلت: أدعوني استجب لكم وأنك لا تخلف الميعاد. وأني أسألك كما هديتني للإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح على شرط الشيخين (¬1) {49} « وعن» نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا: اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك , وجنبنا حدودك. اللهم اجعلنا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين. اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين. اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأغفر لنا في الآخرة والأولى واجعلنا من أئمة المتقين. أخرجه البيهقي (¬2) {50} والمرأة في ذلك كالرجل عن لم تزاحم. (7 - 9) ويسن في السعي المشي على هينته من الصفا إلى الميل الأول - وهو عمود بجوار باب البغلة - ثم يرمل الرجل إلى الميل الثاني وهو بجوار باب على. ثم يمشي إلى المروة , لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا مشى حتى ذا أنصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه. أخرجه الإمامان والنسائي بسند جيد (¬3) {169} ¬

(¬1) ص 218 ج 2 زرقاني الموطإ (البدء بالصفا .. ) وص 94 ج 5 سنن البيهقي (الخروج إلى الصفا ... ) (¬2) ص 94 منه. (¬3) ص 221 ج 2 زرقاني الموطإ (جامع السعي) وص 80 ج 12 - الفتح الرباني. وص 42 ج 2 مجتبي (موضع المشي) و (انصبت قدماه) بشد الباء أي انحدرتا بسهولة. و (سعى) أي أسرع في المشي (حتى يخرج منه) أي من بطن الوادي فيمشي على العادة.

(10) ويسن الذكر والدعاء في السعي بما أحب. ومن المأثور: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. (11 , 12) ويسن للسعي الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة عند الأئمة الأربعة والجمهور. فلو سعى محدثا ولو حدثا أكبر أو متنجسا أو مكشوف العورة صح سعيه ولا دم عليه. لكن كشف العورة حرام. وكذا يحرم على الجنب والحائض , لأن المسعى ادخل في المسجد. (13) ويسن للناسك أن يتحرى لسعيه وطوافه وقت الخلوة وإذا ازدحم الناس لزمه التحرز من إيذائهم. ويستحب للمرأة أن تسعى ليلا لأنه أستر وأسلم لها ولغيرها من الفتنة. فأن طافت نهاراً اجاز وتسدل على وجهها ما يستره بلا مماسته البشرة (¬1). (14) ويسن عند الجمهور الاضطباع في كل السعي. (4) مكروهات السعي - يكره في السعي أمور منها. (1) ترك سنة من سننه. (2) ويكره صلاة ركعتين على المروة بعد السعي , لنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (3) ويكره تكرير السعي , لأنه لا يشرع في الحج إلا سعي واحد لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬2). {170} ¬

(¬1) انظر رقم 168 ص 233 ج 1 تكملة المنهل العذب (طواف القارن) وباقي المراجع بهامش 1 منه. والمراد بالطواف السعي لقوله تعالى «فلا جناح عليه أن يطوف بهما». (¬2) ص 75 ج 8 شرح المهذب.

(5) كيفية السعي - إذا طاف الناسك وصلى ركعتين وشرب من ماء زمزم واستلم الحجر , يستحب أن يخرج من باب الصفا برجله اليسرى قائلا: باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك , ثم يصعد على الصفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويكبر ويهلل ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بالمأثور , وبما احب من خيري الدنيا والآخرة كما تقدم (¬1) ثم ينزل من الصفا فيمشي على مهل قائلا: اللهم أحيني على سنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين. أخرجه البيهقي من قول ابن عمر (¬2). {51} فإذا وصل بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سعياً شديداً قائلا: رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم. أخرجه البيهقي من قول ابن مسعود وابن عمر (¬3) {52} ثم يمشي على مهل حتى يصل المروة فيرقى عليها ويفعل كما فعل على الصفا. وهذا شوط. ثم يعود من المروة إلى الصفا وهكذا حتى يكمل سبعة أشواط. وقد جاء في كيفية السعي أحاديث أجمعها حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر رضي الله عنه فذكر الحديث (في حج النبي صلى الله عليه وسلم) قال: ثم خرج من الباب إلى الصفا ثم قرأ «عن الصفا والمروة من شعائر الله» ثم قال: نبدأ بما بدأ الله به فرقى على الصفا حتى إذا نظر البيت كبر وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير , ¬

(¬1) انظر حديث رقم 168 ص 136 وأثرى رقم 49 , 50 ص 137. (¬2) ص 95 ج 5 سنن البيهقي (الخروج إلى الصفا والمروة.) (¬3) ص 95 ج 5 سنن البيهقي (الخروج إلى الصفا والمروة.)

لا إله إلا الله وحده أنجر وعده وصدق عبده وغلب الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام. ثم نزل حتى إذا نصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا حتى كان آخر الطواف على المروة (¬1). (6) أصل مشروعية الطواف والسعي - الطواف والسعي من مناسك الحج وشعائره من عهد سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام. وقد ثبت أن هاجر أم إسماعيل سعت بين الصفا والمروة سبعا عند حاجتها للمساء حتى هداها الله تعالى إلى زمزم. (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: أقبل إبراهيم بإسماعيل عليهما السلام وأمه وهي ترضه ومعها شنة حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاه فيه ماء , ثم قفي إبراهيم منطلقا , ثم قال: وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء , فلما نفد عطشت وعطش ولدها فجعلت تنظر إليه يتلوى , فانطلقت كراهة أن تنظر إليه , فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت عليه , ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها , ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها , ¬

(¬1) هذا بعض حديث جابر الطويل الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم) و (أنجز) أي وفي (وعده) بإظهار الدين (وصدق) بشد الدال (عبده) محمداً صلى الله عليه وسلم بتأييده بالمعجزات. وفي رواية أبي داود: ونصر عبده (وغلب الأحزاب وحده) أي هزمهم يوم الخندق بلا قتال من المسلمين , قال تعالى: فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها (ثم رجع إلى هذا الكلام) أي إلى الذكر حتى كرره والدعاء ثلاثاً.

فنظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبعا , فذلك سعى الناس بينهما سبعاً (الأثر) أخرجه البخاري (¬1) {53} وحكمة مشروعية الطواف والسعي , ما فيها من الأمر والطاعة وإحياء سنن المرسلين وتعظيم الشعائر التي أمر الله بتعظيمها «قالت» عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله. أخرجه أحمد وأبو داود والدارمي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2) {171} « وأما الرمل» فيهما والاضطباع فهما خاصان بهذه الأمة. والحكمة فيها إظهار نشاط المسلمين وقوتهم , «قال» ابن عباس رضي الله عنهما: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب , فقال المشركون: أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى. فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا: فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين. فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى وهنتهم هؤلاء أجلد منا. قال ابن عباس: فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬3). {172} ¬

(¬1) ص 203 ج 3 تيسير الوصول (قصة إبراهيم وإسماعيل وأمه.) و (شنة) بفتح فشد النون , أي قربة بالية صغيرة. و (الدوحة) الشجرة العظيمة. (¬2) انظر رقم 161 ص 226 ج 1 تكملة المنهل العذب (الرمل) وباقي المراجع بهامش 1 ص 227 منه. (¬3) ص 82 ج 5 سنن البيهقي (كيف كان بدو الرمل) وانظر رقم 160 ص 222 ج 1 تكملة المنهل العذب (الرمل) وباقي المراجع بهامش 1 ص 225 منه. و (يقدم) بفتح الدال من باب تعب (ويرمل) بضم الميم من باب طلب (والإبقاء) بكسر فسكون , الرفق.

(هـ) الحلق أو التقصير

(هـ) الحلق أو التقصير هو الركن الخامس من أركان الحج على الصحيح عند الشافعية. وقال غيرهم: هو واجب يجبر تركه بدم. والمراد بالحلق إزالة شعر الرأس بأي آلة أو بالنورة أو بالنتف أو الإحراق. والأفضل كونه بالموسى أن أمكن. وأن لم يمكن كالأقرع وجب إمرار الموسى على رأسه عند الحنفيين (وقال) غيرهم: يسن إمراره أن أمكن , لما روي عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في الأصلع: يمر الموسى على رأسه. أخرجه الدارقطني والبهيقي بسند فيه يحي بن محمد الجاري صدوق يخطئ. قال البهيقي: وروى ذلك عن عبد الله بن عمر العمرى عن نافع عن ابن عم كذلك موقوفاً (¬1) {54} والمراد بالتقصير أن يأخذ الناسك ذكراً أو أنثى من شعر كل الرأس قدر الأنملة. والحلق والتقصير ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: «لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين (¬2)» وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي (¬3) {173} «وعن» ابن عباس عن معاوية قال: قصرت عن رأس رسول الله ¬

(¬1) ص 270 سنن الدارقطني. وص 103 ج 5 سنن البيهقي (الأصلع أو المحلوق يمر الموسى على رأسه) و (الأصلع) من انحسر شعر مقدم رأسه. (¬2) الفتح: آية 27. (¬3) انظر رقم 243 ص 139 ج 2 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 4 ص 140 منه.

صلى الله عليه وسلم عند المروة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) [174] ويستحب ألا ينقص في الحلق عن قدر الأنملة من أطراف الشعر. والتخيير بين الحلق والقص في حق الرجل عند عدم العذر. فلو تعذر أحدهما لعارض تعين الآخر. هذا. ويتعين التقصير في حق المرأة , ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير. أخرجه أبو داود والدارقطني والطبراني والبيهقي بسند قوي وحسنه الحافظ ابن حجر (¬2) {175} وهذا مجمع عليه. ويكره لهن الحلق عند الحنفيين والشافعي لأنه بدعة في حقهن وفيه مثلة (وقال) الجمهور: يحرم عليهم الحلق ولو بنت عشر سنين , لحديث على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها. أخرجه الترمذي وقال: فيه اضطراب. وزاد رزين: فيا لحج والعمرة وقال: إنما عليها التقصير (¬3) {176} وهذا أن لم يكن برأسها أذى. فأن كان جاز لها الحلق لضرورة كما يجوز لولى الصغيرة جداً حلق رأسها. ثم الكلام ينحصر في ستة مباحث: (1) الحلق نسك - هو نسك واجب في الحج يجبر بالدم عند الحنفيين ومالك. وهو ظاهر مذهب أحمد. والأصح عند الشافعية أنه ركن يفسد ¬

(¬1) ص 190 ج 12 - الفتح الرباني. وص 231 ج 8 نووي ومسلم (تقصير المعتمر من شعره) و (عند المروة) يفيد أن هذا كان في عمرة كما صرح به عند النسائي. انظر ص 43 ج 2 مجتبي (أين يقصر المعتمر). (¬2) انظر رقم 247 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 5 ص 147 منه. (¬3) ص 109 ج 2 تحفة الأحوذي (الحلق والتقصير) وص 277 ج 1 تيسير الوصول.

الحج بتركه ولا يجبر بالدم (وروى) عن احمد وأبي يوسف والشافعي أنه ليس بنسك. وإنما هو إطلاق من محظور كان محرماً بالإحرام فأبيح عند الحل كاللباس والطيب وغيرهما من محظورات الإحرام. وعليه فلا شئ على تاركه مستدلين بقول أبي موسى الأشعري: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالأبطح فقال: بم أهللت؟ قلت لبيك بحج كحج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحسنت ثم قال لي: اذهب ثم طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحلل ففعلت ما أمرني (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {177} أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال من العمرة قبل الحلق فدل على أنه ليس بنسك (ورد) بأن الأمر بالإحلال مجمل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منه من الحلق والذبح. فلما كان الحلق مشهوراً استغنى عن ذكره. والصحيح أنه نسك , لحديث جابر رضي الله عنه أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا. (الحديث) أخرجه الشيخان (¬2) {178} أمرهم بالتقصير والأمر للوجوب ولأن الله تعالى وصفهم به بقوله: محلقين رءوسكم ومقصرين. ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد. ¬

(¬1) ص 138 ج 11 - الفتح الرباني. وص 363 ج 3 فتح الباري (الذبح قبل الحلق) وص 198 ج 8 نووي مسلم (جواز تعليق الإحرام) و (الأبطح) بطحاء مكة. وهو المحصب. (¬2) ص 278 ج 3 فتح الباري (التمتع والقران.) وص 166 ج 8 نووي مسلم (وجوه الإحرام).

(2) وقت الحلق - يجب كون الحلق في الحرم وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك وروى عن احمد , لقول معمر بن عبد الله العدوى: كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (الحديث) وفيه: فلما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بمنى أمرني أن أحلقه (الحديث) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفي سنده عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر ولم يوثق ولم يجرح (¬1) {179} فكان فعله صلى الله عليه وسلم بيانا للمطلق في قوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين فأن أخرجه عن أيام النحر ولو قليلا أو ناسياً فعليه دم , لأنه نسك عن أخره عن وقته (وقال) محمد بن الحسن والشافعي: يجب كون الحلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر. وهو مشهور مذهب أحمد. أما اختصاصه بالحرم فلقوله تعالى: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله (¬2) ومحله الحرم , ولقوله تعالى: ثم محلها إلى البيت العتيق (¬3). وأما عدم اختصاصه بأيام النحر , فلحديث ابن عباس رضي الله ¬

(¬1) ص 187 ج 12 - الفتح الرباني. وص 261 ج 3 مجمع الزوائد (الحلق والتقصير ... ) و (أرحل) أي أشد الرحل على البعير للنبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) البقرة: 196 وقوله: (ولا تحلقوا رءوسكم ... ) معطوف على وأتمو الحج؛ لا على قوله: فإن أحصرتم , لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا بالحديبية حلقوا خارج الحرم. أما في حال الأمن فلا يحلق حتى يبلغ الهدي محله ويفرغ من أعمال النسك. (¬3) الحج آية 33 أي محل ذبح الهدى , حيث ينتهي إلى البيت وما يليه من الحرم.

عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: زرت قبل أن أرمي. قال لا حرج. قال: حلقت قبل أن أذبح. قال لا حرج. قال: ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج. أخرجه البخاري (¬1) {180} وجه الدلالة أنه أجاز تقديم الحلق على الرمي. يدخل وقته من نصف ليلة النحر أو بطلوع فجر يومه على ما يأتي. فأن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا دم عليه , لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله. ولم يبين آخره فمتى أتى به أجرأه. (3) مقدار ما يؤخذ من الرأس في النسك - يجب حلق أو تقصير كل الرأس , لقوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين , محلقين رءوسكم ومقصرين. والرأس اسم للجميع. فالآية تدل على طلب حلق كل الرأس أو تقصيره , لأنه ليس فيها ما يدل على التبغيض «وتقدم» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع (¬2). «وهو يدل» أيضاً على وجوب استيعاب حلق الرأس , لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه وقال: خذوا عنى مناسككم. وهو مذهب مالك وأحمد وبه قال محققو الحنفيين (وقال) أبو حنيفة: يكفي حلق الربع أو تقصيره كالمسح في الوضوء (وعن) أبي يوسف يجب حلق النصف (وقال) الشافعي: يجزئ في الحلق والتقصير ثلاث شعرات. ولكن الدليل يقتضي وجوب الاستيعاب. وأما المرأة فتقصر من كل قرن مثل الأنملة عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ولا يجوز الاقتصار على بعضها. ¬

(¬1) ص 362 ج 3 فتح الباري (الذبح قبل الحلق). (¬2) تقدم رقم 173. ص 142 (الحلق أو التقصير.)

(4) كيفية الحلق - يسن في الحلق أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق وأن كان على يسار الحلق , لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها , ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق: خذوا وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر , ثم جعل يعطيه الناس. أخرجه أبو داود ومسلم والبيهقي. وهذا لفظهما (¬1) {181} وبهذا قال الجمهور. ويستحب لمن حلق أو قصر أن يقلم أظفاره ويأخذ من شاربه , لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. أخرجه البيهقي وقال: ورواه ابن جريح عن نافع وزاد فيه: وأظفاره (¬2) {55} (5) فضل الحلق - هو في حق الرجل أفضل من التقصير بالإجماع. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين , قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين. أخرجه الجماعة إلا النسائي (¬3) {182} (6) ثمرة الحلق - إذا حلق الحاج أو قص يوم النحر حل له كل شئ من محظورات الإحرام إلا الجماع ودواعيه القريبة كالقبلة واللمس بشهوة بخلاف النظر ولو إلى الفرج فأنه لا يجب به دم وأن أنزل , ¬

(¬1) انظر رقم 244 ص 140 ج 2 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 6 ص 143 منه. و (يعطيه .. ) أي يعطي الناسي شعر رأسه. ففي رواية لمسلم: فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه. وأعطى أبا طلحة شعر الشق الأيسر. (¬2) ص 104 ج 5 سنن البيهقي (من أحب أن يأخذ من شعر لحيته وشاربه ... ) (¬3) انظر رقم 242 ص 136 ج 1 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 1 ص 139 منه.

لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء. أخرجه احمد والدارقطني والبيهقي. وفي سنده ابن أرطاة متكلم فيه (¬1) {183} وفي الباب أحاديث كثيرة تقويه. وكلها تدل على أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر حل له كل شئ ما عدا النساء. وهذا هو التحلل الأصغر. والنحلل الأكبر يكون بطواف الإفاضة بعد ما ذكر , وبالسعي بين الصفا والمروة أن لم يكن سعى عقب طواف القدوم. فمتى فعل المحرم ذلك حل له كل شئ من محرمات الإحرام بالإجماع. مجمل أركان الحج قد علمت بيان خمسة منها (اثنان) متفق عليهما , وهما الوقوف بعرفة ومعظم طواف الإفاضة وباقيه ركن عند مالك والشافعي وأحمد. وواجب عند الحنفيين (¬2) (وثلاثة) مختلف فيها وهى: (أ) الإحرام وهو ركن عند مالك والشافعي وأحمد. وشرط عند الحنفيين. (ب) والسعي بين الصفا والمروة. وهو ركن عند مالك والشافعي ورواية عند أحمد. (ج) والحلق أو التقصير. وهو ركن عند الشافعي على الأصح من أنه نسك. وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد على ما تقدم (¬3). ¬

(¬1) ص 186 ج 12 - الفتح الرباني. وص 279 سنن الدارقطني. وص 136 ج 5 سنن البيهقي (ما يحل بالتحليل الأول). (¬2) انظر ص 91 (الوقوف بعرفة) وص 100 (طواف الركن). (¬3) تقدم الإحرام ص 43 وما بعدها , والسعي ص 129 وما بعدها. والحلق 142 وما بعدها.

المقصد الرابع في واجبات الحج

وهذه الأركان (منها) ما يفوت الحج بتركه ولا يؤمر تاركه بشيء وهو الإحرام (ومنها) ما يفوت الحج بفواته ويؤمر تاركه بالتحلل من الحج بعمرة وبالقضاء في العام القابل وهو الوقوف بعرفة على ما يأتي بيانه في الإحصار والفوات أن شاء الله تعالى (ومنها) مالا يفوت الحج بفواته ولا يحلل منه أصلاحتى يؤديه. وهو طواف الإضافة والسعي والحلق. (وأما الترتيب) بين معظم الأركان فركن عند الشافعي وشرط عند غيرة. فيشترط تقديم الإحرام على جميعها , وتقديم الوقوف بعرفة على طواف الركن. ويشترط كون السعي بعد طواف صحيح ولا يشترط تقدم الوقوف بعرفة على السعي بل صحيح سعيه بعد طواف القدوم. وهو أفضل ولا ترتيب بين طواف الركن والحلق (¬1). المقصد الرابع في واجبات الحج وهى جمع واجب وهو هنا ما يجب بتركه دم ويصح الحج ولو تركه عمدا ولكنه يأثم. وواجبات الحج كثيرة منها: (أ) المتفق على وجوبه وهو أربعة: الإحرام من المقيات , ورمى الجمال , والذبح للمتمتع والقارن والبعد عن محرمات الإحرام. (ب) ومنها ما قيل فيه بالوجوب وغيرة , وهو تسعة: (1) التلبية. وهى واجبة في المشهور عن مالك , وشرط للإحرام لا يصح إلا بها عند الحنفيين. ويقوم مقامها ما في معناها , وسنة عند الشافعي وأحمد. وهو رواية عن مالك على ما تقدم (¬2) (2) وطواف القدوم - وهو واجب عند مالك وسنة عند غيرة كما تقدم (¬3) ¬

(¬1) ص 266 ج 8 شرح المهذب. (¬2) تقدم ص 55. (¬3) تقدم ص 121.

(3) وصلاة الطواف وهو واجبة بعد كل طواف عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي. وسنة عند أحمد وهو الأصح عند الشافعي كما تقدم (¬1). (4) والسعي بين الصفا والمروة. وهو واجب يجبر بدم عند الحنفيين وهو الصحيح عند أحمد. وركن عند مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد كما تقدم (¬2). (5) ومد الوقوف بعرفة - أن وقف نهارا - إلى ما بعد الغروب. وهو واجب عند الحنفيين ومالك وأحمد. وسنة عند الشافعي كما تقدم (¬3). (7,6) والمبيت بمزدلفة والوقوف بها. (8) والحلق أو التقصير. وهو ركن عند الشافعي. وواجب عند الثلاثة كما تقدم (¬4). (9) وطواف الوداع. وهو واجب عند الحنفيين والشافعي وأحمد. وسنة عند مالك كما تقدم (¬5). وهاك بيان ما لم يتقدم بيانه وهو ستة: (أ) الإحرام من المقيات (¬6) - وهو واجب اتفاقا , لحديث ابن عباس رض الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجاوزوا المقيات إلا بإحرام. أخرجه ابن أبى شيبة والطبراني في الكبير. وفي سنده خصيت الجزرى. وفيه كلام وقد وثقه جماعة (¬7) {184} ¬

(¬1) تقدم ص 108. (¬2) تقدم ص 129. (¬3) تقدم ص 93. (¬4) تقدم ص 142 وما بعدها. (¬5) تقدم ص 122 , 123 (¬6) الميقات لغة الحد مأخو 1 من الوقت وهو الزمان , ثم صار حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان. والمراد به هنا الميقات المكاني الذي لا يحل لمريد مكة مجاوزته بلا إحرام. وقد تقدم بيانه بـ ص 49 وما بعدها وبرسم 1 ص 54. (¬7) ص 15 ج 3 نصب الراية. وص 216 ج 3 مجمع الزوائد (الإحرام من الميقات).

" وعن أبى الشعثاء " أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز المواقيت غير محرم. أخرجه الشافعي والبهقى (¬1) {56} (ب) المبيت بمزدلفة (¬2) - المبيت بها ليلة النحر بعد النزول من عرفة واجب عند أحمد. ويجب عند الشافعية البيات بها ساعة في الصف الثاني من الليل (وقال) الحنفيون ومالك: البيات بها سنة , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: ودفع صلى الله عليه وسلم (يعنى من عرفة) وقد شنق للقصواء الزمام ويقول بيده المني: أيها الناس السكينة السكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ¬

(¬1) ص 302 ج 1 بدائع المنن. وص 29 , 30 ج 5 سنن البيهقي (من مر بالميقات ... ). (¬2) المزدلفة: بضم فسكون ففتح فكسر , واد يمتد من غربا إلى المأزمين شرقا. طوله نحو أربعة آلاف متر. سمي بذلك لمجئ الناس إليه في زلف (أي ساعات) من الليل. ويقال لها جمع بفتح فسكون لاجتماع الناس بها (وهي) من الحرم وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة المشعر الحرام على بعد 2548 متر من أول الوادي من جهة المحسر (وهو) جبل بالمزدلفة. سمي بذلك لأن الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها (أي تضر بها في صفحة سنامها حتى يسيل منها الدم) ويسمى قزح ويحيط جدران ارتفاع كل منهما أربعة أمتار في عرض ثلاثة. والمسافة بينهما ستون متراً وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين متراً عرضاً في مسافة طولها 4372 متر تنتهي إلى الميلين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة. وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام. والمسافة بينهما مائة متر. وهذا الوادي يسمى وادي المأزمين. مثنى مازم بكسر الزاي وهو الطريق بين الجبلين. وفي جنوبهما طريق ضب يستحب سلوكه حال الذهاب إلى عرفة. ثم يتسع الوادي ويسمى وادي عرنة وبه مسجد نمرة. ويسمي جامع إبراهيم. وهو مسجد كبير طوله تسعون متراً في عرض ثمانين محاطا بالبواكي وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة. وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان. وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي. بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 متر. انظر رسم 2 جبل عرفات ص 92.

ولم يسبح بينهما ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (¬1). (ويستقط) وجوب المبيت بمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام أو فوات رفقة , لقول عائشة رضى الله عنها: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة , فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها , ووددت أنى كنت استأذنته فأذن لي. أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه (¬2) {185} " وقال " ابن عباس رضى الله عنهما: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (¬3) {186} والمعنى ابن عباس رضى الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى. وهذا إذن عام لكل ضعيف في الدفع إلى منى قبل الفجر لرمى جمرة العقبة قبل الزحام. وهذا متفق عليه. (ج) الوقوف بمزدلفة - يجب الوقوف بها بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين وأحمد وروى عن الشافعي , لحديث على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعا فصلى بهم ¬

(¬1) هذا بعض حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم). و (الفصواء) بفتح القاف والمد , فاقه النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) ص 165 ج 12 - الفتح الرباني. وص 344 ج 3 فتح الباري (من قدم ضعفة أهله بليل .. ) وص 38 ج 9 نووي مسلم (تقديم دفع الضعفة .. من مزدلفة .. ) وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (من تقدم من جمع إلى منى) و (ثبطة) بفتح فسكون أو كسر , أي بطيئة الحركة لسمنها. وودت عائشة رضي الله عنها أن تكون كسودة لما رأت في نفسها من الضعف عن تحميل مشاق الزحام. (¬3) انظر ص 81 ج 2 تكملة المنهل العذب (التعجيل من جمع) وباقي المراجع بهامش 1 ص 82 منه.

الصلاتين المغرب والعشاء ثم بات حتى أصبح , ثم أتى قزح فوقف عليه فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف (الحديث) أخرجه أحمد - وهذا لفظه - وأبو داود الترمزى وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا. والعمل على هذا (¬1) {187} " وعن جابر " رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذوا مناسككم (¬2) فإذا ضم هذا إلى ما قبله دل على وجود الوقوف بمزدلفة. (وقال) مالك الوقوف بما سنة لا دم في تركه. وهو المشهور عند الشافعية ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث: (1) ركن الوقوف بمزدلفة - وهو وجود الحاج بوادي مزدلفة ولو محمولا أو ناعما أو مغمى عليه أو على دابة وأن لم يعلم أمها مزدلفة لأنها لا يفوته حينئذ إلا النيبة وهى ليست شرطا. وأو مر بها بلا وقوف كفي. ولا يشترط له الطهارة عن الجنابة والحيض , لأنه عبادة لا تتعلق بالكعبة فتصح بلا طهارة كالوقوف بعرفة. (2) مكانه - يصح الوقوف بأي جزء من مزدلفة إلا وادي محسر , لما تقدم عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفات موقف وار فعور عن بطن عرفة. وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر (¬3) (الحديث) ¬

(¬1) انظر رقم 206 ص 77 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقي المراجع بهامش 1 ص 79 منه. (¬2) تقدم رقم 157 ص 122 (أنواع الطواف). (¬3) تقدم رقم 120 ص 94 (مكان الوقوف) و (محسر) بضم ففتح فكسر السين مشددة , واد بين منى ومزدلفة سمي بذلك , لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيا فتحسر أصحابه لذلك [انظر رسم 9].

(وقد) استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة. والصحيح صحة الوقوف عليه لحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف. ووقفت هاهنا بجمع وجمع كلها موقف أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬1) {188} والمعنى وقفت على قزح وجميع المزدلفة موقف , لكن أفضلها قزح. والسنة استمرار الوقوف على قزح للذكر والدعاء إلى أن يسف الصبح إسفارا واضحا , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وصلى الفجر " يعنى بالمزدلفة " حين تبين له الصبح بآذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فحمد الله وكبرة وهلله ووحدة ودعاه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس (¬2). (3) وقت الوقوف بمزدلفة - وقته من طلوع فجر يوم النحر إلى طلوع شمسة , لقول عمرو بن ميمون: صلى بنا عمر بجمع الصبح ثم وقف وقال: أن المشركين كانوا لا يفيضوا من جمع حتى تطلع الشمس , وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل تطلع الشمس. أخرجه السبعة إلا مسلما وهذا لفظ أحمد. وقال الترمذى: هذا حديث صحيح (¬3) {189} ¬

(¬1) ص 195 ج 8 نووي ومسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم) وص 79 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة (الموقف بعرفات). (¬2) هذا بعض حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم). (¬3) ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقي المراجع بهامش 2 ص 81 منه.

فمن وجد بمزدلفة في هذا الوقت , فقد أدرك الوقوف وأن لم يبت بها. ومن لم بوجد بها فيه فاته الوقوف عند الجمهور. وقال الشافعي: يجوز الوقوف بمزدلفة في النصف الأخير من ليلة النحر (¬1). (4) سنن الوقوف بمزدلفة - يسن لذلك ستة أمور: (1) يسن الغسل للوقوف بمزدلفة بعد نصف الليل فأن لم يجد ماء تيمم (وهذه) الليلة جمعت أنواعاً من الفضل (منها) شرف الزمان والمكان , فأن مزدلفة من الحرم وقد اجتمع فيها وفد الله ومن لا يشقى بهم جليسهم. فيطلب إحياؤها بأنواع العبادة من صلاة وتلاوة وذكر ودعاء وتضرع (¬2). (2) ويسن التعجيل بصلاة الصبح ليتسع وقت الوقوف بمزدلفة ولما تقدم عن جابر (¬3). (3) ويسن أن يأتي المشعر الحرام ويقف عنده أو يرقى عليه مستقبلا القبلة داعياً ذاكراً ملبياً , لما تقدم في حديث جابر (¬4) (ومما يدعى) به في المشعر: اللهم كما وقفتنا فيه ورأيتنا إياه؛ فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك: فإذا أفضتم من عرفات اذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وأن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله أن الله غفور رحيم (¬5) ويكثر من قوله: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ¬

(¬1) ص 136 ج 2 بدائع الصنائع. (¬2) ص 126 ج 8 شرح المهذب. (¬3) تقدم ص 153 بعض حديث جابر في (حج النبي صلى الله عليه وسلم) (¬4) تقدم ص 153 بعض حديث جابر في (حج النبي صلى الله عليه وسلم) (¬5) البقرة: آية 198 و 199.

(4) ويستحب النزول من مزدلفة بعد الإسفار جداً وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , لما تقدم عن عمرو بن ميمون أن عمر رضي الله عنه قال: أن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس (¬1). (وقال) مالك: يدفع من مزدلفة قبل الإسفار. والحجة مع غيره. (5) ويستحب أن يسير بسكينة ووقار في غير وادي محسرٍ , لما في حديث مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعاً ثم أردف الفضل بن عباس وقال: أيها الناس أن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة. فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى مني. هذا عجز حديث وأخرجه أبو داود والبيهقي (¬2) {190} (6) ويستحب الإسراع بوادي محسرٍ لو ماشيا وتحريك دابته لو راكبا قدر رمية حجر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (فقد) روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر. أخرجه النسائي (¬3) {191} «وعن» نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر. أخرجه مالك والبيهقي (¬4). {57} ¬

(¬1) تقديم رقم 189 ص 154. (¬2) ص 57 ج 2 تكملة المنهل العذب (الدفع من عرفة) وص 126 ج 5 سنن البيهقي (من لم يستحب الإيضاع) و (ليس بإيجاف) أي ليس التقرب إلى الله تعالى بحمل (الخيل والإبل) على سرعة المشي (فما رأيتها) أي الخيل والإبل (رافعة يديها) أي مسرعة. (¬3) ص 49 ج 2 مجتبي (الإيضاع في وادي محسر) و (أوضع) أي أسرع. (¬4) ص 238 ج 2 زرقاني الموطإ (السير في الدفعة) وص 126 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر).

وحكمة مشروعية الإسراع ببطن محسر أن النصارى كانت تقف به فخالفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراع فيه «روى» المسور بن مخرمة أن عمر رضي الله عنه كان يوضع ويقول: إليك تعدو قلقاً وضينها مخالفا دين النصارى دينها أخرجه البيهقي (¬1) {58} ويستحب للمار بوادي محسر أنشاد هذا البيت. (5) فوت الوقوف بمزدلفة - أن فات لعذر مما تقدم فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفه أهله ولم يأمرهم بالفدية. وأن كان فواته لغير عذر فعليه دم عند من قال بوجوبه. (د) رمي الجمار - الجمار جمع جمرة , وهي الحجر الصغير. ورميها لغة القذف بالحصى وشرعا القذف بالحصى في زمان ومكان وعدد مخصوص كما يأتي بيانه أن شاء الله تعالى (والجمار) التي ترمي ثلاث بمنى. الصغرى التي تلي مسجد الخيف , والوسطى بينها وبين جمرة العقبة. والكبرى جمرة العقبة (¬2) ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثاً. ¬

(¬1) ص 126 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر). و (الوضين الحبل كالحزام. ودين النصارى منصوب. ودينها مرفوع. والمعني أنا ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتك قلقا وضينها من كثرة السير والإجهاد البالغ في طاعتك والمراد صاحب الناقة فهو لا يفعل فعلا لنصارى ولا يعتقد اعتقادهم.) (¬2) جمرة العقبة بأول منى من جهة مكة على يسار الداخل إلى منى , وهي حائط مبنى بالحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض مترين. أقيم على صخرة مرتفعة على الأرض بنحو متر ونصف. وأسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط به حجارة الرمي. بينها وبين الجمرة الوسطى 116.77 مترا. وبين الوسطى والصغرى 156.40 مترا. وليس لموضع الرمي حد معلوم , غير أن كل جمرة عليها علم وهو عمود مرتفع فيرمي تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطا. وحد بعضهم بثلاثة أذرع من كل جانب إلا في جمرة العقبة فليس لها إلا وجه واحد لأنها تحت جبل. (انظر رسم 6 ص 158).

(1) حكم الرمي - يجب رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمار الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاث , لحديث جابر أن النبي صلى الله يوجد رسمة عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى , ورمى في سائر أيام التشريق بعد ما زالت الشمس. أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي:

هذا حديث حسن صحيح (¬1) {192} «وقال» عبد الرحمن بن عثمان التيمي: امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف في حجة الوداع. أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {193} (ولذا) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أن رمي الجمار واجب يجبر بدم. (3) وقت الرمي - أيام الرمي أربعة: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة. (أ) أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط. ولرميها أربعة أوقات (وقت) أداء من طلوع فجر يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني (ووقت) استحباب من طلوع شمس يوم النحر إلى الزوال. (ووقت) إباحة من زواله إلى الغروب (ووقت) كراهة قبل طلوع شمسه وبعد غروبها عند عدم العذر , وإلا فلا كراهة في رمي الضعفة قبل طلوع الشمس , ولا في رمي الرعاة ليلا , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وألا يرموا الجمرة إلا مضجعين. أخرجه الطلحاوي والبيهقي (¬3). {194} ¬

(¬1) ص 174 ج 12 - الفتح الرباني وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار .. ) وانظر رقم 235 ص 124 ج 2 تكملة المنهل العذب. وباقي المراجع بهامش 2 ص 126 منه. (¬2) ص 285 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الجمار) و (الخذف) بفتح فسكون , الرمي والمراد الحصى الصغار كحب الفول بطرفي الإبهام والسبابة. (¬3) ص 412 ج 1 شرح معاني الآثار (وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء ... ) وص 132 ج 5 سنن البيهقي (الوقت المختار لرمي جمرة العقبة) و (الثقل) بفتحتين , متاع المسافر وحشمه.

«وعن» ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل. أخرجه البزار. وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي ضعيف وقد وثق (¬1) {195} «وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي (¬2) {196} (وفي هذا) الحديث النهي عن الرمي حتى تطلع الشمس. وفيما قبله جواز الرمي قبل الطلوع (فأثبت) الحنفيون ومالك وأحمد في المشهور عنه: يجوز رمي جمرة العبة من بعد نصف ليلة النحر , لحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر , فرمت قبل الفجر ثم أفاضت (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي وإسناده صحيح (¬3) {197} (وأجابوا) عن الأحاديث السابقة بأنها محمولة عل الاستحباب جمعا بين الروايات (قال) ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتها. فإن أخر رميها إلى الليل بلا عذر رمى ليلا مع الكراهة ولا دم عليه عند الحنفيين ¬

(¬1) ص 260 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الرعاء بالليل) (¬2) ص 103 ج 2 تحفة الأحوذي (تقديم الضعفة من جمع بليل) وص 83 ج 2 تكملة المنهل العذب (التعجيل من جمع) وص 50 ج 2 مجتبي (النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس). (¬3) ص 84 ج 2 تكملة المنهل العذب رقم 211 (التعجيل من جمع) وص 133 ج 5 سنن البيهقي (من أجاز رميها بعد نصف الليل).

والشافعي , وروي عن مالك , لما روي نافع أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما ابن عمر أن ترميا الجمرة حين قدمتا ولم ير عليهما شيئا. أخرجه مالك والبيهقي (¬1) {59} «وعن» مالك أن عليه دما , لأنه لم يرم في الوقت المطلوب. وقال أحمد: أن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل لم يرمها حتى تزول شمس الغد. (والذي) دلت عليه الأحاديث أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس لمن لا رخصة له. ومن كان له رخصة كالنساء والصبيان والضعفة يجوز له الرمي قبل ذلك من نصف ليلة النحر الأخير ولا يجزئ قبله إجماعاً. (ب) وأما أيام التشريق وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة , فللرمي فيها ثلاثة أوقات (وقت) أداء من الزوال إلى طلوع شمس الغد (ووقت) استحباب من الزوال إلى الغروب (ووقت) كراهة من غرب شمسه إلى طلوعها من الغد. (فأول) وقت لرمي في أيام التشريق بعد الزوال , لقول ابن عباس رضي الله عنهما: رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار عند زوال الشمس أو بعد زوال الشمس. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه (¬2) {198} «وعن» نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ترمى الجمار في ¬

(¬1) ص 262 ج 2 زرقاني الموطإ (الرخصة في رمي الجمار) وص 150 ج 5 سنن البيهقي (تأخير الرمي عن وقته حتى يمسي). (¬2) ص 218 ج 12 - الفتح الرباني. وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار أيام التشريق) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي (الرمي بعد زوال الشمس).

الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس. أخرجه البيهقي (¬1) {60} (وبه) قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال لما روى طلحة بن عمرو عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس قال: إذا أنتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمي والصدر أخرجه البيهقي وقال: طلحة بن عمرو المكي ضعيف (¬2) {61} (فالراجح) ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال كاليومين قبله. (3) مكان الرمي - مكانه في يوم النحر , عند جمرة العقبة. وفي لأيام التشريق عند الجمرة الأولى والوسطى والعقبة (ويعتبر) في ذلك مكان وقوع الجمرة لإمكان الرمي حتى لو رماها من مكان بعيد فوقعت الحصاة عند الجمرة أجزأه وأن لم تقع عندها لم يجزه إلا إذا وقعت بقرب منها (¬3). (4) مأخذ الحصى - ويستحي أن يأخذ حصى الرمي من مزدلفة أو من مكان آخر , لحديث الفضل بين العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر: التقط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعتهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. أخرجه البيهقي بسند حسن أو صحيح على شرط مسلم (¬4) {199} (ويكره) أخذ الحصى من موضع الرمي عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لأنه حصى من لم يقبل حجه , لأن ما قبل من الحصى يرفع ¬

(¬1) ص 149 ج 5 سنن البيهقي (الرمي أيام التشريق بعد الزوال). (¬2) ص 152 ج 5 سنن البيهقي. و (الانتفاخ) الارتفاع (والصدر) بفتحتين الانصراف من منى. (¬3) ص 138 ج 2 بدائع الصنائع. (¬4) ص 127 ج 5 سنن البيهقي (أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة .. ).

وما لم يقبل يترك , لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله هذه الجمار التي يرمي بها كل عام فنحتسب أنها تنقص فقال: أنه ما تقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتموها أمثال الجبال. أخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني في الأوسط بسند فيه يزيد بن سنان التميمي وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم وصححه وقال: يزيد بن سنان ليس بالمتروك (¬1) {200} (وقال) مالك: أن رمى بحصاة أخذها من الجمرة لا يجزئه لأنها حصى مستعملة. وهذا لا يستقيم على أصله , لأن الماء المستعمل عنده مطهر يجوز الوضوء به. فالحجارة المستعملة أولى (¬2). (5) عدد الحصى - هو سبعون حصاة سبع ترمى يوم النحر وإحدى وعشرون يرمى بها في كل يوم من أيام التشريق. فيجب أن ترمي كل جمرة بسبع حصيات عند الحنفيين ومالك والشافعي والجمهور وروي عن أحمد, لقول جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة التي عند الشجرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف. رمي من بطن الوادي ثم أنصرف إلى المنحر فنحر. أخرجه النسائي (¬3). {201} وعن أحمد أنه أن رمى بخمس حصيات أجزأه قال ابن قدامة: والأولى ألا ينقص في الرمي عن سبع حصيات. فأن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس ولا ينقص أكثر من ذلك. واستدل له بما روي ¬

(¬1) ص 128 ج 5 سنن البيهقي (أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة) وص 289 سنن الدارقطني. وص 260 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الجمار) وص 146 ج 1 مستدرك. (¬2) ص 156 ج 2 بدائع الصنائع. (¬3) ص 51 ج 2 مجتمي (عدد الحصى التي يرمي بها الجمار).

أبو مجلز قال: سألت ابن عباس عن شئ من أمر الجمار فقال: ما أدرى رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1) {202} (والصحيح) مذهب الجمهور لقوة أدلته (وأجابوا) عن قول ابن عباس بأنه شك. وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازو. ومتى أخل بحصاه واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى. فأن لم يدر من أي الجمار تركها بنى على اليقين (¬2). (6) قدر حصى الرمي - يستحب كونه قدر حصى الخذف وهو صغار الحصى قدرحبة الفول اتفاقا لما تقدم (¬3). ولقول جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. أخرجه مسلم والنسائي (¬4). {203} (وعن) أحمد أن الرمي بصغير الحصى واجب , فأن رمى بحجر كبير لا يكفي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمثل حصى الخذف ونهى عن تجاوزه. والأمر للوجوب والنهي يقتضي بفساد المنهى عنه ولأن الرمي بالكبير ربما آذى من يصيبه (وقال) الجمهور: يجزئه مع الكراهة. (7) جنس الحصى - يجوز عند الحنفيين الرمي بكل ما كان من ¬

(¬1) ص 134 ج 2 تكملة النهل العذب رقم 240 (رمي الجمار) وص 51 ج 2 مجتبي (عدد الحصى التي يرمي بها الجمار). (¬2) ص 478 ج 3 مغنى لبن قدامة. (¬3) انظر رقم 193 ص 159 ورقم 199 ص 162 , ورقم 201 ص 163 (¬4) ص 47 ج 9 نووي مسلم (استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف) وص 51 ج 2 مجتبي (المكان الذي ترمي منه جمرة العقبة)

جنس الأرض حجراً أو طيناً أو آجراً (¬1) أو تراباً أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي. ورمي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحصى محمول على الأفضلية لا الجواز توفيقاً بين الدلائل. (وقال) مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز الرمي إلا بالحجر فلا يجوز بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها , لما تقدم من امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرمي بالحصى. وهذا ما يشهد له الدليل. (8) كيفية الرمي - تقدم أن الرمي يكون يوم النحر وأيام التشريق (أ) فيستحب لرمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقف الرامي في بطن الوادي قريباً من المرمى بحيث يراه , جاعلاً الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه , ويأخذ الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ثم يرميها بسبع حصيات صغار متفرقة. فلو رماها جملة لم تكف إلا عن واحدة ويكبر مع كل حصاة قائلا: باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه. اللهم اجعل حجي مبروراً وسعيي مشكوراً وذنبي مغفوراً , لقول عبد الرحمن بن يزيد: كنت مع عبد الله بن مسعود حتى انتهى إلى جمرة العقبة فقال: ناولني أحجاراً فناولته سبعة أحجار فقال لي: خذ بزمام الناقة , ثم عاد إليها فرمى بها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً , ثم قال / ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أخرجه أحمد والبيهقي. وفي رواية له: هكذا رمي الذي أنزلت عليه سورة البقرة (¬2). {204} ¬

(¬1) الآجر: الطوب المحرق (¬2) ص 178 ج 12 - الفتح الرباني. وص ج 5 سنن البيهقي (رمي الجمرة من بطن الوادي). (وقال اللهم .. الخ) لفظ البيهقي: حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجاً مبروراً. و (ههنا) يعني أن هذا المكان هو الذي كان يقوم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وخص سورة البقرة بالذكر لما فيها من أحكام المناسك.

هذا. ويقطع التلبية مع أول حصاه أو بعد الفراغ من رمى جمرة العقبة على ما تقدم بيانه في بحث مدة التلبية (¬1) ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي , لما روي مقسم عن أبن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف. أخرجه ابن ماجة وفي سنده سويد بن سعيد مختلف فيه (¬2) {205} (ب) ويبدأ في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة برمي الجمرة الصغرى وهى التي في الشمال الغربي لمسجد الخيف (¬3) فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم الفجر. ويقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويدعو طويلا رافعا يديه حذاء منكبية مستغفرا لنفسه وأبوية والمؤمنين. خاضعا خاشعا حاضر القلب. ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة. ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع ¬

(¬1) انظر ص 60. (¬2) ص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها). (¬3) (الخيف) بفتح فسكون ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء فيه. وبه سمي مسجد الخيف. وهو مسجد عظيم فيسح مستطيل الشكل في الجنوب الشرقي من الجمرة الصغرى. بمنى على يعد 647 متر يتخذه حجاج المغاربة والدكارنة كبيت للسكن أيام منى , ينصبون فيه خيامهم ويؤدون به أعمالهم العادية من طبخ وغسل وغيرهما. وقد زادوا الطين بلة فجعلوا الجهة لشمالية منه محل قضاء حاجتهم. وهذا أمر تشمئز منه الطباع ويمنعه الشرع الذي أمر بتطهير المساجد وتطييبها. وكان الأجدر بالحكومة السعودية أن تعني بذلك = =المسجد العناية اللائقة به وتكلف من يقوم بتنظيفه , ويمنع العابثين به مما يحدثونه فيه. ولعلها سمعت رجاء الراجين. [انظر رسيم 6 ص 158].

كل حصاة ولا يقف عندها للذكر والدعاء , لعدم وروده ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم. والدعاء في صلب العبادة أفضل منه بعد الفراغ منها. والأصل في هذا أن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده. وكل رمي بعده رمي في اليوم يقف عنده اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم. ودليل ذلك ما روي الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمرة الأولي التي تلي المسجد رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة , ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه , يدعو وكان يطيل الوقوف , ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة , ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه , ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف. قال الزهري: سمعت سالم بن عبد الله يحدث بمثل هذا عن أبية عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي (¬1) {206} ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد الزوال إلى آخر الليل كما في اليوم الحادي عشر. ثم هو مخير إن شاء رجع من مني إلى مكة قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر عند مالك والشافعي وأحمد أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر عند الحنفيين. وإن شاء أقام فيرمي فيه الجمار الثلاث من بعد الفجر عند أبي حنيفة. (وقال) أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد: لا يرمي فيه إلا بعد ¬

(¬1) ص 219 ج 12 - الفتح الرباني. وص 278 ج 3 فتح الباري (الدعاء عند الجمرتين) وص 148 ج 5 سنن البيهقي (الرجوع إلى منى أيام التشريق والرمي بها ... ).

الزوال كغيره كما تقدم في وقت الرمي في أيام التشريق (¬1) فيرمي الصغرى ثم الوسطي يكبر مع كل حصاة ويدعو بعدهما. ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها (وهذه) الكيفية هي المسنونة. والواجب منها أصل الرمي بصفته السابقة في رمي جمرة العقبة. وهو أن يرمي بما يسمي حجرا أو بما هو من جنس الأرض , وأما الدعاء والذكر وغيرهما فمستحب لا شئ عليه في تركة لمن تفوت به الفضيلة. (ويشترط) الترتيب بين الجمرات عند مالك والشافعي وأحمد. فيبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطي ثم جمرة العقبة , لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتيها في الرمي وقال: خذوا عني مناسككم. فلو ترك حصاة من الأولي أو جهل فلم يدر من أي جمرة تركها , جلها من الأولي. فيرمي إليها حصاة ثم يرمي الجمرتين الأخريين ليسقط الواجب بيقين (وعند) الحنفيين خلاف في أن الترتيب بين الجمرات واجب أو سنة. اختار الكمال ابن الهمام أنه سنة , لحديث العلاء بن المسيب عن رجل يقال له الحسن أنه سمع ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قدم من نسكه شيئا أو أخره فلا شيء عليه. أخرجه البيهقي (¬2) {207} ولو ترك حصاه من البعض لا يدرى من أيتها أعاد لكل واحدة حصاه ليبرأ بيقين (وأجاب) الأولون عن حديث ابن عباس بأنه إنما ورد في تقديم نسك عن نسك لا في تقديم بعض النسك علي بعض. (9) سنن الرمي ـ هي كثيرة تقدم بعضها (ومنها) أنه يسن في رمي ¬

(¬1) تقدم بـ ص 161 وما بعدها. (¬2) ص 144 ج 5 سنن البيهقي (التقديم والتأخير في عمل يوم النحر).

يوم النحر أن يكون بعد طلوع الشمس ومن بطن الوادي جاعلا الكعبة عن يمينه ومني عن يساره راكعا مكبرا مع كل حصاة ولا يقف عندها ويقطع التلبية عند أول حصاة ويرفع يديه حال الرمي حتى يري بياض إبطه. وأن يكون الرمي باليمني وبالمثل حصى الخذف (وبسن) في رمي أيام التشريق أن يكون قبل الغروب وأن يستقبل القبلة راجلا وأن يقف بعد رمي الأولي والوسطى داعيا رافعا يديه وأن يوالي بين الحصيات والجمرات. (ومنها) أنه يستحب عند الحنفيين الركوب في جمرة العقبة في كل أيام الرمي والترجل في رمي الصغرى والوسطى (قال) أبو يوسف: كل رمي بعده فالمشي أفضل وكل رمي لا رمي بعده فالركوب أفضل (وقال) مالك والشافعي: يستحب لمن وصل منى راكبا أ، يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا. وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا. وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما كل الجمرات ماشيا. وفي اليوم الثالث يرمي راكبا وينفر إلى مكة (وقال) أحمد: يستحب أن يرمي ماشيا , لما روي نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمار مشي إليه ذاهبا وراجعا. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {208} والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وقال بعضهم: يركب يوم النحر ويمشى في الأيام بعده. أراد بهذا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله , لأنه روي عنه صلي الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر ولا يرمي فيه إلا جمرة العقبة (¬2) يعنى أن الذي ثبت على النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي (في رمي الجمار راكبا). (¬2) ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي (في رمي الجمار راكبا).

الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا. وهذا أولي بالاتباع. (قال) نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر ولا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا. ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا. أخرجه أحمد البيهقى. وأخرج أبو داود عجزه. وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص وفيه مقال (¬1) (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا. أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه (¬2) فهما يدلان على طلب الركوب لرمي يوم النحر والمشي لرمي أيام التشريق. (10) ما يكره في الرمي ـ يكره فيه ترك سنه من سنن الرمي وتقديم متاع الحاج قبل نفره لما فيه من شغل البال (قال) عمر رضي الله عنه إن قدم ثقله قبل النفر فلا حج له. أخرجه ابن أبى شيبة (¬3) {62} يعني فلا حج له كامل. ¬

(¬1) انظر رقم 233 ص 122 ج تكملة المنهل (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 123 منه (ولا يأتي سائرها ... ) أي كان لا يأتي الجمرات الثلاث بعد يوم النحر إلا ماشيا. (¬2) ص 182 ج 12 - الفتح الرباني. وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار راكباً) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في رمي الجمار راكبا). (¬3) ص 88 ج 3 نصب الراية.

(11) النيابة في الرمي ـ من كان مريضا أو مغمى عليه أو ضعيفا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى يرميه أو يرمى عنه غيره. ولو رمى شخص حصاتين إحداهما لنفسه والأخر للآخر جاز. ومن كان محبوسا أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي استناب من يرمى عنه , لحديث أبى الزبير عن جابر قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. أخرجه ابن ماجة (¬1) {211} (وينبغي) أن يستنيب العاجز حلالا أو من قد رمى عن نفسه. فإن استناب من لم يرم عن نفسه فينبغي أن يرمى عن نفسه ثم عن المستنيب. فلو اقتصر على رمى واحد وقع عنه لاعن المستنيب. وإذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية , فالأصح أنه يستحب له إعادة الرمي بنفسه ولا يلزمه. وهذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر. أما إذا رمى بعد زواله فيلزم المستنيب فعله اتفاقا (¬2). (12) ترك الرمي وتأخيره - إذا ترك الرمي كله حتى غربت شمس آخر أيام التشريق أو ترك رمى يوم أو أكثره بأن ترك رمى أربع حصيات فأكثر من يوم النحر أو إحدى عشرة فيما بعده لزمه دم واحد عند الحنفيين , لقول عطاء بن أبي رباح: من نسى جمرة واحدة أو الجمار كلها حتى يذهب أيام التشريق فدم واحد يجزيه البيهقى (¬3) {63} ولو أخر رمي يوم أو أكثر إلى آخر أيام التشريق قضاه على الترتيب ولزمه بالتأخير دم عند أبى حنيفة خلافا لأبى يوسف محمد , لأن رمي ¬

(¬1) ص 127 ج 2 سنن ابن ماجة (الرمي عند الصبيان). (¬2) ص 245 ج 8 شرح المهذب. (¬3) ص 153 ج 5 سنن البيهقي (من ترك شيئاً من الرمي ... ).

كل يوم مؤقت عنده خلافا لهما. وإن أخر رمي يوم إلى الليل ورمي قبل طلوع فجر اليوم الثاني فلا شيء عليه اتفاقا. ولو ترك أقل رمي يوم بأن ترك أقل من أربعة يوم النحر أو ترك عشرا فأقل فيما بعده , رمي ما ترك أو صدق لكل حصاة صدفة كصدقة الفطر إلا أن يبلغ مجموع الصدقات قيمة دم فينقص منها ما شاء. (وقالت) المالكية: إن ترك حصاة أو حصاتين لزمه دم. (وقالت) الشافعية: من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد طعام. ومن ترك ثنتين فعلية مدان. ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم. ومن ترك شيئا من رمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا تداركه في اليوم الثاني أو الثالث. وإن ترك رمي الثاني تداركه في الثالث على الصحيح. ولو ترك رمي بعض الأيام فتداركه فلا دم عليه. وإن لم يتداركه وجب الدم. وإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق فقيل عليه دم , لأن الجميع نسك واحد. وقيل يلزمه أربعه دماء , لأن رمي كل يوم نسك مستقل وإن ترك الرمي في اليوم الثالث سقط , لفوات أيام الرمي ولزمه دم , لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليرهق دما. أخرجه البيهقي (¬1) {64} (13) حكمة الرمي ـ المقصود من رمي الجمار الانقياد والتعبد لله تعالى وحده بما لا حظ للنفس فيه اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. «روي» ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمره العقبة ¬

(¬1) ص 152 ج 5 سنن البيهقي (من ترك شيئا من الرمي ... ).

فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له في الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس: الشيطان ترجمن ومله أبيكم تتبعون. أخرجه البيهقي (¬1) {212} (فالحكمة) في رمي الجمار إظهار الرق والعبودية لرب البرية , وامتثال الأوامر الدينية , وإظهار الأسف على ما أرتكبه الإنسان من الخطايا والتغيظ على المغرى بما هو الشيطان الذي يتمثله الإنسان في موضع الجمرات , ويتخيل أنه يغريه بالمعاصي وهو يزجره ويطرده ولسان حالة يقول: اخسأ يا لعين فإني وإن أطعتك في الماضي فقد صممت على عدم طاعتك في المستقبل فاذهب عني. (14) النفر بعد الرمي ـ النفر بفتح فسكون النزول من منى إلى مكة بعد رمي أيام التشريق وهو نوعان (الأول) الخروج من منى بعد رمي الجمار في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة قبل غروب شمسه عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: للحاج النفر إلى مكة ما لم يطلع فجر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة , لأنه لم يدخ اليوم الآخر فجاز له النفر كما جاز قبل الغروب. لكن يكره له النفر بعد الغروب. فلو نفر قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه وقد أساء لأنه ترك السنة (¬2). (الثاني) النفر بعد رمي جمار اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. ¬

(¬1) ص 153 ج 5 سنن البيهقي (بدء الرمي). (¬2) ص 159 ج 2 بدائع الصنائع.

وإليهما الإشارة بقول الله تعالي: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي (¬1). (15) المبيت بمعنى (¬2) ليالي التشريق ـ يجب البيات بمنى ليالي التشريق الثلاث لمن يتعجل وليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة لمن تعجل عند مالك. وهو الصحيح عند الشافعي وأحمد , لما روى عبد الرحمن بن فروخ قال: قلت لابن عمر إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال. فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بات بمنى وظل. أخرجه أبو داود والبيهقى (¬3) {213} أحد من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا منى. أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقى (¬4) {65} (والواجب) بيات معظم الليل فمن ترك مبيت ليلة لزمه دم. وإن ¬

(¬1) 203 - البقرة. والمعنى انه لى إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ولا على من أن أخر النفر إلى اليوم الثالث عشر. (¬2) منى: قرية من الحرم بينها وبين المعلى (مقبرة مكة) 8807 متر يرى داخلها في مبدأ طريقها جمرة العقبة على اليسار وهي حد من منى من جهة مكة ثم يرى على يساره مسجد البيعة في المكان الذي بايع فيه الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عمه العباس رضي الله عنه , ثم يتسع الوادي اتساعا عظيما بعرض 637 متر. وطوله من جمرة العقبة إلى وادي محسر 528 متر وهذا الوادي يشقه طريق من الغرب إلى الشرق في أوله جمرة العقبة ثم الجمرة الوسطى ثم الصغرى. ويرى في جنوبه مسجد الخيف. (¬3) ص 107 ج 2 تكملة المنهل العذب (يبيت بمكة ليالي منى) وص 153 ج 5 سنن البيهقي (لا رخصة في البيتوتة بمكة ليالي منى). (¬4) انظر المراجع بهامش 2 ص 108 ج 2 تكملة المنهل العذب [انظر رسم 6 ص 158].

ترك ليلته لزمه دمان. وإن ترك ثلاث ليال لزمه ثلاثة دماء عند مالك. وقالت الشافعية والحنبلية في المشهور عنهم: إن ترك ليلة لزمه مد طعام. وإن ترك ليلتين لزمه مدان وإن ترك الليالي الثلاث لزمه دم. وقال الحنفيون: البيات بمني ليالي التشريق سنة لا شئ على من تركه وقد أساء لمخالفته السنة هذا وقد اتفق الفقهاء على سقوط المبيت بمنى ليالي التشريق عن ذوي الأعذار كالسقاة ورعاة الإبل فلا يلزمهم شئ بتركه , لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة (¬1) {214} (وعن عاصم) بن عدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى. أخرجه الإمامان والأربعة والبيهقي والحاكم بألفاظ متقاربة وصححه الترمذي (¬2). {215} وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة ورمى الغد عند غير الحنفيين. ويجوز لأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي (¬3). (وترك) المبيت ناسيا كتركه عامدا ولا يرخص للرعاة في ترك جمرة العقبة يوم النحر ولا في تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر. ¬

(¬1) انظر رقم 227 ص 109 ج 2 تكملة المنهل العذب (يبيت بمكة ليالي منى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 110 منه. (¬2) انظر رقم 238 ص 131 ج 2 تكملة المنهل العذب (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 133 منه. (¬3) ص 247 ج 8 شرح المهذب.

فإذا أخرجوه عنه كان مكروها (ومن) لا عذر له إذا لم يبت ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق ورمى في الثاني وأراد النفر الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له. وإنما جوز لعامة الناس أن ينفروا الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له. وإنما جوز لعامة الناس أن ينفروا لأنهم أتوا بمعظم الرمي والمبيت. ومن لا عذر له لم يأت بالمعظم فلم يجز له (¬1). (هـ) الذبح للقارن والمتمتع - القارن هو من جمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد. والمتمتع من أحرم بالعمرة وأداها أو أكثر طوافها في أشهر الحج ثم تحلل منها وحج في عامة بلا نزول بأهله. ويجب على كل ذبح شاة أو بدنة أو سبعها في الحرم يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة عند الأئمة الأربعة والجمهور , لقوله تعالى «فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استير من الهدى» (¬2) والتمتع بلغة القرآن وعرف الصحابة يشمل القران والتمتع في اصطلاح الفقهاء. والهدى اسم لما يذبح من النعم (الإبل والبقر والغنم) على جهة القربة إلى الحرم. (و) ترتيب أعمال يوم النحر - هي الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الركن. ويجب الترتيب بين الرمي والذبح والحلق عند أبي حنيفة وابن الماجشون المالكي , لما تقدم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحلاق: خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر. ثم جعل يعطيه الناس (¬3). (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: من قدم شيئاً من حجة أو أخره فليهرق دما. أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح على ¬

(¬1) ص 248 ج 8 شرح المهذب. (¬2) البقرة: 196 (¬3) تقدم رقم 181 ص 147 (كيفية الحلق)

شرط مسلم (¬1) {66} (وقال) أبو يوسف ومحمد الشافعي وأحمد: الترتيب المذكور سنة فلا شئ في الحلق قبل الرمي والذبح ولا في نحر القارن قبل الرمي , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح فأومأ بيده وقال: لا حرج وقال رجل: يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال: لا حرج. أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي. وهذا لفظ أحمد. وأخرجه مسلم من حديث ابن عمرو وأيضاً (¬2) {216} فلا دم ولا إثم على من خالف هذا الترتيب , ولا فرق في ذلك بين عالم وجاهل وعامد وناس عند الجمهور: وفرق أحمد في رواية بين الناسي والجاهل وغيرهما فقال: إن ترك الترتيب ناسياً أو جاهلاً فلا شئ عليه وإن أخل به عامداً عاملا , ففي وجوب الدم روايتان (¬3). (وقالت) المالكية: يجب تأخير الحلق والإفاضة عن رمي جمرة العقبة , فتقديم أحدهما على الرمي يوجب دما. وأما تقديم الرمي على النحر وتقديم النحر على الحلق وتقديمهما على طواف الركن , فمندوب. وهو محمل الحديث (¬4) والراجح أن الترتيب بين أعمال يوم النحر سنة. ويسن كون الذبح والحلق قبل زوال يوم النحر. ¬

(¬1) ص 424 ج 1 شرح معاني الآثار (من قدم نسكا قبل نسك) وص 142 ج 5 - الجوهر النقي (التقديم والتأخير في عمل يوم النحر). (¬2) ص 206 ج 12 - الفتح الرباني. وص 57 ج 9 نووي مسلم (تقديم الذبح على الرمي ... ) وانظر رقم 246 ج 2 تكملة المنهل العذب (والحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 3 ص 146 منه. (¬3) ص 461 ج 3 مغني ابن قدامة. (¬4) ص 735 ج 1 - الفجر المنير.

المقصد الخامس في سنن الحج

المقصد الخامس في سنن الحج السنن جمع سنة. والمراد بها هنا عمل من أعمال الحج سلا إثم في تركه ولا دم , لكنه مسئ فوت على نفسه فضل السنة. وهي كثيرة تقدم كثير منها في ثنايا الكلام في الأركان والواجبات. وله سنن أخرى منها: (1) الخطب في الحج - وهي أربع: يوم السابع من ذي الحجة بمكة , ويوم عرفة ويوم النحر بمنى ويوم النفر الأول بها أيضاً , لحديث أبي الزبير عن جابر عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها , ثم كان يوم النحر فأفضنا , فلما رجع أبو بكر رضي الله عنه خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم. فلما فرغ قام على رضي الله عنه فقر على الناس براءة حتى ختمها. فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون فعلمهم مناسكهم. فلما فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها. أخرجه النسائي والبيهقي. وهذا لفظه (¬1) {217} ¬

(¬1) ص 43 ج 2 مجتبي (الخطبة قبل يوم التروية) وهو الثامن من ذي الحجة. وص 111 ج 5 سنن البيهقي (الخطب ... في الحج) و (يوم النفر الأول) اليوم الثاني عشر من ذي الحجة.

(وبهذا) قال الشافعي. وقال الحنفيون ومالك: خطب الحج ثلاثة يوم السابع والتاسع والثاني عشر من ذي الحجة. (وقال) أحمد: ليس في السابع خطبة وهاك بيانها: (أ) خطبة السابع - يسن للإمام أو أمير الحج - عند الحنفيين ومالك والشافعي - أن يخطب الناس في اليوم السابع من ذي الحجة خطبة واحدة بمكة بعد صلاة الظهر يعلّم الناس فيها مناسك الحج من الخروج إلى منى والصلاة والبيات بها ليلة التاسع , ثم الإفاضة إلى عرفة والصلاة بها وسائر الأعمال المطلوبة من الحاج إلى زوال يوم عرفة , لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم. أخرجه البيهقي بسند جيد (¬1) {218} ولو كان اليوم السابع يوم جمعة , خطب للجمعة وصلاها , ثم خطب هذه الخطبة , لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة. وشرط خطبة الجمعة تقدمها على الصلاة فلا تدخل إحداهما في الأخرى (¬2). ولا يقول أحمد بهذه الخطبة , لأن الظاهر أنه لم يصح عنده الحديث فيها. وهاك بيان ما يذكر فيها: (1) التوجه إلى منى: يستحب للحاج أن يخرج من مكة بعد شمس ثامن ذي الحجة , راكباً إلى منى ملبياً داعياً بما شاء متجها إلى الشمال ماراً بالمعلى (¬3) على يساره في نهاية مكة. وقصر الشريف عبد المطلب على ¬

(¬1) ص 111 ج 5 سنن البيهقي. (¬2) ص 81 ج 8 شرح المهذب. (¬3) المعلى بفتح فسكون مقبرة مكة الشمال بينها وبين باب السلام 1042 متر.

يمينه وفي جنوبه الشرقي جبل الحجون , وهو حد المحصب من جهة مكة , ثم يتجه إلى الشرق , فيجد على يساره جبل النور في الشمال الشرقي لمكة , ثم يسير حتى يجد على يساره سبيل الست وهو حد المحصب من جهة منى (¬1) فإذا وصل إلى منى استحب أن يقول: اللهم هذا منًى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك , فمُنّ علينا بجوامع الخيرات, وبما مننت به على إبراهيمَ خليلك ومحمدٍ حبيبك. ويصلى بمسجد الخيف الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ويبيت بمنى حتى يصلىَ صبح يوم عرفة , لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلّوا بالحج , وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر , ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس (¬2) (والبيات) بمنى ليلة التاسع سنة بالإجماع , فلا شئ على من تركه. (ولا بأس) أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين , وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقتُ الجمعة بمكة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج. هذا هو الوارد. وهذا هدى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم أن غالب الحجاج قد أماتوا هذه السنة وابتدعوا الذهاب من مكة إلى عرفة رأسا يوم التاسع أو قبله (¬3) ¬

(¬1) جبل النور , جبل شامخ في أعلاه قمة عالية وفي ميسرتها غار حراء الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وابتدأ نزول الوحي عليه فيه , وطول المحصب 2387 متر. وبينه وبين منى. 3210 متر. [انظر رسم 9] المشاعر بين مكة وعرفة. (¬2) هذا بعض حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم) ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لأنهم كانوا يعدون فيه الماء الذي يرتوون به بمنى وما بعدها , لأن تلك الأماكن لم يكن فيها وقتئذ آبار ولا عيون أما الآن فقد كثرت فيها المياه واستغنوا عن حملها من مكة. (¬3) تقدم ص 99 , 100.

(2) السير إلى عرفة - ويسن التوجيه من منى بعد طلوع الشمس يوم عرفة إلى عرفات داعياً ملبياً مهللا مكبراً , لقول محمد بن أبي بكر الثقفي: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون في التلبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم؟ قال: كان يلبي الملبي فلا يُنْكَر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ويهلل المهلل فلا ينكر عليه. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة (¬1) {219} هذا. ويمر الحاج في سيره إلى عرفة بوادي محسِّر ثم بالمزدلفة , ثم بوادي المأزمين (¬2). وفي جنوبه طريق ضب يستحب سلوكه حال الذهاب إلى عرفة. فإذا وصل إليها استحب له النزول بنمرة ويغتسل بها للوقوف بعرفة , ولا يدخلها إلا وقت الوقوف بعد الزوال. (وأما) ما يفعله كثير من الناس من دخولهم أرض عرفة ليلة التاسع أو يومه قبل الزوال , فخطأ وبدعة منابذة للسنة. ففي حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقُبَّة من شعر فضربت له بنمرة فسار صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أنه واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز صلى الله عليه وسلم حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها. والمعنى أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وكان سائر العرب يقفون بعرفات. ¬

(¬1) ص 54 ج 2 بدائع المتن. وص 117 ج 12 - الفتح الرباني. وص 331 ج 3 فتح الباري (التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة .. ) وص 30 ج 9 نووي مسلم وص 44 ج 2 مجتبي (التكبير في المسير إلى عرفة) وص 122 ج 2 سنن ابن ماجة (الغدو من منى إلى عرفات). (¬2) مثنى مأزم كمسجد , وهو الطريق الضيق بين الجبلين.

فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولكنه تجاوزوه إلى عرفات , لقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أَفَاضَ النَّاسُ (¬1) أي سائر العرب غير قريش. وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة , لأنها من الحرم وكانوا يقولون نحن أهل حرم اله فلا نخرج منه. (ب) خطبة يوم عرفة - يستحب للإمام - هند الحنفيين ومالك والشافعي - أن يخطب يوم عرفة قبل صلاة الظهر خطبتين خفيفتين يعلم الناس فيهما المناسك التي من زوال يوم عرفة إلى ظهر يوم النحر كالجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة والوقوف بعرفة والإفاضة منها إلى مزدلفة وجمع المغرب والعشاء بها والمبيت والوقوف بها والرمى والذبح يوم النحر وطواف الركن. ويحثهم فيها على كثرة الدعاء. والتهليل والتلبية في الموقف , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له في بطن الوادي فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا إن كل شئ من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب - كان مسترضعا في بني سعد - فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء ¬

(¬1) سورة البقرة: 199.

فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله. وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعيه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم أشهد اللهم اشهد الهم أشهد (¬1). (وقال) أحمد: يخطب بعد الزوال خطبة واحدة خفيفة يفتتحها بالتكبير ويعلم الناس فيها المناسك , ثم يأمر بالآذان ويصلى الظهر مبكراً , لقول سالم بن عبد الله بن عمر: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج , فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس؛ فصاح عند فسطاطة أين هذا؟ فخرج إليه , فقال ابن عمر الرواح فقال: آلآن؟ قال نعم، ¬

(¬1) هذا بعض حديث جابر الآتي (فأجاز) أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها (حتى اتى) أي قارب (عرفة) فهو مجاز لقوله (فوجد القبة قد ضربت له بنمرة) فإن نمرة ليست من عرفة (فرحلت) بكسر الحاء أي جعل عليها رحل (موضوع) أي باطل (وابن ربيعة) إياس أو حارثة كان طفلا يجبو بين البيوت فأصابه حجر من هذيل من حرب كانت بين بني سعد وبني ليث. و (كلمة الله) الإيجاب والقبول وقيل كلمة التوحيد إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم (وألا يوطئن) أي لا يأذن في دخول بيوتكم أحداً تكرهون دخوله ولو امرأة أو محرما لهن (فقال) أي أشار بأصبعيه (وينكبها) من باب نصر أي يميلها إلى الناس. ويريد بذلك أن يشهد الله عليهم " فإن قيل " ليس في هذه الخطبة شئ من المناسك " قلنا " اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بفعله المناسك لأن الفعل أوضح من القول على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم أحيانا ما يلزمهم من القول ثم خص هذه الخطبة بأهم الأحكام العامة التي يحتاج الناس إليها ولا يسعهم جهلها؛ لأن اليوم يوم اجتماع. وإنما ننتهز مثل هذه الفرصة لمثل هذه الأحكام التي يراد تبليغها إلى جمهور الناس.

قال أنظرني أفيض على ماء , فنزل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي. فقلت له: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف , فقال ابن عمر: صدق. أخرجه البخاري (¬1) {67} ويستحب ان يخطب على منبر إن وجد , وإلا فعلى مرتفع من الأرض أو على بعير (وهناك) بيان المناسك التي تؤدي بين ظهر يوم عرفة وظهر يوم النحر. (1) الجمع بين الظهر والعصر - وبعد خطبة عرفة ينزل الإمام فيصلى بالناس الظهر والعصر مقصورين , جامعاً بينهما بمسجد نمرة بآذان وإقامتين: لحديث جعفر بن محمد عن أبيه أن جابر بن عبد الله قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس , ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر , ثم أقام فصلى العصر , ولم يصل بينهما شيئاً. أخرجه النسائي (¬2) {220} دل الحديث: (أ) على جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وهو سنة إجماعا. (ب) وعلى أنه يؤذن للأولى ويقام لكل منهما. وبه قال الحنفيون والشافعي. وهو رواية عن أحمد (وعنه) أنه يقام لكل بلا أذان (وقال) مالك: يؤذن لكل ويقام. وما دل عليه الحديث أولى بالاتباع. ¬

(¬1) ص 333 ج 3 فتح الباري (قصر الخطبة بعرفة). (¬2) ص 100 ج 1 مجتبي (الجمع بين الظهر والعصر بعرفة).

(جـ) وعلى أن الأذان بعد الخطبة. وبه قال مالك وأحمد. فبعد الخطبتين يؤذن ويقام للعصر هـ وعلى أن الأذان بعد الخطبة. وبه قال مالك وأحمد. فبعد الخطبتين يؤذن ويقام للعصر (¬1). (وقال) أبو حنيفة ومحمد: يؤذن قبل الخطبة كالجمعة بعد صعود الإمام المنبر , وإذا فرغ المؤذن من الأذان قام الإمام وخطب (وقال) الشافعي: يؤذن والإمام يخطب الثانية , لقول الشافعي: أخبرنا إبراهيم ابن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال , ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان , ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر. أخرجه الشافعي والبيهقي. وقال: تفرد بهذا التفصيل إبراهيم بن محمد ويرده. قول الشافعي: ثنا إبراهيم وغيره (¬2) {221} (والحديث) الأول أصح فهو أولى بالاتباع. ويسر بالقراءة فيهما ولا يتنقل بينهما إجماعاً. فإن اشتغلوا بينهما بتطوع أو غيره أعادوا الأذان للعصر , لأن الأصل يؤذن لكل مكتوبة , وإنما عرف ترك الأذان للعصر يوم عرفة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يتنفل بينهما فبقى الأمر عند الصلاة بينهما على الأصل (¬3). (ويشترط) لجواز الجمع بعرفة عند أبي حنيفة صلاتهما مع الإمام أو نائبه. وكونه محرما فيهما بحج لا بعمرة. وصحة صلاة الظهر. فلو فسدت أعادها منفردة وبعيد ¬

(¬1) ص 731 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) ص 54 ج 2 بدائع المنن. وص 114 ج 5 سنن البيهقي (الخطبة يوم عرفة). (¬3) ص 152 ج 2 بدائع الصنائع (بيان سنن الحج والترتيب في أفعاله).

العصر في وقته. ولو صلى الظهر وحده إو في جماعة مع غير الإمام أو كان غير محرم فيهما للحج ثم أحرم فصلى العصر في وقت الظهر , لا يجوز , لن تقديم الصلاة على وقتها شرع على خلاف القياس - بعرفة - لمن صلى مع الإمام وكان محرما بهما , وما شرع على خلاف القياس بنص يقتصر عليه. (وقال) أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد: لا يشترط لجوز الجمع بعرفة إلا الإحرام بالحج في العصر. فلا تشترط الجماعة فيهما , لقول نافع: كان ابن عمر إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما. أخرجه البخاري معلقا (¬1) {68} وهذا هو الموافق ليسر الدين. ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره. وهذا الجمع بعرفة ومزدلفة سببه الحج عند الحنفيين ومالك وبعض الشافعية وهو الحق. (وقال) أكثر الشافعية: الجمع بهما للسفر. فمن كان حاضراً أو مسافراً دون مسافة القصر كأهل مكة لم يجز له الجمع. وأما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: لهم القصر كما ان لهم الجمع , لما روي ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم مكه صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر , ثم صلى عر ركعتين بمنى قال مالك: ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً. أخرجه مالك (¬2) {69} دل قوله (ولم يبغنا) أن أهل مكة يقصرون بمنة وعرفة. وهذا ¬

(¬1) ص 333 ج 3 فتح الباري (الجمع بين الصلاتين بعرفة) وقد وصل هذا التعليق إبراهيم الحربي عن نافع أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله. (¬2) ص 256 ج 2 زرقاني الموطإ (صلاة منى).

هو الحق؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد مسافة القصر بل الرخصة منوطة بالسفر مطلقاً (¬1). فائدة: يجمع الإمام بين الصلاتين ويصلى الأولى منهما ظهراً ولو يوم جمعة عند مالك. قال في الموطإ وشرحه: والأمر الذي لا خلاف فيه عندنا أن الإمام لا يجهر بالقراءة في الظهر يوم عرفة وأن الصلاة يومه إنما هي ظهر وإن وافقت الجمعة , للإجماع على أن حجته صلى الله عليه وسلم كانت يوم الجمعة. وفي حديث جابر بعد ذكر الخطبة: ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر (¬2) (وقال) في الذخيرة: جمع الرشيد مالكا وأبا يوسف فسأل أبو يوسف مالكا عن إقامة الجمعة بعرفة , فقال مالك: لا يجوز لأنه عليه الصلاة والسلام ولم يصلها في حجة الوداع. فقال أبو يوسف: قد صلاها لأنه خطب خطبتين فصلى بعدها ركعتين وهذه جمعة. (فقال) مالك: أجهر بالقراءة كما يجهر بالجمعة؟ فسكت أبو يوسف وسلم , أي فالخطبة لمجرد التعليم لا أنها خطبة جمعة (¬3). (2) الوقوف بعرفة - وبعد الجمع بين صلاة الظهر والعصر يأتي الحاج عرفة وينتظر بها إلى الغروب مكثراً من التهليل والتكبير والدعاء كما تقدم (¬4). (3) الإفاضة من عرفة - فإذا غربت شمس يوم عرفة أفاض الحجاج مع الإمام فلا يتقدمون عليه ولا يتأخرون إلا للزحام , ويسن أن يسير ¬

(¬1) انظر تحقيقه ص 48 ج 4 - الدين الخالص. (¬2) ص 251 ج 2 زرقاني الموطإ (الصلاة بمنى يوم التروية والجمعة بمنى وعلافة). (¬3) ص 731 ج 1 - الفجر المنير. (¬4) ص 91 إلى ص 96.

كل على هينته , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة فسمع وراءه زجراً شديداً وضربا للإبل , فأشار بسوطه إليهم وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع أخرجه البخاري (¬1) {222} وإذا وجد فرجة يسرع بلا إيذاء أحد , لما روي هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل أسامة بن زيد كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ " يعني من عرفة " قال: كان يسير العنق وإذا وجد فجوة نص. أخرجه مالك والشافعي والستة إلا الترمذي (¬2). (ويسن) للحجاج الإكثار من الذكر والتلبية حال إفاضتهم لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (¬3) وقوله فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (¬4)} ويسيرون من طريق المأزمين إلى مزدلفة؛ ويستحب لهم النزول بقرب جبل قزح. ويقولا لحاج عند دخولها: اللهم هذا جمع أسألك أن ترزقني فيه جوامع الخير كله فإنه لا يعطيها غيرك الله رب المشعر الحرام ورب زمزم والمقام ورب البيت الحرام والبلد الحرام , أسألك أن تصلح لي ديني وذريتي وتشرح لي صدري وتطهر قلبي وترزقني الخير كله وأن تقيني من الشر كله. إنك ولي ذلك والقادر عليه. ويستغفر كثيراً. ¬

(¬1) ص 339 ج 3 فتح الباري (الأمر بالسكينة عند الإفاضة من عرفة) والإيضاع الإسراع. (¬2) انظر رقم 193 ص 62 ج 2 تكملة المنهل العذب (الدفع من عرفة) وباقي المراجع بهامش 1 , 3 ص 63 منه. و (العنق) بفتحتين السير السهل الوسط و (النص) الإسراع في السير. (¬3) البقرة آية 189. (¬4) البقرة آية 200.

(4) لجمع بمزدلفة - فإذا أتى مزدلفة يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين لا يتنفل بينهما , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: ودفع صلى الله عليه وسلم (يعني من عرفة) وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن أرسلا ليصب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتي المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين وليم يسبح بينهما شيئا (¬1). دل الحديث: (أ) على الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وهو واجب عند الحنفيين سنة عند غيرهم. (ب) وعلى أنه يؤذن للأولى ويقام لكل منهما. وبه قال الشافعي في الصحيح عنه وأحمد في رواية وزفر وعبد الملك بن المجشون المالكي واختاره الطلحاوي. (وقال) الحنفيون: يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة , لحديث أشعت بن سليم عن أبيه قال: أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى آتينا المزدلفة فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى آتينا المزدلفة فأذن وأقام أو أمر إنسانا فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا فقال الصلاة فصلى بنا العشاء ركعتين ثم دعا بعشائه. فقيل لابن عمر في ذلك. فقال. صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أخرجه أبو داود (¬2) {224} ¬

(¬1) هذا بعض حديث جابر الآتي. و (شنق) أي ضم وضيق ورفع رأسها بالزمام (والمورك) (المرفقة عند قادمة الرحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح ويقول بيده) أي يشير بها (والحبل) بالحاء المهملة التل من الرمل. و (لم يسبح) أي لم يصل بينهما ناقلة. (¬2) انظر رقم 204 ص 74 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع).

ويأتي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بإقامتين وهو الصحيح (¬1) (وقال) مالك: يجمع بينهما بأذانين وإقامتين , لقول عبد الرحمن ابتن يزيد: حج عبد الله بن مسعود فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريباً من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين. ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين (الأثر) أخرجه البخاري (¬2). {70} وهذا الأثر يخالف حديث جابر الصحيح (وعن) الشافعي وأحمد: أنه يجمع بينهما بإقامتين , لحديث سالم بن عبد الله ابن عمر رضي اله عنهما قال: فقال جمع النبي صلى اله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع وهي المزدلفة. صلى المغرب ثلاثاً ثم سلم ثم أقام العشاء فصلاها ركعتين ثم سلم ليس بينهما سبحة , أخرجه البخاري والنسائي وعندهما: كل واحدة منهما بإقامة الطلحاوي. وهذا لفظه (¬3) {225} وقال: فهذا يخبر أنه صلاهما بإقامتين , والذي رويناه عن جابر رضي الله عنه من هذا أحب إلينا. وذلك لتعارض روايتي ابن عمر وعدم إمكان الجمع بينهما (¬4) لأن النبي صلى اله عليه وسلم لا يحج إلا مرة واحدة. وحديث جابر مقدم عليهما , لاتفاق مسلم وغيره عليه. فالراجح أن يؤذن للمغرب ويقام لكل منهما (ويشترط) عند أبي حنيفة ومحمد لجواز الجمع بين المغرب والعشاء أن يكون بمزدلفة. وأن يكون محرما ¬

(¬1) يأتي رقم 225. (¬2) ص 340 ج 3 فتح الباري (من أذن وأقام لكل واحدة منهما). (¬3) ص 339 منه (من جمع بينهما ولم يتطوع) وص 47 ج 2 مجتبي (الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة) وص 411 ج 1 شرح معاني الآثار. (¬4) هما رقما 224 , 225.

بحج. فلا تجوز صلاة المغرب في غير المزدلفة كعرفة والطريق , لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة حين وقعت الشمس حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت الصلاة يا رسول الله , فقال: الصلاة أمامك , فركب. فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما شيئاً. أخرجه مالك والشافعي والشيخان وأبو داود (¬1) {226} وقوله: الصلاة أمامك , المراد وقتها , وهو يدل على وجوب الإعادة إن صلاها في غير المزدلفة , لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث (¬2). (وقال) مالك: يشترط لجواز الجمع بمزدلفة الوقوف مع الإمام والدفع معه من غير عذر , وكون الجمع بعد مغيب الشفق. فإن قدمهما عنه تفسد العشاء الشفق أعادهما ندبا بها. هذا. ويقصر المسافر العشاء أما أهل مزدلفة وعرفة ومنى فيتمون في أماكنهم. فإن عجز عن لحاق الناس في سيرهم إلى المزدلفة لضعف به أو بدابته , يجمع الصلاتين بعد الشفق بأي حال كان وإن وقف مع الإمام. وإن لم يقف معه يصلى كل فرض في وقته من غير جمع , لأن الجمع إنما شرع لمن وقف مع الإمام (وقال) في الذخيرة: ومن دفع من عرفة حين ¬

(¬1) انظر رقم 195 ص 64 ج 2 تكملة المنهل العذب (الدفعة من عرفة) وباقي المراجع بهامش 5 ص 65 منه. و (الشعب) بكسر فسكون الطريق بين الجبلين (ولم يسبغ الوضوء) يعني أنه استنجى فقط. وسماه وضوءا من الوضاءة وهي النظافة. (¬2) ص 171 ج 2 فتح القدير على الهداية.

غربت الشمس ولم تكن به علة ولا بدابته وهو يسير بسير الناس فلا يصلى المغرب والعشاء إلا بالمزدلفة , فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة أمامك , قيل لمالك: فإن أتى المزدلفة قبل الشفق؟ قال: هذا مما لا أظنه يكون ولو كان ما أحببت له أن يصلى حتى يغيب الشفق (¬1). (وقال) الشافعي وأحمد وأبو يوسف: يشترط لجواز الجمع بمزدلفة السفر فقط , فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو العشاء بمزدلفة أو غيرها جاز. والخلاف مبنى على أن الجم للنسك أم للسفر؟ فعند هؤلاء الجمع للسفر وعند الأولين الجمع للنسك (¬2) وهذا ما يشهده له الدليل. (5) أما المبيت بمزدلفة , والوقوف بها والإفاضة منها إلى منى وترتيب أعمال يوم النحر , فقد تقدم بيانها (¬3). هذا. وقد جمع مناسك الحج من الوقوف بعرفة إلى طواف الركن حديث على رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف , ثم أفاض حين غربت الشمس, وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته , وللناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم ويقول: يا أيها الناس عليكم السكينة. ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعاً. فلما أصبح أتى قزح ووقف عليه وقال هذا قزح وهو الموقف. وجمع كلها موقف , ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته , فخبت حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها , ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ¬

(¬1) ص 722 ج 1 - الفجر المنير. (¬2) ص 148 ج 8 شرح المهذب. (¬3) انظر ص 151 و 152 و 155 و 176.

ومنى كلها منحر , واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت: إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال حجي عن أبيك. فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق قال: أحلق ولا حرج فقال: يا رسول اللهه إني أفضت قبل أن أحلق قال: أحلق ولا حرج أو قصر ولا حرج. وجاء آخر فقال: يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي: فقال: أرم ولا حرج. ثم أتى البيت فطاف به ثم أتى زمزم فقال: يا بني عبد المطلب لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعت. أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند , والترمذي بسند جيد وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا لفظه (¬1) {227} (ج) خطبة يوم النحر - وبعد رمي جمرة العقبة يوم النحر يخطف الإمام الناس - عند الشافعي وأحمد - خطبة يعلمهم فيها مناسك اليوم منى للبيات بها ليالي التشريق ورمى الجمار يوم الحادي عشر من ذي الحجة , لقول رافع بن عمر المزني: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغله شهباء وعلى رضي الله عنه عبر عنه والناس بين قائم وقاعد. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند حسن والنسائي بسند صحيح (¬2) {228} دل الحديث على أن هذه الخطبة كانت وقت الضحى يوم النحر قبل طواف الإفاضة ولكن القائلين بمشروعيتها يقولون إنها تكون بعد الظهر ¬

(¬1) ص 84 ج 11 - الفتح الرباني. وص 100 ج 2 تحفة الأحوذي (عرفة كلها موقف). (¬2) انظر رقم 224 ص 104 ج 2 تكملة المنهل العذب (أي وقت يخطب يوم النحر؟ ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 105 منه. و (يعبر عنه) أي يبلغ حديثه من هو بعيد.

يوم النحر بمنى بعد طواف الإفاضة. والحديث اولى بالاتباع. ويستحب للحجاج حضور هذه الخطبة والاغتسال لها والتطيب بعد التحلل ولو الأول (¬1). (وقال) عبد الرحمن بن معاذ التيمي: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا. فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصى الخذف , ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد. ثم نزل الناس بعد ذلك. أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وأبو داود. وهذا لفظه (¬2) {229} (وقال) الحنفيون ومالك: لا خطبة يوم النحر للحج (وأجابوا) بأن المذكور في الحديثين ونحوهما وصايا عامة لا أنها خطبة من شعائر الحج (ورد) بأن الرواة سموها خطبة كما سموا التي بعرفات. (د) الخطبة الرابعة في احج - قال الحنفيون ومالك: يستحيب للإمام بعد صلاة ظهر يوم الحادي من ذي الحجة أن يخطب خطبة واحدة يعلم فيها الناس باقي المناسك من رمي الجمار في أيام التشريق والرجوع من منى إلى مكة والنزول بالمحصب وطواف الوداع. لقول سراء بنت نبهان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: هل تدرون أي يوم هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم , ¬

(¬1) ص 219 ج 8 شرح المهذب. (¬2) انظر رقم 225 ص 106 ج 2 تكملة المنهل العذب (ما يذكر الإمام في خطبته بمنى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 108 منه. و (فتحت) مبنى للمفعول.

قال: هذا أوسط أيام التشريق , قال: هل تدرون أي بلد هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا المشعر الحرام ثم قال: إني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد هذا ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام حكرمة يومكم هذا فيبلدكم هذا , حتى تلقوا ربكم , فيسألكم عن أعمالكم , ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم , ألا هل بلغت؟ فلما قدم المدينة لم يلبث إلا قليلا حتى مات صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي (¬1) {230} دل الحديث على ان هذه الخطبة كانت في أوسط أيام التشريق لا في أولها. ولذا قال الشافعي وأحمد: هذه الخطبة تكون يوم الثاني عشر من ذي الحجة. (2) النزول بالمحصب - المحصب كمحمدا , واد بين جبل النور والحجون ويسمى الآبطح والبطحاء وخيف بني كنانة (¬2). (ويسن) للحاج النزول به إذا نفر من منى إلى مكة يوم الثالث عشر من ذي الحجة ويصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ويهجع هجعة ليلة الرابع عشر , ثم يدخل مكة ويطوف طواف الوداع , لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به. أخرجه البخاري والبيهقي (¬3). {231} (وبهذا) قال الحنفيون والشافعي وأحمد. قال الترمذي: وقد استحب بعض أهل العلم نزول الأبطح من غير أن يروا ذلك واجباً. قال الشافعي: ¬

(¬1) ص 151 ج 5 سنن البيهقي (خطبة الإمام بمنى أوسط أيام التشريق). (¬2) (الخيف) بفتح فسكون , ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل. (¬3) ص 383 ج 3 فتح الباري (من صلى العصر يوم النفر بالأبطح) وص 160 ج 5 سنن البيهقي (الصلاة بالمحصب .. ) (فطاف به) أي طواف الوداع.

نزول الأبطح ليس من النسك في شئ إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (¬1). (وقالت) المالكية: يندب للحاج غير المتعجل النزول بالمحصب في غير يوم الجمعة بعد رمي يوم الثالث عشر من ذي الحجة. أما المتعجل فلا يندب له التحصيب لإحيائه السنة إلا أن يكون متعجلا أو يوافق نفره يوم الجمعة (¬2) (والحكمة) في ذلك شكر الله تعالى على إظهار دينه بعد ما أراد المشركون إخفاءه. (روى) الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن بمنى: نحن نازلون غداً بخيف بني كنابة حيث تقاسموا على الكفر. وذلك أن قريش اوبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبنى المطلب ألا يناحكوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والشيخان. وهذا لفظ مسلم. وأبو داود والبيهقي (¬3) { 232} ¬

(¬1) (ليس من النسك في شئ) أي أنه سنة مستقلة ليس من المناسك. انظر ص 211 ج 2 تحفة الأحوذي. (¬2) ص 744 ج 1 - الفجر المنير. (¬3) انظر رقم 271 ص 192 ج تكملة المنهل العذب (التحصيب) وباقي المراجع بهامش 1 ص 193 منه. و (تقاسموا أي تحالفوا. وقد فسره الزهري بقوله: وذلك أن قريشا الخ (حتى يسلموا) بضم فسكون (رسول الله) إلى قريش. ليقتلوه وذلك أنه لما جهر النبي صلى = =الله عليه وسلم ومبالغته في ذلك وعدم ردهم إلى قريش كطلهم , كبر ذلك عليهم جدا وأجمعوا على مقاطعة بني هاشم وبنى المطلب مقاطعة تامة في البيع والشراء والنكاح والمخالطة والصلح ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله للقتل. وفي ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة سنة 617 ميلادية كتبوا بذلك صحيفة علقوها بجوف الكعبة توكيدا لأمرها. كتبها منصور بن عكرمة ابن عامر أو غيره فشلت =

دخول مكة (¬1) إذا أراد المحرم دخول مكة طلب منه ثمانية أمور. ¬

= يده. وانحاز بنو المطلب وبنو هاشم ما عدا أبا لهب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وبقوا محصورين فيه نحو ثلاث سنوات حتى أنفقوا ما معهم وتضوروا جوعا وعريا. ولحقتهم مشقة عظيمة وقطعت عنهم الميرة (الطعام) والمادة حتى بلغهم من الجهد ما بلغهم. ثم أطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرضة ق لحست ما في الصحيفة من جور وقطيعة رحم. ولم يبق فيها إلا إسم الله. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بذلك وأخبر أبو طالب من معه فخرجوا إلى المسجد فقال أبو طالب لقريش: أخبرني ابن أخي وهو لا يكذب أن الأرضة لحست من في الصحيفة إلا اسم الله تعالى .. فإن كان صادقا نزعتم عن سوء رأيكم , وإن كان كاذبا دفعته إليكم لتفعلو معه ما ترون فأتوا بالصحيفة وفتحوها فإذا هي كما قال الصادق الأمين فسقط في أيديهم ولكن لم يؤثر ذلك فيهم لشقوتهم. فقال أبو طالب: علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر؟ ثم دخل هو ومن معه بين الكعبة وأستارها وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم منا. ثم انصرفوا إلى الشعب. وهنا تلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم والمطلب واجتمع خمسة من سادتهم على طرف الحجون بأعلى مكة وتعاهدوا على نقض الصحيفة وهم: هشام بن عمرو العامري , وزهير بن أمية المخزومي (وكانا من المؤلفة) والمطعم بن عدى النوفلي (مات كافرا) وأبو البخترى (بفتح فسكون) بن هشام (مات كافرا يوم بدر) وزمعة بن أسود الأسدي. ولما أصبحوا جاء زهير فطاف بالبيت ثم قال: يا أهل مكة إنا نأكل الطعام ونلبس الثيلب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة. فقال أبو جهل: كذبت والله. فقال له زمعة: وأنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت. وقال الآخرون مثله. فقال أبو جهل: هذا أمر قضى بليل تشوور فيه بغير هذا المكان. ثم قام المطعم إلى الصحيفة فشقها ثم خرجوا إلى من بالشعب وأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا. وكان ذلك في السنة العاشرة من البعثة. (¬1) مكة: لها أسماء ذكر في القرآن منها أربعة: - (أ) مكة: قال الله تعالى " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن اظفركم عليهم " (24 - الفتح) أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن البيت عام الحديبية. وهي المراد ببطن مكة (وقيل) إن ثمانين رجلا من أهل مكة نزلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم متسلحين يريدون أخذه فأخذهم المسلمون ثم عفوا عنهم. رو ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم عند صلاة الصبح يريدون قتله فأخذوا فأعتقهم. فنزلت: وهو الذي كف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. ص 164 ج 1 تيسير الوصول (سورة الفتح) وأخرجه أحمد بلفظ: لماك أن يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجل من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم فدعا عليهم فأخذوا ونزلت هذه الآية (انظر ص 276 ج 18 - الفتح الرباني) سمين مكة لقلة مائها. (ب) بكة - قال تعالى: " إن أول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين " (96 - آل عمران) قالت اليهود إن بيت المقدس أفضل من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء (بفتح الجيم) وفي الأرض المقدسة. فرد الله عليهم. (أولا) بهذه الآية: نبه بكونه أول متعبد (بفتح الباء المشددة) على أنه أفضل من غيره. (ثانيا) بقوله: " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " أي وليس ذلك في بيت المقدس. (ثالثا) بقوله: " ومن دخله كان آمنا " أي وليس ذلك في بيت المقدس. (رابعا) بقوله: " ولله على الناس حج البيت " أي وليس ذلك في بيت المقدس. سمية بكة لازدحام الناس في الطواق يقال بك القوم ازدحموا. (ج) أم القرى: قال تعالى: " وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها " (آية 92 - الأنعام) يعني مكة. وخصت بالذكر لأنها أعظم القرى شأنا ولأن بها أول بيت وضع للناس ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم. فالإنذار لأهلها مستتبع لإيذار أهل الأرض. والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض. (د) البلد الأمين /: قال تعالى " وهذا البلد الأمين " يعني مكة وصفت بالأمين لأمان من دخلها قال تعالى: " أنا جعلنا حرما آمنا , يقال: أمن الرجل أمانة فهو أمين. (وهي) " عاصمة الحجاز طولها من الشمال إلى الجنوب ثلاثة كيلو مترات وعرضها من الشرق إلى الغرب نصف ذلك (وهي) ببطن واد محاط بسور جبلي. ومداخلها أربعة: في الشمال الشرقي الطريق إلى منى , وفي الجنوب الطريق إلى اليمن وفي الشمال الغربي الطريق إلى وادي فاطمة. وفي الغرب الطريق إلى جدة (وجبالها) سليلتان: = = (أ) شمالية تتكون من الفلج غربا ثم قعيقعان ثم جبل الهندي ثم جبل لعلع ثم جبل كدا (بفتح الكاف والمد) وهو في أعلى مكة. ومن جهته دخل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفي حجة الوداع. وبالقرب منه ذو طوى واد به آبار الزاهر. ونزل به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وبات به ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة سنة عشر. وصلى به الصبح ثم اغتسل ودخل مكة. =

(1) يسن له الغسل ولو حائضا أو نفساء عند غير المالكية أما هم فقد قاموا: لغيرا لحائض والنفساء وتقدم بيانه في الغسل لدخول مكة (¬1). (2) ويستحب المبيت بذي طوى. لقول ابن عمر رضي الله عنهما: بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى اصبح يدخل مكة وكان ابن عمر يفعله. أخرجه الشيخان (2) {233} (3) ويستحب - عند الحنفيين - دخول مكة نهاراً. وهو الأصح عن الشافعي ,لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهاراً. أخرجه أحمد والترمذي. وقال هذا حديث حسن (¬3) {234} ولعل الحكمة في هذا إظهار الشعائر الدينية ولاسيما إذا كان الداخل ممن يقتدي به. وأما دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة ليلا في عمرة الجعرانة ,فلبيان الجواز. ¬

= (ب) وجنوبية تتكون من جبل عمر غربا. ثم جبل كدى (بضم أوله مقصورا) ثم كدى (مصغرا) يميل إلى الجنوب ثم جبل أبي قبيس شرقي مكة ثم جبل خندمة (وأهم) شوارعها طريق يقطعها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي يبتدئ من جرول أول الشيخ محمود مارا بباب العمرة ثم أمام التسكية المصرية ثم القشاشية إلى آخر مكة من جهة المعلى وعرض هذا الطريق بين ثمانية أمتار وعشرة وعشرين [انظر رسم ص 7 ص 200]. (¬1) ص 310 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية. (¬2) ص 281 ج 3 فتح الباري (دخول مكة نهاراً أو ليلاً) وص 5 ج 9 نووي مسلم (المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة ... ) و (ذو طوى) مثلث الطاء , موضع في الشمال الغربي لمكة. به آبار الزاهر. (¬3) ص 7 ج 12 - الفتح الرباني. وص 91 ج 2 تحفة الأحوذي (دخوله صلى الله عليه وسلم مكة نهاراً).

(4) ويستحب دخول مكة من الثنية العليا التي تشرق على الحجون (¬1) لقولا عائشة رضي الله عنها: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ¬

(¬1) الحجون بفتح الحاء جبل بأعلى مكة مشرف على مقبرتها.

دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها. أخرجه الشيخان وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {235} (والمختار) أن دخول مكة من الثنية العليا مستحب لكل محرم يريد دخول مكة. وإن لم تكن الثنية في طريقه يعتدل إليها. والحكمة في مخالفة الطريق أنه صلى الله عليه ولم خرج من مكة مختفياً فأراد أن يدخلها ظاهرا غالبا. (وقيل) دخل من العليا تعظيما للمكان وخرج من السفلى لما فيه من فراقه. (5) ويسن لداخل مكة أن يحتفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة. ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلال البقعة التي هو فيها والكعبة التي هو متوجه إليها , ويمهد عذر من زاحمه , ويدخل خاشع القلب خاضع الجوارح داعيا بما شاء (وروى) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله: اللهم البلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك , متبعا لأمرك راضيا بقدرك مبلغا لأمرك. أسألك مسألة المضطر إليك , المشفق من عذابك , أن تتقبلني وأن تتجاوز عنب برحمتك , وأن تدخلني جنتك (¬2). (6) ويستحب لداخل مكة أن يبدأ بالمسجد الحرام (¬3) لقول عطاء: ¬

(¬1) انظر رقم 143 ص 200 ج 1 تكملة المنهل العذب (دخول مكة) وباقي المراجع بهامش 1 منه. (¬2) ص 7 ج 8 شرح المهذب. (¬3) المسجد الحرام من عهد سيدنا إبراهيم إلى عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعهد الصديق رضي الله عنه , ليس له جدار يحيط به وكانت الدور محيطة به وكانت حدوده حدود المطاف الآن (وقد) زيد فيه عدة زيادات: (أولاً) في سنة 17 هـ اشترى عمر رضي الله عنه دورا من اهلها وسعه بها. وأبي بعضهم أن يأخذ الثمن وامتنع من البيع فوضع أثمانها عمر في خزانة الكعبة فأخذوها. وقال لهم إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها ولم تنزل الكعبة عليكم. ثم جعل على المسجد جدار قصيرا دون القامة. . (ثانياً) في سنة 26 اشترى عثمان رضي الله عنه دورا واسه بها المسجد (وقد أبى) قوم البيع فهدم عليهم دورهم فصاحوا به فأمر بحبسهم حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم وجعل للمسجد أروقة (وهي البواكي). (ثالثاً) وفي سنة 64 هـ اشترى عبد الله بن الزبير دورا وسع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= بها المسجد من جانبيه الشرقي والجنوبي توسعة كبيرة. (رابعاً) وفي سنة 75 هـ حج عبد الملك ابن مروان فأمر برفع جدر المسجد وسقفه بالساج. (خامسا) ثم وسعه ابنه الوليد وسقفه بالساج المزخرف وأزره من داخله بالرخام وجعل له شرفا (*). (سادسا) ثم أمر ابو جعفر المنصور زياد بن عبد الله الحارثي أمير مكة بتوسعة المسجد فوسعه في المحرم سنة 137 هـ من جانبيه الشمالي والغربي فزاده ضعف ما كان عليه. (سابعا) وفي سنة 140 هـ حج أبو جعفر المنصور ورأى حجارة حجر إسمماعيل بادية فأمر عاملة زياد بن عبد الله بتغطيتها بالرخام ليلا فنفذ أمره. (ثامنا) في سنة 161 هـ وسع المهدي بن المنصور المسجد من الجانب الجنوبي والجانب الغربي حتى صار على ما هو عليه اليوم ما عدا زيادة دار الندوة وزيادة باب إبراهيم الآتيتين. ونقل إليه اساطين الرخام من مصر وغيرها. وأنفق في ذلك أموالا طائلة. (تاسعا) في سنة 281 هـ أمر المعتضد العباسي أن يجعل ما بقى من دار الندوة - في الجهة الشمالية للمسجد - مسجدا يوصل بالمسجد الحرام فجعلت مسجداً به أساطين وأورقة مسقفة بالساج المزخرف. وفتح لها في جدار المسجد 12 اثنا عشر باب وجعل لها من الخارج ثلاثة أبواب. وتسمى زيادة دار الندوة. وطولها من الشمال إلى الجنوب 64 أربعة وستون ذراعا. وعرضها 70 سبعون ذراعا. وفي سنة 306 هـ وصلت هذه الزيادة بالمسجد وصولا أكمل من الأولى حتى صار من بها يرى الكعبة كلها. (عشراً) في سنة 376 هـ أمر جعفر المتقدر بالله أن يبني في الجهة الغربية من المسجد مسجد يوصل به فنفذ أمره. وتسمى هذه الزيادة زيادة باب إبراهيم وطولها ¾ 56 ذراعا. وعرضها 52 زراعاً. (حادي عشر) وفي سنة 979 هـ أمر السلطان سليم الثاني (**) ببناء المسجد الحرام. على أكمل إتقان وأبدع نظام وأن يستبدل السقف بقباب دائرة بالأروقة ليؤمن من تآكل الخشب فكلف الوالي على مصر سنان باشا. فاختار هذا الأمير أحمد بك كتخدا (اسكندر باشا) والي مصر سابقا القيام بهذه المهمة فاستصحب معه كبير المهندسين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= بمصر المعلم محمد المصري فوصلا إلى مكة المكرمة في آخر ذي الحجة سنة 979 هـ وبدئ في العمل منتصف ربيع الأول سنة 980 هـ وفي اليوم السابع من رمضان سنة 982 هـ توفي السلطان سليم الثاني. ولما تولى ابنه مراد الثاني أمر باتمام العمل فورا فتم في آخر سنة 984 هـ فكان نزهة الناظر وبغية الخاطر. وبلغت نفقات هذه العمارة خمسة وخمسين ومائة ألف جنيه من الذهب غير ما وصل من مصر من مواد البناء. ثم حدثت عمارات ترميمية أمر بها السلطان عبد المجيد بن محمود الثاني العثماني هذا والمسجد الحرام وسط مكة بالجنوب وفي وسطه الكعبة. وبالزيادات السابقة صار متوسط طوله الشمالي والجنوبي 195 متر ومتوسط عرضه شرقاً وغرباً 5/ 108 متر. فيكون مسطحه من الداخل 5/ 17902 متر مربعا (أي أربعة أفدنة وربع فدان وسبعى قيراط) أما من الخارج فمتوسط طوله 192 متر ومتوسسط عرضه 132 متر. فتكون المساحة خمسة وعشرين ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعينن مترا مربعا (أي ستة افدنة وأربعة أماس قيراط). = = (ثاني عشر) وأخيرا اهتم الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود بمشروع توسعة المسجد الحرام فأصدر أمره الكريم بدراسة المشروع تمهيدا لتوسعة المسجد توسعة كاملة شاملة فشكلت لجان هندسية وضعت له المصورات " الخرائط " والتصميمات ورسمت الخطط لمراحل التنفيذ. وكان لابد لإيجاد التوسعة من إدخال الطريق القديم - الذي يخترق المسعى ويمر شرق الحرم - في العمارة الجديدة وتحويله إلى ما وراء الصفا خارج حدود التوسعة. وفي اليوم الأحد الرابع من ربيع الآخر سنة 1375 هـ (20 من نوفمبر 1955 م) بدئ في العمل تمهيدا للتوسعة وفي يوم الخميس 23 من شعبان سنة 1375 هـ (5 من إبريل سنة 1956 م) احتفل بوضع الحجر الأساسي لهذا المشروع العظيم. وقد تم الآن ما يأتي: (1) تحويل القسم الأكبر من طريق المسعى إلى الطريق الجديد " شارع الملك سعود " مارا خلف الصفا والقشاشية إلى أن يلتقي بالطريق الأول عند سوق الليل بمنطقة الغزة. (2) تم فيما بين الصفا والمروة بناء المسعى بطابقيه. وطوله من الداخل 394.5 متر وعرضه 20 مترا. وارتفاع الطابق الأول 12 مترا. والثاني 9 أمتار. (3) تم بناء درج (*) (سلم) دائري للصفا وآخر للمروة. روعى أن يكون أحد جانبيه للصعود والآخر للنزول. (4) أقيم في وسط المسعى حاجز مرتفع قليلاً. جعل المسعى قسمين أحدهما للذهاب من الصفا والآخر للإياب من المروة. وجعل للطابق الأول من المسعى ثمانية أبواب للدخول منها إلى المسجد. وجعل للطابق الثاني مدخلان خارج المسجد أحدهما عند الصفا والآخر عند المروة. كما جعل للطابق الثاني مصعد مدرج داخل المسجد عند باب السلام =

لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو على شئ ولم يعرج ولا بلغنا أنه دخل بيتا ولا لهى بشيء حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به. أخرجه أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة {236} (7) ويستحب ان يدخل من الباب الشرقي الشمالي (باب بني شيبة) المعروف بباب السلام متواضعا خاشعا ملبيا , ملاحظا جلال المكان ملاطفا المزاحم مقدما رجله اليمنى قائلا: بسم الله والحمد لله والصلاة ¬

= وآخر عند باب الصفا. (5) تم في الجانب الجنوبي من التوسعة بناء رواق (بالكسر ككتاب وبالضم كغراب) يمتد من غرب الصفا إلى ما يقابل باب إبراهيم مكون من طبقتين ارتفاع الأولى 10.5 نصف متر وعشرة أمتار. والثانية عشرة أمتار. وقد جعل بجانب باب أجياد (*) جزء من واجهة الطبقة الأولى سبيلا لسقيا الحجاج من ماء زمزم يصله الماء من البئر بالأنابيب. وفي نهاية واجهة هذه الطبقة أقيم مدخل واسع مكون من ثلاثة أبواب كبيرة أطلق عليها اسم " باب الملك سعود ". (6) ويجرى العمل الآن في إنشاء أقسام جديدة بجانب باب إبراهيم - في الجهة الغربية - وهي بداية الجناح الغربي لتوسعة المسجد الحرام. وهاك بيان مساحة ما تم من التوسعة حتى الآن بالأمتار المربعة. (أ) عشرون ألف متر مربع مساحة المسعى بطابقيه. (ب) ثمانمائة وثمانية آلاف متر مربع. مساحة رواق أجياد للطابقين (*). (ج) ثمانمائة وألفا متر مربع. مساحة السبيل والمصلى الملكي. (د) خمسمائة وأربعة آلاف متر مربع. مساحة باب سعود والسلالم الملحقة به. (هـ) ثمانمائة متر وأحد عشر ألف متر مربع مساحة السراديب " الدروم " أسفل رواق أجياد والسبيل وباب سعود. (و) خمسة وسبعون وأربعمائة متر وألفا متر مربع مساحة مجرى السبيل. (ز) مائتان وألف متر مربع. مساحة ما يزيد عند باب إبراهيم فتكون مساحة التوسعة السعودية 51575 خمسة وسبعين مترا وخمسمائة متر. وواحد وخمسين ألف متر مربع أي 16 س و 6 ط و 12 ف ستة عشر سهما وستة قراريط واثنا عشر فدانا. وهي ضعف مساحة المسجد قبل التوسعة. وهي 20 س 6 ف (عشرون سهما وستة أفدنة) فتكون مساحة المسجد بعد التوسعة 76919 أي تسعة عشر مترا وتسعمائة متر وستة وسبعين ألف متر مربع أي 12 س و 7 ط و 18 ف (اثنى عشر سهما وسبعة قراريط وثمانية عشر فدانا) وللمسجد خمسة وعشرون بابا. بالشمال ثمانية. وبالجنوب سبعة. وفي كل من الشرق والغرب خمسة أبواب (انظر رسم 4 ص 130 ورسم 5 ص 131)

والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوني وافتح لي أبواب رحمتك , لقول ابن عمر رضي الله عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من دار بني عبد مناف وهو الذي تسميه الناس - باب ني شيبة - وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة وهو باب الخياطين. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه مروان بن أبي مروان. فيه نظر وبقية رجاله رجال الصحيح. قال الهيثمي (¬1) {237} (8) ويسن للمفرد والقارن والبدء بطواف القدوم وللمتمتع البدء بطواف العمرة. دخول الكعبة - الكعبة هي البيت الحرام. قال الله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس (¬2). (ويسن) دخولها للحاج وغيره فيكبر في نواحيها ويصلى فيها , لقول ابن عمر رضي الله عنهم: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة فأغلقوا عليهم فلما فتحوا أخبرني بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين. أخرجه الشيخان (¬3) {238} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة وخرج مغفوراً له. اخرجه ¬

(¬1) ص 238 ج 3 مجمع الزوائد (الدخول إلى المسجد الحرام ... ). و (الخزورة) بفتح فسكون ففتح , في الأصل اسم سوق في الجاهلية كانت غرب المسجد الحرام ودخلت فيه عند توسعته. و (باب الخياطين) يقال له الآن باب الوداع. (¬2) آية 98 - المائدة والكعبة على شكل مربع تقريبا مبني بالحجارة الزرقاء. ارتفاعه خمسة عشر متراً وطول ضلعه الشمالي نحو 10 - أمتار. والغربي 12.15 متراً والجنوبي 10.25 أمتار. والشرقي 11.88 متراً. وفيه الباب مرتفع عن الأرض بنحو مترين. ويحيط بالكعبة من أسفلها بناء من الرخام يسمى الشاذروان (انظر رسم 3 ص 105). (¬3) ص 301 ج 3 فتح الباري (إغلاق البيت ويصلى في أي نواحيه .. ) وص 86 ج 9 نووي مسلم (دخول الكعبة للحاج وغيره ... )

الطبراني في الكبير والبزار والبيهقي وقال: تفرد به عبد الله بن مؤمل وليس بقوى (¬1) {239} هذا. ودخول الكعبة ليس من مناسك الحج عند الجمهور , لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شئ. أخرجه الحاكم بسند صحيح. {71} (وينبغي) لداخل الكعبة أن يكون متواضعا خاشعاً خاضعا، لقول عائشة رضي الله عنها: عجبا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة كيف يرفع بصره قِبل السقف , يدع ذلك إجلالا لله تعالى وإعظاما. دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها. أخرجه البيهقي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (¬2) {240} ويدخل حافيا فيصلى مقابل باب الكعبة على ثلاثة أذرع من الجدار المقابل للباب (وإنما) يستحب دخول الكعبة إذا لم يتضرر الداخل ولا يتضرر به أحد. فإن تأذى أو آذى لم يدخل. وهذا مما يخطئ فيه كثير من الناس فيتزاحمون زحاما شديدا بحيث يؤذي بعضهم بعضا. وربما انكشفت عورة بعضهم , أو زاحم المرأة وهي مكشوفة الوجه ولا مسها. وهذا خطأ شنيع. وكيف يحاول العاقل فعل سنة بارتكاب محرم من الأذى وغيره (¬3). الصلاة في حجر إسماعيل - الصلاة فيه كالصلاة في الكعبة «قالت» عائشة: يا رسول الله كل أهلك قد دخل البيت غيري. فقال أرسلي إلي شيبة فيفتح لك الباب فأرسلت إليه فقال شيبة: ما استطعنا ¬

(¬1) ص 293 ج 3 مجمع الزوائد (دخول الكعبة) وص 158 ج 5 سنن البيهقي (دخول البيت). (¬2) ص 158 ج 5 سنن البيهقي. وص 479 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 270 ج 8 شرح المهذب.

فتحه في جاهلية ولا إسلام بليل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى في الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه. أخرجه أحمد بسند جيد (¬1) {241} فيستحب الإكثار من دخول الحجر والصلاة فيه والدعاء , لأن بعضه من البيت. وقد سبق أن الدعاء مستجاب فيه. نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق. إلى هنا تم بيان شروط الحج وأركانه وواجباته وسننه. ولله المنة والحمد. وهاك جدولا يتبين منه حكم المناسك مرتبة حسب تأديتها عند الأئمة الأربعة رضي الله عنهم. أحكام المناسك عند الأئمة المناسك ... الحنفيين ... مالك ... الشافعي ... أحمد ... الصفحة الحج ... فرض فورا أو على التراخي ... فرض فورا ... فرض على التراخي ... فرض فورا ... 20 و 21 الإحرام (أي نية السنك) ... شرط ... ركن ... ركن ... ركن ... 43 التنظيف للإحرام بالغسل ونحوه ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... 44 التطيب له ... سنة أو مكروه بما يبقى أثره ... مكروه بما يبقى أثره ... سنة ... سنة ... 47 خضاب المرأة قبله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة صلاة ركعتين قبله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة كونه من الميقات المكاني ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب قرن الإحرام بالتلبية وما في معناها ... شرط ... واجب ... سنة ... سنة ¬

(¬1) ص 15 ج 13 - الفتح الرباني و " شيبة " بن عثمان بن أبي طلحة أسلم يوم الفتح وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة. و (استقصروا ... ) أي لم يبنوا البيت على قواعد إبراهيم بل تركوا منه جزءا هو الحطيم.

الجهر بالتلبية للرجل ... سنة ... يسن التوسيط بها ... سنة ... لا يستحب إلا في مكة ومنى وعرفة الغسل لدخول مكة ... سنة ... سنة لغير حائض ... سنة ... سنة دخولها نهاراً من الحجون ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب البدء بالمسجد الحرام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة دخوله من باب السلام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة طواف القدوم ... سنة ... واجب ... سنة ... سنة ... و 149 صلاة ركعتين بعده ... واجب ... واجب أو سنة ... سنة ... سنة ... و 149 البدء به للمفرد والقارن وبطواف العمرة للمتمتع النية في طواف الوداع ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة النية في طواف الوداع والتطوع ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط النية في طواف الإفاضة والعمرة والقدوم ... لا تشترط ... لا تشترط ... لا تشترط ... لا تشترط بدء الطواف من الحجر الأسود جاعلا البيت عن يساره ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط كون الطواف سبعة أشواط ... ركن و 3 واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 104 الطهارة فيه من الحدث ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 102 الطهارة من الخبث ... سنة مؤكدة ... شرط ... شرط ... شرط ... و 102

ستر العورة في الطواف ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط كونه في المسجد الحرام ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط كونه وراء حجر إسماعيل ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 105 موالاته بلا عذر ... سنة ... شرط ... سنة ... سنة المشي فيه لغير عذر ... واجب ... واجب ... شرط ... شرط الاضطباع فيه ... سنة ... لا يستحب ... سنة ... سنة ... و 112 الرمل في الأشواط الثلاثة الأول ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة استقبال الحجر الأسود مهللا مكبرا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة رفع اليدين عند استلامه ... سنة ... لا يستحب ... سنة ... سنة استلامه بوضع اليدين عليه وتقبيله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة وضع الخد عليه ... سنة ... بدعة ... سنة ... سنة الدعاء عند استلامه ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة استلام الركن اليماني حال الطواف ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الدعاء والذكر في الطواف ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة قراءة القرآن فيه ... لا بأس ... مكروه ... لا بأس ... لا بأس أو مكروه قرب الطائف من الكعبة خاشعا بعد صلاة القلب ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الدعاء بعد صلاة الطواف خلف المقام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة

الشرب من زمزم مكثراً مستقبلا داعيا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الخروج للسعي من باب الصفا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط ... واجب ... ركن ... ركن ... واجب كونه بعد طواف وبدؤه بالصفا وختمه بالمروة ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 133 كونه في المسعى ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط موالاته بعد تفريق كثير ... سنة ... شرط ... سنة ... سنة أو شرط الموالاة بين السعي والطواف ... سنة ... سنة ... يجب عدم الفصل بالوقوف بعرفة ... سنة المشي في السعي لغير عذر ... واجب ... واجب ... سنة ... سنة ... و 135 تقديمه على الوقوف بعرفة ممن طلب منه طواف القدوم ... سنة ... واجب ... جائز ... واجب تأخيره عن طواف الركن لمن لم يطلب طواف القدوم ... سنة ... واجب ... جائز ... واجب الصعود على الصفا والمروة والدعاء عليهما ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الرمل في السعي بين الميلين والمشي على مهل في غيره ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الذكر والدعاء فيه والطهارة لاه وستر العورة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... , 138

الاضطباع في السعي ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة خطبة الإمام بمكة بعد ظهر سابع ذي الحجة ... سنة ... سنة ... سنة ... لا يسن إحرام المتمتع بالحج يوم التروية ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الخروج من مكة إلى منى بعد شمس يوم التروية ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 179 البيان بمنى ليلة عرفة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 180 الخروج من منى إلى عرفة بعد شمس يومها داعيا ملبيا مكبرا نازلا بمنى قبل الزوال ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة خطبة عرفة بعد الزوال ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم يومها ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة أقصر الرباعية بعرفة ومزدلفة للحج أم للسفر؟ ... واجب للسفر ... سنة للحج ... سنة للسفر ... سنة للسفر ... , 191 الوقوف بعرفة من زوال يومه أم من طلوع فجره؟ ... ركن من الزوال ... ركن من الزوال ... ركن من الزوال ... ركن من الفجر ... و 95 الغسل للوقوف بعرفة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 95 الوقوف راكبا عند الصخرات مستقبلا مهللا مكبراً ملبياً داعياً مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة

مد الوقوف بعرفة إلى الليل لمن وقف نهارا ... واجب ... واجب ... سنة ... واجب الإفاضة من عرفة بعد الغروب ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة إكثار الذكر والتلبية حال الإفاضة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة النزول بمزدلفة قرب جبل قزح والدعاء لدخولها ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الجمع بين المغرب والعشاء بها ... ولجب ... سنة ... سنة ... سنة المبيت بها ليلة النحر ... سنة ... سنة ... واجب ساعة في النصف الثاني ... واجب الوقوف بها بعد طولع فجر يوم النحر وقبل شروق الشمس ... واجب ... سنة ... سنة أو واجب ... واجب ... و 153 الغسل للوقوف بها بعد نصف الليل ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة كون الوقوف بالمشعر الحرام مستقبلا داعيا ذاكراً ملبيا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة النزول إلى منى بعد الإسفار ... سنة ... ينزل قبله ... سنة ... سنة ... , 156 الإسراع بوادي محسر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة أخذ حصى الرمي من مزدلفة أو من غير موضع الرمي ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب

رمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات بعد طلوع الشمس ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... و 159 كونه من طلوع الشمس إلى الزوال ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب التكبير مع كل حصاة ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب عدم الوقوف بعد رمي جمرة العقبة ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب خطبة الإمام يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ... لا خطبة ... لا خطبة ... سنة ... سنة الذبح لغير المفرد بعد رمي جمرة العقبة ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب الحلق أو التقصير ... واجب ... واجب ... ركن ... واجب كونه في الحرم ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب كونه في أيام النحر ... واجب أو سنة ... واجب ... سنة ... سنة أو واجب كون الذبج والحلق قبل زوال يوم النحر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة النزول إلى مكة لطواف الركن يوم النحر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة تأديته في أيام النحر ... واجب ... وجب يوم النحر أو في يوم بعده من ذي الحجة ... سنة ... سنة البيان بمنى ليالي الرمي ... سنة ... واجب ... واجب ... واجب ... , 175 الترتيب بين رمي جمرة العقبة والذبح والحلق ... واجب أو سنة ... يجب تأخير الحلق والإفاضة للطواف عن الرمي ... سنة ... سنة ... , 177

رمي الجمار الثلاث يوم 11 و 12 بعد الزوال ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... و 161 البدء برمي الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة ... واجب أو سنة ... شرط ... شرط ... شرط الوقوف بعد رمي الصغرى والوسطى داعيا مستقبلا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة خطبة الإمام بعد ظهر 11 و 12 ... مستحبة في يوم 11 ... مستحبة في 11 ... مستحبة في 12 ... مستحبة في 12 التعجيل بالنزول إلى مكة قبل غروب شمس يوم 12 عند الثلاثة وقبل فجر يوم 13 عند الحنفيين ... مباح ... مباح ... مباح ... مباح ... و 173 رمي الجمار الثلاث المن لم يتعجل بعد زوال يوم 13 ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... , 168 نزول من نفر من منى إلى مكة بالمحصب وصلاته به الظهر إلى العشاء وهجوعه ليلة 13 , 14 ... سنة ... سنة لغير المتعجل في غير يوم جمعة ... سنة ... سنة طواف الوداع لغير المكي والحائض ... واجب ... سنة ... واجب ... واجب ... , 123 صلاة ركعتين بعده ... واجب ... سنة ... سنة ... سنة استلام الحجر الأسود بعدهما ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الشرب من زمزم مكثراً مستقبلاً ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة الوقوف الملتزم والدعاء عنده ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة

حج النبى صلى الله عليه وسلم حج النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج: حجتين قبل الهجرة وحجة بعدها سنة عشر. وتسمى حجة الوداع , لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها وقال " لتأخذوا مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه " (¬1) (وهذه) هى المقصودة بالبيان (وهناك) أجمع حديث فيها " روى " جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر قال: قلت لجابر بن عبد الله أخبرنى عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج. ثم أذن فى الناس فى العاشرة (¬2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم بالنى صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فأرسلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال اغتسلى واستثفرى بثوب وأحرمى. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به فاتقه على البيداء نظرت إلى مد بصرى (¬3) بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه ¬

(¬1) تقدم رقم 157 ص 122 (أنواع الطواف). (¬2) ثم أذن مبني للمفعول أي نادى مناد بإذن النبي صلى الله عليه وسلم أو مبني للفاعل، أي أعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الناس بنفسه ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا منه. (¬3) (استشفري) بمثلثة أو بذال معجمة قبل الفاء , من الاستشفار. وهو أن تشد على وسطها شيئاً وتجعل خرقة عريضة على موضع الدم وتشدها من أمام ومن خلف فيما شد على وسطها (والبيداء) موضع بين مكة والمدينة (ومد البصر بشد الدال منتهاه ويقال: مدى كفتى.

مثل ذلك. ورسول الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شئ علمنا به فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك. وأهل الناس بهذا الذى يهلون به اليوم (¬1) فلم يرد صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه. ولزم تلبيته. قال جابر: لسنا فنوى إلا الحج , لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا. ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فجعل المقام بيته وبين البيت. قال جعفر بن محمد: فكان أبى يقول: ولا أعلمه ذكره (يعنى قراءة السورتين) إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم. كان يقرأ فى الركعتين قل هو الله أحد وقل يأيها الكافرون (¬2). ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا. فلما دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله. أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده. ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده (¬3) ثم دعا ¬

(¬1) (وأهل الناس بهذا .. ) يمنى ما يزاد في التلبية " كقول " عمر: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن. لبيك مرهوباً منك ومرغوبا إليك " وقول " ابن عمر: لبيك وسعدك والخير بيدك والرغباء إليك والعمل " وقول " أنس: لبيك حقا تعبدا ورفا. (¬2) يعني أنه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يع أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد. (¬3) (وهزم الأحزاب وحده) أي هزمهم بلا قتال ولا سبب من الناس " والأحزاب " من تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في شوال.

بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة فمشى حتى إذا انصبت قدماه فى بطن الوادى , سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها مثل ما فعل على الصفا , حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال: لو أتى استقبلت من أمرى ما استدبرت (¬1) لم أسبق الهدى ولجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدى فليجعل وليجعلها عمرة. فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبى صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى. فقام سراقة ابن مالك فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة فى الأخرى وقال: دخلت العمرة فى الحج هكذا مرتين , لا بل لأبد أبد. وقدم على من اليمن ببدن النبى صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضى الله عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها وقال: من أمرك بهذا؟ فقالت: أبى أمرنى بهذا. فكان على يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا * على فاطمة للذى صنعت مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أنكرت ذلك عليها فقالت: إن أبى أمرنى بهذا فقال: صدقت صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت اللهم إنى أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معى الهدى فلا تحل. وكان جماعة الهدى الذى قدم به على من اليمن والذى أتى النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. فلما كان يوم ¬

(¬1) (الظن) بضم الظاء والعين وتسكن , جمع ظعينة كسفينة. وهي في الأصل البعير عليه امرأة وتسمى به المرأة مجازا.

التروية توجهوا إلى منى وأهلوا بالحج وركب النبى صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية من شعر تضرب له بنمرة. فسار النبى صلى الله عليه وسلم ولا تشل قريش أنه وافق عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع فى الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس (وذكر ما تقدم في خطبة يوم عرفة) (¬1) ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر. ولم يصل بينهما شيئا. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة (¬2) بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس. وذهبت الصفرة قليلا. حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى عن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة لسكينة كما أني حبلا من الحبال (¬3) أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا. ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى اتى المشعر ¬

(¬1) بضعة , كتمرة: القطعة. (¬2) انظر رقم 177 ص 2 ج 2 تكملة المنهل العذب (صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم) وباقي المراجع بهامش 3 ص 33 منه. (¬3) البقرة: 196.

الحرام فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله ووحده ودعاه. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطالع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما. فلما دفع النبي صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين (¬1) فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول النبي صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى اتى بطن محسر فخزك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى اتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات - يكبر مع كل حصاة منها - مثل حصى الخذف يرمي من بطن الوادي , ثم انصرف إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ثم أمر عليا فنحر ما غبر وأشركه في هدية ثم أمر كل من بدنة ببضعة (¬2) فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ثم أتى بني عبد المطلب وهو يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب. فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلواً فشرب منه. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة (¬3) {242} ¬

(¬1) ص 48 ج 11 - الفتح الرباني. وص 121 ج 2 سنن ابن ماجة (العمرة في رمضان) والمراد من الحديث بيان فضل العمرة في رمضان وأن ثوابها كثواب حجة ولكنها لا تسقط الحج المعروض بل تقوم مقام حجة تطوع .. (¬2) ص 58 ج 11 الفتح الرباني. وص 349 ج 4 سنن البيهقي (العمرة تطوع) وص 253 سنن الدارقطني. وص 113 ج 2 تحفة الأحوذي (في العمرة أواجبة أم لا؟ ). (¬3) انظر 350 ج 4 الجوهر النقي.

وهذا حديث عظيم الفوائد مشتمل على جمل من نفائس القواعد. هو السراج الوهاج الذي يستضئ به الناسك في أعماله ويسترشد به في أحواله. وهو مرجع العلماء في الاستدلال به على ما يذكرون من الأحكام ويستلهمون منه ما يعز عليهم من الأفهام. وهاك رسما تقريبيا لطريق النبي صلى الله عليه وسلم في حجته.

المقصد السادس في العمرة

المقصد السادس في العمرة هي لغة مأخوذة من الاعتمار , وهو الزيارة. وشرعا زيارة الكعبة على وجه مخصوص مع الطواف والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير. (وهي) مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلِه (¬1)} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجة. أخرجه أحمد وابن ماجة (¬2) {243} وقد أجمع العلماء على مشروعية العمرة لكنهم اختلفوا في حكمها. فقال مالك: هي سنة مؤكدة وهو الصحيح عند الحنفيين , لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أوااجبه هي؟ قال: لا وأن يعتمروا هو أفضل. أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي وهذا لفظه , وقال: هذا حديث حسن صحيح , وفيه الحجاج بن أرطاة تكلم فيه وقد وثق (¬3) {244} وقد ورد في هذا عدة أحاديث يقوي بعضها بعضا. ومشهور مذهب الشافعي وأحمد أن العمرة فرض مستدلين: - (أ) بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} (قالوا) الأمر ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية 196. (¬2) انظر ص 48 ج 11 الفتح الربانى، وص 121 ج 2 سنن ابن ماجه (العمرة فى رمضان) والمراد من الحديث بيان فضل العمرة فى رمضان وأن ثوابها فيه كثواب حجة، ولكنها لا تسقط المفروض، بل تقوم مقام حجة تطوع. (¬3) انظر ص 58 ج 11 الفتح الربانى، وص 349 ج 4 سنن البيهقى (العمرة تطوع) وص 253 سنن الدار قطنى، وص 113 ج تحفة الأحوذى (فى العمرة أواجبة أم لا؟ ).

للوجوب وقد عطفت العمرة على الحج وهو فرض فهي كذلك (ورد) بأن المأمور به في الآية الإتمام بعد المشروع. وكلامنا فيما قبل الشروع. وقد أجمعوا على أن من دخل في حجة أو عمرة يجب عليه الإتمام (¬1) ويؤيد ذلك «اقتصار» النبي صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث: بني الإسلام على خمس «وعدم» ذكر العمرة في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ} (¬2). (ب) وبحديث أبي رزين العقبلى أنه قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال: احجج عن أبيك واعتمر. أخرجه الأربعة والبيهقي بأسانيد صحيحة , وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬3) {245} (قال البيهقي) قال مسلم بن الحجاج: سمعت أحمد بن حنبل يقول لا اعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه (ورد) بأنه لا دلالة فيه على وجوب العمرة , لأنه أمر الولد أن يحج عن أبيه ويعتمر ولا يجبان على الولد عن أبيه إجماعا. (ومنه) تعلم أن الراجح أن العمرة سنة. وهو الحق لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ولا دليل يصلح لذلك. ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث: (1) فضل العمرة - للعمرة فضل عظيم وثواب جزيل خصوصا في رمضان ,لما تقدم عن ابن عباس (¬4) ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 250 ج 4 الجوهر النقى. (¬2) سورة آل عمران، الآية 97. (¬3) انظر رقم 87 ص 106 ج 1 تكملة المنهل العذب (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجع بهامش 2 ص 107 منه. والظعن بفتح فسكون، من ظعن من باب نفع، أى لا يستطيع السير ولا الركوب على الدابة. (¬4) تقدم رقم 243 ص 221.

عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. أخرجه السبعة إلا أبا داود وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {246} « وعن» ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة. وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة. أخرجه النسائى (¬2) {247} (2) وقت العمرة: وقتها جميع السنة لكنها تكره تحريما عند أبى حنيفة فى خمسة أيام: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة , لقول ابن عباس رضى الله عنهما: خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق اعتمر قبلها أو بعدها ما شئت. أخرجه ابن دقيق العيد في كتاب الإمام (¬3) {72} (وقال) أبو يوسف: تكره في أربعة أيام يوم عرفة وثلاثة أيام بعده , لقول عائشة رضي الله عنها: حلت العمرة في السنة كلها , إلا أربعة أيام: يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك. أخرجه البيهقي (¬4) {73} (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: تجوز العمرة بلا كراهة ¬

(¬1) انظر ص 9 ج 11 الفتح الربانى، وص 387 فتح البارى (وجوب العمرة وفضلها) وص 117 ج 9 نووى مسلم (الحج والعمرة) وص 4 ج 2 مجتبى (فضل العمرة) وص 108 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل الحج والعمرة) وص 115 ج 2 تحفة الأحوذى (فى ذكر فضل العمرة). (¬2) انظر ص 4 ج 2 مجتبى (فضل المتابعة بين الحج والعمرة). (¬3) انظر ص 147 ج 3 نصب الراية. (¬4) انظر ص 346 ج 4 سنن البيهقى (العمرة فى أشهر الحج).

في جميع أيام السنة قبل الحج وبعده , لقول عكرمة بن خالد سألت عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج فقال: لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج , فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي وهذا لفظه وأبو داود (¬1) {248} وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عائشة رضي الله عنها حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطوف بالبيت فلما طهرت وطافت قالت: يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم , فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة. أخرجه أحمد والبخاري (¬2) {249} (فهذان) يدلان على جواز تأدية العمرة في أي يوم من أيام السنة ولو في أشهر الحج (وأفضل) أوقاتها رمضان لما تقدم عن ابن عباس (¬3) (وروى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك لنا ناضحا تنضح عليه قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة. أخرجه الشيخان (¬4) {250} ¬

(¬1) انظر رقم 249 ص 152 ج 2 تكملة المنهل العذب (العمرة) وباقى المراجع بهامش 3 ص 153 منه. (¬2) انظر ص 52 ج 11 الفتح الربانى، وص 394 ج 3 فتح البارى (عمرة التنعيم) و (أتنطلقون .. ) تعنى أنهم يرجعون بحج وعمرة منفردين، وترجع هى بحج مقرون بعمرة. (¬3) تقدم رقم 243 ص 221. (¬4) انظر ص 390 ج 3 فتح البارى (عمرة فى رمضان) وص 2 ج 9 نووى مسلم (فضل العمرة فى رمضان) و (تعدل حجة) وفى رواية لمسلم: تقضى حجة أو حجة معى: أى تقوم مقامها فى الثواب لا أنها تسقط الحج المفروض.

وهذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما هو فإنه لم يعتمر إلا في أشهر الحج. وهو في حقه أفضل , لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهرا لحج «وما روي» أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب «أنكرته» عائشة رضي الله عنها. قال عروة: سئل ابن عمر في أي شئ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في رجب. فقالت عائشة: ما اعتمر صلى الله عليه وسلم في رجب قط وما اعتمر إلا وهو معه , تعني ابن عمر. أخرجه ابن ماجة (¬1) {74} « وقال» عروة بن الزبير: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة فقلت يا أبا عبد الرحمن أعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم فقلت لعائشة أي أمتاه: ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقوى؟ قلت يقول: اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم فى رجب فقالت يغفر الله لأبى عبد الرحمن لعمرى ما اعتمر فى رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه. قال: وابن عمر يسمع فما قال: لا ولا نعم سكت. أخرجه الشيخان. وهذا لفظ مسلم (¬2) {75} ومنه تعلم أنه ليس للاعتمار فى رجب فضل خاص يؤيد ما اعتاده الناس من الاعتمار فيه، وأولى بهم أن يعنوا بالاعتمار فى رمضان لما علمت أن فيه فضلا عظيما وثواباً جزيلاً. ¬

(¬1) انظر ص 121 ج 2 سنن ابن ماجه (العمرة فى رجب). (¬2) انظر ص 388 ج 3 فتح البارى (كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم) وص 236 ج 8 نووى مسلم (عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم).

3 - تكرير العمرة: يسن - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور تكرير العمرة فى السنة، لقول نافع: اعتمر عبد الله بن عمر أعواماً فى عهد ابن الزبير عمرتين فى كل عام. أخرجه الشافعى والبيهقى (¬1). {76} ... (روى) صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اعتمرت فى سنة ثلاث مرات، قال صدقة: قلت: هل عاب ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله أم المؤمنين. أخرجه الشافع والبيهقى (¬2). {77} ... (وقال) مالك: يكره تكرير العمرة فى السنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكررها فى عام (ورد) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله: فثبت الاستحباب من غير تقييد، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه. 4 - مواقيت العمرة هى: (أ) لمن كان خارج المواقيت؛ مواقيت الحج المتقدمة (¬3)، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام، لقول زهير ابن معاوية: حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسألته: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة. أخرجه البخارى (¬4). {251} ¬

(¬1) انظر ص 292 ج 1 بدائع المنن، وص 344 ج 4 سنن البيهقى (من اعتمر فى السنة مراراً). (¬2) انظر ص 292 ج 1 بدائع المنن، وص 344 ج 4 سنن البيهقى. (¬3) انظر ص 49 (أماكن الإحرام). (¬4) انظر ص 246 ج 3 فتح البارى (مواقيت الحج والعمرة) (فسألته) فيه التفات.

(ب) أما من كان داخل المواقيت، فميقاته فى العمرة الحل ولو كان بالحرم، لحديث الأسود أن عائشة رضى الله عنها: قالت: رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسكٍ؟ فقيل لها: انتظرى فغذا طهرت فاخرجى إلى التنعيم فأهلى ثم ائتينا بمكان كذا، ولكنها عل قدر نفقتك أو نصبك، أخرجه البخارى (¬1). {252} ... 5 - شروط العمر: يشترط لصحتها شرطان: ... (الأول) الإحرام عند الحنفيين، وهو النية مع التلبية أو ما يقوم مقامها (وقال) غيرهم: الإحرام ركن. ... (الثانى) عدم الجماع فى أحد سبيلى آدمى حى مشتهى قبل أن يطوف أكثر طواف العمرة، فإن ذلك يفسدها كما سيأتى إن شاء الله تعالى. ... 6 - أركان العمرة: لها خمسة أركان: (الأول) الإحرام على ما تقدم. (الثانى) الطواف بالبيت سبعة أشواط على ما تقدم بيانه فى طواف الركن (¬2). (الثالث) السعى بين الصفا والمروة سبعاً. وهو ركن عند مالك والشافعى وأحمد. وواجب عند الحنفيين على ما تقدم بيانه فى سعى الحج (¬3). (ودليل) ذلك قول عبد الله ابن أبى أوفى: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف وطفنا معه وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه (الحديث) أخرجه البخارى وأخرج أحمد نحوه. وفيه: وصلى وصلينا معه وسعى بين الصفا والمروة (¬4). {253} ¬

(¬1) انظر ص 396 ج 3 فتح البارى (أجر العمرة على قدر النصب). (¬2) تقدم من ص 100 إلى 121. (¬3) تقدم من ص 129 إلى 142. (¬4) انظر ص 399 ج 3 فتح البارى (متى يحل المعتمر) وص 67 ج 11 الفتح الربانى.

(الرابع) الحلق أو التقصير كما فى الحج. وهو ركن عند الشافعية وواجب عند غيرهم، لما روى ابن عباس عن معاوية رضى الله عنهم أنه قصر عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة على المروة. أخرجه النسائى (¬1). {254} ... (الخامس) الترتيب بين الأركان كما فعلها النبى صلى الله عليه وسلم. وهو ركن عند الشافعية، وواجب عند غيرهم. ... 7 - واجبات العمرة وسننها: يجب ويسن للعمرة ما يجب ويسن للحج من الإحرام إلى السعى (وعلى الجملة) فهى كالحج، غير أنها تحالفه فى أنها ليست متفقاً على فرضيتها، وليس لها وقت معين ولا وقوف فيها بعرفة ولا مزدلفة، ولا رمى فيها ولا خطب ولا طواف قدوم ولا وداع، وأنها ميقاتها الحل ولو لمن فى الحرم. (تنبيه) علم أن ركن العمرة عند الحنفيين أكثر الطواف وهو أربعة أشواط، وواجبها باقى الطواف والسعى والحلق أو التقصير، وكون الإحرام من الميقات إن كان خارج المواقيت، ومن الحل إن كان داخلها (وركنها) عند المالكية والحنبلية: الإحرام والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة، وواجبها كون الإحرام من الميقات والحلق أو التقصير (وعند) الشافعية أركانها خمسة: الإحرام والطواف ولاسعى بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير والترتيب بين الأركان. وواجبها كون الإحرام من الميقات لمن كان خارج المواقيت ومن الحل لمن كان داخلها. ¬

(¬1) انظر ص 43 ج 2 مجتبى (أين يقصر المعتمر؟ ) و (فى عمرة) يعنى عمرة الجعرانة.

8 - اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم أَربَعَ عُمَرِ في سِنين مختلفة بعد الهجرة (قال) ابن عباس رضى الله عنهما: اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَربع عُمَر: عُمرة الحديبية، وعُمرة القضاءِ، والثالثة من الْجِعْرَانة، والرابعة التي مع حجَّتِه. أَخرجه أَحمد والترمذي وأَبو داود وابن ماجد والدار مي بسند رجاله ثقات (¬1). {255} وهناك بيانها: 1 - عُمرة الحديبية (¬2): كانت في ذِي القعدة سنة سِت من الهجرة (إِبريل سنة 628 م) خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة يوم الاثنين غُرَّة ذِي القعدة في أَربعمائة وأَلْفٍ من أَصحابه قاصِدين مكة للاعتمار، فأَحرموا بالعمرة من ذِي الْحُلَيْفَة وساقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعينِ بَدَنَةَ هَدْياُ للحَرَم، وساق أَصحابه سبعمائة، فلمَّا وَصَلُوا إِلي الحديبية أَرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خِرَاشَ بنَ أُمية الخزاعي إِلي قريش بمكة راكباً جَمَل النبي صلى الله عليه وسلم ليُبَلِّغَهم أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابَهُ إِنما جاءُوا مُعْتَمِرين لا مُحَارِبِين، فلمَّا أَخْبرهم الخبر عَقَرُوا الجمل، وأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ فَمَنَعَهُمْ. ¬

(¬1) انظر رقم 256 ص 163 ج 2 تكملة المنهل العذب (العمرة) وباقى المراجع بهامش 3 ص 165 منه. (¬2) الحديبية بالتصغير وتخفيف الياء الثانية وتشدد: قرية على مرحلة من مكة، وتسعة مراحل من المدينة، سميت باسم بئر، أو شجرة حدباء (وهى) من الخرم (وقيل) بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم.

الأَحَابيش (¬1) فأَتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأَخبره الخبر، فَدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة، فاعْتذر وأَشَارَ بإِرسال عُثمان بن عَفَّان رضي الله عنه، فبعَثَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه كِتَاب، وأَمَرَه أَنْ يُبَشِّرَ المستضعفين بمكة بالفتح قريباً. فخرج عُثمان إَلى مكة فوجد قُرَيشاً قد اتفقوا علي مَنْع النبي صلي الله عليه وسلم من دُخُول مكة. وأَجارَهُ أَبانُ بن سعيد بن العاصِي حتى بلَّغ رسالةَ النبيّ صلي الله علية وسلم وقرأَ عليهم الكِتَاب، فَصَمَّمُوا على أَن النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه لا يَدْخُلُونها هذا العام، وقالوا لعثمان رضى الله عنه: إِنْ شئْتَ أَن تطوف بالبيت فَطُفْ، قال. ما كُنْتُ لأَفْعَلَ حتى يَطُوفَ النبي صلى الله عليه وسلم، واحْتَبسَتْه قريش وأُشِيعَ أَنه قُتِل، فقال رسول الله عليه وسلم: لا نَبْرَحَ حتى نُنَاجِزَ القَوْمَ وبايع أَصحابه بَيْعَة الرِّضْوان تحت الشجرة، وَوَضَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم شماله في يمينه وقال: هذه عن عثمان، مشعراً بأَنه لم يُقْتل. ولما سَمِعَ المشركون بهذه البيعة أَخَذَهُم الرُّعْب وأَطلقوا عثمان من حَبْسِه، وصَالَحُوا النبيَّ صلي الله عليه وسلم على أَلاَّ يدخُلَ مكةَ في هذا العام، بل في العام القابل يدخلها بغير سلاح، ويُقيم فيها ثلاثة أَيام فقط (¬2)، فَتَحَلَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من العمرة بالحَلْق والذَّبْح، وأَمَرَ أَصحابه بذلك. ¬

(¬1) الأحابيش الجموع وهم حلفاء قريش: بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناة وبنو المصطلق من خزاعة، وتحالفوا تحت حبشى (بضم فسكون: جبل بأسفل مكة) فسموا بذلك. (¬2) انظر تمام الكلام على صلح الحديبية بهامش ص 238 ج 5 الدين الخالص.

(روى) ابن عُمر رضى الله عنهما أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج مُعْتَمِراً فحالَ كُفَّار قريش بينه وبين البيت فَنَحَرَ هَدْيَهُ وحلَقَ رَأْسَهُ بالحديبية، فصالحهم على أَن يعتمر العام المقبل ولا يحمل السِّلاح عليهم إِلاَّ السُّيُوفَ ولا يقيم بها إِلاَّ ما أَحبُّوه، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلمَّا أَن أَقام ثلاثاً أَمروه أَن يخرج، فخرج صلى الله عليه وسلم. أَخرجه أَحمد بسند جيد والبيهقي (¬1). {256} ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أَحرم بهذه العمرة وتَحَلَّلَ منها عُدَّتْ عُمْرة وإِنْ صُدَّ عنها. 2 - عُمرة القضاءِ: وتُسَمَّى عُمْرة القضية، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاضَى قريشاً فيها. وكانت في ذِي القعدة سنة سبع من الهجرة، وكانت قضاءً لعُمرة الحديبية عند الحنفيين. وروى عن أَحمد (وقال) مالك والشافعي: (هي عُمرة مُسْتَقِلَّة). وهو قول لأَحمد. وسُمِّيت عُمرة القضاءِ من المقاضاة لا من القضاءِ وذلك لأَنَّ مَنْ صُدَّ عن البَيْت سنة سِتٌ كانوا أَربعمائة وأَلفاً ولم يكونوا كلهم مع النبي صلى عليه وسلم في عُمرة القضية. ولو كانت قَضَاءً ما تخلف منهم أَحد (وهذا) أَصَح لأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأْمُر من كان معه بالقضاءِ. (قال) ابن عُمر: لم تكُن هذه العمرة قضاءً ولكن كان شرطًا على المسلمين أَن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صَدَّهم المشركون فيه. أَخرجه البيهقي (¬2). {78} ¬

(¬1) انظر ص 65 ج 11 الفتح الربانى، وص 216 ج 5 سنن البيهقى (المحصر يذبح ويحل حيث أحصر). (¬2) انظر ص 219 ج 5 سنن البيهقى (لا قضاء على المحصر).

3 - عُمرة الجعرانة (¬1): اعْتَمَر منها النبيُّ صلى الله علية وسلم ليلاً حين رجُوعه من الطَّائف في ذِي القعدة سنة ثمان من الهجرة (روى) مُحرش الكعبى رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج ليلاً من الجِعْرانة حتى أَمسَي معتمراً فدخل مكة ليلاً فقَضَي عُمْرته ثم خرج من لَيْلَتِه فأَصبح بالجِعْرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجِعْرانة في بطن سَرِف حتى جامِعَ الطريق (طريق المدينة) بسرف. قال مُحَرِّش: ولذلك خَفِيَتْ عُمْرته على كثير من الناس. أَخرجه أَحمد والثلاثة، والبيهقي. وحسنه الترمذي وأَخرج الشافعي صدره (¬2). {257} 4 - العُمْرة التي كانت مع حجَّة الوداع: أَحْرَمَ بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة على الصحيح وأَدي أَفعالها في ذِي الحجَّة، لأَنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذِي العقدة سنة عشر من الهجرة، وقدموا مكة في الرَّابع من ذِي الحجة (فقد تبين) أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَر أَربع عُمر (لم يتم) الأُولى منها (وكانت) الرابعة مع حجَّة الوداع، فالمستقل التام منها عُمْرتان. وعليه يحمل حديث البراءِ بن عازِب رضي الله عنه قال: اعْتَمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة ¬

(¬1) الجعرانة بكسر فسكون ففتح الراء مخففة، وقد تكسر العين وتشدد الراء. وخطأه الشافعى (وهو) موضع بين مزدلفة وعرفة على حد الحرم فى الشرق. (انظر رسم 1 ص 54). (¬2) انظر رقم 259 ص 169 ج 2 تكملة المنهل العذب. وباقى المراجع بهامش 2 ص 170 منه. و (محرش) بضم ففتح فكسر الراء مشددة، أو بكسر فسكون ففتح. و (سرف) ككنف مصروفاً وممنوعاً من الصرف، موضع شمال مكة قريب من التنعيم. (انظر رسم 8 ص 220)

المقصد السابع: في كيفية الحج

قبل أَن يَحُجَّ مرتين، أَخرجه البخاري (¬1) {258} (وإِنما اعْتَمَر) النبي صلى الله علية وآله وسلم هذه العُمْرَة في ذِي القعدة لِفَضِيلة هذا الشهر، ولمخلفة الجاهلية في ذلك فإِنهم كانوا يرون الاعتمار فيه من أَفجر الفُجُور. المقصد السابع: في كيفية الحج النسك يكون من الرجل والمرأة 1 - حج الرَّجل: إِذا أَراد الإِحرام بحجّ أَو عُمْرَةٍ أَوْ بهما، نَدَبَ له قَصّ أَظافره وشارِبه، وحَلْق عانَتَه، ونَتْف إِبَطَيْه ثم يَتَوَضَّأْ أَوْ يغتسل، والغُسْل أَفضل، ويَلْبَس إِزاراً من الوسط - ويُكْرَه شَدُّه بحَبْل ونحوه - ورداءٌ من الكَتِف غسيلين أّو جديدين أَبيضين، والجديد أَفْضَل، ويتَطَيَّب قبل الإِحرام، ويُصَلِّى ركعتين في غير وقت كراهة يَنْوِي بها سْنَّة الإِحرام، كما تقدم (¬2)، ثم يُلَبِّى نَاوِياً بالتلبية النُّسُك الذي أَراده مَنْ حجٌ أَوْ عُمْرَ‍ة أَوْ هُما، ولا يتلَفْظ بالنِّية، لأَنَّ التَّلَفُّظ بها بِدْعَة. (ويجتنب) محظورات الإِحرام ويُكْثر التلبية ما استطاع رافعً بها صَوْتَهُ عَقِبَ الصَّلَوَات، وكُلَّمَا عَلاَ مكاناً أَوْ هَبَطَ وَادِياً أَوْ لَقِيَ أَحَداً أَوْ دَخَلَ في وَقتِ السَّحَر، وكما شَرَعَ فيها كَرَّرَها ثلاثَ مرات، وإِذا وصل مكة سنٌ الغُسْل والمبيت بذِي طُوي، ودخول مكة نهاراً من الثنية العليا ¬

(¬1) انظر ص 390 ج 3 فتح البارى (كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم؟ ). (¬2) تقدم ص 49.

التي تُشْرف على الحجون، وإِذا دخل مكة ابتدأَ بالمسجد الحرام يدخُله من البابِ الشماليٌ الشرقيٌ، المعروف بباب السَّلام، متواضِعاً خاشِعاً مُلَبِّياً مُلاَ حِظاً جلالةَ المكانِ مُلاَطِفاً المزاحم، مُقَدِّماَ رِجْلَهُ اليمنَي قائلاً: باسم الله والحمد لله والصَّلاة والسلام على رسول الله، اللَّهُمَّ اغفر لي ذُنوبي وافْتَحْ لي أَبوابَ رحمتك، وإِذا عَايَنَ الكَعْبَةَ كَبَّرَ وهَلَّلَ ثلاثاً، ودعا بما بدا له وقال: اللَّهُمَّ زِدْ بيتَكَ هذا تَشْرِفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةٌ، ورفَعَ يَدَيْهِ قائلاً: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلام ومنك السلام حَيِّنَا ربنا بالسَّلام. أَعُوذُ بربِّ البيت مِنَ الكُفْر والفَقْر ومن ضيق الصَّدْر ومن عذابِ القَبْر، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكً رِضَاكَ والجَنَّة، وأَعُوذُ بِكَ من سَخَطِكَ والنَّار. اللَّهُمَّ أَدخلني الجنة بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، ويجتَهِدُ في الدعَاءِ فإِنه مُستجابٌ حينئذ (ويبدأُ) بالحجَر الأَسْواد ويستقبله ويُكَبِّر ويُهَلِّل رافعاً يديه كالصَّلاة، ويسلم الحجَر بوضْع يَدَيْهِ عليه ويُقَبِّلُه بلا صَوْت إِن استطاع، وإلاَّ مَسَّه بيد أَوْ عصا وقَبَّلَ ما مَسَّه، أَوْ أَشار إِلى الحجَر مستقبلاً مُكَبِّراً مُهَلِّلاً حامِداً الله تعالى، مُصَلِّياَ على النبي صلى الله عليه وسلم، داعِياً بما شاءَ. (زمن المأْثور) عند الاستلام: اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ علىَّ حقوقاً فتصدق بها على. اللهم إِيماناً بك، وتًصْدِيقاً بكتابك، ووفاءٌ بعهدك، واتِّباعاً لِسُنَّةِ نبيك مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، لاَ إِلهَ إِلاَّ الله واللهُ أَكبر (ويقول) عند محاذاة الملتزَم: اللَّهُمَّ إِليكَ بَسَطْتُ يَدِي، وفيما عندك عظيمت رغبتي فاقبل دعوتي، وأَقِلْنى من عثرتي، وارحم تَضَرُّعي وجُدْ لي بمغفرتك، وأَعِذْني من مُضِلاَّت الْفِتَن. (ويطوف) طواف القدوم سبعةَ أَشواط، آخِذاً فيه عن يمينه ممَّا يلي

باب الكعبة، جَعِلاً البيت عن يساره مضطبعاً رداءَهُ، جَعِلاً طوافه وراءَ حِجْر إِسماعيل، ويرمُل في الأَشواط الثلاثة الأُوَل، ويمشى في الباقي على رِسْله بسَكِينةٍ ووقار ويستلم الحجَر الأَسود كلما مر به إِن استطاع، وإِلاَّ استقبله وكَبِّر. (ويقول) عند محاذاة باب الكعبة: اللَّهُمَّ هذا البَيْتُ بيتُكَ وهذا الحرم حرمُكَ، وهذا الأَمْنُ أَمْنْك، وهذا مقام العائذِ بكَ مِنَ النار فأَعِذْني منها. (وإِذا) أَتى الرُّكن الشماليٌ الشرقيٌ قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بكَ من الشَّكِّ والشِّرْك والشِّقَاق والنِّفَاق ومساوِئ الأَخلاق وسُوء المنقَلَبِ في المالِ والأَهْلِ والولد. (وإِذا) حاذَي الميزاب (¬1) قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك إِيماناً لا يَزُول، ويَقِيناً لا يَنْفَد ومُرَافقة نَبِيِّك مُحمد صلى الله عليه وسلم. الَّهُم أَظِلَّني تحت ظِلكِّ عَرْشِكَ يوم لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّكَ، واسْقِني بكَأْس مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم شَرْبةً لا أَظَمَأُ بعدها أَبداً. (وإِذا) حاذَي الركن الشماليٌ الغربيٌ قال: اللَّهُمَّ اجعله حجًّا مبروراً، وسَعْياً مشكُوراً وذَنْباٌ مغفوراً وتجارةٌ لن تَبُور يا عَزِيز يا غَفُور. (ويستلم) الركن اليمانيٌ كما تقَدَّم ولا يُقَبِّله ويقول عنده: اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْر، وأَعُوذُ بكَ مِنَ الْفقْر من عذابِ القبر، ومن فتنةِ المحيا والممات، وأَعُوذُ بك مِنَ الْخِزْى في الدنيا والآخرة. (ويقول) بين الركن اليمانيٌ والأَسْوَد: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْعَفْو والعافيةَ في الدنيا والآخرة، رَبَّنّا آتِنَا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً، وقِنَا عذاب النار. ويَدْعُو بما شَاءَ. (ومنه) رَبٌ اغْفِرْ وارْحَمْ واهْدِني الطريق الأَقْوَم، وتَجَاوَزْ عَمَّا تّعْلَم إِنكَ أَنْتَ الأَعَزٌ الأَكْرم. (وإِذا) ¬

(¬1) (الميزاب) ما سورة من نحاس أو غيره وضعت بمنتصف أعلى الجدار الشمالى للكعبة لتصريف ماء المطر.

استلم الركن اليمانيٌ قال: باسم الله والله أَكبر، ولا يستلم الركنّيْن الشَّامِيِّيْن، (وكلما) أَتَي الحجَر الأَسْوَد قال: اللهُ أَكبر، ويختم طوافه باستلامه (وبعد) فراغِه من الطواف يُصَلِّي في غير وقت كراهة ركعتين عند مقام إِبراهيم أَو حيث تَيَسَّر من المسجد أَو غيره كما تقدم (¬1)، ثم يعود إِلي الحجَر الأَسْوَد فيستلمه كما مَرَّ (وبعد) الطواف يشرب من ماءَ زمزم مستقبلاً البيت قائلاً: اللَّهْمَّ إِنِّي أَسْأَلك فإِنِّي أَشْرَبه لعطش يوم القيامة. (وينبغي) التضلُّع منه بعد طواف القُدُوم لتأْثيره على الجهاز الهضميّ بما ينظفه من المواد التي تكون قد وصَلَتْ إِليه مدة السَّفَر، فتنْشَطُ به الأَعضاءُ وتَصِحُّ الأَجساد. ثم يخرج بسكينةٍ من باب الصَّفا إِلى الصَّفا، مقدماً رِجْلَهُ اليسرى قائلاً: باسم الله والصَّلاة والسَّلام عل رسوله. اللَّهُمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أَبواب فَضُلِك، فيصعَدُ على الصَّفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويُكَبِّر ويُهَلِّل، ويُصَلِّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويَدْعُو بما شاءَ رافعاً يديه قائلاً: لاَ إلهَ إلاَّ الله وحده أَنْجَزَ وَعْدَهُ ونصر عبده وهزم الأَحزاب وحده، ويَدْعُو بين ذلك ويُكَرِّره ثلاث مرَّات، ثم ينزل من الصَّفا قاصِداً نحو المرْوَة ماشِياً بسكينةٍ ووقار، ويقول: اللَّهُمَّ أَحْيِني على سُنَّة نبيك، وتَوَفَّني على مِلَّتِه، وأَعِذْني من مُضِلاَّتِ الفِتَن برحمتك يا أَرْحَمَ الرَّحمين، فإِذا وَصَلَ بطن الوادي سَعَى بين الميلين سعياً شديداً، قائلاً: ربٌ اغْفِرْ وَارْحَم، واهْدِني الطريق الأَقْوَم، وتَجاَوَزْ عَمَّا تعلم إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَم، ثم يمشِى على مَهل، حتى يَصْعَدَ المروة فيفعل عليها كفِعْله على الصَّفا. (وهذا) شَوْطٌ واحد، فيسعى ¬

(¬1) تقدم ص 108.

بين الصَّفَا والمروة سبعةَ أَشواطٍ، يبدأُ بالصَّفَا ويختم بالمروة. (وَلاَ يُصَلِّى) بعد السَّعْي على المروة، ثم يحلق ويتحلل إِن كان متمتعاً. (ثم يحرم) بالحج يوم الثامن من ذي الحجة، وإِن كان مفرداً أَو قارناً يقيم بمكة على إِحرامه يطوف بالبيت تطَوُّعاً ما أَراد. (ويُسَنُّ) لإِمام الحجِّ أَن يخطُبَ في يوم السابع من ذِي الحجَّة: خُطبة بعد صلاةِ الظهر يُعَلِّم الناس فيها أَعمال الحج من الخروج إِلى مِنى وعرفات والصَّلاة بهما وسائر الأَعمال المطلوبة من الحاج في اليوم الثامن إِلى زوال يوم عرفة (وإِذا) صَلَّى الحاجُّ الصُّبح بمكة يوم ثامن ذِي الحجة خرج بعد الشمس إِلى مِنى داعياً بما شاءَ (ومنه) اللَّهُمَّ إِيَّاكَ أَدْعُو وإِليك أَرْغَبُ، اللَّهُمَّ بَلِّغْني صالح عملي وأَصْلِحْ لي ذُرِّيَّتي. (ويَسِيرُ) متجهاً إِلى الشمال ماراً بالمعلى ثم يتَّجِه إلي الشرق ويَسِرُ حتى يصل مِنى فيقول: اللَّهُمَّ هذا مِنى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك فَمُنَّ علينا بجوامع الخيرات، وبما مَنَنْتَ به على إِبراهيم خليلك ومُحمد حبيبك وبما مَنَنْتَ به على أَهل طاعتك، فإِنِّي عبدك وناصِيتي بيدك، جِئْتُ طالباً مرضاتك، فارْضَ عَنِّى وارْحَمَ الرَّاحمين (ويُقِيم) بمنى يُصَلِّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ ويبيتُ بها حتى يُصَلِّي صُبْحَ يوم عَرَفة. (وبعد) طُلُوع الشمس يتوجَّه من مِنى إِلي عرفات قائلاً: اللَّهُمَّ إِليك تَوَجَّهْتُ وعليك توكَّلْتُ ولوَجْهِكَ الكريم أَرَدْت، فاجْعَلْ ذَنْبي مغفوراً وحَجِّى مبروراً وارحمني ولا تُخَيِّبْني، واقْضِ حاجتي إِنكَ على كُل شيءٍ قدير، ويُلَبِّي ويُهَلِّل ويُكَبِّر، ويمر في طريقه بمزدلفة، ثم يَسِير في طريق ضبً وهو المعروف الآن بطريق السيارات حتى ينزل بنَمِرَة. (فإِذا زالت) شمس يوم عرفة خَطَبَ إِمامُ الحجِّ قبل الصَّلاة خُطبتين

خفيفتين يُعَلِّم الناس فيهما المناسِكَ التي من زوال يوم عرفة إِلى ظهر يوم الحادي عشر، (ثم يُصَلِّى) بالناس الظهر والعصر جامِعاً بينهما بمسجد نَمِرَة بأَذانٍ وإِقامةٍ للظهر وأُخرى للعصر، ويُكْرَه التنفُّل بينهما. (وبعد) الصَّلاة يذهبُ الحجَّاجُ إِلى الموقف في سطح جبل الرحمة عند الصَّخرات فيقفون رُكباناً مع الإِمام بوضوءٍ أَوْ غُسْل وهو السُّنة، وعرفات كلها موقف إِلاَّ بطن عُرَنة، والأَفْضَل الوقوف عند الصَّخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أَوْ بالقرب منها، ويستقبلُ الإِمامُ القِبْلَةَ رافعاً يديه حامداً مُهَلِّلاً مُكَبراً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وسلم، داعِياً ربه باجتهاد وحضور قلبٍ ويقفُ الناسُ خلف الإِمام مستقبلين القِبْلَة ويجتهدون في الدُّعاءِ، ويُلَبُّونَ وَقْتاً بعد وقت ويَدْعُو كلٌّ بما في نفسِه، فإِنه وقت إِجابة الدعاءِ وإِفاضة الخير من الجواد الكريم (وبعد) غروبِ الشمس يُفِيضُ الحجَّاجُ مع الإِمام ماشِياً كلٌّ على مَهَل سائرين من الطريق المأْزمين إِلى مزدلفة مُكثِرين من الذِّكْر والتلبية. (ويُسْتَحَبُّ) النزول بقرب جَبَل قُزَح وهو المشعر الحرام، ويقول عند دخولها: اللَّهُمَّ هذا جَمْعٌ أَسْأَلك أَن تُصْلح لي دِيني وذُرِّيتي وتَشْرَح لي صَدْرِي وتُطَهِّر قلبي وترزُقني الخير كله وأَن تَقِيني مِنَ الشَّرِّ كُلِّه إِنَّكَ وليّ ذلك والقادِر عليه، ويُكْثر من الاستغفار، ويُصَلِّي بمزدلفة المغربَ والعشاءَ في أَول وقتها بأَذانٍ وإِقامتين، ويبيت بمزدلفة ليلةَ النَّحْر، فإِذا طلع الفجرُ صَلَّى الصُّبْحَ مُبَكِّراً، ثم يتوجه إِلى المشعر الحرام ويقف مستقبلاً رافعاً يديه حامداً مبكراً مهللاً ملبياً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، دَاعِياً بنحو: اللَّهُمَّ كما وَفَّقْتَنَا فيه وأَرَيْتَنَا إِيَّاه فَوَفِّقْنَا لذِكْرِك كما هديتنا

واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا كما وعدتنا. اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وَقِنَا عذاب النَّار، ويُكْثِر من الدعاءِ، فإِذا أَسْفَرَ الصُّبْحُ أَفَاضَ قبل طُلُوع الشمس إِلى مِني قائلاً: اللَّهُمَّ إِليك أَفَضْتُ ومن عذابك أَشْفَقْت وإِليك توجهتُ ومنك رهِبت. اللَّهُمَّ تَقَبَّل نُسُكي وأَعْظِمُ أَجْرى وارحم تَضَرُّعي واسْتَجِبْ دُعائي واقبل تَوْبَتي، ويُكْثِر منِ التلبيةِ والصلاةِ علي النبيِّ صلي الله عليه وسلم والدعاء (فإِذا) وصل بطن محسر أَسْرَع قَدْرَ رَمْيَة حَجَر ثم يسير إلى مِني سالِكاً الطريق الوسطي إِلى العقبة (فيرمي) جمرة العقبة من أَسفل الوادي - جاعِلاً الكعبةَ عن يسارِه ومني عن يمينه - بسبع حصَياتٍ صِغَار متفرقة يُكَبِّر مع كل حصاةٍ يقول: باسم الله والله أَكبر تَرْغِيماً للشيطان وحِزْبِه، اللَّهُمَّ اجعل حجِّي مبروراً وسَعْي مشكوراً وذَنْبي مغفوراً، ويقطع التلبية مع أَول حصاةٍ يرميها، ولا يقف عند جمرةِ العقبة، بل ينصرف ويذبح المفرد إِنْ أَحَبَّ ثم يُقَصِّر شَعْر رأَسِه أَوْ يحلق، والحلْقُ أَفْضَل في حقِّ الرَّجُل، وبالحلْق أَو التَّقَصِير يحلٌ للمُحْرِم كلَّ شَيْءِ من محظوراتِ الإِحرام إِلاَّ الجِماع ودواعِيه القريبة (ثم) يذهب اليوم أَو بعده إِلى مكة فيطوف طواف الركن سبعةَ أَشواطٍ بلا رمَل ولا سَعْي بين الصَّفَا والمروة إِنْ قدمها في طواف القدوم، وبطوافِ الركن يحلَّ له النساءُ، ثم يُصَلِّي الظهر بمكة، ويعود إِلى مِني. (ويُسْتَحَبُّ) للإِمام بعد صلاةِ ظهر أَول أَيام التشريق أَن يخطُبَ بمني خُطبة يُعَلِّم فيها الناس باقي المناسِك من رمي الجِمار في أَيام التشريق والرجوع إِلى مكة والنزول بالمحصَّب وطواف الوداع. ويَرْمي الحاجٌ الجِمار الثلاث في الحادي عشَر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال يبدأُ بالجمرة الصُّغرى فيرميها بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ويقفُ بعد الرَّمي عندها مستقبل القبلةَ حامِداً مُهَلِّلاً مُصَلِّياً

علي النبي صلى الله عليه وسلم ويَدْعٌو كثيراً رافعاً يديه حِذْوَ مَنْكِبيه، مستغفراً لنفسه ولأَبويه والمؤمنين، ثم يَرْمي الجمرة الوسطي بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّرُ مع كل حصاةٍ، ثم ينحَدِر ذات اليسار مَّما يلي الوادي، فيقف مستقبلَ القبلة رافعاً يديه، يَدْعُو قريباً من وقوفه عند الجمرة الأُولى، ثم يأَتي جمرة العقبة وبرميها من بطن الوادي بسبع حصياتٍ يكبِّر مع كل حصاةِ وينصرف ولا يقف عندها للذكر والدعاءِ، ثم يرمى الجِمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال كما رمى في اليوم السابق. (ثم) هو مخير، إن شاء رجع إلى مكة قبل غروب الشمس أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر أو أقام ورمى فيه الجمار الثلاث من بعد الزوال كما رمي فيه اليومين قبله (ومن كان) مريضا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى ويرميها أو يرمي عنه غيره. (فإذا) فرغ من الرمي ونزل إلى مكة استحب له النزول بالمحصب، ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعه ليلة الرابع عشر، ثم يدخل مكة، فإذا أراد السفر منها، طاف طواف الوداع سبعة أشواط بلا رمل فيه ولا سعي بعده، ويصلي ركعتين، ثم يأتي زمزم ويستقي منها بنفسه ويشرب من مائها مستقبلا متنفسا ثلاث مرات داعيا بما مر. (ثم يأتي) الملتزم فيضع صدره وبطنه وخده الأيمن عليه، ويبسط يديه على جدار الكعبة متعلقا بأستارها مجتهدا في الدعاء بما أحب باكيا أو متباكيا تحسرا على فراق البيت قائلا: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبد: ، حملتي على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك وأعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن على الآن قبل أن أنأى عن بيتك، هذا أو أن

انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني، وأحسن منقلبى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خير الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير (¬1) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون وصدق الله وعده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده؛ ثم يخرج من باب الوداع. وهاك رسم مشاعر الحج بين مكة وعرفة. ... [أنظر رسم 9 ص 242] (ب) حج المرأة: هي كالرجل في كل ما تقدم من أعمال الحج والعمرة، غير أنها تخالفه في ثمانية أمور: 1 - لا تكشف رأسها لأن إحرام الرجل في رأسه ووجهه فيكشفهما. وإحرامها في وجهها فقط فتكشفه دون الرأس. ... 2 - ولا ترفع صوتها بالتلبية لما فيه من الفتنة. ... 3 - ولا ترمل في الطواف ولا بين الميلين في السعي ولا تضطبع فيهما. ... 4 - ولا تحلق رأسها بل تقصر. ... 5 - وتلبس المخيط والمخيط كالدرع والقميص والخفين غير القفازين والصبوغ بورس أو زعفران. ... 6 - ولا تقرب الحجر الأسود حال الطواف إذا كان عنده رجال تحرزا عن مماسة الرجال، أما إذا لم يكن عنده رجال فلها لمسه لعدم المانع. ... 7 - ولو خاضت أو نفست عند الإحرام اغتسلت له وأدت كل المناسك إلا الطواف بأنواعه كما تقدم بيان كل ذلك بأدلته. ... 8 - وإن حاضت بعد طواف الركن سقط عنها ¬

(¬1) هذا الدعاء ذكره البيهقى وقال: هذا من قول الشافعى وهو حسن، انظر ص 164 ج 5 (الوقوف بالملتزم).

طواف الوداع، لما روي طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت، قال: وسمعت ابن عمر يقول:

المقصد الثامن: في وجوه الإحرام

إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعد: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن. أخرجه البخاري. (¬1) {259} المقصد الثامن: في وجوه الإحرام ... الإحرام أربعة أنوع: ... (1) إفراد الحج بالإحرام به وحده. ... (ب) إفراد العمرة، وهو أقسام: ... 1 - أن يحرم بها فقط ويطوف لها في غير أشهر الحج ولو حج من عامه. 2 - أن يحرم بها في غير أشهره ويطوف لها في أشهره ولم يحج من عامه. 3 - أن يحرم بها ويطوف لها في أشهره ولم يحج من عامه. 4 - أن يحرم بها في غير أشهر الحج أو في أشهره ويطوف لها، ثم يحج فيهما من عامه بعد إلمامه بأهله إلماما صحيحا (¬2). (جـ) التمتع وهو أداء طواف العمرة أو أكثره في أشهر الحج ثم الحج من عامه بلا إلمام صحيح. ... (د) القرآن وهو الإحرام بهما معا، أو الإحرام بالحج بعد الإحرام بالعمرة قبل الإتيان بأكثر طوافها، من فعل ذلك فهو قارن غير مسيء، ومن أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة قبل طوافه للقدوم ولو شوطا فهو قارن مسئ (¬3) هذا. وكل من الإفراد والتمتع والقرآن مشروع بالكتاب والسنة ¬

(¬1) انظر ص 381 ج 3 فتح البارى (إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت) و (رخص للحائض) بضم الراء مبنى للمفعول. وعند النسائى: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم و (إذا أفاضت) أى طافت طواف الإضافة. و (قال) أى طاوس. (¬2) الإلمام الصحيح، عود الناسك إلى بلده بعد أعمال النسك غير عازم العودة بعده إلى مكة. (¬3) وذلك أن القارن من يبنى الحج على العمرة فى الأفعال فينبغى أن يبنيه عليها أيضاً فى الإحرام أو يحرم بهما معاَ، فإذا خالف أساء، وصح لتمكنه من بناء الأفعال إذا لم يطف للقدوم شوطاً، فإن لم يحرم بالعمرة حتى طاف شوطاً رفضهاً وعليه قضاؤها ودم للرفض لأنه عجز عن الترتيب. انظر ص 198 ج 2 فتح القدير (القرآن).

وإجماع الأمة (فقوله) تعالى: " ولله على الناس حج البيت ممن استطاع إليه سبيلاً " (¬1) (دليل) الإفراد (وقوله) تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله" (¬2) (دليل) القرآن (وقوله) تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحجً " (¬3) (دليل) التمتع (وقالت) عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه، وأما من أهل بحج، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر. أخرجه الشيخان (¬4). {260} ... (وقالت): منا من أهل بالحج مفردا، ومنا من قرن، ومنا من تمتع. أخرجه مسلم (¬5) {78} (وقد أجمع) العلماء على جواز كل هذه الأنواع، واختلفوا أيها أفضل، وهاك بيانها مرتبة: ... (1) القرآن: هو لغة الجمع بين الحج والعمرة. وشرعا الجمع بينهما على الوجه السابق (وهو) أفضل من التمتع والإفراد عند الحنفيين، لأن الراجح أن النبي صغ الله عليه وسلم كان قارنا في حجة الوداع. ... (روي) بكر بن عبد الله المزني عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا. قال بكر: ¬

(¬1) الآية 97 من سورة آل عمران. (¬2) الآية 196 من سورة البقرة. (¬3) الآية 196 من سورة البقرة. (¬4) انظر ص 273 ج 3 فتح البارى (التمتع والقرآن والإفراد .. ) وص 145، 146 ج 8 نووى مسلم (وجوه الإحرام). (¬5) انظر ص 151 منه.

فحدثت بذلك ابن عمر فقال: لبي بالحج وحده، فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال: ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجا معا. أخرجه مسلم والنسائي (¬1). {261} ... (وكيفيته) - عند الحنفيين- أن يحرم بالعمرة والحج في زمن واحد أو يدخل إحرام أحدهما على الآخر كما تقدم، ويصلي ركعتي الإحرام ثم يلبي ناويا الحج والعمرة، فإذا دخل مكة طاف للعمرة سبعة أشواط مضطبعا يرمل في الثلاثة الأول (وبعد) الطواف يصلي ركعتين ثم يسعى بين الصفا والمروة مهرولا بين الميلين ماشيا على هينته فيما عداه ثم يطوف للحج طواف القدوم، ثم يسعى كما مر، لما روي الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين حج وعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت. أخرجه الدارقطني وقال: لم يره عن الحكم غير الحسن بن عمارة، وهو مترك الحديث (¬2). {262} (وروي) منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن أبي نصر اسلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسع لهما سعيين بين الصفا والمروة. قال منصور: فلقيت مجاهدا وهو يفتي بطواف واحد لمن قرن، فحدثته بهذا، فقال: لو كنت سمعته لم أفت إلا بطوافين، وما بعد فلا أفتي إلا بهما. أخرجه محمد بن الحسن بسند لا شبهة فيه (¬3). {79} ¬

(¬1) انظر ص 216 ج 8 نووى مسلم (الإفراد والقران)، وص 15 ج 2 مجتبى (القرآن). (¬2) انظر ص 271 سنن الدار قطنى. (¬3) انظر ص 111 ج 3 نصب الراية.

(وقال) مالك والشافعي وأحمد: يكفي القارن لحجته وعمرته طواف وسعي واحد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد. أخرجه أحمد، وكذا مسلم بلفظ: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد ولم يحل حتى يحل منهما جميعا. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: من أحرم بالحج والعمرة كفى لهما طواف واحد، ولم يحل حتى يقضي حجه ويحل منهما جميعا. وسنده جيد (¬1). {263} (دل) على أن القارن يكفيه طواف واحد عن العمرة والحج، وأن أفعال العمرة تندمج في أفعال الحج. والأحاديث في هذا كثيرة (وهي) أقوى وأصح مما استدل به الحنفيون على عدم اندراج أعمال العمرة في الحج. (ويجب) عند الحنفيين تقديم أعمال العمرة، لقوله تعالى: " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ " جعل الحج غاية ولو كانت أفعالهما واحدة ما كان مبدأ وغاية، والتمتع بلغة القرآن يشمل القرآن، ولا يحلق بينهما لأنه جناية على إحرام الحج (ولو طاف) لهما طوافين متتابعين بلا سعي بينهما، وسعي لهما سَعْيَيْن صح وأساء بتأخير سعي العمرة وتقديم طواف القدوم عليه ولا دم عليه، وبعد سعي القارن للحج يؤدي باقي أعماله، فإذا رمي جمرة العقبة يوم النحر لزمه ذبح دم القرآن؛ شاة أو بدنة أو سبع بدنة، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَّتَعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْى} أي فليذبح ما قدر عليه من الهدى، وأقله شاة. ¬

(¬1) انظر ص 154 ج 11 الفتح الربانى، وص 214 ج 8 نووى مسلم (جواز القرآن واقتصار القارن على طواف وسعى واحد)، وص 118 ج 2 سنن ابن ماجه (طواف القارن).

(قال) جابر رضي الله عنه: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {264} ... (فإن عجز) القارن عن الدم صام عشرة أيام، ثلاثة منها قبل يوم النحر، والأفضل كون آخرها يوم عرفة، لأن الصوم بدل الهدى فيستحب تأخيره إلى وقته، فإن لم يصمها قبل يوم النحر تعين الدم ولا يجزئه الصوم عند الحنفيين، لفوات وقته. (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: يصوم الثلاثة الأيام قبل يوم عرفة، لأنه يكره صيامه للحاج، فإن لم يصمها قبل يوم النحر أثم وصامها بعد أيام التشريق عند الشافعي وأحمد (وقال) مالك: يجوز صيامها أيام التشريق، ويصوم سبعة الأيام بعد رجوعه إلى وطنه، فلو صامها قبل وصوله إلى أهله لم يجزئه ويتعين الهدى عند مالك والشافعي وأحمد، لقوله تعالى: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم" (¬2). ... (وقال) الحنفيون: له صيام سبعة الأيام بعد فراغه من أعمال الحج ولو بمكة، لأن المراد بالرجوع في الآية الفراغ من أعمال الحج مجازا، لأن الفراغ سبب الرجوع (والعبرة) في العجز عن الهدى والقدرة عليه لأيام النحر، فلو قدر عليه فيها بعد الصوم لزمه الهدى، ولو قدر عليه بعدها قبل صوم السبعة صامها ولا يلزمه الهدى. (وإن وقف) القارن بعرفة قبل طوافه للعمرة فقد رفضها، فعليه دم لرفضها، وقضاؤها للزومها بالشروع، ولا يلزمه دم القرآن لأنه لم ينتفع بأداء النسكين في إحرام واحد. ¬

(¬1) أنظر ص 37 ج 13 الفتح الرباني، وص 67 ج 9 نووي مسلم (الإشتراك في الهدى ... ). (¬2) الآية 196 من سورة البقرة.

(ب) التمتع: لغة الانتفاع، وشرعا الانتفاع بأداء الحج والعمرة في أشهر الحج في عام واحد بلا رجوع إلى بلده (وهو أفضل) من الإفراد عند الحنفيين وأحمد، وأفضل من القرآن أيضا عند أحمد، وهو قول للشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمناه فقال: لولا أني سقت الهدى لأحللت، ولا يتمنى إلا الأفضل. (قال) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فأمرنا أن نحل، قال: حلوا وأصيبوا النساء، ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم. فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنى. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديى لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى. فحللنا وسمعنا وأطعنا (الحديث). أخرجه مسلم (¬1). {265} ... (فنقلهم) إلى التمتع وتأسفه صلى الله عليه وسلم لعدم تمكنه منه (دليل) على فضله. هذا والمتمتع قسمان: ... (الأول) متمتع لم يسق الهدى فيحرم بالعمرة من الميقات أو قبله ويطوف لها في أشهر الحج، ويسعى بين الصفا والمروة ويبقى على إحرامه إن شاء أو يتحلل من العمرة بالحلق أو التقصير، لقول ابن عباس ¬

(¬1) أنظر ص 163 ج 8 نووي مسلم (تحلل المعتمر المتمتع) و (لم يعزم) أي لم يوجب (عليهم) وطء النساء بل أباحه، وأما الإحلال من الحج فعزم فيه على من لم يكن معه هدى.

رضي الله عنهما: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا. أخرجه البخاري (¬1). {266} ثم يحرم بالحج يوم التروية. والإحرام قبله أفضل مسارعة للخير، ويأتي بأعمال الحج، إلا أنه لا يطلب منه طواف القدوم، ويرمل في طواف الركن ويسعى بعده ويذبح الهدى بعد رمي جمرة العقبة وجوبا شكرا لنعمة التمتع (فإن عجز) عن الهدى صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعة إذا رجع إلى بلده أو بعد الفراغ من أعمال الحج على ما تقدم في القرآن، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج وعليه ما استيسر من الهدى. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. أخرجه مالك (¬2). {80} ... (وإن عاد) من لم يسق الهدى إلى بلده بعد إتمام العمرة والحلق لا يعد متمتعا لأنه ألم بأهله إلماما صحيحا، فصار كأهل مكة ليس له التمتع لأنه لم ينتفع بإسقاط أحد السفرين. أما إن عاد إلى أهله قبل الحلق ثم رجع إلى مكة فحج من عامة قبل الحلق، فهو متمتع، لأنه إلمامه غير صحيح (ولو عاد) إلى غير بلده لا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة، وقال صاحباه يبطل (والثاني) متمتع ساق الهدى، فهذا يحرم بالعمرة ثم يسوق الهدى، فإن كان من الإبل قلده أو أشعره (¬3) اتفاقا ليعرف أنه ¬

(¬1) أنظر ص 368 ج 3 فتح الباري (تقصير المتمتع بعد العمرة). (¬2) أنظر ص 180 ج 2 زرقاني الموطأ (ما جاء في التمتع). (¬3) (التقليد) تعليق نعل من الجلد في عنق البعير (والإشعار) شق سنامة الأيمن أو الأيسر وسلت الدم عنه "وما ورد" عن أبي حنيفة من كراهته الإشعار" محمول" على إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه.

هدى. (روي) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعر صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. أخرجه الدارمي والسبعة إلا البخاري، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1). {267} (ثم يؤدي) أعمال العمرة ولا يتحلل منها بالحلق أو التقصير، بل يحرم بالحج- يوم التروية أو قبله- ويؤدي أعماله، فإذا حلق يوم النحر حل من الحج والعمرة (لقول) ابن عمر رضي الله عنهما: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدى، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج ثم ليهد، ومن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعا، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط، ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضي حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم ¬

(¬1) أنظر رقم 33 ص 7 ج 1 تكملة المنهل (الإشعار) وباقي المراجع بهامش 2 ص 10 منه:

منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام من أهدى وساق الهدى من الناس. أخرجه الشيخان، وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬1). {268} ... (دل) على أن التمتع الذي ساق الهدى لا يتحلل حتى يذبحه يوم النحر. وبه قال الحنفيون والحنبليون (وقالت) المالكية والشافعية: يتحلل المتمتع مطلقا بعد أدائه أعمال العمرة ويذبح المهدي هديه عند المروة، لأنه متمتع أتم أعمال العمرة فيتحلل منها كمن لم يكن معه هدى. (وهذا) قياس مع النص فلا يعول عليه. فالراجح الأول. ما يبطل التمتع: تقدم أن من لا هدى معه يبطل تمتعه عند الحنفيين بعوده إلى بدله وكذا من معه الهدى عند محمد لوجود الإلمام وإن لم يكن صحيحا. ... (وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يبطل تمتعه بعوده لأهله بعد العمرة، لأن سوق الهدى يمنعه من التحلل فكان إلمامه غير صحيح. (وقال) مالك: إن رجع المتمتع مطلقا إلى مصره أو إلى أبعد منه بطل تمتعه وإلا فلا. ... (وقال) الشافعي: إن رجع إلى الميقات بطل تمتعه فلا دم عليه. ... (وقال) أحمد: إن سافر بين العمرة والحج سفر قصر بطل تمتعه وإلا فلا. ... (فائدة) حاضروا المسجد الحرام- عند الحنفيين- هم أهل المواقيت، فمن دونهم إلى مكة، وهو قول الشافعي في القديم (وقال) مالك: هم أهل مكة (وقال) الشافعي في الجديد وأحمد: هم أهل الحرم ومن بينهم ¬

(¬1) أنظر رقم 83 ص 90 ج 1 تكملة المنهل العذب (القرآن) وباقي المراجع بهامش 3 ص 95 منه. و (خب) أي رمل وأسرع في المشي (وأفاض) أي نزل إلى مكة فطواف الركن.

وبين مكة دون مسافة القصر. وهل لهم قران وتمتع؟ (قال) الحنفيون: لا يشرع لهم قران ولا تمتع لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" (¬1)، وجه الدلالة: أن الإشارة بذلك إلى التمتع لقوله: لمن، وليست للهدى لأنه واجب على من يطلب منه. فلو كان مرادا لقال على من (وقال) مالك والشافعي وأحمد: يشرع القرآن والتمتع لحاضري المسجد الحرام بلا كراهة، لعموم الأحاديث، وإن قرنوا أو تمتعوا لا يلزمهم \دم، لقوله تعالى: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" على أن الإشارة للهدى (ورد) بأنها وصلت باللام والهدى علينا لا لنا. (جـ) الإفراد: الإفراد هو الإحرام بالحج وحده والإتيان بأعماله (وهو) أفضل من التمتع والقرآن عند الشافعية والمالكية في المشهور عنهم لأنهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردا، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر. أخرجه الشافعي والبيهقي والدارمي والجماعة إلا البخاري، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬2). {269} ... (والصواب) أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنا (وبهذا) يسهل الجمع بين الأحاديث (فمن) روي أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا، أراد أنه أحرم أولا بالحج، ¬

(¬1) الآية 196 من سورة البقرة. (¬2) أنظر رقم 57 ص 42 ج 1 تكملة المنهل العذب (إفراد الحج) وباقي المراجع بهامش 5 ص 43 منه.

المقصد التاسع: في عوارض الإحرام

(ومن) روي أنه كان قارنا، أراد أنه اعتمر أخرا (ومن) روي أنه كان متمتعا، أراد التمتع الغوي وهو الانتفاع، وقد انتفع النبي صلى الله عليه وسلم بأداء النسكين في سفر واحد (ويؤيد) هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده، والقرآن أفضل من أداء الحج من غيره عمرة اتفاقا (ولو جعلت) حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم ألا يكون اعتمر تلك السنة. ولم يقل أحد بأن الحج وحده أفضل من القرآن. أفاده النووي (¬1). المقصد التاسع: في عوارض الإحرام ... هي: الجنايات، والإحصار، والفوات، والمفسد والمبطل. 1 - الجنايات ... هي جمع جناية، وهي لغة الذنب يؤاخذ به، والمراد بها هنا نوعان: ... (الأول) ما تكون حرمته بسبب الإحرام، كالتطيب وإزالة الشعر والتعرض للصيد والوطء ومقدماته، فهي جناية على الإحرام. ... (الثاني) ما تكون حرمته بسبب الحرم، كالتعرض لصيده أو شجره، وهي جناية على الحرم. وهاك البيان. الجناية على الإحرام هي أربعة أقسام: جناية بغير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة، وجناية بالوطء وجناية على الطواف، وجناية على غير الطواف كالسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة والرمي. ¬

(¬1) أنظر ص 160 ج 7 شرح المهذب (طريق الجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة).

(الأول) الجناية بغير الوطء: هي تكون من القارن وغيره وفي كل إما أن تكون لغير عذر أو لعذر، كحمى وبرد وجرح وصداع وقمل. ... (وليس) من العذر الخطأ والنسيان والإكراه والإغماء والنوم عند الحنفيين ومالك والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه. ... (وقال) الشافعي: لا فدية على الناسي والمخطئ والجاهل ونحوهم في اللبس والطيب، لما تقدم عن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة، فقال: يا رسول الله، أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال: أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة (¬1)، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالفدية وقد لبس في إحرامه ما ليس له لبسه جاهلا، والناسي والمخطئ في معنى الجاهل. ... (وأجاب) عنه الأولون بأنه كان قبل تحريم لبس المخيط على المحرم، وأما بعده فلا فرق بين الجاهل والناسي وغيرهما (وعليه) فالجناية بغير الوطء ثلاثة أقسام: (الأول) ما يفعل لعذر: فإن ارتكب المحرم محظورا غير الوطء، كأن طيب عضوا كاملا أو أزال شعره أو لبس مخيطا لعذر خير إن شاء ذبح شاة في الحرم أو صام ثلاثة أيام ولو متفرقة أو تصدق ولو في غير الحرم بثلاثة آصع (¬2) على ستة مساكين، كل واحد نصف صاع من بر (فلو) تصدق بها على ثلاثة أو سبعة (فظاهر) كلامهم أنه لا يجوز، لأن العدد منصوص عليه، قال الله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" (¬3)، ¬

(¬1) تقدم رقم 64 ص 47 (التطيب). (¬2) أنظر رقم 57 ص 42 ج 1 تكملة المنهل العذب (إفراد الحج) وباقي المراجع بهامش 5 ص 43 منه. (¬3) الآية 196 من سورة البقرة.

وأو للتخيير (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدر لي والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أتؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، قال: فأحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك نسيكة (الحديث) أخرجه الشافعي والجماعة من عدة طرق، وهذا لفظ مسلم (¬1). {270} ... (ولابد) في الصداقة والنسك من التمليك ولا تكفي الإباحة عند الأئمة الأربعة ومحمد خلافا لأبي يوسف (ولا يشترط) دوام العذر ولا أداؤه للتلف. بل الشرط وجوده مع تعب ومشقة تبيح ارتكاب المحظور، فإن غلب على ظنه مرضه من البرد ونحوه جاز له تغطية رأسه أو ستر بدنه بالمحيط بشرط ألا يتعدى موضع الضرورة. ... (الثاني) ما يفعله غير القارن بلا عذر: وإن ارتكب محظورا مما ذكر لغير عذر، فهو مخير في الفدية كالمعذور في المشهور عن الشافعية والحنبلية، وعليه أكثر المالكية (وقال) الحنفيون والجمهور: غير المعذور لا يتخير، بل يلزمه أو أكثر أو صدقة على التفصيل الآتي: 1 - ما فيه دم، يلزم المحرم البالغ- ولو ناسيا أو مكرها أو نائما- دم إن طيب عضوا كاملا كالوجه والفخذ والساق لغير عذر، وكذا لو طيب قدر عضو من أعضاء متفرقة، والبدن كله كعضو إن اتحد المجلس، وإلا لزم لكل مجلس دم وإن لم يكفر للأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال) محمد: عليه دم واحد ما لم يكفر للأول، (وكذا يلزمه دم إن خضب رأسه أو لحيته لغير عذر بحناء سائلة، وإن كانت ¬

(¬1) أنظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب (الفدية) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه.

ثخينة فلبد الرأس فعليه دمان للطيب والتغطية. (وكذا) يلزمه دم إن ستر رأسه أو وجهه كله أو ربعه بما يستر به عادة ليلة أو يوما كاملا، ولو بإلقاء غيره وهو نائم (¬1)، أو لبس محيطا لبسا معتادا ليلة أو يوما كاملا أو قدر أحدهم وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا أو بالعكس ما لم يعزم على الترك عند النزع، فإن عزم ثم لبس تعدد الجزاء، وإن لم يكفر للأول على ما تقدم (وكذا) لو أزال شعر ربع رأسه أو ربع لحيته- وهي مع الشارب عضو- وإقامة للربع مقام الكل أو أزال شعر رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو عانته أو قص أظافر يديه ورجليه في مجلس واحد أو قص أظافر يد أو رجل، أو قبل أو لمس بشهوة وإن لم ينزل، فيلزمه لكل مما ذكر شاة تجزئ في الأضحية. (فإن عجز) عنها حسا أو شرعا لزمه صيام عشرة أيام: ثلاثة قبل يوم النحر، وسبعة بعد تمام أعمال الحج أو بعد عوده إلى وطنه على ما تقدم في القرآن ... (وكذا) يلزم دم عند أبي حنيفة لو أدهن بزيت أو خل ولو غير مطيب لا للتداوي لأنه لا يخلو عن طيب، وكذا لو حلق محاجمه (¬2)، لأن المحجم لما قصد بالحلق اعتبر عضوا كاملا، (وقال) أبو يوسف ومحمد: يلزمه فيما ذكر صدقة كالفطرة، وهي نصف صاع من بر ¬

(¬1) خالف في هذا الشافعي، لما تقدم عن يعلى بن أمية ولما ورد: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر رضي الله عنهما (أنظر رقم 4463 ص 35 ج 4 فيض القدير) وقد تقدم جواب غير الشافعي عن حديث يعلي بن أمية وبمثله يجاب "أولا" عما ورد عن علي وعمر " ثانيا" بأن النسائي أخرجه من طرق وقال: لا يصح شيء منها والموقوف أولى بالصواب "وثالثا" بأن المراد به رفع الإثم، لأن رفع الواقع محال بدليل لزوم الدية والكفارة في قتل الخطأ: والله الموفق. (¬2) (المحاجم) جمع محجم كجعفر: موضع الحجامة.

أو دقيقة أو سويقة أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، لأن الزيت والخل من الأطعمة، لكن فيهما انتفاع بقتل الهوام وإزالة الشعث والمحلوق للحجامة قليل فكانت الجناية قاصرة فاكتفى فيها بالصدقة. ... 2 - ما فيه أكثر من دم: وإن قص غير القارن أظافر يديه ورجليه في أربعة مجالس لزمه أربعة دماء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لتعدد الجناية حقيقة ومعنى بتعدد المجلس (وقال) محمد: يلزمه دم واحد لأنها جناية من نوع واحد ومعنى الكفارة على التداخل ما لم يكفر للسابق وإلا تعدد الدم. ... 3 - ما فيه صدقة: وإن طيب أقل من عضو أو ستر رأسه أو وجهه أو لبس المخيط أقل من يوم أو ليلة، لزمه صدقة في كل واحد مما ذكر. (وكذا) لو حلق أقل من ربع رأسه أو لحيته أو بعض رقبته أو بعض عانته أو بعض إبطه أو حلق رأس غيره ولو بأمره وعلى المحلوق ولو بلا أمر دم. (ومن) قص أقل من خمسة أظافر لزمه في كل ظفر صدقة كالفطرة (وكذا) لو قص خمسة متفرقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لنقصان الجناية (وقال) محمد: يلزمه دم كما لو حلق ربع الرأس من مواضع متعددة، ولو قص أظافر غيره فعليه صدقة كالحلق عند أبي حنيفة، (وقال) محمد: " لا شيء عليه. ... (الثالث) جناية القارن: وإن ارتكب القارن محظورا غير الوطء بلا عذر فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته عند الحنفيين. (وقالت) المالكية: إن حلق إحدى عشرة شعرة فأكثر ولو بلا عذر لزمه فدية- صيام أو صدقة أو نسك- ولو كان الحلق لغير إماطة الأذى، وإن حلق أقل من ذلك لغير إماطة الأذى لزمه حفنة من طعام، وإن كان لإماطة الأذى لزمه فدية على التخيير، وإن قلم ظفرا واحدا

لا لإماطة الأذى ففيه حفنة، وإن كان لإماطة الأذى ففيه فدية، وإن قلم أكثر من ظفر غير منكسر ففيه فدية، وأما المنكسر فلا شيء فيه وإن تعدد. ... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إن حلق ثلاث شعرات فأكثر لزمه دم أو صيام أو صدقة. وعن أحمد أنه لا فدية إلا في أربع شعرات فأكثر، وإن حلق شعرة واحدة لزمه مد طعام، وفي الشعرتين مدان. والأظفار كالشعر فيما ذكر عندهم. ... (الثاني) الجناية بالوطء: ... هي إما في الحج أو العمرة أو القرآن أو بتعدد الوطء أو مقدماته. ... (1) الوطء في الحج: تقدم أنه حرام، وهو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل الحلق وطواف الركن أو بعد الوقوف قبل أحدهما. ... 1 - فلو جامع الحاج بإيلاج الحشفة في أحد سبيلي آدمي حي مشتهى قبل الوقوف بعرفة وإن لم ينزل، فسد حجه إجماعا ولو كان الواطئ أو الموطوء ناسيا أو مكرها أو جاها أو نائما، وعليه إذا كان مكلفا شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين وبدنة عند الثلاثة. ويمضي في حجه، لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلا بالأداء أو الإحصار، ويعيده ولو كان نفلا في عام قابل. ويندب مفارقة امرأته في الإعادة عند الحنفيين، وهو الصحيح عن الشافعي. (وقال) مالك وأحمد: التفريق بينهما واجب، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل وقع على امرأته وهو محرم: اقضيا نسككما وارجعا إلى بلدكما فإذا كان عام قابل فأخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما وأهديا هديا. أخرجه البيهقي بسند صحيح (¬1). {81} ¬

(¬1) أنظر ص 167 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

(فائدة) إن فات الحج إنسانا أو أفسده ثم حج من قابل فأفسد البدل لم يلزمه إلا حجة واحدة- كما لو أفسد قضاء رمضان- عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: يجب قضاء القضاء إذا فسد ولو تسلسل فيأتي بحجتين: إحداهما قضاء عن الأولى والثاني قضاء على القضاء وعليه هديان (¬1). ... 2 - وإذا جامع الحاج بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنه والقضاء عند مالك والشافعي وأحمد، لأنه وطء في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف، فإن لم يجد بدنه فبقرة، فإن فقدها فسبع من الغم، فإن فقدها أخرج بقيمة البدنة طعاما، فإن فقد صام عن كل مد يوما عند الشافعي، وعن أحمد أنه مخير بين هذه الخمسة. ... (وقال) الحنفيون: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق وطواف الركن لا يفسد حجه ولمه بدنة أو بقرة، لما روي عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة. أخرجه مالك بسند صحيح (¬2). {82} ... واحتجوا لعدم الفساد بحديث: الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه (¬3). (وأجاب) الأولون بأنه بإدراك ¬

(¬1) أنظر ص 61 ج 3 شرح الدر دير على خليل (وقال) الدسوقي: هذا على المشهور بخلاف قضاء القضاء في رمضان فالمشهور أنه لا يجب. والفرق بينهما أن الحج لما كانت كلفته شديدة شدد فيه بقضاء القضاء لئلا يتهاون به. (¬2) أنظر ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من أصاب أهله قبل أن يفيض) و (يفيض) أي يطوف طواف الإفاضة. (¬3) تقدم رقم 117 ص 91 (الوقوف بعرفة) و (ليلة جمع) ليلة النحر، وجمع: المزدلفة.

عرفة فقد أمن الفوات، وهذا لا ينافى طرو مفسد آخر (ورده) الحنفيون بأنه صلى الله عليه وسلم إنما علق تمام الحج بالوقوف بعرفة باعتبار أمن الفوات والفساد (¬1)، وهذا ينافى طرو مفسد آخر، فالحق معهم. 3 - وإذا جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الركن فسد حجه عند أحمد، ولزمه أعمال عمرة فيخرج إلى الحل ويحرم بعمرة ويلزمه شاة أو بدنة، روايتان. (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي: إن جامع بعد الوقوف والحلق قبل طواف الركن لا يفسد حجه ولزمه شاة عند مالك، وهو ظاهر مذهب الحنفيين لبقاء إحرامه في حق النساء فقط، فالشاة لخفة الجناية. ... (وقال) الشافعي: عليه بدنة واختاره في المبسوط والدبائع. ويؤيده قول عطاء: سئل ابن عباس عن رجل قضى المناسك كلها غير أنه لم يزر البيت حتى وقع على امرأته، قال: عليه بدنة. أخرجه ابن أبي شيبة (¬2). (83) ... (هذا) والبدنة أو الشاة واجب على كل من الفاعل والمفعول عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لما روي عكرمة أن رجلا قال لابن عباس: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة، وأهد ناقة ولتهدي ناقة. أخرجه البيهقي (¬3). (84) ¬

(¬1) أنظر ص 241 ج 2 فتح القدير. (¬2) أنظر ص 127 ج 3 نصب الراية. (¬3) أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

(وقال) مالك: على كل منهما بدنة إن طاوعته المرأة، وإن أكرهها يهدي عنها (وقال) الشافعي: يلزمه بدنة واحدة عنهما، وهو رواية عن أحمد، لما روي عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يجزئ بينهما جزور. أخرجه البيهقي بسند صحيح (¬1). (86) .. وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا هدى عليها ولا على الرجل أن يهدي عنها عند الشافعي، لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة كما في الصيام. وعن أحمد أن عليه أن يهدي عنها، وهو قول مالك، لأن إفساد الحج وجد\ منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدى، قياسا على حجه. (وقال) الحنفيون: يلزمها الهدى وهو رواية عن أحمد، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، فكان الهدى عليها كما لو طاوعت، والنائمة كالمكرهة في هذا (وأما فساد) الحج فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة اتفاقا (ولا فرق) بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة عند الشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون ومالك: لا يفسد الحج بوطء البهيمة والميتة ومن لا تشتهي، لأنه لا يوجب الحد فأشبه الوطء دون الفرج، ويلزمه شاة إن أنزل وإلا فلا، بخلاف ما لو استدخلت امرأة ذكر حمار أو ذكرا مقطوعا فإن حجها يفسد اتفاقا، لأن داعي الشهوة في النساء أتم فلم تكن الجناية في حقها قاصرة. ... (ب) الوطء في العمرة: هو يكون قبل الطواف أو قبل السعي أو قبل الحلق. ... 1 - فإن وطئ المعتمر قبل طواف العمرة كله أو جله فسدت عمرته إجماعا ولزمه المضي في أعمالها وإعادتها لأنها لزمت بالإحرام بها ولزمه بها ولزمه شاة أو سبع بدنة. ¬

(¬1) أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

2 - ولو جامع بعد طواف أربعة أشواط وقبل الحلق لزمه دم، ولم تفسد عمرته عند الحنفيين لإتيانه بالركن. ... (وقالت) المالكية: لو جامع أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشوط، فسدت عمرته ولزمه القضاء وشاة تكفي في الأضحية. ... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة. ... 3 - وإن جامع بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته عند الشافعي وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة لبقاء الحلق وهو ركن فيها عنده. (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد: لا تفسد العمرة لانقضاء أركانها ولزمه شاة. (فائدتان) (الأولى) كل ما أوجب هديا في الحج كالقبلة وطول الملامسة والملاعبة، يوجب هديا في العمرة. ... (الثانية) إذا أحرم بالحج أو العمرة قبل الميقات ثم أفسده لزمه في القضاء الإحرام من ذلك الموضع عند الشافعي وأحمد؛ لأن القضاء يحكي الأداء. ... (وقال) الحنفيون ومالك: إن كان حاجا كفاه الإحرام من الميقات، وإن كان معتمرا فمن أدنى الحل، لقول عائشة رضي الله عنها من حديث: وكنت ممن أهل بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أنظر ص 392 ج 3 فتح الباري (العمرة ليلة الحصبة) بفتح فسكون والمراد بليلتها ليلة المبيت بالمحصب.

(جـ) وطء القارن: هو إما أن يكون قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة أو بعد جل طوافها وقبل الوقوف أو بعدهما أو بعد الحلق وقبل طواف الركن. 1 - فلو جامع القارن قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة، فسد حجة وعمرته ولزمه قضاؤهما ودمان لإفساد النسكين وسقط دم القرآن. 2 - وإن جامع بعد أربعة أشواط من طواف العمرة وقبل الوقوف بعرفة فسد حجه فقط ولمه إعادته ودمان لجنايته على نسكين. 3 - وإن جامع بعد أكثر طواف العمرة والوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن لم يفسد الحج ولا العمرة، ولزمه بدنة لجنايته على الحج وشاة لجنايته على العمرة. 4 - وإن جامع بعد الحلق وقبل طواف الركن لزمه شاة فقط لجنايته على الحج على المختار عند الحنفيين. (وقال) مالك والشافعي وأحمد: إذا وطئ القارن قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل التحلل الأول فسد حجه وعمرته ولزمه المضي في فاسدهما وبدنة للوطء وشاة للقرآن، فإذا قضي لزمه شاة أخرى ولو قضي مفردا لأنه لزمه القضاء قارنا فإذا قضي مفردا لا يسقط عنه دم القرآن. (د) تعدد الوطء: هو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده. 1 - فلو جامع الحاج مرارا قبل الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه شاة والقضاء بعد المضي في أعمال الحج، وإن تعدد المجلس لزمه لكل جماع شاة وإن كفر عن الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف. (وقال) محمد: إن لم يكن كفر عن الأول كفاه كفارة واحدة. 2 - وإن كرر الوطء بعد الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه بدنة واحدة. وإن تعدد المجلس لزمه بدنة للأول وشاة للثاني عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وهو الأصح عند الشافي لأنه وطء في إحرام ناقص الحرمة

فأوجب شاة كالوطء بعد التحلل الأول (وقال) مالك: لا يجب بالوطء الثاني شيء لأنه لا يفسد الحج فلا يجب به شيء كما لو كان قبل التكفير. (وقال) الحنبلية ومحمد بن الحسن: إذا تكرر الجماع فإن كفر عن الأول فعلية للثاني كفارة أخرى كالأولى، وإن لم يكن كفر عن الأول فعليه كفارة واحدة لأنه جماع موجب للكفارة، فإذا تكرر قبل التكفير عن الأول لم يوجب كفارة ثانية كما في الصيام، وإذا كفر عن الأول لزمه بدنة عن الثاني لأنه وطء في إحرام لم يتحلل منه ولم تتداخل كفارته في غيره فأشبه الوطء الأول (¬1). (هـ) مقدمات الوطء: تقدم أنه يحرم على المحرم مقدمات الجماع كالقبلة واللمس بشهوة إذا كان قبل التحللين، وأما بينهما ففي تحريم المباشرة بشهوة فيما دون الفرج خلاف، ومتى ثبتت الحرمة فباشر امرأته فيما دون الفرج عامدا عالما بالتحريم مختارا لم يفسد حجه عند الأئمة الأربعة والجمهور- إن لم ينزل- وعليه شاة (وكذا) إن أنزل عند الحنفيين والشافعي. (وقال) مالك: إن أنزل يفسد نسكه وعليه القضاء وبدنة، وهو رواية عن أحمد، وأما اللمس والقبلة ونحوهما بلا شهوة فليس بحرام، ولا فدية فيه اتفاقا. (مسائل) (الأولى) إذا قبل المحرم امرأته بشهوة ولزمته فدية ثم جامعها فلزمته بدنة تسقط الفدية وتندرج في البدنة، ولو وطئ ثم باشر فيما دون الفرج بشهوة، فإن كفر عن الجماع قبل المباشرة لزمه لها شاة وإلا أندرجت في البدنة (¬2). ¬

(¬1) أنظر ص 321 ج 3 مغني أبن قدامة. (¬2) أنظر ص 411 ج 7 شرح المهذب.

(الثانية) إذا استمنى المحرم فأنزل أثم ولزمته الفدية على الأصح، وهي كفدية الحلق. (الثالثة) مباشرة الغلام الحسن بشهوة كمباشرة المرأة ففيها فدية (¬1) الثالث: الجناية على الطواف: تكون بترك واجب فيه، والكلام في ثلاثة مواضع: (1) تقدم أن الطهارة شرط لصحة الطواف عند مالك والشافعي، وهو المشهور عن أحمد، فلا يصح من محدث ولا من حائض ونفساء ولا من متنجس بدنه أو ثوبه. (وقال) الحنفيون: الطهارة من الحدث واجبة فيه، وهو رواية عن أحمد (¬2) وعليه (فلو طاف) للقدوم أو الوداع أو تطوعا- جنبا أو حائضا أو طاف أكثر طواف الركن محدثا (لزمه) شاة تجزئ في الأضحية، ولو طاف أقله جنبا ولم يعده طاهرا لزمه دم لقصور الجناية، وإن طاف أكثره جنبا ولم يعده طاهرا لوزمه بدنة لعظم الجناية، ويجب إعادته، والمعتبر الطواف الأول، والثاني جابر فلا يعاد السعي بعده. (ولو طاف) مع نجاسة الثوب أو البدن فهو مكروه لا دم فيه. (ولو طاف) للقدوم أو الوداع محدثا حدثا أصغر لزمه صدقة كصدقة الفطر. (وإن) طاف للعمرة وسعى محدثا أعاد الطواف لنقصانه والسعي لتبعيته له ما دام بمكة ولا شيء عليه. وإن رجع إلى أهله ولم يعد الطواف لزمه دم لترك الطهارة فيه. (ب) وتقدم أنه يشترط عند الثلاثة كون الطواف سبعة أشواط، فلو ترك ولو خطوة منها لم يصح طوافه. (وقال) الحنفيون: ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم (¬3)، وعليه: 1 - فلو ترك أكثر طواف الركن بقى محرما أبدا ¬

(¬1) أنظر ص 413 ج 7 شرح المهذب. (¬2) تقدم ص 101 (شروط الطواف). (¬3) تقدم ص 103 و 104.

في حق النساء حتى يطوفه، فإن رجع إلى أهله لزمه العود محرما لتأديته وإذا جامع بعد الحلق لزمه دم، وإن جامع قبله لزمه بدنة إلا أن يقصد بالأول رفض إحرامه فلا يلزمه بالجماع الثاني شيء. 2 - ولو ترك ثلاثة أشواط فأقل من طواف الركن لزمه دم لقصور الجناية (وكذا) لو ترك أكثر طواف القدوم أو الوداع لزمه دم، ولا يتحقق ترك طواف الوداع إلا بالخروج من مكة، ولو أتى بما تركه لا يلزمه شيء، ولو رجع إلى بلده ولم يطف للوداع لزمه الرجوع لتأديته ما لم يجاوز الميقات، فإن جاوزه أراق دما أو رجع محرما بعمرة. 3 - وإن ترك أقل طواف القدوم أو الوداع، لزمه لكل شوط صدقة كصدقة الفطر عند الحنفيين، ولزمه دعم عند غيرهم. 4 - وتقدم أنه يجب عند الحنفيين تأدية طواف الركن في أيام النحر، وعند المالكية في شهر ذي الحجة، فإن أخره عن ذلك لزمه دم (¬1). الرابع: الجناية على السعي وسائر الواجبات: الكلام هنا ينحصر في سبعة مواضع: 1 - تقدم أن السعي بين الصفا والمروة ركن عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد فلا يجبر بدم. (وقال) الحنفيون: هو واجب يجبر بدم، وهو الصحيح عند أحمد (¬2). 2 - وتقدم أن المشي في السعي مع القدرة سنة عند الشافعي وأحمد، وواجب عند الحنفيين ومالك (¬3)، فلو ركب فيه بلا عذر لزمه دم، ولو أعاده ماشيا بعد ما حل فلا دم عليه، أما إذا ركب فيه لعذر فلا شيء عليه ككل واجب ترك في الحج لعذر. 3 - وتقدم أن المبيت بمزدلفة سنة عند الحنفيين ومالك، وواجب عند أحمد وهو الصحيح عن الشافعي (¬4)، ¬

(¬1) تقدم ص 100 (طواف الركن). (¬2) تقدم ص 129 (السعي بين الصفا والمروة). (¬3) تقدم ص 134 و 135 (واجبات السعي). (¬4) تقدم ص 151 (المبيت بمزدلفة).

وعليه فلو ترك المبيت بها بلا عذر لزمه دم عند أحمد والشافعي، ولا شيء عليه عند الحنفيين ومالك. 4 - وتقدم أن الوقوف بمزدلفة سنة عند مالك وهو المشهور عن الشافعي وواجب عند الحنفيين وأحمد (¬1)، وعليه فلو تركه بلا عذر أو وقف في غير وقته وهو وقت الصبح فعليه دعم عند هؤلاء، أما إن تركه لعذر كضعف أو مرض أو خوف زحام فلا دم عليه. 5 - وتقدم أن رمي الجمار في وقته واجب يجبر تركه وتأخيره بدم اتفاقا (¬2). 6 - وتقدم أن مد الوقوف بعرفة إلى الغروب- إن وقف نهارا- سنة عند الشافعي وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد (¬3)، وعليه فلو أفاض من عرفة بعد الوقوف نهارا قبل الغروب ولو بغير اختياره، كأن ندبعيره لزمه دم عند هؤلاء ويسقط بعوده قبل الغروب لا بعده. 7 - وتقدم بيان حكم الحلق ووقته ومكانه وما يترتب على المخالفة فيه (¬4). (ثانيا) الجناية على الحرم: وهي تكون بالتعرض لصيد البر وأكل لحمه وكسر بيضه وحلب لبنه وبيعه وشرائه: 1 - فإن قتل المحرم بحج أو عمرة أو بهما صيد البر الممتنع المتوحش بأصل الخلقة ولو غير مأكول أو كان من صيد الحل أو تسبب في قتله بدلالة عليه ولم يكن المدلول عالما به وصدقه، فعليه الجزاء ولو كان ناسيا إحرامه أو جاهلا أو عائدا إلى التعرض له أو مضطرا لأكله، لأن لزوم الجزاء مع إذن الشارع بما يدفع الضرر ثابت بقوله تعالى: "فمن ¬

(¬1) تقدم ص 152 و 153 (الوقوف بمزدلفة). (¬2) تقدم ص 171 (ترك الرمي وتأخيره). (¬3) تقدم ص 93 (وقت الوقوف). (¬4) تقدم ص 145 (وقت الحلق).

كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" (¬1)، ففائدة الإذن دفع الإثم لا غير. 2 - وكذا عليه الجزاء لو ذبح حماما مسرولا (¬2)، أو ذبح ظبيا مستأنسا لأنهما من الصيد وإنما من الصيد وإن استأنسا بالمخالطة، والجزاء نظير الصيد في الجثة فيما له نظير، ففي الضبع شاة، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وفي النعامة بدنة، وفي الحمار الوحشي بقرة لما روي أبو الزيبر عن جابر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (¬3). {86} وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قضي في حمامة من حمام مكة بشاة. أخرجه البيقي (¬4). {87} (والمثل) المذكور ليس بمتعين، بل قاتل الصيد مخير بين إخراج المثل أو تقدير قيمته والتصدق بها على المساكين لكل مسكين مد، عند مالك والشافعي، ومد من البر أو مدان من غيره عند أحمد (وقال) محمد ابن الحسن: لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، أو يصوم عن طعام كل فقير يوما، ودليل ذلك قوله تعالى: ¬

(¬1) الآية 196 من سورة البقرة. (¬2) المسرول، بفتح الواو: ما في رجله ريش كالسروال. (¬3) أنظر ص 270 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية ما أصيب من الطير والوحش) وليس في سنده جابر، وص 27 ج 2 بدائع المنن، وص 183 ج 5 سنن البيهقي (فدية الضبع) و (العناق) الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول، و (اليربوع) بفتح فسكون: دويبة كالفأرة ذنبه وأذناه أطول من ذنب وأذنى الفأرة، ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة، والعامة تقول: جربوع، و (الجفرة) بفتح فسكون: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر. (¬4) أنظر ص 205 ج 5 سنن البيهقي (جزاء الحمام ... ).

"يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما" (¬1). (قال) مالك ومحمد بن الحسن: يقوم الصيد لا النظير في محل قتل الصيد ويتصدق بالطعام على فقراء ذلك المحل وإلا فعلى أهل أقرب مكان إليه، ولا ينقل إلى الحرم خلافا للشافعية والحنبلية (ويرجع) في اعتبار المثل وتقدير القيمة إلى حكم عدلين لهما معرفة بقيمة الصيد في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة بالنسبة لكل صيد، وإن كان للصحابة في مثله حكم عند الحنفيين ومالك، لقوله تعالى: "يحكم به ذوا عدل منكم". (وقال) الشافعي وأحمد: لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له ولم يحكم فيه السلف، وأما ما له مثل فيرجع فيه إلى ما حكم به السف. (وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قتل المحرم صيدا أو تسبب في قتله فعليه الجزاء وهو قيمة الصيد بتقويم عدلين في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة، ثم الجاني مخير في القيمة بين ثلاثة أمور: ¬

(¬1) الآية 95 من سورة المائدة (والمتعمد) القاصد للشيء مع العلم (والمخطئ) من يقصد شيئا فيصيب غيره (والناسي) من يرمي الصيد ناسيا إحرامه. (وعن أحمد) أنه لا كفارة على غير العامد أخذا بظاهر الآية والجمهور أنها تلزم المخطئ والناس والمكره، والتقييد في الآية بالعمد للوعيد بقوله: ليذوق وبال أمره (وقال) الزهري: نزل الكتاب بالعمد وجاءت السنة بالخطأ (فجزاء مثل ما قتل) أي فيجب على القاتل ما يشبه المقتول في الخلقة (من النعم) وهي الإبل والبقر والغنم (يحكم).

1 - إما أن يشتري بها هدية يذبحه في المحرم؛ فلو ذبحه في الحل لا يخرج عن العهدة إلا إذا أعطى كل مسكين قدر قيمة صدقة الفطر. 2 - أو يشتري بالقيمة طعاما مجزئا في الفطرة يتصدق به في أي مكان على كل فقير مسلم كالفطرة. ... 3 - أو يصوم في أي مكان عن طعام كل فقير يوما. (وإن لم يكن) للمصيد مثل كالعصفور فجزاؤه القيمة يتصدق بها على كل فقير مد أو كالفطرة أو يصوم عن طعام كل فقير يوما. وكذا الجراد عند مالك والشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون: من قتل قملة من بدنه أو ثوبه تصدق بما شاء، وإن قتل قملا كثيرا تصدق على فقير كالفطرة، لأن القمل متولد من درن البدن، ففي قتله إزالة بعض التفث (وإن قتل) جرادة تصدق بما شاء، لما روى زيد بن أسلم أن رجلا قال لعمر: إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم، فقال له: أطعم قبضة من طعام. أخرجه مالك (¬1). {88} 3 - لبن الصيد وبيضه: وإذا حلب المحرم الصيد أو كسر بيضه غير الفاسد ولم يخرج منه فرخ ميت لزمه قيمة اللبن أو البيض، فإن كان فاسدا فلا شيء فيه، وإن كان بيض نعام عند الحنفيين لأ، هـ لا قيمة. له، وإن خرج منه فرخ لم يعلم قبل أنه ميت قيمة الفرخ حيا، أما إذا علم موت الفرخ فكسر البيض لا شيء فيه. (وقال) مالك والشافعي وأحمد: إذا أتلف المحرم بيض النعام لزمه قيمته ولو مذرا لأن قشره ينتفع به ومتقوم، ولما روي معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا محرما أوطأ بعيره أدحى نعام فكسر ¬

(¬1) أنظر ص 171 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية من أصاب شيئا من الجراد).

بيضها، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: عليك في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين. أخرجه أحمد والبيهقي بسند جيد (¬1). {272} (مسائل) (الأولى) إذا ضرب محرم الصيد فتعيب ولم يفوت عليه الأمن بأن جرحه أو أزال شعره أو قطع عضوه أو كسر سنه، قوم الصيد سليما ومعيبا، وضمن ما نقص من قيمته إذا برئ وبقى أثر الضرب وإلا فلا شيء عليه (وإن مات) من ضربه ضمن كل قيمته لتسببه في موته، وإن فوت الأمن على الصيد بتفويت آلة الامتناع، كأنه نتف ريشة أو كسر أو قطع بعض قوائمه فلم يمتنع ممن أراده لزمه قيمته كاملة. (الثانية) من قتل صيدا لا يؤكل لحمه ولا يحل له قتله كالسباع، فعليه الجزاء لا يزيد على شاة، لحديث عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2) {273} (الثالثة) لو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل له ولا لغيره أكله لأن الله تعالى سماه قتلا، بقبوله تعالى: "لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، ولو أكل منه لزمته قيمة ما أكل عند أبي حنيفة. (وقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا جزاء عليه بأكله، لأنه ميتة، وعليه الاستغفار. ¬

(¬1) أنظر ص 251 ج 11 الفتح الرباني، وص 207 ج 5 سنن البيهقي (بيض النعام يصيبها المحرم) و (الأدحى) بضم الهمزة وسكون الدال وكسر الحاء وشد الياء: الموضع الذي تبيض فيه النعامة. (¬2) أنظر ص 255 ج 3 سنن أبي داود (في أكل الضبع- الأطعمة) وص 136 ج 2 سنن ابن ماجه (جزاء الصيد يصيبه المحرم).

(الرابعة) يبطل بيع المحرم صيدا حيا أو ميتا وشراؤه، لأن بيعه حيا تعرض له وغير الحي ميتة، وإن عطب في يد المشتري فعلى كل جزاء: البائع لتسليمه والمشتري لإثبات يده، أما بيع لبنه أو بيضه فصحيح. 2 - الإحصار ... الإحصار لغة: المنع والحبس، ومنه قوله تعالى: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" (¬1)، وشرعا: المنع عن الوقوف بعرفة أو طواف الركن في الحج، وعن الطواف في العمرة، ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث. ... 1 - سبب الإحصار: يكون الحصر عند الحنفيين بكل حابس عن البيت من عدو ولو مسلما، أو مرض يزيد بالذهاب أو الركوب أو موث محرم أو زوج لامرأة في الطريق أو هلاك نفقة، وروي عن أحمد (عن ابن عباس) في قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى"، قال: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده، أو عدو يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدى: شاة فما فوقها، وإن كانت حجة الإسلام فعلية قضاؤها، وإن كانت بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه. أخرجه ابن جرير وابن المنذر (¬2). {89} ... (وقال) مالك والشافعي: الإحصار لا يكون إلا بالعدو. وروي عن أحمد، لأن آية "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى" نزلت في حصر ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية 273. (¬2) أنظر ص 130 ج 2 جامع البيان، وص 174 ج 1 فتح القدير للشوكاني.

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية. (قال) الشافعي: فمن حال بينه وبين البيت مرض حابس فليس بداخل في معنى الآية، لأنها نزلت في الحائل من العدو. ذكره البيهقي (¬1). ولقوله تعالى: "فإذا أمنتم فمن تمتعه بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى". والأمن لا يكون إلا من خوف، (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: لا حصر إلا حصر العدو. أخرجه البيهقي (¬2). {90} (والراجح) أن الحصر يكون بالمرض والعدو وغيرهما، لعموم قوله تعالى: "فإن أحصرتم". والأمن كما يكون من الخوف يكون من المرض. ... 2 - ما يطلب من المحصر: إذا منع المحرم بحج أو عمرة عن الوصول للبيت الحرام بمانع مما سبق، فله البقاء محرما حتى يزول الإحصار، وله إرسال شاة أو ثمنها لتشتري به وتذبح عنه في الحرم في وقت معين عند أبي حنيفه ومحمد بن الحسن. ويكفيه سبع بدنة. ويتحلل بعد مضي الوقت الذي عينه الرسول للذبح بلا حلق ولا تقصير، فلا يتحلل قبل الذبح ولا بالذبح في غير الحرم، لقوله تعالى: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى". (قال) علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما استيسر من الهدى هو شاة. أخرجه مالك (¬3). {91} ... (وقال) ناجية بن جندب: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد الهدى فقلت: يا رسول الله، أبعث معي الهدى لأنحره بالحرم. قال: كيف تصنع به؟ قلت": أخذ به في مواضع وأودية لا يقدرون عليه، فانطلقت به حتى نحرته في الحرم، وكان قد بعث به لينحر في الحرم ¬

(¬1) ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض). (¬2) ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض). (¬3) ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (ما استيسر من الهدى):

فصدوه. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية والنسائي بسند صحيح (¬1). {274} ... (فإن لم يجد) الدم بقى محرما حتى يجده ويذبح أو يطوف لأنه لا بدل الهدي لقوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". لم يذكر له بدلا ولو كان لذكره (وعن) أبي يوسف أنه يقوم الهدى ويتصدق بقيمته على كل مسكين كالفطرة، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع يوما. (وإن كان) الناسك قارنا فأحصر أرسل دما للحج ودما للعمرة، فلا يتحلل إلا بعد الذبح عنهما. فإن بعث دما ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما، لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في وقت واحد. وتقدم عن عائشة من حديث قالت: وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر (¬2). ... هذا ولا يذبح دم الإحصار إلا في الحرم، لقوله تعالى: "ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، ومحله الحرم، لقوله تعالى: "ثم محلها إلى البيت العتيق" (¬3)، وقوله: "هديا بالغ الكعبة" (¬4) (ويصح) ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة لأنه دم كفارة لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا يذبح قبل يوم النحر إن كان محصرا بالحج قياسا على هدى المتعة والقرآن (ورد) ¬

(¬1) ص 288 ج 1 تيسير الوصول (فيمن أحصره العدو) وص 217 ج 5 الجوهر النفي: (¬2) تقدم رقم 260 ص 244 (وجوه الإحرام). (¬3) الحج: 33 أي محل الهدى وانتهاؤه إلى الكعبة: (¬4) الآية 95 من سورة المائدة، أي واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح به ويفرق لحمه على المساكين.

بأن هذا دم نسك (أما المحصر) بالعمرة فيذبح عنه في أي وقت عند الحنفيين. ... (وقالت) المالكية: الحصر ثلاثة أقسام: حصر عن الطواف والوقوف بعرفة وعن أحدهما: ... (1) فمن منع بعد إحرامه بالحج عن الطواف والوقوف- بعدو كافر أو فتنة بين المسلمين أو بحبس ظلما كحبس مدين معسر- فله التحل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه على المشهور. ... ويشترط للتحلل ثلاثة شروط: 1 - أن يظن قبل الإحرام عدم المانع. ... 2 - وأن يعلم أو يظن عدم زوال المانع قبل فوات الحج. ... 3 - وأن يكون إحرامه في وقت يدرك فيه الحج لولا المانع، فإن انتفى شرط منها فليس له التحلل، بل يبقى على إحرامه لقابل. ... (ب) ومن وقف بعرفة ومنع عن باقي أعمال الحج لمرض أو عدو أو حبس، فقد أدرك الحج ولا يحل إلا بطواف الركن. وعليه لرمي الجمار والمبيت بمنى ونزول مزدلفة دم واحد كنسيان الجميع. (جـ) ومن تمكن من الطواف وفاته الوقوف بعرفة ولو بحبس ظلما، فإن بعد عن البيت تحلل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه وإن قرب منه تحلل بنية عمرة ويطوف ويسعى ويحلق ويقضي من قابل (¬1). ... (وقال) الشافعي وأحمد: يتحلل المحصر في الحج أو العمرة بذبح الهدى في مكان الإحصار ولا يلزمه إرساله إلى الحرم وبالحلق أو التقصير (القول) المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة. ¬

(¬1) ص 795 ج 1 الفجر المنير.

وذكر الحديث في نزوله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية وفي مجيء سهيل بن عمرو وما قاضاه عليه حين صدوه عن البيت، فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا (الحديث) وفيه: فخرج فنحر هدية ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فتحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا. ملخص من أحمد والبخاري والبيهقي (¬1). {275} ... دل: (1) على أن المحصر يقدم النحر على الحلق، فإن قدم الحلق على النحو فالظاهر أنه لا دم عليه لعدم الدليل. ... (ب) وعلى أن المحصر يذبح ويتحلل حيث أحصر ولا يشترط الذبح في الحرم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد (ويؤيده) قول أبي عميس: سمعت عطاء يقول: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحرة وفيها نحر الهدى. أخرجه البيهقي (¬2). {92} وقال: قال الشافعي رحمة اله: وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل لأن الله تعالى يقول: "هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله" (¬3). والحرم كله محله عند أهل العلم. والحديبية موضع منه ما هو في الحل ومنه ما هو في الحرم؛ فإنما نحر الهدى عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة (وقال) الشافعي في قوله: "ولا تحلقوا رءوسكم ¬

(¬1) ص 9 ج 21 الفتح الرباني، وص 208 ج 5 فتح الباري (الشروط في الجهاد) وص 215 ج 5 سنن البيهقي (من أحصر بعد وهو محرم) و (البضع) بكسر الباء وفتحها: ما بين الثلاث إلى التسع، وكانوا أربع عشرة مائة. (¬2) ص 215 ج 5 سنن البيهقي (المحصر يذبح ويحل حيث أحصر): (¬3) الآية 25 من سورة الفتح، أي وصدوا الهدى محبوسا أن يصل إلى محله وهو الحرم.

حتى يبلغ الهدى محله": محله والله أعلم ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحر حيث أحصر. ومحله في غير الإحصار الحرم. ذكره البيهقي وقال: قد روي عن ابن عباس ما يدل على صحة ذلك. ... وأجاب الحنفيون: (أ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الهدى فذبح في الحرم كما تقدم (¬1). (ب) وعلى فرض أنه لم يرسله فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ذبح في الحرم من الحديبية. (روى) عروة عن المسور قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم. أخرجه الطحاوي (¬2). {276} ... وقال: ولا يجوز لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هدية دون الحرم. فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الحرم استحال أن يكون نحر الهدى في غيره. 3 - (مسائل) (الأولى) المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو إجماعا، ويلزمه شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور، لقوله تعالى: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" (¬3). (فإن عجز) عن الهدى لم يصم عند الحنفيين لعدم النص عليه. (وقال) أحمد: يصوم عشرة أيام ثم يحل. وهو رواية عن الشافعي، لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل كدم التمتع. وعدم النص عليه لا يمنع قياسه على غيره، ولا يلزمه مع الذبح أو الصيام حلق أو تقصير عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي، وهو رواية عن أحمد لأن الله تعالى لم يذكر سوى الهدى. ... (وقال) أبو يوسف: يلزمه حلق أو تقصير. وروي عن أحمد، لأن ¬

(¬1) تقدم رقم 274 ص 273: (¬2) أنظر ص 217 ج 5 الجوهر النفي. (¬3) أنظر ص 354 ج 8 شرح المهذب.

النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وأمر أصحابه بالحلق. وهذا الخلاف مبني على أن الحلق نسك أو إطلاق من محظور، والصحيح أنه نسك كما تقدم (¬1). ... (الثانية) إذا أحرم بالعمرة، فأحصر، فله التحلل عند الجمهور لآية "فإن أحصرتم"، وقد يرد منع مالك التحلل منها، لأنها لا يخاف فوتها (¬2). ... (الثالثة) يجوز عند الشافعي وأحمد التحلل، سواء أكان الإحصار قبل الوقوف بعرفة أو بعده، لعموم قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". (وقال) الحنفيون ومالك: من أحصر بعد الوقوف لا يتحلل بل يبقى على إحرامه حتى يطوف طواف الركن، لأنه لا يفوت بالتأخير. ... (الرابعة) لا يشترط عند الجمهور للتحلل ضيق الوقت بحيث ييأس المحصر من إتمام نسكه إن لم يتحلل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بالحديبية من العمرة وهي لا يخشى فواتها، لأن وقتها العمر. ... (وقالت) المالكية: إن علم زوال الحصر قبل الفوات أو ظنه أو شك فيه لا يتحلل، بل ينتظر حتى يفوت بالفعل (¬3). (الخامسة) من وصل إلى مكة ومنع: (1) عن الوقوف بعرفة وطواف الركن، فهو محصر اتفاقا مفردا أو قارنا لأنه تعذر عليه الإتمام فيتحلل بالهدى عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقال) مالك: يتحلل بالنية ولا دم عليه في المشهور عنه. ¬

(¬1) تقدم ص 144 (الحلق نسك). (¬2) أنظر ص 255 ج 8 شرح المهذب. (¬3) أنظر ص 796 ج 1 الفجر المنير,

(ب) وإن منع المكي عن الوقوف بعرفة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك وروي عن أحمد، فيبقى محرما حتى يفوته الحج ثم يتحلل بعمرة ولا هدى عليه (وقال) الشافعي: يجوز له التحلل بفسخ الحج وجعله عمرة ولا هدى عليه. وهو مشهور مذهب أحمد. ... (جـ) وإن منع عن الطواف بعد الوقوف وقبل رمي الجمرة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك، لأنه أدرك الحج ولا يتحلل إلا بطواف الإفاضة (وقال) الشافعي وأحمد: يكون محصرا ويتحلل بالهدي والحلق. ... (د) وإن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج كالرمي وطواف الوداع والمبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل، لأن صحة الحج لا تتوقف على ما ذكر وعليه دم وحجه صحيح كما لو تركه من غير حصر. ... (هـ) وإن أحضر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، لأن المحرم عليه حينئذ إنما هو النساء والشرع إنما ورد بالتحلل عن الإحرام التام الذي يحرم به جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله ومتى زال الحصر أتى بالطواف وتم حجه (¬1). ... (السادسة) الحصر عام وهو ما سبق، وخاص وهو ما يقع لواحد أو جماعة: ... (1) فإن لم يكن المحصور معذورا، كمن حبس في دين يمكنه أداؤه فليس له التحلل، بل عليه أداء الدين والمضي في الحج، فإن تحلل لم يصح تحلله اتفاقا، فإن فاته الحج وهو في الحبس كان كمن فاته الحج بلا حصر فيلزمه قصد مكة والتحلل بعمل عمرة. (ب) وإن كان معذورا، كمن حبسه السلطان ظلما أو حبس بدين لا يمكنه أداؤه، جاز له التحلل عند الثلاثة وهو المذهب عند الشافعية، ¬

(¬1) أنظر ص 525 ج 3 شرح ابن قدامة.

لأنه معذور (¬1)، ولو أحرم العبد بغير إذن سيده أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها، فلهما منعهما وحكمهما حكم المحصر (¬2). ... 4 - هل على المحصر قضاء؟ اختلف العلماء في هذا (فقال) الحنفيون: عليه قضاء ما أحصر عنه. ... (أ) فعلى المحصر بالحج ولو نفلا إن تحلل ولو يؤده في عامه حج من قابل للزومه بالشروع وعمرة للتحلل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: أليس حبسكم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا. أخرجه البخاري والنسائي (¬3). [277] ... (وروي) الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كسر أو عرج أو مرض فقد حل وعليه الحج من قابل. أخرجه أحمد والأربعة والطحاوي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري والبيهقي، وحسنه الترمذي (¬4). ... [278] ... (ب) وعلى المحصر بالعمرة إعادتها، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قد أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا. أخرجه البخاري (¬5). [279] ¬

(¬1) أنظر ص 305 ج 8 شرح المهذب. (¬2) أنظر ص 516 ج 3 شرح ابن قدامة. (¬3) أنظر ص 6 ج 4 فتح الباري (الإحصار في الحج) وص 21 ج 2 مجتي (ما يفعل من حبس عن الخج .. ). (¬4) أنظر رقم 136 ص 188 ج 1 تكملة المنهل العذب (الإحصار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 192 منه. و (كسر) مبني للمفعول (أو عرج) بفتحتين، أي أصابه شيء في رجله لعارض، فإن كان خلقة قيل: عرج كفرح (فقد حل) من إحرامه ما ذكر. (¬5) أنظر ص 5 ج 4 فتح الباري (إذا أحصر المعتمر).

(جـ) والقارن المحصر إذا تحلل بغير عمرة وقدر على الذهاب إلى الحرم لزمه عند الحنفيين حجة وعمرتان: حجة وعمرة لإعادة ما لزمه بالشروع، وعمرة للتحلل ولا تلزم المحصر قضاء ما أحصر عنه إلا أن يكون فرضا عليه من قبل، لأن الله تعالى لم يذكر القضاء، ولو كان واجبا لذكره (وهذا) ضعيف، لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم، لكن تقدم في أثر عن ابن عباس: وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه (¬1) (وأجاب) الحنفيون عنه بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع؟ ... 5 - زوال الحصر: إذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه عند مالك والشافعي وأحمد إن كانت حجة الإسلام أو كانت واجبة في الجملة، أو قلنا بوجوب القضاء، لأن الحج يجب على الفور، فأما إن كانت تطوعا ولم نقل بوجوب القضاء فلا شيء عليه كمن لم يحرم. ... (وقال) الحنفيون: إن زال الإحصار عن محرم بالحج بعد إرساله الدم، فله أربعة أحوال، لأنه إما أن يدرك الحج والهدى أو لا يدركهما أو يدرك أحدهما. ... (أ) فإن أمكنه إدراك الهدى قبل ذبحه وإدراك الحج بإدراك الوقوف بعرفة، لا يصح له التحلل ولزمه التوجه لأداء الحج، وصنع بالهدى ما شاء. ... (ب) و (جـ) وإن لم يمكنه إدراكهما أو أمكنه إدراك الهدى فقط، تحلل ولا يلزمه التوجه إلى البيت، لكنه أفضل ليتحلل بعمرة. (د) وكذا إن أمكنه إدراك الحج فقط عند أبي حنيفة استحسانا، ¬

(¬1) تقدم أثر 89 ص 272 (سبب الإحصار).

لأننا لو ألزمناه التوجه لضاع عليه ما أرسله من الهدى بلا حصول مقصوده، والقياس ألا يصح التحلل في هذه الصورة، وبه قال زفر، لأنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل وهو الهدي، وهذه الصورة لا تتأتى على قول أبي يوسف ومحمد، لأن دم الإحصار عندهما يتوقت ذبحه بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدى (ولو زال) الإحصار عن محرم بالعمرة بعد إرسال الهدى، فإن كان يدركهما لزمه التوجه لأداء العمرة، وإن كان يدركها فقط جاز له التحلل، والأفضل التوجه إلى البيت لأدائها. 3 - الفوات ... هو لغة مصدر فات الأمر، أي لم يتأت فعله في وقت، والمراد هنا فوات الحج بفوات الوقت بعرفة (أما العمرة) فلا تفوت إجماعا لأنها غير مؤقتة، فمن فاته الحج ولو نفلا أو فاسدا بفوت الوقوف بمعرفة لعذر أو غيره، لزمه التحلل إحرامه بعمل عمرة فيطوف لها ويسعى بلا إحرام جديد، ثم يحلق أو يقصر عند الحنفيين ومالك والشافعي، وهو الصحيح عن أحمد، وإذا تحلل لزمه الحج في عام قابل، لحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل. أخرجه الدارقطني وابن عدى في الكامل بسند ضعيف (¬1) لكنه روى من عدة طرق ارتقى بها إلى درجة الحسن. {280} ¬

(¬1) أنظر ص 264 سنن الدارقطني. وفي سند ابن عمر رحمة بن مصعب ضعيف. وفي سند ابن عباس يحيى بن عيسى النهشلي ساء حفظه وكثر وهمه.

(هذا) والفوات يتعلق به أربعة أمور: (أ) أنه لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة. ... (ب) أن من فاته الحج يلزمه الخروج منه بعمل عمرة، وهذان مجمع عليهما. ... (جـ) يلزمه قضاء الحج في عام قابل عند الثلاثة، وهو مشهور مذهب أحمد، سواء أكان الفائت واجبا أو تطوعا لإطلاق النصوص، والقضاء يجزئ عن الحج المفروض إجماعا. ... (د) لا دم عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لعدم النص عليه في الحديث السابق. ... (وقال) مالك والشافعي والجمهور: يجب الهدى، وهو المشهور عن أحمد، لما روي سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله ثم قدم على عمر يوم النحر فذكر له ذلك، فقال له عمر: أصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلا فأحجج وأهد ما استيسر من الهدي. أخرجه مالك والبيهقي بأسانيد صحيحة (¬1). {93} ... (وعن نافع) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء وإن كان معه هدية فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع وليهد في حجه، فإذن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهلة. أخرجه البيهقي بسند صحيح (¬2). {94} ¬

(¬1) أنظر ص 230 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من فاته الحج) وص 174 ج 5 سنن البيهقي (ما يفعل من فاته الحج) و (البادية) (بالدال المهملة في رواية البيهقي. وفي رواية مالك: النازية) بالنون والزاي والياء. وهي عين قرب الصفرا. (¬2) أنظر ص 174 ج 5 سنن البيهقي.

(وجملة) القول في الفوات: أن من فاته الحج لزمه التحلل بعمل عمرة بالطواف والسعي والحلق وعليه القضاء وشاة. ولا ينقلب إحرامه عمرة عند مالك والشافعي، كذا عند أبي حنيفة ومحمد، غير أنهما قالا: لا دم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن فاته عرفات فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه القضاء من قابل (¬1). (وقال) أبو يوسف وأحمد في الأصح عنه: ينقلب إحرامه عمرة مجزئة عن عمرة سبق وجوبها ولا دم. والدليل يشهد للأول. ... (فائدتان) (الأولى) إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج ففاته لزمه قضاؤه دون العمرة، لأنه الذي فاته ولزمه دمان: دم الفوات ودم التمتع (¬2). ... (الثانية) من كان قارنا وفاته الحج حل وعليه مثل ما أهل به من قابل عند مالك والشافعي وأحمد، لأن القضاء يكون على حسب الأداء، ويلزمه هديان لقرانه وفواته عند مالك والشافعي. ... (وعن) أحمد أنه يجزئه ما فعله عن عمرة الإسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج، لأنه هو الذي فاته (¬3). ... (وقال) الحنفيون: يطوف القارن ويسعى لعمرته لأنها لا تفوت، ثم يطوف طوافا آخر لفوات الحج ويسعى له ويحلق أو يقصر، وقد سقط عنه دم القرآن لأنه يجب للجمع بين الحج والعمرة ولم يوجد ويقطع التلبية إذا أخذ في طواف التحلل. وإن كان من فاته الحج متمتعا ساق الهدى بطل تمتعه ويصنع كما يصنع القارن، لأن دم التمتع يجب للجمع بين العمرة والحج ولم يوجد الجمع لأن الحج فاته (¬4). ¬

(¬1) أنظر ص 290 ج 8 شرح المهذب. (¬2) أنظر ص 287 منه. (¬3) أنظر ص 512 ج 3 الشرح الكبير لابن قدامة. (¬4) أنظر ص 22 ج 2 بدائع الصنائع (بيان ما يفوته الحج).

4 - ما يفسد الحج والعمرة وما يبطلهما ... الفساد هنا الخلل المؤدى للزوم الإعادة ليخرج من العهدة، والبطلان عدم وجود حقيقة الفعل الشرعي. (ويفسد) الحج عند الحنفيين بالوطء- بإيلاج الحشفة أو قدرها في أحد سبيل آدمي حي مشتهى وإن لم ينزل- قبل الوقوف بعرفة ولو كان الواطئ ناسيا أو مكرها أو جاهلا أو نائما أو غير مكلف، ولا يخرج منه بالفساد، بل يتممه وعليه بدنة والإعادة في عام قابل. ويندب أو يجب مفارقة امرأته في الإعادة كما تقدم (¬1). أما وطء البهيمة والميتة ومن لا يشتهي فلا يفسد الحج وإن أنزل. (وقالت) المالكية: إذا جامع الحاج أو أنزل بلمس، أو قبلة، أو استدامة نظر أو فكر قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل طواف الركن ورمى جمرة العقبة، فسد حجه وعليه بدنة والقضاء فورا، ويجب عليه وإتمامه إذا أدرك الوقوف فيه وإلا وجب تحلله من الحج الفاسد بفعل عمرة، ولا يجوز له البقاء لقابل على إحرامه لأن فيه التمادي على الفاسد مع إمكان التخلص منه. (وإن جامع) الحاج يوم النحر بعد طواف الركن وقبل رمي جمرة العقبة أو بعد رميها وقبل طواف الركن أو جامع بعد يوم النحر قبلهما، لا يفسد حجه ولزمه هدى، وإن جامع بعدهما يوم النحر فلا دم ولا فساد (¬2). ... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا جامع الحاج قبل رمي جمرة العقبة وقبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه ولزمه إتمامه وقضاؤه فورا وعليه بدنة. ... (وتفسد) العمرة عند الحنفيين بالوطء قبل أكثر الطواف ويمضي فيها وعليه شاة أو سبع بدنة وإعادتها. (وقالت) المالكية: لو جامع المعتمر ¬

(¬1) تقدم ص 258 (الوطء في الحج). (¬2) أنظر ص 60 و 61 ج 2 شرح الدردير على خليل (ما يحرم بالإحرام).

المقصد العاشر: في الهدى

وإن كان بحائل كثيف أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشرط، فسدت عمرته وعليه القضاء وشاة تكفي الأضحية. ... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي، فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة. ... ولو وطئ قبل الطواف فسدت عمرته إجماعا. المقصد العاشر: في الهدى الهدى لغة وشرعا: أسم لما يهدي من النعم قربة إلى الحرم، فهو لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم بالإجماع (وهو) في الفضل على هذا الترتيب اتفاقا. وحكمية مشروعية ذبح الهدى والفدية ما فيه من طاعة الله تعالى وامتثال أمره وإظهار نعمته بتوسعة المسلمين على أنفسهم وعلى المحتاجين في أيام العيد التي هي أيام ضيافة الله للمؤمنين. وفيه تطهير للنفوس من دنس الشح، وتذكير لنا (بنزول) الفداء لإسماعيل حين جاد بنفسه تصديقا لرؤيا أبيه (وبقيام) أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما أمر به، وبأن من يمتثل أمر ربه مع الإخلاص لا يصاب بأذى، بل ينال كل الخير والسعادة: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" (¬1)، وأقل الهدى شاة كما تقدم (¬2)، ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثا. ... 1 - ما يجزئ في الهدى وما لا يجزئ: يجزئ فيه ما يجزئ في الأضحية، وهو: ... (أ) الجذع من الضأن، وهو ما تم له ستة أشهر وكان سمينا. ¬

(¬1) الآية 2 من سورة الطلاق. (¬2) تقدم أثر 91 ص 273.

(ب) الثني من الضأن وغيره، وهو ما له خمس سنين من الإبل اتفاقا وما له حولان من البقر والجاموس عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقالت) المالكية: الثني من البقر والجاموس ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة، والثني من الضأن ما له سنة ودخل في الثانية اتفاقا. وكذا الثني من المعز عند الحنفيين ومالك وأحمد، (وقالت) الشافعية: الثني من المعز ما له سنتان ودخل في الثالثة. ودليل ذلك ما روي أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضمان. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وأبن ماجه وأبو الزبير مدلس (¬1). {281} (ولا يجزئ) في الهدى ما لا يجزئ في الأضحية. وهو مقطوع أكثر الأذن أو الذنب، لأن للأكثر حكم الكل، والعوراء والعمياء بالأولى، والعجفاء أي المهزولة التي ذهب مخها من الهزال، والعرجاء التي لا تمشي برجلها المعيبة إلى مكان الذبح. ودليل ذلك قول على رضي الله عنه: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحى بعوراء ولا بمقابلة ولا مدابرة ولا شرفاء ولا خرقاء. أخرجه أحمد والأربعة والدرامي وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (¬2). {282} ... (وروي البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، ¬

(¬1) أنظر رقم 10 ص 14 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يجوز في الضحايا من السن وباقي المراجع بهامش 2 ص 16 منه. والمسن: الثني. (¬2) أنظر رقم 17 ص 26 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 6 ص 27 منه و (المقابلة) بفتح الباء التي قطع من مقدم أذنها قطعة وتركت معلقة، فإن كانت من مؤخرها فهي المدابرة (والشرقاء) التي شقت أذنها طولا (والخرفاء) التي في أذنها خرق، وهو ثقب مستدير.

والعرجاء بين عرجها، والعجفاء التي لا تنقى. أخرجه الإمامان والأربعة والدارمي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (¬1). {283} ... 2 - الدماء الواجبة في الإحرام: هي ثمانية: (الأول والثاني) دم القرآن والتمتع، وهو شاة أو بدنة أو سبعها، وهو واجب على غير حاضري المسجد الحرام كما تقدم (¬2)، فإن عجز القارن أو المتمتع عن الدم صام عشرة أيام (¬3). ... (الثالث) دم الإحصار، وهو شاة تذبح في الحرم (¬4). (الرابع) دم الفوات، وهو واجب عند الجمهور، خلافا للحنفيين (¬5). ... (الخامس) الدم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك (¬6). (السادس) الدم الواجب بارتكاب محظور غير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة (¬7). ... (السابع) الدم الواجب بالجماع في النسك (¬8). ... (الثامن) الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره على ما تقدم بيان كل في بحثه (¬9). ... 3 - ما تلزم فيه بدنة: تجزئ الشاة في كل جناية ونذر إلا في أربعة ¬

(¬1) أنظر رقم 15 ص 22 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 3 ص 24 منه. و (لا تنقى) من الإنقاء، أي التي لا نقي (بكسر فسكون) لها، أي لا مخ لها من الهزال. (¬2) تقدم ص 251 (حاضرو المسجد الحرام). (¬3) تقدم ص 247 (وقت ومكان صيام القارن). (¬4) تقدم ص 273 (ما يطلب من المحصر). (¬5) أنظر ص 283 (هدى الفوات). (¬6) أنظر ص 266 (الجناية على السعي .. ). (¬7) أنظر ص 254 (الجناية بغير الوطء لعذر). (¬8) أنظر ص 257 و 259 و 260 و 262 و 263 و 264. (¬9) أنظر 267 (الجناية على الحرم).

لا يجزئ فيها إلا بدنة، وهي إذا طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء أو جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق أو نذر بدنة أو جزوؤا. ... 4 - هدى التطوع: يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يسوق هديا من النعم لينحر في الحرم ويفرق على المساكين هناك، لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وكان جماعة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم قال: فنحر (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده ثلاثا وستين، ثم أمر عليا فنحر ما غبر (¬1). ... دل على استحباب سوق الهدى من الحل، فإن اشتراه من الحرم أجزأه، ولا يلزمه الخروج به إلى الحل عند الحنفيين والشافعي وابن القاسم المالكي، والمشهور عن مالك أنه يخرج به إلى عرفة، وإن لم يفعل فعليه البدل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: الهدى ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح (¬2). {95} (وإن اشترى الهدى من الحل استحب له أن يوقفه بعرفة عند مالك لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدموا مني غداة النحر نره قبل أن يحلق أو يقصر. أخرجه مالك (¬3). {96} ¬

(¬1) تقدم تاما رقم 242 ص 217، 219. (¬2) أنظر ص 227 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق) وص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار). (¬3) أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق).

(وقال) الشافعي: إنما يوقف الهدى بعرفة إذا لم يسق من الحل، وهو سنة لمن شاء، لقول إبراهيم النخعي: أرسل الأسود غلاما له إلى عائشة رضي الله عنها، فسألها عن بدن بعث بها معه أيقف بها بعرفات؟ فقالت: ما شئتم إن شئتم فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. أخرجه البيهقي (¬1). {98} ... (وقال الحنفيون: لا يسن سوق الهدى مطلقا إلى عرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدى من الحل ولم يثبت أنه ساقه إلى عرفة. ... 5 - الشعار والتقليد: الإشعار لغة الإدماء، وشرعا شق سنام الهدى حتى يلطخ ليعلم أنه هدى فلا يتعرض له. والتقليد أن يجعل في عنق الهدى قطعة جلد أو نعل أو نحوه ليعلم أنه هدى. ... هذا، ويسن لمن أراد النسك وساق معه هديا أن يشعره إن كان من الإبل والبقر وأن يقلده ولو منهما أو من الغنم في ميقات الإحرام، لما تقدم أن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة (¬2). (دل) على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر هدية وقلده بذي الحليفة قبل الإحرام. فمن أراد أن يحرم بنسك وساق معه هديا لا يقلده إلا من الميقات. وأما من لم يرد نسكا وبعث هديا إلى البيت فإنه ينبغي له أن يقلده ويشعره في بلده ثم يبعثه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) أنظر 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار). (¬2) تقدم رقم 275 ص 275 (ما يطلب من المحصر).

إذا بعث بهدية مع أبي بكر رضي الله عنه سنة تسع (¬1). والإشعار يكون في الإبل والبقر وإن لم يكن لها سنام عند غير مالك (لقول) عائشة رضي الله عنها: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له. أخرجه السبعة والطحاوي (¬2). {284} ... (وقال) مالك: لا تشعر البقر إلا إن كان لها سنام. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يبالي في أي الشقين أشعر، في الأيسر أو في الأيمن. (قال) الشافعي في غير هذه الرواية: الإشعار في الصفحة اليمنى، وكذلك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره البيهقي (¬3). فاختار مالك وأحمد في رواية الإشعار في الأيسر، واختار الشافعي وأحمد في رواية، والجمهور: الإشعار في الأيمن، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر. والحكمة في الأشعار ألا يختلط الهدى بغيره، وإذا ظل يعرف وقد يعطب فينحر، فإذا رأى الفقراء عليه علامة الهدى أكلوه. وفي الإشعار أيضا تعظيم شعائر الدين وحث الغير على سوق الهدى. هذا، والتقليد يكون في الإبل والبقر والغنم لما تقدم، ولقول عائشة رضي الله عنها: أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنما إلى البيت فقلدها. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة (¬4). {285} ¬

(¬1) أنظر ص 38 ج 10 عمدة القاري (من أشعر وقلد بلدي الحليفة). (¬2) أنظر رقم 37 ص 14 ج 1 تكملة المنهل العذب (من بعث بهديه وأقام) وباقي المراجع بهامش 5 ص 15 منه. و (البدن) بضم فسكون، جمع بدنة تطلق على الجمل والناقة والبقرة، سميت بذلك لعظمها وسمنها. (¬3) أنظر ص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار). (¬4) أنظر رقم 35 ص 11 ج 1 تكملة المنهل العذب (في الإشعار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 10 وهامش 2 ص 11، 12 منه.

دل قولها مرة على أن أكثر هدى النبي صلى الله عليه وسلم كان من الإبل لأنها أفضل، وأهدى مرة الغنم لبيان الجواز. وتقلد الغنم بخيوط مفتولة ونحوها ولا تقلد بالنعال لثقلها عليها عند الجمهور، وابن حبيب المالكي. ... (وقال) الحنفيون: لا يسن تقليد الغنم. ومشهور مذهب مالك أنه يكره تقليدها، وهو مردود بحديث عائشة رضي الله عنها، ويحرم إشعارها لأنها تعذيب. ... 6 - ما يطلب في الهدى: يطلب فيه تسعة أمور: (أ) يستحب أن يكون سمينا حسنا، لقوله تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها نمن تقوى القلوب" (¬1). (قال) ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها. ... (ب) ويستحب توجيه الهدى إلى القبلة عند إشعاره وأن يقول: باسم الله والله أكبر، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا طعن في سنام هدية وهو يشعره قال: باسم الله واله أكبر. أخرجه مالك (¬2). {98} ... (جـ) ويستحب تجليل الهدى بكساء ونحوه وأن يتصدق به بعد ذبح الهدى على مساكين الحرم، لقول على رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (¬3) {286} ¬

(¬1) الآية 32 من سورة الحج. (¬2) أنظر ص 217 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق). (¬3) أنظر ص 357 ج 2 فتح الباري (الجلال للبدن) وأنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن؟ ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه. و (الجلال) بالكسر: ما يستر به ظهر الحيوان من الإبل وغيرها. والمراد به هنا ما يغطي به الهدى.

(د) ويستحب أن يشق الجلال من موضع السنام ليظهر الإشعار ولئلا يسقط عنها الجلال. فقد كان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام. وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها ذكره البخاري معلقا (¬1). {99} ... (هـ) ويستحب للمهدي أن ينحر هديه بيده إذا كان يحسن ذلك، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين. أخرجه البخاري وأبو داود (¬2). {287} ... ومن لم يحسن الذبح يندب له أن يشهد ذبحه، لحديث عمران ابن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بكل قطرة من دمها كل ذنب عملتيه وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. قال عمران: يا رسول الله، هذا لك ولأهل بيتك خاصة- فأهل ذلك أنتم- أو للمسلمين عامة؟ قال: بل المسلمين عامة. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ورد بأن هذا في سنده أبا حمزة الثمالي ضعيف جدا (¬3). {288} ... (و) ويستحب أن يتولى المهدي تفريق لحم الهدى بنفسه لأنه أحوط وأقل للضرر على المساكين. وإن خلى بينه وبين المساكين جاز، لقول ¬

(¬1) أنظر ص 356 ج 3 فتح الباري (الجلال للبدن). (¬2) أنظر ص 358 ج 3 فتح الباري (من نحر هدية بيده) ورقم 6 ص 10 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب من الضحايا). (¬3) أنظر هامش 2 ص 11 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب في الأضحية).

عبد الله بن قرط: قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدنات خمس، أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ. فلما وجبت جنوبها قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة خفية لم أفهمها، فقلت للذي إلى جنبي: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (¬1). {289} ... (ز) ويطلب من المهدي التسمية عند نحر الهدى، لقوله تعالى: "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف" (¬2) والمنقول فيها: باسم الله والله أكبر، لقول أنس رضي الله عنه: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ويقول: باسم الله والله أكبر. أخرجه السبعة والدارمي (¬3). {290} ... (والتسمية) عند الذبح شرط عند الذكر والقدرة عند الحنفيين، وهو المشهور عن مالك وأحمد؛ فإن تركها عمدا مع القدرة لا تؤكل الذبيحة لقوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر أسم الله عليه وإنه لفسق" (¬4) (وقالت) الشافعية: التسمية سنة لا شرط؛ فإن تركها عمدا ¬

(¬1) أنظر ص 350 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن قرط .. ) وأنظر رقم 45 ج 1 تكملة المنهل العذب (من نحر الهدي بيده ... ) وهامش 2 ص 26 منه. و (وجبت جنوبها) أي سقطت إلى الأرض بعد النحر. (¬2) الآية 36 من سورة الحج: و (صواف) أي قائمات على ثلاث. (¬3) أنظر ص 120، 121 ج 13 نووي مسلم. وأنظر سائر المراجع بهامش ص 12 ج 3 تكملة المنهل العذب. وأنظر رقم 7 ص 11 منه (ما يستحب من الضحايا). (¬4) الآية 121 من سورة الأنعام (مما لم يذكر أسم الله عليه) أي ما أهل به لغير الله (وإنه) أي الأكل منه (لفسق) أي خروج عما يحل.

تحل مع الكراهة، وإن تركت سهوا نح اتفاقا. وتقدم تمامه في الأضحية (¬1). ... (ح) ويستحب نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى لقوله تعالى: "فاذكروا اسم الله عليها صواف". قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي قياما على ثلاثة قوائم معقولة. أخرجه الحاكم (¬2). {100} وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح على شرط مسلم (¬3). {291} ... (أما) البقر والغنم فيستحب ذبحها مضطجعة على جنبها الأيسر مرسلة رجلها اليمنى، مشدودة قوائمها الثلاث. ... (ط) ويسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم. والنحر: الطعن في اللبة وهي أسفل العنق. والذبح: قطع الحلقوم والمرئ والدوجين (¬4) من أعلى العنق؛ فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر جاز مع الكراهة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي. وقال أحمد: لا يكره. ... 7 - الانتفاع بالهدى: يجوز ركوب الهدى إذا دعت إليه ضرورة، لقوله تعالى: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت ¬

(¬1) أنظر ص 119، 120 ج 5 الدين الخالص. (¬2) أنظر ص 359 ج 3 فتح الباري الشرح (نحر البدن قائمة). (¬3) أنظر رقم 47 ص 28 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (نحر بالإبل قياما .. ). (¬4) (الحلقوم) مجري النفس (والمرئ) مجري الطعام والشرب (والودجان) عرقان بجانبي العنق.

العتيق" (¬1) ومن المنافع ركوبها والحمل عليها، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، وقد جهده المشي قال: أركبها، قال إنها بدنة، قال: اركبها وإن كانت بدنة. أخرجه النسائي (¬2). {292} ... (ولهذا) قال الحنفيون: لا يركب الهدى بلا ضرورة. (وقال) الشافعي وأحمد في المشهور عنه: يجوز ركوب الهدى للحاجة، وروى عن مالك، ومشهور مذهبه أنه يجوز ركوب الهدى بلا حاجة إن لم يضره الركوب، وروى عن أحمد، لإطلاق حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة. أخرجه الشافعي والسبعة غير أنه عند الترمذي عن أنس (¬3). {293} ... (وأجاب) الأولون بأن المطلق محمول على المقيد، والراجح ألا يركب الهدى إلا عند الحاجة، (وكره) الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور شرب لبن الهدى بعد ري فصيله، وإن نقصه الركوب والشرب فعليه قيمة ذلك النقص عند الحنفيين والشافعي، وقال مالك: لا يغرم شيئا، ولا يحمل على الهدى متاعه عند مالك، وأجازه الجمهور عند الحاجة، (وقال) أحمد: لا يكره شرب لبن الهدى الفاضل عن ولده، لما روي المغيرة بن حذف العبسي أنه سمع رجلا من همدان سأل عليا رضي الله عنه عن رجل اشترى بقرة ليضحى بها فنتجت فقال له: لا تشرب لبنها ¬

(¬1) الآية 23 من سورة الحج. (¬2) أنظر ص 23 ج 2 مجتبى (ركوب البدنة لمن جهده المشي). (¬3) أنظر رقم 40 ص 16 ج 1 تكملة المنهل العذب (ركوب البدن) وباقي المرجع بهامش 1 ص 18 منه.

إلا فضلا وإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها عن سبعة، أخرجه البيهقي (¬1). {101} (وهذا) وإن كان في الأضحية فالهدى مثلها، فإن شرب ما يضر بالأم أو ما لا يفضل عن الولد ضمنه لأنه تعدى بأخذه وإن كان صوفها يضرها بقاؤه وتصدق به على الفقراء (¬2) وإذا ولد الهدى فولده بمنزلته إن أمكن سوقه، وإلا حمله على ظهر أمه وسقاه من لبنها، فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدى إذا عطب، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما كان يقو: إذا نتجت البدنة فليحمل ولدها حتى ينحر معها، فإن لم يوجد له محمل فليحمل على أمه ختى ينحر معها. أخرجه مالك والبيهقي (¬3). {102} ... 8 - عطب الهدى وتعيبه: العطب بفتحتين: الهلاك، فإذا عطب الهدى الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جواز الأضحية به لزمه غيره لوجوبه عليه، وصنع بالمعيب ما شاء لأنه التحق بملكه، وإن عطب أو تعيب هدى التطوع لا يلزمه غيره. وإذا أشرف على الموت وعجز عن السير نحره وصبغ قلادته بدمه وضرب بها جانب سنامه ليعلم أنه هدى فيأكل منه الفقراء ولا يأكل منه المهدى ولا غنى، لما روى عن ناجية الخزاعى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدى فقال: إن عطب منه شيء فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس. أخرجه ¬

(¬1) أنظر ص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها .. ). (¬2) أنظر ص 563 ج 3 المغنى لابن قدامة. (¬3) أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (ما يجوز من الهدى) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها .. ).

الشافعي وأحمد والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1). {294} (دل) على أنه إذا عطب هدى التطوع قبل وصوله إلى الحرم وجب ذبحه وتخليته للفقراء ولا بدل عليه، لأنه موضع بيان ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (بخلاف) الهدى الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل منه صاحبه والأغنياء لتعلقه بذمته وقد التحق بملكه، ويجوز بيعه عند الجمهور ومنعه مالك، فإن بلغ الهدى محله لا يأكل صاحب منه إن كان جزاء صيد أو فدية أو نذرا للمساكين، وأكل مما سوى ذلك عند الجمهور (¬2). ... 9 - ضياع الهدى: إذا ضل الهدى، فإن كان تطوعا لم يلزمه شيء، ويستحب ذبحه والتصدق به إذا وجده، وإن كان واجبا بالنذر ونحوه وضل بلا تقصير لا يلزمه ضمانه، وإن وجده لزمه ذبحه، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما قال: من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها إن كانت نذرا أبدلها، وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها. أخرجه مالك (3). {103} ... 10 - وقت ذبح الهدى: (قال) الحنفيون: يختص ذبح هدى التمتع والقرآن بأيام النحر، ودم النذر والكفارات والتطوع لا يختص ذبحه بوقت، وتقدم بيان زمن ذبح دم الإحصار عندهم (¬3) (وقال) مالك وأحمد: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بأيام النحر. والصحيح عند الشافعي أن وقت ذبح الهدى يوم النحر وأيام التشريق، وقيل لا يختص ¬

(¬1) أنظر رقم 42 ص 19 ج 1 تكملة المنهل العذب (الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 20 منه. (¬2) أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب .. ). (¬3) تقدم ص 274 (ما يطلب من المحصر).

بزمان كدماء الجبران. والصواب الأول. وعليه إذا فات وقته ذبح الواجب قضاء وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته، لأن القضاء يحكي الأداء. فأما التطوع فهو مخير فيه؛ فإن فرق لحمه كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم. وقالوا: إذا كان الهدى للتمتع أو القرآن فوقت وجوبه الإحرام بالحج لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" (¬1) ووقت استحباب ذبحه يوم النحر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقت جواز ذبحه بعد الفراغ من العمرة وبعد الإحرام بالحج، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصلاة والصوم، وقبل: يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج، لأنه حق مال يجب بسببين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب (¬2)، وهذا يتفق ويسر الدين. ولكن الراجح خلافه. مكان ذبح الهدى: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بالحرم في أي موضع منه، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). {295} ... (والأفضل) أن يكون نحر الهدى بمنى عند الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف إن أمكن وصوله إلى الحرم وإلا فمكانه حيث أحصر. ... (قال) الشافعي: يجوز نحر الهدى ودماء الجبرانات في جميع الحرم، ¬

(¬1) الآية 196 من سورة البقرة. (¬2) أنظر ص 380 ج 8 شرح المهذب وص 183 ج 7 منه. (¬3) أنظر رقم 208 ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة يجمع) وص 128 ج 2 سنن ابن ماجه (الذبح) و (فجاج) جمع فج، وهو الطريق الواسع.

لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى وأفضل موضع فيها موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه. والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة، لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاج (¬1). ... (قال) على القاري: يجوز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم بالاتفاق إلا أن منى أفضل لدماء الحج ومكة لدماء العمرة والأفضل أن يكون بالمروة (¬2). 12 - الاشتراك في الهدى: تجزئ الشاة في الهدى عن واحد إجماعا. وتجزئ البدنة وهي البقرة أو الناقة أو البعير عن سبعة، لقول جابر رضي الله عنه: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (¬3). {296} ... وهاك أقوال العلماء في هذا: (قال) الحنفيون: تجزئ البدنة عن سبعة إذا كان كل منهم يريد بنصيبه- الذي لا ينقص عن السبع- القربة وهو مسلم، سواء في ذلك هدى التطوع والواجب. (وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: يجوز اشتراك سبعة في البدنة سواء أكان الكل متقربا أم البعض (ومشهور) مذهب المالكية أنه لا يجوز الاشتراك في الهدى مطلقا. والأحاديث ترده. 13 - إبدال الهدى: لا يجوز إبدال الهدى الواجب ولو بأفضل أو أكثر منه. لحديث جهم بن الجارود عن سالم عن ابن عمر رضي الله ¬

(¬1) أنظر ص 196 ج 8 نووي شرح مسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم): (¬2) أنظر ص 218 ج 3 شرح المشكاة. (¬3) أنظر ص 37 ج 13 الفتح الرباني وص 67 ج 9 نووي مسلم (إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة) وص 234 ج 5 سنن البيهقي (الاشتراك في الهدى).

عنهما قال: أهدى عمر بن الخطاب بختية أعطى بها ثلاثمائة دينار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديت بختية لي أعطيت بها ثلاثمائة دينار فأنحرها أم اشترى بثمنها بدنا؟ قال: انحرها إياها. أخرجه أحمد وأبو داود- وقال هذا لأنه كان أشعرها- والبيهقي بسند جيد، لكن لا يعرف لجهم سماع من سالم (¬1). {297} وفي هذا خلاف بين العلماء (قال) الحنفيون: لا يجوز إبدال هدى التطوع لأنه لما جعله هديا تعين لذلك، ويجوز تبديل الهدى الواجب بأن كان منذورا أو دم قرآن أو تمتع أو جناية أو إحصار بعدو ونحوه لأنه واجب في الذمة فلا يتعين بالشراء والأولى تركه، وعلى هذا حملوا الحديث فقالوا: "إن كان" الهدى الذي أهداه عمر رضي الله عنه تطوعا (فقول) النبي صلى الله عليه وسلم له: انحرها، محمول على عدم جواز التبديل "وإن كان" واجبا فهو محمول على الأولى والأفضل. (وقالت) المالكية: إن قلد الهدى أو أشعره، وكان منذورا بعينه لا يجوز تبديله وإلا جاز، لقول أبي داود في الحديث: هذا لأنه كان أشعرها. (وقالت) الشافعية: للمهدي التصرف في هدى التطوع بالأكل والبيع والتبديل ونحوها ولو قلده وأشعره، لأنه لم يوجد منه إلا مجرد نية ذبحه هديا، وهذا لا يزيل الملك، وكذا لو كان واجبا في ذمته وعينه بغير نذر، كأن قال: جعلت هذا عما في ذمتي، أما لو عينه بالنذر، ¬

(¬1) أنظر رقم 36 ص 12 ج 1 تكملة المنهل العذب (تبديل الهدى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 13 منه. و (بختية) بضم فسكون فكسر فياء مشددة: أنثى الجمال البخت، وهي ذات العنق الطويل.

كأن قال: لله على أن أذبحه عن الدم الواجب في ذمتي ونذر هدى حيوان معين، فيزول ملكه عنه ويصير حقا للمساكين، فلا يتصرف فيه ببيع وهبة وتبديل ونحوها. (وقالت) الحنبلية: إن أوجب الشخص على نفسه هديا بقوله: هذا هدى أو بتقليده أو إشعاره ناويا الهدى، جاز له إبداله بما هو خير منه لحصول المقصود مع نفع الفقير بالزيادة، وأما إذا تطوع به فلا يلزمه إمضاؤه وله نماؤه وأولاده والرجوع فيه ما لم يذبحه، لأنه نوى الصدقة يشئ من ماله فأشبه ما لو نوي الصدقة بدرهم، ولا دليل على هذا التفصيل. (هذا) ومن لزمته بدنة ولم يجدها فله ذبح سبع شياة بدلها، لحديث عطاء الخراساني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن على بدنة وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جاله رجال الصحيح (¬1)، لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس. {298} 14 - مصرف الهدى: يستحب الأكل والتصدق من هدى التمتع والقرآن والتطوع إذا بلغ محله وذبح في الحرم، لقوله تعالى: "فإذا رجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" (¬2)، ولأن المطلوب في الحرم الإراقة. وأما إذ ذبح في غيره وجب التصدق بالكل على الفقراء وليس له ولا لغنى الأكل منه، وإن أكل مما لا يحل له الأكل منه غرم ¬

(¬1) أنظر ص 35 ج 13 الفتح الرباني، وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (كم يجزئ من الغنم عن البدنة؟ ) و (على بدنة) أي واجبة بنذر أو جزاء صيد أو كفارة وطء. (¬2) الآية 36 من سورة الحج. و (وجبت) أي سقطت و (القانع) الراضي بما يعطي ولا يسأل (والمعتر) السائل أو المتعرض للسؤال.

ما أكل، لقول سعيد بن المسيب: من ساق بدنة تطوعا فعطبت فنحرها ثم تخلى بينها وبين الناس فأكلوها فليس عليه شيء وإن أكلها أو أمر من يأكل منها غرمها. أخرجه مالك والبيهقي (¬1). {104} (أما هدى) غير التمتع والقرآن والتطوع فلا يأكل منه المهدي عند الحنفيين وأحمد، لأنها دماء كفارة، ولما تقدم في حديث ناجية الخزاعي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن عطب منه شيء فأنحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس (¬2). (وقال) مالك: يأكل من كل الهدى إلا جزاء الصيد ونسك الأذى والمنذور وهدى التطوع إذا عطب قبل محله، لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك. أخرى البخاري (¬3). {105} (وقال) الشافعي: لا يجوز الأكل من الواجب إذا كان جبرانا أو منذورا. (هذا) ويستحب عند الحنفيين أن يتصدق بثلث هدى التطوع ويأكل الثلث ويدخر الثلث، لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فأرخص لنا صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا وادخروا. أخرجه الشيخان والنسائي (¬4). {299} ¬

(¬1) أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب أو ضل) وص 243 ج 5 سنن البيهقي، و (غرمها) أي لزمه بدلها هديا كاملا لا قدر أكله أو ما أمر بأكله على الأصح عند مالك. (¬2) تقدم رقم 293 ص 297 (عطب الهدى). (¬3) أنظر ص 361 ج 3 فتح الباري (ما يأكل من البدن وما يتصدق). (¬4) أنظر ص 361 منه، وص 131 نووي مسلم (النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ونسخه) (وص 208 ج 2 مجتبي؟ الإذن في ذلك).

(وقال) أحمد: يتصدق بثلث هدى التطوع ويهدي الثلث ويأكل الثلث. وروي عن الشافعي، لقول علقمة: بعث معي عبد الله بن مسعود بهدى تطوعا فقال لي: كل أنت وأصحابك ثلثا وتصدق بثلث وأبعث إلى أهل أخي عتبة ثلثا. أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح (¬1). {106} وعن الشافعي أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف، لقوله تعالى: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" (¬2) (وقالت) المالكية: يستحب أن يأكل المهدي من الهدى الذي يباح الأكل منه ويتصدق ويهدي بلا تحديد بثلث وغيره. 15 - التصرف في جلد الهدى ونحوه: يندب التصدق بجلد الهدى وجلاله وخطامه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجره منه، لقول علي رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجازر منها. وقال: نجن نعطيه من عندنا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (¬3). {300} دل على استحباب سوق الهدى وجواز النيابة في نحره وتفرقته، وأنه يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها وألا يعطي الجزار منها أجره لأنه في ¬

(¬1) نظر ص 228 ج 3 مجمع الزوائد (فيما يعطب من الهدى والأكل منه) وص 240 ج 5 سنن البيهقي (الأكل من الضحايا والهدايا.). (¬2) الآية 28 من سورة الحج. و (أيام معلومات) هي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق. و (البائس) من أصابه بؤس وشدة. (¬3) أنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه.

معنى بيع جزء منها وهو لا يجوز. وفيه جواز الاستئجار على الذبح ونحوه (¬1). (هذا) ولا يجوز عند الأئمة الأربعة بيع جلد الهدى ولا شيء من أجزائه ولا ينتفع به في البيت وغيره، سواء أكان تطوعا أم واجبا، لكن إن كان تطوعا فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره. بدع الحج ومنكراته تبين أن الحج فضله عظيم لو أديت مناسكه على الوجه المشروع، ولكن الناس ارتكبوا فيه أمورا تغضب الواحد الديان، لا يقبلها العقل السليم، ولا يرضاها الشرع الشريف، (منها): ما تقدم من بدع عرفة (¬2) والطواف (¬3). (ومنها) أن كثيرا من المطوفين ينزلون بالحجاج من عرفة قبل الغروب ويسيرون رأسا إلى منى ولا يبيتون بمزدلفة ليلة النحر، ولا يقفون بها بحجة أن السيارات لا تستطيع الانتظار. وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نزل من عرفة بعد الغروب وبات بمزدلفة وصلى بها الصبح، ولم يأذن لأحد بالذهاب ليلا من مزدلفة إلى منى إلا للنساء والضعفة. (وكذا) يضيعون على الحجاج الغسل لدخول مكة من بئر ذي طوى، لأن السيارات تدخلها من طريق آخر. (وكذا) يتعجلون على الحجاج في رمي الجمار، يحملونهم على الرمي قبل زوال اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، مع أن لا يدخل وقته إلا بعد الزوال، وذلك ليستريح المطوفون من عناء الإقامة بمنى. (ومنها) جلوس الناس حول الكعبة بالمطاف قبل دخول الوقت بزمن طويل منتظرين الجماعة قريبا ¬

(¬1) ص 65 ج 9 نووي شرح مسلم (الصدقة بلحوم الهدايا .. ). (¬2) تقدم ص 98 (بدع عرفة). (¬3) تقدم ص 124 (بدع الطواف).

من الكعبة فيسد المطاف أمام الطائفين، ويكون الإضرار الشديد والنزاع الطويل بين الجالسين والطائفين، ولا تزال آثار الوثنية عالقة بالأذهان، فترى غالب الحجاج يعمدون إلى ستائر الكعبة يقبلونها ويأخذون منها قطعا للتبرك. (ومنها) أن تقام الصلاة بالمسجد الحرام وكثير من الحجاج يسعون بين الصفا والمروة ولا يحرصون على صلاة الجماعة التي هي من أعظم شعائر الإسلام. والأدهى والأمر أن تقام صلاة المغرب وهم في السعي ويتمادون في سعيهم إلى أن تفوتهم صلاة المغرب، ولا أدري كيف يرجو هؤلاء الحجاج الخير والرحمة من الله تعالى وهم يتركون فريضة الله التي هي عماد الدين وينسون قول النبي صلى الله عليه وسلم: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. أخرجه أحمد (¬1). {301} وقال: فكل مستخف بالصلاة مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام مستهين به. وتمامه بكتاب الصلاة له. فعلى ولاة الأمور الأمر بإيقاف السعي حين تقام الصلاة، وخصوصا المغرب، كما يوقف الطواف إذا أقيمت الصلاة، لأن أمر الصلاة أعظم منهما. (ومنها) ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضاء والديه، وهذا خطأ، وربما خرج وعليه ديون أو مظالم، وربما حج بمال فيه شبهة. ومنهم من يحب أن يتلقى ويقال له: الحاج، وجمهورهم يضيع فرائض من الطهارة والصلاة ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية، وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان، وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته، فيقول: لي عشرون وقفة، وقد لبس إبليس ¬

(¬1) ص 7 كتاب الصلاة للإمام أحمد.

على قوم منهم فابتدعوا من المناسك ما ليس منها، فمنهم من يكشفون عن كتف واحد ويبقون في الشمس أياما فتكشط جلودهم وتنتفخ رءوسهم ويتزينون بين الناس بذلك. (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه. أخرجه البخاري. وكذا أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده (¬1). {302} وهذا الحديث يتضمن النهي عن الابتداع في الدين وإن قصد بذلك الطاعة. وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل، وهو خطأ. (قال) رجل للإمام أحمد رضي الله عنه: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل من غير زاد، فقال له: فأخرج في غير قافلة. قال: لا إلا معهم. قال: فعلى جراب الناس توكلت (¬2). (وقال) ابن الحاج في المدخل: فمن ذلك- يعني مما يتعين التحذير منه- أن الحجاج يضيعون الصلوات ويخرجونها عن وقتها لأجل فريضة الحج، وذلك لا يجوز إجماعا. وقد قال العلماء: من علم أنه تفوته الصلاة إذا خرج إلى الحج سقط الحج عنه. وكثير من الناس يعتقد أن نزول المرأة وركوبها عورة مطلقا، لما يتوقع من كشفها، ونظر غير المحارم لها، وهذا ليس على إطلاقه، فقد أمر الله النساء أن يصلين على ¬

(¬1) ص 314 ج 3 فتح الباري (إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه) وص 235 ج 3 سنن أبى داود (باب النذر في المعصية) والخزامة بالكسر: ما يعمل من الشعر. (¬2) ص 154 تلبيس إبليس.

الوجه المشروع، ولم يرخص لهن في ترك الصلاة ولا في إخراجها عن وقتها أو صلاتها على المحمل إلا لعذر عدم إمكان النزول وإلا وجب عليها أن تنزل للطهارة، فإن تعذر عليها النزول تطهرت على الراحلة. ويجب عليها النزول للصلاة وتستتر جهدها. (ويحرم) على الرجال الأجانب النظر إليها، فيتعين على المكلف أن يحذر مما يفعله بعضهم من السفر للحج وإضاعة الصلاة. ومن الممنوع إيقاعها في وقتها بالتيمم مع القدرة على الماء. ومن الجهل الاعتقاد بأن نفس السفر يبيح التيمم مع وجود الماء، ومن فعله فقد ارتكب المحذور في عدم سؤال أهم العلم، وفي إيقاعه الصلاة بالتيمم مع وجود الماء (¬1). (ومن) الاغترار والرياء رغبة بعض الجهلة في تتابع الحج والإكثار منه بعد أداء الفريضة، ويبخلون بمواساة الجار وإعطاء البائس الفقير. (قال) ابن مسعود: في آخر الزمان يكثر الحجاج بالبيت يهون عليهم السفر ويبسط عليهم الرزق، ويرجعون محرومين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين القفار والرمال وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه. وقد ورد أن رجلا جاء يودع شر بن الحارث وقال: عزمت على الحج، افتأمرني بشيء؟ فقال له: كم أعددت للنفقة؟ قال: ألفي درهم. قال: فأي شيء تبتغي بحجك، نزهة أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله تعالى؟ فقال: ابتغاء مرضاة الله. قال: فإن أصبت رضاء الله وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تفعل ذلك؟ قال: نعم. قال: أذهب فأعطها عشرة أنفس: مدين تقضي دينه، وفقير ترم شعثه (¬2)، ومعيل تحيى عياله، ومربى يتيم تفرحه، وتغيث لهفان، وتكشف ضر محتاج، وتعين ¬

(¬1) أنظر ص 320 - 232 ج 3 المدخل. (¬2) ترم شعثه: أي تصلح حاله.

رجلا ضعيف اليقين، وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فأفعل، فإن إدخالك السرور على قلب امرئ مسلم أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرنا، وإلا فقل لنا ما في قلبك. فقال: يا أبا نصر سفرى أقوى في قلبي، فتبسم بشر وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرأ تسرع إليه تظاهرا بالأعمال الصالحات. وقد آلى الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين (¬1) (وليحذر) مما يفعله بعض من لا علم عنده وهو أنهم يزينون الجمل بالحلي من الذهب والفضلة والقلائد ويلبسونه الحرير، يفعلون به ذلك عند خروجهم من البلد. (وكذلك) يفعلون في الرجوع مثله، وهم آثمون في ذلك، ويشاركهم في الإثم من تطاول لرؤية ذلك. ومن أعجبه ذلك أو استحسنه فإثمه أكبر (وليحذر) مما يفعله بعضهم من أن بعض النسوة إذا كان لهن قريب أو معارف يريدون الحج يخرجن ليلا يمشين في الطرق ويرفعن عقيرتهن بما يقلنه من التحنين والرجال يسمعون وينظرون إلى فعلهن ولا ينكرون عليهن. وهذا فعل قبيح محرم سيما في ابتداء هذه العبادة العظيمة ومثل هذا ما يفعله بعضهم عند الرجوع من الحج إذا وصلوا إلى بيوتهم ويضرب عند أبوابهم بالطبل والمزامير مهنئين بذلك الحاج. ومن يفعل ذلك فهو آثم، وكذلك من شاركهم بالحضور والذهاب إليهم أو أعجبه ذلك منهم، لأن ذلك منكر يتعين على المكلف تغييره، فإن لم يستطع غيره بقلبه (¬2). (ومن البدع) المنكرة الاحتفال بالمحمل والكسوة الشريفة بالقاهرة في ذي القعدة من كل عام بحضور الأمراء والعلماء والوزراء، ويؤتى ¬

(¬1) ص 234 ج 3 المدخل. (¬2) ص 242 منه.

بجمل يقود زمامه أمير الحج ويطوف به تحت القلعة حول دائرة هناك سبع مرات، كما يطوف زوار الكعبة حولها. وبعد الطواف يتجه الجمل نحو مكان الانتظار فيقف الملك أو نائبه والعلماء وغيرهم. فذلك غير جائز، لأن الطواف لا يشرع إلا حول الكعبة. وكذلك اختلاط النساء مع الرجال ونحوه مما يؤدي إلى الفسق وارتكاب الفواحش ظاهرة وباطنه (ولا يجوز) أيضا ما يفعله الرعاع والمتصوفة من ضرب الطبول والمزامير، فيجب على كل قادر على إزالة المنكر أن يزيله إما بيده وإما بلسانه وإما بقلبه. و (كذا) الاحتفال في مدينة (السويس) لعودة المحمل في المحرم أو صفر من كل عام. (ومن البدع) ما اعتاده كثير من الجهلة من تبييض بيت الحاج بالجير ونقشه بالصور وكتابة آية الحج وأسم الحاج على الحائط، فإنه رياء وجهل. ومنه نصب السرادق وتوزيع اللفائف (السجائر) على المهنئين وملاقاة الحجاج بالبيارق والباز والطبل وزغاريد النساء واجتماع الذاكرين بالتمطيط والتلحين، واختلاط الجنسين واجتماع النساء للرقص والشخلعة. كل هذا ومثله لا ينبغي حصوله ممن عنده ذرة من إيمان، وهو من تلبيس إبليس. لم يترك عبادة إلا وأدخل فيها على الناس بدعا وخرافات أفسدتها وشوهتها، وأهل العلم لا يأمرون ولا ينهون ولا يرشدون إلى الصالح. فلا حول ولا قوة إلا بالله. الحكومة الحجازية والشعائر كنا نظن أن هذه الحكومة- التي بها استتب الأمن بالحجاز وأقامت به الحدود- تعمل على تطهير المساجد من البدع والخرافات والبلاد من المنكرات. وتعمل جهدها على راحة الحجاج بتوضيح سبل المناسك لهم ليتمكنوا من تأديتها على الوجه الأكمل. ولكن الحال هو الحال. وهاك بعض البدع والمخالفات.

1 - فالأذان يؤدي بالتغني والتمطيط والتلحين والقراء يقرأون بعده جهرة معا مفاخرة ورياء. وقد آلمنا ما سمعنا في الحرمين المكي والمدني وسائر المساجد من أذان الجماعة (الأذان السلطاني) وهو بدعة مذمومة ومكروه اتفاقا، لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن وضعها العربي وكيفيتها الشرعية بصورة قبيحة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب. وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك. وأملنا في الحكومات الإسلامية أن تطهر مساجدها من البدع سيما الحرمين الشريفين. (روي) على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (الحديث) أخرجه الشيخان والثلاثة (¬1). {303} 2 - ويقال في الإقامة مثل ما قيل في الأذان. 3 - التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ المأمومين صوت الإمام، وهو بدعة منكرة، وعند الاحتياج يستحب. وصرح العلماء أنه يكره للمبلغ الزيادة في الإعلام على قدر الحاجة. والآن المذياع موجود بالحرمين الشريفين وسائر المساجد، فلا داعي للتبليغ سيما إذا لاحظنا أن المبلغ يتغنى بألفاظ التكبير والتسميع بشكل يؤدي إلى بطلان صلاته. ومن المبلغين من يضع يديه على خده كالمتغني، وهذه حالة لا يقره عليها أحد فليأخذ ولاة الأمور على أيدي هؤلاء المتغنين المحرفين ويمنعونهم من هذا التخريف. ¬

(¬1) ص 120 ج 3 تيسير الوصول (فضل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم) و (عير وثور) جبلان بالمدينة. وقيل ليس بها ثور ولكنه بمكة ولعل الحديث ما بين عير إلى أحد.: والصحيح أن بها ثورا. و (الصرف) النافلة و (العدل) الفريضة.

4 - لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولا أحد من الأئمة أذان داخل المسجد، لأن الأذان شرع لإعلام الناس في وقت الصلاة وقد حضروا، فالأذان داخل المسجد بدعة لا يجوز أن تقع في المساجد عامة وفي الحرمين وسائر مساجد المملكة السعودية خاصة. ومن أحق بمنع هذه البدع من أولى الأمر. 5 - لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه صلى قبلية للجمعة. فلا يجوز ترك الناس يتعبدون بما لم يشرعه رب العالمين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. والسبب في إحداث هذه البدعة التسامح في إحداث أذانين يوم الجمعة. (قال) الشافعي رضي الله عنه في الأم: وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، وحينئذ يأخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه. وأحب أن يؤذن مؤذن واحد لا جماعة مؤذنين. ثم قال: أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب ابن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان، فأذن به، فثبت الأمر على ذلك. وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية. قال الشافي: وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى (¬1)، فعلى من بيدهم الأمر المنع من الزيادة في الشعائر على ما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح. 6 - يسن صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب، لحديث عبد الله بن مغفل ¬

(¬1) ص 173 ج 1 الأم.

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة. أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (¬1). {304} (وعن) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. أخرجه ابن حبان (¬2). {305} والأمل في ولاة الأمور أن يأمروا بإحياء هذه السنة. 7 - يسن اتخاذ منبر للخطبة لأنه أبلغ في إسماع الناس ومشاهدة الخطيب. (قال) يا قوم الرومي: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبرا من طرفاء له ثلاث درجات: المقعدة ودرجتان. أخرجه ابن عبد البر (¬3). {306} ولم يزل المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله. وهذا بدعة محدثة. والأمل في الحكومات الإسلامية أن تأمر بأن تكون منابر المساجد ثلاث درجات كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخفاء (¬4). 8 - كثير من المصلين في الحرمين وسائر المساجد لا يطمئنون في ركوعهم واعتدالهم وسجودهم وجلوسهم بين السجدتين الطمأنينة التامة، بل ينقرون الصلاة نقرا ويسرعون فيها إسراعا ينافى الخشوع فيها، وقد قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون"، ومن نقر الصلاة تدعو عليه لا له (روى) عبادة بن الصامت أن النبي ¬

(¬1) أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص: (¬2) أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص: (¬3) ص 72 ج 1 الاستيعاب. (¬4) أنظر تمام الكلام في بدع المساجد بص 281 - 312 ج 3 الدين الخاص.

صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني فترفع. وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني (الحديث) أخرجه أبو داود الطيالسي (¬1). {307} وهذا التساهل في الصلاة وقع في عهد السلف فحذروا وخوفوا منه (قال) الإمام أحمد رحمة الله: قد جاء في الحديث: يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون. وقد تخوفت أن يكون هذا الزمان، ولقد صليت في مائة مسجد فما رأيت أهل مسجد يقيمون الصلاة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم. فاتقوا الله وانظروا في صلاتكم وصلاة من يصلي معكم (¬2)، فلعل السادة الأئمة والعلماء يجعلون قول الإمام أحمد نصب أعينهم فيؤدون الصلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصحون العامة بحسن أداء الصلاة. 9 - تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلي ركعتي الطواف في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطوافين أحد وأن هذا خاص بالحرم المكي (¬3)، ولكن الجهال يجرأون على المرور بين يدي المصلي في المسجد النبوي، ومهما حاولت المنع فلا سميع ولا مطيع- وقد اتسع الخرق على الراقع- كأنهم يرون جواز هذا فيه كما في المسجد الحرام، وهذا جهل واضح. 10 - قد ترك أمر الحجاج في المناسك إلى المطوفين يهيجون ويموجون ويحرفون ويرتكبون ما سلف من البدع والمنكرات على مرأى ومسمع من الحكومة ولا مغير ولا منكر. ¬

(¬1) ص 80 مسند الطيالسي. (¬2) ص 5 كتاب الصلاة. (¬3) تقدم رقم 135 ص 109.

11 - سير الحجاج بمنى وعرفة غير ميسور إلا بدليل. فالواجب أن تنظم أرض منى وعرفات ومزدلفة بجعلها شوارع مرقومة ليسهل على الحجاج الرجوع إلى منازلهم والاهتداء إلى منازل إخوانهم؛ فإنه الآن من خرج من سرادقه وابتعد عنه بضعة أمتار ضل سواء السبيل وهيهات أن يعود. والواجب وضع لافتات بجانب الجمار الثلاث يبين في كل لافتة أسم الجمرة ومن أي جهة ترمي وكيف ترمي وبم ترمي وبكم ترمي ومتى ترمي؟ ومبدأ الرمي ومنتهاه (¬1). (ومثل) هذه اللافتات لازم لكل المناسك كوادي محسر وحدود المزدلفة والمشعر الحرام والمحصب وغيرها من المشاهد والمزارات. 12 - ومن المؤلم والمحزن ترك ذبائح الهدى بمنى تنبعث منها الروائح الكريهة أمام الخيام وفي الطرقات. والواجب حرصا على صحة الناس وضع نظام لمنع مثل هذا والضرب على أيدي المخالفين، ويكون هذا بجعل مذابح خاصة تراقبها الحكومة حتى لا تبقى الذبائح تلقى جيفا منتنة في الطرقات وغيرها. 13 - وإن ننس لا ننسى هؤلاء الشحاذين الملحفين في السؤال، المؤذين للناس بإلحاحهم عليهم داخل الحرمين حتى قبيل إقامة الصلاة. (هذا) والأمل في الحكومة السعودية أن تعمل سريعا على إزالة البدع والمخالفات وأن تنظم طرق المناسك وترفع الأضرار على زوار البيت الحرام والله تعالى يحب المحسنين وينصر الناصرين لدينه المحافظين على حدوده "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (¬2). ¬

(¬1) وقد بلغنا أن الحكومة السعودية بدأت تنظم أرض منى وعرفة وغيرها، فجعل في بعضها شوارع مرقومة، فشكرا لله ولها، ونسأله أن يوفقها للعمل مع تلافي ما في بندي 12 و 13. (¬2) سورة الحج، عجز الآية 40 وصدرها: "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق".

المقصد الحادي عشر زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

المقصد الحادي عشر زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن القرب وآكد المستحبات حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث (منها) حديث موسى ابن هلال العبدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زار قبري وجبت له شفاعتي. أخرجه البزار والدارقطني وابن عدى. وفي سنده عبد الله بن إبراهيم الغفاري. وهو ضعيف (¬1). {308} وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى وصححه هو وابن السكن وتقي الدين السبكي (¬2) وأقل درجاته أن يكون حسنا. وقد روي من عدة طرق (منها) طريق مسلمة بن سالم الجهني قال: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاءني زائرا لا تعمده حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة. أخرجه الدارقطني في أماليه والطبراني في الأوسط والكبير. قال الهيثمي مسلمة ضعيف (¬3). {309} (وفيه) متابعة مسلمة موسى بن هلال في شيخه.، وأنه لم ينفرد ¬

(¬1) ص 2 ج 4 مجمع الزوائد (زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وص 280 سنن الدراقطني، وموسى بن هلال قال أبو حاتم: مجهول. وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به. وقال الذهبي: هو صالح الحديث، وأنكر ما عنده هذا الحديث. (¬2) ص 79 ج 5 نيل الأوطار (حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم). (¬3) ص 2 ج 4 مجمع الزوائد.

بالحديث، (ومنها) حديث حفص بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي. أخرجه الدارقطني في السنن والطراني في الكبير والأوسط والبيهقي في السنن. وقال الهيثمي: حفص وثقة أحمد وابن حبان وضعفه جماعه (¬1). {310} (قال) القاضي عياض: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم سنة بين المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها (وقال) بعض المالكية والظاهرية: إنها واجبة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج ولم يزرني فقد جفاني. أخرجه ابن عدى في الكامل والدارقطني في العلل وابن حبان في الضعفاء. وفي سنده النعمان بن شبل وهو ضعيف جدا (¬2) {311} (قالوا): الجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرم فتجب الزيارة (ورد) بأن الجفاء يطلق على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة. وأيضا فإن الحديث لشدة ضعفه لا تقوم به الحجة (وقال) بعض الحنبلية: إنها غير مشروعة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. أخرجه السبعة وأخرجه مسلم أيضا عن ¬

(¬1) ص 279 سنن الدارقطني، وص 2 ج 4 مجمع الزوائد، وص 246 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) ص 244 و 278 ج 2 كشف الخفاء، وقال: لا ينبغي الحكم عليه بالوضع.

أبي سعيد الخدري (¬1). {312} (ورد) بأن معنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد غير المساجد الثلاثة المذكورة. فالمستثنى منه في الحديث عموم المساجد لا المواضع، ويؤيده قول شهر بن حوشب: سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة في الطور، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا. (الحديث) أخرجه أحمد بسند حسن. وشهر بن حوشب وثقة جماعة (¬2) {313} وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المسجد. (فالزيارة) خارج عن النهى للإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا. وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف، وإلى منى للمناسك التي فيها، وإلى مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر والبدعة، وعلى وجوبه أو استحبابه لطلب العلم. فالراجح أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة ومستحبة استحبابا مؤكدا، وأن شد الرحال إلهيا جائز عند الجمهور، لما تقدم وللاتفاق على مشروعة زيارة القبور. قال النووي: واختلف العلماء في شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين والمواضع الفاضلة؛ فقال الشيخ أبو محمد الجويني: ¬

(¬1) أنظر رقم 290 ص 234 ج 2 تكملة المنهل العذب (إتيان المدينة) وباقي المراجع بهامش 6 ص 238 منه، وص 104، 105 ج 9 نووي مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره) و (الرحال) جمع رحل. وهن في الأصل الإبل. والمراد مطلق السفر عليها أو على غيرها. (¬2) ص 64 ج 3 مسند أحمد (مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، وص 3 ج 4 مجمع الزوائد (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).

هو حرام، واختاره القاضي عياض، وكذا أبن تيمية. والصحيح عند أصحابنا والمحققين أنه لا يحرم ولا يكره. واختاره إمام الحرمين. قالوا: والمراد بالحديث أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة خاصة (¬1). ثم الكلام في أربعة فروع: 1 - وقت الزيارة: الحج إن كان فرضا فالأفضل أن يبدأ به ثم يزور، وإن كان تطوعا فله الخيار إن لم يخش فوات الوقوف بمعرفة، وليس للزيارة وقت معي. وإذا نوى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فلينو معها زيارة المسجد، فإنه أحد المساجد التي تشد إليها الرحال، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. 2 - آداب الزيارة: إذا توجه إلى الزيارة يطلب منه الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم مدة الطريق، وإذا وقع بصره على أشجار المدينة (¬2) وحرمها وما يدل عليها أكثر من الصلاة والتسليم على ¬

(¬1) ص 106 ج 9 شرح مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره). (¬2) (المدينة) هي العاصمة الثانية للحجاز، وهي شمال مكة على بعد 470 كيلو مترا. وهي في صحراء مستوية متسعة مكشوفة من جهاتها الأربع، ولها أسماء أشهرها ما نطق به القرآن والحديث. (أ) يثرب: سميت باسم من يناها يثرب بن قانية بن مهلاء يل بن إرم بن عبيل ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قال الله تعالى: "وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا" الآية 13 من سورة الأحزاب. خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الخندق حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (جبل شمال المدينة) والخندق بينهم وبين القوم. فقال عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين: ليس ههنا موضع إقامة، فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= الكير خبث الحديد. أخرجه الشيخان (ص 62 ج 4 فتح الباري- فضل المدينة، وص 54 ج 9 نووي مسلم- المدينة تنقى خبثها .. ) و (تنفي الناس) أي الشرار منهم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها يثرب وسماها طيبة (بفتح فسكونِ) وطابة وقبة الإسلام ودار الهجرة (روي) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمي المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة. أخرجه أحمد بسند ضعيف (ص 285 ج 4 مسند أحمد- حديث البراء بن عازب .. ). (ب) المدينة: قال تعالى: "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" (الآية 8 من سورة المنافقون). قائل هذا عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وعني بالأعز نفسه ومن معه، وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأراد بالرجوع وجوعهم من غزوة بني المصطلق. ونسب القول إلى المنافقين، والقائل فرد منهم، لأنه كان رئيسهم وهم راضون بما يقول (قال) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة يرون أنها غزوة بني المصطفى، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار (أي ضرب دبره بيده أو برجله) فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوة الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، أخرجه الشيخان والترمذي وزاد: فقال له ابنه عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز، ففعل (ص 460 ج 8 فتح الباري- سورة المنافقين). (جـ) الدار: قال تعالى: "والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم" (الآية 9 من سورة الحشر). المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة، والذين تبوأوها (أي سكنوها من قبل المهاجرين) هم الأنصار (يحبون) من كرمهم وشرف أنفسهم (من هاجر إليهم) ويواسونهم بأموالهم. قال أنس بن مالك: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أسحن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم. أخرجه أحمد. قال ابن كثير: لم أره في الكتب من هذا الوجه. أنظر =

النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة، وأن يقبلها من (ويستحب) له أن يغتسل لدخول المدينة ويلبس أنظف ثيابه جديدا أو غسيلا، فإذا دخل قال: باسم الله، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (¬1)، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وأغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أوليائك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم إني أسألك خير هذه البلدة وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها. وليكن متواضعا خاشعا مستحضرا أنها البلد التي اختارها الله تعالى دار هجرة نبيه صلى الله عليه وسلم ومهبطا للوحي ومنبعا لأحكام الشريعة، ولا يركب في طرقها كما فعل مالك ¬

= ص 291 ج 8 (سورة الحشر) "وعن أبي هريرة" أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبوأ (أي مكان نزول) الحلال والحرام. أخرجه الطيراني في الأوسط بسند رجاله ثقات. أنظر ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة). وللمدينة سوران: داخلي وخارجي. أما الداخلي فجدده السلطان سليمان بن سليم سنة 939 هـ. ومحيطة 2304 متر، وله أربعة أبواب: باب البقيع يخرج منه إلى البقيع (مقبرة المدينة) وفي شماله الباب المجيدي. وفي الشمال الغربي الباب الشامي المقابل لجبل سلع. ثم الباب المصري في منتصف الجهة الغريبة. وقد فتح هذا الباب محمد علي باشا وعمر هذا السرور. (وأما السور الخارجي) فيحيط بالبيوت التي خارج السور الأول في غربه وجنوبه. ويتدئ من البقيع في الجنوب الشرقي. وينتهي بالقلعة التي أنشأها السلطان سليمان سنة 939 هـ في الشمال الغربي: وله خمسة أبواب: بابان عند البقيع، باب العوالي يخرج منه إليها رباب الوسط. ويليهما من الجنوب باب قباء يخرج إليها منه. وفي الغرب باب الرشادي يخرج منه إلى الحرة: وعند القلعة باب الكومي وهو يقابل سلعا (أنظر رسم 10) ص 322. (¬1) مقتبس من الآية 80 من سورة الإسراء. والمدخل والمخرج المراد بهما مكان الإدخال وهو المدينة، والإخراج وهو مكة، نزلت الآية حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة.

رحمه الله. وإذا أراد دخول المسجد (¬1) قدم اليمني وقال: باسم الله ¬

(¬1) المسجد النبوي في الجهة الشرقية من المدينة. أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على قطعة أرض، طولها 35 خمسة وثلاثون مترا، في عرض 30 ثلاثين مترا. فمساحتها 1050 خمسون مترا وألف متر مربع (ربع فدان) جعل أساسه الحجارة وبني الجدار باللبن (الطوب البنيء) وجعل عمده جذوع النخل ونسقفه الجريد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (توسعته) ثم زيد فيه زيادات: 1 - ففي سنة سبع من الهجرة بعد خيبر زاد النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الشرق والغرب والشمال 1450 خمسين مترا وأربعمائة وألف متر مربع، فصارت مساحته 2500 خمسمائة متر وألفي متر مربع، فصار المسجد مربعا طول ضلعه خمسون مترا، وهو المكتوب عليه في رسمي 11 و 12 حد المسجد النبوي ص 328 و 229. ... 2 - وفي سنة 17 هجرية، زاد عمر رضي الله عنه في المسجد من الجنوب نحو خمسة أمتار، ومن الشمال خمسة عشر مترا، ومن الغرب عشرة أمتار، فصار طوله 70 مترا وعرضه ستين مترا، والمساحة 4200 مائتي متر وأربعة آلاف متر مربع (فدان) فتكون الزيادة 1700 سبعمائة وألف متر مربع. وبناه باللبن والجريد وجعل عمده من الخشب. أنظر زيادة عمر برسمي 11 و 12 ص 328 و 329 ... 3 - وفي سنة 39 هجرية جدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بناء المسجد وزاد فيه رواقا من الشمال والغرب والجنوب مساحتها 496 ستة وتسعون مترا وأربعمائة متر مربع. وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة (بفتح القاف وشد الصاد: الجص) وجعل عمده من حجارة منقورة أدخل فيها عمد الحديد وصب فيها الرصاص وسقفه بالساج. أنظر زيادة عثمان برسمي 11 و 12 ص 328 و 329. ... 4 - وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز أمير المدينة، أن يجدد المسجد، فجدده وأدخل فيه حجر أمهات المؤمنين. وزاد فيه من الشرق والشمال والغرب 2369 تسع وستين وثلاثمائة وألفي متر مربع. فصارت مساحة المسجد 7065 خمسة وستين مترا وسبعة آلاف متر مربع، وبناه بالحجارة والقصة وجعل عمده من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص. أنظر زيادة الوليد برسمي 11 و 12 ص 228 و 329. ... 5 - وفي سنة 161 هجرية زاد المهدي العباسي في المسجد من الشمال 2450 خمسين وأربعمائة متر وألفي متر مربع. فرغ منها سنة 165 هجرية. أنظر زيادة المهدي برسمي 11 و 12 ص 328 و 329 ... 6 - وفي سنة 879 هـ أجرى السلطان قايتباي عمارة هامة بالمسجد شملت بعض أسقفه وعمده وجدره ومآذنه، وزاد فيه 12 عشرين ومائة متر مربع بالجهة الشرقية الجنوبية في الجنوب الشرقي لزيادة الوليد. ... 7 - وفي ليلة الثالث عشر من رمضان سنة 886 هـ أبرقت السماء وأرعدت رعدا شديدا وانقضت صاعقة على المئذنة الكبرى قضت على رئيس المؤذنين الذي كان يترنم عليها، وانتقلت إلى سقف المسجد فالتهمته وهدمت جدره وتداعى أكثر عمده، فأرسل الأشرف قايتباي الأمير. سنقر الجمالي إلى المدينة لعمارة المسجد ومعه الصناع والآلات اللازمة. فعمروا المسجد على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= أتم وجه وزادوا في عرضه من الجهة الشرقية 1672 أثنين وسبعين وستمائة متر وألف متر مربع. وقد أنفق الأشرف قايتباي على هذه العمارة ما يقرب من 60.000 ستين ألف جنيه مصري. 8 - وفي سنة 980 هـ عمره السلطان سليم الثاني وبني محرابا غرب المنبر النبوي على حد المسجد الأصلي من الجهة القبلية. أنظر المحراب السليمي برسمي 11 و 12 ص 328 و 329 ... 9 - وفي سنة 1265 هـ أمر السلطان عبد المجيد بن مراد العثماني بعمارة المسجد عمارة شاملة تناولته كله خلا المقصورة وبعض جدر محكمة الأساس، وغيرت الأعمدة القديمة بأعمدة أجود، ووسعت الأروقة الشمالية والشرقية، فجعلت رواقين بدل ثلاثة وجعلت الغربية ثلاثة أروقة بدل أربعة، وزاد المعمرون رواقين في الجهة القبلية مما يلي صحن المسجد وخرجوا بالجدار الشرقي من الجنوب إلى باب جبريل خمسة أذرع وربعا: وكان في شرق المسجد تجاه الصحن حظيرة أرضها مرتفعة عن سطح المسجد فسويت به ووسعت بطول ثلاثة أعمدة في عرض رواقين وصارت مكانا خاصا بصلاة النساء (مصلى للنساء) أنظر رسم 11 ص 328 وزادوا مساحة المسجد 1293 ثلاثة وتسعين ومائتين وألف متر مربع، وبعد إتمام البناء رخموا ارض المسجد كلها والنصف الأسفل من الجدار القبلي. وتم هذا التجديد سنة 1277 هـ فكانت مدته (أثنتي عشرة سنة (*) - وقد بلغت نفقات هذه العمارة 750000 خمسين وسبعمائة ألف جنيه مجيدي (**) وبهذه الزيادات صارت مساحة المسجد 12600 متر مربع (ثلاثة فدادين) وهو مستطيل. وكان له قبل الزيادة السعودية خمسة أبواب: باب السلام في الجنوب الغربي، وباب الرحمة ثلث الجدار الغربي، والباب المجيدي في الشمال، وباب النساء في ثلث الجدار الشرقي، وفي جنوبه باب جبريل. أنظر رسم 11 المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية ص 328 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= (المنبر) وفي الرواق الثالث من الجهة الجنوبية تجد المنبر وعن يساره محراب الرسول صلى الله عليه وسلم. ... (*) تولى الخلافة السلطان عبد المجيد يوم الثلاثاء 19 من ربيع الآخر 1255 هـ 2 يوليو سنة 1839 م. وتوفي يوم الأربعاء 17 من ذي الحجة سنة 1277 هـ - 26 يونيو سنة 1861 م. وفي عهده: (أ) أسندت رياسة الأزهر للعلامة الشيخ إبراهيم بن محمد ابن أحمد الباجوري في شهر شعبان سنة 1263 هـ وقد توفى رحمة الله عام وفاة السلطان سنة 1277 هـ. (ب) ولد الشيخ الإمام طيب الله ثراه في عهده سنة 1274 هـ. ... (**) كانت قيمة الجنيه المجيدي (نسبة لعبد المجيد) وقتئذ في المعاملة 131 قرش، وقيمة الجنيه المصري 150 قرشن فتكون قيمة النفقات بالمصري 655000 خمسة وخمسين وستمائة ألف جنيه مصري. ... (القبر الشريف) وفي الجنوب الشرقي جزء فصل من المسجد بور من النحاس الأصفر، كل من ضلعيه الجنوبي والشمالي 15 مترا، وكل من الشرقي والغربي 16 مترا، جنوبه القبر الشريف، ويليه من الشمال الشرقي قبر أبي بكر ثم قبر عمر شرقي قبر أبي بكر رضي الله عنهما. ... (الروضة الشريفة) وبين المنبر والقبر الروضة وطولها 32 مترا في عرض 16 مترا ويفصلها عن الرواقين القبليين سور من نحاس مرتفع نحو متر. ... 10 - وفي يوم الجمعة 11 رمضان سنة 1370 هـ - 15 يونيو سنة 1951 م أصدر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمرا بعمارة المسجد النبوي عمارة شاملة وتوسعته توسعة كاملة، وفي يوم الثلاثاء 5 من شوال سنة 1370 هـ 10 من يوليو سنة 1951 م بدئ في تنفيذ هذا المشروع بهدم الدور المحيطة بالمسجد، وقد انتزعت ملكيتها بثمن قدره 115000 خمسة عشر ألف ومائة ألف جنيه من ذهب، وفي ربيع الأول سنة 1372 هـ نوفمبر سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد الأمير سعود، وفي حفل كبير حاشد وضع الحجر الأساسي للمسجد نيابة عن موالده، وفي يوم الأربعاء 9 من رجب سنة 1372 هـ 25 من مارس سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد ملكي بالاستمرار في توسعه الحرم النبوي (إصلاحه على أساس التصميم الذي وضعه المهندسون، واقتضى هذا التصميم نقص ثلاثة أقسام من الحرم النبوي: الشرقي والغربي والشمالي، وبقى القسم الجنوبي الذي به المقصورة الشريفة والروضة المنيفة والآثار النبوية المباركة، وفي يوم الأحد 24 من رمضان سنة 1372 هـ 7 من يونيو سنة 1952 م بدئ في حفر الأسس للمسجد الشريف بالجناح الغربي الذي به باب الرحمة، وفي ربيع الأول سنة 1373 هـ- نوفمبر سنة 1953 م توفى الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وتولى بعده الملك سعود، ثم زار المدينة المنورة ووضع بيده أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي للمسجد، وسارت العمارة سيرا حسنا بهمة ونشاط يرعاها الملك سعود حتى تمت على أحسن وجه وأكل صنع، واحتفل بتمامها مساء الأحد 6 من ربيع الأول سنة 1375 هـ 23 من أكتوبر سنة 1955 م، وبذلك تكون العمارة استغرقت نحو ثلاث سنوات من تاريخ وضع الحجر الأساسي، وقد بلغت نفقات هذه العماة (50.000.000 خمسين مليون) ريال سعودي (أي خمسة ملايين جنيه مصري) ومساحة هذه الزيادة 6024 أربعة وعشرون مترا وستة آلاف متر مربع، أي عشرة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= أسهم وعشرة قراريط وفدان، وبهذه الزيادة صارت مساحة المسجد 18624 مترا مربعا، أي عشرة أسهم وعشرة قراريط وأربعة أفدنة. ... وصارت البواكي الشمالية خمسا، وكل من الشرقية والوسطى والغربية ثلاثا، وأبواب المسجد عشرة: (1) باب السلام في الجنوبي الغربي. (2) باب الصديق في شمال باب السلام: (3) باب الرحمة في ثلث الجدار الغربي. (4) باب سعود بن عبد العزيز في شماله أنشيء في ربيع الأول سنة 1373 هـ- نوفمبر سنة 1953 م. (5) باب عمر بن الخطاب بالشمال الغربي: (6) باب عبد المجيد شرقي باب عمر: (7) باب عثمان بن عفان في الشمال الشرقي: (8) باب عبد العزيز في الشرق. (9) باب النساء في ثلث الجدار الشرقي. (10) باب جبريل في جنوب الجدار الشرقي. وهاك بيان مساحة المسجد النبوي بالمتر المربع والفدان وأجزائه والزيادات فيه من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد آل سعود: متر مربع س ... ط ... ف ... العهد ... التاريخ الهجري التاريخ الميلادي 1050 ... 00 ... 6 ... 00 ... عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... 1 ... 622 ... 1450 ... 7 ... 8 ... 00 ... عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... 7 ... 628 ... 1700 ... 17 ... 9 ... 00 ... عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... 17 ... 638 ... 496 ... 21 ... 2 ... 00 ... عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ... 29 ... 649 - 650 ... 2369 ... 13 ... 13 ... 00 ... عهد الوليد بن عبد الملك ... ... 88 ... 707 ... 2450 ... 00 ... 14 ... 00 ... عهد المهدي 161 - 162 ... 777 - 778 120 ... 17 ... 00 ... 00 عهد قايتباي (1) 879 ... 1474 1672 ... 12 ... 9 ... 00 عهد قايتباي (2) 886 ... 1481 1293 ... 9 ... 7 ... 00 عهد السلطان عبد المجيد 1265 - 1277 ... 1849 - 1861 6024 ... 10 ... 10 ... 1 عهد آل سعود 1372 - 1375 ... 1952 - 1955 18624 ... 10 ... 10 ... 4 ... هذا وبالمسجد خمسة محاريب: 1 - محراب الرسول بالروضة على يسار المنبر. ... (قال) اللواء إبراهيم رفعت رحمه الله: ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم محراب مجوف، وإنما كان يصلي مكان المحراب أو قريبا منه، وأول من أحدث المحراب المجوف عمر بن عبد العزيز وإلى المدينة في خلافة الوليد، وإنا لنشك في صحة تلك النسبة =

والصلاة والسلام على رسول الله، رب أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ويصلي تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن إن أمكنه؛ فهذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم- على ما قيل- قبل أن يوسع المسجد، (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي. أخرجه مالك والشيخان والترمذي وصححه (¬1). {314} ¬

= إليه، فإن عمر أرى الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تجويف المحراب سنة نصرانية فكيف يستن عمر بن عبد العزيز بسنة النصارى؟ وقد عثرنا على رسالة في دار الكتب المصرية ألفها السيوطي بين فيها بدعة المحاريب المجوفة وأقام الدليل على ذلك من السنة متكلما على الأحاديث سندا سندا (أنظر ص 468 ج 1 مرآة الحرمين) ونقل ملخص الرسالة، واسمها (إعلان الأريب بحدوث بدعة المحاريب)، انظرها تامة ص 96 ج 4 من المنهل العذب المورود، وملخصه ص 114 ج 2 من الدين الخالص طبعة ثانية: ... 2 - محراب عثمان في حائط المسجد القبلي، وهو محدث في مصلى عثمان، وكانت محاطة بسور من لبن اتخذها عثمان- لما طعن عمر رضي الله عنهما- ينقى بها الأشرار: ... 3 - المحراب السليمي (نسبة لسليم الثاني) بني بأمره كما تقدم، أنظر هذه المحاريب الثلاثة برسمي 11 و 12 ص 328 و 329. ... 4 - محراب التهجد وهو خلف منزل على شمال حجرة السيدة فاطمة خارج المقصورة الدائرة عليها وعلى المقصورة الشريفة من جهة الشمال. ... 5 - المحراب المجيدي وهو شمال دكة الأغوات، أحدث في العمارة التي أمر بها وابتدئت سنة 1265 هـ. أنظر رسم 13 الروضة والمقصورة ص 336. (¬1) ص 358 ج 1 زرقاني الموطأ (ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) وص 46 ج 3 فتح الباري (فضل ما بين القبر والمنبر) وص 162 ج 9 نووي مسلم و (بيتي) أي الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم (روضة) أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة، وقيل: المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، هذا وبين القبر والمنبر ثلاث وخمسون ذراعا وشبر (ومنبري على حوضي) المراد أن منبره صلى الله عليه وسلم يكون على الحوض يوم القيامة، وقيل إن له هناك منبرا على حوضه.

3 - كيفية الزيارة: ثم يأتي القبر الشريف ولا يهجم عليه ولا يلتصق به ولا يمد يديه عليه، بل يستقبل جداره ويستدبر القبلة متبادعا عنه نحو أربعة أذرع، لما روى أبو حنيفة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من السنة أن تأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته (¬1). {107} (هذا) وللزائر أن يزيد: السلام عليك يا خير خلق الله، يا إمام المتقين، يا سيد المرسلين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله. قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم إنك قلت: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" (¬2)، وقد أتيتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته. اللهم أجعله أول الشافعين يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه وللمسلمين (¬3) ¬

(¬1) ص 27 مسند أبي حنيفة (آخر كتاب الحج). (¬2) عجز الآية 64 من سورة النساء، وصدرها: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله". (¬3) ص 590 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ويبلغ سلام من أوصاه بتبليغ سلامه، فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. السلام عليك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه في الغار وأمينه على الأسرار. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. السلام عليك يا ناصر المسلمين. السلام عليك يا من أعز الله به الإسلام. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا (ومن) طال عليه هذا اقتصر على بعضه. وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقا: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه. أخرجه البيهقي (¬1). {108} (وينبغي) للزائر أن يلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلامه ويرد عليه السلام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد بيسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح (¬2). {315} ¬

(¬1) ص 245 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم): (¬2) أنظر رقم 300 ص 251 ج 2 تكملة المنهل العذب (زيارة القبور) وباقي المراجع بهامش 4 ص 253 منه، و (رد الله على روحي ... ) قال عياض: لعل معناه أن روح النبي صلى الله عليه وسلم متعلقة بالحضرة الإلهية فإذا بلغه سلام أحد رد الله روحه من تلك الحالة فترد على من سلم عليه، وكذلك كانت عادته صلى الله عليه وسلم في الدنيا.

(هذا) وهل الزائر يبدأ بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أفضل أو بالصلاة؟ الظاهر أن البدء بالسلام عند كل زيارة أفضل، وأن الصلاة بعده أفضل من استمرار السلام، وإن كان باقيا في مكان الزيارة. ... (ويتأكد) على الزائر ألا يرفع صوته بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول السائب بن يزيد: كنت مضطجعا في المسجد، فحصبني رجل، فرفعت رأسي، فإذا عمر رضي الله عنه، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتماني حتى أوجعتكما جلدا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه البخاري (¬1). {109} (ويسن) للزائر بعد الزيارة أن يكثر من الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة. ويتحري الوقوف والدعاء عند المنبر الشريف متأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأن يتحري الصلاة أيضا فيما كان مسجدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا فيما زيد بعده. وأن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد، وإن كان مارا عند الشافعي. وألا يمر بالقبر الشريف ولو خارج المسجد حتى يقف ويسلم. وقد سئل مالك: أترى أن يسلم كلما مر؟ قال: نعم أرى ذلك عليه كلما مر. وكره مالك لأهل المدينة الوقوف بالقبر الشريف كلما دخل أحدهم المسجد وخرج، ولا بأس لمن قدم منهم من سفر أو خرج إلى سفر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم ¬

(¬1) ص 375 ج 1 فتح الباري (رفع الصوت في المسجد).

عليه وعلى صاحبيه، كما يطلب ذلك من الغرباء كلما دخلوا المسجد وخرجوا. ... (وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يستحب الإكثار من زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لكل أحد من أهل المدينة وغيرهم، لأن الإكثار من الخير خير وإفضاء ذلك إلى ملل لا نظر إليه. فمن اطمأن قلبه وتوفر أدبه طول ما شاء ومن لا سلم وانصرف. ... (ومن الأدب) إذا أراد الصلاة ألا يجعل الحجرة الشريفة وراء ظهره ولا بين يديه، وأن يتحرى الأماكن الفاضلة من المسجد بالصلاة فيها والدعاء كأساطين المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم لا سيما الأساطين الثمانية التي ورد لها فضل خاص (¬1) وهي: ... (1) أسطوانة المصحف: وهي علم على مصلي النبي صلى الله عليه وسلم كان أمامها الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال) يزيد بن أبي عبيد: كان سلمة بن الأكوع يتحري الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف. قلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عندها. أخرجه الشيخان والبيهقي (¬2). {316} (2) أسطوانة المهاجرين: لأنهم كانوا يجتمعون عندها- وهي في الصف الذي خلف القائم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم- وهي الثالثة من المنبر ومن القبر. صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وابن الزبير، وورد أن الدعاء عندها مستجاب. وتسمى أسطوانة عائشة. ¬

(¬1) ص 108 نزهة الناظرين. (¬2) ص 385 ج 1 فتح الباري (الصلاة إلى الأسطوانة) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة).

(3) أسطوانة التوبة: وتعرف بأسطوانة أبي لبابة، لأنه ارتبط إلى جذع كان في محلها لما وقع منه في شأن بني قريظة (¬1) ولم يحل حتى تاب الله عليه، وهي الرابعة من المنبر والثانية من القبر. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها النوافل وينصرف بعد صلاة الصبح، ويعتكف وراءها مما يلي القبلة مستندا إليها (روي) نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى أسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها. أخرجه ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات (¬2). {317} (4) اسطوانة السرير: وهي اللاصقة بالشباك داخل المقصورة، تلي أسطوانة التوبة من جهة الشرق، سميت بذلك لأنه كان يوضع سرير النبي صلى الله عليه وسلم عندها (وهذه) ثلاث الأساطين في صف واحد لا فاصل بينهن سوى نصف أسطوانة لاصقة بالشباك من خارجه (¬3). ¬

(¬1) (قال) عبد الله بن أبي قتادة: نزلت هذه الآية: "لا تخونوا الله والرسول"، في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة: ما هذا الأمر؛ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت (قال) أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، أخرجه ابن جرير وابن المنذر (أنظر ص 288 ج 2 فتح القدير للشوكاني) ولما رأى انه خان حلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، فربط نفسه بسارية بالمسجد فمكث تسعة أيام حتى كاد يخر مغشيا عله من الجهد، ثم أنزل الله توبته، فبشره الناس وأرادوا حله من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحله. (¬2) ص 277 ج 1 سنن ابن ماجه (المعتكف يلزم مكانا في المسجد) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة). (¬3) أحدثت هذه الأساطين زمن الأشرف قايتباي عند بناء القبة على الحجرة الشريفة.

(5) أسطوانة المحرس: وهي شمال أسطوانة التوبة، وتسمى أسطوانة على، لأنه كان يجلس شرقيها يحرس النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هو وأمراء المدينة يصلون إليها. ... (6) أسطوانة الوفود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليها الوفود العرب إذا جاءته، وهي شمال أسطوانة المحرس. ... (7) أسطوانة مربعة القبر الشريف: وهي محاذية للحجرة الشريفة بالجهة الغربية عند انحراف جانبها إلى الشمال. بينها وبين أسطوانة الوفود الأسطوانة اللاصقة بالشباك داخل المقصورة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليها ويقول: السلام عليكم أهل البيت "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (¬1). ... (8) أسطوانة التهجد: وهي أسطوانة مربعة شمال بيت علي رضي الله عنه، وفيها محراب على يسار المتوجه إلى باب جبريل. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إليها حصيرا كل ليلة فيطرح له وراء بيت علي، ثم يصلي صلاة الليل، فلما رأى المصلين بصلاته قد كثروا أمر بالحصير فطوى وصار يصلي في الحجرة خشية أن تجب صلاة الليل على الأمة (¬2). [أنظر رسم 13 ص 336] 4 - بدع الزيارة: تبين أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وعلمت كيفيتها المشروعة التي بها ترجى الرحمة والقبول، ¬

(¬1) الآية 33 من سورة الأحزاب، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت نساؤه وفاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم. (¬2) ص 54 نزهة الناظرين.

وينال بها المرغوب والمأمول، ولكن الشيطان العدو اللدود حسن للجاهلين بدعا في الزيارة تبعدهم عن المقصود وهو رضا الرب المعبود، منها: ... 1 - تجرد بعضهم عن المخيط تشبها بحال الإحرام.

2 - ومنها استلام المقصورة وتقبيلها والتمسح بها والطواف بها والصلاة إليها والانحناء للقبر الشريف، وأقبح منه تقبيل الأرض. وكل هذا مجمع على حرمته لأنه أشبه بالسجود. وكذا الطواف والصلاة للقبر، لأن الطواف بمنزلة الصلاة (¬1). ... 3 - ومنها ما يفعله أهل المدينة وغيرها من الوقوف بالجهة الشرقية من المقصورة يصلون ويسلمون على جبريل وميكائيل وإسرافيل؛ فهو بدعة لا أصل له. ... 4 - ومنها ما عتاده عامة أهل المدينة من أنهم بعد السلام على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والرجوع إلى القبر الشريف يذهبون لزيارة السيدة فاطمة الزهراء، ثم يعودون إلى الموقف الأول أمام القبر الشريف ويقفون وقفة لطيفة. ثم يمشون إلى ناحية المحراب العثماني ويقفون هناك مستقبلين القبلة ويدعون؛ فهو بدعة لا أصل له (¬2). 5 - ومنها أن الزوار يصطفون عقب كل فريضة عدا العشاء- يصرخون بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه صرخة رجل واحد بصوت مزعج جدا بواسطة المدعو مزورا حتى يزعجوا بأصواتهم من في المسجد وسكان البيوت المجاورة. وهذا منكر فظيع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" (¬3) أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عند ¬

(¬1) ص 109 نزهة الناظرية. (¬2) ص 110 منه. (¬3) الآية 2 من سورة الحجرات.

الرسول خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه ويحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري (¬1). وتقدم تحذير عمر رضي الله عنه من رفع الصوت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2). وقد أجمعت الأمة على أن حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا. وغن الله تعالى قد مدح قوما بغض أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بأجر عظيم. قال تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم" (¬3). وذم آخرين لرفع أصواتهم عنده صلى الله عليه وسلم ونفى العقل عنهم، قال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" (¬4). وقد روى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالكا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوما، فقال: "لا ترفعوا أصواتكم ... الآية" وذم آخرين، فقال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ... الآية" فاستكان لها أبو جعفر. 6 - ومنها إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر ومسحه باليد، فهو مكروه. والأدب أن يبعد منه كبعده من النبي صلى الله عليه وسلم لو حضره في حياته. ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالقرآن والأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء المؤيدة بالدليل. ... (قال) الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين. وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومن ¬

(¬1) ص 8 ج 8 تفسير ابن كثير. (¬2) تقدم آثر رقم 109 ص 332. (¬3) الآيتان 3 و 4 من سورة الحجرات. (¬4) الآيتان 3 و 4 من سورة الحجرات.

خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهو من جهله وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع. وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب؟ (¬1) ... 7 - ومنها تقرب جهلة العامة بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة وقطعهم شعورهم ورميها في القنديل الكبير. وهذا من المنكرات الشنيعة والبدع القبيحة. ... 8 - ومنها استصحاب شيء من الأواني المصنوعة من تراب حرم المدينة كالكيزان والأباريق وإخراجها إلى وطنه. وكذا حكم الأحجار والتراب كما هو الحال في حرم مكة (¬2). ... 9 - ومن المنكر ما يزعمه بعض العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زارني وزار أبي غبراهيم في عام واحد ضمنت له الجنة. ... (وهذا) باطل موضوع لا يعرف. وكذا قول بعضهم: إذا حج وقدس كان كحجتين. ولا تعلق لزيارة الخليل بالحج، بل هي قربة مستقلة وفضيلة لا تنكر. وإنما المنكر ما رووه واعتقدوه. وكذا زيارة بيت المقدس فضيلة وسنة مستقلة لا تتعلق لها بالحج (¬3). هذا، ويطلب ممن بالمدينة أمور منها: يستحب لمن بالمدينة المنورة أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصا يوم الجمعة فيزور القبور التي به. (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ¬

(¬1) ص 275 ج 8 شرح المهذب. (¬2) ص 277 منه. (¬3) ص 277 منه.

السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، إذا مؤجلون. وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. أخرجه مسلم والبيهقي (¬1). {318} ... ويخص بالزيارة القبور المعروفة كقبر إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم وعثمان والعباس والحسن بن علي وغيرهم، ويختم بزيارة قبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يأتي أحدا يوم الخميس مبكرا فيزور شهداءها ويبدأ بقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر العاقل من بدع الزيارة، كاستلام القبر وتقبيله والطواف به وسؤال من به والصلاة عنده، بل المشروع الدعاء والاستغفار لهم. أما طلب الحاجات من الأنبياء والصالحين أو دعاؤهم والإقسام بهم على الله تعالى أو ظن أن الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد والبيوت، فهو ضلال وبدعة باتفاق أئمة المسلمين. ولم يكن أحد من الصحابة يفعل ذلك ولا كانوا يقفون على قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعون لأنفسهم. ولذا كرهه مالك وغير من العلماء، لأنه من البدع التي لم يفعلها السلف. واتفق الأئمة على أنه يطلب ممن أراد الدعاء أن يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر، وأما إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيستقبل القبر عند مالك والشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون: يستقبل القبلة ويكون القبر عن يساره (¬2). ¬

(¬1) ص 40 ج 7 نووي مسلم (ما يقال عند دخول القبور) وص 249 ج 5 سنن البيهقي (زيارة القبور في البقيع) و (البقيع) موضع بظاهرة المدينة فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد فذهب وبقى أسمه. (¬2) ص 173 تقسير سورة الإخلاص لابن تيمية.

(ب) زيارة المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ... وهي كثيرة- أهمها خمسة: 1 - مسجد قبا (¬1): يستحب استحبابا مؤكدا أن يأتيه يوم السبت ويصلي فيه، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي (¬2). {319} ... وهو أول موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة. 2 - مسجد الفتح: وهو في الشمال الغربي للمدينة على جبل سلع (¬3) تسن زيارته والصلاة فيه والدعاء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوما الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرف البشر في وجهه، قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت ¬

(¬1) قبا بالضم والقصر وقد يمد، في الأصل: أسم بئر سميت به قرية متصلة بالمدينة بها مساكن بني عمرو بن عوف، وهي على ميلين من المدينة المنورة في سيرة القاصد إلى مكة، ومسجدها أوةل مسجد بني في الإسلام، وضع أول حجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، وهو في الجنوب الغربي من المدينة مربع الشكل وضلعه أربعون مترا وارتفاعه ستة أمتار، به تسعة وعشرون عمودا بينه وبين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 3528 ثمانية وعشرون وخمسمائة وثلاثة آلاف متر، وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وعليه حظيرة قصيرة شبه روضة صغيرة، وفي صحنه 8 مما يلي القبلة شبه محراب عليه مصطبة وله باب من جهة الغرب، وفي قبلته دار أبي أيوب الأنصاري، وفي غربه رحبة فيها بئر هي منبع عين الأزرق، يسميها العامة العين الزرقاء جدده السلطان محمود خان الثاني سنة 1210 هـ. (¬2) أنظر رقم 299 ص 249 ج 2 تكملة المنهل العذب (تحريم المدينة) وباقي المراجع بهامش 7 ص 250 منه. (¬3) سلع بفتح فسكون: جبل شمال المدينة.

تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات (¬1). {320} ... (وعن) أبن الحكم بن ثوبان قال: أخبرني من صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثم دعا فقال: اللهم لك الحمد، هديتني من الضلالة فلا مكرم لمن اهنت، ولا مهين لمن أكرمت، ولا معز لمن أذللت، ولا مذل لمن أعززت، ولا ناصر لمن خذلت، ولا خاذل لمن نصرت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا رازق لمن حرمت، ولا رافع لمن خفضت، ولا خافض لمن رفعت، ولا خارق لمن سترت، ولا ساتر لمن خرقت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت. أخرجه أحمد (¬2). [321] ... (فينبغي) للمصلى في مسجد الفتح أن يدعو فيه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا يوم الأربعاء قبل العصر. ... 3 - مسجد الجمعة: ويسمى مسجد الوادي، وهو في منازل بني سالم ابن عوف غرب الوادي على طريق الحرة. وفي الحديث: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن وادي رانونا، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة (¬3). {322} ... وكان ذلك في اليوم السادس عشر من ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة. 4 - مسجد الفضيح: بفتح الفاء وكسر الضادن سمي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النضير ضرب قبته في موضع هذا المسجد وأقام بها فجاء تحريم الخمر، فوصل الخبر إلى أبي أيوب الأنصاري ¬

(¬1) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفتح) ولعل المراد بالصلاتين الظهر والعصر. (¬2) ص 151 عمدة الأخيار. (¬3) ص 144 منه.

في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في موضعه معهم رواية خمر من فضيح، أي بسر مفضوح. فأمر أبو أيوب رضي الله عنه بمزلاء الراوية (¬1) ففتحت فسأل الفضيح فيه، فسمى مسجد الفضيح. ويعرف بمسجد الشمس. وهو شرقي مسجد قباء على شفير الوادي. وهو مسجد صغير (روى) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بفضيح في مسجد الفضيح فشربه فلذلك سمي. أخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن نافع ضعفه الجمهور. وقيل يكتب حديثه (¬2). {323} ... وسمي مسجد الشمس لعله لكونه واقعا شرقي مسجد قباء على مكان عال أول ما تطلع الشمس عليه. ... 5 - مسجد الأحزاب (¬3): تسن زيارته والصلاة فيه. وهو مسجد معروف في المدينة بني في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى مسجد الأحزاب فوضع رداءه وقام ورفع يديه مدا يدعو عليهم ولم يصل ثم جاء ودعا عليهم وصلى. أخرجه أحمد. وفي سنده رجل لم يسم (¬4). {324} ... (جـ) زيارة آبار المدينة التي شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم ... وهي كثيرة أهمها خمسة: 1 - بئر أريس (¬5): وهي في الجنوب الغربي لمسجد قباء على 200 ¬

(¬1) (عزلاء) كحمراء فم القربة الأسفل، والجمع عزالي بفتح اللام وكسرها. و (الراوية) الدابة يستسقى عليها الماء. (¬2) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفضيح) والفضيح: شراب يتخذ من اليسر المفضوح، أي المشدوخ. (¬3) (الأحزاب) في الأصل: القوم تألفت قلوبهم وتشابهت أعمالهم. (¬4) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الأحزاب). (¬5) (أريس) كأمير: أسم رجل يهودي، ومعناه بلغة أهل الشام الفلاح، أضيف إليه البئر، وهي بئر عمقها اثنا عشر مترا، وفي أسفلها فتحتان يجري منهما الماء إلى قاع البئر وفتحة ثالثة تصلها بمجرى العين الزرقاء التي يشرب منها أهل المدينة.

مائتي متر منه (وفيها) سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان رضي الله عنه. (قال) أنس بن مالك رضي الله عنه: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر. فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده. أخرجه البخاري (¬1). {325} ... وكان ذلك بعد ست سنين من خلافته. ويسن لمن بالمدينة أن يتوضأ ويشرب من بئر أريس. (روى) أبو موسى الأشعري من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر أريس فتوضأ منها وجلس على قفها وكشف عن ساقية ودلاهما في البئر. (الحديث) أخرجه الشيخان (¬2). {326} ... (قيل): كان في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم سر مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان عليه السلام لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان رضي الله عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون. وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان. ... 2 - بئر إهاب: وهي معروفة اليوم بزمزم في الحرة الغربية، ماؤها شبيه بزمزم، وبقربها هضبات يجلس عليها المتريضون من أهل المدينة، وسميت بزمزم لكثرة التبرك بمائها ونقله إلى الآفاق كما ينقل ماء زمزم. ¬

(¬1) ص 254 ج 10 فتح الباري (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟ ). (¬2) ص 26 ج 7 منه (قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا) وص 171 ج 15 نووي مسلم (فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه) و (قف) بضم القاف وتشديد الفاء: حافة البئر.

3 - بير حاء: بفتح الباء أو كسرها وفتح الراء أو ضمها ممدودا في الكل وبفتحهما مقصورا- فيعلى- من البراح، وهي الأرض المنكشفة، وقيل: حاء اسم رجل امرأة أضيف إليه البئر. وهي بئر وبستان شمالي سور المدينة من جهة الشرق. وقد صارت لأبي بن كعب وحسان بن ثابت دفعها إليهما أبو طلحة. ... (قال) أنس رضي الله عنه: لما نزلت: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، يقول الله تعالى في كتابه: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وإن أحب أموالي إلى بير حاء- وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها- فهي إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو بره وذخره فضعها- أي رسول الله- حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح، قبلناه منك ورددناه إليك، فاجعله في الأقربين- فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه. قال: وكان منهم أبي وحسان، وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حديلة الذي بناه معاوية. أخرجه البخاري (¬1). {327} ... 4 - بئر بضاعة: - بضم الباء وتكسر- في الشمال الغربي من بير حاء يستشفى ¬

(¬1) ص 251 ج 5 فتح الباري (من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه) و (بخ) بفتح فسكون، فإن وصلت كررت ونونت، فقلت: بخ بخ، وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة. و (حديلة) بحاء مهملة مصغرا: بطن من الأنصار.

بالغسل من مائها ثلاثة أيام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها. ... (قال) سهل بن سعد: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات (¬1). {328} 5 - بئر رومة: هي المشهورة ببئر عثمان، لأنه اشتراها فتصدق بها، وهي في وادي العقيق في الشمال الغربي من المدينة. (روي) بشر بن بشير الأسلمى عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنجعل لي ما جعلته له؟ قال: نعم: قد جعلتها للمسلمين. أخرجه البغوي في معجم الصحابة (¬2). {329} ... (وعلى الجملة) فينبغي لمن بالمدينة أن يزور جميع المحال المباركة والمساجد والمشاهد المفضلة التي بالمدينة المنورة إذا طالت إقامته بها، وإلا فالمقام عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم واغتنام مشاهدته أفضل. ... (ويستحب) أن يصوم بالمدينة ما أمكنه، وأن يتصدق على أهلها والغرباء بما أمكنه، ويخص أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد الرعاية، لقول زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، ¬

(¬1) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (بئر بضاعة). (¬2) ص 72 ج 14 عمدة القاري، شرح البخاري.

ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل له: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس. أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {330} آداب الرجوع إلى الأهل ... (يسن) لمن أراد الخروج من المدينة المنورة أن يودع المسجد الشريف بركعتين ينوي بهما سنة وداع المسجد ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى: قل يأيها الكافرون، وفي الثانية الإخلاص، ويدعو بما أحب دينا ودنيا ويختم بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجدد التوبة، ثم يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما زاره أولا، ثم يقولك اللهم ولا تجعل هذا آخر العهد بنبيك ومسجده وحرمه، ويسر لنا العودة إلى زيارته والعكوف في حضرته سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ثم يتوجه تلقاء وجهه، ولا يمشي القهقري، ثم يقول اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى. ... (ويستحب) أن يستصحب معه هدية إلى أهله من تمر المدينة ونحوه. وأن يكبر على كل شرف من الأرض ويدعو بما تقدم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو، أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم ¬

(¬1) ص 366 ج 4 مسند أحمد (حديث زيد بن أرقم ... ) وص 179 ج 15 تروى مسلم (فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه).

يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. أخرجه البيهقي والسبعة إلا النسائي (¬1). (وظاهره) اختصاص هذا الدعاء بالرجوع من غزو أو حج أو عمرة وبه قال بعض العلماء (وقال) الأئمة الأربعة والجمهور: يشرع هذا في كل سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم. وقيل: يتعدى ذلك إلى السفر المباح، لأن المسافر فيه لا ثواب له، فله فعل ما يحصل له الثواب (¬2) وإذا أشرف على بلده سعى وقال: ىيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. اللهم اجعل لي فيها قرارا ورزقا حسنا. ... (ويرسل) إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم بمجيئه. وإذا دخل البلد بدأ بالمسجد فصلي فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة. ثم ينصرف إلى منزله ويصلي فيه ركعتين، لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة فأناخ على باب مسجده ثم دخله فركع فيه ركعتين ثم أنصرف إلى بيته. قال نافع: فكان عبد الله بن عمر كذلك يصنع. أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد (¬3). {331} ¬

(¬1) تقدم رقم 29 ص 16 وأنظر ص 259 ج 5 سنن البيهقي (ما يقول في القفول) وص 25 ج 12 الفتح الرباني، وص 88 ج 3 سنن أبي داود (التكبير على كل شرف في السير) (وص 119 ج 2 تحفة الأحوذي) ما يقول عند القفول من الحج والعمرة). (¬2) ص 148 ج 11 فتح الباري الشرح (الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع). (¬3) ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 91 ج 3 سنن أبي داود (الصلاة عند القدوم من السفر).

ثم يجلس في مكان بارز لمقابلة المهنئين ويكثر من حمد الله تعالى والشرك له على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع مصحوبا بالسلامة. ملاقاة الحاج وتهنئته ... يستحب ملاقاة الحجاج قبل دخول بيوتهم والسلام عليهم ومصافحتهم وطلب الدعاء منهم وتهنئة كل بنحو: قبل الله نسكك وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك وغفر ذنبك. (روي) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته، فإنه مغفور له. أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم (¬1). {332} ورد بأن في سنده محمد بن عبد الرحمن السلماني ضعفه الهيثمي وغيره، وهذا بالنسبة لمن كان حجه مبرورا خالصا لوجه الله ولمن تمكن من ملاقاته قبل دخول بيته، وإلا طلب الدعاء منه ولو بعد دخول البيت. ... (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية للحج، فمشى معه النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، زودك الله التقوى ووجهك في الخير وكفاك الهم. فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، قبل الله حجك، وكفر ذنبك وأخلف نفقتك. اخرجه الطبراني في الأوسط. وفي سنده مسلمة بن سالم الجهني ضعفه الدارقطني (¬2). {333} ¬

(¬1) ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 437 ج 1 فيض القدير. (¬2) ص 311 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقال للحاج عند الوداع والرجوع).

وليمة الحج ... يستحب للحاج بعد قدومه أن ينحر بدنة أو بقرة أو ما يستطيع ويطعم أصحابه وجيرانه ولا سيما الفقراء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة. أخرجه البخاري والبيهقي (¬1). {334} الخاتمة في فضل مكة وحرم المدينة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... 1 - فصل مكة: هي أفضل البلاد عند الحنفيين والشافعي وأحمد، لحديث عبد الله بن عدى بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى اله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح (¬2). {335} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمكة: ما أطيبك من بلد وأحبك إلى، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب (¬3). {336} ... وبهذا قال الجمهور وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك رحمه ¬

(¬1) ص 261 ج 5 سنن البيهقي (الطعام عند القدوم). (¬2) ص 205 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن عدى بن الحمراء الزهري .. ) وص 138 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل مكة) وص 375 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة) و (الحزورة) كقورة: مكان مرتفع بمكة عند باب الوداع. (¬3) ص 376 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة).

الله، والمشهور عنه تفضيل المدينة على مكة، لما تقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة (¬1). ... ولقول رافع بن خديج: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المدينة خير من مكة. أخرجه الطبراني. وفي سنده محمد ابن عبد الرحمن بن داود مجمع علي ضعفه (¬2). {337} ... (وأجاب) الجمهور: ... (أ) عن حديث أبي هريرة بأنه خارج عن محل النزاع فإن الكلام في تفضيل مكة على غيرها لا في خصوص هذه البقعة. (قال) ابن عبد البر: هذا الاستدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة. وساق حديث عبد الله بن عدى (¬3) وقال: إن هذا الحديث نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه. ... (ب) وعن حديث رافع بأنه ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الواردة في تفضيل مكة. ولذا رجع عن هذا القول كثير من المالكية. 2 - حرم المدينة: حرم المدينة كحرم مكة يحرم صيده وقطع شجره عند مالك والشافعي وأحمد، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها. أخرجه مسلم (¬4). {338} ¬

(¬1) تقدم رقم 314 ص 325. (¬2) ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة). (¬3) تقدم رقم 335 ص 350. (¬4) ص 136 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة). و (إني حرمت المدينة) أي حرمت صيد حرمها وقطع شجرها. و (لابتيها) تثنية لابة، وهي أرض ذات حجارة سود. وللمدينة لا بتان شرقية وغربية وهي بينهما عرضا، وطولها ما بين عير وثور، وهما جبلان أحدهما جنوبها والآخر شمالها (والعضاه) بكسر العين المهملة: شجر له شوك.

(وعن عبد الله) بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة ودعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1). {339} ... (وعن جابر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المدينة كالكير وحرم إبراهيم مكة وأنا أحرم المدينة وهي كمكة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل منها (الحديث). أخرجه أحمد (¬2). {340} (دل) على جواز أخذ أوراق الشجر للعلف. أما قطعة فحرام عند الأئمة الثلاثة، غير أن مالكا والشافعي قالا: لا ضمان في قتل صيده أو قطع شجره، لأنه ليس محلا للنسك، (وقال) بعض المالكية: يجب فيه الجزاء كحرم مكة لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة. ... (وقال) الحنفيون: ليس للمدينة حرم فلا يمنع أحد من أخذ يدها ولا قطع شجرها، لحديث أبي التياح عن انس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير كان فطيما، فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه ¬

(¬1) س 40 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني .. ) وص 134 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة). (¬2) ص 393 ج 3 مسند أحمد (مسند جابر بن عبد الله ... ) و (حماها) هو في الأصل مكان يمنع القرب منه. والمراد هنا مكان حماه النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ومنع العامة أن يرعوا فيه دوابهم وهو يريد من كل ناحية من المدينة. و (كلها) تأكيد له. وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.

قال أبا عبيد: ما فعل النغير؟ فكان يلعب به. أخرجه مسلم والنسائي في اليوم والليلة والبزار والطحاوي (¬1). {341} ... (وقالوا) إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع شجرها استبقاء لزينتها ليستطيبوها ويألفوها، (وأجاب) الجمهور عن الحديث باحتمال أنه كان قبل تحريم المدينة أو أن النغير كان من صيد الحل. والرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم صيد الحرم. والراجح القول الأول لقوة أدلته. ... 3 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ... هي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" (¬2). قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. ذكره البخاري (¬3). {110} (والمقصود) من الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملإ الأعلى، بأنه يثنى عليه عند ملائكته، وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه (¬4). وعن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن بني غسرائيل قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه: يا موسى سألوك: هل يصلي ربك؟ فقل: نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي، فأنزل الله تعالى على ¬

(¬1) ص 128 ج 14 نووي مسلم (تكنية الصغير) و (الغنير) تصغير نغر بضم فقتح، وهو ظائر يشبه العصفور أحمر المنقار. (¬2) الآية 56 من سورة الأحزاب. (¬3) ص 376 ج 8 فتح الباري (قوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي .. ) (¬4) ص 291 ج 4 فتح القدير للشوكاني.

نبيه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي ... " الآية. أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه (¬1). {111} ... (وظاهر الأمر) بالصلاة والتسليم في الآية أن يقول القائل: صليت وسلمت، أو الصلاة عليه والسلام عليه، أو عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والتسليم منا، فمقتضاه ألا يتحقق الامتثال بقول أحدنا: اللهم صل وسلم على رسولك، أو على محمد، أو على النبي، لأن الله تعالى أمرنا أن نصلي ونسلم عليه لا أن نطلب منه تعالى ذلك. (وأجيب) بأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الصلاة والتسليم المأمور بهما في الآية هما أن تقول: اللهم صل عليه وسلم. أو نحو ذلك. فاقتضى أن هذه الصلاة هي المأمور بها: (قال) كعب ابن عجرة: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلي آل محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة (¬2). {342} (هذا) ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، (ويكره) الاقتصار على أحدهما. وهما شعار خاص بالأنبياء والملائكة؛ فلا يصلي ولا يسلم على غيرهم إلا تبعا. والمتبع الترضي عن الصحابة والمترحم على من بعدهم والدعاء لهم بالمغفرة والعفو. قال الله تعالى: ¬

(¬1) ص 293 ج 4 فتح القدير للشوكاني. (¬2) أنظر المراجع وشرح الحديث بهامش 3 ص 170 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).

"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا" (¬1). ... (ولا يجوز) لنا أن نصلي ونسلم على أحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم عند جمهور العلماء إلا تبعا وهو محرم أم مكروه تحريما أو تنزيها؟ أقوال ثلاثة، (وقال) قوم منهم الإمام أحمد: تجوز الصلاة على غير الأنبياء لقوله تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" (¬2) ولقوله: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" (¬3)، ولقوله: "هو الذي يصلي عليكم وملائكته" (¬4)، ولقول عبد الله بن أبي أوفي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفي. أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬5). {343} ... ويجاب: (أ) عن الآيات بأنها ليس فيها إلا أن الله تعالى يصلى على طوائف من عباده. وليس في هذا أمر لنا ولا شرعه الله في حقنا، بل لم يشرع لنا إلا الصلاة والتسليم على رسله وملائكته، عليهم الصلاة والسلام. ... (ب) وفي حديث ابن أبي أوفي بأن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بالشعار الخاص به صلى الله عليه وسلم. ... ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث: ¬

(¬1) الآية 10 من سورة الحشر. (¬2) الآية 103 من سورة التوبة. و (سكن) أي رحمة وطمأنينة. (¬3) الآية 157 من سورة البقرة. (¬4) الآية 43 من سورة الأحزاب. (¬5) ص 353 ج 4 مسند أحمد (بقية حديث عبد الله بن أبي أوفي ... ) وباقي المراجع بهامش 4 ص 236 ج 8 الدين الخالص (ما يطلب من المزكى والآخذ).

1 - فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات، لأن الله تعالى صلي عليه هو وملائكته وأمر بها المؤمنين. وليس هذا لسائر العبادات. وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (¬1). {344} ... (وحديث) أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر، خطيئات، ورفع له عشر درجات. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، وابن حبان وصححاه (¬2). {345} ... (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬3). {346} ... (وحديث) أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ¬

(¬1) ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 127 و 128 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد) وص 191 ج 1 مجتبي (فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وص 190 ج 8 المنهل العذب (الاستغفار). (¬2) ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 191 ج 1 مجتبي، وص 550 ج 1 مستدرك. (¬3) ص 95 ج 6 المنهل العذب (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه مسلم (¬1). {347} ... 2 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تجوز الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأي صيغة. والأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة، لأنها أكثر ثوابا. وهي كثيرة تقدم بعضها. ... 3 - حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... هي فرض وسنة: ... (أ) فتفترض في أربعة مواضع: ... 1 - تفترض في العمر مرة للأمر بها في قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" وهو للوجوب. ... 2 - وتفترض كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على (الحديث) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم (¬2). {348} وقيل: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره. والاحتياط الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كل ذكر (¬3). ¬

(¬1) ص 127 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد). (¬2) ص 308 ج 14 الفتح الرباني، وص 271 ج 2 تحقة الأحوذي (باب من الدعوات) و (رغم أنفه) أصله لصق أنفه بالرغم وهو تراب مختلط يرمل. والمراد أصابه الذل والهوان. و (الحديث) تمامه: ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم أنسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه أو أحدهما الكبر فلم يدخلاه الجنة. (¬3) ص 233 ج 14 تفسير القرطبي.

3 - وتفترض في التشهد الأخير عند الشافعي، وروى عن أحمد، لما تقدم في حديث فضالة بن عبيد (¬1). ... (وقال) الحنفيون ومالك: إنها سنة في التشهد الأخير لا واجبة، وروى عن أحمد، لما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه (¬2) (وهذا) هو الراجح لأن الوجوب إنما يكون بدليل شرعي، ولم يرد (وحديث) فضالة بن عبيد لا يدل على وجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيه بالدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ليس بواجب اتفاقا، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم تاركها بإعادة الصلاة. ولو كانت واجبة لأمرة بالإعادة. 4 - وتجب في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية عند الشافعي وأحمد لحديث جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يصل فيها على وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. أخرجه الدارقطني وقال جابر: ضعيف (¬3). {349} ... ومن ذلك فهو لا يدل على المطلوب، لأن الصلاة على الآل لا تجب اتفاقا. ولذا قال الحنفيون ومالك والجمهور: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة مستحبة لا واجبة. وهو الراجح من جهة الدليل (¬4). ... (ب) وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع ذكر منها هنا 31 واحد وثلاثون موضعا: ¬

(¬1) تقدم رقم 222 ص 167 ج 2 الدين الخالص (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد). (¬2) تقدم رقم 224 ص 168 ج 2 الدين الخالص. (¬3) ص 136 سنن الدارقطني. (¬4) قال الطبري والطحاوي: أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب. وقال بعضهم: لم يقل بالوجوب إلا الشافعي. وهو مسبوق بالإجماع. أنظر ص 136 التعليق المغنى على سنن الدارقطني.

1 و 2 - بعد حكاية الأذان والإقامة، لما روي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وارض عني رضا لا تسخط بعده، استجاب الله له دعوته. أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط. وفي سنده ابن لهيعة. وفيه ضعف. وفي الباب أحاديث تقويه (¬1). {350} ... (وكان) أبو هريرة رضي الله عنه إذا سمع المؤذن يقيم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة (¬2) والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة. أخرجه ابن السني. {112} وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي. 3 - وتسن بعد التشهد الأول عند الشافعي في الجديد. ولا دليل على هذا. ولذا قال الحنفيون ومالك وأحمد: لا تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول. وهو قول الشافعي في القديم، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسم في حديث قط أنه صلى على نفسه في التشهد الأول. ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيين موضعها وتقيدها بالتشهد الأخير (¬3). ... 4 و 5 - وتسن قبل الدعاء وبعده إجماعا، لما تقدم عن فضالة بن عبيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال: ¬

(¬1) ص 32 ج 3 الفتح الرباني، وص 332 ج 1 مجمع الزوائد (إجابة المؤذن وما يقال عند الأذان والإقامة). (¬2) (الدعوة) بفتح الدال مشددة، المراد بها الأذان (والتامة) أي التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة. (¬3) ص 62 ج 1 زاد المعاد (تشهده صلى الله ليعه وسلم في الصلاة).

اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصل على ثم أدعه. ثم صلي رجل آخر فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي أدع تجب. أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني (¬1). {351} ... 6 - وتسن بعد القنوت، لأنه دعاء ولما تقدم عن عبد الله بن على عن الحسن بن على قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيمن أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله علي النبي محمد. أخرجه النسائي والبيهقي (¬2) {352} 7 - وتسن في خطب الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد، لقول عون بن أبي جحيفة: كان أبي من شرط على وكان تحت المنبر، فحدثني أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (الأثر) أخرجه عبد الله بن أحمد (¬3). {113} ... والمشهور عن الشافعي وأحمد أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) تقدم رقم 521 ص 353 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية. وأنظر ص 155 ج 10 مجمع الزوائد (ما يستفتح به الدعاء ... ). (¬2) تقدم رقم 32 ص 16 ج 3 الدين الخالص. وهناك بيان حاله وغريبه. (¬3) ص 256 جلاء الأفهام. و (شرط) بضم ففتح كرطب، أي من جند على رضي الله عنه.

شرط في صحة خطبة الجمعة. وليس له دليل سليم ينتهض للدلالة على الاشتراط، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في خطبه. ... 8 - وتسن ليلة الجمعة ويومها إجماعا، لحديث صفوان بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة على. أخرجه الشافعي في مسنده (¬1). {353} ... وتقدم في هذا أحاديث كثيرة (¬2) ... 9 - وتسن عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم، لحديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. أخرجه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة بسند ضعيف (¬3). {354} ... 10 - وتسن أول النهار وآخره، لحديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة. أخرجه الطبراني بسندين أحدهما جيد ورجاله وثقوا. لكن فيه انقطاع، لأن خالدا لم يسمع من أبي الدرداء (¬4). {355} 11 - ويسن الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تكفيرا للذنوب، لما روى ابن معاذ عن أبي كاهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا كاهل، من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا أو شوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم. أخرجه ابن أبي عاصم وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ¬

(¬1) ص 151 ج 1 بدائع المنن. (¬2) أنظر ص 144 ج 4 الدين الخالص. (¬3) ص 257 ج 2 كشف الخفاء للمجلوني. (¬4) ص 120 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى) وص 170 ج 6 فيض القدير للمناوي.

وسكت عليه (¬1). {356} ... (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم. أخرجه أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن أبي شيبة (¬2). {357} ... (فهذا) فيه الإخبار بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي عليه. والذي قبله فيه أنها مغفرة لذنوبه. فتضمن الحديثان أن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تحصل طهارة النفس من الرذائل، ويثبت لها النماء والزيادة في الكمالات والفضائل، وأنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من لوازم محبته، ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين. ... 12 - وتسن عند دخول المسجد والخروج منه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم. أخرجه أبن خزيمة في صحيحه وابن حبان (¬3). {358} ... وفي هذا أحاديث تقدمت. ... 13 - وتسن عند نزول الفقر أو خوف وقوعه، لحديث جابر بن سمرة السوائي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كثرة الذكر والصلاة على تقنين الفقر. أخرجه أبو نعيم (¬4). {359} ¬

(¬1) ص 281 ج 2 (الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وس 289 جلاء الأفهام. (¬2) ص 289 جلاء الأفهام. (¬3) ص 262 منه. (¬4) ص 290 منه.

14 - وتسن في مجالس الذكر والطاعة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: أقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم. فإذا صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبي لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم. أصل الحديث في مسلم (¬1). {360} ... 15 - وتسن إذا نسي الشيء ليذكره، لحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء الله. أخرجه أبو موسى المديني (¬2). {361} ... 16 - وتسن لقضاء أمر هام، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي كل يوم مائة مرة قضى اله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته وثلاثين منها لدنياه. أخرجه ابن منده. وقال الحافظ أبو موسى: حديث حسن (¬3). {362} ... 17 - وتسن عند طنين الأذن، لحديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل على، وليقل ذكر الله بخير من ذكرني بخير. أخرجه العقيلي وابن عدى والخرائطي والطبراني في الكبير والأوسط والصغير. وسنده في الكبير حسن (¬4). {363} ... قال المناوي: وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه، بل ¬

(¬1) ص 293 جلاء الأفهام. (¬2) ص 294 منه. (¬3) ص 296 منه. (¬4) ص 399 ج 1 فيض القدير للمناوي.

أقول المتن صحيح. فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه. وهو ممن التزم تخريج الصحيح. ... 18 - وتطلب من المصلى إذا أمر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم في غير التشهد. قال الحسن البصري: إذا مر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليقف وليصل عليه في التطوع. وبه قال أحمد (¬1). {114} 19 - وتطلب عند الاجتماع قبل التفرق، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله عز وجل فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة. أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وسنده صحيح (¬2). {364} ... 20 - وتسن عند دخول المنزل، لحديث سهل بن سعد أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم على واقرأ: "قل هو الله أحد" مرة واحدة، ففعل الرجل، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاد على جيرانه وقراباته. أخرجه أبو موسى المديني (¬3). {365} ... في الحديث ذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يستلزم الصلاة عليه لطلب اقترانهما، لقوله تعالى: "صلوا عليه وسلموا تسليما". ¬

(¬1) ص 299 جلاء الأفهام. (¬2) ص 235 ج 2 (الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم) وص 79 ج 10 مجمع الزوائد (ذكر الله ... والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم). (¬3) ص 293 جلاء الأفهام.

21 - وتطلب من الفقير ليكون له بها ثواب الصدقة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما ورسولك وصلي على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة. أخرجه ابن وهب وابن حبان في صحيحه وزاد. وقال: لا يشبع المؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة (¬1). {366} ... 22 - وتسن بين تكبيرات صلاة العيد عند الشافعي وأحمد. (روى) علقمة أن ابن مسعود وأيا موسى وحذيفة خرج إليهم الوليد ابن عقبة قبل العيد فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. أخرجه إسماعيل بن إسحاق وذكر البيهقي صدره (¬2). {115} ... (فيه) الموالاة بين القراءتين في صلاة العيد، وهو مذهب الحنفيين ورواية عن أحمد (وفيه) أن تكبيرات العيد ثلاث، وهو مذهب الحنفيين (وفيه) حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد، (وقال) الحنفيون ومالك: يستحب سرد الكبيرات بلا ذكر ¬

(¬1) ص 299 جلاء الأفهام. (¬2) ص 301 منه، وص 291 ج 3 سنن البيهقي (يأتي بدعاء الافتتاح عقب تكبيرة الافتتاح).

ولا صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبيرات. وأجابوا عن أثر أبن مسعود: ... (أ) بأنه مضطرب كما تقدم (¬1). ... (ب) بأن في سنده من يحتاج إلى كشف حاله، وفيه حماد بن أبي سليمان ضعفه البيهقي ومحمد بن سعد. واختلط أخيرا وكان مرجئا وكذبه المغيرة (¬2). 23 - وتسن عند ركوب الدابة وغيرها لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال" إذا ركب دابة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سمي. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله عليه سيدنا محمد. (قالت) الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففت ظهري وأطعت ربك وأحسنت إلى نفسك. بارك الله لك في سفرك وأنجح حاجتك. أخرجه الطبراني (¬3). {367} ... 24 - وتسن عند القيام لصلاة الليل، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: "من قام" الليل فتوضأ فأحسن الوضوء ثم كبر عشرا وسبح عشرا وتبرأ من الحول والقوة على ذلك. ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن الصلاة "لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه من الدنيا والآخرة". أخرجه عبد الملك بن حبيب (¬4). {116} ... 25 - وتسن على الصفا والمروة، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكبر على الصفا ثلاثا ويقول: لا إليه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يصلي على النبي ¬

(¬1) تقدم ص 15 ج 5 الدين الخالص (الفصل بين تكبيرات العيد). (¬2) ص 291 ج 3 الجوهر النقي. (¬3) ص 155 الحرز المنبع للسيوطي. (¬4) ص 99 منه.

صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة مثل ذلك. أخرجه إسماعيل بن إسحاق (¬1). {117} ... 26 - وتسن بعد التلبية، لما تقدم فيما يقال بعدها (¬2). ... 27 - وتسن عند استلام الحجر الأسود، لما تقدم في الدعاء عند استلامه (¬3). 28 - وتسن للخروج للسوق أو لأمر آخر، لقول أبي وائل: ما رأيت عبد الله (يعني ابن مسعود) جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك فيقوم حتى يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. وإن كان يخرج إلى السوق فيأتي أغفلها مكانا فيجلس فيحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. أخرجه ابن أبي حازم (¬4). {118} ... 29 - قال بعض المالكية: تطلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، لقول نافع: عطس رجل عند ابن عمر، فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه أبو موسى المديني (¬5). {119} ... وبه قال أبو موسى المديني وغيره (ونازعهم) الجمهور وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس. وهي وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى. ولكن لكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه (ويؤيده) ما روي نافع أن رجلا عطس إلى ¬

(¬1) ص 263 جلاء الأفهام. (¬2) تقدم رقم 85 ص 63. (¬3) تقدم أثر 46 ص 166. (¬4) ص 277 جلاء الأفهام. (¬5) ص 291 منه.

جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا إذا عطسنا أن نقول: الحمد لله على كل حال. أخرجه الطبراني والترمذي وقال: هذا حديث غريب (¬1). {368} ... (وهذا) أقوى مما قبله (ولا يثبت) ما روي مرفوعا: لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس. (قال) العلامة ابن قيم الجوزية: وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي عن عبد الرحيم بن زيد العمى عن غوير عن النبي صلى الله عليه وسلم. وله ثلاث علل: (أ) تفرد سليمان بن عيسى به. قال البيهقي: وهو في عداد من يضع الحديث. ... (ب) ضعف عبد الرحمن العمى. ... (جـ) انقطاعه (¬2). ... 30 - وتستحب عند مالك بعد الطهارة، لما روي أبو وائل عن عبد الله ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل على. فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة. أخرجه أبو الشيخ. {369} ... وهو حديث مشهور له طرق ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الرواية. ... 31 - وتستحب عند الذبح عند الشافعي. قال رضي الله عنه: والتسمية على الذبيحة: باسم الله؛ فإن زاد بعد ذلك شيئا فزيادة خير، ولا أكره مع التسمية أن يقول: صلى الله على رسول الله. وبه قال بعض الحنبلية. ¬

(¬1) ص 291 جلاء الأفهام، وص 2 ج 4 تحفة الأحوذي (ما يقول العاطس). (¬2) ص 292 جلاء الأفهام.

(وقال) الحنفيون: تكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وهو مذهب مالك، لحديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موطنان لاحظ لي فيهما: عند العطاس والذبح. أخرجه أبو محمد الخلال (¬1). {370} ... 4 - ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذلك منها هنا سبع عشرة ثمرة: 1 - امتثال أمر الله تعالى. 2 - موافقته تعالى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف. 3 - أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله تعالى عليه بها عشرا. 4 - وأنه يرفع له بها عشر درجات. 5 - ويكتب له بها عشر حسنات. 6 - ويمحي عنه بها عشر سيئات. 7 - ويرجى بها إجابة الدعاء إذا قدمت أمامه (¬2). 8 - وأنها سبب لقرب العبد من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. 9 - وأن بها يصلى الله وملائكته على المصلي. 10 - وأنها زكاة للمصلي وطهارة له. 11 - وأنها سبب النجاة من أهوال يوم القيامة. 12 - وأن بها يرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه. 13 - وأن بها يطيب المجلس ولا يكون عسرة على أهله يوم القيامة. 14 - وأنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره (¬3). 15 - وأن بها ينجو من ¬

(¬1) ص 298 جلاء الأفهام. (¬2) ص 302 منه. (¬3) ص 303 منه.

الدعاء عليه بالذل والهوان إذا تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم. 16 - وأن بها يزداد نور العبد على الصراط. 17 - وأنها سبب لنيل رحمة الله للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم، لأن الرحمة إما معنى الصلاة أو من لوازمها؛ فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله (¬1). (وعلى الجملة) فللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذكر منها ابن القيم في جلاء الأفهام أربعين ثمرة، وقال: وها هنا نكتة حسنة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له من الأجر- الزائد على أجر عمله- مثل أجور من اتبعه. فالداعي إلى سنته ودينه ومعلم الأمة الخير إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى اله تعالى التقرب إليه بإرشاد عباده وتوفير أجور المطيعين له صلى الله عليه وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توفيتهم أجورهم كاملة، كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (¬2). 5 - الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم آله صلى الله عليه وسلم أزواجه ومن تحرم عليهم الصدقة من بني هاشم والمطلب، ومنهم فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم وذريتهم (فقد تقدم) عن زيد بن أرقم أنه قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر، وآل العباس (¬3). هذا. وتطلب الصلاة على الآل تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا. ¬

(¬1) ص 304 جلاء الأفهام. (¬2) ص 311 منه. (¬3) تقدم في الحديث رقم 330 ص 246، وهذا آخره.

أما الصلاة عليهم انفرادا فعلى نوعين: ... (أ) أن يقال: اللهم صل على آل محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهذا جائز، ويكون النبي صلى الله وسلم داخلا في آله؛ فالإفراد وقع في اللفظ لا في المعنى. ... (ب) أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على علي أو على حسين ونحو ذلك. وفيه خلاف للعلماء (فكره) ذلك الحنفيون ومالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضي. والصحيح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه، (وقال) أحمد: يجوز بلا كراهة. واختلفوا في السلام هل هو كالصلاة، فيكره أن يقال: السلام على فلان، أو فلان عليه السلام. قال بالكراهة جماعة، ومنعوا أن يقال: عن علي عليه السلام. وفرق آخرون بينه وبين الصلاة. فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حيا وميتا. فإنك تقول: بلغ فلانا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حق الرسل والملائكة. ولذا لا يقول المصلي: الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ... (تنبيه) اشتمل هذا الجزء (إرشاد الناسك) على 69 دليلا من الكتاب، و 507 سبعة وخمسمائة دليل من السنة، منها 387 حديث، المكرر منها 17 حديثا، ومنها 120 عشرون ومائة أثر المكرر منها واحد. والله ولي التوفيق والهداية. ... (ثم) تنسيقه على هذا الوضع وإعداده للطبع للمرة الثانية صباح يوم السبت الثالث والعشرون من جمادي الأولى سنة 1380 ثمانين وثلثمائة بعد الآلف من هجرة من كلمه ربه بالعز والشرف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد الكائنات وآله الأطهار وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

شكر وتقدير .. إني أحمد الله تعالى وأشكر له ما أولاني من توفيق وهداية، إلى إتمام هذا السفر الجليل وإخراجه على هذا الوضع والنظام البديع. وأرى لزاما على أن أقدم جزيل الشكر وعظيم الثناء لكل من عاونني وساعدني على إظهار هذا الكتاب، ولا سيما حضرة الأستاذ أحمد بن يوسف بن مصطفى رئيس قسم الترميمات بمصلحة الآثار المصرية. أشكر له ما أسداه إلى من مساعدة قيمة خالصة ومجهود مشكور في عمل رسومات هذا الكتاب المستطاب متقنة غاية الإتقان، الأمر الذي استغرق من وقته الكثير. فأسأل الله تعالى أن يتولى جزاءه ومثوبته، فإنه القادر على ذلك، وهو ذو الفضل العظيم والخير العميم، والهادي إلى سواء السبيل. ... (تنبيه) قد بينا بهامش هذا الجزء أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديثه وآثاره ومراجع النصوص العلمية، فلينظر بيانها بصفحتي 375 و 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله الموفق. وله الحمد أولا وأخرا. ... وقد قرظ هذا الكتاب فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد اللطيف ابن مشتهرى بن إبراهيم من أفاضل علماء الأزهر الشريف والواعظ العام بالجمهورية العربية المتحدة. قال حفظه الله: ... بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله القائل: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، والصلاة والسلام على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده

بأيديهم وقلوبهم وبألسنتهم وأموالهم، حتى كانوا بحق كما وصفهم الله: "خير أمة أخرجت للناس". .. أما بعد: فإن من سنة الله الرحيمة أن يبعث في كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ويكشف لها ما خفي من شريعتها. وكان من فضله تعالى على هذه الأمة أن منحها إمام العصر وفقيه الزمن العالم المخلص المجاهد المحدث والمفسر والمتحقق الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب رحمه الله، فأحيا ما أمات الناس من الهدى النبوي، وكشف ما غمض من أسرار الشريعة حتى انقطعت به المعاذير وقامت به الحجة- وأفضى إلى ربه- إن شاء الله- راضيا مرضيا، وخلفه خليفته الأمين، فسار على العهد، ووفي الوعد، وواصل الليل والنهار في السهر والسفر والتأليف والدرس والتمحيص، حتى تكاملت المكتبة المحمودية بما أضاء السبيل أمام المسلمين في أمر دينهم ودنياهم. ... ولقد أطلعت على كتاب (الدين الخالص) الجزء التاسع الخاص بشعيرة الحج والمسمى (إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك) تأليف الإمام الكبير رئيس الجمعية الشرعية فضيلة الشيخ أمين بن محمود بن محمد خطاب، قرأيته حلقة مضيئة في سلسلة مؤلفاته ومؤلفات والده رحمه الله. وقد امتازت هذه الطبعة الثانية بضبط الآيات والأحاديث والآثار وترقيمها برقم مسلسل، كما تكفل هذا الجزء الفذ ببيان مذاهب العلماء وأدلتهم في كل حكم تعرض له مع بيان الراجح من أقوالهم من حيث الدليل. ... وبالجملة لم يدع الكتاب أمرا من أمور مريدي الحج من ساعة خروجهم من منازلهم يقصدون النسك، إلى حين عودتهم إليها راشدين غانمين.

وما من مسألة تخطر على بال أي إنسان أن يحتاج الحاج إلى معرفتها إلا وتعرض لها الكتاب بالتحليل والقول الفصل. ولقد كان هذا الكتاب لي نعم المرشد والزاد عندما قمت بأداء المناسك وكلفت بإرشاد الحجاج إلى مناسكهم. كما كان يسألنا عنه كثير من قاصدي بيت الله الحرام. .. يا آل محمود خطاب السبكي، لله ما جاهدتم، ولله ما بذلتم، ولله ما نفعتم من بشر. وشهادتي لله أننا ما عرفنا طريق الحق إلا على أيديكم، ولا أدركنا صحيح الدين والدخيل عليه إلا من إرشادكم، فجزاكم الله أهل البيت الخطابي عنا وعن الإسلام خير ما جزى به عباده المصلحين المخلصين، آمين. عبد اللطيف مشتهرى الواعظ العام بالأزهر ... وقد أطلع على هذا الكتاب الأستاذ المفضال الصاوي بن على شعلان مدير إدارة التعليم والوعظ بمصلحة السجون ورئيس تحرير مجلة مكارم الأخلاق الحائز على العالمية من الأزهر وعلى دبلوم الماجستير في اللغات الإسلامية وآدابها من جامعة القاهرة. فقدم هذه التحية: إرشاد الناسك- كتاب الدين الخالص ... لكل أمة جعلنا منسكا- ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا الله أكبر سر بنا يا حادي ... إني اتخذت من المناسك زادي أهدي الأمين بها جواهر حكمة ... وكنوز عرفان وضوء رشاد فهي الدليل إلى المشاهد كلها ... وهي السبيل إلى تقى وسداد

في مسجد البلد الأمين رحابه ... أو مسجد القمر المنير الهادي فكأن مكة والمدينة حلتا ... فيها محل الروح في الأجساد فترى بها البيت المحرم والحمى ... وترى المقام وكعبة القصاد والمروة العليا هنالك والصفا ... والسعي رمز عقيدة وجهاد وترى مني والناس ملء شعابها ... بين الهضاب الشم والأطواد والسفح من عرفات بحر مائج ... بمواكب الأبرار والعباد مستشرفين إلى الكريم بأنفس ... طهرت من الآثام والأحقاد وكأن دمع الشوق ماء وضوئهم ... والشوق موصول بغير نفاد مستبشرين بفوزهم وكأنهم ... من جنة المأوى على ميعاد فإذا رجعت إلى مني نلت المنى ... ما شئت من بشرى ومن أعياد فاذبح هوى الشيطان وارجم شره ... لتفوز بالغفران والإسعاد سر بالمناسك واحتسب ... أملي هناك ومهجتي وفؤادي في المسجد الأسمى جمال محمد ... فاقرأ السلام وقل بلغت مرادي حي الخليفة والخليفة بعد ... والعترة الكبرى بذلك النادي وأشهد على أرض البقيع وروضه ... صورا من الآيات والأمجاد يا وارثا فضل الإمام وإنه ... إرث الحجا والنصح والإرشاد هذى المناسك يا أمين مناهل ... فيها رحيق العلم للرواد لما استقيت من النبي سطورها ... كانت لها الأنوار خير مداد الصاوي علي شعلان

§1/1