الديباج للختلي

الختلي، إسحاق بن إبراهيم

الجزء الأول كتاب الديباج

الجزء الأول كتاب الديباج تأليف أبي القاسم إسحاق بن إبراهيم [بن محمد بن خازم] بن سنين الختلي رضي الله عنه رواية أبي عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد الدقاق، عنه. رواية أبي الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد الحنائي، عنه رواية أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد النعال، عنه رواية شهدة بنت أحمد بن الفرج بن أحمد الإبري، عنه رواية الحافظ تقي الدين أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، عنها

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين، أبو محمد، عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، مد الله في عمره، قال: أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الإبري، أنبا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعال؛ [أنبا أبو الحسن محمد بن عبيد الله] بن محمد الحنائي، في يوم الأحد، الثاني عشر، من [شهر] ربيع الآخر، سنة عشر وأربعمئة، في مسجده بدرب الديزج؛ أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد الدقاق، المعروف بابن السماك، قراءة عليه: 1 - حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن سنين الختلي؛ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ الصوفي، ثنا محمد بن مجيب الصائغ، ثنا جعفر ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ عَلَى الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عُمَرُ الْفَارُوقُ، عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ يقتل مظلوماً)).

2 - عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعَلَّى -يَعْنِي الْكُوفِيَّ-] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: -[22]- قَالَ رجلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي عُثْمَانَ رضي الله عنه: وَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَقَالَ لأَهْلِ الدَّارِ: أَنْ لا تُقَاتِلُوا ... عَفَا اللَّهُ عَنْ ذَنْبِ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلِ فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِمُ العداوة ... وَالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ وَكَيْفَ رَأَيْتَ الْخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْدَهُ ... عَنِ النَّاسِ إِدْبَارَ النَّعَامِ الْجَوَافِلِ

3 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعَلَّى، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: قَالَ رَاعِي الإِبِلِ النُّمَيْرِيُّ فِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: عَشِيَّةَ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ ... عَلَى متوكلٍ أَوْفَى وَطَابَا خَلِيلِ محمدٍ وَوَزِيرِ صدقٍ ... وَرَابِعِ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ التُّرَابَا

4 - [حدثنا القاسم بن أبي علي الكوفي، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ جَرِيرٍ،] عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شجرةٌ إِلا وَعَلَى كُلِّ ورقةٍ مِنْهَا مكتوبٌ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، عُمَرُ الْفَارُوقُ، عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عنهم)).

5 - [حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ،] عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا أُسْرِيَ بِي نَظَرْتُ إِلَى الْعَرْشِ، فَإِذَا فريدةٌ خَضْرَاءُ مكتوبٌ فِيهَا بِقَلَمٍ أَبْيَضَ مِنْ نورٍ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، محمدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)).

6 - [ .. .. ] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نادينا ولكن} قَالَ: ((كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عامٍ، فِي وَرَقَةِ آسٍ، ثُمَّ وَضَعَهَا مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ، ثُمَّ نَادَى: يَا أُمَّةَ محمدٍ؛ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي؛ أَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي، وَغَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْفِرُونِي؛ مَنْ لَقِيَنِي مِنْكُمْ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدِي وَرَسُولِي، أدخلته الجنة)).

7 - [حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ أَرْطَبَانَ ابْنِ عَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ،] عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَّلُ مَنْ يُعْطَى كِتَابُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَهُ شعاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ)). فَقِيلَ لَهُ: فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((هَيْهَاتَ، زَفَّتْهُ الْمَلائِكَةُ إِلَى الْجِنَانِ)).

8 - [ .. .. عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،]-[24]- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: [ثنا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:] ((إِنَّمَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَوْحًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، حَافَّتَاهُ ياقوتةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ برقٌ، كِتَابَتُهُ نورٌ؛ ينظر فيه كل يومٍ ستين وثلاثمئة نَظْرَةً، [فِي] كُلِّ نظرةٍ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)).

9 - [ .. .. ] أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُدْنِي اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيَسْتُرُهُ مِنَ الْخَلائِقِ كُلِّهَا، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابَهُ فِي كِلَلِ السَّتْرِ، فَيَقُولُ له: اقرأ يا ابن آدم كتابك. [فيقرأ،] فيمر بالحسنة فيبيض له وَجْهُهُ، وَيُسَرُّ بِهَا قَلْبُهُ. قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. قَالَ: فَيَقُولُ: [إِنِّي قَبِلْتُهَا مِنْكَ. فَيَسْجُدُ فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَعُدْ فِي قِرَاءَتِكَ؛ فَيَمُرُّ بِالسَّيِّئَةِ فَيَسْوَدُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيَوْجَلُ مِنْهَا قَلْبُهُ، وَتَرْتَعِدُ مِنْهَا -[25]- فَرَائِصُهُ، وَيَأْخُذُهُ مِنَ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِ مَا لا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ: أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ:] إِنِّي أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ فَلا يَزَالُ [حَتَّى يَمُرَّ] بحسنةٍ تُقْبَلُ، فَيَجِدُ وَسِيلَةً تَغْفِرُ فَيَسْجُدُ، فَلا يَرَى الْخَلائِقُ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ، حَتَّى يُنَادِيَ الْخَلائِقُ الْخَلائِقَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا: طُوبَى لِهَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يَعْصِ اللَّهَ قَطُّ. وَلا يَدْرُونَ مَا قَدْ لَقِيَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا قَدْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ.

10 - [حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،] عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وكان تحته كنزٌ لهما}. قَالَ: صُحُفُ علمٍ.

11 - [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ بَسَّامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ الْكَنْزُ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ، فِي أَحَدِ] جَانِبَيْهِ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، الْوَاحِدُ {الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. وَكَانَ فِي الْجَانِبِ الآخر: وعجباً لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ، وَعَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ، وَعَجَبًا لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ هُوَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، وَعَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لا يعمل.

12 - [ .. .. ] ثنا الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الصَّخْرِ حُمَيْدَ بْنَ زِيَادٍ الْمَدَنِيَّ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِي -[26]- عِنْدَهُ علمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إليك طرفك}. قَالَ: أَمَّا الَّذِي عِنْدَهُ علمٌ مِنَ الْكِتَابِ، فَهُوَ رجلٌ مِنَ الإِنْسِ كَانَ يَعْلَمُ الاسْمَ الأَكْبَرَ، فَدَعَا بِهِ.

13 - [ .. .. ] أَبُو بَدْرٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ- قَالَ: غَسَّلْتُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، فَإِذَا عَلَى نَحْرِهِ: طُوبَاكَ يَا غَرِيبُ؛ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هو بين الجلد والعظم.

14 - [ .. .. ثنا أبو عمرو السلفي،] ثنا نُزَيْلٌ الشَّاهِلِيُّ، قَالَ: كَانَ شَيْخٌ لا يَغْزُو مَعَ قومٍ حَتَّى يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمُ الْخِدْمَةَ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذا أَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ أَو رَأْسَهُ، قَالَ: فِ بِشَرْطِي. فَمَاتَ الرَّجُلُ، فَشَهِدْتُ غُسْلَهُ، فَإِذَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كَفِّهِ الأَيْمَنِ: مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَذَهَبْنَا لِنَنْظُرَ، فَإِذَا هو مكتوبٌ بين الجلد والعظم.

15 - [ .. .. ] قال: سمعت ثابت الْبُنَانِيَّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلائِكَةً، مَعَهُمْ ألواحٌ مِنْ فضةٍ، وأقلامٌ مِنْ ذهبٍ، يَطُوفُونَ يَكْتُبُونَ مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جماعةٍ.

16 - [ .. .. ]-[27]- حَدَّثَنِي رجلٌ مِنْ جِيرَانِ حَبِيبٍ، مِنْ أَهْلِ سِكَّةِ الْمَوَالِي، يُكْنَى أَبَا زَكَرِيَّا الصَّائِغَ، قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى حَبِيبٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، اشْتَرِ لِي دَارًا. وَدَفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ مَالا، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ. فَأَخَذَ حَبِيبٌ الْمَالَ، فَتَصَدَّقَ بِهِ؛ فَقَدِمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اذْهَبْ إِلَى الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَيْتَهَا فَأَرِنِيهَا. قَالَ لَهُ حَبِيبٌ: إِنَّكَ لا تَرَاهَا الْيَوْمَ، وَلَكِنْ إِذَا مِتَّ فَسَتَرَاهَا. فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ: اكْتُبْ لِي عُهْدَتَهَا حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا مَعِيَ إِلَى خُرَاسَانَ. فَكَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ((هَذَا مَا اشْتَرَى حبيبٌ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ، طُولُهُ كَذَا، وَعَرْضُهُ كَذَا، وَارْتِفَاعُهُ فِي الْجَنَّةِ كَذَا)). ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ؛ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى خُرَاسَانَ؛ فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ مَجْنُونٌ؛ لَوْلا أَنَّكَ ضَيَّعْتَ مَالَكَ لَذَهَبَ بِكَ إِلَى الدَّارِ، وَلَكِنْ هَذَا إنسانٌ مجنونٌ. فَبَقِيَ الرَّجُلُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الْعُهْدَةَ فِي كَفَنِي. فَوَضَعُوهَا وَحَمَلُوهُ إِلَى الْقَبْرِ؛ فَأَصْبَحَ حَبِيبٌ بِالْبَصْرَةِ فإذا الكتاب عنده فِي بَيْتِهِ. فَقِيلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ: ((يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْقَصْرَ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ لَهُ)). فَعَمِدَ حبيبٌ فَكَتَبَ إلى القوم: إن الله قد سلم إلى أبيكم الْقَصْرَ؛ وَهَذِهِ الْعُهْدَةُ. -[28]- فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي وَضَعُوهُ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ.

17 - [ .. .. ] قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ شيخٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ، قال: رؤي على قبرٍ مكتوباً: الْمَوْتُ أَخْرَجَنِي مِنْ دَارِ مَمْلَكَتِي ... فَالتُّرْبُ مُضْطَجَعِي مِنْ بَعْدِ تَتْرِيفِ لِلَّهِ عبدٌ رَأَى قَبْرِي فَأَحْزَنَهُ ... وَهَابَ مِنْ دَهْرِهِ رَيْبَ التَّصَارِيفِ هَذَا مَصِيرُ ذَوِي الدُّنْيَا وَإِنْ جَمَعُوا ... فِيهَا وَغَرَّهُمُ طُولُ التَّسَاوِيفِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ عَمْدِي وَمِنْ خَطَأي ... وَأَسْأَلُ اللَّهَ فَوْزًا يَوْمَ تَوْقِيفِي

18 - [ .. .. ] قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ، أَنَّهُ قَرَأَ على قبرٍ مكتوباً: أَيَضْمَنُ لِي فَتًى تَرْكَ الْمَعَاصِي ... وَأَرْهَنُهُ الْكَفَالَةَ بِالْخَلاصِ أَطَاعَ اللَّهَ قومٌ فَاسْتَرَاحُوا ... وَلَمْ يَتَجَرَّعُوا غصص المعاصي

19 - [ .. .. ] عَنْ سَعِيدٍ التَّمَّارِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَفَعَهُ، قَالَ: ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَرَى السَّيْفَ فِي أُمَّتِي، لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبًا فِي كَفَنِهِ: آيسٌ من رحمتي)).

20 - [ .. .. ] ثنا عَوْنٌ الْعُقَيْلِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: ابْنُ آدم خطاءٌ وأن غفارٌ، وخير الخطائين المستغفرين.

21 - [ .. .. ]-[29]- ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ مَكْتُوبًا -وَهِيَ فِي الزَّبُورِ الأَوَّلِ-: طُوبَى لِمَنْ [لم] يسلك سبيل الأئمة، وَلَمْ يُجَالِسِ الْخَطَّائِينَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي زَهْوِ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَلَكِنْ هَمُّهُ ذَنْبُهُ، أَوْثَقَتْهُ وَإِيَّاهَا، يَتَعَلَّمُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شجرةٍ نَبَتَتْ فِي شاطئ الماء، تؤتي ثمرها فِي حِينِهَا، وَلا يَتَنَاثَرُ مِنْ وَرَقِهَا شيءٌ؛ وَكُلُّ عَمَلِهِ تَامٌّ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ عَمَلِ المنافق.

22 - [ .. .. ] عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ: ((إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لِلْمُؤْمِنِ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حسنةٍ)). قَالَ: فَحَجَجْتُ ذَلِكَ الْعَامَ وَلَمْ أَكُنْ أُرِيدُ الْحَجَّ، فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْتُبُ لِلْمُؤْمِنِ بِالْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفَ أَلْفِ حسنةٍ. قَالَ: لَيْسَ هَكَذَا قُلْتُ، وَلَمْ يَحْفَظِ الَّذِي حَدَّثَكَ عَنِّي. قُلْتُ: فَكَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ حسنةٍ؛ ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ تَجِدُونَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كثيرةً} وَالْكَثِيرُ مِنَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ ألفٍ وألفي ألفٍ.

23 - عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: أُصِيبَ عَلَى بَابِ خَزَانَةِ لُقْمَانَ، أَوْ لغيره: -[30]- غِنَى النَّفْسِ يَكْفِي النَّفْسَ حَتَّى يَكُفَّهَا ... وَإِنْ عضها حَتَّى يُضَرَّ بِهَا الْفَقْرُ وَمَا عسرةٌ فَاصْبِرْ لها إن لقيتها ... بكائنةٍ إلا سيتعبها يسر

24 - [ .. .. ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ بَيْنَ يدي الرحمن لوحاً، فيه ثلاثمئة وَخَمْسَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً، فَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي، لا يَجِيئُنِي عبدٌ لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، [يُؤْمِنُ] بواحدةٍ مِنْهُنَّ، إِلا أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ)).

25 - [ .. .. ] عَنْ يَزِيدَ بْنِ وَهْبٍ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَعَهُ ضغثٌ مِنْ قُضْبَانِ الْجَنَّةِ، فَنَصَبَهَا بِالْهِنْدِ؛ فَمَا يُذْكَرُ بِالْهِنْدِ مِنَ الطِّيبِ فَهُوَ مِنَ ذَلِكَ الضِّغْثِ.

26 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،] حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: مَرَرْتُ بِطَرِيقِ الشَّامِ، فَإِذَا قبرٌ عَلَيْهِ مكتوبٌ: يا أيها الرَّكْبُ سِيرُوا، إِنَّ قَصْرَكُمُ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يومٍ لا تَسِيرُونَا حُثُّوا الْمَطَايَا وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَقَضُّوا مَا تُقَضُّونَا فَمِثْلُكُمْ قَبْلَكُمْ كُنَّا فَغَيَّرَنَا ... دهرٌ، فَعَمَّا قليلٍ كَمَا صرنا تكونونا

27 - [حدثني هارون بن عبد الله، حدثنا سيار،]-[31]- حدثنا جعفر وصالح، قالا: ثنا مَالِكٌ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ: فَيُجَاءُ بِرَاعِي السُّوءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: يَا رَاعِيَ السُّوءِ؛ أَكَلْتَ اللَّحْمَ، وَشَرِبْتَ اللَّبَنَ، وَلَبِسْتَ الصُّوفَ، لَمْ تُؤْوِ الضَّالَّةَ، وَلَمْ تَجْبُرِ الْكَسِيرَ، وَلَمْ تَرْعَهَا فِي مَرْعَاهَا! الْيَوْمَ أَنْتَقِمُ لَهَا مِنْكَ.

28 - [ .. .. ] حَدَّثَنِي رجلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: وُجِدَ على ثلاثة قبورٍ، على أحدها مكتوبٌ: وَكَيْفَ يَلَذُّ الْعَيْشَ مَنْ هُو موقنٌ ... بِأَنَّ الْمَنَايَا بَغْتَةً سَتُعَاجِلُهْ فَتَسْلُبُهُ مُلْكًا عَظِيمًا وَنَخْوَةً ... وَتُسْكِنُهُ الْبَيْتَ الَّذِي هُوَ آهِلُهْ وَعَلَى الآخَرِ مكتوبٌ: وَكَيْفَ يَلَذُّ الْعَيْشَ مَنْ هُوَ صائرٌ ... إِلَى جدثٍ تُبْلِي الثِّيَابَ مَنَازِلُهْ وَيَدْرُسُ رَسْمُ الْوَجْهِ مِنْ بَعْدِ حُسْنِهِ ... سَرِيعًا وَيَبْلَى جِسْمُهُ وَمَفَاصِلُهْ وإذا على الآخر مكتوبٌ: وَكَيْفَ يَلَذُّ الْعَيْشَ مَنْ هُو موقنٌ ... بِأَنَّ إِلَهَ الْخَلْقِ لابُدَّ سَائِلُهْ فَيَأْخُذُ مِنْهُ ظُلْمَهُ لِعِبَادِهِ ... وَيَجْزِيهِ بِالْخَيْرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهْ

29 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ] حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: كَتَبَ عابدٌ إِلَى عابدٍ: سلامٌ عَلَيْكَ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَكَيْفَ أَنْتَ، وَكَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَا كَانَ فِي حَالِكَ مَا يَشْغَلُكَ عَنْ حَالِي؟.

30 - [حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ، -[32]- قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُصِيبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جمجمةٌ، عليها مكتوبٌ: أُذْنَ حَيٍّ تَسَمَّعِي ... اسْمَعِي ثُمَّ عِي وَعِي أَنَا رهنٌ بِمَصْرَعِي ... فَاحْذَرِي مِثْلَ مَصْرَعِي قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَاسْتَحْسَنَهُ. وَزَادَنِي فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَيْسَ شيءٌ سِوَى التُّقَى ... فَخُذِي مِنْهُ أو دعي

31 - [ .. .. ] ثنا مَنْصُورٌ الْقَارِئُ، قَالَ: كَانَ شيخٌ يَتَعَبَّدُ، فَكَانَ لا يَنَامُ اللَّيْلَ إِلا أَقَلَّهُ. -[33]- قَالَ: فَغَلَبَتْنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ عَيْنَايَ عَنْ حِزْبِي، فَإِذَا أَنَا فِي مَنَامِي بِجَارِيَةٍ قَدْ وَقَفَتْ عَلَيَّ، وَوَجْهُهَا كَالْهِلالِ، وَبِيَدِهَا ورقةٌ كَالْفِضَّةِ، قَالَتْ: تَقْرَأُ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: اقْرَأْ لِي هَذِهِ الورقة. فأخذتها. فإذا فيها مكتوب: أَلْهَتْكَ لَذَّةُ نومةٍ عَنْ خَيْرِ عَيْشٍ ... مَعَ الْخَيْرَاتِ فِي غُرَفِ الْجِنَانِ تَعِيشُ مُخَلَّدًا لا مَوْتَ فِيهَا ... وَتَنْعَمُ فِي الْجِنَانِ مَعَ الْحِسَانِ تَيَقَّظْ مِنْ مَنَامِكَ إِنَّ خَيْرًا ... مِنَ النَّوْمِ التهجد بالقران

32 - [حدثني محمد بن أبي رجاء،] ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا نَظَرَ إِلَى قرطاسٍ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَبَّلَهُ، وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، فَغُفِرَ له.

33 - [حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، نا سَيَّارٌ، نا جَعْفَرٌ،] ثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، قَالَ: مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي مَوْكِبِهِ، وَالطَّيْرُ تُظِلُّهُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ؛ فَمَرَّ بعابدٍ من عباد بن إسرائيل. قال: فقال: لقد آتاك الله يا ابن دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا. فَسَمِعَ كَلامَهُ. قَالَ: فَقَالَ: تسبيحةٌ واحدةٌ فِي صَحِيفَةِ رجلٍ مؤمنٍ أَفْضَلُ مِمَّا أُوتِيَ ابْنُ دَاوُدَ؛ وَمَا أُوتِيَ ابْنُ دَاوُدَ يَذْهَبُ وتسبيحةٌ تَبْقَى.

34 - [ .. .. ] عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ الرُّوحُ إِلَى سُرَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فذهب ليقوم، ينهضن وَرِجْلاهُ مِنْ طينٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْقِيَامَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا فَلَوْلا آدَمُ عَجِلَ مَا عَجِلَ شيءٌ مِنْ وَلَدِهِ أبداً.

35 - [حدثنا عمر بن إبراهيم، بن خالد،] ثنا نجيحٍ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: وَجَّهَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ بِكِتَابِهِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ، قَالَ: فَنَاوَلْتُهُ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ خَاتَمَهُ، وَوَضَعَهُ تَحْتَ شيءٍ كَانَ عَلَيْهِ قَاعِدًا، ثُمَّ نَادَى، فَاجْتَمَعَ الْبَطَارِقَةُ وَقَوْمُهُ، فَقَامَ عَلَى وَسَائِدَ ثُنِيَتْ لَهُ -وَكَذَلِكَ كَانَتْ تَقُومُ فارسٌ وَالرُّومُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنَابِرُ- ثُمَّ خَطَبَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابُ النَّبِيِّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ الْمَسِيحُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: فَنَخَرُوا نَخْرَةً. قَالَ: فَأَوْمَى بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتُوا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا جَرَّبْتُكُمْ كَيْفَ نُصْرَتُكُمْ لِلنَّصْرَانِيَّةِ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيَّ الْغَدَ سِرًّا، فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا عَظِيمًا فيه ثلاثمئة وَثَلاثَ عَشْرَةَ صُورَةً، فَإِذَا هِيَ صُوَرُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ. قَالَ: انْظُرْ، أَيْنَ صَاحِبُكَ مِنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ صُورَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يَنْطِقُ. قُلْتُ: هَذَا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَقَالَ: صُورَةُ مَنْ هَذَا عَنْ يَمِينِهِ؟ قُلْتُ: رجلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. قَالَ: فَمَنْ ذَا عَنْ يَسَارِهِ؟ قُلْتُ: رجلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ بِصَاحِبَيْهِ هَذَيْنِ يُقِيمُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ((صَدَقَ، بِأَبِي بكرٍ وَعُمَرَ يُقِيمُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بَعْدِي وَيَفْتَحُ)).

36 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صديقٌ لِي أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى قبرٍ مكتوباً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّي ... قَدْ صِرْتُ فِي الْقَبْرِ وَحْدِي فَلَسْتُ أَعْرِفُ شَيْئًا ... مِنْ أَمْرِ مُلْكِيَ بَعْدِي مستوحشٌ ذُو ذنوبٍ ... خَطَيْتُ فِيهَا بِجَهْدِي فَاغْفِرْ إِلَهِيَ جُرْمِي ... فَكَمْ بِذَلِكَ عِنْدِي أَنْتَ الْجَوَّادُ بِفَضْلٍ ... فَأَحْسِنِ الْيَوْمَ رِفْدِي

37 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُولُ: وُجِدَ عَلَى قبرٍ مكتوباً: قبرٌ عزيزٌ عَلَيْنَا ... لَوْ أَنَّهُ كَانَ يُفْدَى أَسْكَنْتُ قُرَّةَ عَيْنِي ... وَمُنْيَةَ النَّفْسِ لَحْدَا مَا جَارَ خلقٌ عَلَيْنَا ... وَلا الْقَضَاءُ تَعَدَّى وَالصَّبْرُ أَحْسَنُ شيءٍ ... بِهِ الْفَتَى يَتَرَدَّى

38 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،] ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ، رُدُّوا أَبْصَارَكُمْ عَلَيْكُمْ وَلا تَمُدُّوهَا إِلَى غَيْرِكُمْ، فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا شُغْلا.

39 - [حَدَّثَنِي الْيَمَانُ بْنُ عِيسَى، أَبُو سَهْلٍ الْحَذَّاءُ،] ثنا أَسْبَاطُ [بْنُ مُحَمَّدٍ] قَالَ: -[36]- كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رجلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْكِفْلِ، وَكَانَ لا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذنبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فسألته: فأبى أن يعطها إلا أن تمكنه من نفسها؛ ففلت، فَلمَّا جَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ ارْتَعَدَتْ وَبَكَتْ؛ فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّ هَذَا عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلا الْحَاجَةُ. قَالَ: فَتَرَكَهَا، وَسَلَّمَ لَهَا الدَّنَانِيرَ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا؛ فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مكتوبٌ عَلَى بَابِهِ: اشْهَدُوا جَنَازَةَ ذِي الْكِفْلِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ.

40 - [حدثني هارون بن عبد الله، حدثنا سيار،] ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ: تَسَاقَطَتِ الْعُرَى فَأُبْطِلَ ذِكْرُهُمْ، وَأَنَا اللَّهُ دَائِمُ الدَّهْرِ مُعِدٌّ كُرْسِيًّا للقضاء.

41 - [ .. .. ] قال: حدثني جعفر بن محمد الحياتي: قرأت على حائطٍ مكتوباً: وَرُبَّمَا غُوفَصَ ذُو شرةٍ ... أَصَحَّ مَا كَانَ وَلَمْ يُسْقَمِ -[37]- يَا وَاضِعَ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ ... خَاطَبَكَ الْقَبْرُ وَلَمْ تَفْهَمِ

42 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،] ثنا جعفر، ثنا مَالِكٌ، قَالَ: مكتوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مَنْ كَانَ لَهُ جارٌ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي فَلَمْ يَنْهَهُ فَهُوَ شريكه.

43 - [حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ،] عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَشَ خَطِيئَتَهُ فِي كَفِّهِ كَيْ لا يَنْسَاهَا، فَكَانَ إِذَا رَآهَا اضْطَرَبَ أَوِ اضْطَرَبَتْ يَدُهُ.

44 - [ .. .. ] قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَرَأْتُ على حائط مكتوباً: عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ يَا خَيْرَ منزلٍ ... نَزَلْنَا وَخَلَّفْنَاهُ غَيْرَ ذَمِيمِ فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَحْدَثْنَ فُرْقَةً ... فَمَنْ ذَا الَّذِي مِنْ رَيْبِهِنَّ سَلِيمُ

45 - [ .. .. ] قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: خَرَجْتُ أُرِيدُ الرَّقَّةَ، فَمَرَرْتُ بِالرَّوْحَاءِ، فَإِذَا عَلَى بَعْضِ حِيطَانِهَا مكتوبٌ: وَقَدْ وُعِظَ الْبَاقِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ... وَقَدْ يُحْكِمُ الأَمْثَالَ مَنْ كَانَ يَفْهَمُ

46 - [ .. .. ] حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: -[38]- قَرَأْتُ عَلَى حائطٍ مكتوباً: [و] كم قد دَعَتْنِي هِمَّتِي فَأَجَبْتُهَا ... وَلَوْ [قَدْ] لَوَتْنِي هِمَّتِي فلويت

47 - [ .. .. ] عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مكتوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: كَمَا تَرْحَمُونَ تُرْحَمُونَ.

48 - [ .. .. ] عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: مكتوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ؛ وَإِلا تَفْعَلْ أَمْلأْ قَلْبَكَ شُغْلا وَلا أَسُدَّ فَقْرَكَ.

49 - [ .. .. ] حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَتَبَتْ إِلَيَّ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فِي لَوْحٍ فِيمَا تُعَلِّمُنِي: تَعلَّمُوا الْحِكْمَةَ صِغَارًا تَعْمَلُوا بِهَا كِبَارًا، إِنَّ كل زارع حاصدٌ مِنْ خيرٍ أَوْ شَرٍّ.

50 - حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رقعةٍ مكتوب فيها: وَذُو الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرُهُ صحيحٌ ... وَبَاطِنُ غَيْبِهِ داءٌ دفين

51 - أَنْشَدَنِي ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: هَذِهِ الأَبْيَاتُ لبعض الحكماء: يَا مَنْ يُحَسِّنُ فِي الدُّنْيَا مَنَازِلَهُ ... وَلَيْسَ فِي مَنْزِلِ الدُّنْيَا لَهُ وَطَنُ أَوْلَى الْمَنَازِلِ بِالتَّحْسِينِ مِنْكَ لَهُ ... حَيْثُ الْخُلُودُ وَحَيْثُ الرِّبْحُ والغبن

52 - [ .. .. ]-[39]- عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ بزمزم، فأتاه أعرابي فقال: يا ابن عَبَّاسٍ، أَلا [تَسْمَعُ] مَا تَقُولُ عَائِشَةُ؟ قَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: تَذُمُّ دَهْرَهَا، وَتَمَثَّلَ بَيْتَيْ لبيد: ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ يَتَآكَلُونَ خِيَانَةً وَمَشَحَّةً ... وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَئِنْ ذَمَّتْ عَائِشَةُ دَهْرَهَا، لَقَدْ ذَمَّتْ عادٌ دَهْرَهَا. قَالَ: فَكَيْفَ ذَمَّتْ عادٌ دَهْرَهَا؟ قَالَ: وُجِدَ فِي خَزَائِنِ عادٍ سهمٌ كَأَطْوَلِ مَا يَكُونُ مِنَ رِمَاحِنَا، مفوقٌ مريشٌ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: [أ] ليس إِلَى أَجْبَالِ صُبْحٍ بِذِي اللِّوَى ... لِوَى الرَّمْلِ مِنْ قَبْلِ الْمَمَاتِ مَعَادُ بلادٌ بِهَا كُنَّا وَكُنَّا نُحِبُّهَا ... إِذِ النَّاسُ ناسٌ وَالْبِلادُ بِلادُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَذُمُّ عادٌ دَهْرَهَا، وَلا تَذُمُّ عَائِشَةُ دَهْرَهَا؟! ثُمَّ قَالَ: مَا بَكَيْنَا مِنْ دهرٍ إِلا بَكَيْنَا عَلَيْهِ.

53 - [ .. .. ] قال: أنشدني العيشي: وَمَنْ يَأْمَنِ الدُّنْيَا يَكُنْ مِثْلَ قابضٍ ... عَلَى الماء خانته فروج الأصابع

54 - [ .. .. ] ثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ، قَالَ: [قَالَ] الْعُتْبِيُّ: كَانَ يَنْصَرِفُ إِلَى أَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ مشيخةٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، يَجْتَمِعُونَ فِي أَطْرَافِ الْقَبَائِلِ، يَسْتَرِيحُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ وَيَتَوَاعَظُونَ، فَقَالَ شيخٌ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ عاقلٌ فِيمَا قال: كأنه مكتوبٌ في قلبي: يا أيها الشُّيُوخُ الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا الذُّنُوبَ حَتَّى تَرَكَتْهُمْ، ثُمَّ صَارُوا يَحْسَبُونَ أَنَّ تَرْكَهُمْ إِيَّاهَا تركٌ لَهَا مِنْهُمْ؛ فَلَيْتَهُمْ إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهَا بِقُلُوبِهِمْ، لا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ تَعُودَ لَهُمُ الْقُوَّةُ عَلَيْهَا. قال: فأبكاهم.

55 - [ .. .. ] ثنا عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنِي أَخٌ لِي: أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الْخَرَابَاتِ مَكْتُوبًا: الرَّأْيُ نائمٌ، وَالْهَوَى يَقْظَانُ، فَمِنْ هُنَاكَ يَغْلِبُ الْهَوَى الرَّأْيَ.

56 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْطَاكِيُّ، [قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمِصِّيصِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَحْرٍ، عَنْ سَلامٍ الطَّوِيلِ]، عَنْ دَاوُدَ عن يَحْيَى مَوْلَى عَوْنٍ الطُّفَاوِيِّ، عَنْ رجلٍ كَانَ مُرَابِطًا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِعَسْقَلانَ، قَالَ: بَيْنَا أنا أسير في وادي الأردن، إذ أَنَا برجلٍ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي قائمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا سحابةٌ تُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ إِلْيَاسُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَانْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمْكَ اللَّهُ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا؛ فَأَعَدْتُ الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ لِي: أَنَا إِلْيَاسُ النَّبِيُّ. -[41]- فَأَخَذَتْنِي رعدةٌ شَدِيدَةٌ خَشِيتُ عَلَى عَقْلِي أَنْ يَذْهَبَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنْ تَدْعُوَ لِي أَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنِّي مَا أَجِدُ حَتَّى أَفْهَمَ حَدِيثَكَ. فَدَعَا لِي بِثَمَانِ دَعَوَاتٍ، قَالَ: يَا بَرُّ، يَا رَحِيمُ، يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا حَنَّانُ، يَا منان، ياهيا شراهيا. فَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَقُلْتُ: إِلَى مَنْ بُعِثْتَ؟ قَالَ: إِلَى أَهْلِ بَعْلَبَكَّ. قُلْتُ: فَهَلْ يُوحَى إِلَيْكَ الْيَوْمَ؟ قَالَ: مُنْذُ بُعِثَ محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلا. قُلْتُ: فَكَمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فِي الْحَيَاةِ؟ قَالَ: أربعةٌ؛ أَنَا وَالْخَضِرُ فِي الأَرْضِ، وَإِدْرِيسُ وَعِيسَى فِي السَّمَاءِ. قُلْتُ: فَهَلْ تَلْتَقِي أَنْتَ وَالْخَضِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كُلِّ عامٍ بِعَرَفَاتٍ وَمِنًى. قُلْتُ: مَا حَدِيثُكُمَا؟ قَالَ: يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِي، وَآخُذُ مِنْ شَعْرِهِ. قُلْتُ: فَكَمِ الأَبْدَالُ؟ قَالَ: سِتُّونَ رَجُلا؛ خَمْسُونَ مَا بَيْنَ عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجلٌ بِأَنْطَاكِيَّةَ، وَسَبْعَةٌ فِي سَائِرِ أَمْصَارِ الْعَرَبِ؛ بِهِمْ يُسْقَوْنَ الْغَيْثَ، وَبِهِمْ يُنْصَرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَبِهِمْ يُقِيمُ اللَّهُ أَمْرَ الدَّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ [الْخَلْقَ] كُلَّهُمْ أَمَاتَهُمْ جَمِيعًا.

57 - [ .. .. ]-[42]- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مكتوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: كَمَا تَزْرَعُونَ تَحْصُدُونَ.

58 - أنشدني محمد بن أبي الرجاء: وَمَا يُولَدُ الْمَوْلُودُ إِلا لِمَوْتِهِ ... وَمَا يُحْكَمُ الْبُنْيَانُ إِلا لِيَخْرَبَا

59 - [ .. .. ] حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أخٌ لي أنه قرأ على حائطٍ مكتوباً: الْزَمِ الصَّمْتَ إِذَا مَا لَمْ تُسَلْ ... إِنَّ فِي الصَّمْتِ لأقوامٍ دَعَهْ لا يَكُنْ بَرْقُكَ برقاً خلباً ... إن خير البرق ما الغيث معه

60 - [ .. .. ] عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، قَالَ: أُتِيَ لُقْمَانُ فِي قائلةٍ قَالَهَا، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَكُونَ خَلِيفَةً؟ فَقَالَ: إِنْ تُجْبِرْنِي فسمعٌ وَطَاعَةٌ، وَإِنْ تُخَيِّرْنِي أختار الْعَافِيَةَ. فَقِيلَ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ خَلِيفَةً، فَتَعْمَلَ بِالْحَقِّ؟ -[43]- قَالَ: وَإِنْ أَعْمَلْ بِالْحَقِّ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ أَنْجُوَ، وَإِنْ أُخْطِئِ الْحَقَّ أُخْطِئْ طَرِيقَ الْجَنَّةَ؛ وَإِنَّهُ مَنْ يَبِعِ الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا يَخْسَرْهُمَا جَمِيعًا، وَأَنْ أَعِيشَ ذَلِيلا حَقِيرًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعِيشَ قَوِيًّا عَزِيزًا. فَشَكَرَ اللَّهُ مَقَالَتَهُ، فَغَطَّهُ فِي الْحِكْمَةِ غَطَّةً، فأَصْبَحَ وَهُوَ أَحْكَمُ النَّاسِ. فَكَانَ يَغْشَاهُ دَاوُدُ لِحِكْمَتِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَوُقِيَ الفتة.

61 - [ .. .. ] حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْلِمٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ بُيُوتِ الرُّومِ مَرَّةً أَسْرَى مُسْلِمِينَ، وَإِذَا كتابٌ مكتوبٌ بفحمةٍ في الحائط: عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتُ فِيهِ ... يَكُونُ وَرَاءَهُ فرجٌ قريبٌ فَيَأْمَنَ خائفٌ وَيُفَكَّ عانٍ ... وَيَأْتِيَ أهله النائي الغريب

62 - [ .. .. ] ثنا الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَرْزُوقٍ -وَكَانَ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ- قَالَ: مكتوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: ثَلاثَةُ أحياءٍ أمواتٌ؛ رجلٌ عقيمٌ، ورجلٌ أبرصٌ، ورجلٌ افتقر من بعد غناه.

63 - [ .. .. ] ثنا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كُتِبَ لَهُ بِهَا عهدٌ؛ وَمَنْ قَالَ -[44]- سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده، كتب لها بها مئة ألف حسنةٍ، وَأَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ حَسَنَةً)).

64 - [ .. .. ] عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِلْمُهَاجِرِينَ: مِمَّنْ أَخَذْتُمُ الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. فقلت أهل الْحِيرَةِ: مِمَّنْ أَخَذْتُمُ الْكِتَابَةَ؟ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الأنبار.

65 - [ .. .. ] أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، محمدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

66 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْحِكْمَةَ أَجْلَسَتِ الْمَسَاكِينَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ.

67 - أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: سابقٌ إِلَى الْخَيْرِ وَبَادِرْ بِهِ ... فَإِنَّ مَنْ بَعْدَكَ مَا تَعْلَمُ وَقَدِّمِ الْخَيْرَ فَكُلُّ امْرِئٍ ... عَلَى الَّذِي قَدَّمَهُ يَقْدَمُ يَا لَيْتَ شِعْرِي بَعْدَنَا مَا الَّذِي ... أَوْرَثَكَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ

68 - [ .. .. ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: يَا أَبَا يَحْيَى، شَوِّقْنَا. قَالَ: فَقَالَ: يَا عَطَاءُ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ حَوْرَاءَ يَتَبَاهَى بِهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ حُسْنِهَا، لَوْلا أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ لا يَمُوتُوا لَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ مِنْ حُسْنِهَا. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ عَطَاءٌ كَمِدًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَرْبَعِينَ عَامًا.

69 - [ .. .. ] عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مكتوبٌ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ -أَوْ فِي سَاقِ الْعَرْشِ-: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، محمدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَزِيرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ الفارق)).

70 - [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] ((الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى عمودٍ مِنْ ياقوتةٍ حَمْرَاءَ، فِي رَأْسِ الْعَمُودِ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ، مُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِذَا اطَّلَعَ أَحَدُهُمْ مَلأَ حُسْنُهُ بُيُوتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا تَمْلأُ الشَّمْسُ بِضَوْئِهَا بُيُوتَ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ يَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؛ عَلَيْهِمْ ثيابٌ خضرٌ، مكتوبٌ فِي جِبَاهِهِمْ: هَؤُلاءِ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).

71 - [ .. .. ] عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، حَتَّى يَكْتُبُوا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَطْوُونَ الصُّحُفَ، وَيَقْعُدُونَ يَسْمَعُونَ النَّدِيَّ)).

72 - [ .. .. ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، يَرْفَعُهُ قَالَ: -[46]- ((يُؤْتَى برجلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْمِيزَانِ، فَيُخْرَجُ له تسعةً وتسعين سِجِلا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فِيهَا ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ، فَتُوضَعُ فيِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ، ثُمَّ يُخْرَجُ لَهُ قرطاسٌ مِثْلُ الأُنْمُلَةِ، فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى، فَتَرْجَحُ بخطاياه)).

73 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ التَّمِيمِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أخٌ لِي أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى حائطٍ مكتوباً: وَمَنْ ضَنَّ بِالْمَعْرُوفِ كَانَ بِعِرْضِهِ ... جَوَّادًا عَلَى السُّؤَالِ غَيْرَ ضَنِينِ

74 - [ .. .. ] عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَنِي غُلامِي، فَقَالَ: فُلانٌ النَّصْرَانِيُّ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ لَهُ: نَصْرَانِيٌّ! ائْذَنْ لَهُ. فَدَخَلَ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سَلَمَةَ، إِنِّي قَرَأْتُ فِي الإِنْجِيلِ مَكْتُوبًا: أنت بنيي وَأَنَا وَلَدْتُكَ. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا قَرَأْتُ: يَا عيسى أنت نبيي وأنا ولدتك. فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَمَا بَرِحَ حتى أسلم.

75 - قَالَ: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: اكْتُبْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، فَكَتَبْتُهُمَا مِنْ كِتَابِهِ. [قَالَ: حَدَّثَنِي شيخٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ يُكْنَى أَبَا الْعَبَّاسِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي -[47]- يَحْيَى، عَنْ أَبَانَ،] عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى مَائِدَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ محمد بن الْحَنَفِيَّةِ، إِذْ أَقْبَلَتْ جرادةٌ ضخمةٌ، حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى الْمَائِدَةِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَأَخَذْتُهَا وَهِيَ تَضْطَرِبُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا هَذَا؟ قُلْنَا: جرادةٌ عظيمةٌ وَقَعَتْ عَلَى الْمَائِدَةِ. قَالَ: بِيَدِ مَنْ هِيَ؟ قَالَ عِكْرِمَةُ: [بِيَدِي]. قَالَ: يَا عِكْرِمَةُ، انْشُرْ جَنَاحَيْهَا، وَانْظُرْ مَا تَرَى فِي بَطْنِهَا. قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَقُلْتُ: أَرَى نُقَطًا سُودًا فِي الْجَنَاحَيْنِ. قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ مُحَمَّدِ بن الحنفية، فقال: يا ابن أَخِي، عِنْدَكَ فِي هَذَا مِنَ الْعِلْمِ شيءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِنَّ هَذَا الَّذِي تَحْتَ الْجَنَاحَيْنِ مكتوبٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ مَقْطَعٌ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ إِلَهُ الْعَالَمِينَ، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ، خَلَقْتُ الْجَرَادَ وَجَعَلْتُهُ جُنْدًا مِنْ جُنُودِي، أُهْلِكُ بِهِ [مَنْ] شِئْتُ مِنْ خَلْقِي)). فَتَبَسَّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثم قال: يا ابن أخي، ضُمَّ هَذَا -أَوْ ضُمَّ هَذَا الْحَدِيثَ- فَإِنَّهُ والله بعينه.

76 - قَالَ: وَكَتَبْتُ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شيخٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ -رَأَيْتُهُ بِهَا، وَكَانَ ثِقَةً، فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَمِئَةٍ، يُكْنَى أَبَا -[48]- - الْعَبَّاسِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَطَاءُ بْنُ أبي رباح وطاووس عَلَى مَائِدَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَقَعَتْ جرادةٌ عَلَى الْمَائِدَةِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ هَذِهِ النُّقَطَ السُّودَ فِي جَنَاحِ الْجَرَادَةِ كتابٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: ((إِنِّي أَنَا اللَّهُ، إِلَهُ الْعَالَمِينَ، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ، خَلَقْتُ الْجَرَادَ وَجَعَلْتُهُ جُنْدًا مِنْ جُنُودِي، أُهْلِكُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي)).

77 - [ .. .. ] حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ نُزَيْلٍ الشَّهَالِيِّ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ يعالج طعمةً لأصحابه، قد عرق وآذه وَهْجُ النَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَنْ يُصِيبَهُ وَهْجُ نَارِ جَهَنَّمَ بعد هذا أبداً)).

78 - [ .. .. ] ثنا عَبْدُ الْغَفُورِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنِي هَمَّامٌ أَبُو عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِنَّ رَجُلا كَانَ يَكْتُبُ كِتَابًا، فَمَرَّ بِـ ((اللَّه)) فَتَحَاسَنَ فِيهَا وَأَحْسَنَ كِتَابَتَهَا، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذلك.

79 - [حدثني محمد بن أبي رجاء] ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: -[49]- بَلَغَنِي أَنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ يَكْتُبُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ: جَوِّدْهَا، فَإِنَّ رَجُلا جَوَّدَهَا فَغُفِرَ له.

80 - [حدثني محمد بن أبي رجاء] ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ تَجْوِيدَ ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) يحسن الوجه.

81 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،] ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ، تَنَعَّمُوا فِي الدُّنْيَا بِذِكْرِي، فَإِنَّهُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا نعيمٌ، وَفِي الآخِرَةِ جزاءٌ.

82 - [حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قال: نبأنا داود بن صغير، قال:] ثنا كَثِيرٌ النَّوَّاءُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قُلْتُ لِجِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ أُسْرِيَ بِيَ إِلَى السَّمَاءِ: يَا جِبْرَائِيلُ، هَلْ عَلَى أُمَّتِي حسابٌ؟ قَالَ: كُلُّ أُمَّتِكَ عَلَيْهَا حسابٌ، مَا خَلا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. قَالَ: مَا أَدْخُلُ حَتَّى أُدْخِلَ مَعِيَ مَنْ كَانَ يُحِبُّنِي فِي الدُّنْيَا)).

83 - عَنْ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأ [بي] بكرٍ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَطْيَبَ مَالَكَ! مِنْهُ النَّاقَةُ الَّتِي هَاجَرْتُ عَلَيْهَا، وَمِنْهُ مُؤَذِّنِي بِلالٌ، وَزَوَّجْتَنِي ابْنَتَكَ، وَوَاسَيْتَنِي بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَشْفَعُ لأُمَّتِي)).

84 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: -[50]- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَيَتَجَلَّى لأَبِي بكرٍ خَاصَّةً)).

85 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ،] ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ [بْنَ دِينَارٍ] يَقُولُ: إِنَّ الصِّدِّيقِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ طَرِبَتْ قلوبهم إلى الآخرة. قال: ثُمَّ يَقُولُ: [خُذُوا] فَيَقْرَأُ، وَيَقُولُ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ الصَّادِقُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ.

86 - [حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، ثنا جَعْفَرٌ،] قَالَ: قَدِمَ مَالِكٌ مِنَ الأُبُلَّةِ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أَمَا رَأَيْتَ حُسْنَهَا وَجَمَالَهَا وَخَدَمَهَا؟ فقال: ما أعجبني بها إلا شيئين؛ رَأَيْتُ بِهَا عَجُوزًا بِالسَّاحِلِ تَعَبَّدُ، وَبَيْتَيْ شعرٍ على قصرٍ خرابٍ: طلب الْعَيْشَ أَنْعَمَ سَاعِدَيْهِ ... وَعِشْتُ مِنَ الرَّغَائِبِ فِي الرَّغِيدِ فَلَمْ أُتْرَكْ -وَرَبِّ النَّاسِ- حَتَّى ... سُلِبْتُ مِنَ الأَقَارِبِ وَالْبَعِيدِ

87 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أن مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ عَلَى بَابِ مَدِينَتِهِ بَيْتَيْ شِعْرٍ، لِيَتَّعِظَ بِهِ النَّاسُ، بالعربية وبالفارسية والسريانية؛ فكان بالعربية مكتوبٌ: مَا بَالُ مُسْتَيْقِنٍ بِالْمَوْتِ يَأْمَنُهُ ... مَا بَالُهُ مَرِحًا يَسْتَنُّ مُخْتَالا إِذَا اسْتَقَامَ لقومٍ عَقْدُ مُلْكِهِمُ ... لاقَوْا زَمَانَهُمُ لِلْعَهْدِ حَلالا قَالَ: فَبَعَثَ هَارُونُ إِلَى أَبِي الْعَتَاهِيَةِ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الشِّعْرِ، فَقَالَ: الشِّعْرُ -[51]- لِي.

88 - [ .. .. ] عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: رَأْسُ الْحِكْمَةِ خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

89 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أخٌ لي: أنه قرأ على حائطٍ مكتوباً: كَفَى الْمَرْءَ نَقْصًا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ ... وَمَا عَابَ مِنْهُ النَّاسُ غَيْرَ مَعِيبِ

90 - [حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: مَنْ عامل الله بالصدق ورثه الحكمة]. قال: [و] سمعت الفضيل بن عياض، يقول: إن الله يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار؛ ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة.

91 - [ .. .. ] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ انْحَطَّ عَلَى ابْنِ آدَمَ تِلْكَ الْحَسَنَاتُ وَتِلْكَ السَّيِّئَاتُ، فَانْتَشَطَا كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقِهِ وَحَضَرَا مَعَهُ، واحدٌ سائقٌ وَآخَرُ شهيدٌ، ثُمَّ قَالا لَهُ: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غفلةٍ من هذا})). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((إن المقام لأمر عظيم، لا تقدرنه، فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ)).

92 - قَالَ: أَنبا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُعْطَى كِتَابَهُ فِي سِتْرٍ مِنَ اللَّهِ، فَيَأْتِي عَلَى حَسَنَاتِهِ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ لونه، ثم يبدل الله سيئاته حسناتٍ، فيقول: {هاؤم اقرءوا كتابيه. إن ظننت أني ملاقٍ حسابيه}.

93 - ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا صَخْرٍ حُمَيْدَ بْنَ زِيَادٍ الْمَدَنِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سكينةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبقيةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ موسى وآل هارون}. قَالَ: إِنَّ الأَلْوَاحَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لِمُوسَى فيها التوراة، ثم أعطاه إياه كَانَتِ الأَلْوَاحُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، فَلَمَّا أَلْقَى مُوسَى الأَلْوَاحَ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ، كَانَ مُوسَى حَرِيًّا أن لا يلقي الألواح التي أعطاها إياها بِيَدِهِ، فَتَنْسَخُ الأَلْوَاحُ مِنْ جَبَلِ الطُّورِ الْبَقِيَّةَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَسَرَ الأَلْوَاحَ مِنْ جَبَلِ الطور.

94 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ رَأَى عَلَى قبرٍ مكتوباً: [و] ليس لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ ... فطرٌ وَلا أَضْحَى وَلا عُسْرُ ناءٍ مِنَ الأَهْلِ عَلَى قُرْبِهِ ... كَذَاكَ مَنْ مَسْكَنُهُ الْقَبْرُ

95 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: -[53]- أَنْشَدَنِي رجلٌ مِنَ الأَعْرَابِ يُقَالُ لَهُ: مَعْبَدٌ، مِنْ أَهْلِ نجد]: الدَّهْرُ أَفْنَانِي وَمَا أَفْنَيْتُهُ ... وَالدَّهْرُ غَيَّرَنِي وَمَا يَتَغَيَّرُ وَالدَّهْرُ نَاصَانِي فَجَلَّى هَامَتِي ... كَالطَّسْتِ بَادِيهِ لمن يتبصر إن امرءاً أَمْسَى أَبُوهُ وَأُمُّهُ ... تَحْتَ التُّرَابِ لِنَوْلِهِ يَتَفَكَّرُ مِثْلُ الْبَهَائِمِ لا تَرَى آجَالَهَا ... حَتَّى تُقَادَ إِلَى الْمَنِيَّةِ تُجْزَرُ

96 - عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أن اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا خَالِقُ الْخَلْقِ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَخَلَقْتُ مَنْ يَجْرِي الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ، فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِيَكُونَ الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ؛ وَأَنَا خَالِقُ الشَّرِّ، خَلَقْتُ الشَّرَّ، وَخَلَقْتُ مَنْ يَكُونُ الشَّرُّ عَلَى يَدَيْهِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِيَكُونَ الشَّرُّ عَلَى يديه.

97 - [ .. .. ] ثنا سَعِيدُ بْنُ [أَبِي] سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: قَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ: مكتوبٌ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: الْقَلْبُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ يُحِبُّ النَّصَبَ، فَلا تَظُنَّ يا ابن آدَمَ أَنَّكَ مدركٌ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ].

98 - [ .. .. ] ثنا سَعِيدُ بْنُ [أَبِي] سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: مكتوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: لِيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهُمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.

99 - [ .. .. ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: -[54]- قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً، وَوَجْهُكَ بَسْطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهُمُ العطاء.

100 - [ .. .. ] قَالَ: وَحَدَّثَنِي رُشْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: لا يَنْبَغِي لِلصِّدِّيقِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَانُوتٍ.

101 - [ .. .. ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، يَقْرَأُ فِي الأُولَى بفاتحة الكتاب و {قل يا أيها الكافرون}، وآية الكرسي، وفي الثانية اثنتا عشرة مرة {قل هو الله أحدٌ} بنى الله له مئة ألف أَلْفِ غُرْفَةٍ مِنْ لؤلؤٍ.

102 - [ .. .. ] عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ أَوَّلَ شيءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمَ، وَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شيءٍ يكون)).

103 - [حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَلْخِيُّ، أَنا الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ،] عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ عَلَى سُلْطَانِ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَسُلْطَانِ الأَرْضِ؛ وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي الرَّفِيعِ الأَعْلَى عِنْدَ اللَّهِ [أَنَّهُ] سَيَجْعَلُ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، وَأَنَّهُ -[55]- سَتَكُونُ دماءٌ وأحداثٌ،؛ فَوَجَدَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ فَقَرَأَهُ وَأَبْصَرَهُ دُونَ الْمَلائِكَةِ؛ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمَلائِكَةِ، أَخْبَرَ إِبْلِيسُ الْمَلائِكَةَ أَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةَ الَّذِي يَكُونُ سَتَسْجُدُ لَهُ الْمَلائِكَةُ. وَأَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَنْ يَسْجُدَ لَهُ أَبَدًا؛ وَأَخْبَرَ [الْمَلائِكَةَ] أَنَّ اللَّهَ سَيَخْلُقُ خَلْقًا، وَأَنَّهُ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَأَنَّهُ سَيَأْمُرُ الْمَلائِكَةَ يَسْجُدُونَ لِذَلِكَ الْخَلِيفَةِ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تعالى: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} حَفِظُوا مَا كَانَ قَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قال إني أعلم ما لا تعلمون}.

104 - [أنا علي بن مسلم، ثنا سيار] ثنا جعفر، ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ سَادِنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: انْطَلَقَ رَجُلانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مسجدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ، فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الْمَسْجِدَ وَجَلَسَ الآخَرُ خَارِجًا، فَجَعَلَ يَقُولُ: لَيْسَ مِثْلِي يَدْخُلُ بَيْتَ اللَّهِ وَقَدْ عَصَيْتُ اللَّهَ، لَيْسَ مِثْلِي يَدْخُلُ بَيْتَ اللَّهِ وَقَدْ عَصَيْتُ اللَّهَ؛ فكتب صديقاً.

105 - قَالَ: وَأَصَابَ رجلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَنْبًا، فحزن عليه، وجعل يجيء وَيَذْهَبُ، وَيَقُولُ: بِمَ أُرْضِي رَبِّي؟ بِمَ أُرْضِي رَبِّي؟ فَكُتِبَ صِدِّيقًا.

106 - [حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، قال: حدثنا جعفر،] ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلّ: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مئابٍ} قَالَ: يُقِيمُ اللَّهُ دَاوُدَ -[56]- عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُ: يَا دَاوُدُ مَجِّدْنِي بِذَلِكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ. فَيَقُولُ: إِلَهِي، وَكَيْفَ أُمَجِّدُكَ بِهِ وَقَدْ سَلَبْتَنِيهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: فَإِنِّي رَادُّهُ عَلَيْكَ. فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، فَيَرْفَعُ [دَاوُدُ] عَلَيْهِ السَّلامُ صَوْتَهُ، فَيَسْتَفْرِغُ صَوْتُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

107 - [حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، أَبُو أَيُّوبَ،] قال: أنشدني أبو العتاهية: نُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ نَعِيبُهَا ... لَقَدْ حَذَّرَتْنَاهَا لَعَمْرِي خُطُوبُهَا وَمَا نَحْسِبُ السَّاعَاتِ تَقْطَعُ مُدَّةً ... عَلَى أَنَّهَا فِينَا سريعٌ دَبِيبُهَا كَأَنِّي بِرَهْطِي يَحْمِلُونَ جَنَازَتِي ... إِلَى حفرةٍ يُحْثَى عَلَيَّ كَثِيبُهَا فَكَمْ ثُمَّ مِنْ مسترجعٍ مستودعٍ ... وباكيةٍ يَعْلُو عَلَيَّ نَحِيبُهَا وداعيةٍ حَرَّى تُنَادِي وَإِنَّنِي ... لَفِي غفلةٍ عَنْ صَوْتِهَا لا أُجِيبُهَا وَإِنِّي لَمِمَّنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ... وَيُعْجِبُهُ رِيحُ الْحَيَاةِ وَطِيبُهَا أَيَا هَادِمَ اللَّذَّاتِ مَا مِنْكَ مهربٌ ... تُحَاذِرُ مِنْكَ النَّفْسُ مَا سَيُصِيبُهَا رَأَيْتُ الْمَنَايَا قُسِّمَتْ بَيْنَ أنفسٍ ... وَنَفْسِي سَيَأْتِي بَعْدَهُنَّ نَصِيبُهَا

108 - [ .. .. ] عَنِ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَمَسَّ شَيْئًا إِلا ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ؛ آدَمَ، وَالتَّوْرَاةَ كَتَبَهَا لِمُوسَى بِيَدِهِ، وَطُوبَى شجرةٌ فِي الْجَنَّةِ غَرَسَهَا بِيَدِهِ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ الله: {طوبى لهم وحسن مئاب}.

109 - [ .. .. ]-[57]- عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: اسْمُ الْجَنَّةِ طُوبَى بِالْهِنْدِيَّةِ، واسم عصا موسى ماشا.

110 - [ .. .. ] ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ تَلَقَّاهُ مَلَكَانِ، فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ديباجةٌ فِيهَا بردٌ ومسكٌ، وَمَعَ الآخَرِ كوبٌ مِنْ أَكْوَابِ الْجَنَّةِ فِيهِ شرابٌ؛ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ أَخْلَطَ الْمَلَكُ الْبَرَدَ بِالْمِسْكِ. قَالَ: فَرَشَّهُ عَلَيْهِ، وَصَبَّ لَهُ الآخَرُ شَرْبَةً فَيُنَاوِلُهَا إِيَّاهُ، فَيَشْرَبُهَا، فَلا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ.

111 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، حَدَّثَنِي مستملٍ لأَبِي الْعَتَاهِيَةِ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي مَجْلِسٍ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ على الحائط مكتوباً: فَكَفَى بِمُلْتَمِسِ التَّوَاضُعِ رِفْعَةً ... وَكَفَى بِمُلْتَمِسِ الْعُلُوِّ سفالا

112 - [حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، نا مُحَمَّدُ بْنُ زفر الأصبهاني، نا محمد بن خالد الهاشمي الدمشقي، نا محمد بن حمير الحمصي، نا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو السَّكْسَكِيُّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: -كَذَا قَالَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: كَذَا هُوَ عِنْدِي- عَنْ أَبِي السَّمِيرِ التِّرْمِذِيِّ] عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عِصِيًّا بِعَدَدِ الأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ شِيثَ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، فَخُذْهَا بِعِمَارَةِ التَّقْوَى [وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى] وَكُلَّمَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَعَالَى فَاذْكُرْ إِلَى جَنْبِهِ اسْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي رَأَيْتُ اسْمَهُ مَكْتُوبًا عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَأَنَا بَيْنَ الرُّوحِ وَالطِّينِ، ثُمَّ إِنِّي طُفْتُ السموات، فَلَمْ أَرَ فِي السَّمَاءِ مَوْضِعًا إِلا رَأَيْتُ اسْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ؛ وَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَسْكَنَنِي الْجَنَّةَ، فَلَمْ أَرَ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا وَلا غُرْفَةً إِلا -[58]- رَأَيْتُ اسْمَ محمدٍ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ؛ وَلَقَدْ رَأَيْتُ اسْمَ محمدٍ مَكْتُوبًا عَلَى نُحُورِ الْحُورِ الْعِينِ، وَعَلَى وَرَقِ قَصَبِ آجَامِ الْجَنَّةِ، وَعَلَى وَرَقِ شَجْرَةِ طُوبَى، وَعَلَى وَرَقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَعَلَى أَطْرَافِ الْحُجُبِ، وَبَيْنَ أَعْيُنِ الْمَلائِكَةِ، [فَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ] تَذْكُرُهُ فِي كُلِّ سَاعَاتِهَا. صلى الله عليه وسلم.

113 - ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: مَكَثَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يَرَاهُ أحدٌ [بَعْدَ مَا كَلَّمَهُ اللَّهُ] إِلا مَاتَ مِنْ نُورِ رَبِّ العالمين.

114 - [ .. .. ] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: فَكَتَبْتُ فِي الأَرْضِ، فَنَهَانِي عُمَرُ. قَالَ: وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ أن يكتب اسم الله في الأرض.

115 - [ .. .. ] ثنا أبو الحسن، من ولد علي ذَكَرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَحْلِفُ مُجْتَهِدًا بِالْكَعْبَةِ غَيْرَ مرةٍ، بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا يَقُولُ: ((إِنَّ أَرْجَى مَا أَرْجُو لأُمَّتِي لأَسْمَاءَ رَأَيْتُهَا لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مكتوبةٌ فِي لوحٍ مِنْ نورٍ أَبْيَضَ وَأَخْضَرَ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَرْشِ حِجَابٌ؛ فِيمَا أَخْبَرَنِي حَبِيبِي جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ أَقْرَبُ خَلِيقَةِ اللَّهِ؛ فَقَالَ جِبْرَائِيلُ: لَوْلا أَنْ تَطْغَى أُمَّتُكَ لأَخْبَرْتُكَ شَأْنَ هَذِهِ الأَسْمَاءِ، وَلَكِنْ قُلْ لأَهْلِ الْحَوَائِجِ: دُونَكُمْ؛ فَلَوْ دَعَانِي بِهَا مَنْ يَعْبُدُ غَيْرِي لَخَتَمْتُ لَهُ بِهَا أَعْمَالَ -[59]- أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَعْدَ أَنْ يَعْرِفُوا حَقَّهَا. أَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأَخَّرَ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكَ النِّعْمَةَ، وَهَدَيْتُكَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَجَعَلْتُ هَذِهِ الأَسْمَاءَ فِي أَهْلِ شَفَاعَتِكَ، فَاشْفَعْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعِزَّتِي، لا يَدْعُونِي بِهَا أحدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلا أَجَبْتُهُ، وَلا يَسْأَلُنِي إِلا أَعْطَيْتُهُ. وَعِزَّتِي، لأَرْفَعَنَّ عَالِمَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى جَنَّاتِي، وَلأُؤَمِّنَنَّهُ مِنْ فَزَعِ قِيَامَتِي. وَعِزَّتِي، لأَنَا أَرْضَى عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِي، إِلا مَنْ عَلِمَ مَا عَلِمَ. وَعِزَّتِي، لأَنَا أَحْفَظُ عَلَيْهِ، وَأَشَدُّ تَعَطُّفًا عَلَيْهِ مِنْ أَحْبَابِهِ كُلِّهِمْ. يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُ مَنْ جَاءَ بِهَا يَسْأَلُنِي مُنْتَهَى أُمْنِيَتِهِ أَعْمَلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَضْعَافَهُ، وَأَدَّخِرُ لَهُ عِنْدِي، وَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْ عَذَابِهِ، وَأَوْثَقْتُ عَنْهُ الشَّيْطَانُ، وَوَهَبْتُ لَهُ الْعِلْمَ وَالْعِبَادَةَ وَالْخُشُوعَ وَالاسْتِقَامَةِ، وَأَجْعَلُ قَائِلَهَا نُصْبَ بَصَرِي، وَلا أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ زَوَالِ اللَّيْلِ -وَلا تَدْعُ بِهِ إِلا عَلَى طهرٍ سابغٍ- وَاسْتَفْتِحِ الدُّعَاءَ بصلاةٍ؛ وَلا تَدْعُ عَلَى ظَالِمٍ، وَلا عَلَى آثمٍ، وَلا عَلَى شيءٍ تَكْرَهُ)). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ، وَأَنْ يُعَلِّمَهُ عَظَمَتَهُ، فَلْيَتَعَلَّمْ هَذِهِ الأَسْمَاءَ، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ إِلا أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْعِفَّةِ، وَلا أَظُنُّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إِلا خِيَارُ أُمَّتِي، وَلَنْ يُخْلِفَ ظَنِّي، وَاللَّهُ كُلَّ يومٍ فِي شأنٍ. يَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ، يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ، أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْكَثِيرَةِ. يَا اللَّهُ؛ وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الرَّضِيَّةِ الْمَرْضِيَّةِ الْمَضِيَّةِ. -[60]- يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْعَزِيزَةِ المنعية الْمُمَنَّعَةِ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْمُبَارَكَةِ الْمَكْنُونَةِ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ، الْمَشْهُورَةِ لَدَيْكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الَّتِي لا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ أَنْ يُسَمَّى بِهَا غَيْرَكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الَّتِي لا تُرَامُ وَلا تَزُولُ وَلا تُرَى وَلا تَفْنَى. [يَا اللَّهُ]، وَأَسْأَلُكَ بِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَكَ رِضًى مِنْ أَسْمَائِكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الَّتِي لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِمَسَائِلِكَ الَّتِي تُبْدِي بِهَا كُلَّ شيءٍ وَتُعِيدُ. [يَا اللَّهُ]، وَأَسْأَلُكَ بِمَسَائِلِكَ بِمَا عَاهَدْتَ أَوْفَى الْعَهْدِ. يَا اللَّهُ، يَا اللَّهُ -سَبْعَ مَرَّاتٍ- أَنْ تُجِيبَ سَائِلَكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَقُولُ لِسَائِلِهَا: قُلْ مَا شِئْتَ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكَ الإِجَابَةَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَنْتَ لَهَا أهلٌ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لا يَقْوَى بِحَمْلِهَا شيءٌ دُونَكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَقُولُ لِذَاكِرِهَا: سَلْنِي مَا شِئْتَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِمَسَائِلِكَ، بِأَعْلاهَا عُلُوًّا وَأَرْفَعِهَا رِفْعَةً، وَأَعْلاهَا ذِكْرًا، وَأَسْطَعِهَا نُورًا، وَأَسْرَعِهَا نَجَاحًا وَإِجَابَةً، وَأَتَمِّهَا تَمَامًا، وَأَكْمَلِهَا كَمَالا، وَكُلُّ مَسَائِلِكَ عظيمةٌ -يَا اللَّهُ- عَزَّتْ وَجَلَّتْ. وأَسْأَلُكَ بِمَا لا يَنْبَغِي لشيءٍ أَنْ يُسْأَلَ بِهِ غَيْرُكَ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْجَلالِ، وَالإِكْرَامِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْقُدُسِ وَالشَّرَفِ، وَالإِشْرَافِ وَالنُّورِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْخُلُودِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْحُسْنِ وَالْمَدْحِ، وَالْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالْمَسَائِلِ الَّتِي تَقْضِي بِهَا -[61]- حَوَائِجَ مَنْ تُرِيدُ وَبِهَا تُبْدِي وَبِهَا تُعِيدُ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ النَّقِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، الْمَحْفُوفَةِ بِبَرَكَاتِكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْعَالِيَةِ الْعَامَّةِ، الرَّفِيعَةِ الْمُرْتَفِعَةِ فَوْقَ كُلِّ شيءٍ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ النَّقِيَّةِ الْمَحْجُوبَةِ مِنْ كُلِّ شيءٍ دُونَكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْجَلِيلَةِ، الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ. يَا اللَّهُ، يا رحمن، ياذا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، يَا جَمِيلُ، يَا جَلِيلُ يَا خَلاقُ، يَا عَلِيمُ، يَا حَكِيمُ، يَا كَرِيمُ، يَا فَرْدُ، يَا وِتْرُ، يَا أَحَدُ، يَا صَمَدُ. يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ، يَا رَحِيمُ، أسألك بمنتهى مَسَائِلِكَ الَّتِي مَحَلُّهَا فِي نَفْسِكَ مِمَّا لَمْ يُسَمَّ بِهَا أحدٌ غَيْرُكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِمَا نَسَبَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ مِمَّا تُحِبُّ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَسَائِلِكَ الْكُبْرَى، وَبِكُلِّ مَسْأَلَةٍ وَحْدَهَا، حَتَّى أَنْتَهِيَ إِلى الاسْمِ الأَعْظَمِ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا، وَبِكُلِّ اسمٍ وَحْدَهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الاسْمِ الأَعْظَمِ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِالاسْمِ الْكَبِيرِ الأَكْبَرِ، الْعَلِيِّ الأَعْلَى، وَهُوَ اسْمُكَ الْكَامِلُ الْعَظِيمُ الَّذِي تُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَا تَتَسَمَّى بِهِ. يَا اللَّهُ، يَا اللَّهُ -سَبْعَ [مَرَّاتٍ]- يَا أَحَدُ، يَا صَمَدُ. يَا اللَّهُ، أَدْعُوكَ وَأَسْأَلُكَ، بِمَا لا يَعْدِلُهُ كُلُّ مَا أَنْتَ فِيهِ مِمَّا لا أَعْلَمُهُ فَأُسَمِّيكَ بِهِ. وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسْمَاءِ كُلِّهَا، وَتَفْسِيرِهَا، فَإِنَّهُ لا يَعْلَمُ تَفْسِيرَهَا غَيْرَكَ. يَا ألله، وأسألك بما لا أعلم، ولو عملته سَأَلْتُكَ بِهِ، وَبِكُلِّ اسمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمَ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، وَأَسْأَلُكَ بِجُمْلَةِ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ أَسْمَائِكَ. يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ بِمَا لا يَرَاهُ أحدٌ، وَلا يَعْلَمُهُ مِنْ أَسْمَائِكَ غَيْرَكَ -[62]- يَا اللَّهُ، يَا اللَّهُ، وَأَسْأَلُكَ يَا رَحْمَنُ، يَا خَيْرَ مَنْ دُعِيَ، وَخَيْرَ مَنْ سُئِلَ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسْمَاءِ كُلِّهَا، وَتَفْسِيرِهَا؛ يَا أَهْلَ التَّقْوَى، وَيَا أَهْلَ الْمَغْفِرَةِ، وَيَا مَوْضِعَ الْمِنَّةِ وَالرَّحْمَةِ، والقدرة والملك، والفضيلة والعزة والشؤون، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى محمدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَحَبِيبِكَ، وَخِيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَعَلَى آلِ محمدٍ، وَعَلَى محمدٍ، وَعَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ)). ثُمَّ تَدْعُو بِحَاجَتِكَ للآخرة، ولا تسل شيئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بعبدٍ خَيْرًا -أَوْ أَنْ يُجِيبَهُ- سَهَّلَ عَلَيْهِ أمر الدعاء

116 - [ .. .. ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وُجِدَ عَلَى بَابِ خزانةٍ له مكتوباً: مَا ذَاقَ رَوْحَ الْغِنَى مَنْ لا قُنُوعَ لَهُ ... وَلَنْ تَرَى قَانِعًا مَا عَاشَ مُفْتَقِرًا الْعُرْفُ مَنْ يَأْتِهِ يَحْمَدْ عَوَاقِبَهُ ... مَا ضَاعَ عرفٌ وَلَوْ أَوْلَيْتَهُ حَجَرًا

117 - أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْنُ، قَالَ: أَنْشَدَنِي العتبي: الحرص داءٌ قد أضرر ... بِمَنْ تَرَى إِلا قَلِيلا كَمْ مِنْ عزيزٍ قد رأيت ... الحرص صيره ذليلاً فتجنب الشهوات واحذر ... أَنْ تَكُونَ لَهَا قَتِيلا فَلَرُبَّ شَهْوَةِ ساعةٍ ... قَدْ أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلا

118 - [ .. .. ] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: -[63]- إِنَّ رُكْبَتِي لَمَسَتْ رُكْبَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ويلٌ لِدَيَّانِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ دَيَّانِ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِذَا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِلا مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَحَكَمَ بِالْحَقِّ، وَجَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَوًى وَلا لقرابةٍ وَلا لرغبةٍ وَلا لرهبةٍ.

119 - أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، قال: أنشدني الجرهمي: إِذَا ضَنَّ مَنْ تَرْجُو عَلَيْكَ بِنَفْعِهِ ... فَدَعْهُ فَإِنَّ الرِّزْقَ فِي الأَرْضِ نَاقِعُ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا مُنَاهُ وَهَمَّهُ ... سَبَاهُ الْمُنَى وَاسْتَعْبَدَتْهُ الْمَطَامِعُ وَمَنْ عَقَلَ اسْتَحْيَا وَأَكْرَمَ نَفْسَهُ ... وَمَنْ قَنَعَ اسْتَغْنَى، فَهَلْ أَنْتَ قَانِعُ

120 - [ .. .. ] عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، لَوْ أَنَّ سُفُنَ الدُّنْيَا أُجْرِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ؛ فِيهَا أمواجٌ كَالْجِبَالِ الرَّواسِي؛ الْمَوْجُ الآخَرُ يَلْحَقُ الْمَوْجَ الأَوَّلَ؛ حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ، وَحَشِيشُهُ الزَّعْفَرَانُ، عَلَى شَطَّيْهِ رجالٌ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ، مكتوبٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: هؤلاء المؤمنون)).

121 - [ .. .. ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يومٍ، وَعِنْدَهُ نفرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا بَعَثَ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خَرَجَ قومٌ مِنْ قُبُورِهِمْ، بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ، عَلَيْهِمْ ثيابٌ بَيَاضُهَا كَبَيَاضِ اللَّبَنِ، عَلَيْهِمْ نعالٌ مِنْ ذهبٍ، شِرَاكُهَا مِنْ نورٍ يَتَلأْلأُ؛ يُؤْتَوْنَ بنوقٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ بيضٍ، عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ، قَدْ وُشِّحَتْ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، أَزِمَّتُهَا سَلاسِلُ الذَّهَبِ؛ فَيَرْكَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنَّاسُ يُحَاسَبُونَ -[64]- وَيَهْتَمُّونَ؛ وَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ)). قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا})) قَالَ: ((يُحْشَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النجائب)).

122 - [ .. .. ] عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنْزَلِ: حَقٌّ عَلَيْنَا أَنْ نُوَسِّعَ فِي الْمَجْلِسِ لِذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَالإِمَامِ الْعَادِلِ، وَقَارِئِ القرآن؛ ونعظمهم ونوقرهم ونشرفهم.

123 - [ .. .. ] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صُبَيْحِ بْنِ السَّمَّاكِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ، قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُنَا سَاعَةً، وَيُصَلِّي سَاعَةً؛ وَقَالَ: يَا إِخْوَانِي، لا تَلُومُونِي، فَإِنِّي أُبَادِرُ طَيَّ الصَّحِيفَةِ.

124 - [ .. .. ] قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، أن عَبْدَ الْقَاهِرِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: جِبْرِيلُ أَمِينُ اللَّهِ إِلَى رُسُلِهِ، وَمِيكَائِيلُ يَتَلَقَّى الْكُتُبَ الَّتِي تُرْفَعُ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ، وَإِسْرَافِيلُ كَمَنْزِلَةِ -[65]- الْحَاجِبِ.

125 - [حدثنا هارون، ثنا سيار،] ثنا قدامة بن أيوب العتكي -وكان من أصحاب عتبة الغلام- قَالَ: رَأَيْتُ عُتْبَةَ الْغُلامَ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا صَنَعَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: يَا قُدَامَةُ، دَخَلْتُ الْجَنَّةَ بِتِلْكَ الدعوة المكتوبة في بيتك. قلا: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ إِلَى بَيْتِي، فَإِذَا بِخَطِّ عُتْبَةَ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ مكتوبٌ: يَا هَادِيَ الْمُضِلِّينَ، وَرَاحِمَ الْمُذْنِبِينَ، وَمُقِيلَ عَثَرَاتِ الْعَاثِرِينَ؛ ارْحَمْ عَبْدَكَ ذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ، وَالْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ أَجْمَعِينَ، وَاجْعَلْنَا مَعَ الأَحْيَاءِ الْمَرْزُوقِينَ، مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ {عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} الآية. آمين، رب العالمين.

126 - [ .. .. ] ثنا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ الأشجعي، قال: إن للإسلام ثلاثمئةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَقْبَلَ فِي صورةٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ، أَنْتَ السَّلامُ، وَأَنَا الإِسْلامُ، مِنْكَ بَدَأْتُ، وَإِلَيْكَ أَعُودُ. اللَّهُمَّ، فَمَنْ جَاءَ مُتَمَسِّكًا بسهمٍ مِنْ سِهَامِي فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.

127 - أنشدني محمد بن أبي رجاء: مَا امْتَدَّ لِي أملٌ إِلا وَوَاعِظُهُ ... يَقُولُ: وَيْحَكَ لا تَغْتَرَّ بِالأَمَلِ مَا لِيَ أُكَذِّبُ آمَالِي وَتَصْدُقُنِي ... وَإِنَّهَا لشهودٌ لِي عَلَى الأَجَلِ

128 - سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى قبرٍ مكتوباً عليه: أَيَا مَنْ رَآنِي فِي الْحَيَاةِ مُكَرَّمًا ... وَفِي الْقَبْرِ مَسْنُونًا فَرِيدًا مُوَحَّدَا عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَاعْمَلْ لِمَا تَرَى ... وَقُلْ: رَحِمَ اللَّهُ الْغَرِيبَ الملحدا

129 - [ .. .. ] ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ -كَتَبَ اللَّهُ-: إِذَا عَصَانِي مَنْ يَعْرِفُنِي، سَلَّطْتُ عَلَيْهِ مَنْ لا يَعْرِفُنِي.

130 - [ .. .. ] حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْمُعَافِرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ حُجَيْرَةَ الأَكْبَرَ يَقُولُ: اسْتَظَلَّ سِتُّونَ رَجُلا مِنْ قَوْمِ مُوسَى فِي قِحْفِ رجلٍ مِنَ العماليق.

131 - [ .. .. ] عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: إِنْ كَانَتْ لتمر عليهم -أو بهم- أربعمئة سَنَةٍ لا يُرَى فِيهَا جَنَازَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ ضَبُعًا وَأَوْلادَهَا رَابِضَةً فِي حِجَاجِ رجلٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ. قَالَ أَبَو الْقَاسِمِ: الْحِجَاجُ؛ وَأَرَانَا حَوَلَ عينيه.

132 - [ .. .. ] عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: -[67]- غَزَوْنَا غَزْوَةَ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَمَرَرْنَا بأجمةٍ، فَإِذَا فِيهَا رجلٌ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا لَيْسَ لَهُ رأسٌ.

133 - [ .. .. ] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ شيءٍ إِلا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حجابٌ، إِلا قَوْلَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؛ كَمَا أَنَّ شَفَتَيْكَ لا تَحْجُبُهُ، كَذَلِكَ لا يَحْجُبُهَا شيءٌ؛ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اسْكُنِي. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِي؟ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا أَجْرَيْتُكِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعَذِّبَهُ)).

134 - [ .. .. ] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَدْخَلَ عَلَى رَجُلٍ سُرُورًا، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ مَلَكًا، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ، فقال: أنا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا السُّرُورُ الَّذِي أَدْخَلْتَهُ عَلَى فُلانٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا؛ لأُوَنِسَنَّ وَحْشَتَكَ، وَلأُلَقِّنَنَّكَ حُجَّتَكَ، وَلأَشْهَدَنَّ بِكَ مَشَاهِدَ الْقِيَامَةِ، وَلأَشْفَعَنَّ لَكَ إِلَى رَبِّكَ، وَلأُرِيَنَّكَ مَثْوَاكَ مِنَ الْجَنَّةِ)).

135 - وأنشدني محمد بن مزيد لمحمود الوراق: رَأَيْتُ صَلاحَ الْمَرْءِ يُصْلِحُ أَهْلَهُ ... وَيُعْدِيهِمْ دَاءَ الْفَسَادِ إِذَا فَسَدْ وَيَشْرُفُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ صَلاحِهِ ... وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الأَهْلِ وَالْوَلَدْ

136 - [ .. .. ] عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّا قَدْ صَنَعْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَاهُ، فَلا يَنْقُشْ أحدٌ مِثْلَ نَقْشِنَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

137 - [ .. .. ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم [من] فضةٍ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ، نَقْشُهُ ثَلاثَةُ أَسْطُرٍ: ((محمدٌ)) في سطر، و ((رسول)) في سطرٍ، و ((الله)) في سطرٍ.

138 - [ .. .. ] عَنْ أَبِي جُنَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي الْعَالِيَةِ: مَا كَانَ عَلَى خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: {صدق الله} فَزَادَ فِيهِ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

139 - [أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ،] قَالَ: أَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ حَيَّانَ الصَّائِغِ، قَالَ: -[69]- كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ.

140 - [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ،] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ [كَانَ نَقْشُ] خَاتَمِ عُثْمَانَ: آمَنَ عُثْمَانُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ.

141 - [ .. .. ] عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ خَاتَمَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الضَّوْءِ، فَإِذَا فِيهِ ثَلاثَةُ أسطرٍ، نَقْشُهُ: ((محمدٌ)) فِي سطرٍ، ((رَسُولُ)) فِي سَطْرٍ، ((اللَّهِ)) فِي سَطْرٍ. وَيُقَالُ: كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ: إِنَّمَا اللَّهُ الْمَلِكُ.

142 - [ .. .. ] عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَدْ تَحَلَّقَ حَوْلَهُ بُطُونُ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَعَنْ يَمِينِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ؛ فَقَالَ لَهُ: لأَسْأَلَنَّ الْيَوْمَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مَسَائِلَ يَعْيَا عَنْ جَوَابِهَا. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ سَعِيدُ [بْنُ] الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ، إِنَّكَ لا تَقْوَى عَلَى مَسَائِلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَلَمَّا جَلَسَ ابْنُ عَبَّاسٍ، التفت إليه معاوية فقال له: يا ابن عَبَّاسٍ، مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؟ -[70]- قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كَانَ وَاللَّهِ لِلْقُرْآنِ تَالِيًا، وَلِلشَّرِّ قَالِيًا، وَعَنِ الْمُنْكَرِ نَاهِيًا، وَلِلْمَعْرُوفِ آمِرًا، وَإِلَيْهِ صَائِرًا، وَبِاللَّيْلِ قَائِمًا، وَبِالنَّهَارِ صَائِمًا؛ فَاقَ أَصْحَابَهُ وَرَعًا وَقَنَاعَةً، وَزَادَهُمْ بِرًّا وَأَمَانَةً وَحِيَاطَةً، فَأَعْقَبَ اللَّهُ مَنْ طَعَنَ عَلَيْهِ النِّفَاقَ إِلَى يَوْمِ التَّلاقِ. قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ؟ قَالَ: عبدٌ ذليلٌ لِرَبٍّ جَلِيلٍ. قال له: يا ابن عَبَّاسٍ، مَا تَقُولُ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي حَفْصٍ؛ كَانَ -والله- خلف الإسلام، وماد الأيتام، ومنتهى الإِحْسَانِ؛ كَانَ لِلْحَقِّ حِصْنًا، وَلِلنَّاسِ عَوْنًا؛ قَامَ بِحَقِّ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا حَتَّى ظَهَرَ الدِّينَ، وَفَتَحَ الدِّيَارَ، وَذُكِرَ اللَّهُ عَلَى التِّلاعِ وَالْبِقَاعِ؛ فَأَعْقَبَ اللَّهُ مَنْ يُبْغِضُهُ النَّدَامَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: مَا كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ؟ قَالَ: الله المعين لمن صبر. قال له: يا ابن عَبَّاسٍ، فَمَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي عَمْرٍو، كَانَ -وَاللَّهِ- أَكْرَمَ الْحَفَدَةِ، وَأَفْضَلَ الْبَرَرَةِ، كَثِيرَ الاسْتِغْفَارِ بِالأَسْحَارِ، سَرِيعَ الدُّمُوعِ عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ فِيمَا يَعْنِيهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، حَيِيًّا، وَفِيًّا تَقِيًّا، مُجَهِّزَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَصَاحِبَ بِئْرِ رُومَةَ؛ فَأَعْقَبَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَهُ الْعِنَادَ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ. قَالَ: فَمَا كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ؟ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ مِنْ صِدْقِ نِيَّتِهِ: اللَّهُمَّ، فَأَحْيِنِي سَعِيدًا، وَأَمِتْنِي شَهِيدًا. وَاللَّهِ، لَقَدْ عَاشَ سَعِيدًا، وَمَاتَ شَهِيدًا. قال له: يا ابن عَبَّاسٍ، مَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ؛ كَانَ -وَاللَّهِ- عَلَمَ الْهُدَى، وَكَهْفَ التُّقَى، وَمُنْتَهَى الْعِلْمِ وَالنُّهَى، وَنُورَ السَّفَرَةِ فِي ظُلَمِ الدُّجَى، وَأَفْضَلَ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدَى، وَخَيْرَ مَنْ آمَنَ وَاتَّقَى، وَأَكْرَمَ مَنْ شَهِدَ النِّدَاءَ بَعْدَ محمدٍ الْمُصْطَفَى، صَاحِبُ الْقِبلَتَيْنِ فَمَا مِثْلُهُ أحدٌ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ فَهَلْ يُسَاوِيهِ أحدٌ؟ وَزْوَجَتُهُ خَيْرُ النِّسْوَانِ فَهَلْ يَفُوقُهُ أَحَدٌ؟ -[71]- لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ؛ وَلَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهِ؛ فِي الْحَرْبِ خَتَّالا، وَلِلأَقْرَانِ قَتَّالا ضِرْغَامًا، عَلَى مَنْ يبعضه لَعْنَةُ اللَّهِ وَلَعْنَةُ الْعِبَادِ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ. قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ؟ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: الْمُلْكُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. قال له: يا ابن عَبَّاسٍ، فَمَا تَقُولُ فِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا؛ كَانَا وَاللَّهِ مُسْلِمَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ، بَارَّيْنِ تَقِيَّيْنِ، خَيِّرَيْنِ فَاضِلَيْنِ، زَلا زَلَّةً اللَّهُ غافرها لهما، وذلك بالنظر الْقَدِيمَةِ وَالصُّحْبَةِ الْكَرِيمَةِ؛ فَأَعْقَبَ اللَّهُ مَنْ يُبْغِضُهُمَا سُوءَ الْغَفْلَةِ إِلَى يَوْمِ الْحَشْرَةِ. قَالَ لَهُ: [يا] ابن عَبَّاسٍ، فَمَا تَقُولُ فِي الشَّيْخِ الْعَبَّاسِ؟ قَالَ: رحمة الله عليه، عم رسول الله، وَقُرَّةُ عَيْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، وَسَيِّدُ الأَعْمَامِ، تَنَاسَلَتْهُ أجدادٌ كرامٌ، يَكْتَسِبُ بِخُلُقِهِ كُلَّ مهذبٍ صنديدٍ، وَيَجْتَنِبُ بِرَأْيِهِ كُلَّ مخالفٍ رعديدٍ؛ وَكَيْفَ لا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ سَاسَهُ خَيْرُ مَنْ ذَهَبَ وَهَبَّ، وَأَفْضَلُ مَنْ مَشَى وَرَكَبَ. قَالَ لَهُ: وَفِيمَنْ قُلْتَ هَذَا؟ قَالَ: فِي صَاحِبِ الْكَوْثَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَقَامِ الأَكْبَرِ، وَالتَّاجِ وَالْمِغْفَرِ، وَالْحَاجِبِ الأَحْوَرِ، وَالإِكْلِيلِ الأَحْمَرِ، الْمُشْرِقُ بِالنُّورِ، الطَّاهِرُ الْقَلْبِ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ الثِّيَابِ، الْكَثِيرُ الأَزْوَاجِ، الْقَلِيلُ الأَوْلادِ، الصُّلْبُ الْمَعْلُومُ، الْمُوَشَّى الْمَخْتُومُ، صَاحِبُ الأَجْنِحَةِ الأَرْبَعَةِ الْمَنْسُوجَةِ بِالْعَبْقَرِيِّ وَالأُرْجُوَانِ، الْمُكَلَّلَةِ بِنُورِ الرَّحْمَنِ، خَلِيلُ جِبْرَائِيلَ، وَصَفِيُّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، صَاحِبُ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال له: يا ابن عَبَّاسٍ، لَقَدْ وَصَفْتَ فَأَحْسَنْتَ الصِّفَةَ؛ وَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ. قَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ. قَالَ: لِمَ سُمِّيَتْ قريشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: لِدَابَّةٍ فِي البحر من أحسن دوابه، ولا تَدَعُ فِيهِ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ شَيْئًا. -[72]- فَأَنْشَأَ وهو يقول: وقريشٌ هي التي تسكن البحر ... بِهَا سُمِّيَتْ قريشٌ قُرَيْشًا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلا تَتْرُكُ ... فِيهِ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشًا هَكَذَا فِي الْبِلادِ حيُّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُونَ الْبِلادَ أَكْلا قَشِيشًا وَلَهُمْ آخِرُ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلافِ دِينَارٍ؛ فَقَبَضَهَا وَصَرَفَهَا فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالُوا له: إنا لا نقبل صدقةً، قال: إنها لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ هديةٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شيءٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ، وَأَنْ يُقْصِرَ عَنْ ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ وهو يقول: بخيلٌ يَرَى بِالْجُودِ عَارًا وَإِنَّمَا ... عَلَى الْمَرْءِ عارٌ أَنْ يَضِنَّ وَيَبْخَلا إِذَا الْمَرْءُ أَثْرَى ثُمَّ لَمْ يَرْجُ نَفْعَهُ ... صديقٌ، فَلاقَتْهُ الْمَنِيَّةُ أولا

143 - [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ،] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مُعَاوِيَةَ: لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. وَكَانَ نَقْشُ [خَاتَمِ] يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ: يَثِقُ بالله معاوية.

144 - [ .. .. ]-[73]- ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَدِّهِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حلقةٍ في يد عمر، فَقَالَ: ((مَا هَذِهِ الْحَلَقَةُ يَا عَمْرُو؟)). قَالَ: حلقةٌ اتَّخَذْتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ: ((مَا نَقْشُهَا؟)). قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ((أَلْقِهَا إِلَيَّ)). فَأَلْقَاهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَخَتَّمَهَا حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ تَخَتَّمَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، حَتَّى حُفِرَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: أَرِيسُ؛ فَبَيْنَا هُوَ جالسٌ عَلَى شَفِيرِهَا، وَكَانَ يُدْخِلُ الْخَاتَمَ ثُمَّ يُخْرِجُهُ، فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ، فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ.

145 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَذْعُورٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مُعَاوِيَةُ: اتَّقُوا اللَّهَ، فَإِنَّهُ لا يَقِينَ لِمَنْ لا يَتَّقِي اللَّهَ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا لَمْ أَجْنِهِ وَلَمْ أُرِدْهُ، وَاحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ قَتْلِهِ: اصْبِرْ أَبَا جَهْمٍ صَبْرَ أَبِي حَازِمٍ؛ ثُمَّ صُلِبَ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: وَجَبَتِ الْجَنَّةُ لِمَنْ خَافَ النَّارَ. -[74]- وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: الْعِزَّةُ لِلَّهِ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ تَغْفِرْ تَغْفِرْ جَمًّا؛ لَيْتَنِي كُنْتُ غَسَّالا أَعِيشُ بِمَا أَكْتَسِبُ يَوْمًا بيومٍ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ مُخْلِصًا. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عِنْدَ مَوْتِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: يَا وَلِيدُ، إِنَّكَ ميتٌ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عند موته: إِنَّ بَنِيَّ صبيةٌ صِغَارُ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ له كبار إِنَّ بَنِيَّ صبيةٌ صَيْفِيُّونْ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} الآيَةَ. وَكَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: بِنَفْسِيَ فتيةٌ افْتَقَرَتْ أَفْوَاهُهُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ؛ اللَّهُمَّ إِنْ تَغْفِرْ تَغْفِرْ جماً.

146 - [ .. .. ] ثنا أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الوفاة، تمثل فقال: -[75]- إن تناقش يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رب ... عَذَابًا لا طَاقَ لِي بِالْعَذَابِ أَوْ تُجَاوِزْ يَا رَبِّ عَنِّي تجاوز ... عن مسيء ذنوبه كالتراب آخر الجزء الأول وبالله التوفيق، وعليه التكلان.

الجزء الثالث من كتاب الديباج

الجزء الثالث من كتاب الديباج تأليف أبي القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي رواية أبي عثمان بن أحمد الدقاق، المعروف بابن السماك، عنه رواية أبي الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف الحنائي، عنه رواية أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، عنه رواية الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري، عنه سماع محمد بن خلف بن راجح بن بلال المقدسي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد قرئ على الشيخة العالمة، شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري، وأنا أسمع، وذلك في العشر الأخير من ربيع الآخر من شهور سنة سبعٍ وستين وخمسمئة؛ قيل لها: أخبركم الشيخ أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن طلحة النعالي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله الحنائي، قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن السماك، قال: أخبرنا أبو القاسم إسحاق ابن إبراهيم الختلي، قال: 1 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مكتوبٌ: كَمَا أَقُولُ لَكُمْ، مَا مِنْ طَعَامٍ يَكُونُ مِنْ حلالٍ يُسَمَّى اللَّهُ فِي أَوَّلِهِ وَيُحْمَدُ في آخره، يسل عنه يوماً يسل عَنِ النَّعِيمِ؛ وَكَفَى كِبْرًا أَنْ يُقَرِّبَ إِلَيْهِ أَخُوهُ طَعَامًا فَيَحْتَقِرَهُ، وَأَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ فَلا يبره.

2 - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَيِّبَةَ الْجُرْجَانِيُّ: -[93]- كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ رَزِينٍ الْجُرْجَانِيُّ ذَا عقلٍ وَذَا مالٍ، فَقَالَ يَوْمًا: وَدِدْتُ أَنِّي واجدٌ رَجُلا أُشْرِكُهُ فِي بَعْضِ مَالِي فَيَنْتَفِعُ بِهِ بلا مؤونةٍ عَلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: فَمَا تَصْنَعُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ: أُحَدِّثُهُ، وَأَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ، وَيَكْتُمُ عَلَيَّ لا غير. ثم قال: إِذَا أَنْتَ حُمِّلْتَ الأَمَانَةَ فَارْعَهَا ... وَكُنْ قُفْلا كِي لا يَرُومَكَ فَاتِحُ وَقَالَ أَيْضًا فِي ذلك: وَإِذَا اسْتَوْدَعْتَ سِرًّا فَارْعَهُ ... لِيَكُنْ قَلْبُكَ لِلسِّرَّ قفل قال: وأنشدني أيضاً في السر: احْفَظِ السِّرَّ إِذَا اسْتَوْدَعْتَهُ ... إِنَّ كِتْمَانَكَ مَا استودعت بر وأنشدنا أيضاً في الخؤون: إذا أنت حملت الخؤون أمانةً ... فإنك قد أسندتها شر مسند وقال أيضاً في كتمان السر: السِّرُّ عِنْدِي دفينٌ ميتٌ أَبَدًا ... أَمْشِي عَلَيْهِ وَلا تَمْشِي بِهِ الْقَدَمُ

3 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاءِ الشَّامِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كعب الأحبار، قال: قرأت في التوراة مكتوبٌ: أَرْبَعُ آياتٍ خَطَّهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ: مَنْ أَصْبَحَ حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطًا عَلَى رَبِّهِ، وَمَنْ شَكَا مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ، وَمَنْ تَضَعْضَعَ لِغَنِيٍّ ظَلَمَهُ مَا فِي يَدِهِ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ النَّارَ فَكَأَنَّمَا اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا. -[94]- وَمَنْ لَمْ يُشَاوِرْ نَدِمَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، الْفَقْرُ: الْمَوْتُ الأَحْمَرُ.

4 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: كُلُّ أخٍ وَصَاحِبٍ لا تَسْتَفِيدُ مِنْهُ فِي أَمْرِ دِينِكَ خَيْرًا، فَانْبِذْ عَنْكَ صحبته.

5 - وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مالك بن دينار يقول: كل أخٍ وصاحبٍ لا تَسْتَفِيدُ مِنْهُ خَيْرًا فِي أَمْرِ دِينِكَ فانبذ عنك صحبته.

6 - وأنشدني أبو عثمان: تَبْدُو علانيةٌ مِنْهُمْ مُمَوَّهَةً ... إِذَا تَلاقَوْا وَهُمْ فِي السِّرِّ أَعْدَاءُ

7 - حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَصَابَ فُلانٌ مَالا. قَالَ: فَهَلْ أَصَابَ أَيَّامًا يَأْكُلُهُ -[95]- فِيهَا؟ قَالُوا: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: فَمَا أَرَاهُ اكْتَسَبَ شَيْئًا.

8 - وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خِرَاشٍ فِي ذَلِكَ: يَا جَامِعًا مَانِعًا وَالدَّهْرُ يَرْمُقُهُ ... مُقَدِّرًا أَيَّ بابٍ مِنْهُ يُغْلِقُهُ مُفَكِّرًا كَيْفَ تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ ... أَغَادِيًا أَمْ بِهَا يَسْرِي فَتَطْرُقُهُ جَمَعْتَ مَالا فَفَكِّرْ هَلْ جَمَعْتَ لَهُ ... يَا جَامِعَ الْمَالِ أَيَّامًا تُفَرِّقُهُ الْمَالُ عِنْدَكَ مخزونٌ لِوَارِثِهِ ... مَا الْمَالُ مَالُكَ إِلا يَوْمَ تُنْفِقُهُ

9 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الحكماء: من بدل نُصْحَهُ وَاجْتِهَادَهُ لِمَنْ لا شُكْرَ لَهُ، فَهُوَ بمنزلة من بذر بَذَرَهُ فِي سباخٍ.

10 - وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي لأحدٍ أَنْ يُخَاطِرَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ هَلَكَ أَضَاعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ ظَفِرَ لَمْ يُحْمَدْ، وَلَيْسَ شيءٌ أَهْلَكَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَنْ يُحْسِنَ الْكَلامَ وَلا يُحْسِنَ الْعَمَلَ، وَلا خَيْرَ فِي صديقٍ لا وَفَاءَ لَهُ وَلا ثِقَةَ وَلا وَرَعَ معه.

11 - وَقَالَ: الرَّجُلُ بِأَصْحَابِهِ كَالْبَحْرِ بِأَمْوَاجِهِ، وَمِنَ الْخَرْقِ وَالْحُمْقِ الْتِمَاسُ الرَّجُلِ الإِخْوَانَ بِغَيْرِ الْوَفَاءِ.

12 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الْوَرعَ شديدٌ، وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَمْرَانِ إِلا أَخَذْتُ بِأَحْرَاهُمَا، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

13 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: -[96]- سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا أَضَرَّ بِالآخِرَةِ، أَلا فَأَضِرُّوا بِالدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ فناءٍ، وَاعْمَلُوا لِدَارِ الْبَقَاءِ.

14 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ منبهٍ، قَالَ: الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ ضَرَّتَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا أَضَرَّ بِالآخِرَةِ.

15 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا رياح القيسي، حدثنا ثور ابن يزيد، قال: قرأت في التوراة مكتوبٌ: الزُّنَاةُ وَالسُّرَّاقُ إِذَا سَمِعُوا بِثَوَابِ اللَّهِ لِلأَبْرَارِ، طعموا أَنَ يَكُونُوا مَعَهُمْ بِلا نصبٍ وَلا تعبٍ، وَلا مشقةٍ عَلَى أَبْدَانِهِمْ، وَلا مخالفةٍ لأَهْوَائِهِمْ؛ وَفِي التَّوْرَاةِ مكتوبٌ: وَهَذَا مَا لا يَكُونُ.

16 - حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجِيزِيُّ الشَّيْخُ الصَّالِحُ، حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، قَالَ: [حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، فَقَالَ:] قَرَأْتُ بِضْعًا وَتِسْعِينَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الأَنْبِيَاءِ كُلِّهَا فِيهَا: مَنْ جَعَلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَشِيئَةِ فقد كفر.

17 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: -[97]- كَانَ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدٍ كَاتِبًا لابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، فأثرى، فقال الشاعر فيه: قَدِ أَنْطَقَتِ الدَّرَاهِمُ بَعْدَ عِيٍّ ... رِجَالا طَالَمَا كَانُوا سُكُوتًا فَمَا عَادُوا عَلَى جارٍ بخيرٍ ... وَلا رَفَعُوا لمكرمةٍ بُيُوتًا كَذَاكَ الْمَالُ يَجْبُرُ كُلَّ عُثٍّ ... وَيَتْرُكُ كُلَّ ذِي حسبٍ صَمُوتًا

18 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: لَمَّا عَرَفَ إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ، نُكِّسُوا وَبَكَوْا، وَقَالُوا: الآنَ تَبْكِي علينا الجبال.

19 - حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ضِرَارٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَدَلَ بِبُزَاقِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ إِجْلالا لِلَّهِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الأَذَى وَلَمْ يَمْحُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ببزاقٍ كَانَ مِنْ ضَنَائِنِ عِبَادِ اللَّهِ)).

20 - حدَّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبَو حَيْوَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيُّ، عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛ أَنَّ رَجُلا قَالَ لرجلٍ: إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ أَنْ تُحِبَّهُ؟ وَهُوَ أَخُوكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَوَزِيرُكَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَرِزْقُهُ عَلَى غَيْرِكَ؟

21 - حدثنا محمد بن حاتم الطوشي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، -[98]- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّغْلِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ، عَنْ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ عِيسَى بن مَرْيَمَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: لا يَسْتَسْقِ مَعَكَ خَطَّاءٌ. فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَطِيئَةِ فَلْيَعْتَزِلْ. قَالَ: وَاعْتَزَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا رَجُلا مُصَابًا بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى؛ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: مَا لَكَ لا تَعْتَزِلُ؟ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، مَا عَصَيْتُ اللَّهَ طَرْفَةَ عينٍ، وَقَدِ الْتَفَتُّ فَنَظَرْتُ بِعَيْنِي هَذِهِ إِلَى قَدَمِ امرأةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ كُنْتُ أَرَدْتُ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقَلَعْتُهَا، وَلَوْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْيُسْرَى لَقَلَعْتُهَا. قَالَ: فَبَكَى عِيسَى حَتَّى ابْتَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِدُمُوعِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَادْعُ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالدُّعَاءِ مِنِّي، فَإِنِّي معصومٌ بِالْوَحْيِ لَمْ أَعْصِ، وَأَنْتَ لَمْ تُعْصَمْ وَلَمْ تَعْصِ، فَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَنَا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا نَعْمَلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُقَنَا، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذَلِكَ أَنْ لا تَخْلُقَنَا، وَكَمَا خَلَقْتَنَا وَتَكَفَّلْتَ بِأَرْزَاقِنَا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا. فَوَالَّذِي نَفْسُ عِيسَى بِيَدِهِ مَا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ تَامَّةً مِنْ فِيهِ حَتَّى أَرْخَتِ السَّمَاءَ عَزَالِيهَا وَسُقِيَ الْحَاضِرُ وَالْبَادِ.

22 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: مَاتَ مَوْلًى لِي، فَجَعَلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ مَرَّةً وَيَكْشِفُهُ أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ لا تَخْرُجُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ -[99]- خَيْرُهُ وَشَرُّهُ.

23 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَجُلا قَعَدَ مَعَ ضيفٍ لَهُ يأكل، فجعل يقول ويردد: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى ضَيْفِي فَأَبْسُطَهُ ... عِنْدَ الطَّعَامِ فَقَدْ ضَاقَتْ بِيَ الْحِيَلُ أَخَافُ تَرْدَادَ قَوْلِي كُلْ فَأَحْشِمَهُ ... وَالسَّكْتُ يَحْمِلُهُ مِنِّي عَلَى الْبُخْلِ

24 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا جَمَعَ الْخَلائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لِي: يَا مَالِكُ، فَأَقُولُ: لَبَّيْكَ، فَيَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْجُدَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَجْدَةً، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِّي، فَيَقُولُ: يَا مَالِكُ، كُنِ الْيَوْمَ تُرَابًا.

25 - حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الأَحْبَارِ يَقُولُ: إِنَّمَا مَثَلُ الإِنْسَانِ وَالصَّلاةِ وَالْخَطِيئَةِ كَمَثَلِ رجلٍ فِي عذرةٍ، فِي نتنٍ، حَتَّى إِذَا يُدْبِرُ النَّهَارَ مَرَّ بنهرٍ عَجَاجٍ، فَاغْتَسَلَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِكَ شيءٌ قَطُّ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَظَلُّ يَقْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَجْنِي عَلَيْهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَتِ الصَّلاةُ اغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَغَسَلَ ذُنُوبَهُ كَمَا يَغْسِلُ الْمَاءُ الوسخ.

26 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ قَوْمًا فِيهِمْ كعبٌ، قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الأُمَمَ جُمِعَتْ، فَمُيِّزَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، وَكَأَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَانِ، وَلِمَنْ تَبِعَهُ نورٌ، وَإِذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ شعرةٍ مِنْ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ نورٌ يَتْبَعُهُ، يَتْبَعُهُ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، ولمن يتبعه من أمته نوران نُورَانِ مِثْلَ الأَنْبِيَاءِ. -[100]- قَالَ: فَقَالَ لَهُ كعبٌ: مَنْ حَدَّثَكُمْ بِهَذَا؟ فَقِيلَ لِكَعْبٍ: إِنَّمَا هِيَ رُؤْيَا رَآهَا. فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: اللَّهُ؟ أَرَأَيْتَهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتَ الأَنْبِيَاءِ وَأُمَّتِهِمْ وَنَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ كَمَا رَأَيْتَ.

27 - حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خالد الموصلي، حدثنا الحكم ابن سِنَانٍ أَبُو عَوْنٍ، حَدَّثَنَا شُمَيْطُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ذَبَحَ عِجْلا بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ فَيَبِسَتْ يَدَاهُ، فَوَقَعَ فرخٌ مِنْ وَكْرِهِ، فَبَصْبَصَ إِلَى أَبَوَيْهِ، فَرَدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ رَحْمَةً لَهُ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ يَدَيْهِ.

28 - قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ فِي صِفَةِ الرب عز وجل: يَا قَبْلَ قَبْلِ الْقَبْلِ لا قَبْلَ قَبْلَهُ ... وَيَا بَعْدَ بَعْدِ الْبَعْدِ والْبَعْدُ دَاهِرُ

29 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عَلِيٍّ الأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنٍ الْحَكَمُ بْنُ سِنَانٍ الْقِرَبِيُّ، قال: سمعت فرقد السَّبَخِيَّ يَقُولُ: الْفَرْخُ فِي عُشِّهِ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ عُشِّهِ فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ، فَإِذَا طَارَ فَارْمِهِ بِقَوْسِكَ، أَوِ انْصُبْ لَهُ فَخَّكَ.

30 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُ قَالَ: وُجِدَ عَلَى صخرةٍ مكتوبٌ بالهندية، ففسر فإذا هو: -[101]- لا يأممن عَلَى النِّسَاءِ أَخًا أخٌ ... مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ كُلُّ الرِّجَالِ وَإِنْ تَعَفَّفَ جَهْدَهُ ... لا بُدَّ أَنَّ بنظرةٍ سَيَخُونُ

31 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أصحابنا، قال: قال رجلٌ للأحنف: أنت أبي بَحْرٍ؟ فَقَالَ الأَحْنَفُ: الرَّجُلُ: مخبوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ. ثم أنشأ يقول: وَكَائِنٍ تَرَى مِنْ صامتٍ لَكَ مُعْجَبٍ ... زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ لِسَانُ الْفَتَى نصفٌ ونصفٌ فُؤَادُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إِلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدم

32 - حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَطَاءٍ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا هشيمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: -[102]- جَاءَ رجلٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ، فَقَالَ: هَاهُنَا أَبَا عِمْرَانَ؟! وَإِبْرَاهِيمُ يَسْمَعُ، ثُمَّ قَالَ: هَاهُنَا أبي عِمْرَانَ؟ فَقَالَ: يَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: قُلِ الثَّالِثَةَ وادخل.

33 - قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لأحمد بن يوسف: يَزِينُ الشِّعْرُ أَفْوَاهًا إِذَا نَطَقَتْ ... بِالشِّعْرِ يَوْمًا وَقَدْ يُزْرِي بِأَفْوَاهِ قَدْ يُرْزَقُ الْمَرْءُ لا مِنْ حُسْنِ حِيلَتِهِ ... وَيُصْرَفُ الرِّزْقُ عَنْ ذِي الْحِيلَةِ الدَّاهِي مَا مَسَّنِي مِنْ غِنًى يَوْمًا وَلا عدمٍ ... إِلا وَقَوْلِي عَلَيْهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ

34 - حدثني أبو بكر خليفة بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ سَلامِ بْنِ سَلْمٍ الطَّوِيلِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ]: {إِذَا السَّمَاءُ انشقت. وأذنت لربها وحقت}. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فأَجْلِسُ جَالِسًا فِي قَبْرِي فَيَفْتَحُ لِي بَابًا إِلَى السَّمَاءِ بِحِيَالِ رَأْسِي حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الْعَرْشِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لِي بَابًا مِنْ تَحْتِي إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الثَّرَى، ثُمَّ يَفْتَحُ لِي بَابًا عَنْ -[103]- يَمِينِي حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنَازِلِ أَصْحَابِي، وَإِنَّ الأَرْضَ تَحَرَّكَتْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ؟ قَالَتْ: إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُلْقِيَ ما في جوفي، وأن أتجلى، فَأَكُونَ كَمَا كُنْتُ إِذْ لا شَيْءَ فِيَّ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ. وأذنت لربها وحقت} أَيْ: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَسْمَعَ وتطيع)). {يا أيها الإنسان}. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَا ذَلِكَ الإِنْسَانُ)).

35 - وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جالسةٌ عَلَى سريرٍ، ميلٍ فِي ميلٍ، قَدْ خَرَجَ عَجِيزَتُهَا مِنْ وراء السرير!

36 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُقَاتِلٍ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَرِيرُ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ميلٌ فِي ميلٍ.

37 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ: قُلْتُ لِمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلُ أَمْ عَلِيٌّ؟ قَالَ: فَارْتَعَدَ حَتَّى سَقَطَتْ عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَعِيشَ فِي زَمَانٍ يُعْدَلُ بِهِمَا؛ هُمَا كَانَا رَأْسَيِ الإِسْلامِ وَأُسَّ الْجَمَاعَةِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: -[104]- أَبُو بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ إِيمَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانَ يحيرا الرَّاهِبِ وَاخْتَلَفَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدِيجَةَ حَتَّى أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ علي.

38 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إِنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللَّهَ فَأَجْرَى الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ؛ وَالْفُضَيْلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ عِلْمُهُ.

39 - وَحَدَّثَنِي مَرْدَوَيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: إِنَّ لِكُلِّ شيءٍ دِيبَاجًا، وَدِيبَاجُ الْقُرَّاءِ تَرْكُ الْغَيْبَةِ.

40 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: هَذِهِ الأَبْيَاتُ لأحمد بن يوسف: إِذَا قُلْتَ فِي شيءٍ: نَعَمْ، فَأَتِمَّهُ ... فَإِنَّ نَعَمْ دينٌ عَلَى الْحُرِّ وَاجِبُ وَإِلا فَقُلْ: لا، فَاسْتَرِحْ وَأَرِحْ بِهَا ... لِكَيْلا يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّكَ كَاذِبُ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا لأَحْمَدَ بْنِ يوسف في إفشاء السر: وَإِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ ... فَلامَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ من سِرِّ نَفْسِهِ ... فَصَدْرُ الَّذِي اسْتَودَعْتَهُ السِّرَّ أَضْيَقُ

41 - حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: -[105]- قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رَفَعَ قِرْطَاسًا مِنَ الأَرْضِ فِيهِ: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) إِجْلالا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدَاسَ، كُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ الْعَذَابُ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ)).

42 - حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن صالح، عن الليث ابن سَعْدٍ؛ أَنَّ أَخًا لَهُ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يتوضأ للصلاة فِي الْبَحْرِ، فَزَلَقَ فَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ، فَجَاءَتْ موجةٌ فَغَطَّتْهُ، ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَرَفَعَتْهُ، فَقَالَ: يَا حَيُّ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ؛ ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَغَطَّتْهُ، ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَرَفَعَتْهُ، فَقَالَ: يَا حَيُّ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ؛ فَسَمِعَ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ عَبْدِي وَسَعْدَيْكَ، هُوَ ذَا أَنَا؛ فَحُمِلَ فَجُعِلَ فِي الْمَرْكِبِ.

43 - وحدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَمِينَةَ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: ((لا تُكْثِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ الله ويبتليك)).

44 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ أَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. قَالَ: فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مِثْلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ قَالَ: مِثْلَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: مِثْلَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ- مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: عُتَقَاءُ اللَّهِ)).

45 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: -[106]- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَدْ شَفَعَ الْمَلائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ أَوْ قَبْضَتَيْنِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا خَلْقًا كَثِيرًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا)).

46 - حَدَّثَنِي رَبَاحُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: هُتِفَ برجلٍ وَهُوَ فِي بَعْضِ طُرُقَاتِ الشَّامِ، يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلا يَرَى أَحَدًا: يَا مَغْرُورُ، يَا مَخْدُوعُ، يَا مَخْذُولُ، يَا مَسْتُورُ، انْظُرْ فِي سِتْرِ مَنْ أَنْتَ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَاكَ فَاجْعَلِ الدُّنْيَا كُلَّهَا شَوْكًا، ثُمَّ انْظُرْ أَيْنَ تضع قدمك.

47 - قَالَ: وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لِبَعْضِ الحكماء: حَلاوَتُهَا ممزوجةٌ بمرارةٍ ... وَصَفْوَتُهَا ممزوجةٌ بِقَذَاةٍ

48 - قَالَ: وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لِبَعْضِ الحكماء: قَدِّمْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ صَالِحًا ... وَاعْمَلْ فَلَيْسَ إِلَى الْخُلُودِ سَبِيلُ

49 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعَلَّى الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا أبو عمر الضرير، حدثني أبو سلمى مَوْلَى الْعَتِيكِ، قَالَ: قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ الْمُهَلَّبِ: إِذَا رَأَيْتُمُ النِّعَمَ مُسْتَدِرَّةً فَبَادِرُوهَا بِتَعْجِيلِ الشُّكْرِ -[107]- قَبْلَ حُلُولِ الزَّوَالِ.

50 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُوسٌ الْقَاصُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَسْعَسُ بْنُ سَلامَةَ جَالِسًا عَلَى شَفِيرِ قبرٍ، فَقَالَ: إِنِّي قائلٌ بيتاً من شعرٍ، فأنشأ يقول: إِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عظيمةٍ ... وَإِلا فَإِنِّي لا أَخَالُكَ نَاجِيًا

51 - وأنشدنا لأبي العتاهية: قَدْ نَغَّصَ الْمَوْتُ عَلَيَّ الْحَيَاهْ ... إِذْ لا أرى منه لحي نجاه من جاور الموت فقد أبعد الد ... دار وَقَدْ جَاوَرَ قَوْمًا جُفَاهْ مَا أَبْيَنَ الأَمْرَ وَلَكِنَّنِي ... أَرَى جَمِيعَ النَّاسِ عَنْهُ عَمَاهْ لَوْ علم الأحياء ما عاين الموتى ... إِذًا لَمْ يَسَتَلِذُّوا الْحَيَاهْ

52 - وأنشدني لبعض بني هاشم: أَرَى نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى أمورٍ ... عِظَامٍ لَيْسَ يَبْلُغُهُنَّ مَالِي فَلا نَفْسِي تُسَاعِفُنِي ببخلٍ ... وَلا مَالِي يُبَلِّغُنِي فِعَالِي

53 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ -[108]- الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ قَدْ مَاتَ، فَأَحْسَنُوا عَلَيْهِ الثَّنَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَيْفَ كَانَ ذِكْرُ صَاحِبِكُمْ لِلْمَوْتِ؟)) قَالُوا: مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ يَكَادُ يَذْكُرُ الْمَوْتَ، قَالَ: ((فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ لَيْسَ هُنَاكَ)).

54 - حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ باطلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاهَا)).

55 - حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ عَطَاءٍ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: الْكَذِبُ يَسْقِي بَابَ كُلِّ شَرٍّ كَمَا يَسْقِي الْمَاءُ أُصُولَ الشَّجَرِ.

56 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ جِبْرِيلُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا دينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَلَنْ يُصْلِحَهُ إِلا السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ)).

57 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْبَصْرِيُّ، -[109]- حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْجَنَّةُ دَارُ الأَسْخِيَاءِ)).

58 - قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: هَذَا الشعر لأبي الأسود: وَإِذَا طَلَبْتَ إِلَى كَرِيمٍ حَاجَةً ... فَلِقَاؤُهُ يَكْفِيكَ وَالتَّسْلِيمُ وَإِذَا تَكُونُ إِلَى لئيمٍ حاجةٌ ... فَأَلِحَّ فِي رفقٍ وَأَنْتَ مُدِيمُ وَالْزَمْ قُبَالَةَ بَابِهِ وَفِنَائِهِ ... كَأَشَدَّ مَا لَزِمَ الْغَرِيمَ غَرِيمُ حَتَّى يريحك ثم تهجر بابه ... دهراً وعرضك عن فعلت سليم

59 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: خَتَمَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي يَدَيَّ وَفِي يَدِ الْحَسَنِ وَفِي أَيْدِي النَّاسِ خَواتِيمَ فِيهَا نَقْشُ الْحَجَّاجِ. قَالَ جَعْفَرٌ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا خَاتَمَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، كَانَ مِنْ حديدٍ، كَانَ لا يَلْبَسُهُ؛ فَكَانَ إِذَا دُعِيَ إِلَى الشَّهَادَةِ حَمَلَهُ فَخَتَمَ بِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَلْقَاهُ فِي البيت.

60 - حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: -[110]- أَرِقَ الْمَهْدِيُّ ذَاتَ ليلةٍ، فَإِذَا هو بهاتف يهتف من جوانب قصره: كَأَنِّي بِهَذَا الْقَصْرِ قَدْ بَادَ أَهْلُهُ ... فَأَوْحَشَ مِنْهُ رُكْنُهُ وَمَنَازِلُهْ وَصَارَ عَمِيدُ الْقَصْرِ مِنْ بَعْدِ بهجةٍ ... وملكٍ إِلَى قَبْرٍ عَلَيْهِ جَنَادِلُهْ فَلَمْ يَبْقَ إِلا ذِكْرُهُ وَحَدِيثُهُ ... يَصِحْنَ بليلٍ معولاتٍ حلائله

61 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي صديقٌ لِي، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى قصرٍ بِالْحِجَازِ عَلَيْهِ مكتوبٌ: لِلَّهِ دَرُّكَ كَمْ بيتٍ مَرَرْتَ بِهِ ... قَدْ كَانَ يَعْمُرُ باللَّذَّاتِ وَالطَّرَبِ دَارَتْ عُقَابُ الْمَنَايَا فِي جَوَانِبِهِ ... فَصَارَ مِنْ بَعْدِهَا لِلْوَيْلِ وَالْحَرْبِ

62 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي صديقٌ لِي، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى قبرٍ بِالأُبُلَّةِ عليه مكتوبٌ: مَنْ أَبْصَرَ الْقَبْرَ رَأَى عِبَرًا ... جَنَادِلا يُبْلِينَ وجهاً نضراً

63 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: لَمْ يَشْرَبْ دَاوُدُ شَرَابًا مِنْ بَعْدِ الْمَغْفِرَةِ إِلا وَنِصْفُهُ ممزوجٌ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ.

64 - حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، -[111]- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: لَمَّا أَصَابَ دَاوُدُ الْخَطِيئَةَ أَكْثَرَ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لا يُسْتَجَابُ لَهُ، أَخَذَ فِي نحوٍ مِنَ النِّيَاحَةِ، فَرُحِمَ، فَغُفِرَ لَهُ.

65 - حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن صالح، حدثنا الحسين ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَسْمَعْهُ شيءٌ إِلا حَجَلَ كَهَيْئَةِ الرَّقْصِ.

66 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ دَاوُدُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَعْمَلُ الْقُفَّةَ مِنَ الخوص، ثم يبعث فها فَيَبِيعُهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا.

67 - قال: وحدثنا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، قَالَ: كَانَ دَاوُدُ يَعْمَلُ الْقِفَافَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَهُوَ موسعٌ عَلَيْهِ.

68 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمِصِّيصِيُّ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي -[112]- شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَقْبَلَ أسدٌ فاغرٌ فَاهُ لِيَلْقَمَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ سوءٍ، فَأَيْبَسَ اللَّهُ لَحْيَهُ، وَصَرَفَهُ عَنْهُ.

69 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أبو محمد، حدثنا بقية ابن الْوَلِيدِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ حَذْلَمٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبَانَ الْقُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي سفرٍ لَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ إِذَا قومٌ وقوفٌ؛ فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: أسدٌ عَلَى الطَّرِيقِ قَدْ أَخَافَهُمْ. فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَيْهِ حَتَّى أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَعَرَكَهَا، ثُمَّ قَفَدَ قَفَاهُ وَنَحَّاهُ عَنِ الطَّرِيقِ؛ ثُمَّ قَالَ: مَا كَذَبَ عَلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى ابْنِ آدَمَ مَنْ خَافَهُ ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يَخَفْ إِلا اللَّهَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ابْنُ آدَمَ وَكَّلَ بَنِي آدَمَ لِمَنْ رَجَا ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يَرْجُ إِلا اللَّهَ لَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ)).

70 - حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانُ أَبُو الْقَاسِمِ، حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن لذيذ الخطيب عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنِي الرَّشِيدُ وَرَجُلا مِنَ الشِّيعَةِ وَرَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، فَكَانَ الشِّيعِيُّ يُصَفِّرُ شَيْبَهُ، وَكَانَ الْقُرَشِيُّ يُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ، وَكُنْتُ أُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ؛ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَى مَلِكِ الرُّومِ أَدَّيْنَا الرِّسَالَةَ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: مَنْ خَطِيبُهُمْ؟ قُلْتُ: أَنَا. قال ل: هَذَا سَوَّدَ يَتَشَبَّبُ لِلْغَوَانِي، وَهَذَا صَفَّرَ غَيَّرَ زَهْوَةَ الشَّيْبِ؛ أَرَأَيْتَ أَنْتَ لَوْ خَلَقَ اللَّهُ رَأْسَكَ وَلِحْيَتَكَ أَحْمَرَ كُنْتَ تَرْضَاهُ؟ قَالَ: -[113]- فَثَرَّدَ عَلَيَّ وَاحِدَةً فَكَسَرَتْنِي، فَالْتَفَتُّ إِلَى صَاحِبِي فَقُلْتُ: إن قلنا في هذه [و] لم نجيء بجوابٍ، قَلَّنَا فِي جَمِيعِ مَا جِئْنَا لَهُ؛ ثُمَّ ثَابَ إِلَيَّ فِكْرِي. قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ عَلَمُ الإِسْلامِ وبراءةٌ مِنَ الشِّرْكِ. قَالَ: قُلْ لَهُ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: يَتَلَقَّانِيَ اللاقِي فَيَسْتَغْنِي بِالنَّظَرِ إِلَيَّ بِمَسْأَلَتِي عَنْ دِينِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَتَزَيَّنُ بِهَذَا الزِّيِّ إِلا مسلمٌ. فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى بابٍ صَغِيرٍ خَلْفَ فَرْشِهِ، فَدَخَلَهُ، فَلَمْ نَرَهُ سَبْعِينَ يَوْمًا لِعِظَمِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ. ثُمَّ بعث إلي بعد فأنس بي وإذا هُوَ مِنْ ولدٍ جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ، وَإِذَا هُوَ أَفْصَحُ النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَيَّامِ النَّاسِ، وَالشِّعْرِ؛ فَكُنْتُ أُسَامِرُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ يَوْمًا إِذْ قَالَ لِي: أُرِيكَ شَيْئًا لا تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ: مِثْلَهُ فِي بِلادِنَا. وَأَخْرَجَ إِلَيَّ سِتْرَ إِبْرِيسَمٍ مَنْسُوجٍ بِالذَّهَبِ، عَرْضُهُ نيفٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا، فِي طُولِ مئةٍ وكسرٍ، وَلَمْ يُتِمَّ، وَإِذَا فِي آخِرِهِ قَدْرُ إِصْبَعَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَسْجِهِ، وَإِذَا فِي أَعْلاهُ مكتوبٌ سَطْرَانِ، أَحَدُهُمَا: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِمَّا عُمِلَ لِسَامِ بن نوح)) والسطر الثاني: مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا ... دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ إِلا لِنَقْلِ السُّلْطَانِ مِنْ ملكٍ ... عاتٍ شَدِيدِ الْقُوَى إِلَى مَلِكِ قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: شيءٌ تَوَارَثَهُ مُلُوكُ الرُّومِ، وَلَيْسَ مِنَّا أحدٌ يَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامِهِ. قُلْتُ: فَمَا هَذَا الْقَلِيلُ فِي آخِرِهِ لا يُشْبِهُهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبِي رَامَ أَنْ يُتِمَّهُ، فَصَنَعَ هَذَا، فَلَمَّا رَآهُ لا يُشَاكِلُهُ تَرَكَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ طِرَازًا يُعْمَلُ لَهُ فِي كُلِّ قليلٍ مِثْلُ هَذَا عدةٌ. قَالَ: قَدْ جئتني بحؤر الْعَرَبِ، اكْتُبْ فَلْيَأْتِنِي مِثْلُ هَذَا، وَلَكَ عَلَيَّ مَا تَسْأَلُ. -[114]- فَخَرَجْتُ فَبَادَرْتُ بِالْكِتَابِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِصَّةِ وَبِصِفَةِ الثَّوْبِ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَعَثَ إِلَيْنَا بِمِثْلِهِ. فَعَظُمَ ذَلِكَ فِي صَدْرِهِ؛ فَإِنِّي مَعَهُ جالسٌ إِذْ قَالَ لِي: بَقِيَتْ واحدةٌ لا تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لِي: عِنْدَنَا مِثْلُهُ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: رجلٌ لا تقدر على ما يَضَعُ خَدَّهُ إِلَى الأَرْضِ. قُلْتُ: أَرِنِيهِ. قَالَ: فَدَعَوْا برجلٍ لَمْ أَرَ كَهَيْئَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لا أَحْسَبُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، فَكَيْفَ عِنْدَنَا؛ ثُمَّ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى أَنْ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتَنِي بحؤر العرب، إن قدرت على من يضع خداً ذَا إِلَى الأَرْضِ فَلَكَ عَلَيَّ مَا شِئْتَ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَبَصُرَ بِي بَعْضُ الْمُكَارِيِّينَ، فَقَالَ لِخَادِمٍ لِي: مَا قِصَّةُ مَوْلاكَ؟ قَالَ: قَالَ لَهُ مَلِكُ الرُّومِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ لَهُ الْمُكَارِيُّ: ادْخُلْ فَقُلْ لِمَوْلاكَ: أَنَا أَضَعُ خَدَّهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَدَخَلَ إِلَيَّ الْغُلامُ، فَأَخْبَرَنِي. قُلْتُ: محالٌ، وَمَا عَلَيَّ أَنْ أَدْعُوَهُ. قَالَ: فَيَدْخُلُ إِلَيَّ رجلٌ مربوعٌ ملززٌ، سَكَنَ قَلْبِي إِلَيْهِ حِينَ رَأَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ، إِنَّهُ أَعْظَمُ مِمَّا تَرَى. قَالَ: فَدَعْهُ يَكُونُ نُمْرُودَ. قُلْتُ: فَاعْمَلْ عَلَى أَنْ تَغْدُوَ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَغَدَوْتُ مَعَهُ وَهُوَ مَعِيَ، حَيْثُ رَآنِيَ الْمَلِكُ فضحك؛ فقلت لبعض من معنا من المكارين: تَضَعُ خَدَّ ذَا إِلَى الأَرْضِ؟ فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: جورٌ كُلُّ ذَا. قُلْتُ: لا عَلَيْكَ، قَدْ أَحْضَرْتُهُ، فَابْعَثْ فَأَحْضِرْ [صَاحِبَكَ، فَأَحْضَرَ] صَاحِبَهُ وَاجْتَمَعَتِ الْبَطَارِقَةُ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرَّهَابِنَةُ، وَحَضَرَ الرُّومِيُّ، وَأُمِرْتُ بِإِدْخَالِ الْمُكَارِيِّ وَإِنَّ قَلْبِي لَشَدِيدُ الْخَفَقَانِ، وَلَقَدْ قَدَرْتُ الرُّومِيَّ، وَالْمُكَارِيَّ فَرَأَيْتُ فِيهِ مِثْلَهُ أَرْبَعَةً؛ وَأَقْبَلَ الرُّومِي يَتَضَاحَكُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرومي: هاهنا ثلاثٌ؛ إِمَّا أَنْ تَضْرِبَنِي أَوْ أَضْرِبَكَ، أَوْ تثبت لي حتى آخذك أَثْبُتَ لَكَ، أَوْ فَتَأْخُذَ أَيُّنَا أَخَذَ صَاحِبَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُكَارِيُّ: هَذَا أَنَا فَاضْرِبْ حَيْثُ شِئْتَ، ثُمَّ مَكِّنِّي. قَالَ: ثُمَّ أَقْعَى؛ فَرَأَيْتُهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ: وَحَسَرَ الرُّومِيُّ عَنْ ذراعٍ كَأَنَّهَا أُسْطُوَانَةُ رخامٍ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ الْمُكَارِيَّ وَزَوَى لَهُ رَأْسَهُ فَوَقَعَتِ -[115]- الضَّرْبَةُ عَلَى فَرْدِ قَرْنِهِ، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَظَنَنْتُ -وَاللَّهِ- أَنَّهَا نَفْسُهُ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يُكَبِّرُونَ. قَالَ: وَغَمَزْتُ غُلامِي، فَجَاءَ بِكُوزِ ماءٍ، فَرَشَشْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أُفَدِّيهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ لِي: لا عَلَيْكَ أَبَا عُثْمَانَ، أَنَا بِكُلِّ خيرٍ، مَا فَعَلَ صَاحِبِي؟ قُلْتُ: هَا هُوَ ذَا، فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ -وَاللَّهِ- آخُذُ طَائِلَتِي. قُلْتُ: دَعْهُ الْيَوْمَ إِلَى غدٍ، أَوْ تَرْجِعَ إِلَيْكَ نَفْسُكَ. قَالَ: لا وَاللَّهِ، لا أَبْرَحُ حَتَّى آخُذَ طَائِلَتِي. فَقَامَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ، وَيَطْلُبُ الرُّومِيَّ، وَالرُّومِيُّ يَتَضَاحَكُ بِهِ، وَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ سُرْعَةُ قِيَامِهِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ تَلِفَ، فَقَالَ لَهُ: أَمْكِنِّي، فَتَرَبَّعَ الرُّومِيُّ مُسْتَهْزِئًا بِهِ. قَالَ: اضْرِبْ حَيْثُ شِئْتَ. فَضَرَبَ فَكَّيِ الرُّومِيِّ، كَأَنِّي -وَاللَّهِ- أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا يَلُوحَانِ مِنْ نَاحِيَةٍ؛ وَرَكِبَ الرُّومِيُّ رَأْسَهُ مَيْتًا، وَنَخَرَتِ الْبَطَارِقَةُ وَنَعَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَوَثَبْتُ، فَلَمْ يَكُنْ هِمَّتِي إِلا خَلاصُهُ حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، وَقَضَيْنَا سَفَرَنَا. فَإِنِّي لَعِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا إِذْ دَخَلَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً كَافِيَّةً فِي وسطها: مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا ... دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ إِلا لِنَقْلِ السُّلْطَانِ مِنْ مالكٍ ... عَاثَ [فِي] الدُّنْيَا إِلَى مَلِكِ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْرِفُ -وَاللَّهِ- بَيْتَيْنِ مِنْهُمَا؛ وَضَرَبْتُ بِيَدَيَّ إِلَى خُفِّي، فَأَخْرَجْتُ رُقْعَةً مِمَّا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَعْلَمُ أَنَّ لِي ثَلاثَ نسوةٍ، وَأَنَّكَ مَا جَرَّبْتَ عَلَيَّ كَذِبًا؛ ثُمَّ انْدَفَعَ فَحَلَفَ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ أَنَّهُ مَا سَمِعَ بِهِمَا قَطُّ، وَلا سُمِعَا مِنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. فَقَالَ الرَّشِيدُ: قَدْ يَكُونُ الاتِّفَاقُ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ الْمَلِكِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قِصَّةِ الْمُكَارِيِّ، فَدَعَا بِهِ فَقَوَّدَهُ عَلَى ألفٍ، وَجَعَلَ لَهُ خَاصَّةَ ألفٍ، وَوَلاهُ قم.

71 - قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: -[116]- سَمِعْتُ أعرابياً ينشد في الشيب والخضاب: يَا بُؤْسَ مَنْ فَقَدَ الشَّبَابَ وَغُيِّرَتْ ... مِنْهُ مَفارِقُ رَأْسِهِ بِخِضَابِ يَرْجُو غَضَارَةَ وَجْهِهِ بِخِضَابِهِ ... ومصير كل عمارةٍ لخراب إن وَجَدْتُ أَجَلَّ كُلِّ مصيبةٍ ... فَقْدَ الشَّبَابِ وَفُرْقَةَ الأحباب آخر كتاب الديباج، وصلى الله على محمد، والحمد لله وحده.

§1/1