الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك

سليمان بن عبد الله آل الشيخ

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد لم يكن متوقعاً أن تشهد الجزيرة العربية تغيراً شاملاً يعصف رتابة الحياة ويزجها في أتون الصراعات الخارجية، بعد أن ظلت قروناً طويلة: ممزقة الأوصال، تعيش في دوامة الضياع والتشتت، وترضى من الدنيا بأقل القليل. ولكن الله تعالى قدر لهذا الجزء القابع في أعماق الصحراء، البعيد عن أطماع المستعمرين، الذي لا يملك من أسباب الترف والرفاهية شيئاً، أن يقفز خلال سنوات قليلة إلى مصاف الدول المتحضرة، ويحقق لنفسه مكاناً أعاد للأذهان انتصارات الجيل الأول وفتوحاته المجيدة. وهذه النقلة الرائعة التي استلفتت الأنظار ما كان لها أن تتحقق لولا عناية الله تعالى ثم جهود الدعوة السلفية الخالدة، التي ترعرعت بين روابي نجد ووهادها: فأمرعت وأينعت بأطيب الثمار. غير أنها حينما أخذت تمد يدها الحانية لجاراتها وتمكنت من بسط نفوذها على بلاد الحرمين وتخليصه من هيمنة الوثنية، وانتزاعه من براثن الشرك، أثار ذلك الانعتاق مخاوف الدولة العثمانية. ورأت فيه تعجيلاً بنهايتها، ونسفاً لمبررات وجودها، المعتمد على ثقلها الديني، والمنبثق من سيطرتها على الأماكن المقدسة.

الأمر الذي يتطلب السعي الحثيث للقضاء على هذه الدعوة المتمردة قبل استفحالها وتعاظم خطرها، وحتى لا يصبح من العسير بعد ذلك إبادتها. فاستخدمت لتحقيق هدفها ما استطاعت من ضروب الحيل والمكر والتأليب، ونجحت في قتل قائدها الفذُّ عبد العزيز بن محمد بن سعود غيلة (¬1) . لكن تلك الجريمة البشعة، لم تُفلح في إيقاف نجاح الدعوة أو كبح جماحها. ولهذا تيقنت الدولة العثمانية ومن ورائها الدول الاستعمارية الغادرة أنه لا مناص من البحث عن وسيلة قادرة على حسم الموقف. فلم تجد أفضل من خادمها محمد علي. حيث رأى في تنامي هذه الحركة ما يهدده، وخشي أن تؤثر على سلطانه المتهالك: يبث تلك الروح الجديدة بين رعاياه عن طريق الاتصال بهم في مواسم الحج. إلى جانب ما كان يتطلع إليه من مد دولته وتوسيع حدودها، فجندته لتحطيم الدعوة وسحقها. ولم يتورع قط عن ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل أطماعه وشهواته المريضة. وليس بوسعنا الآن التعرض لمظالمه وفظائعه، التي تقشعر منها الأبدان. أو التطرق للمخازي التي اقترفها في نجد، مما يمكن أن يوصف بالوحشية والبربرية وما شئت من أوصاف. وبمقدورنا تبين حجم ما فعله هذا المسخ المشوه بأمته - إن كان ثمة دين يربطه بهذه الأمة - من البهجة والسرور الذين استقبلت بهما ¬

(¬1) كان ذلك بواسطة أحد العملاء الجبناء (درويش) ، الذي انقض عليه وهو ساجدٌ أثناء صلاة العصر في مسجد الطريف بالدرعية في العشر الأواخر من شهر رجب سنة ثمان عشرة بعد المائتين والألف. "عنوان المجد" (1/264) .

الأمبراطورية البريطانية هذه الأحداث (¬1) . والمتصفح لتاريخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، وما سجله كل من (بركهارت) و (هوغارث) (¬2) وهم من المعاصرين لأحداث تلك الفترة لا يعوزه الدليل الصارخ على ما قلنا. ولقد وقف رجال الدعوة وقادتها وعلماؤها في وجه الزحف الغادر بكل ما أتوا من قوة، وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الذود عن مبادئها ودفع غائلة الشر عنها. ومع كل ما تعرضت له من ألوان المحو والطمس، وما تعرض له قادتها وعلماؤها من القمع والتنكيل. فقد بقيت حية غضة في قلوب أبنائها، واستمرت مصدر إشعاع. ولا زلنا بحمد الله نتفيأ ظلالها الورافة، ونعيش في كنفها الرحب. إلا أن ذلك سيظل منوطاً بما يقدم لهذه الدعوة من دعم وتشجيع، وما تحاط به من رعاية واهتمام، تستمر في أداء رسالتها وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام. ولابد إذا ما كنا جادين في تثبيت دعائمها، ومقتنعين بأهميتها وحيويتها وسلامة منهجها. من الاستفادة من تاريخها ومسيرتها الطويلة، والتنقيب عن أسباب انتشارها، والبحث عن الملابسات التي أدت إلى انحسارها وتقهقرها أمام الغزاة في ذلك الوقت. ولندع الآن حفيد إمام الدعوة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ¬

(¬1) ينظر "كتاب العربية" لسانت جون فلبي (ص / 103) عن " كتاب محمد بن عبد الوهاب" لمسعود الندوي (ص / 121) . (¬2) ينظر " كتاب محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه" لمسعود الندوي (ص / 128) .

حسن (¬1) يشرح لنا أهم الأسباب التي ساهمت في اشتعال الفتنة، ويحلل لنا أبعاد الموقف المتأزم - من وجهة نظره الخاصة باعتباره من المعاصرين لها وممن اكتوى بنارها - يقول وهو يخاطب الإمام عبد الله ابن فيصل رحمه الله: تفهم أن أول ما قام به جدك محمد وعبد الله، وعمك عبد العزيز أنها خلافة نبوة. يطلبون الحق ويعملون به ويقدمون ويغضبون له، ويرضون ويجاهدون، وكفاهم الله أعداءهم على قوتهم. إذا مشى العدو كسره الله قبل أن يصل؛ لأنها خلافة نبوة، ولا قاموا على الناس إلا بالقرآن والعمل به، كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} (¬2) .. وصار أهل الأمصار يخافونهم. وأراد الله سبحانه إمارة سعود بعد أبيه يرحم الله الجميع، وأراد الله أن يغير طريقة والده الذي قبله، وبغاها ملكاً وبدأ الأمر. ينقص أمر الدين والدنيا تطغى.. وصار العاقبة القصور - التي بنيت بقناطير - والمقاصير - التي تنفذ فيها الأموال العظيمة - التي تسوى ثلاثة آلاف ما تسوى اليوم الاجديدة (¬3) لما جرى من تسليط الأعداء عليهم. هذا وهم على التوحيد. لكن ما أعطوه حقه. اشتغلوا بالدنيا ونضارتها وما فتح الله عليهم، وأعرضوا عما أوجب الله عليهم القيام به في أنفسهم وعلى الناس. فجرى ما جرى.. وهذا بسبب الغفلة عما أوجب الله؛ لأن الله اختار لهم أمراً ¬

(¬1) المجدد الثاني للدعوة ولد رحمه الله سنة 1193 وامتد به العمر إلى أن أدركه الأجل سنة 1285. " مشاهير علماء نجد" (/58) .. (¬2) سورة النور آية 55. (¬3) نوع من العملة قليل القيمة.

عظيماً ومكنهم منه ومن الناس. لكن حصل تفريط في هذه النعمة العظيمة. والدرعية اليوم من تدبر حالها وحللها: عرف أن ما جاءهم إلا ذنوبهم. فاعتبروا يا أولي الأبصار (¬1) . وغني عن القول أن هذا الرصد التأريخي، لا يعني بأي حال الاستهانة بالدور الذي لعبته الخلافة العثمانية في جمع شمل المسلمين وحمايتهم من هجمات الصليبيين وأطماع المستعمرين، وما تحقق في وقتهم من انتصارات وفتوح شاسعة، وطرق الأبواب الجديدة في سبيل توسيع رقعة الإسلام. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن أيضاً أن ينسينا ما فعلته هذه الخلافة في أيامها الأخيرة بالأمة الإسلامية، باسم الإسلام وتحت مظلته. وما أسدت في شيخوختها من أياد سوداء، ومواقف مخزية بشعة. فتحولت من خلافة إسلامية إلى خلافة من نوع آخر، يحكمها الماسون ويسيرها التعصب والحمية الجاهلية (¬2) . ولم يعد لها من اسمها أي نصيب يذكر، غير التسلط والاستغلال وهدر جميع فرص التقدم. بل أصبحت وكراً تحاك فيه المؤامرات ضد الشعوب المسلمة المستضعفة، وسادناً مخلصاً لكل بدعة وخرافة تلفظها العقول. *** ¬

(¬1) " الدرر السنية" (11/47) ، وإلى هذا يشير أيضاً: ابن بشر في "عنوان المجد" (1/277) ، والحازمي في " الرسائل" (99، 125، 137) . (¬2) ولا زالت بقايا هذه الدولة ترزح تحت عدوان هؤلاء، وتتجرع مرارة التخريب والإفساد.

موضوع الرسالة

موضوع الرسالة الولاء والبراء أصلان عظيمان من أصول الإسلام، ومظهران بارزان من عقيدة أهل السنة والجماعة تتميز به عن غيرها. وذلك نابع من كونهما من أهم لوازم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) . وبما أنه لا ولاء إلا ببراء، كان من الضروري توضيح مبدأ البراء، والكشف عن معانيه. ومن هنا اكتسبت الرسالة أهميتها، وحرص علماء نجد خاصة على تلقينها للطلاب وحفظها عن ظهر قلب (¬1) . وقد استهدفت الرسالة إثراء هذه القضية، وبيانها على نحو بعيد عن الغموض أو الابهام. فاستهلها المؤلف بالحديث عن حكم إظهار الموافقة للمشركين وموالاتهم، وكان قوله صريحاً صارماً منذ البداية ¬

(¬1) حدثني بذلك الشيخ المعمر عبد العزيز المرشد، وذكر لي أنه قرأها مرات كثيرة على شيخه العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله. كما أشار إلى هذه العناية الشديدة: الشيخ ابن قاسم " الدرر" (12/48) ، والشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ في مقدمة "تيسير العزيز الحميد" (ص / 13) ..

ومدعماً بالدليل من الكتاب والسنة. ولذا تمكنت من إسقاط جميع الأعذار التي يتشبث بها من لم يقر في قلبه الإيمان، بصورة أزاحت الغشاوة عن العيون، وبددت ما كان عالقاً في الأذهان مما نسجه الخوف، وغذته الوساوس. ويلمح القارئ للرسالة اهتمام المؤلف بأمرين: أولهما: التأكيد على خطر بعض صور الشرك في وقته، ولا سيما تعظيم القباب، ودعاء الأموات: لأن ذلك شرك صريح مخرج عن الملة، ولا مجال للجدال فيه. وثانيهما: أن الإكراه عن الشرك والكفر، يسقط المؤاخذة. إذا ما كان إكراهاً حقيقياً يتعذر دفعه. والقلب مطمئن بالإيمان لا يخالطه ريب أو شك. ويبدو من سياق الرسالة وأسلوبها الحازم الصريح، أن الشيخ سليمان كتبها أثناء اجتياح الجيوش العثمانية لنجد، بعدما تسامع الناس عن مواقف بعض القرى والبوادي المتخاذلة (¬1) يقول رحمه الله في حديثه على الدليل السادس عشر {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} : فهذه الآية مطابقة لحال المنقلبين عن دينهم في هذه الفتنة سواء بسواء ... لما أصابتهم هذه الفتنة انقلبوا عن دينهم وأظهروا موافقة المشركين (¬2) . ¬

(¬1) ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن - وهو ممن عاصر تلك الأحداث الدامية - شيئاً من هذه المواقف وعقبها بقوله: (إن هناك من أهل نجد من أعانهم وساعد المعتدين ممن لم يتمكن الإيمان في قلبه) وكان الشيخ رحمه الله على يقين من ذلك حيث وعد بتحديد أعيانهم فيما لو سأله سائل عنهم. ينظر "المقامات" ورقة (21، 24) .. (¬2) وانظر كلامه أيضاً عن الدليل السابع عشر والثاني عشر. وفي رسالة للشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله - بعثها إلى بعض المنتسبين إلى العلم ما يؤكد ذلك. قال: نبين لكم سبب تصنيف الدلائل. فإن الشيخ سليمان صنفها لما هجمت العساكر التركية على نجد في وقته وأرادوا اجتثاث الدين من أصله وساعدهم جماعة من أهل نجد من البادية والحاضرة، وأحبوا ظهورهم. "الدرر السنية" (5/309) ..

وصف النسخ

وصف النسخ اعتمدت في تحقيق الرسالة على خمس نسخ تامة، وهي كما يلي: الأولى: وكتب في أولها، ما نصه: بسم الله. قال الشيخ الإمام العالم الرباني سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. أجزل الله لهم الثواب وأمنهم من عذاب النار وأليم العقاب ووقفنا وذرياتهم للصواب. نقلها الشيخ عبد الله بن حمود (¬1) سنة 1251 (¬2) ، وتقع في سبع ورقات ومسطرتها 21 سطراً. وقد عثرت عليها ضمن أوراق (دشوت) بمكتبة الشيخ عبد العزيز المرشد (ت 1417هـ) . وهي نسخة مقابلة مصححة، منقولة من خط المؤلف (¬3) . ولذلك ¬

(¬1) لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر. (¬2) أشار إلى ذلك في خاتمة الرسالة التي تلتها. (¬3) كما نبه عليه الناسخ في آخر الرسالة. ولا يمنع عدم جزمه بما ذكر، لأن حظ الشيخ سليمان معروف لا يشتبه بغيره. فلم يكن في زمنه من يكتب بالقلم مثله، كما قال ابن قاسم 12/48 وغيره.

جعلتها أصلاً. الثانية: وتقع في ست ورقات، ومسطرتها 25 سطراً. وهي نسخة مقابلة ومصححة؛ كما يتضح من كثرة التعليقات. غير أنها خلت من العنوان واسم المؤلف؛ لأنها كانت فيما يبدو ضمن مجموع انفرط عقده. وقد عثرت عليها أيضاً مع أوراق (دشوت) بمكتبة الشيخ الفاضل عبد العزيز المرشد، ورمزت لها بحرف (ع) . الثالثة: وعثرت عليها في مجموع صغير، تضمن بعض رسائل ابن تيمية وأئمة الدعوة، محفوظ بمكتبة الرياض السعودية بدون رقم. وتقع في إحدى عشرة ورقة، ومسطرتها 15 سطراً، ليس لها عنوان أو اسم ناسخ ولا تاريخ نسخ. وقد كتبت بخط جميل جداً، إلا أن فيها بعض التحريف والنقص. ورمزت لها بحرف (ر) . الرابعة: ودون في بدايتها، ما نصه: هذه إحدى وعشرون دليل في أن من ساكن المشركين ووالاهم فهو مشرك مثلهم ... للشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ولم يشر الناسخ إلى اسمه، أو تاريخ فراغه من نسخها. وهي تقع في سبع ورقات، ومسطرتها 24 - 26 سطراً. وسجل على ورقتها الأخيرة تملك، ونصه في ملك الفقيرة إلى ربها العزيز أمته حليمة آل عبد العزيز غفر الله لها.. ورمزت لها بحرف (م) .

الخامسة: نشرت مع رسائل لابن تيمية وابن القيم، في مجموع بعنوان الجامع الفريد سنة 1387هـ دون تحقيق. وتقع في ست ورقات، من الصفحة 371 إلى 382. ولم يذكر شيء عن الأصل الذي اعتمد عليه في النشر، إلا أنه تبين لي بمعارضتها مع النسخ الأخرى اتفاقها في كثير من الأحيان مع نسخة (ر) ، وهي نسخة ناقصة تجاوز سقطها في بعض المواضع السطرين أو يزيد. وقد أشرت إليه في الهامش، ورمزت لها بحرف (ط) (¬1) . عنوان الرسالة: اغفلت النسخ المحفوظة الإشارة إلى اسم الرسالة، فيما عدا النسخة (م) . حيث ورد فيها هكذا: إحدى وعشرون دليل في أن من ساكن المشركين ووالاهم فهو مشرك مثلهم. ويبدو أن الناسخ أخذه من المضمون، فجاء على هذا النحو. أما في المطبوعة، فجعله الناشر: حكم موالاة أهل الإشراك. وإذا انتقلنا إلى كتب التراجم، فإننا نجد الشيخ ابن قاسم ينص على أن اسمها: الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك (¬2) . بينما يسميها ابن بسام (¬3) ، وصاحب مشاهير علماء نجد (¬4) : الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: ابن قاسم " الدرر السنية" (5/47) ويلاحظ ما بينهما من التشابه الكثير. فلعلها عن أصل واحد. (¬2) "الدرر" (12/48) . (¬3) "علماء نجد" (1/295) . (¬4) الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف. (¬5) عند ابن بسام: أهل الشرك.

ويبدو أن الأقرب هو ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (ت 1393) ؛ لما عرف عنه من ممارسة طويلة لتراث أئمة الدعوة، وخبرة واسعة مكنته من جمعه وترتيبه وإخراجه في أسفار كثيرة. منهج التحقيق: اتخذت النسخة المنقولة من خط المؤلف أصلاً. وعولت كثيراً على ما ورد فيها؛ لقدمها وصحتها. أما بقية النسخ، فعارضتها بالأصل وأثبت ما بينها من فروق. ولم أضف إلى الأصل إلا ما رأيت الحاجة تدعو إليه، فألحقته في الصلب بين حاصرتين. كما قمت بعزو الآيات الكريمة، وتخريج الأحاديث، وذكرت ما قاله أهل العلم في شأن ثبوتها بقدر الإمكان. وترجمت للأعلام ممن يحتاج إلى تعريف، وفسرت ما غمض، إلى غير ذلك. وبعد: فأرجو الله العلي القدير أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يمنحنا الفقه في الدين والسير على شرعه القويم، إنه جواد كريم وبالإجابة جدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

النص المحقق

النص المحقق بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) (¬2) الحمد لله رب العالمين21. اعلم رحمك الله: أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم، ومداراة لهم ومداهنة؛ لدفع شرهم. فإنه كافر مثلهم (¬3) ، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين. هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك. فكيف إذا كان في دار منعة، واستدعى بهم، ودخل في طاعتهم (¬4) وأظهر الموافقة على دينهم الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال (¬5) ، ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار (¬6) من جنود الشرك والقباب (¬7) وأهلها، بعدما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله. فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر، من أشد الناس عداوة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم (¬8) . ولا يستثنى من ذلك إلا المكره: وهو الذي يستولي ¬

(¬1) (م) بزيادة: وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل (¬2) ما بينهما ساقط من (ر) و (ط) وعلق في هامش (ع) زيادة: والصلاة والسلام على محمد وعلى آله. وعليه كلمة صح. (¬3) ينظر التفريق عند أئمة الدعوة: بين المداراة والمداهنة. وأن المداراة لا بأس بها؛ عند الحاجة المعتبرة. ابن قاسم ((الدرر السنية)) (5/35) وانظر أيضاً: الآجري ((الغرباء)) (79) . (¬4) (ر) ولايتهم. (¬5) (ط) في طاعتهم، ساقطة. (¬6) (ر) فصار. (¬7) (ط) (م) (ر) القباب والشرك. (¬8) صلى الله عليه وسلم ليست في (ر) .

الدليل الأول:

عليه المشركون (¬1) ، فيقولون (¬2) له: اكفر، أو (¬3) افعل كذا وإلا فعلنا بك وقتلناك. أو (¬4) يأخذونه، فيعذبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللسان، مع طمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر (¬5) فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا؟ ! وأنا أذكر بعض الأدلة على ذلك، بعون الله وتأييده: الدليل الأول: قول الله تعالى (¬6) : (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (¬7) . فأخبر تعالى: أن اليهود والنصارى وكذلك المشركون، لا يرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتبع ملتهم، ويشهد أنهم على حق. ثم قال: (قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا نصير) (¬8) وفي الآية الأخرى: (إنك إذا لمن الظالمين) (¬9) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لو (¬10) يوافقهم على دينهم ظاهراً من غير عقيدة القلب ـ لكن خوفاً من شرهم ومداهنة ـ ¬

(¬1) (ر) المشركين. تحريف. (¬2) (ر) ويقولون (¬3) (م) (ع) و. (¬4) (ر) و. (¬5) وسند الإجماع، قول الله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) الآية سورة التوبة الآيتان 66، 65. (¬6) (م) (ع) (ر) (ط) قوله. (¬7) سورة البقرة آية 120. (¬8) سورة البقرة آية 120. (¬9) سورة البقرة آية 145 (¬10) (م) لم

الدليل الثاني:

كان من الظالمين، فكيف بمن أظهر لعباد القبور والقباب (¬1) أنهم على حق وهدى مستقيم؟ ! فإنهم لا يرضون إلا بذلك. الدليل الثاني: قول الله تعالى (¬2) : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (¬3) فأخبر تعالى: أن الكفار لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم / عن دينهم إن استطاعوا. ولم يرخص في موافقتهم خوفاً على النفس والمال والحرمة، بل أخبر عمن وافقهم بعد أن قاتلوه (¬4) ليدفع شرهم أنه مرتد. فإن مات على ردته بعد أن قاتله المشركون، فإنه من أهل النار الخالدين فيها. فكيف بمن وافقهم من غير قتال؟ ! فإذا كان من وافقهم بعد أن قاتلوه، لا عذر له، عرفت أن الذين يأتون إليهم (¬5) ويسارعون في الموافقة لهم من غير خوف ولا قتال، أنهم (¬6) أولى بعدم العذر، وأنهم كفار مرتدون. الدليل الثالث: قوله تبارك وتعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن ¬

(¬1) (م) القباب والقبور (¬2) (ط) (م) (ر) قوله تبارك و. (ع) قوله. (¬3) سورة البقرة آية 217. (¬4) (ر) بعداوته. (¬5) (ر) إليهم. ساقطة. (¬6) (ر) فغيرهم تحريف.

الدليل الرابع:

تتقوا منهم تقاة) (¬1) . فنهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء وأصحاباً من دون المؤمنين، وإن كانوا خائفين منهم، وأخبر أن من فعل ذلك: (فليس من الله في شيء) . أي (¬2) : لا يكون من أولياء الله الموعودين بالنجاة في الآخرة. (¬3) (إلا أن تتقوا (¬4) منهم تقاة) ، وهو أن يكون الإنسان مقهوراً (¬5) معهم، لا يقدر على عداوتهم. فيظهر لهم المعاشرة، والقلب مطمئن بالبغضاء والعداوة (¬6) ، وانتظار زوال (¬7) المانع. فإذا زال، رجع إلى العداوة والبغضاء. فكيف بمن اتخذهم أولياء من دون المؤمنين من غير عذر، إلا (¬8) استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، والخوف من المشركين وعدم الخوف من الله، فما جعل الله الخوف منهم عذراً؛ بل قال تعالى: (إنما ذالكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) (¬9) . الدليل الرابع: قوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) (¬10) . ¬

(¬1) سورة آل عمران آية 28 (¬2) (ر) و. (¬3) ما بينهما ساقط من (م) (¬4) (ر) يتقوا (¬5) (م) مقهور تحريف (¬6) ما بينهما ساقط من (م) و (ر) و (ط) (¬7) (ع) لزوال. (¬8) (م) ولا (ر) (ط) ساقطة. (¬9) سورة آل عمران آية 175 (¬10) سورة آل عمران آية 149

فأخبر تعالى: أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار، فلابد أن يردوهم على أعقابهم عن الإسلام؛ فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر. وأخبر: أنهم إن فعلوا ذلك، صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة. ولم يرخص في موافقتهم وطاعتهم خوفاً منهم. وهذا هو الواقع؛ فإنهم (¬1) لا يقتنعون ممن وافقهم إلا بشهادة (¬2) أنهم على حق، وإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين، وقطع اليد منهم. ثم قال: (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) (¬3) . (¬4) ففي ولايته وطاعته، غنية وكفاية (¬5) عن طاعة الكفار. فيا حسرة (¬6) / على العباد: الذين عرفوا التوحيد، ونشئوا (¬7) فيه، ودانوا به زماناً (¬8) . كيف (¬9) خرجوا عن (¬10) ولاية رب العالمين، وخير الناصرين. إلى ولاية القباب وأهلها، ورضوا بها بدلاً عن (¬11) ولاية من بيده ¬

(¬1) (م) انهم (¬2) (م) بالشهادة. (¬3) سورة آل عمران آية 150 (¬4) (م) (ر) (ط) (فاخبر تعالى أن الله مولى المؤمنين وناصرهم وهو خير الناصرين. ففي ولايته) . (¬5) (م) كفاية وغنية. (¬6) (ع) حسرتي. (¬7) (م) وشابوا. (¬8) (م) زمنا. (¬9) (م) فكيف. (¬10) (ع) من وعلق في الهامش: عن. (¬11) (م) من.

الدليل الخامس:

ملكوت (¬1) كل شيء ... ؟ !! بئس للظالمين بدلاً. الدليل الخامس: قوله تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (¬2) . فأخبر تعالى: أنه لا يستوي من اتبع رضوان الله، ومن اتبع ما يسخطه (¬3) ومأواه جهنم يوم القيامة. ولا ريب أن عبادة الرحمن وحده (¬4) ونصرها، وكون الإنسان (¬5) من أهلها: (¬6) من رضوان الله. وأن عبادة القباب والأموات ونصرها والكون من أهلها: مما يسخط الله. فلا يستوي عند الله من نصر توحيده ودعوته بالإخلاص، وكان مع المؤمنين. ومن نصر الشرك ودعوة الأموات وكان مع المشركين. فإن (¬7) قالوا: خفنا!!. قيل لهم (¬8) : كذبتم وأيضاً: فما جعل الله الخوف عذراً في اتباع ما يسخطه، واجتناب ما يرضيه. وكثيراً (¬9) من أهل الباطل: إنما يتركون الحق خوفاً من زوال دنياهم، وإلا فيعرفون الحق ويعتقدونه. ولم يكونوا بذلك مسلمين (¬10) . ¬

(¬1) ملحقه في هامش (ر) وبجوارها كلمة صح. (¬2) سورة آل عمران آية 162 (¬3) (م) سخطه. (¬4) (ط) (ر) وحدها. (¬5) (م) والكون. (¬6) من هنا إلى ((أهلها)) ملحق في هامش الأصل، وبجواره كلمة صح. (¬7) (م) وإن. (¬8) (م) : لهم. ساقط. (¬9) الأصل كثيراً. (¬10) (م) مسلمين بذلك.

الدليل السادس:

الدليل السادس: قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم) (¬1) . (¬2) . أي: في أي فريق كنتم (¬3) ، أفي فريق المسلمين أم في فريق المشركين؟. فاعتذروا عن (¬4) كونهم ليسوا (¬5) في فريق المسلمين: بالاستضعاف. فلم تعذرهم الملائكة، وقالوا لهم (¬6) : (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً (¬7) ولا يشك عاقل: أن [أهل] (¬8) البلدان (¬9) الذين خرجوا عن المسلمين، صاروا مع المشركين وفي فريقهم وجماعتهم. هذا مع أن الآية نزلت: في أناس من أهل مكة. أسلموا، واحتبسوا عن الهجرة. فلما خرج المشركون (¬10) إلى (¬11) بدر، أكرهوهم على الخروج معهم، فخرجوا خائفين. فقتلهم المسلمين يوم بدر؛ فلما علموا بقتلهم تأسفوا، وقالوا: قتلنا إخواننا. فأنزل الله فيهم هذه الآية (¬12) . ¬

(¬1) سورة النساء آية 97 (¬2) (م) (ر) (ط) أتمت الآية الكريمة. (¬3) (م) أنتم. (¬4) (م) من. (¬5) (م) لم يكونوا (ع) شطب عليها. (¬6) (م) لهم. ساقطة. (¬7) سورة النساء: آية 97. (¬8) ما بينهما ساقط من جميع النسخ ومعلق في هامش (ع) وبجواره كلمة صح. (¬9) (ط) البدوان. (¬10) (ر) خرجوا المشركين. تحريف. (¬11) (م) يوم. (¬12) أخرجه البخاري في ((الصحيح)) الرقمان (7085، 4596) ، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (كتاب التفسير) كما في ((تحفة الأشراف)) (5/166) ، والطبري في ((التفسير)) (5/234) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (9/12) ، والطبراني في ((الأوسط)) وابن راهويه، والإسماعيلي، وابن المنذر، كما في ((فتح الباري)) (8/263) ، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في ((الدر المنثور)) (2/206) والبزار في ((مسنده)) كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (7/10) وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك وهو ثقة. عن ابن عباس رضي الله عنه بألفاظ مختلفة.

فكيف بأهل البلدان: الذين كانوا على الإسلام، فخلعوا ربقته من أعناقهم، وأظهروا لأهل الشرك الموافقة على دينهم، ودخلوا في طاعتهم، وآووهم ونصروهم، وخذلوا أهل التوحيد، واتبعوا غير سبيلهم، وخطئوهم، وظهر فيهم: سبهم (¬1) ، وشتمهم (¬2) ، وعيبهم، والاستهزاء بهم، وتسفيه رأيهم ـ في ثباتهم على التوحيد والصبر عليه، وعلى الجهاد فيه ـ وعاونوهم على أهل التوحيد طوعاً لا كرهاً، واختياراً لا اضطراراً (¬3) . فهؤلاء / أولى بالكفر والنار من الذين تركوا الهجرة شحاً بالوطن، وخوفاً من الكفار، وخرجوا في جيشهم مكرهين خائفين. فإن قال قائل: هلاً كان الإكراه (¬4) عذراً (¬5) ـ للذين قتلوا يوم بدر ـ على الخروج (¬6) ؟. قيل: لا يكون عذراً (¬7) لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين. إذا (¬8) أقاموا مع الكفار، فلا يعذرون بعد ذلك بالإكراه (¬9) ؛ لأنهم السبب في ذلك، حيث أقاموا (¬10) معهم وتركوا الهجرة. ¬

(¬1) (م) بسبهم. (¬2) (م) وشتمهم. ساقطة. (¬3) (ر) اضطراباً تحريف. (¬4) (ط) (م) (ر) الإكراه على الخروج. (¬5) (ر) عذر. تحريف. (¬6) (ط) . (م) (ر) : على الخروج. ساقطة. (¬7) (م) عذراً لهم. (¬8) (م) إذا. تحريف. (¬9) (ر) الإكراه. (¬10) (ط) (ر) قاموا.

الدليل السابع:

الدليل السابع: قوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) (¬1) . (¬2) فذكر تبارك وتعالى، أنه نزل على المؤمنين (¬3) في الكتاب: أنهم (¬4) إذا سمعوا آيات الله يكفر بها، ويستهزأ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديث غيره. وأن من جلس مع الكافرين بآيات الله، المستهزئين بها في حال كفرهم واستهزائهم: فهو (¬5) مثلهم. ولم يفرق بين الخائف وغيره. إلا المكره. هذا وهم في بلد واحد، في أول الإسلام (¬6) . فكيف بمن كان في سعة الإسلام وعزه وبلاده، فدعا الكافرين بآيات الله المستهزئين بها إلى بلاده، واتخذهم أولياء وأصحاباً وجلساء، وسمع (¬7) كفرهم واستهزاءهم واقرهم، وطرد أهل التوحيد وأبعدهم؟ !!. ¬

(¬1) سورة النساء آية 140 (¬2) ما بينهما ساقطة من (ع) (¬3) الذي أحيل عليه في هذه الآية، من النهي في ذلك: هو قوله تعالى، في سورة الأنعام: (وإذا رأيت الذين يخوضون في ءاياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) انتهى من تفسير ابن كثير 1/567. (¬4) (م) ساقطة. (¬5) الأصل (ع) فهم. (¬6) ولا يخفى ما يكتنف البدايات من افتقار إلى المساندة والدعم، لاسيما في البلاد التي انبثقت منها الدعوة. ومع كل هذا، كان موقف الإسلام صريحاً منذ الوهلة الأولى. (¬7) (ط) مع

الدليل الثامن:

الدليل الثامن: قوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين) (¬1) . فنهى سبحانه المؤمنين: عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء. وأخبر: أن من تولاهم من المؤمنين، فهو منهم (¬2) . وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان، فهو منهم. فإن جادل مجادل: في أن عبادة القباب، ودعاء (¬3) الأموات مع الله ليس بشرك، وأن (¬4) أهلها ليسوا بمشركين. بان أمره، واتضح عناده وكفره. ولم يفرق تبارك وتعالى بين الخائف، وغيره. بل أخبر تعالى: أن الذين في (¬5) قلوبهم مرض يفعلون ذلك خوفاً من الدوائر. وهكذا حال هؤلاء المرتدين: خافوا من الدوائر، وزال ما في (¬6) قلوبهم من الإيمان (¬7) بوعد الله الصادق بالنصر لأهل التوحيد. فبادروا وسارعوا / إلى أهل (¬8) الشرك، خوفاً أن تصيبهم دائرة، قال تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) (¬9) . ¬

(¬1) سورة المائدة آية 51 (¬2) ما بينهما ساقط من (م) (ر) . (¬3) (م) : ودعاء. ساقطة. (¬4) ما بينهما ساقط من (م) . (¬5) (ط) (م) : في. ساقطة. (¬6) (ط) لما. (¬7) (ط) عدم الإيمان. (¬8) (م) : أهل. ساقطة. (¬9) سورة المائدة آية 52

الدليل التاسع:

الدليل التاسع: قوله تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) (¬1) . فذكر تعالى: أن موالاة الكفار موجبة لسخط الله، والخلود في العذاب (¬2) بمجردها، وإن كان الإنسان خائفاً (¬3) . إلا من أكره بشرطه. فكيف إذا اجتمع ذلك مع الكفر الصريح، وهو: معاداة التوحيد وأهله، والمعاونة على زوال دعوة الله بالإخلاص، وعلى تثبيت دعوة غيره. الدليل العاشر: قوله تعالى: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) (¬4) . فذكر تعالى: أن موالاة الكفار منافية للإيمان بالله، والنبي وما أنزل إليه. ثم أخبر: أن سبب ذلك، كون كثير منهم فاسقون (¬5) . ولم يفرق بين من خاف الدائرة وبين (¬6) من لم يخف. وهكذا حال كثير من هؤلاء المرتدين، قبل ردتهم كثير منهم فاسقون. فجرهم (¬7) ذلك إلى موالاة الكفار، والردة عن الإسلام. نعوذ بالله من ذلك. الدليل الحادي عشر: قوله تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (¬8) . ¬

(¬1) سورة المائدة آية 80 (¬2) (م) النار. (¬3) ينظر الفرق بين الموالاة والتولي، وأن الموالاة بمجردها لا تعد كفراً المؤلف ((أوثق عرى الإيمان)) (133) وابن قاسم ((الدرر السنية)) (5/201) . (¬4) سورة المائدة آية 81. (¬5) (ط) فاسقين. (¬6) (م) بين. ساقطة. (¬7) (م) فجر. (¬8) سورة الأنعام آية 121

الدليل الثاني عشر:

وهذه الآية (¬1) نزلت، لما قال المشركون: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله. فأنزل الله هذه الآية (¬2) . فإذا كان من أطاع المشركين في تحليل الميتة مشركاً (¬3) ـ من غير فرق بين الخائف وغيره، إلا المكره (¬4) ـ فكيف بمن (¬5) أطاعهم في تحليل موالاتهم، والكون معهم ونصرهم، والشهادة أنهم على حق، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم، والخروج عن جماعة المسلمين إلى جماعة المشركين؟؟. فهؤلاء أولى بالكفر والشرك، ممن وافقهم على أن الميتة حلال (¬6) . الدليل الثاني عشر: قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) (¬7) وهذه الآية: نزلت في رجل (¬8) عالم عابد، في زمان بني إسرائيل ¬

(¬1) (م) ساقطة. (¬2) أخرجه أبو داوود في ((السنن)) رقم (2818) والنسائي في ((المجتبي)) (7/237) ، والترمذي في ((الجامع)) رقم (3069) وقال: حديث حسن غريب، والحاكم في ((المستدرك)) (4/233) والطبري في ((التفسير)) (8/17) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (9/241) والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس، وأبو الشيخ، وابن مردوية، والطبراني، كما في ((الدر المنثور)) (3/43) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬3) (م) (ع) شرك. تحريف (ط) ساقطة. (¬4) (م) : الا المكره. ساقطة. (¬5) (م) من. (¬6) جميع الدليل الحادي عشر ملحق في هامش نسخة (ع) (¬7) سورة الأعراف آية 175 (¬8) (ط) (ر) رجل. ساقطة.

يقال له: بلعام (¬1) . وكان يعلم الاسم الأعظم. قال ابن أبي طلحة (¬2) ، عن ابن عباس: لما نزل بهم موسى عليه السلام ـ يعني: بالجبارين (¬3) ـ أتاه (¬4) بنوا عمه وقومه، فقالوا (¬5) : إن موسى رجل حديد، ومعه جنود كثيرة. وأنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا (¬6) / موسى ومن معه. قال: إني إن دعوت (¬7) ذهبت دنياي وآخرتى. فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه الله مما كان عليه؛ فذلك قوله: (فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) (¬8) وقال ابن زيد (¬9) : كان هواه مع القوم، يعني: الذين حاربوا موسى وقومه. فذكر تعالى: أمر هذا المنسلخ من آيات الله بعد أن أعطاه الله إياها، وعرفها وصار من أهلها، ثم انسلخ منها. أي: ترك العمل بها، وذكر في انسلاخه منها، ما معناه: أم مظاهرة المشركين ومعاونتهم برأيه، والدعاء على موسى عليه السلام ومن معه أن يردهم الله عن قومه؛ خوفاً ¬

(¬1) بلعام بن باعوراء وفي بعض الروايات بلعم بإسقاط الألف، وفي أخرى بلعام ابن عامر. ينظر: الطبري ((التفسير)) (13/ 257) والحاكم في ((المستدرك)) (2/325) (¬2) أبو الحسن علي بن سالم، مولى ابن العباس، سكن حمص، أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق قد يخطىء ت143. ((تقريب)) (ص/402) . (¬3) نسبة إلى مدينة الجبارين. (¬4) (م) أتوه. (¬5) (م) : عنا. ساقطة. (¬6) (م) وقالوا. (¬7) (ر) دعوته. (م) دعوت الله. (¬8) أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، كما في ((الدر المنثور)) (3/145) عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الحافظ ابن كثير: وهو المشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد أغرب بل أبعد بل أخطأ، من قال: كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها. ((التفسير)) (2/65) . (¬9) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، مولاهم، ضعيف ت 182. ((تقريب)) (ص/340) .

الدليل الثالث عشر:

على (¬1) قومه وشفقة عليهم. مع كونه يعرف الحق ويقطع به، ويتكلم به (¬2) ويشهد به، ويتعبد. ولكن صده عن العمل به: متابعة قومه وعشيرته وهواه، وإخلاده إلى الأرض. فكان هذا إنسلاخاً من آيات الله. وهذا هو الواقع من هؤلاء المرتدين، وأعظم. فإن الله أعطاهم آياته التي فيها (¬3) الأمر بتوحيده (¬4) ودعوته وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك به (¬5) ودعوة غيره، والأمر بموالاة المؤمنين (¬6) ومحبتهم ونصرتهم، والإعتصام بحبل الله جميعاً، والكون مع المؤمنين، والأمر بمعاداة المشركين وبغضهم وجهادهم وفراقهم، والأمر بهدم الأوثان، وإزالة القحاب (¬7) واللواط والمنكرات. وعرفوها وأقروا بها، ثم انسلخوا من ذلك كله. فهم (¬8) أولى بالانسلاخ من آيات الله والكفر والردة من بلعام، أو هم (¬9) مثله. الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) (¬10) . ¬

(¬1) الأصل و (ع) من. ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) ما بينهما ساقط من (ر) و (ط) . (¬3) (م) في. (¬4) (ط) (ر) بالتوحيد. (¬5) (م) : به. ساقطة. (¬6) ما بينهما ساقط من (م) . (¬7) القحاب في الأصل: فساد الجوف من داء. والقحبة: الفاسدة الجوف. ثم أطلق على البغي المكتسبة بالفجور. ((تاج العروس)) (3/518) . (¬8) (ط) فهو (¬9) (ط) هو. (¬10) سورة هود آية 113

الدليل الرابع عشر:

فذكر تعالى: أن الركون إلى الظلمة من (¬1) الكفار والظالمين موجب لمسيس النار، ولم يفرق بين من خاف منهم، وغيره. إلا المكره. فكيف بمن اتخذ الركون إليهم ديناً ورأياً حسناً، وأعانهم بما قدر عليه من مال ورأي (¬2) ، وأحب زوال التوحيد وأهله، واستيلاء أهل الشرك عليهم ... ؟!! فإن هذا (¬3) من أعظم الكفر والركون. الدليل الرابع عشر: قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر / صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدى القوم الكافرين) . (¬4) (¬5) فحكم تعالى حكماً لا يبدل: أن من رجع عن دينه إلى الكفر، فهو كافر. سواء كان له عذر ـ خوف (¬6) على نفس، أو مال أو أهل ـ أم لا. وسواء كفر بباطنه وظاهره (¬7) ، أم بظاهره دون باطنه. وسواء كفر بفعاله ومقاله، أم بأحدهما (¬8) دون الآخر. وسواء كان طامعاً في دنيا (¬9) ينالها ¬

(¬1) (م) و. (¬2) (م) المال والرأي. (¬3) (ط) (ر) هذا من. ساقطة. (¬4) سورة النحل الآيتان 107، 106 (¬5) في نسخة (م) أضاف الآية التي تليها. (¬6) (ط) (ر) خوفا. تحريف. (¬7) (ط) (ر) : وظاهره. ساقطة. (¬8) (م) أحدهما. (¬9) (م) الدنيا.

من المشركين أم لا. فهو كافر على كل حال، إلا المكره، وهو في لغتنا: المغصوب (¬1) . فإذا أكره الإنسان على الكفر، وقيل له: أكفر وإلا قتلناك، أو (¬2) ضربناك. أو (¬3) أخذه المشركون فضربوه، ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم. جاز له موافقتهم في الظاهر، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً (¬4) بالإيمان. أي: ثابتاً (¬5) عليه، معتقداً (¬6) له. فأما إن وافقهم بقلبه: فهو كافر، ولو كان مكرهاً. وظاهر كلام أحمد (¬7) رحمه الله: أنه في الصورة الأولى. لا يكون مكرها (¬8) حتى يعذبه المشركون؛ فإنه لما دخل عليه يحيي بن معين (¬9) وهو مريض، فسلم عليه: لم يرد عليه السلام، فما زال يعتذر، ويقول: حديث عمار (¬10) وقال الله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فقلب أحمد وجهه الى الجانب (¬11) الآخر. فقال يحيى: ¬

(¬1) المحمول على أمر هو له كارة بالقهر والإرغام. ينظر ((لسان العرب)) (3/536) و ((المصباح المنير)) (2/729) . (¬2) (م) أو. (¬3) (م) و. (¬4) (م) مطمئن. تحريف. (¬5) (م) ثابت. (¬6) (م) مفتقد. (¬7) أبو عبد الله بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد، أحد الأئمة، ثقة حافظ فقيه حجة، ت 241. ((تقريب)) (14) . (¬8) (ر) مكروها. تحريف. (¬9) أبو زكريا يحيي بن معين بن عون الغطفاني مولاهم البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل ت 233 ((تقريب)) (597) . (¬10) ما بينهما ملحق في هامش (ع) (¬11) (ع) جانب

لا يقبل عذراً (¬1) !! فلما خرج يحيي. قال أحمد: يحتج بحديث عمار. وحديث عمار (¬2) : مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني (¬3) . وأنتم قيل لكم: نريد أن نضربكم. فقال يحيى: ما رأيت والله (¬4) تحت أديم (¬5) سماء الله (¬6) أفقه في دين الله منك (¬7) (¬8) . ثم أخبر تعالى: أن على (¬9) هؤلاء المرتدين، الشارحين صدورهم بالكفر (¬10) ـ وإن كانوا يقطعون على الحق (¬11) ، ويقولون ما فعلنا هذا إلا خوفاً _ غضب (¬12) من الله ولهم عذاب عظيم. ثم أخبر تعالى: أن سبب ¬

(¬1) (م) عذر. تحريف. (¬2) ما بينهما ملحق في هامش (ع) .. (¬3) أخرج نحوه الطبري في ((التفسير)) (14/182) والحاكم في ((المستدرك)) (2/357) وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/208) وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/140) وابن سعد في ((الطبقات)) (3/249) وعبد الرزاق وعنه إسحاق بن راهوية في مسنده كما في ((نصب الراية)) (4/159) وابن أبي حاتم وابن مردويه وبن المنذر وبن عساكر كما في ((الدر المنثور)) (4/132) ومسدد في مسنده كما في ((المطالب العالية)) (3/347) وعبد بن حميد والفاكهي وفيه: أن ذلك وقع من عمار عند بيعة الأنصار في العقبة كما في ((فتح الباري)) (12/312) من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر وابن سيرين وأبي المتوكل وقتادة. قال الحافظ: وهذه مراسيل يقوي بعضها بعضا. ((الفتح)) (12 /312) . وقال: واتفقوا على أنه نزل فيه (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) . ((الإصابة)) (7/65) . (¬4) (ط) (م) (ر) والله ما رأيت. (¬5) أديم السماء: وجهها وما ظهر منها. ((الصحاح)) (5/1858) (¬6) (ط) (م) (ر) السماء (¬7) (م) منك في دين الله (¬8) أخرجه ابن أبي يعلى في ((الطبقات)) (1/404) ، وابن الجوزي في ((مناقب الإمام أحمد)) (474) . عن أبي بكر المروذي. (¬9) (ط) (ر) : على. ساقطة. (¬10) (م) بالكفر صدراً. (¬11) يعرفونه ولا يفوتهم منه فائت. (¬12) (ط) (ر) فعليهم غضب. (م) عليهم.

الدليل الخامس عشر:

هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقاد للشرك (¬1) أو الجهل بالتوحيد، أو البغض (¬2) للدين (¬3) أو محبه للكفر؛ وإنما سببه: أن له في ذلك حظا (¬4) ً من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين وعلى رضى رب العالمين. فقال: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة [وأن الله لا يهدى القوم الكافرين) (¬5) فكفرهم تعالى، وأخبر أنه لا يهديهم مع كونهم يعتذرون بمحبة الدنيا. ثم أخبر تعالى: أن هؤلاء المرتدين لأجل استحباب الدنيا (¬6) على الآخرة] (¬7) هم الذين طبع الله (¬8) على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنهم الغافلون (¬9) . ثم أخبر خبراً مؤكداً محققاً: أنهم في الآخرة هم الخاسرون (¬10) . الدليل الخامس عشر: قوله تعالى عن أهل الكهف (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في / ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) (¬11) . فذكر تعالى عن أهل الكهف _ أنهم ذكروا عن المشركين _: إن (¬12) ¬

(¬1) (م) : للشرك. ساقطة. (¬2) (ع) لبغض. (¬3) (م) للتوحيد. (¬4) (ع) حظ في ذلك. (ر) ملحق في الهامش وبجواره كلمة صح. (¬5) سورة النمل الآية 107. (¬6) (م) الحياة الدنيا. (¬7) ما بينهما ساقط من الأصل و (ع) . (¬8) (ط) طبع. (¬9) (ط) (ر) هم الغافلون. (¬10) قال تعالى (أولئك الذين طبع الله قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) سورة النحل الآيتان 109، 108. (¬11) سورة الكهف آية 20. (¬12) (ط) (ر) أنهم إن.

الدليل السادس عشر:

قهروكم وغلبوكم، فهم بين أمرين: إما أن يرجموكم. أي: يقتلوكم شر قتلة بالرجم (¬1) . وإما أن يعيدوكم في ملتهم ودينهم، ولن تفلحوا إذا أبداً. أي: وإن وافقتموهم على دينهم بعد أن غلبوكم وقهروكم (¬2) ، فلن تفلحوا إذا أبداً. فهذا حال من وافقهم بعد أن غلبوه. فكيف بمن وافقهم وراسلهم من بعيد، وأجابهم إلى ما طلبوا من غير غلبة (¬3) ولا إكراه ... ؟! ومع ذلك يحسبون أنهم مهتدون. الدليل السادس عشر: قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) (¬4) . فأخبر تعالى: أن (ومن الناس من يعبد الله على حرف) . أي على طرف. (فإن أصابه خير) أي: نصر وعز وصحة، وسعة وأمن (¬5) وعافية ونحو ذلك (اطمأن به) . أي: ثبت، وقال: هذا دين حسن. ما رأينا فيه إلا خيراً (¬6) . (وإن أصابته فتنة) . أي: خوف ومرض وفقر ونحو ذلك (انقلب على وجهه) . أي: ارتد عن دينه، ورجع إلى الشرك (¬7) . ¬

(¬1) (م) برجم. (¬2) (م) قهروكم وغلبوكم. (¬3) (ط) غليبة. (¬4) سورة الحج آية 11 (¬5) (ر) وسعة وأمنا. تحريف. (¬6) (ع) الخيرا. (م) خير. تحريف. (¬7) (ط) (ر) أهل الشرك.

فهذه الآية مطابقة لحال المنقلبين عن دينهم في هذه الفتنة سواء بسواء؛ فإنهم قبل هذه الفتنة (¬1) يعبدون الله على حرف. أي: على طرف. ليسوا ممن يعبد الله على يقين وثبات. فلما أصابتهم هذه الفتنة، انقلبوا عن دينهم وأظهروا موافقة المشركين، وأعطوهم (¬2) الطاعة، وخرجوا عن جماعة المسلمين إلى جماعة المشركين. فهم معهم في الآخرة، كما هم معهم (¬3) في الدنيا. فخسوا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. هذا مع أن كثيراً (¬4) منهم في عافية، ما أتاهم عدو (¬5) . وإنما ساء (¬6) ظنهم بالله، فظنوا: أنه يديل (¬7) الباطل وأهله على الحق وأهله. فأرداهم سوء ظنهم بالله؛ كما قال تعالى فيمن (¬8) ظن به ظن السوء (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) (¬9) . فأنت (¬10) يا من منَّ الله عليه بالثبات على الإسلام: احذر أن ¬

(¬1) ما بينهما ساقط من (ط) (¬2) (ع) وعطوهم. تحريف. (¬3) (ع) : معهم. ساقطة. (¬4) (م) كثير. تحريف. (¬5) (م) عدوهم (ر) عدوا. تحريف (ط) من عدو. (¬6) (م) اساؤا. تحريف. (¬7) من الإدالة وهي الغلبة. (¬8) ما بينهما ساقط من (م) (¬9) سورة فصلت آية 23 (¬10) (ط) (م) (ر) وأنت.

الدليل السابع عشر:

يدخل قلبك (¬1) شيء من الريب، أو تحسين أمر هؤلاء المرتدين، وأن موافقتهم للمشركين وإظهار طاعتهم رأي حسن؛ حذراً على الأنفس والأموال والمحارم. فإن هذه الشبهة: هي التي أوقعت كثيراً من الأولين والآخرين في الشرك بالله، ولم يعذرهم الله بذلك. وإلا فكثير (¬2) منهم / يعرفون الحق ويعتقدونه بقلوبهم، وإنما يدينون (¬3) بالشرك للأعذار الثمانية التي ذكرها (¬4) الله في كتابه، أو لبعضها (¬5) . فلم (¬6) يعذر بها أحداّ (¬7) ولا ببعضها (¬8) ؛ فقال (قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين) (¬9) . الدليل السابع عشر: قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) (¬10) . ¬

(¬1) (ط) (ر) في قلبك. (¬2) (ر) فكثيراً. تحريف. (¬3) (م) يدينون الله. (¬4) (م) ذكر. (¬5) (ط) (ر) ولا ببعضها. (¬6) ما بينهما ساقط من (م) . (¬7) (ع) (ر) أحد. تحريف. (¬8) (ر) بعضها. (¬9) سورة التوبة الآية 24. (¬10) سورة محمد الآيات 25-28

فذكر تعالى عن المرتدين على أدبارهم: أنهم من بعد ما تبين لهم (¬1) ، ارتدوا على علم. ولم (¬2) ينفعهم علمهم بالحق مع الردة، وغرهم الشيطان بتسويله وتزيين ما ارتكبوه من الردة. وهكذا حال هؤلاء المرتدين في هذه الفتنة: غرهم الشيطان وأوهمهم أن الخوف عذر (¬3) لهم في الردة، وأنهم بمعرفة الحق ومحبته والشهادة (¬4) به لا يضرهم ما فعلوه. ونسوا أن كثيراً من المشركين يعرفون الحق، ويحبونه ويشهدون به: ولكن يتركون متابعته (¬5) والعمل به؛ محبة للدنيا (¬6) ، وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرياسات. ثم قال تعالى: (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض) فأخبر تعالى: أن سبب ما جرى (¬7) عليهم من الردة (¬8) وتسويل الشيطان، والإملاء (¬9) لهم، هو قولهم (¬10) للذين كرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر. فإذا كان من وعد المشركين الكارهين (¬11) لما نزل الله بطاعتهم (¬12) في بعض الأمر كافراً، وإن لم يفعل ما وعدهم به. فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما نزل الله من الأمر: بعبادته وحده لا شريك ¬

(¬1) (ط) (م) (ر) لهم الهدى. (¬2) (م) فلم. (¬3) (م) (ر) عذرا. تحريف. (¬4) (ط) ومحبة الشهادة. (¬5) (م) متابعته. ساقطة. (¬6) (م) (ر) للحياة الدنيا. (¬7) (م) ما اجرى. (¬8) (م) الرده هو. (¬9) (ط) (ر) وإملائه. (¬10) (م) الحق لهم. تحريف. (¬11) (م) : الكارهين. ساقطة. (¬12) ما بينهما ملحق في الهامش (ع) وبجواره كلمة صح.

الدليل الثامن عشر:

له، وترك عبادة (¬1) ما سواه من الأنداد والطواغيت والأموات، وأظهر أنهم على هدى، وأن أهل التوحيد مخطئون في قتالهم، وأن الصواب (¬2) مسالمتهم والدخول في دينهم، الباطل؟!. فهؤلاء أولى بالردة من أولئك / الذين وعدوا المشركين بطاعتهم في بعض الأمر. ثم أخبر تعالى عن حالهم (¬3) الفظيع عند الموت ثم قال: (ذلك) . أي (¬4) : الأمر الفظيع عند الوفاة (بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) . ولا يستريب مسلم (¬5) ، أن اتباع المشركين والدخول في جملتهم والشهادة أنهم على حق، ومعاونتهم على زوال التوحيد وأهله، ونصرة القباب والقحاب واللواط: من اتباع ما يسخط الله وكراهة رضوانه، وإن ادعوا أن ذلك لأجل الخوف. فإن الله ما عذر أهل الردة بالخوف من المشركين. بل نهى عن خوفهم. فأين هذا ممن يقول: ما جرى منا شيء، ونحن على ديننا!!!. الدليل الثامن عشر: قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) (¬6) . ¬

(¬1) (م) : عبادة. ساقطة. (¬2) (ر) الصواب في. (¬3) (م) مآلهم. (¬4) (ط) (م) (ر) : أي. ساقطة. (¬5) (م) المسلم. (¬6) سورة الحشر أية 11

فعقد تعالى الأخوة بين المنافقين وبين (¬1) الكفار. وأخبر أنهم يقولون لهم في السر: (لئن أخرجتم لنخرجن معكم) (¬2) . أي: لئن غلبكم محمد صلى الله عليه وسلم وأخرجكم من بلادكم لنخرجن معكم، (ولا نطيع فيكم أحداً أبداً) . أي: لا نسمع من أحد فيكم قولا ً، ولا نعطي فيكم طاعة (وإن قوتلتم لننصرنكم) ونكون (¬3) معكم. ثم شهد تعالى: أنهم كاذبون (¬4) في هذا القول. فإذا كان وعد المشركين في السر - بالدخول معهم ونصرتهم (¬5) والخروج معهم إن جلوا (¬6) - نفاقاً وكفراً (¬7) وإن كان كذباً. فكيف بمن أظهر لهم (¬8) ذلك صادقاً، وقدم عليهم، ودخل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصرهم وانقاد لهم، وصار من جملتهم وأعانهم بالمال والرأي ... ؟! هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفاً من الدوائر؛ كما قال تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (¬9) . وهكذا (¬10) حال كثير من المرتدين (¬11) ، في هذه الفتنة: فإن عذر ¬

(¬1) (ط) (م) (ر) ساقطة. (¬2) ما بينهما ملحق في هامش (ع) وبجواره كلمة صح. (¬3) (ط) (م) (ر) أي إن قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم لننصرنكم ونكون. (¬4) (م) لكاذبون. (¬5) (ط) (م) ونصرهم. (¬6) (ط) (م) أجلو. (¬7) (م) نفاق وكفر. (¬8) (ط) (م) (ر) : لهم. ساقطة. (¬9) سورة المائدة آية 52 (¬10) (ر) فهكذا (ط) فكذا. (¬11) (م) هؤلاء المرتدين.

كثير منهم، هو هذا (¬1) العذر الذي ذكره الله عن الذين في قلوبهم مرض. ولم يعذرهم به؛ قال الله تعالى: (فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين ءامنوا هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) (¬2) ثم قال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) (¬3) فأخبر تعالى، أنه لابد عند وجود المرتدين: من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين. ووصفهم بالذلة والتواضع للمؤمنين، والعزة والغلظة والشدة على الكافرين. بضد من كان تواضعه وذله (¬4) ، ولينه: لعباد القباب، وأهل القحاب واللواط. وعزته، وغلظته: على أهل التوحيد (¬5) والإخلاص!!!. فكفى بهذا دليلاً (¬6) على كفر من وافقهم. وإن ادعى أنه خائف؛ فقد قال تعالى (ولا يخافون لومة لائم) . وهذا بضد من يترك الصدق، والجهاد: خوفاً من المشركين. ثم قال تعالى: (يجاهدون في سبيل الله) (¬7) . أي: في توحيده، صابرين على ذلك ابتغاء وجه ربهم؛ لتكون كلمته (¬8) هي العليا ¬

(¬1) (م) هذا هو. (¬2) سورة المائدة الآيتان 52 - 53 (¬3) سورة المائدة آية 54 (¬4) (م) : وذله. ساقطة. (¬5) (م) لأهل. (¬6) (م) دليل. تحريف. (¬7) سورة المائدة آية 54. (¬8) (ط) (م) (ع) (ر) كلمة الله.

(ولا يخافون لومة لائم) (¬1) . أي لا يبالون بمن لامهم وآذاهم في دينهم. بل يمضون على دينهم مجاهدين (¬2) فيه، غير ملتفتين للوم أحد من الخلق ولا لسخطه (¬3) ولا رضاه وإنما همتهم وغاية مطلوبهم رضى سيدهم ومعبودهم، والهرب من سخطه. وهذا بخلاف من كانت (¬4) همته (¬5) وغاية مطلوبه: رضى عباد القباب، وأهل القحاب واللواط ورجاءهم (¬6) ، والهرب مما يسخطهم!!!. فإن هذا غاية الضلال والخذلان. ثم قال تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (¬7) والله واسع عليم) (¬8) فأخبر تعالى: أن هذا الخير العظيم، والصفات الحميدة لأهل الإيمان الثابتين على دينهم (¬9) عند وقوع الردة (¬10) والفتن: ليس بحولهم ولا بقوتهم، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء (¬11) ؛ كما (¬12) قال (يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (¬13) . ¬

(¬1) سورة المائدة آية 54 (¬2) (ط) (ر) يجاهدون. (¬3) (م) سخطه. (¬4) (ر) كان. (¬5) (م) : همته. ساقطة. (¬6) (م) ورجاءهم. تحريف. (¬7) ما بينهما ساقط من (ع) . (¬8) سورة المائدة آية 54. (¬9) (م) : على دينهم. ساقطة. (¬10) (ط) : الردة. ساقطة. (¬11) (ع) : يشاء. ساقطة. (¬12) ما بينهما ساقط من (ر) و (ط) . (¬13) سورة آل عمران آية 74.

الدليل التاسع عشر:

ثم قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (¬1) فأخبر تعالى _ خبراً (¬2) بمعنى الأمر _: بولاية الله (¬3) ورسوله والمؤمنين، وفي ضمنه النهي عن موالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين. ولا يخفي: أي (¬4) الحزبين أقرب _ إلى الله ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة _. أأهل (¬5) الأوثان والقباب والقحاب واللواط والخمور والمنكرات، أم أهل الإخلاص وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة....!!!؟ فالمتولي لضدهم: واضع للولاية (¬6) في / غير محلها، مستبدل (¬7) بولاية الله ورسوله والمؤمنين _ المقيمين للصلاة (¬8) المؤتين الزكاة (¬9) ولاية أهل الشرك والأوثان والقباب. ثم أخبر تعالى: أن الغلبة لحزبه، ولمن (¬10) تولاهم؛ فقال: (ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (¬11) . الدليل التاسع عشر: قوله تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله ¬

(¬1) سورة المائدة آية 55 (¬2) (م) خبراً. ساقطة. (¬3) (م) بولايته. (¬4) (م) أن تحريف. (¬5) ما بينهما ساقط من (م) و (ر) و (ط) (¬6) (م) الولاية. (¬7) (م) (ر) مستبدلاً. تحريف. (¬8) (م) الصلاة و. (¬9) (ط) للزكاة. (¬10) (م) ومن. (¬11) سورة المائدة آية 56.

واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (¬1) الآية (¬2) . فأخبر تعالى: أنك لا تجد (¬3) من يؤمن بالله واليوم الآخر، يوادون (¬4) من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب. وأن هذا مناف للإيمان مضاد له، لا يجتمع هو (¬5) والإيمان إلا كما (¬6) يجتمع الماء والنار؛ وقد قال تعالى في (¬7) موضع آخر (¬8) : (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) (¬9) ففي هاتين الآيتين، البيان الواضح: أنه لا عذر لأحد في الموافقة على الكفر، خوفاً على الأموال والآباء، والأبناء والأزواج والعشائر، ونحو ذلك مما يتعذر به كثير من الناس. إذا (¬10) كان لم يرخص (¬11) لأحد في موادتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم: خوفاً منهم وإيثاراً (¬12) لمرضاتهم. فكيف بمن اتخذ الكفار ¬

(¬1) سورة المجادلة آية 22. (¬2) الآية: ليست في (م) . (¬3) (ط) من كان. (¬4) (ط) يواد. (¬5) ما بينهما في هامش (ع) وبجواره كلمة صح. (¬6) (م) كما لا. (¬7) (ر) في غير. تحريف. (¬8) (م) ساقطة. (¬9) سورة التوبة آية 23. (¬10) (م) وإن. (¬11) (ع) يترخص. (¬12) (ع) وايثار. تحريف.

الدليل العشرون:

الأباعد أولياء وأصحاباً، وأظهر لهم (¬1) الموافقة على دينهم، خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبة لها؟! ومن العجب استحسانهم لذلك، واستحلالهم له، فجمعوا مع الردة استحلال المحرم (¬2) . الدليل العشرون: قوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) (¬3) إلى قوله: (ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) (¬4) . فأخبر (¬5) تعالى: أن من تولى أعداء الله - وإن كانوا أقرباء _ (فقد ضل سواء السبيل) . أي: أخطأ الصراط المستقيم، وخرج عنه إلى الضلال (¬6) . فأين هذا ممن يدعي أنه الصراط المستقيم لم يخرج عنه!! فإن هذا تكذيب لله، ومن (¬7) كذب الله فهو كافر. واستحلال لما (¬8) حرم الله: من ولاية الكفار. ومن استحل محرماً (¬9) ، فهو كافر. ثم ذكر تعالى شبهة من اعتذر بالأرحام والأولاد؛ فقال: (لن ¬

(¬1) (م) : لهم. ساقطة. (¬2) (ط) (م) (ر) الحرام. (¬3) تمام الآية (وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلى وإبتغاء مرضاتى تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ... ) . (¬4) سورة الممتحنة آية 1. (¬5) ما بينهما ساقط من (م) . (¬6) (ط) (م) (ر) الضلالة. (¬7) (م) فمن. (¬8) (م) ما. (¬9) (م) محرم.

الدليل الحادي والعشرون:

تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير) (¬1) فلم يعذر تعالى من اعتذر بالأرحام والأولاد، والخوف عليها (¬2) ومشقة مفارقتها (¬3) . بل أخبر / أنها لا تنفع يوم القيامة، ولا تغني من عذاب الله شيئاً (¬4) ؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (¬5) . الدليل الحادي والعشرون: من السنة، ما رواه أبو داود، وغيره عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (¬6) قال (¬7) : (من جامع المشرك، وسكن معه فإنه مثله) (¬8) فجعل صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: من جامع المشركين _ أي اجتمع معهم، وخالطهم وسكن معهم مثلهم (¬9) . فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على دينهم، وآواهم وأعانهم!!؟. فإن قالوا: خفنا!. قيل لهم: كذبتم. وأيضاً فليس الخوف بعذر؛ كما قال تعالى: (ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) (¬10) فلم يعذر تبارك وتعالى من يرجع عن دينه ¬

(¬1) سورة الممتحنة آية 3. (¬2) (م) عليهما. (¬3) (م) مفارقتهما. (¬4) (م) من شيء. (¬5) سورة المؤمنون آية 101. (¬6) ما بينهما ساقط (ع) . (¬7) ما بينهما ساقط (م) . (¬8) ((سنن أبي داود)) رقم (2787) ورواه الطبراني من نسخة مروان السمري، كما في ((الميزان)) (4/89) وأخرج نحوه الحاكم في ((المستدرك)) (2/141) وأبو نعيم كما في ((صحيح الجامع)) للألباني (6/279) . (¬9) (م) فهو مثلهم. (¬10) سورة العنكبوت آية 10.

عند الأذى والخوف. فكيف بمن لم يصبه أذى ولا خوف، وإنما جاء (¬1) إلى الباطل (¬2) محبة له وخوفاً من الدوائر.؟!. والأدلة على هذا كثيرة. وفي هذا كفاية لمن أراد الله هدايته. وأما من أراد الله فتنته وضلالته (¬3) ؛ فكما (¬4) قال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الأليم) (¬5) . ونسأل (¬6) الله الكريم المنان: أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين برحمته وهو أرحم الراحمين. وصلى الله علي محمد (¬7) وعلى (¬8) آله وصحبه (¬9) وسلم (¬10) . (¬11) . ¬

(¬1) (ط) (ر) جاؤا. (¬2) (ط) بالباطل. (¬3) (م) : وضلالته. ساقطة. (¬4) (ع) وكما. (¬5) سورة يونس. الآيتان 97، 96. (¬6) (م) فنسأل. (¬7) (م) نبينا محمد. (¬8) (ط) (ر) : على. ساقطة. (¬9) (م) وصحبه أجمعين. (¬10) (م) وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين آمين ثم آمين. (¬11) كتب بعد ذلك في الأصل ما نصه (بلغ مقابلة. تمت وكملت والله أعلم. كتبه لنفسه الفقير إلى الله عبد الله بن حمود. وجدتها بخط أظنه خط المؤلف رحمه الله تعالى ورحم الله الشيخ، ومن صلح من ذريته ونصره وآواه وجعلنا من أتباعهم بإحسان آمين) .

§1/1