الدفاع عن الله ورسوله وشرعه

حسن أبو الأشبال الزهيري

الرد على منكري الشفاعة

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على منكري الشفاعة الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن أنكرها فقد خالف ما عليه إجماع المسلمين، وهي أنواع، منها الشفاعة العظمى، وسائر شفاعات سيد المرسلين، فإنه عليه الصلاة والسلام يشفع للمؤمنين الصالحين والعصاة الموحدين، ومنها شفاعة المؤمنين والملائكة، والأبناء الصالحين والأبناء الذين لم يبلغوا الحلم لآبائهم، وفوق ذلك كله شفاعة رب العالمين.

إخبار عمر الناس بمجيء أقوام ينكرون الشفاعة والرجم والدجال وعذاب القبر وغير ذلك

إخبار عمر الناس بمجيء أقوام ينكرون الشفاعة والرجم والدجال وعذاب القبر وغير ذلك إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أخرج أحمد في مسنده بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً فكان مما قال: إنه سيأتي أقوام من بعدكم يكذبون بالرجم وبـ الدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا فيها، أي: بعد أن صاروا فيها فحماً). فهذا الأثر يدل على أن هذه الأمور مستقرة لدى السلف، لم يكن أحد منهم يكذب بواحدة منها، فالرجم ثابت في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت عن واحد من السلف أنه كذب به، والدجال حقيقة لا خرافة، وبه صحت الآثار والأحاديث التي بلغت حد التواتر وزيادة، والشفاعة جاءت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام وفي آثار الصحابة كذلك، بل في أشعار العرب، وعذاب القبر حق، وهو جزء أصيل من عقيدة أهل السنة والجماعة، والشفاعة المعقودة يوم القيامة، وهي متنوعة وأقسام سنتعرف عليها، وهي موضوع حديثنا في هذه اللحظات. أخرج الآجري في كتاب الشريعة -وهو كتاب قد وضع لبيان مسائل الاعتقاد- قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كذب بشفاعتي فليس له نصيب منها)، والصحيح: أن هذا الأثر موقوف على أنس، وسواء كان موقوفاً أو مرفوعاً فإنه لابد من الحكم برفعه؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، فلابد أن يكون خبراً عن المعصوم عليه الصلاة والسلام. إذا تكلمنا عن الشفاعة فالكلام فيها يطول، والأحاديث فيها متعددة، ولكن لما كان هذا موضوع الساعة يحسن بنا أن نعرج على بعض الآثار الواردة فيه، ولذا فإن منكر الشفاعة لابد أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون ملحداً في أسماء الله وصفاته، وفي أخبار الغيب التي هي من أعظم الأمور في الإيمان، فإننا لم نر الله عز وجل، ومع ذلك فقد آمنا به، ولم نر النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فإننا نؤمن به، ولم نر الجنة ولا النار ولا الصراط ولا الحساب ولا الجزاء ولا العقاب ومع هذا فقد آمنا بكل ما أخبرنا الله عز وجل به، وأخبرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام. ومنها الشفاعة؛ لأنه لم يكن منها شيء في الدنيا إلا ما كان متعلقاً بأمور الدنيا، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء)، فإذا كان ملحداً أوكلنا أمره إلى الله عز وجل يعامله بما يستحق، وإن كان مؤدياً لرسالة أعداء الإسلام بلسان محمد وأحمد وعبد الله وإبراهيم وغير ذلك من أسماء المسلمين، فإننا نكل أمره إلى الله، ولا طاقة لنا بلقائه، وإن كان معتزلياً ينكر هذا كما أنكرته المعتزلة قديماً بحجة أن ذلك طريقه آحاد ولا يقوى للاحتجاج به في مسائل الاعتقاد، فإننا نقول: إن هذا المعتقد إنما هو دسيسة لا علم لسلفنا بها، وهذا المعتقد البدعي الذي أتت به المعتزلة لم يكن معلوماً لدى النبي عليه الصلاة والسلام ولا عند أصحابه، فهو بدعة محدثة وضلالة، أن خبر الواحد لا ينهض للاحتجاج به في مسائل العقيدة، ويكفينا من ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولم يقل سبحانه: وما آتاكم الرسول بخبر التواتر فخذوه، وإنما قال: ((فَخُذُوهُ)) بغير تقييد، دل ذلك على صلاحيته في الاحتجاج سواء كان آحاداً أو تواتراً. فكل خبر رواه الثقة عن مثله إلى منتهاه حتى يبلغ قائله فهو حجة في دين الله عز وجل، سواء كثرت الطرق إليه أم قلت، وهذا معتقد جماهير علماء الإسلام، لاسيما في ذلك أن الله تعالى نفى الإيمان عمن رد شيئاً من ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. والنبي عليه الصلاة والسلام كان يرسل أصحابه في الأمصار والولايات ليعلموا الناس الدين، وأعظم ما كانوا يعلمونهم هي مسائل الاعتقاد ومن بينها الشفاعة، فلا مناص لمسلم يدعي أنه يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وما فيه إلا أن يؤمن بالشفاعة، أما عن الآثار أو الآيات التي تعلقت بها، فمن الآيات ما ينفي ثبوت الشفاعة، ومنها ما يثبت ثبوت الشفاعة، فإذا ثبت هناك آيات تنفي الشفاعة وآيات تثبت الشفاعة، فإما أن نقول: إن هذا القرآن من عند غير الله، وبذلك يكفر من يقول ذلك، وإما أن نقول: هناك آيات نفت شفاعة معينة مقيدة بقيود، وهناك آيات أثبت

الجمع بين الآيات التي تثبت الشفاعة والآيات التي تنفيها

الجمع بين الآيات التي تثبت الشفاعة والآيات التي تنفيها أما الآيات التي وردت تنفي وتثبت الشفاعة؛ فهي قول الله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18]. هذه الآية ادعى فيها المشركون أن لهم شفعاء، فالله عز وجل نفى عنهم ذلك، وهي تدل دلالة عظيمة على أنه لا شفاعة لأحد عند الله إلا إذا كان قادراً على هذه الشفاعة. فالشرط الأول: الشفاعة بالحق. قال تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]. إذاً: هناك شفاعة، ولكن لا شفاعة لأحد إلا إذا كان يشفع بالحق وهو يعلم أنه يشفع بالحق. والشرط الثاني: إسلام المشفوع له؛ لأنه لا شفاعة لمشرك قط إلا لـ أبي طالب، قال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، والظالمون هم الكافرون، فما لهم من شفيع ولا حميم، ويستثنى من المشركين أبو طالب كما قلنا؛ لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! أرأيت أبا طالب وما كان يحوطك به ويغضب لك. أينفعه ذلك؟) وأبو طالب مات على الكفر البواح على الشرك، ولم يقبل دعوة الله ولا هداه. قال: (أينفعه ذلك يا رسول الله؟! قال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فإني أشفع له، فيخرج من قعر جهنم إلى ضحضاح) أي: ما زال باقياً فيها. وفي رواية عند البخاري ومسلم: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أهون أهل النار عذاباً لرجل يخرج من قعر جهنم حتى يقف على جمرتين يغلي منهما دماغه هو أبو طالب). فشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام أخرجت أبا طالب من أسفل سافلين إلى ضحضاح -ضاحية- من النار يقف على حجرين من نار يغلي منهما دماغه، ومع هذا نفعته شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام. الشرط الثالث: الإذن للشافع؛ لأنه لا يأذن عند الله أحد إلا بإذن؛ ولذا قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]؟ لا أحد. والشرط الرابع: الرضا عن المشفوع له، وإن الله لا يرضى عن مشرك قط، وإنما يرضى عن المسلم وإن كان صاحب كبيرة، فإن الله يرضى بالشفاعة له، كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26]. فهذه هي الشروط التي اشترطها الله عز وجل لحدوث الشفاعة يوم القيامة، وبهذه الشروط نستطيع أن نجمع بين الآيات التي تنفي الشفاعة والآيات التي تثبتها.

الشفاعة الكبرى يوم القيامة وما ثبت فيها

الشفاعة الكبرى يوم القيامة وما ثبت فيها أما موضوع الشفاعة العظمى والشفاعة الكبرى فهي الحادثة يوم القيامة، وصاحبها هو صاحب الشفاعة العظمى نبينا عليه الصلاة والسلام. وإن الأحاديث التي وردت تثبت الشفاعة للنبي يوم القيامة قد بلغت حد التواتر، ومن قال بغير ذلك فلا علم له بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يهرف ويخرف بما لا يعرف، وهو لا يعرف النص المتواتر من غيره، ولم يدرس دين الله عز وجل، ولم يتعرف عليه لا من قريب ولا من بعيد، وكثير من الناس يتكلم في دين الله عز وجل دون أن تربطه بالكتاب والسنة أي رابطة، فيأتي بالأعاجيب، بل ينكر ويرد كثيراً من المعلوم من دين الله بالضرورة، فهو على خطر عظيم جداً. ولعلكم قرأتم مجلة الحوادث الصادرة في هذا الأسبوع أن امرأة أنكرت معجزات الأنبياء، وأنكرت أن الله عز وجل نجى إبراهيم من النار، وأنكرت أن يونس عليه السلام ابتلعه الحوت، وأنكرت الإسراء والمعراج للنبي عليه الصلاة والسلام، وقالت: إنما ذلك تهيؤات وتخيلات! لماذا؟! وأقحمت هذا الفصل في رسالتها في علم النفس، ولا علاقة لهذا الفصل بأصل الرسالة، وحازت على مرتبة الشرف الأولى! وهناك مشكلة قائمة بين جامعات مصر وجامعة عين شمس التي منحت هذه الرسالة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والذي يقف معها ويؤيدها أكثر من الذي ينكر عليها أنها أنكرت معلوماً من دين الله بالضرورة. وإنا لا ندري إلى أي حد ستستمر هذه المهزلة، مهزلة زعزعة الثوابت في حياة المسلمين وفي معتقدهم.

حديث أبي هريرة وأنس في الشفاعة الكبرى يوم القيامة

حديث أبي هريرة وأنس في الشفاعة الكبرى يوم القيامة أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغهم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم، اذهبوا إليه، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟! فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح! إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبداً شكوراً، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي. نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم! أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات -فذكرهن أبو حيان في الحديث- ثم قال: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى عليه السلام، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى! أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها. نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبياً، اشفع لنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنباً لنفسه- ثم قال: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمداً، فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك. سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب! أمتي يا رب! أمتي، فيقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة -أي: ما بين قائمي الباب الواحد من أبواب الجنة- كما بين مكة وحمير -كما بين مكة واليمن- وفي رواية: أو كما بين مكة وبصرى -وهي اسم بلد من بلاد الشام-، وفي رواية: ما بين مكة وهجر). هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وأخرجاه كذلك من حديث أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يجتمع الله المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم! أما ترى الناس ويذكرونه بما ذكروه من قبل حتى يأتوا محمداً عليه الصلاة والسلام عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيأتونني فأنطلق فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمد ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع فيحد الله عز وجل لي حداً فأدخلهم الجنة -يعني: يقسم لي من الناس قسماً فيدخلون الجنة بشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام- ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أرجع، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا رب! ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود). يا رب! لم يبق في النار أحد إلا من حبسه كفره بالقرآن الكريم، فهو من أهل الخلود فيها، فإنه لا شفاعة حينئذ. وعند البخاري ومسلم من حديث مع

حديث أبي هريرة وحذيفة في الشفاعة الكبرى يوم القيامة

حديث أبي هريرة وحذيفة في الشفاعة الكبرى يوم القيامة وعند مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة -أي: تقرب لهم الجنة-، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا! استفتح لنا الجنة -اطلب من ربك أن يفتحها لنا-، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟! لست بصاحب ذاك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم عليه السلام ويذكر بقية الأنبياء حتى يصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، كما يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كالريح، ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم! يا رب سلم، حتى تعجز أعمال العباد، وحتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ ما أمرت به، فمخدوش ناج ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً) إن قعر جهنم لسبعون خريفاً تحت الأرض. وهذا الحديث أخرجه كذلك الإمام أحمد بن حنبل والدارمي في سننه وغيرهم من أهل العلم كثير، ولا أظن أن الوقت يسمح بسرد جميع النصوص.

أحاديث متفرقة في إثبات الشفاعة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم

أحاديث متفرقة في إثبات الشفاعة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعن البخاري من حديث آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاً -يعني: يبركون على ركبهم- كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان! اشفع لنا. حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود)، والمقام المحمود: هي الشفاعة الثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام. وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر ويأتي إلى ربه، وأول شافع، وأول مشفع) عليه الصلاة والسلام. وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79] قال: هي الشفاعة)، فالشفاعة من كذب بها فقد كذب بالقرآن، أي: بالمقام المحمود المذكور في القرآن. وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر). لماذا أصر على تكرار هذه الآثار والأحاديث رغم أنها تدل على معنى واحد وهو إثبات الشفاعة؟ لأبين لك أن هذه العقيدة أتت إلينا بطريقة التواتر كالقرآن الكريم تماماً، فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن, وغير ذلك من الطرق والروايات التي أتت بالشفاعة العظمى للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأبين لك أن من قال: إن الشفاعة أتت بطريق الآحاد ليس له حظ علم في ذلك، بل هي متواترة، أو قد يقول قائل: إن الشفاعة لا تدخل في حدود العقل والعقل لا يتصورها. فنقول له: دع عنك عقلك وآمن بالله العظيم، ولو أن لك عقلاً لسألناك عن كل غيب لله عز وجل. أتى رجل من المبتدعة إلى عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى إمام من أئمة السنة، وقال: يا إمام! يسأله في ذات الله عز وجل، وإن كان اللسان والقلب لا يقوى على سرد ذلك الآن، لدلالة جرحه، فقال ابن مهدي: يا فلان! يرحمك الله، دع عنك هذا وسل عن المخلوق، فإن الخالق لا يعلم كنهه أحد إلا الله، بل من المخلوقات من لا يعلمها إلا الله عز وجل، ألا تعلم أن الله تعالى خلق جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح؟ قال: بلى، قال: صف لي جبريل عليه السلام على هيئته التي خلقه الله عليها؟ صف لي مخلوقاً له ستمائة جناح؟ فعجز الرجل أن ينطق بجواب، فقال ابن مهدي: وأنا أعافيك من خمسمائة وسبعة وتسعين جناحاً، صف لي مخلوقاً واحداً بثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث حيث ركبه الله عز وجل، فعجز الغلام واعتذر لـ عبد الرحمن بن مهدي ولم يتكلم في ذات الله عز وجل بعد ذلك. هذا الأثر إنما نسوقه لوجوب الإيمان بالغيب الذي أمر الله عز وجل به، حتى وإن لم يكن ذلك في مقدور عقولنا، ومتى كان العقل يحكم على النص؟! إن ذلك منهج عقلي اعتزالي لا قيمة له عند أهل السنة والجماعة. ومن حديث أبي بن كعب عند مسلم، قال: (كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه)، وأنتم تعلمون أن أبي بن كعب من قراء الصحابة، بل من أسياد قراء الصحابة. فلما قرأ ذلك الرجل قراءة أنكرها أبي لا علم له بها، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه أنكرها كذلك أبي ودخل ثالث، فلما قضوا الصلاة قال: (إنكم قرأتم قراءة أنكرتها، فقالوا: نذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقرأ كل واحد بالقراءة التي قرأها أمام النبي عليه الصلاة والسلام فأقر الجميع ونصح أبياً بذلك) وفي آخر الحديث: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: يا رب! اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلائق، حتى إبراهيم عليه السلام يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المحشر وفي هذا الموقف فيسأله الشفاعة له وللناس)، وفي رواية: (واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة). وعن أبي بن كعب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر)، يعني: لست أفاخر بذلك، ولكني أخبركم بما سيكون يوم القيامة. وعند البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) يعني: خص النبي عليه الصلاة والسلام بخمس، وخصائصه كثيرة، لكن هذا الحديث أثبت خمساً. قا

أنواع من الشفاعة

أنواع من الشفاعة أما موضوع الشفاعة العظمى والشفاعة الكبرى فهي الحادثة يوم القيامة، وصاحبها هو صاحب الشفاعة العظمى نبينا عليه الصلاة والسلام. وإن الأحاديث التي وردت تثبت الشفاعة للنبي يوم القيامة قد بلغت حد التواتر، ومن قال بغير ذلك فلا علم له بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يهرف ويخرف بما لا يعرف، وهو لا يعرف النص المتواتر من غيره، ولم يدرس دين الله عز وجل، ولم يتعرف عليه لا من قريب ولا من بعيد، وكثير من الناس يتكلم في دين الله عز وجل دون أن تربطه بالكتاب والسنة أي رابطة، فيأتي بالأعاجيب، بل ينكر ويرد كثيراً من المعلوم من دين الله بالضرورة، فهو على خطر عظيم جداً. ولعلكم قرأتم مجلة الحوادث الصادرة في هذا الأسبوع أن امرأة أنكرت معجزات الأنبياء، وأنكرت أن الله عز وجل نجى إبراهيم من النار، وأنكرت أن يونس عليه السلام ابتلعه الحوت، وأنكرت الإسراء والمعراج للنبي عليه الصلاة والسلام، وقالت: إنما ذلك تهيؤات وتخيلات! لماذا؟! وأقحمت هذا الفصل في رسالتها في علم النفس، ولا علاقة لهذا الفصل بأصل الرسالة، وحازت على مرتبة الشرف الأولى! وهناك مشكلة قائمة بين جامعات مصر وجامعة عين شمس التي منحت هذه الرسالة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والذي يقف معها ويؤيدها أكثر من الذي ينكر عليها أنها أنكرت معلوماً من دين الله بالضرورة. وإنا لا ندري إلى أي حد ستستمر هذه المهزلة، مهزلة زعزعة الثوابت في حياة المسلمين وفي معتقدهم.

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر والشفاعة لأهل الكبائر على جهة الخصوص ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام، وما مضى من آثار إنما وردت في إثبات الشفاعة العامة لأهل الموقف إلا من كان مشركاً كافراً. وأما أهل الكبائر فلهم شفاعة خاصة بهم؛ أصحاب الزنا والقتل والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من كبائر المعاصي، فإن الله عز وجل قد حرم هذا، وجعله من كبائر الذنوب، وليعلم صاحب الكبيرة أن الله عز وجل إما أن يأذن في الشفاعة له وإما لا يأذن، فهو على خطر عظيم؛ ولذلك إقامة الحد على صاحب الكبيرة كفارة له، فإن تاب وتصدع قلبه ندماً وحسرة على كبيرته تاب الله عز وجل عليه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]، ومن مات مصراً عليها فهو في مشيئة الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أبا هريرة! لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك -يعني: لقد ظننت أنه لا يسألني أحد قبلك- لما رأيت من حرصك على الحديث والعلم؛ أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي رواية: (صادقاً من قلبه)، وفي رواية: (على ما كان عليه من عمل)، يعني: يقول: لا إله إلا الله ويأتي بمقتضياتها وواجباتها وملزوماتها، فالعبد إذا قال: لا إله إلا الله، وأبغض الله وأبغض الرسول، وحارب الله وحارب الرسول، وحارب القرآن والسنة هل تنفعه لا إله إلا الله؟ لا والله لا تنفعه؛ لأن (لا إله إلا الله) لها شروط ومقتضيات لابد أن يحققها العبد، وإلا فهو على خطر عظيم جداً بين يدي الله عز وجل يوم القيامة. وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة). فاللهم ارزقنا شفاعته عليه الصلاة والسلام. وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته -كل نبي دعا بدعوته في الدنيا- وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)، أي: فهي مصيبة كل واحد من أمتي مات لا يشرك بالله شيئاً، أي: أنها من حظ كل مسلم مات على التوحيد وإن كان صاحب كبيرة، لكن ذلك مشروط بمشيئة الله عز وجل. وأخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل الله عز وجل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة)، فاختار الشفاعة؛ لأنها تنال أكثر من نصف الأمة في الموقف، فاختار النبي عليه الصلاة والسلام الشفاعة حرصاً على عصاة أمته، والدعاء المأثور: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) والمقام المحمود: هو الشفاعة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله لي الوسيلة والفضيلة حلت له الشفاعة) أي: وجبت له شفاعتي يوم القيامة. وعند الترمذي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً وثلاث حثيات من حثيات ربي)، انظروا إلى هذا الفضل العظيم، يعني: سبعون ألفاً في سبعين ألفاً، زد على ذلك ثلاث حثيات يحثوها الرب تبارك وتعالى بيمينه، وهي من حثيات الرب لا من حثيات العبد. وجاء عند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه تماماً لهذا الحديث: (فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أي رب! إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي. قال: إذاً: أكملهم لك من الأعراب). وعند البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله! قال: وهكذا وجمع يديه -أي: يحثو حثوة رب العزة تبارك وتعالى- فقال: زدنا يا رسول الله! قال: وهكذا -أي: حثا بيديه بحثيات الرحمن تبارك وتعالى- فقال عمر لـ أبي بكر: حسبك. -أي: كفى هذا- فقال أبو بكر رضي الله عنه لـ عمر: دعني يا عمر! وما عليك أن يدخلنا الجنة كلنا؟!)، أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (

شفاعة الله عز وجل والملائكة والمؤمنين

شفاعة الله عز وجل والملائكة والمؤمنين وكذلك يشفع الله عز وجل والملائكة والمؤمنون، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: (قلنا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كان صحواً -يعني: ليس بينكم وبينها ضباب ولا سحاب ولا غيم-؟ قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون ولا تضامون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما -أي: في الشمس والقمر ليس دونها سحاب-، ثم قال: ينادي مناد. ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم؛ حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر -ومعنى فاجر: صاحب كبيرة أو صاحب معصية، ولكنه موحد غير مشرك- وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا)، انظر إلى الدناءة: نريد أن تسقينا شربة ماء؛ لأن الموقف رهيب عصيب، الشمس تدنو من رءوس الخلائق حتى تكون منهم على قدر ميل، والميل: هو المرود الذي تكتحل به المرأة، فتصور أنكم تمكثون الآن في بيت من بيوت الله، وكل واحد منا يتصبب عرقاً، وبيننا وبين الشمس مئات الملايين من الأميال! فلو أن الشمس دنت من رأسك حتى كان بينك وبينها قدر عقدة أو عقدتين من عقد أصابعك ماذا تصنع؟ ولذلك يغرق الناس في عرقهم حتى يلجموا إلجاماً، (ما تريدون؟ قالوا: أن تسقينا). ولذلك جاء في سنن أبي داود: (اللهم أدخلني القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال له أبوه: ليس هكذا يا بني! فإني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: سيأتي أقوام من بعدي يعتدون في الدعاء والطهور، قال: فماذا أقول يا أبي؟! قال: إذا دعوت فقل: اللهم ارزقني الفردوس الأعلى)، اللهم ارزقني الفردوس الأعلى وإياكم. هؤلاء اليهود تدنو همتهم حتى في المحشر، وحتى في هذا الموقف العصيب، حتى لا يتمنوا إلا شربة ماء، وينسيهم الله عز وجل أن يطلبوا دخول الجنة أو أن يطلبوا الشفاعة. (فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟! فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم، وإنا سمعنا منادياً ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر إلهنا ومعبودنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه أول مرة عليها -أي: في أول المحشر- فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها -هل هناك علامة تعرفون بها الله عز وجل يوم القيامة-؟ فيقولون: الساق -أي: ساق الرحمن تبارك وتعالى- نعرفه بها، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد فيقع ظهره طبقاً واحداً، ثم يؤتى بالجسر -أي: جسر جهنم- فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالبرق وكالطرف وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم ليسحب سحباً، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا)، فانظر إلى شفاعة المؤمنين بعضهم لبعض. (يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا؟ فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله تعالى صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا، قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40]، فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار وهي بكف الرحمن، فيخرج أقواماً قد امتحشوا -أي: قد صاروا فحماً من فحم جهنم- فيلقون في نهر بأفواه الجنة -أي: على أطراف الجنة- هذا النهر يسمى نهر الحياة، وماؤه يسمى ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض،

شفاعة الأفراط لآبائهم

شفاعة الأفراط لآبائهم وهناك شفاعة عزيزة جداً، شفاعة الأولاد الصغار لآبائهم. أخرج أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب! أنى لي هذه -يعني: كيف بلغت هذه المرتبة العالية في الجنة ولم أعمل عملاً أكافأ بها-؟ قال: باستغفار ولدك الصالح لك). فلا ينفعك إلا ولدك الصالح، أما الطالح فلا، فإن شئت أن تربيه على المعصية والفجور فهو لن ينفعك، وإن ربيته على الصلاح فهو ينفعك؛ فلذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة تنفع العبد بعد موته: ولد صالح يدعو له). وعند مسلم من حديث أبي حسان قال: (قلت لـ أبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان -مات لي ولدان- فما أنت بمحدثي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام حديثاً تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه -وفي رواية: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصنفة ثوبك الآن، فلا يتناهى ولا ينتهي حتى يدخله الله الجنة وأبويه). يعني: يأتي الرجل يوم القيامة وقد مات له ولد أو ولدان أو ثلاثة، فإذا كان يوم القيامة تمسك الأولاد بأثواب وتلاليب آبائهم وأقسموا على الله عز وجل ألا يدخلوا حتى يكون الداخل قبلهم آباؤهم وأمهاتهم، وتلك شفاعة الصغار الذين ماتوا قبل أن يبلغوا الحلم، وقبل أن يجري عليهم القلم. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث -أي: لم يبلغوا الإثم والذنب- إلا أدخلهم الله وأبويهم بفضل رحمته الجنة. وقال: يقال لهم: ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: حتى يجيء أبوانا ثلاث مرات، فيقولون مثل ذلك، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم). هذه شفاعة الصغار لآبائهم.

أسباب الشفاعة

أسباب الشفاعة أسباب الشفاعة منها القرآن الكريم كما ورد في الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (القرآن والصيام يشفعان للعبد، فيقول الصيام: يا رب! أظمأت نهاره فشفعني فيه، ويقول القرآن: يا رب! أسهرت ليله فشفعني فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). وكذلك سكنى المدينة ممن لهم شفاعة خاصة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فإني أشفع لأهل البقيع)، وفي رواية: جاء أبو سعيد مولى المهري إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أنه لا صبر له على بلاء المدينة وجهدها، فقال له: ويحك! لا آمرك بالجلاء عنها -أي: لا آمرك أن تذهب وتترك المدينة- إني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يصبر أحد على لأوائها -أي: شدتها- فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً). وفي رواية: أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). ويكفي أن المدينة لا يدخلها الدجال، فهي معصومة مأمونة من هذه الفتنة التي هي أعظم فتنة بين يدي الساعة. والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام كذلك تستجلب شفاعته عليه الصلاة والسلام، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة). وصلاة المصلين على الميت له شفاعة، أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه) ما من ميت يموت فتصلي عليه أمة يبلغون مائة شخص إلا شفعوا فيه. ومن حديث عبد الله بن عباس: (أنه مات ابن له بعسفان فقال لمولاه كريب: يا كريب! انظر ما اجتمع له من الناس -يعني: انظر كم عدد الذين اجتمعوا- قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته، فقال: تقول يا كريب! إنهم أربعون؟ فخرجت فعددتهم، فقلت: نعم. قال: أخرجوا الميت؛ فإني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه). ولكن انظروا إلى الشرط: (لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه)، أنت الآن لو نظرت إلى كثير ممن يصلي على الأموات وتحققت هذا الشرط لوجدت أنهم يشركون بالله شيئاً، ولرجع إليك الطرف خاسئاً حاسراً، ثلاثة أرباع -إن لم يكن أزيد- يشركون بالله في الدعاء والاستغاثة والنذر والذبح والطواف وغير ذلك. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول لخادمه: (ألك حاجة؟ قال: حتى كان ذات يوم، فقال لخادمه: ألك حاجة؟ فقال: نعم. قال: ما هي؟ قلت: يا رسول الله! حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، إذاً: طول الصلاة وتحسينها وإخلاص العمل فيها لله عز وجل يجلب شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.

موانع الشفاعة

موانع الشفاعة قال عليه الصلاة والسلام: (إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة) وهذا مانع من موانع الشهادة والشفاعة: أن المرء سباب لعان شتام مؤذٍ مجرم فليست له الشفاعة، بل ربما لا يحصل على شفاعة غيره من الشفعاء، من الملائكة والنبيين وصالح المؤمنين. وهناك شفاعة لها تعلق بالدنيا، قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء:85]. قال الحافظ ابن كثير: ((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا)) أي: من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له في هذا الخير نصيب، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء). وعند البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء). وهناك أمور لا تحل الشفاعة فيها في الدنيا، منها الحدود إذا بلغت السلطان فإنه لا شفاعة فيها، بل ليس للسلطان أن يقيم الحد أو لا يقيمه؛ لأن الله تعالى أوجب عليه قيام الحد إذا بلغه؛ ولذلك ثبت عند البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت. قالوا: من يكلم فيها رسول الله؟ من يشفع فيها عند الرسول؟ قالوا: ومن يجترئ على ذلك إلا أسامة بن زيد، فهو حبه وابن حبه، فذهب أسامة ليشفع، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، فلا شفاعة في الحدود. وعند أبي داود عن يحيى بن راشد قال: (خرجنا لـ عبد الله بن عمر فخرج إلينا، فقال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله وحاد الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلم أنه باطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس منه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال). وعن أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله تعالى عز وجل عليه ملكاً يسدده). من طلب الشفاعة في القضاء بشفاعة الشفعاء أوكله الله عز وجل لنفسه، ومن حمل على هذه المنزلة سخر الله عز وجل له ملكاً يسدده ويثبته. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم شفاعة الملائكة والنبيين وصالح المؤمنين. اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام. اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الدفاع عن موسى عليه السلام

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الدفاع عن موسى عليه السلام لقد بين العلماء حقيقة لطمة موسى لملك الموت عليهما السلام وأنه لا مطعن في الحديث الراوي لها، ذلك أنه لما أمر الله تعالى ملك الموت بقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام تمثل ملك الموت لموسى عليهما السلام في صورة آدمي وفاجأه بقوله: أجب ربك، فلطمه موسى حتى فقأ عينه؛ لأنه لم يكن يعلم أنه ملك الموت، ولأنه فاجأه بالكلام ولم يستأذنه، وظن موسى أن الرجل صائل فأراد دفعه وصده.

بيان مقالة مفتر على الصحيحين

بيان مقالة مفتر على الصحيحين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. يقول أحد الملاحدة: إن الذي دس الروايات الإجرامية هو البخاري ومسلم! فهذا المجرم والملحد والزنديق ما تعلم أدب الحوار وأدب المناقشة العلمية حتى رمى خصمه بالإجرام، وأنه دس في عقيدة الأمة ما ليس من عقيدتها، فيقول: حتى يهدم فينا العقيدة الصحيحة، ويوقع بيننا وبين ربنا سبحانه فيحول بيننا وبين رضاه جل شأنه، فتشقى أمتنا بذلك إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل! ترى من فعل هذا؟ هي والله ما دست، إنما هي صحيحة النسبة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، فالدفاع عن هذا الحديث وجلاء أمره إنما يلزمه بيان عدة أمور قبل أن أدخل فيه: الأمر الأول: الكلام عن الملائكة، وعن خلق الله تبارك وتعالى للملائكة، فالملائكة عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور كما خلق الجن أو الجان من نار، وكما خلقك أنت من تراب، فأصل الخلق عند الملائكة يختلف عن أصل الخلق عند الجان، ويختلف عن أصل الخلق عند الإنسان، فالله عز وجل خلق الملائكة من نور، وهم أجسام لا أرواح، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة، والأجنحة لا تكون إلا في الأجساد، أما الأرواح فلا أجنحة لها، وخلقهم الله عز وجل من نور وجعلهم طائعين لهم متذللين خاضعين، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وموسى عليه السلام مأمور بالإيمان بملك الموت، بل وبجميع الملائكة؛ لأن هذا أصل الإيمان في كل شريعة جاء بها رسول أو نبي. إذاً: الذي يكفر بملك واحد كالذي يكفر بجميع الملائكة، والذي يكفر بنبي واحد كالذي يكفر بجميع الأنبياء، وهذا وجه من وجوه تكفير اليهود والنصارى أنهم آمنوا بموسى وبعيسى وكفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فاستحقوا أن يكونوا كفاراً بعيسى وبموسى عليهما الصلاة والسلام. وهذا وجه من وجوه تكفيرهم. والملائكة هم خلق من خلق الله، وقد أمر الله تبارك وتعالى بقية الخلق أن يؤمنوا بأن الله تعالى خلق الملائكة وجعل لكل ملك مهمة يقوم بها، فمنهم من كلف بالوحي، ومنهم من كلف بالمطر، ومنهم من كلف بالرعد، ومنهم من كلف بكتابة الحسنات والسيئات، ومنهم من كلف بقبض الأرواح، وهو ملك الموت المعلوم عند كثير من الناس أنه عزرائيل، وهذه التسمية لملك الموت تسمية غير صحيحة، فإن اسمه الذي سماه الله تعالى به هو ملك الموت لا عزرائيل، وليس في الملائكة قط ملك اسمه عزرائيل، وجعل الله تعالى لكل ملك رسالة ومهمة يقوم بها، لا يقصر في أدائها، ورسالة ملك الموت إنما هي قبض الأرواح، وقد جاء في ذلك آيات كثيرة، فموسى عليه السلام مكلف أن يؤمن بملك الموت لا بضربه وفقء عينه، فلم فقأ عينه؟!

الجمع بين آيات الإخبار عمن يتوفى الأنفس

الجمع بين آيات الإخبار عمن يتوفى الأنفس قبل الجواب عن هذا السؤال نقول: إنه قد وردت ثلاث آيات في كتاب الله فيما يتعلق بمهمة قبض الروح، الله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11]، هذه الآية تقضي بأن ملك الموت هو الذي يميت ويقبض الأرواح من الأبدان، وهذا لا خلاف عليه بل هو مستقر معلوم في أذهان العامة فضلاً عن أهل العلم، فإذا قبضها سلمها إلى رسل آخرين ليصعدوا بها إلى الله عز وجل، ولذلك هذا تأويل الآية الثانية: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61]، (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) أي: كانوا في انتظار عند رأسه في حال الاحتضار، فالذي يتولى نزع الروح هو ملك الموت، ثم الذي يتولى استلام الروح من ملك الموت هم هؤلاء الرسل، فيصنعون بها ما أمرهم الله عز وجل به، فإذا كان صاحب هذه الروح من أهل الجنة فإنهم ينتظرون عند رأسه ومعهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من أكفان الجنة، فيلفون تلك الروح في حنوط الجنة وكفن الجنة، فيصعدون بها حتى يبلغوا بها السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي هذا في عليين، ثم أعيدوه إلى الأرض. فتعاد الروح إلى الأرض وقد قبر الميت ودفن جسده فتركب فيه الروح، فيقام ويقعد ويسأله منكر ونكير، وهو حي حياة برزخية تليق بالبرزخ، فيسأل: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وديني هو الإسلام، فينيمانه نومة العروس، ويفتح له في قبره حتى يكون مد بصره ويكون له روضة من رياض الجنة. وإذا كان صاحب هذه الروح من أهل النار فإنهم يكون معهم حنوط من حنوط النار، وكفن من أكفان النار، فيلفون هذه الروح في هذا الحنوط وفي هذا الكفن، فإذا أرادوا أن يصعدوا بها أغلقت السماء دونها، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجيل، أي: في أسفل سافلين، فتعاد الروح إلى البدن، فيسأل في قبره: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: هاه. هاه هاه. كأنه لا يدري ما يقول؛ لأنه لم يكن عاملاً بمقتضى هذه الأسئلة في الدنيا، فلا بد أن يشقى بها في حياته الدنيوية وفي برزخه وبين يدي الله عز وجل. والآية الثالثة تقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42]. فالمتوفي حقيقة هو الله عز وجل؛ لأنه الآمر لملك الموت بقبض الروح فينسب الفعل إليه، كما لو أن فلاناً انتصر في غزوة كذا، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم انتصر في غزوة بدر مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في غزوة بدر وحده، ولكنه لما كان القائد الأعلى والآمر بهذه الغزوة ينسب النصر إليه، فالله عز وجل -ولله المثل الأعلى- لما كان هو الآمر لملك الموت بقبض الروح نسبت الوفاة إليه فكان هو المتوفي في الحقيقة، وهذا تأويل قول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42]، فلا إشكال حينئذ بين هذه الآيات الثلاث، حتى لا يقول قائل: لقد وقعت على اختلاف وتضاد في كلام الله عز وجل! ف A { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فلما كان من عند الله يقيناً دل هذا على أنه ليس فيه اختلاف البتة، والله تعالى قادر على أن يهلك أعداءه، قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:1]، أي: يزيد في خلق الأجنحة للملائكة ما يشاء، (والنبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق) وقد جاء في رواية: (أن جناحاً واحداً يسد الأفق) يعني: لو أراد ناظر أن ينظر إلى السماء ما رأى من السماء شيئاً، لا نجماً ولا قمراً ولا شمساً ولا ضباباً ولا غيماً؛ بسبب جناح واحد من أجنحة ملك واحد، فما بالكم بملك قد ركب فيه ستمائة جناح، من يقوى عليه؟! والله تعالى خلق ملكاً واحداً ووكله بالجبال فهو يحفظها بأمر الله، وأنتم تعلمون أن ملك الجبال أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: (لو شئت يا محمد لأطبقت عليهم الأخشبين)، أي: لهدمت عليهم الجبلين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعل الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبده) وفي رواية: (من يوحده). فالنبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم وكان بإمكانه أن يأمر ملك الجبال فيأتي بعاليها على سافلها، وبسافلها على عاليها، ولكنه عفا وأصلح. فالملائكة غلاظ شداد، لا يقوى على أحدهم موسى عليه السلام، ولكن الملاحدة أبوا إلا أن يرفعوا عقيرتهم في هذا الزمان لأنه لا حارس، من أراد أن يطعن في الله فليتفضل! ومن أراد أن يطعن في الرسول فليفعل! وم

صور الدفاع عن موسى عليه الصلاة والسلام في لطمه ملك الموت

صور الدفاع عن موسى عليه الصلاة والسلام في لطمه ملك الموت ثم الدفاع عن موسى بعد ذلك يأتي في صور: أولها: أن الله تعالى أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، لينظر ماذا يصنع موسى، والله تبارك وتعالى عالم بما يصنع موسى، لكنها على أية حال رسالة ابتلاء واختبار، والله تبارك وتعالى لما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده لم يكن يريد هذا الأمر؛ لأن إبراهيم عليه السلام لما عزم على ذبح ولده وتله للجبين، أي: ألقاه على جبينه، وأراد أن يذبحه، فجاءه الله عز وجل بالذبح العظيم. إذاً: الله عز وجل أراد بهذا ابتلاء إبراهيم واختبار إبراهيم ليظهر إيمان إبراهيم، وغير ذلك. وكذلك الملائكة تتصور في غير صورتها، وإذا تصورت في غير صورتها لا يعرفها أحد حتى الأنبياء والمرسلون، ألا ترون أن الملائكة أتوا إلى إبراهيم عليه السلام فأوجس منهم خيفة، فقالوا: لا تخف. ثم إنه عد هؤلاء أضيافاً، وجاءهم بعجل حنيذ وقربه إليهم وقال: ألا تأكلون؟ قالوا: إنا رسل ربك، فلو رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملائكة الله على الهيئة والوصف الذي خلقهم الله عز وجل عليه لبهت، ولكنه ولأول مرة يرى ملائكة قد تصوروا في صورة آدميين، وأوجس منهم خيفة؛ لأنهم أضياف لا يعرفهم، فقام بواجب الضيافة إليهم فذبح العجل وقربه إليهم، فاعتذروا لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون. والنبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه جبريل فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ثم سأله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان وأشراط الساعة فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام على أسئلته، ثم أمر الصحابة أن يحضروه مرة أخرى، فذهبوا ليأتوا به، والمدينة صغيرة يرى فيها كل الناس فضلاً عن الغريب، فلما ذهبوا ليلتمسوه لم يجدوا أحداً، فقالوا: ما وجدناه يا رسول الله؟ قال: إنه جبريل، في وقت الأسئلة لم يفطن النبي عليه الصلاة والسلام إلى أنه جبريل، لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وهي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة للملائكة، كما أن هذه القدرة -وهي التصور في صورة غير الصورة الحقيقة التي خلقهم الله عز وجل عليها- كانت كذلك للجن والشياطين، فإنهم يتصورون في صورة طير وحيوان ودواب وإنسان. فإن النبي عليه الصلاة والسلام كلف أبا هريرة رضي الله عنه بحراسة بيت المال، فأتاه شيطان في صورة إنسان يشكو فاقة وفقراً وعيالاً، فقال: أعطني فإني صاحب عيال وذو فاقة، ثم أتاه في الليلة الثانية ففعل مثلما فعل في الأولى، ثم أتاه في الليلة الثالثة ففعل مثلما فعل في الليلتين السابقتين، وفي كل ليلة يقول النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي هريرة: (ماذا فعل صاحبك؟ قال: يا رسول الله! أتاني رجل فسألني حاجة وقال إنه ذو فقر وذو عيال) وفي الليلة الثالثة لما امتنع أبو هريرة عن إعطاء هذا الرجل شيئاً، قال: ألا أعلمك آية في كتاب الله لو قلتها من الصباح لا يزال عليك من الله حافظ حتى المساء، ولو قلتها في المساء لا يزال عليك من الله حافظ حتى الصباح. فقال: بلى. قال: اقرأ آية الكرسي حين تصبح وحين تمسي، فلما قال أبو هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام: إنه قال لي كيت وكيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب). فقوله: (صدقك) هذا كلام حق لا مصلحة؛ لأن يكذب فيه الشيطان، ولكن الأصل فيه أنه كذاب، بل كذوب، فتبين أن الملائكة إنما منحهم الله تبارك وتعالى القدرة على أن يتشكلوا في غير الصورة التي خلقهم عليها وأنهم أجساد نورانية لهم أجنحة. هذا الكلام ستأتي فائدته فيما بعد بإذن الله تعالى. وبعض الشرائع تتفق مع بعضها في بعض الأحكام، فهذا جبريل عليه السلام نزل إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وصلى به الخمس الفرائض في أول الوقت مرة وفي آخرها مرة، وقال: (يا محمد! هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك). إذاً: الأنبياء كانوا مكلفين بفرض الصلاة في مواقيت معينة ومحددة، وتبين بهذا النص أن بعض الشرائع تتفق مع بعضها، ولذلك لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن النظر في كتب بني إسرائيل قال: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، قال العلماء: ما وافق من شريعة من قبلنا شريعتنا يعمل به استئناساً، وإذا خالف شرع من قبلنا شرعنا لا نعمل به، وإذا لم يخالف ولم يوافق فنحن مخيرون بين العمل به وتركه. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نظر في دار أخيه بغير إذنه ففقأ عينه فلا حرج عليه ولا قود). ومعنى فلا حرج عليه، أي: لا يقاد، فلا يطبق هنا العين بالعين والسن بالسن، لأنه انتهك حرمة البيت، فكان جزاؤه من جنس عمله، ولأن صاحب الدار دافع عن نفسه، وعن حريمه، وعن أهل بيته. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان لأجل النظر)، فإذا صوبت عينيك في البيت ثم طرقت الباب فما قيمة هذا الطرق؟! والشرع إنما أوجب علينا الاستئذان وطرق الباب وصرف البصر إلى الناحية الأخرى حتى لا نقع على محارم أصحاب البيت فنستاء من ذلك إن كنا

بيان تأويل قصة موسى في لطمته لملك الموت عليهما السلام

بيان تأويل قصة موسى في لطمته لملك الموت عليهما السلام فموسى عليه السلام فوجئ في داره برجل لا بملك، والملك كان يأتي عياناً لقبض الأرواح، وهذا فرق بين رحمة الله لهذه الأمة وبين ما جعله على الأمم السابقة، أن ملك الموت كان يأتي على صورته التي خلقه الله عليها لمن أراد أن يقبض روحه، وكم من إنسان قبض روحه في مجلس موسى، فرأى موسى ملك الموت على صورته التي خلقه الله عليها كما رآه من جاء إليه ملك الموت ليقبض روحه، أما غيره فإنهم لا يرون ملك الموت، بل لا يراه إلا من جاءه الموت. أما الأنبياء والمرسلون فإن الحجب قد كشفت لهم فرأوا الملائكة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز له عرش الرحمن: (والله! لم يكن هناك شبر أو موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد). وهذا يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام قد كشفت له الحجب حتى رأى الملائكة وهم على هذا النحو، فكذلك موسى عليه السلام، ولكن لما أتى ملك الموت ولأول مرة في صورة رجل غريب لا يعرفه موسى عليه السلام، ثم فوجئ موسى بأنه في داخل داره ويقول له: أجب ربك. لأن موسى لما رآه في داره قام إليه فلطمه، وهذا من باب دفع المعتدي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد)، فهذا موسى عليه السلام قد اتفقت شريعته مع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام في دفع الصائل ومقاتلة من دخل الدار بغير إذن، وأنا أصر على أنه قام إلى الرجل ولم يقم إلى ملك الموت، ولكن ملك الموت قال له لما لطم: أجب ربك. قال العلماء: وما المانع أن يكون موسى قد ظن أن ملك الموت لما لطم وفقئت عينه قال لموسى أجب ربك تعوذاً وهروباً أن تفقأ عينه الأخرى؟! وأنتم تعلمون أن التعوذ في مثل هذه المواطن أمر قد وقع فيه كثير من الناس، فصعد ملك الموت إلى الله بعينه التي فقئت، فقال: يا رب! إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وفقأ عيني، فرد الله عز وجل على ملك الموت عينه؛ لأنه أراد أن يبقى في صورته قبل التحول على خلقته التي تخلق فيها لا على أصل صورته التي عليها أولاً، فلما ردت عينه أتى هذا الرجل إلى موسى عليه السلام في صورة الرجل الذي أتاه أول مرة، وقال: يا موسى! الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟ وهنا لا بد من وقفة عظيمة، وهي أنه ما من نبي مرض مرض الموت إلا خير بين الدنيا والآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث عائشة قالت: (غشي على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في حجري. ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السماء، ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى، فعلمت أنه خُيِّر). وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي أتاه أجله إلا خير بين الموت والحياة). فما من نبي قبضه ربه إلا بعد أن خيره، ولما أتى ملك الموت إلى موسى عليه السلام في أول مرة لم يخيره، وإنما دخل عليه ففوجئ موسى برجل غريب فقام إليه فلطمه ففقأ عينه، فصعد الملك ثم نزل، فقال: يا موسى! الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟ وهذا هو التخيير، فلما علم موسى أنه ملك الموت وأنه تصور بصورة رجل، وأن موسى يعلم علماً يقيناً أنه لن يقبض حتى يخير، فلما لم يخير في الأولى وخير في الثانية علم أن هذا الرجل الذي أتاه أولاً هو الذي أتاه ثانياً، ولكنه في هذه المرة أتاه بالعلامة التي ينتظرها موسى، فقال: الله تعالى يقول لك: آلحياة تريد؟ فوقف موسى ولم يلطمه؛ لأنه عرف وهو مؤمن به، والأصل أن من آمن بأحد استجاب وامتثل أمره، فقال ملك الموت: الله تعالى يقول إذا كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ظهر ثور، فلك بكل شعرة غطتها يدك سنة، ولكن موسى سأل: ثم ماذا؟ أي: بعد هذه الآلاف السنين بعدد شعر رأس الثور. قال: الموت. لأن كل شيء هالك إلا وجهه، ومعنى التخيير: إذا كنت تريد البقاء فلك ذلك، وإذا كنت تريد الموت فلك ذلك، واعلم أنك لو اخترت البقاء فستختاره بإذنك وأمرك وبينك وبين ربك علامة، وهي أنك ستعيش بكل شعرة غطتها يدك من جلد الثور عاماً كاملاً، قال موسى: ثم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن. فموسى عليه السلام لم يكن محباً للحياة ولم يكن كارهاً للقاء الله، وإنما ظن أن الذي دخل عليه رجل غريب يريد أن ينتهك حرمة بيته، فدافع عن نفسه، والمعلوم في كل الشرائع أن الدفاع عن النفس مباح وجائز على قدر ما يدفع به الصائل، فإن دخل عليك رجل يريد أن يأخذ مالك، وينتهك عرضك، ولا يمكن دفعه إلا بالقتل؛ فالقتل جائز، وإذا كان دفعه بالضرب يؤدي المهمة فقتله غير مباح، وإذا كان تخويفه حتى يهرب من البيت فلا يجوز ضربه، وهذه أحكام الصائل، فلما لم يندفع هذا الرجل وثبت في موقفه وقال: أجب ربك، ومعنى (أجب ربك) أي: سلمني روحك أقبضها، وهذا كلام يخرج من الآدميين، أنا إذا أردت أن أهدد واحداً بالقتل قلت له: سلم لي نفسك أنا سأقتلك، أو سأزهق روحك، وهذا الذي حدث من م

مناقب موسى عليه السلام

مناقب موسى عليه السلام الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأهل بيته إلى يوم الدين. أما بعد: جاء في مناقب موسى عليه السلام أنه كان رجلاً حيياً، مهذب الخلق، أرسل في قوم لا حياء لهم، ولا خلق لهم كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وهذا الخلق موجود إلى الآن في حمامات السباحة، وفي شواطئ البحار والأنهار والترع وغيرها، خاصة في الريف، فإن الناس يتجردون من ملابسهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، فهذا الخلق إنما هو خلق اليهود لا أخلاق المسلمين، فكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً يغتسل وحده، وفي هذا جواز الاغتسال عرياناً في الأماكن البعيدة عن الأنظار، والأولى ستر العورة؛ لأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه، فقال بنو إسرائيل لما رأوا موسى عليه السلام يغتسل وحده ويبتعد عنهم: إنه آدر. أي: به عيب خلقي، وهو أنه عظيم الخصيتين. وقيل: (آدِر)، ومن هنا تأتي خطورة قولك لعبد القادر: يا عبد الآدِر؛ لأن الآدر عيب، والله تعالى لا يتسمى باسم فيه عيب، بل هو المتصف بالكمال والجلال والمسمى بالأسماء الحسنى سبحانه، فلا بد من قولك ونداءك لعبد القادر يا عبد القادر، يا عبد الخالق، وليس (يا عبد الخالئ!) بالهمز، هذا خطأ عظيم جداً في الاعتقاد وفي جناب المولى عز وجل، بل لا بد من نداء العبد الذي انتسب إلى الله في التسمية بما سمى الله تبارك وتعالى به نفسه، نحو: يا عبد الخالق، يا عبد القادر، وغير ذلك. قالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فذهب موسى مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر) يعني: على عادة من ينزل البحر فإنه يخلع ثوبه ويجعله على حجر أو على الشط ثم ينزل الماء، قال: (ففر الحجر بثوبه) أي: بثوب موسى عليه السلام، (فجنح موسى خلفه) أي: فأسرع موسى خلف الحجر. (ويقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. ويضربه بالعصا حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى) لأن موسى ظل يجري خلف الحجر حتى دخل في ملأ وفي جمع من بني إسرائيل، فرأوا موسى على هذا النحو دون أن يقصد موسى أن يظهر عورته، ولكنه انشغل بالجري والإسراع خلف الحجر ليأخذ ثوبه وملابسه، وإلا فكيف يفعل موسى حينئذ؟ (قالوا: والله ما بموسى من بأس) أي: لما رأوه. انظروا إلى سفالة ووقاحة اليهود أنهم يسبون ويتهمون ويعيبون نبيهم، ثم لما رأوه رأي العين قالوا: والله ما به من بأس، ولذلك قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69]، فهذه تزكية الله تعالى لموسى: (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا). قال: (فأخذ موسى وطفق بالحجر ضرباً وقال أبو هريرة: إن بالحجر ندباً -أي: أثر الضرب- ستة أو سبعة)، فبقي أثر الضرب على الحجر إلى زمن الصحابة حتى رأوها عليه، ليعتبر من اعتبر، وإن شئت فقل: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42]. وفي هذا الحديث معجزتين لموسى عليه السلام: أن الحجر مشى بثوبه حتى وصل إلى بني إسرائيل، وإظهار براءة موسى أمام قومه وملئه، وهذا ليس فيه كبير ما ينكر، وليس فيه غضاضة، فإن الحجر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وإن الجذع الذي كان يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين يخطب الناس، فلما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم منبر ووقف عليه كان الجذع بجواره، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوقوف بجوار الجذع ووقف على المنبر بكى الجذع، حتى سمع له صوت وبكاء، فليس بغريب أن يأتي هذا من الحجر بموسى عليه السلام. وهذا الحديث فيه: إظهار ما ابتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال وصبرهم على ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل) ويقول: (إن الله ليبتلي عبده بالبلاء فإذا كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي في الأرض وليس عليه خطيئة). فالبلاء منحة من الله عز وجل، إن كان عندك ذنب غفره، وإن لم يكن رفعت لك بهذا البلاء درجات، فالابتلاء إما تكفير للسيئات وإما رفع للدرجات. وما نزل من البلاء بالأنبياء فله حكم آخر، منها: رفع الدرجات حتى يكونوا في أعلى عليين، في جنة عرضها السماوات والأرض، ومنها: أن الله تبارك وتعالى يبتلي الأنبياء حتى يكونوا قدوة لمن وقع به البلاء ممن أتى بعدهم من أممهم فيصبروا كما صبر أنبياؤهم، وغير ذلك من الحكم العظيمة. وآخر فائدة أ

الرد على كتاب وليمة لأعشاب البحر

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على كتاب وليمة لأعشاب البحر لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتن كقطع الليل المظلم في آخر الزمان، وأخبر أنه يتقارب الزمان، وينقص العلم والعمل، ويكثر القتل، وتضيع الأمانة، فيتبع رءوس الزيغ والضلال كل ناعق ملحد، وما من زمن إلا والذي بعده شر منه، فيتجمع المنافقون والملحدون ومن باع دينه بعرض من الدنيا لمحاربة دين الله بالقوة تارة، وبالشبهات تارة، وبهدم أصول الدين تارة، وهذا هو دأب الأعداء في كل زمن وحين.

الفتن المظلمة في عصرنا

الفتن المظلمة في عصرنا إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الإخوة الكرام! قد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستكون فتن)، وفي رواية: (فتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا). فبيّن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن المرء يتحول ويتقلب عدة مرات في يومه وليله، فتارة يكون مؤمناً، وتارة يكون كافراً، لم يقل: فاسقاً، وإنما ذلك اتباعاً لشهواته واتباعاً لملذاته وإيثاره الدنيا على الآخرة، وإيثاره الفانية على الباقية، أمر يجعله يتحول من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان إذا راجع نفسه، ولكنه يُختم له بالكفر. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان)، وهذا من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، أن السلطان في واد والقرآن في واد آخر، وإننا قد بلغنا في زمان حارب فيه السلطان وأعوانه كتاب الله عز وجل، ليس فقط رضي بأن يكون في واد والقرآن في واد آخر، بل سعى سعياً حثيثاً بالليل والنهار هو وأعوانه على أن يضربوا القرآن في الصميم وفي مقتل، وهيهات هيهات فإنه دين الله عز وجل، وإنه كلام الله عز وجل الباقي الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فمهما سعى السلطان وأعوانه لتحريف آية واحدة أو لترك العمل بآية من كتاب الله عز وجل فهيهات هيهات أن يبلغ مراده، وإن الله تبارك وتعالى بيده أن يرسل صاعقة من السماء أو يمطر حجارة من السماء فتهلك الأمة صالحها وفاسدها، ثم يبعث الناس جميعاً على نياتهم وأعمالهم. (ألا إن السلطان والقرآن سيفترقان)، ثم بيّن العلاج: (فدوروا مع القرآن حيث دار). إن الأمة الآن تمر بفتن تتلاطم كموج البحر، فما تكاد فتنة تذهب إلا وتتبعها أختها ثم أختها ثم أختها، وتُعرض هذه الفتن جميعاً على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فمن أُشرب منها واحدة نُكت في قلبه نكتة سوداء حتى يتشرب جميع الفتن، ويُحيط الران الأسود بجميع قلبه، فلا يرى معروفاً ولا يرى منكراً، بل ربما رأى المنكر معروفاً والمعروف منكراً. هكذا تظلم الحياة أمامه تماماً حتى لا يعرف الحق من الباطل، ولا يعرف الخير من الشر، ولا يعرف الصالح من الطالح، فحينئذ سيكون تبعاً لكل ناعق، فإذا نعق مصطفى محمود تبعه، وإذا نعق فاروق حسني تبعه، وإذا نعق فلان أو علان -وهم كثرة- تبعهم، والأمر فيهم كما أخبرنا الله تعالى على لسان بني إسرائيل: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]. فأنا لا أريد أن أعدّد أسماء هؤلاء الكفار الفجرة المجرمين؛ لأنهم كثرة، وإنما أقول: إنهم البقر الذي تشابه علينا في هذا الزمان, وإنه سيهدينا الله تعالى إلى معرفتهم بأعيانهم وذواتهم وأسمائهم، بل ومخططاتهم، ثم يوفقنا لفضحها واحداً تلو الآخر، وإن هذه الطائفة المؤمنة لابد أن تكون قائمة إلى قيام الساعة، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وهم على هذا الحق الذي يعرفونه جيداً، ثم يعرفون المخالفين لهم، فيفضحونهم ويكشفون عوارهم ويهتكون سترهم، وهذا من فضل الله عز وجل ورحمته. فاعلموا -أيها الإخوة الكرام- أن مخططات الأعداء كثيرة ومتنوعة، لكن أصولها ظهرت في الزمن الأول وهو زمن النبوة على يد المنافقين، وعلى يد المحاربين للنبي عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِن

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع من فتن في آخر الزمان

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع من فتن في آخر الزمان وعن أسامة بن زيد قال: (أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة -أي: على مكان مرتفع من الأماكن المرتفعة في المدينة المنورة -فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر)، أي: إني لأرى الفتن تنزل من السماء حتى تتخلل بيوتكم وبين بيوتكم كما يتخلل المطر كل مكان فارغ، فشبّه النبي عليه الصلاة والسلام الفتن في آخر الزمان بالمطر الذي لا يترك مكاناً إلا وعمّه، فتن تأكل الأخضر واليابس، فتن تجعل الحليم حيران لا يدري أين الحق. وقال صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، وينقص العلم والعمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله! وما الهرج؟ قال: القتل القتل). انظروا إلى هذا الحديث وهو من علامات الساعة الكبرى، قال: (يتقارب الزمان) أرجح أقوال أهل العلم في معنى قوله: (يتقارب الزمان) أي: تُنزع البركة من الوقت، فالليل هو الليل، والنهار هو النهار، والزمان هو الزمان، والساعات هي الساعات، والناظر إلى أحوال سلفنا رضي الله عنهم -بل المتأخرين من السلف- ليجد عجباً عجاباً كيف حصّل هؤلاء العلم، وكم تعلموا وكيف تعلموا؟ ثم كم صنّفوا من العلم مصنفات تعجز عن حملها الإبل، ولم يبلغوا من العمر أربعين عاماً أو خمسين عاماً، والواحد منا قد بلغ السبعين والثمانين وهو لا يزال يلعب في بوله وبرازه، ولا يعرف أحكام الطهارة ولا ما يُنتقض به وضوؤه، ولا يعرف شروط صحة صلاته، ولا يعرف إذا كان صاحب مال كيف يحج؟ وما هي مقادير الزكاة؟ وهذا علم واجب على كل إنسان. الشافعي ظهر علمه في الآفاق وانتشر في حياته ولم يبلغ من العمر إلا (54) عاماً، وهكذا كثير من أئمة الدين، وحملة الراية لم يبلغوا نصف قرن من الزمان، مع أننا نعيش ونغط في علمهم وفضلهم حتى قيام الساعة، الواحد منا الآن لو نظر إلى عمر ابن تيمية عليه رحمة الله، ألّف مئات المجلدات من العلم، متى تعلم هذا؟ ومتى كتب؟ مع أنه مشهور بالجهاد أكثر من العلم، ومشهور بحبسه وسجنه أكثر من الجهاد، فكيف تحصّل له كل هذا في عمر قليل؟! والواحد منا ربما يكون الآن قد بلغ ما بلغ ابن تيمية من العمر وهو لا يعرف فروض العين فضلاً عن فروض الكفاية، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال: (وينقص العلم والعمل) ينقص العلم بموت العلماء أو بضلالهم، ويقل العمل ويقل الإخلاص، ويقل التوجه والإخبات والإنابة لله عز وجل. قال: (ويلقى الشح)، مع أن أصول الشح موجودة حتى قبل البعثة، بل الشح أمر فطري مركوز في النفوس والقلوب، وإن كانت العقول السليمة تكرهه، والقلوب المؤمنة تأباه، ولكن أصوله موجودة، فما معنى قوله: (ويلقى الشح) وهو من علامات الساعة؟ قال العلماء: أن يبخل العالم بعلمه فلا يعلمه أحد، وأن يبخل الصانع بصنعته فلا يعلمها غيره، وأن يبخل كل ذو فن بفنه فيضن به أن يعلمه أفراد الأمة، فإذا مات مات معه العلم حتى تبقى الأمة في نهاية أمرها حثالة الأمم، كما نحن الآن. قال: (وتظهر الفتن) أي: التي لم تكن موجودة في زمن النبوة ولا في صدر الخلافة الراشدة. قال: (ويكثر الهرج، قيل: وما الهرج يا رسول الله؟!) وهي لغة حبشية: (قال: القتل. القتل) أكد أن الهرج هو القتل، ولم يكن موجوداً في زمنه ولا بعد زمنه بعشرين عاماً أو أقل من ذلك، ثم ظهر القتل في الأمة إلى يومنا هذا. وفي رواية قال: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل من السماء، ويرفع فيها العلم إلى السماء، ويكثر فيها الهرج) إلى آخر الحديث. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم). (لا يأتي عليكم زمان) أي: لا يمر عليكم يوم إلا والذي بعده مباشرة أشر منه، وهذا مستمر حتى تلقوا ربكم، فنحن في زمان هو شر بالنسبة إلى الأزمنة السابقة، وهو خير نسبياً بالنسبة إلى الأيام المقبلة، فالأمة في نزول حتى تلقى ربها تبارك وتعالى. وقال عليه الصلاة والسلام: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم) القاعد في الفتنة خير من الذي يقوم ويأخذ سيفه ويقحم نفسه في الدخول في هذه الفتنة، فلو قعد عن ذلك لكان أفضل من القائم فيها، قال: (والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرّف إليها استشرفته) أي: من تطّلع إليها برأسه وطل فيها أهلكته: (فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ)، فمن وجد منها ملجأ -أي: مهرباً- فليهرب، أو معاذاً فليعذ به، أي: فليلجأ إليه، وليخبئ نفسه مخافة أن يُقحم في هذه الفتنة. وقال عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن يكون خير مال المرء -أو قال: المسلم- غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، يوشك أن يكون أحسن حال المسلم غنيمات يأخذها ويتبع بها قمم الجبال يرعاها؛ ليفر بدينه من الفتن، وهذا

ظهور المنافقين في الأمة

ظهور المنافقين في الأمة قال حذيفة رضي الله عنه: (إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يقول هذا بعد وفاة النبي ولا يزال في وفرة من أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: إن المنافقين اليوم أشر من المنافقين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، (فإنهم يومئذ يسرون واليوم يجهرون)، أي أن المنافقين في زمنه عليه الصلاة والسلام كانوا يسرون بالنفاق، والله تعالى يخبر نبيه بهم، وهم اليوم -أي: في زمن حذيفة - يجهرون. والعجيب أنهم الآن يجهرون بالكفر البواح ولا يرضون أن يتسموا بالمنافقين، ووضع النقاط على الحروف أنهم في حقيقة أمرهم عند الله وعند المؤمنين هم كفار، لكن يتسترون بثوب جميل؛ ليحسنوا وجههم القبيح. لماذا النفاق؟ لقد آن الأوان أن ينضح كل بئر بما فيه، بل يجد المنافق والكافر الآن على كفره ونفاقه من الأعوان آلاف وآلاف وملايين يتبنونه هنا وهناك، فعلام النفاق إذاً؟ كن صريحاً، لو كنت رجلاً فكن صريحاً. وفي رواية: (إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان).

الإخبار بما سيقع من البأس بين المسلمين

الإخبار بما سيقع من البأس بين المسلمين وقال كعب: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية -أي: من مكان مرتفع- حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة)، هذا الدعاء الطويل أنه كان يسأل ويلح على ربه أن يعطيه ثلاثاً، فأذن الله في اثنتين ومنع واحدة، قال: (سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة)، أي: بالقحط والفقر والجوع والجدب (فأعطانيها)، وأنتم تعلمون الآن أن الأمة تغط في النعيم غطاً، وينقصها الحمد على أية حال، والله لو أراد الله عز وجل أن يعاملنا بأعمالنا لقذفنا في النار ولا يبالي، فإن الأمة الآن ليس عندها من المؤهلات ما يدخلها الجنة، غير أن ذلك محض فضل الله عز وجل، أما القلوب فإنها أسود من السواد، والعمل أقل من القليل. قال: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها). أي: سأل ربه أن الأمة لا يحارب بعضها البعض، ولا يقتل بعضها البعض، ولا يعادي بعضها البعض، فأبى الله عز وجل أن يعطي ذلك لنبيه، وهذا يدل على أن بأس الأمة بينها الآن. إننا في ظل حكم الإنجليز كنا أفضل ملايين المرات من حكمنا بالحديد والنار الآن، لم نر دولة في العالم تُحكم بقانون الطوارئ خمسين عاماً، أي إسلام هذا؟ وأي دين هذا؟ وأي فجور في الادعاء بأن هذا إسلام؟ وأنهم يحبون القرآن ويحبون السنة ويعملون بها؟! عجيب! الكلام كثير جداً، لكن إغلاق صدر الإنسان لا يجعله ينطلق؛ لأن الانطلاقة ربما تؤدي إلى الانتحار أو الهلاك. وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض -أي: جمعها وأظهرها في رقعة حتى نظر إليها النبي عليه الصلاة والسلام- فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أُهلكهم بسنة عامة، وألا أُسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً). أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.

كشف سوآت كتاب وليمة لأعشاب البحر

كشف سوآت كتاب وليمة لأعشاب البحر الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فهذه فتن تجتمع على القلوب فتفسدها، ويكاد الراشد أن يتبلد إحساسه لتفريطه فيتأثر بهذه الفتن، فلو فتحت كتاباً ككتاب (وليمة لأعشاب البحر) الذي أتوا به مؤخراً على صفحات الجرائد، لو ظهر في زمن الصحابة أو زمن التابعين فقرأه الصحابة والتابعون ماذا كان سيصيبهم؟ أنا أتوقع أنهم لو قرءوه لخروا جميعاً موتى؛ لأن الكتاب يحارب الإسلام والمسلمين، فإن هذا الكتاب فيه من العبارات أن القرآن (خرف) هكذا باللفظ، والحقيقة أن الخرف على أم رأس كاتبه، وناشره ومشجعه، ومن رضي به ومن طبعه في بلده. والعجيب أن حيدر حيدر لعنه الله -كاتب الكتاب- يقول: العجب أنني فوجئت بأن وزارة الثقافة المصرية طبعت هذا الكتاب دون علمي، وعلى أية حال شكر الله سعيهم، فإن هذا الكتاب وغيره من الكتب ممنوع من جميع الدول العربية بأسرها؛ لأن كتبي جميعاً تدور على محاور ثلاثة: على السياسة، والجنس، وهتك المقدسات الدينية كلها. إن هذا الكاتب يعتز بأنه من أكفر الخلق ويعترف بأنه كافر، فكيف لا نكفره نحن، وإن كفّرناه كنا نحن الإرهابيين والمتخلفين، وكنا نحن الشباب المتهور الذي لم يتعلم ولم يتلق علمه عن طنطاوي الذي يعمل في الإسلام ما لا تعمله أمريكا ولا يعمله الغرب والشرق، أو لم يتلق علمه على يد أحمد عمر هاشم الأستاذ الدكتور في علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قرأ هذه الأحاديث التي سمعتموها الآن قبل أكثر من خمسين عاماً، ولكنه الثمن المدفوع مقدماً الذي يؤهله إلى نار جهنم إن مات على ذلك ولم يتب، وهم يعدون الذي لا يتلقى العلم في الأزهر إنساناً جاهلاً. نعم الأزهر خرّج فطاحل وعلماء، لكن جُل من تخرج في الأزهر لا يعرفون شيئاً، خاصة خريجو هذه الأيام الذين يريدون أن يكونوا في جميع المساجد، كي يقطعوا الحبل بينكم وبين دعاتكم؛ وذلك لأن الدعاة يقولون ذلك، فالحداد والنجار والسمكري والمحامي والدكتور والمهندس أناس ما عرفوا طرق العلم الشرعي، وهذا العلم تخصص والتخصص هو في الأزهر، فاذهبوا إلى محاضرة أزهرية الآن وهذه دعوة مني، اذهب إلى الأزهر، وإن كنت أيضاً مدخناً أتحداك أن تصبر على أن تبقى محاضرة كاملة؛ لكثرة ما فيه من دخان وغيره، سواء من الأستاذ أو الطلاب، الكل يدخنون، مع احترامي الشديد جداً لكل من حمل راية التوحيد ورفع راية السنة، وهذا قطع للصلة بين الأمة وبين ربها، وأنتم لا تعلمون هذه الصلة إلا من خلال دعاتكم المخلصين الذين يدعون إلى الله عز وجل بالليل والنهار، أما هؤلاء فإنهم موظفون إن لم يكونوا تجاراً، تاجروا بدينهم وآثروا أن يعيشوا حياة كريمة بزعمهم حتى ولو كان الثمن قذفاً في نار جهنم. هذا الذي يدار الآن لابد وأن يكون وراءه فعل عظيم جلل وخطير، ونحن لسنا بأغبياء إلى هذا الحد، فإن انشغل العالم الآن بكتاب يتعرض للذات الإلهية ويقول: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب نسوان). هكذا يقول، وغير ذلك من الكفر البواح، هذا الكتاب بلغ (650) ورقة، ونشر ما في الكتاب من كفر على يد جريدة الأسبوع العلمانية الملحدة، وهذا مخطط لشغل الأمة، ثم نفاجأ بأننا شغلنا بكتاب فيه مخطط ضياع الأمة. إن هذه الدولة الأزهرية بدأت تنظم حفلات ترفيهية، ورحلات علمية لجميع المدارس: ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعات، لماذا؟ هل هذه الرحلات إلى بلاد الحرمين الشريفين؛ لقضاء العمرة وتأدية المناسك، أو لمبحث علمي وللتعارف على آثار الأمة القائمة؟ لا، إنما يساقون إلى فلسطين المنكوبة المسلوبة، ويقولون: رحلة ترفيهية إلى دولة إسرائيل، وذلك للقضاء على البقية الباقية، وإن شئت فقل: لإفساد فطر الأطفال، وأننا واليهود والنصارى شيء واحد، وأننا جميعاً بشر، والنصارى كذلك بشر، وأن هؤلاء أصحاب ديانة كما أننا أصحاب ديانة، وكل واحد له نبي يصلي عليه وهكذا، حتى تنشأ الأجيال القادمة وعندها من الميوعة ما ليس عند آبائها، ولا عند أجدادها، وحتى يكون اليهود والنصارى والمسلمون شيئاً واحداً، وتكون الأديان كلها ديناً واحداً، وخليط مخلوطاً ببناء مجمّع الأديان في ديننا، في بلد الأزهر وفي بلد العلم.

كشف سوآت كتاب منشور يبيح للمرأة المسلمة التعدد والزواج بغير المسلم

كشف سوآت كتاب منشور يبيح للمرأة المسلمة التعدد والزواج بغير المسلم وفي كتاب آخر نُشر حديثاً وكذلك نشرته وزارة الثقافة صدر أخيراً يطالب فيه كاتبه بعدم التزام المرأة بفترة العدة، فلو طلقها زوجها اليوم ففي نفس اليوم لها أن تتزوج رجلاً آخر، هذه واحدة، واستباحوا للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم؛ لأنه إنسان مثله مثلها، وربما يكون أطيب منها وأحسن منها، فلا مانع أن يتزوج الكافر المسلمة، لا يهمه قول الله عز وجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]، ولا يهم: لا تتزوج المسلمة من كافر، المهم أنها تتعايش في سلم وسلام وأمن وإيمان، وإخاء ومحبة، وهذا السلام! واستباحوا للمرأة المسلمة تعدد الأزواج، لكن تعدد الزوجات لا. يقولون: هذا حرب! حرب أن يجدوا الشخص متزوجاً من واحدة أو اثنتين أو ثلاث، ويدعون أن للمرأة الحق في تعدد الأزواج، الأولى دين والثانية كفر يدعون إليه، تصور أن امرأتك تستأذنك في الصباح وتقول: أنا سأذهب إلى زوجي الثاني، وسأعود إليك بعد ثلاثة أيام أو أربعة، فتذهب إلى الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم تضع، ثم تنسب المرأة الولد إلى من شاءت، أو يلحق الولد بمن يشبهه من أزواجها الأربعة! كلام يجعل الواحد يخر ميتاً، لكن قست قلوبنا فنحن لا نتأثر بذلك؛ وذلك لكثرة الفتن ومعرفتنا بها. قال: والمساواة في الميراث، لماذا تأخذ البنت نصف الرجل؟ لماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟ هذا كلام لا يصح؟ كلام الله كلام لا يصح؟! بل يصح كلام هؤلاء الكفار الملاحدة العلمانيين، ويقولون: إن هذا هو العدل؟! أي عدل أيها الكلاب؟! أي عدل أيها المجرمون الفجرة؟! يا كفرة يا مجرمون، يا من أفسدتم الأمة ولم تبقوا فيها أخضر ولا يابساً، إن الرجل الذي يتحمل أعباء البيت والإنفاق ويعمل ليل نهار منحه الشرع شيئاً زائداً؛ ليميزه عن المرأة التي تمكث في بيتها ولا تكترث بشيء مما يعنى به الرجل! تدعون إلى العدل ومساواة الرجل والمرأة في الميراث؟! ثم يقولون: وإن الله ظلم المرأة، بل حتى في الجنة يظلمها؛ فهل قلم يكتب هذا؟ لو ظهر الآن عباد الأوثان الذين حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن يهاجر فإنهم لا يقولون بحرف من هذا نهائياً، فهؤلاء قد بلغوا في الكفر والإلحاد والزندقة ما لم يبلغه أصحاب الفترة. ثم يقولون: وما المانع من أن تزني المرأة، فالزنا إنما هو عملية رياضية، كرياضة الجمباز وكرة القدم وكرة السلة، ومصدر الزنا عاطفة جياشة بين الرجل والمرأة. هل يقبل هذا أن يقول له غيره: أعطني امرأتك لأزني بها، ربما سيقول: نعم. ويقبل ذلك؛ لأنه كلب ولأنه حمار ونجس وتيس وبليد الحس، بل قد مات قلبه بالكلية، ولو وجد كلباً -لا أقول: رجلاً- أو تيساً أو حماراً جثم على صدر امرأته وزنى بها لربما ضحك واستبشر خيراً. إن كثرة البلاء يوجه بعضه بعضاً، فإن هذه الحملة المسعورة تأتينا بالبث المباشر على الهواء، والذين حركوا هذه الحملة هم طائفة روز اليوسف، هؤلاء المجرمون الفجّار الذين بلغوا في النفاق والفساد ما لم يبلغه أبو لهب ولا أبو جهل، وبلغوا في حربهم وعدائهم للإسلام ما لم يشهده النبي وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، هم الذين حرقوا الأنفس. والأزهر في ظل هذه العمائم الحمراء -وإن شئت فقل: السوداء والعمائم البيضاء سودها الله على رءوسهم- ليس في حاجة إلى تحريك؛ لأنهم قد قبضوا الثمن قبل أن يتعينوا، فإنهم يقومون بدورهم على أحسن وجه. هل نحن خوارج حقاً؟! أفنكون كذلك ونحن لا ندري؟! بل إننا في كل صباح ومساء نتبرأ من الخوارج ومن فكر الخوارج ومن التطرف ومن التنطّع، بل نهاجم كل فكر منحرف عن هدي النبوة، وندعو إلى السنة والالتزام بالسنة، فأنا لا أدري كيف نكون من الخوارج؟! ربما تكون خارجيتنا تخطط في الخفاء، ربما يكون هذا هو العلة وهذا هو السبب. فكيف تنجو الأمة من الهلاك في الدنيا والآخرة، ودعاتها وسادتها وقادتها بهذا الشكل؟! اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

الرد على مصطفى محمود

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على مصطفى محمود سيكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم، تتلاطم كالأمواج، تفتن المرء في دينه، فلا يميز الحق من الباطل، من هذه الفتن فتنة أذناب اليهود والنصارى والملحدين من أبناء جلدتنا، الذين يجحدون القرآن أو السنة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فينكرون الشفاعة، أو يرمون حديثاً صحيحاً بالشبهات أو يردونه؛ لذلك يجب على كل متبصر بدينه غيور عليه أن يدافع عن الله ورسوله وشرعه ما استطاع.

شرح حديث حذيفة في الفتنة

شرح حديث حذيفة في الفتنة إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في مجلس حذيفة: من منكم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن شيئاً؟ قال حذيفة: أنا أحفظها كما قال. قال عمر: هات ما عندك، والله إنك لعليها لجريء)، وفي رواية مسلم: (لا أب لك، هات ما عندك؛ إنك لعليه لجريء. قال حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجيرانه تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: لكن هذه لا أعني، وإنما أعني التي تموج كموج البحر. قال حذيفة: يا أمير المؤمنين! لا بأس عليك منها، فإن بينك وبينها باباً)، وفي رواية قال: (إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: أيُكسر الباب أم يُفتح؟ قال حذيفة: لا، بل يُكسر. قال عمر: إنه لحري ألا يُغلق)، إذا كُسر لا يُغلق؛ لأنه لا يصلح للإغلاق بعد ذلك. قال الراوي عن حذيفة وهو مسروق بن الأجدع: (قلنا: هل علم عمر الباب؟ أو من هذا الباب؟ قال حذيفة: نعم. علم عمر من الباب. ولكنا هبنا أن نسأله -أي: أنهم هابوا أن يسألوا حذيفة مَن الباب-قالوا: فأمرنا مسروقاً أن يسأله من الباب؟ فلما سأله قال: الباب: عمر). هذا الحديث مليء بالفوائد، ولكني أجتزئ منه وأستل منه فائدة واحدة، إن هذا الحديث في مطلعه بيّن أن الفتن نوعان: نوع منه يسير تكفّره الأعمال الصالحة، والعبادات والطاعات؛ لأن حذيفة قال: (سمعته عليه الصلاة والسلام يقول: فتنة الرجل في أهله -أي: في أزواجه- وأولاده وجيرانه وماله تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ولكن ليس هذا هو المقصود. فتنة الرجل في أهله بعدم القسم بينهن، وبالميل إلى أحداهن دون الأخرى، بالتقتير وعدم الإنفاق عليهن وضياعهن وغير ذلك. وفتنته في أولاده بإيثار أحد الأولاد على الآخرين، والوصاية له دون الآخرين، والميل إلى أحد أبنائه دون الآخرين وغير ذلك. وفتنته في ماله: أن ينشغل به دون الدعوة إلى الله عز وجل، إن كان من أهل الدعوة إليه سبحانه، أو أنه ينشغل بماله عن طاعة الله عز وجل وعبادته، وتلهيه أمواله عن أداء ما أوجبه الله عز وجل عليه. وكذلك فتنته في جاره أن يجور عليه، وأن يحسده، وأن يبغي عليه، وأن يهضمه في حقه، وغير ذلك، كل هذا تكفّره الأعمال الصالحات. لكن هذه الفتنة ليست هي التي عناها عمر في سؤاله، قال: ليست هذه التي أعني، إنما التي تموج كموج البحر، تتلاطم من كثرتها وشدتها، وشبهها بموج البحر الذي يكسر الحديد والخشب حين يهيج، فلا يصمد أمامه جسم قط؛ ولذلك شبّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفتن العظيمة بأنها كموج البحر، إذا تعرض لها أحد اجتاحته وأخذته ضمن أمواجها وضمن هياجها وضمن شدتها، قال: هذه التي أعني. فهذا الحديث قد بيّن أن الفتن نوعان: فتن تكفّرها الطاعات، وفتن تموج كموج البحر قل أن يسلم منها أحد، والعامة والدهماء إنما يقعون في هذه الأمواج.

إنكار مصطفى محمود لحدود شرعية في كتاب الله وسنته

إنكار مصطفى محمود لحدود شرعية في كتاب الله وسنته صدرت الخطبة بهذا الحديث لأن الصحف كل يوم تطالعنا بجاحد للقرآن وبجاحد للسنة عمداً، أو بجاحد لإلهية الله عز وجل، وإن شئت فقل: بمدّع للإلهية، أو مدّع للنبوة، أو مُنكر للرسالات والنبوات وغير ذلك، هذا الزمان قد امتلأ شرقاً وغرباً بهذه الدعاوى، كل يوم لا بد أن تسمع أذناك شيئاً من هذا، أو أن ترى وتقرأ عيناك شيئاً من هذا. إني استخرت الله عز وجل في مقابلة هؤلاء الذين لا يستحون أن يتكلموا بما عندهم من كفر وإلحاد، وأن أذكر أسماءهم ولا حرج في ذلك؛ لأن الفاسق قد أذن لنا الشرع بفضحه حتى يحذره الخلق، فإذا كان الأمر كذلك، فقد طالعتنا جريدة الأهرام القومية -ولا بد أن تعلم أنها قومية- مقالاً للمزعوم مصطفى محمود عليه من الله ما يستحق، هذا الجاهل، بل إنه ليس جاهلاً، فإنه يدري ما يقول، وإن شئت فقل: هذا الملحد الذي ألحد في الله وأسمائه وصفاته، وألحد في النبوة والرسالة عدة مرات، فقد طالعتنا مجلة (صباح الخير) -لا صبّحها الله بأي خير- في يوم (26/ 12/1976م) في عددها رقم (1093): أن مصطفى محمود ذلك العالم الفذ خرج على الأمة منذ (25) عاماً قال: لا شيء في دين محمد اسمه حد السرقة. يهدم بذلك القرآن، ويهدم بذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام العملية والقولية. ثم يقول: وكذلك حد الجلد ليس في كتاب الله عز وجل آية واحدة تتكلم عن حد الجلد، وإنما ذلك ورد في كتب السير، هكذا يقول بجهله. قال: وأصحاب السير يعلمون أن معظم كتبهم مدسوسة، وأن الأخبار التي فيها ليست بصحيحة. هكذا يقول، وهكذا يحكم، وهكذا يقضي من مسجد محمود مسجد أبيه؛ لأنه ليس مسجداً لله عز وجل، هو مسجد أبيه. ثم يقول: الرجم ليس ثابتاً في الكتاب ولا في السنة، ثم يقول: وهب أنه في سنة النبي عليه الصلاة والسلام فهل المقصود به: أن المرأة إذا زنت تُرجم بالرجم المعروف اصطلاحاً لدى الفقهاء؟ ثم يجيب هو فيقول: لا، فالمرأة إذا زنت مرة ومرتين وثلاثاً لا تُرجم؛ لأن الزنا ليس حرفة لها، ولا بد من حمل الروايات في السنة على جلد أو رجم المرأة الزانية إذا اتخذت الزنا حرفة لها، وأما دون ذلك فلا. ثم يقول: حتى لو قضى القاضي بوجوب رجمها أو جلدها لا يجب تنفيذ أمر القاضي. ثم يقول: ورجمها وجلدها الذي أعنيه ليس ضرباً بالعصا ولا بالحجارة، إنما هو حبسها في بيتها حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلاً. هكذا يتفضّل علينا مصطفى محمود يضرب بالقرآن والسنة وإجماع الخلفاء وإجماع الصحابة -بل إجماع أمة- عرض الحائط، ويأتينا بفهم لم يفهمه من قبل إلا شيخه رشاد خليفة الذي ادعى النبوة في أمريكا، فرزقه الله عز وجل عام (1988م) بمن يقتله، ولا ندري إلى الآن من قتله، ولا أحد حقق في حادثة قتله، ثم هو تلقى ذلك مشافهة -كما يقول- من صديقه الحميم وأستاذه العزيز (أحمد صبحي منصور) ذلك الأزهري الذي تبرأ منه الأزهر بمجرد أن عاد من أمريكا؛ لأنه كان يعمل هناك سكرتيراً للنبي رشاد خليفة، فلا بد أن تعرفوا أعداءكم، لا بد. أتى أحمد صبحي منصور وكانت له حملة وشنة ورنة في الجرائد والصحف، ثم بحمد الله عز وجل كُشف عواره وبان فساده على أيدي المخلصين من الدعاة إلى الله عز وجل، ولا أزعم أنني منهم وإنما أنا أنقل عنهم. ثم يأتينا مصطفى محمود فيثير ضجة وحملة، فيرد عليه العلماء والمخلصون، ثم يهدأ حتى تمر العاصفة ثم يخرج بعاصفة أخرى، أو بنفس العاصفة مرة أخرى، ولذلك حينما طالعتنا هذه المحافل العلمانية الإلحادية التي قُصد منها تدمير المجتمع المسلم في شتى بقاع الأرض قام المخلصون ببيان هذا الفساد، وأنه ما أريد به وجه الله عز وجل، فربما يكون هو في أصله كلمة حق، لكن أريد بها باطل.

كشف حقيقة مؤتمرات قضايا المرأة

كشف حقيقة مؤتمرات قضايا المرأة في الوقت الذي عُقدت فيه المؤتمرات في بكين وغيرها لنصرة المرأة بزعمهم، وإعطاء المرأة حقها بزعمهم، وإعطاء المرأة فرصة لممارسة حريتها بزعمهم، هم في ذاتهم يعترفون في بلاد الغرب والكفر أن هذه المؤتمرات هي التي أحدثت انحلالاً في مجتمعات الكفر يوشك أن ينهار بهذه المجتمعات؛ لأن المرأة لما أُعطيت حريتها أفسدت فساداً عظيماً، والنبي عليه الصلاة والسلام بشّر بذلك وأخبر به، قال: (ما تركت فيكم بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، اليهود وهم أصحاب الأيدي الخبيثة على وجه الأرض في طول التاريخ وعرضه علموا أن السلاح الفتاك هو سلاح المرأة، فاستخدموها من أول لحظة، أيقنوا أن الحرب العسكرية الدموية لا تصلح مع المسلمين، وأن المسلمين عندهم من روح الجهاد ما يكفي لمواجهة الواحد منهم ألفاً من اليهود، فلما فشلوا في هذا من جهة العسكر لجئوا إليهم من جهة المرأة، ثم لجئوا بعد ذلك إلى ما يسمى بالتطبيع وإلى ما يسمى بالثقافة الدخيلة، وإلى ما يسمى وما يسمى وأساليب اليهود لا تنتهي. ثم تُعقد هذه المؤتمرات المعروفة بمؤتمرات السكان أو الإسكان، حتى عقدت في مصر أخيراً، وقرروا أن هذه المرأة آدمية، وهذه بلية عظيمة أن تُعقد مؤتمرات حتى تبيّن أن المرأة حيوان أم إنسان، ولكنهم -لا جزاهم الله خيراً- قد خرجوا بنتيجة، وهي أن المرأة إنسان وليست حيواناً. ثم لزاماً في المحافظة على إنسانية المرأة أن يسنوا لها القوانين؛ لأن المرأة كالرجل تماماً بتمام، ولا بأس عندهم أن تحمل المرأة عاماً وأن يحمل الرجل عاماً، وأن ترضع المرأة عاماً وأن يرضع الرجل أعواماً، وأن يكون للرجل ثدي وفرج وأن يكون للمرأة ثدي وفرج فلا بأس بهذا كله، والتكنولوجيا الحديثة تساعدهم على فعل كل هذا، لا بأس به. ولكن البأس كل البأس أن ينعقد مؤتمر السكان في مصر عدة مرات، منها السري ومنها العلني، حفظاً لماء الوجه القبيح، ثم يقرر مؤتمر السكان: أن الختان حرام، أي: أنه حرام قانوناً؛ لأنهم لا يعرفون لغة الشرع، فهو يحرّم دولياً، وقامت مصر بأسرها على هذا المؤتمر قومة رجل واحد، لم يخالف منهم إلا أذناب المستشرقين من العمائم ومن غيرهم، ولكن الساسة والقادة وجُل العلماء والدعاة إلى الله عز وجل أنكروا هذا المؤتمر برمته، وقالوا: إذا قرر شيئاً يخالف شرع الله فإننا لا نُلزَم بقبوله، هذا على أية حال خير، ولكن الغريب أنه لا يُسمح لهذه المؤتمرات -التي لا أقول: إنها المشبوهة، ولكن التي أسفرت عن وجهها القبيح- في ضرب المجتمعات الإسلامية في صميم قلبها، فأقول: إذا كان كذلك فلِم يؤذن لها بالانعقاد هنا؟ وقد انعقدت.

أحمد صبحي منصور وأذنابه بين الدس والإنكار

أحمد صبحي منصور وأذنابه بين الدس والإنكار إن أذناب هذا المؤتمر وتلاميذ هؤلاء الأذناب من أصحاب الكفر الصريح والإلحاد القبيح يخرجون علينا كل يوم بقضية، حتى شغلونا عن تعليم الناس دين الله عز وجل، عن تعليمهم الوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج، وكان أحرى بنا أن نتناول مسائل الحج في مثل هذا المقام، والناس يتهيئون لزيارة بيت الله الحرام، ولكن حسن الاعتقاد في قلبك أهم من معرفتك ببعض مسائل الزكاة التي يمكن أن تحصلها من هنا أو من هناك. فأقول: إن بعضهم يخرج علينا فيقول: السنة قد دخلها الدس والتحريف ولذلك لا نحتج بها، ومنهم من يفرق بين المتواتر والآحاد، ومنهم من يقول: إنني قرأت القرآن، وهذا أحمد صبحي منصور المجرم الذي يعيش هنيئاً مريئاً في أرض مصر الآن، يقول: لقد قرأت القرآن كله فأعجبني! وعلمت أنه ليس كلام محمد! وكأنه كان يعتقد من قبل أنه كلام محمد! فعلمت أنه كله كلام جميل لا يمكن أن يصدر من محمد، وإنما هذا وحي السماء، فأعجبني هذا القرآن إلا في موضعين! نعم لا بد أن تعلم أعداءك. وذكر هذين الموضعين، ولو كان محقاً في ذكره -عياذاً بالله وأبرأ إلى الله تبارك وتعالى من كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع علماء الأمة، والقياس الصحيح، أبرأ منه أنا وأنتم إلى الله عز وجل، وحُسن ظني بكم يدفعني إلى ذلك- هذا الذي أعجبه القرآن إلا في موضعين هو شيخ وأستاذ وقدوة وأسوة مصطفى محمود الذي خرج علينا منذ أشهر ينكر الشفاعة، أسأل الله تعالى أن يحرم جميع من أنكر الشفاعة الشفاعة، أسأل الله تبارك وتعالى أن يهلك الملاحدة، اللهم سلط بعضهم على بعض اللهم سلط بعضهم على بعض اللهم سلط بعضهم على بعض، اللهم لا تبق منهم أحداً اللهم لا تبق منهم أحداً، اللهم طهّر الأرض منهم، اللهم نجنا منهم اللهم نجنا منهم اللهم نجنا منهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الرد على مصطفى محمود في مقالته (كلمة هادئة)

الرد على مصطفى محمود في مقالته (كلمة هادئة) لما قامت العواصف على مصطفى محمود من كل اتجاه سكن وخنس؛ لأنه شيطان يعلم متى يوسوس ومتى يخنس، ولكنه لا يهدأ إلى الأبد، ورد عليه علماء الأزهر، بل رد عليه أساتذته وقالوا: إنك أخطأت التوقيت؛ أي أنهم لم يختلفوا معه في أصل القضية، ولكن اختلفوا معه أنه غبي، فقد اختار وقتاً ليس مناسباً، فظن أن يوم السبت الماضي كان يوماً مناسباً، فأتى بهذا المقال مرة أخرى، فماذا قال مصطفى محمود؟ قال تحت عنوان: (كلمة هادئة) وكأنه يقول: لا تتعصبوا؛ فالمسألة كلها حرية رأي، وحرية فكر ولعب ومزاح، فلماذا أنتم تتضايقون؟ ثم افرض أنني قلت كلمة تعني شيئاً، هل تستحق هذه الغارة كلها؟ فأنا أمزح وأنا كنت نائماً وأحلم. فقال تحت: (كلمة هادئة): في صحيح البخاري وصحيح مسلم. وهو يعلم أن الحديث في الصحيحين، وأن الأمة منذ أن صنّف البخاري ومسلم صحيحيهما تلقت الكتابين بالقبول، وهذا إلى قيام الساعة عند أهل الحق، ولكن عند أهل الباطل يقول: (في صحيح البخاري وصحيح مسلم في باب التوحيد عن أبي سعيد الخدري نقرأ هذا الحديث العجيب عن يوم القيامة) هكذا يقول. ثم يقول: (يقول الجبار قبل إقفال باب الحساب: بقيت شفاعتي، ويقبض قبضة من النار فيُخرج أقواماً قد امتحشوا -أي تفحّموا- فيضعهم في نهر في الجنة اسمه الريان). هكذا قال وهو جاهل وغبي وأحمق، بل هو أجهل من حمار أهله؛ لأن باب الريان لأهل الصيام، ولم يقل: (باب) أيضاً، بل قال: (نهر) اسمه نهر الحياة، وهكذا أعمى الله تعالى بصيرته. فقال: (فيضعهم في نهر في الجنة اسمه الريان، فتنمو أجسادهم كما تنمو الحبة في حميل السيل، ويوضع في رقابهم الخواتيم، ويقال: هؤلاء عتقاء الرحمن، دخلوا الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه).

الرد على مصطفى محمود في إنكار عتقاء الرحمن يوم القيامة

الرد على مصطفى محمود في إنكار عتقاء الرحمن يوم القيامة قال: وهو كلام يخالف صريح القرآن، بل يناقض القرآن في (35) موقعاً يؤكد فيها القرآن أنه لا دخول للجنة إلا بعمل صالح)، أي: أنه بذكائه وفطنته عندما قرأ القرآن لأول مرة علم أن هذا الحديث يخالف (35) موقعاً في القرآن الكريم، كل هذه المواقع في القرآن تقضي بأنه لا أحد يدخل الجنة إلا بالعمل. وطبعاً لو قلنا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يدخل الله أحداً منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل)؛ لقال: لا. هذا أيضاً حديث مدسوس! وهكذا لا نخرج من الدس، والذي يميّز لنا المدسوس من غير المدسوس، الصحيح من السقيم، الباطل من الحق هو فضيلة الشيخ العلامة المحدث الكبير الخبيث مصطفى محمود، نعم هو الذي يميّز لنا هذا! ويجب علينا وجوباً لازماً أن نتّبعه في ذلك، ولكن لو اتبعناه فإنه حظنا ونحن حظه، إنه رزؤنا -أي: مصيبتنا- ونحن رزؤه، أي: مصيبته، نحن تبع له إن تبعناه في الدنيا يوم القيامة، نحن نُحشر معه إن رضينا بأن نكون في زمرته من الآن، وللأسف الشديد أن الناس ثلاثة: عالم معلم، وطالب علم على سبيل النجاة، ورعاع دهماء أتباع كل ناعق، وعلى رأس الناعقين هو، فمن تبعه لا بد أن يكون معه يوم القيامة. ثم بعد ذلك يأتي بهذه الآيات التي تثبت أنه لا دخول للجنة إلا بعمل، ويقول: (وعلى الرغم من هذا التكرار القرآني الذي يؤكد المعنى بلا لبس وبلا إيهام ولا استثناء)، نعم هذه الآيات قد لُبّست على علماء الأمة شرقاً وغرباً منذ (14) قرناً وزيادة وظهرت عنده؛ لأنه ليس فيها لبس ولا إيهام على عقل المجرم الفذ! فقال: (يفاجئنا رواة الأحاديث بهذا الحديث العجيب عن هؤلاء الأقوام الذين يخرجهم ربنا من النار وقد تفحّموا ويدخلهم الجنة بلا عمل عملوه ولا خير قدموه. قال: فإذا رفضنا هذا الحديث اتهمونا بإنكار السنة). لا. لا، فأنت مبرأ، وما هي إلا محاولة للاستئناف، إما أن يؤدي بك إلى الجنة وإما أن يؤدي بك إلى النار. قال: (اتهمونا بإنكار السنة وإنكار الشفاعة، وقال عني الشيخ القرضاوي: إنني رجل مكابر. سامح الله الشيخ القرضاوي). أرأيت قلبه الرحيم! فهو لا يقابل الإساءة بالإساءة ولا التهمة بالتهمة، إنما يعفو ويصفح، قلب رحيم تربى على يد رشاد خليفة وأحمد صبحي منصور وأيدي الملاحدة. ثم يقول: (فأنا على كثرة عيوبي قد عافاني الله من داء الكبر، ولا أزكي نفسي، فهذه منة امتن بها عليّ ربي. قال: وأخون أمانة القرآن في عنقي إن لم أُنكر هذا الحديث الذي تقولون به). أمانة القرآن؟! ما هي علاقتك بالقرآن؟! وما هي علاقتك بالسنة؟! هل أنت عالم؟! أنت لا تفهم إلا في لغة الحيوان والصيد والحشرات والنبات وغير ذلك، فالعجيب أنكم تصدقون كلامه، ولو أن الواحد منكم مرِض هل يذهب إلى نجار ليعالجه؟! وإذا احتاج الواحد منكم إلى صناعة باب لبيته هل يذهب إلى طبيب ليصنعه؟! لِم تحترمون التخصص في كل شيء وتستبيحون دين الله عز وجل، أهو الشيء المستباح لديكم؟! أكل من يقول في دين الله اتهاماً محل احترام وتقدير عندكم وأنه مجتهد: إما مصيب وإما مخطئ! ثم يقول: (وأخون أمانة القرآن في عنقي إن لم أُنكر هذا الحديث الذي تقوّلوا به زوراً وبهتاناً على سيدنا رسول الله). ولكني أخشى أن يكون سيدهم رسول الله هو أحمد صبحي منصور أو رشاد خليفة. ويقول: (وحاشا لرسول الله الذي جاءنا بالقرآن أن يقول هذا الكلام الذي ينقض به القرآن في معنى أكده القرآن (35) مرة في (35) موقعاً. إن الجنة جزاء على خير العمل، حتى يكاد يكون هو قانون القرآن الأول ودستوره الثابت وروح العدالة المبثوثة في ثناياه) أي: العمل. يقول: (ولا غرابة؛ فهو الدس والتحريف حينما عجزوا عن المساس بآيات القرآن). هل نحن الذين نمس القرآن؟! هل البخاري هو الذي يمس القرآن؟! مسلم هو الذي يمس القرآن؟! أحمد بن حنبل في مسنده هو الذي يمس القرآن؟! أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم من بعده عجزوا عن تحريف آيات القرآن فحرفوا السنة النبوية؟! إنه يريد أن يهدم قدسية العلماء وقدسية الإجماع في قلوب أبناء العصر؛ حتى ينحرفوا عن كتاب الله وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وهم مطمئنون كل الاطمئنان أنهم غير آثمين. ثم يقول: (ولم يجدوا وسيلة إلى تحريفه -أي: القرآن الكريم- فاستداروا إلى الأحاديث يحرفونها ويختلقونها اختلاقاً، وقد اعترف رواة الأحاديث أنفسهم بأن فيها الضعيف والموضوع والمدسوس والمنحرف). نعم قد اعترفوا، ولكنهم ميزوا بين هذا وذاك، هم الذين اعترفوا بأن السنة قد دخلها تحريف، وهم حينما عرفوا بهذا التحريف قاموا بجهد انبهر به علماء الغرب في وضع قواعد لتمييز الصحيح والسقيم، ولذلك اعتبر الغرب أن قواعد الجرح والتعديل التي تفضّل بها علماء المس

بيان الحديث الذي أنكره مصطفى محمود

بيان الحديث الذي أنكره مصطفى محمود نتعرض لنفس الحديث الذي تعرض له مصطفى محمود وأنكره. هو حقاً في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري، وجاء بغير هذه الزيادة التي أنكرها مصطفى محمود من رواية أبي هريرة وغيره، والحديث مستفيض حتى بلغ درجة التواتر أو كاد يكون كذلك، وهذا الحديث قد اشتمل على الفوائد بالشيء الكثير، أذكرها لكم سريعاً. قال الإمام النووي: (باب: معرفة طريق رؤية الله عز وجل وإثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار). لا بد أن تقف عند قول الإمام النووي وفهمه لهذا الحديث، قال: (باب إخراج الموحدين من النار)، عنى النووي بذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام فيه: (إن الله تعالى يخرج أقواماً من النار قد امتحشوا وصاروا حمماً -أي: فحماً- فيلقي بهم في نهر الحياة) وفي رواية: (في نهر الحياء أو الحيا، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل من غير عمل عملوه ولا خير قدموه). فالإمام النووي قصد بالموحدين هؤلاء الأقوام الذين امتحشوا في نار جهنم وأخرجهم الله عز وجل برحمته لأنهم موحدون؛ ولأنهم قالوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، قصّروا في العمل وتركوا الطاعة، ولكنهم لم يرتكبوا المنهيات من الزنا وشرب الخمر والسرقة والإلحاد في أسماء الله وصفاته، ورفض شرعه وغير ذلك مما يفعله ملاحدة الزمان، فكل الذي عملوه أنهم آمنوا بالله وآمنوا برسول الله، وصدّقوا بالقرآن، وصدّقوا بالسنة ولم ينكروا منها شيئاً، ولكنهم لم يعملوا بشيء من القرآن ولا بشيء من السنة، وأنت ترى الآن في الشوارع والطرقات شباباً يتسكّعون، هم من أهل ملتنا ومن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولو رأوا واحداً من اليهود أو النصارى قالوا: هذا ابن كلب، هذا كافر، هذا رجس، هذا آكل للحم الخنزير. يقول ذلك وهو تارك للصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحج كذلك تخلف عنه مع قدرته واستطاعته. أقول: الصلاة فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن تارك الصلاة كافر خارج بالكلية من دين الله عز وجل، وحجتهم وجيهة، وجمهور العلماء فرقوا بين تارك الصلاة كسلاً وتاركها متعمداً، أما الذي قال بأن تارك الصلاة عمداً كافر فيستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)، وتارك الصلاة كسلاً لا يخرج من الملة، ولكن يصدق عليه اسم الكفر؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله البجلي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر وأشرك) وفي رواية: (فقد كفر أو أشرك). ويقول أبو وائل شقيق بن سلمة: (أدركنا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهم لا يعدون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة). فلما كانت هذه النصوص وغيرها في شأن تارك الصلاة من عدمه؛ قال العلماء: إن حديث أبي سعيد الخدري ينطبق على من فرّط في الطاعة دون التوحيد والصلاة، والجمهور يقول: هذا من فرّط في طاعة الله جملة إلا التوحيد. النووي عليه رحمة الله حينما بوب لهذا الحديث بباب إخراج الموحدين من النار: إنما عنى أن الموحد من قال: لا إله إلا الله، وفي ذلك خلاف أيضاً: هل الموحدون هؤلاء هم من أمة النبي عليه الصلاة والسلام فقط أم من جميع الأمم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ أي: هل هؤلاء من أمة اليهود قبل مبعث عيسى، أو من أمة عيسى قبل أن يبعث الله محمداً، أو هم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام فقط؟ وقع الخلاف. والراجح: أنهم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

شرح حديث أبي هريرة في رؤية الله يوم القيامة وفي الشفاعة

شرح حديث أبي هريرة في رؤية الله يوم القيامة وفي الشفاعة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل تُضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا -بمعنى: هل يصيبكم ضرر أو ضيم أو غيم يحول بينكم وبين رؤية القمر ليلة البدر؟ - قال: هل تُضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فإنكم ترونه كذلك) أي: فإنكم ترون الله عز وجل عياناً يوم القيامة وفي الجنة كما ترون القمر والشمس، وشبّه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي. قال: (يجمع الله الناس يوم القيامة) وهو الحشر ليوم القيامة، وهو يوم واحد (فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه. فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت) وهذا مصداق قول الله عز وجل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:98]. يقول: (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها) بعد أن يذهب كل معبود بعبدته إلى النار، ويدخلون في هذه الدركات الست، وتبقى جهنم، ويبقى محمد عليه الصلاة والسلام وأمته، أما المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر يأذن الله لهم أن يستتروا بالمؤمنين في الموقف؛ حتى يفضحهم ويبيّن للأمة أن هؤلاء هم المنافقون، وهم المخادعون: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]. فيبقى في هذه الأمة المنافقون وهم ليسوا منها، كما أن الله تعالى أذن لإبليس أن يكون في الملائكة حين وجّه إليهم الأمر بالسجود لآدم، فسجدوا إلا إبليس لم يسجد ولم يمتثل، وإنما أبى وعصى وفسق. فإجماع أهل السنة والجماعة على أن إبليس ليس من الملائكة، وإنما كان بين الملائكة حين صدور الأمر للملائكة بالسجود فنُسب إليهم تغليباً، أنتم الآن تغلبون ألفاً أو زيادة، فلو أن فيكم امرأة جلست معكم هنا لوجِّه الأمر إليكم كرجال، ويشمل هذا الأمر المرأة وإن لم تكن منكم في الحقيقة ولا من جنسكم الذكري، وإنما يشملها الأمر، وكذلك إبليس كان مع الملائكة حين صدور الأمر، فصدر الأمر للملائكة بالسجود بما فيهم إبليس، رغم أنه ليس منهم: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50]، فهو كان من الجن وليس من الملائكة، وكذلك هؤلاء المنافقون الذين كانوا يصلون معكم ويصومون ويجاهدون وبريق السيوف فوق رقابهم، ويحتمل أن كل هذا في مقابل دغل قلبه ومرض قلبه، وألا يقال عنه: إنه كافر، فهو يرضى أن يكون مسلماً في الظاهر وإن كان في القيامة من أهل النار المخلدين فيها، ولذلك يؤمر بهم فيكونون في أسفل دركة: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145]، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها) وفي رواية: (إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذن -أي: نادى مناد-: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر) حتى تعلم أن الفجور يجتمع مع الإيمان. وإلا فانظر لنفسك: هل أنت كافر؟ هل أنت زنديق وملحد؟ هل أنت منافق؟ مع أنك تعصي، بل لا يمر يوم إلا ولك مع الله معصية، ولك مع الله هتك ستر، ومع هذا فإنك في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وتحقق لك الشفاعة يوم القيامة، حتى وإن كنت خالياً من المعاصي فإن الشفاعة تنفعك. قال: (حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب) أي: بقايا من اليهود والنصارى (فيُدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟) اذهبوا إلى هناك فاشربوا (فيُحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار، ثم يُدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن مريم، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا! فاسقنا، قال: فيُشار إليهم: ألا تردون؟) أي: ألا تردون الماء الذي هناك؟ ألا تعرفون هذا السراب؟ وأنت بأرض صحراء قفر ترى من بعيد شيئاً يتلاطم كأنه أمواج ماء وهو سراب خادع: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:39] أي: أنه دخل النار (فيُحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بع

شفاعة الأنبياء

شفاعة الأنبياء قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فأكون أنا وأمتي أول من يجيز) أي: أول من يعبر هذا الصراط، ويتخطاه إلى الجنة (ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم) وهذا فيه إثبات شفاعة الرسل، دعوى الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وفي جهنم التي يسقط فيها الفجرة والعصاة من فوق هذا الصراط كلاليب خطاطيف، مثل شوك السعدان، شوك صغير ينبت في نجد، قال: (هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن بقي بعمله) وفي رواية: (منهم المؤمن يوقى بعمله، ومنهم المجازى حتى ينجى)، وفي رواية: (ثم يُضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة، ويقولون -أي: الأنبياء-: اللهم سلّم سلّم، قيل: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مذلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلَّم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم) اللهم سلّم سلّم (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد) إذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين العباد، وهو القضاء الإلهي (وأراد أن يُخرج برحمته من أراد من أهل النار) فهذا الإخراج برحمة الله لا بالعمل، حتى لا يزعم الزاعم أنه لا دخول للجنة إلا بعمل، نعم العمل مطلوب، وهو من مكمّلات الإيمان وشروطه وتمامه ومزيده، لكن من كان موحداً وقصّر في العمل ألا يدخل الجنة؟ نعم يدخل، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.

شفاعة الملائكة

شفاعة الملائكة قال: (وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً) إذاً: الذي يشرك بالله عز وجل لا يخرج من النار؛ لأن المشرك مخلّد فيها أبد الآبدين، أما لو نجا من الشرك وقصّر في العمل فإنه تنفعه شفاعة الشافعين، شفاعة الأنبياء، ثم هذه الشفاعة شفاعة الملائكة (أمر الله الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً، ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار) أي: أن الملائكة تعرف هؤلاء في النار. فإن قيل: كيف تعرف الملائكة هؤلاء في النار؟ نقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يعرفونهم بأثر السجود) وهذا حجة لمن قال: إن الصلاة من التوحيد، فمن تركها فقد كفر. يقول: (تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود) فقد حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود؛ ولذلك أخرج البخاري هذا الحديث في كتاب المواقيت تحت باب: فضل السجود، وأن ابن آدم يُحرق ويصير فحماً إلا أثر السجود، واختلفوا في أثر السجود: هل هو السبعة الأعضاء أم أنها الجبهة فقط، الراجح: أنها السبعة أعضاء: الركبتان، والكفان، والجبهة مع الأنف -والجبهة مع الأنف عضو واحد- وأطراف القدمين. هذه ستة، والجبهة العضو السابع؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يسجد المرء على سبعة أعظم) وفي رواية: (على سبعة آراب). إذاً: هل النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا هذه السبعة، أو تأكل كل شيء إلا موضع السجود في الجبهة؟ ذكر مسلم حديثاً آخر قال: (تأكل النار كل شيء من ابن آدم إلا دارات الوجوه) أي: إلا هذا المكان الدائري الذي هو موضع السجود. قال العلماء: هذا الحديث الذي فيه (يسجد المرء على سبعة أعظم) حديث عام مخصوص بحديث دارات الوجوه، فإن الله تبارك وتعالى يمن على عباده بألا تأكل النار منهم سبعة أعضاء، ولكن هناك أقوام تأكل النار منهم ستة أعضاء، ولا يبقى إلا دارات الوجوه على حسب أعمالهم. قال: (يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا) أي: احترقوا وصاروا فحماً، ولا بد أن تعلم أنهم موحدون، وأنهم من أهل الصلاة؛ لأن هذه المواضع لم تؤكل منهم فضلاً للسجود، فكيف يزعم مصطفى محمود أنهم لم يعملوا خيراً قط. يقول: (فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل) أي: فيما يحمله السيل.

شفاعة المؤمنين

شفاعة المؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد) وفي رواية: (حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استبقاء الحق من المؤمنين بالله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون) وهذه شفاعة المؤمنين. فيقال لهم: (أخرجوا من عرفتم فتحرّم صورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا تبارك وتعالى: لم نذر فيها خيراً) أي: لم يكن فيها أحد له عمل يُذكر، لم نعلم فيها أحداً من أهل العمل. يقول: أبو سعيد الخدري راوي الحديث: إن لم تصدقوني في هذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40].

شفاعة الله عز وجل

شفاعة الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل. ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيضاً؟ فقالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى بالبادية. قال: فيخرجون كاللؤلؤ) أي: في صفائهم ونقائهم (في رقابهم الخواتيم أو الخواتم) أي: الذهب يعرفون به (يعرفهم أهل الجنة. يقولون: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا! أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً). وفي رواية: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أهل النار الذين هم أهلها) ولا بد أن تفرق بين هذا (أما أهل النار الذين هم أهلها) أي: المخلدون فيها وهم الأصناف الثلاثة الذين ذكرتهم لك آنفاً (فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وبخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر -يعني: لفالف لفالف- فبثوا على أنهار الجنة). إذاً: تفحيم هؤلاء وصيرورتهم فحماً في نار جهنم من أول وهلة يدخلون فيها الجنة هو من رحمة الله عز وجل لعصاة الموحدين؛ لأنهم يفقدون الإحساس والشعور في النار حينئذ حتى يؤذن بالشفاعة، وتبقى شفاعة أرحم الراحمين، فهؤلاء الذين احترقوا وصاروا فحماً يلقون في نار جهنم ويخرجهم الرحمن وهم عتقاؤه. قال: (فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة! أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية). قال النووي: معناه -أي: معنى هذا الكلام- أن المسلمين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذّب المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحماً، فيُحملون ضبائر ضبائر كما تُحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة، فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل، كما تأتي بحبة وتلقيها على هذا القش الذي يحمله الماء في البحار والأنهار، فإذا ألقيت حبة على الشاطئ نبتت، فكذلك، وهو على الله عز وجل أهون. قال النووي رحمه الله: وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتخرج بضعفها صفراء ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم، وتكمل أحوالهم، فهذا الظاهر من لفظ الحديث ومعناه، وهم موحدون.

آخر الناس خروجا من النار وآخرهم دخولا الجنة

آخر الناس خروجاً من النار وآخرهم دخولاً الجنة ثم تمام الحديث سريعاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار)، وهذا الرجل هو آخر الناس خروجاً من النار، وآخر الناس دخولاً الجنة، (فيقول: أي رب! اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها) أي: سمني وغاظني وخنقني (وأحرقني ذكاؤها) أي: اشتعالها (فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه، ثم قول الله تبارك وتعالى: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره) أي: تعدني وتعطيني المواثيق والعهود على أنني إن صرفت وجهك عن النار ألا تسألني شيئاً بعده؟ قال: (لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله له أن يعطي، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله له أن يسكت، ثم يقول: أي رب! قدمني إلى باب الجنة)، وفي رواية البخاري: (أنه رأى شجرة بعيدة عن الجنة بينه وبين الجنة، بعد أن صرف وجهه عن النار. قال: يا رب! قربني إلى الشجرة، فحصل العتاب والملامة حتى قربه ربه بعد العهود والمواثيق، ثم رأى شجرة أقرب منها فرجع إلى نفس الغدر الأول، ثم رأى شجرة على باب الجنة هي أزكى وأحلى وأطيب ريحاً من اللتين قبلها، فقال: يا رب! قربني إلى باب الجنة). فقال: (قدمني إلى باب الجنة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك، ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك، فيقول: أي رب! ويدعو الله حتى يقول له: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا يا رب وعزتك وجلالك، فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة) أي: اتسعت وانشرحت له (فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله له أن يسكت، ثم يقول: أي رب! أدخلني الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك ألا تسأل غير ما أُعطيت، ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك، فيقول: أي رب! لا أكون أشقى خلقك عليك) أي: لا تجعلني أشقى الخلق، أدخلني معهم ولو خلف باب الجنة، (فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى) وهو ضحك يليق بجلاله وكماله ليس كضحك المخلوق (فإذا ضحك الله منه قال: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه!) أي: تمن فيها ما شئت (فيسأل ربه ويتمنى، حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا) انظروا إلى رحمة الله عز وجل ورأفته بعباده، الرجل يتمنى ما شاء الله له أن يتمنى، ثم تنقطع به الأماني فيقول الله تبارك وتعالى له: يا عبدي! تمن من كذا، وتمن من كذا ويذكره؛ لأن في الجنة شيئاً لم يتمنه (قال: حتى انقطعت به الأماني. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه، قال: يا رب! أتهزأ بي! أتسخر بي وأنت رب العالمين! قال: لا). قال أبو سعيد الخدري معترضاً على أبي هريرة رضي الله عنه حين قال: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد: أما أنا فوالله لقد حفظت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذلك لك وعشرة أمثاله ذلك لك وعشرة أمثاله ذلك لك وعشرة أمثاله). نسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الرد على علماء السوء

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على علماء السوء علماء السوء أناس باعوا دينهم بدنيا غيرهم، دندنتهم المال والجاه، ووسيلتهم التقرب من السلاطين، فألسنتهم عن النكير عليهم معقودة، وبالتشهير على أهل الصدق من العلماء وطلبة العلم ممدودة، وقد حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخيار التابعين؛ لضررهم البالغ على الدين والملة.

علماء السوء وقبيح أفعالهم

علماء السوء وقبيح أفعالهم إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. أما بعد: فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ستكون فتن، وستنقض عرى الإسلام عروة عروة، فأولها نقضاً الحكم وآخرها الخشوع). ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد نقض الحكم منذ زمن طويل، والناس قد حكموا بغير كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صار الحكم بغير ما أنزل الله تعالى مألوفاً في قلوب العامة، ثم كاد الخشوع أن يرفع فلا تكاد تجد خاشعاً، والخشوع لم يرفع بالكلية، بل الأمة فيها خير، والخير فيها مستمر إلى قيام الساعة. أما قوله عليه الصلاة والسلام: (ستكون فتن) أي: ستقع بين يدي الساعة فتن. إن الناس يستعظمون الحكم بغير ما أنزل الله، وهو عظيم حقاً، وهو بلاء ما بعده بلاء، ولكن أشد منه بلاءً هم هؤلاء العلماء الذين ابتليت الأمة بهم، فهم بلاء عليها وعلى الإسلام، إنهم علماء ولكنهم غير عاملين بما علموا، وليس هذا فحسب؛ بل حملهم الحسد والبغض على محاربة أبناء الصحوة وشبابها زعماً منهم أن هؤلاء متطرفون وأنهم غير متعلمين، وغير متخصصين، وغير أزهريين. إذاً: لم لا تفتحون أبواب الأزهر أمام الشباب المغرر بهم بزعمكم، حتى يتعلم وينهل من علمكم، ويستقيم كاستقامتكم؟ لم تدعونهم هكذا عرضة لكل من أراد أن يأخذ بنواصيهم إلى الشر كما تقولون؟! وإن هؤلاء الذين يبيتون كل ليلة هماً وغماً ونكداً وحسرة على ما وصل إليه المسلمون من ترد واضمحلال، بل ونزولاً عن أصول دينهم أصلاً أصلاً؛ لِمَ لا تعلمونهم؟! وإذا كنا فعلاً متطرفين والعلاج عندكم في الأزهر؛ فلم فتحتم أبوابه ثلاثة أعوام ثم أغلقتموه بعد ذلك إلى الأبد؟! ثم هب أن الأزهر أغلق بغير سبب منكم، لم لا يكون لكل عالم من علماء الأزهر مسجد كهذا المسجد يدرس فيه العلم، ويجمع حوله الشباب ويربيهم كما يحلو له كما أمر الله تعالى ورسوله؟! وإنا لا ندري هل نحن على ما أمر الله تعالى ورسوله أم نحن متطرفون وإرهابيون حقاً؟! وهل إذا وقع الإرهاب من البعض ممن ينتسب للصحوة، فلينظر ما سبب هذا الإرهاب، وما علاجه، وما مظاهره، تبحث هذه المسائل حتى تجتث جذور الفتنة من أصلها، ولا تكتفون بكيل السباب والشتائم والتهم للصحوة وأبنائها؟ أما يكفيكم عاراً أن واحداً منكم لا يجرؤ أن يقول: أنا السبب في هذه الصحوة؟ أما يكفيكم شناراً أن أحداً فيكم لا يجرؤ أن يواجه هذه الصحوة بكلمة منذ أكثر من خمسين عاماً؟! ولذلك فإن هذه الصحوة التي يمر بها الإسلام اليوم، وتمر بها الأمة إنما هي محض فضل الله عز وجل على يد أئمة وعلماء ليسوا من أبناء هذا البلد، ولكن الذي من أبناء هذا البلد هم شباب حملوا راية الدعوة وهمَّ الإسلام ونشره بين العامة والخاصة، فالله تبارك وتعالى كتب توفيقه لهؤلاء: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف:13]. إي والله! الأمر لا يعدو ذلك، ولن يعدو أمر الله تعالى فينا ولا فيهم، فالذي قدره الله تبارك وتعالى لهم ولنا لا بد أن يقع، وأنه سيكون إن عاجلاً أو آجلاً، فهؤلاء علماء نعترف لهم بالعلم، ولكنهم وظفوا علمهم لغير الدين، وطلبوا به الدنيا، والرئاسة، والجاه، ووقفوا به على أبواب السلطان، وقعدوا به على موائد الأمراء، فهل يكون هذا علم وهدى وتقوى؟! وعلموا كما علم غيرهم أن الصحوة هي عدوهم الوحيد، فلا بد أن يتخلصوا منها بأي سبيل، فقاموا بدس الوشايات بيننا وبين المسئولين حتى نقتل في مهدنا، وهيهات هيهات؛ فإنه دين الله عز وجل. وإن الله تبارك وتعالى سخرنا لهذا، وإننا نعتبر أن هذا التسخير تكليف من الله عز وجل لا تشريف فيه، وهم يعتبرون أن ما هم عليه من لباس وعمائم وعلم إنما هو تشريف، ولذلك يكتفي الواحد م

الأحاديث والأخبار في ذم علماء السوء

الأحاديث والأخبار في ذم علماء السوء قال ثوبان رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي الأئمة المضلون). وسماهم أئمة؛ لأنهم أئمة وخطباء ووعاظ وعلماء وقادة، وساسة، وخاف النبي عليه الصلاة والسلام من هؤلاء؛ لأنهم يزخرفون الباطل فيبدو في أعين الناس كأنه الحق الذي ليس بعده حق، ولذلك فإن عالم الدين يفسد في الدين وفي الأمة أكثر مما يفسده مائة قائد أو زعيم أو رئيس؛ لأن الناس ينظرون إلى هذا العالم على أنه صورة الإسلام، والواسطة بين الله عز وجل وبينهم في فهم كلام الله وترجمته لعامة الأمة، فإذا لوى النصوص، وحرف الكلم عن مواضعه، وبين للناس مراده هو من النصوص ولم يبين مراد الله عز وجل، مع علمه أنه يقول عن الله عز وجل ما لم يقله؛ فحسبه من ذلك جهنم. وأول ما تسعر النار بالعالم الذي لم يعمل بعلمه والمرائي به الذي طلبه لغير الله عز وجل، إنما طلبه تفاخراً ورياءً وسمعة وإعجاباً. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين يضلون الناس بغير علم). وقال أيضاً: (يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون). (زلة عالم) أي: خطأ عالم مرة أو مرتين، أما أنه قائم على الزلل بالليل والنهار، وعلى حرب الإسلام وأهله بالليل والنار من تحت طربوشه الأحمر أو عمامته البيضاء؛ فليس هذا هو الذي عناه عمر، إنما عناه هو ومن قبله النبي عليه الصلاة والسلام بـ (الأئمة المضلين). وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى). وعن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان) أي: فصيح بليغ. ولذلك فهم يأتوننا بهؤلاء البلغاء الفصحاء فيتكلمون بكلام ما أروعه وما أجمله وما أحسنه وما أزينه! حتى يقول كل مشاهد وكل سامع: إن الحق في هذا الكلام، وإن هذا العالم هو العالم على الحقيقة، ثم يأتون بإنسان ليس أهلاً -في الحقيقة- للدعوة لدين الله عز وجل، يتكلم بكلام بعضه سخف وبعضه جهل، ثم يقول القائل: هؤلاء هم الشباب الذين يقال عنهم: شباب الصحوة أو شباب الدعوة. ثم يأتون برجل يثور ثورة عارمة ويرفع صوته حتى تتقطع أحبال صوته، ثم لا يسمع من كلامه ولا كلمة واحدة فيأتون به في صورة مزرية إلى أقصى حد، ويقولون: انظروا إلى هذا الغضب الشديد الذي يتملكه مع أن أحداً لا يفهم منه شيئاً! فهم يتخيرون أسوأ النماذج. وأنتم لستم صادقين ولو أقسمتم بالله مليون قسم، فأنتم ملاحدة يا أبناء روز اليوسف، ويا أبناء الصحافة والإعلام، وأنتم مغرضون، لا يمكن أن يأتي الصدق من جهتكم، إنما أنتم تبدون بمظهر جميل وملمح عظيم، وملمس في وجوهكم وأبدانكم كملمس النساء في النعومة، ثم تتكلمون بكلام يقطر عسلاً، لكن هذا الكلام قد تكلم به -بل وبأحسن منه- عبد الله بن أبي بن سلول عليه لعنة الله، وأنتم لا تخفون على الله عز وجل. ثم يأتون بعالم فصيح بليغ فيجلسون أمامه الواحد والاثنين والثلاثة للمناظرة، ونحن لسنا أهلاً للمناظرة، ولم ندع في يوم أننا علماء، إنما نقول: إننا طلاب علم نسعى في الوصول إلى الحق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، أحياناً نتعثر وأحياناً نوفق، وهذا شأن البشر جميعاً، وعندنا من الأخطاء ما عندنا، لكن غيرنا عنده نفاق، وشتان ما بين الخطأ والنفاق. وإنما نبتغي بهذا وجه الله تعالى، والله تبارك وتعالى حسيبنا بهذا، وغيرنا ممن يحاربنا ابتغى بعلمه ولسانه الدنيا، والله تبارك وتعالى يكافئ كلاً على نيته. قال عمر: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان يتكلم بالحكمة ويعمل بالفجور). وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في حديث مرفوع: (إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيمنعه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه شركه، ولكني أخاف عليها منافق عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت بهجته، وكان ردءاً للإسلام؛ اغتره الشيطان -أي: أخذه من ناصيته- إلى ما شاء -أي: إلى ما شاء الشيطان-، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قال حذيفة: يا رسول الله! أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟ قال: لا، بل الرامي أولى بالشرك). وصدق حذيفة حيث قال: (المنافقون اليوم شر ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: إنهم كانوا على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام يخفون النفاق، واليوم يظهرونه!) بل قال: (إنما كان النفاق على عهد النبي صلى ال

أهمية طلب العلم من أهله العدول

أهمية طلب العلم من أهله العدول اعلموا -أيها الإخوة الكرام- أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ليس هذا كلامي بل قد ورد هذا الكلام مرفوعاً من قوله عليه الصلاة والسلام، ولكن الإسناد إليه غير صحيح، إنما صح هذا الكلام من قول أبي هريرة، وابن عباس وأنس وابن سيرين وزيد بن أسلم، والحسن البصري والضحاك بن مزاحم وإبراهيم النخعي وابن المبارك ومالك وغيرهم. وقال هشيم: (كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه العلم نظرنا إلى سمته وهديه وإلى صلاته، ثم أخذنا عنه بعد ذلك). ودين الله أحق ما طلب له العدول، إذا طلبت العلم فاطلبه من عدل ثقة مأمون على نقل هذا الدين إليك، وعلى نقل مراد الله ورسوله إليك، أما أن تطلب العلم على يد رجل إنما يتخذ العلم سلماً لنيل الأغراض والأعراض وغيرها، فهذا ما لا يعرفه سلفنا، بل حذرونا منه. ولذلك قال خالد بن الخداج: ودعت مالك بن أنس فقلت: يا أبا عبد الله! أوصني، قال: عليك بتقوى الله وطلب العلم من عند أهله. وقال الشافعي رحمه الله: لا يكمل الرجل في الدنيا إلا بأربعة: بالديانة والأمانة، والصيانة والرزانة. هذه الأربع إذا اكتملت في رجل فهو الكامل. وعن أبي أمية اللخمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)، فهم يحتجون بهذا الحديث ويقولون: نحن العلماء وهؤلاء صغار قوم أنى لهم العلم؟! ومتى حصلوا عليه؟! وعلى يد من؟! وفي أي مؤسسة؟! أقسم بالله العظيم أنهم لا يعترفون بما اعترفت به الأمة وأجمعت عليه في إمامتهم وعلمهم وورعهم وتقواهم؛ لأنهم إلى الآن لا يعترفون لا بـ ابن باز ولا بـ الألباني ولا بـ ابن عثيمين ولا بـ ابن جبرين ولا غيرهم من أهل العلم هنا وهناك، مع أن الأمة أطبقت على إمامتهم وعلمهم وفضلهم، وحازوا على جوائز شتى إثباتاً لجهودهم في بث الدعوة ونشر العلم بين الأمة شرقاً وغرباً، فليست القضية قضية شباب، وإنما القضية قضية أن من تخرج من الأزهر وإن كان من أفسق الناس فهو العالم، وما سواه فلا. افتحوا للناس باب الأزهر، دعوا الشباب يتعلمون. وحديث: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر) يقولون عنه: وهذا حديث صحيح أخرجه الترمذي وفلان وفلان! نعم، وهذا كلام جميل. ثم إن المذيعة أو المقدمة التي جلست مع الشيخ على أحدث موديل، وأظهرت جميع مفاتنها إلا ما أخفته لزوجتها، وتضحك وتبتسم مع الكلام الجميل وهو يقابلها بنفس الشعور حتى لا يكون جلفاً! ثم يقول: والنبي عليه الصلاة والسلام حذر من هؤلاء وبين أنهم من أشراط الساعة ومن علاماتها، والدليل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث أبي أمية اللخمي. أما تفسير أهل العلم للأصاغر. فقد قال عبد الله بن المبارك ومالك بن أنس وابن عبد البر وغيرهم من أهل العلم: الأصاغر هم أهل البدع. وأما صغير يؤدي عن كبير فليس بصغير، صغير يربطك بالله وبرسول الله وبسلف الأمة فليس بصغير على الحقيقة، بل الصغار هم أهل البدع، يلوون ألسنتهم لي البقر ألسنتها في المرعى، ويقولون: إننا خوارج العصر مع أننا نتبرأ من الخوارج بالليل والنهار، ومن منهجهم ومن أخلاقهم وسلوكياتهم، والخوارج هم شر خلق الله عز وجل بعد اليهود والنصارى، وربما يكونون قبل اليهود والنصارى، نقول هذا في كل وقت وحين. إننا لسنا بخوارج، نحن طلاب حق، نتعثر ونصيب، ارحمونا، خذوا بأيدينا، ولو كنا ضللنا فاعلموا منا سبب ضلالنا وخذوا بأيدينا إلى النجاة والجنة إذا كنتم تزعمون أنكم على الحق المبين، ولذلك قال الشعبي: (ما حدثك هؤلاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فشد يداً به -يعني: فشد عليه يدك- وعض عليه بالنواجذ، وما حدثوك عن رأي فألقه في الحجر) وفي رواية: (فبل عليه)؛ لأننا لسنا في حاجة إلى آراء الرجال، وإنما حاجتنا إلى (قال الله) و (قال الرسول). وقال الشافعي: إنما يتكلم في هذا الدين من كان مأموناً على عقيدة هذه الدين. قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: فأي مسلم يدين الله تعالى يستحسن أن يأخذ دينه ممن يستهزئ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزدري بأهله؟! وأنى يهدى السبيل من يبغيها عوجاً؟! بل قد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالغلمان والصغار إلى طلب العلم، فعن أبي هارون العبدي وشهر بن حوشب أنهما قالا: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: أنتم وصية النبي عليه الصلاة والس

مواقف في امتناع علماء السلف من غشيان الأمراء والسلاطين

مواقف في امتناع علماء السلف من غشيان الأمراء والسلاطين بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد: إن أعظم ما يعيب العالم أن يهين علمه وأن يجعله في الوحل، ولا أعظم وحلاً من دخول العالم على السلطان، إن على باب السلطان فتناً لا يعلمها إلا الله عز وجل، وإن العالم لأهون عليه أن يقطع وأن يمزق إرباً إرباً وخير له من أن يأتي باب السلطان، ولذلك ذم النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، وبين موطن الفتنة في هذا، فقال: (من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن). وفي رواية: (وما ازداد عبد من سلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً). فـ (السلطان والقرآن سيفترقان، فدوروا مع القرآن حيث دار)، لا مع السلطان.

موقف ابن المبارك مع ابن والي خراسان

موقف ابن المبارك مع ابن والي خراسان ولذلك فإن سلفنا الصالح رضي الله تبارك وتعالى عنهم حققوا أمثلة عظيمة جداً -بل بالغة الروعة- في البعد عن السلطان، فـ عبد الله بن المبارك أتاه ابن والي خراسان ليحدثه، فأبى ابن المبارك أن يحدث ابن الأمير، فلما أراد ابن الأمير أن ينصرف قام معه عبد الله بن المبارك إلى الباب ليبلغه، قال: يا إمام! إني طلبت أن تحدثني فامتنعت، فما بالك تخرج معي تودعني؟! قال: أما نفسي فأهنتها لك، وأما علم الله فأنا أجله عن أن أهينه بين يديك. وأبناء السلاطين الآن لا يطلبون العلم.

موقف قبيصة بن عقبة من ابن أبي دلم

موقف قبيصة بن عقبة من ابن أبي دلم وقال جعفر بن حمدون: كنا بالكوفة على باب قبيصة بن عقبة، ومعنا دلم بن أبي دلم الأمير، قال ومعه الخدم والحشم، فأبطأ قبيصة بالخروج، فقيل له: اخرج؛ فإن ابن ملك الجبال موجود بالخارج، فخرج يتباطأ وفي يده كسرة خبز، وقد لبس إزاراً جره خلفه، فقيل له: زين نفسك، إنك تلقي ملك الجبال، قال: وماذا يصنع مثلي -وإنما يكفيه من الدنيا كسرة خبز- بابن ملك الجبال، لا حاجة لي فيه. فهذا موقف عز.

موقف ربيعة الرأي من الوليد بن يزيد

موقف ربيعة الرأي من الوليد بن يزيد ولما دخل ربيعة بن أبي عبد الرحمن على الوليد بن يزيد وهو خليفة قال: يا ربيعة! حدثنا. وربيعة هو شيخ الإمام مالك بن أنس، وهو مفتي المدينة قبل مالك فقال ربيعة: ما أحدث شيئاً. فلما خرج من عنده قال ربيعة لأصحابه: أما سمعتم هذا الذي يقول: يا ربيعة حدثنا كأنه يقول: يا ربيعة غننا!

موقف الأعمش من رسول المنصور

موقف الأعمش من رسول المنصور وكان أبو جعفر المنصور قد استخفى عند رجل قبل أن يتولى الخلافة هروباً من السلطان الذي كان قبله، فلما تولى الخلافة أتى إليه ذلك الرجل الذي استخفى عنده أبو جعفر، فأراد أبو جعفر أن يكرمه، فقال له: لا أقبل صحبتك، وإنك تعلم ما بي من نعمة، ولكني أتيتك لترسل معي رسالة إلى الأعمش حتى يحدثني ولو بحديث؛ فإن الأعمش متشدد بالرواية، فكتب إليه: من أمير المؤمنين إلى سليمان بن مهران الأعمش الكوفي، إذا أتاك رسولي فحدثه بمائة حديث. فأخذ الرجل الرسالة وذهب إلى الأعمش فطرق الباب، وكان الأعمش يكره أن يدق عليه بابه، وكان الأعمش يعلف دابته، فلما دخل عليه ذلك الرجل قال الأعمش: من أين أتيت؟ قال: من عند الخليفة. قال: وما معك؟ قال: رسالة. قال: هات، فأخذ الرسالة وقطعها ثم لواها وناولها العنز فأكلتها. قال: يا أعمش! أقول لك: هذه رسالة الخليفة! قال: وما بها؟ قال: إنه يأمرك أن تحدثني. قال: والله لا أحدثك ولا أحدث قوماً أنت فيهم. والأعمش مع أنه كان من أفقر الناس في زمانه، إلا أن أذل الناس عنده كانوا هم السلاطين والأمراء. وهم مشايخنا الذين نتحمل عنهم، فإن كانوا هم فالحق معنا، وإن لم يكونوا كذلك فدعونا على باطلنا وضلالنا نلقى الله تبارك وتعالى، فإنا قد رضينا أن يكون الأعمش ومالك والشافعي وأبو حنيفة وغير هؤلاء هم أئمتنا إذا فسد علماء زماننا. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يكون عليكم الأمراء تعرفون منهم ما تنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع فأبعده الله. قيل: يا رسول الله! أفنقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا) يعني: لا تقاتلوهم ما دامت الصلاة قائمة وأنكم تصلون بلا أدنى حرج. وقال أبو حازم: إن العلماء كانوا يفرون من السلطان ويطلبهم، وهم اليوم يأتون أبواب السلطان والسلطان يفر منهم.

موقف ابن المبارك من ابن علية بعد توليه القضاء

موقف ابن المبارك من ابن علية بعد توليه القضاء ولما ولي إسماعيل بن علية تولى خزائن البصرة أو بغداد أرسل إلى عبد الله بن المبارك في خراسان أن: أرسل إلي القراء والعلماء ليساعدوني على هذه المهمة العظيمة: مهمة بيت المال، فأرسل إليه ابن المبارك يقول: يا جاعل العلم له بازياً يصطاد أموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين فصرت مجنوناً بها بعدما كنت دواءً للمجانين أين رواياتك فيما مضى عن ابن عون وابن سيرين وتركك الدنيا ولذاتها وهجر أبواب السلاطين تقول أكرهت فما حيلتي زل حمار العلم في الطين لا تبع الدين بدنيا كما يفعل ضلال الرهابين وقال ابن المبارك: رأيت الذنوب تميت القلوب ويورثك الذل إدمانها وترك الذنوب حياة للقلوب وخير لنفسك عصيانها وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم يغل في البيع أثمانها لقد رتع القوم في جيفة يدين لذي العقل إنتانها وقال أبو العتاهية: عجباً لأرباب العقول والحرص في طلب الفضول سلاب أكسية الأرامل واليتامى والكهول والجامعين المكثرين من الخيانة والغلول والمؤثرين لدار رحلتهم على دار الحلول وضعوا عقولهم من الدنيا بمدرجة السيول ولهوا بأطراف الفروع وأغفلوا علم الأصول وتتبعوا جمع الحطام وفارقوا أثر الرسول

أقوال السلف في فتنة الدخول على السلطان

أقوال السلف في فتنة الدخول على السلطان قال حذيفة: إياكم ومواقف الفتن. قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء؛ يدخلها أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول له ما ليس فيه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا تصيبوا من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثليه. وقال وهب ابن منبه: إن جمع المال وغشيان السلطان لا يبقيان من حسنات المرء إلا كما يبقي ذئبان جائعان ضاريان سقطا في حظيرة غنم فباتا يدوسان حتى أصبحا. وهذا المعنى يشهد له قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه). لو أن المرء أو العالم حرص بعلمه على جمع المال أو أن يتصدر ويتوجه وأن يكون رئيساً أو زعيماً؛ فإنه يفسد في دين الله عز وجل أكثر مما يفسد السلاطين والأمراء وأصحاب الكبائر وظهور الفتن بالليل والنهار، إن العالم يفعل أعظم من ذلك كله إذا انحرف عن هدي طريق نبينا صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان الثوري: كان خيار الناس وأشرافهم والمنظور إليهم في الدين الذين يقومون إلى هؤلاء الأمراء فيأمرونهم وينهونهم، وكان آخرون يلزمون بيوتهم ليسوا عندهم بشيء. يعني: كانوا يسكتون لا ينصحون الحكام وكأنهم ليس لهم أي علاقة أبداً، هؤلاء هم الذين لم يكن لهم أي خير، أما الخير فكان في الذين يذهبون إليهم وينهونهم. قال: وكان لا ينتفع بهم ولا يذكرون -أي: هؤلاء الساكتون-، ثم بقينا حتى صار الذين يأتونهم فيأمرونهم شرار الناس، والذين لزموا بيوتهم ولم يأتوهم فهم خيار الناس. أي: انعكست الصورة وتغير الزمان. قال قتادة رحمه الله: العلم كالملح، إذا فسد الشيء صلح بالملح، وإذا فسد الملح لم يصلح بشيء. نعم، العلماء في الناس وفي الأمة كالملح، إذا فسدت الأمة أصلحها العلماء، فما بالك لو فسد العلماء؟! وقيل للأعمش: يا أبا محمد! لقد أحييت العلم بكثرة من يأخذه عنك، فيرحمك الله. قال: لا تعجبوا؛ فإن ثلثاً منهم يموتون قبل أن يدركوا، وثلثاً يكرمون السلطان فهم شر من الموتى، ومن الثلث الثالث قليل من يفلح. وقالوا: شر الأمراء أبعدهم عن العلماء، وشر العلماء أقربهم إلى الأمراء. وقال محمد بن سحنون: كان لبعض أهل العلم أخ يأتي القاضي والوالي بالليل يسلم عليهما، فكتب له أخوه كتاباً فقال: أما بعد: فإن الذي يراك بالنهار يراك بالليل، وهذا آخر كتاب أكتبه إليك. قال ابن سحنون: لما قرأ ذلك فأعجبه قال: ما أسمج العالم أن يؤتى إليه في حلقته فلا يوجد، فيسأل الناس: أين العالم؟ فيقولون: عند الأمير أو عند السلطان. والمعنى: ما أسمج هذا العالم، وما أغباه، وما أحمقه أن يترك هذه المساجد ويذهب ويرتع هنا وهناك جمعاً للدنيا والمال والحطام والكراسي والمناصب والرئاسة وغيرها. قال سحنون: إذا أتى الرجل مجلس القاضي ثلاثة أيام متوالية بلا حاجة ولا عذر؛ فينبغي ألا تقبل شهادته. فإني أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمني وإياكم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم هيأ لنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم اهد علماء الأمة، وشباب الأمة، ونساء الأمة، اللهم احفظ بنات الأمة، اللهم احفظ شباب الأمة، اللهم اجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله العظيم، اللهم إنا قد آمنا بك وبرسولك الكريم، وصدقنا كتابك، وآمنا بسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الرد على منكري الختان

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على منكري الختان أعداء الإسلام كثر، فمنهم من يسيء إليه وهم من بني جلدتنا، ومنهم من يكشر أنيابه عداوة وبغضاً من أهل الكفر والطغيان، فيروجون الشبهات ويعقدون المؤتمرات لمحاربة هذا الدين، كإنكار مشروعية الختان الثابت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي آثار السلف رحمة الله عليهم، لاسيما ختان الإناث الذي شرعه الله عز وجل مكرمة للمرأة ونظارة لوجهها وحفظاً لشرفها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

الفريقان المسيئان إلى الإسلام

الفريقان المسيئان إلى الإسلام إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. فريقان من الناس يسيئان غاية الإساءة إلى دين الله عز وجل: أما الفريق الأول: فهو من بني جلدتنا وممن يتكلم بلساننا ويدين بديننا، المسلم والمسلمة كلاهما يمارس شعائر الدين على غير الوجه المرضي الذي أراده الله تبارك وتعالى، فلا هو أدى الشعيرة كما ينبغي، ولا هو صان الشريعة عن لعبه وعبثه. ولذلك هذا مدخل عظيم جداً لأهل الإلحاد زمن العلمنة، أنهم ينسبون الأخطاء إلى الدين نفسه، فيقولون مثلاً: إذا أخطأ فلان من الناس شيخ أو عالم أو شاب من شباب الصحوة في مسألة يقول مرضى القلوب: انظروا أهذا هو دينكم؟ أهذا هو الإسلام؟! ولذلك يحسن بي في هذه المناسبة أن أنبّه شباب الصحوة إلى أن كل خطأ منهم -وإن كان خطأ شخصياً- محسوب عليهم وعلى دين الله عز وجل، فليتق الله تبارك وتعالى شباب الصحوة في أقوالهم وأفعالهم؛ لأن العلمانيين ينسبون الأخطاء إلى دين الله عز وجل؛ لأنهم يتغافلون أو يتناسون القاعدة التي تقضي بإن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما الرجال يُعرفون بالحق، ولذلك أهل العلم من السلف قالوا: اعرف الحق تعرف أهله، فمعرفة الحق أولاً. فالميزان الذي تُقاس به الأمور ويُقاس به الصواب والخطأ، ويُقاس به البطلان وغيره هو الكتاب والسنة، هذا هو الميزان المنضبط الذي تُقاس وتوزن به الأعمال والأقوال، فهو الحاكم على الرجال، وليس الرجال هم الحاكمون عليه. هذا الفريق الأول من بني جلدتنا، يسيء إلى الإسلام باستخدام الإسلام نفسه، وبعبادة الله عز وجل على غير مراد الله عز وجل. ولذلك فنحن ننبه مرة ثانية إلى أنه ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يراعي مراد الله تبارك وتعالى في النص، فليس النص وحده كافياً حتى يقال: إنك متبّع، بل فهم النص أولى من النص نفسه. هذا الفريق الأول، وسنعلم في أمر الختان -وهو محل الدرس- أن الإسلام قد أُتي من هذه الزاوية، أي من قِبل هؤلاء الجُهّال المغفلين. وأما الصنف الثاني: عدو كاشح ليس من الإسلام أصلاً، أو أن يكون مظهراً للإسلام مبطناً للكفر، أي: من المنافقين، عدو كافر يتلمس الأخطاء التي أخطأ بها الفريق الأول، فيدفعه بغضاؤه إلى الحمل على هذا الدين والكيد له، وإطلاق ألسنة حداد على شرائعه وفرائضه، وهؤلاء هم الذين قال الله تبارك وتعالى في شأنهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]. إنَّ الحرب دائرة بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر، بين الصواب والخطأ منذ أن خلق الله تبارك وتعالى آدم ووقعت الخطيئة، وافترق الناس فريقين، والحرب دائرة بين الخير والشر يتناطحان إلى قيام الساعة، وأهل الشر لا يرضون أبداً من أهل الإيمان أن يضبطوا أفعالهم ولا أقوالهم، ولا يرضون إلا بالخروج من هذا الإيمان والدخول في الكفر؛ ولذلك الله تبارك وتعالى قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. فاليهود والنصارى ليس غاية أمانيهم أن يترك المسلمون الختان، وإنما غاية أمانيهم أن يخرجوا من دائرة الإيمان فيدخلون معهم في الكفر فيكونون سواء، في هذه اللحظة يتم الرضا، وبدون هذا لا يكون هناك رضا، ولذلك قال تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى} [البقرة:120] فالرضا لن يكون إلا بعد خلع الإيمان ولبس لباس الكفر، عافانا الله تبارك وتعالى منه. وهذا الفريق أيضاً قال الله تبارك وتعالى فيه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [الصف:8] الكلام الذي يخرج من أفواههم غايتهم ومرادهم به أن يطفئوا نور الله، وأن يطفئوا نور الكتاب ونور السنة، ليس لهم مراد ولا غاية إلا هذا {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَل

المؤتمرات المنعقدة للنقاش حول مشروعية ختان الإناث

المؤتمرات المنعقدة للنقاش حول مشروعية ختان الإناث فهنا يتبين أن من شرائع الإسلام وشعائره ختان الذكور والإناث، وخاصة ختان الإناث، فقد كثُر حوله اللغط والغلط والجدل، ويجعلونه من الموضوعات الشائكة التي نالت النقاش الطويل من قديم الزمان قبل الإسلام وبعده، وكل يفتي ويدلي برأيه، والله تبارك وتعالى من وراء القصد، فجاءت السنة النبوية بعد القرآن الكريم موضحة ومفسرة لنصوص القرآن الكريم. وقضية الختان من القضايا التي أولتها الشريعة الإسلامية الغراء اهتماماً خاصاً، فأزالت عنها الغموض وتكلم فيها أئمة الفقه الإسلامي، ولم يغفلوا هذا الجانب. إن أعداء هذا الدين عقدوا المؤتمرات والندوات الطويلة منذ العقد الخامس من هذا القرن، بل وقبل ذلك، ولم ينصب العداء إلا في سنة 1951م عندما عُقد مؤتمر في (نيروبي) في دراسة موضوع رأي الدين في ختان الإناث، وبناء على دعوة من الهيئة الدولية لصحة الأمومة والطفولة دعت الهيئة فضيلة الشيخ: عبد الوهاب النجار، وأوضح فضيلته أن الختان لم يرد في القرآن الكريم، وورد عنه في السنة أحاديث قال العلماء فيها: إن أسانيدها فيها طعون، وإذا افترضنا صحتها فلا نجد أمراً من النبي صلى الله عليه وسلم بختان الأنثى أو دعوة صريحة منه تفيد هذا الختان، وذلك فضلاً عما يترتب على الختان من متاعب صحية ونفسية على الفتاة قبل الزواج وبعده؛ ولذلك فإن بعض الدول العربية التي تشدد في تطبيق السنة -يقصد بذلك السعودية- لا تمارس عادة الختان للفتاة. وكان قد دعا فضيلته الأمهات في المؤتمر إلى أن يُعلن في نساء بلادهن ضرورة الإقلاع عن هذه العادة التي ثبت أن إثمها أكثر من نفعها كالخمر تماماً. وبذلك نحمي الفتاة من العدوان البدني عليها عن طريق أحب الناس إليها وهم الآباء والأمهات. هذه فتوى فضيلة الشيخ، واستمر الوضع كذلك حتى طالعتنا الأنباء بعقد مؤتمر السكان المشئوم المنعقد سنة 1994م الذي عُقد في صعيد مصر، واجتمع إليه حثالة العالم أجمع؛ ليقرروا بعد ذلك شرعية اللواط وحرمة الختان، بل أوجبوا على الأمم الأعضاء التي شاركت في هذا المؤتمر تقرير الإباحية وجواز الاختلاط، وجواز الاستمتاع بين الرجال والنساء دون عقد زواج أو غير ذلك، كل في دولة العلم والإيمان، وقد استضفناهم وأكرمناهم غاية الإكرام كما أكرمونا وأفسدوا علينا ديننا وشريعتنا، ولذلك في هذه المناسبة بالذات سنة 1994م وفي أثناء انعقاد المؤتمر شُغل الشعب المصري أجمع بمشروعية الختان من عدمه، هل هو مشروع أم غير مشروع؟ والناس يحيكون الكيد والفساد والانحلال هناك في أقصى الصعيد، ونحن هنا مشغولون بالختان، هل هو مشروع أم غير مشروع؟ حتى انفض ذلك الاجتماع، ولا يزال الناس مشغولون بالختان: أهو جائز أم غير جائز؟ في الشهر العاشر من سنة 1996م قامت هذه الحملة من جديد: الختان جائز أم غير جائز؟ فتطالعنا أخبار 2/ 10 / 1996م تقول: أعلن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، أنه يتحدى أن يأتي أحد بحديث نبوي صحيح أو بحديث حسن يبيح أو يلزم بختان الإناث، وقال: إنه يتحدى أيضاً أن يثبت أحد أن صحيح البخاري أو مسلم يوجد به حديث يفهم منه مشروعية ختان الإناث بمجرد إشارة، وأضاف أنه سبق أن أعلن بصراحة رأيه في الختان، وأن ختان الذكور أمر واجب، أما ختان الإناث لا سند له من الشرع، وأن الرأي فيه يرجع إلى الأطباء المتخصصين؛ لأنه عادة وليست عبادة، وأن الأطباء إن قالوا: إن الختان عادة حسنة نقول لهم كعلماء للدين: سمعاً وطاعة. وإن قالوا لنا: إن ذلك عادة سيئة وضارة نقول لهم: سمعاً وطاعة. وأضاف شيخ الأزهر أن الأطباء جميعاً قالوا: إن ختان الإناث شيء ضار، إذاً: عادة سيئة. ولذلك (المانشت) يقول: الختان عادة مصرية سيئة ولا سند لها في الشريعة، والبنوك التي تحدد الربح هي البنوك الأقرب للإسلام. دعونا من فتوى البنوك؛ لأن الفلاحين ردوا عليها فضلاً عن أهل العلم، الذي يمسك المعول ويضرب به الأرض قد رد هذه الفتوى ولم يقبلها لنفسه. فدعونا منها ولنكن مع الختان، جاء هذا مساء أمس الأول خلال الحوار الذي أداره شيخ الأزهر والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر مع طلاب جامعة القاهرة فرع (بني سويف)، وشاركت فيه جماهير المحافظة، وأداره صبري القاضي محافظ (بني سويف)، وأكد الدكتور زقزوق وزير الأوقاف أن هناك من افترى على الداعية الإسلامي الراحل الشيخ محمد الغزالي وقال: إن الشيخ الغزالي يرى أن ختان الإناث سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو لم يقل ذلك مطلقاً، أي: أن الشيخ الغزالي لم يقل ذلك مطلقاً -يدافع عنه- بل كان رأيه في كل جلسات مجمع البحوث الإسلامية وجوب التوقف عن هذه العادة السيئة. وأضاف: إنه لم يثبت أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قام بختان أي واحدة من بناته، كما أكد الدكتور عم

الرد على من نفى وجود حديث في الصحيحين يفهم منه مشروعية الختان

الرد على من نفى وجود حديث في الصحيحين يفهم منه مشروعية الختان وقائل يقول: ليس في صحيح البخاري ولا مسلم حديث واحد يفهم منه مشروعية الختان، والرد على هذه المقولة من زاويتين: الرد الأول: أنه ليس بلازم أن يأتيك النص في البخاري أو مسلم، فليس البخاري ومسلم هما الكتابين اللذين يعتمد عليهما في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام فحسب، فقد وضع أهل العلم شروطاً لقبول الحديث أو رده، ولم يضعوا من بين هذه الشروط أن يكون الحديث في البخاري ومسلم، ولا يشرط هذا الشرط إلا جاهل بقواعد أهل العلم في اعتبار الأدلة من عدمها، فهل يلزم أن يكون الحديث الذي أحتج به في البخاري ومسلم؟! إن البخاري ومسلماً لم يزيدا عن مجموع ستة آلاف حديث. إذاً: أين نحن من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم لا نأخذها من أبي داود أو من الترمذي أو من ابن ماجة أو من النسائي أو من مسند أحمد، أو من المعاجم الثلاثة للطبراني وغيرها من دواوين السنة؟ هذا الكلام لم يقل به أحد، بل الشرط أن يكون الحديث صحيحاً أو حسناً، ويستوي ذلك كونه في الصحيحين أو في غيرهما، فالمهم لاعتبار الحديث والعمل به أن يكون صحيحاً. فهذه أول شبهة، وإنما قال بهذه المقولة من قال ليلبّس على عوام الناس، فهو الذين لا يريد لهم في يوم من الأيام أن يتعلموا العلم؛ وما ذلك إلا ليلبّس عليهم أمر دينهم، فالعوام يجلّون صحيحي البخاري ومسلم، فيقول ويبني أنه ليس فيهما حديث واحد يفيد مشروعية الختان، فيقول العوام: نعم، فيفرح بذلك ويسعد كأنه وقع على فريسته، وهذه شبهة أوهى من بيت العنكبوت. الرد الثاني: أن الأحاديث قد ثبتت في البخاري ومسلم تصرّح صراحة ما بعدها صراحة بالختان ومشروعيته، وستأتي هذه الأدلة.

الرد على شبهات المخالفين والمعاندين لمشروعية الختان

الرد على شبهات المخالفين والمعاندين لمشروعية الختان يتبين لنا من مجموع شبه المخالفين والمعاندين للختان أن الختان إنما هو عملية وحشية تسبب للفتاة أضراراً نفسية واجتماعية خطيرة، فنقول لهم: ما هي هذه الأضرار النفسية والاجتماعية الخطيرة؟ وهل الختان عملية وحشية؟! إن العمليات الجراحية كلها عمليات وحشية بهذا المنطلق، فلماذا لا تحرمون المساس ببدن المرء سواء كان كافراً أو مسلماً؟ ثم من الذي قال: إن الختان عملية وحشية؟ A ( الخواجات) الذين قالوا هذا، ووجدوا لهم أبواقاً ممن يتكلمون بأسمائنا وينتحلون نحلتنا وهم من بني جلدتنا. فالختان ليست عملية وحشية، لا، يقول بعض الطبيبات وكثير من الأطباء: الختان عملية تجميلية تكميلية لأصل خلق الإنسان وجبلته وفطرته التي فطر الله تبارك وتعالى الناس عليها، فهو عملية تجميلية وتحسينية وليست عملية وحشية. الشبهة الثانية: أنهم قالوا: إن الختان عادة سيئة وقبيحة. أقول: لا ينبغي أبداً أن نقول عن الختان: إنه عادة فضلاً عن كونها عادة سيئة وقبيحة لوجهين: الوجه الأول: أن الختان عبادة وليست عادة، يتقرب بها المرء إلى الله تبارك وتعالى، وسيأتينا الدليل الذي يبيّن صحة ما نقول وما ندّعي. ثم قولك: إن الختان عادة سيئة وقبيحة فهذا ينافي الأدب من وجهين: الوجه الثاني: بعد أن قلنا: إنه عبادة، فلا يجوز أن تكون هذه العبادة سيئة وقبيحة، وإنما الذي يوصف بذلك العادات دون العبادات، والختان عبادة. وهب أنه عادة فلا يوصف بالسوء والقُبح؛ لأنه أقل ما يقال فيه: إنه خلاف معتبر بين أهل العلم، فلو أني معك اختلفت في مسألة من المسائل فاستندت أنا إلى أدلة وأنت قد استندت إلى أدلة أخرى وكل له وجهة نظره، فلا يوصف المخالف بأنه على سوء وعلى قبح، أو أن رأيه قبيح وسيئ، إلا أن يكون طاعناً في الدليل وفي النص، وليس أمر الختان كذلك: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]، ولم يكن قولهم كما قالت بنو إسرائيل: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93] فالسمع والطاعة يدخل فيه كثير من أبواب الابتلاء، فينبغي للمرء المسلم أن يستسلم لله عز وجل ولأحكامه، ولا يسعه إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا، علم العلة أو لم يعلمها، ولا يوصف شيء من دين الله عز وجل بالقبح أبداً، فدين الله تبارك وتعالى خير كله، وما وجد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على خير إلا وقد أقرها عليه، بل ما وجد خيراً إلا قد دلّ أمته عليه، وما وجد شراً إلا نهاها عنه. والله تبارك وتعالى بيّن ذلك في كتابه فقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] فالكتاب قد اشتمل على كليات وأصول ما يلزم المسلم في دينه ودنياه إلى قيام الساعة، وقال الله تبارك وتعالى آمراً لهذه الأمة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله تبارك وتعالى، فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59]، وقال تبارك وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]. فتبيّن من هذه الأدلة أنها قواعد كلية تفيد طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك نجد أن من تكلم في أمر الختان من بعض أهل العلم قال: لا توجد في السنة أي إشارة. نقول: قد وجد، بل وجد التصريح بجواز ذلك فضلاً عن استحبابه. ويقولون: ولا يوجد شرع يبرر هذا الإجرام، وسموه إجراماً، وقالوا: لا يوجد طبيب يبرر هذا، ولا يوجد في الفقه الإسلامي نص عن إمام من الأئمة المعتبرين يشير إلى ختان البنات من قريب أو من بعيد، وسنعلم أن الأئمة الأربعة تكلموا عن الختان وعلى مشروعيته، ومعلوم أن الأمة لا تجتمع على ضلال. ويقولون: إن الختان يسبب البرود الجنسي، أي: أن الختان عند الإناث يسبب البرود الجنسي، فنواة المرأة التي هي محل الطهارة في أعلى فرجها بعد الشطرين الصغيرين لها عرف كعرف الديك، هذا العرف يطول ويقصر حسب حجم البنت وصحتها، وحسب الجو والطقس من البلاد الحارة عنه في البلاد الباردة، فهو في البلاد الحارة يطول عند البنات، وفي البلاد الباردة يصغر وينكمش، فمن النساء من تحتاج إلى عملية الختان، ومنهن من لا تحتاج إلى ذلك، والبحث هنا أن بعض الجاهلات من الفلاحات ومن ليس له تمرّس بهذا الأمر إذا دُعي إلى ختان البنت استأصل هذا العرف من جذره، فهذا خطأ عظيم؛ لأنه يفقد البنت شهوتها بالكلية، فتُصاب بالبرود الجنسي، والخطأ هنا ليس متعلقاً بالشرع، وإنما هو متعلق بذلك الجاهل الذي أجرى عملية الختان؛ لأنه استأصل العضو من جذره، وتأتينا بعد ذلك السنة لتبيّن ما هو القدر الذي يؤخذ من ذكر الرجل ومن فرج البنت، حتى نعلم أن الإسلام كله خير. فالختان معنا

أدلة مشروعية الختان من السنة المطهرة وآثار السلف

أدلة مشروعية الختان من السنة المطهرة وآثار السلف فأدلة مشروعية الختان من السنة النبوية المطهرة رداً على من زعم أنه ليس في السنة حديث صحيح على مشروعيته:

حديث سنن الفطرة

حديث سنن الفطرة أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة: الاستحداد) أي: حلق العانة، وهو استخدام الحديدة والموسى في حلق العانة (والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار). إذاً: هذه الخمس من سنن الفطرة، ولذلك قال الخطابي كما نقل عنه أكثر العلماء: إن المقصود بالفطرة: السنة أو الدين. فهذه الخصال الخمس من السنة ومن الدين، ولذلك قال بعض أهل العلم: بل هي الخلق والجبلّة والإبداع والاختراع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة) أي: على فطرة الإسلام وعلى جبلّة الإسلام (فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه) فأصل خلقته على الإسلام؛ ولذلك أهل العلم يقولون: إذا تزوج المسلم من كافرة فأبناؤه مسلمون. وإذا تزوجت المسلمة من نصراني كان الأبناء نصرانيين، وهذا لا يجوز، لقول الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141] فلا يجوز أبداً زواج المسلمة من كافر. فلو أن رجلاً كافراً تزوج بامرأة كافرة فأسلم هل يصير الولد له أم لها؟ له، ولكن إذا أسلمت المرأة فيخيّر الأولاد عند البلوغ بين الإسلام والكفر. فهنا قال البيضاوي: الفطرة المذكورة في الحديث: هي السنة القديمة. السنة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلّي فُطروا عليها، أي: خُلقوا عليها. وقال الحافظ ابن حجر: المراد بالفطرة في حديث الباب: أن هذه الأشياء الخمس إذا فُعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة، والتي من بينها الختان. وقال الخطابي: هذه الخصال كلها من السنن إلا الختان، فقد اختلف أهل العلم في وجوبه من عدمه، أي: كلها سنن إلا الختان فقد اختلفوا فيه بين الوجوب والندب والاستحباب. هذا هو الدليل الأول وكما ذكرنا أنه في الصحيحين، نرد به على من يقول: ليس في الصحيحين دليل يُفهم منه مشروعية الختان.

حديث التقاء الختانين

حديث التقاء الختانين الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل) والختانان: هما موضع القطع عند الذكر وعند الأنثى، لم يقل: إذا التقى ختان الرجل مع فرج المرأة فقد وجب الغسل، بل قال: (إذا التقى الختانان) دل على مشروعية الختان عند الرجل وعند المرأة على السواء، أما تقسيم الحديث بوجوب الختان للرجل، وأنه عادة سيئة قبيحة للنساء فهذا تقسيم بغير دليل؛ لأن معنى الختان لا يتم إلا بهذا؛ ولذلك ورد في صحيح مسلم: (إذا مس الختان الختان وجب الغسل). يقول الإمام النووي وغيره من أهل العلم: المس ليس مقصوداً على حقيقته، وإنما المقصود به: ملاقاة الختان للختان ومحاذاة الختان للختان؛ لأن المس بإجماع أهل العلم لا يوجب الغسل، ولو أن رجلاً وامرأة تماسّا، بمعنى: أن الرجل مس ذكره فرج المرأة هل يجب عليه الغُسل؟ إجماع أهل العلم: أنه لا يجب غليه الغسل، ولا يجب الغسل إلا بتغييب حشفة الرجل في فرج المرأة، أما المس من الخارج وإن كانا عريانين لا يوجب الغُسل، وهذا إجماع أهل العلم. فقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا مس الختان الختان) أي: إذا حاذى والتقى، يشهد له الحديث الثاني: (إذا التقى الختانان وجب الغُسل). والمراد: ختان الرجل والمرأة على السواء؛ مما يدل على مشروعيته عند الإناث كما فهم ذلك أهل العلم كـ أحمد بن حنبل وغيره، ونقله عنهم ابن قدامة في كتاب المغني كتاب الطهارة، قال: فيه بيان أن النساء كن يختتن. وهذا رد على من يقول: ليس هناك أحد من أهل العلم ولا من الفقهاء تكلم عن هذا، و A جميع الفقهاء تكلموا عن هذا.

حديث أم عطية الأنصارية في ختان الأنثى

حديث أم عطية الأنصارية في ختان الأنثى الحديث الثالث: هو حديث في غاية الأهمية، حديث أم عطية الأنصارية، وكانت خاتنة بالمدينة، قال لها النبي عليه الصلاة والسلام عندما قدم المدينة: (يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي ولا تنهكي) ويقال لختان البنات: خفض، كما يقال لختان الذكور: إعذار، فالختان عند الذكور يسمى إعذاراً، وعند الإناث يسمى خفضاً؛ ولذلك يقال للخاتنة: خافضة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي) أي: خذي القدر الزائد فقط، قال لها: (ولا تنهكي) أي: ولا تستأصلي كل العضو. ومن هنا تعرف أن الخطأ ليس في الشريعة، وإنما فيمن يطبّق الشريعة، وهذا ما قلته في بداية المحاضرة: أن الإسلام أُتي من قِبل أهله الجُهّال أو الذين يحسنون النية. قال: (يا أم عطية! إذا خفضتِ) أي: إذا ختنتِ (فأشمي) والإشمام: هو أخذ القدر الزائد من العضو عند النساء. ولذلك ترى بنات في سن السابعة والثامنة قد خرج العرف من فرجها وظهر وبدا للناظر، هذا القدر الزائد هو الذي أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأخذه وقطعه؛ لأنه يؤذي الزوج ويتأفف منه، وربما يكون سبباً لوقوع البغضاء والشحناء بين الزوجين، وسبب صرف الرجل عن امرأته والزهد فيها. فقال لها: (فأشمي ولا تنهكي) أي: لا تستأصلي كل العضو؛ لأن إبقاء العضو على حاله رغم حاجته الماسة إلى أخذ الزائد منه ينفّر الزوج، ويجعل المرأة في حياة بئيسة في بيتها ومع زوجها، واستئصال العضو بالكامل يجعل المرأة مصابة بالبرود الجنسي الذي تكلمنا عنه، فلا تلتذ بمساس زوجها لها، وإبقاء هذا العضو بطوله وبالقدر الزائد يجعل المرأة تهيج، وتطلب الرجال في حل وحرمة، فبمجرد مساس ذلك العضو الزائد بالملابس يهيج الشهوة عند النساء، وناهيك عن هيجان البنت الجامعية التي حُرمت من الحجاب والنقاب، وسُنت لأجل انحرافها القوانين التي تحرم وتجرّم من يختنها، ومن يضبط لها شهوتها في منتصف الطريق بين الإفراط والتفريط، وكيف لو أن فتاة الجامعة هُيّجت من جهة ملابسها وهي تعيش بين ذئاب في صورة آدميين، ماذا تفعل هذه المرأة؟ وماذا سيكون موقفها من الشباب الخنع المقنّع المتسكّع على قارعة الطريق وعلى النوادي، وهي تأكل نفسها أكلاً بسبب هياجها وزيادة شهوتها؟ ونحن نعيش في بلاد حارة، وهذا أيضاً أحد العوامل التي تهيّج الشباب فضلاً عن التلفاز والمسرحيات والأفلام والسينمائيات والبث المباشر والفيديو والدش الذي ينقل إليك إذاعات العالم كله، وأنت بين أربعة جدر، ماذا سيكون موقف الشباب؟ وماذا سيكون موقف الفتيات؟ فلا بد من ضبط الشهوة عندهن، ولا يمكن ضبطها إلا من خلال دين الله عز وجل، فقال لها: (يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه) يجعل في الوجه السرور والنضرة (وأحظى عند الزوج) أي: أن المرأة إذا كانت معتدلة في شهوتها فإن ذلك يكسبها نضرة وسروراً في وجهها يظهر على بدنها وعلى صحتها، كما أنه يكون أحظى وأكرم عند الزوج. ولذلك بين الحين والحين نجد رجلاً يشكو من إقبال امرأته عليه جنسياً، ويقول: أنا أريد أن أُطلّق هذه المرأة؛ لأنها تحتاج إلى عملية الجماع في اليوم عدة مرات، فهي تكاد تهلكني، ويقول: من الخطورة بمكان أن أعيش مع هذه المرأة وهي مختتنة، فما بالك لو أنها لم تختتن، كيف تكون شهوتها؟ إن حديث أم عطية رضي الله عنها وإن كان في سنده مقال -أي: ضعف- إلا أن له شواهد كثيرة من حديث أنس بن مالك، وحديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة، وشاهد آخر من حديث الضحاك بن قيس عند البيهقي في السنن؛ ولذا ذهب إلى تحسين هذا الحديث الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال شيخنا الألباني حفظه الله في كتاب السلسلة الصحيحة في الحديث رقم (722) بعد أن أورد شواهد هذا الحديث: ومجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة -أي: مختلفة- لا يبعد أن يعطي ذلك للحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن، بل إنه بهذه الطرق والشواهد حديث صحيح، والله أعلم.

مشروعية الختان واحتفاء السلف به

مشروعية الختان واحتفاء السلف به ثم قال الألباني حفظه الله: واعلم أن ختن النساء كان معروفاً عند السلف، خلافاً لما يظنه من لا علم عنده. فإليك بعض الآثار في ذلك: عن الحسن البصري قال: دُعي عثمان بن أبي العاص إلى طعام فقيل: هل تدري ما هذا؟ قال: هذا ختان جارية. أي: صُنع بسبب ختان جارية، أي: بنت، فقال عثمان بن أبي العاص: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل من هذا الطعام. هذا النص بظاهره يفيد أن الختان بدعة، ولكن هذا اللغز يُحل عندما نعرف أن السلف كانوا يُظهرون ختان الذكور ويُخفون ختان الإناث. ولذلك يقول أبو عبد الله بن الحاج في كتاب (المدخل): إن السنة إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى. وقال الحافظ في كتاب النكاح في باب الوليمة: مشروعية الدعوة للختان. قال: وهذا يصدّق ما أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة والبيهقي وابن أبي الدنيا في كتاب (العيال) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام) (نحر) بمعنى: صنع وليمة وطعاماً، وختنهما لسبعة أيام. قال الحافظ في الفتح: إن القلفة من المستقذرات عند العرب، أي: تلك الجلدة في ذكر الغلام من المستقذرات عند العرب، وقد كثر ذم الأقلف -أي: الذي لم يُختن- في أشعار العرب، وكان للختان عندهم قدر وقيمة وله وليمة خاصة به، وأقر الإسلام ذلك. إذاً: تحوّل من كونه عادة إلى كونه عبادة؛ لأن الإسلام أقر ذلك. وأخرج ابن أبي الدنيا الآثار الآتية: عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: (دخل عليّ خالد بن عبيد الله الملائي وقد ختنت، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة)، وهذا نص يدل على مشروعية الختان وقيام الحفلات له. وعن نافع قال: كان ابن عمر يُطعم على الختان، أي: إذا ختن أولاده صنع وليمة، ونافع هو مولى ابن عمر وهو أروى الناس عن ابن عمر، ومعلوم أن من لازم أحداً فهو أدرى بأحواله، فـ نافع ينقل إلينا أن عبد الله بن عمر؛ وما أدراك من هو عبد الله بن عمر، وتمسكه بسنة النبي عليه الصلاة والسلام في كل كبيرة وصغيرة، بل كذلك العادات كان يلتزم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهنا نافع ينقل أن عبد الله بن عمر كان يُطعم على الختان. وعن ابن سيرين قال: إن ابن عمر كان إذا سمع صوت دُف أنكر ذلك، فإذا قيل له: عرس أو ختان سكت، وهذا إقرار منه على مشروعية هذا الأمر والاحتفاء به. وقال مكحول لـ نافع: أكان ابن عمر يجيب دعوة صاحب الختان إلى طعامه؟ قال: نعم. وعن القاسم قال: أرسلت إليّ عائشة رضي الله عنها بمائة درهم، فقالت: أطعم بها على ختان ابنك، أي: وكأنها أرسلت إليه بهذا المال مساعدة له على ختان ابنه في صنع الوليمة والعقيقة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ختن بنيه وأرسل عكرمة فجاءه بلعّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم، أي: يأتي بأناس يلعبون كثيراً ويقيمون هذا الحفل. وعن القاسم: أن وصياً أنفق على ختان (500) دينار، والدينار عند العرب بمعنى: دينار الذهب، والدينار الذهب بـ (160) جنيهاً الآن، فهو مبلغ ضخم أنفقه على الختان. وهذا خير ممن يزوّج ابنته بمليار دولار من بلاد العرب، والعرب كلهم جرب إلا من بر واتقى، وهذا بلاء عظيم، فإن هذه الأمة لا يمكن أن تنتصر إلا أن ترجع وتتوب وتبرأ إلى الله تبارك وتعالى من معاصيها، فهي سنن كونية وربانية، فالله تبارك وتعالى يجريها على أيدينا نحن؛ حتى يبيّن أننا نحن السبب فيما نحن فيه من ذلة وهوان على كل أمم الأرض؛ لأننا قد تخلينا عن أعظم دستور على الإطلاق وهو الكتاب والسنة. وعن عبد الله بن يزيد أنه سئل عن واثلة بن الأسقع -وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق-: هل رأيته؟ أي: يا عبد الله بن يزيد! أرأيت واثلة بن الأسقع؟ قال: نعم. كان في ختان ابنه حين صنع طعاماً، وكان يقول: كلوا واشربوا بارك الله فيكم. وهكذا نجد السلف والخلف قد درجوا على إشهار هذه السنة المباركة، والاحتفاء بها إلى درجة الضرب بالدفوف وإطعام الطعام. وأخرج البخاري في كتاب الأدب المفرد عن أم المهاجر قالت: سُبيت وجواري من الروم. أي: أن المسلمين أخذونا سبياً في الحرب التي دارت بين المسلمين والروم، وكنت أنا من السبي

الختان ملة أبينا إبراهيم عليه السلام

الختان ملة أبينا إبراهيم عليه السلام رابعاً: أخرج البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه -لا يقال: لم يذكر مشروعية الختان في الصحيح، أو أنه لا يوجد حديث في الصحيحين- من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم). قال يحيى بن سعيد الأنصاري راوي الحديث: القُدوم: هو الفأس، ولذلك هذا يرد تفسير من فسّر القدوم باسم الموضع في الشام، هناك قرية في الشام اسمها القدّوم بتشديد الدال، فقالوا: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين بالقدّوم، والرواية بالتخفيف: بالقُدوم، والقُدوم: هو الفأس، وإذا كان الراوي هو الذي فسّر مروياته فهو أولى الناس بفهم هذا المروي، فإذا خالفه غيره لا يعتبر كلام الغير، ناهيك أن القدوم: اسم موضع أو اسم آلة، فالنص يقول: إن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين سنة، وهناك بعض الروايات: أن إبراهيم عليه السلام هو أول من اختتن، وهناك روايات أخرى وردت في الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل: أن آدم أول من خُتن، بل وردت بعض الروايات التي تقول: إن آدم نذر لله إن قبِل الله توبته ليستأصلن شيئاً من بدنه، فنزل جبريل ولفت نظره إلى قطع القلفة فقطعها. لكن نحن لا نعتمد هذا الخبر ولا نعده أصلاً من الأصول، ولنكن مع الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في شأن إبراهيم عليه السلام. وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124]. صح عن ابن عباس أنه قال: هذه الكلمات خمس في البدن وخمس في الرأس، ابتلى الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام -أي: اختبره وامتحنه- فيها، ومعنى (فأتمّهن): أتى بهن إبراهيم عليه السلام على التمام والكمال، خمس في الرأس منها: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وحلق الشعر. والتي في البدن منها: نتف الإبط، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، والختان من ملة أبينا إبراهيم. فإن قيل: هذا إبراهيم عليه السلام قد أمره الله تبارك وتعالى بهذا ولم يأمرنا؟ ف A أن الله تبارك وتعالى أمرنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة)، وقال: (يا أم عطية! أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج). وقال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن إبراهيم: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة). يقول ابن عباس: هي خصال الفطرة ومنهن الختان، والابتلاء غالباً إنما يقع إذا كان الأمر واجباً، فدل على أن الختان واجب، وقد أقر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وأمره باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النحل:123] الضمير عائد على النبي محمد صلى الله عليه وسلم {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل:123] ومن ملة إبراهيم الختان، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة:4]، وليس إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، بل قد وردت نصوص في الكتب السابقة تفيد أن أول من اختتن هو آدم عليه السلام، بل يدّعي الشعب اليهودي أن الله خصهم بميزة دون سائر الأمم وهي الختان، وأن الله قد أخذ عليهم العهد بذلك، فهو محفوظ بينهم وبين الله تبارك وتعالى أبد الآبدين، وعندهم ما يسمى بخرافة كرسي (النبي إلياهو) بمعنى: النبي (إيليا)، ومضمون هذه الخرافة عندهم: أنهم يقيمون حفلاً للمختون، فتوضع الكراسي للمدعوين، ويبقى كرسي في مكان مميز عال عن بقية الكراسي، هذا الكرسي فارغ تماماً ويحرم على أحد من المدعوين أن يجلس عليه، ويعتقدون أن النبي (إلياهو) ينزل فيجلس على هذا الكرسي، فيشهد حفل الختان، ولا يراه أحد من الحاضرين. اليهود يفعلون هذا، ويعتقدون هذا فيما بينهم، ويدّعون أن الختانة عند المسلمين وحشية وعملية إجرامية ويجب محاربتها، في الوقت الذي يعتقدون فيه أن الأنبياء يحضرون حفل الختان، فيأمروننا نحن بعدم ختان الإناث؛ لأنها عملية وحشية، والوحشية كل الوحشية في ترك البنات عرضة للوقوع في الفواحش بسبب التهييج الذي تقدم ذكره. ويذكر التاريخ أنه حينما ظهر اليونان على اليهود جعل اليونان عقوبة من قام بإجراء عملية الختان الإعدام، وكان هذا قبل ميلاد المسيح عليه السلام، فقد كان اليهود واليونانيون قوتين عظيمتين، ودارت الحروب الكثيرة بينهما، وسبب هذه الحروب هو الختان، وهم الآن يحاربوننا في الختان، لكن بشكل آخر، وطالما هم وجدوا أبواقاً منا فلماذا يحاربوننا بالسيف؟ فقد علموا على مر التاريخ أن السيف لا يجدي معنا، وأننا أمة مجاهدة نحظى بإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر، فلجئوا إلى أسلوب آخر من أساليبهم الخبيثة، وهي تربية أبناء منا ليتكلموا باسم الإسلام يهدمون بهم

الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء

الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء خامساً: قوله صلى الله عليه وسلم: (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء). أي: يسبب الحظوة للنساء عند الأزواج، أي: تكون للمرأة كرامة وحظوة عند زوجها، فمن بركات الختان أن يقبلها زوجها. قال: (والختان سنة للرجال) وقوله: (سنة) ليس المقصود بها: التي تقابل الواجب عند الأصوليين، بل يقصد بها السبيل والطريق والهدي الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ادعى قوم أن ذكر الختان مع بقية المسنونات يدل على أنه سنة، كما في حديث: خمس من الفطرة، وقد ذكرنا أن الخطابي يقول: وكلها مسنونة إلا الختان، فإنه واجب عند كثير من أهل العلم. فقال ابن القيم: دلالة الاقتران -أي: اقتران الختان بغيره من سنن الفطرة- لا تقوى على معارضة أدلة الوجوب التي اختص بها الختان دون سائر سنن الفطرة، ثم إن الخصال المذكورة في الحديث منها ما هو واجب كالمضمضة والاستنشاق والاستنجاء، ومنها ما هو مستحب كالسواك، وأما تقليم الأظفار فإن الظفر إذا طال جداً بحيث يجتمع تحته الوسخ وجب تقليمه لصحة الطهارة، وأما قص الشارب فالدليل يقتضي وجوبه إذا طال، وهذا الذي يتعين القول به لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقوله: (من لم يأخذ شاربه فليس منا) من حديث البراء بن عازب عند أحمد والترمذي والنسائي بإسناد جيد، أي: فليس على سنتنا ومنهجنا وطريقتنا وشريعتنا. وهذا يدل على أن السنة: هي الطريقة والشريعة والمنهاج والسبيل، لا السنة الاصطلاحية التي تقابل الواجب عند الأصوليين، فقوله: سننت لك كذا، أي: شرعت، فقوله: (الختان سنة للرجال) أي: مشروع لهم، لا أنه ندب غير واجب، فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوباً واستحباباً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي). وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من خالف السنة كفر) فليس المقصود: السنة التي تؤديها أنت بعد صلاة المغرب، أو بعد العشاء، أو بعد الظهر، إنما يقصد بها: الهدي والطريق والسبيل، وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حالي، وإلا فالسنة هي ما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من واجب ومستحب ومندوب. ولذا نرى أن بعض الأئمة -كـ الشافعي مثلاً- يستعمل الكراهة بمعنى التحريم، كما أن بعض أهل العلم استخدموا لفظ السنة في الشرعة والمنهاج والسبيل والطريق، وللشافعي رحمه الله في ذلك دليل من كتاب الله عز وجل في أوائل سورة الإسراء، حينما عد الله تبارك وتعالى الشرك والقتل وأكل مال اليتيم وغير ذلك، ثم قال: في آخر الآيات: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] هل الشرك مكروه؟ قتل النفس بغير حق مكروه؟ أكل مال اليتيم مكروه؟ أبداً بل ذلك حرام أشد الحرمة، ومع هذا عبر عنه بالمكروه، أي: مبغّض عند الله تبارك وتعالى. فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الختان سنة للرجال) أي: شريعة ومنهاج وسبيل وهدي (مكرمة للنساء). هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني والبغوي من حديث شداد بن أوس مرفوعاً بسند ضعيف، والمعنى صحيح، وإن كان الحافظ ابن حجر في الفتح أشار إلى تحسينه بشواهده، وكذا في التلخيص، ورجّح البيهقي وقفه على ابن عباس من قوله.

مشروعية الختان في الكبر

مشروعية الختان في الكبر سادساً: أخرج البخاري في كتاب الاستئذان: (باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط). عن ابن عباس (سُئِل: مثل من أنت حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا يومئذ مختون)، فلو لم يكن الختان معروفاً عند العرب وعند المسلمين وعند الأوائل وفي القرون الخيرية لما قال ابن عباس: أنا يومئذ مختون. قال: (وكانوا لا يختنون الرجل حتى يُدرك)، أي: حتى يبلغ. وقد ورد أن إبراهيم عليه السلام ختن ولده إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام، هذا الأثر والحديث أخرجه البيهقي وغيره. وهذا يدل على أن وقت الختان ثلاثة: وقت اختيار، ووقت استحباب، ووقت وجوب. فوقت الاختيار أول يوم من الولادة، فلو أن المولّدة أو الطبيبة ختنت الولد مع ولادته جاز هذا وإن كان بعض أهل العلم -وخاصة الأطباء- بيّنوا خطورة هذا الأمر؛ لأن الجلطات لم تتكون بعد عند المولود، ولا يتكون الدم الذي يُجلّط ويسد هذه الشعيرات إلا بعد أسبوع من الولادة، ولذلك قالوا: وقت الاستحباب هو وقت السابع، وقد ختن إبراهيم ولده في اليوم السابع. وأما ابن عباس وإسماعيل عليه السلام فقد خُتنا في سن الثالثة عشرة، وهذا وقت الوجوب، مع جواز ختان الكبير إن قوي على ذلك وقدر عليه، كما في حديث أم المهاجر، وأي: إنسان دخل في الإسلام ولم يكن قد خُتن فإن قدر على الختان وجب عليه، وإن لم يقدر عليه فليس إلى ختانه من سبيل ولا بأس بتركه؛ لأن أهل العلم بوّبوا باباً لمسقطات الختان. قالوا: لا تحتاج المرأة إلى ختان لكونها عليلة أي: فيها علة، فلو خُتنت ماتت. قالوا: وربما تكون البنت في بلاد باردة فلا تحتاج إلى ختان بخلاف البلاد الحارة فإنها في الغالب تحتاج إلى ختان، وقالوا: ربما تكون البنت هزيلة البدن، ويكون عضوها صغيراً فلا يحتاج إلى الأخذ منه؛ لأنه ليس فيه زيادة؛ ولذلك سألت بعض الطبيبات وبعض الأطباء، بل قد سألت بعض الأطباء النصارى: هل يحتاج كل مخلوق إلى الختان؟ قالوا: لا، فمن البنات من تحتاج، ومنهن من لا تحتاج، وأيضاً في مصر هذا باعتبار الحر؛ لأن الأمر يختلف من طبيعة البنت عن طبيعة بنت أخرى، وقد ذهبت عدة مرات مع بعض أصدقائي لختان بناتهم، فقالت الطبيبة: هذه تختن وهذه لا تُختن، وقد اختارت إحدى الطبيبات ذات مرة الصغرى للختان، والكبرى قالت: لا تحتاج إلى ختان، والإسلام لم يأمر بختان جميع البنات وإنما بختان من تحتاج إلى ختان، هذا يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (أشمي ولا تنهكي) أي: خذي القدر الزائد، فإذا لم يكن هناك قدر زائد فلا يستحب أخذ القدر الموجود، وإلا أدى إلى المفاسد التي ذكرناها. وكان ابن عباس يشدد في وجوب الختان فيقول: الأقلف -أي: الرجل الذي لم يُختن- لا تجوز شهادته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تُقبل صلاته. وسُئل الحسن البصري عن الغلام يُختن يوم سابعه، فكرهه خلافاً لليهود، أي: أن اليهود يختنون أبناءهم في السن السابعة، فيكون الختان في أي يوم غير اليوم السابع مخالفة لليهود، ولكن النص يرد عليه. وسُئل زيد بن أسلم عن خفض الجارية: إلى متى يؤخر؟ قال: إلى ثمان سنين. لأن هذا الجزء وهذا العضو في البنت أو في الجارية لا يظهر طوله ونموه إلا في سن متأخرة مثل (8) أو (10) أو (12)؛ ولذلك يستحب للرجل أن يعرض ابنته على طبيبة في سن السابعة أو الثامنة، فإذا قررت الطبيبة أنها لا تحتاج إلى ختان يعرضها على الطبيبة في سن العاشرة من عمرها، وفي سن الثانية عشرة، وقد حدثتني طبيبة أنها أجرت عملية الختان لامرأة مع الولادة، أي: أن المرأة قد تزوجت، فالدكتورة رأت هذا العضو طويلاً فأجرت عملية الولادة مع عملية الختان في وقت واحد، وهو ألم واحد. فالشاهد من هذا أن المرأة لا تُختن إلا إذا احتاجت إلى الختان.

حشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا

حشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً سابعاً: أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً يوم القيامة) والأغرل: هو الأقلف التي لم تُقطع غُرلته أو قلفته أو جلدته. وعندهما برواية أخرى: (يا أيها الناس! إنكم تُحشرون إلى الله حفاة عراة غُرلاً: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]) وذكر الحديث. وعند مسلم من حديث عائشة بنحوه. قال النووي رحمه الله: الغرل -بضم الغين وإسكان الراء- معناه: غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يُختن وبقيت معه غرلته وهي قلفته، وهي الجلدة التي لم تُقطع في الختان. والمقصود: أنهم يُحشرون كما خُلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، أي: أنه ليس لهم زيادة ولا نقصان، حتى الغرلة تكون معه. قال ابن القيم رحمه الله ليرد شبهة من قال: الله خلقه بغرلة فلماذا قطعتها؟ قال ابن القيم: إنما شُرع الختان في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزّه من البول، وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون. إذاً: هناك ضرورة في الدنيا ليست في الآخرة. إذاً: قطعت القلفة للضرورة فضلاً عن ورود النص؛ ولعدم احتباس البول والمني في القلفة وفي فرج المرأة، فليس هناك نجاسة تُصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرج منها، كما أن القلفة لا تمنع لذة الجماع، هذا إن قُدّر استمرارهم على الحالة التي هم عليها، فلا يبعد أن يتغير داخل الجنة على غير هذه الهيئة التي نعلمها، والعلم عند الله تبارك وتعالى.

أحاديث الختان وعمومها للرجال والنساء

أحاديث الختان وعمومها للرجال والنساء ثامناً: إن هذه الأحاديث الواردة في الختان ثبت بها أن الختان من سنن الفطرة والدين وأصل الخلقة، ولا يجوز ادعاء أن هذه الأدلة خاص بالرجال دون النساء؛ لأن هذا تخصيص للأدلة دون مخصص، والعام يبقى على عمومه ما لم يرد له مخصص كما هو معروف عند الأصوليين، ولا مخصص لهذه الأحاديث والأدلة؛ فتبقى على عمومها لتشمل الذكور والإناث جميعاً، بل قد خُص ختان الإناث بحديث أم عطية.

الختان عند الفقهاء

الختان عند الفقهاء تاسعاً: الختان عند الفقهاء: أجابت دار الإفتاء المصرية سنة 1950م على لسان العلامة علام نصار بيك مفتي الديار آنذاك قائلاً: إن ختان الأنثى من شعائر الإسلام، لا يجوز لأهل بلد الاجتماع على خلافه، وإلا وجب على الحاكم أن يحاربهم، وقد وردت به السنة النبوية واتفقت كلمة المسلمين وأئمتهم على مشروعيتها، مع اختلافهم في كونه واجباً أو سنة. والحكمة في مشروعيته ما فيه من توطيد الميل الجنسي في المرأة، والاتجاه به إلى الاعتدال الممدوح والمحمود. أرأيتم الحكمة! توطيد الشهوة وجعلها بين الإفراط والتفريط، وخير الأمور أوسطها. قال فضيلة الأستاذ محمد إبراهيم سالم بيك رئيس المحكمة الشرعية العليا: ختان البنات عادة قديمة جاء الإسلام فأقرها؛ لما فيها من المصلحة والخير للمرأة نفسها وللمجتمع، وجعل ختان البنات مكرمة مستحبة، فهو مندوب ومن الخير فعله كما قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77]. وقد أجمع الفقهاء على استحسان ختان البنات؛ لما فيه من الحفظ والصيانة من التعرض للالتهابات العضوية والتضخم في أجهزة التناسل الظاهرية والانفعالات النفسية، وإثارة الغرائز الجنسية التي تؤدي إلى الاضطراب العصبي في حالة كبتها، أو إلى السقوط في مهاوي الرذيلة إذا أُطلقت من عقالها، وخاصة في سن الشباب ونشاط الغدة التناسلية. وحين كان الختان الشرعي هو إزالة الجزء البارز من البذر المرتفع عن البشرة؛ لينخفض إلى مستواها حتى لا يكون عرضة للتهييج من الحركة أو الملابس أو الركوب، حين كان الختان على هذا النحو من الاعتدال دون إفراط أو تفريط؛ فإنه يُكسب المختونة صحة في الجسم وجمالاً في الأنوثة، وصيانة في الخلق، ومناعة في العفّة والشرف، مع الإبقاء على الحساسية الجنسية بالقدر المناسب الذي لا شطط فيه. وبهذا يتضح أنه لا وجه لاعتراض بعض الأطباء في ختان البنات بالطريقة الشرعية، ولا مبرر لاقتراحهم منعه منعاً مطلقاً، ولعل اعتراضهم منصب على ما تخيلوه من أن ختان البنات يجري كله على طريقة الجهلة من أهل الريف، أو بالطريقة الوحشية المتّبعة في السودان. انتهت الفتوى للأستاذ محمد إبراهيم سالم. وقال فضيلة الأستاذ محمد اللبان بعد أن ساق الأدلة في مذاهب الفقهاء: من هذا نرى أن الحكم بتعاليه عن الاستحباب -أي: الختان أعلى من كونه مستحباً- وتنزله عن الوجوب يفيد السنة المؤكدة -أي: أنه ذهب إلى أن الختان سنة مؤكدة- والسنة بمعنى الطريقة والمنهج، وهذا أصل من الأصول أخذ به الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وأن الترك لا يكون إلا لعارض -أي: جواز ترك الختان لا يكون إلا لعلة- كمرض أو ظواهر كونية، كالمناطق الباردة والمناطق الحارة. ثم يقول: كما أن الإشمام للنساء -أي: أخذ القدر الزائد- فيه إزالة لذلك الزائد الذي يمنع من نقاء دماء الحيض والبول، ولا تصل به المياه المطهّرة إلى الداخل، فتبقى رواسب وبقايا دماء الحيض والبول على جوانبه، مما يؤدي إلى الصنان وهي الرائحة الكريهة المنتنة، ويفسد بتكون البقايا نشاط دورة الشعيرات الدموية. وبهذا قال أيضاً فضيلة الأستاذ القاضي الشرعي محمود عرنوس رئيس التفتيش الشرعي الأسبق، وفضيلة الأستاذ الدكتور زكريا البري رحمه الله أستاذ رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق جامعة القاهرة سابقاً، ووزير الأوقاف الأسبق، وكذا الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العدوي الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف سابقاً.

الختان عند الأئمة الأربعة

الختان عند الأئمة الأربعة عاشراً: لو نظرنا إلى حكم الختان عند الأئمة -أي: الأئمة الأربعة لوجدنا أن الإمام الشافعي وربيعة الرأي والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد قالوا: هو واجب، وشدد فيه مالك حتى قال: من لم يُختتن لم تجز إمامته ولم تُقبل شهادته. ولكن الإمام مالك قال: الختان سنة ولم يقل: واجب، لكن بمعنى الشريعة والمنهاج. قال: ونقل كثير من الفقهاء عن مالك سنة، حتى قال القاضي عياض: الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب، بل هو سنة. وفي فقه الإمام أبي حنيفة أن الختان للرجال سنة وهو من الفطرة، وهو للنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مصر أي بلد على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه، والمشهور في فقه الإمام مالك في حكم الختان للرجال والختان للنساء كالحكم في فقه الإمام أبي حنيفة، وأما فقه الإمام الشافعي فالختان واجب على الرجال والنساء. بعد هذا الخلاف كله هل يقال: إن الفقهاء لم يتعرضوا للختان ولم يقولوا فيه قولهم؟! بل تكلموا فيه. وعند أحمد بن حنبل: إن الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن؛ لأنه ليس بواجب إلا إذا احتاجت المرأة إلى ذلك، وفي رواية أخرى عنه: أنه واجب على الرجال والنساء كمذهب الإمام الشافعي. وخلاصة هذه الأقوال: أن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق الإناث مشروع، أي: أنهم اتفقوا على مشروعية الختان في حق الرجال وفي حق النساء على السواء، وكل ما هنالك أنهم اختلفوا في الوجوب أو الندب والاستحباب، ولم يقل منهم أحد: عادة سيئة قبيحة يجب محاربتها، ولم يؤلبوا الحُكام على سن القوانين التي تجرّم وتحذّر الأطباء والطبيبات من إجراء عملية الختان، حتى صار الواحد والواحدة سؤاله: أنا أريد أن أختن ابني أو ابنتي، ماذا أعمل؟ أنا خائف، والطبيب خائف، والمستشفى لا يقبل هذا! أقول: يكفيك دعوة الطبيبة في بيتك، وإجراء هذه العملية في بيتك لا إله إلا الله! يعبد ربه في بيته خفية وخلسة، فتأتي بالطبيبة عندك في البيت، واجعلها تجري هذه العملية ولا داعي أن يشعر بذلك أحد. وانظر -يا أخي-! إلى فتوى الشيخ جاد الحق رحمه الله تبارك وتعالى، أليس هذا من مشايخ الأزهر المعتمدين والمعتبرين؟! لكي لا نعترض ونرد نحن على شيخ الأزهر الموجود، فهذا المفتي هو الذي يرد عليه، وشيخ الأزهر السابق هو الذي يرد عليه، لا يذهب يوم إلا والذي بعده شر منه. يقول الشيخ جاد الحق: وأميل إلى تفسيرها بما فسرها الشوكاني -أي: عملية الختان- بأنها السنة التي هي طريقة الإسلام، ومن شعائره وخصائصه كما جاء في فقه الحنفيين، وليس المراد: السنة الاصطلاحية كما تقدم آنفاً، ويؤيد هذا ما ذهب إليه الفقه الشافعي والحنبلي ومقتضى قول شيخ من المالكية من أن الختان واجب على الرجال والنساء، وهو مقتضى قول الحنفية: أنه لو اجتمع أهل بلدة على ترك الختان حاربهم الإمام كما لو تركوا الإمام، وهذا ما أميل إليه في الفتوى به. وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات -موضوع هذا البحث- من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، أي: لا يصح أن يدع قول الرسول إلى قول طبيب جاهل، أو معاند عدو كاشح. قال: ولو كان طبيباً حاذقاً ماهراً؛ لأن الطب علم والعلم متطور. وهذا الكلام جميل جداً، وتحته شرح كبير جداً أختصره. يقول الشيخ: لا يجوز خضع الشرع للعلم؛ لأنك لو أخضعت الشرع للعلم فإنك تقول: أرأيت الآية الفلانية يؤيدها ويثبتها النظرية العلمية الفلانية، فحينما تتكلم عن الشمس والقمر يدوران أو لا يدوران؟ تقول: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33]، هل الأرض كروية أم غير كروية؟ ثم تذهب إلى أن الأرض كروية، وتستشهد بآيات من الكتاب والسنة على صحة هذه النظرية العلمية، وبعد عشر سنين بالضبط يثبت فشل هذه النظرية العلمية، إذاً: أنت أثبت فشل الآية مع النظرية. نقول: إن كتاب الله تبارك وتعالى هو كتاب إيمان وشرع وأحكام وحلال وحرام ووعظ وقصص وكتاب علم، لكن لا يجوز أبداً أن تخضع كتاب الله للنظريات العقلية القاصرة؛ لأنك لو أثبت وربطت بين الاثنين ربطاً مؤكداً فمع فشل هذه النظرية العلمية تستحي، أو يلزمك أن ترد الآية، أو يشك ضعاف الإيمان وضعاف العلم والجهلة في الآية نفسها. ثم يقول الشيخ جاد الحق: وفي ختام هذا البحث وفي شأن ال

مقتطفات من حكمة الختان وفوائده لابن القيم

مقتطفات من حكمة الختان وفوائده لابن القيم الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتاب (تحفة الودود بأحكام المولود) ذكر تحت باب الختان أربعة عشر فصلاً، سأذكر لك مقتطفات من فصل بعنوان: (حكمة الختان وفوائده). قال الإمام: الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله تبارك وتعالى لعباده، وكمّل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة، فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها؛ ولهذا كان من تمام الحنيفبة ملة إبراهيم، وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية، فإن الله عز وجل حينما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماماً، ووعده أن يكون أباً لشعوب كثيرة، وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه، وأن يكثر نسله، وأخبره أنه جاعل بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم، ويكون عهدي هذا ميسماً في أجسادهم -أي: علامة وأمارة- فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم، وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:138]: أنها الختان. فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعبّاد الصليب، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء معمودية ويقولون: الآن صار نصرانياً، فشرع الله سبحانه وتعالى للحنفاء صبغة الحنيفية، وجعل ميسمها الختان فقال: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138] فجعل الله سبحانه الختان علماً وأمارة لمن يضاف إليه وإلى دينه وملته، وينسب إليه بنسبة العبودية والحنيفية، حتى إذا جُهلت حال إنسان في دينه عُرف بسمة الختان ودينه، وكانت العرب تدعى بأمة الختان؛ ولهذا جاء في حديث هرقل الذي أخرجه البخاري في صحيحه قال: إني أجد ملك الختان قد ظهر، أو مُلك الختان قد ظهر على روايتين، فقال له أصحابه: لا يهمنك. هذا فإنما تختتن اليهود فاقتلهم، فبينما هم على ذلك وإذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء بكتابه -أي: إلى هرقل عظيم الروم- فأمر به أن يُكشف ويُنظر: هل هو مختون أم لا؟ فوجد مختوناً، فلما أخبره أن العرب تختتن قال: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ولما كانت وقعة أجنادين بين المسلمين والروم جعل هشام بن العاص يقول: يا معشر المسلمين! إن هؤلاء القلف -أي: الذين لم يختنوا وهم الروم- لا صبر لهم على السيف: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:14]. ليس هناك شعوب أجبن من شعوب اليهود والنصارى، تصور أن الواحد منهم يكون مدججاً بالسلاح وبالآربيجي ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وقد حدثني أخ كريم من الذين ذهبوا إلى أفغانستان أراد أن يتسلق سوراً لجيش سوفيتي فقال له إخوانه: لا تذهب. قال: لا بد أني فاعل. قالوا: اذهب وقلوبنا معك. قال: فبمجرد أن قفزت على السور وأتيت على خيام معسكر العدو السوفيتي قلت: بخ. فترك الجميع أسلحتهم وخرجوا من الخيام رافعين الأيدي، فسقتهم أمام الجميع وكانوا (317) جندياً إلى أرض أفغانستان، (317) جندي بـ (بخ)! فهم يعرفون أنه لا شيء بعد القتل سوى النار، فهم من غير عقيدة، وهناك أناس يذهبون من هنا لأجل الشهادة، تصور أن واحداً يذهب من أجل أن يموت من ماذا يخاف وقد أتى من أجل الموت؟ ولذلك المسلم له هدف، وهذه سنن، والشهادة رزق من الله عز وجل، وينبغي الإيمان والصبر والتسليم بذلك، فمن الممكن أن عدم الشهادة خير لك، فأنت لا تدري أين الخير؟ فقد تكون الحياة خير لك؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعائه يقول: (اللهم أحينا إذا كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا). والمقصود: أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له، وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، والاستنجاء، فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم في وقت واحد. قال محمد بن جرير قي قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة:138] يعني بالصبغة: صبغة الإسلام، وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصّر أطفالها جعلتهم في أبوالهم، وتزعم أن ذلك مما يقدس بمنزلة الختان لأهل الإسلام -لا بأس! فالأصل فيهم النجاسة، أما نحن فالأصل فينا الطهارة- وأنه صبغة لهم في النصرانية، فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم حينما قال اليهود والنصارى: ((كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا)): {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة:135] إلى قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:138]. قال قتادة: إن اليهود تصبغ أبناءها يهوداً، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى، وإن صبغة الله الإسلام فلا صبغة

الرد على جمال البنا

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على جمال البنا لم يسلم ديننا الإسلامي من الاعتداءات والانتقاصات والذم والقدح من قبل أعدائه في الداخل والخارج، وأعداء الإسلام من أبناء جلدتنا أشد خطراً وأكثر ضرراً من أعدائنا اليهود والنصارى وغيرهما، وجمال البنا أحد هؤلاء المارقين الذين سخروا كتبهم للطعن في أحكام الشريعة وإنكار دلالات السنة النبوية.

موقف أعداء الإسلام تجاه الإسلام

موقف أعداء الإسلام تجاه الإسلام إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين. ثم أما بعد: فما زال الكلام موصولاً عن الدفاع عن الله عز وجل وعن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعن العقيدة والشريعة في آن واحد. وإن الناظر اليوم إلى حال المسلمين شرقاً وغرباً في أنحاء الأرض لا بد أن نظره سيرتد إليه بنتيجة واحدة، وهي أن المسلمين يقتلون بأيدي أعدائهم وربما بأيدي بعضهم، فهذه روسيا قامت قومة رجل واحد على إخوانكم في الشيشان فقتلوهم وذبحوهم وأحرقوهم حتى جعلوهم رماداً، وقتلوا النساء والأطفال الأبرياء، وشقوا وبقروا بطون النساء، وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهم. في هذا الوقت لو أنك نظرت إلى ما تفعله أمريكا بالعالم لوجدت أن أمريكا أذكى بكثير من روسيا، فروسيا أدخلت نفسها في هوة سحيقة، ربما لا تستطيع أن تخرج منها مع مرور الوقت، فإن المسلمين رجعوا إلى ربهم ودينهم، أما أمريكا فهي دخلت كل بيت، وأفسدت كل عقل، وأفسدت عقيدة المسلمين بنهج لا يمكن لأحد قط أن يعترض عليه، وهذا ما قد تنبهوا له قديماً: أن حرب المسلمين وقتال المسلمين أمر لا يكاد يجدي ولا ينفع، فاستمالوا المسلمين بالنساء تارة، وبفساد الفكر تارة أخرى، وبالتطبيع ثالثة، وغير ذلك من هذه الأسلحة التي يسمونها أسلحة هادئة، وقد نفعت معهم هذه الأسلحة. ليس هذا هو المهم؛ لأن الحرب إنما أتت من خارج بلاد المسلمين، أتت من الكافرين الذين لا خلاف على كفرهم، ولكن الخلاف أن تبتلى بلاد المسلمين بآحاد أبنائها، وأن تبتلى الشريعة بمن ينسب إليها، وأن تبتلى العقيدة بمن يطعن فيها من بني جلدتها. واليوم نعيش مع أحد هؤلاء، لا أقول: الجهلة المتعالمين، ولكني أقول: مع أحد الملاحدة المفسدين الذي هو أيد سمينة وغنيمة باردة لليهود، فوالله لا تحلم اليهود أن تفعل في بلاد المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم ما يفعله جمال البنا الشقيق الأصغر للشيخ المجاهد الداعية المصلح حسن البنا رحمه الله، الذي قضى حياته دعوة وإصلاحاً وجهاداً هنا وهناك لأجل رفع راية التوحيد، ورفع راية نصرة الإسلام على ضعف ينصره الله عز وجل، وهذا شأن البشر جميعاً، لا يخلو جهد بشري من نقص وعيب، والحال كما ذكرنا.

موقف جمال البنا من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة

موقف جمال البنا من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة ولكن جمال البنا نهج نهجاً لم يراع فيه عقيدة ولا شريعة، ولا حتى راعى فيه الأخوة الإيمانية لأخيه حسن البنا، وإنما تبرأ من هذه الأخوة بقوله: إنه قد ربطني بأخي حسن البنا رابطة عضوية. وهو يدري ما يقول، والرابطة العضوية إنما هي رابطة الدم والنسب، لا رابطة الإيمان والعقيدة والأخوة الإيمانية، فلم يقل: تربطني به عقيدة أو نهج أو فكر أو غير ذلك، وإنما قال: تربطني به رابطة عضوية، فهو من أول الأمر قد تبرأ مما عليه أخوه، وتبرأ من كل جماعة ودعوة على الساحة، حتى تبرأ من الصحابة رضي الله عنهم، وتبرأ من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكان هذا الرجل صريحاً جداً مع نفسه، ومع الناس، وقد رد عليه علماء الأزهر ظناً منهم أنه جاهل، وفي كل رد يعقب عليه ويقول: أتدرون أني لم أقرأ ردودكم هذه؟! إنما قرأتها قبل أن يلتقي آباؤكم بأمهاتكم. كبر وعنجهية وغطرسة، بل -والله- إلحاد وزندقة وإفساد في الأرض، يقول: أتظنون أني لا أعلم تعقيبكم هذا أو ردكم علي؟ لا والله، أنا أعلمه، وقد قرأته وعندي من الكتب والمكتبات ما ليس عند واحد فيكم ولا حتى في المكتبات العامة. هذا الرجل ليس نكرة في المجتمع حتى أذكره أنا على المنبر، وإنما قد صنف أكثر من عشرين كتاباً يحارب فيها دين الله عز وجل، ولكن يبدو أن الوقت لا يسمح له بالطعن في القرآن الكريم، وإنما طعن في السنة النبوية فقال: السنة التي يقال: إنها نبوية -انظروا إلى هذا اللمز والغمز- تحتاج إلى إعادة نظر، والفقه لا بد أن يجمع عن بكرة أبيه ويحرق، ونحن في أمس الحاجة لفقه جديد، حتى قال: إني نظرت في كتب الفقه فوجدت أن معظم هذه الكتب تتكلم عن العبادات مما يؤدي في نهاية الأمر إلى توثين الصلاة! أي: جعل الصلاة وثناً. تصوروا أن رجلاً اسمه جمال -بل هو إلى القبح والفساد والزندقة والإلحاد أقرب- جعل الفقهاء القدامى وثناً يعبد، فهو آلمه جداً أن الفقهاء توسعوا في الكلام عن العبادات، وأخذ للعبادات رمزاً وهو الصلاة، وقال: جعلوها وثناً. أمر عجيب جداً! والأعجب منه أن ينبري علماء الأزهر للرد عليه، ظناً منهم أنه جاهل، على أية حال: جهد مشروع، وعمل مبذول لرد هؤلاء الملاحدة إلى الإسلام مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات! الهداية بيد الله عز وجل، ففي صفحات الجرائد والمجلات والصحف الرد عليه، بل صنف بعضهم كتباً للرد عليه. لم كل هذا الجهد؟ هل أنتم تفرغتم تماماً لهؤلاء الملاحدة؟ عندنا دعوة عظيمة وطويلة وعريضة، عندنا شباب هو أحق بهذا الجهد، بأن يبذل لهم لتربيتهم والأخذ بنواصيهم إلى الله عز وجل، حتى لا يجتمع المسلمون شرقاً وغرباً للرد على كلب من كلاب اليهود والنصارى اسمه جمال البنا.

موقف جمال البنا من الغيب وتفاسير القرآن والسنة النبوية

موقف جمال البنا من الغيب وتفاسير القرآن والسنة النبوية جمال البنا أنكر جميع المعلوم من الدين بالضرورة، وأول شيء أنكره الغيب، ثم قال: التفاسير كلها كلام فارغ، ورد عليه الدكتور المطعني حفظه الله، وقال: يا جمال! أين الكلام المليان؟ هل ننتظره منك؟ وهل نترك فقهاءنا وأئمتنا القدامى وسلفنا الصالح ونمشي خلفك؟ جمال البنا ينكر تماماً اتباع المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ويقول: وما يدرينا أن السنة قد ثبتت؟! هذا حرب للأصول؛ كان علماؤنا يردون على المعتزلة في إنكارهم حجية حديث الآحاد في العقيدة، أما الآن فلا أحاد ولا متواتر، ولا قرآن ولا سنة، فهذا أمر عجيب وخطير جداً، وإنني تكلمت مراراً عن حجية السنة وأنها من حيث الحجية هي والقرآن سواء بسواء، وإن الله تبارك وتعالى نفى الإيمان عمن لم يحتكم إلى الله ورسوله في الوقت نفسه، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] أي: يا محمد. {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. فهذه كلها شروط لأصل الإيمان، أن تلجأ إلى الله عز وجل في كتابه، وأن تلجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، أو إلى سنته بعد مماته، وإن إثبات السنة من عدمها له علماء وله محدثون قد وضعوا القواعد الأصيلة المتينة، وغربلوا السنة حتى لم يبق حديث قاله أو لم يقله النبي عليه الصلاة والسلام، أو فيه علة من العلل إلا ميزوه وحيزوه وجعلوا السنة الصحيحة في جانب، والضعيف منها في جانب آخر. فماذا يبقى لـ جمال البنا أن ينكر أو لغيره والأمر كما قال الله؟! وفي الأمة ألف جمال البنا وأكثر، والأمر كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة:70]، فهم والله أبقار، بل الأبقار أعظم منهم نفعاً على الأقل، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اشربوا ألبان البقر؛ فإن ألبانها دواء)، أما هؤلاء فلا يأتي الداء إلا من قبلهم، وليس الدواء، والنبي عليه الصلاة والسلام هو المبين والشارح لمجمل الكتاب، ولمطلقه، والمفصل لعمومه، ولا يمكن لعقل قط يحترم نفسه أن يقول: إنه يفهم القرآن لأول وهلة بغير الرجوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم إلى الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن سار على نهجهم من الأئمة المتبوعين وغيرهم إلى قيام الدين. لا يمكن -إلا أن يكون مخبولاً مجنوناً- أن يقول: أنا إذا فتحت الكتاب قرأته فعلمت مراد الله عز وجل. لا بد أن يرجع إلى كلام أهل العلم من السلف أجمعين رضي الله عنهم. ولذلك اقرأ قول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، هل ذكر في القرآن أن الظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والصبح ركعتان؟! اقرأ قول الله عز وجل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، ما كيفية السجود؟ وما عدده في كل الصلوات؟ أو في كل صلاة على حدة؟ وماذا تقول فيه؟ وما هو الواجب فيه؟ وما هو الذي يحرم عليك أن تقوله في السجود؟ وغير ذلك من الأحكام، هل تجدها في كتاب الله عز وجل؟! A لا. وأما قوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، فزكاة ماذا؟ وكم زكاة البقر والغنم والإبل؟ وكم زكاة المال؟ وكم زكاة الذهب؟ وما مقدار هذه الزكوات، وما شروطها؟ اقرأ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]، متى تقطع يد السارق؟ فالسنة بينت أنه لا قطع في أقل من ربع دينار، ومتى يكون القطع؟ وهل يكون مع قيام الشبهة أو بعدمها؟ ومن أي موضع في اليد تقطع، هل من الكف أو المرفق؟ وهل تقطع اليد كلها أم شيء منها؟ وبينت ذلك كله السنة، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة جداً التي وردت مجملة عامة، فصلها وبينها وشرحها النبي عليه الصلاة والسلام. ثم هؤلاء يشككون في السنة، فيقولون تارة بأن السنة ما هي إلا مجموعة أخلاق وآداب ونصائح، ومعلوم أن هذه الأخلاق وهذه الآداب والنصائح غير ملزمة، إذاً: السنة عندنا غير ملزمة. وتارة يطعنون في السنة بالطعن في رواتها الأوائل، كالطعن في أبي هريرة لعلمهم أن أبا هريرة يروي معظم أحاديث الشريعة، فقد روى آلافاً مؤلفة من الأحاديث، فأرادوا هدم كيان أبي هريرة ليهدم ما قد أتى به من مرويات، ولكن هيهات هيهات! فإن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي تكفل بحفظه، وأجمع علماء السنة أن قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] أن الذكر هو الكتاب والسنة. وكل آية فيها الكتاب والحكمة أجمع العلماء على أن الحكمة هي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أبداً أن تكون الحكمة هي الكتاب؛ لأن

الرؤية الجديدة لأصلي العلم عند جمال البنا

الرؤية الجديدة لأصلي العلم عند جمال البنا وربما يقول جمال البنا: أنا كتبت كتاباً بهذا العنوان! وفعلاً قد كتب كتاباً هو معي الآن، قال فيه: الأصلان العظيمان الكتاب والسنة، وأضاف إلى ذلك عبارة: رؤية جديدة. فهو يطرح رؤية السلف وتفسير السلف وبيان السلف وفهم السلف للكتاب والسنة، ثم يتقدم هو بعقله النتن القذر الوسخ لينظر في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم من جديد، زاعماً أننا في عصر قد تقدم فيه كل شيء، ولم يبق لمجهود السلف واقع في حياتنا، ويقول: عندنا الكمبيوتر والتكنولوجيا والمطابع والأوراق والأقلام وغير ذلك، ولم يكن هذا عند السلف، فإذا نظرت إلى كتابه وجدت أنه وضع معظم السم في بعض العسل. ولكن ابن عبد البر يقول: أصول العلم عندنا الكتاب والسنة، والسنة تنقسم إلى متواتر وآحاد، والقرآن نقل إلينا بالتواتر، أي: نقل الجمع الغفير عن الجمع الغفير في كل طبقة، وهكذا ورد إلينا بعض السنة، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصاً من نصوص الله عز وجل يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيل جميعهم. والضرب الثاني: أحاديث الآحاد، وفيه خلاف، وقد ذكر أهل العلم من السلف أن حديث الآحاد يفيد العلم والعمل معاً، قال ابن حزم في كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) في أثناء استدلاله على حجية السنة: لا يحل لأحد من المسلمين أن ينكر أن السنة بنفسها حجة في العقائد والأحكام، وقد قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، فالله تعالى يردنا إلى كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد في القرآن والسنة، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمر الله ورسوله وموجباً لطاعة أحد هما عن الآخر فهو كافر، ولا شك عندنا في ذلك، وقد ذكر محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تأويل سائغ فهو كافر، ومن استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو كافر، والحجة في تكفيره قول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وهذه الآية كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن العهد عهد ربه إليه ووصيته عز وجل الواجبة عليه. ثم قال: وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:61]، فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من نازل خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى وإلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فصده عنهما ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً. وقال ابن حزم: لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة. وهؤلاء هم القرآنيون، أما الملحدون في زماننا فلا يأخذون بقرآن ولا سنة، ولا يلزمهم شيء من هذين. وإجماع الأمة على أن من قال: أنا لا آخذ إلا بالقرآن فحسب دون السنة فإنه كافر، فكيف سيصلي وقد قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]؟ فالقرآن أمرنا بالصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، فلا يلزمنا إلا أن نصلي في هذين الوقتين وصلاة أخرى حين طلوع الفجر؛ لأن ذلك أقل ما يطلق عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة. ابن حزم: لم يذهب هذا المذهب وهو الأخذ بالقرآن دون السنة إلا بعض غلاة الرافضة، أما الآن فقد وجد أن بعض المسلمين ممن ينسبون إلى السنة يقولون هذا. قال: وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم، ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة. قال عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً أحللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمنا

موقف جمال البنا من الاحتجاج بالحديث المتواتر والآحاد

موقف جمال البنا من الاحتجاج بالحديث المتواتر والآحاد قال جمال البنا: والسنة قد خضعت لعدد كثير من المؤثرات التي جعلت مصداقيتها تحتاج إلى نقاش. فمثلاً: هناك عمليات الوضع في الأحاديث، وعمليات الرواية بالمعنى، وعمليات التفاوت بين الأحاديث بعضها مع بعض، فمثلاً: الحديث المتواتر ملحق بالقرآن من حيث الحجية، ومن حيث إنه متواتر. وهذا من تضاربه، فهو يقول: الحديث المتواتر كالقرآن تماماً بتمام، ويقول في موضع آخر: ليس هناك حديث متواتر. حتى تعلم أنه متضارب وأنه أحمق، وجاهل، واستخدمه الأعداء استخداماً غبياً أحمق. وقال: وبعد ذلك يقولون: أحاديث المهدي وأحاديث الدجال وأحاديث الحوض من المتواتر. أي: حوض النبي عليه الصلاة والسلام الذي من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً. ثم يقول: وهذه أشياء كلها لا قيمة لها ولا معنى لها، وهي أبعد ما تكون عن مجرد الذكر فضلاً عن المتواتر، وهذه المعاني كلها وضعناها في كتاب (السنة ودورها في الفقه الجديد). والفقه الجديد هو فقه جمال، فهو يريد منا أن نترك ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة والنووي والسرخسي وغير هؤلاء من العلماء الأقطاب، أقطاب الدين. ويقول: فالمفروض أن السنة تضبط بضوابط القرآن. هو لا يقول: أنا أجحد السنة؛ لأنه يعلم أن الشباب المسلمين الذي يمشون في الشارع والذين لا يصلون سيكفرونه. لكنه قال: إن السنة دخلها الوضع والتحريف، فالأصل أن نضبط السنة بالقرآن، يعني: أن نأخذ الحديث ونعرضه على القرآن، فإذا وافق القرآن أخذنا به، وإلا فيكون حديثاً موضوعاً حتى وإن كان في الصحيحين: صحيح البخاري ومسلم.

موقف جمال البنا من حكم الردة

موقف جمال البنا من حكم الردة قال: وأما حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، فإنه يعارض عدة آيات صريحة كل الصراحة في حرية الاعتقاد. طبعاً من مصلحة جمال البنا أنه يقول: لا يوجد حديث يقول: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهذا الحديث في البخاري؛ لأنه من أول المبدلين لدينهم، فهو ينفي عن نفسه حد الردة تحت شعار حرية الفكر وحرية العقيدة، ولم يعلم أن هذه الآيات كقول الله عز وجل: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، إنما تطبق في حرية الاعتقاد أولاً لا آخراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما أقام الحد على المشركين وعبدة الأوثان وقتلهم؛ لأنهم بدلوا دينهم، بل هم باقون على ديانتهم الكفرية، ولذلك لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما تركهم، وكان يدعو الواحد منهم بالحكمة والموعظة الحسنة, ولم يحكم عليه بالردة؛ لأنه كافر. أما هذا الحديث فإنه ينطبق على المسلم فقط؛ فإنه يقتل ردة بعد استتابته ثلاثاً. فإن الدين ليس مرتعاً لكل أحد أن يرتع فيه ما شاء، يخرج منه ويدخل فيه؛ بل لك الحرية أن تدخل في دين محمد، فإذا دخلت فيه فليس لك الحرية أن تخرج منه، فإذا خرجت منه فإن حدك القتل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). إذاً: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] أي: من شاء فليبق على كفره أو يكفر بعد إسلامه وله حد الردة.

موقف جمال البنا من الأحاديث التي ذكرت بعض أمور الغيب

موقف جمال البنا من الأحاديث التي ذكرت بعض أمور الغيب ولذلك يسأله سائل فيقول: هل ممكن أن تعطينا بعض أمثلة لأحاديث تتعارض في نظرك مع القرآن الكريم؟ فيقول: كل ما أتى عن الغيب: الجنة والنار والميزان والساعة والصراط والحساب والجزاء، وكل الغيب استأثر الله به، أي: لم يطلع عليه نبيه، ولم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من هذا قط. فيقول: وأنه إذا اطلع الرسول على جزء منه فليس لكي يشيع هذا. يعني: أنه يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئ، حتى لو قال له ربنا وحدثه عن الجنة والنار والحساب والصراط والجزاء وغير ذلك؛ ما كان ينبغي للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر الأمة بهذا، فهو يصحح للنبي عليه الصلاة والسلام. وذكر له حديث أبي هريرة: (إن في الجنة شجرة يسير في ظلها الراكب مائة عام)، فأنكر هذا؛ بل ضحك وسخر حتى وقع على قفاه من شدة الضحك. اللهم احرمه منها، اللهم احرمه منها. يقول: وكل الآيات الصريحة بعلم الغيب الذي استأثر الله بعلمه تتنافى مع وجود آلاف الأحاديث التي تحدد تحديداً دقيقاً كل ما في الجنة والنار والحساب والعقاب منذ أن يموت الإنسان؛ فهذه نتوقف عنها ولا نقول فيها بشيء. هكذا يقول جمال البنا الإمام المجتهد! ويسأله سائل فيقول: في ضوء رؤيتك للتعامل مع السنة، كيف ترى أحاديث يأجوج ومأجوج والمهدي والمسيح الدجال وعذاب القبر وما إلى ذلك من أمور غيبية؟ يقول جمال البنا: كل هذا من الغيب، ولا قيمة له ولا يعنينا في شيء، فالإسلام لا يريد من المسلمين إلا أن يعيشوا سعداء في مجتمعهم وتكون أخلاقهم سليمة والعدالة سائدة بينهم، والعلاقة طيبة بين الحاكم والمحكوم، وبين الرأسمالي والعمال، وبين الزوج والزوجة، فالقيم هي أهم شيء. وهذه المقولة هي نفس مقولة مصطفى محمود. ويقول: والأستاذ البنا رحمه الله كان يقول: كل علم لا يتعلق به عمل فهو لغو لا قيمة له. وهذا من غبائه؛ فقد استشهد بكلام الشيخ حسن البنا رحمه الله ليؤيد ما هو عليه، فإذا بكلام الشيخ يخالف كلامه؛ س فإن الشيخ حسن البنا يقول: كل كلام لا ينبني عليه عمل لا قيمة له. وأي كلام في الشرع لا قيمة له أو لا ينبني عليه عمل؟! فكل كلام في الشرع له قيمة وينبني عليه عمل، ولذلك فإن العمل القلبي شرط في صحة الإيمان، وعمل الجوارح شرط في كماله وتمامه، والعمل إما أن يكون قلبياً أو متعلقاً بالجوارح لا ثالث لهما.

موقف جمال البنا من الفقه القديم

موقف جمال البنا من الفقه القديم ثم يقول السائل: هل تعتقد أننا مؤهلون للاجتهاد واستنباط فقه جديد، وهل عندنا علماء مثل هؤلاء الأفذاذ الذين صاغوا الفقه في الماضي؟ فيقول: نحن أقدر من الأوائل على إبداع فقه جديد؛ لأنه توافر لنا ما لم يتوافر للأوائل من أدوات البحث، فلم تكن المطبعة موجودة، وأكبر أسباب اختلاف المحدثين والأئمة الفقهاء: أن إماماً ألم بحديث لم يلم به الآخر وهكذا، وأما نحن فقد ألممنا بكل شيء. ثم يقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن. وهذا كما يقول الكفار: فامشوا واصبروا على آلهتكم. ويقول: وهذا المذهب الجديد والفقه الجديد ربما لا يكون له أنصار الآن، لكن لا بد حتماً أن يكون له أنصار في المستقبل. فهو يرسل قواعد الآن لتأتي بعد ذلك أجيال نوح فيعبدون هذا الكلام من دون الله عز وجل. فيقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن، فليس من الطبيعي أن تضع البذرة وتثمر ثمرتها في نفس الوقت، فبقدر ما تكون البذرة تمثل زراعة ثمينة بقدر ما تتطلب الوقت، فهناك فرق بين أن تزرع برسيماً أو فجلاً أو جرجيراً وتأخذ منه بعد شهر مثلاً، وبين أن تزرع زيتونة تحتاج إلى عدة سنوات حتى تثمر، فالذي نقوله لن يثمر الآن، ولكن قطعاً سيسود في السنوات التالية وبعد أن يموت صاحبه. ثم يسأله السائل فيقول: هل تعتقد أنك صاحب هذا الفقه الجديد وصاحب الاجتهاد السديد؟ يقول: هذه أشياء يعلمها الله، والتطور هو الذي سيحكم بها. أي: أنه متواضع جداً! يقول: وضروري أن الداعية يموت حتى يمكن الاعتراف به، ويمكن أن هذه الأشياء ربنا رزقنا بها. يريد أن يقول: أن الله رزقه هذا الاجتهاد، لكن لا أستطيع أن أقول بهذا. يقول: وأعطانا هذه الصفة، فلم يجعلنا نرتبط بوظيفة ولا بحزب ولا بهيئة، ولا نحن مشايخ ولا ننتمي إلى أي شيء، ولسنا محتاجين مادياً إلى أحد، فقد رزقنا الله الاكتفاء ولم يجعل لأحد سلطاناً علينا يفصلنا أو يضطهدنا أو غير ذلك، ومع هذا فنحن نقول كلاماً نؤمن به -يعني: أنه ليس جاهلاً ويفهم ماذا يقول- وننشره، ولسنا مكلفين بشيء أكثر من ذلك، لكن أن ينجح هذا الكلام فهذه ليست قضيتنا. يعني: هو يقول هذا الكلام من أجل الأمة، لكنه ترك النتيجة على الله عز وجل!

موقف جمال البنا من كتب التفسير

موقف جمال البنا من كتب التفسير ثم يقول مرة أخرى: كل تفاسير القرآن كلام فارغ، والأزهر مجرد مدرسة وشيخه ناظرها. يسأله سائل فيقول: ما معنى أنكم ترفضون تفسير القرآن؟ قال: هذا من ضمن أفكارنا الأساسية؛ لأن كل تفسيرات القرآن أساءت إليه إساءات بالغة وحجبت نوره وجوهره من أن يصل إلى النفوس، وطرحت فكرها وإيمانها على القرآن الكريم. ويضرب لذلك مثلاً ويقول: المعتزلة -مثلاً- عندما فسروا القرآن صبغوا القرآن بصبغة الاعتزال، والخوارج كذلك، والقدرية كذلك، والأشعرية كذلك، ثم يقول: حتى السلف صبغوا القرآن بالآثار والأحاديث التي لا يدري أحد ما صحتها. أي: أنه يشكك في السنة النبوية. ويقول له السائل: وكيف يفهم الناس القرآن دون تفسير؟ فيجيب المجتهد: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو الناس إلى تلاوة القرآن ولم يفسره؛ لأنه في جوهره معجزة بموسيقاه وقوة آياته وترابطها، ففي المدينة انتشر الإسلام بالقرآن، وكان أكبر وأول فتح في الإسلام. وهذا من الغباء، فقد انتشر الإسلام في مكة بالقرآن، أما المدينة فكانت محلاً للأحكام والتشريع. ثم يقول: وكل التفاسير كلام فارغ، فهي عبارة عن أقاصيص وروايات مبتورة وأبيات شعر مجهولة منقولة عن التوراة وبني إسرائيل. ثم يسأله السائل: هل تلغون عقوبة المرتد؟ يقول: هذا الفرق بيننا وبين المذاهب الأخرى، فنحن نجزم بأنه ليس للمرتد عقوبة؛ بل إن القول بعقوبته يعتبر ضد القرآن، قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، فإذا أردت إنقاذ نفسك فلتؤمن وإذا لم ترد فلتكفر، ويوم القيامة هو الفيصل، وما يميز الإسلام عدم وجود مؤسسة دينية فيه، ولا يملك أحد حق التحريم أو التحليل، حتى الرسول عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك. ويقول: وأحب أن أؤكد أن التعليم الديني كلام فارغ وإساءة للعقول وقتل للملكات والإبداع، ويسيء كذلك للإسلام، فالأزهر مدرسة وشيخ الأزهر ناظرها لا أكثر. أي: أن التعليم الديني وتعليم أولادنا في الأزهر حرام على مذهب جمال البنا، فلا يخرج كل الناس أبناءهم إلى المدرسة؛ حتى لا يقعوا في الإثم ويقعوا تحت طائلة العذاب ودخول النار يوم القيامة.

موقف جمال البنا من تطبيق الشريعة الإسلامية

موقف جمال البنا من تطبيق الشريعة الإسلامية ويقول جمال البنا: أرفض شعار تطبيق الشريعة، والعلة أن العدل أهم شيء، وهو أن يعيش الناس بسعادة وبحب وبألفة وود ووطنية وقومية وديمقراطية، وهذا ما يريده منا ربنا. ويقول: تطبيق الشريعة سنة، والسنة -كما تعلمون- لم يثبت منها شيء. ثم يقول: وحجاب المرأة عرف. أي: أنه ليس ديناً. وآيات القرآن كلها التي تأمر المرأة عند البلوغ بالتزام الحجاب، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام التي بلغت العشرات في الأمر بالحجاب، والتوعد بالنار على من لم ترتد الحجاب، كل هذا لا علاقة له بالفقه ولا بالعلم ولا بالإيمان؛ لأن الحجاب عرف، فما تعارف عليه المجتمع فهو حسن، وما أنكره المجتمع فهو منكر. فقد جعل عرف الناس قاضياً على كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. ثم يقول: وأحاديث عذاب القبر، والشفاعة، ويوم القيامة لا تتفق مع القرآن الكريم. ثم يقول السائل: إذا كنت من دعاة التجديد فماذا تقول للمعارضين لك من الرافضين للتجديد؟ وبماذا تنصحهم؟ قال: هؤلاء لا يستحقون الرد، وعلينا أن نتركهم يعمهون في عالمهم؛ لأن سنة التطور مستمرة، فالقضية أنهم يقولون: لماذا نجدد في الفقه وليس هنالك فقه جديد؟ وأنا أقول: لماذا لا يكون فقه جديد؟ التجديد في الفقه هذا كلام فقهائنا، ومعناه: أن كل مستحدث في حياة الناس يجتهد المجتهدون من أهل كل عصر في إثبات حكم شرعي منشؤه الاجتهاد لهذه القضية، وهذا اسمه التجديد في الفقه لا الفقه الجديد. فالفقه الجديد هو إلقاء الفقه القديم في مزبلة التاريخ وإحلال فقه جديد مكانه على مذهب جمال البنا. والأئمة الذين وضعوا الفقه أوتوا من العبقرية والنبوغ والذكاء ما لم يؤته أحد من العالمين. يعني: الشافعي وأبو حنيفة أو أحمد بن حنبل أو عمر بن الخطاب وأبو بكر؛ لم يكونوا أحسن من جمال البنا. وهذا القول يصدر منه لأنه لم يجد من يربيه، ولم يجد من يضربه بالنعال على رأسه، فهو يرتع بما يشاء: ألا خلا لكِ الجو فبيضي واصفري. يقول: وبالتالي فأنا أقول بأعلى صوت: نحن أقدر على الاجتهاد بعصرنا من الفقهاء القدامى، بل إنني أقول: إن الرافضين لتجديد الفقه مرتبطون بمصالح ذاتية -أي أنه يطعن في نياتهم-، فدعوتنا لتجديد الفقه أو لفقه جديد ضرورية، ولا يساورني أدنى شك أنه ما بين خمسين إلى مائة سنة فإن كل هذا الركام العالي من الفقه التقليدي والتفاسير وغيرها ستنحى جانباً في الماضي السحيق ويأتي فقه جديد.

موقف جمال البنا من الاجتهاد

موقف جمال البنا من الاجتهاد يسأله السائل: هل معنى هذا أن نترك الباب لكل من هب ودب ليقول: أنا مجتهد ويفسر على حسب رأيه وهواه؟ يقول: نعم، فلنترك الباب لكل من هب ودب، ماذا يضايقكم في ذلك؟! فيرد عليه الدكتور الطعني ويقول: إذاً: نأذن لبائع البطاطا بالاجتهاد. فيقول: وما المانع أن نأذن لبائع البطاطا بالاجتهاد، فإن أخطئوا قومناهم، وإذا أصابوا باركنا إصابتهم. فاليهود لا يمكن أن يعملوا في الأمة مثلما عمل فيها جمال، وبوتين زعيم روسيا مع ما يصنعه مع إخواننا في الشيشان لا يجرؤ أن يعتدي على القرآن والسنة هذا الاعتداء، وأن يسفه جهود الفقهاء والعلماء والأئمة على مدار ألف وأربعمائة سنة، والذي يجرؤ على هذا هو من يقيم بيننا ويتكلم بألسنتنا ويدعي أنه على ديننا. يقول: فلنترك الباب لكل من هب ودب، ماذا يضايقكم في ذلك؟! وعلينا ألا نغلق الباب عليهم، بل علينا أن نعلق على ما يقولون ونرد عليه إن شط، فالمهم المقولة لا القائل. ثم يقول: دع الآراء كلها تتصارع وتتبارز وتشتبك حولها الأقلام؛ لأن هذا معناه أن هناك حياة فكرية نشطة وإعمال للذهن، أما هذا الصدأ والخمول -ويعني به الفقه القديم- والغفلة التي تحدث عنها القرآن وجعل أصحابها أقل من الأنعام في قوله: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179]، هكذا يصف المجتهدين. وهو سعيد بالدكتور إسماعيل منصور أحد المهرجين، وأحد الملاحدة، الذي صنف كتاباً عن موقفه من السنة، وإن كان في وقت من الأوقات شيخاً لي، وقد درست عليه أيام استقامته، ولكنه انحرف انحرافاً شديداً، بل ألحد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما نغضب في الرد عليهم يناقشوننا بهدوء وببرودة وكأن أعصابهم في ثلاجة، ويقولون: لماذا أنتم غاضبون؟! ولماذا أنتم -يا أهل السنة- تكفرون دائماً، وتحكمون بالردة، وتسيئون الظن؟! فنقول: أنت دمرت العقائد والفقه ودمرت كل شيء، وتطالبني ببرودة الأعصاب؟! أنت تطعن في ديني، ولو طعن أحد في امرأتك أو في ابنتك ماذا سيكون ردك؟! ذات مرة ذهب عالم إلى بعض الإخوة ليناقشه رداً على باطله، فكان يهدم في شريعة الرحمن بعقائدها وأصولها ما شاء الله له أن يهدم، ثم قال هذا الملحد: وشرف بنتي أنا لم آت إلى هنا بدفع من أحد إلا بوازع النصح. فقال له أحد الحاضرين: هل عند بنتك شرف حتى تحلف بشرفها؟! فغضب غضبة شديدة، وعندما كان يهدم في الدين من أوله إلى آخره لم يغضب مرة، ولم يكف لسانه عن الطعن في الشريعة قطعه الله هو وأمثاله. ثم يقول السائل: ألا ترى أن الحرية يجب ألا تتطرق إلى الثوابت كالصيام والصلاة والزكاة والحج والعقيدة وغير ذلك؟ فقال: لا، هذا الكلام غلط، ينبغي أن تذكر الحرية في مثل هذا، بل إنني أقول: إن الحرية يجب أن تتوجه إلى الثوابت، فالعلماء عندما قالوا: (من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة) يمكن أن نضع تحت هذه المقولة الفضفاضة مائة تهمة على أقل تقدير، فهذه الثوابت لو تركناها دون أن نتحدث عنها بحرية فإنها تتوثن وتصدأ، يعني: لو تركنا الصيام والصلاة والزكاة والحج وغيرها دون أن نطعن فيها وندمرها؛ ففي المستقبل ستكون عبارة عن أصنام يعبدها الناس، فعلينا أن ننشئ الأجيال القادمة على ألا يوجد شيء اسمه صلاة وصوم وزكاة وحج ولا شيء من هذا أبداً، لا تقل لي: أصلي؛ لأن تعودك على الصلاة يجعل الصلاة وثناً يعبد.

موقف جمال البنا من الحجاب

موقف جمال البنا من الحجاب ويسأله السائل: ما رأيكم في الحجاب؟ قال: الإسلام لا يريد الحجاب، وإنما يريد الحشمة، والحجاب ليس من العقيدة ولا من الأصول؛ لأنك حين تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا تضيف عبارة: وأشهد أن الحجاب حق أو واجب، إذاً: فالحجاب ليس من الدين! والرد عليه: أنه يحصل نفس الشيء لكي أدخل الإسلام أن أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولا أقول: وأشهد أن الصلاة حق وأن الزكاة حق وأن الصيام حق وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق، وغير ذلك من فرائض وواجبات الإسلام. إذاً: كل هذا ليس مطلوباً، والمطلوب أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالها اليهودي أو البوذي أو الوثني أو النصراني سيصبحون مسلمين، والأصل في القضية أن ربنا يريد أن يعيش الناس في عدل وسلام وحرية وأمان. أما عن قضية تطبيق الشريعة فقال: إنها من القضايا الشائكة التي اختلفت حولها الآراء بشدة ما بين مؤيد ومعارض، والموقف من ذلك أنني كتبت كتاباً عن تلك القضية، وأوضحت فيه أننا -للأسف- عبدة شعارات، تطبيق الشريعة ومطالبة الأمة بأسرها بتطبيق شريعة الله عز وجل هو عبارة عن شعارات فضفاضة لا قيمة لها. ثم يقول: ولو كنا صادقين في تطبيق الشريعة لا بد أن تواجهنا عقبات تحملنا على المطالبة مرة ثانية بعدم تطبيق الشريعة، وهذه العقبات هي وجود المذاهب الفقهية، هل سنطبق الشريعة على مذهب أبي حنيفة أم على مذهب أحمد بن حنبل أم الشافعي أم مالك أم الظاهرية أم مذهب الليث أم مذهب إسحاق بن راهويه؟! يعني: لو أخذنا بمذهب أبي حنيفة سنغضب الشافعية وبقية المذاهب، وهكذا لو أخذنا في تطبيق الشريعة بأي مذهب لا بد أننا نغضب ونثير ثورة بقية المذاهب علينا. ثم يقول: وهناك مذاهب اعتقادية أيضاً، كوجود الشيعة، نحن لو طبقنا الشريعة على مذهب السنة سنفرط في حق إخواننا الرافضة، وغير ذلك من الكلام الكثير. على أية حال كلامه مذكور في كتبه، وقد نقل وبث على صفحات الجرائد، ولكني أكتفي بذكر هذا، وإن كان الكلام لا ينتهي، ولكني أسأل الله تعالى -وأنتم تسألونه معي- باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يخلصنا من أمثال هؤلاء، اللهم خلصنا منهم، اللهم خلصنا منهم على خير، اللهم افضحهم يا رب العالمين، اللهم افضحهم بالليل والنار، اللهم افضحهم في قعر بيوتهم، اللهم افضحهم عند أبنائهم وزوجاتهم، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار في ركابهم، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار في ركابهم، ممن يدعي أنه مسلم، اللهم إما أن تردهم إلى دينهم رداً جميلاً أو تأخذهم كما أخذت فرعون وثمود، اللهم خلصنا منهم على خير، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا. وصلى الله على نبينا محمد. في حقيقة الأمر العلماء قد رجعوا إلى أبواب العبادات في كتب الفقه فلم يجدوا الصلاة قد احتلت من الكتب إلا بمقدار (12%)، أي: أن هناك (88%) لباقي أبواب الفقه، وقال عن التراث الفقهي: إنه من أكبر أسباب تخلف المسلمين ومجتمعاتهم في العصر الحاضر، وشكك في المنهج الفقهي الذي وضعه الأئمة بدءاً من الرسالة للإمام الشافعي، وقال: إن هذا المنهج لم يعد صالحاً للعصر. هل رأيتم رجلاً كافراً قال مثل هذا الكلام؟! هل رأيتم رئيس دولة كافرة -مثل بريطانيا أو روسيا أو أمريكا- قال هذا الكلام؟ لا يجرؤ أحد أن يقول هذا، بل -والله العظيم- إن الكفر كله مجتمع على أن الدين الإسلامي هو أعظم دين عرفته البشريه، لكن القضية أنهم خائفون من الدين، فيريدون أن يدفنوه ويقبروه حياً. والدين حي يحتاج إلى رجال يحملونه، ولذلك فإن اليهود لا يعبئون بكل أصحاب المعاصي والاتجاهات والأفكار، ولكنهم يخافون من الأصوليين، الذي هم نحن، مع أن كلمة الأصولية كلمة نصرانية أو يهودية في أصلها، لكن على أية حال هم يعبرون بها عنا، فيقولون: الأصولي الذي هو متمسك بأصله وتراثه، متمسك بالأصلين العظيمين وهما الكتاب والسنة، فهم خائفون؛ لعلمهم ويقينهم أن منهج الكتاب والسنة وأن منهج دين الإسلام هو أعظم دين عرفته البشرية، وهو الدين الحي الذي لو قام أصحابه به خير قيام لسادوا العالم الآن كما سادوه سابقاً، فهم يعلمون هذا، ولذلك لم يقولوا: هذا القرآن كلام فارغ، وهذه السنة كلام فارغ، والتفاسير كلام فارغ، والسنة فيها كذا وكذا وإنما يعملون بالليل والنهار مكراً ليطمسوا معالم الشريعة، وأن يصنعوا أجيالاً تتلو الأجيال سماتها قطع العلاقة بينها وبين دينها، حينئذ يستريح اليهود والنصارى. ولا يكون هذا، بل الحرب سجال إلى قيام الساعة، قال تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:128]. يقول جمال البنا: لم يعد هناك شك في أن التقيد بهذا الفقه كان من أكبر أسباب التخلف في المجتمعات الإسلامية؛ لأنه ض

الضوابط والمفاهيم التي يجب الاحتكام إليها

الضوابط والمفاهيم التي يجب الاحتكام إليها والدكتور شعبان إسماعيل يقول تحت عنوان: (ضوابط ومفاهيم يجب الاحتكام إليها). أولاً: الدعوة إلى الاحتكام إلى القرآن وحده وترك السنة الصحيحة كفر لا مراء فيه، وقد انعقد الإجماع على ذلك كما نقلناه من كلام ابن حزم والشافعي وابن عبد البر وغيرهم. يقول: والسنة هي المصدر الثاني للتشريع، فتركها ترك لأكثر أحكام الشريعة والقرآن الكريم، ولذلك نجد آيات القرآن الكريم تحث على طاعة الله تعالى وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا تكاد تجد آية تحث على طاعة الله تعالى إلا وتجدها تأمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، والعلماء مجمعون على أن المراد بطاعة الرسول اتباع سنته الشريفة. ثانياً: دعوى أن الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن من التحريف والتبديل ولم يتكفل بحفظ السنة، وبالتالي فلا نأخذ منها الأحكام ونكتفي بالقرآن؛ دعوى مرفوضة يكذبها الواقع والشواهد الشرعية، فالله تعالى قد تكفل بحفظ شرعه كاملاً بمصدريه: القرآن والسنة. ثالثاً: دعوى عدم قبول أي حديث لا يؤيده القرآن دعوى مغلوطة ومرفوضة، فليست هناك أحاديث تعارض نص القرآن الكريم ومنطوقه، بمعنى أنه ليس هناك حكم شرعي يحله القرآن أو يحرمه وتأتي السنة بعكس ما جاء به القرآن، وهذا هو المعروف بالتعارض، ولو أحلت الآية القرآنية شيئاً ثم حرمته السنة أو العكس نظرنا في الناسخ والمنسوخ، فإن لم نجد حكمنا على الحديث بالوضع مباشرة، وهذا كلام اجتهد فيه المحدثون اجتهاداً عظيماً جداً، وصنف ابن القيم عليه كتاباً اسمه: المنار المنيف في إثبات الصحيح والضعيف، وذكر علامات الوضع في الحديث النبوي، وجاء بعد ذلك ابن الجوزي عليه رحمة الله، وكتب كتاباً بعنوان: (مقاييس المحدثين في نقد المتون) وغيرها من الرسائل العلمية الكثيرة في الدكتوراه والماجستير أثبتت أن علماء الحديث قد أفنوا أعمارهم في قطع معايير تميز صحيح السنة من ضعيفها، والثابت منها وغير الثابت. فليس هناك تعارض، وإذا كان هناك تعارض فالحكم كما قلنا، إنما مقصود جمال البنا وأصحابه بالتعارض هو أن السنة تنفرد بذكر أحكام عن القرآن الكريم، وهذا يتعارض عندهم، فيقولون: أحاديث الشفاعة أحاديث موضوعة وباطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن كله نفى الشفاعة، نسأل الله تعالى ألا يشفع نبيه فيمن ينكر الشفاعة، قال أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جحد الشفاعة فلا حظ له فيها). والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها يجوز على مذهب جمال البنا، بل إنهم قالوا: يجوز نكاح الأم! وهذا موجود في كتبهم تحت شعار الحرية الشخصية، وفي طبعة أخرى: الحرية الجسدية. والمحرمات التي ذكرت في سورة النساء لا تتعارض مع الأحاديث التي ذكرت المحرمات التي لم تذكر في كتاب الله عز وجل، وكذا لو تتبعنا الأحكام التي جاءت بها السنة ولم يأت بها القرآن لم نجد فيها تعارضاً مع القرآن الكريم، وإنما هي أحكام جاءت بها السنة زيادة على ما جاء به القرآن الكريم، والكل من عند الله تعالى، فالقرآن وحي الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: فتح باب الاجتهاد لكل من هب ودب دعوة مرفوضة عقلاً وعرفاً وشرعاً، ولا تحتاج إلى تعليق، فلكل فن وعلم وحرفة أو صناعة أهلها المتخصصون فيها، ولا يسمح لمن ليس من أهلها أن يدخل فيها، فلا يتصور أن بائع البطاطا يجري عملية جراحية لأحد المرضى، كما لا يتصور أن دكتوراً أو مهندساً أو صيدلياً يقوم بعمل شباك للحمام أو للمطبخ، إذاً: لكل فن أهله، وجمال البنا ليس من أهل هذا. والله تعالى يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]. وقال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، فأهل الذكر في الأسواق هم الباعة، وأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر في الهندسة هم المهندسون، وأهل الذكر في العلم الشرعي وتعليم الناس هم العلماء والمشايخ والدعاة، وغير ذلك. أما قضية تطبيق الشريعة وعدم تطبيقها فهو المحك والفيصل بين الإسلام والكفر. وهذا كلام جميل جداً من الدكتور إسماعيل شعبان، فإنه يقول: تطبيق الشريعة ليس شعاراً، وإنما هو قضية حاسمة بين الإيمان والكفر، فإما أن تقول: إنك مؤمن وتطالب بتطبيق الشريعة، وإما أن تقول: أنك كافر صراحة، وحينها يكون تطبيق الشريعة شعاراً. خامساً: أستطيع من خلال قراءتي لما كتبه جمال البنا في الأعداد السابقة، وما صرح به في ندوة مركز ابن خلدون، هذا المركز الذي صنعه اليهود في مصر، أنا أسميه مركز ابن صهيون، فهو يضع البرامج التعليمية للابتدائي والإعدادي والثانوي، وأنت من غفلتك أنك لا تطلع على كتب أبنائ

موقف بعض العلماء الأشاعرة والصوفية من جمال البنا

موقف بعض العلماء الأشاعرة والصوفية من جمال البنا وأصبح كل العلماء وغير العلماء لا يعجبهم جمال البنا، حتى محمد داود، والدكتور محمد شاكر فؤاد، والدكتور محمد ربيع الجوهري، القائمون على مسجد العمرانية، وهم في المعتقد لو قلنا: أشعرية لظلمنا الأشعرية، وفي المسلك هم زعماء وأقطاب الطريقة الخلوتية، ومحمد ربيع الجوهري ألف كتاباً اسمه: عقيدتنا، وهذا الكتاب يدرس في معاهد إعداد الدعاة في الجمعية الشرعية وهو كتاب أشعري، والشاهد من هذا الكلام أن محمد ربيع ومحمد شاكر، ومحمد داود برغم ما فيهم لم يعجبهم جمال البنا، وردوا عليه. على أية حال: من بذل لله عز وجل يشكر على بذله، فنحن نشكرهم على دفاعهم عن دين الله عز وجل ضد جمال البنا. والدكتور محمد سيد أحمد المسير من أعلام الدعوة إلى الله عز وجل وتاريخ الفقه والإفتاء وغير ذلك، رد على جمال البنا فقال له: طوعت النفوس لأهوائك، وعقوبة المرتد ثابتة في القرآن والعرف، فالخارج عن النظام خائن، فكيف لا يكون المرتد خائناً لدينه؟! وهذا كلام جميل جداً، ولو أن أحداً تهرب من الضرائب في بلاد الكفر في أمريكا ولندن وغيرها فحكمه الإعدام، وهنا لا أحد يستطيع أن يهرب من الضرائب، رغم أنها غير شرعية، بل هي مكوس لكنك ستدفعها، إلا إذا كنت من علية القوم فإنك تستطيع أن تأكل مائة مليون أو ثلاثمائة مليون أو المليار وغير ذلك. وليس هذا موضوعنا، موضوعنا أن الخارج عن أي نظام وضعي خائن يستحق العقوبة، فكيف بمن خرج عن دين الله عز وجل لا يكون مرتداً يستحق العقوبة؟! ومن كتبه أيضاً: مسئولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث. انظر إلى العنوان! ويقول: يتساءلون: أين البرنامج؟ ها هو ذا البرنامج الإسلامي، وهو: الدولة والنظام السياسي والخلافة، القومية، الاشتراكية، النظام الاقتصادي، الربا، النظام الاجتماعي، الصحافة، تعليم المرأة، الفنون والأدب، وكل هذه الموضوعات قد عالجها الإمام المجتهد الفقيه الحبر النحرير جمال البنا في كتاب (نحو فقه جديد)، وهو من جزأين، ولم أحصل على الجزء الأول، وطبعاً يكون الجزء الأول بث فيه سمومه؛ لأن المؤلف ينشط في أول الكتابة وبعد ذلك يفتر في نهايتها، فأنا للأسف لم أحصل على الجزء الأول، أما الجزء الثاني فقد قال فيه: (نحو فقه جديد)، و (السنة ودورها في الفقه الجديد). ثم يقول: رسالة إلى الدعوات الإسلامية، إلى إخواننا المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في باكستان، والجماعة الإسلامية في الجزائر، الجماعة الإسلامية القائمين على السودان، والشيعة الجعفرية في إيران، والوهابية في الحجاز إلخ، وإلى الشباب المسلم في العالم أجمع. وجمال البنا رق قلبه على هؤلاء، ويريد أن ينصح كل الفرق والشباب الذي ليسوا في الجماعات ولا في غيرها، فهو يبث السم الزعاف القاتل في هذا الكتاب الأزرق، تحت عنوان: نحو فقه جديد، وليس اجتهاد جديد أو تجديد الفقه. يقول في ضمن الموضوعات: البراءة الأصلية ودائرة الحلال والحرام التمييز بين العقيدة والشريعة أسباب تضخم فقه العبادات الاجتهاد هذا المعلوم المجهول فهم الخطاب القرآني أيام الرسول التفسيرات التقليدية محمد عبده هو محمد أركن. وهذا الكتاب موجود في دار ابن صهيون، فهؤلاء الغوغائيون كـ جمال البنا وإسماعيل منصور ونصر أبو زيد وحسن حنفي هم أعضاء مركز ابن خلدون. ثم يقول: فهم الخطاب القرآني كما يجب أن يكون، كما فهمه جمال البنا. والكتاب الأخير يقول: الأصلان العظيمان: الكتاب والسنة ورؤية جديدة. وهذا من وجهة نظره هو. وبعد ذلك: الإسلام هو الحل، لكن بعيداً عن أي شعارات.

الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [1]

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [1] علم الساعة من الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، ولم يعلمه أحد من خلقه، فالخوض فيه خوض فيما لا ينبغي الخوض فيه، فقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد علم الساعة إليه، فهي أحد العلوم التي استأثر الله عز وجل بها، فكل من خاض في هذا الباب فقد خاض فيما نهي عنه، وما لا علم له به.

إحاطة الفتن بالمسلمين من كل جانب

إحاطة الفتن بالمسلمين من كل جانب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: حقاً إننا في زمن الفتن، وقد اقتربت الساعة كما أخبر ربنا تبارك وتعالى، وإن الفتن لتمر على القلب أو على العبد، فإذا مرت عليه فتنة قال: هذه مهلكتي؛ لأنه لم يمر عليه أعظم منها، فيتصور أنها القاصمة والمهلكة، فإذا بفتنة أعظم منها تمر عليه، فيتبين أن السابقة ليست بشيء. وإن الفتن اليوم تحيط بالمسلمين من كل جانب، وتحدق عليهم من كل واد، والفتنة إذا كانت من خارج الصف كان أمرها أهون من أن تأتي من ابن من أبناء الدعوة.

مخالفة كتاب عمر أمة الإسلام لمنهج أهل السنة في تحديد وقت قيام الساعة

مخالفة كتاب عمر أمة الإسلام لمنهج أهل السنة في تحديد وقت قيام الساعة وقد خرج علينا أخونا الكريم الشيخ أمين جمال الدين بكتاب عنون له بـ (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام). وهذا الكتاب راج وشاع بين الشباب، وعم خطره جداً، وربما يكون مؤلفه مأجوراً عند الله، وربما يكون قد سطره وكتبه ابتغاء رضوان الله عز وجل، وأنا لا أعرف المؤلف، ولا يضره أني لا أعرفه، فكل الناس خير مني، فربما يزن عند الله أمثالي، ولو أن الدنيا امتلأت بمثلي فربما يكون أثقل في الميزان منا جميعاً، ولكن الحق أحق أن يتبع، فإن هذا الكتاب على قدر ما فيه من سقطات -وقد يعد الكثير منها من باب سبق القلم أو سوء الفهم- ولكن الذي يعنيني بالدرجة الأولى أنه قد خالف جمهور أهل السنة والجماعة في تحديد اليوم الذي تقوم فيه الساعة. وإنما عبرت بـ (اليوم) لعظم ما جاء من تحديد في هذا الكتاب، وإلا فقد استخدم المؤلف لغة الأرقام، وهي لغة غير معهودة في دين الله عز وجل حتى يحدد به العام الذي تقوم فيه الساعة. فقد قال: ربما قامت الساعة عام 1430هـ يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً. وأما قوله: (يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً) فربما ذلك من شدة حيائه، ولولا ذلك لقال: إن القيامة ستقوم في اليوم كذا في الساعة كذا. وهذا التحديد كان أولى به أن يحدده إبراهيم عليه السلام أو موسى عليه السلام أو عيسى عليه السلام أو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكان أولى بهذا التحديد منه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أو عمر أو عثمان أو علي أو العشرة المبشرون، أو أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو ابن حنبل. فكل هؤلاء أولى بالتحديد منه. فهل يتصور أن هذا الحق قد خفي على الأمة أجمع وظهر له؟! A لا، وما استخدم علماؤنا من السلف لغة الأرقام قط فيما هو دون ذلك وأهون وأقل. وهذا الأمر -وهو تحديد الساعة- أمر خطير جداً وعظيم، ولقد اغتر بعض الشباب بهذا الكتاب حيث حثهم على العمل الصالح مخافة أن تدركهم الساعة، فبعض الشباب الذين لا ينظرون في دقائق الأمور ولا في بواطنها اغتروا بذلك، وقالوا: إن أعظم ثمرة لهذا الكتاب أنه أوقف الشباب على شفير جهنم، مما زادهم عملاً وطاعة لله عز وجل. ورداً على هذه الشبهة أقول: إن العبد إذا لم تقرعه النصوص لم تقرعه أقوال الرجال، فإذا سمعت قول الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] فلم تنصدع؛ فاعلم أنه سرعان ما يزول انصداعك بأقوال الرجال وأهل العلم، فإن المرء الذي يسير على هدى من الله يكفيه أن يسمع (قال الله) و (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا كاف في إثبات الاستقامة والسير على الهدي والصراط المستقيم، وأما أن يسمع من الرجال كلاماً لا يوافق الكتاب والسنة ولا سلف الأمة ويقول: إنه كلام جميل ومفيد؛ فنقول: إن الجمال كل الجمال والصلاح كل الصلاح في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد من أن نرجع في كل مسألة خاصة من مسائل الخلاف والنزاع إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بفهم سلف الأمة، وهذا الكلام قد حفظه الكثير، ولكن قل من يعقله ويفهمه، وأقل منهم من يعمل به. فهذه الكلمات والجمل قد حفظناها ورددناها على ألسنتنا، وربما لم تتجاوز هذه الأقوال ألسنتنا.

عقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب

عقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب إن مسألة تحديد وقت الساعة على التعيين والتحديد مسألة عظيمة جداً، فلابد من تركها وعدم الخوض فيها، ولذلك فهذا الكتاب يحتاج منا إلى أمرين: الأمر الأول: بيان معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، وفي أمثالها من أمور الغيب. والأمر الثاني: الرد على ما نراه قد جانب الصواب في الكتاب. وهذا الأمر يحتاج إلى محاضرتين أو أكثر، وقد سلكت مسلكاً في ردودي على مثل هذه الأمور التي أراها مخالفة للشرع: أن أبين أولاً شرع الله في المسألة؛ حتى إذا قرأ الطالب أو السامع الكتاب يكون قد عرف الحق في هذه المسألة مقروناً بالأدلة الشرعية. ومحاضرتنا اليوم -بإذن الله تعالى- تتعلق تعلقاً قوياً بمعتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب عموماً، وخصوصاً في مسألة قيام الساعة، وقصدي بيان الحق في هذه المسألة، ولم أقصد الرد على كتاب بعينه أو شيخ بعينه، وإنما قصدت أن أبلغك أمر الله تبارك وتعالى بألا تخوض في أمر الغيب، إلا إذا كان عندك منه دليل أو سنة قوية. وسنذكر الأدلة في هذا الباب من كتاب الله تبارك وتعالى، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس قصدنا الاستقصاء، وإنما قصدنا إيراد آيات وأحاديث كثيرة التي تدل على معتقد أهل السنة والجماعة في مثل هذا الأمر. ثم إيراد أقوال الشراح والمفسرين في تفسير الآيات وشرح الأحاديث، وأجملنا القول في ذلك مخافة الملل. وفي المحاضرة الثانية -بإذن الله تعالى- يلزمك إحضار الكتاب معك إن كان عندك، حتى نقول: إنه قال كذا، في صفحة كذا والصواب كذا، فهو قد اعتمد على أدلة أيضاً فهم أنها تفيد ما ذهب إليه من تحديد نهاية العالم وفناء الدنيا في عام كذا زاد أو قل، وهو معذور في هذا الفهم، ولكنه قد جانب الصواب، ولابد من بيان الأمرين. ونقول: إنه معذور ومرفوع عنه الإثم بإذن الله، وأخطأ، ولكن يلزمنا أن نبين الصواب.

الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله

الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله ومعتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب أنه لا يعلمه إلا الله، والأدلة على ذلك ما يلي: قال تعالى في سورة الأنعام -الآية رقم (50) -: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50]. وهذه الآية نفس معناها في سورة هود الآية رقم: (31). قال الحافظ ابن كثير: أي: لا أقول لكم: إني أعلم الغيب، وإنما ذاك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ربي. وهذا يدل على أن الغيب غيبان: غيب استأثر الله تبارك وتعالى بعلمه، وغيب أطلع عليه بعض خلقه من رسله، وليس أحد غير الرسل قد أطلعه الله تبارك وتعالى على بعض الغيب، وهذا يرد على المتصوفة الذين وصلوا -بزعمهم- إلى درجة التجلي، فهم يقولون: المراتب عندنا ثلاث: مرتبة التخلية، ثم مرتبة التحلية، ثم مرتبة التجلية. فأما التخلية فهي التخلية من كل إثم وذنب ومعصية. وأما التحلية عندهم -وهي كذلك عند أهل السنة- فأن يتحلى بمكارم الأخلاق والفضائل والطاعات. وأما المرحلة الثالثة فهي التي اختلف فيها الصوفية عن بقية الأمة، وهذه المرحلة هي الكفر بعينه، وهي مرحلة التجلية، فقالوا: إذا تخلص العبد من معاصيه وتحلى بطاعة ربه تجلى الإله فيه وتجلى هو في الإله حتى يصير هو الله والله هو! كما قال ذلك ابن عربي. قال الحافظ ابن كثير: أي: لا أقول لكم إني أعلم الغيب، وإنما ذلك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ربي، فالجنة غيب، والنار غيب، والصراط غيب، والحساب والجزاء والمآل، ولكن هذا الغيب أطلع الله عز وجل نبيه عليه، وأخبره بعلم منه، وأخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بهذا، فلابد أن نؤمن بما أخبرنا به من جهة الغيب على سبيل الإجمال والتفصيل، فإذا أخبرنا بغيب وحجب عنا التفصيل وجب علينا أن نؤمن بهذا الغيب على الإجمال، كما أوجب علينا أن نؤمن بأن الله تبارك وتعالى يقيم الساعة، ولم يأمرنا بالبحث عنها، ولذلك سئل النبي عليه الصلاة والسلام عدة أسئلة من البدو والأعراب وغيرهم عن الساعة فما كان عنده من جواب. وفي سورة الأنعام في الآية (59) قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59]، فقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:59] ولم يقل: ومفاتح الغيب عنده، فقدم الظرف ليدل على التخصيص، أي: أن الله تبارك وتعالى مختص ومستأثر بعلم الغيب، ولم يطلع أحداً ولا حتى الرسل عليه، فقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. وقال الصرصري رحمه الله: فلا يخفى عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى فهو الذي يعلم الغيب والشهادة، فكل ما غاب عنك الله يعلمه، كما تعلم أنت ما تشاهده وما تراه. وقال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) الجزء الثاني (صفحة 174): بين الله تعالى المراد بمفاتيح الغيب بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]. فعلم الغيب الذي استأثر الله تبارك وتعالى به إنما هو ما ذكر في هذه الخمس، وبذلك جاء الخبر عند البخاري وأحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً، وهذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وهو كذلك؛ لأن الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا. وأخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية). أي: قد افترى على الله افتراء عظيماً من زعم أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم ما سيكون في الغد القريب، وهذا يدل على نفي علم الغيب عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما أطلعه ربه عليه، فكيف بادعائه علم الساعة؟ وقال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]. ولما رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك والمعصية والزنا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أهي بريئة أم لا، حتى أخبره الله تبارك وتعالى وبرأها من فوق سبع سماوات، ولو كان يعلم الغيب لعلم ما وقع؛ لأنه قد وقع هذا الافتراء والإفك بالأمس، فلو كان يعلم الغيب لعلم ما وقع بالأمس، ولكنه

الأنبياء ومعرفة علم الغيب

الأنبياء ومعرفة علم الغيب قد ذبح إبراهيم عليه السلام العجل للملائكة ولم يعلم بأنهم ملائكة حتى أخبروه بقولهم: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود:70]. ولما جاءوا لوطاً لم يعلم أيضاً أنهم ملائكة، ولذلك {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77]؛ لأنه خاف عليهم من أن يفعل بهم قومه الفاحشة، حتى قالوا له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود:81]. ويعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن على يوسف وهو في مصر، ولم يدر خبره حتى أظهر له الله خبر يوسف، ولو كان يعلم الغيب لعلم خبر ولده. وسليمان عليه السلام مع أن الله سخر له الشياطين والريح لم يكن يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس شيئاً حتى جاءه الهدهد وقال له: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22]. ونوح عليه السلام ما كان يدري أن ابنه الذي غرق ليس من أهله، أي: ليس من أهل السعادة والنجاة، وقال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45]، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أخبره الله بقوله: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46]. والملائكة المقربون عليهم السلام لما قال الله لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:31 - 32]، أي: لا اطلاع لنا على الغيب إلا ما أطلعتنا عليه. فظهر بهذا أن أعلم المخلوقات -وهم الرسل والملائكة- لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى، وهو تعالى يطلع رسله على ما يشاء من غيبه، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:179]. وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27].

حرمة إتيان الكهنة

حرمة إتيان الكهنة ولما بين القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله عرف أن جميع الطرق التي يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي إنما هي من الضلال البين، فإذا أردت الوصول إلى شيء من علم الغيب فاسلك طريق الوحي، فإن سلكت طريق الأرقام والحساب والكمبيوتر فاعلم أن هذا من الضلال المبين، ولذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، لمجرد السؤال فقط وإن تيقن من سأله أنه كاذب، وإذا أيقن بصدقه وأخذ كلامه بيقين فليعلم أن الله تبارك وتعالى قد برئ منه، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم العيافة والكهانة والعرافة والطرق والزجر والنجوم، وكل ذلك يدخل في الكهانة؛ لأنها تشتمل على ادعاء الاطلاع على علم الغيب. قال الذهبي رحمه الله في كتاب (الكبائر): والساحر لابد أن يكفر، كما قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102]، وما للشيطان الملعون غرض من تعليمه الإنسان السحر إلا ليقع في الشرك. فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنونه حراماً فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعليم السيمياء، وهي: إيجاد أحداث وخيالات ليس لها وجود في الحس، ويعملون بها وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو ما يسمى عند العامة بالربط، ربط الرجل عن امرأته وعدم استطاعته إتيانها، وهو سحر كذلك، كما أنهم يدخلون في عقد محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة وتمتمات وحروف وكلمات متقطعة أكثرها شرك وضلال. انتهى كلام الإمام الذهبي.

إطلاع الله تعالى بعض رسله على الغيب

إطلاع الله تعالى بعض رسله على الغيب قال القرطبي في تفسيره في الجزء الرابع: فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، وهي الوحي، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله. أي: أن الله تبارك وتعالى لا يطلع على غيبه أحداً إلا من الرسل، وليس كل الرسل كذلك، بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:179]. وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27]. فمن قائل: المراد بالمفاتح: خزائن الرزق، وقال قائل: هي الآجال وأوقات انقضائها، وقيل: هي عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال. ثم قال القرطبي: من قال: إنه ينزل الغيث غداً وجزم فهو كافر. أي أن من قال: إن الله ينزل الغيث غداً وجزم بذلك فهو كافر، سواء أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا. وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم لم يكفر، إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبهاً بكلمة أهل الكفر، وجهلاً بلطيف حكمته. قال ابن العربي المالكي رحمه الله: وكذلك قول الطبيب: إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر، وإن كان في الثدي الأيسر فهو أنثى، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فالولد أنثى، وادعى ذلك عادة لا واجباً في الخلقة لم يكفر ولم يفسق، ولكن لا يستحب له الدخول في مثل هذا، ولو أن الطبيب ادعى ذلك من باب العادة، أو أن المرأة ادعت ذلك من باب العادة، وقد خلقت هذه المرأة في مجتمع كله يقول: لو كان الجنب الأيمن ثقيلاً بالحمل فإن الولد أنثى، ولو كان خفيفاً فإن الولد ذكر، فلو قالت ذلك من باب العادة لم تكفر ولم تفسق، أما لو قالت ذلك من باب الواجب الشرعي وأنه لابد أن يكون ذكراً، وليس عندها برهان ولا دليل في ذلك؛ فإنها تكفر. وأما من ادعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر، أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون فلا ريبة في كفره أيضاً.

بيان آجال الأمم المعلومة لله تعالى

بيان آجال الأمم المعلومة لله تعالى قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف في الآية رقم (34): {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} [الأعراف:34]، وأمة الإسلام أمة من الأمم، وهي خاتمة الأمم، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، أي أن الله تبارك وتعالى حدد لكل أمة أجلاً، فهذه الأمة إذا جاء أجلها لا يمكن أن تتأخر عنه لحظة، كما أنها لا يمكن أن تتقدم عليه لحظة. قال القرطبي: ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ)) أي: وقت مؤقت، ((فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ)) أي: الوقت المعلوم عند الله عز وجل. وهذا هو الشاهد الذي أردت سوقه، إذا جاء أجلهم المعلوم عند الله، لا عند الخلق ولا عند الرسل ولا عند الملائكة المقربين؛ فإن آجال الأمم وأعمارها إنما هو عند الله تبارك وتعالى، وهو من العلم الذي استأثر تبارك وتعالى به، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، ولا حتى الرسل ولا الملائكة المقربين. ومثل هذه الآية قد جاء معناها في آيات كثيرة، كما في سورة النحل في الآية (61): {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61]. وقال تعالى في سورة يونس في الآيتين (48 - 49): {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48] استبعاداً وجحوداً وإنكاراً، {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا} [يونس:49]، أي: كيف أعلم الساعة، ولو كنت أملك لنفسي الضر والنفع لأخذت حذري من قيام الساعة؟ {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49]. وفي سورة سبأ في الآيتين (29 - 30) قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ:29 - 30]، فالله تبارك وتعالى قد نفى أن تتقدم أمة أجلها أو تتأخر عنه ولو ساعة، وذكر الساعة لأن أقل الوقت يذكر، وهذا يدل أن لكل أمة أجلاً محتوماً معلوماً، ولكنه معلوم عند الله تبارك وتعالى لا عند الخلق.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد علم وقوع الساعة إلى الله سبحانه وتعالى

أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد علم وقوع الساعة إلى الله سبحانه وتعالى قال تعالى في سورة الأعراف في الآيتين (187 - 188): {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:187 - 188]. وقد رجح الحافظ ابن كثير: أن هذه الآية نزلت في مشركي مكة، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها وتكذيباً بوجودها، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48]. وقال الله تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى:18]، أي: يقولون: متى هي؟ فإن كنت صادقاً فائت بها، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى:18]، أي: خائفون وجلون موقنون بأنها قادمة لا محالة، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:18]، والذين يمارون في الساعة ويقولون بتحديد أوقاتها وأوصافها فإنما هم في ضلال بعيد. وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف:187] أي: متى وقتها وآخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة؟ {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف:187]. ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام هو أعلم الخلق بالله وبآياته، ومع هذا فإن الله تبارك وتعالى أمره أن يرد علم الساعة على جهة الخصوص إليه سبحانه، فهو يقول له: يا محمد! مثلك مثل بقية الخلق لا تعلم عن وقت تعيينها وتحديدها شيئاً، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187]. فأمره سبحانه إذا سئل عن الساعة وعن وقتها أن يرد علمها إلى الله تعالى؛ فهو سبحانه الذي يعلم أمرها ووقتها على جهة التحديد، ولا يعلم ذلك غيره، ولهذا قال: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:187]. قال قتادة: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض. واختار هذا المعنى ابن جرير، ورجحه على غيره من التأويل. وقال السدي عليه رحمة الله: خفيت في السماوات والأرض -يعني: خفيت على الملائكة كما خفيت على الرسل- فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل. ولذلك قال: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187]، ولفظ: ((لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً)) ورد في غير ما آية من كتاب الله عز وجل؛ ليدل على أن الأمر إنما يأتي فجأة، ولا يسبقها إلا أمارات وعلامات تدل عليها، وأما أن يطلع أحد أو يظن ظناً أن الساعة آتية بعد عدة أعوام فلا شك أن هذا من باب الرجم بالغيب، ((لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً)) أي: فجأة، فتبغتهم بقيامها وتأتيهم على غفلة. وقوله: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الأعراف:187]، أي: كأنك عالم بها من كثرة ما استحفيت من السؤال عنها، وكأنك لكثرة ما استحفيت من السؤال عنها جاءك علمها، وهذا أرجح الأقوال. فنفى الله عز وجل أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام عنده شيء من علم الساعة، أي: من علم قيامها ووقتها وتعيينها وتحديدها، فقد أخفى الله علمها على خلقه، ولهذا قال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأعراف:187]، أي: ليس عند أحد من الخلق. وقوله: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف:188]، أي: لا أملك لنفسي جلب خير ولا دفع ضر ولا شر إلا ما ملكني ربي وأمكنني فيه، فكيف أعرف علم وقت الساعة؟! {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188]، والمعنى: لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه، ولو كنت أعلم الغيب لأخذت حذري وما مسني السوء، كما أفاده القرطبي في التفسير. وقال تعالى في سورة يونس في الآية رقم (20) رداً على مشركي مكة في طلبهم الآيات على سبيل التعجيز لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس:20].

الإخبار عن اقتراب وقوع الساعة

الإخبار عن اقتراب وقوع الساعة وقال الله تبارك وتعالى في سورة النحل: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]. قال المفسرون: أمر الله هو قيام الساعة، ولما كان ذلك أمراً محققاً لا مرية فيه ولابد أنه واقع لا محالة عبر عنه بصيغة الماضي، فقال: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ))، وهو لم يأت بعد، ولكن هذه الآية دلت على قرب الساعة لا محالة وأنها واقعة، فعبر عنها بالماضي. وقال في نفس السورة في الآية 77: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل:77]. قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السماوات والأرض واختصاصه بعلم الغيب, فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه الله تبارك وتعالى على ما يشاء, وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع, وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون, كما قال: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50]، أي: فيكون ما يريد كطرف العين, بل وأسبق من ذلك؛ لأنه إذا قال للشيء: كن كان في لحظة، بل في أقل من طرفة العين. وقال القرطبي: إن الساعة لما كانت آتية ولابد جعلت من القرب كلمح البصر. وقيل: المعنى: هو عند الله كذلك لا عند المخلوقين، بدليل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:6 - 7]، أي: إنهم يرون وقت وقوع الساعة وقيامها بعيداً، ولكن الله تبارك وتعالى يراها قريبة. وقال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) في الجزء الثالث (صفحة 296): أظهر الأقوال فيها -أي: في هذه الآية- أن الله إذا أراد الإتيان بها فهو قادر على أن يأتي بها في أسرع من لمح البصر؛ لأنه يقول للشيء: (كن) فيكون. وقال تعالى في سورة طه في الآيتين (15 - 16): {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15]، ومعنى ذلك: أنه لم يخفها، والمستقر في الأذهان والقلوب عند أهل السنة أن الله قد أخفاها حقاً. قال الحافظ ابن كثير: ((إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ))، أي: قائمة لا محالة وكائنة لابد منها، وأما قوله: ((أَكَادُ أُخْفِيهَا)) قال الضحاك عن ابن عباس: إنه كان يقرؤها هكذا: (أكاد أخفيها من نفسي) , كأن الله تبارك وتعالى يقول: ولو شئت أن أخفيها عن نفسي لفعلت؛ لشدة استئثاره بعلم الغيب فيها، وعدم إطلاعه أحداً من خلقه عليها، ولذلك قال ابن عباس: (أكاد أخفيها من نفسي)؛ لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً. وفي رواية عنه: لا أطلع عليها أحداً غيري. وقال السدي: ليس أحد من أهل السماوات والأرض، أي: من الملائكة والرسل والخلق جميعاً- إلا قد أخفى الله عنه علم الساعة. وثبت غير ذلك بنحوه عن ابن مسعود وقتادة وابن جبير، وغيرهم، حتى جاء في مصحف أبي وابن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي، فكيف يعلمها مخلوق؟! وقال تعالى في سورة الأنبياء في الآية الأولى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]، وغيرها من الآيات التي تدل على قرب الساعة، وهذه الآيات نزلت على الصحابة، ولا شك أن الصحابة كانوا يظنون أن الساعة يمكن أن تقوم في زمانهم وفي قرنهم، ولذلك لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بظهور المسيح الدجال كأنهم يرونه رأي العين، فانزعجوا غاية الانزعاج، وقالوا: (يا رسول الله! فماذا نفعل إذا ظهر؟ قال: إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه) و (إن) هنا للشك، بخلاف (إذا) فهي للتحقيق، قال: (إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه)، أي: أنا له، وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعلم أن المسيح الدجال سيظهر في زمانه أو لا، فكيف بالساعة؟! فقال: (إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه، قالوا: وإن ظهر بعدك يا رسول الله؟! قال: فاقرءوا عليه فواتح سورة الكهف). قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]، والمعنى: قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم، ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، وكل ما هو آت قريب، والموت لا محالة آت، وموت كل إنسان هو قيام ساعته، والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى، أفاده القرطبي في التفسير. وقال في التذكرة صفحة (709): فأما وقتها فلا يعلمه إلا الله. وقال تعالى في سورة الأنبياء في الآية (97): {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنب

الإخبار بمجيء الساعة بغتة

الإخبار بمجيء الساعة بغتة وفي سورة سبأ في الآية الثالثة قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} [سبأ:3]، فهم ينكرون ويجحدون الساعة؛ لأنهم دهريون، يقولون: إنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، ولا رجعة بعد ذلك. فقال الله تبارك وتعالى راداً عليهم: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ:3]. وقال راداً على المنكرين للبعث والحساب في الآيتين (29 - 30) من نفس السورة: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ:29 - 31]. وقال تعالى في سورة الشورى في الآيتين (17 - 18): {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:17 - 18]، وهذه الآية فيها ترغيب وترهيب، كما أن فيها تزهيداً في الدنيا، وأما الكافرون الجاحدون فيقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48] على سبيل التعنت والتكذيب، وأما المؤمنون فهم خائفون وجلون من وقوعها، ويعلمون أنها الحق من ربهم، وأنها كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها، عاملون من أجلها، عالمون أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، وقال تعالى في سورة الزخرف في الآية (61): {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف:61]، وفي الآية (66): {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الزخرف:66]، وفي الآية (85) قال تعالى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزخرف:85]. وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في الآية (18): {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18]، أي: علاماتها وأماراتها. فالساعة لها أشراط صغرى وأشراط كبرى، ولم يظهر شيء من الأشراط الكبرى بعد. والله تبارك وتعالى قال: ((فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا))، فعبر عنها بصيغة الماضي؛ ليدل على أن هذه الأشراط لما كانت متحققة وواقعة لا محالة فكأنها وقعت بالفعل؛ ليدل على اقتراب الساعة. ومن أشراط الساعة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وضم السبابة والوسطى). وليس بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام حدث أعظم من قيام الساعة، ولذلك قال: (بعثت أنا والساعة)، أي: ليس شيء بعدي إلا قيام الساعة، فليس هناك نبي يرسل ولا كتاب ينزل، بل قيام الساعة، فليس هناك حدث بعدي إلا هذا: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:18]. فمن أشراط الساعة بعثة نبينا محمد، فهو أمارة اقترابها ودنوها، فهو خاتم الرسل الذي أقام الله به الحجة على العالمين وأكمل به الدين، وقد جاء في أسمائه عليه الصلاة والسلام أنه نبي التوبة، ونبي الملحمة، وهو الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، وهو العاقب الذي ليس بعده نبي. وفي سورة الجن في الآيات (25 - 28) قال تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن:25]، فالنبي عليه الصلاة والسلام يتبرأ من علم الغيب ومنه علم غيب الساعة، وأنه لا يدري أقريب ما وعدهم الله عز وجل به من قيام الساعة أم أن الله تبارك وتعالى جعل لذلك أمداً بعيداً أو قصيراً أو قريباً، فقال: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن:25 - 28]. وفي سورة الملك في الآيات (25 - 26) قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَ

الأدلة من السنة على كون الساعة غيبا لا يعلمه إلا الله

الأدلة من السنة على كون الساعة غيباً لا يعلمه إلا الله وأما الأحاديث فإننا سنكتفي بذكر بعض الأحاديث، وسنؤجل البعض الآخر إلى المحاضرة القادمة بإذن الله؛ لأنه يحتاج إلى كثير بيان وإيضاح.

حديث بعثه صلى الله عليه وسلم والساعة

حديث بعثه صلى الله عليه وسلم والساعة قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان من حديث أنس: (بعثت أنا والساعة كهاتين، قال أنس: وضم السبابة والوسطى). وهذا الحديث يشير إلى تقريب أمرها وسرعة مجيئها، كما صرح بذلك القاضي عياض والقرطبي في التذكرة صفحة (732)، وأضاف الصنعاني إلى هذا المعنى احتمالين آخرين، وهما: أن المراد قربها عند الله، أو أن المراد إنما هو قرب أشراطها لا قربها هي، وأنها تأتي بغتة. وقد اختلف العلماء في تعيين المقصود من قوله: (كهاتين. وأشار بالسبابة والوسطى)، والسبابة هي التي يسبح بها، وهي التي تلي الإبهام، وأما الوسطى فهي الأصبع الوسط، ولا شك أن الأصبع الأوسط أطول من بقية الأصابع، فقال البعض: المقصود منه الإشارة إلى قرب المجاورة بين البعثة وقيام الساعة، فإن الساعة إنما تأتي مقاربة ومجاورة لبعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال البعض الآخر: إنما المقصود من الإشارة تفاوت ما بينهما طولاً، أي: في مدة الزمن، فليس بين بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وبين قيام الساعة إلا كما بين السبابة والوسطى من فرق في الطول، ولا شك أنه قصير، وهذا يدل على اقتراب الساعة كذلك، واختار هذا الطيبي والبيضاوي. وقيل: المقصود: ليس بينه وبينها نبي ولا واسطة؛ إذ ليس بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بعثة ولا رسالة، وكل من ادعى الرسالة أو البعثة أو إنزال الكتب فهو كاذب، وقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام وأخبرنا أنه سيكون قبل قيام الساعة ثلاثون كذاباً، كلهم يدعي أنه نبي.

أحاديث قيام الساعة على المتبايعين وحالب ناقته وغيرهم

أحاديث قيام الساعة على المتبايعين وحالب ناقته وغيرهم الحديث الثاني: أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه)، أي: أنها تقوم بغتة، فيذهب الرجل إلى السوق فيلقى البائع، فينشر الثوب، فبينما هما على هذه الحال تقوم الساعة، فلا يتمكن المشتري من الشراء، ولا يتمكن البائع من طي هذا الثوب وإدخاله المحل، (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه -أي: يطينه- فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها). والذي لا ينزجر من هذه الأحاديث فلن ينزجر من كلام الرجال. الحديث الثالث: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقوم الساعة والرجل يحلب ناقته -أي: لقحته- فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة وهو على تلك الحال، والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة، والرجل يلوط حوضه فما يصدر -أي: فما ينصرف- حتى تقوم الساعة). الحديث الرابع: (إن الساعة تهيج بالناس أو تهيج بالناس، والرجل يصلح حوضه -أي: يطينه- والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه)، يعني: تقوم الساعة بغتة والناس في شغل، والناس قد شغلتهم دنياهم وأعمالهم.

حديث جبريل في سؤاله عن الساعة

حديث جبريل في سؤاله عن الساعة الحديث الخامس: جاء من حديث أبي هريرة وعمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وهو المعروف بحديث جبريل الطويل، وفيه: أن جبريل عليه السلام سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام فأجابه وعن الإيمان فأجابه وعن الإحسان فأجابه، وصدقه في كل ذلك ثم قال: (فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: لست أعلمها كما أنك لا تعلمها، فكما أنك تجهلها أيها السائل فأنا كذلك أجهلها، وهذا السائل قد خفي أمره على النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك جاء في بعض طرق الحديث: (لم تخف علي صورته غير هذه المرة). فقد كان في كل مرة يأتي فيها يعرفه إلا في هذه المرة. وفي هذا الحديث بيان أن الساعة استأثر بعلمها الله عز وجل، وأخفى ذلك عن الملائكة المقربين وعلى الأنبياء والمرسلين، فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد المرأة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في النبيان)، فذكر بعض أشراطها وعلاماتها، ولم يذكر جميع الأشراط والعلامات، وإنما ذكر علامات عظيمة وهي من صغائر العلامات، وأما كبرى العلامات فقد ذكرت كل علامة منها في غير ما آية وحديث.

حديث الأعرابي السائل عن الساعة

حديث الأعرابي السائل عن الساعة الحديث السادس: (أتى أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فناداه بصوت جهوري: يا محمد! فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام بنحو من صوته: هاؤم -يعني: ماذا تريد- قال: يا محمد! متى الساعة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: ويحك! إن الساعة آتية لا ريب فيها). فلم يجبه على سؤاله تحديداً، وإنما دله على الأهم من ذلك، وبين له أنها آتية لا ريب فيها، فقال: (فما أعدت لها؟)، أي: هذا هو المطلوب منك. (فقال الرجل: ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله). ومعنى قوله: (ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام) أي: من النوافل، وأما الفرائض فلابد من الإتيان بها، قال: (ولكني أحب الله ورسوله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فما فرح الصحابة بحديث فرحهم بهذا الحديث). وأشهدكم أنني أحب الله ورسوله، وأحب أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً. يقول الحافظ ابن كثير: وفي هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم، وهو الاستعداد لوقوع ذلك، والتهيؤ له قبل وقوعه ونزوله وإن لم يعرفوا تعيين وقته.

حديث سؤال الأعراب عن الساعة

حديث سؤال الأعراب عن الساعة الحديث السابع: أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة، فينظر إلى أحد إنسان فيهم فيقول: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم). وبعض أهل العلم استندوا إلى هذا الحديث في تعيين وقت قيام الساعة، وليس الأمر كذلك، وإنما المعنى: قامت عليكم أنتم -أيها المخاطبون- ساعتكم؛ ليدل على أن المراد بالساعة هنا ساعة المخاطبين، وكما يقول أهل العلم: من مات قامت قيامته الصغرى. فهذا الحديث له تعلق بآجال المخاطبين لا بعمر الأمة ولا بآجال الأمم، وإنما بأعمار المخاطبين، ولذلك قال الحافظ: إنما يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة. وبمعناه كذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أنس: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يعش هذا الغلام فعسى ألا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة) ولهذا الحديث طرق متعددة في الصحيحين، وفيها أن هذا الغلام إنما كان من البادية، وقيل: إنه من أزد شنوءة، وقيل: إنه غلام المغيرة بن شعبة، وذهب بعض أهل العلم إلى تعدد الحوادث، وذهب الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله إلى أنه لا مانع أن يكون الغلام أصله من البادية وقد خدم المغيرة بن شعبة وهو من أزد شنوءة، فجمع بين الروايات المختلفة بهذا الجمع، فجزاه الله خيراً. والإطلاق في هذه الطرق محمول على التقييد الوارد في حديث عائشة: (قامت عليكم ساعتكم)، أي: ساعة المخاطبين. ويؤيده كذلك ما أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: (تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله؟!) وهذا سؤال استنكار. (تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله؟ وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة). فبعض أهل العلم نظر إلى ظاهر هذا الحديث وقال بقرب الساعة اعتماداً عليه، وليس الأمر كذلك، وهذا الحديث إنما تكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم على قرنه، وأنه منذ ذلك اليوم لا يعيش أحد مائة عام، فلابد أن يفنى جميع أهل القرن ممن عاش في ذلك اليوم وفي تلك اللحظة، وأنه لن يعيش منهم أحد قرناً كاملاً بعد ذلك اليوم، ولذلك قال: (وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة). وقد فهم ذلك عبد الله بن عمر، فقد روى الشيخان أنه قال: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم انخرام ذلك القرن.

سبب نزول قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)

سبب نزول قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) الحديث الثامن: أخرج وكيع في (الزهد) من حديث طارق بن شهاب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف:187]). وكذلك أخرجه النسائي، قال الحافظ ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي. فهذا النبي الأمي سيد البشر وخاتم الرسل قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، فقال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]، وأنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه. قال الحافظ ابن كثير: وأكابر أولو العزم من الرسل ليس عندهم علم عن الساعة على وجه التعيين، وإنما تكلموا جميعاً عن أشراطها وعلاماتها.

حديث مفاتح الغيب الخمسة

حديث مفاتح الغيب الخمسة الحديث التاسع: أخرج الشيخان من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34])، وأخرجه أحمد من هذا الطريق بلفظ: (أوتيت مفاتح كل شيء إلا الخمس)، فالنبي عليه الصلاة والسلام نفى عن نفسه علم الساعة، بل علم الأرحام والكسب والموت، وغير ذلك، وهذا -بلا شك- دون علم الساعة، فقال: (أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس، ثم تلا الآية السابقة). وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير خمس، ثم تلا الآية). وسند ابن مسعود حسن.

حديث الإخبار عما لا يعلمه إلا الله من العلم

حديث الإخبار عما لا يعلمه إلا الله من العلم الحديث العاشر: أخرج الإمام أحمد عن رجل من بني عامر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه استأذن على رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: أألج؟). وهذا من سوء الأدب في الاستئذان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لخادمه له: (اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان، فقولي له فليقل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن لي، فدخلت فقلت: بم أتيتنا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لم آتكم إلا بخير). وما وجد النبي عليه الصلاة والسلام خيراً إلا وقد دلنا عليه، ولو كان علم تحديد الساعة خيراً لأخبرنا به. (قال: أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تدعوا اللات والعزى -أي: ألا تشركوا بالله شيئاً- وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات، وأن تصوموا من السنة شهراً، وأن تحجوا البيت، وأن تأخذوا الزكاة من أغنيائكم فتردوها على فقرائكم، قال الرجل: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: قد علمني الله عز وجل خيراً، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل). وهذا يدل أيضاً على أن العلم علمان والغيب غيبان: غيب أطلع الله عز وجل رسله عليه، وغيب استأثر به في علم الغيب عنده. (قال: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: قد علمني الله عز وجل خيراً، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34]، إلى آخر الآية). وهذا يدل على أن علم الساعة على جهة الخصوص مما استأثر الله تبارك وتعالى به، فلا يجوز الخوض فيه. قال ابن كثير: إسناد هذا الحديث صحيح. وقال مجاهد: هي مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59]. وقال قتادة: هي أشياء استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة. وهذه هي عقيدتنا، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر أو ليل أو نهار، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلاً أو نهاراً، ولا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، أو هو شقي أم سعيد، أو خير هو أم شر، ولا تدري يا بن آدم متى تموت، فلعلك الميت غداً، أو المصاب غداً، وليس أحد من الناس يدري مضجعه من الأرض أفي بحر أم بر، أو في سهل أو جبل، وقد جاء في الحديث الصحيح: (إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة). وفي رواية ابن ماجه بزيادة: (فإذا بلغ أقصى أثره توفاه، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب! هذا ما استودعتني).

حديث الإخبار عن وقوع الساعة يوم الجمعة

حديث الإخبار عن وقوع الساعة يوم الجمعة الحديث الحادي عشر: أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس هو يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة). والدعاوى الفارغة التي تظهر في الصحف والمجلات ويروجها الفساق والملاحدة والزنادقة ما بين الحين والحين من أن الساعة ستقوم يوم 17 فبراير أو يوم الإثنين القادم أو يوم السبت بعد القادم، قد عاصرناها، ومصدرها بلاد الكفر، يروجونها ليشوشوا بها عقائد المسلمين، وليس لنا عذر في ترك التعلم، وخاصة ما أوجب الله تبارك وتعالى علينا تعلمه من أمر الغيب الذي تعلق بالساعة، فنؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنها تقوم في يوم جمعة، وتقوم في النهار دون الليل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس). واليوم يطلق في اللغة والاصطلاح على النهار دون الليل، فقال: (ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة). فهذا دليل على أن الساعة تقوم في يوم جمعة، وأما أي جمعة فهذا ما استأثر الله تبارك وتعالى به، وقد ورد في بعض الروايات والطرق: (إن كل شيء يشفق في صبيحة الجمعة حتى ممسى اليوم من أن تقوم الساعة في ذلك اليوم إلا الإنس والجن)، وفي رواية ضعيفة عند أبي نعيم: (لا تقوم الساعة إلا نهاراً)، ويغني عن هذه الرواية الضعيفة ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: (خير يوم طلعت عليه الشمس)، فاليوم كاف في إثبات أن القيامة إنما تقوم في النهار دون الليل. قال شيخ الإسلام ابن القيم حول سؤال من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ما أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه): لا جواب لهذه المسألة؛ لأنه إن أراد أقصى مدة الدنيا وانتهائها فلا يعلمه إلا الله. وإن أراد أقصى ما نحن منتهون إليه بعد دخول الجنة والنار فلا تعلم نفس أقصى ما تنتهي إليه من ذلك، وإن كنا ننتهي إلى نعيم وجحيم، ولهذا لم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم على سؤاله. هذا ما أردت بيانه في عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالغيب الذي استأثر الله تبارك وتعالى بعلمه، وأكتفي بذكر ما أوردت من أدلة خشية الملل والطول، وما ذكرت فيه غنية وكفاية. لا يجوز لأحد أن يخوض في شيء من علم الغيب الذي استأثر الله تبارك وتعالى به، لا بالقول ولا بالفعل ولا بالتصنيف وتشويش عقائد المسلمين، وإنما عليه أن يقف، ويسعه ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم ووسع الرسل جميعاً وعباد الله العلماء والصالحين منهم، ويتوقف ويقول: آمنت بالله ورسله. نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم التوفيق والهداية والسداد.

الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [2]

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [2] الابتعاد عن فهم أهل العلم سبب للوقوع في الخطأ والزلل، وفيما لا يحمد عقباه، وهذا هو ما وقع فيه مؤلف كتاب عمر أمة الإسلام، فقد خالف منهج العلماء في الفهم والاستدلال، وخاض في قضايا الغيب وما لا علم له به، وحاول تطويع النصوص لمراده، فأبان بذلك عن فساد منهجه وفهمه، ووقع فيما نهي عنه من الخوض في الغيبيات.

سبب الرد على كتاب عمر أمة الإسلام

سبب الرد على كتاب عمر أمة الإسلام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. الله تبارك وتعالى علمنا العدل والإنصاف، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالنصح، فقد ثبت في حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). ويعلم الله أننا ما تطرقنا للرد على هذا الكتاب، وما فكرنا في هذا إلا من باب النصيحة بعد أن عم خطره في نظرنا، ولما كان الإنصاف والعدل من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه نقول: إن الله تبارك وتعالى لما ذكر أهل الكتاب -خاصة اليهود وهم شر خلق الله على الإطلاق، بل شر من الخنازير والقردة- أثنى على بعضهم ونعى على الكثرة، فقال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، فذكر محاسنهم أولاً، ثم ذكر مساوئهم فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:90]، وقال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. فهذه الآيات والنصوص توقفنا عن أن نظلم أو نجور، فليس قصدنا فضح الكاتب، ولا سبه والشماتة فيه، وإنما هي محاولة لإظهار الحق في نظرنا. هذا الكتاب لم يخل من فوائد، ولما سألنا الكثير من الطلاب عن هذا الكتاب قلنا: هو في الجملة كتاب جيد، إلا الفصل الفلاني وإلا الباب الفلاني، فلم نعمم الحكم ولم نطلقه، وإنما قيدنا كلامنا بما هو منتقد عند أهل العلم. وهذا الكتاب -بلا شك- قد حمل التخويف والتهديد، كما أنه رغب في الآخرة بعمل الصالحات والطاعات، وحذر من قرب الفتن والساعة، وهذا باب في التخويف جيد، فلا شك أنه يزهد الناس في دنياهم ويقربهم من رب العالمين، ومن كل طاعة تؤدي إلى مرضاته سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا قصد عظيم للمصنف، وهو حسنة للمصنف. وكذلك من الحسنات أنه نبهنا على أن العدو متربص بنا في كل وقت وحين، وهذا لفت نظر منه جيد ومتين؛ لأن الخير والشر يتناطحان إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يسكت عنك الشيطان، ولذلك حذرك إلى ما يحاك من حولك خاصة من جهة اليهود والنصارى، وعلى جهة الخصوص من جهة اليهود.

أدلة مصنف عمر أمة الإسلام على قرب الساعة وتحديد وقوعها

أدلة مصنف عمر أمة الإسلام على قرب الساعة وتحديد وقوعها وأما المثالب فإنه لما أراد المصنف الاستدلال على قرب الساعة اعتمد في ذلك على حديثين أخرجهما البخاري في صحيحه: الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا). والعجز هنا بمعنى الترك والإباء والعناد وعدم الإيمان، (فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا -أي: ثم كفروا- فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب)، والراجح أنهم اليهود؛ لأنه في رواية البخاري في كتاب التوحيد قال: (فقال أهل التوراة)، (فقال أهل الكتاب: أي ربنا! أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً، ونحن كنا أكثر عملاً؟ قال: قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء). والحديث الثاني: حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه، قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوماً يعملون له عملاً إلى الليل -يعني: من أول النهار إلى الليل- فعلموا إلى نصف النهار)، وهذا تبينه الرواية الأولى: (فعجزوا)، أي: لما بلغوا إلى منتصف النهار عجزوا وامتنعوا عن العمل: (فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك -أي: ننصرف ولا نريد أجراً- ولكن دعنا ننصرف، فاستأجر آخرين، فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا -أي: عجزوا، وامتنعوا عن العمل، وقالوا للذي استأجرهم: لك ما عملنا- ولا نريد أجراً، ولكن دعنا ننصرف، فاستأجر قوماً فعملوا بقية يومهم -أي: على الشرط الذي شرط عليهم- حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين)، أي: وأخذوا أجر الفريقين الذين شرط المؤجر لهم من أول الأمر.

ذكر الأبواب التي أخرج فيها البخاري الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب الساعة

ذكر الأبواب التي أخرج فيها البخاري الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب الساعة قبل أن نتطرق لفهم المصنف أو الكاتب إلى المعنى العام والشرح العام لهذين الحديثين لابد أن نعرج على هذين الحديثين كما أخرجهما البخاري في صحيحه في أي الكتب والأبواب أخرجهما، وقيمة هذه الفائدة أن أهل العلم قالوا: إن وضع الحديث تحت باب معين يدل على أنه من جنس ذلك الباب، ومن الخبل وضع الحديث تحت باب لا يناسبه. فلو أنك أردت أن تبحث -مثلاً- عن حديث وصف عثمان رضي الله عنه لصفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام لبحثت عنه في باب الوضوء، ولو بحثت عنه في كتب الفتن أو الفضائل فليس عندك رائحة العلم؛ لأن هذا الحديث لا علاقة له بالفتن ولا بالفضائل، وإنما علاقته بأحكام الوضوء، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن تبحث عنه في كتب الوضوء من كتب السنة. والإمام البخاري الذي استدل أهل العلم على عظيم فقهه من مجرد تبويبه ووضعه الأحاديث تحت الأبواب المناسبة لها لم يفهم من هذه الأحاديث ما فهمه المصنف، فالإمام البخاري روى الحديث في أبواب متعددة، فرواه في كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، وعلاقة الحديث بهذا الباب واضحة، فوقت العصر ممتد إلى غروب الشمس، ويبينه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فالإمام البخاري لم يورد هذا الحديث في كتاب الفتن، وإنما أورده في كتب الفقه، وأورده في كتاب الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار، وباب: الإجارة إلى صلاة العصر، وباب: الإجارة من العصر إلى الليل، وهذا هو الذي يدل عليه ظاهر حديث أبي موسى الأشعري الحديث الثاني. وأورده كذلك في كتاب الأنبياء، باب: ما جاء عن بني إسرائيل. فأورد الحديث هناك ليدل على أن بني إسرائيل قوم غدر وخيانة وظلم وتعد واستنكاف وامتناع عن الائتمار بأوامر الله عز وجل، ويدل عليه قوله: (فعجزوا)، فاليهود عجزوا في منتصف النهار، والنصارى عجزوا في العصر، بمعنى: امتنعوا ولم يؤمنوا، وأورده كذلك في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل القرآن على سائر الكلام، أي: فضل القرآن على التوراة والإنجيل. قال الحافظ ابن حجر في الجزء التاسع صفحة (67): وهذا الحديث يدل على ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وثبوت الفضل لها إنما ذلك بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به، كما أورده كذلك في كتاب التوحيد، وهو في المجلد الثالث عشر، باب في المشيئة والإرادة؛ لقول الله عز وجل: (إنما هو فضلي أوتيه من أشاء)، ولما اعترض اليهود على أن الله تبارك وتعالى كافأ أمة محمد عليه الصلاة والسلام بما لم يكافئهم به مع أنهم أطول في الزمن من أمة محمد قال: (هل غمصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: هو فضلي أوتيه من أشاء). ولذلك أورده البخاري في كتاب التوحيد، في المشيئة والإرادة. قال الحافظ ابن حجر في المجلد الثالث عشر صفحة (451): وفي قوله: (ذلك فضلي أوتيه من أشاء) إشارة إلى جميع الثواب، لا إلى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال. فوضع الكاتب والمصنف هذه الأحاديث في باب الفتن وأشراط الساعة وقربها فهم غير مستقيم، ولو كان مستقيماً لسبقه إليه سلف الأمة، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يتصور أن هذا المعنى قد خفي عليه عليه الصلاة والسلام، أو على أصحابه أو على التابعين أو أتباعهم، أو علماء الأمة على وجه العموم، وظهر للأخ المصنف الذي صنف كتاب (عمر أمة الإسلام).

تأويلات العلماء لمعنى الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب قيام الساعة

تأويلات العلماء لمعنى الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب قيام الساعة من الأصول الثابتة عندنا أننا نقول: إننا -كسلفيين- نعمل بكتاب الله وسنة رسوله على فهم سلف الأمة، وجميع الناس يقولون: إنهم يعملون بكتاب الله وسنة رسوله، فنقول: الفرق بيننا وبينكم أننا نعمل بالنصوص من خلال فهم سلفنا لهذه النصوص، وسلفنا لم يفهموا هذين النصين كما فهمهما الأخ أمين، بل إن السلف أولوا الأحاديث التي ظاهرها يدل على تحديد حساب زمني لقيام الساعة أو قرب الأشراط أو حدوثها، ولم يستنبطوا من هذه الأدلة مفهوم العدد الحسابي، وإنما استنبطوا عدة مفهومات، وهي: أن مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس، ولا يدري أحد عمر الأمم السابقة كلها، وقد علمنا من خلال كتب أهل الكتاب أعمار بعض الأمم وليس كلها. فقال في الحديث: (مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار)، أي: أن ما بقي من الدنيا شيء يسير بالنسبة لما مضى؛ لأن ما بقي كمثل ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا شك أن هذه الحقبة الزمنية بالنسبة لبقية النهار قليلة نسبياً، ولكن مقدار القلة والكثرة لا يعلمه إلا الله. التأويل الثاني لهذه الأحاديث عند أهل العلم: الاستحقاق بعمل البعض أجر الكل، وهذا بين في هذه الأحاديث، فالله تبارك وتعالى ضاعف الثواب لهذه الأمة ما لم يضاعفه لغيرها من الأمم، ووقت العمل من العصر إلى غروب الشمس، ولو استأجرت رجلاً يعمل لك في النهار فتوقف عن العمل عند العصر فلك أن تحتج عليه بأن العمل والشرط الذي بينكما لم يتم؛ لأن إطلاق لفظ النهار يعني أن آخره غروب الشمس، وليس المراد أن العمل خاص بهذا الوقت. التأويل الثالث: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب استحق أجر من أدرك الصلاة من أولها. التأويل الرابع: أن هذه الأحاديث إنما هي لضرب الأمثال، يعني: أراد الله تبارك وتعالى وأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يضربا لنا مثلاً يقرب المفهوم، ولذلك كثر ضرب الأمثال في الكتاب والسنة، ضرب الأمثال يكون للعظة والعبرة والاتعاظ والتخويف والترغيب والترهيب وتقريب المفهوم، وفي بعض الأحيان قد لا تدرك المقصود في مسألة من المسائل إلا بضرب مثال يوضح المقال، ولذلك العرب يقولون: بالمثال يتضح المقال. فهذه الأحاديث إنما هي لضرب الأمثال التي تقرب المفهوم والمراد، وليست مرادة لحقيقتها، يعني: ليس هذا التحديد من الصبح إلى الظهر، ثم من الظهر إلى العصر، ثم من العصر إلى المغرب مقصوداً لذاته، وليس فيه تحديد الوقت، بقدر ما هو ضرب مثال فقط لتقريب المفهوم. ومعلوم قطعاً عند أهل العلم جميعاً أن الأحكام لا تؤخذ من ضرب الأمثال، ولا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل وجه. التأويل الخامس: أن المراد كثرة العمل وقلته، لا طول الوقت وقصره، وإنما كثرة العمل، فإن الشخص قد يعمل في الوقت القليل ما لا يعمله غيره في الوقت الكثير، وكذلك هذه الأمة عملت من العصر إلى المغرب أكثر مما عملته اليهود من الصبح إلى الظهر، والنصارى من الظهر إلى العصر. التأويل السادس: أن المراد الإيمان بما أمرهم الله به، فإن الله تبارك وتعالى لما بعث موسى أمر بني إسرائيل أن يؤمنوا به وأن يتبعوه، فإذا ما جاء عيسى وجب عليهم أن يتخلوا عن شريعة موسى ويتبعوا شريعة عيسى ويؤمنوا به عليه السلام، فلما جاء عيسى عليه السلام كفر به اليهود ولم يؤمنوا به، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى إذا انتصف النهار عجزوا -أي: لم يؤمنوا بعيسى- وعمل النصارى)، حتى إذا جاء محمد عليه الصلاة والسلام وقد أمروا جميعاً أن يؤمنوا به عجزوا وكفروا به وردوا دعوته وجحدوها. ولذلك قال أهل العلم: معنى هذه الأحاديث: هو الإيمان بما أمرهم الله به، فكفر اليهود بعيسى ومحمد، وكفر النصارى بمحمد، وآمن المسلمون بمحمد وعيسى وموسى، فلا شك أن الذي يؤمن بجميع الأنبياء يستحق جميع الأجر، بخلاف من كفر بنبي أو باثنين أو أكثر؛ فإن الأصل الأصيل في الإيمان بالأنبياء أن من آمن بني واحد وكفر بجميع الأنبياء لا شك أنه كافر بجميعهم، بما فيهم ذلك النبي الذي ادعى أنه قد آمن به، فلو أن واحداً من أمة محمد الآن قال: أنا أكفر بعيسى وموسى، ولكن أؤمن بمحمد فإننا نقول له: إنك قد كفرت أولاً بمحمد؛ لأنه هو الذي أمرك أن تؤمن بجميع الأنبياء، فأنت قد رددت أمره وخالفته. التأويل السابع: شدة اقتراب الساعة، يعني: هذه الأحاديث لا تدل على قرب الساعة فقط، وإنما على شدة اقترابها، ولذلك عبر الله تبارك وتعالى عنها بلفظ الماضي فقال: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1] تعبيراً عن شدة قربها، فقال: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ))، وكذلك هذه الأحاديث تدل على قرب الساعة. التأويل الثامن: تحديد عمر الأمة حسابياً، وأول من ابتدع القول بالحساب في عمر الأمم هو إمام المفسرين وسيد المؤرخين ابن جرير الطبري عليه رحمة الله، وتبعه السهيلي، ثم لما ثبت بطلان ما ذهب إليه ابن جرير الطبري أراد

شرح المصنف للحديثين اللذين استدل بهما على قرب قيام الساعة والرد عليه

شرح المصنف للحديثين اللذين استدل بهما على قرب قيام الساعة والرد عليه وقال المصنف في شرح هذه الأحاديث في صفحة (46): يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين عن مدة بقاء أمة الإسلام في هذه الحياة الدنيا بالنسبة للأمم قبلها، وأنها تمتد من صلاة العصر إلى غروب الشمس. وهذا أحد التأويلات التسعة، وليس هو قول أهل العلم قاطبة، ومدة اليهود هي الفترة من الفجر إلى صلاة الظهر، أي: نصف النهار. ومدة النصارى من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، أي: أن مدة اليهود نظير مدتي المسلمين والنصارى مجتمعين؛ لأن نصف النهار من الفجر إلى الظهر، والنصف الثاني من الظهر إلى المغرب. فعمر اليهود يساوي عمر النصارى زائداً عمر المسلمين. وقال في صفحة (48): قال الحافظ ابن حجر في كتابه القيم فتح الباري تعليقاً على أحاديث عمر الأمم ما نصه: واستدل به -أي: بالحديثين المذكورين، حديث ابن عمر وحديث أبي موسى - على أن بقاء هذه الأمة -أي: أمة الإسلام- يزيد على ألف. وقول الحافظ ابن حجر واستدل كأنه للتمريض، وكأنه قال: وقيل: إن هذا الحديث فيه من الفوائد أن مدة عمر المسلمين ما بين صلاة العصر إلى المغرب، وهذه تدل على أن عمر أمة الإسلام يزيد على ألف؛ لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين. وقال: وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من (2000) سنة. هذا الكلام مردود غير مقبول؛ لأن اتفاق أهل النقل والإخباريين على أمر بغير دليل قول مردود، وإن قبلناه فإننا نقبله من باب الاستئناس به، ولا يدري أهل النقل بالأخبار عن عمر الدنيا السابق، أو عن عمر الأمم السابقة أو حتى عن عمر أمة اليهود شيئاً؛ إذ كل ذلك ليس مسطوراً ولا منصوصاً عليه. وهب أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، فألف سنة صارت الآن في عداد اليقين، ولكنه لم يقل: ألفا سنة، وإنما قال: أكثر من ألفي سنة، فما هي هذه المدة التي عبر عنها بلفظ أكثر، هل هي ألفان ومائة أو ومائتان أو وثلاث أو وأربع أو وخمس أو وست، كل هذا يحتاج إلى دليل. وقد رجح أن هذا الأكثر مائة عام فقط بدون دليل. قال: ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة. وقال أيضاً: إن مدة عمر اليهود نظير -أي: تساوي- مدتي عمر النصارى والمسلمين مجتمعة. وقال في صفحة (49): وحيث إن مدة عمر اليهود والنصارى تزيد على ألفي سنة، ومدة عمر النصارى هي ستمائة سنة، فإذاً: بالطرح الجبري يكون عمر أمة اليهود ألف وأربعمائة سنة؛ لأنه قال: إن عمر أمة اليهود زائد عمر أمة النصارى ألفي سنة، فلما ثبت أن عمر أمة النصارى ستمائة سنة بقى لليهود ألف وأربعمائة سنة. وقال: وذكر أهل النقل وكتب التاريخ العام أن هذه الزيادة تزيد عن مائة سنة قليلاً. ولم يبين مدة هذا القليل، وهذا القول قول مردود، وأحق منه بالرد أن هذا إنما جاء في كتب التاريخ فقط، وكتب التاريخ لا علم لها بأعمار الأمم، فيبقى الموضوع من أصله ساقطاً وهابطاً. قال: إذاً: عمر أمة اليهود (1500)؛ لأن (1400) زائد (100) وزيادة قليلاً يساوي أن عمر أمة اليهود (1500) سنة وتزيد قليلاً، وحيث إن عمر أمة الإسلام يساوي عمر أمة اليهود الذي هو (1500) سنة ناقص عمر النصارى الذي هو (600) سنة، فإذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (900) سنة. وهذا ما ذهب إليه أن عمر أمة الإسلام (900) سنة. وقد وقع الإمام الطبري في هذا الفخ؛ لأنه أول من عد عمر الأمة بالحساب، واليهود هم أول من اخترع العد الحسابي في عمر الأمم، وتبعهم بعض أهل على التاريخ وعلى رأسهم الطبري فوقعوا في المحظور. يقول الكاتب بالعنوان العريض: إذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (1400) سنة تزيد قليلاً، وقد أتى بـ (1400) سنة من حديث سعد بن أبي وقاص، فإنه لما قال: إن عمر أمة الإسلام بالحساب مع عمر أمة اليهود والنصارى (900) سنة ضم إلى هذه (900) سنة (500) سنة أخرى من حديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم)، فقال عن اليوم: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، ونصف اليوم عند الله عز وجل يساوي خمسمائة سنة، فبإضافة (500) سنة إلى (900) سنة يساوي (1400) سنة، قال: تزيد قليلاً؛ لقوله: إن عمر أمة اليهود يزيد عن (1400) سنة قليلاً، فسحب هذا القليل كذلك على عمر أمة الإسلام حتى يستقيم له الحساب الجبري. ثم قال: مضى من هذا القليل (30) عاماً. وللسيوطي رسالة بعنوان: (الكشف عن تجاوز هذه الأمة الألف)، ورغم أنه إمام وعلم مبجل إلا أنه في السنة على جهة الخصوص حاطب ليل، فهو جمّاعة، وليس من المحققين، وقال في رسالته (الكشف): الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على الألف ولا تبلغ الزيادة (500) أصلاً، والسيوطي مات في القرن العاشر سنة (911هـ). وقد عضد المصنف كلامه بكلام الحافظ

تحديد المصنف لعمر أمة الإسلام والرد عليه

تحديد المصنف لعمر أمة الإسلام والرد عليه قال: إن عمر أمة الإسلام هو منذ بعثة محمد وإلى أن تقوم الساعة. فلو قلت: إن سنة (1500هـ) هي لحظة قيام الساعة فهذا هو معنى كلام المصنف في صفحة (43): إن عمر أمة الإسلام هو منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة. ثم يضرب ضربة أخرى حتى لا تمسك عليه الضربة الأولى فيقول: أو بالتحديد إلى أن تأتي ريح لينة من قبل اليمن فتقبض نفس كل مؤمن، ويكون ذلك بعد موت عيسى بن مريم عليه السلام. وهذه الريح اللينة من علامات الساعة الكبرى، وهي من علم الغيب، فتحديد الزمن من زمن البعثة إلى وقت هذه الريح اللينة التي تقبض كل عبد مؤمن بـ (1500) سنة هذا كلام في الغيب، وهذا لا يجوز. ونقول له: هذه الريح اللينة هي أول العلامات أو وسطها أو آخرها؟ فلابد أنه سيقول: إنها ليست آخر العلامات؛ لأن هذه الريح اللينة لا تقبض جميع الخلق ثم تقوم الساعة بعد ذلك، وإنما تقبض روح كل عبد مؤمن فقط، ويبقى شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة. ثم كلمة (يبقى شرار الخلق)، كم يبقون؟ الله أعلم. وهو قد اعتمد على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (المدة بين أن تطلع الشمس من مغربها وإلى قيام الساعة مائة وعشرون عاماً). فنقول: هل هذه الأعوام كأعوامنا، وأيامها كأيامنا؟! وعلى افتراض أنها كذلك فهل صح هذا الخبر مرفوعاً؟ A لا. وقد رجح المؤلف هنا أنه من قول عبد الله بن عمرو؛ لأنه اطلع على نقد أهل الحديث لهذا الحديث، وأنه لم يصح مرفوعاً، فقال بوقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص. ونقول له: وعلى فرض صحته موقوفاً على عبد الله بن عمرو فإن أهل العلم يقولون: لا يجوز الاعتماد على خبر في الغيبيات -أي: في العقائد- موقوفاً إلا بشرط أن يكون الآخذ أو الراوي لهذا الحديث ليس من أحبار ورهبان أهل الكتاب ثم أسلم بعد ذلك؛ لأن غالب الظن أنه ينقل عن أهل الكتاب، وألا يكون ممن أخذ عن أهل الكتاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص معروف أنه كان يروي عن أهل الكتاب كـ كعب الأحبار ووهب بن منه وعبد الله بن عباس، وغيرهم، فالجميع كان يروي عن أهل الكتاب. فلا يؤمن أن يكون عبد الله بن عمرو بن العاص أخذ هذا التحديد الزمني عن أهل الكتاب، فضلاً أنه لم يصح فيه خبر في كتاب الله ولا في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا الدليل الذي اعتمد عليه المؤلف دليلاً ساقطاً لا يجوز اعتباره والاحتجاج به في هذا المقام.

مثالب كتاب عمر أمة الإسلام

مثالب كتاب عمر أمة الإسلام

إبراز الأمور الظنية في صورة اليقين

إبراز الأمور الظنية في صورة اليقين ومن المساوئ والمثالب التي يمكن أن توجه على سبيل الإجمال لهذا الكتاب: أن الكاتب ذكر فيه أموراً ظنية وأبرزها في صورة اليقين، وأن الحرب التي تكلم عنها في صفحة (35) إلى (37)، وهي المعروفة بحرب هرمجدون تكلم عنها كأنها واقع مشاهد الآن، وأنها تسبق السلام المشوه المزعوم الذي نسمع عنه الآن مع اليهود والنصارى، فقال: هذه الحرب إنما يسبقها ذلك السلام المشوه. ونقول له: وما علمك بهذا؟ ويقول: حرب هرمجدون هذه حرب عالمية مدمرة، وهي حرب تدور على أرض فلسطين في واد يسمى وادي مجيدو، وبعضهم يسميه وادي عبد المجيد. وهذه الحرب يسميها المؤلف الحرب المدمرة التي لا تبقي ولا تذر. ثم يقول بعد ذلك: إنها الحرب التي يسبقها السلام المشوه -أي: الآن- الذي نسمع عنه في كل وقت وحين. ثم يقول: إن هذه الحرب هي حلقة الوصل بين الحقبة الزمنية التي نعيشها وبين ظهور المهدي. وكأنه يريد أن يقول: بعد هذه الحرب مباشرة سيظهر المهدي المنتظر. ثم يقول: إنها بداية النهاية. فجعلها من العلامات الكبرى التي تساوي الخسف والزلازل التي تسبق قيام الساعة. فهذه الحرب لما تكلم عنها تكلم عنها وكاد أن يحدد وقتها؛ لأنه حدد أنها بعد السلام المشوه وقبل ظهور المهدي، أو أن المهدي يظهر بعدها، ويشعرك كأن هذه الحرب في هذه الأيام، وإبراز هذه الحرب في صورة يقينية أمر يعاب الكاتب عليه؛ لأنها كلها ظنون؛ لأنها محل اجتهاد، وهو لم يعبر عنها بالظن، وإنما عبر عنها بألفاظ تدل على اليقين. والاحتمال واسع يقبل ويرد كما ذكرنا ولا يعاقب صاحبه، فلو أخبرك شخص أن حرباً ستدور غداً، وقال: أنا أتوقع أن تدور على أرض فلان حرب في الغد لقلنا: يحتمل أن تقع ويحتمل ألا تقع، وأما هو فقد أكد أن هذه الحرب ستدور في واد مجيدو، وأنها ستدور بين فلان وفلان، وهذا على سبيل الجزم، وهو مما يعاب عليه. ثم لما تكلم في أمر المهدي المنتظر قال: المهدي عليه السلام. وأهل العلم لا يقولون المهدي عليه السلام؛ لأن إطلاق لفظ عليه السلام يدل على أنه نبي مرسل، وليس الأمر كذلك، بل هو رجل من الصالحين يصلح الله تبارك وتعالى به الدنيا والدين. ولما تكلم المصنف عن المهدي تكلم بكلام في غاية الخطورة، فقد نفى أن يكون هناك خير قبل ظهور المهدي، وكأنه أراد أن يقول لك: أرح نفسك، فلا يوجد خير قبل وجود المهدي، فلا تنتظر خلافة ولا تمكيناً ولا عملاً للإسلام ولا شيء من هذا. ثم يقول في مكان آخر: ولست بهذا أقول، ولا أدعو أن ندع العمل، بل لابد من العمل، وكل ميسر لما خلق. وهذا الكلام الذي قاله محتمل، يعني: يحتمل ألا يكون هناك خير بمعنى الخلافة الراشدة إلا في ظل المهدي، ويحتمل أن يكون ذلك قبل ظهور المهدي، ولكنه في معظم مواطن الكتاب يائس تماماً من حصول الخير والرشاد والخلافة الراشدة في الأرض إلا على يد المهدي، وكأنه يريد أن يقول لك: أرح نفسك لا يوجد خير أبداً، ولا تنتظر شيئاً؛ لأن ذلك لا يكون إلا بظهور المهدي، ثم يقول لك: ولكن انتبه، فلا يحملك هذا على ترك العمل، بل اعمل حتى تعذر.

تبني الأقوال الضعيفة في تفسير الأحاديث

تبني الأقوال الضعيفة في تفسير الأحاديث الأمر الثاني: أنه لما سرد أحاديث عمر أمة الإسلام بزعمه تبنى في تأويلها أضعف الأقوال وأخفى أقواها، وهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء، فقد تبنى التأويل الحسابي، وجعله راجحاً بدون مرجح، في حين أن الصواب عندما يكون عندي في دليل واحد عدة آراء واحتمالات، وأردت أن أختار رأياً منها، فلابد أن يكون هذا الرأي من الآراء الراجحة أو -على أقل- أن يكون رأياً من الآراء غير المنقوضة، ولا يجوز لي أن أقول: إن هذا الرأي بعينه هو الرأي الراجح إلا إذا كان هناك مرجح يؤيد كلامي. والترجيح بغير مرجح عند أهل العلم تحكم بلا دليل، والتحكم بغير دليل ساقط لا عبرة به. والكتاب فيه أمور ظنية كثيرة، وقد جعلها المصنف يقينية قطعية، كهرمجدون وتأويل النصوص وقيام حرب قبل الساعة وانتهاء أشراط الساعة الصغرى، وكاد المؤلف أن يجزم أن كل أشراط الساعة قد ظهرت، مع أن أهل العلم لا يزالون يعتقدون أن العلامات الصغرى منها ما قد ظهر ومنها ما لم يظهر، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد في حديث واحد أن العلامات هي كذا، ثم كذا ثم كذا، ولا حتى وردت نصوص في العلامات الكبرى فضلاً عن الصغرى، فكيف يجزم هو بأن جميع العلامات الصغرى قد ظهرت وفرغ من أمرها، حتى ننتظر بعد ذلك العلامات الكبرى؟! وما هي المدة الزمنية بين انتهاء العلامات الصغرى والعلامات الكبرى؟! هذا أيضاً غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. وظهور العلامات الكبرى من جنس الغيب، فإذا قال المؤلف: إنني أتكلم عن عمر أمة الإسلام قلنا له: هذا من الغيب، فلا يجوز لك أن تتكلم عن الساعة ووقتها وتحديدها، وهو ينفي في مواضع من كتابه أن يتكلم عنها، ثم يقرر ذلك، كما قرأت عليكم قوله: (إن عمر أمة الإسلام إنما هو بظهور تلك الريح التي تقبض روح العبد المؤمن)، وهذا كلام أيضاً ساقط وهابط؛ لأن عمر الأمة لا ينتهي عند هذا الحد؛ لأنك إذا قلت هذا يلزمك أن تقول: إن شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ليسوا من أمة محمد، وعلى هذا يلزمك أن تعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق خلقاً ولم يبعث إليهم رسولاً ولا نبياً، فهم معذورون؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يرسل إليهم رسولاً ولا نبياً، والحديث قد وصفهم أنهم من شرار الخلق، وليس هناك من أهل العلم من يقول بهذا، فلابد أن تقول: إن هؤلاء القوم الأشرار هم من أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وليسوا من أمة اليهود؛ لأن المؤلف ذكر أن حرب هرمجدون ينتهي فيها ثلثي اليهود والنصارى، ثم بظهور المهدي يتخلص من الثلث الثالث. إذاً: شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة هم من أمة محمد، وأما القول بأنهم ليسوا من أمة محمد فهذا يلزم منه الدور، وهذا أمر بعيد.

تعويل المصنف على أقوال أهل الكتاب

تعويل المصنف على أقوال أهل الكتاب ثالثاً: وما يعاب على الكتاب: أنه عول في المسألة التي ظهر له فيها الخلاف أو الاحتمال على أقوال أهل الكتاب، فلو أنك نظرت وقرأت في الكتاب بعين الفحص والتمحيص لوجدت أنه في غالب الأبواب يعتمد على كلام أهل الكتاب، وهذا عيب أيما عيب؛ لأن اللجوء إلى الاعتماد على كلام أهل الكتاب مثلبة عظيمة جداً لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه السلام لما وجد الصحابة يتحرزون كل التحرز من نقل كلام أهل الكتاب أو أنهم امتنعوا أن يروون أي شيء عنهم. قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، فلما رآهم متحرجين قال: (لا حرج) في التحديث عنه، ولكنه قيد ذلك بقيد أهم من الإباحة، فالأولى ألا نصدقهم وألا نكذبهم، فقال: (إذا حدثتم عن بني إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم). (فلا تصدقوهم) لاحتمال أن تكون هذه الرواية مما دخلها التبديل والتحريف الذي صنعه أهل الكتاب. (ولا تكذبوهم) لاحتمال الصدق، فنفى أن نصدقهم ونفى أن نكذبهم. والمؤلف هنا في أغلب الأبواب يستشهد بكلام أهل الكتاب، ونحن نقول: إنه لا يجوز له أن يستشهد بكلام أهل الكتاب ولا يستأنس به، ولو قرأت في حرب هرمجدون وحساب عمر أمة الإسلام فإنك تجد عجباً، فقد كاد المؤلف يعتمد اعتماداً كلياً على كلام أهل الكتاب، فمثلاً: في كتاب حرب هرمجدون يقول في صفحة (36): وجمعت الأرواح الشيطانية جيوش العالم كلها في مكان يسمى هرمجدون. هذا في الإنجيل صفحة (388). وجاء في كتاب البعد الديني في السياسة الأمريكية أن سبعة من رؤساء أمريكا يؤمنون بمعركة هرمجدون. ويقول رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق: إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون. ويقول: كل شيء سوف ينتهي في بضع سنوات، وستكون المعركة العالمية الكبرى معركة هرمجدون أو سهل مجيدو. ويقول جيمي سواجارت وهو من القساوسة الكبار: كنت أتمنى أن أستطيع القول إننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إن هرمجدون قادمة وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إنها قادمة، إنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، إن ذلك لن يحقق شيئاً، هناك أيام سوداء قادمة. وغير ذلك من الأقوال، وينقل عقائد اليهود وعقائد النصارى، ويعتمدها في هذه الأمور التي اعتبرها هو يقينية وليست ظنية. وذهب إلى ذلك أيضاً في حساب عمر أمة الإسلام، في صفحة (51) يقول: جاء في الإنجيل الرسالة الأولى أما مسألة الأزمنة والأوقات المحددة فلستم في حاجة لأن يكتب إليكم فيها؛ لأنكم تعلمون يقيناً أن يوم الرب سيأتي كما يأتي اللص في الليل، فبينما الناس يقولون: حل السلام والأمن، ينزل بهم الهلاك المفاجئ كالمخاض الذي يدهم الحبلى، فلا يستطيعون أبداً أن يفلتوا. ويقول نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق: في عام (1999م) نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم، وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح. فالنصارى واليهود يؤمنون الآن بما يسمى العيد الألفي، ويعتقدون أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل على رأس كل (1000) عام فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، فلما خذلهم عيسى عليه السلام، بل خذلهم الله تبارك وتعالى في الألف الأول فهم يستعدون لنزول عيسى على رأس الألف الثانية، أو في نهاية الألف الثانية، وهذا يسمى عند اليهود والنصارى بالعيد الألفي، ومعناه عندهم: أن عيسى ينزل على رأس كل (1000) سنة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ويقول روبارت ديسون: إن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أن مع مولد إسرائيل أخذت بقية التنبؤات تتحقق بسرعة. وهذا الكلام الذي ساقه المؤلف هنا وغيره يدل على خطورة عظيمة جداً، وهي أن الكاتب اعتمد على كلام أهل الكتاب واستشهد به. وكلام أهل الكتاب لا يعد باباً من أبواب الحكم أو الدلالات، وليس مصدراً من مصادر التشريع ولا مرجحاً عند النزاع. والكاتب اعتبر أن كلام أهل الكتاب مرجح عند النزاع، ولذلك لما ذكر حديث أبي موسى الأشعري وحديث عبد الله بن عمر قال: ومن العجب أنك تجد في التوراة والإنجيل ما يوافق هذين الحديثين! فجعل كلام أهل الكتاب مرجحاً لما اختاره هو من بين الآراء التسعة لأهل العلم. وهذا كلام ساقط وهابط، ولا يمكن أبداً اعتماده، ولا يصح أن يقال هنا: إنه اعتمد على ما في كتب أهل الكتاب على سبيل الاستئناس لا الاستشهاد؛ لأنه احتج به واعتبره في معرض الترجيح بين عدة تأويلات في المسألة الواحدة، ورجح من هذه التأويلات التأويل الحسابي مع أنه أضعف التأويلات عند أهل العلم، وإن أردت الإجمال والتفصيل في تأويلات أهل العلم فارجع إلى فتح الباري الجزء الرابع صفحة (448 - 449)، ومن أنفع ما كتب في هذا الأمر هو كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه (فتح الباري) (الجزء الرابع) من صفحة (333) حتى صفحة (35

ردود العلماء على من حسب عمر أمة الإسلام بالعد الحسابي

ردود العلماء على من حسب عمر أمة الإسلام بالعد الحسابي

رد القاضي عياض على من قال بالعد الحسابي

رد القاضي عياض على من قال بالعد الحسابي وقد رد أهل العلم على ابن جرير الطبري والسهيلي والسيوطي الذين قالوا بالعد الحسابي، وحسبوا عمر أمة الإسلام من خلال العد الحسابي. قال القاضي عياض وهو يتكلم على حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين. وأشار بالسبابة والوسطى): حاول بعضهم في تأويله -أي: في تأويل هذا الحديث- أن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة؛ لأنه قد روي عن ابن عباس مرفوعاً أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وجاء هذا عن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه، والثلاثة إنما كانوا يأخذون من أهل الكتاب، كما أن هذه الآثار والأحاديث لم يصح منها شيء، لا مرفوع ولا موقوف، وهذا لما كان من أصول الغيب فلا يجوز الخوض فيه إلا بدليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم، فلما انتفى ذلك لابد وأن ينتفي الكلام في عمر الدنيا وفي عمر الأمة. ولهذا الطبري اعتبر حديث ابن مسعود أصلاً في حساب عمر الأمم، قال: الدنيا سبعة آلاف، وفرق ما بين السبابة والوسطى. يعني: هذا الفرق اليسير في الطول بين السبابة -وهي التي يشير بها المصلي- وبين الوسطى قال: نصف السبع، ونصف السُّبع (500)، ولذلك قال الإمام الطبري: لا تتجاوز هذه الأمة الألف، ثم لما تجاوزت الألف بعد موت الطبري جاء السهيلي وقال: ممكن أن يكون أكثر من (1000). وقال القاضي عياض: حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصح. وانتبه إلى هذا الكلام؛ لأن المؤلف اعتمد على هذا الكلام ولم يلتزم الأمانة العلمية في نقد أهل العلم لهذه الروايات المروية، بل اعتمد عليها على أنها يقين ثابت. قال: وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول، قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك، لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار، وإذا كان ذلك ثابتاً صحيحاً لم يقع خلافه، فلما وقع خلافه دل على أنه غير صحيح. وقد نقل المؤلف كلام الحافظ ابن حجر، مع أن الحافظ ابن حجر ينقل عن غيره، ولكنه نسبه إلى الحافظ ابن حجر ليعضد مذهبه ورأيه. قال الحافظ ابن حجر: وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلاثمائة سنة، وقال ابن العربي: قيل: الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها، وكذلك الباقي من الدنيا من البعث إلى قيام الساعة، وهذا بعيد، ولا يعلم مقدار الدنيا، فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول، إذا كانت الدنيا لم يصح في مقدارها وتعيينها وتحديد عمرها حديث بعينه؛ فكيف يصح لنا أن نقول: إن عمر أمة الإسلام في الدنيا نصف السبع؟! فإذا كان السبع عندنا كله غير معلوم، فكيف نقول بأن عمر أمة الإسلام نصف السبع، وهو (500) عام؟! قال القاضي عياض: فالصواب الإعراض عن ذلك، يعني: السكوت عنه.

رد الحافظ ابن حجر على من قال بالعد الحسابي

رد الحافظ ابن حجر على من قال بالعد الحسابي قال الحافظ ابن حجر: السابق إلى ذلك -أي: الذي سبق إلى العد الحسابي- أبو جعفر بن جرير الطبري، فإنه أورد في مقدمة التاريخ عن ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة (7000) سنة، وقد مضى (6100) سنة، فالباقي (900) سنة. وأورده من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه، ويحيى هو أبو طالب القاص الأنصاري قال البخاري: منكر الحديث. ثم يروي بعد ذلك حديث ابن عمر: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان -وهو اسم جبل في مكة- مرتفعة بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه)، وذكر حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وقد كادت الشمس أن تغيب -وحديث أبي سعيد: عند غروب الشمس-: إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه). وهذه الأحاديث لم يصح منها إلا حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. قال: وعلى صحة هذه الأدلة فلها احتمالات: أن المراد بالتشبيه التقريب، أي: تقريب الساعة، ولا يراد حقيقة المقدار، فبه يجتمع مع حديث أنس وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما. والاحتمال الثاني: أن يحمل على ظاهره، فيقدم حديث ابن عمر لصحته، ويكون حديث أنس وأبي سعيد مردودان. ثم أيد الطبري كلامه بحديث الباب، أي: بحديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ولفظه: (والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم). فنصف السبع في حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، يعني: (500) عام، وبإضافة ال (500) عام في حديث أبي ثعلبة الخشني إليها يكون المجموع (1000) سنة. ثم قال: من حديث سعد بن أبي وقاص: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرها نصف يوم، قيل لـ سعد: كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة). وهذا الحديث أيضاً فيه انقطاع. قال الطبري: ونصف اليوم (500) سنة، أخذاً من قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج:47]، فإذا انضم إلى قول ابن عباس: إن الدنيا (7000) سنة توافقت الأخبار، فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور (6000) سنة، وقد أورد السهيلي كلام الطبري وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد، وأكده بحديث ابن زمل رفعه: (الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها)، أي: في القرن الأخير أو في الألف الأخير. قلت: وهذا الحديث إنما هو عن ابن زميل أو ابن زمل، وسنده ضعيف جداً، وفي إسناده مجهول. ثم يقول السهيلي: ثم جوز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث ابن زمل. فقد تكلف في التأويل لإثبات ما في حديث ابن زمل، مع أنه حديث منكر أو ضعيف مردود. قال: وذكر أن عدتها -أي: عدة الحروف- (930). يقول الحافظ ابن حجر: وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف -وابن زمل مغربي- وأما المشارقة فينقص العدد عندهم (210)؛ لأن حرف السين عند المغاربة بـ (300) والصاد بـ (60)، وأما المشارقة فالسين عندهم (60) والصاد (90) -فهذا الكلام قريب من السحر- فيكون المقدار عندهم (693)، وقد مضت وزيادة عليها (145) سنة، فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل. فالحافظ ابن حجر رد العد الحسابي الأول، ثم رد العد على حساب الحروف القرآنية. قال: وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عد أبي جاد -أي: عد الحروف الأبجدية- والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر؛ وليس ذلك ببعيد، فإنه لا أصل لها في الشريعة. وقال ابن العربي: ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور، أي: ومن الباطل العد على حساب الحروف، وليست الحروف ذاتها. قال: وقد تحصل لي فيها عشرون قولاً وأزيد، ولا أعرف أحداً يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم. يقول الحافظ ابن حجر: وأما عد الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود، كما حكاه ابن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر بن أخطب وغيره أنهم حملوا الحروف في أوائل السور على هذا الحساب، واستقصروا المدة أول ما نزل: (الم)، و (الر)، وقالوا: هذا لا يمكن أ

جواب شيخ الإسلام على من تكلم في تعيين وقت الساعة

جواب شيخ الإسلام على من تكلم في تعيين وقت الساعة وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل يعلم النبي عليه السلام وقت الساعة؟ فقال: من تكلم في وقتها المعين، مثل الذي صنف كتاباً سماه: الدر المنظم في معرفة الأعظم؛ فهذا البلاء موجود منذ القدم. وذكر في هذا الكتاب عشر دلالات بين فيها وقتها، والذين تكلموا على ذلك من حروف المعجم والذي تكلم في عنقاء مغرب وأمثال هؤلاء فإنهم وإن كان لهم صورة عظيمة عند أتباعهم فغالبهم كاذبون مفترون، وقد تبين لديهم من وجوه كثيرة أنهم يتكلمون بغير علم، وإن ادعوا في ذلك الكشف ومعرفة الأسرار، خاصة وقد قال الله تبارك تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].

حكم ابن القيم على حديث تحديد عمر الدنيا بالوضع

حكم ابن القيم على حديث تحديد عمر الدنيا بالوضع وشيخ الإسلام ابن القيم تلميذ ابن تيمية قال في كتابه (المنار المنيف) في صفحة (80): ومن الدلالات الصريحة على وضع الأحاديث أن يخالف صريح القرآن، مثل حديث مقدار الدنيا وأنها (7000) سنة ونحن في الألف السابعة. قال: وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان صحيحاً لكان كل أحد عالماً أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا 251 سنة، أي: أنه باستطاعتنا أن نعلم وقت قيام الساعة بالساعة واليوم والشهر والسنة. وهذا من أبين الكذب كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن القيم.

رد ابن كثير على من حدد وقتا لقيام الساعة

رد ابن كثير على من حدد وقتاً لقيام الساعة وقال ابن كثير عليه رحمة الله: وكل ما قيل من توقع وقت قيام الساعة فهو ظن وتخمين باطل مردود على قائله؛ لمخالفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه المخالفة قد ذكرها في الفتن والملاحم فقال: لا يعلم ما مضى إلا الله، أي: مقدار ما مضى من الدنيا. وهذا يدل على عدم صحة القول بأنه قد مضى من الدنيا ستة آلاف، قال: لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل، ولا يعلم مقدار ما بقي إلا الله عز وجل، والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف أو مئات من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخبطهم فيه وتغليطهم، وهم جديرون بذلك حقيقون به. ثم قال: وكل حديث ورد فيه تحديد وقت يوم الساعة أو وقت قيام الساعة على التعيين لا يثبت إسناده.

إنكار شيخ الإسلام على الطبري والسهيلي

إنكار شيخ الإسلام على الطبري والسهيلي وقد عقب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه المقالات للسهيلي والطبري وغيرهما بقوله: وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن دين الإسلام محرمة فيه، فيجب إنكارها، والنهي عنها على المسلمين على كل قادر بالعلم والبيان واليد واللسان؛ فإن ذلك من أعظم ما أوجبه الله من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لأنه متعلق بالعلم الذي استأثر الله تبارك وتعالى به، وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل وسوس الملوك.

تحذير الشيخ صفوت نور الدين من الاشتغال بتحديد وقت الساعة

تحذير الشيخ صفوت نور الدين من الاشتغال بتحديد وقت الساعة ويقول الشيخ صفوت نور الدين الرئيس العام لأنصار السنة: فاشتغال الناس بوقت الساعة وتحديد زمان للفتن بعد أن علمنا الشرع قرب وقوعها اشتغال بما لا ينبني عليه العمل، فأنا أعرف أن أجلي سابق على الساعة، فعلي -إذاً- أن أجتهد في العمل الذي ينجيني بين يدي الله، والانشغال بالتحديد لزمان الفتن من الدجال وغيره ينبغي أن ينهى عنه أهل العلم، فلا يدخل فيه أحد؛ لأنه لا طريق للعلم به إلا الشرع، ولا دليل من الشرع، فكيف نعلمه؟! والعجيب أن تروج رواجاً الكتب التي تكتب عن ذلك وينشغل بها الكثير من الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك ما أعدت لها؟!). وذكر الأحاديث التي تدل على قرب الساعة.

وقوع علامات الساعة الصغرى لا يستلزم أن تعقبها العلامات الكبرى

وقوع علامات الساعة الصغرى لا يستلزم أن تعقبها العلامات الكبرى ومن المثالب على الكتاب من جهة التفصيل أنه من المعلوم لم يرد نص يبين أن هذه علامات صغرى بحيث يقتصر عليها ولا يلتفت إلى ما دونها أو يسقط ما دونها، وإنما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بعض العلامات، وذكر بعض النصوص التي تدل على أحداث تسبق العلامات الكبرى وهذه الأحداث التي تسبق العلامات الكبرى، لا تدل من الناحية الشرعية على قرب العلامات الكبرى، ولا تستلزم أن تعقبها العلامات الكبرى؛ لأن هذه الحرب والخسف والزلازل التي تسبق العلامات الكبرى بينها وبين العلامات الكبرى مدة من الزمان لا يعلمها إلا الله عز وجل. وقد قال العلماء: إن هذه العلامات إذا وقعت لزم من ذلك حدوث العلامات الكبرى بعد حين بزمن لا يعلمه إلا الله، وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام هي على رأس علامات الساعة الصغرى، فهو القائل: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، وهو القائل: (بعثت أنا والساعة كفرسي رهان). وقد حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه عن الدجال فخفض فيه رفع، فقام عنه أصحابه يبحثون عن المسيح الدجال في طائفة من النخل، والمسيح الدجال من العلامات الكبرى وليس أولها، ومع هذا فإن الصحابة لما حدثهم النبي عليه الصلاة والسلام عن الدجال فخفض فيه ورفع وعظم من شأنه وفخم ذهبوا يبحثون عنه في المزارع والبساتين، لعلهم يجدونه، وهذا يدل على شدة إيمان الصحابة بالغيب، فالساعة محتملة حتى في زمن النبوة، وعلامة إيمانك بالغيب أن تؤمن به الآن كما تؤمن به بعد ألف سنة، لو أن الله تبارك وتعالى أخبرك أن الجبال تسير سيراً وأن السماء تمور موراً وسمعت هذا لأول مرة فقد وجب عليك أن تعتقد أن ذلك بالإمكان أن يكون الآن. وإذا كان الله تبارك وتعالى أخبرك بأن الساعة قادمة لا محالة وجب عليك الاعتقاد أنها تقوم الآن كما تقوم بعد سنة أو عشر أو مائة أو ألف أو أكثر أو أقل، فهذه علامة إيمانك بالغيب. ولو أتاك طبيب وأخبرك بأنك ستعيش أسبوعاً، وبعد هذا الأسبوع فيحتمل أن تموت ويحتمل ألا تموت فهذا إخبار عن شيء من الغيب، ولو قلنا: إن عمر الدنيا سيبقى سبعين سنة على حساب الكاتب لكنا قد أخبرنا بشيء من الغيب. ولو قلت لك: إن عمر الأمة سينتهي بعد سبعين سنة فكأني أقول لك: ارتع والعب وعربد ما شئت، فالأمر بعيد ولا يزال، ولو قلت لشخص: إنك ستعيش ثلاث سنوات لقال لك: سأعمل في سنتين ونصف الذي أريده من الفجور والمعاصي، وبعد ذلك أتوب. والذي يخبرك بهذا لا شك أنه يخبرك بضرب من ضروب الغيب ولا يحل له ذلك. وقد ذكرنا أن أهل العلم ردوا على ابن جرير والسهيلي والسيوطي، وتبين بهذا أن الكاتب ترك الآراء التي هي محل اتفاق وذهب إلى رأي منتقد، وكذلك خان الأمانة العلمية في أنه لم يذكر أن هذا الرأي قد انتقده أهل العلم، بل إنه جعله رأياً سديداً وراجحاً وبنى عليه مسألة من مسائل العقيدة في غاية الخطورة؛ لأنها متعلقة بالساعة وأشراطها وعمر الأمة، وعمر الأمة كذلك غيب. والأمم السابقة قد انتهى أجلها، ويبقى عمر أمة الإسلام، فإذا تكلمت عن انتهاء عمر أمة الإسلام أو قرب انتهائها وجعلت لذلك علامات وأمارات فإنك تكون بذلك قد ولجت مولجاً خطيراً، وهو الكلام في أمر غيبي.

ترتيب علامات الساعة الكبرى مسألة اجتهادية

ترتيب علامات الساعة الكبرى مسألة اجتهادية إن ترتيب العلامات الكبرى محل نزاع بين أهل العلم، لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر العلامات بالترتيب، ولم يقل: سيظهر كذا، ثم كذا ثم كذا، وقد ورد في بعض الروايات عند مسلم أنه قال: إذا ظهر كذا فسيكون بعده كذا ثم كذا ثم كذا، ولكنه لم يذكر كل العلامات، فقد ذكر علامات كبرى في غير هذا الدليل، ولكن المتفق عليه أن آخر العلامات نار تحشر الناس من المشرق، وأما أول العلامات وترتيبها بعد ذلك فهو محل اجتهاد أهل العلم.

التلازم بين انتهاء عمر أمة الإسلام وقيام الساعة

التلازم بين انتهاء عمر أمة الإسلام وقيام الساعة ثم ما هو الفرق بين عمر أمة الإسلام وقيام الساعة، وقد ناقشت الشيخ محمد عبد المقصود والشيخ فضل سعيد والشيخ سيد العربي وكثيراً من أهل العلم فيما هو الفرق بين عمر أمة الإسلام وقيام الساعة؟ فقالوا: كلاهما مرتبطان، فعمر أمة الإسلام مرتبط بقيام الساعة، فإذا انتهى عمر أمة الإسلام قامت الساعة؛ لأن الساعة تقوم على شرار الخلق من أمة الإسلام، فالذي يفرق بين عمر أمة الإسلام وبين قيام الساعة فعليه الدليل.

الأثر السيء لتحديد وقت الساعة

الأثر السيء لتحديد وقت الساعة إنني أعرف أن معظم الحاضرين أتوا ليعلموا المآخذ على الكتاب، فالكتاب عندهم حلو وجميل، فجاءوا ليرون ما الذي عليه، وأنا قد ذكرت ما في الكتاب، وقد ذكر المؤلف أنه بقي على الأشراط الكبرى سبعون سنة، وهذا سلاح ذو حدين، وكلا الحدين شر، فأما شره على المتقين فهو بالتسويف، فالمتقي عندما يعرف أنه بقي له سبعون سنة يعلم أنه ما زال هناك فسحة من الوقت، وأما شره بالنسبة للظالمين أو الكافرين أو الملاحدة أو العلمانيين على جهة الخصوص فقد اتخذوا الأمر تندراً وطرفة وأضحوكة واستهزاء وسخرية فقط، فقالوا قولك: القيامة بقي لها سبعون سنة من أين أتيت بهذا الكلام، فقال: من كتب أهل الكتاب. وهذا أمر في منتهى الخطورة؛ لأن القرآن سكت عن ذلك وتكلمت عنه كتب أهل الكتاب، فيعتقد عامة الناس أن كتب أهل الكتاب أكثر انضباطاً ودقة من القرآن الكريم؛ لأن هذه الكتب قد حددت الساعة بالضبط، ولذلك نرى من يقول: إنها في سنة (2001) أو (2003) أو (2005) أو (2023)، حتى ظهر شخص من الكويت يقسم ثلاثاً أن القيامة ستقوم سنة (2023م)، وهذا إجرام وإن كان في صورة شيخ تقي إلا أنه قد فتن بالعد الحسابي حتى صار عنده هو الأصل في دين الله عز وجل، وكل شيء عنده مبني على الكمبيوتر، وأصبح العد الحسابي عنده دليلاً أصلياً ومصدراً شرعياً، وقد اختلفت الأنظار في العام الذي تظهر فيه الفتن أو الأشراط أو الساعة. ولا شك أن من تكلم بشيء من هذا فقد تكلم في الغيب شاء أم أبى. وإذا كان الهدف من رسالة أخينا الشيخ أمين تخويف الناس فهذا المعنى يناقض ما قصده وصبا إليه، وكان بإمكانه أن يلجأ إلى طريق شرعي للتخويف، وهو أن يكلم الناس عن ساعتهم لا عن الساعة الكبرى، ويكلمهم عن الموت وعن العذاب وعن القبر وعن الجنة، ويرغبهم ويرهبهم، وأما الكلام عن الساعة الكبرى التي تعم الناس فلا شك أنه من باب الكلام في الغيب، ومن علامة الإيمان بالغيب أن تؤمن بالغيب الآن كما تؤمن به بعد مئات السنين، وأن تتوقع أن يقوم الآن كما يقوم بعد عشرات أو مئات السنين.

النهي عن التكلم فيما لم يقع

النهي عن التكلم فيما لم يقع وينبغي الانتباه لباب عظيم جداً غفل عنه كثير من الناس، وهو ما صنفه العلماء في كتب العقيدة من النهي عن التحدث بالأغلوطات، وهي الافتراضات والآراء التي لم تقع بعد، وقد كان الرجل يأتي إلى أحد السلف كـ عمر بن الخطاب وغيره ويسأله في مسألة فيجيبه: أثم هو -يعني: أوقع؟ - فيول: لا، فيقول: دعنا منها حتى إذا وقعت أعاننا الله عليها. فما كانوا يتعرضون لشيء مما لم يقع وإن كان من أمور الفقه، فما بالكم بأمور الغيب؟! والأدلة على النهي عن التكلم في الغيب كثيرة جداً، يحكمها قول ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، فالتحدث في هذه الأبواب يثير الفتن والقلاقل، وما جمعنا في هذا المسجد في هذا الوقت إلا تلك الفتنة التي أحدثها أخونا الشيخ أمين. ويقول علي بن أبي طالب: (حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!) ولا شك أن المرء إذا طرحت على مسامعه شيئاً لا يستطيع أن يستوعبه فإنه يبادر بالتكذيب، أي: بتكذيب ذلك الخبر، وربما كان صحيحاً. وأبو هريرة رضي الله عنه كان له كيسان من الحديث، وقال: (أما أحدهما فقد بثثته -أي: قد حدثت به- وأما الآخر فلو حدثت به لضربتموني هاهنا. وأشار إلى حلقومه)، ولكنه حدث به بعضهم - معاذاً وحذيفة - قبل موته تأثماً، قال العلماء: كان ذلك الكيس الذي خزنه أبو هريرة متعلق بالفتن والساعة وأشراطها وأحاديث الصفات؛ لأن هذه الأمور لو طرحها على عامة الناس لأحدث فتناً وقلاقل، فمذهب السلف فيما يمكن أن ينتج عنه فتنة عظيمة تعم الناس أنهم يمسكون عنه كل الإمساك، فما بال أخينا لم يمسك عن هذا حتى بعد أن أحدث فتنة؟! وقد حدثه كثير من الناس، وأرسل إليه كثير من أهل العلم رسالات متعددة وجلسوا معه عدة مرات، وبلغني مؤخراً أنه رفض وأبى أن يستجيب لدعوة أحد للمناظرة أو للمجادلة أو لبيان الحق أو غير ذلك، وقال: أنا لا أجلس مع أحد، ثم أعقب ذلك بقوله: أنا الذي في رأسي في رأسي، والذي في رأسه شيء يضرب برأسه في الجدار، وأقسم من حدثني أنه قال ذلك، والعهدة عليه. وهذا ليس من باب النقاش العلمي، ولا حتى هذا من باب أدب طلاب العلم، وليس هذا منهجاً لأهل العلم.

الرد على مصنف عمر أمة الإسلام في كونه مسبوقا في العد الحسابي

الرد على مصنف عمر أمة الإسلام في كونه مسبوقاً في العد الحسابي والشيخ أمين يقول في رسالته: ليست مسألة الحساب بدعة، وأنه قد سبق إلى ذلك بأقوال السلف، والجواب عليه قد سبق، فقد سبق بذلك سبقاً غير مرضي ولا محمود، ومن سبقه بهذا الكلام قد رد عليه أهل العلم، فالإمام الطبري رد عليه من هو مثله وأعلى منه قدراً. فنقول: إن اعتماده على كلام الطبري والسهيلي والسيوطي ليس مرضياً ولا محموداً؛ لأنه قد ثبت بطلانه، فإن الإمام الطبري عليه رحمة الله اعتمد الحساب وقال: إن هذه الأمة لا يزيد عمرها عن ألف، وقد زاد بالفعل، فثبت تكذيبه، وكذلك ثبت تكذيب السهيلي، ويبقى تكذيب السيوطي، ثم أمين جمال الدين. إذاً: فلم يعرض الكاتب نفسه لأن يكون في يوم من الأيام كاذباً؟! فهو الآن عند الناس متنبئ؛ لأن العمر الذي افترضه لم يحن بعد، ولكنه بعد حين سيكون كاذباً كما كان سلفه الطبري والسهيلي. وهب أن القيامة قامت والأشراط تحققت قبل سنة (1500) فهذا ليس دليلاً على صدق أخينا الشيخ أمين أو السيوطي؛ لأنهما يخبران عن الغيب وهذا لا يجوز في حقهما، والطبيب إذا أعطاك الدواء وقال له: إنك ستشفى به بإذن الله؛ فلا يعني ذلك أن الطبيب كان على يقين جازم أن الشفاء سيتحقق عن طريق هذا الدواء، فالدواء سبب، وقد يتخلف السبب عن المسبب والمسبب عن السبب، فلو أن القيامة قامت قبل العام الذي حدده السيوطي ومن بعده الشيخ أمين فليس في هذا دليل على مصداقيتهما أبداً، وليس فيه كذلك صحة هذه النبوءة، وإنما نقول: إن الذي يتكلم في أمر الساعة أو أشراطها أو عمر هذه الأمة إنما يتكلم رجماً بالغيب، ولا يجوز له ذلك.

الأسئلة

الأسئلة والشيخ أمين يقول في رسالته: ليست مسألة الحساب بدعة، وأنه قد سبق إلى ذلك بأقوال السلف، والجواب عليه قد سبق، فقد سبق بذلك سبقاً غير مرضي ولا محمود، ومن سبقه بهذا الكلام قد رد عليه أهل العلم، فالإمام الطبري رد عليه من هو مثله وأعلى منه قدراً. فنقول: إن اعتماده على كلام الطبري والسهيلي والسيوطي ليس مرضياً ولا محموداً؛ لأنه قد ثبت بطلانه، فإن الإمام الطبري عليه رحمة الله اعتمد الحساب وقال: إن هذه الأمة لا يزيد عمرها عن ألف، وقد زاد بالفعل، فثبت تكذيبه، وكذلك ثبت تكذيب السهيلي، ويبقى تكذيب السيوطي، ثم أمين جمال الدين. إذاً: فلم يعرض الكاتب نفسه لأن يكون في يوم من الأيام كاذباً؟! فهو الآن عند الناس متنبئ؛ لأن العمر الذي افترضه لم يحن بعد، ولكنه بعد حين سيكون كاذباً كما كان سلفه الطبري والسهيلي. وهب أن القيامة قامت والأشراط تحققت قبل سنة (1500) فهذا ليس دليلاً على صدق أخينا الشيخ أمين أو السيوطي؛ لأنهما يخبران عن الغيب وهذا لا يجوز في حقهما، والطبيب إذا أعطاك الدواء وقال له: إنك ستشفى به بإذن الله؛ فلا يعني ذلك أن الطبيب كان على يقين جازم أن الشفاء سيتحقق عن طريق هذا الدواء، فالدواء سبب، وقد يتخلف السبب عن المسبب والمسبب عن السبب، فلو أن القيامة قامت قبل العام الذي حدده السيوطي ومن بعده الشيخ أمين فليس في هذا دليل على مصداقيتهما أبداً، وليس فيه كذلك صحة هذه النبوءة، وإنما نقول: إن الذي يتكلم في أمر الساعة أو أشراطها أو عمر هذه الأمة إنما يتكلم رجماً بالغيب، ولا يجوز له ذلك.

الرد على تحديد المصنف عمر الأمة بانتهاء العلامات وتناقضه في ذلك

الرد على تحديد المصنف عمر الأمة بانتهاء العلامات وتناقضه في ذلك Q إن الشيخ أمين لم يقل بتحديد الساعة، وإنما قال بتحديد عمر الأمة، وأن عمرها سينتهي بانتهاء العلامات الكبرى؟ A الشيخ أمين يقول في الكتاب: إن عمر الأمة ينتهي بانتهاء العلامات، وأحياناً يقول: ينتهي بخروج الدابة، وأحياناً يقول: ينتهي بالنار التي تحشر الناس، وأحياناً يقول: بالريح التي تقبض أرواح الناس، فنحن لا نعرف متى ينتهي عمر الأمة، ومع أي علامة؛ لأننا كلما أمسكنا به في علامة هرب منها إلى علامة أخرى، وكلما أمسكنا به في جملة قال غيرها، فنحن لا ندري على مذهب الشيخ متى تقوم الساعة ومتى ينتهي عمر الأمة، ولو على سبيل التقريب. ثم هذا الكلام مردود من وجوه: الوجه الأول: أن ذلك فيه ادعاء علم الغيب، وعمر الأمة غيب، إلا ما سبق من عمر الأمم السابقة كما ذكرنا. الوجه الثاني: ما الذي يقصده الشيخ أمين حفظه الله بمصطلح (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام)، فقرب ظهور المهدي قد عرفناه، ولكن ما الذي يقصده بعمر أمة الإسلام، وما هو ارتباطه بـ المهدي عليه السلام؟! فـ المهدي في أول العلامات الكبرى التي تعقبها الساعة، فهل يقصد أن عمر أمة الإسلام سينتهي بظهور المهدي؟! لو قال ذلك فإننا لا نوافقه؛ لأن معنى ذلك أن الأمة ستفنى وتنتهي قبل ظهور المهدي، فمن سيبايع -إذاً- المهدي عند ظهوره؟! فـ المهدي لا يبايعه إلا الطائفة المؤمنة عند الكعبة، فلابد أن تبقى الأمة، كما أن المهدي سيقاتل ويصول ويجول بالمؤمنين أتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والمهدي يعقبه نزول عيسى عليه السلام، وعيسى عليه السلام ينزل فيحكم بشريعة محمد عليه السلام، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقيم في الناس دين محمد عليه الصلاة والسلام. إذاً: الأمة باقية بعد ظهور المهدي، وأما إلى أي مدى ستبقى فهذا أمر لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى على وجه التحديد. ونسأل الشيخ أمين: ماذا يقصد بعمر الأمة؟ هل يقصد بعمر الأمة وجود المسلمين أو وجود الإسلام أو وجود القرآن؟ فهذه أسئلة لابد لها من إجابات، فإذا قال: أنا أقصد به الإسلام، قلنا: لا يدري متى يرفع الإسلام إلا الله عز وجل، وليس هناك دليل من كتاب ولا سنة يبين متى يرفع الإسلام من قلوب وصدور الناس، وإذا كان يقصد بكلمة عمر الأمة رفع القرآن فلا يعلم ذلك كذلك إلا الله تبارك وتعالى، وإذا كان يتكلم عن وجود المسلمين فيلزمه أن يقول بفناء الموحدين وبقاء الكفار أو الذين لا دين لهم ولم يرسل إليهم نبي، وهذا محال، وقيام الساعة الذي نفهمه ويفهمه كل أهل العلم مرتبط بفناء الأمة، أي: أن الساعة تأتي بعد فناء الأمة، والمعلوم قطعاً أن عمر الأمة إلى قيام الساعة؛ لأن المراد بالأمة أمة الدعوة، والشيخ أمين قال: المراد عمر أمة الإجابة؛ لأنه قال: عمر أمة الإسلام، ولم يقل: عمر الأمة فقط؛ لأن عمر الأمة -أي: عمر جميع المكلفين وعمر جميع الخلق- كذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة ثم لا يتبعني إلا دخل النار). فهذا الحديث يتكلم عن أمة الدعوة، أي: الأمة التي محلها دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمة أمتان: أمة الإجابة، وهي التي استجابت وآمنت وصدقت وعملت واتبعت وهي أمة الإسلام، والشيخ أمين تكلم هنا عن فناء عمر أمة الإسلام، وأما عمر أمة الدعوة فلم يتكلم عنه، وهم جميع الخلق الذين خوطبوا بدعوة النبي عليه السلام، واليهود والنصارى من أمة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم مطالبون بالاتباع، فلما لم يتبعوا وعجزوا وأنكروا وجحدوا استحقوا النار عياذاً بالله؛ لأنهم كالذين ارتدوا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

أتباع المهدي هم أمة الإجابة

أتباع المهدي هم أمة الإجابة Q إذا ظهر المهدي بعد انتشار الشر فهل يطلب من أمة الدعوة أو من أمة الإجابة اتباعه؟ A يطلب ذلك من أمة الإجابة الذين أرسل فيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ممتدة إلى قيام الساعة، ولابد أن تعتقد أن أمة الإجابة ممتدة إلى قيام الساعة، فقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري: (مثلي ومثلكم) الخطاب هنا متعلق بالمتبعين الذين اتبعوه، فهم لن ينقطعوا قبل المهدي، وهذا يدل على أن أمة الإجابة باقية إلى قيام الساعة، فإذا كنت تتكلم عن قيام الساعة وعن عمر أمة الإسلام فيلزمك أن تقول: إنه في اللحظة التي يتم فيها فناء أمة الإسلام لابد وأن تقوم فيها الساعة، فالذي يتكلم عن عمر أمة الإسلام هو من طرف خفي يتكلم عن وقت الساعة. والذين يقاتلون مع المهدي يستمر بقاؤهم إلى ظهور العلامات الكبرى بناء على ما دلت عليه النصوص وقد تقدم بعضها. وهنا نسأل المصنف: هل قصدت بعمر الأمة بداية العلامات أم وسطها أم آخرها؟ وسنجد أن جوابه مضطرب غاية الاضطراب في الكتاب. وهذا الرد كاف على سبيل الإجمال على ما في الكتاب، وأهم شيء أريد أن أؤكد عليه أن الكلام عن الساعة وأشراطها كذلك إنما هو ضرب من ضروب الغيب، لا يجوز لأحد أن يخوض فيه، وكما قال ابن كثير في الفتن والملاحم وابن حجر وغيرهما من أهل العلم كـ الصنعاني: إن عمر الدنيا لا يعلمه إلا الله عز وجل، كما أنه لا يعلم أحد ما مضى من عمر الدنيا وما بقي من عمرها، وإنه لم يصح دليل على حساب عمر الدنيا من آدم عليه السلام وإلى قيام الساعة، وأما الذي اعتمد على هذه النصوص التي لم يصح منها شيء ولم يثبت منها شيء، وبناء عليها أنزل العد الحسابي على حديث ابن عمر وعلى حديث أبي موسى الأشعري، فهذا في غير محله، وترجيح بغير مرجح، ودلالة بغير دليل، ولذلك وجب التوبة منه والبراءة منه كل البراءة. ولا يهمني بعد هذا الجهد أن يعتقد إنسان ما في الكتاب من كلام أو لا يعتقد، ولا أقول إلا كما قال النبي عليه السلام: (اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد). وأقول إجمالاً: إن الكاتب أعرض عن جميع الاحتمالات التي هي محل احترام من عند أهل العلم، ورجح بغير مرجح احتمالاً ساقطاً هابطاً ليس مرضياً ولا مستحباً عند أهل العلم، بل قد قاموا عليه كلهم قومة رجل واحد بالنقد والثلب وبيان عواره وفساده، والإمام الطبري هو أول من ذهب إلى ذلك أخذاً من كتب أهل الكتاب، وهو جبل من جبال العلم في ذلك الزمان قبل مرور الألف، ولكن كل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا هو عليه الصلاة والسلام. والإمام الطبري والسهيلي والسيوطي الذين أخطئوا في هذه المسألة هم أئمة عظام أجلاء، وقد بان خطؤهم وفساد منهجهم في العد الحسابي، فقد أنزلوا هذه الأدلة على غير منازلها وفي غير وجهها، والأئمة جميعاً إنما أوردوها في أبواب المواقيت وأبواب الإجارة، وهذا يدل على أن هذه الأحاديث لا علاقة لها البتة بعمر الدنيا، ولذلك نقول: لا يجوز لأحد في هذا الزمان ولا الذي بعده أن يحتج بهذه الأحاديث في أبواب الفتن؛ لأنه إن احتج بها في ذلك فقد احتج بها في غير بابها، وأرجو أن تخمد هذه الفتنة -على الأقل- في منطقتنا.

واجبنا تجاه كتاب (عمر أمة الإسلام)

واجبنا تجاه كتاب (عمر أمة الإسلام) Q ما هو واجب الملتزمين وغيرهم تجاه هذا الكتاب، نرجو التوضيح وجزاكم الله خيراً؟ A هذا الكتاب -كما قلت- فيه نفع وشر، وشره غالب، فلو اتخذناه كالخمر للزم أن نقول بتركه وعدم الاطلاع فيه، وعندما قرأت في هذا الكتاب كأني قرأت في التوراة والإنجيل من كثرة استشهاده واحتجاجه بهما، وضاق صدري جداً، وعانيت أن أكمل هذا الكتاب عندما وقع في يدي أول مرة، ثم لما كلفت بالرد عليه قرأته عدة مرات؛ لأن التكليف بخلاف الاطلاع، فعندما اطلعت عليه لأول مرة ظننت أن الذي بين يدي هو الإنجيل أو التوراة، وكنت أظن أني مأمور من قبل الرسول عليه الصلاة والسلام بألا أقرأ هذا الكتاب، وطالب العلم الحاذق العاقل الذي يستطيع أن يميز بين الحق والباطل له أن يقرأ هذا الكتاب، فينفي ما فيه من كدر ويأخذ ما فيه من خير. وأما الذي يخشى على نفسه أن يقرأ في التوراة والإنجيل فأقول: يخشى عليك أيضاً أن تقرأ في هذا الكتاب.

حكم شراء كتاب (عمر أمة الإسلام) واقتراح بالرد عليه في كتاب

حكم شراء كتاب (عمر أمة الإسلام) واقتراح بالرد عليه في كتاب Q ألا يمكنكم الرد على كتاب (عمر أمة الإسلام) في كتيب صغير يتناوله جميع الناس ليعلموا الحقيقة؛ حتى تخمد الفتنة؛ لأن الكتاب منتشر جداً، وأنا أحد الناس الذين قرءوا الكتاب واعتقدوا بما فيه، وقد اشتريته لبعض الإخوة حتى يقرءوه، فهل أنا آثم في ذلك أم لا؟ A أنت قبل ذلك غير آثم، وأما الآن فلا أقول: آثم، ولكني أتحرج من شراء الكتاب وانتشاره، وإن شاء الله تبارك وتعالى ربما نلبي هذا الطلب ويصدر كتيب بنقد الكتاب بصفة علمية منظمة ومرتبة أحسن من هذه العجلة، فقد بينت في المحاضرة الماضية معتقد أهل السنة والجماعة في مسألة الغيبيات، ومن أجل ذلك قلت في المحاضرة الماضية: من أراد أن يأتي بعد ذلك، يأتي والذي لا يريد أن يأتي فلا يأتي؛ لأن الكتاب لا يعنيني في شيء، وإنما يعنيني بيان الحق في المسألة ثم الرد على الشبهات، وقد جمعت في الرد عليه ما يكفي لعشر محاضرات بالجزء والصفحة والسطر والكلمة، ومن الصعب جداً أن أتناوله في المسجد، فإن شاء الله تبارك وتعالى سنجعل هذا في الكتيب بإذن الله.

مدى صحة نبوة هرمجدون والقضاء على ثلثي اليهود

مدى صحة نبوة هرمجدون والقضاء على ثلثي اليهود Q هل كل ما ذكره المؤلف في كتابه من حرب هرمجدون وظهور المهدي واتحاد أمم المسلمين والقضاء على ثلثي اليهود وغيره صحيح إذا تغاضينا عن التوقيت؟ A الله أعلم، وبإمكانك أن تأخذ الجواب من أول المحاضرة.

الموقف من جماعة التبليغ

الموقف من جماعة التبليغ Q لا أجد مسجداً قريباً مني سوى مسجد يقوم عليه جماعة التبليغ فأصلي معهم الجماعة، وهم يدعونني للخروج معهم، فأرفض بطريق غير مباشر مرة، وصراحة مرة، وقلت لهم مرة: إن الخروج معكم بدعة، فجلس الأخ يدعو لي بالهداية، وقال: إن الإنسان عندما يموت لن يسأله الملكان على البخاري ومسلم أو غيرهما من الكتب، وإنما سيسألانه عن الإيمان والتقوى وعن تبليغ الناس سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فكيف تصلون وتصومون وآخرون لا يفعلون ذلك ولا تدعونهم إلى الإيمان؟! وأسمع منهم كثيراً وأجادلهم، وقد يكون عندي شك في ذلك، فأرجو النصيحة حتى أسير على الطريق الصحيح؟ A إخواننا في جماعة التبليغ لهم من المناقب والفضائل الشيء الكثير، وليس هذا وقت سرده، وفي سنة (84) وجد أحد زعماء الجماعة في الكويت بين يدي كتاب (خصائص أمة الإسلام)، فقال: يا شيخ! بعدما تفرغ من الكتاب أخبرني أزيدك خصيصة، فقلت: قد فرغت من الكتاب، قال: هل ورد شيء عن جماعة التبليغ في الكتاب؟ قلت: لا، قال: جماعة التبليغ يزيدون عن أمة الإسلام بخصيصة، قلت: وما هي؟ قال: إنهم يأتون يوم القيامة مستوري العورة! قلت: وما الدليل؟ قال: البطانية، قلت: البطانية دليل؟! قال: نعم دليل، قلت: ومن الذي قال ذلك؟ قال: الكاندهلوي والشيخ راشد، قلت: وهل كلامهما دليل؟ قال: أعوذ بالله يا سلفيين! أنتم هكذا، إن كلام أهل العلم عندكم لا وزن له! وإذا كنا ليس لنا مراد غير كلام أهل العلم فكيف يكون كلام أهل العلم لا وزن له عندنا؟! ثم سألته عدة أسئلة، فلما رأى ما بي من هول وفزع امتنع عن الجواب. وهذه الأسئلة سأذكرها في المحاضرات القادمة إن شاء الله، ولجماعة التبليغ مخالفات كثيرة في العقيدة، ولكن مادام الأمر مستوراً فليكن مستوراً، فنحن لا نريد شماتة الأعداء بنا، فلا يصح لأحد أن يتكلم عليهم. ورأس جماعة التبليغ في مصر الشيخ فريد العراقي، وهو من تلاميذ الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله، والشيخ فريد هو الذي أدخل جماعة التبليغ إلى مصر، وهو رأسها الكبير، فإذا أخطأ فلابد أن يتوب على الملأ؛ لأن خطأ الرأس غير خطأ الفرع؛ لأن الفرع لا ينتبه إليه أحد، أما لو أخطأ رجل مسموع الكلمة له الصدارة والوجاهة فيجب تبيين هذا الخطأ. وقد قال الشيخ فريد في شريط سمعته بالنص: الذي لا يخرج مع جماعة التبليغ على منهجنا وعلى أصول دعوتنا فهو كافر مرتد عن ملة الإسلام! وهذا الكلام ليس جديداً، فأنا أعرفهم من زمان، وهذا الكلام قد سمعناه بكثرة من صغارهم. ثم يقول: والقدس ذهبت، والأندلس ذهبت، وخل العلم ينفعهم. وهذا لمز للسلفيين، وهذا من أشد التخبط في العقيدة. والآخر يقول: إن الإنسان عندما يموت لن يسأله الملكان: أقرأت البخاري ومسلماً؟ فهذه دعوة خبيثة لنبذ طلب العلم. ولما سئلت عن جماعة التبليغ وقلت سأرد عليهم بعد ذلك جاءني أناس كثير جداً إلى البيت، ومنهم من اتصل بي في التلفونات، ومنهم من ترجاني وقال: سأقبل يديك ورجليك بشرط ألا ترد على الجماعة، فنحن لا نريد فتناً، ولا تنقصنا الفتن، فقلت لهم: ولماذا لا تقولون لهم: نحن غير ناقصين فساداً وضلالاً في العقيدة؟! ولماذا يكفرون عامة المسلمين؟! وقد سطرت رسالة تقطر أدباً لفضيلة الشيخ فريد العراقي قبل أن أرد عليه، وقلت له فيها: بعد التحية والإكرام والسلام والأدب والاحتشام، قد سمعنا كاستاً بصوتك فيه تكفير عامة المسلمين والاستهزاء بأهل العلم والعلماء وغير ذلك، وإرجاع كل نكبة ومصيبة حلت بالإسلام والمسلمين إلى انشغال المسلمين بطلب العلم، ونحن لا نعرف صوتكم ولا يضركم أننا لا نعرفكم، ويغلب على الظن أنه ليس صوتكم لأننا نجلكم عن هذا الكلام، وإلا إن كان هذا صوتكم فنسأل الله تعالى أن يجعلها زلة لسان يغفرها الرحمن، وإن كانت هذه عقيدة ثابتة راسخة فلا أقل من أن تسمح لنا بالرد والبيان. فأخذ أحد أعضاء جماعة التبليغ على عاتقه أن يوصل له الرسالة، فلما ذهب إلى الشيخ وجلس أمامه ارتعدت فرائصه وخاف وكأنه جالس أمام ملك من الملائكة، ثم رجع إلي وقال: لم أسلمه الرسالة التي فيها نقده؛ (أنه سيكون بعد ذلك مصيبة) وقال لي: أقربت الساعة؟ قلت له: لماذا؟ قال: من أجل أن تنتقد الشيخ فريد. وهذا نستفيد منه في باب التربية، فأصحاب البدع يجل بعضهم بعضاً أشد الإجلال، وأما صاحب الحق فمهما كان عظيماً وكبيراً تجد صعلوكاً من الصعاليك جالساً يقل أدبه ويطيل لسانه عليه، وقد يكون صاحب الحق عالماً جليلاً مثل الشيخ الألباني أو ابن باز أو غيرهما، فتجد الطفل الصغير الذي لا علاقة له بطلب العلم يمد رجليه في وجهه، ولا يستطيع أن يمد يده برسالة تقطر أدباً، وفيها مصلحة عظيمة جداً لشيخه من أهل البدع. فأعطيت الرسالة لبائع سمك في سوق الجملة لا يهمه الشيخ فريد

العلامات الصغرى في كتاب (عمر أمة الإسلام)

العلامات الصغرى في كتاب (عمر أمة الإسلام) Q هل العلامات الصغرى التي أوردها المؤلف في أول الكتاب صحيحة كلها، وخاصة علامات ظهور السيارة، وحصار العراق والشام وغير ذلك؟ A هذه الأحاديث التي أوردها المحدثون وأهل العلم فيما يتعلق بأشراط الساعة الصغرى، ومنها ما هو صحيح ومنها ما ضعيف. والإمام الترمذي أخرج حديثاً طويلاً بلغ صفحتين، ذكر فيه أكثر من سبعين أو ثمانين علامة من علامات الساعة الصغرى، وهو حديث ضعيف، ويغني عن ذلك ورود أحاديث كثيرة جداً صحت في تعداد علامات الساعة الصغرى.

المتكلمون المعاصرون عن علامات الساعة

المتكلمون المعاصرون عن علامات الساعة Q الرجاء تخصيص محاضرة خاصة لعلامات الساعة الصغرى والكبرى بالتفصيل، مع الاعتماد على الكتاب والسنة الصحيحة؟ A تكلم الشيخ عمر عبد الكافي حول هذا، وليس له باع في الحديث، فخبط كثيراً، وهناك كتاب حول أشراط الساعة للشيخ عمر الأشقر، وهو من أضبط الناس لما يخرج من لسانه ويخطه قلمه، وكتابه في الساعة الكبرى والساعة الصغرى كتاب متين وجميل جداً، وهناك كتاب أكثر منه استيعاباً لأخ سعودي بعنوان (أشراط الساعة)، بإمكانكم أن ترجعوا إليه.

العلماء الذين ردوا على كتاب (عمر أمة الإسلام)

العلماء الذين ردوا على كتاب (عمر أمة الإسلام) Q من هم أهل العلم الذين عرض عليهم الكاتب كتابه، هل هم من مصر أم من خارجها؟ A هم من مصر، وقد عرض المؤلف الكتاب -وهو بخط يده- على الشيخ سيد العربي، والشيخ سيد العربي نصحه عدة مرات ألا يخرجه، وأنه إن أخرجه فسيحدث فتنة عظيمة، وكذلك الشيخ الكريم أبو ذر القلموني والشيخ محمد عبد المقصود أرسل رسالة إلى الشيخ أمين يستعد فيها للمناظرة، ويقول: هذا الكتاب لا يصح أن يكون عقيدة للمسلمين، والشيخ علي الدرويش لما قرأ الكتاب جن جنونه وقال: أريد أن أعرف من من أهل العلم فهم هذه الأدلة كما فهمها المصنف؟! فليأت بواحد فهم هذه الأدلة فهماً مستقيماً ولقي قبولاً عند أهل العلم، فهل هذه المسألة خفيت على أهل العلم جميعاً وبانت لك يا شيخ أمين؟! والشيخ أسامة القوصي رد على الكتاب، والشيخ ماجد أبو الليل رد فيه في حوالي ستة أشرطة أو سبعة، وقد رد على كل شيء في الكتاب، وأنا نفسي لم أطق أن أسمع إلا شريطاً واحداً، وقلت له: يا شيخ ماجد! المقصود الرد على الكتاب على سبيل الإجمال في الأخطاء العامة، وقد رد عليه حتى في الأخطاء النحوية، وليس هذا هو المقصود من الرد، فالرد ليس رسالة دكتوراه! وإنما المقصود من الرد بيان خطورة اعتقاد ما جاء في هذا الكتاب. ودكاترة الجامعة الذين هم أساتذة أكاديميون معظمهم يعتقد أن المسيح الدجال والمهدي المنتظر خرافة وشعوذة، وهذا الاتجاه سائد في الأزهر كذلك، ويقولون: ليس هناك نص صح في هذا الأمر أبداً، وهذا كلام فارغ؛ لأن أدلة الكتاب والسنة ترد عليهم، والشيخ أمين يطالب من يريد منه أن يرجع عن هذا الكتاب بأن يأتيه بنقد من كل أهل العلم الذين في مصر، ومن الذي سيتفرغ ليمر على المشايخ والعلماء؟ والمشايخ والعلماء لا يقبلون هذا، وليس عندهم وقت لهذا. وأهل العلم لم يقصروا في نصحه، ولقد نصحوه قبل إخراج الكتاب وبعد إخراجه.

الجواب عن إشارة مصنف (عمر أمة الإسلام) إلى قيام الخلافة على يد المهدي

الجواب عن إشارة مصنف (عمر أمة الإسلام) إلى قيام الخلافة على يد المهدي Q لقد فهمت من هذا الكتاب أن الخلافة الإسلامية القادمة -إن شاء الله- لن تقوم إلا على يد المهدي المنتظر، فما رأيكم بذلك؟ A الكلام هذا أجبت عليه أثناء المحاضرة، فيحتمل هذا، وهذا احتمال من غير قطع ولا يقين، ويحتمل أن يمكن الله عز وجل لطائفة من الناس، وليس بعيداً على الله عز وجل أن يمكن لطائفة السلفيين أو الإخوان أو التبليغ أو أي أحد، أو حتى للصوفية، فانتظار الخلافة الإسلامية على يد المهدي هذا احتمال، ولكن لا تجزم، فالعيب أن الشيخ أمين يجزم بهذا، ومعنى كلامه أنه يقول: لا تنتظروا خيراً إلا على يد المهدي، ثم يقول: أنا لم أقل هذا، أنا قلت: لابد أن تعملوا. وكلامه صحيح، ولكن هناك فرق بين العمل للخلافة الراشدة وانتظار الخير العظيم، وبين العمل من أجل أن أقول: لقد عملت يا رب وأديت الذي علي، فإذا قلت: إن الخلافة الراشدة لا تقوم إلا على يد المهدي لزمك إبطال كل هذه الجهود؛ لأن هذه الجهود كلها تبذل لإيجاد الخلافة الراشدة أو للتهيئة لها، فإذا منعت هذا الخير فهذا يعني أنك تدعو إلى تثبيط الناس وإقعادهم عن الدعوة إلى الله عز وجل، وهذا بخلاف المواطن التي صرح فيها في الكتاب.

بيان حال إسماعيل منصور

بيان حال إسماعيل منصور Q نرجو الرد على إسماعيل منصور فإنه يكتب من البلاء ما تعم به البلوى؟ A إنا لله وإنا إليه راجعون، إن هذا العلم علمان: علم ابتدائي وعلم للرد على البدع، فإذا فتحت صحيح مسلم وقرأت فيه فإنك تتعلم العلم بطريقة منهجية. وإسماعيل منصور كان من أكابر شيوخي لما كان مستقيماً على منهج السلف في مسجد الجمعية الشرعية في المنصورة، وكنت أنا من أحب التلاميذ إليه وأقربهم إليه، وقد قال لي: يا حسن! لو استطعت ألا تقلب ياقة الجاكت إلا بدليل فافعل، فقلت له من باب المزاح: وما هو الدليل على لبس الجاكت أصلاً؟! فكان يسر بي وأنا أسر به جداً، ثم لما فتن كبني إسرائيل تبرأت منه، ولا أنفي أنني تعلمت منه الكثير والكثير، وهذا من باب الإنصاف والعدل، وأول شيء أنكر النقاب. يقول الإمام الشاطبي: إذا اختلف السلف في مسألة على رأيين فأتى من بعدهم برأي ثالث فهو باطل، يعني: إذا اختلف السلف في مسألة الحجاب والنقاب على رأيين، ثم جاء هذا يقول: النقاب حرام -وهذا القول لم يصدر من أحد من السلف- فيكفي في سقوطه أنه رأي مستحدث خبيث. ثم بعد ذلك أنكر عذاب القبر، ثم أصدر كتاباً آخر كبير جداً أنكر فيه نصف البخاري ومسلم أو أكثر، وطعن في أبي هريرة، ولولا الحياء لأنكر السنة. ولو سألت إسماعيل منصور: ما الفرق بينك وبين جماعة (روز اليوسف) فستكون النتيجة أنه لا فرق؛ فهو يمشي على سلسلة الإنكار، وقد كنا في رحلة إلى أثينا في الشهر الماضي مع الشيخ صفوت نور الدين، فقلت له: صدر كتاب لـ إسماعيل منصور، فقال لي: أنكر فيه ماذا؟ فقد أصبح معروفاً عنه أنه إذا أخرج كتاباً جديداً أنه ينكر فيه شيئاً عظيماً جداً.

محاولة الشيخ محمد حسان إقناع مصنف (عمر أمة الإسلام) بالتراجع عنه

محاولة الشيخ محمد حسان إقناع مصنف (عمر أمة الإسلام) بالتراجع عنه Q علمنا أنه كان هناك اتصالات بينكم وبين الشيخ أمين جمال الدين وأنه رفض الحضور لمناقشة الكتاب، فنقترح أن تستعين بالشيخ محمد حسان في إلقاء خطبة جمعة أو درس لكي يعم معرفة الأمور الخاطئة في هذا الكتاب؟ A الشيخ محمد حسان رجاه أيما رجاء أن يرجع عن الكتاب فقال: لا أرجع عنه، وقد أخبرني الشيخ محمد حسان أنه التقى بالشيخ أمين ورجاه أيما رجاء فقال: أنا فيما أنا عليه، والذي يريد أن يرد يرد. وهذا عنت، بل إنه في مقدمة الكتاب بعد أن شكر الذين طبعوه والذين وزعوه قال: وأيضاً نشكر الإخوة المعارضين الذين ساهموا من حيث لا يشعرون في ذيوع صيته وانتشار أمره، فهو فرح بهذا، وهذا تبلد في الحس وسوء في الأدب.

موضع رد ابن حجر على تحديد الساعة بالعد الحسابي

موضع رد ابن حجر على تحديد الساعة بالعد الحسابي Q أين رد الحافظ ابن حجر على حساب الأرقام والحروف؟ A في الجزء الحادي عشر في كتاب الرقائق صفحة (350).

دعوى النبوة

دعوى النبوة Q هناك رجل اسمه فتحي ادعى أنه المهدي المنتظر، ونحن نعرف أن المهدي اسمه محمد بن عبد الله؟ A قد سبقه أناس كثيرون قالوا: إنهم أنبياء، بل ادعى شخص حقير أنه الله!

مدى صحة حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)

مدى صحة حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) Q ما صحة حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)؟ A الحديث ضعيف، وهذا لا يعني أنك لا تذهب إلى المسجد، وإنما نسبة القول إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا تصح.

§1/1