الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال

عقيل المقطري

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال بقلم عقيل بن محمد بن زيد المقطري مقدمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فإن الدعوة إلى الله عز وجل من أفضل القربات إليه، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ويقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» والدعوة إلى الله عز وجل تنقسم بالنسبة إلى المدعو إلى قسمين: الأول: دعوة جماعية وتتمثل بالخطب والمواعظ والدروس. الثاني: دعوة فردية وهي التي تهتم بتربية الفرد المسلم التربية السليمة مع المتابعة. والناظر إلى واقع الدعاة إلى الله يجد أنهم في الغالب يقومون بنوع واحد من الدعوة - وهي الدعوة الجماعية - والقليل من يهتم بالدعوة الفردية والتي هي في الواقع لا تقل أهمية عن الدعوة الجماعية بل قد تكون أهم. إن الدعوة الفردية يمكن أن يقوم بها طلبة العلم المبتدئين لأنها لا تحتاج إلى مثير علم.

لذا رغبت أن أكتب في هذا الموضوع رسالة صغيرة الحجم لتكون نبراسًا يستضيء بها الدعاة إلى الله ولتكون حافزًا لإحياء هذا النوع من أنواع الدعوة خاصة في قلوب الشباب الذين لا يتحملون قسطًا من أعباء الدعوة فلا يدعون غيرهم ولا يجهدون أنفسهم في سبيل الله عز وجل بل يكتفي أحدهم بنفسه فتراه يتبع الدروس والمحاضرات ولا يدعو غيره ولا يرغب في أن يكون سببًا لهداية غيره والله المستعان. أسأل الله عز وجل أن ينفع بهذه الرسالة إنه سميع مجيب. وكتب: أبو عبد الرحمن عقيل المقطري تعز / اليمن

المراد بالدعوة الفردية وأهميتها

* ما المراد بالدعوة الفردية؟ المراد بالدعوة الفردية: (دعوة الأفراد) أي دعوة الناس منفردين فالفردية هنا من حيث المدعو، ويقابل هذا: دعوة الناس مجتمعين من خلال الدروس والمحاضرات؛ ولا نريد به (العمل الفردي) الذي يقابله (العمل الجماعي) فالفردية في هذا النوع من حيث الداعي منفردًا بعمله مستقلًا بآرائه. * أهمية الدعوة الفردية: إن أهمية هذا النوع من أنواع الدعوة تنبثق من أهمية الدعوة إلى الله من حيث هي فالدعوة إلى الله تعالى على بصيرة واجبة على المسلمين قال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} سورة آل عمران: آية 104 ويقول {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} سورة النحل: آية 125

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» الفتح 13 / 192، النووي على مسلم 12 / 228

فضل الدعوة إلى الله

* فضل الدعوة إلى الله: وردت أحاديث كثيرة في فضل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى نذكر شيئًا منها: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» النووي على مسلم 16 / 227 وروى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» الفتح 7 / 7.

الدعوة الفردية تحقق ما لا تحققه الدعوة الجماعية

* الدعوة الفردية تحقق ما لا تحققه الدعوة الجماعية: إن كثيرًا من الناس يجهل أهمية الدعوة الفردية وذلك ظنًا منهم أن الدعوة ينبغي أن تكون للناس عامة وذلك بإلقاء المواعظ والمحاضرات والدروس والحقيقة أن هذا لا يكفي، فالدعوة الفردية تكون نافعة في أغلب الأحيان أكثر من الدعوة الجماعية، ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم بالدعوة الفردية خاصة في أول مراحل الدعوة. فقد كان وضع اللبنات الأساسية للدولة الإسلامية للدولة من طريق الدعوة الفردية التي أثّرت في الناس أيما تأثير فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين مضِّحين له بالغالي والنفيس.

فوائد الدعوة الفردية

* فوائد الدعوة الفردية: إن الدعوة الفردية تربي الأفراد تربية متكاملة فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقي وهذا ما يسمى بالشمولية في التربية، ولهذا فإن الدعوة الفردية تكون أنجح من الدعوة العامة في تربية الأفراد. ولأن الدعوة الجماعية لا يمكن أن تتبع أخطاء الأفراد خطأً خطأ، بل نجد أن الدعوة الفردية من خلالها يمكن التنبيه على كثير من الأخطاء التي يقع فيها الأفراد وبهذا يمكن استكمال التربية. بالدعوة الفردية يمكن متابعة التطبيق العملي للتوجيهات الملقاة على الأفراد. بالدعوة الفردية يمكن الرد على كثير من الشبهات التي تُلْقى على مسامع الأفراد والتي لا يمكن التحدث بها في الدعوة الجماعية. بالدعوة الفردية يمكن غرس المبادئ الإسلامية الصحيحة ويمكن التحدث عنها بكل جدية ووضوح، إذا جاء الوقت المناسب لكل مبدأ. بالدعوة الفردية يمكن إيصال الحق إلى الذين نفروا - أو نُفِّرُوا - عن سماعه وعن مجالسة أهله. إن هذا النوع من أنواع الدعوة طريقة سريعة لكسب أكبر عدد من أنصار الدين. يمكن متابعة الأفراد متابعة دقيقة بخلاف الدعوة الجماعية فإنه لا يمكن متابعتهم.

هذا النوع من أنواع الدعوة لا يحتاج إلى غزارة علم بقدر ما يحتاج إلى حكمة في الدعوة فيمكن أن يقوم به أفراد محبون للدعوة. الدعوة الفردية لا تحتاج إلى كثير معاناة فهي سهلة ويمكن أن يقوم بها كل داعية من خلال عمله، فالطالب في مدرسته أو كليته والموظف في مكتبه والعامل في مصنعه ... وهكذا. ***********

حالات الدعوة الفردية

* حالات الدعوة الفردية: هناك بعض الحالات يستلزم الداعية أن يستخدم فيها الدعوة الفردية لأن الدعوة الجماعية لا تجدي في مثل تلك الحالات وإن كانت الدعوة الجماعية أيسر وروادها أكثر وسنذكر بعض هذه الحالات التي يجب استخدام الدعوة الفردية فيها: 1 - المكانة الاجتماعية للمدعو: إن بعض الأفراد يكون معتزًا بوضعه الاجتماعي ويرى أنه لو خالط عامة الناس في تجمعاتهم لذهبت تلك المكانة التي يتمتع بها.. وهذا بالطبع لا يكون إلا لأنه غير ملتزم بالشرع التزامًا كاملًا.. ففي مثل هذه الحالة يجب أن يستخدم الداعية الدعوة الفردية. 2 - جليس السوء: إن البيئة التي يعيش فيها المدعو لها تأثير على شخصيته فمن خالط جلساء السوء انحرفوا به عن الجادة، فالمرء على دين خليله، ولذلك فمن كانت هذه حالته فإنه يصعب التأثير عليه نظرًا لتكاتب رفقة السوء عليه ولقلة حيائهم ومجاهرتهم برد الحق وتفاخرهم بارتكاب المعاصي والآثام.. ففي هذه الحالة يجب الانفراد بالمدعو بعيدًا عن هذه الرفقة السيئة حتى يمكن التأثير عليه إن شاء الله تعالى. 3 - الحالة النفسية للمدعو:

إن من الأسباب العائقة عن الهداية نفور المنحرفين من الدعاة والمتمسكين بالدين وهؤلاء إما أن يكون الشيطان قد استحوذ عليهم، فهم يعرفون الحق ولكنهم يبتعدون عنه كبرًا وعنادًا، أو لأنهم يرون أنه لا يمكن الالتقاء مع المتمسكين بالدين نظرًا لتنافر الطباع والأمزجة. فهؤلاء يصعب دعوتهم إلى محاضرات عامة فيلزم على الداعية أن يستخدم معهم الدعوة الفردية حتى يبين لهم الحق ثم إن هداهم الله تعالى يمكن أن ينخرطوا ضمن الدروس العامة. 4 - معالجة جوانب النقص في الأفراد: قد يكون عند بعض الأفراد جوانب نقص أو عيوب شخصية ولهذا لا يمكن أن تعالج هذه الأمور ضمن الدعوة الجماعية، بل يجب أن يستخدم الداعية الدعوة الفردية لمناقشة المدعو وتبصيره بهذه الأمور. ***********

أطوار الدعوة الفردية

الطور الأول: وهو أن يوجد الداعية صلة تعارف مع المدعو بحيث يشعره بأنه مهتم به وذلك بتفقده ما بين الحين والآخر، والسؤال عنه إذا غاب وزيارته إذا مرض هذا كله قبل أن يفتح عليه باب الدعوة، حتى إذا صارت القلوب متقاربة والأرواح متآلفة، ووجد التهيؤ من المدعو لتقبل دعوة الداعية طرق الكلام فيما يريد، وليعلم الداعية أنه بقدر نجاحه في هذا الطور مع المدعو يكون التأثير والاستجابة للدعوة، وأي تسرُّع في هذا الطور قد يحدث النفرة من المدعو.

الطور الثاني العمل على تقوية الإيمان عند المدعو

الطور الثاني: وهو أن على الداعية أن يعمل على تقوية الإيمان عند المدعو وذلك أن أصل الإيمان في الغالب موجود إلا أنه تتفاوت نسب الضعف من شخص إلى آخر. وإذا أراد الداعية أن يعالج هذه القضية فعليه أن لا يدخل في الحديث عن الإيمان مباشرة بل عليه أن يستغل الأحداث بمختلف أنواعها وعليه أن يربطها بالأدلة الواردة في القرآن والسنة، فمثلًا حصل مولود لشخص من الأقرباء أو الجيران فيبدأ الداعية بالكلام حول خلق الله لأبينا آدم ثم كيف أن الله جعل ذريته من ماءٍ مهين وكيف جعل رحم المرأة مكانًا لنشوء الجنين وكيف أوصل له غذائه طيلة تسعة أشهر ثم كيف خرج ... إلى آخر ذلك. مع ربط جميع المراحل بالقرآن والسنة فإنه ما ينتهي من كلامه إن شاء الله إلا وقد بدأ الإيمان بالازدياد عند المدعو مما يجعله متقبلًا لكل ما يلقى عليه، فإذا شعر الداعية بأن المدعو بدأ يتأثر بكلامه وارتفع نوعًا ما، انتقل به إلى الطور الثالث.

الطور الثالث إعطاء التوجيهات للمدعو

الطور الثالث: في هذا الطور يبدأ الداعية في إعطاء التوجيهات للمدعو التي من شأنها أن تصلح من عبادة المدعو وسلوكه ومظهره، فلربما كان في عبادته كثير من الأخطاء أو أنه لا يصلي الصلوات في جماعة والمسجد منه قريب وكذلك يعرفه على العبادات المفروضة فيعلمه كيفية الوضوء وكيفية الصلاة، ويأمره بالابتعاد عن السبل التي توصله إلى سخط الله عز وجل. وأما إذا كان محافظًا على الجماعة ولكن عنده بعض التقصير فليعمل الداعية على تبصير المدعو بالمعتقد السليم الذي هو معتقد السلف الصالح رضوان الله عليهم. ويحسن بالداعية أن يبدأ بإهداء وإعارة بعض الكتب والأشرطة النافعة في مجال العقيدة والإيمان والترغيب والترهيب ... إلخ. ويعرفه على بعض الشباب الصالحين ويأمر الشباب الملتزم بالإحاطة بهذا الفرد حتى لا يترك مجالًا لقرناء السوء من اجتذابه مرة أخرى. وبهذا نضمن بإذن الله تعالى استمرارية استقامة المدعو.

الطور الرابع توضيح شمولية الإسلام

الطور الرابع: يبدأ الداعية في هذا الطور بتوضيح شمولية الإسلام وأنه ليس مقصورًا فقط في الصلاة والصوم مثلًا بل إن الإسلام يجب أن يحكم في كل صغيرة وكبيرة. وبهذا يكون المدعو في هذا الطور قد حول جميع حركاته وسكناته وفق شرع الله عز وجل.

الطور الخامس توضيح أن الإسلام لا ينتهي عند العبادات والأخلاق الفاضلة

الطور الخامس: وفيه يوضح للمدعو أن الإسلام ليس معناه أن نكون مؤدين للعبادات متخلقين بالأخلاق الفاضلة وإلى هنا ننتهي. بل يجب أن يوضح له أن الإسلام دين جماعي، نظام حياة وحكم وتشريع، عقيدة وأخلاق ودولة وجهاد، وأمة واحدة، وأن المسلم لا يمكن أن يكون آخذًا للإسلام من جميع جوانبه إلا إذا فهم هذا الفهم السليم. فإذا فهمنا هذا الفهم السليم للإسلام فإنه - أي هذا الفهم - سيملي علينا مسؤوليات وواجبات يجب أن نقوم بتأديتها امتثالًا لأمر الله حتى يقوم المجتمع على القواعد الصحيحة للإسلام في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ.

الطور السادس توضيح ما يستوجبه الواقع الذي تمر به الدعوة إلى الله

الطور السادس: فيه يمكن للداعية أن يوضح للمدعو ما يستوجبه الواقع الذي تمر به الدعوة إلى الله وأنها محتاجة إلى تكاتف الجهود ولَمِّ الشمل ووحدة الصف والعلم حتى يتمكن المسلمون من إعادة الخلافة الإسلامية التي كاد لها أعداء الله من الداخل والخارج حتى أطاحوا بها. ومنذ ذلك الحين والمسلمون يعيشون في هذا الذل والهوان حتى صار أعداؤهم لا يبالون بهم وهذا كله نتيجة أن المسلمين رضوا بدنياهم وابتعدوا عن العمل بكتاب الله وعن سنة نبيهم وتركوا الجهاد في سبيل الله ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» ... ) . وقال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري» . وقال: «ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) قالوا: ما الوهن؟ قال (حب الدنيا وكراهية الموت» ... ) .

فإذا أردنا العزة والتمكين وتغيير الأحوال إلى الأصلح وإقامة الدولة الإسلامية فعلينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا لأن الله تعالى يقول {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} سورة الرعد: آية 11

الطور السابع تحميس المدعو لطلب العلم

الطور السابع: على الداعية أن يحمس المدعو لطلب العلم لأنه لا يمكن أن يعبد الله كما أمر سبحانه إلا بالعلم، فيُرَغِّب المدعو بمجالسة العلماء العاملين من أهل السنة والجماعة أصحاب المنهج السليم، ويشعره إذا وجدت محاضرات أو جلسات خاصة سواء كان ذلك بالمرور عليه أو بالهاتف كما يحثه على اقتناء الكتب النافعة وكذا الأشرطة والمجلات ... إلخ. وينبه المدعو إلى أن خير السبل لإقامة الخلافة هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سبيل العلم وتربية المجتمع مع تصفيته وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها. وأنه مهما حاول المحاولون الذين ابتعدوا عن هذا المنهج أن يعيدوا الخلافة الإسلامية فإنما مثلهم مثل من يبني بناية على شفا جرف هار يوشك أن يقع. والله المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين وأن يمكن لهم في الأرض إنه سميع مجيب. ***********

الأسباب المساعدة لنجاح الدعوة الفردية

الأسباب المساعدة لنجاح الدعوة الفردية 1- الإخلاص لله تعالى: إن أي عبادة من العبادات لا بد لقبولها من شرطين أساسيين: أ - الإخلاص لله تعالى. ب - المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات وجه الله تعالى ويجب عليه أن يبتعد عن كل ما يقربه من الرياء والسمعة أو أن يكون له أتباع أو جماعة أو حزب قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} سورة البينة: آية 5 وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف: آية 110. فإذا أخلص الداعية عمله لله ورزق المدعو الاستقامة فإن الله تعالى يكتب للداعية مثل أجر المدعو ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا» ... ) النووي على مسلم 16 / 227

صلة الداعية بالله تعالى

2- صلة الداعية بالله تعالى: إن صلة الداعية بالله تعالى من أهم الأسباب لنجاح الداعية في عمله وهذه الصلة تكون بالتقرب إلى الله تعالى بجميع أصناف العبادة وخاصة الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى. ففي الحديث الصحيح «الدعاء هو العبادة» رواه أبو داود 2 / 76-77 والترمذي 5 / 211، 5 / 374-375،5 / 456 وابن ماجه 2 / 1258 فالداعية إلى الله يخوض في معارك كلما انتهت معركة نشبت أخرى ولا يمكن أن ينتصر ما لم يكن ناصرًا لشرع الله. قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة محمد: آية 7 وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» الفتح 11 / 34. .

فلاح الداعية هو الصلة بالله عز وجل خاصة في هذه الأزمنة التي تتحالف فيها قوى الشر على الإسلام والمسلمين. ولهذا كانت وصية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة أن يكثر من الاتصال به ومن التقرب إليه فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} سورة المزمل: آية 1-2 وهكذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس فقال له: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك» تحفة الأحوذي 7 / 219. وهذه الوصية ليست خاصة بابن عباس وإنما هي للأمة كلها إلى قيام الساعة. ينبغي للداعية أن يحافظ على السنن ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأن يحرص على إحيائها ولا يستهين بسنة من هذه السنن وإنه من جملة الفواقر التي أصيب بها المسلمون وجود فئة منهم يقسمون الدين إلى قشور ولباب ويعنون بالقشور تلك السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وليت الأمر يتوقف عن ذلك بل الأدهى من ذلك هو أنهم يحتقرون من طبق تلك السنن.

العلم

3- العلم: إن العلم ضرورة شرعية خاصة للدعاة إلى الله، فالعلم بالنسبة لهم سلاح يدافعون به عن دين الله عز وجل ويدحضون به الشبهات التي تلقى من أعدائه. يجب على من تعلم أن يعمل بعلمه وأن يدعو إليه، ولهذا قيل (هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) . ولهذا يكون علم الداعية شيئًا رئيسيًا لتأثر المدعو، فإذا كانت قدرة الداعية العلمية محدودة - لأننا ذكرنا قبل أن الدعوة الفردية لا تحتاج إلى كثير من العلم - فإنه ينبغي للداعية أن يستخدم الوسائل المتاحة كأن يهدي للمدعو كتابًا أو شريطًا مسموعًا أو مرئيًا أو مجلة ... إلخ. وهذا ليس مبررًا لتقاعص الداعية عن طلب العلم بل يجب عليه أن يتزود أكثر من العلم. وأن يجعل لنفسه وقتًا يتزود من العلم الشرعي وأن يخالط العلماء.

التخطيط والتنظيم

4- التخطيط والتنظيم: بعض الدعاة إلى الله ممن عندهم نشاط في المواعظ والخطب يبذلون جهودًا كبيرة ولكن هذه الجهود في الغالب لا تثمر وذلك لفقدان التخطيط والتنظيم. فالواجب على الداعية أن يركز على الأفراد الأكثر قابلية للدعوة. وخاصة الذين يرجى من وراء دعوتهم نصرة دين الله عز وجل. وللداعية أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه عليه الصلاة والسلام لم تنته فترة الدعوة السرية في مكة إلا وقد دخلت الدعوة إلى كل القبائل المشهورة في مكة فأسلم من كل عشيرة بعض أفراده. إن الدعوة تحتاج إلى بعض الأفراد الذين لديهم القدرة على القيادة والتخطيط فيجب على الداعية أن يعمل جاهدًا على كسب هؤلاء الأفراد لكي تستفيد منهم الدعوة ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على إسلام عمر بن الخطاب وكان يدعو الله [أن يعز الإسلام بأحد العمرين] حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. إلا أنه لا ينبغي ترك الأفراد المحبين للدعوة والملتفتين حولها والإعراض عنهم بهذه الحجة بل يجب إعطاؤهم نصيبهم من الدعوة.

ولهذا أنَّب الله نبيه عليه والصلاة والسلام لما ترك ابن أم مكتوم وبذل وقته مع عظماء قريش فأنزل الله سبحانه وتعالى معاتبًا لنبيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ... الآيات. سورة عبس: الآيات 1-3 وقال تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} سورة الكهف: آية 28.

لا بد من التعرف على الصفات الشخصية للأفراد

5- لا بد من التعرف على الصفات الشخصية للأفراد: يجب على الداعية أن يتعرف على صفات المدعوين إذ إن لكل فرد منهم صفات حسنة وصفات سيئة. وتختلف هذه الصفات من فرد إلى آخر. فالداعية النجاح هو الذي يستطيع أن يحوِّل هذه الصفات إلى صفات خير تخدم الدعوة إلى الله. فمثلًا هناك من الناس من عنده قوة الإقناع قبل أن يهديه الله كأن يكون من دعاة الأحزاب الهدامة فيمكن صقل هذه الموهبة بعد هدايته فيصير هذا الفرد من الدعاة المبرزين. ولهذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» النووي على مسلم 16 / 185. والأمثلة لهذا الجانب كثيرة منها على سبيل المثال: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتصف قبل إسلامه بالشجاعة، فلما أسلم رضي الله عنه استفاد المسلمون من شجاعته حتى إنهم خرجوا وأعلنوا تحديهم للمشركين.

البدء بالأقربين

6- البدء بالأقربين: إن لنا في نبينا عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة أمر ربه تبارك وتعالى أن ينذر عشيرته الأقربين فقال سبحانه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} سورة الشعراء: آية 214 وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت «لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب: لا أملك لكم من الله شيئًا سلوني من مالي ما شئتم) » النووي على مسلم 3 / 54. وذكر صاحب أسد الغابة أنه لما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وأدعيهم إلى الإسلام فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلمت. والأمثلة لهذا كثيرة.. فالداعية يحتاج إلى من يقوم بجانبه ويناصره ويعينه وذلك لأن الإنسان بمفرده لا يستطيع أن يحقق ما يحققه ومعه إخوانه. فيجب على الداعية أن يبدأ بذوي قرابته. الأقرب فالأقرب حتى توجد له منعة ونصرة ثم لا يهمه بعد ذلك إن لم يستحب له.

ومن العيب أن يترك الداعية أهل بيته وأقاربه دون تبصيرهم بدين الله عز وجل. والله المستعان.

إظهار الاهتمام بكل شخص

7- إظهار الاهتمام بكل شخص: إن من الدعاة إلى الله من إذا زار أخًا له أو وجده في أي مكان ما بش في وجهه وعانقه بحرارة ثم لا يظهر اهتمامه بمن كان بجانب ذلك الأخ مما يحدث في نفوسهم عليه أنه غير مهتم بهم وأنه إنما جاء لزيارة ذلك الأخ فحسب. والواجب على الداعية أن يظهر نفس الود لجميع الحاضرين وإن كان فيهم من لا يرضى بعض صفاته الخلقية مثلًا. فلعل ذلك يكون سبًا في استقامة ذلك الشخص. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبش في وجه بعض الذين لا يرتضيهم كما حصل ذلك بحضرة عائشة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله إنك قلت فيه ما قلت فلما دخل عليك بششت في وجهه فقال «يا عائشة: إن من شرار الناس من يُتَّقَى لفحشه» متفق عليه.

التدرج في الدعوة

8- التدرج في الدعوة: يجب على الداعية أن لا يحاول تغيير المدعو دفعة واحدة لأن ذلك مخالف لسنة الله ومخالف لمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهذا لا يمنع وجود القابلية عند بعض الأفراد على التحول دفعة واحدة فمن كان عنده الاستعداد للتغيير دفعة واحدة من دون أن يؤثر سلبيًا على نفسه فلا يجوز التواني في ذلك. أما من كان لا يقبل التحول إلا بالتدرج فيجب تقديم الأهم في دعوته وذلك لأنه قد تؤثر سرعة التحول في حقه سلبيًا فلربما عاد إلى جاهليته. ولهذا نجد أن الإسلام أعطى هذه المسألة حقها فتجد أنه في العهد المكي ركز على جانب العقيدة مثلًا ثم بعد فترة أمر بالصوم ثم بالزكاة ثم بالحج وهكذا..

ففي الصحيحين من حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لما أرسل معاذا إلى اليمن قال له: (إنك تقدم قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) » فتح الباري 13 / 347 النووي على مسلم 1 / 196. ونجد أن الله تعالى لم يحرم الخمر دفعة واحدة بل تدرج في ذلك فأول الأمر نزل - وكان قبل التحريم - قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} سورة النحل: آية 67 ثم أنزل قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} سورة البقرة: آية 219 ثم أنزل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} سورة النساء: آية 43

ثم النهاية قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة: آية 90. فينبغي للداعية أن يتدرج مع المدعو حتى لا ينفر من كثرة التكاليف. وهنا ينبغي أن أنبه إلى أنه لا يجوز للداعية أن يشارك المدعو في بعض الأمور التي ربما تكون محرمة بحجة التدرج في الدعوة مع المدعو بل إذا سكت الداعية عن بعض الأمور التي لا يزال يرتكبها المدعو فيجب عليه أن يعتزلها هو بنفسه.

المتابعة

9- المتابعة: إن الدعوة الفردية تتطلب من الداعية جهدًا ليس بالقليل خاصة في المدن الكبيرة. فينبغي للداعية أن يهيئ نفسه حتى تعطي دعوته الثمرة المرجوة. فالمتابعة أمر مهم في الدعوة الفردية وذلك نظرًا لأن كثيرًا من المدعوين يتأثرون بالدعوة فيبدءون بالاستقامة فإن لم يجدوا من الداعية التعهد فتروا لأن البيئة التي يعيشون فيها لا تساعدهم على الاستقامة بل تتحول إلى حرب شعواء ضد هذا العائد إلى الله. فربما أحاط به قرناء السوء حتى يعيده إلى ما كان من الفساد والانحراف. لهذا كان لزامًا على الداعية أن يتعاهد ثمرة دعوته وأن يجعل لهذا الفرد أصدقاء صالحين يحيطون به حتى لا تتخطفه الأيدي الآثمة المجرمة. ومن الوسائل النافعة أن يصطحب هذا المدعو إلى حلقات العلم والمواعظ والرحلات. والله الموفق.

إيجاد البيئة الصالحة للمدعو

10 - إيجاد البيئة الصالحة للمدعو: كما ذكرنا سابقًا إن البيئة التي يعيشها المدعو لا تساعده على الاستقامة لذلك لا بد من إيجاد البيئة الصالحة له فيبعد عن جلساء السوء وينقل إلى الجلساء الصالحين. ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر رجلا من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم أتى راهبًا وهو يتعبد فسأله: هل لي من توبة فإني قتلت تسعة وتسعين نفسًا. فقال له: ليس لك من توبة، فقتله فأكمل به المائة. ثم دل على عالم فسأله قائلًا إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة. انطلق إلى أرض كذا كان بها أناسًا يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم. ونهاه أن يعود إلى أرضه معللًا ذلك بأنها أرض سوء» ... ) الحديث بالمعنى. فهذا العالم الرباني لم يكتف بتوصية السائل إلى التوبة فقط بل أمره أن يغير البيئة التي كان يفعل فيها المعصية وأن يجالس الصالحين. فعلى الداعية أن يأخذ درسًا من هذا الحديث ويعمل جاهدًا على نقل المدعو من البيئة السيئة إلى البيئة الصالحة التي تعينه على الطاعة.

وعلى الذين يحيطون بهذا الفرد أن يحسنوا التعامل معه، فيهدون له الشريط النافع، والكتاب الجيد، ولا يهدرون أوقاتهم ووقت المدعو في التجول في الشوارع والجلوس في المقاهي كما يعمل كثير من الشباب. فإن هذا التائب يكون عنده الاستعداد النفسي التام للتوجيه فلتستغل هذه الفترة.. والله الموفق.

الاقتصاد في الموعظة

11- الاقتصاد في الموعظة: مما ينبغي على الداعية في حالة زيارته للمدعو أن لا تنتهي زيارته بدون موعظة. وينبغي أن تكون هذه الموعظة مختصره ومركزة. ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخولهم في الموعظة كراهة السآمة عليهم. وعلى الداعية أن لا يكثر من الزيارة للمدعو وإلا أصيب المدعو بالملل والتضجر من الداعية وخير الأمور أوسطها.

الالتزام بآداب الزيارة

12- الالتزام بآداب الزيارة: يجب على الداعية أن يتقيد بآداب الزيارة فيختار الوقت المناسب وذلك على حسب ظروف المدعو فلا يزور في حالة نوم المدعو ولا في حالة تجهزه للذهاب إلى عمله مثلًا وهكذا. ومن الآداب أن لا يتدخل في الشئون الخاصة بالمدعو كتقليب أوراقه مثلًا أو سماع أشرطته، ومن الآداب أنه يطلب من المزور أن لا يتكلف في إكرامه حتى لا يستثقل وهكذا.

القدوة الحسنة

13 - القدوة الحسنة: يقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} فهذا ذم لمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه فإذا كان الداعية آمرًا للمدعو بأمر هو نفسه لا يفعله أو ينهاه عن شيء ويفعله فإن دعوته تبوء بالفشل، فلهذا يجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة. وقد ثبت الوعيد الشديد لأولئك الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكُ تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه» الفتح 6 / 331 والنووي على مسلم 18 / 118. فالعامة لو وجدوا عند الداعية سيئة واحدة وتسعة وتسعين حسنة غلبوا السيئة على تلك الحسنات. لهذا يجب على الداعية أن يكون قدوة حسنة للمدعوين. والله الموفق.

الهدية

14- الهدية: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «تهادوا تحابوا» البيهقي في الكبرى 6 / 169 وانظر إرواء الغليل 6 / 44. نعم إن الهدية تورث المحبة. ولها ذكرياتها الخاصة. فيجب على الداعية أن لا يبخل بشيء من الهدايا ولو كانت متواضعة. فإن الهدية عنوان المحبة. وهذه الهدية ليست بمن تربطك به علاقة قديمة بل إذا أراد الداعية أن يكسب فردًا جديدًا فعليه أن يقدم له هدية مهما قلت قيمتها هذه الهدية هي التي ستمهد الطريق إلى قلب المدعو الذي سيأتي إليك تلقائيًا وسيبادلك الهدية والحديث. وسيوحي لك بكثير من أسراره وآلامه، الأمر الذي سيجعلك تضع العلاج لبعض تلك المشاكل التي يعاني منها. فيجب على الداعية أن يربط تلك القضايا بالدين حتى يتمكن الإيمان من قلب المدعو مع إخلاص العمل لوجه الله عز وجل.

التلطف والرفق بالمدعو

15 - التلطف والرفق بالمدعو: يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} سورة النحل: آية 125 ويقول كذلك: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} سورة آل عمران: آية 159 وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم برقم (2594) . ويقول أيضًا: «إن الله رفيق يحب الرفق» البخاري 1. / 375 ومسلم برقم (2165) . فالداعية الناجح هو الذي يرفق بالمدعوين ويستخدم في دعوته الحكمة والموعظة الحسنة. والرفق واللين من أخلاق الأنبياء فقد قال الله لموسى وهارون عندما أمرهما أن يذهبا إلى فرعون ذلك الطاغية المتكبر المتجبر الذي ادعى الألوهية فقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} سورة القصص: آية 38 وادعى الربوبية فقال {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} سورة النازعات: آية 24. قال الله لهم {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} سورة طه: آية 44.

فإذا كان هذا مع فرعون فمع غيره أحرى وإذا كان الأمر للأنبياء فلنا فيهم أسوة حسنة. ولهذا لما رأي النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فأراد الصحابة أن يقعوا فيه، والبول في المسجد منكر عظيم. قال لهم: «دعوه وأهريقوا على بوله سجلًا من ماء» الفتح 1 / 323. وفي رواية: «لا تزرموا عليه بوله فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه البخاري. والشواهد على هذا كثيرة من السنة. والمطلوب من الداعية هو التلطف مع المدعو والرفق به والأقربون أولى بالمعروف. اهـ

استعمال شيء من الدعابة والمزاح المباح

16 - لا بأس من استعمال شيء من الدعابة والمزاح المباح: وذلك لإبعاد استثقال المدعو للداعية فإن الداعية إذا كان مرحًا كان أدعى إلى حبه من المدعوين ولكن من دون إفراط. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم بعض الدعابة والمزاح ولكنه إذا مزح لا يقول إلا حقًا. وروى الترمذي في الشمائل عن الحسن البصري رحمه الله قال: «أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ادع الله أن يدخلني الجنة فقال: (يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز) فولت تلك العجوز تبكي فقال النبي عليه الصلاة والسلام: [أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} {عُرُبًا أَتْرَابًا} » سورة الواقعة: الآيات 35-37. وهذا الأثر حسنه شيخنا الألباني في مختصر الشمائل. وأما ما كان عليه السلف الصالح فكثير فقد كان الشعبي يمزح وكان الأعمش يمزح، وكثير من المحدثين من سلف هذه الأمة كانوا يمزحون وخير الأمور أوسطها. والله الموفق.

الأخلاق الفاضلة

17 - الأخلاق الفاضلة: يقول الله عز وجل مادحًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم: آية 4 فالأخلاق الفاضلة من أجمل ما يتحلى به الداعية فبها يستطيع الداعية أن يكسب الكثير من المدعوين. ونظرًا لأنه كان إذا أمر بشيء بدأ بنفسه فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن. رواه مسلم رقم (746) . ومن أهم هذه الأخلاق: أ - التواضع: «ومن تواضع لله رفعه الله» . النووي على مسلم 16 / 141. ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام:أنه كان يقضي للناس حوائجهم حتى كانت الجارية لتأخذ بيده عليه الصلاة والسلام فتطوف به في المدينة.وكان عليه الصلاة والسلام يسلم على الصبيان. وقد وصف الله المؤمنين أنهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} المائدة:آية 54. فيجب على الداعية أن لا يغفل عن هذا الخلق العظيم، إلا أن بعض الدعاة لكثرة مشاغلهم يصدر منهم تصرف يبدو للمدعوين أنه متكبر فلا يفتح الداعية هذا الباب على نفسه وعليه بالصبر.

ب - الحلم: وهو أمر مهم للداعية وله أسوة حسنة بخيرة خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: «كنت ماشيًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال الأعرابي: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر له بعطاء» . الفتح 10 / 503. فانظر إلى حلمه وتواضعه عليه الصلاة والسلام على هذا الأعرابي. فيلزم الداعية التخلق بهذا الخلق الحسن ولكن لا يصل به الحال إلى درجة الذل فأحيانًا يصفح عمن أساء إليه لأنها من صفات المؤمنين وأحيانًا أخرى ينتصر لنفسه لتظهر قوته ومكانته ويرهبه أعداء الله عز وجل. قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} سورة الشورى: آية 39.

إنزال الناس منازلهم

18 - إنزال الناس منازلهم: إن من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية كل إنسان منزلته فمن كان من أهل المكانة والوجاهة أنزله المنزلة التي تليق به ومن كان شيخًا للقبيلة أنزله منزله وهكذا. ومن أراد أن يسوي بين الناس في دعوته فيبوء بالفشل. فلقد روى مسلم في مقدمة صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم» . وفي سنن أبي داود من طريق ميمون بن أبي شبيب أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل فأعطته كسرة خبز ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلوا الناس منازلهم» - الحديثان مختلف في صحتهما فمن أهل العلم من يقول إنهما منقطعان ومنهم من يجعلهما متصلين. قال الحافظ النووي رحمه الله كما في شرحه لصحيح مسلم: ومن فوائده: تفاضل الناس في الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها. اهـ. وكان النبي عليه الصلاة والسلام: إذا كتب كتابًا إلى ملك أو غيره أنزله منزلته فمن ذلك مثلًا «من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» الفتح 1 / 32.

الشاهد قوله عظيم الروم. فيجب على الداعية أن يتنبه لهذا الحديث وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

الاستمرار في تقويم المدعو

19 - الاستمرار في تقويم المدعو: إن التقويم من الداعية للمدعوين أمر ضروري إذ من خلاله يمكن أن يتعامل مع المدعوين بناء على ذلك التقويم. والتقويم يكون الفرد المدعو عضوًا صالحًا في المجتمع الإسلامي، والتقويم يكون على الأقوال والأفعال التي يلمسها الداعية وتارة يكون على ما غاب عليه وذلك بأن ينقل إلى الداعية من أخبار المدعو ما يلزم تقويمه بعد التثبت من صحة ما نقل. وهذا الجانب أهم من الأول إذ إن المدعو قد يتصنع الاستقامة أمام الداعية. فإذا نقل إلى الداعية أن المدعو يصاحب أناسًا لا خير فيهم وجب التنبيه على ذلك بالرفق واللين كما تقدم. ولهذا ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» ... ) رواه أبو داود. ويقول الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... إن المقارن بالقرين يقتدي ولا بد أن يشمل التقويم جميع الجوانب وإلا كان ناقصًا وعلى حساب جانب دون آخر فكما يجب تقويم الأفعال من عبادات وغيرها فيجب تقويم الأقوال والأخلاق والهيئة ... إلخ.

لا اعتبار للسوابق

20- لا اعتبار للسوابق: من الناس من إذا أراد أن يقوم فردًا نظر ما قد سلف منه من زلات وأخطاء ولو قد تاب عنها. فيظل يذكر تلك السوابق للمدعو ويقرعه بها وهذا خطأ محض إذ إن التوبة تمح ما قبلها فلا داعي إذًا من ذكر العثرات والسقطات فإذا أراد الداعية أن يكون تقويمه مثمرًا فعليه بمعالجة حاضر المدعو لا ماضيه.

تنويع وسائل وأساليب الدعوة والتقويم

21- تنويع وسائل وأساليب الدعوة والتقويم: مما ينبغي للداعية أن ينوع أساليبه في الدعوة والتقويم حتى لا يسبب ردة فعل عند المدعو وكل بحسبه. فمن الوسائل النصح بالحكمة والموعظة الحسنة وإخلاص النية لله وأن يكون ذلك على انفراد. قال الإمام الشافعي رحمه الله: تعمدني في النصيحة في انفراد ... وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرض استماعه وإن خالفتني وعصيت أمري ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة ومنها الكتابة بكلمات رقيقة معبرة عن المراد. ومنها الشريط الإسلامي. ومنها الاصطحاب إلى خطبة جمعة أو محاضرة. ومنها اصطحابه إلى الحلقات العلمية وهكذا. ***********

خاتمة

خاتمة الحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذا جهد المقل في هذا الجانب حاولت فيه إبراز أهمية الدعوة الفردية في تربية الأجيال وتكلمت فيه على الأطوار التي ينبغي أن يمر بها المدعو كما أوردت بعض العوامل الأساسية لنجاح هذه الدعوة وأحوال المدعوين إلى غير ذلك من الفوائد. أسأل الله تعالى أن ينفع بها الإسلام والمسلمين وأن يجعلها منقذة لكثير من التائهين إنه سميع مجيب. ولا أنسى أن أقدم شكري الجزيل لشقيقي عمر بن محمد بن زيد حيث قام بتبييض هذه الرسالة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه: أبو عبد الرحمن عقيل المقطري بعد صلاة الصبح من يوم الأحد 2 ذو القعدة 1421هـ 3 مايو 1992م تعز - اليمن

§1/1