الدعوة الإصلاحية في بلاد نجد على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب وأعلامها من بعده

عبد الله المطوع

مقدمة

المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن بين يديك أخي القارئ الكريم أوراق كتبتها وجمعتها عن عَلَمٍ من أعلام الأمة، ألا وهو الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ الذي قام يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سنوات طويلة من حياته التي امتدت لما يقارب من التسعين عاما، وقد واجه في سبيل ذلك الكثير من العنت والإعراض والأذى، وناله عدد من المغرضين بالسب والافتراء والبهتان ووصفوه بالابتداع، وألّبوا عليه عوام الناس وخواصهم، ولكنه صبر وصابر حتى أظهره الله تعالى ونصر دعوته. والقارئ المنصف والمطلع المتجرد لسيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ومؤلفاته ورسائله، يجدها بحمد الله تعالى متفقة مع نصوص الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المعتبرين من علماء الإسلام، وبعيدة كل البعد عن لمز وهمز أهل الأهواء والضلال.

ولا يخفى عليك أخي الكريم حديث المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" 1، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " يجدد لها دينها" أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده، وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينا، بعث إليهم علماء أو عالما بصيرا بالإسلام وداعية رشيدا يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذرهم من محدثات الأمور، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فسمي ذلك تجديدا بالنسبة للأمة، لا بالنسبة للدين الذي شرعه وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] 2. فقبل قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بدعوته الإصلاحية المباركة كانت الأوضاع الدينية في الأمة بالغة السوء، وقد شهد القرن الثاني عشر الهجري غربة عظيمة للتوحيد والعلم بالدين وأحكامه، ورواجا كبيرا للشرك والجهل والخرافات والبدع.

_ 1 رواه أبو داود، في كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، رقم:4291، وصححه الشيخ الألباني: صحيح سنن أبي داود، 3/23. 2 فتاوى اللجنة الدائمة لرئاسة البحوث، 2/169.

فجدد الله عز وجل بهذا الإمام رحمه الله دين الإسلام وأظهر معالمه وشرائعه، وطمس به الشرك والجهل والضلال، كل ذلك بفضل الله تعالى أولا ثم بفضل دعوته وجهوده المباركة. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ بذل كل الجهد والوقت لإعادة الناس إلى الدين الصحيح، وتصحيح معتقداتهم، وإزالة ما ألصق بالدين من شركيات وبدع وخرافات، ولا شك بأن من قام بهذه الأعمال الجليلة يعد من أعلام الأمة المجددين، الذين كان لهم دور بارز في تجديد معالم الدين بعد اندراسها، وقد اتخذ رحمه الله من كتاب الله الكريم ومن سنة المصطفى الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مرجعا لدعوته الإصلاحية المباركة، سائرا وملتزما بمنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى. الغرض من هذا الكتاب: حرصت عند كتابتي هذه الأوراق وجمعها من مصادرها المختلفة تحقيق عدد من الأهداف، والتي من أهمها: التوكيد على سلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقيامها على الكتاب العزيز والسنة المطهرة وفق منهج أهل السنة والجماعة، دون ابتداع أو تبديل، وبيان عدد من إصلاحاتها وآثارها، وهذا كله من حقوق الشيخ رحمه الله علينا.

* الدفاع عن هذه الدعوة السلفية الإصلاحية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنها، وإزالة الشبه الباطلة التي أثارها أعداؤها في مسعى منهم لتشويه سمعة هذه الدعوة، ولمزها بالابتداع والضلال وغير ذلك، لصرف الناس عنها. * نشر فضائل أئمة هذه الدعوة، والتعريف بمن كان له فضل ـ بعد فضل الله تعالى ـ في نشرها، والمحافظة على استمرارها من الولاة والحكام والعلماء والدعاة، وهذا لا شك فيه بيان لحقهم علينا، وإبراز لجهودهم. * بيان الأثر العظيم الذي تسببت به هذه الدعوة الإصلاحية من الخير العظيم على الأمة، سواء في داخل الجزيرة أو خارجها. هذه أبرز الأهداف التي حرصت من خلالها على نشر هذه الأوراق وبثها في المكتبة الإسلامية، وتيسير اطلاع طلاب العلم عليها، وهذا الكتاب في أصله مجموعة محاضرات ألقيتها على طلاب المستوى السابع (4/1) في كلية أصول الدين بالرياض لكون مقرر " الدعوة الإصلاحية" أحد المقررات المعتمدة في جميع أقسام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المباركة1.

_ 1 لعلني أجد لنفسي عذرا لعدم التوسع في بعض موضوعات هذا الكتاب وإنما أكتفي بإشارات إليها لالتزامي بزمن المحاضرات الدراسية والمنهج المقرر.

قبل البدء: قال الشاعر: وقلت في نفسي صححته ... كم من كتاب قد تصفحته ثم إذا طالعته ثانيا ... رأيت تصحيفا فأصلحته وقال العماد الأصفهاني: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". ويأبى الله عز وجل أن يجعل الكمال إلا لكتابه الكريم، الذي يقول سبحانه وتعالى عنه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ، وقال جل شأنه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . ولا يغيب عن ذهنك أخي الكريم أن ما في هذا الكتاب هو اجتهاد من الكاتب، فما كان فيه من صواب فهو من توفيق الله تعالى وفضله، وما كان فيه من خطأ فهو لا يعدو كونه عملا بشريا يعتريه كثيرا النقص والخطأ1.

_ 1 عند وجود أي ملحوظة أو خطأ فالرجاء دلالة المؤلف عليه ليتم تلافيه وتصحيحه، لنكون بإذن الله من المتعاونين على البر والتقوى، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

الشكر والدعاء: أحمد الله جل شأنه وتعالى ذكره على ما أنعم به عليّ من إتمام هذا الكتاب، فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، ثم الدعاء لوالديّ الكريمين بالمغفرة والرحمة وطول العمر على طاعة الله تعالى، {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] . والشكر والدعاء لكل من أبدى لي ملحوظة أو ساهم برأي أفاد في ظهور هذا الكتاب بما هو عليه الآن، وفي مقدمة الجميع فضيلة الشيخ أ. د/ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء على تفضله بقراءة هذا الكتاب والتقديم له، فبارك الله في الجميع وجزاهم على ذلك كل خير. د أسأل المولى عز وجل أن يرزقنا الإخلاص له سبحانه وحده، وأن يجعل هذا العمل من الصدقة الجارية التي تنفعني في الحياة وبعد الممات، كما أسأله سبحانه أن يوفقنا للعمل الصالح والعلم النافع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه عبد الله بن محمد بن عبد المحسن المطوع الرياض

تمهيد

تمهيد ... بسم الله الرحمن الرحيم تقديم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد: فقد اطلعت على الكتاب المفيد الذي هو بعنوان: "الدعوة الإصلاحية في بلاد نجد على يد الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأعلامها من بعده" تأليف الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد المحسن المطوع وفقه الله، فألفيته كتابا قيما مفيدا في موضوعه، فيه تقويم لهذه الدعوة المباركة، ورد على الشبهات التي أثيرت حولها بقصد تشويهها وصد الناس عنها، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى

الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:32ـ33] ، والحمد لله ما زادت هذه الشبهات وهذه الاعتراضات هذه الدعوة المباركة إلا تألقا وظهورا، كما قال الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف عرف طيب العود ومن ظهور هذه الدعوة المباركة أن قيض الله لها من يظهر مزاياها ويرد الكيد عنها، كما قال الشاعر: وقل للعيون الرمد للشمس أعين ... سواك تراها في مغيب ومطلع ومن هؤلاء الذين نافحوا عن هذه الدعوة المباركة صاحب هذا الكتاب الشيخ عبد الله بن محمد المطوع جزاه الله خيرا وأثابه على ما فعل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. كتبه/ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء 10/8/1420هـ

الفصل التمهيدي

الفصل التمهيدي المقصود بالدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية ... 1ـ المقصود بالدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية يحسن بنا قبل الحديث عن مفردات هذا الكتاب أن نبين المقصود بالدعوة الإصلاحية والجزيرة العربية. فالمقصود بالدعوة الإصلاحية هي: تلك الجهود الكبيرة والأعمال الجليلة التي قام بها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لتصحيح الأوضاع الدينية الفاسدة والأحوال الاجتماعية المنحرفة التي كانت سائدة في الجزيرة العربية بعامة وفي وسطها بخاصة إبان القرن الثاني عشر الهجري. أما الجزيرة العربية فهي: المنطقة الواقعة في قلب العالم والمحدود شمالا ببلاد الشام والعراق وجنوبا ببحر العرب وشرقا بالخليج العربي وغربا بالبحر الأحمر وتسمى أيضا بشبه الجزيرة العربية؛ لأن المياه تحيط بها من جهات ثلاث فقط، وفي الوقت الراهن تتكون في الجزيرة العربية مجموعة من الدول هي: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، والكويت، وعمان، واليمن1. ولجزيرة العرب خصائص تتميز بها عن غيرها، منها: 1- أنها مهد الإسلام ومنطلق الرسالة الخاتمة وعاصمتها الأولى

_ 1 انظر الأقوال في حدود جزيرة العرب في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، 6/170، وشرح النووي لصحيح مسلم،11/95.

وقاعدتها الحصينة، ففيها ولد خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم وفيها بعث وبين بلادها هاجر، ومنها أشرقت أنوار رسالته لتضيء أرجاء المعمورة. 1- أنها تضم أعظم البقاع وتحتضن أشرف الأماكن في الأرض ففيها الحرم الآمن الذي جعله الله مثابة وأمنا كما قال عز وجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] ، وقال عز وجل: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص:57] ، وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} الآية [العنكبوت: 6] . والمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96-97] . وفيها طيبة الطيبة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستقره التي بها مسجده عليه الصلاة والسلام ذو المرتبة التالية للمسجد الحرام. وفيها أيضا البقاع المشرفة والمواضع المحترمة المقدسة عند أهل الإسلام والمرتبطة بالركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، وهذه البقاع هي: منى وعرفات والمزدلفة. 3- أن الله تعالى اختار لغة أهلها لتكون لغة لأعظم كتبه وأشرفها وخاتمها كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2] ، وقال سبحانه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى

قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] . 1- أنها في الإسلام وقف على الإسلام وأهله لا يجتمع فيها دينان ولا يستقر فيها كافر حتى يبقى شرع الله تعالى ودينه فيها بلا منافس ولا منازع1. ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" 2. وفي المسند وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "لا يترك بجزيرة العرب دينان" 3، وروى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما" 45.

_ 1 انظر الأقوال في هذه المسألة في فتح الباري المطبوع مع صحيح البخاري، 6/171، وشرح النووي لصحيح مسلم، 11/95، وفي ذلك يقول ابن حجر: "مذهب الجمهور في أن ما يمنعون من سكناه هو الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها ... "، وقال النووي: "والصحيح أنها: المدينة ومكة واليمامة واليمن". انظر: المرجعين السابقين بنفس الموضع. 2 رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة، رقم: 3053، ورواه مسلم في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، رقم:4208. 3 رواه الإمام أحمد، رقم25148، ورواه بلفظ قريب الإمام مالك في الموطأ في كتاب الجامع2/236. 4 رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، رقم: 4569. 5 انظر: خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبو زيد، وحقيقة الدعوة إلى الله وما اختصت به جزيرة العرب، للشيخ سعد الحصين، ص 59.

أهداف الحديث عن الدعوة الإصلاحية ودراستها

2ـ أهداف الحديث عن الدعوة الإصلاحية ودراستها: نهدف من دراسة الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية إلى أمور مهمة منها: 1- بيان أهمية الدعوة إلى الله تعالى من خلال تقديم أنموذج حي قريب يمثل هذا المنهج في العصور المتأخرة، والتوكيد على أن مسيرة الدعوة وفق المنهج الصحيح سائرة مستمرة في طريقها برغم العوائق والعقبات. 2- التوكيد على سلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقيام دعوته على نصوص الكتاب والسنة ووفق منهج أهل السنة والجماعة وأن دعوته متبعة لهذا المنهج العظيم. 3- التعريف بعدد من الأعلام ممن كان لهم دور عظيم في نصرة الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. إطلاعنا نحن أبناء المملكة العربية السعودية أقرب الناس إلى هذه الدعوة وأكثر المستفيدين منها على أحوال بلادنا قبل الدعوة وبعدها وتذكيرنا بذلك وترسيخه في أذهاننا؛ لندرك عظيم نعمة الله تعالى علينا الذي أنقذنا من الشرك والجهل والخرافة وفتح لنا أبواب الخير والرزق بسبب هذه الدعوة المباركة لنشكر نعمة الله عز وجل علينا.

ونحافظ على أسباب استمرار هذا الخير، ثم نعرف لأهل هذا الفضل فضلهم، وأهل الفضل هنا هم الذين قاموا بالدعوة وناصروها من الحكام والعلماء.

تعريف الدعوة إلى الله تعالى

تعريف الدعوة إلى الله تعالى: لكلمة الدعوة في اللغة معان متعددة منها: الطلب والنداء والحث والسؤال، وهي مصدر للفعل الثلاثي دعا1، والمعاني السابقة تجتمع في الدعوة التي نقصدها. وتكون الدعوة إلى الخير كما تكون إلى الشر أيضا، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر:41-42] ، وقوله: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:221] . أما الدعوة في الاصطلاح فتطلق ويراد بها أمران أو معنيان: المعنى الأول: دين الإسلام نفسه، ولها بناء على هذا المعنى تعريفات، منها: 1- دين الله الذي بعث به الأنبياء جميعا، تجدد على يد محمد صلى الله عليه وسلم

_ 1 انظر المراجع اللغوية الآتية: "مادة دعا" تاج العروس للزبيدي10/126، لسان العرب لابن منظور، 14/257، الصحاح للجوهري، 6/2336، مختار الصحاح للرازي ص86، المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين1/286.

خاتم النبيين، كاملا وافيا لصلاح الدين والآخرة1. 2- الخضوع لله والانقياد لتعاليمه بلا قيد ولا شرط2. والمعنى الثاني: عملية نشر الإسلام وتبليغه، وهذا المعنى هو المقصود هنا3، ولها بناء على المعنى تعريفات كثيرة منها: 1- حث الناس على الخير والهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليفوزوا بسعادة العاجل والآجل4. 2- العلم الذي تعرف به كافة المحاولات الفنية المتعددة، الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام، بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق5. 3- الحث على فعل الخير، واجتناب الشر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحبيب بالفضيلة، والتنفير عن الرذيلة، واتباع الحق ونبذ الباطل6.

_ 1 الدعوة الإسلامية "دعوة عالمية"، محمد الراوي، ص39. 2 الدعوة الإسلامية"أصولها ووسائلها"، د. غلوش، ص 12. 3 لأن لفظ الدعوة إذا أطلق فإنه ينصرف عرفا إلى هذا المعنى، وهو الدعوة إلى الإسلام بمعنى النشر والبلاغ، وهو المعنى الذي تواردت عليه معظم النصوص في الكتاب والسنة، انظر: المدخل إلى علم الدعوة، د. البيانوني، ص 18. 4 هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة، علي محفوظ، ص 17. 5 الدعوة الإسلامية" أصولها ووسائلها"، د. غلوش، ص10. 6 مرشد الدعاة، محمد الخطيب، ص24.

1- تبليغ الإسلام للناس وتعليمه إياهم وتطبيقه في واقع الحياة1. ومن التعريفات السابقة نستطيع أن نعرف الدعوة بالتعريف الآتي: "نشر الإسلام وتبليغه للناس عن علم وبصيرة وفق الطرق المشروعة، اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وابتغاء لمرضاة الله عز وجل وثوابه". ولمصطلح الدعوة إلى الله تعالى بناء على هذا التعريف علاقة مباشرة بمصطلحات أخرى: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، والوعظ، والتذكير، والاحتساب، والإصلاح، والتجديد، فمفهوم الدعوة إلى الله تعالى يضمها جميعا2. *****

_ 1 المدخل إلى علم الدعوة، د. البيانوني، ص17. 2 انظر: نصوص الدعوة في القرآن الكريم دراسة تأصيلية، د. حمد العمار، ص11-31.

أهمية الدعوة إلى الله وفضلها

4ـ أهمية الدعوة إلى الله وفضلها الدعوة إلى الله تعالى من أهم الطاعات وأجل القربات التي أمر بها الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما يبين شرفها ومنزلتها وأهميتها النقاط الخمسة الآتية: 1- أن الدعوة إلى الله تعالى تولاها الله سبحانه بنفسه فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة، وينهاهم عن معصيته ومخالفة أمره التي هي طريق النار والعذاب، كما قال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25] . ولذلك أرسل سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب التي فيها الأوامر الصريحة بتوحيده وتقواه وطاعته، كما أنه سبحانه وتعالى نصب الأدلة والبراهين من مخلوقاته وآياته على أنه الرب الخالق المدبر المتصرف في هذا الكون، والإله الحق الذي يجب أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه. 2- أن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين الذي هم خيار الخلق وأشرف العباد، فإن الله تعالى اصطفى من عباده خيارهم ليكلفهم بالدعوة إليه سبحانه وتبليغ دينه كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ

بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ { [النحل: 36] ، وقال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي} [الأنبياء:25] ، وقوله سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165] ، وقوله سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] . فهي وظيفة هؤلاء الأخيار الأطهار المصطفين من عباد الله، ويأتي في مقدمتهم فضلا ومكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45ـ46] ، فأي وظيفة أكرم وأشرف من وظيفة يتولاها خيار الناس ويقومون بها. 3ـ أن الله تعالى جعل أحسن الأقوال وأشرفها الدعوة إليه سبحانه كما قال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] . يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله حول هذه الآية: "هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا، أي كلاما وطريقة وحالة ممن دعا إلى الله بتعليم الجاهلين ووعظ الغافلين والمعرضين ومجادلة المبطلين بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها، والحث عليها وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه وتقبيحه بكل

طريق يوجب تركه، خصوصا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الدعوة إلى الله: تحبيبه إلى عباده بذكر تفاصيل نعمه وسعة جوده وكمال رحمته وذكر أوصاف كماله ونعوت جلاله. ومن الدعوة إلى الله: الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك: الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين. ومن ذلك: الوعظ لعموم الناس في الأوقات والمواسم والعوارض والمصائب بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك مما لا ينحصر إفراده بما تشمله الدعوة إلى الخير كله والترهيب من جميع الشر"1. 4ـ أن من أسباب تفضيل هذه الأمة على غيرها وتميزها بين سائر الأمم وخيريتها عليهم كونها تدعو إلى الله تعالى بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، قال سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] . قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " يخبر تعالى

_ 1 تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلام المنان، ص695.

عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان بن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ... والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس"1. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه موضحا معنى هذه الآية: "من فعل فعلهم كان مثلهم"2،أي من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وآمن بالله تعالى وأتى بهذه الصفات الثلاثة فهو من أهل هذه الأمة الخيرة. وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في الآية: "هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم وأنهم خير الناس للناس نصحا ومحبة للخير ودعوة وتعليما وإرشادا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وجمعا بين تكميل الخلق والسعي في منافعهم بحسب الإمكان وبين تكميل النفس بالإيمان بالله والقيام بحقوق الإيمان"3.

_ 1 تفسير القرآن العظيم، 1/420، وأثر أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري، في الصحيح في كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، رقم: 4557. 2 تفسير القرطبي، 4/170. 3 تيسير الكريم الرحمن، ص113.

5ـ استمرار الثواب والأجر وتتابعه للداعي إلى الله تعالى إذا اهتدى على يديه أحد؛ مما يدل على أهمية الدعوة وفضلها وعلو شأنها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" 1. فأبان هذا الحديث عظم الجزاء للداعية المترتب على تأثر الناس بدعوته " فإنه من دعا إلى هدى كان له مثل أجور تابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك"2. وجاء في حديث آخر عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" 3. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ابن

_ 1 رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم: 6745. 2 شرح النووي على صحيح مسلم،15/346. 3 رواه مسلم في كتاب الجهاد، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، رقم: 4876.

آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" 1، والعلم الذي ينتفع به يدخل في عموم الدعوة إلى الله تعالى. ولو أردنا استقصاء ما يدل على أهمية الدعوة وبيان منزلتها العظيمة لطال بنا المقام ولما استطعنا ذلك لكثرته في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكننا نستطيع القول بأن كل ما يدل على مشروعية الدعوة يدل بالضرورة على شرفها وفضلها ومنزلتها؛ لأنها طاعة وقربة لله تعالى. *****

_ 1 رواه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم: 4199.

منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله

5ـ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله المنهج: هو الطريق الواضح البين1، وهو الطريق المستقيم الواضح الذي لا يتغير2. فمنهج السلف الصالح في الدعوة واضح وثابت لا يتغير لكونه مستمد من الشريعة الإسلامية، وإن تبدلت أساليبه ووسائله من زمان لآخر، ومن أشخاص لآخرين، حسب حال المدعو وظروف الدعوة وموضوعها. والسلف الصالح: هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أهل القرون المفضلة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث3. وهكذا من جاء بعدهم من أتباعهم أئمة الدين وأعلام الملة الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخالفوه في الاعتقاد والقول والعمل، ولم يبتدعوا ولم يبدلوا، ولم يحدثوا في دين الله ما ليس منه4، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة والفرقة

_ 1 مختار الصحاح، الرازي، مادة نهج، ص284. 2 المعجم الوسيط، مادة نهج، ص284. 3 رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أُشهد، رقم: 2652، ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، رقم 6417. 4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، الحنفي ص330، مفهوم السنة والجماعة، د. العقل، ص79.

الناجية الذين جاء ذكرهم في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" 1. وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" 2. كما ذكرهم عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله: من هم؟ قال: الجماعة" 3. وقد قال أيضا عليه الصلاة والسلام: "وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ... " الحديث4.

_ 1 رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي.." رقم: 6767. 2 رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي.."، رقم: 393. 3 رواه ابن ماجة، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم: 4063، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجة، 3/307. 4 رواه الترمذي في كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم:2676، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجة في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم: 43.

وسمى السلف سلفا: لسبقهم في الوقت وقربهم من الرسالة مقارنة بمن بعدهم، ولتقدمهم في الفضل والمكانة والخير والهدى، ويسمون أهل السنة: لانتسابهم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بها وعدم عدولهم عنها. وسموا بالجماعة: لاجتماعهم على الحق والهدى، ولأن السلف الصالح أهل اتباع لا ابتداع واجتماع لا اختلاف؛ لأنهم يتلقون عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فطريقتهم ومنهجهم في العلم والاعتقاد والقول والعمل أسلم وأعلم وأحكم1. ومن خلال تتبع النصوص الشرعية وفهم السلف وتطبيقهم لها يمكن القول بأن منهج السلف في الدعوة يقوم على ركائز جليلة، من أهمها: 1ـ العلم: وهو أول أمر يقوم عليه منهج السلف في الدعوة إلى الله تعالى، فالدعوة بلا علم دعوة فاسدة باطلة لا قيمة لها ولا اعتبار، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فتشبع الداعي بالعلم بالدعوة والمعرفة بأصولها وفروعها وأسباب نجاحها وفشلها من العوامل الرئيسة التي لا يستغني عنها الداعية بأي حال من الأحوال2. ولا يتصور وفق منهج السلف قيام دعوة صحيحة من دون علم

_ 1 انظر: شرح العقيدة الواسطية، الشيخ د. صالح الفوزان، ص211ـ214، مفهوم السنة والجماعة، د. العقل، ص79. 2 انظر: أسس الدعوة، الشيخ الجزائري، ص62.

بدين الله، والعلم المقصود هنا هو: العلم بنصوص الكتاب والسنة، وهو كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة1. وهو مرتبط بجميع مراحل الدعوة ولذلك قال الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] ، والبصيرة: هي العلم والفهم كما قال بذلك جماعة من المفسرين2. والعلم لا أن يسبق القول والعمل، وممن أوضح ذلك الإمام البخاري في كتابه الصحيح حين وضع بابا في كتاب العلم وسمه بقوله: "باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] فبدأ بالعلم"3. وبفقد العلم في الدعوة يتحكم الهوى وتقع بسبب ذلك المصائب والضلالات والجهالات، كما قال جل وعلا: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119] . والدعوة بلا علم قول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم

_ 1 انظر: مقدمة كتاب الأصول الثلاثة. 2 انظر مثلا: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير3/80، وتيسير الكريم الرحمن لابن سعدي، ص 361. 3 انظر: الصحيح المطبوع مع فتح الباري، 1/159.

وكذب وافتراء عليهما وذلك من أقبح الذنوب وأعظم السيئات، كما قال عز وجل: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144] ، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، وقال عز وجل: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36] . وقال عليه الصلاة والسلام: " من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار" 1. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: " من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" 2. يقول الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ ناصحا كل داعية مخلص: " إياك أن تدعوا على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به والبصيرة بما قاله الله ورسوله ... "3. وكل هذا يؤكد وبجلاء على أهمية قيام الدعوة إلى الله تعالى على

_ 1 رواه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 107. 2 رواه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 109. 3 الدعوة إلى الله سبحانه وأخلاق الدعاة، ص35.

أسس وقواعد متينة مرتكزة على العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى تؤتي الدعوة ثمارها المرجوة منها بإذن الله تعالى. 2ـ العمل: المقصود بالعمل: تطبيق ما تعلمه الإنسان على نفسه أولا، والاجتهاد في ذلك، ليكون الداعية قدوة حسنة للمدعوين في كونه عاملا بما يأمرهم به، مجتنبا ما ينهاهم عنه. ولأهمية العمل والاستقامة على طاعة الله لا سيما في حق الداعية فقد أمر الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] ، وقوله عز وجل لموسى وهارون {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89] . وقال تعالى عن شعيب عليه السلام وهو يدعو قومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب} [هود: 88] . وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية اقتران العمل بالعلم فقرنوا بينهما في تعلم كتاب الله تعالى والعمل به، فقد روى الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني: قال: حدثنا من كان يقرئنا القرآن من أصحاب رسول الله

ذلك هو منهج السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ وبه يتواصون يقول الفضيل رحمه الله: " على الناس أن يتعلموا فإذا علموا فعليهم العمل"1، ويقول ابن عيينة: "العلم إن لم ينفعك ضرك"، وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ معلقا على هذا القول: "يعني إن لم ينفعه بأن يعمل به ضره بكونه حجة عليه"2. والذي لا يعمل بما علم يقع تحت طائلة الوعيد الذي أخبر الله تعالى عنه في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون} [الصف: 2، 3] ، وقد ذم الله اليهود ووبخهم بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُون} [البقرة: 44] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته، ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين: اثبت على الذي أنت عليه، وما يأمرك به هذا الرجل ـ يريدون محمدا صلى الله عليه وسلم ـ فإن أمره حق، فكانوا

_ 1 اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، بتحقيق الشيخ الألباني، ص 37. 2 المرجع السابق، ص 56.

يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه"1. وفي الحديث الذي رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له: يا فلان، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" 23، فيتضح من هذا الحديث الشريف التحذير لمن خالف قوله عمله، نسأل الله العافية والسلامة، ثم ليعلم الداعية أن

_ 1 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/343. 2 رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم: 3267. 3 قد يوجد تساؤل أو شبهة عند البعض لكونه لا يقوم بالدعوة والاحتساب خشية أن يقع تحت طائلة هذا الوعيد الوارد في هذه النصوص، ويقول: أنا لا أقول بذلك لأني لدي ذنوب ومعاصي، فلذلك لا أقوم بالاحتساب، فيجاب عن هذا التساؤل بقول الإمام سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ: " لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر"، ولأنه لا يتصور عدم الوقوع بالذنوب والمعاصي من بني آدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه ابن ماجة، أبواب الزهد، باب ذكر التوبة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة، 2/418، فعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة مع حرصه على فعل الطاعة واجتناب المعصية حتى لا يقع في ذلك الوعيد الوارد في النصوص السابقة، لأن الذم الوارد فيها بسبب مخالفتهم لواقعهم وليس بسبب أمرهم أو نهيهم، وللاستزادة حول هذه الشبهة، انظر: شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د. فضل إلهي، ص22.

العمل بطاعة الله تعالى وأوامره زاد عظيم يقويه ويعينه على المضي في طريق دعوته، وليكون قدوة حسنة للمدعوين. 3ـ مراعاة الأوليات في الدعوة: فبما أن موضوعات الدعوة تتفاوت في الأهمية كما تتفاوت الأساليب والوسائل والمدعوين، فإن منهج السلف الصالح يقوم على وجوب مراعاة الأوليات في هذه الأمور، فتقدم الأصول على الفروع، والأهم على ما دونه في الأهمية، والفاضل على المفضول. فأمور العقيدة مثلا في مضمون الدعوة هي أهم ما يجب التركيز عليه، وهي المقدمة على ما سواها وبخاصة إذا كان هناك خلل في هذا الجانب عند المدعوين، ويدل على ذلك عناية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بالتوحيد أولا، واهتمامهم به فكل رسول يدعو قومه إليه أولا، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 68] وكل نبي يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 84] . ويدل على هذا الأمر أيضا وصيته عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم

أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 1. فانظر كيف رتب عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه فهذه الأمور بحسب أهميتها. يقول الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: " وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ـ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك معاذا.."2. على أن ترتيب الأولويات لا يعني ترك الدعوة إلى ما دون الفاضل لأجل المفضول، فمثلا: نبدأ بالدعوة إلى مسائل العقيدة والتوحيد، وهذا لا يعني أن نغفل جوانب شرعية ودينية أخرى من العبادات والأحكام والمعاملات، وقد تجلى هذا الأمر في دعوات كثير من الأنبياء عليهم السلام، فشعيب عليه السلام دعا إلى التوحيد، ولكنه لم يغفل إنكار ما عليه أكثر قومه من تطفيف المكيال والميزان،

_ 1 رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء ... ، رقم: 1496، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم: 121. 2 الدعوة إلى الله، ص18ـ 19.

قال تعالى: {إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 84] ، ولوط عليه السلام دعا إلى التوحيد ولكنه لم يغفل إنكار الجريمة الشنعاء التي وقع فيها قومه، قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) } [الشعراء: 160، 166] . 4ـ استخدام الوسائل والأساليب الدعوية المشروعة: إن منهج السلف الصالح في الدعوة يقوم على أن الأساليب والوسائل لها حكم الغايات، فغاية الدعوة وهدفها شريف ومشروع، فكذلك يجب أن تكون أساليبها ووسائلها، ولذلك فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة مبدأ مرفوض في منهج الدعوة الصحيح، واستخدام الوسائل والأساليب مرتبط بالحكمة التي تضع كل أسلوب وكل وسيلة في موضعها الصحيح، ولقد أوضح الله تعالى في كتابه عددا من أساليب الدعوة ووسائلها، فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، وقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا

مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] ، وقال جل وعلا لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) } [طه: 43ـ 44] ، وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ، وقال جل وعلا: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9] . هذه بعض النصوص التي تحدثت عن الأساليب الدعوية ووسائلها، والمقصود أنه لا يستخدم في أساليب الدعوة ووسائلها إلا ما أباحه الشرع وأجازه، لا ما حرمه ونهى عنه، ولا بد أيضا أن يوضع هذا الأسلوب أو الوسيلة في موضعه الصحيح، حتى تؤتي الدعوة بإذن الله ثمارها المرجوة. 5ـ الصبر على تبعات الدعوة: الصبر من أهم الخصال التي أمر الله بها عباده المؤمنين كما قال جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] ، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] . وهو في حق الداعية أوجب وألزم، فالداعية يحتاج الصبر بأنواعه الثلاثة التي هي الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر

على أقدار الله1، وذلك لطبيعة العمل الذي يقوم به ويؤديه، فهو يحتاج إلى الصبر قبل قيامه بالدعوة بطلب العلم والجمع بينه وبين العمل، ويحتاجه معها في قيامه بتبليغ الدعوة وحرصه عليها، ويحتاجه بعدها لما قد يترتب عليها من إعراض المدعو أو ما قد يلحقه بسببها من الأذى. والصبر لازم للداعية لكونه يسلك سبيل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد تسلحوا بالصبر في دعواتهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: 34] . ولذلك قرن الله التواصي بالصبر مع التواصي بالحق في سورة العصر بقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . وجاء الصبر مقرونا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه كما أخبر الله تعالى عنه: {يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] . يقول الحافظ ابن كثير: "علم ـ لقمان ـ أن الآمر بالمعروف والناهي

_ 1 تحدث عن هذه الصفة وأنواعها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين 2/152.

عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر"1. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده"2. وبعد ذكر أبرز ما يقوم عليه منهج السلف الصالح رحمهم الله في الدعوة نجد أن إمام الدعوة في وقته الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر معظمها حيث قال: "اعلم أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل، الأولى: العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، الثانية: العمل به، الثالثة: الدعوة إلى الله، الرابعة: الصبر على الأذى فيه"3. وهذا مما يؤكد اتباع الشيخ رحمه الله لمنهج أئمة السلف وأعلامهم في دعوته الإصلاحية والتزامه فيها بالضوابط التي ذكروها في الدعوة إلى الله?.

_ 1 تفسير القرآن العظيم، 3/447. 2 الحسبة في الإسلام، ص84. 3 انظر: كتاب أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، ص2. ? تحدث عن منهج السلف في الدعوة: د. عبد الله المجلي، في مذكرة الدعوة الإصلاحية لطلاب كلية الدعوة والإعلام وكلية العلوم الاجتماعية.

الفصل الأول: أحوال العالم الإسلامي قبل الدعوة الإصلاحية

الفصل الأول: أحوال العالم الإسلامي قبل الدعوة الإصلاحية أولا: حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري ... أولا: حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري تمهيد: تفيد دراسة حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري في تشخيص أوضاع المسلمين ومعرفة الانحرافات التي كانت سائدة، لندرك جيدا أهمية الدعوة على الله تعالى وضرورة القيام بها لتصحيح الأوضاع الفاسدة. ت كما ندرك أهمية الجهد الذي بذله الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في معالجة تلك الانحرافات سائرا في ذلك على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ليقتدي به المسلمون اليوم وبمن سبقه من سلف الأمة، للمضي قدما في طريق الدعوة وإبلاغ الحق للناس وحملهم عليه، حتى يتحقق لهم العز والنصر والتمكين والأمن والرخاء بإذن الله تعالى. وسيكون تركيزنا في دراسة حالة العالم الإسلامي على أهم حالتين تندرج بقية الأحوال تحتهما، وهاتان الحالتان هما: * الحالة السياسية. * الحالة الدينية.

أـ الحالة السياسية: كان معظم العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري قبيل دعوة الشيخ محكوما بثلاث دول هي: 1ـ الدولة العثمانية: وهي دولة تنتسب إلى السنة بدأت على يد عثمان بن أرطغرل سنة 687هـ، وسقطت سنة1341هـ، ووصلت إلى ذروة مجدها السياسي في القرن العاشر الهجري وبسطت سلطتها على كثير من الأقطار الإسلامية، ودخلت جيوشها العديد من البلاد الأوربية، أما في القرن الثاني عشر، فقد تدهورت أحوالها واضطربت أمورها. فقد كان سلاطينها ـ في ذلك الوقت ـ من الضعف بمكان بحيث لم يكن لهم من أمر الدولة شيء، بل كان الأمر استبداديا بيد وزرائهم ورؤساء الجيش الإنكشاري1الذين لا يعرفون من أمور السياسة شيئا، وفوق ذلك فقد كان سلاطينها في ذلك الوقت مع زعماء الدولة الآخرين قد اشتغلوا بالملذات والشهوات، وأهملوا شؤون الدولة، واهتم الكل بأموره الخاصة، وكان بعض الوزراء من عناصر أجنبية لا تهمهم مصلحة الدولة وعزها بقدر مصلحة أنفسهم، أما الولاة على

_ 1 الإنكشارية: هم عماد الجيش العثماني، ويشكلون قوة ضخمة في الدولة، انظر: التاريخ الإسلامي، العهد العثماني، محمود شاكر، ص 112.

أقاليم الدولة فقد ساءت إدارتهم، فهمهم الأكبر جمع الأموال من ولاياتهم على حساب شعوبها، مقابل ما بذلوه من رشاوى في سبيل حصولهم على إدارة هذه البلاد أو الولايات، لذلك لم يهتموا بتطوير ولاياتهم تلك، أو إقامة الأمن والعدل فيها، كما أن الحاميات العسكرية التي توجد في هذه الولايات المختلفة كانت تحدث من الفوضى والنهب عند تأخر رواتبها الشيء الكثير، وهكذا تأخرت الزراعة والتجارة والحرف، وما زاد حال الدولة سوءا التدهور العسكري الذي منيت به في ذلك العصر، فقد أخذت دول أوربا تتألب عليها من كل جانب، فقامت حروب بين الدولة العثمانية وبين دول"النمسا روسيا وبلونية والبندقية" انتهت بمعاهدة "كارلوفتش" المشهورة في يناير عام 1110هـ (1699م) والتي حرمت الدولة من كثير من ممتلكاتها في أوربا، وقد زادت هذه المعاهدة من أطماع دول أوربا في أقاليم الدولة العثمانية، وظهر ما يسمى عند المؤرخين بـ" المسألة الشرقية" أي تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بين الدولة الأوربية الطامعة، وهي مسألة تقوم على أساس الاستيلاء على البلاد الإسلامية باسم الاستعمار السياسي، وإخفاء ما ينطوي تحته من محاولة القضاء على الدين الإسلامي، لأنه هو الذي يقف في وجه هذه المحاولة الاستعمارية1.

_ 1 انظر: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، محمد السلمان، ص 20ـ21.

وقد قامت دول في العالم الإسلامي الخاضعة لهذه الدولة بإعلان استقلالها عنها والبعض الآخر ارتبط بها ارتباطا اسميا فقط كما هو الحال في مصر وبلاد المغرب. 2ـ الدولة الصفوية: وهي دولة رافضية مغالية في الرفض حكمت بلاد فارس وما جاورها، وكانت شديدة العداء للدولة العثمانية باعتبار الثانية دولة تنسب إلى أهل السنة، وكانت بدايتها على يد الشاه إسماعيل بن صفي الدين العلوي سنة906هـ وسقطت عام 1135هـ. والغالب على أحوال الدولة الصفوية السياسية والعسكرية الاضطراب والحروب الداخلية. 3ـ الدولة المغولية: وبدأت على يد بابر شاه سنة 937هـ في الهند، وسقطت سنة 1274هـ، وهي دولة خرافية تجمع بين التشيع والتصوف والوثنية، وحالها هو حال سابقتها من الحروب والفتن والاضطراب سقطت بعد ذلك لتخضع الهند إلى حكم الإنجليز سنة1274هـ. أما حال المسلمين على حدود العالم الإسلامي فلم يكن بحال أحسن من داخله، فالإمارات الإسلامية على حدود روسيا القيصرية تعرضت لضغوط خارجية ومحن داخلية انتهى أمرها إلى خضوعها للسيادة الروسية، وفي الصين: اضطهد المسلمون اضطهادا شديدا

على يد أسرة المانشو الحاكمة هناك، وفي أندونيسيا كانت هناك إمارات صغيرة لا حول لها ولا قوة أصبحت فيما بعد لقمة سائغة للهولنديين والإنجليز، وهكذا بقية البلاد الأخرى لم تعش سوى الاضطراب والحرمان والتفكك وغياب السلطة الإسلامية القوية1. ب ـ الحالة الدينية: يعد هذا القرن أشد القرون التي سبقته من حيث سوء حالة المسلمين الدينية فيه، ويتمثل سوء الحالة الدينية في هذا القرن من خلال المظاهر التالية?. 1ـ انتشار أنواع الشرك وظهورها بين المسلمين، سواء بتعظيم القبور والمزارات والمشاهد، ودعاء أهلها أو تقديس الأولياء والصالحين، ووضعهم في مقام العبودية، وصرف أنواع العبادات لهم، أو الحلف بغير الله، أو التعامل مع الكهنة والسحرة والعرافين وتصديقهم، وغير ذلك من أبواب الشرك وطرقه. 2ـ انتشار البدع في الدين، بأنواعها، كبدع الموالد والمناسبات ونحوها، واضمحلال السنن وغربتها.

_ 1 انظر: رشيد رضا ودعوة الشيخ، محمد السلمان، ص 22ـ24، انتشار دعوة الشيخ، محمد جمعة، ص25ـ39، احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسره، ص32ـ36. ? تحدث عن هذه المظاهر: د. عبد الله المجلي، في مذكرة: محاضرات عن الدعوة الإصلاحية.

3ـ غلبة الصوفية وتغلغلها في حياة كثير من المسلمين، وانشغالهم بخرافاتها وضلالاتها وانتصارهم لها. 4ـ ضعف الالتزام بشعائر الإسلام الظاهرة، وشيوع المنكرات الكثيرة في السلوك والأخلاق. 5ـ قلة الدعاة والمصلحين على علم وبصيرة. وفيما يلي نتحدث عن كل مظهر من هذه المظاهر بإيجاز: 1ـ انتشار الشرك: الشرك أعظم الذنوب عند الله تعالى، وهو رأس المنكرات وأقبح السيئات، قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48] ، وقال سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك" 1، ولا يقبل الله معه عمل عامل، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ، وقال سبحانه: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] ، فجعله سبحانه وتعالى على قائمة المحرمات والمنهيات كما دلت عليه هذه الآية

_ 1 رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا..} ، رقم: 4117، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب، رقم: 124، وغيرهما من أهل السنن.

الكريمة، والمشرك بالله خالد مخلد في النار وتحرم عليه الجنة، قال عز وجل {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] ، ولعظم خطره وكبر جرمه عند الله فإن الله عز وجل لا يغفر لصاحبه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، وقال صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار" 1. والشرك: ضد التوحيد، والمشرك هو: من يجعل لله شريكا في عبادته، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والموحد هو: من يعتقد قولا وعملا بأن الله تعالى هو الرب المالك المتصرف المحيي المميت، ويؤمن بكل أسماء الله وصفاته التي وردت في كتابه الكريم أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزهه سبحانه عن الشبيه والنظير، فيؤمن بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله وحده بكل أنواع العبادة ويصرفها له دون من سواه لكونه المستحق للعبادة، وأنواع العبادة كثيرة، منها: الذبح، الدعاء، الرجاء، الخوف، المحبة، التوكل، الخشية، الرغبة، النذر، الاستغاثة، الاستعاذة، والركوع، والسجود، والخشوع، وغيرها، فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد اتخذه ربا وإلها،

_ 1 رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} رقم:4137.

وأشرك مع الله غيره1. وللشرك بالله تعالى أنواع كثيرة، ووسائل متعددة من أهمها وأعظمها مما هو منتشر في بعض البلدان الإسلامية: تعظيم القبور وبناء المساجد عليها، ودعاء أهلها من دون الله، واتخاذهم شفعاء عند الله، والتقرب إليهم: بالنذر، والذبح، والصدقة، والدعاء، ونحو ذلك، من أنواع العبادة التي من صرفها لغير الله تعالى فقد أشرك، بغض النظر عن صاحب القبر أو الضريح، سواء أكان نبيا مرسلا أو وليا صالحا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] ، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] ، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] ، والنصوص في هذا كثيرة جدا كلها تؤكد على وجوب كون العبادة خالصة لله تعالى وحده لا شريك له من الأنبياء أو غيرهم، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ: " كل من دعا غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئا من العبادة فقد اتخذه ندا لله سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات"2.

_ 1 انظر: دلائل التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص9ـ10. 2 إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين، ص11ـ 12.

وهذا المظهر العظيم من مظاهر الشرك ـ اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ـ حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته منه وشدد في ذلك، حتى لعن صلى الله عليه وسلم فاعله، وبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك من عقائد اليهود والنصارى المحرفة والباطلة، وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت: " فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا"1، وعنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة، يقال لها: مارية ـ وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة ـ فذكرتا من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: " أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" 2. وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلا

_ 1 رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، رقم 1244، ورواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم 826. 2 رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية..؟ رقم 409، ورواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم: 822.

كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاهم عن ذلك" 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 2. وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر إلا لكونه يخلف ضررا ومفاسد كثيرة وجليلة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وقد تحدث الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن المفاسد والمخالفات الكثيرة التي توجد وتقع عن اتخاذ القبور مساجد والمغالاة فيها، ومما ذكره في ذلك: تعظيم هذه القبور في القلوب والنفوس مما يوقع الفتنة بها، واتخاذ زيارتها عيدا في أوقات محددة في الزمان، وشد الرحال إليها، والتشبه بعُباد الأصنام بما يفعل عندها: من العكوف عندها، ومجاورتها، ووجود السدنة حولها، وصرف النذر وتقديمه لهذه القبور وأصحابها، واعتقاد المتقربين إلى هذه القبور بكونها تعين على

_ 1 رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم: 827. 2 رواه أحمد في المسند، رقم: 7311، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: تحذير الساجد، ص 18.

دفع الضر وجلب النفع، ويطلبون منها النصر على الأعداء، وتفريج الكرب، وقضاء الحوائج1، ولا شك أن كل هذا وما شابهه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته، وقد توعد الله عز وجل المخالفين له بقوله سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، واتخاذ القبور مساجد يعني: بناء المساجد عليها، والسجود إليها، واستقبالها بالصلاة والدعاء، وكل ما فيه تعظيم لها2. ويوضح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " أن نهيه صلى الله عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها، وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك ... ، واتفقوا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور ... ، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك، بل وببطلان الصلاة إذا كان ذلك حالها.."3. ويقول أيضا ـ رحمه الله ـ " اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على

_ 1 انظر: إغاثة اللهفان، 1/308ـ310، وتحدث عن ذلك أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية، في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم في مواضع متعددة من الجزء الثاني، فليراجع. 2 انظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، الشيخ الألباني، ص 31ـ 32. 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/184، وانظر:: 2/187ـ193.

قبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك" 1، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غيِّر، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدا، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإن أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه"2. ويقول أيضا ـ رحمه الله ـ: " ويحرم الإسراج على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وبينها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين"3. وإذا نظرت إلى حالة المسلمين في ذلك القرن ـ قبيل قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة الإصلاحية ـ وما لحقه وما سبقه من قرون تجدا أمورا عظاما في هذا الشأن، فلقد انتشرت في كثير من بلدان المسلمين الأضرحة التي يتقرب إليها كثير من أهل الجهل الضلالة ويتخذون أصحابها شفعاء عند الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ففي القاهرة في مصر أكثر من مائتين وأربعة وتسعين ضريحا، من أشهرها

_ 1 رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم: 826. 2 مجموع الفتاوى، 1/107. 3 تحذير الساجد، للشيخ الألباني، ص 45.

ضريح رأس الحسين، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح السيدة زينب، وضريح الإمام الشافعي، وضريح الليث بن سعد، وأشهر الأضرحة خارج القاهرة ما يسمى بضريح السيد البدوي في طنطا، وكل هذه الأضرحة قد بني عليها جوامع ومساجد. وفي بلاد الشام عدد كبير من الأضرحة والمزارات، ففي دمشق وضواحيها هناك ما يزيد على مائة وأربعة وتسعين موضعا، يُزعم أن للصحابة منها أكثر من سبعة وعشرين قبرا لكل واحد منها قبة، تزار ويتبرك بها. ومن المزارات والقبور المشهورة في بلاد الشام بعامة: مزار يحيى بن زكريا في صيدا في جنوب لبنان، ومزار شمعون في الجانب الشرقي منها، ومزار صيدون ومزار داود عليه السلام في الجنوب الغربي منها، ومزار أيوب وصالح في يافا بفلسطين، وضريح الخليل وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام وكلها داخل مسجد كبير في مدينة الخليل، وضريح يونس عليه السلام في حلحول، وقبور أخرى كثيرة يزعم أنها للأنبياء ولغيرهم أيضا من الصحابة، حتى ذكرت قبور لبعض الصحابة وهم قد دفنوا في المدينة. وفي العراق عدد كبير من الأضرحة والمزارات، ففي البصرة عدد كبير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة، كضريح الزبير بن العوام، وضريح عتبة بن غزوان، وضريح طلحة الخير، وضريح المقداد بن الأسود، وضريح عبد الرحمن بن عوف، وضريح أنس بن مالك

رضي الله عنهم أجمعين. هذا إضافة إلى المزارات والمشاهد والأضرحة في النجف وكربلاء والتي يحج لها الرافضة ويعظمونها أكثر من تعظيمهم للكعبة المشرفة. وفي الآستانة " استنبول" عاصمة السلطنة العثمانية يوجد أربعمائة وواحد وثمانون جامعا لا يخلو جامع فيها من ضريح، وفي الهند يوجد أكثر من مائة وخمسين ضريحا كبيرا مشهورا1. وأينما اتجهت إلى البلاد الإسلامية وجدتها تعج بالأضرحة والمزارات يستغاث بأصحابها ويستعان بهم في الشدائد والأزمات ويدعونهم من دون الله ويذبح لهم وينذر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. 2ـ انتشار البدع: انتشرت البدع والمحدثات في هذا القرن انتشارا ذريعا، حتى لا تكاد تخلو عبادة من العبادات إلا ودخلتها البدعة، وخبت فيها أنوار السنة، إضافة إلى بدع المآتم والجنائز والأعراس.

_ 1 انظر: انتشار دعوة الشيخ، محمد جمعة، ص32، وعقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 1/48-105، واحتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسرة، ص52-66، وانظر: دمعة على التوحيد حقيقة القبورية وآثارها، ص24-37، وقد ناقش هذه المسألة وبسطها ببيان موجز الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، فليراجع.

ومن تلك البدع التي راجت وانتشرت: بدعة الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وبدعة الاحتفال بالهجرة النبوية، وبدعة إحياء ليلة النصف من شعبان1، وبدعة المحمل2، والاحتفال بيوم عاشوراء وبدع الأذكار والمدائح النبوية، وهكذا انتشار الخرافات والخزعبلات بأنواعها الكثيرة والمختلفة، مع أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حذر من البدع وتوعد أصحابها3، إلا أن قلة العلم

_ 1 لمعرفة الحكم في هذه البدع متضمنا الأدلة عليها، انظر: كتاب أربع رسائل في التحذير من البدع، للشيخ ابن باز رحمه الله، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة، 3/10-59. 2 المقصود بهذه البدعة: ما كان يفعل في زمن الخلافة العثمانية من حمل كسوة الكعبة من مدينة الآستانة " استنبول" إلى مكة المكرمة. 3 قال صلى الله عليه وسلم: " فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.." رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم: 1435. وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور، رقم2498، ورواه مسلم، كتاب الأقضية باب نقض الأحكام، رقم: 3243، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور، رقم: 2499، ورواه مسلم كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، 3242. وقال عليه الصلاة والسلام: "إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا"، رواه الترمذي في كتاب العلم عن رسول الله باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم: 2677، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن". والله سبحانه وتعالى أكمل دينه وأتمه على أحسن وجه فلا يحتاج إلى زيادة يقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: جزء من الآية3] .

والفهم وغلبة الجهل والمنافع الشخصية للقائمين عليها تعين على انتشارها في المجتمعات. 3ـ غلبة الصوفية وتغلغلها في حياة المسلمين: الصوفية باب شر عظيم دخل على الأمة الإسلامية منذ القرون المتقدمة، فقد زرعت الصوفية في الأمة حب الخرافة ونزعة الخمول والركون إلى الدعة، وقلما يخلو بلد إسلامي من انتشار الطرق الصوفية بمعتقداتها وطقوسها الفاسدة المنحرفة التي يصل كثير منها إلى درجة الكفر والشرك، كما تمتليء بالبدع والخرافات الضالة والمنحرفة. وكتبهم كثيرة ومنتشرة وللأسف الشديد في كثير من بلدان العالم الإسلامي اليوم، ومنها كتاب: دلائل الخيرات وشوارق الأنوار لمؤلفه: محمد الجزولي وغيره من كتب الصوفية في القديم والحديث1.

_ 1 وقد أصدرت اللجنة الدائمة في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء فتوى بتحريم قراءة هذا الكتاب وعدم جواز نشره لكونه مليئا بالبدع وهو على شكل أوراد أو أحزاب تقرأ يوميا تتضمن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة، 1/348، وللتفصيل في عقائد الصوفية وحكمها انظر: فتاوى اللجنة الدائمة، 2/182ـ209، وكتاب: هذه هي الصوفية، للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وكتاب الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه، د. سعيد مسفر القطحاني، وغيرها.

ومن الطرق الصوفية المشهورة: الجيلانية والرفاعية والبدوية والدسوقية والأكبرية والشاذلية والبكداشية والمولوية والنقشبندية والملامتية وغيرها كثير من الطرق التي ابتعدت عن دين الله تعالى ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم. 4ـ ضعف الالتزام بشعائر الإسلام الظاهرة: إذا كانت العقيدة قد اضمحلت وفسدت عند كثير من المسلمين في هذا القرن ـ القرن الثاني عشر الهجري ـ فإن ما دونها من باب أولى، فكثير من شعائر الإسلام قد تهاون فيها المسلمون وتكاسلوا، وخفت عندهم الحمية الدينية، وحب الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مما كان سببا في انتشار كثير من المنكرات والمخالفات في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك. 5ـ قلة الدعاة والمصلحين على علم وبصيرة: قلنا: قلة الدعاة والمصلحين ولم نقل انعدام؛ لأن الخير باق في الأمة إلى يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لا يخلو عصر من العصور في الأمة من وجود الدعاة والمصلحين لكنهم يقلون ويكثرون بحسب الظروف والأحوال، وقد سبق أن ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله"1، ولأنه الله قد تكفل بحفظ دينه كما قال سبحانه:

_ 1 سبق تخريجه.

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] . لكن مقصودنا أن الجهود الدعوية المبذولة في ذلك القرن لم تكن لتواكب تلك الانحرافات الخطيرة في حياة المسلمين، وعقائدهم وبعدهم عن التطبيق الصحيح لدين الإسلام. وبعد ذكر الحالة الدينية الضالة التي كانت قبل قيام الشيخ محمد بالدعوة نسوق فيما يلي مثالا لأقوال المنصفين، وذلك فيما يقوله لوثروب ستودارد الأمريكي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي" بترجمة الأستاذ عجاج نويهض، وتعليق شكيب أرسلان. فيذكر في الفصل الأول تحت عنوان: "اليقظة الإسلامية" ما نصه: "في القرن الثامن عشر الميلادي ـ الثاني عشر الهجري ـ كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركة؛ وأطبقت الظلمة على كل صقع من أصقاعه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقيا من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال؛ فليس يرى في العالم الإسلامي ذلك العهد سوى المستبدين

الغاشمين كسلطان تركيا ... "إلخ. إلى أن قال: " وأما الدين؛ فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفا من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عديد من الأدعياء والجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان؛ يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويُرغبون في الحج إلى قبور الأولياء1، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء، ونال مكة المكرمة والمدنية المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه النبي2على من استطاعه ضربا من المستهزآت، وعلى الجملة؛ فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا

_ 1 من ذلك: كتاب إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب والقبور، مؤلفه: أبو الفيض أحمد الغماري، يقول الشيخ الألباني عن هذا الكتاب: "وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلي به المسلمون في هذا العصر، وهو أبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه،.. ومؤلفه صوفي محارب لأهل التوحيد.."، انظر: تحذير الساجد، ص 55ـ56. 2 هكذا قال الكاتب الأمريكي، والحقيقة أن الحج أحد أركان الإسلام، التي بني عليها، وما محمد صلى الله عليه وسلم إلا مبلغ عن ربه عز وجل.

مهبطا بعيد القرار1. وعند ذلك؛ علق الأمير شكيب أرسلان على وصفه هذا للعالم الإسلامي بقوله: " لو أن فيلسوفا نقريسا من فلاسفة الإسلام أو مؤرخا عبقريا بصيرا بجميع أمراضه الاجتماعية أراد تشخيص حالته في هذه القرون الأخيرة؛ ما أمكنه أن يصيب المحز وأن يطبق المفصل تطبيق هذا الكاتب الأمريكي ستودارد"2، ويقول المستشرق الإنجليزي "ادواردلين": " ويحمل المسلمون ـ وبخاصة المصريون ـ على اختلاف مذاهبهم ـ ما عدا الوهابيين3ـ للأولياء المتوفين احتراما وتقديسا لا سند لهما في القرآن أو الأحاديث أكثر مما يحملون للأحياء منهم، ويشيدون فوق أغلب قبور الأولياء المشهورين مساجد كبيرة جميلة، وينصبون فوق قبور من هم أقل شهرة منهم بناء صغيرا مبيضا بالكلس ومتوجا بقبة، ويقام فوق القبر مباشرة نصب مستطيل من الحجر أو القراميد يسمى

_ 1 يلاحظ شدة قوة تعبير الكاتب "ستودارد" ونظرته القاتمة لبلدان المسلمين، على الرغم من توضيحنا السابق أن الأمة لا تعدم الخير ولا تفقده بالكلية. 2 انظر: د. صالح العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/98. 3 هذه الجملة الاعتراضية من الكاتب، ويقصد بقوله الوهابيين: الموحدين الذي يتبعون منهج أهل السنة والجماعة، فانظر رحمك الله إلى نظرة هؤلاء فهم يلقون كلمة "الوهابية" لكل معتمد على النص وكل موحد، فهذا مما يحمد لدعوة الشيخ الإصلاحية التي يصفونها بالوهابية.

"تركيبة" أو من الخشب ويسمى تابوتا، ويغطى النصب عادة بالحرير أو الكتان المطرز بالآيات القرآنية، ويحيط به قضبان أو ستر من الخشب يسمى مقصورة، وأكثر أضرحة الأولياء في مصر مدافن إلا أن أكثرها يحتوي على آثار قليلة لهم، وبعضها ليست إلا قبور فارغة، أقيمت تذكارا للميت ـ إلى أن يقول ـ وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون "يعني المنتسبين إلى الإسلام" ـ كما كان يفعل اليهود بتجديد بناء قبور أوليائهم، وتبييضها، وزخرفتها، وتغطية التركيبة أو التابوت أحيانا بغطاء جديد، وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياء1كما كان يفعل اليهود"2. وكل ما سبق يدل وبشكل لا جدال فيه على انحراف واقع المسلمين الديني قبل قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة الإصلاحية، سواء بشهادات هؤلاء المستشرقين أو غيرهم، وقد تعرفنا على جوانب متعددة من مظاهر هذا الانحراف عند الحديث عن الحالة الدينية في العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري. *****

_ 1 يقول الشيخ الألباني: "هذا من بعضهم، وأما الآخرون فيفعلونه تعبدا أو تقربا إلى الله بزعمهم" تحذير الساجد، ص110. 2 انظر: المرجع السابق، بنفس الموضع.

ثانيا: أحوال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الدعوة

ثانيا: أحوال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الدعوة ... ثانيا: أحوال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبيل الدعوة أولا: الحالة السياسية: سبق أن بينا حدود الجزيرة العربية وسنتحدث الآن عن أحوالها السياسية والدينية في القرن الثاني عشر الهجري، ففي الجزء المهم من الجزيرة العربية وهو الحجاز كان يحكمه الأشراف تحت سلطة الدولة العثمانية، وكان هؤلاء الأشراف خلال القرن في منازعات وحروب شديدة فيما بينهم، بين الأخ وأخيه أو قريبه، تسفك فيه الدماء وتستحل فيه الحرمات ولم يزد معدل ولاية الواحد منهم على سنتين لكثرة الاغتيال والغدر فيما بينهم، ولهوانهم على السلطان العثماني، فقد أوكل أمرهم إلى والي مصر يعزل من يشاء منهم ويولي من يشاء. أما في اليمن فإنها كانت محكومة منذ أمد بعيد بحكم الأئمة الزيديين، وكانت بلادهم قد شهدت دخول العثمانيين إليها ولم يستقر الأمر لهم استقرارا تاما فيها، واضطروا في نهاية الأمر إلى تركها بسبب ثورة اليمنيين ضدهم، كما أن الأئمة الزيديين لم تكن أمورهم السياسية بذلك الاستقرار التام بل إن حالهم أقرب ما يكون إلى

الاضطراب والفوضى منها إلى الاستقرار بسبب الخلافات المستمرة بينهم وتسابقهم إلى الحكم. أما في الأحساء وما جاورها فإن بني خالد تمكنوا بزعامة براك آل حميد من إجلاء الحامية التركية والاستيلاء على الأحساء سنة 1080هـ وفي أوج قوة بني خالد استطاعوا مد نفوذهم إلى الكويت وبعض بلاد نجد. أما بلاد نجد، فإنها لم تشهد سلطة قوية بعد حكم الدولة الأخيضرية وهي أسرة علوية سيئة السيرة، استقلت عن الدولة العباسية في سنة 253هـ، واستمر حكمها حتى سقطت في منتصف القرن الخامس الهجري، ومنذ ذلك التاريخ وبلاد نجد لم تعرف حكومة قوية، وإنما هي عبارة عن إمارات صغيرة متفرقة متنازعة لا تعرف السكينة والأمن والطمأنينة، وقليل منها يدين بالولاء لبني خالد في الأحساء أو للأشراف في الحجاز بسبب الظروف الاقتصادية. هذه حالة الحاضرة، أما البادية، فإنهم قبائل متناحرة متنافرة تقوم بينها الحروف وتعتدي كل واحدة منها على الأخرى لأتفه الأسباب، أما العثمانيون فلم يكون لهم أي نفوذ في بلاد نجد، ولم تطأ أرضه قدم حامية تركية، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الدولة العثمانية لم تهتم كثيرا في أن تخضع هذه المنطقة الداخلية لنفوذها؛ لأنها لا ترى في

ذلك فائدة تذكر نظرا لبعدها عن المناطق الاستراتيجية1. ثانيا: الحالة الدينية: أما الحالة الدينية في الجزيرة العربية، فقد تحدث عنها عدد من المؤرخين، وكان من أبرزهم المؤرخ حسين بن غنام2، ولأهمية كلامه وواقعيته فسنذكره ملخصا3، فيقول رحمه الله: في مطلع القرن الثاني عشر الهجري كان أكثر الناس قد انهمكوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطمست بينهم أنوار الإسلام والسنة؛ لذهاب أهل العلم والبصيرة، وغلبة أهل الجهل، واستعلاء ذوي الأهواء

_ 1 انظر: التاريخ الإسلامي، العهد العثماني، محمود شاكر، ص240ـ256، دعوة الشيخ وأثرها، د. محمد السلمان، ص 17، احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسرة، ص 24ـ27. 2 هو الشيخ حسين بن أبي بكر آل غنام من قبيلة بني تميم، ولد في المبرز في الأحساء، ونشأ فيها وطلب العلم على يد عدد من علمائها، وأظهر مقدرة في علم اللغة والأدب، وكان شاعرا، وبعد ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب انتقل إلى الدرعي، واتصل بالشيخ ودرس على يديه، ثم جلس للتدريس في الدرعية، من مؤلفاته: تاريخ نجد المسمى: روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام، وذكر فيه تاريخ الدعوة وغزواتها ورسائل الشيخ محمد مع المدعوين، ومن كتبه: العقد الثمين في شرح أصول الدين، وغيرها، توفي رحمه الله في شهر ذي الحجة من عام 1225هـ. انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون2/56، للشيخ عبد الله بن بسام. 3 انظر: كتابه تاريخ نجد، 1/10 وما بعدها، وذكر هذا التلخيص د. صالح العبود في كتابه: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، 1/60ـ 71.

والضلال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلال؛ ظانين أنهم أدرى بالحق، وأعلم بطريق الهدى.. عدلوا عن عبادة الله وحده إلى عبادة الأولياء والصالحين من الأموات والأحياء، يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويقبلوا عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقدون النفع والضر في الجمادات كالأحجار والأشجار، ويعبدون أهل القبور، ويصرفون لهم الدعاء والنذور في حالتي الضراء والسراء، زائدين على مشركي الجاهلية الأولى، حيث كانوا إذا مسهم الضر لا يدعون إلا الله مخلصين له الدين، أما إذا نجاهم الله؛ فهم يشركون، لكن هؤلاء أحبوا أوثانهم من دون الله محبة أعظم من محبتهم لله؛ سرت في سويداء قلوبهم، وبدت على صفحات وجههم، وألستنهم وجوارحهم، وبذلوا أعمارهم وحياتهم في دفع الحق ومن يبديه. وهذا ليس في قطر دون آخر، ولكنه في غالب الأقطار، كما أنه ليس في أول زمن الشيخ فحسب، بل كان بدؤه من قديم، حيث حدث التغيير ولابتداع والاختلاف بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان من بعده من أهل القرون الفاضلة، ثم تعاقبت العصور وتوالت السنون، والغي يزداد، والضلالة تنتشر، حتى جاء من اعتقد أن الدين هو ذلك الضلال والبدع؛ لأنهم وجدوا آباءهم وأجدادهم وأسلافهم عليه، فقالوا: إنا على آثارهم مقتدون.

وقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم، يأتون عند قبر زيد بن الخطاب1رضي الله عنه في الجبيلة، فيدعونه لتفريج الكرب وكشف النوب، وكان عندهم مشهورا بذلك ومذكورا بقضاء الحوائج. وكانوا يزعمون أن في قريوة في الدرعية قبور بعض الصحابة، فعكفوا على عبادتها، وصار أهل تربتها أعظم في صدورهم من الله. وفي شعيب غبيراء؛ يزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور2رضي الله عنه، وهو مكذوب، يأتون من المنكرات عنده ما لا يعهد مثله. وكان الرجال والنساء يأتون بليدة الفدا لفحل النخل الذي فيها، ويفعلون عنده أقبح الأفعال، ويتبركون به، ويعتقدون به، فكانت المرأة إذا تأخرت عن الزواج تأتيه فتضمه بيديها؛ ترجو أن يفرج عنها كربها، وتقول: يا فحل الفحول‍ أريد زوجا قبل الحول. وكان طوائف من الناس تقصد شجرة الطرفية؛ يتبركون بها، ويعلقون الخرق عليها إذا ولدت المرأة ذكرا؛ لعله يسلم من الموت.

_ 1 هو زيد بن الخطاب بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي أخو عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ لأبيه، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت معه راية المسلمين في اليمامة، واستشهد بها سنة12هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 1/565. 2 الصحابي الجليل: ضرار بن الأزور مالك بن أوس، سكن الكوفة، واستشهد في اليمامة، انظر: الإصابة: 2/208.

وفي أسفل الدرعية غار كبير؛ يزعمون أن امرأة تسمى بنت الأمير، أراد بعض الفسقة أن يظلمها فصاحت، فانفلق لها الغار، وأجارها من ذلك السوء، فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز، ويبعثون بصنوف الهدايا إليه. وكان عندهم رجل يزعمونه من الأولياء اسمه تاج؛ سلكوا فيه سبيل الطواقيت، فصرفوا إليه النذور، وتوجهوا إليه بالدعاء، واعتقدوا فيه النفع والضر، وكانوا يأتونه لقضاء شؤونهم أفواجا، وكان هو يأتي إليهم من بلدة الخرج إلى الدرعية لتحصيل ما تجمع من النذور والخراج، وكان أهل البلاد المجاورة يعتقدون فيه اعتقادا عظيما، حتى خافه الحكام، وهاب أعوانه وحاشيته الناس؛ فلا يتعرضون لهم بما يكرهون، ويدعون فيه دعاوى فظيعة، وينسبون إليه حكايات قبيحة، كانوا لكثرة ما تناقلوها وأذاعوها يصدقون ما فيها من كذب وزور، زعموا أنه أعمى، وأنه يأتي من بلدة الخرج من غير قائد يقوده، وغير ذلك من الحكايات والاعتقادات التي ضلوا لسببها عن الصراط المستقيم، وأعرضوا عن إخلاص الدعاء لله وحده رب العالمين. وأما ما يفعل في الحرم المكي الشريف ـ زاده الله رفعة وتشريفا ـ؛ فهو يزيد على غيره كثيرا؛ ففي تلك البقاع المطهرة تأتي جماعات الأعراب والفساق والضلال والعصيان ما يملأ القلب أسى وحزنا؛

فلقد انتهكت فيه المحرمات والحدود، تظاهر بذلك جمع غفير، ولم يكون لأهل العلم تغيير، بل صادموا الحق، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق1،فمن ذلك ما يفعل عند قبة قبر أبي طالب"من الأشراف"، وهم يعلمون أنه حاكم متعد غاصب، كان يخرج إلى بلدان نجد، ويضع عليهم خراجا، فإن أعطي ما أراد انصرف، وإلا عاداهم وحاربهم، فصاروا يأتون قبره بالسماعات2والعلامات، يستغيثون به عند حلول المصائب ونزول الكوارث، وكذلك ما يفعل عند قبر المحجوب " في الطائف"؛ يعظمون أمره، ويحذرون سره، ويطلبون عنده الشفاعة3، ومغفرة الذنوب، وإن التجأ سارق أو متعد

_ 1 يشير الشيخ ابن غنام ـ رحمه الله ـ إلى الغالبية من العلماء الذين رضوا بالباطل وزينوه لأقوامهم، وهم الذين صادموا الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ وعارضوه لما قام بالدعوة الإصلاحية. 2 المقصود بها: الغناء والطرب، انظر: لسان العرب، لابن منظور، 8/162، مادة سمع. 3 كانت حجة المشركين في القديم والحديث عند توجههم لأصنامهم أو أوليائهم هي طلب الشفاعة عند الله، وحكى الله ذلك عن المشركين بقوله سبحانه: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، وقال عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا} [يونس: 18] ، ويرد عليهم بأن الله تعالى حين جعل الشفاعة اشترطها بشرطين لا بد من تحققهما لتتحقق هذه الشفاعة وتنفع صاحبها، وهذان الشرطان هما: 1ـ إذن الله تعالى للشافع أن يشفع؛ لأن الشفاعة ملكه سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] . 2ـ رضاه عز وجل عن المشفوع فيه بأن يكون موحدا؛ لأن المشرك لا تنفعه الشفاعة، كما في قوله سبحانه: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] . وقال تعالى عن هذين الشرطين: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم حق وهي ثابتة في النصوص الشرعية، فهو صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف يوم القيامة، ويشفع في أهل الجنة حتى يدخلوها، ويشفع لبعض العصاة من أمته ممن استحقوا النار أن لا يدخلوها، وغيرها من الشفاعات التي للنبي صلى الله عليه وسلم، ولمن أذن له الله عز وجل من الأنبياء والصديقين وغيرهم، بعد رضاه سبحانه عن المشفوع له، انظر: تيسير العزيز الحميد، ص273، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الشيخ د. صالح الفوزان، ص 293.

أو غاصب إلى أحد هذين القبرين؛ لم يتعرض له أحد بما يكره، ولا يخشى معاقبة، أما إن تعلق جان مهما تكن جنايته بالكعبة؛ فإنه يسحب منها سحبا، لا يرعون لها حرمة ولا منزلة. ومن ذلك أيضا: ما يفعل عند قبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها في سَرِف، وعند قبر خديجة رضي الله عنها في المعلاة؛ من اختلاط النساء بالرجال، وفعل الفواحش والمنكرات، وارتفاع الأصوات عندهما بالدعاء والاستغاثة وتقديم الفدية، مما لا يسوغ لمسلم أن يبيحه، فضلا عن أن يراه قربة وعبادة.

وكذلك ما يأتونه عند قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بالطائف من هذه الأمور التي تشمئز منها نفس الجاهل؛ فكيف بالعالم؟ يقف عند قبره المكروب والخائف متضرعا مستغيثا في حالة عبودية، وينادي أكثر الباعة في الأسواق: اليوم على الله وعليك يا ابن عباس! ثم يسألونه ويسترزقونه1. وأما ما يفعل عند قبر النبي صلى الله من الأمور العظيمة المحرمة، كتعفير الخدود، والانحناء والسجود خضوعا وتذللا، واتخاذ ذلك القبر عيدا؛ فهو أعم من أن يخفى، وأعظم من أن يذكر؛ لشهرته 1 وهذا كله من الشرك الأكبر المخرج من الملة؛ لكونه صرفا لأنواع العبادة لغير الله تعالى من التوكل على غيره والاستغاثة بغيره سبحانه وتعالى، وطلب الحاجة والرزق من المخلوقين الضعفاء، قال تعالى: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56] . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ".. فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان، انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو اجبرني، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وغلا قتل، فإن الله تعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده، ولا يجعل معه إله آخر"، انظر: مجموعة التوحيد، ص290.

وشيوعه، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعله1، وكفى بذلك زجرا ووعيدا، ونهى عما يفعله عنده الجهال وأهل الضلال، وغلظوا في ذلك تغليظا شديدا، ويكل اللسان عن وصف ما يفعل عند قبر حمزة رضي الله عنه، وفي البقيع وقباء، ويعجز القلم عن بيانه. وأما ما يفعل في جدة؛ فقد عمت به البلوى، وبلغ من الضلال والفحش الغاية؛ فعندهم قبر طوله ستون ذراعا، عليه قبة، يزعمون أنه قبر حواء، وضعه بعض الشياطين من قديم وهيأه. وعندهم معبد يسمى العلوي، فاقوا في تعظيمه جميع الخلائق، فلو دخل قبره سارق أو غاصب أو قاتل؛ لم يعترضه مؤمن ولا فاسق بمكروه، ولم يجرؤ أحد أن يخرجه منه، فمن استجار بتربته أجير، ولم ينله أحد من الحكام بأذى. وأما ما يفعل في بلدان اليمن من الشرك والفتن؛ فأكثر من أن يستقصى، فمن ذلك ما يفعله بعض أهل شرقي صنعاء بقبر عندهم يسمى الهادي، فكانوا يغدون جميعا ويروحون؛ يدعونه ويستغيثون به، فتأتيه المرأة إذا تعسر حملها أو كانت عقيما، فتقول عنده كلمة

_ 1 قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" رواه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه رقم7311، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر: تحذير الساجد، ص 18.

عظيمة قبيحة؛ فسبحان من لا يعالج بالمعاقبة على الذنوب. وأما أهل برع فعندهم البرعي1، وهو رجل يرحل إلى دعوته كل دان وقاص، ويؤتى إليه من مسيرة أيام وليال لطلب الإغاثة وشكاية الحال، ويقيمون عند قبره للزيارة، ويتقربون إليه بالذبائح؛ كما حقق أخباره من شاهدها.

_ 1 ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ نماذج من شعر البرعي الذي يقصده هؤلاء الجهال بالدعاء والاستغاثة، ومن ذلك قوله: يا سيدي يا رسول الله يا أملي ... يا موئلي يا ملاذي يوم يلقاني هبني بجاهك ما قدمت من زلل ... ودا ورجح بفضل منك ميزاني واسمع دعائي واكشف ما يساورني ... من الخطوب ونفس كل أحزاني فأنت أقرب من ترجى عواطفه ... عندي وإن بعدت داري وأوطاني إني دعوتك من "نيابتي برع" ... وأنت أسمع من يدعوه ذو شأن فامنع جنابي وأكرمني وصل نسبي ... برحمة وكرامات وغفران فانظر ـ رحمك الله إلى هذه الكلمات الشركية التي غلا فيها قائلها بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى عد له بعض خائص الإله عز وجل، ويعلق الشيخ سليمان بن عبد الله على هذه الأبيات بقوله: "وهذا بعينه هو الذي ادعته النصارى في عيسى عليه السلام، إلا أن أولئك أطلقوا عليه اسم الإله، وهذا لم يطلقه ولكن أتى بلبات دعواهم وخلاصتها، وترك الاسم، ... وإلا فما ندري ماذا أبقى هذا المتكلم الخبيث للخالق تعالى وتقدس من سؤال أو تحصيل مأرب، فالله المستعان". انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، ص 224ـ226.

وأما أهل الهجرية؛ فعندهم قبر يسمى علوان، وقد أقبل عليه العامة في النوائب، واستغاثوا به ويسمونه منجي الغارقين، وأغلب أهل البر والبحر منهم يطربون عند سماع ذكره ويستغيثون به، وإن لم يصلوا إلى قبره، وينذر له في البر والبحر، وعند أهل بلده نذور تزيد عن الحصر، ويفعلون عند قبره السماعات والموالد، ويجتمعون عنده بأنواع من المعاصي والمفاسد، وليس في أقطار اليمن مثله في الاشتهار، ولهم في حضرته أمور يفعلونها تدينا؛ كطعنهم أنفسهم بالسكاكين والدبابيس، ويقولون وهم يرقصون طربين وقد ملأ الوجد ألبابهم: يا سادتي قلبي بكم مُعنى. وأما حال حضرموت والشحر ويافع وعدن؛ فقد ثوى فيهم الغي والضلال، عندهم العيدروس يفعل عند قبره من السفه والشرك ما يكفي ذكر مجمله؛ يقول قائلهم: شيء لله يا عيدورس! شيء لله يا محيي النفوس!! وأما بلدان الساحل؛ فعندهم الكثير: فأهل المخا عندهم الشاذلي، أكثرهم يدعونه ويستغيث به، وتفتر ألستنهم عن ذكره قعودا وقياما. وأهل الحديدة عندهم الشيخ صديق؛ يعظمونه ويغلون فيه، إلى حد أنه لا يمكن أحد أن يركب البحر أو ينزل منه إلى البر حتى يجيء

إليه ويسلم عليه ويطلب منه الإعانة والمدد فيما أراد. وأما أهل اللحية؛ فعندهم الزيلعي، واسمه عندهم الشمس؛ لأن قبره ليس عليه قبة؛ يصرفون إليه جميع النذورن ويعظمونه، ويدعونه أشد ما يكون ذلك عبادة وضراعة، ويحكي عنه أهل البادية منهم أنه كان رسولا في حاجة، فأراد أن يدخل بلده والشمس متدلية للغروب، فقال لها: قفي! فوقفت، وسمعت قولته وامتثلت، فدخل بلده نهارا، وعندهم قبر رابعة مشهور؛ لا يحلفون يمينا صادقا إلا بها. وفي أراضي نجران الطامة المعضلة، وهو الرئيس المعروف عندهم بالسيد؛ فقد أتى أهل نجران وما يليهم من الأعراب والقبائل من تعظيمه والغلو فيه والاعتقاد الشركي ما أفضى بهم إلى الضلال والإلحاد، صرفوا له من أنواع العبادة سهما، وجعلوا فيها للألوهية قسما، حتى كادوا يجعلونها لله ندا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وأما في القطيف والبحرين؛ فالبدع الرافضية الشركية والمشاهد الوثنية التي لا تكاد تخفى على أحد من الناس. ثم يقول ابن غنام رحمه الله: فإن من رأى أفعال الناس في بلاد المسلمين مما أشرنا إليه، وهو عارف بالإيمان؛ تبين له غربة الإسلام في

ذلك الزمان، وصيرورة الحظوظ الدنيوية والشهوات النفسية غايتهم ومقصدهم وسرهم في الخلق والإيجاد. ثم يقول ابن غنام رحمه الله: وهذا في الغالب الأكثر، وليس عليه جميع المسلمين، حيث إن تعالى لا يجمع الأمة على ضلالة، ولا يعمها بالسفاهة والجهالة؛ كما ثبت ذلك في صحيح الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أخبر أيضا أن في أمته أناسا لا يزالون بهديه يستمسكون إلي قيام الساعة، كما أن أكثرهم في أزمنة الغربة مخطئون، وعن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ومناهجه منحرفون ... وهذا مما زينه الشيطان واقتضته الطباع الناقصة والنفوس البشرية، حتى إن ذلك يوجد من بعض العلماء المنتسبين إلى أحد المذاهب المتعصبين؛ فلا يقبلون من الدين رأيا ولا رواية إلا ما كان لأصحابهم به عمل أو دراية، فيرفض السنة النبوية واتباعها، ولو عرف أن الحق ليس مع مذهبه، وقد يحمله التعصب على الطعن في الأئمة وثلبهم، وكذلك من المتعبدة والمتصوفة من يرى طريقة العلم سفاهة وضلالا، ويدعي أن العلماء لم يضربوا من صافي الشريعة ومعينها؛ كبرت فرية وكذبة من هؤلاء المتصوفة، أ. هـ. هذه صورة مجملة من الشيخ ابن غنمام رحمه الله لحال الجزيرة العربية قبيل الدعوة الإصلاحية، وهي صورة تحمل في طياتها الكثير من مظاهر البعد عن شرع الله تعالى والتخلف الديني والاجتماعي في

أوضح صوره، وبهذه الصور الدينية والاجتماعية البالغة السوء يتضح لنا أهمية قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بدعوته الإصلاحية المباركة. هذا ما يتعلق بأمر العقيدة وهو انتشار الشرك الذي اعتبرناه المظهر الأول من مظاهر الحالة الدينية السيئة في العالم الإسلامي والمظاهر الأخرى هي المظاهر الموجودة نفسها في الجزيرة العربية. على أنه يمكن استثناء منطقة نجد من المظهر الثالث وهو غلبة الصوفية وانتشارها، فإن الصوفية في الحقيقة لم تكن شائعة في نجد بمثل ما هي عليه في بلدان العالم الإسلامي الأخرى. وتميزت منطقة نجد بسيادة المذهب الحنبلي على أهلها وعلمائها؛ لكونه أقرب المذاهب الفقهية الأربعة التي تهتم بصفاء العقيدة والأخذ بظاهر النص1. *****

_ 1 الدرر السنية،1/19، 1/57.

الفصل الثاني: التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

الفصل الثاني: التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله 1ـ نسبه وأسرته: ينتمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أسرة تدعى آل مشرّف وهي فرع من آل وهبة أحد بطون قبيلة تميم. ونسبه هو: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرّف الوهبي التميمي1. ويقال: التميمي، نسبة لقبيلة تميم الشهيرة، وهي القبيلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: لا أزال أحب بني تميم منذ ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم؛ سمعته يقول: "هم أشد أمتي على الدجال"، وجاءت صدقاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه صدقات قومنا"، وكانت سبية منهم عند عائشة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعتقها فإنها من ولد إسماعيل" 2.

_ 1 هناك اختلاف طفيفة في نسبه ذكرها بعض من كتبوا حول هذا الإمام رحمه الله، انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، د. العثيمين، ص25، دعوة الشيخ السلفية، د. العبود1/113. 2 رواه البخاري في كتاب العتق، باب من ملك العرب رقيقا فوهب وباع، رقم:2357، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم ... ، رقم: 4587.

أسرته: كان آل مشرّف يسكنون بلدة أشيقر التي كانت مركزا علميا في نجد خلال القرنين العاشر والحادي عشر من الهجرة، ومن هناك انتقل بعضهم إلى بلدان نجد أخرى. وقد برز من هذه الأسرة عدد من العلماء، منهم: القاضي عبد القادر بن بريد المشرفي، وكان جد الشيخ محمد، وهو الشيخ سليمان بن علي قاضيا في روضة سدير، ثم انتقل منها إلى العيينة وأصبح قاضيا فيها، ويعد مرجع علماء نجد في كثير من مسائل الخلاف الفقهية في زمانه، وله بعض المؤلفات، مثل: كتاب المناسك، وله رسائل عديدة في عدد من المسائل الفقهية، وقد توفي الشيخ سليمان عام1079هـ في العيينة. أما والد الشيخ محمد فهو الشيخ عبد الوهاب بن سليمان وقد تولى القضاء في العيينة بعد وفاة والده، ويعد أحد علماء المذهب الحنبلي في وقته في نجد، ولكنه لم تكن له المكانة العلمية التي كان يتمتع بها والده، ومن العلماء المعدودين من أسرته أيضا: عمه الشيخ إبراهيم بن سليمان رحمه الله. وأما والدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهي تنتسب لأسرة آل عزاز الذين هم من آل مشرّف من بني تميم، وقد كان خاله الشيخ سيف بن محمد بن عزاز من علماء نجد في زمانه، وقد ولي قضاء

أشيقر وله علم في الفقه، وأجاد في الإفتاء والتدريس وتوفي رحمه الله في أشيقر سنة 1129هـ. فاتضح لنا فيما سبق المكانة العلمية والاجتماعية البارزة لأسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وخصوصا في تلك الأزمنة التي كانت تشتكي من قلة العلماء وضعف الحركة العلمية في نجد.

مولد الشيخ ونشأته

مولد الشيخ ونشأته: ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في العيينة سنة1115هـ. وكان منذ نعومة أظفاره بارزا في الذكاء وقوة الحفظ ويدل على ذلك حفظه للقرآن الكريم ولم يبلغ العاشرة من العمر، وقد درس في صغره بعض كتب الفقه الحنبلي على يد والده وعمه إبراهيم بن سليمان، وقدمه والده للإمامة مع صغر سنه لما يرى فيه من الكفاءة والقدرة، وبعد ذلك تزوج وهو صغير السن، ثم أدى فريضة الحج وأقام شهرين في المدينة النبوية شاهد خلالهما حلقات العلم ودروسه التي يشهدها الحرمان الشريفان، ثم عاد إلى العيينة وواصل طلب العلم على يد والده وعمه.

صفاته

3ـ صفاته: كان الشيخ رحمه الله حاد الفهم، سريع الخاطر، وقاد الذهن، ألمعي الفطنة، تميز بقوة الإقناع، وفصاحة اللسان، وقوة الحجة، والقدرة العجيبة على استيعاب الأمور وحل المعضلات.

تعد هذه أبرز صفات هذا الإمام التي وهبه الله إياها فساعدته كثيرا ليقوم بدعوته الإصلاحية المباركة.

رحلاته العلمية وشيوخه

4ـ رحلاته العلمية وشيوخه: حرص الشيخ ـ رحمه الله ـ على التزود من العلم بالشرع وأحكامه في مختلف العلوم. ورغبته رحمه الله بالخروج عن بلده لطلب العلم لا تعني أن بلده كانت خالية من العلم أو صفر اليدين منهم ـ وقد ذكرنا نماذج منهم عند الحديث عن أسرته ـ؛ بل هو يرحل لمزيد من الاستفادة، ولما لكثرة الشيوخ من توثيق وتنويع في تلقي العلوم، وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار، فيشافه الناس ويتعلم منهم1. ولذلك آثر رحمه الله الخروج من نجد إلى عدد من البلدان والتي كانت فيها الحركة العلمية نشطة مقارنة بمنطقة نجد، والتي كان التعليم فيها مقتصرا على تعليم القرآن الكريم ومبادئ بعض العلوم وخصوصا الفقه الحنبلي؛ لأن العلماء كانوا يعدون القلة القليلة من التلاميذ الذين ينصرفون لطلب العلم لتولي القضاء. وعزوف الكثير من الناس عن طلب العلم في نجد كان بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت الأسر تعاني منها؛ فلذلك كانت تلك الأسر لا تحرص على توجيه أبنائها لطلبه، بقدر حرصها على توجيههم لكسب العيش وطلب الرزق.

_ 1 فتح الباري، لابن حجر، 1/175، وانظر: الصلات العلمية بين الهند ونجد خلال مائة عام، د. علي الزبن، ص4.

ولما بلغ الشيخ ما يقارب العشرين عاما1من عمره غادر بلدة العيينة متجها إلى مكة المكرمة لأداء الحج وزيارة المدينة النبوية مرة أخرى، ولطلب العلم على يد علمائها، ولعل رحلته الأولى تركت في نفسه شوقا للمدينتين المقدستين لما تتمتعان به من كثرة العلماء المحققين، وكثرة الطلبة واتساع حلقات العلم التي لم يعهدها في بلده، وأكثر رحمه الله من حضور مجالس العلماء في المدينة، وكان بقاؤه فيها ودراسته على علمائها أكثر من بقائه في مكة المكرمة2. فمن أبرز شيوخه في الحرم المكي الشريف: الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري الشافعي (1134هـ) ، ويعد هذا الشيخ من أئمة الحديث المعدودين في عصره3. ومن شيوخه في الحرم المدني: الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف رحمه الله، (ت1140هـ) وهو

_ 1 انظر: عقيدة الشيخ السلفية،1/139ـ142. 2 تحدث عن حياة الشيخ رحمه الله ورحلاته عدد من المؤلفين، من أبرزهم: 1ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، للشيخ ابن باز، ص 21ـ27. 2ـ من أعلام المجددين، للشيخ د. صالح الفوزان، ص49. 3ـ عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 1/113ـ237.

في الأصل من أهالي المجمعة في نجد، وقد استفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشيخ ابن سيف كثيرا، وخصوصا في علم الحديث، وأجازه في رواية بعض الأحاديث بسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: قول صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" 1، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله" فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: " يوفقه لعمل صالح قبل الموت" 2. وقد استفاد منه أيضا بأن قرأ عليه عددا كبيرا من الكتب في مختلف العلوم وخصوصا في علم الحديث والفقه والسيرة، وحصلت بينه وبين الشيخ مودة شديدة ومحبة صادقة، ولذلك يقول الشيخ محمد عنه: " كنت عنده يوما فقال لي: تريد أن أريك سلاحا أعددته للمجمعة؟ قلت: نعم، فأدخلني منزلا عنده فيه " كتب كثيرة"، وقال هذا الذي أعددنا لها"3، وتوافق معه أيضا في كثير من القضايا وخصوصا الانحراف المنتشر في العقيدة بين الناس.

_ 1 رواه الترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، رقم: 1847. 2 رواه الترمذي في سننه، كتاب القدر عن رسول الله، باب ما جاء في أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار، وقال "هذا حديث حسن صحيح" رقم: 2068. 3 عنوان المجد، ابن بشر، 1/7، انظر: عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود1/150ـ156، ويستفاد من هذه الرواية أن الشيخ ابن سيف رحمه الله: كان صاحب دعوة إلى الحق، وأنه قد حصل له مع المنحرفين ممن يدعون العلم بحث ومناوشات في مسائل العقيدة، وإنه إنما جاء للمدينة للتزود منها بالعلم النافع والكتب الموثوقة، ومن ثم العودة إلى المجمعة لإقامة الحجة على المعارضين له في دعوته. انظر: الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية، د. عبد الله العجلان، من بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، ص 38.

ومن شيوخه أيضا في المدينة النبوية: الشيخ محمد حياة بن إبراهيم السندي الحنبلي رحمه الله، المولود في إقليم السند، (ت1165هـ) ، وله عدد كبير من المؤلفات العلمية، مثل: كتاب تحفة الأنام بحديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وكتاب تحفة المحبين في شرح الأربعين، وكتاب الإيقاف على سبب الاختلاف وغيرها. وكان الشيخ محمد حياة من المعروفين بنبذهم للبدع والشركيات ومحاربتها، وكذلك نبذ التعصب المذهبي1، وكان أحد الأئمة البارزين في عصره في علم الحديث. وقد تعرف عليه الشيخ محمد عن طريق شيخه ابن سيف الذي أثنى عليه عنده كما بين مقامه وقدره وقدر أهله في بلاده نجد2. وقد استفاد الشيخ محمد من هذا العالم في عدد من العلوم أبرزها: علم الحديث، واستفاد منه أيضا في منهجه الإصلاحي فيما بعد، ومحاربة البدع والشركياتن وأحب الشيخ تلميذه والتلميذ شيخه وأعجب كل منهما بالآخر، ولذلك يذكر أن الشيخ محمد وقف يوما عند الحجرة النبوية وحولها أناس يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم فرآه الشيخ محمد حياة فأتى إليه، وقال له: ما تقول في هؤلاء؟ فأجاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الفور بقوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ

_ 1 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص35. 2 عنوان المجد، لابن بشر، 1/7.

مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 139] 1. وبعد ذلك عاد الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى العيينة وانكب على التعلم والقراءة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، مع تعمقه في معرفة مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقراءة مؤلفاته2. وبعد فترة من الزمن غادر الشيخ محمد نجدا للاستزادة من العلم وطلبه فتوجه إلى البصرة قاصدا الشام، فمكث في البصرة وطلب العلم فيها على يد عدد من علمائها، وكان من أشهرهم الشيخ محمد المجموعي، ودرس على يديه بعض العلوم مثل: الفقه والحديث والنحو، ونتيجة لوجوه بعض الانحرافات الشرعية والعقدية في البصرة فقد قام الشيخ محمد بالإنكار والاحتساب على أولئك المخالفين، وقد استحسن شيخه المجموعي قوله وإنكاره3، وصارت بينه وبين بعض أهل البصرة خصومات بسبب منهجه المخالف لما هم عليه من الضلال والابتداع، وبسبب تلك المخالفة قام معارضوه وهم كثر بطرده وإبعاده عن بلدتهم، وتوجه بعد ذلك من البصرة إلى الأحساء، ولم يذهب إلى الشام لقلة الزاد، وقيل لسرقة نفقته4.

_ 1 عنوان المجد، ابن بشر، 1/7، وانظر: عقيدة الشيخ، د. العبود، 1/156ـ160. 2 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص36. 3 انظر: عنوان المجد، ابن بشر، 1/7-8. 4 انظر: عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 1/169.

وفي الأحساء التقى ببعض علمائها كالشيخ عبد الله بن فيروز (ت1175هـ) ، الذي تربطه بالشيخ محمد صلة قرابة لكونه ابن عمته، وسُر الشيخ محمد بالالتقاء بابن فيروز؛ لأنه وجد عنده عددا كبيرا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. ومن مشايخه في الأحساء أيضا: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي، والشيخ محمد بن عفالق1. وبعد ذلك عاد الشيخ إلى حريملاء منهيا رحلاته العلمية، ولم يذهب إلى العيينة ـ التي انطلق منها ـ بسبب انتقال والده منها إلى حريملاء بعد أن عزله ابن معمر من قضاء العيينة، ومن المرجح أن الشيخ محمد رحمه الله أنهى رحلاته العلمية عام1140هـ أو ما بعده تقريبا2. وبهذا يتضح اقتصار رحلات الشيخ رحمه الله العلمية على: الحجاز، والعراق، والأحساء فقط3.

_ 1 انظر: عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 1/171، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص39. 2 انظر هذا الرأي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، ص25، وانظر: الخلاف في تاريخ عودته من رحلاته العلمية، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص43ـ44. 3 انظر: عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 1/175، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص40-41.

وبعد عودة الشيخ محمد استمر في طلب العلم على يد والده، وقام بالدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت له بعض الدروس العلمية، لكنه تعرض للمضايقات والأذى على يد السفهاء في حريملاء، مما جعل والده يخاف عليه ويطلب منه الكف عن ذلك، فاتجه الشيخ إلى مجال آخر هو البحث والتأليف، فكتب كتابه القيم المتميز: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وبقي الشيخ على تلك الحالة حتى وفاة والده عام 1153هـ1. بعد ذلك قام الشيخ بإعلان الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقائد والالتزام بعقيدة السلف الصالح مرة أخرى، فتعرض له السفهاء بالأذى حتى حالوا قتله، فقرر العودة إلى مسقط رأسه العيينة في حوالي سنة 1154هـ، بطلب من أميرها عثمان ابن معمر الذي وعد الشيخ بالنصرة والتأييد، ثم لما خذله ابن معمر نتيجة استجابته لضغوط حاكم الأحساء سليمان آل محمد بن عريعر، انتقل الشيخ من العيينة إلى الدرعية عام1157هـ نتيجة للنصرة المباركة من الإمام محمد بن سعود، ومن ثم إبرام الاتفاقية الشهيرة بنيهما.

_ 1 اختلف في مكان تأليف الشيخ لكتاب التوحيد، فيذكر ابن غنام أن ذلك كان في حريملاء، انظر: تاريخ نجد، 1/77، بينما يذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله أن ذلك كان في البصرة، وسواء كان تأليفه في حريملاء أو في البصرة فإن المصادر متفقة على أنه أو مؤلفاته رحمه الله. انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص45ـ46، ص82.

العوامل الرئيسية التي ساهمة في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية

العوامل الرئيسية التي ساهمة في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية ... 5ـ العوامل الرئيسة التي ساهمت في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية من خلال الاستعراض السريع السابق لحياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نجد أن هناك عوامل مهمة ساهمت في بناء شخصيته العلمية والدعوية من أهمها بعد توفيق الله تعالى وعونه وتسديده: 1ـ استعداده الشخصي وما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة وجد ومثابرة منذ سنوات عمره الأولى، والتي ظهرت آثارها بعد ذلك من خلال اجتهاده في طلب العلم، ومن ثم القيام بالدعوة والتعليم. 2ـ أسرته ومكانتها العلمية والاجتماعية: وهي أسرة أنجبت عددا من العلماء والقضاة وكانت لها المكانة الاجتماعية المتميزة في مجتمعها. 3ـ أساتذته وشيوخه الذين عرفوا بغزارة علمهم، وسلامة عقيدتهم، وتنوع معارفهم واهتماماتهم، سواء من تتلمذ على أيديهم مباشرة، أو الذين استفاد من كتبهم وتأثر بمؤلفاتهم تأثيرا كبيرا. ويمكن تقسيم هؤلاء الأساتذة والشيوخ إلى طبقات ثلاث: الطبقة الأولى: وهم الأساتذة الذين أمضى معهم وقتا طويلا في الدراسة والتحصيل وتأثر بهم تأثرا مباشرا ويمكن حصرهم في أربعة: أـ والده الشيخ عبد الوهاب بن سليمان في العيينة وحريملاء. ب ـ الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف في المدينة.

جـ ـ الشيخ محمد حياة السندي في المدينة. د ـ الشيخ محمود المجموعي في البصرة. الطبقة الثانية: من عدا السابقين من أساتذته من أمثال: عمه إبراهيم في العيينة، والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي في مكة، والشيخ عبد الله بن فيروز، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي، ومحمد بن عفالق في الأحساء وغيرهم. الطبقة الثالثة: العلماء الذين تأثر بفكرهم وتراثهم العلمي وهم جميع علماء السلف، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم. 4ـ رحلاته العلمية: وفيها اكتسب إضافة إلى لقائه بالعلماء وطلب العلم، معرفة أحوال الناس وطبائعهم وأوضاعهم. 5ـ ظروف أخرى مجتمعة: وتتمثل فيما كان ينتشر في داخل الجزيرة العربية وخارجها من الجهل والبدع والخرافات وسائر الانحرافات، مع قلة من يدعو إلى الله، مما جعله يفكر جديا في إصلاح أوضاع تلك المجتمعات ويتحمس للقيام بتلك المهمة غير مبال بالعقبات والمصاعب، وكان له ذلك الدور بتوفيق الله تعالى وفضله.

تلاميذ الشيخ

6ـ تلاميذ الشيخ: تتلمذ على يد الشيخ رحمه الله عدد كبير من الطلاب ولا يزال لدعوته صدى وقبول وطلاب في عدد من البلاد ولله الحمد، نسأل الله تعالى لها المزيد من القبول.

وقد كان من أبرز تلامذة الشيخ: أبناؤه: حسين، وعبد الله، وعلي، وإبراهيم، ومن تلاميذه: عبد العزيز العريني، حمد الحسين، أحمد بن معمر، أحمد سويلم، حسين ابن غنام، سعيد بن حجي، الإمام عبد العزيز بن سعود، الإمام سعود بن عبد العزيز، عبد العزيز بن حصين، وغيرهم خلق كثير.

مؤلفات الشيخ

7ـ مؤلفات الشيخ: تنوعت كتابات الشيخ ومؤلفاته في عدد من العلوم الشرعية، فألف رحمه الله في العقيدة والحديث والفقه والسيرة والتفسير. وكان يركز في التأليف على موضوع التوحيد والعقيدة، وذلك بسبب الحاجة العظمى لها في عصره، لانتشار مظاهر الشرك. وتتميز مؤلفات الشيخ رحمه الله بالعناية بالأدلة الشرعية وسهولة العبارة ودقة الاستنباط. كما يتضح من خلالها سعة علم الشيخ وإحاطته بكثير من أقوال أهل العلم واطلاعه على كتبهم ومؤلفاتهم، وكذلك استيعابه لكثير من شبه المنحرفين وقدرته الفائقة على مناقشتها والرد عليها. ومن أبرز مؤلفاته: 1ـ كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وهو أول مؤلفاته، "في علم العقيدة".

2ـ كشف الشبهات، ويدور حول مجادلة خصوم الدعوة وإزالة الشبه المثارة منهم، "في علم العقيدة". 3ـ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، "في علم العقيدة". 4ـ الأصول الثلاثة وأدلتها، "في علم العقيدة". 5ـ مسائل الجاهلية، "في علم العقيدة". 6ـ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، "في علم السيرة". 7ـ مختصر زاد المعاد، "في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه". 8ـ كتاب الكبائر، "في علم العقيدة". 9ـ فضل الإسلام، "في علم العقيدة". 10ـ فضائل القرآن، "في علم التفسير". 11ـ آداب المشي إلى الصلاة"في علم الفقه". 12ـ مختصر الإنصاف والشرح الكبير، "في علم الفقه". 13ـ تفسير آيات من القرآن الكريم، "في علم التفسير". 14ـ أحاديث الفتن والحوادث، "في علم الحديث". 15ـ رسالة في الرد على الرافضة، "في علم العقيدة".

وغيرها كثير من الآثار العلمية التي ورثها الشيخ رحمه الله، في مختلف العلوم الشرعية.

وفات الشيخ

وفات الشيخ ... 8ـ وفاة الشيخ: توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة 1206هـ ودفن في الدرعية، بعد حياة زادت عن التسعين عاما مليئة بالجهاد والدعوة إلى الله وتعليم دينه والذب عن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن العقيدة الإسلامية الصحيحة ومحاربة الشرك ومظاهره، فغفر الله للشيخ وأجزل له المثوبة1.

_ 1 انظر: تاريخ نجد، لابن غنام،1/85، وعنوان المجد، لابن بشر1/88.

ثناء العلماء عليه

9ـ ثناء العلماء عليه: أثنى على الشيخ عدد كبير من العلماء المنصفين، ممن رأى أن دعوته كانت دعوة إصلاحية تقوم على الكتاب والسنة وتؤكد على ذلك، وسأقتصر في إيراد شواهد ثناء العلماء عليه من أقوال العلماء الذين عرفوا الشيخ رحمه الله ودعوته الإصلاحية السلفية من خارج منطقة نجد، وكان من هؤلاء العلماء:

_ 1ـ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ والذي أرسل قصيدته المشهورة والتي مطلعها:

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي1 ... سلامي على نجد ومن حل في نجد 2ـ العلامة محمود شكري الألوسي علامة العراق (ت1342هـ) ـ رحمه الله ـ والذي يقول: "كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب شديد التعصب للسنة كثير الإنكار على من خالف الحق من العلماء.."2. 3ـ الشيخ محمد رشيد رضا من علماء مصر (1354هـ) ـ رحمه الله ـ والذي يقول: "لقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، من العلماء المجددين، حيث قام يدعو إلى تجديد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.."3. 4ـ الشيخ محمد بن إسماعيل الغزنوي من علماء الهند

_ 1 يشكك بعض الباحثين ويقول: بأن الشيخ محمد الصنعاني ـ رحمه الله ـ قد رجع عن مدحه للشيخ محمد بن عبد الوهاب وعن دعوته الإصلاحية، فيرد على هذا فيقال: إن ثبت أنه تراجع فماذا يضر دعوة الحق، ثم إن الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله ألف كتابا سماه "تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب المبين" دافع فيه عن الإمامين ابن عبد الوهاب والصنعاني، وأكد أن القصيدة التي يذكر بأن الصنعاني تراجع فيها عن مدح الشيخ إنما هي مكذوبة وموضوعة على الإمام الصنعاني، انظر: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص39. 2 تاريخ نجد، للألوسي، ص165. 3 الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، لأحمد بن حجر، ص 244.

(ت: 1960م) ـ رحمه الله ـ والذي نشر رسالة باسم " التحفة الوهابية" في 1927م باللغة الأوردية موضحا فيها عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ومعرفا به وبجهوده، وضمنها رسائل لعدد من علماء نجد في عصره لينفي عن الدعوة الإصلاحية الافتراءات التي ألصقت بها1. 5ـ وجاء في دائرة المعارف البريطانية، وهي تتكلم عن الوهابية ما يلي: الوهابية: اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح2. وغير هؤلاء الأعلام الذين رأوا في دعوة الشيخ خير من يعين على نشر الدين الصحيح، وتعين كذلك في القضاء على البدع والخرافات والشركيات، كان لها ذلك الدورـ ولله الحمد أولا وأخرا ـ إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله تعالى، لكونها تعمل بنصوص الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ *****

_ 1 انظر: علماء أهل الحديث في الهند وموقفهم من دعوة الشيخ، تأليف: أبو المكرم بن عبد الجليل، ص95. 2 الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، لأحمد بن حجر، ص250.

الفصل الثالث: عقيدة الشيخ ومنهجه في الدعوة

الفصل الثالث عقيدة الشيخ ومنهجه في الدعوة تمهيد: ترتبط الدعوة بالعقيدة ارتباطا وثيقا إذ لا يمكن الحكم على أي دعوة بأنها دعوة صحيحة ما لم يكن القائم بها على عقيدة سليمة موافقة لاعتقاد أهل السنة والجماعة، وحتى نتأكد من ذلك فلابد من عرض عقيدة الشيخ رحمه الله وأقواله في بعض المسائل الشرعية على منهج أهل السنة والجماعة وعلى ضوء ذلك يتحقق ويتأكد ما سبق أن أكدنا عليه بأن دعوته وعقيدته رحمه الله كانت بحمد لله تعالى موافقة لنصوص الكتاب والسنة ومنهج أهل السنة والجماعة، فلم يبتدع مذهبا جديدا أو منهجا مخالفا. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في إحدى رسائله: " أخبرك أني ـ ولله الحمد ـ متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة.."1. وسنوضح فيما يأتي بإذن الله عقيدة الشيخ في بعض القضايا المهمة

_ 1 الدرر السنية، 1/79.

التي لها علاقة بدعوته والتي شكك الخصوم في موقف الشيخ تجاهها، وهذه المسائل هي: 1ـ منهج الشيخ في التوحيد. 2ـ أصول منهجه في الاستدلال. 3ـ موقف الشيخ من الصحابة آل البيت رضي الله عنهم. 4ـ موقف الشيخ من كرامات الأولياء. 5ـ موقفه من السمع والطاعة لولاة الأمور. 6ـ منهجه في قضية التكفير والقتال. 7ـ موقفه من التقليد والاجتهاد. 8ـ رفضه لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها. 9ـ منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتعد هذه المسائل الأبرز في الحكم على الداعية في كونه متبعا لأهل السنة والجماعة، ولكونها من أكثر القضايا التي أثيرت ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وضد دعوته الإصلاحية، وفيما يأتي من الصفحات تبيان لهذه المسائل العقدية الهامة. *****

منهج الشيخ في التوحيد

1ـ منهج الشيخ في التوحيد كانت قضية التوحيد والعقيدة الصحيحة من أهم القضايا التي تناولها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ، نظرا لأنها أولى القضايا التي يجب أن يتناولها الدعاة، ولواقع مجتمعه الذي كان يعج بالشركيات والبدع والبعد عن دين الله، وهذه القضية هي أيضا من أكثر القضايا التي نازع فيها الخصوم الشيخ في دعوته، ورغم تلك التحديات والضغوط والتي تمثلت في إلحاق الأذى به وتأليب العامة عليه، وإثارة للشبه والأكاذيب على شخصه وعلى دعوته، فقد واصل رحمه الله دعوته لهذا الأصل العظيم. ومنهج الشيخ في العقيدة يقوم على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وذلك يتضح من خلال العديد من رسائله ومؤلفاته، ولعل من أبرزها هنا، رسالته لأحد الأشخاص، حيث بين الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذه الرسالة وغيرها قيام ذلك المنهج على أربع مسائل1: 1ـ بيان التوحيد الصحيح وأقسامه في الكتاب والسنة الصحيحة،

_ 1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، ص 24، وانظر: عقيدة الشيخ، د. صالح العبود، 1/350، والدرر السنية، 1/59ـ74.

وتوضيح الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وأنه لا يلزم من كون الشخص مقرا بأن الله تعالى هو الرزاق المحيي المميت أن يكون موحدا، فلابد من اقترانهما اعتقادا وقولا وعملا؛ وبيانه أن كفار قريش كانوا يقرون بالربوبية ومع ذلك عدهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كفارا ومشركين، وبين أيضا أنه لابد أن يكون الشخص مفردا للعبادة بجميع أنواعها لله وحده لا شريك له، لا لولي ولا لقبر ولا إلى غير ذلك، وعند ذلك يكون الإنسان مؤمنا حق الإيمان، ويبين الشيخ دائما في مؤلفاته فضل التوحيد وأهميته للمسلم في الدنيا والآخر. والتوحيد عند الشيخ هو أصل الدين، الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وهذه الأنواع مرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا، فمن أخل بواحد منها أخل بالآخر. 2ـ بيان الشرك وأنواعه ومظاهره ووسائله، والتحذير والبراءة منه ومن أهله، ويبين الشيخ أيضا أنه يدخل فيه: من تقرب لغير الله بقصد اتخاذه واسطة بينه وبين الله تعالى، أو بقصد الشفاعة عند الله سبحانه، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى. 3ـ تكفير من عرف التوحيد، واتضح له أنه دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

ومع ذلك يبغضه ويصد الناس عنه، وكذلك تكفير من عرف الشرك والمشركين، وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لمحاربتهم ويقر بذلك، ثم بعد ذلك يمدحه ويحسنه للناس ويقول: إنه يخطئ السواد الأعظم، ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يجمع أمتي أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة" 1، والرد على هذا الاستدلال الباطل. 4ـ الأمر بقتال هؤلاء المشركين خاصة بعد إقامة الحجة عليهم، والجهاد ضدهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، كما قاله الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] . والشيخ يرى بأن: " الناس يتفاضلون في التوحيد، تفاضلا عظيما، ويكونون فيه على درجات بعضها أعلى من بعض، فمنهم: من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما دلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة؛ ومنهم: من يدخل النار، وهم العصاة، ويمكثون فيها على قدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها لأجل ما في قلوبهم من التوحيد والإيمان، وهم في ذلك متفاوتون؛ كما في الحديث

_ 1 رواه الترمذي في كتاب الفتن، باب لزوم الجماعة، رقم: 2167، ورواه أبو داود، في كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها، رقم:4253، صححه الشيخ الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، برقم: 1331، ومشكاة المصابيح1/61.

الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن برة" وفي لفظ: "شعيرة" وفي لفظ: "ذرة" وفي لفظ: "حبة خردل من إيمان" 1، ومن تأمل النصوص: تبين له أن الناس يتفاضلون في التوحيد والإيمان، تفاضلا عظيما، وذلك بحسب ما في قلوبهم من الإيمان بالله، والمعرفة الصادقة، والإخلاص، واليقين، والله أعلم"2. والناظر في رسائل الشيخ ومؤلفاته ـ رحمه الله ـ يتضح له ولا شك التزام منهجه في العقيدة على نصوص الكتاب والسنة، وفق منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة3. ونترك الشيخ محمد رحمه الله يوضح عقيدته بنفسه في رسالته الموجزة القيمة التي كتبها لأهل القصيم ونصها لما سألوه عن عقيدته قال: " أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم: أني أعتقد ما

_ 1 رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، رقم: 42، ورواه البخاري أيضا في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} : 6861، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم:285، 286. 2 الدرر السنية، 1/207. 3 ويدرك الباحث المدقق في تراث الشيخ العلمي وفي دعوته أنه يسير على هدي السلف الصالح أهل السنة والجماعة، فهو ضمن السلسلة المباركة لأئمة الهدى وأعلام الدين من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم السائرة على هديه في الاعتقاد والقول والعمل.

اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره؛ ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنه تعالى لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه. فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون، من أهل التكييف، والتمثيل؛ وعما نفاه عنه النافون، من أهل التحريف والتعطيل، فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180ـ182] . والفرقة الناجية: وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية؛ وهم وسط في باب وعيد الله، بين المرجئة والوعيدية؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين، بين الحرورية والمعتزلة؛ وبين المرجئة والجهمية؛ وهم وسط: في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض، والخوارج.

وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأومن: بأن الله فعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدد، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور. وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة غرلا، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102ـ103] وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله. وأومن: بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا؛ وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم.

وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع، وأول مشفع؛ ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلاع؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] ، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، وهو لا يرضى إلا التوحيد؛ ولا يأذن إلا لأهله؛ وأما المشركون: فليس لهم من الشفاعة نصيب؛ كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] . وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، ولا يضامون في رؤيته. وأومن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين؛ ثم علي المرتضى؛ ثم بقية العشرة؛ ثم أهل بدر؛ ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان؛ ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم؛ وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم؛ وأعتقد فضلهم، عملا بقوله تعالى:

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن، وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام؛ وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام: برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل. وأرى وجوب السمع والطاعة: لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته؛ وحرم الخروج عليه؛ وأرى هجر أهل البدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله؛ وأعتقد: أن كل محدثة في الدين بدعة. وأعتقد أن الإيمان: قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية؛ وهو: بضع وسبعون

شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة. فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل"1. فانظر إلى هذه العقيدة الصافية الموافقة لمعتقد أهل السنة والجماعة والتي تمتليء بها كتب أعلامهم، يؤكدون عليها. ويتضح من هذه الرسالة: بالإضافة إلى أن الشيخ يعتقد عقيدة السلف الصالح رحمهم الله، سعة علم الشيخ ودقة استنباطه، وقوة عباراته، وتأثره بأساليب كبار علماء السلف كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. *****

_ 1 الدرر السنية، 1/29ـ33، وانظر: مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص8ـ11.

أصول منهجه في الاستدلال

2ـ أصول منهجه في الاستدلال يعتمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في الاستدلال على القضايا والمسائل التي يناقشها في كتبه، أو في رسائله، أو في دروسه، وفتاويه على أصول معتمدة عند أهل السنة والجماعة، وعليها العمل عندهم، وهذه الأصول هي: 1ـ كتاب الله تعالى وتفاسيره المعتمدة عند السلف الصالح، وهذا هو الأصل الأول الذي يستند عليه الشيخ رحمه الله تعالى. 2ـ السنة المطهرة وشرحها المعتبرة من علماء الأمة الذين عرفوا بصفاء العقيدة وسعة العلم. 3ـ إجماع السلف الصالح واتفاقهم على مسألة من المسائل، وفي ذلك يقول رحمه الله في إحدى رسائله: " لا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم.."1. 4ـ الاجتهاد والقياس والموازنة في بعض المسائل واتباع ما ترجح عنده من الأقوال الموافقة للنصوص. 5ـ الالتزام بكتب المذهب الحنبلي في الفقه خصوصا، وإن كان

_ 1 الدرر السنية، 1/45.

يخالفها في بعض المسائل لترجح الدليل عنده. وكان رحمه الله يحترم أئمة المذاهب كلهم، ويأخذ عنهم، مع حسن اختيار للرأي الفقهي الذي يأخذ به عنهم، وفق ما يقتضيه الدليل الراجح1. ويوضح هذا المنهج وأصوله في الاستدلال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله: " مذهبنا في أصول الدين، مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، ... وهي أننا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى ... ونحن في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة ... ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة، أخذنا به، وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد، وإن خالف مذهب الحنابلة ... ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب

_ 1 انظر: الدولة والدعوة، د. عبد الله التركي، ص16.

الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليده صاحبه..ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا: تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم.. وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث، خصوصا الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولا وفروعا وقواعد وسيرا ونحوا وصرفا، وجميع علوم الأمة.."1. *****

_ 1 الدرر السنية، 1/226، وانظر: من أعلام المجددين، الشيخ د. صالح الفوزان، ص63.

موقفه من الصحابة الكرام ومن أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين

موقفه من الصحابة الكرام ومن أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين ... 3ـ موقفه من الصحابة الكرام ومن آل البيت رضي الله عنهم أجمعين يقوم منهج أهل السنة والجماعة في هذه المسألة على موالاة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلامة قلوبهم وألسنتهم تجاههم، وذكر محاسنهم والترضي عنهم، والكف عما شجر بينهم، ويعتقدون بأنهم خير القرون وأنهم السابقون الأولون أصحاب المآثر العظام والمقامات الرفيعة، وأنهم عدول ثقات كلهم معتمدون في اعتقادهم ذلك على عدد من النصوص، منها قوله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} ْ [الفتح: 29] وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سورة التوبة: 100] . ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" 1. يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: "ونحب أصحاب رسول الله

_ 1 رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي "لو كنت متخذا خليلا"، رقم: 3397، ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة، رقم: 4610.

ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"1. وأهل السنة يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحترمونهم، ويكرمونهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولون زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويعتقدون أنهن أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة2. كما قال سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] . ويعد موقف الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة امتدادا لمعتقد أهل السنة والجماعة فيها، فهو يقول في رسالته لأهل القصيم، التي سبق ذكرها: " وأومن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وإن أفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة

_ 1 العقيدة الطحاوية، ص 689. 2 للاستزادة حول منهج أهل السنة من الصحابة، انظر: العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمة، المطبوع بشرح الشيخ عبد العزيز الرشيد، ص291، وغيره من كتب أئمة السلف رحمهم الله.

الرضوان ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم أكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] ، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء.."1. وقال أبناء الشيخ وحمد بن ناصر ـ رحمهم الله ـ " مذهبنا في الصحابة رضي الله عنهم هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو: أن أفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وأفضلهم بعد أبي بكر: عمر، وأفضلهم بعد عمر: عثمان، وأفضلهم بعد عثمان علي رضي الله عنهم، ومنزلتهم في الخلافة كمنزلتهم في الفضل.."2. وبهذا يتبين موقف الشيخ وأتباعه في هذه المسألة المهمة من مسائل العقيدة والتي ضل فيها كثير من أصحاب الفرق والأهواء المنحرفة البعيدة عن منهج السلف الصالح، فمنهجه رحمه الله وسط بين ضلالات الروافض وانحرافات النواصب.

_ 1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، ص 10. 2 الدرر السنية، 1/215.

موقف الشيخ من كرامات الأولياء

4ـ موقف الشيخ من كرامات الأولياء الكرامة هي: أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل عليه السلام، إكراما لهم من الله عز وجل ببركة اتباعهم للرسل، والولي هو العبد الصالح التقي1، كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] . وليس كل ولي تحصل له كرامة، وإنما تحصل لبعضهم؛ ويكون الغرض منها: إما لتقوية إيمانه، أو لحاجته، أو لإقامة حجة على خصومه2. يقوم منهج أهل السنة والجماعة على الإيمان بكرامات الأولياء والتصديق بها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات في العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة"3.

_ 1 انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ابن تيمية، ص 14، وفتاوى اللجنة الدائمة، 1/388، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، د. صالح الفوزان، ص 216. 2 المرجع السابق، بنفس الموضع. 3 العقيدة الواسطية، ص 26.

وانقسم الناس في موضع الكرامات إلى ثلاثة أقسام هي: 1ـ قسم غلوا في نفيها، حتى أنكروا ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات التي تجري على وفق الحق لأولياء الله المتقين، وهؤلاء المنكرين كالجهمية والمعتزلة وأشباههم. 2ـ قسم غلوا في إثبات الكرامات، حتى اعتقدوا أن السحر والشعوذة والدجل منها، واستغلوها وسيلة للشرك والتعلق بأصحابها من الأحياء والأموات، حتى نشأ عن ذلك الشرك الأكبر بعبادة القبور وتقديس الأشخاص والغلو فيهم، في كثير من بلاد المسلمين. 3ـ القسم الثالث: وهم أهل السنة والجماعة، وقد توسطوا في موضوع الكرامات بين الإفراط والتفريط، فأثبتوا ما أثبته القرآن الكريم والسنة المطهرة، فلم يغلوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله تعالى، ولا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم بل هناك من أولياء الله من هم أفضل منهم، ولم تجر على أيديهم كرامات. ونفى أهل السنة ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والسحر والشعوذة، واعتقدوا أن ذلك من عمل الشياطين، وليس من الكرامات1.

_ 1 انظر: الإرشادة إلى صحيح الإعتقاد، د. صالح الفوزان، ص 217.

الفرق بين كرامات الأولياء والمعجزات: يشتركان في كونهما من الله تعالى، وبكونهما من الأمور الخارقة للعادات، وتفترقان بان الكرامة: لا تقترن بدعوى النبوة إذ المعجزة لا تجري إلا على يد نبي، وليس في الكرامة تحد، ولا قصد، بحيث كلما أراد الولي جرت؛ لأنها من الآيات، وهي على وفق إرادة الله تعالى، قال سبحانه: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنعام: 109] ، وليس للمخلوق تصرف فيها متى أراد وكيف أراد.."1 الفرق بين كرامات الأولياء وخوارق السحر والشياطين: 1ـ أن كرامات الأولياء سببها التقوى والعمل الصالح، وأما أعمال السحرة والشياطين فسببها الكفر والفجور. 2ـ أن كرامات الأولياء يستعان بها على البر والتقوى، أو على أمور مباحة، وأما أعمال السحر والشياطين فيستعان بها على أمور محرمة من الشركيات والكفر والفجور ونحو ذلك. 3ـ أن كرامات الأولياء تقوي بذكر الله تعالى وتوحيده وعبادته، وأما أعمال السحرة والشياطين فتبطل وتضعف عند ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والتوحيد2.

_ 1 انظر: سف الله على من كذب على أولياء الله، صنع الله الحلبي، ص 102. 2 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، د. صالح الفوزان، ص216ـ 219.

ويقوم موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه المسألة على الإيمان بها وإقرارها في حدود الشرع وضوابطه، كما هو موقف أهل السنة، والذي سبق بيانه وفي منهجه هذا رد على من وصف دعوته بأنها: تنكر كرامات الأولياء وتسلبهم الاحترام والتقدير1، يقول ـ رحمه الله ـ عن ذلك: " وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.."2. ويقول رحمه الله: "وأما الصالحون فهم على صلاحهم رضي الله عنهم ولكن نقول ليس لهم شيء من الدعوة قال الله:} وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا { [الجن: 18] 3. ويؤكد الشيخ على أن دعوته الإصلاحية تحفظ للصالحين حقوقهم، فيقول: " الواجب حبهم واتباعهم، والإقرار بكراماتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين.."4. وقال الشيخ رحمه الله: " حق أولياء الله: محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيرا لا

_ 1 انظر: دعاوى المناويين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص142. 2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، ص11. 3 المرجع السابق، ص 101. 4 مجموعة مؤلفات الشيخ، 1/169.

يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى، ويدفعوا عنهم سوء لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] ، فسماه عبادة وأضافها إلى نفسه ... "1. ومع تأكيد أهل هذه الدعوة الإصلاحية وأتباعها على حقوق أولياء الله فإنهم يؤكدون على عدم الغلو فيهم، فيقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: "ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق وإنهم على هدى من ربهم..إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم ... "2.

_ 1 الدرر السنية، 2/175-176. 2 المرجع السابق، 1/231.

موقف الضيخ من السمع والطاعة لولي الأمر

موقف الضيخ من السمع والطاعة لولي الأمر ... 5ـ موقف الشيخ من السمع والطاعة لولي الأمر تعد هذه المسألة من مسائل العقيدة التي اهتم بها علماء الشريعة وذلك لآثارها الكبيرة على الناس جميعا، وقبل توضيح موقف الشيخ في هذه المسألة نبين موقف أهل السنة والجماعة فيها، وهو ما يلخصه الإمام أبو جعفر الطحاوي ـ رحمه الله ـ بقوله:" ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله تعالى فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.."1. ويقول شارح الطحاوية الإمام ابن أبي العز ـ رحمه الله ـ: "..دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية.."2 ثم يقول: "..وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل ... قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص540. 2 المرجع السابق، ص 542.

أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم"1. ويقول الموفق ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: " ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين2وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين"3. فموقف أهل السنة من الإمامة والسمع والطاعة لولي الأمر يتمثل في: 1ـ طاعة الإمام المسلم في المعروف. 2ـ طاعة الإمام المسلم في المعروف. 3ـ عدم الخروج عليه وإن جار وإن ظلم. 4ـ لا يسوغ الخروج على الحاكم إلا بشرطين مجتمعين: أـ وجود الكفر البواح الذي لا يحتمل التأويل. ب ـ وجود القدرة عند الأمة على التغيير.

_ 1 المراجع السابق، ص 543. 2 يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: " وليس من شرط ذلك تسميته بأمير المؤمنين، بل لو سمي خليفة أو سلطانا أو ملكا أو إماما صدق عليه أنه من الولاة المأمور بطاعتهم". التعليقات على متن لمعة الاعتقاد، ص183. 3 المرجع السابق، ص181.

5ـ مناصحتهم بالطريقة الشرعية، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة. فهذه الأمور الخمسة عليها العمل عند علماء أهل السنة والجماعة، وكتبهم مليئة بالتأكيد عليها، ويستدلون في هذا على نصوص كثيرة من الكتاب والسنة منها: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، قال الإمام القرطبي رحمه الله: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة..". قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم..". يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذا الحديث: " فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ... فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته

_ تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن"، 1/251. رواه أبو داود، في سننه، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، رقم: 2608، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود، 2/125.

وطاعة رسوله من أفضل القربات ... "1. وتنعقد الولاية والإمارة شرعا بأحد الطرق الآتية: الأول: ما لو نص صلى الله عليه وسلم على أن فلانا هو الإمام، فإنها تنعقد له بذلك، قال بعض العلماء: إن إمامة أبي بكر رضي الله عنه من هذا القبيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه في إمامة الصلاة وهي أهم شيء، وفيه الإشارة إلى التقديم للإمامة الكبرى وهو ظاهر. الثاني: هو اتفاق أهل الحل والعقد على بيعته، كما أجمع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار على إمامة أبي بكر رضي الله عنه بعد الخلاف فيما بينهم، ولا عبرة بعدم رضى بعضهم، كما وقع من سعد بن عبادة رضي الله عنه من عدم قبوله بيعة أبي بكر رضي الله عنه. الثالث: أن يعهد إليه الخليفة الذي قبله، كما وقع من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما. الرابع: أن يتغلب على الناس بسيفه وينزع الخلافة بالقوة حتى يتستتب له الأمر وتدين له الناس. قال بعض العلماء: ومن هذا القيبل قيام عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقتله إياه في مكة على يد الحجاج بن يوسف فاستتب الأمر له2.

_ 1 السياسة الشرعية، ص191ـ 192. 2 انظر: أضواء البيان، الشيخ محمد الشنقيطي، 1/48.

ومن النصوص الشرعية التي تؤكد على السمع والطاعة لولاة الأمر: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . وقال عليه الصلاة والسلام: " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" 1. وقال عليه الصلاة والسلام: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا مات ميتة جاهلية" 2. وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعبونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة" 3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك

_ 1 رواه البخاري، في كتاب الجهاد والسير، باب السمع والطاعة للإمام، رقم: 2735، ورواه أيضا في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، رقم: 6611، ورواه مسلم في كتاب الإمارة، باب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: 2423 2 رواه البخاري، في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أمورا تنكرونها، رقم: 6530، ورواه مسلم، في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، رقم:3438. 3 رواه مسلم، في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، رقم: 3447.

السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك" 1. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: " دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"2. وقال عليه الصلاة والسلام: " الدين النصيحة، النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" 3. ويقول الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ: " إني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلانية، وفي عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق، في الليل والنهار.." 4. وليسلك الناصح في نصيحته للولاة مذهب أهل السنة والجماعة ومنهجهم في ذلك، وهو أنهم: لا يرون التشهير بهم في المجامع العامة لما يوقع ذلك من الفتنة، وإنما يناصحهم في السر لئلا يهيج

_ 1 رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: 3419. 2 رواه البخاري، في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم" سترون بعدي أمورا تنكرونها" رقم: 6532، رواه مسلم، في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم: 3427. 3 رواه مسلم، في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم: 82. 4 انظر: السنة للخلال، تحقيق: د. عطية الزهراني، 1/82ـ84، البداية والنهاية لابن كثير، 10/337.

الجموع ضدهم، ولعدم المصلحة في ذلك؛ لأن المراد هو إصلاحهم بهذه النصيحة ورجوعهم إلى الحق من خلالها، فلذلك لابد من إيصالها بالطرق المحببة للنفس باللين والرفق والسر، ويدل على هذا المنهج ما رواه عياض بن غنم الفهري رضي الله عنه بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن ينصح لسلطان بأمر، فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له" 1. يقول الإمام ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في شرحه لحديث:"الدين النصيحة": " النصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق ... " 2. وبعد بيان منهج أهل السنة والجماعة في هذه القضية والنصوص الكريمة المؤيدة لهم، نأتي لذكر موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة، وقد بين موقفه هذا في رسالة سماها ستة

_ 1 رواه الإمام أحمد، المسند، من حديث هشام بن حكيم بن حزام، رقم:15333، وقال الشيخ الأرناؤوط: "الحديث حسن لغيره"، 24/48-50. 2 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ص 79.

أصول عظيمة مفيدة جليلة حيث قال: " الأصل الثاني: أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق.. إلى أن قال: الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا بكل أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به"1. كما يؤكد الشيخ على هذا المعنى بأسلوب آخر، وذلك في رسالته الموسومة بمسائل الجاهلية حيث ذكر أن من أمور الجاهلية التي خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة ولي الأمر وعدم طاعته، يقول الشيخ: "الثالثة: أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له عندهم فضيلة وبعضهم يجعله دينا، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة والنصيحة لهم وغلط في ذلك وأبدى وأعاد"2. ويوضح الشيخ موقفه في هذه المسألة أيضا بقوله: "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه" 3.

_ 1 مجموع التوحيد، ص 275. 2 مسائل الجاهلية، ص11. 3 رسالة الشيخ إلى أهل القصيم، مؤلفات الشيخ:" الرسائل الشخصية"، ص11.

ويقول أيضا: " وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا أو فاجرا وصلاة الجماعة خلفهم جائزة"1. وإذا كان هذا هو منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع ولاة الأمر وهذا هو موقف الشيخ الإمام من هذه القضية المهمة، فبه يمكن الرد على الفرية التي تقول: إن الشيخ لم يلتزم بمنهج أهل السنة تجاه التعامل مع الحاكم عملا وإن كان ملتزما به قولا، فهو قد خرج على الحاكم في ذلك الوقت وهو الخليفة، أو الحاكم العثماني ولم يعترف له ببيعة أو سلطة"2. والجواب عن ذلك أن نقول: 1ـ تجمع المصادر التاريخية على أن منطقة نجد لم تكن ضمن مناطق النفوذ العثماني ولا وطأتها قدم حامية تركية قبيل الدعوة بل لم تعرها السلطة العثمانية أي اهتمام، وإنما كانت نجد مجموعة من الإمارات الصغيرة المتنافرة بالإضافة إلى الحالة السياسية والدينية السيئة التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية في ذلك الوقت3.

_ 1 المرجع السابق، بنفس الموضع. 2 انظر: تفصيلا لهذه الشبهة والرد عليها: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. عبد العزيز العبد اللطيف، ص 233. 3 انظر: الصفحة 62ـ64 من هذا الكتاب.

2ـ ننظر في تعامل الشيخ مع القيادات السياسية الحاكمة في تلك البلاد، ففي حريملاء مثلا حينما قام بالدعوة بعد وفاة والده وتألب عليه بعض أهلها، خرج الشيخ منها دون أن ينازع أهلها في الأمر، ثم كان حاله كذلك مع عثمان بن معمر حاكم العيينة حينما ناصره أول الأمر، ثم بعد أن خذله، لم ينازعه الشيخ ولم يخاصمه سياسيا رغم وجود أنصار للشيخ في العيينة. وهكذا كان حال الشيخ ـ رحمه الله ـ مع حكام الدرعية فقد حفظ لهم حقوقهم السياسية ومكانتهم الاجتماعية واستمر مؤيدا ومناصرا لآل سعود، وهكذا أئمة الدعوة بعده مع الحكام الشرعيين من آل سعود. فهذا كله يدحض فرية خروج الشيخ على الحاكم والسلطان في ذلك الوقت، ويبين موقفه في هذه المسألة الموافقة لمنهج أهل السنة والجماعة كما تضح بيانه. *****

منهجه في قضية التكفير والقتال

6ـ منهجه في قضية التكفير والقتال تعد قضية التكفير من أخطر القضايا المرتبطة بالعقيدة والتي زلت فيها قدم كثير من الفرق المنتسبة للإسلام، يقول ابن أبي العز في شرحه لكلام الإمام الطحاوي: " اعلم ـ رحمك الله وإيانا ـ أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وكثر فيه الأهواء والآراء ... "1، وهي من أكثر التهم التي يطلقها أهل الأهواء على دعاة الإسلام الصادقين السائرين على منهج السلف الصالح. ويولي أهل السنة والجماعة قضية التكفير أهمية بالغة، لما يترتب عليها من أحكام خطيرة تلحق بمختلف أطرافها2، ويضعون لها ضوابط وشروطا تحكمها، لذلك كان منهجهم في هذه القضية هو المنهج العدل، وطريقهم فيها هو طريق الصواب، لدقة فهمهم لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية وفي غيرها3. والتكفير مشتق من الكفر: وهو إخراج المسلم من دائرة الإسلام

_ 1 شرح العقيدة الطحاوية، ص 432. 2 يقول النبي صلى الله عليه وسلم في تحذيره للأمة من هذه الفتنة: " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" رواه البخاري، كتاب الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل، رقم:6103، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر، رقم:212. 3 انظر أقوال العلماء في المسألة في شرح النووي لصحيح مسلم، 2/237.

والإيمان إلى دائرة الكفر والشرك، ونسبته إلى ذلك1. ولبيان منهج أهل السنة والجماعة في قضية التكفير ننقل كلام الأئمة المعتبرين عند أهل السنة في هذه القضية، من ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ " ومن أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه في آية القصاص: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:178] ولا يسلبون الفاسق المليّ الإيمان بالكلية ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا} [الأنفال: 2] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع

_ 1 انظر: المعجم الوسيط، 3/792"مادة كفر".

الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" 1، ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم"2. يقول الشيخ د. صالح الفوزان في شرحه لكلام الإمام ابن تيمية: "أهل السنة والجماعة لا يحكمون بالكفر على من يدعي الإسلام ويستقبل القبلة بمطلق ارتكابه المعاصي التي هي دون الشرك والكفر" 3. ويقول الإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ "..ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"4. يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ تعليقا على كلام الإمام الطحاوي: " مراده رحمه الله أن " أهل السنة والجماعة" لا يكفرون المسلم الموحد المؤمن بالله واليوم الآخر بذنب يرتكبه كالزنا، وشرب الخمر، والربا، وعقوق الوالدين، وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك، فإن استحله كفر؛ لكونه بذلك مكذبا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خارجا

_ 1 رواه البخاري، في كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ} رقم:5150، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، رقم: 86. 2 العقيدة الواسطية، لابن تيمية، ص22ـ23. 3 شرح العقيدة الواسطية، د. الفوزان، ص 180. 4 شرح العقيدة الطحاوية، ص 432.

عن دينه، أما إذا لم يستحل ذلك؛ فإنه لا يكفر عند " أهل السنة والجماعة" بل يكون ضعيف الإيمان، وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك، حسبما جاء في الشرع المطهر، وهذا هو قول" أهل السنة والجماعة" خلافا لـ" الخوارج" و" المعتزلة" ومن سلك مسلكهم الباطل، فإن"الخوارج" يكفرون بالذنوب، و" المعتزلة" يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا، وأما في الآخرة فيتفقون مع" الخوارج" بأنه مخلد في النار، وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، وقد التبس أمرهما على بعض الناس لقلة علمهم، ولكن أمرهما بحمد الله واضح عند أهل الحق"1. ويقول الموفق ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في لمعة الاعتقاد:"ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل"2. يقول الشيخ عبد الله بن جبرين شارحا لكلام ابن قدامة: "وأما التكفير بالذنوب لأهل القبل ـ أي: أهل الإسلام، واستقبال القبلة في الصلاة والحج ونحوها ـ فلا يجوز تكفيرهم بمجرد عمل ذنب كبير ونحوه، وما ورد من نصوص الوعيد فإنا نجريها على ظاهرها، ليكون

_ 1 العقيدة الطحاوية، تعليق الشيخ ابن باز، ص 19ـ20. 2 لمعة الاعتقاد، تعليق الشيخ ابن جبرين، ص170ـ172.

أبلغ في الزجر عن تلك المآثم، مع اعتقادنا أنه لا يخرج بها من الدين، ولا يخلدون في النار، ونقول في جنس أهل الكبائر إنهم مؤمنون ناقصو الإيمان، أو فاسقون بكبائرهم، وهم في الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، ثم مآلهم إلى دخول الجنة، خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ويستحلون دماء أهل الكبائر وأموالهم، وللمعتزلة الذين يخرجون العاصي من الإسلام، ولا يدخلونه في الكفر، وهو في الآخرة عند الخوارج والمعتزلة مخلد في النار، أنكروا أحاديث الوعد والشفاعة ونحو ذلك"1. ويوجز الشيخ أ. د. ناصر العقل عقيدة أهل السنة في التكفير بقوله: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فصلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأظهر شرائع الإسلام فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم حرام الدم والمال والعرض وحسابه على الله، واختبار مجهول الحال وإساءة الظن به أو التوقف في إسلامه بدعة وتنطع في الدين، ولا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب يرتكبه إلا من جاء تكفيره بالكتاب والسنة وقامت عليه الحجة وانتفت في حقه عوارض الإكراه أو الجهل أو التأويل كما لا يجوز الشك في كفر من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بكفره من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم، ولا نجزم لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرتكب

_ 1 المرجع السابق، ص 172.

الكبيرة في الدنيا فاسق وعاص، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ولا يخلد في النار، ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء"1. وليس معنى ذلك أن أهل السنة والجماعة لا يرون أن المسلم لا يمكن أن يخرج من دائرة الإسلام، بل إنه ربما خرج المسلم من دين الإسلام بسبب ما يأتي به من النواقض التي تخرجه من دائرة الإسلام، ولذلك نص علماء الإسلام قديما وحديثا على باب مهم في كتب الفقه أسموه باب حكم المرتد، وبينوا فيه " أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله ويكون بها خارجا عن الإسلام" 2. قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217] ، " المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله تعالى أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته ... أو سب الله سبحانه وتعالى أو رسوله كفر ... "3. وبعد هذا البيان الموجز لموقف أهل السنة والجماعة من قضية التكفير نقلا من كلام الأئمة المعتبرين نأتي إلى بيان موقف الشيخ

_ 1 مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، د. العقل، ص 46. 2 العقيدة الصحيحة، وما يضادها، ابن باز، ص 14. 3 المغني والشرح الكبير 10/72ـ73.

محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من هذه القضية من خلال كلامه في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة التي يعتقدها، ومن خلال رده على خصومه الذين يتهمونه بأنه يتهاون في قضية التكفير ويكفر المسلمين بالعموم ويقاتلهم من أجل ذلك1، ويقولون كذلك بأنه يكفر بالظن ويكفر الجاهل. فيرد الشيخ رحمه الله على ذلك كله بأقواله واضحة، لا غموض فيها، منها قوله:" ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام"2. ويقول أيضا: " وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك"3. ويرد الشيخ في موضع آخر التهم كلها حول التكفير والهجرة إليه وغير ذلك فيقول: " وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله"4.

_ 1 انظر: كشف الشبهات، ص37ـ38. 2 رسالته لأهل القصيم، مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص11. 3 الدرر السنية1/82-83. 4 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص25.

ويقول: " وأما القول بأنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم"1. ويقول في نفيه لما اتهم به من شبه وضلالات: " إني أقول من اتبع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو ساكن في بلده لا يكفيه ذلك حتى يأتي عندي فهذا أيضا من البهتان إنما المراد اتباع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أي أرض كانت"2. ومع نفي الشيخ لما نسب إليه من التكفير فإنه قد كتب رسالة مهمة أوضح فيها الأمور التي تخرج الإنسان من دائرة الإسلام سماها: نواقض الإسلام ومما ذكره في ذلك: " اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض: الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وقال: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعا.

_ 1 المرجع السابق، ص 101. 2 المرجع السابق، ص58.

الثالث: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر. السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65، 66] . السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] . الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] . التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.

العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] ، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم"1. وبهذا اتضح لنا منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قضية التكفير وبيان موافقته لمنهج أهل السنة والجماعة فيها. وبعد هذا نأتي لبيان موقفه رحمه الله في مسألة القتال والجهاد الذي قام به مع دولة التوحيد بقيادة الإمام محمد بن مسعود وأبنائه من بعده رحمهم الله أجمعين. فما يقول الشيخ عن القتال؟ يقول رحمه الله: في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] أي فتثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله: {فَتَبَيَّنُوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى"

_ 1 مجموعة التوحيد، ص 271ـ272.

إلى أن يقول: " وإن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك"1. فيتضح من كلامه رحمه الله أن منهجه في هذه المسألة يقوم على التثبت لعظم حرمة دم المسلم عند الله، ولا يقاتل أحدا إلا إذا أظهر ما يناقض دين الإسلام عن علم واستكبار. ويقول أيضا: "وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 50] ، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفه"2. ويقول أيضا: " نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق.."3، فهو لم يقم بالقتال لتحصيل مآرب دنيوية وإنما كان الغرض منه عدة أسباب: 1ـ إما دفاعا عن النفس والمحارم. 2ـ المقابلة والمجازاة، والعقاب بالمثل. 3ـ المجاهرون المعاندون لدين الحق بعد إعلامهم وتبليغهم

_ 1 كشف الشبهات، المطبوع مع مجموعة التوحيد، ص 231. 2 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص 158. 3 المرجع السابق، ص98.

موقفه من التقليد والاجتهاد

7ـ موقفه من التقليد والاجتهاد التقليد: قبول قول الغير بلا حجة ولا دليل1. وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: 1ـ التقليد بعد ظهور الدليل وقيام الحجة، وهذا تقليد مذموم؛ لأن الله تعالى ذم الكافرين بسبب تقليدهم الآباء في الضلالة كما قال تعالى عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، فإذا ورد الدليل الصحيح فعلى المسلم الالتزام به وتطبيقه، دون النظر لقول كائن من كان. 2ـ التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل، فهذا تقليد مذموم أيضا لقدرته وتمكنه من معرفة الدليل. 3ـ التقليد في فروع العبادات والمعاملات والسلوك وغيرها، لمن لا يعرف الدليل وطريقة الاستدلال، وهذا تقليد سائغ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] 2. وقد شنع علماء الإسلام على التقليد بلا دليل في كل المسائل؛

_ 1 التعريفات، الجرجاني، ص 90. 2 انظر: الدرر السنية، 4/68، 4/389، وانظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص151ـ152.

والأئمة الأربعة رحمهم الله نهوا عن ذلك، فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: " لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا..وقال: لا تقلد الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا"1. وقال الإمام مالك رحمه الله: " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"2. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"3. وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول إذا أفتى: "هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي خير منه قبلناه"4. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في

_ 1 ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 20/211. 2 المرجع السابق، 20/210. 3 المرجع السابق، بنفس الموضع. 4 المرجع السابق، بنفس الموضع.

كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.."1. فاتضح مما سبق أن المعول عليه في الشريعة هو الدليل، ويكون التعصب له دون أقوال الرجال؛ لأن كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم فهو المبلغ عن ربه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] . أما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في معرفة حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط2. فالاجتهاد لا يكون إلا ممن لديه القدرة عليه وتوفرت فيه شروط عدة: كالعقل والبلوغ والعدالة والعلم بالدين ومعرفة أحكامه، والعلم باللغة العربية، وبأصول الفقه وقواعده العامة، ويعرف أيضا: المجمع عليه، والمختلف فيه، وأن يكون عالما بمقاصد الشريعة، وغيرها من الشروط، ولا يكون الاجتهاد في الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أو ما أجمع عليه، وإنما يكون في مسائل الفروع التي ورد فيها دليل محتمل لعدة معان، كما يجوز في الأحكام التي لم يرد فيها نص ولا إجماع3.

_ 1 المرجع السابق، بنفس الموضع. 2 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250. 3 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250ـ255، وانظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، بحث في مؤتمر الفقه المنعقد في جامعة الإمام عام1396هـ، ص 26ـ30.

والموقف من الاجتهاد والتقليد لخصه علماؤنا أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية في فتوى صدرت منهم نصها: "من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه، ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء من أهل العلم في زمنه، أو يقرأ كتب العلماء الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم. ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيء الظن بالمتعلمين عموما وقد ضيق واسعا ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضاً وقد ضيق واسعاً بغير دليل، ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم، كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء"1. وقبل ذكر موقف الشيخ وعلماء الدعوة في مسألة التقليد

_ 1 مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 53، ص 101.

والاجتهاد لابد أن نشير إلى أنه مما مدحت به دعوة الشيخ بأنها دعت إلى فتح باب الاجتهاد وفق ضوابطه الشرعية ونبذ التقليد1، كما أن هذا الموضوع مما ذمه بها خصومها حيث وصفت الدعوة من أولئك بأنها تمردت على المذاهب الفقهية ورفضتها وجاءت بمذهب جديد يخالف مذاهب الفقهاء المعتبرين عند أهل الإسلام على حد زعمهم، وأيضا بأن الشيخ يدعي الاجتهاد ويرفض التقليد2. ونعود إلى موقف الشيخ من هذه القضية: فنجده ينفي ما ينسبه إليه أعداؤه وخصومه بأنه يدعي الاجتهاد المطلق وينهى عن التقليد، وفي ذلك يقول رحمه الله: " وما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله"3. ويقول أيضا: " لم أستدل بالقرآن والحديث وحدي حتى يتوجه علي ما قيل من أني نسبت نفسي إلى الاجتهاد، ولا خلاف في أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم ولكن الشأن إذا اختلفوا، هل يجب قبول الحق ممن جاء به ورد المسألة إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم مقتدين بأهل العلم؟ أو ننتحل قول بعضهم من غير حجة ونزعم أن الصواب في

_ 1 الدعوة الوهابية وأثرها، د. محمد ضاهر، ص 191ـ192. 2 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، د. العثيمين، ص146. 3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص96.

قوله"1. ويقول الشيخ أيضا: " وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها"2. والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بين في بعض رسائله التقليد الممنوع والمأذون فيه والمباح فقال:" وأما القول في التقليد واتباع الدليل فإن الله تعالى فرض علينا فرضين: الأول: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك مخالفته في كل شيء، وأن الإنسان لا يؤمن حتى يحكمه فيما شجر بينه وبين غيره، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء: 65. والفرض الثاني: أن الله فرض علينا في كل مسألة تنازعنا فيها أن نردها إلى الله والرسول كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . [النساء: 59] ، وخاطب بها جميع المؤمنين، المجتهد وغيره، ولكن نقول: الواجب عليك تقوى الله ما استطعت، وذلك أن

_ 1 انظر: الدرر السنية، 1/44ـ45، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، د. العبود، 1/364. 2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، 5/107.

تطلب علم ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة على قدر فهمك فما عرفت من ذلك فاعمل به، وما لم تعرفه واحتجت فيه إلى تقليد أهل العلم؛ قلدتهم، وما أجمعوا عليه فهو الحق، وما تنازعوا فيه، ردّ إلى الله والرسول، وأما أخذ الإنسان ما اشتهت نفسه، ووجد عليه آباءه، وترك ما خالفه من كلام أهل العلم، وغفلته عن كلام الله ورسوله، واستهزاؤه بمن طلب ذلك فهذا هو الضلال الذي أنكرنا، والأدلة على هذا من كلام أهل العلم أكثر من أتحصر"1. ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بتفصيل أكثر الموقف من الاجتهاد والتقليد بقوله: " مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض ... "2، فاتضح من كلامه ـ رحمه الله ـ أنهم يقسمون الاجتهاد

_ 1 عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 1/368ـ369. 2 انظر: الدرر السنية، 1/226ـ227.

إلى قسمين: 1ـ اجتهاد مطلق. 2ـ اجتهاد جزئي. 3ـ ويقسمون من يقوم به إلى: 1ـ مجتهد مطلق: وهو للمؤهل في أمور الدين، وقادر على إعطاء رأي مستقل، مثل الأئمة الأربعة، ونحوهم. 2ـ مجتهد مقيد: وهو لمن هو أقل رتبة من أولئك، ولكنه متعمق جدا في المسألة التي يريد الحكم فيها1. ومما سبق يتضح موقف الشيخ وعلماء الدعوة الإصلاحية من الاجتهاد والتقليد، وأن منهجهم في ذلك منهج وسط يوافقون فيه جماهير علماء الإسلام وأئمته.

_ 1 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص 150.

رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها

8ـ رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها? يرى الشيخ رحمه الله أن لا غنى للمسلم عن معرفة أحوال أهل الجاهلية والحق لا يتبين إلا بمعرفة ضده في أحيان كثيرة، ومع ذلك فالشيخ لا يرتضي مناهج الجاهلية، ويحاربها أشد المحاربة في دعوته الإصلاحية المباركة، والتي هي في الأساس تقف موقف الضد لمناهج الجاهلية الباطلة. والشيخ يرى أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل مستدلا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . يقول الشيخ رحمه الله: "القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ، لذا نرى كثيرا ممن يعبد الأولياء

_ ? تحدث عن هذه المسألة الدكتور مرشد في مذكرة الدعوة الإصلاحية للمستوى الثالث في كلية أصول الدين بالقصيم.

وأضرحة المشايخ والسادة يخلصون في الشرك بدعائهم والاستغاثة بهم في حال الشدة والرخاء، بل ربما أن بعضهم ليزداد في الشرك كلما اشتد بهم البلاء بخلاف المشركين الأولين فإنهم كانوا يشركون بالله في حال الرخاء والسرور، وفي حال الشدة كانوا يخلصون الدعاء والتضرع إلى الله، كما نطق بذلك القرآن الكريم، ومشركو زماننا شركهم في الرخاء والشدة، يدعون الأولياء ويستغيثون بهم في كل وقت، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"1. وللشيخ كتاب مطبوع في مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، وذكر فيه ما يزيد عن المائة من المسائل التي خالف فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ومنهاجهم2. ولقد نهج الشيخ في رد مناهج الجاهلية وكشفه لزيفها ببيانه أن الذي يدخل في الإسلام هو الإيمان بجميع أنواع التوحيد وأهمها: توحيد الألوهية وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له ولا يعبد معه غيره لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث وأهل الجاهلية يعبدون مع الله غيره فمنهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى

_ 1 أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، ص 28. 2 طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها: ما هو بنص كلام الشيخ رحمه الله وبعضها بشرح العلامة محمود الألوسي رحمه الله.

ومنهم من يدعو الملائكة وغير ذلك، فنهاهم عن هذا كله، وأخبرهم أن الله أرسله لعبادته سبحانه وحده لا شريك له في جميع أنواع العبادة، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] ، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] ، وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] ، وغيرها كثير من الآيات الدالات على وجوب صرف العبادة لمن يستحقها وهو الله جل شأنه، والبعد عن كل أنواع الشرك بالله تعالى. "دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله" ولما رأى الشيخ رحمه الله ما عليه الناس من البعد عن دين الله تعالى، والانحراف في الأخلاق، وشيوع المنكرات، وتفشي الخرافات في المجتمع إذ ذاك، قام بالجهر بدعوته الإصلاحية المباركة، فرفض أمور الجاهلية كلها وفضح مسائلها وكشف أباطيلها، وذلك من خلال دعوة الناس للرجوع إلى ما كان عليه الصدر الأول من هذه الأمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، فسعى لتخليص التوحيد وتجريده من شوائب الشرك، وقام بإنكار التوسل الممنوع شرعا بالأولياء والصالحين، والتبرك بالأشجار والأحجار وغير ذلك، وجهر أيضا بمحاربة البدع وسائر الخرافات مدعما ما يقول بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال

وسيرة السلف الصالح، مظهرا كيف كانوا عليه من التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم. ومن مسائل الجاهلية التي ذكرها الشيخ في كتابه: أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله تعالى وعبادته، وأنهم يعرفون بالفرقة، ويخالفون ولي الأمر، وأن مبنى عبادتهم على تقليد من سبقوهم دون النظر في صحة ذلك من عدمها، ويقتدون بفسقة أهل العلم وجهالهم، وأنهم يحتجون على الحق بقلة أهله، وغرابته، وأنهم يغترون بقوتهم وقدرتهم، وثرواتهم، وأنهم يغلون في الصالحين من العلماء والأولياء، ويحرفون النصوص عن مواضعها، ويجاهرون بكشف العورات، ويتعبدون بتحريم الحلال، ويلحدون في أسماء الله وصفاته، وينسبون النقائص إلى الله تعالى، إلى غير ذلك من المسائل التي ذكرها الشيخ رحمه الله في كتابه:"مسائل الجاهلية"، واستند في ذلك كله على نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح.

منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

9ـ منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائر الهامة في دين الإسلام؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لآثاره الجليلة والعظيمة في الحفاظ على المجتمع وصيانته بإقامة شرع الله فيه وتطبيق أحكامه، وما يحصل من خلاله من حرص أفراده بعضهم على بعض بالابتعاد عن المعاصي والمنكرات، والحث على فعل الطاعات والمأمورات. وقد عده الله عز وجل من الأمور التي تميزت به هذه الأمة الخيرة عن الأمم السابقة بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] . وبين أهميته أيضا النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المدهن1في حدود، والواقع فيها مثل قوم استهموا في سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفية، فأتوه، فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه

_ 1 المدهن: من الإدهان: وهو المحابة في غير حق، وهو الذي يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر. انظر: عمدة القارئ إلى صحيح البخاري، محمود العيني، 11/180.

وأهلكوا أنفسهم" 1. فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الاحتساب بأنه هو الذي يمنع من غرق السفينة والتي هي هنا المجتمع، وبهذا يكون الاحتساب ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ هو سفينة النجاة للمجتمع، والذي يحميه بإذن الله تعالى من الشرور والآثام والظلم. يقول الإمام الغزالي رحمه الله موضحا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:"هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين2، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد"، فبين الإمام الغزالي رحمه الله الأهمية الكبرى والمصالح العظمى التي توجد وتتحقق بوجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم. ولقد سار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الاهتمام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبه وفق نصوص

_ 1 رواه البخاري، في كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، رقم: 2686. 2 لأن بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام مهمتها الأمر بالمعروف وعلى رأسه التوحيد والنهي عن المنكر وعلى رأسه الشرك بالله تعالى، يقول عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] . 3 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 5.

الكتاب والسنة ومنهج الأئمة الأعلام من السلف، فقال في رسالته لأهل القصيم:"وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية"1، وفي هذا التزام منه رحمه الله بنصوص الكتاب والسنة والتي توجب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران104] ، وقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 2. ويرى الشيخ رحمه الله بأن هناك عدة شروط ينبغي الاهتمام بها عند القيام بالاحتساب على من ترك معروفا أو فعل منكرا، ومن هذه الشروط: 1ـ العلم والمعرفة قبل الاحتساب، يقول رحمه الله: "الإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله"3.

_ 1 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص11. 2 رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم: 70. 3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص284.

2ـ الرفق وعدم العجلة. 3ـ الصبر على تبعات الاحتساب، يقول رحمه الله: " أهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرا على ما جاءه من الأذى"1. 4ـ أن يكون المنكر ظاهرا بدون تجسس، مع الحرص على التثبت قبل الإنكار. يقول الشيخ في إحدى رسائله ناصحا بعض أتباعه: " وعلى كل حال أنبهكم على مسألتين: الأولى: عدم العجلة، ولا تتكلمون إلا مع التحقق فإن التزوير كثير. الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا ظهر منهم ما يوجب جهادهم جاهدهم"2. يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا"،يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فلو كان مستورا فلم يره، ولكن علم به، فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يتعرض

_ 1 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص296. 2 المرجع السابق، ص285، "بتصرف يسير".

له، ولا يفتش ما استراب به"1. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على ما أفتي أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ بينتموه"2. 5ـ أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أكبر منه: يقول الشيخ رحمه الله: " يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره، فالله الله في العمل بما ذكرت لكم، والتفقه فيه فإنكم إن لم تفعلوا صار في إنكاركم مضرة على الدين"3. ويقول أيضا: " إن بعض أهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب، لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوجب الفرقة بين الإخوان"4. وفي هذا التزام منه رحمه الله بالقاعدة الأصولية: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"؛ لأن النهي عن المنكر يكون محرما إذا ترتب عليه منكر أكبر منه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

_ 1 جامع العلوم والحكم، ص323، ومعنى كلمة" استراب" مأخوذ من الريبة، وهي: التهمة والشك، انظر: مختار الصحاح، للرازي، ص111، "مادة: ريب". 2 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص240. 3 المرجع السابق، ص 296. 4 المرجع السابق، ص 296.

فإن الأمر والنهي، وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة، ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته"1. فتبين مما سبق قيام منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق النصوص الشرعية وأقوال السلف الصالح رحمهم الله تعالى2. والناظر في سيرة الشيخ رحمه الله وحياته العلمية يجدها مليئة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على ترك المعروف بجميع أنواعه بدءا بأعظمها وهو توحيد الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته العلا، والاحتساب أيضا على فعل المنكرات بجميع أنواعها بدءا بأعظمها وهو الشرك بالله تعالى وجميع مظاهره ووسائله وجميع المعاصي والمنكرات الأخرى. وبهذا نكون قد أنهينا الحديث عن عدد من المسائل العقدية المهمة التي تناولنا فيها موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فيها لنؤكد ما سبق أن بدأنا به على سلفية دعوته الإصلاحية المباركة، واعتمادها على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفق منهج السلف الصالح.

_ 1 مجموع الفتاوى، 28/129. 2 للاستزادة حول منهج الشيخ رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انظر: احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسرة، ص 182-189، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص 254.

أهداف دعوة الشيخ وأبرز إصلاحاتها

10ـ أهداف دعوة الشيخ وأبرز إصلاحاتها قامت دعوة الشيخ رحمه الله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح رضوان الله عليهم، وقد سعت هذه الدعوة المباركة إلى تحقيق عدد من الأهداف المباركة، أصلحت من خلالها أوضاع الناس الدينية والاجتماعية، وكان من هذه الأهداف والإصلاحات1: 1ـ إيضاح عبودية المخلوق للخالق وتحقيقها، وذلك بعد أن جهل الناس حقيقتها وقصروا في الالتزام بها، بل جاؤوا بما يخالفها قولا وعملا واعتقادا، كما عرفنا ذلك عند الحديث عن حال الجزيرة العربية والعالم الإسلامي قبل قيام الشيخ بالدعو، وعمل رحمه الله على تحقيق ذلك من خلال: أـ الدعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى وتخليص التوحيد مما شابه من الشرك2. ب ـ العمل على إبطال التوسل بالأولياء والصالحين ودعائهم من دون الله، والاستغاثة والاستعانة بهم3، وإزالة مظاهر ذلك

_ 1 من وجه نظر شخصية: أجزم بأنه لا يمكن فصل الإصلاحات عن الأهداف، وخصوصا في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، حيث إنه ما قام بها إلا رغبة منه ـ رحمه الله ـ في تحقيق هذه الأهداف المذكورة ليصلح وضع الناس ويجدد لهم دينهم. 2 الناظر في مؤلفات الشيخ رحمه الله ورسائله: يجد أن هذا الأمر"التوحيد" الأصل والأساس فيها، وفيه برزت أغلب إصلاحاته، وحوله كانت جل مؤلفاته. 3 انظر: منهج الشيخ في التوسل المشروع والممنوع، في كتاب: الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، أحمد آل بوطامي، ص49-60.

بهدم القباب التي على القبور والمباني المشيدة عليها وتسويتها، وكذلك إزالة جميع مظاهر الشرك الأخرى من عبادة الأحجار والأشجار والتبرك بها1. جـ ـ الدعوة إلى الكفر بالطواغيت والإعراض عن عبادتهم، وأن كل ما عبد من دون الله وهو راض بذلك فهو طاغوت، وقد بين الشيخ أن الطواغيت كثيرون، وأن رؤوسهم خمسة، وهي: الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] . الثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] .

_ 1 يدل على ذلك أمثلة كثيرة، منها: قيامه بهدم القبة التي على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه، وقطعه لبعض الأشجار التي كان الناس يأتونها ويتقربون إليها، كشجرة قريوة وشجرة الذيب وغيرها، انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر، 1/9-10. وفي هذا يوصي النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله:" أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته" رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، رقم: 1609، وقد كان ذلك هو منهج السلف ـ رحمهم الله ـ فقد سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما: آتي الطور؟ فقال" دع الطور ولا تأتها، وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، صححه الألباني، تحذير الساجد، ص94، والشواهد على عدم جواز التبرك بالأشجار والأحجار والقبور ونحوها في دين الإسلام كثيرة، كحديث ذات أنواط في الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحجر الأسود: " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا=

الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . الرابع: الذي يدعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26ـ27] . الخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29] 1. دـ نبذ البدع والخرافات وذلك لكونها إحداثا في دين الله تعالى مما لم يشرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء التحذير من البدع والتنفير منها في نصوص متعددة من الكتاب والسنة2. يقول الشيخ رحمه الله: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البدع في دين الله ولو صحت نية فاعلها.."3.

_ = أنى رأيت النبي صلى الله يقبلك ما قبلتك" رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، ورواه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ حينا قام بهدم مظاهر الشرك في وقته ومحاربتها فهو يتبع منهج أهل السنة والجماعة في ذلك، ليتوجه المسلمون بعباداتهم إلى الله وحده لا شريك له. 1 مجموعة التوحيد، ص260. 2 انظر: ص59 من هذا الكتاب. 3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص84.

2ـ الاهتمام بالمجتمع المسلم من الناحيتين التعليمية والتنظيمية وغيرهما، وقد سلك الشيخ رحمه الله لتحقيق ذلك من خلال: أـ العناية بتعليم العامة من حاضرة وبادية، رجالا ونساء، أصول دينهم ودعوتهم إلى ذلك بالحسنى من خلال دروسه وخطبه ورسائله، والاهتمام بالمتعلمين والعناية بهم وتأصيل منهج التعليم عندهم لترسيخ العلم في نفوسهم وزيادة الوعي في أهمية التعليم والدعوة، يقول الشيخ رحمه الله: " فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال.."1. ويقول رحمه الله مبينا الواجبات التي ينبغي الالتزام بها: " وجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع، وإن اشتهرت بين أكثر العوام، وليُعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم من تحقيق هذه المسائل ونقل كلام العلماء، فرحم الله من نصر الله ورسوله ودينه، ولم تأخذه في الله لومة لائم"2. ب ـ العمل على جمع شمل المسلمين بعد التفرق، وإطفاء نيران الظلم والفتن بينهم، وإزالة الأحقاد والضغائن المترسبة في

_ 1 انظر: المرجع السابق، ص127. 2 المرجع السابق، ص180.

نفوسهم، وتم ذلك بفضل الله ثم بالاتفاق المبارك مع الإمام محمد بن سعود رحمه الله الذي جمع الله شمل المسلمين في الجزيرة العربية تحت زعامته، ومن ثم ذريته من بعده. 3ـ إقامة دين الله تعالى بين عباده بالطرق الموصلة إلى ذلك، وقد سعى الشيخ لتحقيق هذا الهدف من خلال: أـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تولى الشيخ بنفسه القيام بالاحتساب في جميع مراحل دعوته وفي ذلك يقول رحمه الله: " وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة ... وألزمت من تحت يدي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيهم عن الربا، وشرب المسكرات ... "1، وحينما استتب الأمر في الدرعية نظم الاحتساب فأصبح له رجاله المعينون له، بالإضافة إلى المحتسبين المتطوعين من أفراد المجتمع. ب ـ الحكم بما أنزل الله تعالى وتطبيق الحدود الشرعية، فقد بذل الشيخ جهده في إقامة حكم إسلامي يلتزم بالشرع المطهر في كل مجالات الحياة، سواء حينما كان الشيخ في العيينة قبل خذلان ابن معمر له، أو بعد استقراره في الدرعية التي أصبحت عاصمة الدولة الإسلامية فيما بعد.

_ 1 الدرر السنية، 1/65.

وقد برز تطبيق الحدود الشرعية في العيينة حينما نفذ حد الرجم على المرأة المحصنة المقرة به1، ثم في الدرعية بصورة دائمة وجميع بلاد الدولة السعودية بعد ذلك. جـ ـ رفع راية الجهاد في سبيل نشر دين الله وإزالة الشرك والبدع أولا باللسان والحجة والبرهان، ثم بمقاتلة الخصوم المعتدين الذين سيروا جيوشهم لمحاربة الدعوة في الدرعية بعد ذلك، والوقوف ضد الدعوة وإقامة العقبات في طريقها2. *****

_ 1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/10. 2 انظر: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، الرويشد، ص79ـ81، أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. إبراهيم الفارس، ص 11ـ24.

مراحل دعوة الشيخ

11ـ مراحل دعوة الشيخ? يستطيع المتأمل في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أن يحدد المراحل التي مرت بها دعوته إلى توحيد الله تعالى وإظهار دينه على النحو الآتي: المرحلة الأولى: الدعوة أثناء طلبه للعلم. المرحلة الثانية: الدعوة في حريملاء. المرحلة الثالثة: الدعوة في الدرعية. المرحلة الرابعة: الدعوة في الدرعية. وهذه المراحل تستوعب حياة الشيخ كلها الحافلة بالعطاء والخير. ولكل واحدة منها مظاهر وأساليب دعوية بارزة عبر كتب المؤرخين والباحثين في دعوة الشيخ، وفيما يلي نتحدث عن كل مرحلة على حدة: المرحلة الأولى: مرحلة قيامه بالدعوة أثناء طلبه للعلم: لقد استشعر الشيخ رحمه الله تعالى أهمية الدعوة وضرورتها في حياة الناس، ولاسيما في وقته الذي انتشرت فيها كثير من المخالفات

_ ? تحدث عن هذه المراحل: الشيخ د. صالح الفوزان، في كتاب من أعلام المجددين، ص62، ود. عبد الله المجلي في مذكرة محاضرات في الدعوة الإصلاحية، ود. محمد ضاهر، الدعوة الوهابية وأثرها، ص 47.

في جميع المجالات، فعمل الشيخ منذ وقت مبكر وهو يطلب العلم على تنبيه الناس وتحذيرهم من الممارسات الخاطئة في مجالات الاعتقاد والعبادة والسلوك والأخلاق. ونستطيع تحديد هذه الفترة ابتداء من سفره لطلب العلم في مكة والمدينة مرورا بالعيينة والبصرة والأحساء وانتهاء بوصوله إلى حريملاء. وهذه المرحلة مرتبطة برحلاته العلمية وأبرز مظاهرها ما يلي: 1ـ إدراك الشيخ لحال الأمة السيئ ولاسيما في بلده وانزعاجه من هذا الواقع وتذمره منه وانشغال فكره بمحاولة إصلاحه. 2ـ التحاور مع مشايخه، وبخاصة في المدينة حول الشركيات والبدع القائمة وطرق إصلاحها. 3ـ تنبيهه لبعض المسلمين تجاه ما يحصل منهم من أمور مخالفة للدين. 4ـ إنكاره للأمور الشائعة المخالفة للدين وبخاصة ما له صلة بالعقيدة، ولا سيما ما هو قائم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. 5ـ إنكاره على الرافضة وغيرهم من الفرق بما كانوا يعملونه من ضلالات في البصرة. 6ـ رده على الشبهات التي كان يثيرها خصومه وبخاصة الرافضة في البصرة. وكان الأسلوب الذي سلكه الشيخ في هذه المرحلة هو أسلوب

وقبل الحديث عن جهود هذين الصنفين ودورهما في نصرة الدعوة الإصلاحية ونشرها، نبين هذين الصنفين عموما. فلا شك أن لهذين الصنفين أثرا عظيما في ترسيخ مفهوم الأفكار والدعوات والعقائد في نفوس الناس أيا كان نوع هذه الأفكار ولدعوات. ونضرب لذلك مثلا في فتنة خلق القرآن، التي قال بها المعتزلة والجهمية، فهذه الدعوة الباطلة انتشرت في ذلك الزمان؛ لأنها وجدت مناصرة وتأييدا من بعض الحكام وممن ينتسب لأهل العلم، فقد ناصرها في البداية الخليفة العباسي المأمون في آخر سنة من حياته، ثم استمرت الفتنة في عهد الخليفة المعتصم، وهكذا في عهد الخليفة الواثق، ووفق الله تعالى أهل السنة والجماعة بوقفة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ضد القائلين بها رغم ما تعرض له من الأذى والضرب والسجن، كل ذلك في سبيل نصرة وتأييد العقيدة الصحيحة1. وهذا كله مما يؤكد على أهمية هذه المكانة التي يضطلع بها هذان الصنفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس وينهون، وذلك

_ 1 انظر: ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق أحمد شاكر، ص 42ـ58.

وقد حظي الشيخ بتأييد بعض المحبين ومناصرتهم، ولكن المعارضين كانوا أقوى شوكة، فطلبوا من والد الشيخ أن يأمر ابنه بالكف عن دعوته فانصرف الشيخ بسبب ذلك إلى أعمال دعوية أخرى مثل: 4ـ تدريس بعض العلوم الشرعية والجلوس للطلبة في حلقات منتظمة. 5ـ تأليف كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد1. وبعد وفاة والد الشيخ أصبح ابنه محمد أكبر شخصية علمية في حريملاء، واتجهت الأنظار إليه لما كان يتمتع به من علم وورع ودعو؛ ولذلك عاد مرة أخرى للقيام بالدعوة بعد وفاة والده عام1153هـ، فكثر أنصاره ومؤيدوه واشتهر أمره وذاع صيته خارج بلدة حريملاء، وبدأ بعض الأفراد يفدون إليه من البلاد المجاورة ليستمعوا ما يقوله، ولقيت دعوته قبولا لدى بعض أمراء البلدان الأخرى، ومنهم أمير العيينة عثمان بن معمر. إلا أن البيئة ـ في حريملاء ـ لم تكن تتناسب لانطلاقة الدعوة على الوجه الذي كان الشيخ يتوخاه، وذلك بسبب رفض بعض الناس

_ 1 انظر: المرجع السابق، ص45، وانظر: صفحة92 من هذا الكتاب.

الاستجابة للدعوة، ومحاولتهم إيقاع الأذى بالشيخ، دون أن يكون هناك سلطة سياسية قوية تساند الشيخ، إضافة إلى أن هناك بيئة جديدة مهيأة بصورة أفضل لقبول الدعوة ألا وهي بيئة العيينة، التي تأثر أميرها بالدعوة، وهي كذلك مسقط رأس الشيخ ومكان نشأته الأولى، فقرر الشيخ الانتقال إليها منهيا المرحلة الثانية من مراحل دعوته1. المرحلة الثالثة: مرحلة قيامه بالدعوة في العيينة. وصل الشيخ إلى العيينة سنة1154هـ تقريبا2، ومنذ وصوله رحب به أميرها عثمان بن معمر، الذي تأثر بالدعوة كما أشرنا، وأكرمه ووعده بالنصر، وأمر أتباعه بالتعاون مع الشيخ وتنفيذ ما يأمر به بعد أن عرف الأمير حقيقة الدعوة وما يترتب عليها من مصالح خيرة في الدين والدنيا، ثم تزوج الشيخ عمة الأمير عثمان وهي الجوهرة بنت عبد الله بن معمر التي كانت لها مكانة رفيعة في المجتمع وازدادت أواصر التقارب بين الشيخ والأمير فأصبحت فرص النجاح كبيرة لدعوة الشيخ، وأهم مظاهر هذه المرحلة ما يلي: 1ـ ازدياد عدد المنظمين إلى الدعوة من أهل العيينة وما حولها. 2ـ إقامة الدروس العلمية التي يحضرها عدد كبير من الطلبة.

_ 1 انظر: المرجع السابق، ص45ـ46. 2 انظر: المرجع السابق، ص47.

3ـ قطع الأشجار التي كان يتوسل بها الجهال، ومن أشهرها شجرة الذيب. 4ـ هدم القباب التي أقيمت على القبور، وبخاصة ما أقيم على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه. 5ـ القيام بالاحتساب ومعاقبة المقصرين في أداء الواجبات، ولا سيما عدم أداء الصلاة جماعة في المساجد. 6ـ تطبيق بعض الحدود الشرعية، وأعظم حدث في ذلك هو رجم المرأة التي اعترفت بالزنا وتوفرت فيها شروط الرجم. 7ـ إرسال الدعاة إلى البلدان النجدية القريبة من العيينة لنشر الدعوة وبيان حقيقتها. 8ـ مراسلة العلماء والزعماء خارج العيينة لإقناعهم بالدعوة وإزالة الشبه والضلالات عنها. 9ـ تأثر بالدعوة خلال هذه المرحلة عدد من وجهاء البلاد المجاورة ومن أبرزهم: مشاري وثنيان ابنا سعود أخوي الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، وكذلك الأمير الشاب عبد العزيز بن الأمير محمد بن سعود الذي أصبح فيما بعد أحد علماء الدعوة والحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى. واشتهر أمر الدعوة في هذه المرحلة اشتهار كبيرا، فلم يرق ذلك

الأمر لأعداء الدعوة من المنتسبين إلى العلم وغيرهم، فبدأوا يروجون الأباطيل ويخترعون الأكاذيب ضد الدعوة وصاحبها، وانطلقوا يؤلبون العامة والخاصة عليها ويضغطون على حاكم العيينة للتخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده. وقد أقنع أعداء الدعوة حاكم الأحساء سليمان آل محمد زعيم بني خالد الذي كان له نفوذ قوي على ابن معمر بأن يضغط عليه ليتخلص من الشيخ ويكف عن مناصرته. فقبل زعيم الأحساء ذلك وطلب من عثمان بن معمر التخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده، وهدده أنه إذا لم يفعل فإنه سيقطع عنه جميع ما يرد إليه من الأحساء سنويا من الأرزاق وغيرها. وبالفعل تخاذل ابن معمر عن مناصرته للشيخ وتأييده وطلب منه أن يبحث له عن مكان آخر، ويرحل عن بلده1. ولقد حاول الشيخ إقناع ابن معمر للعدول عن هذه الفكرة التي طرأت عليه قائلا:" إن الأمر الذي قمت به ودعوت إليه ما هو إلا الدعوة إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وإلى أركان الإسلام وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكت به ونصرته نصرك الله على أعدائك، ولا يزعجك سليمان ولا تهتم لتهديداته، وإنني أرجو

_ 1 تاريخ نجد، لابن غنام، 1/80.

الله أن يمنحك من التمكين والقوة ما ستملك بها بلاده وما وراءها وما دونها"1، ولكن ابن معمر كان قد اقتنع بفكرته فلم تؤثر فيه هذه النصائح والإرشادات، واختار العاجل على الآجل لحكمة من الله أن يجعل نصرة الدين والتمكين في أرض الجزيرة العربية لغيره، وهم آل سعود، ولما أصر ابن معمر على رأيه انتقل الشيخ إلى الدرعية. المرحلة الرابعة: قيامه بالدعوة في الدرعية: وبدأت هذه المرحلة منذ وصول الشيخ إلى الدرعية بعد خروجه من العيينة ولقائه بالأمير محمد بن سعود، وهذه هي المرحلة الحاسمة في حياة الشيخ وهي الأبرز والأهم بين المراحل الأخرى، ففيها توسعت الدعوة وانتشرت وقامت لها دولة هي الدولة السعودية الأولى. وقد استخدم الشيخ في هذه المرحلة بمناصرة وتأييد الإمام محمد بن سعود وأبنائه من بعده رحمهم الله جيمع الأساليب والوسائل الدعوية المتاحة بدءا من أسلوب الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وانتهاء برفع راية الجهاد وصد مكائد خصوم الدعوة بالسيف وإزالة العقبات من طريق الدعوة وجمع المسلمين على إمام واحد في الجزيرة العربية.

_ 1 عنوان المجد، لابن بشر، 1/10.

الفصل الرابع: مناصروا الدعوة الإصلاحية

الفصل الرابع: مناصروا الدعوة الإصلاحية التمهيد ... الفصل الرابع: مناصرو الدعوة الإصلاحية أولا: التمهيد: 1ـ أهمية دور الحكام والعلماء في نصرة الدعوات وتأييدها: يتناول هذا الفصل جانبا مهما من جوانب التعريف بالدعوة الإصلاحية، وذلك يتمثل في معرفة جهود عدد من الأعلام الذين أيدوا وناصروا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ بكل ما يملكون وكل حسب تخصصه وقدرته، وكان لتأييدهم هذا أثر عظيم بإذن الله تعالى في قيامها ومن ثم المحافظة على استمرارها وتواصلها. وهؤلاء المناصرون الذين سنأتي للتعريف بجهودهم في نصرة الدعوة صنفان: الصنف الأول: الحكام من آل السعود، الذين ساهموا في نصرتها ونشرها عن طريق قوتهم وحكمهم. الصنف الثاني: عدد من علماء هذه الدعوة المباركة، الذين ساهموا في نشرها وتثبيتها في نفوس الناس عن طريق دروسهم ومؤلفاتهم.

وقبل الحديث عن جهود هذين الصنفين ودورهما في نصرة الدعوة الإصلاحية ونشرها، نبين هذين الصنفين عموما. فلا شك أن لهذين الصنفين أثرا عظيما في ترسيخ مفهوم الأفكار والدعوات والعقائد في نفوس الناس أيا كان نوع هذه الأفكار ولدعوات. ونضرب لذلك مثلا في فتنة خلق القرآن، التي قال بها المعتزلة والجهمية، فهذه الدعوة الباطلة انتشرت في ذلك الزمان؛ لأنها وجدت مناصرة وتأييدا من بعض الحكام وممن ينتسب لأهل العلم، فقد ناصرها في البداية الخليفة العباسي المأمون في آخر سنة من حياته، ثم استمرت الفتنة في عهد الخليفة المعتصم، وهكذا في عهد الخليفة الواثق، ووفق الله تعالى أهل السنة والجماعة بوقفة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ضد القائلين بها رغم ما تعرض له من الأذى والضرب والسجن، كل ذلك في سبيل نصرة وتأييد العقيدة الصحيحة1. وهذا كله مما يؤكد على أهمية هذه المكانة التي يضطلع بها هذان الصنفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس وينهون، وذلك

_ 1 انظر: ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق أحمد شاكر، ص 42ـ58.

يشترك فيه أهل اليد والقدرة، وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما سئل: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح؟ قال: ما استقامت لكم أئمتكم"1. فإذا استقام الأئمة، وهم: العلماء والأمراء والحكام، دل ذلك ولا شك على صلاح الأمة وتمسكها بأمور دينها، وعند ذلك تتحقق لها العزة والفلاح. وقال رحمه الله أيضا: "الدين الحق لابد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} [الحديد: 25] ، فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده"2. يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " معلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق وتنفذه، فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفي شهرته، ثم يقل أنصاره، ومعلوم ما للسلاح والقوة من

_ 1 شيخ الإسلام ابن تيمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص98. 2 منهاج السنة النبوية، ابن تيمية،1/531.

الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع المعارضين ونصر الحق.."1. ويقول أيضا: " أن بعض الدعاة لم يقدّر لدعواتهم النجاح لأسباب كثيرة، منها: عدم تيسر الناصر المساعد لهم"2. ولقد كانت دولة آل سعود في أدوارها الثلاثة3هي الناصر

_ 1 الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، للشيخ بن باز، ص42. 2 المرجع السابق، ص38. 3 ينتسب آل سعود إلى جدهم سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبهم إلى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة، وتمتد جذورهم إلى زمن بعيد، فقد انتقل مانع المريدي من المنطقة الشرقية عام850هـ إلى حجر اليمامة بناء على دعوة ابن عمه ابن درع صاحب حجر والجزعة، وقد سموا موضعهم الجديد الدرعية نسبة له. والأدوار أو الدول السعودية الثلاث هي: الدولة السعودية الأولى: تبدأ من الاتفاقية المشهورة بين الإمام محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام1157هـ، وحتى نهاية هذا الدور عام1233هـ. الدولة السعودية الثانية: تبدأ من 1235 وحتى نهاية هذا الدور عام1309هـ. الدولة السعودية الثالثة: تبدأ منذ فتح الملك عبد العزيز للرياض عام 1319هـ. انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص149، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. عبد الله عثيمين، 1/80، الموسوعة العربية العالمية، 16/14ـ18. وقد تميز حكم آل سعود في أدواره الثلاثة ـ ولله الحمد ـ بالتمسك بالشريعة الإسلامية وتحكيمها، مطبقين في ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] ، والمباحث التالية في هذا الفصل تبين هذه الأمور، نسأل الله تعالى للأموات منهم الرحمة والمغفرة، وللأحياء التوفيق والصلاح.

والمؤيد الأول ـ بعد تأييد الله تعالى وتوفيقه ونصره ـ لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فالدولة السعودية الأولى هي التي أعانتها على القيام والمناصرة، ثم واصلت الدولتان السعوديتان الثانية والثالثة تلك الرعاية والإعانة والتأييد والنصرة لهذه الدعوة المباركة. وأيضا كان من مناصري الدعوة الإصلاحية ومؤيديها عدد كبير من العلماء والدعاة، الذين ساهموا في نصرتها عن طريق مؤلفاتهم ورسائلهم ودروسهم، وجهادهم الطويل في الدفاع والذب عنها بكل الوسائل والأساليب المشروعة، لإيمانهم بأنها دعوة سلفية تقوم على الكتاب والسنة وفق مذهب أهل السنة والجماعة ولا تحيد عنه. حرص الشيخ على وجود المناصر له للقيام بالدعوة: كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حريصا كل الحرص على وجود من يساند دعوته من الحكام؛ لكونه يستشعر أهمية دور الحاكم في حماية الدعوة وخصوصا في بداياتها من الأعداء والخصوم، وليساهم أيضا في تطبيق ما تدعو إليه وتأمر به، ويلزم من تحت حكمه بعدم المخالفة. وقد استند الشيخ في حرصه هذا على سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

حينما كان يعرض نفسه في مكة على القبائل1قائلا: " ألا من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي" 2، وأيضا اشتراطه صلى الله عليه وسلم للنصرة والمنعة على الأنصار حين اتفق معهم صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة بقوله صلى الله عليه وسلم: " وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة" 3. فيستفاد من موقفه هذا عليه الصلاة والسلام أهمية وجود الحماية والنصرة للداعية ليقوم بالبلاغ وهو مطمئن على نفسه وأتباعه من أعداء الحق4. ولهذا كله حرص الشيخ ـ رحمه الله ـ على الاتصال بالحاكم المناصر والمؤيد للدعوة فبدأ ذلك باتصاله بابن معمر أمير العيينة، ولكن هذا الأمير لم يستطع إكمال تلك المناصرة نتيجة لخوفه من سليمان آل محمد حاكم الأحساء فقام بإخراج الشيخ، الذي اتجه بعد ذلك إلى الدرعية، كما سبق أن عرفنا في مراحل دعوة الشيخ.

_ 1 انظر: ابن كثير، السيرة النبوية، 1/437. 2 رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن عن رسول الله، باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح"، رقم: 2925. 3 رواه الإمام أحمد في المسند من حديث جابر، رقم:14456، وصححه الشيخ الأرناؤوط،22/348. 4 ويدل على أهمية ذلك أيضا قوله تعالى على لسان نبيه لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] .

2ـ اللقاء التاريخي والبيعة المباركة: بعد قدوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى الدرعية قادما من العيينة نزل ضيفا عند آل سويلم من أهالي الدرعية، ثم أتى إليه أمير الدرعية محمد بن سعود برفقته أخوه مشاري وثنيان، ورحب به الأمير غاية الترحيب والتبجيل. فأخبره الشيخ بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم، وما أعزهم الله به من الجهاد في سبيل الله وأغناهم به وجعلهم إخوانا، ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه من مخالفتهم لشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والظلم. فلما تحقق الأمير من معرفة حقيقة دعوة الشيخ وهدفه وما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية، قال له: يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه، فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ثم اشترط الإمام محمد بن سعود على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله مقابل تأييده والقوف مع دعوته شرطين: 1ـ أن لا يغادر الدرعية مستقبلا، وقال له: نحن إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا. 2ـ وأن لا يعارضه فيما يأخذه من ضرائب سنوية على سكان

الدرعية في وقت الثمار، وقال له: إن لي على أهل الدرعية قانونا آخذه منهم وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا. وبعد ذلك قال الشيخ: أما الأولى فأبسط يدك الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها، وأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك"1.2. وبهذا فقد اتفق الإمامان ـ رحمهما الله ـ على القيام بالدعوة ونشرها بكل ما يستطيعان من الوسائل، وكان ذلك الاتفاق سنة 1157هـ (1744م) ، وعلى هذا الأساس قامت نواة دولة جديدة في المنطقة هي الدولة السعودية الأولى.

_ 1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/81، وعثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/12، الشيخ ابن باز، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ص34، د. عبد الله بن عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص 79. 2 يقول الشيخ د. التركي: فهذا الموقف من الإمام المناصر والشيخ المصلح، يذكرنا ببيعة العقبة الثانية، التي حدثت في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية، فقد قال أبو الهيثم بن النبهان رضي الله عنه: يا رسول الله إنا بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم بالدم، والهدم بالهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم". انظر: الدولة والدعوة، ص27-28، السيرة النبوية لابن هشام، 2/442، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، في حديث كعب بن مالك الأنصاري، رقم: 15798، وحسنه الأرناؤوط، وقال" حديث قوي"، والمراد: بالهدم الهدم، أي أقبر حيث تقبرون، وقيل نحو: المحيا محياكم والممات مماتكم، أي: لا أفارقكم، انظر: مسند الإمام أحمد، تحقيق الأرناؤوط وآخرون، 25/89ـ95.

يقول الشيخ د. عبد الله التركي: " إن أصدق ما يقال في ظهور الدعوة وفي نشأة الدولة: أنهما وجهان لعملة واحدة، يستوي النظر إلى أي من الوجهين أولا؛ لأن تاريخ الدولة أو منهج الدعوة، لا يكتمل إلا بالنظر إلى الوجهين معا"1. فوائد هذه الاتفاقية المباركة: استطاعت هذه الاتفاقية المباركة بفضل الله تعالى من تحقيق عدد من الفوائد، من أبرزها: 1ـ دورها الكبير في نشر الدين الإسلامي الصحيح الخالي من الشوائب والبدع والخرافات في العقائد والعبادات والآداب والأحكام. 2ـ إحياء منهج أهل السنة والجماعة، والاقتداء بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى. 3ـ ظهور نواة دولة سياسية مستقلة في نجد وبعد بذلك في الجزيرة العربية قائمة على أساس ديني. 4ـ تطبيق أحكام دين الإسلام وحدوده وشرائعه وشعائره، من أداء للصلوات في المساجد والالتزام بها والأمر بالمعروف والنهي عن

_ 1 الدولة والدعوة، ص7.

المنكر، وإحياء روح الجهاد في سبيل الله تعالى لنشر الدعوة وتصحيح العقيدة ومحاربة البدع والخرافات، وإزالة العوائق التي تحول دون نشر دعوة الإسلام الصحيحة، ونحو ذلك. 5ـ ظهور حركة علمية قوية في نجد نتيجة لدروس الشيخ وقدوم طلاب العلم من البلدان المجاورة. 6ـ الاستقرار الأمني والسياسي نتيجة لوحدة المسلمين في الجزيرة العربية خلف إمام واحد يطبق الشريعة وأحكامها على الجميع. 7ـ دعوة جميع المسلمين في البلدان والقرى القريبة والبعيدة إلى قبول هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، وإعطاء البيعة والسمع والطاعة للإمام ابن سعود رحمه الله. هذه أبرز الفوائد الجليلة والعظيمة التي اتضحت وتجلت بفضل الله تعالى، ثم بفضل هذه الاتفاقية المباركة. ******

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الأولى)

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الأولى) ... أولا: حكام الدولة السعودية الأولى ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية أـ جهود الإمام محمد بن سعود في الدعوة إلى الله: التعريف به بإيجاز: هو الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن آل سعود، ولد عام1109هـ وتوفي عام1179هـ، وقد تولى حكم الدرعية عام1139هـ، وعرف رحمه الله برجاحة العقل وحب الخير والإحسان إلى الرعية والشجاعة والإقدام1. وقد قام الإمام محمد بن سعود بعد لقائه بالشيخ محمد بن عبد الوهاب واتفاقه معه بأهم حدث في منطقة نجد أزمنة عديدة2، وهذا الحدث كان له أثر عظيم في تاريخ المنطقة، ونقطة تحول مميزة في تاريخها3، لانطلاق الدعوة منها إلى بلدان المسلمين المختلفة، ولتأثيره الكبير على واقع الجزيرة العربية السياسي بقيام الدولة السعودية الأولى فيما بعد. ويكفي الإمام محمد بن سعود رحمه الله عند بيان جهود في

_ 1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العيمين، 1/80ـ84. 2 انظر: تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 1/34. 3 انظر: نشأة الدولة السعودية التطور التاريخي، د. الثقفي، ص6.

الدعوة إلى الله تلك الاتفاقية العظيمة التي مهدت ـ بفضل الله وتوفيقه ـ لنشر الدعوة الإصلاحية في أرجاء الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي. ولقد كانت حماية الإمام محمد بن سعود خير معين ـ بعد توفيق الله تعالى ـ لانتشار الدعوة وسعة نطاقها، فقد وفد إلى الشيخ عدد كبير ممن سمع بالدعوة وعلم بأمرها، حتى زاد عدد أهالي الدرعية بسبب ذلك. وفي تلك الأثناء كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبدعم من الإمام محمد بن سعود رحمهم الله يراسل العلماء ورؤساء البلدان والقبائل في نجد ويرسل إليهم الوفود والعلماء لينضموا إلى الدولة الجديدة ولالتزام بالدعوة وتطبيقها، وقد استجاب لذلك عدد من أمراء تلك البلدان والقبائل طائعين ومختارين، ومن هؤلاء أمير العيينة، وحريملاء، ومنفوحة. وبعد ذلك كان لزاما على الدولة أن تقوم بالجهاد في سبيل الله بعد الإعلام والإنذار والمكاتبات لإخضاع المعاندين لدعوة التوحيد وإجبارهم على قبولها وفقا لأحكام الشرع، وكان للإمام محمد بن سعود اليد الطولى في تجهيز الجيوش والنصرة، واستمرت الفتوحات حتى بلغت عددا من البلدان في نجد ـ ذلك الوقت ـ ومنها: الجبيلة، وحريملاء ـ بعد نكوص أميرها ـ، والزلفي، والخرج وغيرها.

وتتلخص جهود الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ في الدعوة إلى الله من خلال النقاط الآتية: 1ـ نصرته وإعانته للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحمايته له، مما كان له أثر عظيم ليقوم الشيخ بالدعوة بثقة واطمئنان، وساعد ذلك أيضا في كثرة أنصارها. 2ـ القيام بالدعوة إلى الله بالنفس والمال من خلال الجهاد في سبيل الله تعالى. 3ـ إقامة الدولة الفتية على أساس شرعي عقدي بعيدا عن العصبية والأفكار الحزبية والقبلية. 4ـ إلغاء الحكم العشائري الذي كان سائدا قبل قيام الدولة، واستبداله بتحكيم الشريعة. 5ـ الحرص على القيام بكل أحكام الشرع الإسلامي المبارك من إلزام الناس بأداء الفرائض وعدم التهاون بأمور الدين، وحضور الصلوات الخمس جماعة في المساجد، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من شعائر الإسلام وشرائعه. 6ـ المساهمة في نشر العلم وتيسيره، في الحث عليه من خلال الحلق التي يعقدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو إرسال الدعاة من قبله.

7ـ تنظيم بيت المال تنظيما إسلاميا خالصا على أساس شرعي، فموارد بيت المال من الزكاة أو من خمس الغنائم، ويصرف هذا المال على الناس المستحقين للصدقة والزكاة، أو في مشاريع خيرية أو تعليمية أو رواتب العاملين في الدولة، ونحو ذلك مما شرعه الإسلام1. هذه النقاط تعد من أبرز جهود الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ في الدعوة إلى الله تعالى وما بذله في سبيل ذلك من تضحيات كان لها دور كبير ـ بتوفيق الله ـ في إبراز الدعوة وخروجها للعالم الإسلامي كله ـ ولله الحمد والمنة.

_ 1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/81، وعثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/12، الشيخ ابن باز، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ص34، د. عبد الله عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، 1/79، تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 1/243.

ب ـ جهود الإمام عبد العزيز بن محمد في الدعوة إلى الله التعريف بإيجاز: ولد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود عام1133هـ في الدرعية، وكان أحد أبرز تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله، وزوجا لإحدى بناته فيما بعد، وله علاقة بالشيخ قبل انتقاله إلى الدرعية، فقد أرسل إليه يطلب منه أن يفسر له سورة الفاتحة عند كان الشيخ في العيينة1. عرف الإمام عبد العزيز رحمه الله بتمسكه بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان رحمه الله شجاعا حازما عادلا بين أهله ورعيته لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد نعم عهده بالأمن والاستقرار. تولى الحكم بعد وفاة والده عام1179هـ، وكان قبل ذلك وليا للعهد، وقد توسعت الفتوحات في عهده حتى شملت أجزاء من العراق شمالا ومعظم مناطق الجزيرة العربية والخليج، وتميز عهده

_ 1 انظر: مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الرابع"التفسير ومختصر زاد المعاد" تفسير آيات من القرآن الكريم، ص7.

أيضا بالقضاء على عدد من أبرز أعداء الدعوة الإصلاحية كابن دواس في الرياض عام1187هـ وغيره. قتل الإمام عبد العزيز رحمه الله وهو يصلي العصر في الدرعية في شهر رجب من عام1218هـ، وقتله أحد الرافضة انتقاما لهدم جيش ابن سعود القبة التي كانت على قبر الحسين رضي الله عنه في كربلاء1. أبرز جهود الإمام عبد العزيز بن محمد في الدعوة إلى الله: 1ـ محافظة الإمام عبد العزيز على الطريق الذي اختطه والده رحمهم الله في العمل على تمسك الدولة بالشريعة، ونصرة الشيخ وإعانته على القيام بالدعوة الإصلاحية، والمحافظة على استمرارها ونشرها في كل المناطق التابعة لحكمه، والمناطق الأخرى. 2ـ تخصيصه رواتب شهرية لكل الأهالي سواء في المدن أو القرى والبادية عند التفرغ للعلم، وملازمة حلقات المشايخ، مما ساهم في وجود حركة علمية قوية، في عدد من العلوم وفي مقدمتها العلوم الشرعية والعربية.

_ 1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/126، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص154، وتاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين1/100ـ 104، وتاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 2/31، الموسوعة العربية العالمية، 16/97ـ98.

3ـ استمراره في إقامة علم الجهاد في سبيل الله، وتوسيع نطاق الدعوة، وإبعاد كل ولي أو أمير يقف في وجهها، ولذلك نجد أنه استطاع ـ بعون الله ـ فتح الرياض، القصيم، الأحساء، نجران، مكة المكرمة، وغيرها وقد توسع نطاق الدولة حتى وصلت إلى مدينة كربلاء في العراق. 4ـ قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة وإرسال الرسائل العلمية إلى بلدان المسلمين، ومن ذلك رسالته التي يقول فيها: " من عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين والشام ومصر والعراق وسائر علماء الشرق والمغرب ... "1. وقد أوضح في رسالته هذه عقيدة الدولة السلفية، وأزال الشبه المثارة ضدها، وهي رسالة علمية طويلة يتضح فيها سعة علمه، وفيها محاجة ومجادلة وردود على أباطيل الأعداء والخصوم، مع استناده في هذا كله للكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح. 5ـ كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يثق بالإمام عبد العزيز ويتوسم فيه الكفاية والدراية حتى إنه بعد فتح الرياض سنة1187هـ أوكل إليه بعض مهامه، كإدارة الشؤون المالية التي كانت من

_ 1 انظر: الرسالة كاملة في كتاب: تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 2/232.

أعمال الشيخ فيما سبق ذلك من الأيام. 6ـ سيادة الأمن في المناطق التابعة لحكمه بشكل لم يسبق له مثيل، وقضاؤه على الاعتداء بين أفراد القبائل، ومنعه من حماية مرتكبي الجرائم بين القبائل، والذي كان شائعا في ذلك الزمان1. هذه أبرز جهود الإمام العادل المجاهد عبد العزيز بن محمد ـ رحمه الله تعالى ـ في الدعوة إلى الله تعالى، والتي كان لها أثر عظيم في سبيل نشرها وتوعية الناس بها. ********

_ 1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/125ن عثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/128ـ130، د. عبد الله بن عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص79.

جـ ـ جهود الإمام سعود بن عبد العزيز في الدعوة إلى الله التعريف به بإيجاز: ولد الإمام سعود عام 1161هـ في الدرعية، وعينه والده بإشارة من الشيخ محمد وليا للعهد عام 1202هـ وهو حفيد للشيخ من جهة أمه، وأحد أبرز تلاميذه الشباب، وطلب العلم أيضا على عدد من علماء الدعوة الآخرين، وكان محبا للعلم وأهله واستوعب كثيرا من العلوم، واتصف ـ رحمه الله ـ بالعدل والحكمة والفصاحة ورجاحة العقل والدهاء وقوة الشخصية والحنكة السياسية والعسكرية والشجاعة، مما أهله للقيام بقيادة الجيوش في عهد والده، وقد امتدت الدولة في عهده شمالا حتى بادية الشام وحتى حدود اليمن في الجنوب ومن الخليج في الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، وفي عهده بلغ التوتر أقصاه بين الدولة السعودية والدولة العثمانية التي كلفت محمد علي باشا للعمل على إسقاط الدولة. وتميز عهده باستتباب الأمن في كل مناطق الدولة، وذلك لانتهاجه طريقة أمنية فريدة، وذلك أنه جعل كل أمير منطقة أو ناحية أو شيخ قبيلة مسؤولا في المقام الأول أمامه عن الأمن، وعن كل

حادثة تقع في منطقته، وأن على كل من هؤلاء أن يتعاون مع المسؤولين الآخرين المجاورين له في كل ما يعين على القضاء على الجرائم والمخالفات، توفي الإمام سعود بن عبد العزيز رحمهم الله في شهر جمادى الأولى من عام1229هـ وخلفه في الحكم ابنه الإمام عبد الله1. أبرز جهوده في الدعوة إلى الله تعالى: 1ـ استمرار الإمام سعود بن عبد العزيز بالسير على طريق والده وجده ـ رحمهم الله ـ في مناصرة الدعوة وتأييدها ونشرها والجهاد في سبيل الله تعالى والتوسع في فتوحات الدولة. 2ـ كان رحمه الله تعالى يكثر من استشارة العلماء والمشايخ ورؤساء البلدان والقبائل. 3ـ المساهمة الفعالة في نشر العلم بالشرع وأحكامه في مختلف البلدان حتى إنه جعل مع كل جيش عالما ينفع الناس في كل وقت، ورتب أجورا شهرية للمعلمين مما ساهم في ازدهار الحركة العلمية في عهده.

_ 1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/125، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص157، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/149، تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 3/154، الموسوعة العربية العالمية، 12/261ـ262.

4ـ كانت له رحمه الله تعالى مكتبة ضخمة في الدرعية، ضمت كثيرا من الكتب في الموضوعات المختلفة، مما جعلها تساهم في إفادة الناس وتسهل لهم الاطلاع عليها والاستفادة منها، وخصوصا في تلك الأزمنة، التي يجد طلبة العلم صعوبة في تيسير الحصول على كتب أهل العلم والاستفادة منها. 5ـ الاستقرار الأمني الفريد من نوعه مما يميز به عهده ـ رحمه الله ـ وذلك يرجع لأمور عدة أهمها: عدله، وتحكيمه للشريعة، وقوة شخصيته، وانتشار الوعي والعلم بين الناس1. هذه أبرز جهود الإمام سعود بن عبد العزيز في الدعوة إلى الله، والتي تعد امتدادا لجهود والده وجده في متابعة تعاهدهم على نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله ـ جميعا. ******

_ 1 انظر: الدرر السنية، 14/19-30، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص158، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/180، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/214ـ216.

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثانية)

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثانية) ... ثانيا: حكام الدولة السعودية الثانية ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية أـ جهود الإمام تركي بن عبد الله في الدعوة إلى الله: التعريف به بإيجاز: هو الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ولد رحمه الله سنة 1183هـ، وهو أول مؤسس حقيقي للدولة السعودية الثانية وكان ذلك عام1235هـ، وقد واجه في سبيل ذلك صعوبات بالغة سواء من الداخل نتيجة لبعض الفتن، أو من الخارج وبالأخص من الدولة العثمانية وقادتها، ولكن يسر الله تعالى له إقامة الدولة بدعم كبير من بعض البلدان المحلية الراغبة في إعادة دولة التوحيد؛ فتحقق ذلك بحمد الله بزمن ليس بالطويل. عرف رحمه الله بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالدين وتعاليمه وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدل بين الرعية، والشجاعة وحب الفروسية، والإدارة الجيدة والقيادة الحكيمة، قتل رحمه الله غيلة في شهر ذي الحجة عام1249هـ1.

_ 1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص 164، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/219وما بعدها، الإمام تركي بن عبد الله، د. العجلاني، ص21ـ52، الموسوعة العربية العالمية، 10/471ـ472.

أبرز جهوده في الدعوة إلى الله: 1ـ إعادة تأسيس الدولة وقيامها على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوحيد المسلمين في الجزيرة العربية على إمام واحد واجتماع كلمتهم على ذلك. 2ـ كان رحمه الله جادا في تطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية، وكان له دور فعال في المساهمة في نشر الدعوة وتثبيتها في نفوس الناس عن طريق أبناء وتلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإعانته للعلماء في سبيل ذلك، وكان رحمه الله يحضر دروس الشيخ عبد الرحمن بن حسن يومي الخميس والإثنين. 3ـ ظل الانسجام الذي كان بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وبين قادة الدولة السعودية الأولى قويا كذلك بين الإمام تركي وبين أحفاد الشيخ في الدولة السعودية الثانية، ويتمثل ذلك في أنه لما عاد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله من مصر سنة1241هـ ولاه الإمام تركي بن عبد الله الشؤون الدينية في الدولة، وجعل له المكانة العلمية التي كان يتولاها جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا. 4ـ حرصه رحمه الله على الالتزام بشعائر الإسلام وتعاليمه، والناظر في رسائله المختلفة إلى الولاة يجدها تؤكد غالبا على إلزام

الناس بالصلاة في المساجد مع الجماعة، مراقبة تأدية الزكاة، منع الربا الصريح أو الحيلة، منع الغش في المكاييل، استقلال القضاء، ويحذرهم من الظلم1. تعد هذه الأمور من أبرز جهود الإمام تركي بن عبد الله ـ رحمه الله ـ في الدعوة إلى الله تعالى، وخصوصا إذا علمنا أن عهده شهد عددا من الاضطرابات والفتن2.

_ 1 انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/257 وما بعدها، الإمام تركي بن عبد الله، د. العجلاني، ص123ـ138. 2 للدلالة على ذلك فقد كان حكمه على فترتين: دامت الأولى من عام 1235هـ ـ 1236هـ، والأخرى من 1238هـ ـ 1249هـ. انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص165.

ب ـ جهود الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله في الدعوة إلى الله التعريف به بإيجاز: ولد الإمام فيصل عام1203هـ في الدرعية، وهو جد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمهم الله جميعا، وكان الإمام فيصل من بين الأسرى السعوديين الذين رحلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة بعد سقوط الدرعية عام1233هـ، ولكنه استطاع العودة بعد بداية والده في إعادة تأسيس الدولة، وأصبح ساعده الأيمن في ذلك خصوصا في مسألة تولي الشئون العسكرية والقيام بالجهاد، وقد تولى الحكم بعد مقتل والده في بداية عام1250هـ، وعرف رحمه الله بشدة تمسكه بالدين، وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان متوقد الذكاء، كثير التواضع، والشجاعة والإقدام. وفي عام 1254هـ، جاءت جيوش القيادة المصرية تحاول القضاء على حكمه، ونتيجة لبعض الظروف التي لم تكن في صالحه اضطر للاستسلام لخورشيد باشا، وتم ترحيله مرة أخرى إلى القاهرة وبقي فيها إلى أن خرج من السجن خفية عام1256هـ، ثم عاد إلى نجد، وبعد مراسلات مع بعض أتباعه لقي منهم كل الترحيب في مناصرته وإعانته حبا منهم له ولأسرته المباركة التي عرفت بالعدل والحنكة والمقدرة على القيادة، فتم له ذلك بتوفيق الله تعالى عام 1259هـ،

وهذه الفترة تعتبر الفترة الذهبية في حكم الدولة السعودية الثانية، واستمر في الحكم حتى وفاته رحمه الله عام1282هـ1. وكان من أبرز جهوده في الدعوة: 1ـ استمراره في المحافظة على تحكيم الكتاب والسنة في شؤون الدولة، وتأييد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، ومناصرة العلماء في سبيل ذلك كله. 2ـ اهتمامه بتطبيق شعائر الإسلام وحدوده، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وبسط الأمن والاستقرار والقضاء على الفتن والنزاعات. 3ـ اهتمامه وتنظيمه لأمر الشورى بإنشائه مجلسا لها في بداية حكمه، وجعل في عضويته عددا من كبار الناس من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل، وكان الغرض منه مناقشة شؤون الأقاليم وأحوال السكان واحتياجاتهم2. ولعل هذه تعد من أبرز جهود الإمام فيصل بن تركي رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى، مع التوكيد على صلاح هذا الإمام، ومحبته للدين وأهله، وتقريبه للعلماء ومجالستهم، مما يؤكد على تمسكه بإحكام الدين الإسلامي.

_ 1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص166، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/237 وما بعدها، الموسوعة العربية العالمية، 10/473ـ476، نشأة الدولة السعودية، د. الثقفي، ص 29. 2 انظر: رسالة له في كتاب عنوان المجد لابن بشر، 2/57ـ60، 103ـ105، تاريخ الدولة السعودية الثانية، د. عبد الفتاح أبو عيطة، ص 115.

3ـ حكام الدولة السعودية الثالثة ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية: أـ جهود الملك عبد العزيز في الدعوة إلى الله: التعريف به بإيجاز: نسبه: هو الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبه إلى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة. ولد رحمه الله عام1293هـ في الرياض، ونشأ تحت رعاية والده، ثم طلب العلم على يد عدد من العلماء، منهم: الشيخ عبد الله الخرجي، الشيخ محمد بن مصيبيح، الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، فقرأ عليهم القرآن الكريم، والتوحيد والفقه. عرف الملك عبد العزيز رحمه الله منذ صغره بحب الخيل وركوبه، وعرف أيضا بالحزم والشجاعة والذكاء والحنكة والحكمة، وحسن الخلق، والتمسك بالدين وأحكامه. وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية اضطر والد الملك عبد العزيز الإمام عبد الرحمن للخروج بأسرته من نجد واتجه بها إلى قطر ثم إلى

الكويت، وكان الملك عبد العزيز دائم التفكير في إعادة ملك آبائه وأجداده، فكان أن خرج من الكويت عام 1319هـ في محاولة لفتح الرياض، فاستطاع بفضل من الله تعالى تحقيق ذلك في الخامس من شهر شوال من ذلك العام، وكان ذلك الحدث نواة لتأسيس الدولة السعودية الثالثة، ثم واصل الملك عبد العزيز رحمه الله جهوده المباركة في بسط نفوذه حتى أتم توحيد أركان هذه البلاد بحمد الله تعالى عام 1351هـ، بعد مشوار طويل في سبيل الجهاد لتوحيد الأمة على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومن ثم استمر الملك عبد العزيز رحمه الله في حكمه وقيادته للبلاد وفق الشريعة الإسلامية وتحكيمها حتى توفاه الله في الطائف عام1373هـ، ودفن في الرياض في مقبرة العود1. وكان من أبرز جهود الملك عبد العزيز في الدعوة إلى الله: 1ـ قيام الدولة على الكتاب والسنة، وتحكيم الشريعة في كل شؤونها: وفي ذلك يقول ـ رحمه الله ـ " إن اعتصامي بالله وسيري على الطريقة المحمدية واقتدائي بعلماء المسلمين يدعوني ـ إن شاء الله ـ لعدم الجموح بالنفس، وقد عاهدت الله على ثلاث: أـ الدعوة لكلمة التوحيد، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل. ب ـ الأخذ على يد السفيه، وتحكيم السيف فيه.

_ 1 انظر: الموسوعة العربية العالمية، 16/94-97.

جـ ـ الإحسان للمحسن، والعفو عن المسيء"1. فكان ـ رحمه الله تعالى ـ حريصا كل الحرص على القيام بتحكيم الشريعة ونشرها في مختلف البلدان، ولذلك نجده يضع هذا الهدف الأسمى ضمن أوليات حكمه بل هو أولها على الإطلاق كما في كلمته السابقة، ويدل على ذلك أيضا وصيته لولي عهد الملك سعود بقوله: " واعلم أننا نحن آل سعود ما أخذنا هذا الأمر بحولنا وقوتنا، وإنما منّ الله به علينا بسبب كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.." 2. ويقول الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ " إن كتاب الله ديننا ومرجعنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا، وفيها كل ما نحتاجه من خير ورشاد، ونحن من جانبنا سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته واتباعه وتحكيمه في كل أمر من الأمور"3. ويحدث رحمه الله المستشرق" دو جوري" بقوله: " ليكن أكيدا لديك أني منطقي وعقلاني في كل الأشياء؛ لكل حالة حكمها وأسلوب التعاطي معها، باستثناء الحالة التي يمس بها ديني، والله إنه هنا في صدري، وبدونه أموت، لا شيء يأخذه مني، ورب السموات، وأقسم على ذلك"4.

_ 1 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/203. 2 المرجع السابق، 1/137. 3 المرجع السابق، 1/197. 4 نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز، د. علي النملة، ص24.

مما يعكس شدة تمسكه رحمه الله تعالى بتحكيم الدين وتنفيذ حدوده وأوامره وتطبيق شعائره. وقد وضع رحمه الله الأسس التي تقوم عليها هذه الدولة وأصدرها في 16/2/1345هـ، وأهم هذه الأسس: 1ـ المملكة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا لا يقبل التجزئة ولا الانفصال بوجه من الوجوه. 2ـ الدولة: دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة في داخليتها وخارجيتها. 3ـ إدارة المملكة بيد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وهو مقيد بأحكام الشرع. 4ـ جميع أحكام المملكة تكون مطبقة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح1. وهو بهذا وضع الأسس العظيمة التي تقوم عليها دولته المباركة والتي اتخذت من كلمة التوحيد شعارا لها يميزها بين دول العالم كله، لأن هذه الدولة المباركة هي الدولة الوحيدة في العالم التي ينص دستورها على أنها دولة دعوة ودولة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتحكيم للشريعة الإسلامية، والتي تعد مصدرا وحيدا للتشريع فيها وما ذلك إلا لامتثال قادتها منذ عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله

_ 1 انظر: الأعلام، الزركلي، 1/230ـ231.

وبهدي الشريعة وأوامرها، ومن تلك الأوامر التي امتثل بها قادة هذه البلاد قول الله عز وجل في سورة الحج: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] ، فهذه الشروط الأربعة التي اشترطها الله تعالى على من آتاه الملك وغيرها مما جاءت به الشريعة هي عماد يعتمد ويرتكز عليها دستور هذه البلاد المباركة ـ ولله الحمد ـ حرصا من قادتها وولاة الأمور فيها على ذلك، وعونا ونصحا من العلماء والدعاة المخلصين للسير إلى ما فيه الخير والصلاح للمجتمع. ومن أعظم إنجازات الدولة السعودية المباركة إقامة الحدود الشرعية؛ لأنه لا معنى لتحكيم الشرع دون تنفيذ أحكامه وأوامره، ولذلك نجد أن قيامه بهذا الأمر ساعد كثيرا على نشر الأمن واستتبابه في أرجاء البلاد التي كانت مسرحا للفتن والاضطرابات قبل عهده ـ رحمه الله ـ. 2ـ الاهتمام والحرص على التمسك بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ والعمل على نشرها وإزالة الشبه عنها: عند ما قام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالتمسك بدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وأظهر الحرص على نشرها ونصرتها لم يكن ذلك بسبب رغبته في تحقيق مكاسب دنيوية أو تعصبية، وإنما سبب ذلك: اعتقاده الجازم بأن دعوة الشيخ لم تكن دعوة مبتدعة وإنما هي دعوة متبعة لمنهج السلف الصالح ووفق

نصوص الكتاب والسنة. يقول ـ رحمه الله ـ في كلمة له في مكة المكرمة مبينا تأييده لدعوة الشيخ ومدافعا عنها في قوله: " يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خامس، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ بجديد، فعقيدته عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح ... "1. 3ـ الاهتمام بشؤون الحج والعناية بالحرمين الشريفين: فقد اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالعمل على تيسير وصول الحجاج إلى الأماكن المقدسة، بالقضاء على عصابات قطع الطريق، التي كانت منتشرة قبل عهده، والعمل على راحة الحجيج وتيسير نسكهم ورعايتهم على قدر الإمكانات المتاحة، وقام ـ رحمه الله ـ كذلك بإلغاء الرسم والضريبة التي كانت تؤخذ من كل حاج وذلك عام 1371هـ، رغم الصعوبات الاقتصادية في ذلك الوقت، إلا أنه آثر خدمة الحجاج على نفسه ودولته2. وقد بادر رحمه الله بعد فتحه لمكة المكرمة ودخولها تحت حكمه، إلى العناية بعمارة الحرمين الشريفين والاهتمام بهما، ففي عام

_ 1 جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 42. 2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 216ـ217.

1344هـ أمر رحمه الله بإجراء الترميمات اللازمة للحرم المكي، وفي عام1344هـ أمر رحمه الله ابنه الأمير فيصل رحمه الله بإصلاح شامل للمسجد الحرام، وفي شعبان عام1368هـ أصدر رحمه الله بيانا يبشر فيه المسلمين باهتمامه بتوسعة الحرمين والعمل الجاد لتنفيذ ذلك، ووضعت التصاميم اللازمة، ولكن وافته المنية قبل إنجاز المشروع، الذي تم في عام 1375هـ في عهد الملك سعود رحمه الله. ومن أعماله في هذا المجال أيضا: أـ جمع المصلين في المسجد الحرام خلف إمام واحد سنة 1345هـ، حيث كان الناس يصلون في مقامات أربعة، كل خلف الإمام الذي يوافق مذهبه، فكانت تقام في كل صلاة أربع جماعات تبعا لهذه المقامات، فجمع رحمه الله المصلين خلف إمام واحد توحيدا لكملة المسلمين وجمعا لقلوبهم، واقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم. ب ـ أمره رحمه الله بصنع باب جديد للكعبة المشرفة عام1366هـ1. 4ـ إنشاء أول نواة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وذلك عند ما قام ـ رحمه الله ـ بتعيين الشيخ عبد العزيز بن

_ 1 انظر: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين، الشيخ السبيل، ص13ـ16، تأصيل الجانب الإسلامي والسياسي لرعاية الحجاج في المملكة، د. الوزان، ص 17-18.

عبد اللطيف آل الشيخ ـ رحمه الله ـ محتسبا في الرياضن وكان ذلك بعد فتح الملك عبد العزيز للرياض، وقام أيضا بإعانته ببعض طلبة العلم آنذاك وبعض مواليه، ومما ساعدهم في أداء مهامهم تأييد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لما يقومون به من أعمال، التي لم يقتصر على الإحتساب في المنكرات، بل ومع ذلك يقومون بإقامة الحدود في بعض المنكرات ويجلدون عليها بتفويض من ولي الأمر لثقته فيهم1. وبعد فتح مكة عام 1343هـ، قام الملك عبد العزيز بتعيين محتسبين فيها يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوكل لهم بعض المهام التي يقومون بها، ومن أبرزها: أـ إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة ومحاربة المنكر وأهله. ب ـ جباية الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية. جـ ـ منع أي مظهر يتنافى مع طبيعة الصيام وذلك في شهر رمضان. د ـ تأديب من وجد منه غش أو خيانة في المكاييل والموازين. هـ ـ النظر في الأوقات وإيصالها إلى مستحقيها وفق نص الواقف، إذا لم يتعارض مع الضوابط الشرعية2.

_ 1 انظر: نظام الحسبة، ابن مرشد، ص 194ـ195. 2 انظر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/199ـ200.

فكان ـ رحمه الله تعالى ـ ببيانه اختصاصات الهيئة هذه هو أول ولاة الأمر السعوديين في أدوارها الثلاثة من حيث تنظيم ولاية الحسبة بشكل رسمي، مما يعكس الاهتمام الكبير في كل ما يتعلق بالدين وأوامره وشعائره. 5 ـ اهتمامه الكبير بجانب القضاء، والأنظمة القضائية والمحاكم: فقد حرص ـ رحمه الله ـ على استناد القضاء على الكتاب والسنة، وحرص أيضا على إخضاع جميع القوانين التي كانت تسن في الدولة للشرع وأحكامه، لإيمانه العميق بأن الإسلام نظام صالح لكل زمان ومكان، وفيه العدالة والنزاهة والإنصاف، ونتيجة لذلك الاهتمام بالمحاكم فقد بلغت في وقته ـ رحمه الله ـ أكثر من مائة وعشرين محكمة في مختلف مدن البلاد وقراها1. 6ـ حرصه واهتمامه على اجتماع كلمة المسلمين: ويدل على ذلك دعوته ـ رحمه الله ـ لعقد أول مؤتمر إسلامي، وتم ذلك في شهر ذي القعدة 1334هـ، في الحجاز، وترأس رحمه الله جلسته الأولى، وحث المشاركين على التعاون والتكاتف والاعتصام بحبل الله المتين2.

_ 1 انظر: الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية، د. العجلان، ص82ـ 83، الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/201ـ204. 2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 214.

7ـ تقريبه وتقديره للعلماء ومشاركته لحلقات العلم وجلوسه بين أهله واهتمامه بنشره بين جميع أفراد الرعية: وكذلك مشاورته الدائمة للعلماء، وحثهم على بذل الجهود في سبيل إيصال العلم للناس، ولذلك نجده دائما ما يرسل العلماء إلى كافة المناطق والقبائل ليقوموا بأحكام القضاء بينهم وأيضا تعلميمهم وتفقيههم أمور دينهم. وقد حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على نشر العلم، والحث على اكتسابه، وتسهيل ذلك للرعية. حيث كان التعليم قبل عهده وفي بدايته معدوما أو نادرا في البلاد، فقد كانت هناك اجتهادات فردية من بعض من بعض العلماء والمتعلمين وتقتصر على تعليم القرآن الكريم في الكتاتيب ومبادئ الدين والكتابة والحساب، ولم يكن يتوجه لطلب العلم ـ قبل عهد الملك عبد العزيز ـ إلا قلة قليلة من التلاميذ نظرا للصعوبات المعيشية، حيث كانت الأسر تأمل من أبنائها أن يساعدوها في مواجهة ذلك، دون حثهم على العلم والتعلم. ولكن بعد إرساء الملك عبد العزيز لقواعد حكمه، كان من أوائل اهتماماته نشر العلم، باعتباره ضرورة من ضرورات الحياة، وليتمكن الناس من عبادة الله تعالى على الوجه الصحيح، فكان ـ رحمه الله ـ حريصا على توحيد المملكة وبنائها على الشرع الحكيم والعلم به،

وكان يرى بأن العلم هو السبيل الشعوب وتحضيرهم، ولذلك اجتهد كثيرا في الحث على العلم وتيسيره للرعية. ومما يدل على حرصه واهتمامه رحمه الله بالعلم والتعليم ما قاله أحد المعاصرين له من شيوخ القبائل: "ركبنا إلى عبد العزيز، وكل من ركب أعطاه مطوعا، وقال له: اجمع جماعتك، وعلمهم أمور دينهم، ودرسهم، وصل بهم، وأرسل عبد العزيز عالما لكل ديرة"1. ومما يدل على هذا الاهتمام الكبير في الحرص على العلم ونشره: أـ في بداية حكمه ـ رحمه الله ـ تركز اهتمامه بتعليم البادية أمور دينهم بإنشاء الهجر وبناء المساجد، وإرسال الوعاظ والمرشدين من طلبة العلم إلى مختلف المناطق والقرى والهجر. ب ـ بعد فتح مكة المكرمة قام ـ رحمه الله ـ بإنشاء مديرية المعارف، وكان ذلك سنة1344هـ، ليكون الاهتمام بالعلم عن طريق جهة مسؤولة تتولى تنظيمه والتوسع فيه. جـ ـ وفي عام 1346هـ، تشكل أول مجلس للمعارف، وجاء في قرار إنشائه أن عليه: وضع نظام تعليمي للحجاز، يلزم بمراعاة توحيد التعليم، والسعي لجعل التعليم الابتدائي إجباريا ومجانيا، يقول د. محمد الرشيد: " يتضمن هذا القرار ثلاث وقفات تستحق القدير، وتدل دلالة واضحة على الاهتمام بالتعليم: 1ـ توحيد التعليم في البلاد.

_ 1 رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة، د. محمد الرشيد، ص23.

2ـ السعي إلى جعل التعليم الابتدائي إجباريا، وهذا مفهوم متقدم جدا، ليس فقط في الحجاز وشبه الجزيرة العربية بكاملها، بل والدول المجاورة في ذلك الوقت. 3ـ السعي إلى جعل التعليم الابتدائي مجانيا، مع ضعف الإمكانات المادية والبشرية في ذلك الوقت، مما يدل على الرؤية الواضحة لأهمية العلم والتعليم لدى قيادات هذه الدولة المباركة حتى في أوقات الشدة"1. وبعد فترة تحولت المديرية مع اتساع التعليم إلى وزارة المعارف في ربيع الثاني سنة1373هـ، أي بعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله شهر تقريبا، وكان الملك فهد أول وزير لها، وكل هذا يعكس الاهتمام الكبير بالعلم وبالتعليم في عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأبنائه من بعده. وكان في زمانه عدد من الصروح التعليمية، منها: 1ـ المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة 1344هـ. 2ـ مدرسة تحضير البعثات بالعاصمة سنة1355هـ. 3ـ دار التوحيد بالطائف سنة1364هـ. 4ـ كلية الشريعة بمكة سنة1369هـ، وكانت هذه الكلية أول نواة للدراسة الجامعية العليا بالمملكة.

_ 1 رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة، د. محمد الرشيد، ص27ـ28.

5ـ معهد الرياض العلمي سنة 1370هـ، والذي كان نواة مباركة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيما بعد، والتي كانت تسمى الرئاسة العامة للكليات والمعاهد. 6ـ كلية الشريعة بالرياض سنة 1373هـ. ولم يقتصر حث الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على التعليم في الجانب المعنوي والأدبي فحسب، بل واهتم كذلك بصرف مكافآت تشجيعية للطلاب، مما كان له أبلغ الأثر في منافسة كثيرة منهم للحرص والاجتهاد على طلب العلم، واكتسابه، ودفع ذلك أيضا الأسر في حث أبنائها على التوجه للعلم والتفرغ له1. 8ـ محافظته رحمه الله على الجمع بين تحكيم الشريعة والعمل على تحقيق التقدم في مجالات الحياة: ويؤثر عنه رحمه الله قولته القوية: " لنا ديننا ولكم آلياتكم"، وذلك عند ما ناقشه السفير الأمريكي في المملكة" وليم إدي" حول عدم إمكان التقدم التقني مع التشدد الديني، فرد عليه الملك عبد العزيز رحمه الله بأن التقدم الآلي والتقني لا ينافي التمسك بالدين، ويمكن الجمع بينهما، على خلاف ما هو متبع في الثقافة الغربية القائلة بضرورة اتخاذ منهج العلمانية مبدأ الحكم عندهم، ويرون بأن الدين

_ 1 انظر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/225ـ240.

والعلم لا يجتمعان1. هذه بعض الجهود الجليلة التي قام بها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ خدمة للدين وللدعوة، ولعلنا لا ننسى ـ بإذن الله ـ تأكيده وحرصه على بناء الدولة على الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا والله هو الهدف الأجل والأعظم الذي قام به؛ لأن ما بعده من أمور إنما هي فروع تندرج تحت هذا الأصل العظيم، فغفر الله للملك عبد العزيز ورحمه، وبارك في الباقي من أبنائه وذريته ليسيروا وفق قواعد والدهم.

_ 1 انظر: نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز وجهوده، د. علي النملة، ص11.

ب ـ جهود الملك سعود في الدعوة إلى الله التعريف به بإيجاز: ولد الملك سعود بن عبد العزيز عام1319هـ في الكويت، وبعد فتح الملك عبد العزيز للرياض عادت أسرته إليها من الكويت ومن ضمنهم الملك سعود. تلقى رحمه الله مبادئ القراءة والكتابة والعلوم والعلوم الدينية على يد عدد من علماء نجد، واستفاد كثيرا من مدرسة والده الملك عبد العزيز رحمه الله ومن نصائحه وتوجيهاته، وتولى بعض ممارسات في الحكم منذ صغره فقاد الحملة على حائل عام1339هـ وشارك في إدارة شؤون المنطقة الوسطى، وصار وليا للعهد في 16/1/1352هـ، وبعد وفاة والده الملك عبد العزيز تولى الحكم في شهر ربيع الأول1373هـ، ونتيجة للتقدم الحضاري فقد أنشئت في عهده بعض الوزارات، مثل وزارة المعارف، الزراعة، التجارة، المواصلات، واستمر رحمه الله في الحكم حتى 27/6/1384هـ عند ما بويع الملك فيصل رحمه الله في الحكم1.

_ 1 انظر: الموسوعة العربية العالمية، 12/260ـ261.

أبرز جهود الملك سعود في الدعوة إلى الله: 1ـ كان عهد الملك سعود امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية. 2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية. 3ـ تكريم أهل العلم وإجلالهم، والاهتمام بنشر العلم في الدين ونتيجة لذلك فقد افتتح ـ رحمه الله ـ في عهد أول جامعة في المملكة وهي جامعة الملك سعود، وتوسع في افتتاح المعاهد العلمية الدينية، وافتتح أيضا الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام1381هـ، وأمر رحمه الله بصرف مكافآت تشجيعية لطلاب العلم1. 4ـ أمره رحمه الله بإنشاء دار الإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية والمعاهد في رمضان عام1374هـ برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله2. 5ـ اهتمامه بالشؤون الإسلامية وتوعية المسلمين بدينهم، فقد أمر بطبع الكتب الدينية لإرشاد الناس وتوجيههم، كما اهتم رحمه الله بتوسعة المسجد الحرام، وبشؤون الحجاج، وأمره رحمه الله بترميم الكعبة المشرفة وإصلاحها عام1377هـ3.

_ 1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص111. 2 انظر: المرجع السابق، ص202. 3 انظر: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين، الشيخ السبيل، ص17ـ18.

3ـ جهود الملك فيصل في الدعوة إلى الله تعالى التعريف به بإيجاز: ولد الملك فيصل في شهر صفر من عام1324هـ في الرياض، وقد توفيت والدته بعد مولده بخمسة أشهر، فتربى في بيت جده لأمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تربية دينية صالحة، وتلقى العلم في أصول الدين على يديه، ولما شب وكبر أخذ يتدرب على فنون الفروسية والإدارة السياسية، وكان يحضر مجالس أبيه دوما ويستفيد من آرائه وآراء جلسائه، وكان والده يرى فيه صفات النجابة والذكاء والنبوغ؛ ولذلك انتدبه إلى بريطانيا وفرنسا نيابة عنه بعد الحرب العالمية الأولى عام1914م، وأرسله لزيارة عدد من دول أوربا عام 1926م، ورأس وفد المملكة عند إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام1945م، ولم يقتصر نبوغ الملك فيصل رحمه الله على الجانب السياسي بل شارك أيضا وباقتدار في قيادة الجيوش العسكرية؛ فقاد فتوحات الجيش السعودي في عسير عام1340هـ، والحرب ضد اليمن عام1352هـ، وقد تولى أيضا عددا من المناصب القيادية في الدولة، فكان نائبا للملك عبد العزيز على الحجاز عام1344هـ، ثم عين كأول وزير للخارجية عام1349هـ، وبعد وفاة والده الملك

عبد العزيز رحمه الله وتولية الملك سعود للحكم أصبح الملك فيصل وليا للعهد، وفي عام 1384هـ تولى الحكم، وقام بقيادة بلاده وبلاد العالم الإسلامي لتحقيق خطوات قيادية عظيمة إلى أن قتل رحمه الله في يوم الثلاثا13/3/1395هـ في مدينة الرياض1. أبرز جهوده في الدعوة إلى الله: حفل عهد الملك فيصل رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود: 1ـ كان عهد الملك فيصل امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، والتزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية. 2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية الإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية. 3ـ إعطاؤه للمملكة دورها القيادي بين دول العالم في الدفاع عن المسلمين ونصرتهم، لشعوره بالواجب الإسلامي الملقى على عاتق هذا البلد المقدس، والقيام بكل ما يتطلبه ذلك من الوقوف مع الدول 1 انظر: ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/18ـ30.

عبد العزيز رحمه الله وتولية الملك سعود للحكم أصبح الملك فيصل وليا للعهد، وفي عام 1384هـ تولى الحكم، وقام بقيادة بلاده وبلاد العالم الإسلامي لتحقيق خطوات قيادية عظيمة إلى أن قتل رحمه الله في يوم الثلاثا13/3/1395هـ في مدينة الرياض1. أبرز جهوده في الدعوة إلى الله: حفل عهد الملك فيصل رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود: 1ـ كان عهد الملك فيصل امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، والتزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية. 2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية الإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية. 3ـ إعطاؤه للمملكة دورها القيادي بين دول العالم في الدفاع عن المسلمين ونصرتهم، لشعوره بالواجب الإسلامي الملقى على عاتق هذا البلد المقدس، والقيام بكل ما يتطلبه ذلك من الوقوف مع الدول

_ 1 انظر: ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/18ـ30.

الإسلامية في حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. فقد اهتم ـ رحمه الله ـ بشؤون المسلمين في كافة البلدان، ويدل على ذلك دعوته المباركة إلى التضامن الإسلامي بين أبناء هذا الدين، مما ساهم في جمع كلمة المسلمين وتعاونهم لدرء الأخطار عنهم، وقام بالترتيب لجمع كلمة المسلمين عن طريق عقد أول مؤتمر قمة لدول العالم الإسلامي وتحقق ذلك في 17/12/1384هـ، وقام أيضا بزيارة كافة بلدان العالم الإسلامي، وقام كذلك بالعمل على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي أنشئت في شهر محرم من عام 1390هـ، ويبلغ عدد أعضاء هذه المنظمة أكثر من 45 دولة مسلمة، كما ساهم رحمه الله في إنشاء البنك الإسلامي للتنمية عام1974م1، والندوة العالمية للشباب الإسلامي عام1392هـ2. 4ـ الاهتمام بشؤون الحرمين الشريفين، وإتمام توسعتهما بشكل لم يسبق له مثيل، والاهتمام بالمشاعر المرتبطة بالحج والعناية بها، وقد أنشأ رحمه الله إدارة الإشراف الديني بالمسجد الحرام عام1384هـ، والتي تعنى بأمور الدعوة والإرشاد بالحرمين، وتعيين الأئمة والمؤذنين، ونحو ذلك3.

_ 1 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 223ـ228. 2 انظر: جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 108ـ109. 3 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 159.

ـ إصدار نظام أساسي للحكم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح. 6ـ وضعه لنظام قضائي يعين على استقلال القضاء، ويمسك بزمامه مجلس أعلى للقضاء، وقام كذلك بإنشاء وزارة للعدل1. 7ـ تكريم العلماء وتقديرهم، وقام بتأسيس مجلس إفتاء" هيئة كبار العلماء" يضم عشرين عضوا من خيرة العلماء للنظر في قضايا وأحوال المسلمين وفتاويهم2. 8ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر دعوة الإسلام، ومن ذلك العمل على إنشاء العديد من المساجد والمراكز التعليمية في العديد من بلدان العالم، ومن ذلك: مسجد الملك فيصل في إسلام آباد، مسجد الملك فيصل في نجامينا بتشاد، مسجد التضامن الإسلامي في مقديشو، المركز الإسلامي الأفريقي في الخرطوم بالسودان، معهد الملك فيصل في دكا ببنغلاديش، وغيرها. 9ـ تجديد وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أوضاعها ودعمها. 10ـ الاستمرار في الاجتهاد للنهوض بالمستوى التعليمي للرعية، عن طريق التوسع في مجالات العلم، وابتعاث أبناء البلاد لطلب العلم، وتقديم المنح المالكية والمكافآت التشجيعية. 1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص 221. 2 انظر: المصدر السابق، بنفس الموضع

11ـ المساهمة في تعليم الفتاة وفق الشرع المطهر وتيسير حقها في التعليم بدءا من العام 1380هـ، لأن الشرع أوجب على أتباعه ذكورا وإناثا تعلم أحكامه، وظل تعليم الفتاة في بلادنا ولله الحمد ملتزما بالضوابط الشرعية، مما يعكس التميز الذي تمتاز به هذه البلاد عن غيرها بتحكيم الشريعة الإسلامية. هذه أبرز جهود الملك فيصل رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى وما بذله في سبيل ذلك من الجهود الواضحة والبينة لكل مطلع على سيرته رحمه الله تعالى1.

_ 1 انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/350، وسيد إبراهيم، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص213 وما بعدها، المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص223، ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/278، جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 39، 42، 72، 73.

دـ جهود الملك خالد في الدعوة إلى الله تعالى ولد الملك خالد رحمه في ربيع الأول عام1331هـ، ونشأ في رعاية والده، وحفظ القرآن الكريم في طفولته، ودرس العلوم الشرعية على يد نخبة من العلماء، وكان لهذه التنشئة الدينية أثرها الكبير عليه في كل شؤونه، وكان رحمه رجلا فضلا متواضعا ذا سجايا حسنة وأخلاق فاضلة، وكان كثيرا ما يحضر دروس الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمهم الله جميعاـ. من أهم أعماله: عينه والده مستشارا لأخيه الملك فيصل عندما كان نائبا على الحجاز، وعين وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء بعد تولي الملك فيصل للحكم عام1384هـ، وتولى الحكم بعد مقتل الملك فيصل في ربيع الأول 1395هـ، وظل في الحكم حتى وفاته رحمه الله في شهر شعبان1402هـ1.

_ 1 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 230، الموسوعة العربية العالمية، 1/10ـ11.

أبرز جهوده في الدعوة إلى الله: حفل عهد الملك خالد رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود: 1ـ كان عهده امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية. 2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمهم الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصيلة. 3ـ تكريم العلماء وتوقيرهم والوقوف معهم في كل حاجاتهم، والتوسع الكبير في الاهتمام بالعلم في كافة مراحله، فمثلا: أنشئت في عهده جامعة الملك فيصل وجامعة أم القرى، وغيرها من الصروح العلمية، في مختلف مراحل التعليم1. 4ـ إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمظهرها الحالي برئاسة عامة للهيئات يكون على رأسها رئيس عام يعين بمرتبة وزير، يكون مرجعه رئيس الوزراء مباشرة، وهذا بلا شك يعطيها الدعم والمساندة والاستقلالية، ويدل وبشكل كبير على اهتمام ولاة الأمور بهذه الشعيرة المباركة2.

_ 1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 97. 2 انظر: لمحة عن رئاسة الهيئة، ص 13.

5ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر الدعوة الإسلامية، ويدل على ذلك المساهمة في إنشاء العديد من المساجد والمراكز الإسلامية التعليمية في العديد من بلدان العالم، ومن ذلك: مسجد خور فكان في دبي، مسجد جامع أم الحصم في البحرين، مسجد ومركز الملك فيصل في كوناكري بغينيا، مسجد مدينة قروي بالكاميرون، مسجد باماكو في عاصمة مالي ياوني، المركز الإسلامي في جنيف، المركز الإسلامي الثقافي في عاصمة بلجيكا بروكسل، المركز الإسلامي الثقافي في لندن، المركز الإسلامي في لشبونة بالبرتغال، المركز الإسلامي في فيينا، وغيرها كثير من المراكز الإسلامية في مختلف البلدان، كل ذلك لشعورقادة هذه البلاد المقدسة بواجبهم تجاه دينهم الحنيف، وما من دولة مسلمة في أفريقيا إلا وتشهد للمملكة بما قامت به من مشروعات خيرية في مختلف المجالات، وعند قيام الجهاد الإسلامي في أفغانستان كانت المملكة هي أول دولة ساعدت وبذلت الكثير لنصرة إخوانها المستحقين للدعم والمساندة1. 6ـ اهتمامه رحمه الله بشؤون الحرمين الشريفين: فقد أمر رحمه الله بإتمام ما تبقى من عمارة المسجد الحرام وتوسعته عام1396هـ، وتوسيع المطاف بشكله الحالي عام1398هـ، وشملت هذه التوسعة: توسيع قبو ماء زمزم وجعله قسمان: قسم للرجال، وآخر للنساء، وتبليط أرض المطاف كاملة برخام باردة مقاوم للحرارة،

_ 1 انظر: جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 40ـ47.

شهر شعبان عام1402هـ1، ولا زال حفظه الله يقوم بأعباء هذا المنصب بكل حنكة واقتدار، ويساعده في ذلك إخوانه الكرام وفي مقدمتهم ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظهم الله تعالى ووفقهم لكل خير وصلاح وبركة. أبرز جهود الملك فهد في الدعوة إلى الله: حفل عهد خادم الحرمين الشريفين بجهود عظيمة وجليلة خدمة للدين ونشره، وهذه الجهود كثيرة وعظيمة، وسنحرص على ذكر بعض منها: 1ـ كان عهده امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم حفظه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية. 2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية، والمحافظة على تقاليدها وعاداتها الأصيلة.

_ 1 انظر: فهد بن عبد العزيز ومسيرة دولة، كمال الكيلاني، ص 49ـ65.

3ـ تقدير العلماء ورعايتهم ومجالستهم واستشارتهم وتسهيل أمورهم ومطالبهم وتحديد موعد ثابت لمقابلتهم مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، لتأكيد مكانة العلماء لدى ولاة الأمور، يقول الملك فهد ـ أيده الله ـ " إن العلماء وطلبة العلم هم أبناء وإخوان مخلصون يحظون بكل الاهتمام"1. 4ـ جهوده الجليلة والمقدرة في خدمة المسلمين في مختلف بلدان العالم، والحرص على جمع كلمتهم، والحرص على إزالة العقبات والخلافات التي قد توجد بين بعض الدول الإسلامية، مثل أفغانستان، والصومال، ولبنان، وغير ذلك من الأعمال الجليلة، والتي حرص من خلالها حفظه الله على جمع كلمة المسلمين وتحقيق التضامن الإسلامي فيما بينهم. 5ـ مواصلة الدعم لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من ثمار ذلك الدعم المالي الكبير لها، وإصدار اللائحة التنفيذية والتفصيلية في أعمالها وتخصصاتها في 24/12/1407هـ، والتوسع في افتتاح فروعها واستقطاب العديد من الكفاءات البشرية المتعلمة ضمن أعضائها2.

_ 1 الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 83. 2 انظر: لمحة عن رئاسة الهيئة، ص 14ـ15، وص 43ـ44.

6ـ إصدار النظام الأساسي للحكم: في شهر شعبان 1412هـ، والذي ذكرت المادة الأولى منه: اعتماد الأنظمة والقوانين في هذه البلاد على الكتاب والسنة، وذكر هذا النظام كذلك أن الدولة السعودية دولة تقوم بالدعوة إلى دين الإسلام، ونص هذا النظام كذلك على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الالتزام التام بالشريعة الإسلامية في كل شؤونها، وإقامة أحكامها وحدودها. 7ـ إنشاء مجلس الشورى، عملا بمبادئ الشورى الإسلامي، وهذه ميزة تتميز بها هذه البلاد، بعيدا عن التقاليد الانتخابات الغربية، والتي تحكم فيها الغلبة، لأن هذه البلاد هي بلاد لها خصوصيتها وميزاتها ومبادئها الإسلامية السامية، وتقاليدها العريقة الفاضلة. 8ـ إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة عام1405هـ، وقد ساعد هذا المجمع على نشر كتاب الله تعالى، ويسر الحصول عليه في جميع أنحاء العالم وبمختلف اللغات، وبالإضافة لطباعة المصحف تم إنتاج أعداد فاقت الملايين من المصحف المقروء بأصوات عدد من القراء، بالإضافة لطباعة كتب التفسير، وعلوم القرآن، ويصدر المجمع سنويا ما يقارب الثمانية ملايين مصحف من مختلف المقاسات أغلبها يوزع إهداء من حكومة

المملكة داخل لمملكة وخارجها1. 9ـ التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين وعمارتها خدمة للزوار والمعتمرين والحجاج، فقد بلغت الطاقة الاستيعابية للحرم المكي في عهد حفظه الله أكثر من مليون ونصف مصل، والحرم المدني أكثر من مليون ومائتي ألف مصل، وقد ساعدت هذه الخدمات في راحة ضيوف الرحمن، وهيأت لهم أداء مناسكهم براحة واطمئنان2. 10ـ إنشاء وزارة مستقلة تعنى بخدمة شؤون الدين الإسلامي والدعوة إليه، وذلك بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في 20/1/1414هـ وكان من مهام هذه الوزارة وأهدافها: حماية العقيدة الإسلامية، والدعوة إلى الله في الداخل والخارج، والاهتمام بالأوقاف وصرفها في وجوهها المستحقة، والإشراف على المساجد3. 11ـ التوسع في خدمة الأمة الإسلامية وقضاياها المختلفة والمتنوعة، بدءا من قضية المسلمين الكبرى القدس، ومرورا بقضايا المسلمين في مختلف البلدان من الفلبين وكشمير والصين وأفغانستان وأفريقيا وأخيرا وليس آخرا الوقوف بقوة مع المسلمين في البوسنة والهرسك والصومال والشيشان وكوسوفا وغيرها من البلدان

_ 1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 254ـ 260. 2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 244ـ248، وتحدث عن هذه التوسعات والرعاية للحرمين الشريفين والاهتمام بالحج وشؤونه الشيخ محمد السبيل في كتابه: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين، ص 41 وما بعدها ففيها بيان مفيد لجهود خادم الحرمين الشريفين في هذه الأماكن المقدسة ورعايته لها. 3 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص134.

المسلمة، وتقديم الدعم بكافة أنواعه سواء الدعم السياسي أو الدعم المالي، ولا يوجد بلد في العالم كله إلا ولحكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله آثار جليلة في خدمة الدين ونشره والدعوة إليه والوقوف مع أهله1. 12ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر دعوة الإسلام، ومن ذلك العمل على إنشاء العديد من المساجد والمراكز الإسلامية التعليمية في العديد من بلدان العالم، والتي عهد الملك فهد في الإشراف عليها والاهتمام بها إلى نجله: صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، الذي كان له دور كبير وجليل في المساهمة الفعالة في هذه الأعمال الخيرة الجليلة. ومن تلك المراكز والمعاهد: المركز الإسلامي في برازيليا بالبرازيل، المركز الإسلامي في الأرجنتين، المركز الإسلامي في جبل طارق، المركز الإسلامي في مدريد بإسبانيا، المركز الإسلامي في أدنبرة بأسكتلندا، وعدد كبير من المراكز في مدن الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من المراكز الإسلامية في مختلف بلدان العالم، كما تم افتتاح العديد من المدارس والمعاهد التعليمية والدعوية في مختلف البلدان في أنحاء العالم، مثل: المعهد العربي الإسلامي

_ 1 انظر: جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 113، وما بعدها، المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 251.

في طوكيو، معهد رأس الخيمة، معهد العلوم العربية والإسلامية في واشنطن، ومعهد جيبوتي، ومعهد موريتانيا، ومعهد جاكرتا بأندونيسا، وأكاديمية الملك فهد في لندن، وفي ألمانيا، وفي أمريكا، والجامعة الإسلامية في النيجر، والمعهد الإسلامي في مدينة لوغا بالسنغال، وغيرها العديد من منارات الخير والهدى في مختلف بلدان العالم، والتي تدعو إلى الله تعالى بالبصيرة والحكمة والموعظة الحسنة1. 13ـ إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبد العزيز وعضوية عدد من الوزراء وذلك في 30/4/1415هـ، ومن مهام هذا المجلس: الاهتمام بالشؤون الإسلامية والأقليات والجمعيات والمراكز الإسلامية، ونحو ذلك، مما يعكس الاهتمام بأمور الدين وشؤونه في مختلف بلدان العالم على أعلى المستويات في هذا البلد المقدس2. 14ـ التوسع الكبير في إرسال الدعاة والمعلمين وإقامة العديد من الدورات الشرعية في مختلف البلدان في جميع المناطق المحتاجة، في

_ 1 نظر: جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 48ـ58. 2 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 155.

مختلف الأوقات وخصوصا في فترة الصيف وشهر رمضان المبارك. 15ـ التوسع الكبير في إنشاء الجميعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، مما ساعد على إقبال النشء من الجنسين على حفظ وتلاوة كتاب الله العزيز1. 16ـ التوسع الكبير في إنشاء الجمعيات والمبرات الخيرية في مناطق المملكة، وما يحدث فيها من تكافل وتعاون بين أبناء البلد الواحد، وتساهم خزينة الدولة في أغلب ميزانياتها الخيرية2. وغيرها كثير جدا من الجهود الطيبة والمباركة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ خدمة للدين وحرصا منه على نشره بين الناس، مع الاهتمام الكبير بالعمل بأحكامه وتطبيقها، ونتيجة لتلك الجهود العظيمة فقد نال وفقه الله جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام لعام1404هـ، فجزاه الله تعالى كل خير على ما بذله وما سيبذله خدمة للدين وأهله، ووفقه جل شأنه لكل ما فيه خير البلاد والعباد.

_ 1 انظر: المرجع، ص 246. 2 انظر: المرجع السابق، ص 347.

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة)

مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة) ... وأمر رحمه الله بصنع باب للكعبة المشرفة عام1399هـ من الذهب الخالص1. 7ـ إنشاء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام1398هـ2. 8ـ الاهتمام الكبير بتعليم كتاب الله تعالى ونشره بين الناس، ولذلك فقد أمر رحمه الله بإنشاء مطبعة لطباعة المصحف الشريف، وترجمة معانيه إلى اللغتين الإنجليزية والفليبينية، وغيرها من اللغات، وحرصا منه كذلك على تشجيع النشء على العناية بكتاب الله الكريم فقد انطلقت في عهده رحمه الله المسابقة الدولة لحفظ القرآن الكريم بين أبناء المسلمين من مختلف دول العالم وذلك عام1397هـ، وتعقد سنويا في مكة المكرمة. 9ـ حرصه رحمه الله تعالى على تقوية الأواصر والروابط بين الدول الإسلامية وإزالة الخلافات والعقبات التي قد توجد بينها، ونتيجة لذلك فقد حرص على عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام1401هـ في مكة المكرمة لعزز ويقوي مسيرة التضامن الإسلامي3. وغير هذه الجهود الجليلة والعظيمة كثير من الأعمال المباركة التي قام بها المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله خدمة للدين والدعوة إليه، ونتيجة لتلك الجهود العظيمة فقد نال رحمه الله جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام 1401هـ، فجزاه الله تعالى كل خير على ما بذله في سبيل ذلك.

_ 1 انظر: رعاية الحرمين في عهد خادم الحرمين، الشيخ السبيل، ص 23. 2 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 283. 3 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 230ـ233، الأنشطة الدعوية للمملكة، د. السدلان، ص 251.

هـ ـ جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في الدعوة إلى الله تعالى التعريف به بإيجاز: ولد الملك فهد حفظه الله عام1342هـ في مدينة الرياض، وتلقى تعليمه في مدرسة الأمراء التي أنشأها الملك عبد العزيز رحمه الله داخل قصره لتعليم أبنائه في المرحلة الأولى، ثم درس في المعهد العلمي في مكة المكرمة، وكان يحفظه الله يكثر من الجلوس مع والده وملازمته مما ساهم في صقل مواهبه وفكره. أهم أعماله: كان أول وزير للمعارف عند إنشائها عام1373هـ، ثم وزيرا للداخلية عام1382هـ، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء عام1387هـ بالإضافة إلى توليه لوزارة الداخلية، وبعد تولي الملك خالد للحكم عام1395هـ أصبح وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وقد تولى حفظه الله العديد من الأعمال السياسية والقيادية في سن مبكرة وكان منها: وجوده ضمن الوفد السعودي للتوقيع على إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام1945م، ترؤسه وفد المملكة في العديد من المؤتمرات والاجتماعات، وغيرها الكثير والكثير من الأعمال الجليلة والعظيمة، وبعد وفاة الملك خالد رحمه الله تولى الملك فهد الحكم في

مناصروا الدعوة الإصلاحية من العلماء والدعاة

مناصروا الدعوة الإصلاحية من العلماء والدعاة ... ثالثا: مناصرو الدعوة الإصلاحية من العلماء والدعاة نتعرف من خلال هذا المبحث على سير عدد من أعلام الدعوة الإصلاحية المباركة ـ رحمهم الله تعالى ـ ممن ساروا على نهجها والتزموا طريقتها، وساهموا في تثبيتها في نفوس الناس، لإيمانهم بأنها متبعة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووفق منهج أهل السنة والجماعة. ومن هؤلاء الأعلام الأجلاء: 1ـ الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ: وقد سبق بيان نسبه ومكانة أسرته عند الحديث عن والده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله ـ أما ولادته فكانت في الدرعية عام1165هـ. نشأ في بيت والده نشأة دينية صالحة، ومنذ نعومة أظفاره حرص على العلم وطلبه فقرأ القرآن وحفظه، ثم شرع في قراءة العلم وطلبه على يد والده الذي كان معلم وشيخ البلدة حينذاك. وأكثر ـ رحمه الله ـ من الاطلاع على مختلف العلوم الشرعية والعربية، حتى صار عالما في الأصول والتفسير والحديث والعقيدة

وبارزا في علم النحو واللغة العربية، حتى بلغ في هذه العلوم مبلغا أقر به أقرانه واعترف له بذلك أهل زمانه، وصارت له هذه المكانة العلمية ووالده على قيد الحياة، والذي كان يتوسم فيه أن يحمل أعباء الدعوة وتعليم الناس من بعده. ولما توفي والده رحمه الله خلفه في أعماله الكبيرة ومهامه الجليلة فصار المرجع الشرعي للعلماء والقضاة في عصره، وعاصر ـ رحمه الله ـ ثلاثة من ولاة الأمر في زمانه وهم: الإمام عبد العزيز بن محمد والإمام سعود بن عبد العزيز والإمام عبد الله بن سعود، وكان له مكان أبيه منهم. ومن أبرز أعماله رحمه الله بالإضافة لما سبق أنه تولى وأجاد في إزالة ما ألصق بالدعوة السلفية من الشبه الكاذبة، إذ إن والده ـ رحمه الله ـ جاهد في مسألة تقرير العقيدة الإسلامية الصحيحة وتثبيتها في نفوس المسلمين، ولما ضعفت حجج المخالفين بدأوا ببث الشبه والأباطيل عن الدعوة، ولكن الشيخ عبد الله ـ رحمه الله ـ تولى مسألة الذب عنها وبيان استنادها للكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح من الأئمة. واستمر الشيخ عبد الله ـ رحمه الله ـ على هذا المنهج حتى ابتليت الدولة السعودية الأولى بجحافل الدولة العثمانية، والتي خافت على مركزها وسيادتها من هذه الدولة الناشئة، فأرسلت لها جيوشا بقيادة إبراهيم باشا، الذي قام بحاصرة الدرعية، حتى سقطت بعد حصار

دام ما يقارب الثمانية أشهر، وعند ذلك قام إبراهيم باشا بنقل كبار أسرتي آل سعود وآل الشيخ وفي مقدمتهم الشيخ عبد الله إلى الإقامة الجبرية في مصر، وكان ذلك عام1233هـ، وبقي فيها حتى توفي سنة1244هـ. مؤلفاته: أغلبها كان على شكل رسائل يرسلها إرشادية وتعليمية للأفراد والبلدان، ومن كتبه: السيرة النبوية، الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة، وجواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة الزيدية1. 2ـ الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: ولد رحمه الله في الدرعية سنة1200هـ وقد اشتهر بانقطاعه عن الدنيا وزخارفها، واتجاهه واعتكافه على طلب العلم وتعليمه، فكان لا يخرج من مكتبة الدرعية ولا يجتمع بأحد إلا في حلقات الدروس أو المذاكرة. من أشهر مشايخه: 1ـ والده الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 1/169، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 32، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/182.

2ـ عمه الشيخ حسين بن محمد بن عبد الوهاب. 3ـ الشيخ حمد بن ناصر بن معمر. 4ـ الشيخ عبد الله بن فاضل. 5ـ الشيخ حسين بن غنام. 6ـ الشيخ عبد الرحمن بن خميس. نظرا لسعة علمه وذكائه وحرصه واجتهاده فقد عينه الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيا على مكة المكرمة بعد فتحها رغم صغر سنه، وبقي فيها مدة ثم رجع إلى الدرعية وصار من قضاتها أيضا، وشغل وقته فيها بالتدريس والتعليم والتأليف. أبرز مؤلفاته: 1ـ كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، واختصره الشيخ عبد الرحمن بن حسن بكتاب (فتح المجيد) . 2ـ كتاب الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك. 3ـ حاشية نفيسة على المقنع في الفقه في ثلاث مجلدات. وغيرها من الكتب والرسائل الإرشادية والتعليمية.

وفاته: قتل رحمه الله تعالى على يد جيش إبراهيم باشا الذي استولى على الدرعية عام1233هـ، وليس له عقب1. 3ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين: هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن أحمد الحصين التميمي، ولد رحمه الله في قرية الوقف بالقرائن القريبة من شقراء عام1154هـ، وقد حفظ القرآن صغيرا ثم شرع في طلب مبادئ العلوم على يد قاضي بلدته آنذاك الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأشيقري الثوري، ثم انتقل رحمه الله إلى الدرعية لطلب العلم على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب فلازمه وأكثر التحصيل منه، كما قرأ على الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن معمر، ولما برز علمه وورعه عين قاضيا في شقراء، وعندها صار المرجع الشرعي لتلك المدينة، وعرف رحمه الله بالتمكن في عدد من العلوم: كالفقه والحديث والتاريخ والأنساب، وتخرج على يديه عدد كبير من التلاميذ الذين نفع الله بهم. وكان رحمه الله مهيبا فاضلا زاهدا ورعا لا يخاف في الله لومة لائم، ويذكر أنه قال لإبراهيم باشا بعد استيلائه على الدرعية:" إنك

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 2/341، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص29، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/183.

غاشية من عذاب الله سلطك الله علينا بسبب ذنوبنا، أما تخاف الله وتخشى عقوبته يوم الوقوف بين يديه"1. وقد أرسله الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود وبترشيح من الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله إلى مكة عام1185هـ ليناظر علماءها بطلب من الشريف أحمد والذي أراد معرفة الدعوة الإصلاحية ومعتقدها، فرجع رحمه الله ظافرا مكرما بعد أن بين لهم صحة ما تدعو إليه هذه الدعوة الإصلاحية وارتكازها على منهج السلف الصالح. توفي رحمه الله تعالى في شهر رجب سنة1237هـ في شقراء2. 4ـ الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: ولد رحمه الله سنة 1193هـ في الدرعية وسار على نهج أقرانه في ذلك الزمان من الحرص على طلب العلم ومدارسته، وحفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، ونشأ في كنف جده الإمام محمد بن عبد الوهاب بعد مقتل والده رحمه الله في إحدى المعارك، ولما توفي جده ومعلمه الأول كان له من العمر ثلاث عشرة سنة فلازم عددا من العلماء المعروفين في الدرعية مثل: عمه الشيخ عبد الله بن

_ 1 علماء نجد، الشيخ ابن بسام، 3/458. 2 انظر: المرجع السابق، 3/454، مشاهير علماء نجد، آل الشيخ، ص175، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/183.

محمد والشيخ حمد بن معمر والشيخ عبد الله بن فاضل والشيخ حسين بن غنام وغيرهم. وقد عينه الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيا في الدرعية ثم في مكة بالإضافة إلى عمله كقاض كان يقوم بدور عظيم في التدريس والإرشاد في مجتمعه. وبعد استيلاء إبراهيم باشا على الدرعية كان الشيخ عبد الرحمن بن حسن مع عائلته آل الشيخ الذين رحلوا إلى مصر وكان معه زوجته وابنه عبد اللطيف الذي كان في سن التمييز. واشتغل ـ رحمه الله ـ طيلة بقائه في مصر ـ والذي امتد ثماني سنواتـ بطلب العلم والتزود من العلوم المفيدة في الأزهر، على يد عدد من كبار علماء مصر وأجازه عدد منهم ببعض العلوم، ومن أبرزهم: مفتي الجزائر الشيخ محمد بن محمود الجزائري، والشيخ إبراهيم العبيدي المقرئ، وهو شيخ القراءات في زمنه، والشيخ أحمد بن سلمونة، والشيخ يوسف الصاوي وغيرهم. ولما قام الإمام تركي بن عبد الله بإعادة تأسيس الدولة السعودية الثانية صمم الشيخ عبد الرحمن على الخروج من مصر إلى الرياض وكان له ذلك عام1241هـ، فسر به الإمام تركي ورحب به وجعل له مكانة جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ فأسند له الأمور الشرعية والتعليمية، وظل كذلك حتى توفي رحمه الله.

أبرز مؤلفاته: 1ـ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد. 2ـ قرة عيون الموحدين. 3ـ مختصر العقل والنقل. 4ـ القول الفصل النفيس في الرد على داود بن جرجيس. 5ـ مجموعة كبيرة من الرسائل والفتاوى. وفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة1285هـ في مدينة الرياض ودفن في مقبرة العود1. 5ـ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين: هو الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز أبابطين، وتعود جذور أسرته إلى قبيلة قحطان، ولد رحمه الله في روضة سدير عام 1194هـ، وبدأ بطلب العلم على يد قاضي بلدته الشيخ محمد الدوسري، ثم ارتحل إلى شقراء لطلب العلم على يد الشيخ عبد العزيز الحصين، ثم انتقل إلى الدرعية وطلب العلم فيها على عدد من العلماء. عرف رحمه الله بسعة العلم والفقه والذكاء ولذلك فقد عينه الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيا في عمان في الخليج، ثم عينه قاضيا على

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 1/180، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص58.

الطائف وما جاورها من الحجاز سنة1220هـ، فجلس للقضاء والتعليم فيها فنفع الله به خلقا كثيرا، ثم بعد ذلك تولى القضاء في سدير وفي عدد من البلدان ثم تولى القضاء في القصيم ثم عاد إلى شقراء مدرسا ومعلما حتى توفي رحمه الله. أبرز مؤلفاته: 1ـ رسالة في تجويد القرآن. 2ـ تأسيس التقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس. 3ـ حاشية نفيسة على شرح المنتهى في مجلد ضخم. 4ـ حاشية نفيسة على شرح زاد المستقنع. 5ـ مختصر بدائع الفوائد لابن القيم، وغيرها. 6ـ شرح كتاب التوحيد. وفاته: توفي رحمه الله سنة 1282هـ في شقراء1. 6ـ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: ولد رحمه الله سنة1225هـ في مدينة الدرعية، ووالدته هي بنت الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فكان رحمه الله كريم الأبوين عريق الأصلين، ولم يلحق رحمه الله بالعصر الزاخر الذي كان موجودا في الدرعية نظرا لتخريب الجيش العثماني لها، ولذلك فقد

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية عشرون، الشيخ ابن بسام، 4/225، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص176.

غادرها مع أسرته إلى مصر وهو في سن التمييز وكان ذلك عام1233هـ، ومع ذلك فقد استفاد في بقائه في مصر من خلال طلبه العلم على يد عدد من علمائها من خلال الأزهر، بالإضافة إلى تعلمه على يد جده لأمه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ووالده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وبقي في مصر ما يقارب الثلاثين عاما. وبعد ذلك عاد إلى نجد سنة1264هـ في عهد الإمام فيصل بن تركي فصار مساعدا لوالده الشيخ عبد الرحمن في كثير من الأعمال الشرعية، وبعد فتح الأحساء أرسله الإمام فيصل عام1265هـ لمقابلة علمائها وماظرتهم حتى أزال ما في نفوسهم وأقنعهم بالقبول والإذعان، وظل رحمه الله على هذه الحالة حتى وفاته. أبرز مؤلفاته: 1ـ تحفة الطالب والجليس في الرد على ابن جرجيس، ويسمى أيضا باسم: " دلائل الرسوخ". 2ـ البراهين الإسلامية في الرد على الشبهات الفارسية. 3ـ مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، وغيرها كثير من الرسائل التعليمية والإرشادية. وفاته: توفي رحمه الله في شهر ذي القعدة سنة1293هـ في مدينة الرياض1.

_ 1 انظر: علماء نجد ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 1/202، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 70.

الشيخ حمد بن عتيق: هو الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق من أهالي الزلفي، وقد ولد فيها سنة 1227هـ، وحفظ القرآن الكريم صغيرا ثم انتقل إلى الرياض رغبة منه رحمه الله في طلب العلم والاستزادة منه، فحصل له ذلك على يد الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن والشيخ عبد الرحمن بن عدوان، وغيرهم من العلماء حتى برزت مكانته العلمية الشرعية بين أقرانه. وبعد ذلك عين رحمه الله قاضيا في الخرج والدلم، ثم في حوطة بني تميم ثم في الحلوة ثم في الأفلاج التي استقر فيها بعد ذلك، وتصدى لنشر العلم في حلقات عديدة حتى نفع الله به عددا كبيرا من التلاميذ. أبرز مؤلفاته: 1ـ إبطال التنديد، شرح كتاب التوحيد. 2ـ الدفاع عن أهل السنة والاتباع. 3ـ رسالة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها كثير من الرسائل التعليمية والإرشادية.

وفاته: توفي رحمه الله في الأفلاج سنة1301هـ1. 8ـ الشيخ سليمان بن سحمان: يقول الشيخ عبد الله بن بسام في علماء نجد: " هو العالم المصنف واللسان المدافع عن الدعوة السلفية سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مسفر الخثعمي نسبا، العسيري أصلا ومولدا، النجدي نشأة ومستقرا". ولد رحمه الله في بلدة السقا إحدى قرى أبها عام 1266هـ، وكان والده من حفاظ القرآن الكريم ومن المعروفين بحسن الخط، فكان ذلك سببا له في تعليم ابنه مبادئ العلوم وتدريبه على حسن الخط، وبعد انتقاله مع والده إلى الرياض عام1280هـ بدأ الشيخ سليمان بن سحمان بطلب العلم والاجتهاد في ذلك، ثم انتقل إلى الأفلاج ولازم قاضيها الشيخ حمد بن عتيق سبعة عشر عاما طالبا العلم على يديه، وبعد وفاة الشيخ ابن عتيق سنة 1301هـ انتقل إلى الرياض، وطلب العلم على يد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف. ولما أحس أعداء الدعوة بضعفها بسبب وجود الفتن في الدولة السعودية الثانية صاروا يوجهون سهام نقدهم وسموم حقدهم عليها

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 2/84، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 179.

وإثارة الشبه ضدها، وعند ذلك قيض الله تعالى الشيخ سليمان بن سحمان ليرد على تلك الأباطيل ويكشف عوارها نثرا ونظما من شعره مدافعا عن الدعوة الإصلاحية وأهلها. ومن مؤلفاته: 1ـ الأسنة الحداد في الرد على الحداد. 2ـ الصواعق الشهابية في الرد على الشبه الشامية. 3ـ الضياء الشارق في الرد على شبهات المارق. 4ـ إرشاد الطالب إلى أهم المطالب. 5ـ أشعة الأنوار. 6ـ منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع. 7ـ ديوان شعر، وغيرها. وقد كف بصره عام1331هـ رحمه الله تعالى، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة تعليمه وذبه عن الدعوة السلفية حتى توفاه الله تعالى في مدينة الرياض سنة 1349هـ1.

_ 1 انظر: علماء نجد ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 2/399، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص200.

ـ الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: ولد رحمه الله تعالى سنة 1265هـ في مدينة الهفوف بالأحساء وذلك حين كان والده مبعوثا من قبل الإمام فيصل لمناظرة علماء الأحساء وإرشاد أهلها. نشأ الشيخ نشأة علمية دينية فحفظ القرآن الكريم وأخذ مبادئ العلوم الشريعة في الأحساء عند أخواله: "أسرة الوهيبي" ثم انتقل إلى الرياض، بعد ما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وأخذ العلم عن والده وجده وعن بعض علماء الرياض في ذلك الوقت. ولحدوث بعض الفتن بعد عهد الإمام فيصل وتنافس عدد من أبنائه على الحكم مما أحدث عددا من الاضطرابات، فقد انتقل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف إلى الأفلاج ومكث فيها فترة من الزمن ثم عاد إلى الرياض، وخلف مكان آبائه وأجداده في منصب الإرشاد والتعليم وإلقاء الدروس، وكان له جهود في محاولة رأب الصدع وحل الخلافات التي كانت موجودة بين بعض الحكام. وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية استمر ـ رحمه الله ـ في التعليم والإرشاد حتى فتح الملك عبد العزيز رحمه الله الرياض سنة 1319هـ فكان خير معين له للقيام بمهمة الإرشاد والنصح والتوجيه

وتزوج الملك عبد العزيز ابنته التي أصبحت والدة للملك فيصل فيما بعد، وقد توفي الشيخ عبد الله ـ رحمه الله ـ يوم الجمعة الموافق 20/3/1339هـ1. 10ـ الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي من قبيلة بني تميم. ولد رحمه الله تعالى في محرم 1307هـ، في مدينة عنيزة، وتوفيت والدته وعمره أربع سنين، وتوفي والده وله سبع سنين فكفلته زوجة أبيه، ثم أخوه الأكبر حمد. حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز الثانية عشر من العمر، وطلب العلم على يد عدد من علماء بلدته عنيزة، من أبرزهم: الشيخ إبراهيم بن جاسر، والشيخ صالح بن عثمان، والشيخ صعب التويجري، والشيخ علي السناني، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم، ثم أكثر من الاطلاع والمدارسة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد جلس رحمه الله للتدريس والتعليم وعمره ثلاث وعشرون سنة.

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 1/215، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 101.

أبرز مؤلفاته: 1ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وأكمل رحمه الله تأليفه عام1344هـ. 2ـ القواعد الحسان لتفسير القرآن. 3ـ المواهب الربانية. 4ـ بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، وهو شرح لتسعة وتسعين حديثا. 5ـ الفتاوى السعدية. 6ـ الوسائل المفيدة للحياة السعيدة. 7ـ الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين، وهو توضيح لنونية الإمام ابن القيم رحمه الله. 8ـ فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد، وغيرها من الآثار العلمية المباركة. وفاته: توفي رحمه الله تعالى بعد مرض لازمه قرابة الخمس سنوات، وكانت وفاته في 23/6/1376هـ1.

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 3/218، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 256، حياة الشيخ عبد الرحمن السعدي في سطور، جمع أحمد القرعاوي.

11ـ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: هو الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله. ولد رحمه الله في شهر محرم سنة 1311هـ في مدينة الرياض، حفظ القرآن صغيرا، وطلب العلم على يد والده فقرأ عليه بعض المختصرات في العقيدة والفقه ونحوها، ولما بلغ عمره الرابعة عشرة فقد بصره، ولكن هذا الأمر لم يمنعه من مواصلة العلم والتعليم، حتى فاق أقرانه وعرف بالفهم الثاقب والعقل الكبير. ونظرا لتلك المكانة العلمية الكبيرة التي كان يتمتع بها رحمه الله تعالى فقد عينه الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1339هـ ليقوم بمهام الدعوة والإرشاد بعد وفاة عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله، بالإضافة إلى كونه مسؤولا عن القضاء، واستمر رحمه الله يتولى أعباء تلك المهمة ويقيم الدروس والحلق العلمية حتى كثر تلاميذه ونفع الله به أفواجا منهم، ونتيجة لجهوده العظيمة وبتأييد وعون من الملك عبد العزيز رحمه الله وأبنائه من بعده فقد خرج نفع الشيخ رحمه الله إلى عدد من البلدان الإسلامية في نشر العقيدة الصحيحة والدين الإسلامي في الخارج، عن طريق الدعاة وطلاب العلم ومؤلفاته ورسائله الإرشادية التي كانت تطبع وتوزع في مختلف البلدان.

وقد تولى رحمه الله عددا من الأعمال الرسمية منها: 1ـ دار الإفتاء، عام1373هـ. 2ـ الإشراف على معهد الرياض العلمي بعد إنشائه عام1370هـ، وبعد ذلك ونتيجة للتوسع فقد ضمت الكليات والمعاهد تحت إشرافه ـ رحمه الله ـ تحت مسمى رئاسة الكليات والمعاهد العلمية، والتي عرفت بعد ذلك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 3ـ رئاسة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عام1381هـ. 4ـ رئاسة دور الأيتام. 5ـ الإشراف على رئاسة تعليم البنات. 6ـ رئاسة المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي. 7ـ الإشراف على ترشيح الأئمة والمؤذنين. 8ـ تعيين الوعاظ والمرشدين. وغيرها من الجهود والأعمال الخيرة والمباركة التي كان يقوم بأعبائها رحمه الله بكل حرص وتفان. د وفاته: توفي رحمه الله تعالى في 24/9/1389هـ، نتيجة لمرض ألمّ به، بعد حياة مليئة وحافلة بالعطاء والخير والبركة في التعليم والقضاء والإفتاء1.

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 1/242، مشاهير علماء نجد، عبد الرحمن آل الشيخ، ص 134، وانظر: العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بأقلام بعض تلاميذته ومعاصريه، جمع محمد الرشيد، ص 18ـ19.

12ـ عبد الله القرعاوي: هو الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن عثمان القرعاوي من قبيلة عنزة، ولد رحمه الله عام1315هـ في مدينة عنيزة، وفي نفس العام توفي والده رحمه الله، وقد بدأ الشيخ حياته في طلب الرزق بالمتاجرة في الإبل، ثم مال بعد ذلك إلى طلب العلم فقرأ القرآن وحفظه، ثم انتقل إلى بريدة وطلب العلم فيها على يد الشيخ عبد الله بن سليمان والشيخ عمر بن سليم، ثم ارتحل إلى الهند عام1344هـ والتحق بالمدرسة الرحمانية بدلهي وتلقى علم الحديث على يد عدد من علمائها، ثم عاد إلى عنيزة نتيجة لوفاة والدته، ثم ذهب بعد ذلك إلى الرياض، وأخذ العلم على يد الشيخ محمد بن إبراهيم، ورحل أيضا إلى الأحساء وقطر ثم ذهب إلى الهند مرة أخرى، وأخذ إجازة في الحديث من الشيخ أحمد الله القرشي الدهلوي وعاد منها سنة1357هـ. وبعد عودته علم أثناء جلوسه في مجلس الشيخ محمد بن إبراهيم عن حالة الجهل المنتشرة في مناطق جنوب المملكة العربية السعودية، وعند ذلك توجه إليها موجها ومعلما بتأييد من الملك عبد العزيز رحمه الله وتوجيه من الشيخ محمد بن إبراهيم، فقام رحمه الله بدعوة إسلامية صحيحة، وعمل على افتتاح المدارس النظامية، ففتح عام1360هـ خمسين مدرسة، وفي عام 1361هـ بلغت مائتي مدرسة،

وتضاعف أعداد هذه المدارس مرات عديدة حتى بلغت ألفين ومائتين مدرسة يتعلم فيها آلاف الطلاب والطالبات كل على حدة، وتخرج على يديه كثير من الطلاب، فنفع الله به أمة كاملة. وفاته: كان رحمه الله يقيم في صاطمة، وأصيب بمرض فنقل على أثره إلى الرياض للعلاج، ولكن ما لبث إلا أن توفاه الله فيها في 8/5/1389هـ1. 13ـ الشيخ عبد الله بن حميد: هو الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حميد من قبيلة بني خالد، ولد رحمه الله تعالى في مدينة الرياض في ذي الحجة سنة 1329هـ، وقد كف بصره في طفولته، ولكن هذا لم يمنعه من طلب العلم وتحصيله، وفحفظ القرآن الكريم صغيرا، وطلب العلم على يد عدد من العلماء منهم: محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، محمد بن إبراهيم، سعد بن عتيق، حمد بن فارس وغيرهم. يقول عنه الملك عبد العزيز رحمه الله: " لو كنت جاعلا الإمارة والقضاء في رجل واحد، لكان ذلك الشيخ عبد الله بن حميد"2، مما يعكس تميزه رحمه الله

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ ابن بسام، 4/398، وكتاب النهضة الإصلاحية في جنوب المملكة، بقلم عمر أحمد المدخلي. 2 علماء نجد، الشيخ ابن بسام، 4/436.

وقد عينه الملك عبد العزيز قاضيا في الرياض عام1357هـ ثم نقل إلى سدير عام1360هـ، وفي عام1363هـ عين قاضيا في بريدة ثم أعفي عن القضاء 1377هـ بناء على طلبه ليتفرغ للتدريس في الحرم المكي، وفي عام 1384هـ عينه الملك فيصل رئيسا للإشراف الديني على شؤون الحرمين، وفي عام1395هـ عينه الملك خالد رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، ورئيسا لهيئة كبار العلماء، ورئيسا لمجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وغيرها من الأعمال الدعوية والشرعية. بقي رحمه الله تعالى قائما بتلك الأعمال الجليلة حتى توفي رحمه الله في الطائف يوم الأربعاء20/12/1402هـ1. 14ـ الشيخ حافظ الحكمي: هو الشيخ الفاضل حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، نسبة إلى قبيلة الحكامية، ولد رحمه الله في شهر رمضان من عام1342هـ، بقرية السلام إحدى قرى الحكميين التابعة لمدينة المضايا جنوب مدينة جازان، وبعد ذلك انتقلت أسرته إلى قرية الجاضع قرب مدينة صاطمة، عرف رحمه الله بقوة حفظه والتمكن في الفهم، والذكاء الخارق، وقد بدأ حياته برعي أغنام أسرته، وكان بالإضافة إلى هذا

_ 1 انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، للشيخ ابن بسام، 4/431.

العمل يحمل معه المصحف الشريف وبعض المتون، فحفظ القرآن الكريم صغيرا، وحفظ أيضا بعض المتون المختلفة. وفي عام1359هـ التقى هذا العلم بالشيخ الجليل والداعية المعروف: عبد الله بن محمد القرعاوي ـ والذي سبقت ترجمته ـ، وقد اهتم الشيخ القرعاوي بالشيخ حافظ لما رأى فيه من علامات التفوق والنبوغ وحسن السمت والأدب، ففرح به وعرض عليه التفرغ لطلب العلم حتى ينفع الله به فوافق الشيخ حافظ واشترط موافقة والديه، فذهب الشيخ القرعاوي للاستئذان من والده بلطف وحكمة وترغيب، ولكن والده اعتذر منه لشدة حاجته إليه فلم يسمح له بالانتقال إلى مدينة صامطة حيث كان يقيم الشيخ القرعاوي، الذي لم ييأس فاستمر في تعاهده بالدروس والتوجيه على فترات متقطعة. ولكن لما حل العام التالي وهو عام1360هـ توفي كل من والد ووالدة الشيخ حافظ رحمهم الله جميعا، فتفرغ رحمه الله بعد ذلك لطلب العلم، وملازمة شيخه عبد الله القرعاوي، واستمر على هذه الحالة المباركة حتى اشتهر رحمه الله بالعلم والتحصيل رغم صغر سنة. أبرز مؤلفاته: 1ـ سلم الوصول إلى علم الأصول في فن التوحيد، نظما. 2ـ معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول.

3ـ أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة المنصورة. 4ـ الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة، نظما. 5ـ دليل أرباب الفلاح لتحقيق فن الاصطلاح. 6ـ نصيحة الإخوان عن تعاطي القات والشمة والدخان. وغيرها كثير من الآثار العلمية الجليلة لهذا العلم الجليل رحمه الله رحمة واسعة. وفاته: توفي الشيخ حافظ رحمه الله في شهر ذي الحجة من عام1377هـ، في مكة المكرمة، وعمره خمسة وثلاثون عاما وعدة أشهر. 15ـ الشيخ عبد العزيز بن باز: هو الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، ولد رحمه الله في الرياض في شهر ذي الحجة عام1330هـ. نشأته: نشأ في أسرة كريمة محبة للعلم وأهله، وقد فقد بصره في شهر محرم1350هـ، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة طلب العلم والحرص عليه، وكان قد حفظ القرآن صغيرا، ثم تلقى العلوم

_ 1. انظر: الشيخ حافظ الحكمي، زيد المدخلي، ص 33ـ45.

الشرعية والعربية عن عدد من العلماء في الرياض، منهم الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمهم الله جميعاـ والذي يعد أبرزهم لطول ملازمته له، وهو رشحه للقضاء في عام1357هـ في منطقة الخرج والدلم، وبقي فيها إلى أن انتقل إلى التدريس في المعاهد والكليات سنة 1372هـ، حيث عمل مدرسا في معهد الرياض العلمي ثم في كلية الشريعة بالرياض، وفي عام 1381هـ حين فتحت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عُيّن نائبا للرئيس ثم رئيسا لها عام1390هـ، ثم انتقل بعد ذلك رئيسا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والدعوة والإرشاد بمرتبة وزير عام1395هـ، ثم صار مفتيا عاما للمملكة في عام1414هـ بالإضافة إلى كونه رئيسا لهيئة كبار العلماء، ومع كثرة هذه الأعمال الإدارية وغيرها، كان رحمه الله يقوم بأعمال عظيمة وجليلة في خدمة الدين والدعوة إليه، فقضى الكثير والكثير من وقته بين التدريس والنصح والإرشاد في دروسه ومجالسه ومحاضراته، وشغل وقته في خدمة الناس والرد على تساؤلاتهم وفتاويهم، وقد منح رحمه الله جائزة الملك فيصل رحمه الله لخدمة الإسلام عام1402هـ تقديرا وعرفانا من الدولة لجهوده الجليلة.

مؤلفاته: لعل كثرة أعمال الشيخ رحمه الله لم تتركه يتفرغ إلى التأليف، غير أنه لم يترك الفرص حيث عنت له ليقدم للمسلمين أحكام الدين واضحة جليلة، ومن أبرز مؤلفاته: 1ـ الفوائد الجليلة في المباحث الفرضية. 2ـ صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. 3ـ نقد القومية العربية. 4ـ العقيدة الإسلامية الصحيحة وما يضادها. 5ـ كتاب في المناسك:" التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة". 6ـ وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه. 7ـ رسائل وفتاوى عديدة وكثيرة في مختلف المسائل والقضايا التي تهم المجتمع المسلم1. وفاته: توفي الشيخ رحمه الله تعالى فجر يوم الخميس 27/1/20هـ في مدينة الطائف وقد صلي عليه بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة، غفر الله للشيخ وجزاه الله الجزاء الأوفى على كل ما قدمه للإسلام والمسلمين من النفع والخير الجليل، وبوفاته ووفاة مثله من علماء الشريعة تفقد الأمة هداة خير ودعاة

_ 1 انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، عبد الرحمن الرحمة.

صلاح ومنارات هدى يقتدي بهم الناس في الدلالة على الحق وتوضيحه لهم وتحذيرهم من الشر وكشف عواره كيف لا يكون ذلك؟ وهم رثة الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: " فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" 1. وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله بابا في صحيحه وسمه بقوله: كيف يقبض العلم؟ ثم ساق الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" 2. فنسأل الله تعالى أن يعلي كلمته وأن ينصر دينه وأن يجزي علماء الأمة ودعاتها خير الجزاء لما بذلوه من جهود جليلة في نشر العلم بالدين وأحكامه، وبهذا نكون قد أنهينا الحديث عن أبرز جهود عدد من الأعلام المؤيدين والمناصرين للدعوة الإصلاحية سواء من الحكام أو من العلماء والدعاة جزاهم الله خيرا وغفر لهم.

_ 1 رواه الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم: 2606، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي برقم: 2159. 2 رواه البخاري، في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم:98، ورواه مسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه ظهور الجهل، رقم:4828.

الفصل الخامس: خصائص وآثار الدعوة

الفصل الخامس: خصائص وآثار الدعوة خصائص الدعوة الإصلاحية ... 1ـ خصائص الدعوة الإصلاحية اختصت دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ بخصائص عديدة وميزات عظيمة من أبرزها: 1ـ إصلاح أوضاع المسلمين وتوجيههم الوجهة الصالحة في عبادة الله تعالى وفق الكتاب والسنة بعيدا عن الجهل والضلال. 2ـ القضاء على مظاهر الانحراف الديني كالشركيات والبدع والخرافات الضالة والمضلة باعتمادها الكامل على الشريعة الإسلامية الممثلة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ بأقوال السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ وفق منهج أهل السنة والجماعة. 3ـ عدم تأثرها بأي ثقافة أجنبية، إذ كان الشيخ رحمه الله عربي المنبت والنشأة والتعليم، ولم يكن بحاجة إلى التزود بثقافة غير إسلامية أو غير عربية ما دام الهدف الأول هو خدمة الدين وتصحيح العقيدة، ولا يظهر في مؤلفات الشيخ رحمه الله وأتباعه من بعده أي تأثر بثقافات أخرى، مما ساعد كثيرا في المحافظة على الثقافة العربية الموافقة للشرع. 4ـ وجود حركة علمية قوية ساهمت كثيرا في نشر العلم بالشرع

في مختلف البلدان في مختلف العلوم الشرعية والعربية. 5ـ القيام بإبراز شعائر الدين الإسلامي ومظاهره، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإلزام بالتمسك بأحكام الإسلام، وإقامة الحدود، ونحو ذلك. 6ـ اعتمادها في العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة، وفي الأحكام الفقهية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ في الغالب، ما لم يكن هناك نص شرعي يخالفه. 7ـ إحياء عقيدة السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ ومنهجهم في عدد من المسائل الشرعية الهامة، مثل: الإمامة، كرامات الأولياء، التقليد، الاجتهاد، الموقف من الصحابة، ونحو ذلك، والبعد عن كل ما يخالف ذلك ويناقضه. هذه أبرز خصائص هذه الدعوة الإصلاحية الخالدة بإذن الله تعالى، والمعتمدة على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم1. ******

_ 1 انظر: الإمام محمد بن عبد الوهاب، الشيخ ابن باز ص 44، من أعلام المجددين، ص 65، الشيخ د. صالح الفوزان، الدولة والدعوة، د. التركي، ص 49ـ50.

2ـ شهادات خصوم الدعوة على انحراف الواقع قبل قيام الشيخ بالدعوة مما يؤكل على الوضع المنحرف دينيا واجتماعيا في القرن الثاني عشر الهجري، قبل قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالدعوة الإصلاحية، ما كانت تعانيه الأمة الإسلامية من الأوضاع السيئة في النواحي الدينية والسياسية كما سبق بيانه في الفصل الأول من هذا الكتاب وقد اعترف خصوم الدعوة بتلك الأوضاع، وتتضح اعترافاتهم تلك من خلال مناقشتهم ومجادلتهم مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسائل المتبادلة فيما بينهم، حيث أثبتوا وجود القباب على القبور، وما كان يقع في ذلك الزمان من تقديس الأحجار والأشجار وما يحصل من صرف أنواع العبادة المختلفة من دعاء غير الله، أو النذر أو الذبح لغيره سبحانه وتعالى، ولم يكن يفعل ذلك بعض أو جزء قليل من الناس، بل كانوا يقرون بأن من يفعل تلك الشركيات هم الكثرة والسواد الأعظم من الناس، ولذلك تجدهم ـ خصوم الدعوة ـ يحاولون تسويغ تلك الممارسات الضالة، ويلتمسون

مشروعيتها بنصوص أتوا بها على فهمهم1، ويحاولون تخطئة الشيخ في إنكاره لها، ولذلك تجدهم يبثون الشبهة التي تقوي من تسويغهم لتلك الضلالات كقولهم: لا يكفر، وقولهم: إن الشرك لا يتصور وقوعه في الجزيرة، وقولهم: إن المسلم لا يخرج عن الإسلام، ونحو تلك التسويغات الفاسدة. ونعرض فيما يأتي نماذج لأقوال عدد من خصوم الدعوة في بعض مسائل العقيدة، والتي يتجنون فيها كذبا وبهتانا على الشيخ وعلى دعوته الإصلاحية، والتي تبين لنا فيما سبق من هذا الكتاب قيامها على نصوص الكتاب والسنة وفق منهج السلف الصالح، ومن أقوال هؤلاء الخصوم: قول ابن عفالق: " هذا الرجل ـ يقصد الشيخ ـ كفّر الأمة، بل والله وكذب الرسل، وحكم عليهم وعلى أممهم بالشرك"2، وقد تبين

_ 1 مثل استدلالهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم" لا تجتمع أمتي على ضلالة"، سبق تخريجه، ص 103، فرد عليهم الشيخ في كتابه التوحيد وغيره مبينا لهم عددا من نصوص الكتاب والسنة والتي تؤكد على أن الشرك يقع 2 دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، ص 163.

لك أخي القارئ الرد على فرية التكفير واتضح منهج الشيخ رحمه الله فيها. ويزعم الطباطبائي أن التوسل بالأموات كالتوسل بالأحياء في الحكم، فيقول: " إن التوسل بالميت نظير التوسل بالحي، وسؤاله قضاء الحوائج بواسطة دعائه من الله تعالى..فأحد التوسلين كالآخر بجامع السؤال من المخلوقين، فإذا جاز بالنسبة إلى الأحياء، جاز مطلقا"1. ويجوّز القباني: الاستغاثة بغير الله والتوسل والتشفع والاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والأولياء2، 3.

_ 1 دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص 245. 2 المرجع السابق، ص 246. 3 هذه الكلمات التي يقولها هؤلاء الجهلة من التوسل الممنوع والمنهي عنه؛ لكونه يعد من التوسل بذوات المخلوقين أو بجاههم أو بمنزلتهم عند الله تعالى، ومثل هذه الألفاظ قولهم: " اللهم إني أسألك بالنبي أو بجاه النبي أو بالشيخ أو الولي أو بجاههم ومنزلتهم أو بحق فلان" ونحوه فكل هذا من التوسل الممنوع المبتدع في الدين. ومن التوسل ما هو مشروع وهو أنواع: كالتوسل إلى الله تعالى به وبأسمائه وصفاته، والتوسل إلى الله بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين تأخر نزول المطر عليهم، والتوسل بالأعمال الصالحة، كما في قصة أصحاب الصخرة في الغار. انظر: قاعدة في الوسيلة، شيخ الإسلام ابن تيمية، ص 9-24، ولمعرفة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التوسل ورأيه في الممنوع منه والمشروع انظر: كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، لأحمد بن حجر آل بوطامي، ص 49ـ 60.

ويقول الحداد: " معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يأكلون ويشربون ويصلون ويحجون بل وينكحون..والشهداء أيضا أحياء عند ربهم شوهدوا نهارا وجهارا يقاتلون الكفار في العالم المحسوس في الحياة وبعد الممات"1. ويستفاد من هذا أن هؤلاء الخصوم اعترفوا بوجود ضلالات وجهالات2، ولكنهم للأسف الشديد لم يستمعوا ويعملوا بالنصوص ولم يأخذوا بالحق لما جاءهم، بل عاندوا واستكبروا إلا من رحم الله وهداه للحق، رغم حرص الشيخ رحمه الله وجهاده لهم في إرجاعهم إلى الحق عن طريق كتابة الرسائل وتأليف الكتب وإرسال الدعاة، وصدق المولى سبحانه إذ يقول: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] ، وقال عز وجل: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] .

_ 1 دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص 349. 2 انظر: د. صالح العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/100ـ 105، ودعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص 70ـ76.

آثار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية

3ـ آثار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية إن كل دعوة من الدعوات، وكل عمل من الأعمال إنما تعرف قيمته من ثمراته المترتبة عليه، ومن أثره الذي يتركه، وإن دعوة الشيخ الإصلاحية ـ ولله الحمد ـ لما كانت دعوة خالصة لله متبعة لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمدة عليه، ومستمدة من الكتاب والسنة صار لها أطيب الأثر، واستمر نفعها وبقي أثرها، وأنتجت للأمة خيرات كثيرة، منها: 1ـ قيام دولة إسلامية، هي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة ولله الحمد تحكم بشريعة الله، وتخدم الحرمين الشريفين، وتشد أزر المسلمين في كل مكان من بقاع العالم بعمارة المساجد والمراكز الإسلامية والتعليمية وتنشر دعوة الإسلام، كما تم بيانه عند الحديث عن جهود حكام الدولة السعودية في تأييد ونصرة الدعوة. 2ـ تصحيح العقيدة الإسلامية مما علق بها من الشركيات والبدع والخرافات، وإرجاعها إلى منبعها الصافي من كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد طهر الله كل البلاد التي صار لهذه الدعوة الإصلاحية المباركة

فيها نفوذ وسلطة من جميع مظاهر الشرك والبدع والخرافات، نسأل الله تعالى لها المزيد. 3ـ وجود حركة علمية واعية متحررة من القليد الأعمى، فانتشر بفضل هذه الدعوة الإصلاحية ـ بعد فضل الله تعالى ـ التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد، حتى تخرج منها علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها، قاموا بنشر هذه الدعوة الإصلاحية وتأييدها ورعايتها إلى يومنا هذا، ثم أسست لهذا التعليم جامعات إسلامية تخرج الأفواج تلو الأفواج من مختلف العالم الإسلامي مسلحين بالعقيدة الصحيحة والفكر السليم، وينتشرون في مختلف دول العالم للدعوة إلى دين الله وشرعه القويم. 4ـ نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قدم علماء ودعاة هذه الدعوة الإصلاحية للأمة الإسلامية رصيد من الكتب النافعة في أصول الدين وفروعه، تحافظ على منهج أهل السنة والجماعة وتوضحه وتحث عليه، وتؤكد على عقيدة السلف الصالح، وتظهر الشرك والبدع والخرافات ليبتعد عنها الناس مؤيدين ذلك كله بنصوص الكتاب والسنة1. 5ـ دورها الكبير في جمع كلمة المسلمين في هذه البلاد تحت

_ 1 انظر: من أعلام المجددين، الشيخ د. صالح الفوزان، ص 65ـ 67.

حكم إمام واحد، مما ساعد كثيرا على وحدة الصف، ونشر الأمن والاستقرار في أرجاء الجزيرة، ولله الحمد. تعد هذه أبرز آثار هذه الدعوة الإصلاحية المباركة في الجزيرة العربية، نسأل الله تعالى لها المزيد. *****

آثار الدعوة الإصلاحية خارج الجزيرة العربية

4ـ آثار الدعوة الإصلاحية خارج الجزيرة العربية لم يقتصر أثر الدعوة الإصلاحية على داخل الجزيرة العربية أو المناطق القريبة المحيطة بها، بل شملت عددا كبيرا من بلدان العالم، ولله الحمد والمنة على ذلك. وأبرز الأسباب لانتشار الدعوة في الخارج هي: 1ـ استفادة العلماء والدعاة المنتمين للدعوة الإصلاحية من مواسم الحج، حيث يفد زوار بيت الله الحرام على مكة المكرمة، ويحصل من خلال هذا الاجتماع الإسلامي العظيم دعوة بعضهم بعضا، وإرشادهم للدين الصحيح وإزالة للشبه الموجودة لديهم عن الدعوة الإصلاحية1. 2ـ عن طريق رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من بعده إلى عدد من البلدان والأقطار لتوضيح الدعوة وعقيدتها وإزالة الشبه التي تثار ضدها2.

_ 1 انظر: الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي، د. محمد ضاهر، ص 199. 2 الناظر في رسائل الشيخ الشخصية يجد أن عددا لا بأس به منها، قد كتبه لأناس خارج الجزيرة، ومن ذلك: رسالته إلى السويدي من علماء العراق، ورسالة إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام، ورسالته إلى أهل المغرب، ورسالته إلى البكيلي صاحب اليمن، وإلى عبد الله الصنعاني، وغيرها، كما أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد كتاب التوحيد إلى والي بغداد سليمان باشا، وغيرها من الرسائل، مما يؤكد حرص أهل هذه الدعوة الإصلاحية وأتباعها على نشر العقيدة الصحيحة بين المسلمين ودعوتهم إلى منهج أهل السنة والجماعة.

3ـ عن طريق مؤلفات الشيخ وأتباعه من بعده. 4ـ عن طريق الجهاد في سبيل نشر دعوة الإسلام وتصحيح العقائد الباطلة، وقد وصلت الدعوة الإصلاحية عن طريق جهاد الدولة السعودية وأتباعها إلى مناطق متقدمة من العراق والشام وأجزاء كبيرة من بلدان الخليج واليمن. ولعل من أبرز الأسباب لانتشار الدعوة الإصلاحية هو: وضوحها وسهولتها وواقعيتها، يقول الشيخ د. عبد الله التركي: " إن يسر الدعوة الإصلاحية، واستنادها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وعمل السلف من الصحابة والتابعين كان له أكبر الأثر في انتشار الدعوة ... دون جهد دعوي أو علمي كبير، فلم يكن وقتذاك أجهزة إعلامية قوية التأثير لكي تبث الدعوة في أنحاء شبه الجزيرة أو خارجها"1. ومن أبرز البلدان من خارج الجزيرة التي تأثرت، أو قد يكون فيها شيء من التأثر بهذه الدعوة المباركة: أـ الهند: عن طريق الشيخ السيد أحمد، وهو أحد الأمراء الهنود، وقد تأثر بالدعوة بعد قدومه للحج عام1816م. ب ـ سومطرة من جزر أندونيسيا: والتي وصلت إليها الدعوة الإصلاحية عن طريق بعض الحجاج وكان ذلك عام1330هـ.

_ 1 الدولة والدعوة، ص 16ـ17.

جـ ـ العراق: وكان للدعوة الإصلاحية أثر علمي واضح على عدد من العلماء هناك، مثل الشيخ نعمان الألوسي، والشيخ محمود شكري الألوسي والذين ناصروا الشيخ ودعوته ونافحوا عنها. دـ مصر: فبعد حملة إبراهيم باشا للقضاء على الدولة السعودية الأولى 1233هـ وما تبع ذلك من أمره بترحيل كل من بقي واستطاع القبض عليه من آل سعود وآل الشيخ إلى مصر وإبقائهم فيها، فقد كان في هذا الأمر رغم شدته وصعوبته خيرا كثيرا ـ ولله الحمد ـ حيث التقى علماء الدعوة السلفية بإخوانهم علماء الأزهر الشريف، وطلبوا العلم على أيديهم وتدارسوا معهم واحتكوا بهم وكان من آثار ذلك: تأثر عدد من العلماء بالدعوة السلفية وثناؤهم عليها، ومنهم: الشيخ محمد رشيد رضا" صاحب مجلة المنار" وعدد من علماء جمعية أنصار السنة المحمدية، منهم الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمهم الله جميعاـ1. وقد تأثر بهذه الدعوة الإصلاحية غير هذه الجهات والبلدان كثير ـ ولله الحمد ـ ولكن ينبغي التدقيق عند نسبة أية جهة أو حركة إلى

_ 1 انظر: الشيخ عبد العزيز بن باز، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ص 38، د. صالح العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 2/161، د. صالح الفوزان، من أعلام المجددين، ص 66، بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لمجموعة من العلماء، 2/318 وما بعدها، دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص 28ـ 29.

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ سيما وأن أكثر الحركات والدعوات مشوبة بما يخالف عقيدة الشيخ السلفية، إما في الوسائل أو الغايات؛ لأن الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ قصد بدعوته نصرة دين الله وتحكيم شرعه، وليس له رغبة في مناصب دنيوية أو مكاسب مادية، وليس في عقيدته وأتباعه من بعده ـ تصدير الحركات السياسية أو الثورات والاغتيالات في العالمـ ولا من شأنهم التفريق والتحزبات والتشيع، بل هم على العكس من ذلك دعاة تأليف واجتماع واتحاد على الحق يسيرون وفق شرع الله المطهر متخذين من منهج أهل السنة والجماعة نبراسا لهم، ولهذا كله يجب التثبت والتيقن عند نسبة أية حركة أو دعوة من الدعوات أو ادعاء تأثرها بدعوة الشيخ الإصلاحية، لأن هناك حركات تريد تحقيق المكاسب من خلال ذلك الادعاء، أو حتى نسبة بعض الجهات والحركات الضالة إلى دعوة الشيخ فيه تشويه لدعوته، أو يقال: إن هذه الدعوات الضالة ليست إلا نموذج من الدعوة الوهابية كما يزعمون، ولا بد من التثبت من تتلمذ دعاة وزعماء هذه الحركات أو الجماعات على يد الشيخ أو على أحد من تلاميذه من بعده أو حتى على مؤلفاتهم، حتى يمكننا القول ـ مع التحفظ والتدقيق ـ بالانتساب إليهم1.

_ 1 انظر: عقيدة الشيخ السلفية، د. العبود، 2/161، دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص 28ـ 29، الدولة والدعوة، د. التركي، ص 47ـ48.

الفصل السادس: الخاتمة

الفصل السادس: الخاتمة الخاتمة ... الحمد ببه رب العالمين الذي تتم بنعمته الصالحات والصلاة ولسلام على الهدي البشير المنير محمد بن علد الله النبي الهاشمي القرشي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فأحمد الله تعالى على ما يسر وأعان من الكتابة في هذا الموضوع "الدعوة الإصلاحية وأعلامها"، وأرجو الله أن ينفع به المسلمين والمسلمات في كل مكان، وأن يجعله عملا صالحا متقبلا إنه سميع مجيب الدعوات. وإذ نهاية المطاف من هذا الكتاب فإن من المناسب أن أذكر بأبرز وأهم النتائج التي ظهرت من خلاله: 1ـ بيان منهج السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ في الدعوة إلى الله تعالى والحرص على التمسك به، لكثرة نفعه لأنه قائم على علم جليل بأحكام الشريعة ومقاصدها. 2ـ بيان الحالة الدينية والسياسية السيئة التي كانت تعصف بالأمة ـ إلا من رحم الله ـ قبل قيام الشيخ بالدعوة الإصلاحية، وبيان بعض مظاهرها.

ـ التوكيد على سلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ وقيامها على نصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة وفق منهج أهل السنة والجماعة، دون ابتداع أو تبديل. والقارئ المتجرد والمطلع المنصف إلى أي من مؤلفات الشيخ ـ رحمه الله ـ ورسائله الكثيرة يجدها سائرة وفق هذه الأصول المباركة، متبعة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. 4ـ دراسة عقيدة الشيخ رحمه الله ومنهجه في عدد من أهم المسائل والقضايا في الشيعة، ومقابلة أقواله على نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح. 5ـ بيان أبرز أهداف هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، وذكر أهم الآثار العظيمة التي تسبب بها، سواء في داخل الجزيرة العربية أو خارجها. 6ـ محاربة عدد كبير من أهل الأهواء والشهوات للدعوة السلفية الإصلاحية ولأصحابها، وقد قاموا في سبيل ذلك بإشاعة المفاهيم الخاطئة عنها، والشبه الباطلة ضدها، في مسعى منهم لتشويه سمعة هذه الدعوة، ولمزها بالابتداع والضلال وغير ذلك، لصرف الناس عنها وتنفيرهم منها.7ـ نشر فضائل أئمة هذه الدعوة، والتعريف بمن كان له فضل _

بعد فضل الله تعالى ـ في نشرها، والمحافظة على استمرارها من الحكام الذين ناصروها وأيدوها طيلة الحكم السعودي، في أدواره الثلاثة المباركة، والتعريف بأبرز علماء الدعوة وتلاميذها ـ منذ قيامها وإلى العصر الحاضر، وهذا ولا شك فيه بيان لحقهم علينا، وإبراز لجهودهم المباركة. فجزى الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ كل خير على ما بذله من جهود مباركة، ساهمت ولا شك في تجديد معالم الدين، وإظهار شرائعه، فغفر الله له، وبارك في الباقي من ذريته وتلاميذ دعوته للسير على منهجه المتبع للكتاب والسنة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين. *****

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المراجع والمصادر 1ـ القرآن الكريم. 2ـ الاجتهاد في الشريعة، بحوث مقدمة لمؤتمر الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عام139هـ. 3ـ احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسرة، دار الوطن بالوطن بالرياض، 1419هـ. 4ـ أربع رسائل في التحذير من البدع، للشيخ عبد العزيز بن باز، طبع دار الوطن، 1419. 5ـ الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الشيخ د. صالح الفوزان، دار ابن الجوزي، 1416هـ. 6ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد الشوكاني، طبع دار الفكر، المطبوع معه الورقات في الأصول. 7ـ الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، المطبوع معه الاستيعاب لابن عبد البر، طبع دار صادر، ط1، 132هـ. 8ـ أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ترتيب الشيخ: إسماعيل الأنصاري. 9ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشيخ محمد الأمين

الشنقيطي، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ. 10ـ الأعلام، الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، 1986م. 11ـ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، العلامة ابن القيم، تحقيق خالد العلمي، طبع دار الكتاب العربي، 1417هـ. 12ـ إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين، للشيخ عبد العزيز بن باز، دار الوطن، 1418هـ. 13ـ اقتضاء الصراط المستقيم، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. ناصر العقل، طبع دار العاصمة، 1419هـ. 14ـ اقتضاء العلم العمل، الخطيب البغدادي، تحقيق الشيخ الألباني، طبع المكتب الإسلامي، 1404هـ. 15ـ المغني، المطبوع مع الشرح الكبير، لابن قدامة، طبع دار الفكر، 1404هـ. 16ـ الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، عبد الله الرويشد، الناشر: رابطة الأدب الحديث، ط2، 1404هـ. 17ـ الإمام تركي بن عبد الله، د. العجلاني، دار النفائس، 1403هـ. 18ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، الشيخ عبد العزيز ابن باز، طبعة دار السلام، 1412هـ.

19ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شيخ الإسلام ابن تيمية، دار العلوم الإسلامية، 1989م. 20ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإمام الغزالي، تحقيق سيد إبراهيم، طبع دار الحديث بالقاهرة. 21ـ انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، محمد جمعة، طبع دارة الملك عبد العزيز بالرياض، 1407هـ. 22ـ الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرحمن الرحمة، 1419هـ. 23ـ الأنشطة الدعوية للمملكة العربية السعودية، د. صالح السدلان، دار بلنسية، 1417هـ. 24ـ أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. إبراهيم الفارس، طبع دار العاصمة بالرياض. 25ـ تاج العروس، الزبيدي، دار الحياة، بدون سنة طبع. 26ـ تاريخ البلاد العربية السعودية، د. منير العجلاني، دار النفائس، 1403هـ. 27ـ تاريخ الدولة السعودية الثانية، د. عبد الفتاح أبو عطية، دار المريخ بالرياض، 1411هـ. 28ـ تاريخ المملكة العربية السعودية، د. عبد الله العثيمين، الطبعة السادسة، 1416هـ.

29ـ تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، مكتبة الرياض، 1406هـ. 30ـ تاريخ نجد" روضة الأفكار"، حسين بن غنام، 1403هـ. 31ـ تاريخ نجد، العلامة محمود الألوسي، تحقيق محمد الأثري، طبع دار المعالي، 1419هـ. 32ـ تأصيل الجانب الإسلامي والجانب السياسي لرعاية الحجاج في المملكة العربية السعودية، د. عدنان الوزان، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض في شهر شوال 1419هـ. 33ـ ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق: أحمد شاكر، 1406هـ. 34ـ التعريفات، الجرجاني، طبع دار الكتاب العربي، 1413هـ. 35ـ التعليقات على متن لمعة الاعتقاد، تعليق الشيخ عبد الله بن جبرين، جمع علي أبو لوز، دار الصميعي، 1416هـ. 36ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مكتبة الرياض الحديثة، 1406هـ. 37ـ تفسير القرطبي" الجامع لأحكام القرآن"، مكتبة الباز بمكة، 1414هـ.

38ـ تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ، طبع المكتب الإسلامي، 1409هـ. 39ـ تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلام المنان، الشيخ ابن سعدي، طبع مؤسسة الرسالة، 1417هـ. 40ـ جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، الإمام ابن رجب الحنبلي، مكتبة طيبة بالمدينة، 1408هـ. 41ـ جهود المملكة العربية السعودية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، من مطبوعات وزارة المالية بالرياض، 1412هـ. 42ـ الحسبة في الإسلام، شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الأرقم بالكويت، ط1، 1412هـ. 44ـ حقيقة الدعوة إلى الله وما اختصت به جزيرة العرب، سعد الحصين، دار السلام، 1413هـ. 45ـ حياة الشيخ عبد الرحمن السعدي في سطور، جمع وإعداد أحمد القرعاوي، مطبعة سفير بالرياض، ط2، 1414هـ.

ـ خصائص جزيرة العربية، د. بكر أبو زيد، طبع دار ابن الجوزي. 47ـ الدرر السنية، جمع عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة السادسة، 1417هـ. 48ـ دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. عبد العزيز العبد اللطيف، دار طيبة، 1409هـ. 49ـ الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، الشيخ عبد العزيز بن باز، مكتبة دار اليقين بالرياض، بدون تاريخ طبع. 50ـ الدعوة الإسلامية" دعوة عالمية"، محمد الراوي، طبع مكتبة الرشد، 1411هـ. 51ـ الدعوة الإسلامية " أصولها ووسائلها"، د. أحمد غلوش، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1987م. 52ـ الدعوة الوهابية وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد ضاهر، دار السلام، 1414هـ. 53ـ الدعوة إلى الله وجوبها وفضلها، الشيخ عبد الله بن حميد، إعداد الشيخ أحمد الطويان، دار طويق، 1414هـ. 54ـ الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. محمد الشثري، الطبعة الأولى، 1417هـ

55ـ دلائل التوحيد "50سؤالا وجوابا"، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، طبع دار القاسم بالرياض. 56ـ دمعة على التوحيد حقيقة القبورية وآثارها على واقع الأمة، مطبوعات المنتدى الإسلامي، ط1، 1420هـ. 57ـ الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية، د. عبد الله العجلان، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال1419هـ. 58ـ الدولة والدعوة، أ. د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال 1419هـ. 59ـ رسائل العقيدة، الشيخ ابن عثيمين، دار الهداية، 1414هـ. 60ـ رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. محمد السلمان، طبع مكتبة المعلا بالكويت، 1409هـ. 61ـ رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، الشيخ محمد السبيل، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال1419هـ. 62ـ سلسلة التاريخ الإسلامي، " العهد العثماني"، محمود شاكر، المكتب الإسلامي، 1406هـ.

63ـ سنن الترمذي " الجامع الصحيح"، الإمام أبو عيسى الترمذي، طبع دار الفكر، 1394هـ. 64ـ السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، شيخ الإسلام ابن تيمية، طبع دار الجيل، بيروت، 1413هـ. 65ـ السيرة النبوية، ابن كثير، دار الريان، بيروت، 1409هـ. 66ـ السنة، أبو بكر الخلال، تحقيق، د. عطية الزهراني، طبع دار الراية، الرياض، 1410هـ. 67ـ سيف الله على من كذب على أولياء الله، صنع الله بن صنع الله الحلبي، تحقيق علي رضا، دار الوطن، 1420هـ. 68ـ شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د. فضل إلهى، طبع دار ترجمان الإسلام، باكستان. 69ـ شرح العقيدة الطحاوية، تعليق الشيخ ابن باز، طبع مكتبة الصديق بالطائف. 70ـ شرح العقيدة الواسطية، الشيخ د. صالح الفوزان، مكتبة المعارف بالرياض، 1407. 71ـ شرح العقيدة الواسطية، الشيخ عبد العزيز الرشيد، مكتبة الرياض الحديث، 1403هـ. 72ـ شرح النووي لصحيح مسلم" المناهج"، طبع دار المعرفة1418هـ.

ـ الشيخ حافظ الحكمي، زيد المدخلي، دار علماء السلف، 1413هـ. 74ـ الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه..، الشيخ د. سعيد بن مسفر القطحاني، ط1، 1418هـ. 75ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، أحمد بن حجر آل أبو طامي، دار الفتح بالشارقة، 1410هـ. 76ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، د. عبد الله العثيمين، طبع دار العلوم بالرياض، 1406هـ. 77ـ الصحاح، الجوهري، دار العلم للملايين، 1399هـ. 78ـ صحيح البخاري، المطبوع مع الفتح، طبع مكتبة الرياض الحديثة. 79ـ صحيح سنن ابن ماجة، للشيخ الألباني، طبع مكتبة المعارف بالرياض، 1419. 80ـ صحيح سنن أبي داود للشيخ الألباني، طبع مكتبة المعارف بالرياض، 1419هـ. 81ـ صحيح مسلم، المطبوع مع شرح النووي، طبع دار المعرفة، 1417هـ. 82ـ الصلات العلمية بين الهند ونجد خلال مائة عام، د. علي

الزبن، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال 1419هـ. 83ـ عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها، د. صالح العبود، مكتبة الغرباء، المدينة المنورة، 1417هـ. 84ـ العقيدة الصحيحة وما يضادها، الشيخ ابن باز، دار الهداية، 1407هـ. 85ـ العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، محمد الرشيد، طبع مكتبة الشافعي، ط1، 1416هـ. 86ـ علماء أهل الحديث في الهند وموقفهم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أبو المكرم عبد الجليل، 1419هـ. 87ـ علماء نجد خلال ثمانية قرون، الشيخ عبد الله بن بسام، طبع دار العاصمة بالرياض، 1419هـ. 88ـ عمدة القارئ إلى صحيح البخاري، محمود العيني، مصر، مكتبة الحلبي، 1392هـ. 89ـ عنوان المجد، ابن بشر، مكتبة الرياض، بدون تحديد سنة الطبع. 90ـ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع الشيخ أحمد الدويش، طبع دار عالم الكتب، 1413هـ.

100ـ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ بن قاسم. 101ـ مجموعة التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولتلاميذه، طبع مكتبة الرياض الحديثة. 102ـ مجموعة مؤلفات الشيخ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1398هـ. 103ـ مختار الصحاح، الرازي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967هـ. 104ـ مدارج السالكين، ابن القيم، مؤسسة الرسالة، بيروت. 105ـ مدخل إلى علم الدعوة، د. البيانوني، مؤسسة الرسالة، 1410هـ. 106ـ مذكرة: الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية لطلاب كلية أصول الدين بالقصيم، د. مرشد المرشد. 107ـ مذكرة: محاضرات في الدعوة الإصلاحية لطلاب كلية الدعوة والإعلام وكلية العلوم الاجتماعية، د. عبد الله المجلي. 108ـ مرشد الدعاة، د. الخطيب، دار المعرفة، 1401هـ. 109ـ مسائل الجاهلية، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، شرح محمود الألوسي، دار السلام، 1417هـ.

100ـ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ بن قاسم. 101ـ مجموعة التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولتلاميذه، طبع مكتبة الرياض الحديثة. 102ـ مجموعة مؤلفات الشيخ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1398هـ. 103ـ مختار الصحاح، الرازي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967هـ. 104ـ مدارج السالكين، ابن القيم، مؤسسة الرسالة، بيروت. 105ـ مدخل إلى علم الدعوة، د. البيانوني، مؤسسة الرسالة، 1410هـ. 106ـ مذكرة: الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية لطلاب كلية أصول الدين بالقصيم، د. مرشد المرشد. 107ـ مذكرة: محاضرات في الدعوة الإصلاحية لطلاب كلية الدعوة والإعلام وكلية العلوم الاجتماعية، د. عبد الله المجلي. 108ـ مرشد الدعاة، د. الخطيب، دار المعرفة، 1401هـ. 109ـ مسائل الجاهلية، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، شرح محمود الألوسي، دار السلام، 1417هـ.

110ـ مساعدات المملكة العربية السعودية للمسلمين وبخاصة الأقليات المسلمة، الشيخ محمد العبودي، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال 1419. 111ـ مسند الإمام أحمد، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، إعداد سمير المجذوب. 112ـ مشاهير علماء نجد وغيرهم، عبد الرحمن آل الشيخ، دار اليمامة، 1392هـ. 113ـ المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وآخرون، دار إحياء التراث، بيروت. 114ـ مفهوم السنة والجماعة، د. ناصر العقل، د. العاصمة، بالرياض، 1419هـ. 115ـ ملك وتاريخ، محمود حجازي، طبع دار الأصفهاني بجدة. 116ـ المملكة العربية السعودية وهموم الأقليات، د. عبد المحسن الداود، نشر الهيئة العربية للكتاب بالرياض، 1413هـ. 117ـ من أعلام المجددين، الشيخ د. صالح الفوزان، دار الصميعي بالرياض. 118ـ الموسوعة العربية العالمية، طبع إدارة أعمال الموسوعة، وتمويل

مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز، بالرياض عام1418هـ. 119ـ نشأة الدولة السعودية التطور التاريخي، د. يوسف الثقفي، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال 1419هـ. 120ـ نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز وجهوده في توحيد المملكة العربية السعودية، د. علي النملة، بحوث مؤتمر المملكة في مائة عام، المنعقد في الرياض، في شهر شوال 1419هـ. 121ـ نصوص الدعوة في القرآن الكريم دراسة تأصيلية، د. حمد العمار، طبع دار إشبيليا، 1418هـ. 122ـ نظام الحسبة في الإسلام، الشيخ عبد العزيز بن مرشد، رسالة ماجستير، المعهد العالي للقضاء بالرياض، 1392هـ. 123ـ هداية المرشدين إلى طريق الوعظ والخطابة، د. علي محفوظ، دار الاعتصام. 124ـ هذه هي الصوفية، الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، دار الكتب العلمية، 1399هـ. *****

§1/1