الدعوة إلى الله فوائد وشواهد

عبد الملك بن قاسم

المقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فإن الدعوة إلى الله من أعظم القربات وأجل الطاعات. وسبق أن قدمت حلقتين في بث مباشر من إذاعة القرآن الكريم بالرياض بعنوان: «الدعوة إلى الله فوائد وشواهد». وقد رغب بعض الإخوة أن تخرج في كتيب تعيمًا للفائدة. أسأل الله أن ينفع به وأن يجعلنا من الدعاة إلى دينه -عز وجل- وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

مدخل

مدخل أبدأ هذا الكتاب بحمد الله وشكره امتثالاً لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. أحمده أن من علينا بأعظم النعم وأجلها وأشرفها وأسماها ألا وهي نعمة الإسلام، فكم من أمم تتخبط في ظلام الشرك والكفر، وكم من حسيب ووجيه وغني ورئيس لم تدركه رحمة الله. من استقرأ التاريخ قديمًا وحديثًا عرف نعمة الله عليه. نطل إطلالة سريعة ... ها هو فرعون من أكبر ملوك الدنيا يحكم ويدير مملكة مترامية الأطراف، وحوله الخدم والحشم والقواد والجيوش، لم تغن عنه شيئًا لما تكبر وتجبر فأغرقه الله في اليم كافرًا. وها هو قارون رفيق دربه إلى النار وبئس الورد المورود، من أكبر تجار الدنيا ومن أغنى أغنيائها، لما ذكر الله غناه، ذكر أن مفاتيح خزائنه: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]، ولكنه لما طغى واستعلى ما أغنت عنه هذه الأموال والخزائن {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81]. بل أصحب السيادة والريادة كأبي جهل وأبي لهب ما أغنت عنهم تلك المكانة، ولا نفعتهم تلك المنزلة، قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. وها هم أصحاب الشرف الرفيع والنسب العالي إذا لم تدركهم رحمة الله كانوا من أولئك قال عز وجل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي

مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، ها هو سيد ووجيه قريش وعم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو طالب لم تنفعه القرابة، ولم تشفع له النصرة لهذا الدين بل مات على ملة عبد المطلب، ولعلي أختم في هذا الأمر بمن هو أقرب من أولئك .. فلذة كبد نبي وابن من أبنائه لما تمرد وطغى حرم من الهداية، كابن نوح -على نوح السلام- يناديه -عليه السلام- يا بني أركب معنا، {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43]. بل حرم من الهداية من هن تحت الأنبياء، كما ذكر الله -عز وجل- عن امرأتي نوح ولوط {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]. أرأيت أخي كيف جاد الله عليك وأكرمك وهداك وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً؟ فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام. وما ذكرته هو هداية التوفيق، وتبقى هداية الطريق الذي نحن عليه سائرون فأسأل الله الثبات على هذا الدين إلى أن نلقاه. ومن شكر هذه النعمة العظيمة القيام بحقوق هذا الدين العظيم والسعي في رفع رايته ونصرته وتبليغه إلى الناس، مع استشعار التقصير والعجز عن الوفاء بذلك.

مع الأسف اليوم بعض الناس يدافع وينافح عن بلدته! ! وعن جهاز جواله أكثر مما يدافع عن دينه! والأخرى من الأخوات تجدها تنفعل وترفع صوتها لاختلاف على لون فستان أو حذاء، فأين موقع الدين من القلوب؟ وأين مكان الدعوة إلى الله في النفوس؟ وأنواع الحرمان كثيرة وليست في جانب الدعوة إلى الله فحسب أضرب مثلاً وأستدل بشواهد حية: تجد رجلاً منفقًا صاحب كرم وجود لا يمر أسبوع إلا ولديه ضيوف يكرمهم بمائدة شهية، ويوصف بأن كما يقال صاحب ذبائح، هذا المحروم إذا جاء عيد الأضحى قدم رجلاً وأخر أخرى حتى لا يضحي، والأضحية سنة مؤكدة، هذا نوع من أنواع الحرمان وإلا فالكرم موجود لديه. الثاني: وقد قرب موسم الحج وتجد بعضهم لم يؤد الفريضة وهي الركن الخامس من أركان الإسلام، ويدفع المبالغ الطائلة للسفر إلى الخارج مع أن تكلفة الحج لا تعادل قيمة تذكرة واحدة، وبعضهم يتعذر بالمشقة وتجده ينصب الخيام في وسط الصحراء في مكان بارد قارس أو في لهيب جو صحراوي! ويحرم نفسه أداء فريضة الحج وهي أقل مشقة وتكلفة. الثالث: ما انتشر أخيرًا: تجد بعضهم يبخل بإرساله رسالة دعوية عبر الجوال، ثم هو في الجانب الآخر يرسل رسائل استهزاء

ونكت سامجة وبعضها محرم، خذ مثالاً ما نتشر أخيرًا من رسائل فيها استهزاء بالزوج السعودي وأن الزوج الآخر من غير السعودي يقول لزوجه كذا وكذا، وكذلك رسائل عن الزوجة الأجنبية وماذا تقول لزوجها؟ وكأنها صورة متعمدة لتشوية المرأة السعودية العفيفة النقية التقية، وفي هذا محاذير: أولاً: إضاعة المال بلا فائدة، والثاني: يخشى أن يكون من إفساد الزوج على الزوجة، الزوجة على زوجها فيكون من التخبيب المحرم. وتأمل فيمن تستهزئ به من النساء: إنها أمك وأختك وزوجتك وابنتك الشاهد أن هذا من أنواع الحرمان والقياس كثير.

وقفة مع الدعوة

وقفة مع الدعوة موضوع الدعوة موضوع طويل ومتشعب والدعوة إلى الله -عز وجل- من أعظم القربات وأجل الطاعات، وهي مهمة الأنبياء والمرسلين، ولهذا اصطفى الله -عز وجل- للقيام بها كرام الخلق من الأنبياء والعلماء ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. قال ابن القيم -رحمه الله-: «فالدعوة إلى الله -تعالى- هي وظيفة المرسلين وأتباعهم». وقد أمر الله -عز وجل- نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقيام بأمر الدعوة: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1، 2]، فالدعوة تحتاج إلى قيام وحركة ونشاط وتضحية وجهد وبذل. والداعي هو الذي يسير إلى الناس ويذهب إليهم، قال الله -عز وجل- عن أهل النار موبخًا: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} [الملك: 8، 9] فهو الذي يبذل ويعطي ويكد ويتعب حتى يبلغ دعوته. والداعي سريع الحركة قوي الهمة صادق العزيمة: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20]، والسعي في لغة العرب الجري الشديد، وكأن هذا الداعي يسرع إلى قومه حتى لا يقعوا في نار أحاطت بهم واقتربت منهم. والآيات في ذلك معروفة؛ بل الآيات في الدعوة إلى الله والحث عليها أكثر من آيات الحج والصيام وهما ركنان من أركان

الإسلام، واليوم تباطأ الناس في الدعوة إلى الله تباطئًا عجيبًا فالله المستعان! ومن الأحاديث في الحث على الدعوة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بلغو عني ولو آية» وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم]. وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة فعلاً وقولاً: دعوة إلى الله -عز وجل-، فقد صعد الصفا، ودعا في موسم الحج، وذهب إلى الطائف، وهاجر إلى المدينة، حتى تركنا على المحجة البيضاء وسيأتي ورود أحاديث أخرى في ثنايا الكتاب. والطريف أن بعض الجن أفقه من بعض الإنس في هذا الجانب، لما سمع الجن القرآن يتلى كما ورد في سورة الجن: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ} [الجن: 1، 2] هذه الخطوة الأولى منهم، ثم كانت الدعوة والعمل لها؛ ثم ولوا إلى قومهم منذرين: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 31]، انظر إلى تلك الهمم في الدعوة إلى الله والقيام بأمر الدين من أولئك النفر! ومن فضل الله وجوده أن لك أيها الداعي مثل أجر من دعوته لا ينقص من أجره شيئًا، فإن أمرته بالصلاة فلك مثل أجر صلاته، وأن تحدثت عن النفقة وأنفق، لك مثل أجر نفقته، ها هو يصلي وأنت جالس، وذاك يحج وقد أعنته على الحج ودللته على الخير

وأنت جالس في بيتك. وفضل لله يؤتيه من يشاء، وقد أسلم على يد أبي بكر -رضي الله عنه- ستة من العشر المبشرين بالجنة منهم: عمر وعثمان وطلحة وغيرهم -رضي الله عنهم-. واليوم تأمل في حال من يعملون من النصارى وأرقام التنصير المفزعة لترى أنهم يعملون ونحن نتحدث! ثم يأخذك العجب فيم نتحدث! ! ! وإذا رأيت اليوم مللاً ونحلاً باطلة تنتشر في أصقاع الأض فاعلم أن خلفها رجالاً يعملون وأناسًا يبذلون، فما الذي أدخل مثلاً في دول إسلامية الاشتراكية والشيوعية إلا أولئك، ومحبة الدين لانشك أن الجميع يقولها ويفعلها نية صادقة بقلبه لكن هذه لا تكفي لابد من العمل. أذكر أني قرأت في صحيفة قبل سنوات أحد محبي الرياضة يقول: رهنت بيتي بمليون ريال لمصلحة النادي الفلاني! نعم أحب هذا النادي فعمل له، ونحن نحب ديننا فماذا عملنا له؟ ! والسؤال يلقي بنفسه حسرة: هل يتوقف نشر العلم الشرعي وشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - والدعوة إلى هذا الدين على أفراد قلائل من الأمة؟ ! سؤال يحتاج إلى جواب عملي ممن أنعم الله - عز وجل- عليه بهذا الدين وهداه إليه.

لماذا نتطرق لهذا الموضوع؟

لماذا نتطرق لهذا الموضوع؟ نتطرق إلى هذا الموضوع لأسباب كثيرة لعلي أوجزها في نقاط سريعة: أولا: قلة الكتب التي تتحدث عن هذا الجانب العظيم، جانب الدعوة إلى الله في وسائل الإعلام وخطب الجمعة والدروس والمحاضرات، بل العكس كثر المثبطون، وهناك ولله الحمد أناس كثر يعملون لدين الله من الرجال والنساء فالدين منصور. ثانيًا: نحن في زمن الدعوة شئنا أم أبينا، فالكل يدعو إلى دينه ومذهبه، أطلق بصرك وارخ سمعك لتجد ذلك واضحًا دون عناء وصعوبة، بل وحتى أصحاب البضائع التجارية اتخذوا من وسائل الإعلام دعوة إلى منتجاتهم فيما يسمى بالإعلان التجاري. ثالثًا: أن الله -عز وجل- أنعم علينا بالعلم، ويبقى العمل ثم الدعوة إلى هذا العلم الذي تعلمناه وعرفناه. رابعًا: أننا نحب الإسلام ولا نشك في ذلك؛ لكن هذا ادعاء محبة (إذا أدرنا أن نعبر بدقة) فالمحبة دون عمل كيف تكون؟ نحب الإسلام لكن لا نعمل له، ولهذا فإن التطرق لهذا الموضوع مطلب ملح لتحريك الهمم وتقوية العزائم في أوساط الشباب والبيوت والأسر. خامسًا: الأصل أن يكون هذا العمل (أعني الدعوة إلى الله) ديدن المسلم في يومه وليلته، يذكر إذا نسى ويقوى إذا وهن ويحتاج

إلى زاد في هذا الطريق الطويل، فلعل هذا الكتاب من الزاد على قلته. سادسًا: كثرة من يعمل حولنا في الساحة من أصحاب الأفكار المنحرفة والديانات الباطلة، فحري بنا أن نتفقد أمرنا ونقوم بواجبنا حتى تبرأ الذمم أمام الله -عز وجل-. سابعًا: بعض الإخوة يتحرقون شوقًا إلى خدمة الدين والقيام بأمر الدعوة إلى الله وهم يبحثون عن الوسائل والطرق المعينة لذلك لعلنا سويًا نقدم شيئًا يستفاد منه. ثامنًا: أن البعض يمر بمرحلة فتور وتواكل وانتظار النتائج من أعمال الغير، وهنا وقفة فإن الله -عز وجل- لما ذكر حال مريم في كتابه الكريم قال: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]، كيف بامرأة في هذه الحال وتهز نخلة؟ لكنه الأمر ببذل الأسباب، ولو اجتمعنا نحن جميعًا لما استطعنا أن نحرك جذع النخلة لكننا أمرنا ببذل الأسباب وهكذا الدعوة إلى الله نتلمس الأسباب المعينة عليها. تاسعًا: توفر الأسباب المعينة على الدعوة إلى الله -عز وجل- في هذه البلاد وقبول الناس لها وأذكر أن أحد الإخوة ممن يعملون في توزيع الكتب على الحجاج القادمين ذكر أنه قدم حاج من السودان ومعه كتاب قديم قال: فخشيت أن يكون من كتب أهل البدع، فقلت له: أعطني هذا الكتاب فرفض، وبعد مشقة قلت: له

أرني الكتاب، فوافق؛ فإذا به دليل الحاج والمعتمر للشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- فقلت له نعطيك كتابًا لنفس المؤلف هو كتاب: التحقيق والإيضاح، وتعطينا هذا الكتاب القديم، قال: هذا الكتاب له ما يقارب من عشرين سنة لدى إمام المسجد وكل من أراد الحج يأخذه ثم يعيده إليه! وهذا الكتاب سعره لا يتجاوز ريالاً واحدًا. عاشرًا: انصراف الناس إلى الدنيا من تجارة وأسهم وعقار حتى طغت على حياتهم ونسوا ما خلقوا له {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وأختم بأمر هام وعظيم أن هذه البلاد بلاد الرسالة ومهبط الوحي شئنا أم أبينا والواجب علينا عظيم والمسئولية مضاعفة.

محاور رئيسة في الدعوة إلى الله -عز وجل-

محاور رئيسة في الدعوة إلى الله -عز وجل- سوف أتطرق إليها على عجل؛ وهي أيضًا لا تغيب عن فطنة القارئ ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. أولاً: من شروط الداعي إلى الله، أن يكون على علم وبصيرة قال تعالى: { ... فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19]، فبدأ بالعلم قبل العمل، فإذا لم يتعلم العلم ويعرفه قد يدعو إلى بدعة مثلاً أو إلى محرم وهو لا يعرف أنه محرم، ولا يكفي حسن النية في الأعمال بل لابد أن تكون صوابًا موافقة لما جاء في الكتاب والسنة. ثانيًا: الإخلاص لله -عز وجل- في هذه الدعوة رغبة في نيل ثواب الله، لا لعرض من أعراض الدنيا من مال أو جاه أو اجتماع الناس حوله، ويجب أن لا يكون للنفس حظ في هذا، وعليه أن يجاهد نفسه فالطريق طويل والشياطين في كل ناحية، وعلى الداعي أن يبتعد عن الإعجاب بعمله وقوله فإنها الهلكة. وبعض الناس يكون ديدنه ذكر الحكايات عنه ومن اهتدى على يديه وأنه فعل وفعل وقد كان السلف -رحمهم الله- يخفون أعمالهم الصالحة كما نخفي سيئاتنا. فالإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل -عليهم السلام- قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وعن أبي هريرة مرفوعًا: «قال الله -تعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» [رواه مسلم]. وقاله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي، فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك» [رواه أحمد]. وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» [متفق عليه]. قال سهل بن عبد الله: ليس على النفس أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.

وروي عن بعض الحكماء أنه قال: مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رجل خرج إلى السوق وملأ كيسه حصاة، فيقول الناس: ما أملأ كيس هذا الرجل، فلا منفعة له سوى مقالة الناس، ولو أراد أن يشتري له شيئًا لا يعطى به شيئًا، كذلك الذي عمل للرياء والسمعة لا منفعة له سوى مقالة الناس، ولا ثواب له في الآخرة، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. أما إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم ألقى الله الثناء الحسن في قلوب المؤمنين، ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» [رواه مسلم].

الرفق

الرفق الرفق مطلب ملح، والدعوة والرفق متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر. الرفق في جانب الدعوة إلى الله ضروري وهام، فالداعي مثل الطبيب الذي يترفق بمريضه ويقلبه ذات اليمين وذات الشمال حتى يبرأ. وقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الرفق بقوله: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه» [رواه مسلم]، خاصة في هذا الزمن الذي تحولت فيه الطبائع وأثرت في الناس القنوات الفضائية، وكثر المعاند وشحت الأنفس. ذلك أن المقصود من الدعوة إلى الله تبليغ شرائع الله إلى الخلق، ولا يتم ذلك إلا إذا مالت القلوب إلى الداعي، وسكنت نفوسهم لديه، وذلك إنما يكون إذا كان الداعي رحيمًا كريمًا، يتجاوز عن ذنب المسيئ، ويعفو عن زلاته، ويخصه بوجوه البر، والمكرمة والشفقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-: «وينبغي أن يكون الداعي حليمًا صبورًا على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح». وقال -رحمه الله-: «ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتطلف بالناس في التوبة في كل طريق».

الرابع من المحاور الرئيسة: لين الخطاب واختيار العبارات المناسبة، فالله -عز وجل- خاطب الكفار في مقام الدعوة بقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64]، وهم يفرحون بهذا النداء وأنهم أمة كتاب. وإبراهيم -عليه السلام- تلطف وترفق في دعوة والده فاسمعه يقول مرات عديدة: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 44، 45]. والله -عز وجل- لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون قال له سبحانه: {قُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل الرسائل للملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام، قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: «من محمد رسول الله إلى عظيم الروم»، و «من رسول الله إلى عظيم فارس». وسهيل بن عمر لما جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية وكان في حينها كافرًا، قال له - صلى الله عليه وسلم -: «انتهيت، أبا الوليد» كل ذلك رغبة في فتح قلبه ودعوته. وقد أرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في أحاديث كثيرة: «يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا» [رواه البخاري]. ومن الوسائل في ذلك البشاشة وحسن المعاملة وهذه تحتاج

إلى بسط طويل ... ولين القول مع الكفار على سبيل العطف بهم، والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة. وفي عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل حسن أدب وتوجيهه بعيدًا عن التجريح والتعنيف اسمعه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «زادك الله حرصًا ولا تعد» [رواه البخاري].

طريق تبليغ الدعوة

طريق تبليغ الدعوة تبلغ الدعوة عبر طريقين اثنين: الأول: القدوة: قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة للصاحبة في كل شيء، وشهد له كفار قريش بالصدق والأمانة، والإسلام في العصور الأولى انتشر في شبه القارة الهندية وأفريقيا وإندونيسيا عن طريق التجار بما يمثلونه من قدوة حسنة في التعامل والصدق في المعاملة. وجانب القدوة تتفلت من أيدي الناس اليوم إلا من رحم ربي وقليل ما هم، وابحث إن شئت عن هذا التفلت في تعامل الموظف مع المراجعين، والتاجر مع المشترين والزوج مع زوجته والقائمة طويلة، نحتاج إلى قدوات في الأقوال والأفعال والأعمال والمظهر والمخبر. وبعض الكفار من العمالة إذا دعوته لماذا لا تسلم؟ قال بعد نقاش طويل: الكفيل لا يعطيني مرتبي، فهو نظر إلى الإسلام في شخص هذا الكفيل، وقد يكون هذا من الصد عن دين الله! ولاشك أن القدوات من الأخيار كثر ولله الحمد لكننا نتحدث عن هذا الجانب لما له من أثر في الدعوة إلى الله. ومن أوضح الأمثلة تأثيرًا الأب في المنزل، إذا كان قدوة في خلقه وتعامله وعبادته وصدقه طبع ذلك في أهل البيت أبناء وزجه.

وإذا كان من المفرطين انعكس ذلك على أهل البيت، وهذا واضح جلي وهو إما إلى الخير وإما إلى الشر -والعياذ بالله- فعلى كل أب أن يتفقد نفسه وكل أم أن تنظر في نفسها. وقد رأى أحد السلف رجلاً يصلي صلاة ينقرها نقرًا، فقال: إني أرحم عياله، قالوا: كيف؟ ، قال: لأنهم يأخذونها عنه. وأضرب مثلاً: لو أن شابًا ملتزمًا جمع الله له بين الدين والخلق تزوج بامرأة ينقصها الكثير من أمور الدين (لنقل أنها مقصرة) هي وأسرتها، ثم رأوا من الزوج حسن الخلق وطيب التعامل وحسن العشرة ألا يحبونه؟ ! وإذا أحبوه كانت النتيجة الموجوة من دعوته ألا وهي القبول. ولو كان الأمر بالعكس، وكان فظًا غليظًا لا يحسن المعاملة ويجانب الرفق في حياته! ماذا يكون الأمر يتحول إلى زوج غير مقبول وقل مكروه، بل وتصل هذه السمعة إلى أقارب الزوجة وجيرانهم فتشوه صورة هذا الرجل. الأول بحسن خلقه واستقامته الاستقامة الصحيحة سوف تهفو إليه قلوب العفيفات، بل والآباء والأمهات يرغبون في تزويج ابنتهم بشاب مثله! والآخر، الله المستعان. وقد غفل الناس عن القدوة وأضاعوا أمرًا عظيمًا، وأذكر أن بعض السلف قال: كنا نمزح ونضحك فلما صار يقتدى بنا تركنا ذلك.

ولننظر مثلاً جانب العمالة المنزلية: لو أن كل امرأة أحسنت إلى خادمتها وبدأت تعاملها المعاملة الحسنة وتعلمها العقيدة الصحيحة لتحولت الخادمة إلى داعية إذا عادت إلى بلدها، يعدن الآن وهن يتعلمن الطبخ والنفخ ويفتحن المطاعم هناك! ! !

البلاغ

البلاغ الطريق الآخر في تبليغ الدعوة هو: البلاغ كما قال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، ويكون عبر الكلمة والرسالة والكتاب والشريط والمحادثة الشخصية أو ما يسمى بالعلاقات الشخصية، وقد توفر في عصرنا الحاضر من الوسائل ما لا يخطر على بال، أنت جالس في بيتك وبين أهلك وأولادك وتدعو من هو في أطراف الأرض عبر كلمة تقولها، أو كتاب ترسله، أو برسائل الجوال، أو الإنترنت وغيرها كثير. في جانب الشريط والكتاب أذكر أن أشرطه قراءة أئمة الحرم تسمعها في أواسط قارة أفريقيا. وللكتاب نصيب عظيم كوسيلة دعوية: أذكر أن بعض الإخوة ذهب إلى روسيا وحمل معه من أحد الكتيبات مائة نسخة ولما استقر به المقام وزع عليهم هذه النسخ، وفي نهاية رحلته طرح عليه المرافق رأيًا حول هذا الكتاب قال: لو تطبع هذا الكتاب في العاصمة -وكان ذاهبًا لها- لكان أوفر تكلفة مع فارق قيمة الشحن وغيرها من الصعوبات، فاستحسن الفكرة وقال: أعطني نسختك فقال: لا، وطلبها من غيره فكلهم رفضوا خشية أن لا يعود الكتاب إليهم مرة أخرى! بل ووجد لديهم في بعض القرى كتبًا لها عشرات السنوات يتداولونها بينهم.

متى أدعوا؟

متى أدعوا؟ يدعو الإنسان في كل وقت؛ فالدعوة عبادة، والعبادة نهايتها الموت {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. يراعي في ذلك المكان والمناسبة، فليس للدعوة مكانًا ولا حدًا ولا زمانًا. أذكر أن داعية من الجنسية الفلبينية سافر معنا إلى حيث افتتاح مكتب جاليات في بلدة الحناكية على طريق مكة القديم، وكلما مررنا ببلدة أو قرية سألنا: ما أسمها؟ وكان معه دفترًا يسجل فيه كل المعلومات التي يحصل عليها. فلما سألناه: لماذا تسجل هذه المعلومات؟ قال: حتى إذا أردت الذهاب إلى زيارة هذا المكتب في المستقبل لا يكون أمامي عقبة وليس لدي عذر فأنا أعرف الطريق، فتأمل في هذا الهم المبكر الذي حمله على السؤال والتدقيق لمعرفة الطريق. وأذكر أن رجلاً آخر من الله عليه بالإسلام يدعو في أوساط قومه، أسلم على يديه حسب الإحصاءات الرسمية أكثر من أربعة الآف شخص ما بين رجل وامرأة! * أيضًا: لابد من الاستفادة من المواسم والأماكن؛ فالمواسم كالحج مثلاً كتاب بريال يحمله الحاج عنك إلى بلده، لا تسافر ولا تتكلف بل هو يأخذه من هنا إلى بلاده، وقد لا تصل أنت إلى بلده لو أردت، فقد يكون بلده نائية في قمم الجبال أو في أواسط

الأدغال. والأماكن فرصة لا تتكرر، مثلاً: الدراسة الجامعية سنوات، ثم تخرج من الجامعة لو أردت أن تعود لتدعو لا تستطيع وقس على ذلك كثير. وأذكر أن امرأة مرضت فأدخلت المستشفى وقرر الأطباء تنويمها لمدة ساعة وسعى الأقارب إلى إيجاد غرفة مستقلة لها، ولكنها رفضت، وقالت: استفيد من المريضات وابقى معهن في غرفة جماعية، هذه أعلمها التوحيد وتلك فضل التوكل على الله، وأخرى أعلمها أحكام الطهارة. وأثمن الفرص وأعظمها الفرصة التي لا تتكرر في حياة الإنسان إلا مرة واحدة! ألا وهي استغلال العمر في الدعوة إلى الله والعمل لهذا الدين، إن انتقلت إلى الدار الآخرة لن تعود مرة أخرى للدنيا لتعمل!

بماذا أدعو؟

بماذا أدعو؟ تدعو بما تعرف من العلم، وكذلك عن طريق توزيع الكتب والأشرطة، ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ... ». عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بحال المدعو حتى يتهيأ لأسئلته ونقاشه ويعرف مدخله ومخرجه ثم أعلمه إلى ماذا يدعو؟ فبدأ بالتوحيد ثم الصلاة وهكذا. والحكمة مطلوبة في الدعوة، فالمؤمن كيس فطن أذكر موقفًا: لو كان لدينا مجموعة من المصاحف وهي مصاحف مراجعة إملائيًا وطباعيًا من الإفتاء ومن جهة إشرافية أوكلت لهما مهمة المراجعة، ومطبوع في مجمع الملك فهد بالمدينة، وفيه تصريح وأمر بالطبع من أعلى سلطة هنا، لو وقفنا في الشارع وبدأنا نوزع ... اجتمع واحد وثلاثة وعشرة وكثر الزحام وارتفعت الأصوات واختلط الحابل بالنابل، جاء رجل المرور لأننا أعقنا حركة السير، ثم جاء ... ! تحول الأمر إلى مشكلة هل أخطأنا أم لا؟ نعم، أخطأنا في آلية التوزيع وليس من الحكمة التوزيع هكذا. قد ينتج عن هذا التصرف رد فعل قوي من الإدارة فتوقف مثلاً توزيع المصحف، فنكون بذلك من أسباب قطع هذا الخير. لابد من مراعاة الآداب الشرعية والأخلاق المرعية حتى لا يقع الإنسان في حرج وحتى لا يفسد عليه هذا الطريق.

من أدعو؟ أولاً: تدعوا نفسك التي بين جنبيك قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1 - 7] وهذه في تربية النفس. وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]. قال ابن القيم -رحمه الله-: «جماع ذلك أن يحاسب الإنسان نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصًا تداركه، إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسب نفسه على المنهيات، فإن عرف أنه وقع في شيء منها تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله -تعالى-. وليس معنى؛ أن يدعو نفسه ويتوقف عن دعوة الآخرين، بل هنا وهناك. ثانيًا: أن تدعو من حولك من الأقارب والوالدين وامتثالاً لأمر الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، من الوالدين والزوجة والأبناء والإخوة والأخوات، وهؤلاء إن استجابوا للداعي كانوا أعوانًا وأنصارًا له في دعوته، ثم تأتي إلى المجال الأوسع والأرحب أماكن العلم الدائمة، أماكن الزيارات والأمر واسع جدًا ولعلك تسد ثغرة في أسرتك، بل لعلك تفعل

أقاربك وتدفعهم إلى الأعمال الدعوية، وأعظم به من أجر. ولكل ميسر لما خلق له، فكل إنسان في مجاله أرأيت العالم المشهور كيف هي دعوته؟ ثم أرأيت المعلم بين طلابه؟ أرأيت العامل في عمله؟ لكل سهم من سهام الدعوة والناس في ذلك ما بين مقل ومستكثر. وأذكر قصة طريفة لكنها من الناحية الدعوية مهمة، موظف صغير الرتبة يعمل في قسم المواعيد في أحد المستشفيات، يحيل الرجال إلى الطبيب والنساء إلى الطبيبة، فانظر إلى عمله الدعوي البسيط في أعين بعض الناس وهو عظيم في حفظ حرمات المسلمين. وهنا أمر هام: ألا وهو الهمة في الدعوة إذا وجدت الهمة والحرص تيسر ما بعدها، لأنه سوف يسأل ويبحث ويفكر وسوف يصل بإذن الله إلى ما يريد. والإنسان يدعو حسب الوسائل المتيسرة، يوسف -عليه السلام- دعا في السجن مع عدم توفر الوسائل المعينة، موسى -عليه السلام- عنده ضعف في الكلام كما ذكر الله عنه، ومع ذلك بعث رسولاً نبيًا، وفي هذا حجة على من كان لديه نقص في إيصال المعلومة مثلاً، يستعين بالوسائل التي توصل المعلومة وينتهي ذلك العذر!

من الوسائل المعينة على الدعوة

من الوسائل المعينة على الدعوة أولاًَ: منها ما كان بالمال، وتأمل حال رجل كأبي بكر -رضي الله عنه- يأتي بماله كله للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «ماذا أبقيت لأهلك»؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قال العلماء هذا من عظم التوكل على الله. ثم تأمل في حال عمر -رضي الله عنه- يأتي بنصف ماله، وعثمان -رضي الله عنه- قصته معروفة في تجهيز جيش العسرة، وعبد الرحمن بن عوف في إنفاقه -رضي الله عنهم وأرضاهم-. فما ظنك لو جعل كل فرد منا مبلغًا سنويًا أو شهريًا للدعوة، بل دعنا نسأل أنفسنا، العام المنصرم كما أنفقنا لنصرة الدين والدفاع عنه ورفع رايته؟ كم نصيب الدعوة إلى الله من أموالنا وقد فتح لنا الرزق من أوسع أبوابه؟ وكل الآيات التي ذكر الله -عز وجل- فيها الجهاد قدم فيها المال على النفس عدا آية واحدة، هي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]. أذكر قصة واحدة في النفقة لأن فيها عبرة وعظة وفيها أسرة كاملة زوج وزوجة وأبناء! صورة عجيبة تحكي واقع الإيمان والتصديق بوعد الله -عز وجل- عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزل قول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:

245]، قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله -عز وجل- ليريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح»، قال قد أقرضت ربي -عز وجل- حائطي، قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة، وأم الداحداح فيه وعيالها، قال فجاء أبو الدحداح يا أم الدحداح قالت: لبيك، قال: اخرجي، فقد أقرضته ربي -عز وجل- فحملت ما لها من متاع وكان بيد أبنائها تمرة فألقتها من يده وخرجت مع صغارها! تفكرت في حال أم الداحداح وقبولها بالأمر والفرح به وخروجها من بستان به خير عيش وحياة سعيدة في وسط ستمائة نخلة، خرجت غير باكية، ولا متسخطة على زوجها وفعله، بل تجاوزت الأمر وأسقطت ما في يد ابنها من تمرات كانت معه! لقد ربح البيع يا أم الداحداح. وبعض الأسر اليوم تقوم فيها الدنيا ولا تقعد إذا أنفق الرجل والمرأة وتنشأ المشاكل الأسرية شحًا وبخلاً! ! أذكر أن أحد الدعاة ممن يعملون في دعوة الجاليات ذكرأنه ذهب إلى أحد الفنادق في انتظار موعد هناك، قال: فدخلت بهو الفندق ولمحت عيني رجلاً من الجنيسية الفلبينية فسارعت وجلست بجواره، وقلت في نفسي لعل الله أن يهديه على يدي، ولما تجاذبنا أطراف الحديث ذكر لي أنه مسلم، فقلت: الحمد لله، ثم ذكر لي أنه يبني مسجدًا في قريته وأن البناء توقف عند سقف المسجد؛ فكأنني

فهمت من حديثه أنه يريد تبرعًا مني لإتمام هذا المسجد فأدخلت يدي في جيبي وأخرجت ورقة من الـ (500) ريال ولما نظرت إليها أجلب علي الشيطان وقال: تدفع هذا المبلغ بهذه العجلة، لابد أن تتأكد، لا تكن عاطفي وهممت أن أعيد المبلغ إلى مكانه ولكن أبصرت الرجل ينظر إليها فاستحييت وناولتها إياه. فسألني: ما هذا؟ قلت: مبلغًا يسيرًا للمساعدة في إتمام بناء المسجد! فشكرني وقال: المسجد أبنيه بأموالي لا أريد أحدًا يشاركني فيه! ! ! والعجب أنه على قلة مرتباتهم فهم أكثر إنفاقًا ممن لديه الأموال الطائلة والخزائن الكثيرة؟ ! تجد من راتبه ستمائة ريال ويبني مسجدًا، وهنا تجد من راتبه يتجاوز العشرة الآف ولا يفكر في بناء مسجد، فاستغفر الله العظيم من هذا البخل!

من الوسائل المعينة على الدعوة

من الوسائل المعينة على الدعوة الوسائل المعينة على الدعوة إلى الله كثيرة جدًا وسأذكر طرفًا منها: القيام بالنفس: ومنه ذلك خدمة المجتمع: كقيام الأطباء بعلاج الفقراء مجانًا أو بتكلفة يسيرة، المساعدة في تزويج الأقارب والمعارف والجيران، تعليم كتاب الله في المساجد القيام على الأرامل والأيتام، إقامة دروس خصوصية اللراسبين من أهل الحي أو الأقارب، وهذا جربها مجموعة من المدرسين فكان لها الأثر البالغ. * أنطلق بكم في استراحة دعوية لنرى كيف كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وخدمته؟ ها هو - صلى الله عليه وسلم - يأتي إلى امرأة عجوز مقعدة فيقم لها بيتها ويحلب شاتها ويطعمها، ولما توفي - صلى الله عليه وسلم - قام بذلك أبو بكر -رضي الله عنه- فأتى عمر -رضي الله عنه- وقال للمرأة ماذا يصنع الرجل الذي يأتيك؟ قالت: إنه يقم بيتي ويحلب شاتي ويطعمني، فبكى عمر وقال: قد أتعبت الدخلاء من بعدك! وهذا سبط النبي - صلى الله عليه وسلم - من تربى في دوحة النبوة ونهل من معينها: كان علي بن الحسن -رضي الله عنهما- يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يقسمها على فقراء المدينة! فلما مات وجدوا سوادًا في ظهره من حمل تلك الأكياس الثقيلة. وعرف الفقراء من أهل المدينة أنه مات لانقطاع الدقيق

عنهم. فخدمة الناس والقيام بقضاء شئونهم من أوسع أبواب الدعوة فهو يقرب القلوب ويجدد المودة.

من الوسائل الهامة التي غفل عنها بعض الناس

من الوسائل الهامة التي غفل عنها بعض الناس: المشاركة بالرأي والفكر وكمقدمة لهذا الموضوع الهام. أذكر قصة جرت أحداثها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلها الصحابي الجليل سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: لما اجتمعت جموع الكفار لحرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة أشار سلمان برأي جديد على الساحة العسكرية العربية! ألا وهو حفر الخندق حول المدينة، فأجابه النبي إلى هذا المقترح الجديد، وحفر الخندق فكان له الأثر البارز في حماية المدينة بتوفيق من الله -عز وجل-. كثير من الناس لديه أراء واقتراحات لكنها تبقى حبيسة رأسه، وربما انطلقت من لسانه غيبة واستنقاصًا للعاملين في مجال الدعوة: لو عملوا، ولو فعلوا، فلماذا لا توصلها إليهم؟ وأذكر أيضًا مقترحًا بسيطًا نفع الله به الأمة، طرحه رجل لا يعرف اسمه حتى اليوم، أتى إلى دار الإفتاء وطرح مقترحًا جميلاً بقوله: الجاليات الموجودة لدينا لا يوجد مكتب ينظم محاضرات بلغاتهم ويطبع كتابًا لهم! فمن هذا المتقرح البسيط نشأت فكرة إنشاء مكاتب للجاليات بالمملكة اليوم زاد عددها على المائة وعشرين مكتبًا، هي ثمرة هذه الاقتراح، وكم لهذا الرجل من الأجور على اقتراحه. ومقترح آخر طرحته إحدى الأخوات مفادة طريقة مبتكرة جديدة ألا وهي: حفظ القرآن للنساء عن طريق الهاتف، فكان أن

طبع كتاب يعتني بهذا الأمر وينظمه، فنفع الله به نفعًا عظيمًا وظهرت آثاره هنا وفي دول مجاورة! وهناك أفكار أخرى تبقى حبيسة الرءوس حتى تطرح على أصحاب العلاقة ثم تنفذ ويكون فيها الخير الكثير.

من وسائل الدعوة

من وسائل الدعوة من الوسائل العظيمة التي يغفل عنها البعض: الدعاء للمسلمين، وهذا متاح للجميع حتى من هو ساكن في خيمة في أقصى الأرض لوحده، وقد كان الدعاء ديدن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اهد دوسًا»، «اللهم اهد أم أبي هريرة» وغيرها كثير. ولابد أن يكون لدينا يقين بنصر هذا الدين انتصاره وبلوغه مشارق الأرض ومغاربها كما بشر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولنستحضر النية الصالحة حين الدعوة إلى الله فنحن في عبادة، والعبادة ييسرها الله -عز وجل- ويعين عليها قد تخبو الدعوة لكن لا تنطفئ جذوتها، وقد تمرض لكن لا تموت، وقد تسير ببطء لكن لا تتوقف! وكل هذا من أبواب الأجر والمثوبة والصبر والمصابرة ومجاهدة النفس والهوى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3].

عوائق في وجه الدعوة

عوائق في وجه الدعوة نعم هناك عوائق وعقبات في وجه الدعوة إلى الله وهذا أمر متوقع في كل عمل، وهي على قسمين: الأول: عوائق وأسباب وهمية لا وجود لها إلا في ذهن الداعي، وبعضها من تخويفات الشيطان: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175]، فالمرأة قد تخاف من زوجها إذا علم أنها دعت أو فعلت أمرًا في الدعوة، والرجل قد يخاف من مديره مثلاً، وهكذا الصور متعددة وكثيرة! ! والبعض يوهم نفسه بأنه مشغول ولا وقت لديه، والحل في هذا علاج الأوهام، الاستعانة بالله -عز وجل- والسير على خطى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - واستشعار عظم الأجر والمثوبة على هذا العمل. الثاني: أسباب وعوائق حقيقية، ويمكن معالجتها، وقد مرت على النبي - صلى الله عليه وسلم - عوائق وعقبات لم تمر على بشر من: إيذاء واستهزاء، وإخراج من بلده، وطعن في عرضه، وما تلا ذلك من قتال وحروب وغيرها، ومع ذلك لم يتوقف - صلى الله عليه وسلم - أبدًا. وهذه العقبات والعوارض هي كما قال شيخ الإسلام عنها: «العوارض والمحن كالحر، والبرد، فإذا علم العبد أنه لابد منها لم يغضب لورودهما ولم يغتم لذلك». لذلك نحن ستواجهنا في الدعوة صعوبات ونتوقع ذلك لكن نبحث عن المخرج.

عوائق في وجه الدعوة

عوائق في وجه الدعوة كل عمل قد يكون له عوائق إما تصده تمامًا، أو تخفف منه، والدعوة إلى الله من الأعمال التي يرد فيها مثل تلك العوائق والعقبات، لكن ورود هذه العقبات لا يعني التوقف تمامًا. أولاً: نحاول حلها تمامًا وإزالتها. ثانيًا: التخفيف منها قدر المستطاع. أضرب أمثلة لبعض العقبات على عجل: عائق [1]: قلة المال: من أكبر العقبات التي تظهر في وجه الداعي خاصة من يتنامى عمله ويكبر يومًا بعد يوم فالمال هو عصب الحياة. الحل: يستطيع الداعي أن يكيف نفسه وعمله بحسب موارده المادية: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [المؤمنون: 62] المهم الاستمرار حتى ولو بالقليل، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «خير العمل أدومه وإن قل» والناس في الموارد المالية تأتيهم ساعات إقبال وإدبار، فليعمل على قدر ما هو متوفر من المال، ويرتب نوعًا من الأعمال لا تكلف كثيرًا، والشركات التجارية -وهدفها المال والربح- ترتب أمورها المالية على حسب الوارد والمنصرف وتعيد مراجعة حساباتها ولك أن تقتصد وترتب لكن لا تتوقف، إذا كنت توزع مثلاً مائة كتاب اخفض العدد إلى خمسين وهكذا.

عائق [2]: قصر النفس: أعني عدم الاستمرار في الدعوة، فتراه الشخص يتحمس مثلاً بعد سماع محاضرة ثم يخبو شيئًا فشيئًا. الحل: علاج ذلك برفقة صالحة، وقراءة في السيرة والعمل مع مؤسسات دعوية، فإن ذلك أدعى للاستمرار. عائق [3]: انتظار النتائج واستبطاء الثمرة: وهذه معضلة وعقبة لمن نظر إليها. الحل: أنت مأمور بالدعوة وليس عليك انتظار النتائج {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]: أما سمعت أن النبي وهو نبي مرسل يأتي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد. عائق [4]: انحراف النية وفقد الإخلاص: وخاصة لمن طال بهم السير في ركاب الدعوة فقد يأتيه الشيطان ليصرفه ويجعله يعمل إما للدنيا أو لحظوظ النفس أو غيرها. الحل: ذكر ابن القيم الداء والدواء فقال -رحمه الله-: «لا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس، ولا شيء أصلح لها من شهود العبد منة الله وتوفيقه، والاستعانة به والافتقار إليه، وإخلاص العمل له». عائق [5]: قلة الرفيق والمعين: فالإنسان يحتاج إلى من يسليه ويواسيه. الحل: قضت سنة الله أن ذوي العصيان أكثر عددًا ممن يطيع

الرحمن قال -عز وجل-: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 46]، وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 166] فلا تتراجع عن هداية الخلق ولو كثر الانحراف ولا تيأس من السير في دعوتك ولو اعتز الباطل. يقول الفضيل بن عياض: «لا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين، ولا تستوحش من الحق لقلة السالكين». فاثبت على الحق فإنك على صراط مستقيم، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: «أنت أمة وإن كنت وحدك». ويستطيع الإنسان تكوين رفقة صالحة من الأصدقاء أو الأقارب أو الزوجة والأبناء وسيجد بإذن الله -تعالى-. عائق [6]: ضعف وقلة الإمكانات سواء في مكونات الشخص أو العوامل المساعدة. الحل: موسى -عليه السلام- نبي مرسل ويعاني من صعوبة النطق، وما قال: لست بخطيب ولا أستطيع أن أعتلي المنابر، ولم يتهرب والحجة قائمة لديه، عالج الأمر بأن دعا ربه - عز وجل- أن يعينه بأخيه هارون: {هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 30 - 33]. وقد ذكر العلماء أن أبر أخ بأخيه هو موسى بهارون إذا سأل الله -عز وجل- له منزلة النبوة فأعطاها إياها.

عائق [7]: شل حركة الداعي وإغلاق الأبواب دونه وعدم تمكينه من الدعوة. الحل: داعية من أعظم الدعاة في التاريخ الكل يعرفه، الجدارن سميكة والأبواب موصدة والأعين لا تنام والحراس تتعاقب عليه دعا في السجن في ذلك المكان المظلم البعيد عن وسائل الدعوة: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]. وقبل ذلك أحسن إليهم، وفتح قلوبهم: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]. عائق [8]: من أكبر عوائق الدعوة ما يجده الداعي من فقد أسرته ومنزله، وقد يسبب ذلك بعض المشاكل وخلق حواجز تؤخره عن القيام بالدعوة. الحل: بالإمكان معالجة ذلك بأمور: أولاً: المرأة الصالحة زوجة مطيعة لزوجها تحب رفعة هذا الدين وتضحي من أجله، وهذا مدخل عظيم إذا تمكن من قلبها، فهي داعية بصبرها وإعانتها حتى وإن فقدت جزء من سعادتها كبقاء الزوج بقربها مثلاً فترة أطول! . ثانيًا: بإمكان الزوجة الالتحاق بأعمال خيرة من حفظ القرآن العظيم أو العمل في الأعمال الدعوية في بيتها، ولها الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم وهي ولله الحمد متنشرة في كل مدينة وقرية.

عائق: [9]: قد يكون مكان الداعي سيئًا ويعيق عن الحركة والعمل، مثلاً في مدينة أو مدرسة أو حي أو غير ذلك. الحل: لما اشتد الأمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة خاصة بعد حصار شعب عامر والذي قضى فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سنوات ولحقه موت عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو طالب وخروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف وعودته بعد أن رماه أهلها بالحجارة وأدموا عقبه الشريف، وعندما اجتمع كفار قريش في دار الندوة وقرروا قتله كحل خير لإطفاء هذا النور والقضاء على الرسالة، هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وترك مراتع الصبا وترك أهله، وأولاده وداره ومنزله؛ فهو بهذا وجد حلاً في استمرار الدعوة: ألا وهو تغيير المكان، وخرج وعينه تدمع، وقال وهو ينظر إلى مكة نظرة مودع: «والله لأنت أحب البقاع إليّ ولولا أن قومك أخرجوني لما خرجت». والشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- دعا قومه إلى ترك الشرك وإخلاص العبادة لله وحده فلم يجد منهم إلا العداء والصدود في بلدته العيينة، فتركها وسافر إلى الدرعية ففتح الله له القلوب. عائق [10]: من العقبات التي تواجه البعض الاستهزاء والغمز واللمز، إما ابتداء أو تنقصًا من قدر الداعي ومكانته ومعرفتهم بحياته وسيرته. الحل: أما الاستهزاء فلم يسلم منه الأنبياء والمرسلون، فقد استهزأ بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: ساحر وكاهن، وكاذب على سبيل تنفير الناس منه ومن دعوته، وقالوا عن أنبياء الله مثل ذلك.

ومن ظن أن يسلم من كلام الناس فهو مجنون قالو: إن الله ثالث ثلاثة وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: اتخذ الله ولدًا، وقالوا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه ساحر وكاهن ومجنون فما ظنك بمن دونهما. فذلك الله –عز وجل- خالق البشر ومسدي النعم، وهذا نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يسلم الرب ولا الرسول، فما الظن بمن دونهما! إن في هذا لسلوى وتعزية. أما الأخرى: وهي الاستهزاء بما كان عليه الداعي وبما جرى له في حايته، ويظنون أنه لا يقوم بالدعوة إلا من كان كاملاً من جميع الوجوه، فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها. ويجد الداعي في كتاب الله من قصص الأنبياء ما يزيده ثباتًا على طريق الدعوة عزمًا على المضي في تبليغ الرسالة. نبي الله موسى – عليه الصلاة والسلام- كان له ذنب عيره به فرعون، حكى الله عن فرعون قوله: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 18 - 21]. ها هو داعية أودع السجن ألا هو نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام- فقد سجن لبضع سنين (قيل سبع) في تهمة بالفاحشة هو منها بريء.

قال -تعالى- عن يوسف - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] وقال يوسف –عليه الصلاة والسلام-: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100]. وهناك ما يقع للداعي من انحراف في أهل بيته. فهناك زوجات غير مؤمنات بالدعوة بل ويعملن ضدها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]. جاء في تفسير الجلالين: {فَخَانَتَاهُمَا} في الدين إذا كفرن، وكانت امرأة نوح واسمها واهلة تقول لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط واسمها واعلة تدل على قومه على ضيوفه إذا نزلوا به ليلاً بإيقاد النار ونهارًا بالتدخين {فَلَمْ يُغْنِيَا} أي: نوح ولوط. وهنا صورة أخرى فهذا ابن الداعية كافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]. وهكذا نرى أن الشروط التي يشترطها بعض الناس في الدعاة هي شروط تصعيبية وتعجيزية لا توجد في أحد خصوصًا في هذا الزمان، وهي شروط لم يشترطها الله فيمن اصطفاهم للنبوة فكيف

فيمن دونهم؟ ولو أن الناس تشددوا في ذلك لن يأخذوا دينهم عن أحد. عائق [11]: من العوائق أن الداعي لا يعرف بماذا يبدأ؟ ومن أين ينطلق في دعوته؟ والحل: حل هذا العائق أن نعود لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه في ذلك، فعندما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هو أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هو أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» [رواه البخاري ومسلم]. عائق: [12]: من العقبات التي تقض المضاجع وتوهن القوى والعزائم عدم قبول المدعو للدعوة. الحل: ليكن الداعي على علم بأن الله – عز وجل- هو الهادي فأنت تدعو دعوة دلالة والله – عز وجل- بيده هداية التوفيق، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 213]، وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]. وفي قصة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب عبرة وعظة في هذا

الجانب فقد قال –عز وجل- في كتابه الكريم مخاطبًا النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وسبب نزول هذه الآية موت أبي طالب، وكان النبي حريصًا على هدايته في حياته وعند موته، فلم يتيسر له ذلك، ودعا له بعد موته ونهي عن ذلك. في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له: «يا عم: قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه - صلى الله عليه وسلم - فأعادوا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأستغفرن لك ما لم انه عنك» فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. فإذا قام الداعي بواجب الدعوة إلى الله – عز وجل- فإذا قام الداعي الدعوة إلى الله –عز وجل- ولم يقدر -سبحانه- هداية المدعو فليس هذا مجالاً للإحباط والتراخي بل هو مجال لمعرفة حق الله –عز وجل- وحكمته في هداية من يشاء ومن عباده. وقد قال –سبحانه- في الآية الأخرى مسليًا ومواسيًا: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال تعالى: {وَمَنْ

كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23]. نحن نبذل الأسباب فحسب والله –سبحانه- يهدي من يشاء ويضل من يشاء. عائق [13]: عدم وزن الأمر بميزان الشرع فها هي امرأة تأتي وتقول ما الحل: زوجي أدخل في البيت دشًا، ثم هي بعد شهور تأتي وترتفع الصوت وتبكي بحرقة ودموع لا تنقطع ليس لأنه جلب الدش بل لأن زوجها تزوج بأخرى. الحل: هذا القياس الفاسد أخر عملية الدعوة، وكان عائقًا، جلب الدش إلى الدار أمر منكر والزواج بثانية أمر مشروع فلماذا الانتصار للنفس وعدم الانتصار لدين الله –عز وجل-؟ وفي معرفة أحكام الشرع والرضا بها وتطبيقها واقعًا له الأثر في نشر الدعوة. عائق [14]: عدم الذهاب إلى الناس في مجامعهم ومنتدياتهم، وقد يكن من العوائق التي تمنع عن ذلك الكبر أو الحياء أو الخوف أو المشقة، أو غير ذلك. الحل: الأصل أن الداعي يبذل ويفعل الأسباب للوصول إلى المدعو. قال – تعالى- موبخًا أهل النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 8، 9].

وقال سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20]. فعلى الداعي أن يذهب ويغشى مجامع الناس ويصبر عليهم، يدرب نفسه ويعودها على قول الحق والصدع بأمر الدعوة. عائق [15]: أذكر هنا حلاً لمشكلة واقعية وهي إن كانت أسرية إلا أن فيها فائدة، وتقع كثيرًا في بيوت الدعاة، ومن يقومون بالدعوة إلى دينه. الجد الشيخ عبد الرحمن –رحمه الله وأجزل مثوبته- له رحلات تشبه رحلات أهل الحديث، كان يغيب عن بيته وأسرته شهورًا طويلة، تقول جدتي – رحمها الله- كان يسافر والجنين في بطني ثم يعود وقد وضعت هذا الجنين بل هو الذي يستقبل والده ماشيًا. سافر إلى سوريا ولبنان والعراق ومصر وفرنسا وغيرها لجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وقضى في ذلك أكثر من أربعين عامًا، على قلة مواصلات وتعب ونصب فأسأل الله أن يجز عن الإسلام والمسلمين خير. شق عليها –رحمها الله- هذا الغياب خاصة بعد كثرة الأبناء وطول سفر الشيخ، فكأنها اشتكت له من ذلك الفراق والبعد وصعوبة التربية ومشقة الأبناء، مع أنها لا تفعل. الحل: قال لها – رحمه الله-: أنت شريكتي في الأجر ... تقول: لما قال لي هذه الكلمة ما عاتبته ولا شكوت بعد ذلك.

هنيئًا لها وهي قابعة في دارها هذا الأجر العظيم، مجموع الفتاوى في سبع وثلاثين مجلدًا وهي شريكة في الأجر! ! ! نعمة عظيمة، الشاهد أنه –رحمه الله- واجه عقبة كؤد من الزوجة لكنه طيب خاطر الزوجة وصبرت وتحملت الكثير، ونحن نريد من الأزواج والأقارب تشجيع بعضهم البعض بالكلمة وإفساح المجال وعدم التضييق والثناء الحق، فقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على كبار الصحابة فقال في أبي بكر: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالم لرجح» [صحيح الإسناد موقوفًا على عمر بن الخطاب]. وهنا ملحظ مهم وهو أن لا نضيع البيوت بحجة الدعوة فالبيوت أولى وأوجب أنواع الدعوة، لكن سددوا وقاربوا. عائق: [16]: مدرس ذهب إلى منطقة جبلية وبقي فترة يعمل هناك، لكنه لم يستطيع الدعوة كما يريد لاختلاف البيئات؛ هذه عقبة واجهته فهؤلاء يعملون في الرعي وجل حديثهم عن الماعز وبهيمة الأنعام. الحل: سأل أحد طلبة العلم وهذا أمر مهم وهو السعي لحل هذه المشكلة فقا: اشتر ما عزًا وكن معهم في جلساتهم وسوف ترى النتائج بإذن الله. فكان أن فعل وبدأ يأتي لهم بمعلومات طبية بيطرية فقد أصبح واحدًا منهم الآن، أحبوه وقبلوا منه وتعلموا على يديه، هذه عقبات مرت بنا لكن تمت معالجتها بما يناسب الحال.

عائق [17]: معلم في مدرسة تفاجأ عندما سأل طلابه من صلى الفجر اليوم؟ فإذا بالقلة القليلة هي التي صلت الفجر أهمه الأمر وجعل جوائز لمن يصلي الفجر في المسجد، فكان له ما طلب: خلال أسبوع واحد صلى الجميع، لكنه تفاجأ بمن يتصل من الآباء هؤلاء صغار والبرد شديد! الحل: دله أحد طلبة العلم على حل لهذه المشكلة، قال: ابدأ الأسبوع القادم بسؤال الطلاب: من قبل رأس والديه، فكان النتيجة خلال أسبوع، فعاد وقال الحمد لله الجميع يقبل رأس والديه قال: الآن أأمرهم بالصلاة فلن يأتي أب يشتكي لأنك أعطيته متطلباته وأرضيته! عائق [18]: امرأة دخلت بيت أسرة كبيرة دخلت كزوجة لابنهم وواجهت مجتمعًا جديدًا يختلف عن حال مجتمعها فوجدت الاستهزاء والاحتقار، أي لم تجد القبول في الدعوة. الحل: أشير عليها: ابتدئي بدعوة الصغار في العائلة، فسرت بالفكرة وبدأت تنظم المسابقات وتدعو الصغيرات، وجعلت لهم الأناشيد والقصص في السيرة حتى تمكنت من قلوبهم، ثم أقبل عليها من كان يستهزئ بها، فتحت قلوب الكبيرات بأيدي الصغيرات، نعم واجهت عقبة لكنها وجدت حلاً. وليس هناك –بإذن الله- عقبات تحول بين العمل لهذا الدين، نعم قد نواجه صعوبات لكن حلها –بإذن الله- سهل وميسور وإن كان صعبًا وفيه مشقة.

عائق [19] الكسل والفتور: فإنه يقعد عن العمل ويضيع الأوقات والفرص ولمناسبات وربما تحول إلى داء يستمر معك ولا يتركك. الحل: الاستعانة بالله –عز وجل- والقيام بالعمل الجماعي وتنظيم الوقت وتسجيل الأعمال ومحاسبة النفس كل حين: ماذا قدمت لهذا الدين؟ عائق [20] الرياء والسمعة: فإنه يقتل العمل وقد يحبطه. ومن العوائق السير مع حظوط النفس: التي من أبرزها الأنانية ونسبة الأعمال إليك، وتقليل عمل من كان معك. وأيضًا: التذمر والتشكي: فإن ذلك من أنواع المنة –والعياذ بالله- بل كن صامتًا محتسبًا. الحل: الملجأ إلى الله –عز وجل- وكثرة الدعاء، وانصراف القلب إليه ومجاهدة النفس في ذلك، ويكمل ذلك قراءة في سير السلف الصالح وكيف كانوا يخفون أعمالهم! عائق [21] الانقطاع عن العمل: كثير يأخذه الحماس ليوم أو يومين لكنه بعد ذلك يتوقف، والعمل المستمر حتى وإن كان قليلاً فإنه هو المطلوب يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل». الحل: إيجاد رفقة صالحة أو الالتحاق بعمل مؤسسي؛ مكاتب الجاليات أو المؤسسات أو غيرها.

عائق [22] تسلل الحقد والحسد والكبر إلى قلب الداعي. الحل: تطهير القلب لأن الحقد والحسد والكبر تشغل القلب وتجعله ينصرف عن عمله بأوهام ووساوس. قال الغزالي: «والقلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة، والحقد والحسد، والكبر، والعجب، وأخواتها كلاب نابحة فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب». والإخلاص لله – عز وجل- يزيل ما علق بالقلب من فساد. عائق [23] الاندفاع والعجلة: من عمل في المجال الدعوي يرى أن الساحة تحتاج إلى أضعاف الجهود المبذولة، وقد يدفع هذا بالبعض إلى التسرع والعجلة رغبة في تحصيل الخير وسد الثغرات وقد يكون لهذه العجلة بعض السلبيات. الحل: العمل الدعوي يحتاج إلى الأناة وعدم العجلة التي هي داء الأدواء وأخطر الأمراض وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير العمل أدومه وإن قل» نبراس لمن أراد العمل. وليكن الرفق حاديك ولصيقك فإنه أدعى للقبول، وقد كان الأنبياء – عليهم السلام- ديدنهم الرفق بأممهم والمجادلة بالتي هي أحسن استجابة لأمر الله -تعالى- وسعيًا نحو فتح القلوب، وقد أمر الله موسى وهارون –عليهما السلام- بالرفق بفرعون {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:

43، 44] وفي الحديث: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [متفق عليه]. وليس معنى ذلك التباطؤ والتأخر بل الترتيب والتنظيم حسب المتيسر والمتاح. عائق [24] حب الرياسة والتصدر: فإنها مهلكة للنفس الضعيفة جالبة للرياء والسمعة قال الفضيل بن عياض: «ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحدًا عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تودع من صلاحه». الحل: الإخلاص لله –عز وجل- وتعوية النفس على المشاركة في كل عمل قل أو كثر، وإذلال النفس لله –عز وجل- مع التضرع إلى الله -سبحانه- وإخفاء الأعمال وعدم كثرة الحديث عن النفس والتباهي –العياذ بالله-. عائق [25] مواقف التهم: أنت في عين المجهر وتحت الأنظار، الحركة تحسب عليك، والزلة تحط من قدرك، ومن يتصيد الأخطاء كثير من الكفار والمنافقين ومن في قلوبهم مرض، بل وبعض الأخيار بحسن نية أو بجهل. الحل: روى البخاري في صحيحه أن أم المؤمنين صفية –رضي الله عنها- جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم

قامت تنقلب، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها –أي يردها إلى منزلها- حتى إذا بلغت باب المسجد مر رجلان من الأنصار فسلما على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقا لهما: «على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا». قال ابن حجر: «وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان». وقال ابن دقيق العيد: «وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم». عائق [26] اليأس والقنوط: الحل: اليأس يفت العضد ويوهن النفس، عليك بالتفاؤل وحسن الظن بالله –عز وجل- فإن هذا باب لانشراح الصدر وزيادة العمل، في غزوة الأحزاب وقد بلغت القلوب الحناجر وزلزل المؤمنون زلزالاً شديدًا في وسط هذا الجو المظلم والوضع الحرج يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بسواري كسرى، حتى قال البعض: يذكر لنا سواري كسرى وأحدنا لا يستطيع أن يذهب ليقضي حاجته. إنه بعث الأمل وإشاعة التفاؤل في المجتمع وبين الناس وأثر ذلك واضح جلي في حسن العمل والمبادرة إليه. عائق [27]: عين مدرسًا في مناطق رعوية أهلها من البادية

وكان لديه حماس للدعوة، ولكنه صدم بالصد وعدم القبول. الحل: سأل أحد المهتمين بالدعوة قال له: أعلمني ماذا يحبون؟ وعلى ماذا يجتمعون؟ وكيف هي أوقاتهم؟ قال: يحبون الشعر ويجتمعون يتسامرون ليلاً على نار في الخلاء! قال له: احفظ أشعار الزهد والرقائق ونونية ابن القيم واجلس معهم وسترى الأثر سريعًا. قال: جلست معهم ورأيتهم يستمعون إليَّ ويعجبون مما أردده عليهم حتى قبلوا دعوتي. عائق [28]: إمام مسجد أقض مضجعه قلة المصلين من جيران المسجد فحاول مرة وأخرى بالكتاب والشريط، ولكن لم تظهر النتائج المرجوة. الحل: ذكر له أحد الدعاة وكان الوقت يقترب من نهاية الامتحانات الدراسية قال له: ضع إعلانًا في المدارس وكذلك العماير والفلل المجاورة أنه سوف يقام حفل في المسجد يوم كذا، يبدأ من صلاة العصر وحتى صلاة العشاء، وفيه جوائز قيمة لكل الحضور، والشرط الوحيد الذي اشترطه حضور الطالب بشهادته مع ولي أمره. قال: فكان أن امتلأ المسجد بأعداد غفيرة وقد تهيأ المكان لذلك فبدئ بقراءة القرآن ثم مسابقة للصغار ثم توالت الفقرات حتى صلاة المغرب فصلى الجميع صلاة المغرب، ثم كانت محاضرة

طيبة بعد صلاة المغرب حتى العشاء، ثم بعد صلاة العشاء وزعت الجوائز على الجميع ويكفي دخول الآباء المسجد وصلاتهم ثلاث صلوات فيه وتعرفهم على الإمام الذي كان يسلم عليهم فردًا فردًا ويرحب بهم ويأخذ أرقام جوالاتهم ويتبسط معهم ويقول: سوف أزوركم، وكانت هذه الفكرة بداية لحضورهم إلى المسجد وتواصلهم مع الإمام. عائق [29]: امرأة تسكن في بلدة بعيدة بدأت تدعو في الكلية (مجتمع البلدة) فوجدت الصدود والنفور ولم تستطع أن تستمر فهن قليلات الحظ الديني مع مراهقة وتشبه بأهل الفسق والفجور. الحل: أشير عليها أن تبدأ بالأرق قلبًا والأكثر خيرًا لتزاد بها رفقة صالحة، ثم شيئًا فشيئًا ثلاث ثم أربع ثم عشر وافتتح مصلى في الكلية فكان لها دعوة فيه.

من العقبات المتكررة

من العقبات المتكررة 1 - عدم تنظيم الوقت واستثمار القدرات: الكثير لديه قدرات ومهارات لكنه لا يستفيد منها ولو فتش كل واحد منا لوجد في نفسه الكثير، وبإذن الله مع تنظيم الوقت ييسر الله الأمر، فيجعل المسلم له جدولاً سنويًا وآخر شهريًا وثالثًا أسبوعيًا ينظم فيه يومه وليلته من الناحية الدعوية ويراجع ويسأل كل حين: ماذا قدمت لهذا الدين؟ . 2 - من العقبات التي نضعها بأيدينا: كثرة الترويح عن النفس بشكل مبالغ فيه مما أدى إلى ضياع الأوقات والأعمار، وكذلك الأسر والبيوت وقد نأثم بهذا التفريط، ومن ذلك الانكباب على مشاهدة القنوات والإنترانت، ناهيك أن يكون في الأمر فساد وحرمة وتعرض للفتن. 3 - من العقبات عدم السعي في نيل البركة في العمر والمال والزوجة والوقت والصديق والدعوة وغيرها من مصالح الإنسان، ومن أعظم ما تستجلب به البركة تقوى الله -عز وجل-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]. 4 - الغفلة عن الدعاء وعدم الالتجاء إلى الله -عز وجل- والتضرع بين يديه وطلب العون، والتوفيق. قال ابن القيم: «إذا أحب الله عبدًا اصطنعه لنفسه، واجتباه لمحبته، واستخلصه لعبادته، فشغل همه به ولسانه بذكره وجوارحه

بخدمته». 5 - عدم الرجوع للعلماء وطلب العمل لاستشارتهم والأخذ من علومهم، وكذلك من له تجارب دعوية في مجاله حتى نبدأ من حيث انتهوا، مثلاً مدرس ومدرسة يسأل من سبقه في التدريس. 6 - عدم الجدية في عمل الدعوة، بل يجعلها من أطراف اهتماماته، متى ما أراد عمل، نريد أن تكون الدعوة في مقدمة الاهتمامات، بل البعض تجد العذر جاهزًا لديه أنه مشغول ثم انظر فيم هو مشغول؟ 7 - من العقبات التي نصنعها بأنفسنا الانخراط في الأعمال الإدارية الدعوية وعدم الحرص على الزاد الروحي، كقراءة القرآن والذكر عمومًا وكثرة التعبد فالإنسان إذا قام بأمر الدعوة لا ينسى نفسه قال الشافعي لما رحل من مكة إلى المدينة للسماع من الإمام مالك بن أنس قال: فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة، ختمة بالليل وختمة بالنهار، وكان مدة سفره ثمانية أيام. 8 - مما يزيل الكثير من العقبات الخبرة الطويلة وهنا أمران: الأول: توثيق العمل وكتابته حتى وإن كان بسيطًا. وأذكر أن قريبًا عين مشرفًا جديدًا على مدرسة تحفيظ قرآن مسائية للنساء سألني إن كان لدي خطة أو برنامج عمل لمدرسته فأجبته بعدم وجود ذلك لدي، فتنبه للأمر وأتى بعد حين بوريقات قليلة غير مرتبة ذكر فيها مثلاً: من أين اشترى الحافلة لنقل المعلمات؟ وذكر أيضًا من أين اشترى متطلبات المقصف المدرسي؟

وأفضل الأسعار إلى غير ذلك، فتركت الورق عندي حينًا من الزمن حتى أتى مشرف عين حديثًا للإشراف على مدرسة أخرى فناولته الوريقات على استحياء فهاتفني بعد حين بأن الأوراق التي أعطيتها إياه ساعدته كثيرًا ووفرت عليه جهدًا كبيرًا. الثاني: ما يزيل الكثير من العقبات التخصص في عمل دعوي معين حتى يثريه وتزداد خبرته فيه ومن ثم يبذل هذه الخبرة لمن بعده ومن معه. النصارى يتوارثون الخبرة جيلاً بعد جيل بسبب التخصص والتوثيق فتجد أحدهم يأتي للعمل اليوم ولديه خبرة مائة سنة ماضية مكتوبة! كتبها أناس كثر أتوا خلال المائة عام الماضية.

أشد العقبات

أشد العقبات اليأس عدو قاتل للدعوة إلى الله -عز وجل-، بل هو من أشد أعدائها، وقد قام الأنبياء والمرسلون بالدعوة إلى الله -عز وجل- دون كلل وملل، المرة تلو الأخرى .... هذا نوح -عليه السلام- له سنوات طويلة وهو صابر محتسب قائم بأمر الدعوة، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14]. لله دره على عظيم صبره في الدعوة، ومع هذه المدة الطويلة ما آمن به إلا القليل منهم. قال ابن كثير -رحمه الله-: «وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصاه فيما بينه وبينه ألا يؤمن أبدًا ما عاش، ودائمًا ما بقي». لم ييأس نوح -عليه السلام- واستنفذ جميع الوسائل وسلك السبل المشروعة في الدعوة قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ

لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 5 - 13]. قال أبو القاسم الغرناطي: «ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهارًا، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار، وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة». فكيف حال هذا النبي الكريم وحالنا اليوم ونحن ولله الحمد -نرى الثمرة سريعة والنتائج الطيبة؟

من المعوقات ... !

من المعوقات ... ! عدم الحرص على العمل القليل واحتقاره، بعض الناس يحتقر العمل وهذا الاحتقار عائق عن الانخراط فيه والعمل به؛ فيرى أنه لديه قدرات وطاقات فوق هذا العمل، فلا هو استثمرها كما يظن ولا هو عمل هذا العمل بل احتقره وتركه. والمسلم يحرص على الأمر كله قليله وكثيره ولا يحقر من المعروف شيئًا فقد استطعم مسكين عائشة -رضي الله عنها-، وبين يديها عنب فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليه، ويتعجب فقالت عائشة -رضي الله عنها-: أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟ [الموطأ: 2/ 997]. والله -عز وجل- يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] والموازين مثاقيل الذر، وانظر إلى حديث المرأة البغي التي سقت كلبًا فدخلت الجنة، قال شيخ الإسلام: «لإيمان وقر في قلبها» هو عمل يسير. وتأمل في النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» تحقيق للعبودية واعتراف بالفضل لربه -عز وجل- واستصغار للنفس! من المعوقات والعقبات عدم الالتزام بالهدي النبوي في جانب الدعوة وأذكر هنا فقط جانبًا مهمًا ألا وهو دعوة الأبناء إلى الصلاة، البعض يشتكي أن ابنه لا يصلي وإذا سئل الأب كم عمر ابنك هذا، فإذا به يقارب العشرين، أين أنت من الهدي النبوي في هذا الجانب؟

قال - صلى الله عليه وسلم -: «مروا أبناءكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشرة» أكثر من (5000) صلاة وأنت تأمره وتدعوه يا بني صل، يا بني هل أذن المؤذن؟ وفي هذه السن يحب الطفل الخروج من البيت والتعرف على خارجه، وبعد هذه السنوات الخمس غالبًا لا يحتاج الأب إلى ضرب الابن لأنه تعود على الصلاة آلاف المرات.

كيف أدعو إلى الله؟

كيف أدعو إلى الله؟ 1 - تدعو إلى الله: إذا صح منك العزم وصدقت النية: فإن الله -عز وجل- يبارك في العمل الخالص لوجه الكريم حتى وإن كان قليل، والإخلاص إذا تمكن من طاعة حتى وإن كانت قليلة أو يسيرة في عين صاحبها ولكنها خالصة لله -تعالى- يكمل في إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة. 2 - تدعو إلى الله: إذا عرفت الطريق وسرت معه: الطريق المستقيم هو سلوك طريق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في أمر الدعوة مبتدئها ووسائلها وطرقها والصبر على ذلك مع الرفق بالناس ورحمتهم فهم مرضى المعاصي والذنوب. 3 - تدعو إلى الله: إذا استفدت من جميع الظروف المتاحة والإمكانات المتوفرة: وهذه نعمة عظيمة فكل الوسائل مباحة إلا ما حرمها الله -عز وجل- ونحن ندعو بكل الوسائل المشروعة مراعين الآداب الشرعية والأخلاق المرعية. 4 - تدعو إلى الله: إذا قدمت حظ الإسلام على حظوظك النفسية والمادية: خدمة هذا الدين معناه قيامك ببذل الغالي والنفيس من مال وجهد ووقت وفكر وغيرها، أرأيت من يحب رياضة (كرة القدم) مثلاً كيف يفرغ جهده ووقته وماله لمحبوبته تلك، وأنت أولى بذلك منه ولا شك. 5 - تدعو إلى الله: إذا سلكت سبل العلماء والداعاة والمصلحين: فاستصحب الصبر وتحمل التعب والنصب فأنت في

عبادة عظيمة، هي مهمة الأنبياء والمرسلين ومن سار على إثرهم. 6 - تدعو إلى الله: إذا ابتعدت عن الكسل والضعف والخور: فإن هذا الدين دين العزيمة والهمة والشجاعة والإقدام، ولا يضر الدعوة إلا خمول كسول، أو متهور جهول. 7 - تدعو إلى الله: إذا ربطت قلبك بالله -عز وجل- وأكثرت من الدعاء والاستغفار ومداومة قراءة القرآن فليس أنفع في جلاء القلوب وصقل الأرواح وجعلها تعمل ولا تكل وتكدح ولا تمل من الإكثار من ذكر الله -عز وجل- والتقرب إليه بالطاعات ونوافل العبادات. 8 - تدعو إلى الله: إذا ارتبطت بالعلماء العاملين: الذين لهم قدم صدق وجهاد معلوم في نصرة هذا الدين فإن السير تحت عملهم وتوجيههم فيه خير عظيم، ونفع عميم. 9 - تدعو إلى الله: إذا نظمت الوقت بشكل يومي وأسبوعي وشهري: فهناك أعمال تنجزها في اليوم وأخرى في الأسبوع، وثالثة شهرية، ورابعة سنوية. مثال الشهري: اجتماع الأسرة العائلي الشهري، والسنوي: مثل اللقاءات الكبيرة السنوية أو السفر إلى الحج أو العمرة وهكذا. 10 - تدعو إلى الله: إذا وهبت الدعوة جزءًا من همك وأعطيتها جزءًا من وقتك وعقلك وفكرك ومالك، وأصبح الدين هو شغلك الشاعل وهمك وديدنك فإن قمت فللإسلام، وإن سرت فللإسلام، وإن فكر فللإسلام وإن دفعت فللإسلام وإن جلست

فللإسلام. 11 - تدعو إلى الله: كلما وجدت بابًا من أبواب الخير سابقت إليه وسرت إلى الإسهام بالعمل فيه ... لا تتردد ولا تؤخر ولا تسوف.

وقفات مهمة

وقفات مهمة 1 - الهداية من الله -عز وجل-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وقد مر بنا قصة ابن نوح وعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم وكنت حرموا من الهداية. والإنسان مدعو لبذل الأسباب وعدم تتبع النتائج فإن الله -عز وجل- هو الهادي. والإنسان إذا بذل وسعه فلا يتضايق من عدم الهداية لأنها ليست له {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وهو مأجور على فعله وكلما طال الأمد واشتدت الصعوبة ينال بها الأجر بإذن الله. 2 - بذل الوسع في العمل وتذكر أن الأعمار قصيرة والساعات محدودة فهذه الحياة أعظم فرصة للعمل وليس هناك مكان للعمل غيرها، فكلما تذكر الإنسان ذلك سارع إلى الخير. قال محمد بن أبي توبة: «أقام معروف الكرخي الصلاة ثم قال لي: تقدم، فقلت: إن صليت لكم هذه الصلاة لم أصل لكم غيرها. فقال لي: أراك تحدث نفسك إنك تعيش حتى تصلي صلاة أخرى أعوذ بالله من طول الأمل، فإنه يمنع من خير العمل». وإذا كانت الدينا قصيرة فلا أقل من أن يجعل له عملاً يدر عليه الحسنات بعد موته من الآن ويرتب له! قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، ومسجدًا بناه،

أو بيتًا لابن السبيل بناه، أونهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» [رواه ابن ماجه]. ولمن عمل كثيرًا: عملك الذي تقدمه قليل في جنب الله وإن ظهر لك مثل الجبال فاجمع على قلبك الخوف والرجاء وتذكر قول ابن عون: «لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟ ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا؟ إن عملك مغيب عنك كله». قال ابن حجر: «فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليها بها». شرف عظيم ونعمة عظمى من الله -عز وجل- أن جعلك تخدم الإسلام واحمد الله أن يسر لك هذه الأمر فاحمد الله واشكره واثن عليه فهو المنعم المتفضل.

§1/1