الدرر في اختصار المغازي والسير
ابن عبد البر
مقدمات
مُقَدمَات بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الطبعة الثَّانِيَة حِين اطَّلَعت فِي دَار الْكتب المصرية على مخطوطة: "كتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير "لِابْنِ عبد الْبر" وَوجدت الزبيدِيّ اللّغَوِيّ تَملكهَا ووقفها مَعَ مَا وَقفه من الْكتب لانتفاع طلاب الْعلم بهَا. وَلَيْسَ ذَلِك فَحسب، فقد وجدت عَلَيْهَا تعليقات للعلامة المؤرخ شمس الدَّين السخاوي، حِينَئِذٍ عرفت أَنَّهَا مخطوطة نفيسة. وحاولت أَن أجد من الْكتاب مخطوطات أُخْرَى للمقابلة، وَلم يكْتب لي الظفر بِشَيْء من ذَلِك فاكتفيت بِأَن المخطوطة موثقة ومضيت أحققها وأعدها للنشر، مستعينا بِمَا وجدته من الْأُصُول الَّتِي ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي الْكتاب، وَأَيْضًا من الْفُرُوع الَّتِي استمدت مِنْهُ ونقلت عَنهُ، وَقد بسطت القَوْل فِي ذَلِك بمقدمة الطبعة الأولى. ونشرت الْكتاب -بتحقيقي- لجنة إحْيَاء التراث الإسلامي بِالْمَجْلِسِ الْأَعْلَى للشئون الإسلامية فِي سنة 1386 لِلْهِجْرَةِ، وَلم تكد تدخل سنة 1390 حَتَّى كَانَت قد نفدت تِلْكَ النشرة. وَلم يلبث معهد المخطوطات بجامعة الدول الْعَرَبيَّة أَن عثر على مخطوطة مِنْهُ فِي الخزانة الْعَامَّة بالرباط، وبادر إِلَى تصويرها. وصورها لي مشكورا، ووجدتها مخطوطة مُتَأَخِّرَة رُبمَا رجعت إِلَى الْقرن الْحَادِي عشر الهجري، وَهِي بِخَط مغربي وَغير موثقة، وَبهَا بَيَاض فِي غير ورقة وَهُوَ وَاضح فِي ظهر الورقة الأولى المصورة فِي هَذِه الطبعة الثَّانِيَة، وَبهَا مَا لَا يكَاد يُحْصى من التصحيفات وسواقط الْكَلِمَات، وَلم أر إِثْبَات ذَلِك فِي الهوامش، إِذْ لَيْسَ فِي إثْبَاته فَائِدَة. ويتضح من مقدمتها أَنَّهَا ترجع إِلَى أم أُخْرَى غير أم المخطوطة الموثقة الَّتِي نشرتها فِي الطبعة الأولى، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تخْتَلف عَنْهَا بِزِيَادَات قَليلَة رَأَيْت إِثْبَاتهَا، كَمَا أثبت مِنْهَا بعض تصحيحات قَليلَة. ورمزت إِلَى تِلْكَ النُّسْخَة فِي الهوامش بالحرف "ر". وَكنت قد لاحظت فِي المخطوطة الموثقة الَّتِي نشرتها أَنه تَتَرَدَّد فِي بعض صفحاتها كلمة "قلت" ويليها تعقيبات على كَلَام ابْن عبد الْبر، وَقد تُوضَع مَكَان كلمة "قلت" كلمة
"فَائِدَة" أَو كلمة "هَا هُنَا لَطِيفَة". وَذكر التعقيب فِي أمكنة قَليلَة بِدُونِ إِشَارَة تسبقه تدل على أَوله، غير أَنه يعلن دَائِما عَن نَفسه بِمَا يَنْتَهِي بِهِ من العلامات الدَّالَّة على انْتِهَاء التعقيب مثل: "عَاد الْكَلَام" أَو "يرجع الْكَلَام" أَو "وَالله أعلم" أَو "وَالْحَمْد لله" أَو "وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق". وَذكرت فِي مُقَدّمَة الطبعة الأولى أَن هَذِه التعقيبات إِمَّا أَنَّهَا كَانَت مَكْتُوبَة على هَامِش الأَصْل الَّذِي نقلت عَنهُ المخطوطة وأدمجها فِيهَا النَّاسِخ لَهَا، وَإِمَّا أَن يكون النَّاسِخ هُوَ الْعَالم الديني الَّذِي أضَاف تِلْكَ التعقيبات. وَكَثِيرًا: مَا خشيت أَن يكون تقديري لبدء هَذِه التعقيبات ونهايتها غير دَقِيق، إِذْ كنت رَأَيْت فصلها عَن الْكتاب ووضعها فِي هوامشه، حَتَّى أُعِيد إِلَيْهِ نسقه الَّذِي صاغه بِهِ ابْن عبد الْبر. وَحين عرض صنيعي على النُّسْخَة الجديدة وجدتني مصيبا فِيمَا عدا مَوَاضِع قَليلَة ظَنَنْت فِيهَا أَحْيَانًا أَن التعقيب من متن الْكتاب، أَو أَنه لَيْسَ من مَتنه. وبالمعارضة على المخطوطة الجديدة رد الْكتاب فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع إِلَى نسقه، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت، وَإِلَيْهِ أنيب. شوقي ضيف الْقَاهِرَة فِي أول شعْبَان سنة 1403هـ.
مقدمة الطبعة الأولى
مُقَدّمَة الطبعة الأولى الْمُؤلف مؤلف هَذِه السِّيرَة النَّبَوِيَّة هُوَ أَبُو عمر يُوسُف1 بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبر بن عَاصِم النمري، ولد بقرطبة فِي يَوْم الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة، وَنَشَأ فِي بَيت علم، إِذْ كَانَ أَبوهُ من فُقَهَاء قرطبة ومحدثيها، وَقد وَجهه مُنْذُ نعومة أَظْفَاره إِلَى الدراسات الدِّينِيَّة، وَتُوفِّي وَابْنه فِي الثَّالِثَة عشرَة من عمره، فدأب على الدَّرْس من بعده وَالسَّمَاع من جلة الْعلمَاء أَمْثَال أبي عمر المكوى، وَابْن الفرضي، وَعبد الْوَارِث بن سُفْيَان، وَخلف بن قَاسم، وَأبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد الْمُؤمن، وَسَعِيد بن نصر، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان، وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن التاهرتي، وَأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمد بن الجسور، وَأبي عمر الْبَاجِيّ، وَغَيرهم من أَعْلَام الْفِقْه والْحَدِيث والتاريخ والمغازي وَالْأَخْبَار والأنساب. وَمَا نكاد نتقدم فِي الْقرن الْخَامِس الهجري حَتَّى يلمع اسْمه بَين نابهي الْعلمَاء بقرطبة، وسرعان مَا تفْسد الْحَيَاة فِيهَا وتشتعل الْفِتَن، وَيَأْخُذ صرح الدولة الأموية بهَا فِي الانقضاض، وَتقوم على أنقاضه إمارات لملوك الطوائف المعروفين فِي الأندلس، إِذْ تستقل كل بَلْدَة كَبِيرَة بإمارة وأمير. وطالت الْفِتَن بقرطبة، فهجرها كثير من علمائها، وشجعهم على الْهِجْرَة مِنْهَا الْأُمَرَاء الجدد، إِذْ مضوا يتنافسون فِي جمع الْعلمَاء والأدباء وَالشعرَاء بإماراتهم أَو بلدانهم، وارتحل فِيمَن ارتحلوا عَن قرطبة أَبُو عمر بن عبد الْبر ميمما بطليوس
فِي غربي الأندلس، حَيْثُ أمراؤها بَنو الْأَفْطَس، وَمَا كَاد يسْتَقرّ فِي حاضرتهم حَتَّى أكرموه غَايَة الْإِكْرَام، وولوه الْقَضَاء فِي بلدتي أشبونة وشنترين من بلدان إماراتهم. ويتحول إِلَى شَرْقي الأندلس وَينزل بلنسية ودانية، وَرُبمَا كَانَ مِمَّا حببه فِي الْأَخِيرَة مُجَاهِد الَّذِي كَانَ يمسك بمقاليد الحكم فِيهَا، فقد كَانَ مشاركا فِي عُلُوم الْقُرْآن والْحَدِيث كَمَا "كَانَ محبا للْعُلَمَاء محسنا لَهُم حَتَّى عرف بذلك بَلَده وَقصد من كل مَكَان". وَكَانَ لِابْنِ عبد الْبر ابْن أديب وَكَاتب بليغ، فوظفه مُجَاهِد فِي دواوينه، حَتَّى إِذا توفّي اتَّخذهُ ابْنه على "436- 468هـ" رَئِيسا لدواوينه وَكتابه. وَحدث أَن صدر عَنهُ برسالة إِلَى المعتضد صَاحب إشبيلية "436- 461هـ" وبدلا من أَن يتلقاه لِقَاء حسنا حَبسه فِي سجنه، مِمَّا جعل أَبَاهُ يَقْصِدهُ مستعطفا بِمثل قَوْله: قصدت إِلَيْك من شَرق لغرب ... لتبصر مقلتي مَا حل سَمْعِي وتعطفك المكارم نَحْو أصل ... دعَاكُمْ رَاغِبًا فِي خير فرع فَإِن جدتم بِهِ من بعد عَفْو ... فَلَيْسَ الْفضل عنْدكُمْ ببدع وسرعان مَا رد المعتضد إِلَى ابْنه حُرِّيَّته وَعَاد إِلَى دانية. ولبى الابْن نِدَاء ربه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، وَلَعَلَّ ذَلِك هُوَ الَّذِي جعل أَبَاهُ يتَحَوَّل عَن دانية إِلَى شاطبة، وَبهَا يسلم روحه إِلَى بارئه فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن خَمْسَة وَتِسْعين عَاما. وَهَذِه السن الْعَالِيَة جعلت ابْن عبد الْبر كَمَا شهد موت ابْنه يشْهد وَيسمع عَن موت كثيرين من تلاميذه مثل ابْن حزم، وَكَانَ يصغره بِنَحْوِ عشْرين عَاما، وَتُوفِّي قبله بِنَحْوِ سَبْعَة أَعْوَام. وَكَانَ يجنح فِي باكورة حَيَاته إِلَى مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة أَتبَاع دَاوُد بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ الَّذِي كَانَ يُنكر الرَّأْي فِي الْفِقْه والتشريع وَيَبْنِي أَحْكَامه على ظَاهر الْآيَات القرآنية وَالسّنة النَّبَوِيَّة. على أَنه لم يلبث أَن انتظم فِيمَا انتظم فِيهِ جُمْهُور أساتذته وَأهل موطنه من اعتناق مَذْهَب مَالك بن أنس. وَكَانَ فِيهِ اعْتِدَال جعله يمِيل إِلَى بعض آراء الشَّافِعِي الْفِقْهِيَّة. وَكَأَنَّهُ لم يكن يعرف التعصب والتحيز إِنَّمَا يعرف الْحق ويطلبه، فَإِذا استبان لَهُ انْقَادَ رَاضِيا. وَيجمع من ترجموا لَهُ على الإشادة بِعِلْمِهِ وَرِوَايَته الغزيرة للْحَدِيث النَّبَوِيّ. وَفِيه يَقُول الْحميدِي تِلْمِيذه: "فَقِيه حَافظ مكثر عَالم بالقراءات وبالخلاف فِي الْفِقْه وبعلوم
الحَدِيث وَالرِّجَال، قديم السماع كثير الشُّيُوخ" وَيَقُول أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ: "لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد الْبر فِي الحَدِيث" وَيَقُول ابْن بشكوال: "إِمَام عصره وَوَاحِد دهره. دأب فِي طلب الْعلم وافتن فِيهِ وبرع براعة فاق بهَا من تقدمه من رجال الأندلس" وَيَقُول ابْن سعيد نقلا عَن الحجاري: "إِمَام الأندلس فِي علم الشَّرِيعَة وَرِوَايَة الحَدِيث، لَا أستثني من أحد، وحافظها الَّذِي حَاز خصل السَّبق وَاسْتولى على غَايَة الأمد، وَانْظُر إِلَى آثاره، تعنك عَن أخباره". وَقد سمع مِنْهُ عَالم عَظِيم حملُوا عَنهُ مصنفاته الَّتِي طارت شهرتها فِي عصره وَبعد عصره، مِنْهَا فِي الْفِقْه والْحَدِيث كتاب "التَّمْهِيد لما فِي الْمُوَطَّأ من الْمعَانِي والأسانيد" وَفِيه يَقُول ابْن حزم: "لَا أعلم فِي الْكَلَام على فقه الحَدِيث مثله فَكيف أحسن مِنْهُ؟! ". وَفِي دَار الْكتب المصرية قِطْعَة من هَذَا الْكتاب، وَقد اخْتَصَرَهُ ابْن عبد الْبر فِي كتاب سَمَّاهُ "التَّقَصِّي لما فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم" وَمن كتبه فِي الْفِقْه والْحَدِيث أَيْضا: "الاستذكار لمذاهب فُقَهَاء الْأَمْصَار مِمَّا رسمه الإِمَام مَالك فِي الْمُوَطَّأ من مَعَاني الرَّأْي والْآثَار" نشر مِنْهُ بِالْقَاهِرَةِ جزآن بتحقيق الْأُسْتَاذ عَليّ النجدي. وَقد عَاد فَاخْتَصَرَهُ فِي كتاب دَعَاهُ: "الْكَافِي فِي الْفِقْه على مَذْهَب أهل الْمَدِينَة". وَمن كتبه فِي الْفِقْه: "اخْتِلَاف أَصْحَاب مَالك بن أنس وَاخْتِلَاف رواياتهم عَنهُ". وَمن كتبه فِي الْقرَاءَات وعلوم الْقُرْآن: "الْبَيَان عَن تِلَاوَة الْقُرْآن" و"التجويد والمدخل إِلَى الْعلم بالتحديد" و"الِاكْتِفَاء فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء بتوجيه مَا اخْتلفَا فِيهِ". وَمن كتبه "جَامع بَيَان الْعلم وفضله وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَته وَحمله" وَقد اخْتَصَرَهُ أَحْمد عمر المحمصاني الْبَيْرُوتِي وَنشر فِي مُجَلد لطيف. وَألف فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة كِتَابه الَّذِي ننشره: "الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير" وعني بسير مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وصنف فِيهَا "الانتقاء فِي فَضَائِل الثَّلَاثَة الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء" وَهُوَ مطبوع. وَألف فِي الصَّحَابَة كِتَابه الضخم "الِاسْتِيعَاب" استقصى فِيهِ أَسمَاء الْمَذْكُورين مِنْهُم فِي الرِّوَايَات وَالْأَخْبَار وَعرف بهم ولخص أَحْوَالهم وأخبارهم مُرَتبا لَهُم على حُرُوف المعجم، وَهُوَ مطبوع. وَمن كِتَابه "الْقَصْد والأمم فِي التَّعْرِيف بأصول أَنْسَاب الْعَرَب والعجم" و "الإنباه على قبائل الروَاة" وهما مطبوعان مَعًا. وَكَانَت فِيهِ نَزعَة أدبية جعلته ينظم الشّعْر من حِين إِلَى حِين، كَمَا جعلته يؤلف كِتَابه "بهجة الْمجَالِس وَأنس الْمجَالِس" للمظفر بن الْأَفْطَس صَاحب بطليوس، وَهُوَ مختارات
من غرر الأبيات ونوادر الحكايات الدَّالَّة على مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَقد طبع بِالْقَاهِرَةِ بتحقيق الْأُسْتَاذ الخولي وَيُنْهِي ابْن بشكوال حَدِيثه عَن مصنفاته بقوله: "كَانَ موفقا فِي التَّأْلِيف معانا عَلَيْهِ ونفع الله بتواليفه، وَكَانَ مَعَ تقدمه فِي علم الْأَثر، وبصره بالفقه ومعاني الحَدِيث، لَهُ بسطة كَبِيرَة فِي علم النّسَب وَالْخَبَر". 2- مصَادر "الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير". ذكر ابْن عبد الْبر فِي خطْبَة هَذَا الْكتاب أَنه أفرده لسَائِر خبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فِي مبعثه وأوقاته مُعْتَمدًا على كتابي مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي، وَكتاب مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة، ومعروف أَن أَولهَا توفّي سنة 141 لِلْهِجْرَةِ، فِي حِين توفّي الثَّانِي سنة 150 أَو 151، فِي بعض الرِّوَايَات، وظل كتاباهما المصدرين الأساسيين لسيرة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على مدى العصور التالية، يرجع إِلَيْهِمَا المصنفون والمؤلفون للسيرة الزكية، حَتَّى إِذا طَال بهما الْعُمر سقطا من يَد الزَّمن كَمَا سقط كثير من المصنفات الْقَدِيمَة، إِلَّا قِطْعَة من سيرة ابْن إِسْحَاق لَا تزَال بَاقِيه بمكتبة الرِّبَاط، وَإِلَّا رِوَايَة ابْن هِشَام لَهَا. وَهِي لَيست رِوَايَة تَامَّة إِنَّمَا هِيَ تَهْذِيب وتنقيح لَهَا واختصار، وَلم يروها عَن ابْن إِسْحَاق مُبَاشرَة، إِنَّمَا رَوَاهَا عَن تِلْمِيذه زِيَاد بن عبد الله البكائي، وَقد طبعت فِي عصرنا مرَارًا. وَيَقُول ابْن عبد الْبر: إِنَّه اختصر سيرته من كتاب ابْن إِسْحَاق رِوَايَة ابْن هِشَام وَغَيره، ويفصل القَوْل فِي ذَلِك فِي أثْنَاء حَدِيثه عَن حجَّة الْوَدَاع، قَائِلا: "مَا كَانَ فِي كتَابنَا هَذَا عَن ابْن إِسْحَاق فروايتنا فِيهِ عَن عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، عَن قَاسم بْن أصبغ، عَن مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام الْخُشَنِي، عَن مُحَمَّد بْن البرقي، عَن ابْن هِشَام، عَن زِيَاد البكائي عَن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق. وَقِرَاءَة مني أَيْضا على عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف، عَن ابْن مفرج، عَن ابْن الْأَعرَابِي، عَن العطاردي، عَن يُونُس بْن بكير، عَن ابْن إِسْحَاق. وَقِرَاءَة مني أَيْضا على عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، عَن قَاسم بْن أصبغ، عَن عبيد بْن عَبْد الْوَاحِد الْبَزَّار، عَن [أَحْمد بْن] مُحَمَّد بْن أَيُّوب، عَن إِبْرَاهِيم بْن سعد، عَن ابْن إِسْحَاق". وَإِذن فَهُوَ لم يكتف بِرِوَايَة ابْن هِشَام لكتاب ابْن إِسْحَاق، بل ضم إِلَيْهَا رِوَايَة يُونُس بن بكير، وبمكتبة الْقرَوِيين بفاس نُسْخَة مِنْهَا مخطوطة، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ضم إِلَيْهَا رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن
سعد، وَبِذَلِك كَانَ بَين يَدَيْهِ ثَلَاث رِوَايَات لكتاب ابْن إِسْحَاق. ويحدثنا ابْن عبد الْبر فِي نفس الْموضع أَن مَا كَانَ فِي كِتَابه عَن مُوسَى بن عقبَة فقرأه على عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان وَأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمد بن الجسور، عَن قَاسم بْن أصبغ عَن مطرف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قيس، عَن يَعْقُوب، عَن ابْن فليح، عَن مُوسَى بْن عقبَة. ويعقب على ذَلِك بقوله: "ولي فِي ذَلِك رِوَايَات وأسانيدُ مَذْكُورَة فِي صدر كتاب الصَّحَابَة" وَهُوَ يُرِيد كِتَابه: "الِاسْتِيعَاب فِي معرفَة الْأَصْحَاب". وَإِذا رَجعْنَا إِلَى فواتحه وَجَدْنَاهُ يَقُول إِن مَا فِيهِ عَن مُوسَى بْن عقبَة فَمن طَرِيقين: أَحدهمَا هَذَا الطَّرِيق الَّذِي ذكره، وَثَانِيهمَا عَن خلف بن قَاسم عَن أبي الْحسن عَن أبي الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عبد الْغفار يعرف بِابْن الون الْمصْرِيّ، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان النَّوْفَلِي، عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، عَن مُحَمَّد بْن فليح، عَن مُوسَى بن عقبَة. وَلَا يلبث ابْن عبد الْبر أَيْضا أَن يَقُول: وحَدثني أَيْضا عبد الْوَارِث، عَن قَاسم، عَن ابْن أبي خَيْثَمَة فِي كِتَابه، عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، عَن مُحَمَّد بْن فليح، عَن مُوسَى بن عقبَة. وَفِي نفس الْموضع يَقُول ابْن عبد الْبر: "وَفِي الفهرسة روايتنا لكتاب الْوَاقِدِيّ وَغَيره، تركنَا ذَلِك هَا هُنَا خشيَة الإطالة بِذكرِهِ". والفهرسة سجل أَو كتيب صَغِير ذكر فِيهِ رواياته الْكتب عَن شُيُوخه مفيضا فِي أسانيدها الْمُخْتَلفَة. وَذكر فِي فواتح الِاسْتِيعَاب رِوَايَته لكتابي الْوَاقِدِيّ: الطَّبَقَات والمغازي، أما الطَّبَقَات فَقَالَ: "قرأته على أَحْمد بن قَاسم التاهرتي، عَن مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي، عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن جميل، عَن مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ، عَن الْوَاقِدِيّ". وَأما الْمَغَازِي فَقَالَ: "أَخْبرنِي بِهِ خلف عَن قَاسم، عَن أبي الْحسن، عَن أبي الْعَبَّاس بن الون، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان النَّوْفَلِي، عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، عَن الْوَاقِدِيّ". وَيَقُول ابْن عبد الْبر فِي نفس الْموضع مكملا حَدِيثه عَن مصَادر كِتَابه: "وَفِي كتاب أبي بكر بْن أبي خَيْثَمَة- روايتي لَهُ عَن عَبْد الْوَارِث، عَن قَاسم، عَنهُ- من ذَلِك أَطْرَاف". وَيَقُول فِي فواتح الِاسْتِيعَاب: "قَرَأت جَمِيع كتاب ابْن أبي خَيْثَمَة على أبي الْقَاسِم عبد الْوَارِث بن سُفْيَان بن حبرون، عَن أبي مُحَمَّد قَاسم بن أصبغ بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ، عَن ابْن أبي خَيْثَمَة أبي بكر أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ" وَفِي الْكتاب أَحَادِيث مُخْتَلفَة رويت عَن ابْن أبي خَيْثَمَة بالسند الْمَذْكُور. وَيظْهر أَنه كَانَ لَهُ كتاب فِي السّنَن بِجَانِب كِتَابه التَّارِيخ الْكَبِير فِي تَعْدِيل الروَاة وتجريحهم.
وَهَذِه هِيَ المصادر الَّتِي عَنى ابْن عبد الْبر بذكرها، وَلَا ريب فِي أَن وَرَاءَهَا مصَادر أُخْرَى لم يعن بإيرادها، من ذَلِك أَنه يروي أَكثر الْأَحَادِيث فِي هَذِه السِّيرَة عَن أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد الْمُؤمن، وَفِيه يَقُول الْحميدِي: "رَحل إِلَى الْعرَاق وَغَيرهَا وَسمع إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، وَأَبا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عبد الرَّزَّاق الْمَعْرُوف بِابْن داسة صَاحب أبي دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، وَأَبا بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن مَالك الْقطيعِي صَاحب عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، وَأحمد بن سُلَيْمَان النجاد، وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن ثَابت الصيدلاني صَاحب إِسْمَاعِيل القَاضِي وَنَحْو، وَحدث بالأندلس، روى لنا عَنهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ". فرواية ابْن عبد الْبر تتصل بِهِ بِشَهَادَة الْحميدِي تِلْمِيذه، وَنَفس الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار الَّتِي يَرْوِيهَا عَنهُ تتصل مُبَاشرَة بِابْن داسة عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي. وبجانب ابْن عبد الْمُؤمن نجد ابْن عبد الْبر يروي أَحَادِيث وأخبارا أُخْرَى عَن سعيد بن نصر، وَفِيه يَقُول الْحميدِي: "سمع قَاسم بن أصبغ الْبَيَانِي وَمُحَمّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي. وروى عَنهُ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بن عبد الْبر" وَسَنَده فِي السِّيرَة يتَّصل بشيخه قَاسم. ونجد أَيْضا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَيَقُول الْحميدِي إِنَّه: "يعرف ابْن المدمالة، روى عَن مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي ... وروى عَنهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر النمري" وَقَالَ: كَانَ من أضبط النَّاس لكتبه وأفهمهم لمعاني الرِّوَايَة، لَهُ تأليف جمع فِيهِ كَلَام يحيى بن معِين "الْمُحدث" فِي ثَلَاثِينَ جُزْءا أخبرنَا بِهِ أَبُو عمر بن عبد الْبر عَنهُ" "وَسَنَده فِي السِّيرَة يتَّصل مُبَاشرَة بِمُحَمد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي. وسَاق ابْن عبد الْبر فِي "بعث بِئْر مَعُونَة" حَدِيثا عَن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بن عَليّ وَهُوَ أَبُو عمر الْبَاجِيّ، وَفِيه يَقُول الْحميدِي: "روى عَنهُ جمَاعَة أكَابِر أدركنا مِنْهُم الْفَقِيه أَبَا عمر يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبر الْحَافِظ" وَيذكر الْحميدِي من شُيُوخ الْبَاجِيّ الْحسن بن إِسْمَاعِيل. وَسَنَد الحَدِيث الَّذِي ذكره ابْن عبد الْبر عَن الْبَاجِيّ مَوْصُول بِهِ مُبَاشرَة. وَذكر مَعَ بعض الْأَخْبَار سعيد بن يحيى الْأمَوِي، وَكَأن كِتَابه "السّير" كَانَ أحد مصادره. وَقد يختصر ابْن عبد الْبر سَنَد الحَدِيث وَالْخَبَر، فَلَا يذكر سلسلة رواتهما كَامِلَة، بل يَكْتَفِي بِمثل قَوْله: روى عَن عبَادَة بْن الصَّامِت، أَو قَالَ ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ أَو قَالَ
معمر، أَو ذكر ابْن جريج، أَو روى سُفْيَان الثَّوْريّ، أَو قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، أَو قَالَ سنيد، أَو قَالَ وَكِيع. 3- تَوْثِيق النَّص وَقِيمَته ذكر الْحميدِي فِي تَرْجَمته لِابْنِ عبد الْبر أَنه صنف فِيمَا صنف كتاب "الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير" وتوالى غير وَاحِد بعده مِمَّن ترجموا لِابْنِ عبد الْبر يذكرُونَهُ بَين مصنفاته. وَقد رَأينَا فِي تضاعيف الْكتاب مَا يشْهد شَهَادَة قَاطِعَة بِأَنَّهُ من تأليفه، فقد ذكر -كَمَا أسلفنا- طرفنا من أسانيده عَن كتب مُوسَى بن عقبَة وَابْن إِسْحَاق وَابْن أبي خَيْثَمَة، وأحال من يُرِيد استكمالها على كِتَابه "الِاسْتِيعَاب فِي معرفَة الْأَصْحَاب" وَهِي فِيهِ أَكثر تَفْصِيلًا. وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْموضع الوحيد الَّذِي أحَال فِيهِ على الِاسْتِيعَاب فِي الْكتاب، فقد تَكَرَّرت إحالته عَلَيْهِ، إِذْ نجده يذكرهُ فِي خطْبَة الْكتاب على نَحْو مَا سنرى عَمَّا قَلِيل. وَقد توقف عِنْد قَول الْقَائِلين بِأَن عليا كَانَ أول النَّاس إِيمَانًا بِاللَّه وَرَسُوله قَائِلا: "وَقد ذكرنَا الْقَائِلين بذلك والآثارَ الْوَارِدَة فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة". وَيذكر فِي تَسْمِيَته من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين خباب بن الْأَرَت، وَيَقُول إِنَّه خزاعي وَيُقَال تميمي، ويعقب على ذَلِك بقوله: "وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي نسبه وولائه وحلفه فِي بَاب اسْمه من كتاب الصَّحَابَة". وَيذكر بَين من اسْتشْهد من الْمُهَاجِرين فِي يَوْم أحد عبد الله بن جحش وَأَنه دفن مَعَ حَمْزَة فِي قبر وَاحِد، ثمَّ يَقُول: "وَقد ذكرنَا خَبره عِنْد ذكره فِي كتاب الصَّحَابَة". ويتحدث عَن بعث الرجيع وَقتل خبيب فِيهِ، وَيَقُول: "وَقد ذكرنَا خَبره وَمَا لَقِي بِمَكَّة عِنْد ذكر اسْمه فِي كتاب الصَّحَابَة" ويسوق لَهُ بَيْتَيْنِ قالهما حِين قدمه الْمُشْركُونَ ليصلب ويتلوهما بقوله: "فِي أَبْيَات قد ذكرتها عِنْد ذكره فِي كتاب الصَّحَابَة". وعدتها فِيهِ عشرَة أَبْيَات. وَيَقُول فِي غَزْوَة فتح مَكَّة: "وَأنْشد الرَّسُول عَمْرو بْن سَالم الشّعْر الَّذِي ذكرته فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة". وَيذكر فِي بَاب الْوُفُود الحتات بن يزِيد الْمُجَاشِعِي الَّذِي آخى الرَّسُول بَينه وَبَين مُعَاوِيَة، وَيَقُول: "قد ذكرنَا خَبره فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة". ويتحدث عَن غسل الرَّسُول وتكفينه بعد مَوته، وَيَقُول: إِن شقران مَوْلَاهُ حضرهم "وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِ
الصَّحَابَةِ سُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى". وَلم يحل ابْن عبد الْبر على الِاسْتِيعَاب وَحده من كتبه، فقد أحَال أَيْضا على كِتَابه "التَّمْهِيد لما فِي الْمُوَطَّأ من الْمعَانِي والأسانيد" إِذْ عقب على حالات الْوَحْي فِي مفتتح الْكتاب بقوله: "وَقد أشبعنا هَذَا الْمَعْنى فِي كتاب التَّمْهِيد عِنْد ذكر حَدِيث عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا الْمَذْكُور". وتحدث فِي خَاتِمَة الْكتاب عَن صَلَاة أبي بكر بِالنَّاسِ فِي مرض الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "وَقد أوضحنا مَعَاني صلَاته فِي مَرضه بِالنَّاسِ مَعَ أبي بكر وَمَكَان الْمُقدم مِنْهُمَا، وَمَا يَصح فِي ذَلِك عندنَا فِي كتاب التَّمْهِيد". وَمر بِنَا تعقبنا لمن روى عَنْهُم ابْن عبد الْبر الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار فِي هَذِه السِّيرَة مِمَّن لم يذكرهم فِي أسانيده لكتب ابْن عقبَة وَابْن إِسْحَاق وَابْن أبي خَيْثَمَة، ورأيناهم جَمِيعًا فِي عداد أساتذته الَّذين روى عَنْهُم، بِشَهَادَة تِلْمِيذه الْحميدِي. وكل ذَلِك مَعْنَاهُ أَن نِسْبَة هَذِه السِّيرَة إِلَى ابْن عبد الْبر نِسْبَة وَثِيقَة، ونراه يَقُول فِي خطبتها أَو فاتحتها: "هَذَا كتاب اختصرت فِيهِ ذكر مبعث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْتِدَاء نبوته وَأول أمره فِي رسَالَته ومغازيه وسيره فِيهَا، لِأَنِّي ذكرت مولده وحاله فِي نشأته وعيونا من أخباره فِي صدر كتابي فِي الصَّحَابَة، وأفردت هَذَا الْكتاب لسَائِر خَبره فِي مبعثه وأوقاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ... والنسق كُله على مَا رسمه ابْن إِسْحَاق. فَذكرت مَغَازِيَهُ وسيره على التَّقْرِيب والاختصار والاقتصار على الْعُيُون من ذَلِك دون الحشو والتخليط". وواضح من ذَلِك أَن ابْن عبد الْبر قصد فِي هَذَا الْكتاب إِلَى صنع مُخْتَصر للسيرة النَّبَوِيَّة، وَعبر عَن مقْصده لَا فِي خطْبَة الْكتاب فَحسب، بل أَيْضا فِي عنوانه الَّذِي اخْتَارَهُ لَهُ، وكأنما رَأْي كتب السِّيرَة تحتوي على حَشْو كثير، فَرَأى أَن يَكْتَفِي بالدرر والفرائد الَّتِي تجْعَل مِنْهَا خيطا ممدودا مُتَّصِلا. وَقد بَدَأَ هَذَا الْمُخْتَصر بالمبعث وَمَا بعده من الْمَغَازِي والأحداث، أما مَا قبل ذَلِك من ولادَة الرَّسُول وَنسبه ووفاة أَبِيه وَأمه وجده وكفالة أبي طَالب ونشأته وأطواره قبل الْبعْثَة وزواجه بالسيدة خَدِيجَة فقد أجمله فِي صدر كِتَابه: "الِاسْتِيعَاب فِي معرفَة الْأَصْحَاب" وَكَأَنَّهُ رأى أَن لَا دَاعِي لتكرار حَدِيثه عَنهُ. وَيَقُول إِنَّه بنى الْكتاب على مَا رسمه ابْن إِسْحَاق، والتقاؤه بِهِ وَاضح فِي الْمَغَازِي وتواليها وَأَسْمَاء من شاركوا واستشهدوا من الْمُسلمين فِيهَا وَمن قتلوا أَو أَسرُّوا من الْمُشْركين. وَإِذا كَانَ قد تَابع ابْن إِسْحَاق فِي الْبناء الْعَام فَإِنَّهُ اسْتَقل عَنهُ فِي كثير من الْمَوَاضِع بِمَا أضَاف من كتابي مُوسَى
ابْن عقبَة وَابْن أبي خَيْثَمَة، وَمن رِوَايَات أساتذته الَّذين سميناهم، فقد استمد مِنْهُم كثيرا من الْأَحَادِيث، وَإِذا عرفنَا أَنه كَانَ من كبار الْحفاظ للْحَدِيث النَّبَوِيّ الَّذين اشتهروا بالدقة والتحري والتثبت، وَأَنه كَانَ حاذقا بِعلم الْأَنْسَاب وَمَعْرِفَة الْأَصْحَاب، وَضبط أسمائهم على وَجههَا الصَّحِيح اتضحت قيمَة هَذِه السِّيرَة. وَهُوَ نَفسه يحدثنا أَنه لم يكتف إزاء كتاب مُوسَى بن عقبَة وسيرة ابْن إِسْحَاق بِرِوَايَة وَاحِدَة، بل اسْتَعَانَ برواياتهما الْمُخْتَلفَة على الْمُقَارنَة والموازنة، وأضاف إِلَى ذَلِك كتابات الْوَاقِدِيّ وَابْن أبي خَيْثَمَة وَرِوَايَات شُيُوخه للْحَدِيث، وَنفذ من كل ذَلِك إِلَى وضع سيرة نبوية وَثِيقَة. وَقد يبتديء بعض فُصُول الْكتاب دون سَنَد، وَكَأَنَّهُ يُورد حِينَئِذٍ مَا اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيه بعد طول النّظر والفحص والمراجعة والمقارنة. ونراه ينثر بعض آراء لَهُ فِي جَوَانِب السِّيرَة، وَهِي آراء علم من أَعْلَام الْفِقْه والْحَدِيث، وَلذَلِك كَانَ لَهَا وَزنهَا الْكَبِير مهما خَالَفت مَا ذاع واشتهر، على نَحْو مَا يَلْقَانَا فِي حَدِيثه عَن أَوَائِل السَّابِقين إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله، فقد ذكر من بَينهم السيدة عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق، وَقيد ذَلِك بقوله: "وَهِي صَغِيرَة" وَفِي ذَلِك مَا يُخَالف الْمَشْهُور من أَن الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى بهَا فِي الْمَدِينَة وَهِي بنت تسع سِنِين، وَلَا بُد أَنه ثَبت عِنْد ابْن عبد الْبر أَن السيدة عَائِشَة أسلمت فِي أول الْبعْثَة أَي قبل الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة بِنَحْوِ ثَلَاث عشرَة سنة، مِمَّا يَقْتَضِي أَن تكون سنّهَا حِين الْبعْثَة خمس سنوات على الْأَقَل حَتَّى يصدق عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَت من أول النَّاس إسلاما، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة اقْتَرَبت أَي سُورَة الْقَمَر من قَول السيدة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا" لقد أنزل على مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة -وَإِنِّي لجارية أَلعَب- {بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر} وَهِي من آيَات سُورَة الْقَمَر الَّتِي نزلت فِي السّنة الْخَامِسَة لِلْهِجْرَةِ، وتعبيرها بِأَنَّهَا كَانَت جَارِيَة تلعب يُفِيد أَن عمرها لم يكن يقل حِينَئِذٍ عَن نَحْو عشر سنوات. وَمن ذَلِك أَنه ذهب إِلَى أَن فرض صَوْم رَمَضَان كَانَ فِي السّنة الأولى لِلْهِجْرَةِ، وَالْمَشْهُور أَنه كَانَ على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا من الْهِجْرَة. وَمن ذَلِك ذَهَابه فِي حَدِيثه عَن مقاسم خَيْبَر وأموالها أَنَّهَا فتحت جَمِيعهَا عنْوَة، وَقد ناقشه فِي ذَلِك ابْن سيد النَّاس مناقشة طَوِيلَة أثبتنا مجملها فِي موضعهَا من الْكتاب. ونراه يتَوَقَّف عِنْد بعض الْأَحَادِيث الَّتِي لم تثبت، ويتهمها، من ذَلِك مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود من أَحَادِيث عَن إِسْلَام الْجِنّ، وَمَا جَاءَ فِي بَعْضهَا
من وضوء الرَّسُول بالنبيذ، إِذْ لم يجد مَاء، فقد قَالَ: "هَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ متواتر عَن طُرُقٍ شَتَّى حِسَانٍ كُلِّهَا، إِلا حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَإِنَّ أَبَا زيد مَجْهُول لَا يعرف فِي أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، وَيَكْفِي فِي ذكر الْجِنّ مَا فِي سُورَة الرَّحْمَن وَسورَة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وَمَا جَاءَ فِي الْأَحْقَاف: قَوْله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} الْآيَات. وَهُوَ بذلك يُرِيد التَّمَسُّك بِنَصّ الْقُرْآن الْكَرِيم دون زِيَادَة عَلَيْهِ، وَمِمَّا يصور دقته وتحريه قَوْله فِي غَزْوَة بنى المصطلق أَو الْمُريْسِيع: "وَفِي هَذِه الْغَزْوَة قَالَ أهل الْإِفْك فِي عَائِشَة -رَضِي اللَّه عَنْهَا- مَا قَالُوا، فبرأها اللَّه مِمَّا قَالُوا، وَنزل الْقُرْآن ببراءتها، وَرِوَايَة من روى أَن سعد بْن معَاذ رَاجع فِي ذَلِك سعد بْن عبَادَة، وهم وَخطأ، وَإِنَّمَا تراجع فِي ذَلِك سعيد بْن عبَادَة مَعَ أسيد بْن حضير. كَذَلِك ذكر ابْن إِسْحَاق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن عبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ وَغَيره، وَهُوَ الصَّحِيح؛ لِأَن سعد بْن معَاذ مَاتَ فِي منصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ بني قُرَيْظَة لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك، وَلم يدْرك غَزْوَة الْمُريْسِيع وَلَا حضرها". نَحن إِذن بِإِزَاءِ سيرة نبوية محررة، سيرة لَا تعتمد على كتب السِّيرَة الْمَشْهُورَة وَحدهَا، بل تعتمد أَيْضا على كتب الحَدِيث وَرِوَايَة الموثقين مَعَ الموازنة بَين الْأَخْبَار وَالْأَحَادِيث واستخلاص الآراء الصَّحِيحَة، وَمَعَ الْوَفَاء بالدقة فِي أَسمَاء الْأَعْلَام، وَمَعَ التَّوَقُّف فِي مَوضِع التَّوَقُّف والنفوذ إِلَى الرَّأْي السَّلِيم، وَمَعَ الْمعرفَة الواسعة بِالْحَدِيثِ وَرِجَاله وتمييز صَحِيحه من زائفه. وَبلغ من قيمَة هَذِه السِّيرَة وأهميتها فِي عصرها أَن وَضعهَا ابْن حزم -تلميذ ابْن عبد الْبر- علما مَنْصُوبًا أَمَام بَصَره حِين حاول أَن يصنف سيرته النَّبَوِيَّة الَّتِي سَمَّاهَا "جَوَامِع السِّيرَة" وَقد نشرت بدار المعارف نشرة جَيِّدَة مُحَققَة عَن نُسْخَة يكثر فِيهَا التَّصْحِيف، كَمَا تكْثر سواقط الْكَلَام. ونراه يستهلها بِقِطْعَة موجزة يتحدث فِيهَا عَن نسب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ومولده وسنه ووفاته وأعلام رسَالَته وحجه وعمراته وغزواته وبعوثه وَصفته وأسمائه وأمرائه وَكتابه وحرسه ومؤذنيه وخطبائه وشعرائه وَرُسُله ودعوته بعض الْمُلُوك إِلَى الْإِسْلَام ونسائه وَأَوْلَاده وشيمه وأخلاقه. وَهُوَ فِي هَذِه الْقطعَة لَا يلتقي بِابْن عبد الْبر فِي سيرته، لِأَنَّهُ كَمَا قدمنَا لم يعرض لكل ذَلِك مكتفيا بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِي صدر كتاب "الِاسْتِيعَاب" غير أننا لَا نكاد
نتقدم مَعَ ابْن حزم حَتَّى نجده يلتقي مَعَ ابْن عبد الْبر فِي أَكثر صحفه، وتنبه إِلَى هَذَا الالتقاء ناشرو سيرة ابْن حزم قائلين: "وَقد أَفَادَ ابْن حزم فِي كِتَابه السِّيرَة مِمَّا صنعه من قبله شَيْخه ومعاصره أَبُو عمر بن عبد الْبر مؤلف كتاب "الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير" وَنحن لَا نملك من هَذَا الْكتاب صُورَة كَامِلَة أَو وافية تدلنا إِلَى أَي مدى اعْتمد عَلَيْهِ ابْن حزم، وَلَكِن النقول القليلة الَّتِي احتفظ بهَا ابْن سيد النَّاس من كتاب أبي عمر الْمَذْكُور تؤكد أَن ابْن حزم قد نقل عَن شَيْخه نقولا مُتَفَرِّقَة فِي شَيْء قَلِيل من التَّصَرُّف، إِلَّا أَن نفترض أَن المؤلفين- نعني ابْن عبد الْبر وَابْن حزم- ينقلان عَن مصدر ثَالِث لم يَقع إِلَيْنَا". وَلَو أَن ناشري الْكتاب رَأَوْا مخطوطة كتاب ابْن عبد الْبر لجزموا بِأَن ابْن حزم نقل عَنهُ مُنْذُ حَدِيثه عَن المبعث ص 44 أَكثر صحف كِتَابه مَعَ تصرف قَلِيل هُنَا وَهُنَاكَ. أما الظَّن بِأَنَّهُمَا رُبمَا نقلا عَن مصدر مُشْتَرك فيضعفه أَن ابْن عبد الْبر عين فِي سيرته مصادره الَّتِي نفذ من خلالها إِلَى وضع كِتَابه، فِي حِين لم يذكر ابْن حزم فِيمَا التقى بِهِ مَعَه مصدرا وَاحِدًا. وَحقا أَنه يُتَابع فِي حَدِيثه الْمفصل عَن الْغَزَوَات ابْن إِسْحَاق، سَوَاء فِي ترتيبها أَو فِيمَا تضمنته من الْأَحْدَاث وَمن أَسمَاء من شاركوا فِيهَا من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وشهداء الْأَوَّلين وقتلى وَأسرى الْأَخيرينِ، غير أَنه فِي الْوَاقِع يُتَابع فِي ذَلِك ابْن عبد الْبر، فقد مر بِنَا ذكره فِي تَقْدِيمه لكتابه هَذِه الْمُتَابَعَة، وَابْن حزم لَا يُتَابع ابْن عبد الْبر فِي نسق كِتَابه وَمَا تضمنه من الْأَحْدَاث وَأَسْمَاء الْأَعْلَام فَحسب، بل كثيرا مَا يُتَابِعه فِي سرد كَلَامه نَاقِلا نَص عباراته مَعَ شَيْء من التَّصَرُّف أَحْيَانًا، وَقد يتْرك النَّص الَّذِي يَنْقُلهُ عَن أستاذه دون أَي تصرف. ونراه يُتَابِعه فِي كثير من مراجعاته وآرائه، حَتَّى ليظن من لم يقْرَأ ابْن عبد الْبر أَنَّهَا ثَمَرَة اجْتِهَاده، من ذَلِك مُتَابَعَته لَهُ فِي أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لَا يَصح أَن يسْلك فِيمَن هَاجر من مَكَّة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، يَقُول ابْن عبد الْبر: "وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَثر وَقَالَهُ بعض أهل السّير "انْظُر ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ هِشَام "1/ 347" أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَانَ فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه خرج فِي طَائِفَة من قومه مُهَاجرا من بَلَده بِالْيمن يُرِيد الْمَدِينَة. فَرَكبُوا الْبَحْر، فرمتهم الرّيح بالسفينة الَّتِي كَانُوا فِيهَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَأَقَامَ هُنَالك حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب" وقارن بذلك جَوَامِع السِّيرَة ص 58. وَمن مُتَابعَة ابْن حزم لأستاذه مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن الزَّكَاة فرضت عقب الْهِجْرَة ومؤاخاة
الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار "قَارن بجوامع السِّيرَة "ص 97". وَقد تَابعه فِي أَن من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين كَانُوا سِتَّة وَثَمَانِينَ رجلا "قَارن بجوامع السِّيرَة ص 122" فِي حِين عدهم ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة "2/ 364 ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ. وَمر بِنَا آنِفا نفي ابْن عبد الْبر لِأَن تكون قد حدثت مُرَاجعَة فِي حَدِيث الْإِفْك بَين سعدَ بْن معَاذ وسعدَ بْن عبَادَة لمَوْت ابْن معَاذ قبل الْحَادِث. "قَارن بجوامع السِّيرَة ص 207". وَهَذَا التطابق بَين سيرة ابْن حزم وسيرة ابْن عبد الْبر فِي الآراء وسرد الْأَعْلَام وعبارات النَّص جعلتنا نتَّخذ من أَكْثَرهَا مَا يشبه نُسْخَة ثَانِيَة من كتاب ابْن عبد الْبر. وَقد انتفعنا بهَا فِي تَصْحِيح مَا جَاءَ فِي نسختنا من بعض التصحيفات وَمن بعض نواقص الْكَلَام. وَلَا نشك فِي أَنه لَو كَانَ بأيدي ناشريها مخطوطة كتاب ابْن عبد الْبر لأصلحوا وَقومُوا نَص نسختهم الَّتِي نشرُوا مِنْهَا كتاب ابْن حزم فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وَحقا بذلوا جهدا قيمًا فِي تقويمه ورد كثير من سواقطه إِلَى موَاضعهَا من اتِّصَال الْكَلَام، وَلَكِن ظلت بَقِيَّة يهدي إِلَيْهَا كتاب ابْن عبد الْبر، يتَّصل بَعْضهَا بتصحيف بعض الْأَلْفَاظ، وَبَعضهَا يتَّصل بِسُقُوط بعض أَسمَاء الْأَعْلَام حِين تتوالى متعاقبة، فَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي ص 69 عَن قدوم بعض الْأَنْصَار غلى مَكَّة قبل الْهِجْرَة يطْلبُونَ الْحلف من قُرَيْش، فقد جرت الْعبارَة على هَذَا النَّحْو: "ثمَّ قدم إِلَى مَكَّة أَبُو الحيسر أنيس بن رَافع فِي مائَة من قومه" وَصِحَّة الْعبارَة فِي ابْن عبد الْبر" "وَقدم مَكَّة أَبُو الحيسر أنس بْن رَافع فِي فتية من قومه" وَانْظُر ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ هِشَام ص 69. ونقرأ فِي ص 88: "ثمَّ إِن أَبَا جهل والْحَارث بن هِشَام أَتَيَا الْمَدِينَة وَكلما عَيَّاش بْن أبي ربيعَة وَكَانَ أخاهما لِأُمِّهِمَا وَابْن عمتهما" وَفِي ابْن عبد الْبر: "وَكَانَ أخاهما لأمهمها وَابْن عَمهمَا" وَهُوَ تَصْحِيف وَاضح. وَفِي نفس الصفحة يسْرد ابْن حزم عَن ابْن عبد الْبر من قدمُوا الْمَدِينَة مُهَاجِرين مَعَ عمر بن الْخطاب، وَيسْقط من كَاتب النُّسْخَة اسْم "إِيَاس وعاقل وعامر وخَالِد بَنو البكير اللَّيْثِيّ حلفاء بني عدي بْن كَعْب" وَيكثر فِي سيرة ابْن حزم المنشورة، أَو بِعِبَارَة أدق فِي نسختها الَّتِي نشرت، سُقُوط مثل هَذِه الْأَسْمَاء المتوالية وَيُمكن دَائِما إكمالها من ابْن عبد الْبر، وَيَكْفِي أَن نمثل بمثال ثَان فِي الصفحة التالية، إِذْ جَاءَ فِيهَا: "وَنزل حَمْزَة بن الْمطلب وَحَلِيفه أَبُو مرْثَد كناز بن حُصَيْن الغنوي وَزيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ مولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كُلْثُوم بْن الْهدم" وصحتها فِي ابْن عبد الْبر: "وَنزل حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب وحليفاه: أَبُو مرْثَد الغنوي وَابْنه مرْثَد بْن
أبي مرْثَد، وَزيد بْن حَارِثَة وأنسة وَأَبُو كَبْشَة موَالِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كُلْثُوم بن الْهدم". وَفِي ص 106 أَن أَبَا سعيد بن الْمُعَلَّى "سمع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم [يَأْمر] بتحويل الْقبْلَة". وَقد جعلت كلمة يَأْمر بَين قوسي الزِّيَادَة إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا سَقَطت من الأَصْل، وَفِي ابْن عبد الْبر مَكَانهَا كلمة يخْطب. وَفِي ص 112 "عرض الرَّسُول على أَصْحَابه "فِي وقْعَة بدر" مصَارِع رُءُوس الْكفْر من قُرَيْش مصرعا مصرعا، يَقُول: "هَذَا مصرع فلَان ومصرع فلَان فَمَا عَدَا وَاحِد مِنْهُم مضجعه". وَفِي ابْن عبد الْبر مَكَان مضجعه "مصرعه". وَفِي ص 119 "وعامر بن فهَيْرَة ... من مولدِي الْأسد" وَفِي ابْن عبد الْبر: "من مولدِي الأزد". وَفِي ص 133 "وَمن بني مرضخة وَعَمْرو ابْني غنم بن أُميَّة" وصحتها فِي ابْن عبد الْبر: "وَمن بني مرضخة وَهُوَ عَمْرو بن غنم بن أُميَّة". وَفِي ص 156 "أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَلا يخرجُوا إِلَيْهِم "إِلَى الْمُشْركين" وَأَن يتحصنوا بِالْمَدِينَةِ فَإِن قدمُوا مِنْهَا قَاتلهم على أَفْوَاه الْأَزِقَّة" وَصِحَّة الْعبارَة فِي ابْن عبد الْبر: "أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه أَلا يخرجُوا إِلَيْهِم وَأَن يتحصنوا بِالْمَدِينَةِ فَإِن قربوا مِنْهَا قاتلوهم على أَفْوَاه الْأَزِقَّة". وَفِي ص 158 "وَكَانَ فِي الْمُشْركين يَوْمئِذٍ خَمْسُونَ فَارِسًا "وصحتها فِي ابْن عبد الْبر "وَكَانَ فِي الْمُسلمين يَوْمئِذٍ خَمْسُونَ فَارِسًا" وَفِي ص 161 "وَكَانَ قد قتل أَصْحَاب اللِّوَاء من الْمُشْركين حَتَّى سقط فَرَفَعته عمْرَة بنت عَلْقَمَة" وَعبارَة ابْن عبد الْبر: "وَقتل صَاحب اللِّوَاء من الْمُشْركين فَسقط لواؤهم فَرَفَعته عمْرَة بنت عَلْقَمَة" وَبِذَلِك تستقيم الْعبارَة والسياق. وَفِي ص 165 "وجدوا الأصيرم وَبِه رَمق يسير فَقَالَ بَعضهم لبَعض: وَالله إِن هَذَا الأصيرم فَأَجَابَهُ لقد تَرَكْنَاهُ وَإنَّهُ لمنكر لهَذَا الْأَمر" وَفِي ابْن عبد الْبر بَدَلا من "فَأَجَابَهُ" "مَا جَاءَ بِهِ" وَبِذَلِك يَسْتَقِيم الْكَلَام. وَفِي ص 204 "وَذَلِكَ لشر وَقع لبني جَهْجَاه بن مَسْعُود الْغِفَارِيّ أجِير عمر بن الْخطاب وَبَين سِنَان بْن وبر الْجُهَنِيّ" وَصِحَّة الْعبارَة فِي ابْن عبد الْبر "وَذَلِكَ لشر وَقع بَين جَهْجَاه ... ". وعَلى هَذَا النَّحْو تصلح سيرة ابْن عبد الْبر بعض عِبَارَات النُّسْخَة المنشورة من سيرة ابْن حزم فتكمل نواقصها مَا دَخلهَا من فَسَاد التَّصْحِيف والتحريف. وَلَعَلَّ أهم من خلفوا ابْن عبد الْبر إِفَادَة من سيرته ابْن سيد النَّاس المتوفي سنة 734 لِلْهِجْرَةِ، فقد جعلهَا نصب عَيْنَيْهِ فِي سيرته النَّبَوِيَّة المطولة الَّتِي سَمَّاهَا "عُيُون الْأَثر فِي فنون الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير" وَهِي مطبوعة فِي مجلدين بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيمَا ينْقل فقرا وفصولا كَثِيرَة
عَن ابْن عبد الْبر مُصَرحًا باسمه غَالِبا، وَقد رَاجعه كثيرا فِي أَسمَاء الْأَعْلَام وَفِي جَوَانِب مُخْتَلفَة من مَادَّة سيرته وآرائه، وَهُوَ دَائِما يُنَوّه بِهِ، حَتَّى إِذا أنهى كِتَابه وَأخذ فِي ذكر أَسَانِيد الْكتب الَّتِي استقي مِنْهَا سيرته أَو كِتَابه قَالَ: "مَا كَانَ فِيهِ عَن أبي عمر فَمن كتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير وَهُوَ مِمَّا رويته عَن وَالِدي -رَحمَه الله- عَن شَيْخه أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن السراج، عَن خَاله أبي بكر بن خير، عَن أبي الْحجَّاج الشنتمري، عَن أبي على الغساني، عَنهُ". وَمعنى ذَلِك أَن نقُوله عَن سيرة ابْن عبد الْبر مَأْخُوذَة عَن نُسْخَة منسوبة مُسندَة تناقل رِوَايَتهَا عَن مؤلفها شُيُوخ ثِقَات، مِمَّا يرفع من قيمتهَا وَمن دَرَجَة توثيقها، ونظن ظنا أَن نسختنا الَّتِي نعنى بنشرها قد أخذت عَن تِلْكَ النُّسْخَة الَّتِي تحولت من الأندلس إِلَى مصر مَعَ وَالِد ابْن سيد النَّاس: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الإشبيلي نزيل الْقَاهِرَة. وَقد يكون ابْنه كتب مِنْهَا نُسْخَة لنَفسِهِ ذاعت فِي النَّاس، أَو لَعَلَّ نُسْخَة أَبِيه هِيَ الَّتِي ذاعت عَن طَرِيق تلاميذه المصريين. وَإِنَّمَا يدفعنا إِلَى هَذَا الظَّن أَن نُصُوص نسختنا تتطابق مَعَ نُصُوص النقول الَّتِي اقتبسها ابْن سيد النَّاس من الْكتاب، حَتَّى فِيمَا يَبْدُو فِيهِ الْغَلَط أَو التَّصْحِيف، فَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي خبر دُخُول بني هَاشم وَبني الْمطلب فِي الشّعب ومنابذة قُرَيْش لَهُم إِذْ وَردت هَذِه الْعبارَة: "ليسلموا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برمتِهِ إِلَى قُرَيْش" فِي نسختنا وَكَذَلِكَ فِي ابْن سيد النَّاس 1/ 127 والرمة: الْحَبل وَيُرَاد بهَا هُنَا الْعَهْد، وَيُمكن أَن تكون مصحفة عَن لَفْظَة "بِذِمَّتِهِ". وَفِي نفس الصفحة فِي ابْن سيد النَّاس وَفِي نسختنا قد آن لكم أَن ترجعوا عَمَّا أحدثتم علينا وعَلى أَنفسكُم". وصححت كلمة أحدثتم فِي هَامِش نسختنا بِكَلِمَة "أَخَذْتُم" وَهِي أدق مِنْهَا فِي السِّيَاق وكأنما حدث فِي الْكَلِمَة تَصْحِيف. وَقد كثرت نقُول ابْن سيد النَّاس عَن سيرة ابْن عبد الْبر كَثْرَة مفرطة، وَهِي تلقانا مُنْذُ مفتتحها وَحَدِيثه عَن خبر مبعث الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ يلتقي بِهِ فِي كثير من الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة الَّتِي سَاقهَا فِي خبر المبعث "قَارن بِابْن سيد النَّاس فِي 1/ 80 وَفِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة" وَأَيْضًا فِي كثير من الْأَحَادِيث المنثورة فِي ثنايا الْكتاب. وَلَا نصل إِلَى حَدِيث ابْن عبد الْبر عَن المجاهرين بالظلم لرَسُول الله وَلكُل من آمن بِهِ حَتَّى نجد ابْن سيد النَّاس ينْقل عَنهُ هَذَا الحَدِيث فِي 1/ 110 مُصَرحًا باسمه، كَمَا ينْقل عَنهُ فِي 1/ 113 الْفَقْرَة الَّتِي خصها بالمستهزئين بالرسول. وَلَا يلبث ابْن عبد الْبر أَن يعْقد بَابا يذكر فِيهِ الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ويتابعه
ابْن سيد النَّاس فِي العنوان "انْظُر 1/ 115" رَاوِيا الحَدِيث الَّذِي سَاقه فِي مستهله وَكَثِيرًا من مَادَّة الْبَاب. ويعقد ابْن عبد الْبر عقب ذَلِك: "بَاب ذكر دُخُول بني هَاشم بْن عَبْد منَاف وَبني الْمطلب بْن عَبْد منَاف فِي الشّعب وَمَا لقوا من سَائِر قُرَيْش فِي ذَلِك" وينقله عَنهُ ابْن سيد النَّاس فِي 1/ 127 بحذافيره. ويتلوه بفصل عَن إِسْلَام الْجِنّ وَمَا جَاءَ فِيهِ من أَحَادِيث مُسندَة إِلَى ابْن مَسْعُود، وتتحول مَادَّة الْفَصْل كُله إِلَى سيرة ابْن سيد النَّاس فِي 1/ 136. ويتحدث عَن عرض الرَّسُول الإسلامَ على قبائل الْعَرَب وَمَا كَانَ من اجْتِمَاع الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة. ويمزج ابْن سيد النَّاس بَين مَادَّة كتاب ابْن عبد الْبر وَغَيره من كتب السِّيرَة. وَمَا يلبث أَن ينْقل عَنهُ فِي 1/ 174 الْفَقْرَة الْخَاصَّة بِهِجْرَة عمر بن الْخطاب إِلَى الْمَدِينَة، كَمَا ينْقل عَنهُ فِي 1/ 199 مؤاخاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين بَعضهم وَبَعض قبل الْهِجْرَة وجوانب من مؤاخاته بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَيخرج ابْن عبد الْبر إِلَى الْمَغَازِي فيتابعه غَزْوَة غَزْوَة مُقَارنًا فِي كثير من الْأَحْوَال بَينه وَبَين غَيره من رُوَاة السِّيرَة سَوَاء فِي الْأَخْبَار أَو فِي أَسمَاء الْأَعْلَام. ونراه يقف مثله بعد بعث عَبْد اللَّهِ بْن جحش، فيتحدث فِي 1/ 230 عَن صرف الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة موردا من كتابي ابْن عبد الْبر: "التَّمْهِيد" والاستذكار" الرِّوَايَات الْمُتَعَلّقَة بالاختلاف فِي الصَّلَاة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة هَل كَانَت إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى بَيت الْمُقَدّس؟ وَقد نقل عَنهُ الْفُصُول الْخَاصَّة بِمن اسْتشْهد ببدر من الْمُسلمين، وَمن قتل وَأسر من كفار قُرَيْش فِي تِلْكَ الموقعة، مُصَرحًا بنقله عَنهُ "انْظُر 1/ 286" وَلَا يلبث أَن يلخص عَنهُ فِي 1/ 292 فصلا عقب بِهِ على تِلْكَ الموقعة. وَقد لَا ينْقل عَنهُ، وَلَكِن دَائِما يوازن بَينه وَبَين غَيره من رُوَاة السِّيرَة. ودائما يرجع إِلَى كِتَابه "الِاسْتِيعَاب" فِي موازناته ومراجعاته. وَقد نقل عَنهُ فِي 2/ 136 الْفَقْرَة الْخَاصَّة بِفَتْح خَيْبَر عنْوَة ومقاسم أموالها وناقشه مناقشة وَاسِعَة. وبهذه النقول الْكَثِيرَة عَن ابْن عبد الْبر تحولت سيرة ابْن سيد النَّاس فِيهَا إِلَى مَا يشبه نُسْخَة من كتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير، للمقابلة على النُّسْخَة الَّتِي ننشرها، وَقد أَصْلحنَا بهَا النَّص فِي غير مَوضِع ورددنا إِلَيْهِ سواقطه وأقمنا مَا أدخلهُ النَّاسِخ عَلَيْهِ من بعض التَّصْحِيف والتحريف.
4- وصف مخطوطة الْكتاب ومنهجنا فِي تَحْقِيقه لم يكن بَين أَيْدِينَا من نسخ هَذَا الْكتاب فِي تحقيقنا الأول لَهُ سوى مخطوطة وَاحِدَة مَحْفُوظَة بدار الْكتب المصرية برقم 523 تَارِيخ. وَلما كَانَ يعد من ذخائر تراثنا الْعَرَبِيّ النفيسة فقد رَأَيْت تَحْقِيقه مُعْتَمدًا على تِلْكَ المخطوطة، وَهِي تَامَّة وَإِن كَانَ يَبْدُو أَن الورقة الأولى مِنْهَا الَّتِي كَانَت تحمل عنوان الْكتاب فقدت قَدِيما، وَوضع مَكَانهَا ورقة أُخْرَى كتب عَلَيْهَا عنوانه على هَذَا النَّحْو: "كتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير لِلْحَافِظِ أبي عمر بن عبد الْبر النمري، رَحمَه الله تَعَالَى، آمين" وَكتب على يسَار العنوان بِخَط مُحَمَّد مرتضى الزبيدِيّ صَاحب تَاج الْعَرُوس فِي شرح جَوَاهِر الْقَامُوس المتوفي سنة 1205 لِلْهِجْرَةِ هَذِه الْعبارَة: "افتداه، وعَلى وقفيته أبقاه، العَبْد لله، مُحَمَّد مرتضى الْحُسَيْنِي، عُفيَ عَنهُ، حامدا الله ومصليا وَمُسلمًا على نبيه ومستغفرا". وَكتب أَيْضا على صفحة العنوان: "محْضر من جَامع محرم أَفَنْدِي الشهير بالكردي، وأضيف فِي 5 أكتوبر سنة 1881". وواضح من ذَلِك أَن المخطوطة نقلت إِلَى دَار الْكتب المصرية فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور من جَامع الْكرْدِي، وَكَانَ يعرف قبلا بِالْمَدْرَسَةِ المحمودية الَّتِي أَنْشَأَهَا الْأُسْتَاذ مَحْمُود فِي شَارِع قَصَبَة رضوَان بِالْقربِ من بَاب زويلة. وَلَا نصل إِلَى الورقة السَّادِسَة من الْكتاب حَتَّى نجد النَّاسِخ يخطيء فِي لقب أبي عمر بن عبد الْبر فيكتبه أَبَا عَمْرو بِالْوَاو. ونجد فِي الْهَامِش استدراكا عَلَيْهِ هَذَا نَصه: "هَذِه الكراريس من كتاب السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِلْحَافِظِ أبي عمر بن عبد الْبر، وَلَكِن ناسخها يَجعله أَبَا عَمْرو بِالْوَاو، وَهُوَ غلط، فليصلح". وَكتب الزبيدِيّ، الَّذِي تملك النُّسْخَة كَمَا مر بِنَا آنِفا، بِجَانِب هَذَا الِاسْتِدْرَاك: "هَذَا خطّ الْحَافِظ أبي الْخَيْر السخاوي، رَحمَه الله. وَكتبه مُحَمَّد مرتضى". وَأَبُو الْخَيْر السخاوي هُوَ شمس الدَّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي صَاحب كتاب الضَّوْء اللامع فِي أَعْيَان الْقرن التَّاسِع الْمُتَوفَّى سنة 902 لِلْهِجْرَةِ. وكل هَذِه شَهَادَات من شَأْنهَا أَن توثق المخطوطة، فقد قَرَأَهَا السخاوي وتملكها الزبيدِيّ. وَقد كتبت المخطوطة بقلم مُعْتَاد، وَهِي بخطين مُخْتَلفين، أَحدهمَا خطّ نسخ وَاضح
ضبطت فِيهِ بعض الْكَلِمَات بالشكل، وكتبت عناوين الْفُصُول والأبواب بالقلم الثُّلُث. وَالْآخر خطّ مُعْتَاد قَلِيل الإعجام خَال من الضَّبْط. والعناوين فِيهِ بِخَط أكبر مِمَّا يَليهَا. وعَلى الهوامش مراجعات واستدراكات، مِمَّا يدل على أَن ناسخها رَاجعهَا على الأَصْل الَّذِي نسخهَا مِنْهُ، وَقد صرح بذلك فِي نهايتها. ويبدو أَنَّهَا كتبت فِي الْقرن الثَّامِن الهجري، وَمر بِنَا استظهارنا لِأَن تكون نُسْخَة فرعية للْأُم الَّتِي نقل عَنْهَا ابْن سيد النَّاس نقُوله فِي كِتَابه "عُيُون الْأَثر". وتتردد فِي المخطوطة كلمة "قلت" ويليها تعقيبات وتعليقات على كَلَام ابْن عبد الْبر، وَكَثِيرًا مَا يستضىء صَاحبهَا بِبَعْض مَا ذكره السُّهيْلي الْمُتَوفَّى سنة 581 لِلْهِجْرَةِ فِي كِتَابه "الرَّوْض الْأنف" فِي تَفْسِير مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ حَدِيث السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ هِشَام مِمَّا يقطع بِأَنَّهُ عَالم مُتَأَخّر. وَقد أحَال كثيرا على كتاب الِاسْتِيعَاب فِي معرفَة الْأَصْحَاب لِابْنِ عبد الْبر، وأحال أَيْضا على كِتَابيه "التَّمْهِيد" و "الاستذكار" وَقد يضع مَكَان كلمة "قلت" كلمة "فَائِدَة" أَو "هُنَا لَطِيفَة". وَفِي مَوَاضِع قلية جدا ذكر التَّعْلِيق بِدُونِ إِشَارَة تسبقه تدل على أَوله، غير أَن تَعْلِيقه كَانَ دَائِما يحمل الدّلَالَة على أَنه لَيْسَ من كَلَام ابْن عبد الْبر، بِمَا يتَضَمَّن من معارضته لَهُ، وَبِمَا ينهيه بِهِ من عَلَامَات نهايات الاستدراكات كَقَوْلِه: "يرجع الْكَلَام" أَو "عَاد الْكَلَام" أَو "وَالله أعلم" أَو "وَالله الْمُوفق" أَو "بِاللَّه التَّوْفِيق أَو "وَالْحَمْد لله" أَو "وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين". وَإِحْدَى اثْنَتَيْنِ: إِمَّا أَن تكون هَذِه التعليقات كتبت على هَامِش الأَصْل الَّذِي نقلت عَنهُ هَذِه المخطوطة وأدخلها فِيهَا ناسخها، أَو يكون النَّاسِخ الَّذِي كتبهَا هُوَ نفس الْعَالم الَّذِي أضَاف هَذِه التعقيبات والمراجعات. وَقد أخرجتها جَمِيعًا من الْكتاب ووضعتها فِي هوامشه مُشِيرا إِلَيْهَا دَائِما بنجوم، حَتَّى تتَمَيَّز مِمَّا فِي الهوامش من تعليقات لي مرقمة. وَهِي تدل دلَالَة بَيِّنَة على أَن من كتبهَا مُحدث بَصِير بكتب السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَكتب الحَدِيث الْمُخْتَلفَة، وَأَنه فَقِيه سني، عَالم باختلافات الْفُقَهَاء وطرقهم فِي الاستنباط، وَأَنه يتقن الْعلم باللغة والنحو واختلافات النُّحَاة: سِيبَوَيْهٍ وَغَيره فِي بعض الْمسَائِل، كَمَا يتقن عُلُوم الْبَيَان من الْمجَاز وَغير الْمجَاز. وَإِنَّمَا أخرجت مراجعاته وتعليقاته من الْكتاب حَتَّى أُعِيد إِلَيْهِ نسقه وَصورته الْأَصْلِيَّة. أما الْمنْهَج الَّذِي ترسمته فِي تَحْقِيق الْكتاب فقد أخذت نَفسِي فِيهِ، بِمُقَابلَة نصوصه على الأَصْل الَّذِي استمد مِنْهُ ابْن عبد الْبر فِي الْمَغَازِي، وَهُوَ سيرة ابْن إِسْحَاق بِرِوَايَة ابْن هِشَام
الْمَشْهُورَة، وأفدت كثيرا من شرحها الْمُسَمّى باسم الرَّوْض الْأنف لمؤلفه السُّهيْلي. وقابلت الْأَحَادِيث المبثوثة فِي الْكتاب على صَحِيح البُخَارِيّ ومسند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وصحيح مُسلم وَسنَن أبي دَاوُد ومسند ابْن حَنْبَل. وعنيت بِمُقَابلَة نُصُوص الْكتاب عَامَّة على الفرعين اللَّذين استمدا مِنْهُ، وأقصد جَوَامِع السِّيرَة لِابْنِ حزم، وعيون الْأَثر فِي الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير لِابْنِ سيد النَّاس. وَقد أوضحت -فِيمَا أسلفت- العلاقة بَينهمَا وَبَينه وَكَيف أَنَّهُمَا يكادان يشبهان نسختين مِنْهُ: نُسْخَة كَامِلَة هِيَ نُسْخَة ابْن حزم وَقد دَخلهَا شَيْء من التَّصَرُّف، ونسخة نَاقِصَة هِيَ نُسْخَة ابْن سيد النَّاس، وَقد احتفظت بالنصوص الَّتِي نقلتها عَن الْكتاب على وَجههَا الدَّقِيق وأدائها الصَّحِيح. وَقد قابلت أَعْلَام الْكتاب وَصِحَّة أنسابها وضبطها على كتاب الْمُؤلف "الِاسْتِيعَاب فِي معرفَة الْأَصْحَاب" وأفدت مِنْهُ فَوَائِد جمة. وكل هَذِه المقابلات أثبتها فِي الهوامش. وَأثبت مَعهَا بعض الشُّرُوح اللُّغَوِيَّة وَبَعض التوضيحات. وَذكرت مَعَ كل فصل وَبَاب وفقرة مهمة المراجع الَّتِي بسطته أَو أجملته من أُمَّهَات كتب السِّيرَة والتاريخ وَالْأَخْبَار والْحَدِيث مثل مغازي الْوَاقِدِيّ وطبقات ابْن سعد وأنساب الْأَشْرَاف للبلاذري وتاريخ الطَّبَرِيّ وصحيح البُخَارِيّ والمحبر لِابْنِ حبيب والبداية وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير وَنِهَايَة الأرب للنويري والسيرة الحلبية وَغير ذَلِك مِمَّا يرَاهُ القاريء متناثرا فِي الهوامش. وَلم أَتَّخِذ فِي الْكتاب رموزا من شَأْنهَا أَن تعقده. وكل مَا اتخذته فِيهِ من رموز هُوَ هَذِه العلامات الَّتِي جرى بهَا الِاصْطِلَاح فِي النشر وَالتَّحْقِيق: و: وَجه الورقة من مخطوطة دَار الْكتب المصرية وتتبع رقمها. ظ: ظهر الورقة من المخطوطة وتتبع رقمها أَيْضا. : تدل هَذِه الْعَلامَة على بَدْء الصفحة التالية فِي المخطوطة وتوضع أَمَام رقمها. " ": وَضعنَا هذَيْن القوسين دَائِما حول الْآيَات القرآنية تمييزا لَهَا. [] واتخذنا هَاتين الحاصرتين لما سقط من المخطوطة وجلبناه من أُصُولهَا أَو فروعها أَو من مخطوطة الرِّبَاط. وَالله -وَحده- أسأله أَن يوفقني بمنه وَكَرمه إِلَى الِاقْتِدَاء بسيرة خير خلقه وَخَاتم رسله. إِنَّه ولي الطول وَالْفضل، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. شوقي ضيف
خطبة الكتاب
بِسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم [خطْبَة الْكتاب] 1. قَالَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبر النمري رَضِي الله عَنهُ2: الْحَمد الله رب الْعَالمين، وحسبنا3 اللَّه وَنعم الْوَكِيل، وَصلى اللَّه على مُحَمَّد4 رَسُوله وعَلى آله5 أَجْمَعِينَ. هَذَا كتاب اختصرت6 فِيهِ ذكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْتِدَاء نبوته وَأول أمره فِي رسَالَته ومغازيه وَسيرَته فِيهَا7 لِأَنِّي ذكرت8 مولده وحاله فِي نشأته وعيونا من أخباره فِي صدر كتابي فِي الصَّحَابَة. وأفردت هَذَا10 الْكتاب لسَائِر خَبره فِي مبعثه وأوقاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اختصرت ذَلِك من كتاب مُوسَى بْن عقبَة وَكتاب ابْن إِسْحَاق رِوَايَة ابْن هِشَام وَغَيره، وَرُبمَا ذكرت فِيهِ خَبرا لَيْسَ مِنْهُمَا. والنسق كُله على مَا رسمه ابْن إِسْحَاق. فَذكرت مَغَازِيَهُ وسيره11 على التَّقْرِيب12 والاختصار والاقتصار على الْعُيُون من ذَلِك دون الحشو والتخليط، وَإِلَى اللَّه أَرغب [فِي العون] 13 على الأمل فِيهِ، والتوفيق لما يرضيه، وَهُوَ حسبي لَا شريك لَهُ.
باب من خبر مبعثه صلى الله عليه وسلم
بابٌ مِنْ خَبَرِ مَبْعَثِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم 1 أَي الْقُرْآن أنزل أول أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا2 أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن الأشعت السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أنزل أول؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ: {يَا أَيهَا المدثر} أَوِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق} ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاء، فَإِذا هُوَ5
عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ، فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيَّ الْمَاءَ، فَأَنْزَلَ الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وثيابك فطهر، وَالرجز فاهجر} ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى نَفَرٌ من قُرَيْش إمرأة كاهنة، قَالُوا: أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ، قَالَتْ: إِنْ جَرَرْتُمْ عَلَى السَّهْلَةِ عَبَاءَةً وَمَشَيْتُمْ عَلَيْهَا أَنْبَأْتُكُمْ بِأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ شَبَهًا، فَجَرُّوا عَلَيْهَا عَبَاءَةً، ثُمَّ مَشَوْا عَلَيْهَا، فَرَأَتْ أَثَرَ قَدَمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَذَا وَاللَّهِ أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُ: فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّبِّيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ6:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ، وسنفرد لأعلام نبوته1 كتابا إِن شَاءَ اللَّه. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: [قَالَ2] : حَدثنَا ابْن جريج قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ3: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ/ عَبَّاسٌ4 وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ [يَقِيكَ] 5 مِنَ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ6 عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ وَقَالَ: "إِزَارِي إِزَارِي"، فَشَدَّهُ عَلَيْهِ7. وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: خَرَّ مُحَمَّدٌ، فَانْبَطَحَ. قَالَ الْعَبَّاسُ: فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَيْهِ، وَأَلْقَيْتُ عَنِّي حَجَرِي. قَالَ: وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ، وَقَالَ: "نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبِي: فَإِنِّي أَكْتُمُهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا مَجْنُونٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بعده} قَالَ:
أَوْحَى [اللَّهُ1] إِلَيْهِ كَمَا أَوْحَى إِلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرِهِ2: أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِ أَحْيَانًا مِثْلَ صَلْصَلَةِ3 الْجَرَسِ، وَأَحْيَانًا يُكَلِّمُهُ الْملك، وَأَحْيَانا يشْتَد عَلَيْهِ، فَيَتَفَصَّدُ4 جَبِينُهُ فِي الْيَوْمِ الْبَارِدِ عَرَقًا. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا5. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَيُسْمَعُ لَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ. وَقد أشبعنا هَذَا الْمَعْنى6 فِي كتاب التَّمْهِيد عِنْد ذكر حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَذْكُور. وَالْحَمْد لله. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: 7أول مَا بديء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ8، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ9، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ10 التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ11 ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَة، فتزوده
لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجَأَهُ1 الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَ الْمَلَكُ2 فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: "مَا أَنا بقارىء، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي 3 حَتَّى بَلَغَ مِنِّي 4 الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ، فَقلت: مَا أَنا بقاريء، فأخذني، فَغطّى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنا بقاريء، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بلغ {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} . قَالَ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ 5، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي 6، فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ [عَنْهُ] 7 الرَّوْعُ، فَقَالَ يَا خَدِيجَةُ: مَا لِي؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. وَقَالَ: قَدْ 8 خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ لَهُ: كَلا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ [أَبَدًا] 9 إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ10 [وَتَكْسِبُ11 الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ] ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْن عَم أخي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ12 فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا [كَبِيرًا] 13 قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّي اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا بن أَخِي مَا14 تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَأَى15 فَقَالَ [لَهُ] 16 وَرَقَةُ: هَذَا الناموس17
الَّذِي أُنْزِلَ1 عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَني أكون فِيهَا حَيًّا2 حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: نَعَمْ إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَأُوذِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا3. ثمَّ لم يلبت4 وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ. وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً5، حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا شَدِيدًا، غَدَا مِنْهُ مرَارًا كي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةٍ كَيْ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ مِنْهَا تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ6، وَتَقَرُّ7 نَفسه، فَإِذَا [طَالَتْ] 8 عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى ذِرْوَةً تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] 9 دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَشِيرٍ10، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْن إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعضهم فِي بعض. قَالَ:11:
كَانَ لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، فَلَمَّا رُمُوا بِالشُّهُبِ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ قَالُوا: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، وَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَقَالَ: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ1 حَدَثَ فِي الأَرْضِ، فَائْتُونِي مِنْ تُرْبَةِ2 كُلِّ أَرْضٍ، فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، يَبْتَغُونَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَأَتَوْهُ مِنْ تُرْبَةِ كُلِّ أَرْضٍ، فَكَانَ يَشُمُّهَا وَيَرْمِي بِهَا، حَتَّى أَتَاهُ3 الَّذِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى تِهَامَةَ بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَةِ مَكَّةَ، فشمها، فَقَالَ: من هَا هُنَا يَحْدُثُ الْحَدَثُ. فَنَظَرَ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ، فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ وَطَائِفَةً مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِنَخْلَةَ4 عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ الْفَجْرِ5. فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد. وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ6. قَالَ أَبُو دَاوُدَ7: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ8، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ عَنِ ابْنِ9 إِدْرِيسَ، كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَمُ بِهَا مِنْ قَبْلُ، فَأَتَوْا عَبْدَ يَا لَيْلَ10 ابْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ فَقَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَأَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى: لَا تَعْجَلُوا وَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهُوَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ من حدث، فنظروا،
فَإِذَا هِيَ نُجُومٌ لَا تُعْرَفُ. فَقَالُوا: هَذَا1 أَمْرٌ حَدَثَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن الأشعت، قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَاصِم خسيس2 بْنُ أَصْرَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابر، قَالَ3: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسًا 4 عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَثِثْتُ 5 مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي" فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ جلّ: {يَا أَيهَا المدثر} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَهِيَ الأَوْثَانُ. وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ6، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ7: نَزَلَتْ عَلَيْهِ {يَا أَيهَا المدثر} وَهُوَ فِي قَطِيفَةٍ. وَقَالَ شَيْبَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {اقْرَأْ باسم رَبك الَّذِي خلق} . وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالزهْرِيّ.
باب دعاء الرسول الناس للإسلام وما لقى من الأذى
بَاب دُعَاء الرَّسُول النَّاس لِلْإِسْلَامِ وَمَا لقى من الْأَذَى بَاب [ذكر] 1 دُعَاء الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه وَغَيرهم إِلَى دين اللَّه وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام، وَذكر بعض مَا لَقِي [مِنْهُم] 2 من الْأَذَى وَصَبره فِي ذَلِك على الْبلوى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [دَعْوَة الرَّسُول قومه وَغَيرهم إِلَى الْإِسْلَام] 3. قَالَ اللَّه عز وَجل: {قُمْ فَأَنْذر} وَقَالَ عز وَجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ [قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ] 4 قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ5: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الإِسْلامِ سِرًّا [وَجَهْرًا] 6 وَهَجْرِ الأَوْثَانَ، فَاسْتَجَاب لَهُ من شَاءَ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْكُهُولِ وَضَعَفَةِ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ، يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ: إِنَّ غُلامَ بَنِي هَاشِمٍ هَذَا وَيُشِيرُونَ إِلَيْهِ لَيُكَلَّمُ، زَعَمُوا، مِنَ السَّمَاءِ. فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَابَ آلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَذَكَرَ هَلاكَ آبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا كُفَّارًا، فَغَضِبُوا لِذَلِكَ وَعَادَوْهُ. فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ وَتَحَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيُؤْذُونَهُمْ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ، فَقَالُوا: أَيْنَ نَذْهَبُ يَا رَسُول الله؟
فَقَالَ: هَا هُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ. فَهَاجَرَ إِلَيْهَا نَاس ذَوُو عدد، مِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدُّؤَلِيِّ، قَالَ1: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْمَجَازِ2 يَطُوفُ بِالنَّاسِ، وَيَتَّبِعُهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا يَنْهَاكُمْ أَنْ تَدِينُوا دِينَ آبَائِكُمْ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَدِينِ آبَائِكُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ. دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِثْلَهُ [رُوِيَ3 مِنْ وُجُوهٍ كُلُهَا صِحَاح] .
أول الناس إيمانا
[أول النَّاس إِيمَانًا بِاللَّه وَرَسُوله] 1 قَالَ الْفَقِيه أَبُو عمر2 رَضِي اللَّه عَنهُ: فَكَانَ أول من آمن بِاللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَتَت بِهِ الْآثَار وَذكره أهل السّير وَالْأَخْبَار مِنْهُم ابْن شهَاب وَغَيره، وَهُوَ قَول مُوسَى بْن عقبَة وَمُحَمّد بْن إِسْحَاق وَمُحَمّد بْن عمر الْوَاقِدِيّ وَسَعِيد بْن يحيى بْن سعيد الْأمَوِي وَغَيرهم، خَدِيجَة بنت خويلد زَوجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بكر الصّديق، وَعلي بْن أبي طَالب، وَاخْتلف فِي الأول مِنْهُمَا، فَروِيَ عَن حسان بْن ثَابت وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَطَائِفَة: أَبُو بكر أول3 من أسلم. وَالْأَكْثَر مِنْهُم4 يَقُولُونَ عَليّ. وَقد ذكرنَا الْقَائِلين بذلك والآثارَ الْوَارِدَة فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة5. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس الْقَوْلَانِ جَمِيعًا. وَاخْتلفُوا فِي سنّ عَليّ يَوْمئِذٍ، فَقيل: ثَمَانِي سِنِين، وَقيل: عشر سِنِين، وَقيل: اثْنَتَا عشرَة سنة، وَقيل: خمس عشرَة سنة. قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ مِمَّن آمن بِاللَّه وَصدق رَسُول اللَّه فِيمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد اللَّه عَلِيُّ بْن أبي طَالب بْن عَبْد الْمطلب بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف، وَهُوَ ابْن عشر سِنِين يَوْمئِذٍ. قَالَ، أَيِ ابْن إِسْحَاق: ثمَّ أسلم زيد بْن حَارِثَة بْن شُرَحْبِيل بْن كَعْب الْكَلْبِيّ قُلْتُ: شرَاحِيل -قَالَه ابْن هِشَام6- مولى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثمَّ أسلم أَبُو بكر بْن أبي قُحَافَة، وَاسم أبي قُحَافَة عُثْمَان بْن عَامر بْن عَمْرو بْن كَعْب بْن سعد بْن تيم بْن مرّة. قَالَ أَبُو عمر: ثمَّ أسلم خَالِد7 بْن سعيد بْن العَاصِي، وَأسْلمت مَعَه8 امْرَأَته: أمينة بن خلف بْن أسعد الْخُزَاعِيَّة، وبلال وعمار بْن يَاسر وَأمه سميَّة، وصهيب بْن سِنَان النمري9 الْمَعْرُوف بالرومي، وَعَمْرو بْن عبسة10 السّلمِيّ وَرجع إِلَى بِلَاد قومه، وَعَمْرو بْن سعيد بْن العَاصِي. ثمَّ أسلم بِدُعَاء أبي بكر الصّديق عُثْمَان بْن عَفَّان، وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام، وَسعد بن
أبي وَقاص، وَطَلْحَة بْن عبيد اللَّه، وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف. ثمَّ أسلم أَبُو عُبَيْدَة الْجراح، وَأَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد، وَعُثْمَان بْن مَظْعُون، ثمَّ أَخَوَاهُ: قدامَة وَعبد اللَّه، وَابْنه: السَّائِب بْن عُثْمَان بْن مَظْعُون، وَسَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو بْن نفَيْل، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَعَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق، وَهِي صَغِيرَة، وَفَاطِمَة بنت الْخطاب أُخْت عمر بْن الْخطاب زوج سعيد بْن زيد، وَعُمَيْر بْن أبي وَقاص، وَعبد اللَّه بْن مَسْعُود، وَأَخُوهُ عتبَة بْن مَسْعُود، وسليط بْن عَمْرو العامري، وَعَيَّاش بْن أبي ربيعَة المَخْزُومِي، وَامْرَأَته أَسمَاء بنت سَلامَة بْن مخربة التميمية، ومسعود بْن ربيعَة بْن عَمْرو الْقَارِي من بني الْهون بْن خُزَيْمَة وهم القارة، وخنيس بْن حذافة بْن قيس بْن عدي السَّهْمِي، وَعبد الله جحش الْأَسدي. تَتِمَّة السَّابِقين إِلَى الْإِيمَان برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب، وجعفر بْن أبي طَالب، وَامْرَأَته أَسمَاء بنت عُمَيْس، وعامر بْن ربيعَة الْعَنزي من عنز بْن وَائِل -قَالَ ابْن هِشَام: عنز بْن وَائِل من ربيعَة1- حَلِيف الْخطاب بْن نفَيْل وَأَبُو أَحْمد بْن جحش الْأَعْمَى وحاطب بن الْحَارِث بن معمر
الجُمَحِي وَامْرَأَته بنت المجلل العامرية وحطاب1 بْن الْحَارِث أَخُوهُ وَامْرَأَته فكهية بنت يسَار وأخوهما معمر بْن الْحَارِث بْن معمر الجُمَحِي وَالْمطلب بْن أَزْهَر بْن عَبْد عَوْف الزُّهْرِيّ وَامْرَأَته رَملَة بنت أبي عَوْف السهمية، والنحام واسْمه نعيم بْن عَبْد اللَّهِ الْعَدوي وعامر بْن فهَيْرَة أزدي من الأزد أمه فهَيْرَة مولاة أبي بكر الصّديق وحاطب بْن عَمْرو بْن شمس بْن عَبْد ود العامري أَخُو سليط بْن عَمْرو وَأَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة واسْمه مهشم بْن عتبَة فِيمَا قَالَ ابْن2 هِشَام وواقد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد منَاف [بْن عرين] 3 -فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام- ابْن ثَعْلَبَة بْن يَرْبُوع بْن حَنْظَلَة الْحَنْظَلِي التَّمِيمِي حَلِيف بني عدي بْن كَعْب، وَأَبُو ذَر جُنْدُب بْن جُنَادَة وَلكنه رَجَعَ إِلَى بِلَاد قومه فتأخرت هجرته، وَإيَاس وخَالِد وعاقل وعامر بَنو البكير بْن عَبْد يَا ليل بْن ناشب من بني سعد بْن لَيْث حلفاء بني عدي، والأرقم بْن أبي الأرقم وَاسم أبي الأرقم عَبْد منَاف بْن أبي جُنْدُب وَاسم أبي جُنْدُب أَسد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن مَخْزُوم4. وَأسلم حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب، وَكَانَ سَبَب إِسْلَامه أَن أَبَا جهل شتم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتناوله وَحَمْزَة غَائِب فِي صيد، وَكَانَ راميا كثير الصَّيْد، فَلَمَّا انْصَرف قَالَت لَهُ امْرَأَته: يَا أَبَا عمَارَة: مَاذَا لَقِي ابْن أَخِيك من أبي جهل؟ شَتمه وتناوله وَفعل وَفعل، قَالَ: فَهَل رَآهُ أحد؟ قَالَت: نعم أهل ذَلِك الْمجْلس عِنْد الصَّفَا. فَأَتَاهُم وهم جُلُوس وَأَبُو جهل فيهم، فَجمع على قوسه يَدَيْهِ، فَضرب بهَا رَأس أبي جهل، فدق سيتها7. ثمَّ قَالَ: خُذْهَا بِالْقَوْسِ، ثمَّ أُخْرَى بِالسَّيْفِ، أشهد أَنه رَسُول الله وَأَن مَا جَاءَ بِهِ حق من عِنْد اللَّه. وَسمي من يَوْمئِذٍ أَسد اللَّه. ثمَّ عمر8 بْن الْخطاب، أسلم بعد أَرْبَعِينَ9 رجلا واثنتي عشرَة امْرَأَة، فعز الْإِسْلَام وَظهر بِإِسْلَام حَمْزَة وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
ذكر بعض ما لقي الرسول وأصحابه من أذى قومه وصبرهم على ذلك
[ذكر بعض مَا لَقِي الرَّسُول وَأَصْحَابه من أَذَى قومه وصبرهم على ذَلِك] 3 وَلما أعلن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى نابذته قُرَيْش، ورموه بالبهتان، وجاهروا فِي عداوته، وأظهروا الْبغضَاء لَهُ، وآذوه. وآذو من اتبعهُ، بِكُل مَا أمكنهم من الْأَذَى. فَأَما رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجاره عَمه أَبُو طَالب، وَمنع مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَجَارَ أَبَا بكر قومه، ثمَّ أسلموه فأجاره ابْن الدغنة4. وأجار العَاصِي بْن وَائِل عمر بْن الْخطاب. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكِيرٍ5، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ6، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلالٌ، وَالْمِقْدَادُ. فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ الله
بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ1 فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ إِلا مَنْ وَاتَاهُمْ2 فِيمَا أَرَادُوا وَأَوْهَمَهُمْ بِذَلِكَ إِلا بِلالٌ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ، وَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ3، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ، أَحَدٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ سَوَاءً4، وَزَادَ فِي قِصَّةِ بِلالٍ: وَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ حَبْلا، وَدَفَعُوهُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ بِهِ، حَتَّى أَثَّرَ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ مَلُّوهُ فَتَرَكُوهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة5. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلا مُجَاهِدٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ خَدِيجَةَ وَلا عَلِيًّا، وَهُمَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ كَانَ فِي جِوَارِ عَمِّهِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ6 لَمْ يَظْهَرْ إِلَى قُرَيْشٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ، فَلَمْ يُؤْذَيَا. وَهَؤُلاءِ السَّبْعَةُ ظَهَرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، فَلَقَوُا الأَذَى الشَّدِيدَ مِنْ قَوْمِهِمْ فَقَصَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ7: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ
بِرَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ1 بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا. قَالَ: فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ، وَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم. وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ [أَيْضًا] 2 عَن الْأَوْزَاعِيّ بِإِسْنَادِهِ مثله*. وروى بشر بْن بكر، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بْن أبي كثير، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، قَالَ: قلت لعبد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبرنِي بأشد شَيْء، فَذكر مثله، وَعند عمر بْن عَبْد الْوَاحِد، عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن هَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا فِي هَذَا الْخَبَر، وَعَن إِسْمَاعِيل بْن سَمَّاعَة أَيْضا مثله، عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي هَذَا الْخَبَر. وَعَن الْوَلِيد بْن مزِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ فِي هَذَا الْخَبَر الْإِسْنَاد الأول. وروى مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة، عَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هَذَا الْخَبَر بِمَعْنَاهُ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هَذَا الْخَبَر بِمَعْنَاهُ، وَزَاد فِيهِ، فَقَالَ: "يَا معشر قُرَيْش وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد أَرْسلنِي رَبِّي إِلَيْكُم بِالذبْحِ". وَرَوَاهُ هِشَام بْن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِمَعْنى حَدِيث يحيى بْن أبي كثير وَحَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَقَدْ ضَرَبُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: "وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ" فَقَالُوا: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ الْمَجْنُون.
المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به
[المجاهرون بالظلم لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلكُل من آمن بِهِ] قَالَ الْفَقِيه أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: وَكَانَ المجاهرون1 بالظلم لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلكُل من آمن بِهِ من بني هَاشم عَمَّهُ أَبَا لَهب وابنَ عَمه أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث. وَمن بني عَبْد شمس: عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة2، وَعقبَة بْن أبي معيط، وَأَبا سُفْيَان بْن حَرْب، وَابْنه حَنْظَلَة، وَالْحكم بْن أبي الْعَاصِ بْن أُميَّة، وَمُعَاوِيَة3 بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة. وَمن بني عَبْد الدَّار: النَّضر بْن الْحَارِث. وَمن بني أَسد بْن عَبْد الْعُزَّى: الْأسود بْن الْمطلب4، وَابْنه زَمعَة، وَأَبا البخْترِي العَاصِي بْن هِشَام. وَمن بني زهرَة: الْأسود بن [عبد] 5 يَغُوث الزُّهْرِيّ.
وَمن بني مَخْزُوم: أَبَا جهل بْن هِشَام، وأخاه العَاصِي بْن هِشَام، وعمهما الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة، وَابْنه أَبَا قيس بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة، وَابْن عَمه قيس بْن الْفَاكِه1 بْن الْمُغيرَة، وَزُهَيْر بْن أبي أُميَّة بْن الْمُغيرَة أَخا أم سَلمَة2، وأخاه عَبْد اللَّهِ بْن أبي أُميَّة، وَالْأسود بْن عَبْد الْأسد أَخا أبي سَلمَة، وَصَيْفِي بْن السَّائِب. وَمن بني سهم: الْعَاصِ بْن وَائِل، وَابْنه عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَابْن عَمه الْحَارِث بْن قيس بْن عدي، ومنبها ونبيها ابْني الْحجَّاج. وَمن بني جمح: أُمَيَّةَ وَأُبَيًّا ابْني خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح السَّهْمِي، وأنيس بْن معير3 أَخا أبي مَحْذُورَة، والْحَارث بْن الطُّلَاطِلَة الْخُزَاعِيّ. وعدي بْن الْحَمْرَاء الثَّقَفِيّ4. فَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَشد على الْمُؤمنِينَ مثابرة بالأذى، وَمَعَهُمْ سَائِر قُرَيْش، فَمنهمْ من يُعَذبُونَ من لَا مَنْعَة لَهُ وَلَا جوَار من قومه، وَمِنْهُم من يُؤْذونَ. وَلَقي الْمُسلمُونَ من كفار قُرَيْش وحلفائهم من الْعَذَاب والأذى وَالْبَلَاء عَظِيما، ورزقهم اللَّه من الصَّبْر على ذَلِك عَظِيما ليدخر لَهُم ذَلِك فِي الْآخِرَة وَيرْفَع بِهِ درجاتهم فِي الْجنَّة، والإسلامُ فِي كل ذَلِك يفشو وَيظْهر فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَأسلم الْوَلِيد بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة، وَسَلَمَة بْن هِشَام أَخُو أبي جهل، وَأَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة، وَجَمَاعَة، أَرَادَ اللَّه هدَاهُم. وأسرف بَنو جمح على بِلَال بالأذى وَالْعَذَاب، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر الصّديق مِنْهُم، وَاشْترى أمه حمامة، فأعتقهما. وَأعْتق عَامر بْن فهَيْرَة، وَأعْتق خمْسا5 من النِّسَاء:
أُمَّ1 عُبَيْس، وزنيرة2، والنهدية وابنتها3، وَجَارِيَة لبني عدي بْن كَعْب كَانَ عمر بْن الْخطاب -رَضِي اللَّه عَنهُ- يعذبها على الْإِسْلَام قبل أَن يسلم. وروى أَن أَبَا قُحَافَة قَالَ لِابْنِهِ أبي بكر: يَا بني أَرَاك تعْتق قوما ضعفاء، فَلَو أعتقت قوما جلداء يمنعونك. فَقَالَ: يَا أَبَت إِنِّي أُرِيد مَا أُرِيد، فَقيل إِن فِيهِ نزلت: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى ... } إِلَى آخر السُّورَة4. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن خلف: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم، عَن عِيسَى، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} قَالَ: أَبُو جهل ينْهَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {فَلْيَدْعُ نَادِيه} : أهل مَجْلِسه. {سَنَدع الزَّبَانِيَة} 5 قَالَ: الْمَلائِكَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ6: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَجَرَهُ7، فَقَالَ: يُهَدِّدُنِي مُحَمَّدٌ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا بِهَا8 رَجُلٌ أَكْثَرُ نَادِيًا مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَالْعَذَابُ.
المستهزئون
[المستهزئون] قَالَ أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: وَكَانَ المستهزئون1 الَّذين قَالَ اللَّه فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} عَمَّهُ أَبَا لَهب، وَعقبَة بْن أبي معيط، وَالْحكم بْن أبي العَاصِي، وَالْأسود بْن الْمطلب بْن أَسد أَبَا زَمعَة، وَالْأسود بْن عَبْد يَغُوث، والعاصي بْن وَائِل، والوليد بْن الْمُغيرَة، والْحَارث بْن غيطلة السَّهْمِي وَيُقَال لَهُ ابْن الغيطلة. وَكَانَ جِبْرِيل مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض وقفاته مَعَه، فَمر بهما من الْمُسْتَهْزِئِينَ الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة وَالْأسود بْن الْمطلب، وَالْأسود بْن عَبْد يَغُوث، والْحَارث بْن غيطلة، والعاصي بْن وَائِل، وَاحِدًا بعد وَاحِد. فَشَكَاهُمْ رَسُول اللَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى جِبْرِيل، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: كَفَيْتُكَهُمْ. فهلكوا بضروب من الْبلَاء والعمى قبل الْهِجْرَة. وَفِيمَا لَقِي بِلَال وعمار والمقداد وخباب وَسعد بْن أبي وَقاص وَغَيرهم مِمَّن لم تكن لَهُ مَنْعَة من قومه من الْبلَاء والأذى مَا يجمل أَن يفرد لَهُ كتاب، وَلَكنَّا نقف فِي كتَابنَا عِنْد شرطنا، وَبِاللَّهِ توفيقنا. فَلَمَّا اشْتَدَّ بِالْمُسْلِمين الْبلَاء والأذى وخافوا أَن يفتنوا عَن دينهم، أذن اللَّه لَهُم فِي الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَقَالَ لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِيرُوا إِلَيْهَا فَإِن لَهَا ملكا لَا تظْلمُونَ عِنْده" *.
باب ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة
بَاب ذكر الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة 1 قَالَ أَبُو عمر: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ. وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَظَهَرَ الإِيمَانُ أَقْبَلَ كُفَّارُ قُرَيْش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عَن دينهم. قَالَ: فَبَلغنَا أَن رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لمن آمن بِهِ: "تفَرقُوا فِي الأَرْض، فَإِن اللَّه تَعَالَى سيجمعكم". قَالُوا: إِلَى أَيْن نَذْهَب؟ قَالَ: "هَا هُنَا"، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَهَاجَرَ إِلَيْهَا نَاس ذَوُو عدد، مِنْهُم من هَاجر بأَهْله، وَمِنْهُم من هَاجر بِنَفسِهِ، حَتَّى قدمُوا أَرض الْحَبَشَة. قَالَ الْفَقِيه أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: فَكَانَ أول من خرج من الْمُسلمين فَارًّا بِدِينِهِ إِلَى أَرض الْحَبَشَة عُثْمَان بْن عَفَّان، مَعَه امْرَأَته رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقد قيل إِن أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة أَبُو حَاطِب بن
عَمْرو بْن عَبْد شمس بْن عَبْد ود أَخُو سُهَيْل بْن عَمْرو. وَقيل: هُوَ سليط بْن عَمْرو. وَأَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة هَارِبا عَن أَبِيه [بِدِينِهِ1] وَمَعَهُ امْرَأَته سهلة بنت سُهَيْل بْن عَمْرو مراغمة لأَبِيهَا فارة عَنهُ بدينها، فَولدت لَهُ بِأَرْض الْحَبَشَة مُحَمَّد بْن أبي حُذَيْفَة صنو الزبير بْن الْعَوام. وَمصْعَب بْن عُمَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف، وَأَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد مَعَه امْرَأَته أم سَلمَة2 بنت أبي أُميَّة. وَعُثْمَان بْن مَظْعُون، وعامر بْن ربيعَة حَلِيف آل الْخطاب وَمَعَهُ امْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة بْن غَانِم العدوية. وَأَبُو سُبْرَة أبي رهم العامري، وَامْرَأَته أم كُلْثُوم3 بنت سُهَيْل بْن عَمْرو، وَسُهيْل بْن بَيْضَاء، وَهُوَ سُهَيْل بْن وهب بْن ربيعَة الفِهري. ثمَّ خرج بعدهمْ جَعْفَر بْن أبي طَالب، وَمَعَهُ امْرَأَته أَسمَاء بنت عُمَيْس، فَولدت لَهُ هُنَاكَ بنيه: مُحَمَّدًا وَعبد اللَّه وعونا. وَعَمْرُو بْنُ سعيد بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة، وَمَعَهُ امْرَأَته فَاطِمَة بنت صَفْوَان بْن أُميَّة بْن محرث بْن شقّ بْن رَقَبَة بْن مُخْدج الكنانية، وَأَخُوهُ خَالِد بْن سعيد بْن الْعَاصِ، مَعَه امْرَأَته أُميَّة بنت خلف بْن أسعد بْن عَامر بْن بياضة بْن يثيع4 الْخُزَاعِيَّة، فَولدت لَهُ هُنَاكَ ابْنه سعيدا وَابْنَته أم خَالِد وَاسْمهَا آمِنَة بنت خَالِد. وَعبد اللَّه بْن جحش بْن رِئَاب الْأَسدي، وَأَخُوهُ عبيد5 اللَّه بْن جحش، مَعَه امْرَأَته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ، وَمَات نَصْرَانِيّا مُرْتَدا عَن دينه.
وَقَيْسُ بْن عَبْد اللَّهِ حَلِيف لبني أُميَّة بْن عَبْد شمس، مَعَه امْرَأَته بركَة بنت يسَار مولاة أبي سُفْيَان بْن حَرْب. ومعيقيب بْن أبي فَاطِمَة الدوسي حَلِيف لبني الْعَاصِ بْن أُميَّة. وَعتبَة بْن غَزوَان بْن جَابر الْمَازِني، من بني مَازِن بْن مَنْصُور أخي سليم بْن مَنْصُور، حَلِيف بني نَوْفَل بْن عَبْد منَاف. وَيزِيد بْن زَمعَة بْن الْأسود بْن عَبْد الْمطلب بْن أَسد، وَعَمْرو بْن أُميَّة بْن الْحَارِث بْن أَسد، وَالْأسود بْن نَوْفَل بْن خويلد بْن أَسد. وطليب بْن عُمَيْر بْن وهب بْن أبي كَبِير بْن عَبْد قصي1 وسويبط بْن سعد بْن حَرْمَلَة، وَيُقَال حُرَيْمِلَة، بْن مَالك الْعَبدَرِي. وجهم بْن قيس بْن عَبْد شُرَحْبِيل بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار الْعَبدَرِي، مَعَه امْرَأَته [أم2] حَرْمَلَة بنت عَبْد الْأسود بْن جذيمة بْن الأقيش بْن عَامر بْن بياضة بن يثبع بْن جعثمة3 بْن سعيد4 بْن مليح بْن عَمْرو من خُزَاعَة، وابناه عَمْرو بْن جهم وَخُزَيْمَة بنت جهم. وَأَبُو الرّوم بْن عُمَيْر أَخُو مُصعب بْن عُمَيْر، وفراس بْن النَّضر بْن الْحَارِث6 بْن كلدة بْن عَلْقَمَة بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار، وعامر بْن أبي وَقاص أَخُو سعد بْن أبي وَقاص. وَالْمطلب7 بْن أَزْهَر بْن عَبْد عَوْف، مَعَه امْرَأَته رَملَة بنت أبي عَوْف بْن صبيرة السهمية، ولدت لَهُ هُنَاكَ عَبْد اللَّهِ بْن الْمطلب. وَعبد اللَّه بْن مَسْعُود الْهُذلِيّ، وَأَخُوهُ عتبَة بْن مَسْعُود، والمقداد بْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة البهراني، وَيُقَال لَهُ الْمِقْدَاد بْن الْأسود لِأَن الْأسود بْن عَبْد يَغُوث الزُّهْرِيّ تبناه وَهُوَ حَلِيف لَهُ.
والْحَارث بْن خَالِد بْن صَخْر بْن عَامر بْن كَعْب بْن سعد بْن تيم بْن مرّة، وَمَعَهُ امْرَأَته ريطة بنت الْحَارِث بْن جبيلة بْن عَامر بْن كَعْب بْن سعد بْن تيم بْن مرّة، فَولدت لَهُ هُنَاكَ مُوسَى وَزَيْنَب وَعَائِشَة وَفَاطِمَة. وَعَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو التَّيْمِيّ عَم طَلْحَة، وشماس بْن عُثْمَان بْن الشريد المَخْزُومِي واسْمه عُثْمَان بْن عُثْمَان، وَهَبَّار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الْأسد بْن هِلَال المَخْزُومِي، وَأَخُوهُ عَبْد اللَّهِ بْن سُفْيَان، وَهِشَام بْن أبي حُذَيْفَة بْن الْمُغيرَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن مَخْزُوم، وَعَيَّاش بْن أبي ربيعَة بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي، ومعتب بْن عَوْف بْن عَامر الْخُزَاعِيّ، يعرف بمعتب بْن حَمْرَاء حَلِيف بني مَخْزُوم، والسائب بْن عُثْمَان بْن مَظْعُون، وعماه قدامَة وَعبد اللَّه ابْنا مَظْعُون. وحاطب وحطاب ابْنا الْحَارِث بْن معمر الجُمَحِي، وَمَعَ حَاطِب زوجه فَاطِمَة بنت المجلل العامرية، ولدت لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا والْحَارث ابْني حَاطِب، وَمَعَ حطاب زوجه فكيهة بنت يسَار. وسُفْيَان بْن معمر بْن حبيب الجُمَحِي، وَمَعَهُ ابناه جَابر وجنادة ابْنا سُفْيَان، وأمهما حَسَنَة، وأخوهما لِأُمِّهِمَا شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة، وَهُوَ شُرَحْبِيل بْن عَبْد اللَّهِ بْن المطاع الْكِنْدِيّ وَقيل1 إِنَّه من بني الْغَوْث بْن مر أخي تَمِيم بْن مر. وَعُثْمَان بْن ربيعَة بْن أهبان بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، وخنيس بْن حذافة بْن قيس بْن عدي السَّهْمِي، وأخواه قيس وَعبد اللَّه ابْنا حذافة، وَرجل من تَمِيم اسْمه سعيد بْن عَمْرو كَانَ أَخا بشر2 بْن الْحَارِث بْن قيس بْن عدي لأمه. وَهِشَام بْن الْعَاصِ بْن وَائِل أَخُو عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَعُمَيْر بْن رِئَاب بْن حُذَيْفَة السَّهْمِي، وَأَبُو قيس بْن الْحَارِث بْن قيس بْن عدي السَّهْمِي، وإخوانه: الْحَارِث بْن الْحَارِث وَمعمر بْن الْحَارِث وَسَعِيد بْن الْحَارِث، والسائب بْن الْحَارِث، وَبشر بْن الْحَارِث، ومحمية بْن جُزْء الزبيدِيّ حَلِيف بني سهم. وَمعمر بْن عَبْد اللَّهِ بْن نَضْلَة3 الْعَدوي من بني عدي بْن كَعْب وَعُرْوَة بن عبد الْعزي
ابْن حرثان الْعَدوي وعدي بْن نَضْلَة بْن عَبْد الْعُزَّى الْعَدوي. وَابْنه النُّعْمَان بْن عدي، وَمَالك بْن ربيعَة1 بْن قيس العامري وَامْرَأَته عمْرَة بنت أسعد2 بْن وقدان بْن عَبْد شمس العامرية، وَسعد بْن خَوْلَة من أهل الْيمن حَلِيف لبني عَامر بْن لؤَي، وَعبد اللَّه بْن مخرمَة بْن عبد الْعُزَّى العامري، وَعبد اللَّه بْن سُهَيْل بْن عَمْرو العامري، وعماه: سليط بْن عَمْرو، والسكران بْن عَمْرو، وَمَعَ السَّكْرَان بْن عَمْرو امْرَأَته3 سَوْدَة بنت زَمعَة. وَأَبُو عُبَيْدَة عَامر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْجراح الفِهري، وَعَمْرو بْن أبي سرح بْن ربيعَة بْن هِلَال بْن أهيب بْن ضبة بْن الْحَارِث بْن فهر، وعياض بْن زُهَيْر بْن أبي شَدَّاد الفِهري، وَعُثْمَان بْن عَبْد غنم بْن زُهَيْر بْن أبي شَدَّاد. وَسعد بْن عَبْد قيس بْن لَقِيط بْن عَامر الفِهري. وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَثر، وَقَالَهُ بعض أهل السّير، أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَانَ فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه خرج فِي طَائِفَة من قومه4 مُهَاجرا من بَلَده بِالْيمن، يُرِيد الْمَدِينَة، فَرَكبُوا الْبَحْر، فرمتهم الرّيح بالسفينة الَّتِي كَانُوا فِيهَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة، فَأَقَامَ هُنَالك حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر5 بْن أبي طَالب. وَلما نزل هَؤُلَاءِ بِأَرْض الْحَبَشَة أمنُوا على دينهم وَأَقَامُوا بِخَير دَار عِنْد خير جَار. وطالبتهم قُرَيْش عِنْده، فَكَانَ ذَلِك سَبَب إِسْلَامه على مَا نورده بعد إِن شَاءَ اللَّه. وَأقَام بِمَكَّة من كَانَ لَهُ من عشيرته مَنْعَة. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش أَن الْإِسْلَام يفشو وينتشر اجْتَمعُوا فتعاقدوا، على بني هَاشم وأدخلوا مَعَهم بني الْمطلب، أَلا يكلموهم وَلَا يجالسوهم وَلَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم. وَاجْتمعَ على ذَلِك ملؤهم، وَكَتَبُوا بذلك صحيفَة، وعلقوها فِي الْكَعْبَة. فانحاز بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم، فصاروا فِي شعب أبي طَالب مَحْصُورين مُبْعَدِينَ مُجْتَنَبِينَ، حاشا أَبَا لَهب وَولده فَإِنَّهُم صَارُوا مَعَ قُرَيْش على قَومهمْ، فبقوا كَذَلِك ثَلَاث سِنِين إِلَى أَن جمع اللَّه قُلُوب قوم من قُرَيْش على نقض مَا كَانَت قُرَيْش تعاقدت فِيهِ على بني هَاشم وَبني الْمطلب.
باب ذكر دخول بني هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف في الشعب
بَاب ذكر دُخُول بني هَاشم بْن عَبْد منَاف وَبني الْمطلب بْن عَبْد منَاف فِي الشّعب 1 وَمَا لقوا من سَائِر قُرَيْش فِي ذَلِك 2 أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سَلمَة الْمرَادِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن أبي الْأسود. وَأخْبرنَا عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَاسم بْن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا مطرف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قيس، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن حميد بْن كاسب، وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق الْمسَيبِي قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فليح، عَن مُوسَى بْن عقبَة، عَن ابْن شهَاب دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض، قَالَ: ثمَّ إِن كفار قُرَيْش أَجمعُوا أَمرهم وَاتفقَ رَأْيهمْ على قتل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: قد أفسد أبناءنا وَنِسَاءَنَا. فَقَالُوا لِقَوْمِهِ: خُذُوا منا دِيَته3 مضاعفة ويقتله رجل من غير قُرَيْش، وتريحوننا وتريحون أَنفسكُم، فَأبى قومه بَنو هَاشم من ذَلِك وظاهرهم بَنو الْمطلب بْن عَبْد منَاف، فأجمع الْمُشْركُونَ من قُرَيْش على منابذتهم وإخراجهم من مَكَّة إِلَى الشّعب. فَلَمَّا دخلُوا الشّعب أَمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ بِمَكَّة من الْمُؤمنِينَ أَن يخرجُوا إِلَى
أَرض الْحَبَشَة، وَكَانَ متجرا لقريش، وَكَانَ يثني على النَّجَاشِيّ بِأَنَّهُ لَا يظلم عِنْده أحد فَانْطَلق الْمُسلمُونَ إِلَى بَلَده. وَانْطَلق إِلَيْهَا عَامَّة من آمن بِاللَّه وَرَسُوله وَدخل بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب شِعْبهمْ: مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا، وَالْكَافِر حمية*. فَلَمَّا عرفت قُرَيْش أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مَنعه قومه أَجمعُوا على أَلا يبايعوهم وَلَا يدخلُوا إِلَيْهِم شَيْئا من الرِّفْق1 وَقَطعُوا عَنْهُم الْأَسْوَاق وَلم يتْركُوا طَعَاما وَلَا إدَامًا وَلَا بيعا إِلَّا بَادرُوا إِلَيْهِ واشتروه دونهم2 وَلَا يناكحوهم، وَلَا يقبلُوا مِنْهُم صلحا أبدا، وَلَا تأخذهم بهم رأفة، حَتَّى يسلمُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْقَتْل. وَكَتَبُوا بذلك صحيفَة وعلقوها فِي الْكَعْبَة، وتمادوا على الْعَمَل بِمَا فِيهَا من ذَلِك ثَلَاث سِنِين. فَاشْتَدَّ الْبلَاء على بني هَاشم فِي شِعْبهمْ وعَلى كل من مَعَهم* *. فَلَمَّا كَانَ رَأس ثَلَاث سِنِين تلاوم قوم من بني قصي، مِمَّن ولدتهم بَنو هَاشم وَمِمَّنْ سواهُم، فَأَجْمعُوا أَمرهم على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة، وَبعث اللَّه على صحيفتهم الأرضة، فَأكلت ولحست مَا فِي الصَّحِيفَة من مِيثَاق وعهد. وَكَانَ أَبُو طَالب فِي طول مدتهم فِي الشّعب يَأْمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتِي فرَاشه كل لَيْلَة حَتَّى يرَاهُ من أَرَادَ بِهِ شرا أَو غائلة. فَإِذا نَام النَّاس أَمر أحد بنيه أَو إخوانه أَو بني عَمه، فاضطجع على فرَاش رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأمر رَسُول اللَّه أَن يَأْتِي بعض فرشهم فيرقد عَلَيْهَا. فَلم يزَالُوا فِي الشّعب على ذَلِك إِلَى تَمام ثَلَاث سِنِين. فَلَمَّا أكملوها تلاوم رجال من قُرَيْش وحلفائهم وَأَجْمعُوا أَمرهم على نقض مَا كَانُوا تظاهروا عَلَيْهِ من القطيعة والبراءة. وَبعث اللَّه على صحيفتهم الأرضة، فلحست كل مَا كَانَ فِيهَا من عهد لَهُم وميثاق، وَلم تتْرك فِيهَا اسْما لله عز وَجل إِلَّا لحسته، وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من شرك أَو ظلم وَقَطِيعَة رحم. فَأطلع اللَّه عز وَجل رَسُوله
على ذَلِك، فَذكر ذَلِك رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طَالب، فَقَالَ أَبُو طَالب: لَا والثواقب1 مَا كَذَبْتَنِي، فَانْطَلق فِي عِصَابَة من بني عَبْد الْمطلب حَتَّى أَتَوا الْمَسْجِد، وهم خائفون، لقريش. فَلَمَّا رأتهم قُرَيْش فِي جمَاعَة أَنْكَرُوا ذَلِك، وظنوا أَنهم خَرجُوا من شدَّة الْبلَاء ليسلموا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برمتِهِ2 إِلَى قُرَيْش. فَتكلم أَبُو طَالب، فَقَالَ: قد جرت أُمُور بَيْننَا وَبَيْنكُم لم3 نذكرها لكم، فَأتوا بصحيفتكم الَّتِي فِيهَا مواثيقكم فَلَعَلَّهُ أَن يكون بَيْننَا وَبَيْنكُم صلح. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك أَبُو طَالب خشيَة أَن ينْظرُوا فِي الصَّحِيفَة قبل أَن يَأْتُوا بهَا. فَأتوا بصحيفتهم متعجبين لَا يَشكونَ أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْفَعُ إِلَيْهِم، فَوَضَعُوهَا4 بَينهم، وَقَالُوا لأبي طَالب: قد آن لكم أَن ترجعوا عَمَّا أَخَذْتُم5 علينا وعَلى أَنفسكُم فَقَالَ أَبُو طَالب: إِنَّمَا أتيتكم فِي أَمر هُوَ نصف بَيْننَا وَبَيْنكُم، إِن ابْن أخي أَخْبرنِي، وَلم يُكْذِبْنِي، أَن هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي بَين6 أَيْدِيكُم قد بعث الله عَلَيْهِ دَابَّة، فَلم تتْرك فِيهَا اسْما لَهُ إِلَّا لحسته، وَتركت فِيهَا غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فَإِن كَانَ الحَدِيث كَمَا يَقُول فأفيقوا، فَلَا وَالله لَا نسلمه حَتَّى نموت من عِنْد آخِرنَا، وَإِن كَانَ الَّذِي يَقُول بَاطِلا دفعنَا إِلَيْكُم صاحبنا ففتلتم أَو استحييتم. فَقَالُوا: قد رَضِينَا بِالَّذِي تَقول. ففتحوا الصَّحِيفَة، فوجدوا الصَّادِق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بخبرها قبل أَن تفتح. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش صدق مَا جَاءَ بِهِ أَبُو طَالب عَن النَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: هَذَا سحر ابْن أَخِيك. وَزَادَهُمْ ذَلِك بغيا وعدوانا. وَأما ابْن هِشَام فَقَالَ7: قد ذكر بعض أهل الْعلم أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي طَالب: "يَا عَم إِن رَبِّي قد سلط الأرضة على صحيفَة قُرَيْش، فَلم تدع فِيهَا اسْما لله
إِلَّا أثبتته، ونفت مِنْهَا القطيعة وَالظُّلم والبهتان". قَالَ: أربك أخْبرك بِهَذَا؟ قَالَ: "نعم"، قَالَ: فوَاللَّه مَا يدْخل عَلَيْك أحد، ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش، فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش إِن ابْن أخي أَخْبرنِي. وسَاق الْخَبَر بِمَعْنى مَا ذكرنَا*. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق ومُوسَى [بْن عقبَة] 1 وَغَيرهمَا فِي تَمام ذَلِك الْخَبَر2: وَنَدم مِنْهُم قوم، فَقَالُوا: هَذَا بغي منا على إِخْوَاننَا وظلم لَهُم. فَكَانَ أول من مَشى فِي نقض الصَّحِيفَة هِشَام بْن عَمْرو بْن الْحَارِث3 من بني عَامر بْن لؤَي، وَهُوَ كَانَ كَاتب4 الصَّحِيفَة، وَأَبُو البحتري الْعَاصِ بْن هِشَام5 بْن الْحَارِث بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، والمطعم بن عدي. إِلَى هَا هُنَا تمّ6 خبر ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بيتيم7 عُرْوَة، ومُوسَى بْن عقبَة عَن ابْن شهَاب. وَهُوَ معنى مَا ذكر ابْن إِسْحَاق، إِلَّا أَن ابْن إِسْحَاق قَالَ8: الَّذين مَشوا فِي نقض الصَّحِيفَة هِشَام9 بْن عَمْرو بْن الحاث بْن حبيب بْن نصر بْن
مَالك ابْن حسل بْن عَامر بْن لؤَي لَقِي زُهَيْر بْن أبي أُميَّة بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي فَعَيَّرَهُ بِإِسْلَامِهِ أَخْوَاله، وَكَانَت أم زُهَيْر عَاتِكَة بنت عَبْد الْمطلب عمَّة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَجَابَهُ زُهَيْر إِلَى نقض الصَّحِيفَة. ثمَّ مضى هِشَام إِلَى الْمطعم بْن عدي بْن نَوْفَل فَذَكَّرَهُ أَرْحَامَ بني هَاشم وَبني الْمطلب بْن عَبْد منَاف فَأَجَابَهُ الْمطعم إِلَى نقضهَا ثمَّ مضى إِلَى البحتري بْن هِشَام بْن الْحَارِث بْن أَسد، فَذكره أَيْضا بذلك، فَأَجَابَهُ. ثمَّ مضى إِلَى زَمعَة بْن الْأسود بْن الْمطلب بْن أَسد، فَذكره ذَلِك، فَأَجَابَهُ فَقَامَ هَؤُلَاءِ فِي نقض الصَّحِيفَة. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسم بْن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ: أَنا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ عِنْدَ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَلا يُنَاكِحُوهُمْ وَلا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ ابْنُ الدغنة، فَرده1.
ذكر من انصرف من أرض الحبشة
ذكر من انْصَرف من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة 1 ثمَّ اتَّصل بِمن كَانَ فِي أَرض الْحَبَشَة من الْمُهَاجِرين أَن قُريْشًا قد أسلمت وَدخل أَكْثَرهَا فِي الْإِسْلَام خَبرا كَاذِبًا*. فَانْصَرف مِنْهُم قوم من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة، مِنْهُم عُثْمَان بْن عَفَّان وَزَوجته رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة، وَامْرَأَته سهلة بنت سُهَيْل، وَعبد اللَّه بْن جحش، وَعتبَة بْن غَزوَان وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام، وَمصْعَب بْن عُمَيْر وسويبط بْن سعد بْن حَرْمَلَة، وطليب بْن عُمَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف، والمقداد بْن عَمْرو، وَعبد اللَّه بْن مَسْعُود، وَأَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد، وَامْرَأَته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة، وشماس بْن عُثْمَان وَهُوَ عُثْمَان بْن عُثْمَان وشماس لقبه، وَسَلَمَة بْن هِشَام بْن الْمُغيرَة، وعمار2 بْن يَاسر، وَعُثْمَان وَقُدَامَة وَعبد الله بن مظغون، والسائب بن عُثْمَان بن مظغون، وخنيس بْن حذافة، وَهِشَام بْن الْعَاصِ بْن وَائِل، وعامر بْن ربيعَة، وَامْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة، وَعبد اللَّه بْن مخرمَة بْن عَبْد الْعُزَّى من بني عَامر بْن لؤَي، وَعبد اللَّه بْن سُهَيْل بْن عَمْرو، وَأَبُو سُبْرَة بْن أبي رهم، وَامْرَأَته أم كُلْثُوم بنت سُهَيْل بْن عَمْرو، والسكران بْن عَمْرو أَخُو سُهَيْل بْن عَمْرو رَجَعَ من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة وَمَات بهَا قبل الْهِجْرَة فَتزَوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجه سَوْدَة بنت زَمعَة، وَسعد بْن خَوْلَة، وَأَبُو عُبَيْدَة بْن الْجراح، وَعَمْرو بْن الْحَارِث بْن زُهَيْر بْن شَدَّاد3، وَسُهيْل بْن وهب الفِهري وَهُوَ سُهَيْل بْن بَيْضَاء، وَعَمْرو بْن أبي سرح. فوجدوا الْبلَاء والأذى على الْمُسلمين كَالَّذي كَانَ وَأَشد، فبقوا صابرين على الظُّلم والأذى، حَتَّى أذن اللَّه لَهُم بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة، فَهَاجرُوا إِلَيْهَا4، حاشا سَلمَة بْن هِشَام، وَعَيَّاش5 بْن أبي ربيعَة، والوليد بْن الْوَلِيد [بْن الْمُغيرَة] 6 وَعبد اللَّه بْن مخرمَة، فَإِنَّهُم حبسوا بِمَكَّة، ثمَّ هَاجرُوا بعد بدر وَأحد وَالْخَنْدَق إِلَّا عَبْد اللَّهِ بْن مخرمَة فَإِنَّهُ هرب من الْكفَّار يَوْم بدر إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبعد نقض الصَّحِيفَة مَاتَت خَدِيجَة7 رَضِي اللَّه عَنْهَا وَمَات أَبُو طَالب، فأقدم سُفَهَاء قُرَيْش على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأذى، فَخرج إِلَى الطَّائِف يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام، فَلم يُجِيبُوهُ، فَانْصَرف إِلَى مَكَّة فِي جوَار الْمطعم بْن عدي بْن نَوْفَل بْن عَبْد منَاف. قَالَ ابْن شهَاب بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم، عَن مُوسَى بْن عقبَة: فَلَمَّا أفسد اللَّه صحيفَة مَكْرهمْ خرج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورهطه، فعاشروا8 وخالطوا النَّاس.
ذكر إسلام الجن
ذِكْرُ إِسْلَام الْجِنّ 1 وَأَقْبل وَفد الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن ثمَّ ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين. ثمَّ أَتَتْهُ الْجَمَاعَة مِنْهُم فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ"، فَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ غَيْرِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ، فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ، فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ2 كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ طَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ. وَفَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَعَ الْفَجْرِ. فَانْطَلَقَ، فَتَبَرَّزَ ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: "مَا فَعَلَ الرَّهْطُ؟ " قُلْتُ: هُمْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوَثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوَثٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أخبرنَا
شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي قُرَادَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ1: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ، فَلْيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ غِشٍّ" قَالَ: فَقُمْتُ وَمَعِي إِدَاوَةٌ، وفيهَا نبيد قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَيْتُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، فَخَطَّ عَلَيَّ خِطَّةً، ثُمَّ قَالَ: "إِنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَكَ". قَالَ: وَمَضَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ فَوَجَدَنِي قَائِمًا، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ قَائِمًا؟ " قُلْتُ: خَشِيتُ أَنْ لَا تَرَانِي وَلا أَرَاكَ أَبَدًا. قَالَ: "مَا ضَرَّكَ لَوْ قَعَدْتَ" وَقَالَ: "مَا هَذَا مَعَكَ؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ. قَالَ: "هَاتِ، ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقُمْتُ مَعَهُ وَخَلْفَهُ رَجُلانِ مِنَ الْجِنِّ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَقْبَلا عَلَيْهِ يَسْأَلانِهِ فَقَالَ: "مَا شَأْنُكُمَا؟ أَلَمْ أَقْضِ لَكُمَا وَلِقَوْمِكُمَا حَوَائِجَكُمْ؟ " 2 قَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْنَا أَنْ يَشْهَدَ مَعَكَ الصَّلاةَ بَعْضُنَا، فَقَالَ: "فَمَنْ أَنْتُمَا؟ " قَالا: مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، قَالَ: "أَفْلَحَ هَذَانِ وأفلح قومهما". ثُمَّ سَأَلا الْمُبَاحَ، فَقَالَ: $"الْعَظْمُ مُبَاحٌ لَكُمْ، وَالرَّوَثُ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَإِنَّهُمَا لَيَجِدَانِهِمَا أَعْظَمَ مَا كَانَ وَأَطْرَاهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَوَاتِرٌ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى حِسَانٍ كُلِّهَا إِلا حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَإِنَّ أَبَا زيد مَجْهُول لَا يعرف فِي أَصْحَاب ابْن مَسْعُود3 وَيَكْفِي من ذكر الْجِنّ مَا فِي سُورَة الرَّحْمَن وَسورَة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وَمَا جَاءَ فِي الْأَحْقَاف: قَوْله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن ... } الْآيَات. وَفِي خبر عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: وددت أَن أكون مَعَه لَيْلَة
الْجِنّ1. و [فِي] قَول عَلْقَمَة: وددت أَن صاحبنا مَعَه ليلتئذ مَا يدْفع الْأَخْبَار الْوَارِدَة بذلك، لِأَن الْمَعْنى أَنه لم يكن مَعَه، وَمَا زَالَ عَن الْخط الَّذِي خطّ لَهُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ2: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجِنِّ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُرَةٌ3، فَآذَنَتْهُ بِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنَ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ لَهُ: أَبُوكَ أَخْبَرَنَا: أَنَّ شَجَرَةً أَنْذَرَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْجِنِّ. قَالَ أَبُو دواد: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ آذنته بهم سَمُرَة *.
ذكر خروج الرسول إلى الطائف
[ذكر خُرُوج الرَّسُول إِلَى الطَّائِف وعودته إِلَى مَكَّة] 1 قَالَ الْفَقِيه أَبُو عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفسه فِي تِلْكَ السنين على الْقَبَائِل ليمنعوه، حَتَّى يبلغ رسالات ربه، وَلم يقبله أحد مِنْهُم، وَكلهمْ كَانَ يَقُول لَهُ: قومه أعلم بِهِ، وَكَيف يُصْلِحنَا من أفسد قومه؟ وَكَانَ ذَلِك مِمَّا ذخره اللَّه عز وَجل للْأَنْصَار وَأكْرمهمْ بِهِ. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالب اشْتَدَّ الْبلَاء على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعمد لثقيف رَجَاء أَن يؤووه، فَوجدَ ثَلَاثَة نفر، هم سادة ثَقِيف، وهم إخوةٌ: عَبْدُ2 يَالَيْلَ بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْن عَمْرٍو، فَعرض عَلَيْهِم نَفسه، وأعلمهم بِمَا لَقِي من قومه، فَقَالَ أحدهم: أَنا أسرق3 ثِيَاب الْكَعْبَة إِن كَانَ اللَّه بَعثك بِشَيْء قطّ، وَقَالَ الآخر: أعجز اللَّه أَن يُرْسل غَيْرك؟ وَقَالَ الثَّالِث: لَا أُكَلِّمك بعد مجلسك هَذَا، لَئِن كنت رَسُول اللَّه لأَنْت أعظم حَقًا من أَن أُكَلِّمك، وَلَئِن كنت تكذب على اللَّه لأَنْت شَرّ من أَن أُكَلِّمك وهزئوا بِهِ. وأفشوا فِي قَومهمْ مَا راجعوه بِهِ، وأقعدوا لَهُ صفّين4، فَلَمَّا مر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينهمَا5 جعلُوا لَا يرفع رجلا وَلَا يضع رجلا إِلَّا رضخوها6 بحجارة، قد كَانُوا أعدوها، حَتَّى أدموا رجلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخلص مِنْهُم وَعمد إِلَى حَائِط7 من حوائطهم، فاستظل فِي ظلّ نَخْلَة مِنْهُ، وَهُوَ مكروب تسيل قدماه بالدماء، وَإِذا فِي
الْحَائِط عتبَة1 بْن ربيعَة وَشَيْبَة بْن ربيعَة. فَلَمَّا رآهما كره مكانهما لما علم من عداوتهما لله وَلِرَسُولِهِ. فَلَمَّا رأياه أرسلا إِلَيْهِ غُلَاما لَهما يُقَال لَهُ عداس، وَهُوَ نَصْرَانِيّ من أهل نِينَوَى، مَعَه عِنَب. فَلَمَّا أَتَاهُ عداس قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ " قَالَ: من أهل نِينَوَى2. فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "مَدِينَة الرجل الصَّالح يُونُس بْن مَتَّى". فَقَالَ لَهُ عداس: مَا يدْريك مَنْ يُونُس بْن مَتَّى. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يحقر أحدا أَن يبلغهُ رِسَالَة ربه. فَقَالَ: "أَنا رَسُول اللَّه". فَلَمَّا أخبرهُ بِمَا أوحى اللَّه إِلَيْهِ من شَأْن يُونُس خر عداس سَاجِدا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجعل يقبل قَدَمَيْهِ، وهما يسيلان دَمًا. فَلَمَّا أبْصر عتبَة وَشَيْبَة مَا يصنع غلامهما سكتا، فَلَمَّا أتاهما قَالَا: مَا شَأْنك؟! سجدت لمُحَمد وَقبلت قَدَمَيْهِ! قَالَ: هَذَا رجل صَالح، أَخْبرنِي بِشَيْء عَرفته من شَأْن رَسُول بَعثه اللَّه عز وَجل يدعى يُونُس بْن مَتى. فضحكا بِهِ، وَقَالا لَهُ: إياك أَن يفتنك عَن نصرانيتك فَإِنَّهُ رجل خداع. فَرجع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ السَّرْحِ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ3: أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: "لَقِيتُ مِنْ قَوْمِي 4 مَا كَانَ أَشَدَّ. قَالَ: وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ ثَقِيفٍ 5، إِذْ عَرَضْتُ [نَفسِي] 6 على عبد 7 ياليل بْنِ عَبْدِ كِلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ. فَانْطَلَقْتُ [عَلَى وَجْهِي] 8 وَأَنَا مَغْمُومٌ 9، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بقرن 10 الثعالب.
فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ [وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ] 1 وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ [لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ] 2 فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ 3: أَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ [وَحْدَهُ] 4 وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا*. [إِسْلَام الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدوسي] 5 قَالَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: وَبعد رُجُوع رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ دُعَاء ثَقِيف قدم عَلَيْهِ الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدوسي، فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَام، وَأمره بِدُعَاء قومه، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه، اجْعَل لي آيَة تكون لي عونا. فَدَعَا لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجعل اللَّه فِي وَجهه نورا، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَخَاف أَن يجعلوها مثلَة، فَدَعَا لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ النُّور فِي سَوْطه، فَهُوَ
مَعْرُوف بِذِي النُّور*. وَوصل إِلَى قومه بِتِلْكَ الْآيَة، فَأسلم أَكْثَرهم، وَأقَام الطُّفَيْل فِي بِلَاده إِلَى عَام الخَنْدَق ثمَّ قدم فِي سبعين أَو ثَمَانِينَ رجلا من قومه مُسلمين. وَقد ذكرنَا خَبره بِتَمَامِهِ فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة. حَدِيث الْإِسْرَاء [والمعراج] مُخْتَصرا 1 ثمَّ أسرِي2 برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْأَقْصَى. ثمَّ مِنْهُ إِلَى السَّمَاء، فَرَأى الْأَنْبِيَاء فِي السَّمَوَات على مَا فِي الحَدِيث بذلك. وَفرض اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ الصَّلَوَات الْخمس3. ثمَّ انْصَرف فِي ليلته تِلْكَ إِلَى مَكَّة، فَأخْبر بذلك، فَصدقهُ أَبُو بكر وكل من آمن بِهِ، وَكذبه الْكفَّار، واستوصفوه مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَمَثَّلَهُ اللَّه لَهُ، فَجعل ينظر إِلَيْهِ ويصفه.
[عرض الرَّسُول الإسلامَ على قبائل الْعَرَب] 1 وَفِي ذَلِك2 كُله رَسُول اللَّه لَا يزَال يَدْعُو إِلَى دين اللَّه، وَيَأْمُر بِهِ كل من لقِيه وَرَآهُ من الْعَرَب3 إِلَى أَن قدم سُوَيْد بْن الصَّامِت أَخُو بني عَمْرو بْن عَوْف من الْأَوْس، فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَام، فَلم يبعد وَلم يجب، ثمَّ انْصَرف إِلَى يثرب، فَقتل فِي بعض حروبهم4. وَقدم مَكَّة أَبُو الحيسر أنس بْن رَافع فِي فتية من قومه من بني عَبْد الْأَشْهَل يطْلبُونَ الْحلف5، فَدَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ رجل مِنْهُم اسْمه6 إِيَاس بْن معَاذ، وَكَانَ شَابًّا: يَا قوم هَذَا وَالله خير مِمَّا قدمنَا لَهُ. فَضَربهُ أَبُو الحيسر، وانتهره، فَسكت. ثمَّ لم يتم لَهُم الْحلف، فانصرفوا إِلَى بِلَادهمْ. وَمَات إِيَاس بْن معَاذ، فَقيل إِنَّه مَاتَ مُسلما.
الْعقبَة الأولى 1 ثمَّ إِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي عِنْد الْعقبَة فِي الْمَوْسِم2 سِتَّة نفر من الْأَنْصَار، كلهم من الْخَزْرَج، وهم أَبُو أُمَامَة أسعد3 بْن زُرَارَة، وعَوْف4 بْن الْحَارِث بْن رِفَاعَة وَهُوَ ابْن عفراء5، وَرَافِع6 بْن مَالك بْن العجلان. وَقُطْبَة7 بْن عَامر بْن حَدِيدَة، وَعقبَة8 بْن عَامر بْن نابي، وَجَابِر9 بْن عَبْد اللَّهِ بْن رِئَاب. وَمن أهل الْعلم بالسير من بِجعْل فيهم عبَادَة10 بْن الصَّامِت وَيسْقط جَابر بْن عَبْد اللَّهِ بْن رِئَاب. فَدَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، فَكَانَ من صُنْعِ اللَّه لَهُم أَنهم كَانُوا من جيران الْيَهُود، فَكَانُوا يسمعونهم يذكرُونَ أَن اللَّه تَعَالَى يبْعَث نَبيا قد أطل زَمَانه11. فَقَالَ بَعضهم لبَعض: هَذَا وَالله الَّذِي تُهَدِّدُكُمْ بِهِ يهود فَلَا يسبقونا إِلَيْهِ. فأسلموا بِهِ
وَبَايَعُوا*. وَقَالُوا: إِنَّا قد تركنَا1 قَومنَا، بَيْننَا وَبينهمْ حروب، فننصرف وندعوهم إِلَى مَا دَعوتنَا إِلَيْهِ، فَعَسَى اللَّه أَن يجمعهُمْ بك، فَإِن اجْتمعت كلمتهم عَلَيْك واتبعوك، فَلَا أحد أعز مِنْك. وَانْصَرفُوا إِلَى الْمَدِينَة، فدعوا إِلَى الْإِسْلَام، حَتَّى فَشَا فيهم، وَلم تبْق دَار من دور الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا ذكر من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْعقبَة الثَّانِيَة 2 حَتَّى إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل قدم مَكَّة من الْأَنْصَار اثْنَا عشر رجلا، مِنْهُم خَمْسَة من السِّتَّة الَّذين ذكرنَا وهم أَبُو أُمَامَة، وعَوْف بْن عفراء، وَرَافِع بْن مَالك، وَقُطْبَة بْن عَامر بْن حَدِيدَة وَعقبَة بْن عمر بْن نابي. وَلم يكن فيهم جَابر بْن عَبْد اللَّهِ بْن رِئَاب، وَلم يحضرها3. والسبعة الَّذين هم تَتِمَّة الاثْنَي عشر هم: معَاذ بْن الْحَارِث بْن رِفَاعَة وَهُوَ ابْن عفراء أَخُو عَوْف الْمَذْكُور، وذكوان بْن عَبْد قيس الزرقي وَذكروا أَنه رَحل إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فسكنها مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ مهَاجر أَنْصَارِي قتل يَوْم أحد، وَعبادَة بْن الصَّامِت بْن قيس بْن أَصْرَم، وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن يزِيد بْن ثَعْلَبَة البلوي حَلِيف بني غصينة من بلي، وَالْعَبَّاس بْن عبَادَة بْن نَضْلَة. فَهَؤُلَاءِ من الْخَزْرَج، وَمن الْأَوْس رجلَانِ:
أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التيهَان1 من بني عَبْد الْأَشْهَل، وعويم بْن سَاعِدَة من بني عَمْرو بْن عَوْف حَلِيف2 لَهُم من بلي. فَبَايع رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ عِنْد الْعقبَة على بيعَة النِّسَاء3، وَلم يكن أَمر بِالْقِتَالِ بعد. فَلَمَّا انصرفوا4 بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم ابْن أم مَكْتُوم، وَمصْعَب بْن عُمَيْر يعلم من أسلم مِنْهُم بِالْقُرْآنِ وَشَرَائِع الْإِسْلَام، وَيَدْعُو من لم يسلم إِلَى الْإِسْلَام. فَنزل مُصعب بْن عُمَيْر على أسعد بْن زُرَارَة. وَكَانَ مُصعب بْن عُمَيْر يدعى المقرىء الْقَارئ، وَكَانَ يؤمهم، فَجمع بهم أول5 جُمُعَة جمعت فِي الْإِسْلَام فِي هزم6 حرَّة بني بياضة فِي بَقِيع يُقَال لَهُ بَقِيع7 الْخضمات، وهم أَرْبَعُونَ رجلا. فَأسلم على يَد مُصعب بْن عُمَيْر خلق كثير من الْأَنْصَار، وَأسلم فِي جَمَاعَتهمْ سعد بْن معَاذ وَأسيد بْن حضير، وَأسلم بإسلامهما جَمِيع بني عَبْد الْأَشْهَل فِي يَوْم وَاحِد: الرِّجَال وَالنِّسَاء، لم يبْق مِنْهُم أحد إِلَّا أسلم، حاشا الأصيرمَ، وَهُوَ عَمْرو بْن ثَابت بْن وقش، فَإِنَّهُ تَأَخّر إِسْلَامه إِلَى يَوْم أحد، فَأسلم وَاسْتشْهدَ، وَلم يسْجد لله سَجْدَة. وَأخْبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه من أهل الْجنَّة. وَلم يكن فِي بني عَبْد الْأَشْهَل مُنَافِق وَلَا منافقة، كَانُوا كلهم حنفَاء مُخلصين، رَضِي اللَّه عَنْهُم أَجْمَعِينَ. وَلم يبْق دَار من دور الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا مُسلمُونَ: رجال وَنسَاء، حاشا بني أُميَّة بن
زيد، وخطمة، وواقد1 [وَوَائِل] 2، وهم بطُون من الْأَوْس، وَكَانُوا سكانا فِي عوالي الْمَدِينَة، فَأسلم مِنْهُم قوم. وَكَانَ سيِّدَهُمْ أَبُو قيس بْن صَيْفِي بْن الأصلت الشَّاعِر، فَتَأَخر إِسْلَامه وَإِسْلَام سَائِر قومه إِلَى أَن مَضَت بدر وَأحد وَالْخَنْدَق، ثمَّ أَسْلمُوا كلهم. ثمَّ رَجَعَ مُصعب بْن عُمَيْر إِلَى مَكَّة. الْعقبَة الثَّالِثَة 3 وَخرج إِلَى الْمَوْسِم جمَاعَة كَبِيرَة مِمَّن أسلم من الْأَنْصَار يُرِيدُونَ لِقَاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جملَة قوم كفار مِنْهُم لم يسلمُوا بعد، فوافوا مَكَّة. وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ الْبَراء4 بْن معْرور، فَرَأى أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة فِي الصَّلَاة، وَكَانَت الْقبْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس. فصلى كَذَلِك طول طَرِيقه. فَلَمَّا قدم مَكَّة نَدم، فاستفتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "قد كنت على قبْلَة لَو صبرت عَلَيْهَا"، مُنْكِرًا لِفِعْلِهِ. فواعدوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعقبَة من أواسط أَيَّام التَّشْرِيق، فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة دَعَا كعبُ بْن مَالك وَرِجَال من بني سَلمَة عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرو بْن حرَام وَكَانَ سيدا فيهم، إِلَى الْإِسْلَام، وَلم يكن أسلم، فَأسلم تِلْكَ اللَّيْلَة وَبَايع. وَكَانَ ذَلِك سرا مِمَّن حضر من كفار قَومهمْ. فَخَرجُوا فِي ثلث اللَّيْل الأول متسللين من رحالهم إِلَى الْعقبَة، فَبَايعُوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدهَا على أَن يمنعوه مِمَّا يمْنَعُونَ مِنْهُ أنفسهم ونساءهم وأبناءهم وَأَن يرحل إِلَيْهِم هُوَ وَأَصْحَابه. وَحضر الْعَبَّاس الْعقبَة تِلْكَ اللَّيْلَة متوثقا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومؤكدا على أهل يثرب، وَكَانَ يَوْمئِذٍ على دين قومه لم يسلم. وَكَانَ للبراء بْن معْرور فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الْمقَام الْمَحْمُود فِي
التوثيق لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشد لعقد أمره. وَهُوَ أول1 من بَايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة: لَيْلَة الْعقبَة [الثَّالِثَة] . وَكَذَلِكَ كَانَ مقَام أبي الْهَيْثَم2 بْن التيهَان، وَالْعَبَّاس3 بْن نَضْلَة يَوْمئِذٍ. وَكَانَ المبايعون لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة سبعين4 رجلا وَامْرَأَتَيْنِ. وَاخْتَارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُم اثْنَي5 عشر نَقِيبًا، وهم: أسعد بن زُرَارَة بن عدي أَبُو أُمَامَة، وَهُوَ أحد السِّتَّة، وَأحد الاثْنَي عشر، وَأحد السّبْعين6، وَسعد بْن الرّبيع، وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة، وَرَافِع بْن مَالك بْن العجلان وَهُوَ أَيْضا أحد السِّتَّة وَأحد الاثْنَي عشر وَأحد السّبْعين، والبراء بْن معْرور، وَعبد اللَّهِ بْنَ عَمْرو بْن حرَام، وَسعد بْن عبَادَة بْن دليم، وَالْمُنْذر بْن عَمْرو بْن خُنَيْس، وَعبادَة بْن الصَّامِت وَهُوَ أحد السِّتَّة فِي قَول بَعضهم، وَأحد الاثْنَي عشر وَأحد السّبْعين. فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة من الْخَزْرَج، وَثَلَاثَة من الْأَوْس: أسيد بْن حضير، وَسعد بْن خَيْثَمَة بْن الْحَارِث، وَرِفَاعَة بْن عَبْد الْمُنْذر. وَهَؤُلَاء هم النُّقَبَاء. وَقد أسقط قوم رِفَاعَة7 بْن عَبْد الْمُنْذر مِنْهُم، وعدوا مَكَانَهُ أَبَا الْهَيْثَم بْن التيهَان، وَالله أعلم.
وَهَذِه تَسْمِيَة من شهد الْعقبَة من الْأَنْصَار 1 مَعَ 2 الاثْنَي عشر النُّقَبَاء ظهير بْن رَافع بْن عدي الْحَارِثِيّ، وَسَلَمَة بْن سَلامَة بن وقش الْأَشْهَل، ونهير بْن الْهَيْثَم من بني نابي بْن مجدعة، وَعبد اللَّه بْن جُبَير بْن النُّعْمَان من بني عمرور بن عَوْف، وَأسد بْن حضير بْن سماك، وَأَبُو الْهَيْثَم بْن التيهَان، وَسعد بْن خَيْثَمَة، وَرِفَاعَة بْن عَبْد الْمُنْذر، وَأَبُو بردة هانىء بْن نيار حَلِيف لَهُم من بلي، وعويم بْن سَاعِدَة حَلِيف لَهُم من بلي، ومعن بْن عدي بْن الْجد حَلِيف لَهُم من بلي. فَهَؤُلَاءِ من الْأَوْس أحد عشر رجلا، وشهدها من الْخَزْرَج: أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ خَالِد بْن زيد، ومعاذ، ومعوذ، وعَوْف: بَنو الْحَارِث بْن رِفَاعَة وهم بَنو عفراء، وَعمارَة بْن حزم بْن زيد بْن لوذان، وَأَبُو رهم الْحَارِث بْن رِفَاعَة بْن الْحَارِث. هَؤُلَاءِ السِّتَّة من بني غنم بْن مَالك بْن النجار. وَسَهل بْن عتِيك بْن النُّعْمَان بْن النجار من بني عَامر بْن مَالك بْن النجار. وَأَوْس بْن ثَابت بْن الْمُنْذر بْن حرَام، وَأَبُو طَلْحَة وَهُوَ زيد بْن سهل النجاري. وَهَذَانِ من بني عَمْرو بْن مَالك بْن النجار. وَقيس بْن أبي صعصعة النجاري، وَعَمْرو بْن غزيَّة بْن عمر. وَهَذَانِ من بني غنم بْن مَازِن بْن النجار. وخارجة بْن زيد بْن أبي زُهَيْر، وَبشير بْن سعد [بْن ثَعْلَبَة] بْن خلاس3. وخلاد بْن سُوَيْد بْن ثَعْلَبَة. وَهَؤُلَاء من بني كَعْب بْن الْخَزْرَج بْن الْحَارِث بن الْخَزْرَج.
وَعبد اللَّه بْن زيد بْن ثَعْلَبَة من بني جشم بْن الْحَارِث بْن الْخَزْرَج. وَعقبَة بْن عَمْرو بْن يسيرَة1 بْن عسيرة2 أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج. وَهُوَ وَجَابِر بْن عَبْد اللَّهِ أَصْغَر من شهد الْعقبَة. وَزِيَاد بْن لبيد بْن ثَعْلَبَة، وفروة بْن عَمْرو بْن ودفة3، وخَالِد بْن قيس بْن مَالك. وَهَؤُلَاء من بني بياضة بْن عَامر بْن زُرَيْق بْن عَبْد حَارِثَة بْن مَالك بْن غضب بْن جشم بْن الْخَزْرَج. وذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدَة بْن مخلد بْن عَامر بْن زُرَيْق بْن عَامر أخي بياضة بن عَامر، وعياد بْن قيس بْن عَامر بْن خَالِد بْن عَامر بْن زُرَيْق بْن عَامر، والْحَارث بْن قيس بْن خَالِد بْن مخلد بْن زُرَيْق بْن عَامر أخي بياضة بْن عَامر. وَمن بني سَلمَة بْن سعد بْن عَليّ: بشر بْن الْبَراء بْن معْرور، وَسنَان بْن صَيْفِي بْن صَخْر، والطفيل بْن النُّعْمَان بْن خنساء، وَمَعْقِل بْن الْمُنْذر بْن سرح، وَيزِيد بْن الْمُنْذر بْن سرح، ومسعود بْن زيد بْن سبيع، وَيزِيد بْن خدام4 بْن سبيع، وَالضَّحَّاك بْن حَارِثَة بْن زيد، وجبار بْن صَخْر بْن أُميَّة، والطفيل بْن مَالك بْن الخنساء، وَهَؤُلَاء كلهم من بني عدي بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة. وَمن بني سَواد بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة: كَعْب5 بْن مَالك بْن أبي كَعْب الشَّاعِر، وسليم بْن عَمْرو بْن حَدِيدَة، وَقُطْبَة بْن عَامر بْن حَدِيدَة، وَأَخُوهُ يزِيد بْن عَامر، وَأَبُو الْيُسْر كَعْب بْن عَمْرو بْن عباد، وَابْن عَمه صَيْفِي بْن سَواد بْن عباد، وثعلبة بْن عنمة بْن عدي، وَأَخُوهُ عَمْرو بْن عنمة، وَعَبس بْن عَامر بْن عدي، وخَالِد بْن عَمْرو بْن عدي، وَعبد اللَّه بْن أنيس بْن أسعد حَلِيف لَهُم من قضاعة.
وَمن بني حرَام بْن كَعْب بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة: جَابر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن حرَام كَانَ من أحدثهم سنا، ومعاذ بْن الجموح، وثابت بْن الْجذع، وَاسم الْجذع ثَعْلَبَة بْن كَعْب1 بْن حرَام بْن كَعْب، وَعُمَيْر بْن الْحَارِث بْن لبدة، وخديج بْن سَلامَة بْن أَوْس حَلِيف لَهُم من بلي. وَمن إخْوَة بني سَلمَة وهم بَنو أُدي، وَيُقَال أُدي بْن سعد بْن عَليّ: معَاذ بْن جبل بْن عَمْرو بْن أَوْس بْن عَائِذ بْن عدي بْن كَعْب بْن عَمْرو بْن أُدي. وَجَمِيع من شَهِدَهَا من بني سَلمَة وحلفائهم ثَلَاثُونَ رجلا. وَقد ذكر بعض أهل السّير فيهم أَوْس بْن عباد بْن عدي. وَمن بني عَوْف بْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني سَالم بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف بْن الْخَزْرَج: الْعَبَّاس بْن عبَادَة بْن نَضْلَة وَهُوَ مهَاجر أَنْصَارِي هَاجر إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فَكَانَ مَعَه بهَا ثمَّ هَاجر مَعَه إِلَى الْمَدِينَة وَقتل يَوْم أحد، وَيزِيد بْن ثَعْلَبَة بْن خزمة2 بْن أَصْرَم حَلِيف لَهُم من [بني] غصينة من بلي، وَعَمْرو بْن الْحَارِث بْن لبدة من القواقل. وَمن بني الحبلى واسْمه سَالم بْن عَمْرو بْن عَوْف: رِفَاعَة بْن عَمْرو بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن مَالك بْن سَالم، وَعقبَة بْن وهب بْن كلدة بْن الْجَعْد من بني عَبْد اللَّهِ بْن غطفان بن سعد بن قيس عيلان حَلِيف لَهُم هَاجر أَيْضا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة: فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة رجال. وَمن بني كَعْب بْن الْخَزْرَج: سعد بْن عبَادَة بْن دليم، وَالْمُنْذر بْن عَمْرو وهما من النُّقَبَاء الَّذين ذكرنَا. وَامْرَأَتَانِ: نسيبة بنت كَعْب بْن عَمْرو من بني مَازِن بْن النجار وَهِي أم عمَارَة قتل مُسَيْلمَة ابْنهَا حبيب بْن زيد بْن عَاصِم، وَالثَّانيَِة أَسمَاء بنت عَمْرو بْن عدي بْن نابي من بني سَواد بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة وَهِي أم منيع. وَكَانَت الْبيعَة لَيْلَة الْعقبَة (الثَّالِثَة) على حَرْب الْأسود والأحمر. وَأخذ لنَفسِهِ، وَاشْترط عَلَيْهِم لرَبه، وَجعل لَهُم على الْوَفَاء بذلك الْجنَّة*.
باب ذكر الهجرة إلى المدينة
بَاب ذكر الْهِجْرَة 1 إِلَى الْمَدِينَة * فَلَمَّا تمت بيعَة هَؤُلَاءِ لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْعقبَة، وَكَانَت سرا، على كفار قَومهمْ وكفار قُرَيْش أَمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ مَعَه من الْمُسلمين بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة أَرْسَالًا2 فَقيل: أول3 من خرج أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد المَخْزُومِي وحبست عَنهُ امْرَأَته أم سَلمَة بنت
أبي أُميَّة بِمَكَّة نَحْو سنة، ثمَّ أذن لَهَا فِي اللحاق بزوجها فَانْطَلَقت مهاجرة وشيعها عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن أبي طَلْحَة وَهُوَ كَافِر1 إِلَى الْمَدِينَة. وَنزل أَبُو سَلمَة فِي قبَاء2. ثمَّ عَامر بْن ربيعَة، حَلِيف بني عدي بْن كَعْب مَعَه امْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة بْن غَانِم، وَهِي أول ظَعِينَة3 دخلت من الْمُهَاجِرَات إِلَى الْمَدِينَة. ثمَّ عَبْد اللَّهِ بْن جحش، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمد بْن جحش الشَّاعِر الْأَعْمَى، وأمهما وَأم إخوتهما أُميَّة بنت عَبْد الْمطلب. وَهَاجَر جَمِيع بني جحش بنسائهم، فغدا أَبُو سُفْيَان على دَارهم فتملكها إِذْ خلت مِنْهُم. وَكَانَت الفارعة بنت أبي سُفْيَان بْن حَرْب تَحت أبي أَحْمد بْن جحش. فَنزل هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة: أَبُو سَلمَة، وعامر بْن ربيعَة، وَعبد اللَّه وَأَبُو أَحْمد ابْنا جحش، على مُبشر بْن عَبْد الْمُنْذر بْن زنبر فِي بني عَمْرو بْن عَوْف بقباء. وَهَاجَر مَعَ بني جحش جمَاعَة من بني أَسد بْن خُزَيْمَة بنسائهم، مِنْهُم عكاشة بْن مُحصن، وَعقبَة وشجاع ابْنا وهب، وأربد بْن حمير4، ومنقذ بْن نباتة، وَسَعِيد بْن رُقَيْش وَأَخُوهُ يزِيد بْن رُقَيْش، ومحرز بْن نَضْلَة، وَقيس بْن جَابر، وَعَمْرو بْن مُحصن، وَمَالك5 بْن عَمْرو، وَصَفوَان بْن عَمْرو، وثقف بْن عَمْرو، وَرَبِيعَة بْن أَكْثَم، وَالزُّبَيْر بْن عُبَيْدَة، وَتَمام بْن عُبَيْدَة، وسخبرة بْن عُبَيْدَة، وَمُحَمّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن جحش، وَمن نِسَائِهِم زَيْنَب بنت6 جحش، وَحمْنَة بنت جحش، وَأم حبيب7 بنت جحش،
وجدامة1 بنت جندل، وَأم قيس بنت مُحصن، وَأم حَبِيبَة بنت نباتة، وأمامة2 بنت رُقَيْش. ثمَّ خرج3 عمر بْن الْخطاب وَعَيَّاش بْن أبي ربيعَة فِي عشْرين رَاكِبًا، فقدموا الْمَدِينَة، فنزلوا فِي العوالي فِي بني أُميَّة بْن زيد. وَكَانَ يُصَلِّي بهم سَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَكَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا. وَكَانَ هِشَام بْن الْعَاصِ بْن وَائِل قد أسلم، وواعد عمر بْن الْخطاب أَن يُهَاجر مَعَه، وَقَالَ: تجدني أَو أجدك عِنْد أضاة4 بني غفار، فَفطن لهشام قومه، فحبسوه عَن الْهِجْرَة، ثمَّ إِن أَبَا جهل والْحَارث بْن هِشَام أَتَيَا الْمَدِينَة5، فَكلما عَيَّاش بْن أبي ربيعَة، وَكَانَ أخاهما لِأُمِّهِمَا وَابْن عَمهمَا، وأخبراه أَن أمه قد نذرت أَن لَا تغسل رَأسهَا وَلَا تستظل حَتَّى ترَاهُ، فرقت نَفسه وصدقهما وَخرج رَاجعا مَعَهُمَا فكتفاه فِي الطَّرِيق، وبلغاه6 مَكَّة، فحبساه بهَا مسجونا، إِلَى أَن خلصه الله بعد ذَلِك بِدُعَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي قنوت الصَّلَاة: "اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَسَلَمَة بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف". ثمَّ استنقذ اللَّه عَيَّاش بْن أبي ربيعَة وسائرهم وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ من جملَة القادمين مَعَ عمر بْن الْخطاب أَخُوهُ زيد بْن الْخطاب، وَسَعِيد بْن زيد بن عَمْرو بْن نفَيْل، وَعَمْرو وَعبد اللَّه ابْنا سراقَة بْن الْمُعْتَمِر، وَكلهمْ من بني عدي بْن كَعْب، وواقد بْن عَبْد اللَّهِ التَّمِيمِي7، وخولي وَمَالك ابْنا أبي8 خولي من بني عجل بْن لجيم حلفاء بني عدي بْن كَعْب، وَإيَاس وعاقل وعامر وخَالِد بَنو البكير اللَّيْثِيّ9 حلفاء
بني عدي بْن كَعْب، وخنيس بْن حذافة السَّهْمِي وَزَوجته حَفْصَة بنت عمر بْن الْخطاب. نزلُوا بقباء على رِفَاعَة بْن عَبْد الْمُنْذر فِي بني عَمْرو بْن عَوْف. ثمَّ قدم طَلْحَة بْن عبيد اللَّه، فَنزل هُوَ وصهيب بْن سِنَان على خبيب بْن إساف1 فِي بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج2، وَيُقَال: بل نزل طَلْحَة على أبي أُمَامَة أسعد بْن زُرَارَة. وَكَانَ صُهَيْب ذَا مَال، فاتبعته قُرَيْش ليقتلوه ويأخذوا مَاله، فَلَمَّا أشرفوا عَلَيْهِ وَنظر مِنْهُم ونظروا إِلَيْهِ قَالَ لَهُم: قد تعلمُونَ أَنِّي من أرماكم رجلا، وَوَاللَّه لَا تصلونَ إِلَيَّ أَو يَمُوتَ مِنْكُم من شَاءَ اللَّه أَن يَمُوت، قَالُوا: فاترك مَالك، وانهض. قَالَ: مَالِي خلفته بِمَكَّة، وَأَنا أُعْطِيكُم أَمارَة فتأخذونه، فَعَلمُوا صدقه، وَانْصَرفُوا عَنهُ إِلَى مَكَّة بِمَا أَعْطَاهُم من الأمارة، فَأخذُوا مَاله، فَنزلت فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مرضاة الله وَالله رءوف بالعباد} الْآيَة. وَنزل حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب وحليفاه: أَبُو مرْثَد الغنوي، وَابْنه مرْثَد بْن أبي مرْثَد، وَزيد بْن حَارِثَة وأنسة3 وَأَبُو كَبْشَة4 موَالِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كُلْثُوم بْن الْهدم أخي بني عَمْرو بْن عَوْف بقباء. وَيُقَال: بل نزلُوا على سعد بْن خَيْثَمَة، وَقيل: إِن حَمْزَة نزل على أبي أُمَامَة أسعد بْن زُرَارَة. وَنزل عُبَيْدَة، والطفيل وَالْحصين، بَنو الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب بْن عَبْد منَاف، ومسطح5 بْن أَثَاثَة بْن عباد بْن الْمطلب، وسويبط بْن سعد بْن حَرْمَلَة6 الْعَبدَرِي، وطليب بْن عُمَيْر من بني عَبْد بْن قصي، وخباب بْن الْأَرَت مولى عتبَة بْن غَزوَان7، على عَبْد اللَّهِ بْن سَلمَة العجلابي بقباء.
وَنزل عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي رجال من الْمُهَاجِرين على سعد بْن الرّبيع فِي بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج. وَنزل الزبير بْن الْعَوام وَأَبُو سُبْرَة بْن أبي رهم على الْمُنْذر بْن مُحَمَّد بْن عقبَة بْن أحيحة بْن الجلاح فِي بني جحجبي1. وَنزل مُصعب بْن عُمَيْر بْن هِشَام بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار على سعد بْن معَاذ بْن النُّعْمَان الأشْهَلِي فِي بني عَبْد الْأَشْهَل. وَنزل أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة، وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَعتبَة بْن غَزوَان الْمَازِني على عباد بْن بشر بْن وقش فِي بني عَبْد الْأَشْهَل. وَنزل عُثْمَان بْن عَفَّان على أَوْس بْن ثَابت أخي حسان بْن ثَابت فِي بني النجار. وَنزل العزاب على سعد بْن خَيْثَمَة وَكَانَ عزبا. وَلم يبْق بِمَكَّة أحد من الْمُسلمين إِلَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وَعلي2، أَقَامَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَمْره. وَحبس قوم كرها، حَبسهم قَومهمْ، فَكتب اللَّه لَهُم أجر الْمُجَاهدين بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ من حرصهم على الْهِجْرَة. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش أَن الْمُسلمين قد صَارُوا إِلَى الْمَدِينَة، وَقد دخل أَهلهَا فِي الْإِسْلَام قَالُوا هَذَا شَرّ شاغل لَا يُطَاق. فَأَجْمعُوا أَمرهم على قتل3 رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبيتوه، ورصدوه على بَاب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إِذا خرج. فَأمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بْن أبي طَالب أَن ينَام على فرَاشه، ودعا اللَّه عز وَجل أَن يُعَمِّيَ عَلَيْهِم أَثَره، فطمس اللَّه على أَبْصَارهم، فَخرج وَقد غشيهم النّوم، فَوضع على رُءُوسهم تُرَابا ونهض4. فَلَمَّا أَصْبحُوا خرج عَلَيْهِم عَليّ وَأخْبرهمْ أَن لَيْسَ فِي الدَّار دَيَّارٌ، فَعَلمُوا أَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فَاتَ وَنَجَا5. وتواعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أبي بكر الصّديق لِلْهِجْرَةِ، فدفعا راحلتيهما إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن أرقط، وَيُقَال ابْن أريقط، الديلِي، وَكَانَ كَافِرًا لكنهما وثقا بِهِ، وَكَانَ دَلِيلا بالطرق، فاستأجراه ليدل بهما إِلَى الْمَدِينَة*.
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة
خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْهِجْرَةِ 1 وَخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خوخة2 فِي ظهر دَار أبي بكر الَّتِي فِي بني جمح، ونهضا نَحْو الْغَار فِي جبل3 ثَوْر*.
وَأمر أَبُو بكر ابْنه عَبْد اللَّهِ أَن يتسمع مَا يَقُول النَّاس، وَأمر مَوْلَاهُ عَامر بْن فهَيْرَة أَن يرْعَى غنمه ويريحها عَلَيْهِمَا لَيْلًا، ليَأْخُذ مِنْهَا حاجتهما. ثمَّ نهضا فدخلا الْغَار، وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر تأتيهما بِالطَّعَامِ، ويأتيهما عَبْد اللَّهِ بْن أبي بكر بالأخبار، ثمَّ يتلوهما عَامر بْن فهَيْرَة بالغنم فيعفي آثارهما. فَلَمَّا فقدته قُرَيْش جعلت تطلبه بقائف2 مَعْرُوف، فقفا3 الْأَثر حَتَّى وقف على الْغَار، فَقَالَ: هُنَا انْقَطع الْأَثر. فنظروا فَإِذا بالعنكبوت قد نسج على فَم الْغَار من سَاعَته، فَلَمَّا رَأَوْا نسج العنكبوت أيقنوا أَن لَا أحد فِيهِ، فَرَجَعُوا. وَجعلُوا فِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائَة نَاقَة لمن رده عَلَيْهِم. وَقد رُوِيَ من حَدِيث أبي الدراء وثوبان: أَن اللَّه عز وَجل أَمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وَجعلت ترقد على بيضها، فَلَمَّا نظر الْكفَّار إِلَيْهَا على فَم الْغَار ردهم ذَلِك عَن الْغَار*. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسم بْن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ. قَالا: أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" **. فَلَمَّا مَضَتْ لِبَقَائِهِمَا فِي الْغَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا وأتتهما أَسمَاء
بِسُفْرَتِهِمَا1، وَكَانَتْ قَدْ شَقَّتْ نِطَاقَهَا فَرَبَطَتْ بِنِصْفِهِ السُّفْرَةَ، وَانْتَطَقَتِ النِّصْفَ الآخَرَ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ*. فَرَكِبَا الرَّاحِلَتَيْنِ، وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ2 بْنَ فُهَيْرَةَ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ نَفْسِهِ جَمِيعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ سِتَّةِ آلافِ دِرْهَمٍ**. فَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ بِنَاحِيَةِ مَوْضِعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْثُمٍ. [فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ جَعَلَتْ فِيهِمْ قُرَيْشٌ مَا جَعَلَتْ لِمَنْ أَتَى بِهِمْ] 3 فَرَكِبَ فَرَسَهُ، وَتَبِعَهُمْ، لِيَرُدَّهُمْ بِزَعْمِهِ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِ، فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ، فَأَتْبَعَ يَدَيْهِ دُخَانٌ. فَعَلِمَ أَنَّهَا آيَةٌ، فَنَادَاهُمْ: قِفُوا عَلَيَّ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ. فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ. ثُمَّ هَمَّ بِهِ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فَلَنْ تَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَدَعَا لَهُ، فَاسْتَقَلَّتْ فَرَسُهُ، وَرَغِبَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا4، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَكَتَبَ5 لَهُ ***.
ثُمَّ مَرُّوا1 عَلَى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا [فِي قِصَّةِ2 شَاتِهَا] مَا هُوَ مَنْقُولٌ مَشْهُورٌ عَنِ الثِّقَاةِ*، وَنَهَضُوا قَاصِدِينَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَعْهُودَةِ. وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ مَرَاحِلَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجها.
وَعَبَرُوا عَلَى عَسَفَانَ، وَهُوَ وَادٍ تَعْتَسِفُهُ السُّيُولُ، وَكَانَ مَأْوَى الْجُذَمَاءِ قَدِيمًا، وَيُقَالُ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ حِينَ سَلَكَهُ، وَقَالَ: "إِنْ كَانَ مِنَ الْعِلَلِ شَيْءٌ بَعْدِي فَهَذِهِ الْعِلَّةُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ". وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى الْعَرَجَ [عَلَى نَحْوِ ثَمَانِينَ مِيْلا مِنَ الْمَدِينَة] وقف بهم بعض
ظَهْرِهِمْ [إِبِلِهِمْ] فَأَلْفَوْا رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ. فَحَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ ليَرُدهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاحْتَمَلُوا1 إِلَى بَطْنِ رِئْمٍ حَتَّى نَزَلُوا بِقُبَاءَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ ضُحًى وَقَدْ قِيلَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ*. وَأَوَّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَقَلَصَتِ الظِّلالُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَئِسُوا مِنْهُ فَانْصَرَفُوا. وَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِي نَخْلٍ2 لَهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: با بَنِي3 قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ -يَعْنِي حَظَّكُمْ- فَخَرَجُوا وَتَلَقَّوْهُ وَدَخَلَ مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ. فَقِيلَ إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَقِيلَ إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَكِلاهُمَا من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج. وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ". وَأَقَامَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّى وَدَائِعَ كَانَتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا ثُمَّ يَلْحَقُ بِهِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءٍ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا4، وَأَسَّسَ مَسْجِدهَا5 وَهُوَ
أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى *. ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا رَاكِبًا نَاقَتَهُ، مُتَوَجِّهًا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ [بْنِ عَوْفٍ] فَصَلاهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي1، فَخرج إِلَيْهِ الرِّجَال مِنْ بَنِي سَالِمٍ، مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ وَيُقِيمَ، فَقَالَ: "خَلُّوا النَّاقَةَ 2 فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَنَهَضَ الأَنْصَارُ حَوْلَهُ حَتَّى أَتَى [دُورَ] بَنِي بَيَاضَةَ، فَتَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى حَتَّى أَتَى [دُورَ] بَنِي سَاعِدَةَ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَدَعَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: "دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ [بَنِي] عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَلَقَّاهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو سَلِيطٍ يَسِيرَةُ3 بْنُ أَبِي خَارِجَةَ وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ". وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدُ تَمْرٍ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمَا: سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَكَانَ فِيهِ وحواليه نحل وَخِرَبٌ وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى ظَهْرِهَا لَمْ يَنْزِلْ، فَقَامَتْ وَمَشَتْ قَلِيلا
وَهُوَ لَا يُهَيِّجُهَا ثُمَّ الْتَفَتَتْ [خَلْفَهَا] فَكَرَّتْ إِلَى مَكَانِهَا وَبَرَكَتْ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا* صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَسَلَّمَ] . وَقد قيل إِنَّ جُبَارَ بْنَ صَخْرٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ يَنْخُسُهَا مُنَافَسَةً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي نُزُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ، فَانْتَهَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْعَدَهُ. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاقَتِهِ أَخَذَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَحَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ. وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا: عِلْيَتُهُ1 مَسْكَنُ أَبِي أَيُّوبَ. وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وسكنه فِيهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَاء أَو غُبَار على رَسُول الله فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَقْسَمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَبْدَى الرَّغْبَةَ لَهُ لَيَطْلُعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَهْبِطُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ2، وَحُجَرَهُ وَمَنَازِلَ أَزْوَاجِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مَا بَنَى فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ لِغُلامَيْنِ، فَأَرَادَ شِرَاءَهُ، فَأَبَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلُوهُ لِلَّهِ، وَعَاوَضُوا الْيَتِيمَيْنِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلا بِثمن، وَالله أعلم**.
بناء مسجد رسول الله
[بِنَاءُ مَسْجِد رَسُول اللَّه] 1 فَبنى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجده، وَجعل عضادتيه2 الْحِجَارَة وَسَوَارِيَهُ3 جُذُوعَ النّخل وسقفه جريدها بعد أَن نبش قُبُور الْمُشْركين وسواها وَسوى الخرب وَقطع النّخل. وَعمل فِيهِ الْمُسلمُونَ حسبَة. وَمَات أَبُو أُمَامَة أسعد بْن زُرَارَة فِي الْأَيَّام الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي [فِيهَا] مَسْجده وبيوته4، فَوجدَ5 عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدا شَدِيدا، وَقد كَانَ كواه من ذبحة نزلت بِهِ، وَكَانَ نَقِيبًا فِي بني النجار، فَلم يَجْعَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عَلَيْهِم نَقِيبًا6. مؤاخاة رَسُول اللَّه بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي اللَّه عَنْهُم أَجْمَعِينَ 7 وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنائِهِ الْمَسْجِد بَين الْأَنْصَار والمهاجرين. وَقد قيل إِن المؤاخاة كَانَت، وَالْمَسْجِد يبْنى، بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على الْمُوَاسَاة وَالْحق، فَكَانُوا يتوارثون
بذلك دون الْقرَابَات1 حَتَّى نزلت: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} . رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ: الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} . وَذكر سعيد بْن دَاوُد، قَالَ: بَلَغَنَا وَكَتَبْنَا عَن شُيُوخنَا أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آخى يَوْمئِذٍ بَين أبي بكر الصّديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زُهَيْر، وَبَين عمر بْن الْخطاب وعويم2 بْن سَاعِدَة، قَالَ: وَيُقَال بَين عمر بْن الْخطاب ومعاذ بْن عفراء. قَالَ: وَقيل أَيْضا بَين عمر وعتبان3 بْن مَالك، وَبَين عُثْمَان بْن عَفَّان وَأَوْس بْن ثَابت، وَبَين عَليّ بْن أبي طَالب وَسَهل4 بْن حنيف، وَبَين زيد بْن حَارِثَة وَأسيد5 بْن الْحضير، وَبَين أبي مرْثَد الغنوي وَعبادَة بْن الصَّامِت، وَبَين الزبير وَكَعب6 بن مَالك، وَبني طَلْحَة وَأبي7 بْن كَعْب، وَبَين سعد [بْن أبي وَقاص] وَسعد بْن معَاذ، وَبَين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَسعد بْن الرّبيع، وَبَين عَبْد اللَّهِ بْن جحش وَعَاصِم بْن ثَابت، وَبَين أبي حُذَيْفَة بْن عتبَة وَعباد بْن بشر، وَبَين عتبَة بْن غَزوَان وَأبي دُجَانَة، وَبَين مُصعب بْن عُمَيْر وَأبي أَيُّوب، وَبَين ابْن مَسْعُود ومعاذ8 بْن جبل، وَبَين أبي سَلمَة بْن عَبْد الْأسد وَسعد بْن خَيْثَمَة، وَبَين عمار وَحُذَيْفَة [بْن الْيَمَان] ، وَبَين أبي عُبَيْدَة وَمُحَمّد9 بن
مسلمة، وَبَين عُثْمَان بْن مَظْعُون وَأبي الْهَيْثَم بْن التيهَان، وَبَين سلمَان [الْفَارِسِي] وَأبي الدَّرْدَاء. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: ذكر هَذَا سنيد، وَلم يسْندهُ إِلَى أحد، إِلَّا أَنه بلغه1. وَالصَّحِيح عِنْد أهل السّير وَالْعلم بالآثار وَالْخَبَر فِي المؤاخاة الَّتِي عقدهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فِي حِين قدومه إِلَى الْمَدِينَة أَنه آخى بَين أبي بكر الصّديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زُهَيْر، وَبَين عمر بْن الْخطاب وعتبان بْن مَالك، وَبَين عُثْمَان بْن عَفَّان وَأَوْس بْن ثَابت بْن الْمُنْذر أخي2 حسان بْن ثَابت. وآخى بَين عَليّ بْن أبي طَالب وَبَين نَفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "أَنْت أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة". حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ أَخِي * وَصَاحِبِي". أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّهُ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر،
قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ، وَلا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ. وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حُضَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُهَنِيُّ يَعْنِي زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يَقُولُهَا أَحَدٌ بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ. وآخى بَين جَعْفَر بْن أبي طَالب وَهُوَ بِأَرْض1 الْحَبَشَة ومعاذ بْن جبل، وَبَين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَسعد بْن الرّبيع، وَبَين الزبير وَسَلَمَة بْن سَلامَة بْن وقش، وَبَين طَلْحَة وَكَعب بْن مَالك، وَبَين أبي عُبَيْدَة وَسعد بْن معَاذ، وَبَين سعد وَمُحَمّد2 بْن مسلمة، وَبَين سعيد بْن زيد وَأبي بْن كَعْب، وَبَين مُصعب بْن عُمَيْر وَأبي أَيُّوب، وَبَين عمار وَحُذَيْفَة بْن الْيَمَان حَلِيف بني عَبْد الْأَشْهَل، وَقد قيل بَين عمار3 وثابت بْن قيس، وَبَين أبي حُذَيْفَة بْن عتبَة وَعباد بْن بشر، وَبَين أبي4 ذَر وَالْمُنْذر بْن عَمْرو، وَبَين ابْن مَسْعُود وَسَهل بْن حنيف، وَبَين سلمَان الْفَارِسِي وَأبي الدَّرْدَاء، وَبَين بِلَال وَأبي رويحة الْخَثْعَمِي حَلِيف الْأَنْصَار، وَبَين حَاطِب بن أبي بلتعة وعويم بْن سَاعِدَة، وَبَين عَبْد اللَّهِ بْن جحش وَعَاصِم بْن ثَابت، وَبَين عُبَيْدَة5 بْن الْحَارِث وَعُمَيْر بْن الْحمام، وَبَين الطُّفَيْل بْن الْحَارِث أَخِيه وسُفْيَان بْن بشر6 بْن زيد من بني جشم بْن الْحَارِث بْن الْخَزْرَج، وَبَين الْحصين بْن الْحَارِث أخيهما وَعبد اللَّه بْن جُبَير، وَبَين عُثْمَان بْن مَظْعُون وَالْعَبَّاس بن
عبَادَة، وَبَين عتبَة بْن غَزوَان ومعاذ بْن ماعص، وَبَين صَفْوَان بْن بَيْضَاء وَرَافِع بْن الْمُعَلَّى، وَبَين الْمِقْدَاد بْن عَمْرو وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة، وَبَين ذِي الشمالين وَيزِيد بْن الْحَارِث من بني حَارِثَة بْن ثَعْلَبَة بْن كَعْب بْن الْخَزْرَج، وَبَين أبي سَلمَة بْن عَبْد الْأسد وَسَعِيد بْن خَيْثَمَة، وَبَين عُمَيْر بْن أبي وَقاص وخبيب بْن عدي، وَبَين عَبْد اللَّهِ بْن مَظْعُون وَقُطْبَة بْن عَامر بْن حَدِيدَة، وَبَين شماس بْن عُثْمَان وحَنْظَلَة بْن أبي عَامر، وَبَين الأرقم بْن أبي الأرقم وَطَلْحَة بْن زيد الْأنْصَارِيّ، وَبَين زيد بْن الْخطاب ومعن بْن عدي، وَبَين عَمْرو بن سراقَة وَسَعِيد1 من بني عَبْد الْأَشْهَل، وَبَين عَاقل بْن البكير ومبشر بْن عَبْد الْمُنْذر، وَبَين عَبْد اللَّهِ بْن مخرمَة وفروة بْن عَمْرو البياضي، وَبَين خُنَيْس بْن حذافة وَالْمُنْذر بْن مُحَمَّد بْن عقبَة بْن أحيحة بْن الجلاح، وَبَين أبي سُبْرَة بْن أبي رهم وَعبادَة بْن الخشخاش2، وَبَين مسطح بْن أَثَاثَة وَزيد بْن المزين3، وَبَين أبي مرْثَد الغنوي وَعبادَة بن الصَّامِت، وبن عكاشة بْن مُحصن والمجذر بْن ذياد البلوي حَلِيف الْأَنْصَار، وَبَين عَامر بْن فهَيْرَة والْحَارث بْن الصمَّة، وَبَين مهجع مولى عمر وسراقة بْن عَمْرو بْن عَطِيَّة من بني غنم بْن مَالك بْن النجار. وَقد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بَين الْمُهَاجِرين بَعضهم4 وَبَعض قبل الْهِجْرَة على الْحق والمواساة أَيْضا، فآخى بَين أبي بكر وَعمر، وَبَين حَمْزَة وَزيد بْن حَارِثَة، وَبَين عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف، وَبَين الزبير وَعبد اللَّه بْن مَسْعُود، وَبَين عُبَيْدَة بْن الْحَارِث وبلال، وَبَين مُصعب بْن عُمَيْر وَسعد بْن أبي وَقاص، وَبَين أبي عُبَيْدَة وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة، وَبَين سعيد بْن زيد وَطَلْحَة بْن عبيد اللَّه5. فَلَمَّا نزل الْمَدِينَة آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على مَا تقدم ذكرنَا لَهُ. فرض الزَّكَاة 6 ثمَّ فرضت الزَّكَاة وَأسلم عَبْد اللَّهِ بْن سَلام وَطَائِفَة من الْيَهُود.
كفار اليهود والمنافقون
[كفار الْيَهُود والمنافقون] 1 وَكفر جُمْهُور الْيَهُود، ونافق قوم من الْأَوْس والخزرج، فأظهروا الْإِسْلَام مداراة لقومهم من الْأَنْصَار وأبطنوا الْكفْر، ففضحهم اللَّه عز وَجل بِالْقُرْآنِ. وَمِمَّنْ ذكر مِنْهُم من بني عَمْرو بْن عَوْف أهل قبَاء: الْحَارِث2 بْن سُوَيْد بْن الصَّامِت مُنَافِق وَكَانَ أَخُوهُ خَلاد بْن سُوَيْد من فضلاء الْأَنْصَار وَكَانَ أخوهما الخلاس بْن سُوَيْد مِمَّن اتهمَ بالنفاق لنزغة نَزغ بهَا ثمَّ لم يظْهر بعد مِنْهُ إِلَّا النصح للْمُسلمين وَالْخَيْر وَالصَّلَاح، ونبتل3 بْن الْحَارِث، وبجاد بْن عُثْمَان بْن عَامر، وَأَبُو حَبِيبَة بْن الأزعر وَهُوَ أحد الَّذين بنوا مَسْجِد4 الضرار، وَعباد بْن حنيف أَخُو سهل بْن حنيف، وَكَانَ أَخَوَاهُ سهل وَعُثْمَان من فضلاء الْأَنْصَار وصالحيهم. وَجَارِيَة بْن عَامر العطاف، وابناه: زيد وَمجمع. وَقد قيل إِن مجمع بْن جَارِيَة لم يَصح عَنهُ النِّفَاق، بل صَحَّ عَنهُ الْإِسْلَام وَحَمَلَ الْقُرْآن، وَإِنَّمَا ذكر مِنْهُم لِأَن قومه الَّذين بنوا مَسْجِد الضرار اتخذوه إِمَامًا فِيهِ. وَمن بني أُميَّة بْن زيد: وَدِيعَة بْن ثَابت وَهُوَ من أَصْحَاب مَسْجِد الضرار اتخذوه إِمَامًا، وَبشر بْن زيد وَأَخُوهُ رَافع بن زيد.
وَمن النبيت من بني حَارِثَة: مربع بْن قيظي، وَأَخُوهُ أَوْس1 بْن قيظي، وحاطب بْن أُميَّة بْن رَافع، وَكَانَ ابْنه يزِيد بْن حَاطِب من الْفُضَلَاء، وقزمان حَلِيف لَهُم قتل نَفسه يَوْم أحد بعد أَن أنكى فِي الْمُشْركين2. وَلم يكن فِي بني عَبْد الْأَشْهَل مُنَافِق وَلَا منافقة: رجل وَلَا امْرَأَة، إِلَّا أَن الضَّحَّاك بْن ثَابت اتهمَ بِشَيْء، لم3 يَصح عَلَيْهِ. وَمن الْخَزْرَج من بني النجار: رَافع بْن وَدِيعَة، وَزيد بْن عَمْرو، وَعَمْرو4 بْن قيس. وَمن بني جشم بْن الْخَزْرَج: الْجد بْن قيس. وَمن بني عَوْف بْن الْخَزْرَج: عَبْد5 اللَّهِ بْن أبي بْن سلول كَانَ رَئِيس الْمُنَافِقين وكهفا لَهُم يأوون إِلَيْهِ وَكَانَ ابْنه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ من صلحاء الْمُسلمين وفضلائهم. ووديعة، وسُويد، وداعس وَمَالك. وَهَؤُلَاء من القواقل. وَقيس بْن فهر مِمَّن اتهمَ بالنفاق. وَالله أعلم. وَكَانَ قوم من الْيَهُود نافقوا بعد أَن أظهرُوا الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله واستبطنوا الْكفْر، مِنْهُم: سعد بْن حنيف، وَزيد بْن اللصيت6، وَرَافِع بْن حُرَيْمِلَة، وَرِفَاعَة بْن زيد بْن التابوت، وكنانة بْن صوريا.
مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه
[مغازي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعوثه] 1 غَزْوَة ودان 2 وَيُقَال لَهَا غَزْوَة الْأَبْوَاء وَأقَام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعيا بِالْمَدِينَةِ إِلَى اللَّه ومعلما مِمَّا علمه اللَّه بَاقِي شهر ربيع الأول الشَّهْر الَّذِي قدم فِيهِ الْمَدِينَة وَبَاقِي الْعَام كُله إِلَى صفر من سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة، ثمَّ خرج غازيا فِي صفر المؤرخ، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة سعد بْن عبَادَة، حَتَّى بلغ ودان. فوادع3 بني ضَمرَة بْن عَبْد مَنَاة4 بْن كنَانَة، وَعقد5 ذَلِك مَعَه سيدهم مخشي بْن عَمْرو. ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق حَربًا. وَهِي أول غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
باب بعث حمزة وبعث عبيدة
بَاب بعث حَمْزَة وَبعث عُبَيْدَة 1 وَلما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غَزْوَة الْأَبْوَاء أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر. وَفِي هَذِه الْمدَّة بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمه حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين، لَيْسَ فيهم من الْأَنْصَار أحد، إِلَى سيف2 الْبَحْر من نَاحيَة الْعيص3، فلقي أَبَا جهل فِي ثَلَاثمِائَة4 رَاكب من كفار أهل مَكَّة، فحجز بَينهم مجدي بْن عَمْرو الْجُهَنِيّ. وتوادع الْفَرِيقَانِ على يَدَيْهِ، فَلم يكن بَينهمَا قتال. وَبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِه الْمدَّة أَيْضا عُبَيْدَة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب بْن عَبْد منَاف فِي سِتِّينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين، أَو ثَمَانِينَ، لَيْسَ فيهم من الْأَنْصَار أحد، فَنَهَضَ حَتَّى بلغ أَحيَاء5 وَهِي مَاء بالحجاز بِأَسْفَل ثنية الْمرة. فَتلقى بهَا جمعا من قُرَيْش عَلَيْهِم عِكْرِمَة بْن أبي جهل، وَقيل: كَانَ عَلَيْهِم مكرز بْن أبي حَفْص. فَلم يكن بَينهم قتال. إِلَّا أَن سعد بْن أبي وَقاص وَكَانَ فِي ذَلِك الْبَعْث رَمَى بِسَهْم فَكَانَ أول سهم رُمِيَ بِهِ فِي سَبِيل اللَّه. وفر من الْكفَّار يَوْمئِذٍ إِلَى الْمُسلمين الْمِقْدَاد بْن عَمْرو، وَعقبَة بْن غَزوَان، وَكَانَا قديمي الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهُمَا لم يجدا السَّبِيل إِلَى اللحاق بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْمئِذٍ. وَاخْتلف أهل السّير فِي أَي البعثين كَانَ أول: أبْعث حَمْزَة أَو بعث عُبَيْدَة، فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أول راية عقدهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأول سَرِيَّة بعثها عُبَيْدَة بْن الْحَارِث. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَبَعض النَّاس يَزْعمُونَ أَن راية حَمْزَة أول راية عقدهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أول سَرِيَّة بعثها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب فِي ربيع الأول من سنة اثْنَتَيْنِ إِلَى سيف الْبَحْر من أَرض جُهَيْنَة.
فرض صوم رمضان
فرض صَوْم رَمَضَان ثمَّ فرض صَوْم رَمَضَان سنة إِحْدَى1 قبل صرف الْقبْلَة بعام. غَزْوَة بواط 4 ثمَّ خرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ربيع الآخر3 إِلَى تَمام4 عَام من مقدمه الْمَدِينَة، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة السَّائِب بْن عُثْمَان بْن مَظْعُون، حَتَّى بلغ بواط من نَاحيَة رضوى. ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق حَربًا. غَزْوَة الْعَشِيرَة 5 فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة ربيع الآخر وَبَعض جُمَادَى6 الأولى ثمَّ خرج
غازيا واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بْن عَبْد الْأسد. وَأخذ على طَرِيق إِلَى الْعَشِيرَة، فَأَقَامَ هُنَالك بَقِيَّة جُمَادَى الأولى وليالي من جُمَادَى الْآخِرَة. ووادع فِيهَا بني مُدْلِج. ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة، وَلم يلق حَربًا. غَزْوَة بدر الأولى 1 وَلما انْصَرف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْعَشِيرَة لم يُقِمْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا عشر لَيَال أَو نَحْوهَا، حَتَّى أغار كرز2 بْن جَابر الفِهري على سرح3 الْمَدِينَة. فَخرج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طلبه حَتَّى بلغ وَاديا يُقَال لَهُ: سفوان فِي نَاحيَة بدر. وَفَاته كرز، فَرجع إِلَى الْمَدِينَة. بَعْثُ سعد بْن أبي وَقاص 4 وَقد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث فِي حِين خُرُوجه لطلب كرز بْن جَابر سعد بْن أبي وَقاص فِي ثَمَانِيَة5 رَهْط من الْمُهَاجِرين، فَبلغ إِلَى الخرار6. ثمَّ رَجَعَ [إِلَى] الْمَدِينَة وَلم يلق حَربًا. وَقيل7 إِنَّمَا بَعثه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طلب كرز بْن جَابر الفِهري.
بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش [وسَرِيَّتِهِ] 1 وَلما رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ طلب كرز بْن جَابر، وَتُعْرَفُ تِلْكَ الْخَرْجَةُ ببدر الأولى، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة جُمَادَى الْآخِرَة ورجبا. وَبعث فِي رَجَب عَبْد اللَّهِ بْن جحش بْن رِئَاب وَمَعَهُ ثَمَانِيَة2 رجال من الْمُهَاجِرين، وهم: أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة، وعكاشة بْن مُحصن، وَعتبَة بْن غَزوَان، وَسُهيْل بْن بَيْضَاء الفِهري، وَسعد بْن أبي وَقاص، وعامر بْن ربيعَة3، وواقد بْن عَبْد اللَّهِ التَّمِيمِي4، وخَالِد بْن البكير اللَّيْثِيّ5. وَكتب لعبد اللَّه بْن جحش كتابا وَأمره أَن لَا ينظر فِيهِ، وَلَا يستكره أحدا من أَصْحَابه، وَكَانَ أَمِيرهمْ. فَفعل عَبْد اللَّهِ بْن جحش مَا أمره بِهِ، فَلَمَّا فتح الْكتاب وقرأه وجد فِيهِ: "إِذا نظرت فِي كتابي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة6 بَين مَكَّة والطائف فترصد بهَا قُريْشًا، وَتعلم لنا من أخبارهم"*.
فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ سمعا وَطَاعَة. ثمَّ أخبر أَصْحَابه بذلك وَأَنه لَا يستكره أحدا مِنْهُم وَأَنه ناهض لوجهه [مَعَ] من طاوعه وَأَنه إِن لم يطعه أحد مضى وَحده، فَمن أحب الشَّهَادَة فلينهض وَمن كره الْمَوْت فَليرْجع. فَقَالُوا: كلنا نرغب فِيمَا ترغب، وَمَا منا أحد إِلَّا وَهُوَ سامع مُطِيع لرَسُول اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ونهضوا مَعَه. فسلك على الْحجاز. وشرد لسعد بْن أبي وَقاص وَعتبَة بْن غَزوَان جمل كَانَا يعتقبانه1، فتخلفا فِي طلبه. وَنَفَذَ عبد الله بن حجش مَعَ سَائِرهمْ لوجهه. حَتَّى نزل بنخلة. فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا2 وتجارة فِيهَا عَمْرو [بْن] الْحَضْرَمِيّ وَاسم الْحَضْرَمِيّ عَبْد اللَّهِ بْن عباد من الصدف، والصدف بطن من حَضرمَوْت -وَعُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْمُغيرَة، وَأَخُوهُ نَوْفَل بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْمُغيرَة المخزوميان، وَالْحكم بْن كيسَان مولى بني الْمُغيرَة. فتشاور الْمُسلمُونَ وَقَالُوا: نَحن فِي آخر يَوْم من رَجَب الشَّهْر الْحَرَام، فَإِنْ نَحن قتلناهم هتكنا حُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام، وَإِن تركناهم اللَّيْلَة دخلُوا الْحرم. ثمَّ اتَّفقُوا على لقائهم. فَرمى وَاقد بْن عَبْد اللَّهِ التَّمِيمِي عَمْرو بْن الْحَضْرَمِيّ [بِسَهْم] فَقتله، وأسروا عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ وَالْحكم بْن كيسَان، وَأَفْلَتَ نَوْفَل بْن عَبْد اللَّهِ. ثمَّ قدمُوا بالعير والأَسِيرَيْنِ. وَقَالَ لَهُم عَبْد اللَّهِ بْن جحش: اعزلوا مِمَّا غنمنا الْخمس لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَعَلُوا. فَكَانَ أول خمس3 فِي الْإِسْلَام، ثمَّ نزل الْقُرْآن: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خمسه} . فَأَقَرَّ اللَّه وَرَسُوله فِعْلَ عَبْد اللَّهِ بْن جحش فِي ذَلِك، ورضيه وسنه للْأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَهِي أول غنيمَة غنمت فِي الْإِسْلَام، وَأول أسيرين، وَعَمْرو بْن الْحَضْرَمِيّ أول قَتِيل. وَأنكر رَسُول اللَّه قتل عَمْرو بْن الخضرمي فِي الشَّهْر الْحَرَام، فَسُقِطَ فِي أَيدي الْقَوْم، فَأنْزل اللَّه عز وَجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُم عَن دينه
فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} *. وَقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِدَاء فِي الْأَسِيرين، فَأَما عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ فَمَاتَ بِمَكَّة كَافِرًا، وَأما الحكم بْن كيسَان فَأسلم وَأقَام مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتشْهد ببئر مَعُونَة. وَرجع سعد وَعتبَة إِلَى الْمَدِينَة سَالِمَيْنِ. صرف الْقبْلَة 1 وصرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة فِي السّنة الثَّانِيَة على رَأس سِتَّة عشر شهرا، وَقيل سَبْعَة عشر شهرا من مقدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، وَذَلِكَ قبل بدر بشهرين. وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي الصَّلَاة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة هَل كَانَت إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى بَيت الْمُقَدّس؟ وَالرِّوَايَات بِالْوَجْهَيْنِ فِي كتاب التَّمْهِيد وَفِي كتاب الاستذكار2. وَرُوِيَ أَن أول من صلى إِلَى الْكَعْبَة حِين صرفت الْقبْلَة عَن بَيت الْمُقَدّس أَبُو سعيد بْن الْمُعَلَّى، وَذَلِكَ أَنه سمع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخْطب بتحويل الْقبْلَة، فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَة.
غزوة بدر الثانية
غَزْوَة بدر الثَّانِيَة وَهِي أعظم الْمشَاهد فضلا لمن شَهِدَهَا 1 فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد بعث عَبْد اللَّهِ بْن جحش بَاقِي رَجَب وَشَعْبَان. ثمَّ اتَّصل بِهِ فِي رَمَضَان أَن عيرًا لقريش عَظِيمَة، فِيهَا أَمْوَال لَهُم كَثِيرَة مقبلة من الشَّام إِلَى مَكَّة مَعهَا ثَلَاثُونَ2 أَو أَرْبَعُونَ رجلا، رئيسهم أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب، وَفِيهِمْ عَمْرو بْن الْعَاصِ ومخرمة بْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ. فندب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسلمين إِلَى تِلْكَ العير، وَأمر من كَانَ ظَهره3 حَاضرا بِالْخرُوجِ. وَلم يحتفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الحشد] لِأَنَّهُ أَرَادَ العير وَلم يعلم أَنه يلقى حَربًا. فاتصل بِأبي سُفْيَان أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج فِي طَلَبهمْ، فاستأجر ضَمْضَم4 بْن عَمْرو الْغِفَارِيّ، فَبَعثه إِلَى مَكَّة مستصرخا لَهُم إِلَى نصر عيرهم. فَنَهَضَ إِلَى مَكَّة وهتف بهَا، واستنفر. فَخرج أَكثر أهل مَكَّة فِي ذَلِك النفير، وَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهم إِلَّا أقلهم. وَكَانَ فِيمَن تخلف من أَشْرَافهم أَبُو لَهب. وَخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَة لثمان5 خلون من رَمَضَان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عَمْرو6 بْن أم مَكْتُوم العامري ليُصَلِّي بِالْمُسْلِمين. ثمَّ رد أَبَا لبَابَة من الروحاء7 وَاسْتَعْملهُ على الْمَدِينَة. وَدفع اللِّوَاء إِلَى مُصعب بْن عُمَيْر. وَدفع الرَّايَة: الْوَاحِدَة إِلَى عَليّ، وَالثَّانيَِة إِلَى رجل من الْأَنْصَار، وكانتا سوداوين. وَكَانَت راية الْأَنْصَار يَوْمئِذٍ مَعَ سعد بْن8
معَاذ. وَكَانَ مَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا يعتقبونها1. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَعلي ومرثد يعتقبون بَعِيرًا. وَكَانَ حَمْزَة وَزيد بْن حَارِثَة وَأَبُو كَبْشَة وأنسة موَالِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتقبون بَعِيرًا. وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف يعتقبون بَعِيرًا. وَجعل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السَّاقَة قيس بْن أبي صعصعة من بني النجار. وسلك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرِيق العقيق إِلَى ذِي الحليفة إِلَى ذَات الْجَيْش إِلَى فج الروحاء إِلَى مضيق الصَّفْرَاء2. فَلَمَّا قرب من الصَّفْرَاء بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبس بْن عَمْرو الْجُهَنِيّ حَلِيف بني سَاعِدَة وعدي بْن أبي الزغباء الْجُهَنِيّ حَلِيف بني النجار إِلَى بدر يتجسسان أَخْبَار أبي سُفْيَان وَغَيره. واستخبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن جبلي الصَّفْرَاء هَل لَهما اسْم يعرفان بِهِ فَأُخْبِرَ عَنْهُمَا وَعَن سكانهما بأسماء كرهها: بَنو النَّار، وَبَنُو حراق: بطْنَان من غفار، فَتَركهُمَا على يسَاره، وَأخذ على يَمِينه. فَلَمَّا خرج من ذَلِك الْوَادي وَأَتَاهُ الْخَبَر بِخُرُوج نفير قُرَيْش لنصر العير، فَأخْبر أَصْحَابه بذلك واستشارهم فِيمَا يعْملُونَ، فَتكلم كثير من الْمُهَاجِرين3. فتمادى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مشورته وَهُوَ يُرِيد مَا تَقول الْأَنْصَار. فبدر سعد بْن معَاذ، وَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه، وَالله لَو اسْتعْرضت بِنَا هَذَا الْبَحْر لَخُضْنَاهُ مَعَك، فَسِرْ بِنَا يَا رَسُول اللَّه، على بركَة اللَّه، حَيْثُ شِئْت. فَسَرَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ، وَقَالَ: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِن اللَّه عز وَجل قد وَعَدَني إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ" 4. وَسَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نزل قَرِيبا من بدر. وَركب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ رجال من أَصْحَابه مستخبرا، ثمَّ انْصَرف. فَلَمَّا أَمْسَى بعث عليا وَالزُّبَيْر وَسعد بْن أبي وَقاص فِي نفر
إِلَى بدر يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر، فَأَصَابُوا راوية1 لقريش، فِيهَا أسلم غُلَام بني الْحجَّاج السهميين وَأَبُو يسَار عريض غُلَام بني سعيد بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة. فَأَتَوْا بهما وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم يُصَلِّي، فسألوهما: من أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: نَحن سقاة قُرَيْش. فكره أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَر وَكَانُوا يرجون أَن يَكُونَا من العير لما فِي العير من الْغَنِيمَة وَقلة المئونة وَلِأَن شَوْكَة قُرَيْش شَدِيدَة. فَجعلُوا يضربونهما. فَإِذا آلمهما الضَّرْب قَالَا: نَحن من عير أبي سُفْيَان. فَسلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلَاته، وَقَالَ: "إِذا صَدَقَاكُمْ ضربتموهما وَإِذا كَذَبَاكُمْ تركتموهما". ثمَّ قَالَ لما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أخبراني أَيْن قُرَيْش؟ " قَالَا: هم وَرَاء هَذَا الْكَثِيب. فَسَأَلَهُمَا: "كم ينحرون كل يَوْم من الْإِبِل؟ " قَالَا: عشرا من الْإِبِل يَوْمًا وتسعا يَوْمًا، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَوْم مَا بَين التسْعمائَة إِلَى الْألف". وَكَانَ بسبس بْن عَمْرو وعدي بْن أبي الزغباء اللَّذَان بعثهما رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخبرين قد وصلا إِلَى مَاء بدر، فأناخا بِقرب المَاء، ثمَّ استقيا فِي شنهما2 ومجدي بْن عَمْرو بقربهما لم يفطنا بِهِ. فَسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الْحَيّ وإحداهما تَقول لِلْأُخْرَى: [أعطيني دَيْنِي، فَقَالَت الْأُخْرَى] 3 إِنَّمَا تَأتي العير غَدا أَو بعد غَد، فأعمل لَهُم ثمَّ أقضيك. فصدقهما مجدي وَكَانَ عينا لأبي سُفْيَان -وَرجع بسبس وعدي إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سمعا. وَلما قرب أَبُو سُفْيَان من بدر تقدم وَحده، حَتَّى أَتَى مَاء بدر، فَقَالَ لمجدي: هَل أحسست أحدا؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا راكبين أناخا إِلَى هَذَا التل واستقيا المَاء ونهضا. فَأتى أَبُو سُفْيَان مناخهما، فَأخذ من أبعار بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَإِذا فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِه وَالله علائف يثرب. فَرجع سَرِيعا حذرا فصرف العير عَن طريقها، وَأخذ طَرِيق السَّاحِل، فنجا، وَأوحى4 إِلَى قُرَيْش يُخْبِرهُمْ بِأَنَّهُ قد نجا هُوَ وَالْعير، فَارْجِعُوا. فَأبى أَبُو جهل، وَقَالَ: وَالله لَا نرْجِع حَتَّى نرى مَاء بدر وَنُقِيم عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فتهابنا الْعَرَب أبدا. وَرجع
الْأَخْنَس بْن شريق الثَّقَفِيّ حَلِيف بني زهرَة بِجَمِيعِ بني زهرَة، فَلم يشْهد بَدْرًا أحد مِنْهُم، وَكَانَ الْأَخْنَس مُطَاعًا فيهم، فَقَالَ لَهُم: إِنَّمَا خَرجْتُمْ تمْنَعُونَ أَمْوَالكُم وَقد نجت. وَكَانَ قد نفر من جَمِيع بطُون قُرَيْش جمَاعَة إِلَّا عدي1 بْن كَعْب، فَلم يكن نفر مِنْهُم أحد. فَلم يحضر بَدْرًا من الْمُشْركين عدوي وَلَا زهري. فَسبق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُريْشًا إِلَى مَاء بدر، وَمنع قُريْشًا من السَّبق إِلَيْهِ مطر -أنزل اللَّه عَلَيْهِم عَظِيم. وَلم يصب مِنْهُ الْمُسلمين إِلَّا مَا شدّ2 لَهُم دهس الْوَادي، وَأَعَانَهُمْ على السّير. فَنزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أدنى مَاء من مياه بدر إِلَى الْمَدِينَة، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْحباب بْن الْمُنْذر بْن عَمْرو بْن الجموح بِغَيْر ذَلِك، وَقَالَ لرَسُول اللَّه: أَرَأَيْت هَذَا الْمنزل أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّه فَلَيْسَ لنا أَن نتقدمه أَو نتأخر عَنهُ أم هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "بل هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة". فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِن هَذَا لَيْسَ لَك بمنزل، فانهض بِنَا حَتَّى نأتي أدنى مَاء من الْقَوْم فننزله، ونغور مَا وَرَاءه من الْقلب3، ثمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حوضا، فنملؤه مَاء فنشرب وَلَا يشربون. فَاسْتحْسن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك من رَأْيه، وَفعله. وَبُنِيَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيش يكون فِيهِ. وَمَشى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مَوَاضِع الْوَقْعَة يعرض على أَصْحَابه مصَارِع رُؤُوس الْكفَّار من قُرَيْش مصرعا مصرعا، يَقُول: "هَذَا مصرع فلَان"، فَمَا عَدَا وَاحِد مِنْهُم مَصْرَعَهُ ذَلِك الَّذِي حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا نزلت قُرَيْش فِيمَا يليهم بعثوا عُمَيْر بْن وهب الجُمَحِي، فحزر لَهُم أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا مِنْهُم فارسان: الْمِقْدَاد وَالزُّبَيْر. ثمَّ انْصَرف، وَأَرَادَ حَكِيم بْن حزَام وَعتبَة بْن ربيعَة قُريْشًا على الرُّجُوع وَترك الْحَرْب، وراما بهم كل مرام، فَأَبَوا. وَكَانَ أَبُو جهل هُوَ الَّذِي أَبى ذَلِك وساعدوه على رَأْيه. وبدأت الْحَرْب، فَخرج عتبَة بْن ربيعَة وَشَيْبَة بْن ربيعَة والوليد بْن عتبَة يطْلبُونَ البرَاز، فَخرج إِلَيْهِم عَوْف ومعوذ ابْنا عفراء وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ. فَقَالُوا: لَسْتُم لنا بأكفاء، وأبوا إِلَّا قَومهمْ، فَخرج إِلَيْهِم حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث وَعلي
ابْن أبي طَالب، فَقتل اللَّه عتبَة وَشَيْبَة والوليد وَسَلِمَ حَمْزَة وَعبيدَة وَعلي، إِلَّا أَن عُبَيْدَة ضربه عتبَة فَقطع رجله وَارْتُثَّ1 مِنْهَا فَمَاتَ بالصفراء. وَعَدَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوف، وَرجع إِلَى الْعَريش وَمَعَهُ أَبُو بكر، وَسَائِر أَصْحَابه بارزون لِلْقِتَالِ، إِلَّا سعد بن2 معَاذ فِي قوم من الْأَنْصَار فَإِنَّهُم كَانُوا وقوفا على بَاب الْعَريش يحْمُونَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أول قَتِيل قتل من الْمُسلمين مهجع3 مولى عمر بْن الْخطاب أَصَابَهُ سهم فَقتله. وَسمع عُمَيْر بْن الْحمام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحث على الْقِتَال ويرغب فِي الْجِهَاد وَيُشَوِّقُ إِلَى الْجنَّة وَفِي يَده تمرات يأكلهن فَقَالَ: بخ بخ أما بيني وَبَين أَن أَدخل الْجنَّة إِلَّا أَن يقتلني هَؤُلَاءِ. ثمَّ رمى بالتمرات وَقَاتل حَتَّى قتل. ثمَّ منح اللَّه عز وَجل الْمُسلمين النَّصْر وَهزمَ الْمُشْركين. وَانْقطع يَوْمئِذٍ سيف عكاشة بْن مُحصن، فَأعْطَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذلا من حطب، وَقَالَ لَهُ: "دُونك هَذَا"، فَصَارَ فِي يَده سَيْفا لم يكد النَّاس يرَوْنَ مثله أَبيض كالملح. فَلم يزل عِنْده يُقَاتل بِهِ حَتَّى قتل فِي الرِّدَّة، رَضِي اللَّه عَنهُ. وَكَانَت وقْعَة بدر يَوْم الْجُمُعَة لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان. ثمَّ أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى الْمُشْركين، فسحبوا إِلَى القليب ورموا فِيهِ وَضم4 عَلَيْهِم التُّرَاب، ثمَّ وقف عَلَيْهِم فناداهم: "هَل وجدْتُم مَا وَعدكُم ربكُم حَقًا؟ فَإِنِّي قد وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا" فَقيل لَهُ: يَا رَسُول اللَّه تنادي أَقْوَامًا أَمْوَاتًا قد جَيَّفُوا؟ فَقَالَ: "مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكِن لَا يجيبون". وَمن هَذَا الْمَعْنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَيِّت إِذا دفن وَانْصَرف النَّاس عَنهُ: "إِنَّه ليسمع خَفق نعَالهمْ إِذا ولوا عَنهُ مُدبرين". وَجعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْأَنْفَال5 عَبْد اللَّهِ بْن كَعْب بْن عَمْرو الْأنْصَارِيّ. ثمَّ
ثمَّ انْصَرف. فَلَمَّا نزل الصَّفْرَاء قسم بهَا الْغَنَائِم كَمَا أَمر اللَّه عز وَجل. وَضرب بهَا عنق النَّضر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كلدة الْعَبدَرِي، وَهُوَ الَّذِي جَاءَت1 ابْنَته قتيلة إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدته: يَا رَاكِبًا إِن الأثيل مَظَنَّة ... من صبح خَامِسَة وَأَنت موفق2 أبلغ بِهِ مَيتا بِأَن تَحِيَّة ... مَا إِن تزَال بهَا النجائب تخفق3 مني إِلَيْهِ4 وعبرة مسفوحة ... جَادَتْ بواكفها وَأُخْرَى تخنق5 ظلت سيوف بني أَبِيه تنوشه ... لله أَرْحَام هُنَاكَ تشقق6 أمحمد يَا خير ضنء كَرِيمَة ... من قَومهَا والفحل فَحل معرق7 مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... مَنَّ الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق وَالنضْر أقرب من قتلت قرَابَة ... وأحقهم إِن كَانَ عتق يعْتق فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا إِنِّي لَوْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ"، وَهَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ النَّدَم، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول وَلَا يفعل إِلَّا حَقًا، لَكِن مَعْنَاهُ: لَو شفعت عِنْدِي بِهَذَا القَوْل لقبلت شَفَاعَتهَا. وَفِيه تَنْبِيه على حق الشَّفَاعَة والضراعة. وَلَا سِيمَا الاستعطاف بالشعر، فَإِن مَكَارِم الْأَخْلَاق تَقْتَضِي إجَازَة الشَّاعِر وتبليغه قَصده. وَالله أعلم. ثمَّ لما نزل عرق8 الظبية ضرب عنق بْن أبي معيط. قَالَ أَبُو عمر: روى عَن عبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ: خرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر، فَلَقُوا الْعَدو، فَلَمَّا هَزَمَهُمْ الله اتبعتهم طَائِفَة من
الْمُسلمين يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَة برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستلوت طَائِفَة على الْعَسْكَر والنهب. فَلَمَّا نفى اللَّه الْعَدو وَرجع الَّذين طلبوهم قَالُوا لنا النَّفْل، نَحن طلبنا الْعَدو، وبنا نفاهم اللَّه وَهَزَمَهُمْ. وَقَالَ الَّذين أَحدقُوا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُم أَحَق بِهِ منا، بل هُوَ لنا، نَحن أَحدقنَا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا ينَال الْعَدو مِنْهُ غرَّة. وَقَالَ الَّذين استلووا [على] الْعَسْكَر والنهب: مَا أَنْتُم أَحَق بِهِ منا، هُوَ لنا، نَحن حويناه واستلوينا عَلَيْهِ. فَأنْزل اللَّه عز وَجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين} . فَقَسمهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن فوَاق بَينهم. قَالَ أَبُو عمر: قَالَ أهل الْعلم بِلِسَان الْعَرَب: استلووا: أطافوا وأطاحوا، يُقَال: الْمَوْت مستلو على الْعباد. وَقَوله: فَقَسمهُ عَن فوَاق يَعْنِي عَن سرعَة. قَالُوا: والفواق: مَا بَين حلبتي النَّاقة، يُقَال: انتظره فوَاق نَاقَة أَيْ هَذَا الْمِقْدَار. ويقولونها بِالْفَتْح وَالضَّم: فَوَاق، فُوَاق. وَكَانَ هَذَا قبل أَن ينزل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه ... } الْآيَة. وَكَانَ الْمَعْنى1 عِنْد الْعلمَاء: أَي إِلَى اللَّه وَإِلَى الرَّسُول الحكم فِيهَا وَالْعَمَل بهَا بِمَا يقرب من اللَّه. وَذكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَبِي الأَشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الأَنْفَالِ2، فَقَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ. فَقَسمهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ. فَكَانَ [فِي] ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَإِصْلاحُ ذَات الْبَين.
تَسْمِيَة من اسْتشْهد ببدر من الْمُسلمين 1 فَائِدَة: هَذِه التَّسْمِيَة معرفَة الْحق لأهل الْحق، وفضيلة السَّبق لأهل السَّبق، وَحسن الْعَهْد وتجديد الذّكر، والمسارعة إِلَى الدُّعَاء لَهُم بالرضوان والغفران على الْيَقِين. عُبَيْدَة بْن الْحَارِث بْن الْمطلب بْن عَبْد منَاف، وَعُمَيْر بْن أبي وَقاص وَكَانَت سنه فِيمَا ذكرُوا يَوْم قتل سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر عَاما، وَعُمَيْر بْن الْحمام من بني سَلمَة من الْأَنْصَار، وَسعد بْن خَيْثَمَة بْن بني عَمْرو بْن عَوْف من الْأَوْس، وَذُو الشمالين بْن عَبْد عَمْرو بْن نَضْلَة الْخُزَاعِيّ حَلِيف بني زهرَة وَهُوَ غير ذِي الْيَدَيْنِ2 ذَاك سلمي اسْمه خرباق وَهُوَ صَاحب حَدِيث السَّهْو3. وَوهم فِيهِ الزُّهْرِيّ على جلالة قدره، لِأَنَّهُ بنى على أَنه لقب وَاحِد، وَاعْتمد أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد4 ذَلِك من كَلَام ابْن شهَاب فغلط، ويحقق ذَلِك أَن ذَا الْيَدَيْنِ روى حَدِيثه أَبُو هُرَيْرَة وَكَانَ إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بعد قتل ذِي الشمالين بسنين عدَّة. ومبشر بْن عَبْد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ من بني عَمْرو بْن عَوْف، وعاقل بْن البكير اللَّيْثِيّ حَلِيف بني عدي بْن كَعْب، وَمهجع مولى عمر بْن الْخطاب رَضِي اللَّه عَنهُ، وَصَفوَان بْن بَيْضَاء الفِهري، وَيزِيد بْن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج، وَرَافِع بْن الْمُعَلَّى الْأنْصَارِيّ، وحارثة بْن سراقَة الْأنْصَارِيّ من بني النجار، وعَوْف ومعوذ ابْنا عفراء. الْجَمِيع أَرْبَعَة عشر رجلا: سِتَّة من الْمُهَاجِرين وَثَمَانِية من الْأَنْصَار: سِتَّة من الْأَوْس وَاثْنَانِ من الْخَزْرَج.
تَسْمِيَة من قتل ببدر من كفار قُرَيْش 1 وهم سَبْعُونَ رجلا، مِنْهُم: حَنْظَلَة بْن أبي سُفْيَان [بْن صَخْر] بْن حَرْب قَتله زيد بْن حَارِثَة، وَعبيدَة بْن سعيد بْن الْعَاصِ قَتله الزبير، وَأَخُوهُ الْعَاصِ بْن سعيد بْن الْعَاصِ قَتله عَليّ2، وَعتبَة بْن ربيعَة قَتله عَليّ، وَشَيْبَة بْن ربيعَة قَتله حَمْزَة، والوليد بْن عتبَة بْن ربيعَة قَتله عُبَيْدَة بْن الْحَارِث وَقيل قَتله عَليّ وَقيل اشْترك عَليّ وَحَمْزَة فِي قتل عتبَة والوليد وَشَيْبَة. وَعقبَة بْن أبي معيط قَتله عَاصِم بْن ثَابت صبرا، وَقيل: بل قَتله عَليّ صبرا بِأَمْر الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بذلك، والْحَارث بْن عَامر بْن نَوْفَل بْن عَبْد منَاف قَتله عَليّ3، وَطعيمَة بْن عدي بْن نَوْفَل قَتله حَمْزَة4، وَقيل: بل قتل صبرا، وَالْأول أصح. وَزَمعَة بْن الْأسود بْن الْمطلب بْن أَسد، وَابْنه الْحَارِث بْن زَمعَة، وَأَخُوهُ عقيل بْن الْأسود، وَأَبُو البخْترِي الْعَاصِ بْن هِشَام بْن الْحَارِث بْن أَسد، وَنَوْفَل بْن خويلد بْن أَسد، قَتله عَليّ، وَقيل قَتله الزبير. وَالنضْر بْن الْحَارِث قتل صبرا بالصفراء، وَعُمَيْر بْن عُثْمَان عَم طَلْحَة بْن عبيد الله بْن عُثْمَان، وَأَبُو جهل بْن هِشَام اشْترك فِي قَتله معَاذ بْن عَمْرو بْن الجموح ومعوذ بْن عفراء، وأجهز عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود وجده وَبِه رَمق فحز رَأسه، وَأَخُوهُ الْعَاصِ بْن هِشَام قَتله عمر بْن الْخطاب وَهُوَ خَاله. ومسعود بْن أبي أُميَّة المَخْزُومِي أَخُو أم سَلمَة، وَأَبُو قيس بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة أَخُو خَالِد بْن الْوَلِيد، وَقيس بْن الْفَاكِه بْن الْمُغيرَة، والسائب بْن أبي السَّائِب المَخْزُومِي وَقد قيل لم يُقْتَلِ السَّائِب يَوْمئِذٍ بل أسلم بعد ذَلِك5.
ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج بْن عَامر السَّهْمِي، والعاصي والْحَارث ابْنا مُنَبّه بْن الْحجَّاج، وَأُميَّة بْن خلف الجُمَحِي، وَابْنه عَليّ بْن أُميَّة. وَسَائِر السّبْعين قد ذكرهم ابْن إِسْحَاق وَغَيره. تَسْمِيَة من أسر ببدر من كفار قُرَيْش 1 وَأسر مَالك بْن عبيد اللَّه أَخُو طَلْحَة فَمَاتَ أَسِيرًا، وَأسر حُذَيْفَة بْن أبي حُذَيْفَة بْن الْمُغيرَة. وَأسر من بني مَخْزُوم وحلفائهم يَوْم بدر أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا، وَمن بني عَبْد شمس وحلفائهم اثْنَا عشر رجلا، مِنْهُم عَمْرو بْن أبي سُفْيَان [بْن صَخْر] بن حَرْب، والْحَارث ابْن أبي وجزة2 بْن أبي عَمْرو بْن أُميَّة، وَأَبُو الْعَاصِ بْن الرّبيع بْن عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد شمس صهر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابْنَته زَيْنَب. وَأسر من بني هَاشم يَوْمئِذٍ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب، وَعقيل بْن أبي طَالب، وَنَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب. وَمن بني الْمطلب بْن عَبْد منَاف السَّائِب بْن [عبيد بْن] عَبْد يزِيد والنعمان بْن عَمْرو. وَأسر من سَائِر قُرَيْش عدي بْن الْخِيَار بْن عدي بْن نَوْفَل بْن عَبْد منَاف، وَأَبُو عَزِيز بْن عُمَيْر بْن هَاشم أَخُو مُصعب بْن عُمَيْر، والسائب بْن أبي حُبَيْش بْن الْمطلب بْن أَسد، والْحَارث بْن عَامر3 بْن عُثْمَان بْن أَسد، وخَالِد بن هَاشم بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي، وَصَيْفِي بْن أبي رِفَاعَة المَخْزُومِي، وَأَخُوهُ أَبُو الْمُنْذر بْن أبي رِفَاعَة، وَالْمطلب بن حنْطَب المَخْزُومِي*.
[وَأسر] خَالِد بْن الأعلم الْخُزَاعِيّ، وَقيل إِنَّه عقيلي حَلِيف لَهُم1، وَهُوَ الْقَائِل: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدِّمَا وَهُوَ أول من فر يَوْم بدر فَأُدْرِكَ وَأُسِرَ، وَعُثْمَان بْن عَبْد شمس بْن جَابر الْمَازِني حَلِيف لَهُم، وَهُوَ ابْن عَم2 عتبَة بْن غَزوَان، وَأُميَّة بْن أبي حُذَيْفَة بْن الْمُغيرَة، وَأَبُو قيس3 بْن الْوَلِيد أَخُو خَالِد بْن الْوَلِيد، وَعُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْمُغيرَة، وَأَبُو عَطاء عَبْد اللَّهِ بْن أبي السَّائِب بْن عَابِد4 المَخْزُومِي، وَأَبُو ودَاعَة بْن صبيرة5 السَّهْمِي وَهُوَ أول أَسِير فُدِيَ مِنْهُم. وَعبد اللَّه بْن أبي بْن خلف الجُمَحِي، وَأَخُوهُ عَمْرو بْن أُبَيٍّ، وَأَبُو عزة عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان6 بْن أهيب بن الجُمَحِي، وَسُهيْل بْن عَمْرو العامري وعَبْد7 بْن زَمعَة بْن قيس العامري، وَعبد اللَّه8 بْن حميد بْن زُهَيْر الْأَسدي. فَهَؤُلَاءِ مشاهير من قُتِلَ ومشاهير من أُسِرَ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ والأسرى سَبْعُونَ فِي الْجُمْلَة، وَقد يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيل ذَلِك.
قَالَ أَبُو عمر: أَمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عتبَة بْن أبي معيط صبرا، كَمَا رَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلمَة عَن عَطاء بْن السَّائِب، عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: لما أَمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عقبَة بْن أبي معيط عَدو اللَّه قَالَ: أتقتلني يَا مُحَمَّد من بَين سَائِر قُرَيْش؟ قَالَ: "نعم". ثمَّ أقبل على أَصْحَابه، فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا صنع هَذَا بِي؟ جَاءَ وَأَنا ساجد خلف الْمقَام، فَوضع رجله على عنقِي وَجعل يغمزها، فَمَا رَفعهَا حَتَّى ظَنَنْت أَن عَيْني تندران 1 أَو قَالَ تسقطان، ثمَّ مرّة أُخْرَى [جَاءَ] 2 بسلا شَاة، فَأَلْقَاهُ على رَأْسِي وَأَنا ساجد خلف الْمقَام، فَجَاءَت فَاطِمَة فغسلته عَن رَأْسِي". تَسْمِيَة من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين 3 من بني هَاشم بْن عَبْد منَاف: رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمْزَة، وَعلي. وَمن مواليهم زيد بْن حَارِثَة الْكَلْبِيّ، وأنسة: حبشِي، وَأَبُو كَبْشَة: فَارسي. وَمن حلفائهم أَبُو مرْثَد الغنوي حَلِيف حَمْزَة، وَابْنه مرْثَد بْن أبي مرْثَد. ثَمَانِيَة رجال: ثَلَاثَة من أنفسهم، وَثَلَاثَة من مواليهم، وَاثْنَانِ من حلفائهم. وَمن بني الْمطلب بْن عَبْد منَاف: عُبَيْدَة بْن الْحَارِث، وأخواه الطُّفَيْل وَالْحصين أَبنَاء الْحَارِث بْن الْمطلب، ومسطح بْن أَثَاثَة. أَرْبَعَة رجال. وَمن بني عَبْد شمس بْن عَبْد منَاف: عُثْمَان بْن عَفَّان، يعد فيهم لِأَنَّهُ تخلف على رقية4 ابْنة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَمْره، فَضرب لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه: قَالَ لَهُ: وَأَجْرِي5 يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: "وأجرك". وَأَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة، قيل اسْمه عَامر
وَقيل اسْمه قيس، وَقيل مهشم، وَسَالم مَوْلَاهُ وَكَانَ يُدْعَى يَوْمئِذٍ ابْنه. وَمن مواليهم صبيح مولى سعيد بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة، وَقيل إِن صبيحا تجهز لِلْخُرُوجِ إِلَى بدر فَمَرض فَحمل على بعيره أَبَا سَلمَة بْن عَبْد الْأسد، ثمَّ شهد صبيح بعد ذَلِك سَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمن حلفائهم عَبْد اللَّهِ بْن جحش الْأَسدي، وعكاشة بْن مُحصن الْأَسدي، وَأَخُوهُ: سِنَان بْن مُحصن، وَأَبُو سِنَان بْن مُحصن، وَابْنه سِنَان بْن أبي سِنَان، وشجاع بْن وهب الْأَسدي، وَأَخُوهُ عقبَة بْن وهب، وَيزِيد بْن1 رُقَيْش بْن رِئَاب2 الْأَسدي، ومحرز بْن نَضْلَة الْأَسدي، وَرَبِيعَة بْن أَكْثَم بْن سَخْبَرَة3 الْأَسدي. وَمن حلفاء بني أَسد بْن خُزَيْمَة: ثقف4 بْن عَمْرو5، ومدلج وَقيل مدلاج بْن عَمْرو6، وأخوهما مَالك بْن عَمْرو من بني سليم، وَأَبُو مخشي سُوَيْد بْن مخشي الطَّائِي. ثَمَانِيَة عشر أَو سَبْعَة عشر7 رجلا: اثْنَان من أنفسهم، وَاثْنَانِ من مواليهم، وَعشرَة من حلفائهم من بني أَسد بْن خُزَيْمَة، وَمن حلفاء بني أَسد بْن خُزَيْمَة أَرْبَعَة. وَمن بني نَوْفَل بْن عَبْد منَاف شَهِدَهَا من حلفائهم -وَلم يشهدها من أنفسهم أحد- عتبَة بْن جَابر بْن وهب الْمَازِني، وخباب مولى عتبَة بْن غَزوَان وَلَيْسَ بخباب بْن الْأَرَت: رجلَانِ. وَمن بني أَسد بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قصي: الزبير بْن الْعَوام، وحاطب بْن أبي بلتعة حَلِيف لَهُم، وَسعد مولى حَاطِب. ثَلَاثَة رجال، اثْنَان مِنْهُم حليفان. وَمن بني أَسد بْن عَبْد الدَّار بْن قصي: مُصعب بْن عُمَيْر، وسوبيط بْن سعد بْن حَرْمَلَة. رجلَانِ من أنفسهم.
وَمن بني زهرَة بْن كلاب، عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف، وَسعد بْن أبي وَقاص، وَأَخُوهُ عُمَيْر بْن أبي وَقاص. ثَلَاثَة رجال. وَمن حلفائهم الْمِقْدَاد بْن عَمْرو البهرائي يعرف بالمقداد بْن الْأسود، لِأَن الْأسود بْن عَبْد يَغُوث الزُّهْرِيّ كَانَ قد تبناه قبل الْإِسْلَام، وَعبد اللَّه بْن مَسْعُود الْهُذلِيّ حَلِيف لَهُم، ومسعود بْن ربيعَة بْن عَمْرو الْقَارِي من ولد الْهون بْن خُزَيْمَة بْن مدركة وهم القارة حلفاء بني زهرَة، وَذُو الشمالين عُمَيْر بْن عَبْد عَمْرو بْن نَضْلَة الْخُزَاعِيّ حَلِيف لَهُم، وخباب بْن الْأَرَت حَلِيف لَهُم يُقَال إِنَّه خزاعي وَيُقَال إِنَّه تميمي وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي نسبه وولائه وحلفه فِي بَاب اسْمه من كتاب1 الصَّحَابَة. خَمْسَة رجال2 تَتِمَّة ثَمَانِيَة. وَمن بني تَمِيم بْن مرّة: أَبُو بكر الصّديق، وبلال بْن رَبَاح مَوْلَاهُ، وعامر بْن فهَيْرَة مَوْلَاهُ وَكَانَ من مُوَلَّدِي الأزد، وصهيب بْن سِنَان النمري حَلِيف عَبْد اللَّهِ بْن جدعَان التَّيْمِيّ، وَطَلْحَة بْن عبيد اللَّه بْن عُثْمَان كَانَ بِالشَّام فِي تِجَارَة فَضرب لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره. فعد لذَلِك فِي أهل بدر. خَمْسَة رجال: اثْنَان من أنفسهم3 وَاثْنَانِ من مواليهم وَوَاحِد حَلِيف لَهُم. وَمن بني مَخْزُوم بْن يقظة: أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد واسْمه عَبْد اللَّهِ، وشماس بْن عُثْمَان بْن الشريد واسْمه عُثْمَان بْن عُثْمَان، والأرقم بْن أبي الأرقم عَبْد منَاف، وعمار بْن يَاسر الْعَنسِي مولى لَهُم، ومعتب بْن عَوْف السَّلُولي ثمَّ الْخُزَاعِيّ حَلِيف لَهُم. خَمْسَة رجال: ثَلَاثَة من أنفسهم، وَوَاحِد مولى لَهُم، وَوَاحِد من حلفائهم. وَمن بني عدي بْن كَعْب: عمر بْن الْخطاب بْن نفَيْل، وَأَخُوهُ زيد بْن الْخطاب، وَعَمْرو بْن سراقَة بْن الْمُعْتَمِر، وَأَخُوهُ عَبْد اللَّهِ بْن زيد بْن عَمْرو بْن نفَيْل كَانَ غَائِبا بِالشَّام فَضرب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره فَهُوَ مَعْدُود فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَمهجع مولى عمر بْن الْخطاب. وَمن حلفائهم وَاقد بْن عَبْد اللَّهِ الْيَرْبُوعي التَّمِيمِي، وخولي
وَمَالك ابْنا1 أبي خولي من بني عجل بْن لجيم، وعامر بْن ربيعَة2 الْعَنزي، وعامر وعاقل وخَالِد وَإيَاس بَنو البكير بْن عَبْد يَا ليل الليثيون من بني سعد بْن لَيْث. أَرْبَعَة عشر رجلا: خَمْسَة من أنفسهم، وَوَاحِد من مواليهم، وَثَمَانِية من حلفائهم. وَمن بني جمح: عُثْمَان، وَقُدَامَة، وَعبد اللَّه بَنو مَظْعُون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، والسائب بْن عُثْمَان بْن مَظْعُون، وَمعمر بْن الْحَارِث بْن معمر بْن حبيب، خَمْسَة رجال. وَمن بني سهم بن هصيص: خُنَيْس بن حذاقة. رجل وَاحِد. وَمن بني عَامر بْن لؤَي: أَبُو سُبْرَة بْن أبي رهم بْن عَبْد الْعُزَّى، وَعبد الله بن مخزومة بْن عَبْد الْعُزَّى، وَعبد اللَّه بْن سُهَيْل بْن عَمْرو، خرج مَعَ الْمُشْركين فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ فر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهب3 بْن سعد بْن أبي سرح، وحاطب بْن عَمْرو، وَعُمَيْر4 بْن عَوْف، وَسعد بْن خَوْلَة حَلِيف لَهُم من الْيمن. سَبْعَة رجال: خَمْسَة من أنفسهم، وَمولى لَهُم، وحليف. وَمن بني الْحَارِث بْن فهر: أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجراح واسْمه عَامر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْجراح، وَعَمْرو بْن الْحَارِث بْن زُهَيْر، وَسُهيْل بْن وهب بْن ربيعَة، وَأَخُوهُ صَفْوَان بْن وهب وهما ابْنا بَيْضَاء، وَعَمْرو بْن أبي سرح بْن ربيعَة، [وعياض بْن5 زُهَيْر] . سِتَّة رجال كلهم من أنفسهم. فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين سِتَّة6 وَثَمَانُونَ رجلا، كلهم شَهِدَهَا بِنَفسِهِ إِلَّا
ثَلَاثَة رجال، وهم: عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد بْن زيد، ضرب لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهامهم وأجورهم، فهم كمن شَهِدَهَا إِن شَاءَ اللَّه. وَمِنْهُم من صليبة قُرَيْش أحد وَأَرْبَعُونَ رجلا، وسائرهم حلفاء لَهُم وموال. وجميعهم مُهَاجِرِي بدر رَحِمهم اللَّه وَرَضي عَنْهُم. تَسْمِيَة من شهد بَدْرًا من الْأَنْصَار 1 [ذكر من شهد بَدْرًا من الْأَوْس] . شَهِدَهَا من الْأَوْس حَارِثَة بْن ثَعْلَبَة بْن عَمْرو بْن عَامر [ثمَّ2 من بني عَبْد الْأَشْهَل] : سعد بْن معَاذ الأشْهَلِي، وَأَخُوهُ عَمْرو بْن معَاذ، وَابْن أَخِيه الْحَارِث بْن أَوْس بْن معَاذ. وَمن بني عَبْد الْأَشْهَل أَيْضا: الْحَارِث بْن أنس بْن رَافع [وَسعد3 بْن زيد بْن مَالك بْن عبيد] وَسَلَمَة بْن سَلامَة بْن وقش، وَعباد بْن بشر بْن وقش، وَسَلَمَة بْن ثَابت بْن وقش، وَرَافِع بْن يزِيد بْن كرز من بني زعورا4 بْن عَبْد الْأَشْهَل. وَمن حلفائهم الْحَارِث
ابْن خزمة بْن عدي خرج عَن قومه1 وحالف بني زعورا بْن عبد أشهل، وَمُحَمّد بْن سَلمَة من بني الْحَارِث خرج عَن قومه وحالف بني زعورا، [وَسَلَمَة2 بْن أسلم بْن حريش خرج أَيْضا عَن قومه بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج وحالف بني زعورا] وَأَبُو الْهَيْثَم بْن التيهَان، وأخو عبيد وَيُقَال عتِيك بْن التيهَان، وَعبد اللَّه بْن سهل وَيُقَال إِنَّه من نفس بني3 زعورا. خَمْسَة4 عشر رجلا. وَمن بني ظفر واسْمه كَعْب بْن الْخَزْرَج بْن عَمْرو بْن مَالك بْن الْأَوْس: قَتَادَة بْن النُّعْمَان، وَعبيد بْن أَوْس وَيعرف بمقرن لِأَنَّهُ أسر أَرْبَعَة من الْمُشْركين فقرنهم وساقهم5، وَنصر بْن الْحَارِث بْن عبيد6، ومعتب بْن عبيد. وَمن حلفائهم عَبْد اللَّهِ بْن طَارق البلوي. خَمْسَة رجال. وَمن بني حَارِثَة بْن الْخَزْرَج بْن عَمْرو بْن مَالك بْن الْأَوْس: مَسْعُود بْن سعد7 بْن عَامر، وَأَبُو عبس بْن جبر بْن عَمْرو. وَمن حلفائهم: أَبُو بردة بْن نيار البلوي واسْمه هانىء بْن نيار بْن عَمْرو [بْن عبيد8] بْن كلاب من بلي بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة. ثَلَاثَة رجال. وَمن بني عَوْف بْن مَالك بْن الْأَوْس ثمَّ من بني ضبيعة بْن زيد: عَاصِم بْن ثَابت بْن أبي الأقلح وَاسم أبي الأقلح قيس بْن عصمَة بْن النُّعْمَان بْن مَالك بْن أُميَّة بْن ضبيعة، ومعتب بْن قُشَيْر بْن مليل. وَقد قيل إِن معتب بْن قُشَيْر من الْمُنَافِقين9 وَالله أعلم.
[وَأَبُو1 مليل بن الأزعر، بْن زيد بْن العطاف بْن ضبيعة] وَعُمَيْر2 بْن معبد بْن الأزعر، وَسَهل بْن حنيف بْن واهب. [خَمْسَة رجال] . وَمن بني أُميَّة بْن زيد بْن مَالك بْن عَوْف: أَبُو لبَابَة بشير، وَأَخُوهُ مُبشر، وأخوهما رِفَاعَة بَنو عَبْد الْمُنْذر بْن زنبر بْن أُميَّة بْن زيد، وَسعد بْن عبيد النُّعْمَان، وعويم3 بْن سَاعِدَة بْن عائش بْن قيس بْن [النُّعْمَان بْن] زيد بْن أُميَّة بْن زيد، وَرَافِع بْن عنجدة وَهِي أمه، وَعبيد بْن أبي عبيد، وثعلبة بْن حَاطِب. وَقد قيل إِن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد أَبَا لبَابَة والْحَارث4 بْن حَاطِب إِلَى الْمَدِينَة، وَأَمَّرَ أَبَا لبَابَة عَلَيْهَا، وَضرب لَهما بسهميهما وأجرهما. تِسْعَة5 رجال. وَقيل إِن ثَعْلَبَة بْن حَاطِب هُوَ الَّذِي نزلت فِيهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لنصدقن ... } الْآيَات إِذْ منع الزَّكَاة وَالله أعلم. وَمَا جَاءَ فِيمَن شهد بَدْرًا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وعدوه ... } الْآيَة. وَلَعَلَّ قَول من قَالَ فِي ثَعْلَبَة إِنَّه مَانع الزَّكَاة الَّذِي نزلت فِيهِ الْآيَة غير صَحِيح. وَالله أعلم. وَمن بني عبيد بْن زيد بْن مَالك بْن عَوْف: أنيس بْن قَتَادَة بْن ربيعَة بْن خَالِد6 بْن الْحَارِث بْن عبيد. وَمن حلفائهم من بلي: معن بْن عدي بْن الْجد بْن عجلَان بْن ضبيعة، وثابت بْن أقرم7 بْن ثَعْلَبَة [وَعبد8 اللَّه بْن سَلمَة بْن مَالك] وَزيد بْن أسلم بْن ثَعْلَبَة، ورِبْعِي بْن رَافع بْن زيد. وَخرج عَاصِم بْن عدي بْن الْجد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرده وَضرب لَهُ بسهمه وأجره. سَبْعَة9 رجال.
وَمن بني مُعَاوِيَة [بْن1 مَالك] بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف: جبر بْن عتِيك2 بْن الْحَارِث وَمَالك بْن نميلَة الْمُزنِيّ حَلِيف لَهُم، والنعمان بْن عصر3 البلوي حَلِيف لَهُم. [ثَلَاثَة رجال] . وَمن بني ثَعْلَبَة بْن عَمْرو بْن عَوْف: عَبْد اللَّهِ بْن جُبَير بْن النُّعْمَان، وَأَخُوهُ خَوات بْن جُبَير بْن النُّعْمَان رده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضرب لَهُ بسهمه وأجره، وَعَاصِم بْن قيس بْن ثَابت بْن النُّعْمَان، وَأَخُوهُ أَبُو ضياح بْن ثَابت بْن النُّعْمَان، وَأَخُوهُ أَبُو حَيَّة بْن ثَابت بْن النُّعْمَان وَسَالم بْن عُمَيْر بْن ثَابت بْن النُّعْمَان، والْحَارث بْن النُّعْمَان بْن أُميَّة بْن البرك وَاسم البرك امْرُؤ الْقَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عَمْرو بْن عَوْف. سَبْعَة رجال4. وَمن بني جحجبي بْن كلفة بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن مَالك بْن الْأَوْس: مُنْذر بْن مُحَمَّد بْن عقبَة بْن أحيحة بْن الجلاح بْن الْحَرِيش بْن جحجبي. وَمن حلفائهم: أَبُو عقيل بْن عَبْد اللَّهِ بْن ثَعْلَبَة البلوي. رجلَانِ. وَمن بني غنم بْن السّلم بْن امريء الْقَيْس بْن مَالك بْن الْأَوْس: سعد بْن خَيْثَمَة بْن الْحَارِث، ومولاه تَمِيم، والْحَارث بْن عرْفجَة [وَمُنْذِر5 بْن قدامَة بْن عرْفجَة] وَمَالك بْن قدامَة بْن عرْفجَة [خَمْسَة رجال] . وجميعهم وَاحِد6 وَسِتُّونَ رجلا على حسب مَا ذكرنَا عَنْهُم مِمَّن شَهِدَهَا بِنَفسِهِ وَمن أُسْهِمَ لَهُ فِيهَا بِسَهْم.
ذكر من شهد بَدْرًا من الْخَزْرَج وَشهد بَدْرًا من الْخَزْرَج بن حَارِثَة ثمَّ بني كَعْب بْن الْخَزْرَج بْن الْحَارِث بْن الْخَزْرَج: خَارِجَة1 بْن زيد بْن أبي زُهَيْر بْن مَالك بن امرىء الْقَيْس بْن مَالك بْن ثَعْلَبَة بْن كَعْب بْن الْخَزْرَج، وَسعد بْن الرّبيع بْن عَمْرو بْن أبي زُهَيْر، وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة [بن2 ثَعْلَبَة] بن امرىء الْقَيْس بن عَمْرو بن امرىء الْقَيْس بْن مَالك، وخلاد بْن سُوَيْد بْن ثَعْلَبَة، وَبشير بْن سعد بْن ثَعْلَبَة، وَأَخُوهُ سماك بْن سعد، وسبيع بْن قيس بْن عبسة3 وَيُقَال عيشة، وَأَخُوهُ عباد بْن قيس، وَعبد اللَّه بْن عبس، وَيزِيد بْن الْحَارِث بْن قيس، يُقَال لَهُ: ابْن فسحم4. عشرَة رجال. وَمن بني جشم وَزيد ابْني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج وهما التوأمان: خبيب بْن إساف5 بْن عتبَة، وَعبد اللَّه بْن زيد بْن ثَعْلَبَة صَاحب الْأَذَان6، وَأَخُوهُ حُرَيْث بْن زيد، وسُفْيَان بْن نسر7 بْن عَمْرو. أَرْبَعَة رجال. وَمن بني جدارة بْن عَوْف بْن الْحَارِث بْن الْخَزْرَج: تَمِيم بْن يعار بْن قيس، وَعبد اللَّه8 بْن عُمَيْر، وَزيد بْن المزين بْن قيس، وَعبد اللَّه بْن عرفطة بْن عدي بْن أُميَّة بن جدارة9. أَرْبَعَة رجال.
وَمن بني الأبجر وَهُوَ خدرة بْن عَوْف بْن الْحَارِث بْن الْخَزْرَج أَخُو جدارة: عَبْد اللَّهِ بْن ربيع بْن قيس بْن عَمْرو بْن عباد بْن الأبجر. رجل وَاحِد. وأصل الخدرة الْخمس الثَّانِي من اللَّيْل، وَالْخمس الأول الهزيع وَالْخمس الثَّالِث اليعفور وَالرَّابِع السدفة، ذكره كرَاع. وَمن بني عَوْف بن الْخَزْرَج ثمَّ بني الحبلى*: عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول، وسلول أم أبي بْن مَالك بْن الْحَارِث بْن عبيد، وَأَوْس بْن خولى بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن عبيد. رجلَانِ. وَمن بني جُزْء بْن عدي بْن مَالك بْن سَالم: زيد بْن وَدِيعَة بْن عَمْرو بْن قيس بْن جُزْء، وَعقبَة بْن وهب بْن كلدة، حَلِيف لَهُم من بني عَبْد اللَّهِ بْن غطفان. رجلَانِ. وَمن بني ثَعْلَب بْن مَالك بْن سَالم: رِفَاعَة بْن عَمْرو بْن زيد بْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة، وعامر وَيُقَال عَمْرو بْن سَلمَة بْن عَامر حَلِيف لَهُم من الْيمن1. [رجلَانِ] . وَمن بني الْمِقْدَام بْن سَالم بْن غنم: أَبُو حميضة2 معبد بْن عباد بْن قُشَيْر بْن الْمُقدم بْن سَالم، وعامر بْن البكير3 حَلِيف لَهُم وَيُقَال عَاصِم بْن العكير. [رجلَانِ] . وَمن بني سَالم بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف بْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني العجلان بْن زيد بْن غنم بْن سَالم: عتْبَان بْن مَالك بْن عَمْرو بن العجلان، و [نَوْفَل4 بْن عَبْد اللَّهِ بْن] نَضْلَة بْن مَالك بْن العجلان. رجلَانِ. وَمن بني أَصْرَم بْن فهر بْن ثَعْلَبَة بْن غنم بْن سَالم بْن عَوْف وَقد قيل إِنَّه غنم بْن عَوْف أَخُو سَالم بْن عَوْف بْن الْخَزْرَج: عبَادَة بْن الصَّامِت بْن قيس بْن أَصْرَم، وَأَخُوهُ أَوْس بن الصَّامِت. رجلَانِ.
وَمن بني دعد بْن فهر بْن ثَعْلَبَة بْن غنم: النُّعْمَان بْن مَالك بْن ثَعْلَبَة. وثعلبة1 هُوَ قوقل. [رجل وَاحِد] . وَمن بني قريوش وَيُقَال قريوس2 بْن غنم بْن أُميَّة بْن لوذان بْن سَالم بْن عَوْف: ثَابت بْن هزال بْن ثَابت بْن عَمْرو بْن قريوش. [رجل وَاحِد] . وَمن بني مرضخة وَهُوَ عمر بْن غنم بْن أُميَّة بْن لوذان: مَالك بْن الدخشم بْن مَالك بْن الدخشم بْن مرضخة، وَالربيع، وورقة، وَعَمْرو بَنو إِيَاس بْن عَمْرو بْن غنم بْن أُميَّة بْن لوذان. وَقد قيل إِن عَمْرو بْن إِيَاس لَيْسَ بِأَخ لَهما. وَإنَّهُ حَلِيف لَهُم من الْيمن. وَمن حلفائهم من قضاعة: المجذر3 بن ذياد بْن عَمْرو البلوي وَاسم المجذر عَبْد اللَّهِ، وَعبادَة4 بْن الخشخاش بن عَمْرو بن زمزمة، ونحاث5 -وَيُقَال نحاب- بْن ثَعْلَبَة بْن حزمة6، وَعبد اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن حزمة، وَعتبَة7 بْن ربيعَة بْن خَالِد البهرائي من قضاعة وَقيل الْبَهْزِي من بهز بْن سليم حَلِيف لَهُم. وَمن بني سَاعِدَة بْن كَعْب بْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني ثَعْلَبَة بْن الْخَزْرَج بْن سَاعِدَة: أَبُو دُجَانَة سماك بْن خَرشَة وَيُقَال سماك بْن أَوْس8 بْن خَرشَة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثَعْلَبَة، وَالْمُنْذر بْن عَمْرو بْن خُنَيْس9 بْن حَارِثَة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثَعْلَبَة. رجلَانِ.
وَمن بني عَمْرو بْن الْخَزْرَج بْن سَاعِدَة: أَبُو أسيد1 مَالك بْن ربيعَة بْن الْبدن2 بْن عَامر بْن عَوْف بْن حَارِثَة بْن عَمْرو بْن الْخَزْرَج بْن سَاعِدَة، وَمَالك بْن مَسْعُود بْن الْبدن. رجلَانِ. وَمن بني طريف بْن الْخَزْرَج بْن سَاعِدَة: عَبْد ربه بْن [حق3 بْن] أَوْس بْن وقش بْن ثَعْلَبَة بْن طريف بْن الْخَزْرَج بْن سَاعِدَة. وَمن حلفائهم: كَعْب بْن حمَار4 بْن ثَعْلَبَة الْجُهَنِيّ، وضمرة، وَزِيَاد، وبسبس بَنو عَمْرو5، وَعبد اللَّه بْن عَامر من بلي. وَمن بني سَلمَة بْن سعد بْن عَليّ بْن أَسد بْن ساردة بْن تزيد بْن جشم بْن الْخَزْرَج: خرَاش بْن الصمَّة بْن عَمْرو بْن الجموح بْن زيد6 بْن حرَام بْن كَعْب بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة، وَأَبُو الصمَّة7 بْن عَمْرو، والحباب بْن الْمُنْذر بْن الجموح [وَعُمَيْر بْن الْحمام8] وَتَمِيم9 مولى خرَاش بْن الصمَّة، وَعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرَام بْن ثَعْلَبَة بْن حرَام بن كَعْب، ومعاذ ومعوذ أَبنَاء عَمْرو بْن الجموح، وأخوهما خَلاد بْن عَمْرو بْن الجموح، وَعقبَة بْن عَامر من بني نابي بْن زيد بْن حرَام [وحبِيب10 بْن أسود مولى لَهُم] وَعُمَيْر11 بْن الْحَارِث بْن ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حرَام، وَبشر بْن الْبَراء بن معْرور بن
صَخْر بْن [مَالك بْن] خنساء، والطفيل بْن مَالك بْن خنساء، والطفيل1 بْن النُّعْمَان بْن خنساء، وَسنَان بْن صَيْفِي بْن صَخْر بْن خنساء، وَعبد اللَّه بْن الْجد بْن قيس بْن صَخْر بْن خنساء، وَعتبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن صَخْر بْن خنساء، وجبار بْن أُميَّة بْن صَخْر بْن خنساء. وَقد قيل إِن جَبَّار بْن صَخْر بْن أُميَّة بْن خناس، وخناس وخنساء أَخَوان، وخارجة2 بْن حمير، وَأَخُوهُ عَبْد اللَّهِ بْن حمير حليفان لَهُم من أَشْجَع، وَيزِيد بْن الْمُنْذر بْن سرح بْن خناس، وَأَخُوهُ معقل بْن الْمُنْذر، وَعبد اللَّه بْن النُّعْمَان بْن بلدمة3، وَالضَّحَّاك بْن حَارِثَة بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن عبيد بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة، وَسَوَاد بْن رزق بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن عبيد بْن غنم4، ومعَبْد بْن قيس بْن صَخْر بْن حرَام بْن ربيعَة بْن عدي بْن غنم [وَعبد5 اللَّه بْن قيس بْن صَخْر بْن حرَام] وَعبد اللَّه بْن عَبْد منَاف بْن النُّعْمَان بْن سِنَان بْن عبيد، وَجَابِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن رِئَاب بْن النُّعْمَان بْن سِنَان بْن عبيد، وخليدة بْن قيس بْن النُّعْمَان، والنعمان6 بْن يسَار مولى لَهُم، وَأَبُو الْمُنْذر يزِيد بْن عَامر بْن حَدِيدَة بْن عَمْرو7 بْن سَواد بْن غنم بْن كَعْب بْن سَلمَة، وَقُطْبَة بْن عَامر بْن حَدِيدَة، وسليم بْن عَمْرو بْن حَدِيدَة، وعنترة مَوْلَاهُ وَيُقَال إِن عنترة هَذَا من بني سليم، وَعَبس بْن عَامر بْن عدي بْن نابي بْن عَمْرو بْن سَواد بْن غنم، وثعلبة بن غنمة8 بْن عدي وَأَبُو الْيُسْر كَعْب بْن عَمْرو بْن عباد بْن عَمْرو بْن سَواد9 بْن غنم، وَسَهل بْن سعد بْن قيس بْن أبي كَعْب بْن الْقَيْن بْن كَعْب بْن سَواد بْن غنم، وَعَمْرو بْن طلق بْن زيد بْن أُميَّة بْن سِنَان بْن كَعْب بْن غنم. وَمن بني أُدي بْن سعد أخي سَلمَة بْن سعد بْن عَليّ: معَاذ بْن جبل بْن عَمْرو بن
أَوْس بْن عَائِذ1 بْن عدي2 بْن كَعْب بْن عَمْرو بْن أُدي بْن سعد أخي سَلمَة بْن سعد. وَمن بني زُرَيْق [بْن عَامر بْن زُرَيْق] بْن عَبْد حَارِثَة بْن مَالك بْن غضب بْن جشم بْن الْخَزْرَج: قيس بْن مُحصن3 بْن خَالِد بْن مخلد بْن عَامر بْن زُرَيْق، وَأَبُو خَالِد الْحَارِث بْن قيس بْن خَالِد بْن مخلد، وَجبير بْن إِيَاس بْن خَالِد بْن مخلد، وَأَبُو عبَادَة سعد بْن عُثْمَان بْن خلدَة بْن مخلد، وَأَخُوهُ عقبَة بْن عُثْمَان، وذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدَة بْن مخلد، ومسعود بْن خلدَة بْن عَامر بْن مخلد، وَعباد بْن قيس بْن عَامر بْن خَالِد بْن عَامر بْن زُرَيْق، وأسعد4 بْن يزِيد بْن الْفَاكِه بْن زيد بْن خلدَة بْن عَامر بْن زُرَيْق، والفاكه بْن بشر5 بْن الْفَاكِه بْن زيد بْن خلدَة، ومعاذ بْن ماعص بْن قيس بْن خلدَة بْن زُرَيْق، وَأَخُوهُ عَائِذ بْن ماعص، وعمهما مَسْعُود بْن [سعد6] بْن قيس. وَمن بني العجلان بْن عَمْرو بْن عَامر بْن زُرَيْق: رِفَاعَة بْن رَافع بْن العجلان وَأَخُوهُ خَلاد بْن رَافع، وَعبيد بْن زيد بْن عَامر بْن العجلان. وَمن بني بياضة بْن عَامر بْن زُرَيْق: زِيَاد بْن لبيد بْن ثَعْلَبَة بْن سِنَان بْن عَامر بْن عدي بْن أُميَّة بْن بياضة، وفروة بْن عَمْرو بْن ودفة7 بْن عبيد بْن عَامر بْن بياضة، وخَالِد بْن قيس8 بْن مَالك بْن العجلان بْن عَامر بْن بياضة، ورجيلة بْن ثَعْلَبَة بْن خَالِد بْن ثَعْلَبَة بْن عَامر بْن بياضة [وعطية9 بْن نُوَيْرَة بْن عَامر بْن عَطِيَّة بْن عَامر بْن بياضة] وَخَلِيفَة بْن عدي بْن عَمْرو بْن مَالك بْن عَامر بْن بياضة. وَمن بني حبيب بْن عَبْد حاثة أخي زُرَيْق: رَافع بْن الْمُعَلَّى بْن لوذان بْن حَارِثَة بْن
عدي بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن زيد مَنَاة بْن حبيب بْن عبد حَارِث بْن مَالك بْن غضب بْن جشم بْن الْخَزْرَج. وَمن بني النجار وَهُوَ تَمِيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن عَمْرو بْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني غنم بْن مَالك بْن النجار: أَبُو أَيُّوب خَالِد بْن زيد بْن كُلَيْب بْن ثَعْلَبَة بْن عَبْد بْن عَوْف بْن غنم بْن مَالك بْن النجار، وثابت بْن خَالِد بْن النُّعْمَان بْن خنساء بْن عسيرة1 بْن عَبْد بْن عَوْف بْن غنم بْن مَالك بْن النجار، وَعمارَة بْن حزم بْن زيد بْن لوذان بْن عَمْرو بْن عَبْد [بْن] عَوْف بْن غنم بْن مَالك النجار، وسراقة بْن كَعْب بْن عبد الْعُزَّى بْن غزيَّة بْن عَمْرو بْن عَبْد بْن عَوْف بْن غنم، وحارثة بْن النُّعْمَان بْن نفع2 بْن زيد بْن عبيد بْن ثَعْلَبَة بْن غنم [وسليم3 بْن قيس بْن قهد وَاسم قهد خَالِد بْن قيس بْن ثَعْلَبَة بْن غنم] وَسُهيْل بْن رَافع بْن أبي عَمْرو بْن عَائِذ بْن ثَعْلَبَة بْن غنم، وعدي بْن أبي الزغباء حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة، ومسعود بْن أَوْس بْن زيد [بْن4 أَصْرَم بْن زيد] بْن ثَعْلَبَة بْن غنم بْن مَالك بْن النجار، وَأَبُو خُزَيْمَة بْن أَوْس بْن زيد بْن أَصْرَم بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن غنم، وَرَافِع بْن الْحَارِث بْن سَواد5 بْن زيد بْن ثَعْلَبَة بْن غنم، وعَوْف ومعوذ، ومعاذ بَنو الْحَارِث بْن رِفَاعَة بْن سَواد بْن مَالك6 بْن غنم بْن مَالك بْن النجار وهم بَنو عفراء، وَيُقَال إِن أَبَا الْحَمْرَاء مولى الْحَارِث بْن عفراء شهد بَدْرًا، والنعمان بْن عَمْرو بْن رِفَاعَة بْن سَواد بْن مَالك بْن غنم بْن مَالك بْن النجار، وعامر بْن مخلد بْن الْحَارِث بْن سَواد بْن مَالك بْن غنم بْن مَالك بْن النجار وَعبد اللَّه بْن قيس بْن خَالِد بْن خلدَة بْن الْحَارِث بْن سَواد بْن مَالك
ابْن غنم بْن مَالك بْن النجار، وعصيمة حَلِيف لَهُم من أَشْجَع، ووديعة1 بْن عَمْرو حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة، وثابت بْن عَمْرو بْن زيد بْن عدي بْن سَواد بْن مَالك بْن غنم بْن مَالك بْن النجار. وَمن بني مبذول واسْمه عَامر بْن مَالك بْن النجار ثمَّ من بني عَمْرو بْن عتِيك بْن عَمْرو بْن مبذول: ثَعْلَبَة بْن عَمْرو بْن مُحصن بْن عَمْرو بْن عتِيك، وَسَهل بْن عتِيك بْن النُّعْمَان2 بْن عَمْرو بْن عتِيك، والْحَارث بْن الصمَّة بْن عَمْرو بْن عتِيك كسر بِهِ بِالرَّوْحَاءِ فَضرب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه. وَمن بني مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن مَالك بْن النجار وهم بَنو حديلة: أُبَيُّ بْن كَعْب بْن قس بْن عبيد بْن زيد بْن مُعَاوِيَة، وَأنس بْن معَاذ بْن أنس بْن قيس بْن عبيد بْن زيد بْن مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن مَالك النجار. وَمن بني عدي بْن عَمْرو بْن مَالك بْن النجار وهم بَنو مغالة فَنُسِبُوا إِلَى أمّهم امرأةٍ من كنَانَة: أَوْس بْن ثَابت بْن الْمُنْذر بْن حرَام بْن عَمْرو بْن زيد مَنَاة بْن عدي بْن عَمْرو بْن مَالك بْن النجار، وَأَبُو شيخ بْن أبي بْن ثَابت، وَقيل أَبُو شيخ بْن ثَابت أَخُو حسان بْن ثَابت وَأَوْس بْن ثَابت، وَأَبُو طَلْحَة زيد بْن سهل بْن الْأسود بْن حرَام بْن عَمْرو بْن زيد مَنَاة بْن عدي بْن مَالك بْن النجار. انْقَضى بَنو مَالك بْن النجار. وَمن بني عدي بْن النجار: حَارِثَة3 بْن سراقَة بْن الْحَارِث بْن عدي بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وَعَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن وهب بْن عدي بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار وَهُوَ أَبُو حَكِيم، وسليط بْن قيس بْن عَمْرو بْن عتِيك بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وَأَبُو سليط أسيرة4 بن عَمْرو وَهُوَ أَبُو خَارِجَة بْن قيس بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بن
النجار، وثابت بْن خنساء بْن عَمْرو بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وعامر بْن أُميَّة بْن زيد بْن الحسحاس بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، ومحرز بْن عَامر بْن مَالك بْن عدي بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وَسَوَاد1 بْن غزيَّة بْن أهيب حَلِيف لَهُم من بلي، وَأَبُو زيد قيس بْن سكن بْن قيس بْن زعوراء بْن حرَام بْن جُنْدُب بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وَأَبُو الْأَعْوَر الْحَارِث بْن ظَالِم وَيُقَال أَبُو الْأَعْوَر2 بْن الْحَارِث بْن ظَالِم بْن عبس بْن حرَام بْن جُنْدُب، وسليم، وَحرَام، ابْنا ملْحَان3 وَاسم ملْحَان: مَالك بْن خَالِد بْن زيد بْن حرَام بْن جُنْدُب بْن عَامر بن غنم بْن عدي بْن النجار. وَمن بني مَازِن بْن النجار: قيس بْن أبي صعصعة وَاسم أبي صعصعة عَمْرو بْن زيد بْن عَوْف بْن مبذول بْن عَمْرو بْن غنم بْن مَازِن بْن النجار، وَعبد اللَّه بْن كَعْب بْن عَمْرو بْن عَوْف بْن مبذول، وعصيمة4 حَلِيف لَهُم من بني أَسد بْن خُزَيْمَة، وَأَبُو دَاوُد عُمَيْر بْن عَامر بْن مَالك بن خنساء بن مبذول، وسراقة بْن عَمْرو بْن عَطِيَّة بْن خنساء بْن مبذول، وَقيس بْن مخلد بْن ثَعْلَبَة بْن صَخْر بْن حبيب بْن الْحَارِث بْن ثَعْلَبَة بْن مَازِن بْن النجار. وَمن بني دِينَار بْن النجار: النُّعْمَان بْن عَبْد عَمْرو بْن مَسْعُود بْن عَبْد الْأَشْهَل بْن حَارِثَة بن دِينَار بْن النجار، وَأَخُوهُ الضَّحَّاك بْن عَبْد عَمْرو، وسليم5 بْن الْحَارِث بْن ثَعْلَبَة بْن كَعْب بْن [عَبْد6 الْأَشْهَل بْن] حَارِثَة بن دِينَار بْن النجار، وَجَابِر بْن خَالِد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الْأَشْهَل بْن حَارِثَة بْن دِينَار، وَسعد7 بْن سُهَيْل بْن عَبْد الْأَشْهَل بْن حَارِثَة بْن دِينَار، وَكَعب بْن زيد بْن قيس بْن مَالك بْن كَعْب بْن حَارِثَة بْن دِينَار، وبجير بْن أبي بجير حَلِيف لَهُم من بني عبس بن بغيض.
فَجَمِيع من شهد بَدْرًا على مَا وَصفنَا من الْخَزْرَج بْن حَارِثَة مائَة1 وَسَبْعُونَ رجلا، وَجَمِيع أهل بدر على مَا ذكرنَا ثَلَاثمِائَة رجل وَسَبْعَة2 عشر رجلا. وَقد ذكرنَا من غَابَ عَنْهَا وَضرب بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره فِيهَا*.
فصل بَعْثُ مُشْرِكِي قُرَيْش عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَ أبي ربيعَة إِلَى النَّجَاشِيّ قَالَ الْفَقِيه1 أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: فَلَمَّا أوقع اللَّه عز وَجل بالمشركين يَوْم بدر واستأصل وُجُوههم قَالُوا: إِن ثَأْرنَا بِأَرْض الْحَبَشَة فلنرسل إِلَى ملكهَا يدْفع إِلَيْنَا من عِنْده من أَتبَاع مُحَمَّد، فنقتلهم بِمن قتل منا ببدر. وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو عمر: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْن السَّرْح، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَن ابْن شهَاب، قَالَ: بَلغنِي أَن مخرج عَمْرو بْن الْعَاصِ وَابْن أبي ربيعَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِيمَن كَانَ بأرضهم من الْمُسلمين كَانَ بعد وقْعَة بدر. فَلَمَّا بلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْرَجُهُمَا بعث عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي من الْمَدِينَة إِلَى النَّجَاشِيّ بِكِتَاب2. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن سَلمَة الْمرَادِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي ابْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ عُرْوَة بن الزبير:
أَنَّ الْهِجْرَةَ الأُولَى هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُ هَاجَرَ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِامْرَأَتِهِ رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلمَة بنت أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ. وَهَاجَرَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ذَوُو عَدَدٍ1 لَيْسَ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَلَمَّا أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ دَارَ هِجْرَتِهِمْ قَالَ لأَصْحَابِهِ: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ: سَبَخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ" 2 وَهِيَ الْمَدِينَةُ. فَهَاجَرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَرَجَعَ رِجَالٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بِابْنَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَبَسَ "مُكْثٌ" بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ شهَاب، وَرِجَال ذَوُو عَدَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبُ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَقَتَلَ اللَّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَة، فأهدوا النَّجَاشِيِّ وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ، لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ. فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ3، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا. فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ. [فَكَلَّمَ النَّجَاشَيَّ فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلا عَلَى دِينِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: صَدَقَ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَلا وَاللَّهِ لَا أَدْفَعُهُمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ فَأَنْظُرَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فِيهِمْ وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ4] فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: دِينُنَا الإِسْلامُ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللَّهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمَنْ جَاءَكُمْ
بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، فَعَرَفْنَا كَلامَ اللَّهِ وَصَدَّقْنَاهُ. قَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالُوا: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَبِالْوَفَاءِ وَبِأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَبِالْعَفَافِ. قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَوَاللَّهِ إِنْ1 خَرَجَ هَذَا إِلا مِنَ الْمِشْكَاةِ2 الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاشِيِّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ عَبْدٌ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالُوا: نَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ3. فَخَفَضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ، فَأَخَذَ عُودًا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ هَذَا الْعُودِ4. فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ بِهَذَا لَتَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللَّهِ لَا أَقُولُ فِي ابْنِ مَرْيَمَ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَبَدًا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطِعْ فِيَّ النَّاسَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي اللَّه، مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ رَشَوْنِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ مَا قَبِلْتُهُ. وَالدَّبْرُ: الْجَبَلُ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: لَا أَدْرِي عَرَبِيٌّ أَمْ لَا. ثُمَّ قَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً يُؤْذِيهِمْ بِهَا فَقَدْ غَرِمَ، وَمَعْنَى غَرِمَ هَلَكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غراما} فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ* وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيّ، فَقدم
عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ، فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ جَعْفَرًا يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ سُورَةَ مَرْيَم: {كهيعص} وَقَامُوا تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ... } وَقَرَأَ عَلَيْهِم إِلَى {الشَّاهِدين} 1. وَحدثنَا عبيد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَلمَة بن الْفضل، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ2: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ [النَّجَاشِيَّ3] ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ مَا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ4 أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً. ثُمَّ بَعَثُوا [بِذَلِكَ] 5 عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إِلَى كل بطرِيق هديته قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى6 إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاء خالفوا7
دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ1 إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ [فِيهِمْ] فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا يُرِيدُ أَقْعَدَ عِلْمًا بِهِمْ، الْعَيْنُ: الْعِلْمُ هَا هُنَا، أَيْ فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِمْ وَأَعْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا. ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، جَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ2 فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلامَهُمُ النَّجَاشِيُّ. فَقَالَتْ3 بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ [وَعَاتَبُوهُمْ4 فِيهِ] . فَأَسْلِمْهُمْ5 إِلَيْهِمْ لِيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. قَالَت6: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ أَبَدًا لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا7 وَلا يُكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بلادي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أدعهم فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ8 أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا9 وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ10 رَسُوله اجْتَمعُوا وَقَالَ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ11؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا
عَلَّمَنَا اللَّهُ وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ1 وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ. كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصدقه وأمانته وأمانته وعفافه، فَدَعَا [نَا] 2 إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ. وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدُ اللَّهَ لَا3 نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. قَالَتْ: فَعَدَّدَ [عَلَيْهِ4] أُمُورَ الإِسْلامِ. وَقَالَ: فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ لَهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا حَلَّلَ لَنَا. فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ [مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ] وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ. فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا5 فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {كهيعص} . قَالَتْ: فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللَّهِ اخْضَلَّتْ6 لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ7 حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى8 عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى9
لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فوَاللَّه لَا أسلمهم إلَيْكُمَا أَبَدًا. قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَالله لَآتِيَن غَدا بِمَا أستأصل بِهِ خضراءه. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ. قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ قَوْلا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ1 عَنْهُ. قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذْ سَأَلَكُمْ [عَنْهُ2] ؟ قَالُوا: نَقُولُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ نقُول فِيهِ الَّذِي جَاءَ [نَا بِهِ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ وَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، وَقَالَ: مَا عَدَا3 عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِمَّا4 قُلْتَ هَذَا الْمِقْدَارَ5. قَالَ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ: فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ. ثُمَّ قَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ؛ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي -وَالشُّيُومُ: الآمِنُونَ- مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَن لي دبر ذهب [و6] أَنِّي آذَيْتُ وَاحِدًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ. رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدِيَّتَهُمَا فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا. فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ [فِيهِ7] وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِي فأطيعهم فِيهِ. قَالَ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشد من حزن
حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. وَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ. قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا أَخْرُجُ. قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سبح عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: أَلا أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ وَأَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلادِهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا عَلَتْنَا فَرْحَةٌ قَطُّ مِثْلُهَا. قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ سَالِمًا وَأَهْلَكَ الله عدوه، واستوثق لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ. قَالَ الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: هَؤُلَاءِ1 قدمُوا على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ثمَّ هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة، وجعفر وَأَصْحَابه بقوا بِأَرْض الْحَبَشَة إِلَى عَام خَيْبَر. وَقد قيل إِن إرْسَال قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ فِي أَمر الْمُسلمين الْمُهَاجِرين إِلَيْهَا كَانَ مرَّتَيْنِ فِي زمانين: الْمرة الْوَاحِدَة كَانَ الرَّسُولَ مَعَ عمرِو بْنِ الْعَاصِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي ربيعَة المَخْزُومِي. والمرة الثَّانِيَة كَانَ مَعَ عَمْرو بْن الْعَاصِ عمَارَة بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي. وَقد ذكر الْخَبَر بذلك كُله ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَذكروا مَا دَار لعَمْرو مَعَ عمَارَة بْن الْوَلِيد من رميه إِيَّاه فِي الْبَحْر وَسَعْيِ عَمْرو بِهِ إِلَى النَّجَاشِيّ فِي بعض وُصُوله إِلَى بعض حرمه أَو خدمه، وَأَنه ظهر ذَلِك فِي ظُهُور طيب الْملك عَلَيْهِ، وَأَن الْملك دَعَا بسحرة، ونفخوا فِي إحليله، فَتَشْرُد وَلزِمَ الْبَريَّة وَفَارق الْإِنْس، وهام حَتَّى وصل إِلَى مَوضِع رام أَهله أَخذه فِيهِ، فَلَمَّا قربوا مِنْهُ فاضت نَفسه وَمَات. هَذَا معنى الْخَبَر. قَالَ أَبُو عَمْرو: وَلم أر لإيراده على وَجهه معنى اكْتِفَاء بِمَا كتبناه فِي الْكتاب، وَلِأَن ابْن إِسْحَاق قد ذكره بتمامة. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب*.
غَزْوَة بني سليم 1 وَلم يُقِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد مُنْصَرفه عَن بدر إِلَّا سَبْعَة أَيَّام، ثمَّ خرج بِنَفسِهِ الْكَرِيمَة يُرِيد بني سليم، واستخلف على الْمَدِينَة سِبَاع بْن عرفطة العفاري، وَقيل: ابْن أم مَكْتُوم، فَبلغ مَاء2 يُقَال لَهُ الكدر، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاث لَيَال ثمَّ انْصَرف وَلم يلق أحدا. غَزْوَة السويق 3 ثمَّ إِن أَبَا سُفْيَان [بْن حَرْب4] لما انْصَرف فل بدر آلى أَن يَغْزُو رَسُول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخرج فِي مِائَتي رَاكب حَتَّى أَتَى العريض فِي طرف الْمَدِينَة، فَحرق أصوارا5 من النّخل، وَقتل رجلا من الْأَنْصَار وحليفا لَهُ وجدهما فِي حرث لَهما، ثمَّ كرّ رَاجعا. ثمَّ نفر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون فِي أَثَره، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا لبَابَة بن عبد
الْمُنْذر. وَبلغ رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ. وَفَاتَهُ أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ، وَقد طرحوا سويقا1 كثيرا من أَزْوَادهم، يتخففون بذلك، فَأَخذه الْمُسلمُونَ، فسميت غَزْوَة السويق: وَكَانَ ذَلِك فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة بعد بدر بشهرين2 وَأَيَّام. قَالَ المُصَنّف رَضِي اللَّه عَنهُ: ولعمر، رَضِي اللَّه عَنهُ، حَدِيث حسن فِي غَزْوَة قرقرة الكدر3، يُقَال إِن عمرَان بْن سوَادَة قَالَ لَهُ وَهُوَ خَليفَة: إِن رعيتك تَشْكُو مِنْك عنف السِّيَاق وقهر الرّعية، فدق على الدرة وَجعل يمسح سيورها، ثمَّ قَالَ: قد كنت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قرقرة الكدر، فَكنت أرتع فأشبع وأسقي فأروى، وَأكْثر الزّجر، وَأَقل الضَّرْب، وَأَرُدُّ الْعَنُودَ، وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ، وأصم اللَّفُوتَ، وَأَسِمُ بالعصا، وأضرب بِالْيَدِ، وَلَوْلَا ذَلِك لأعذرت أَي تركت، فضيعت. يذكر حسن سياسته حِينَئِذٍ. والعنود: الحائد. وَالْعرُوض: المستصعب من الرِّجَال وَالدَّوَاب. والقرقرة: الأَرْض الواسعة الملساء. والكدر: طيور غُبْرٌ كَأَنَّهَا القطا. غَزْوَة ذِي أَمر 4 وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة ذِي الْحجَّة، ثمَّ غزا نجدا يُرِيد غطفان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عُثْمَان بْن عَفَّان، فَأَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَجْد صفرا كُله، ثمَّ انْصَرف، وَلم يلق حَربًا.
غَزْوَة بحران 1 فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ربيعا الأول، ثمَّ غزا يُرِيد قُريْشًا، واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم، فَبلغ بحران، معدنا بالحجاز، وَلم يلق حَربًا. فَأَقَامَ هُنَالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السّنة الثَّالِثَة. ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة. غَزْوَة بني قينقاع 2 وَنَقَضَ بَنو قينقاع من الْيَهُود عقد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، فَخرج إِلَيْهِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاصرهم حَتَّى نزلُوا على حكمه. فشفع فيهم عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول، وَرغب فِي حقن دِمَائِهِمْ، وألح على رَسُول اللَّه وَتعلق بِهِ حَتَّى أَدخل يَده فِي جيب درعه، فَقَالَ: "أَرْسلنِي"، فَقَالَ: وَالله لَا أرسلك حَتَّى تحسن إِلَيّ فِي موَالِي: أَرْبَعمِائَة حاسر3 وثلاثمائة دارع تُرِيدُ أَن تحصدهم فِي غَدَاة وَاحِدَة. وَكَانَ حصاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُم خمس عشرَة لَيْلَة واستخلف على الْمَدِينَة فِي تِلْكَ الْمدَّة [أَبَا لبَابَة] بشير بْن عبد الْمُنْذر.
وَذكر ابْن إِسْحَاق عَن عَاصِم بْن عمر وَعبد اللَّه بْن أبي بكر: أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم الْمَدِينَة وادعته الْيَهُود وَكتب عَنهُ وعنهم كتابا، وَألْحق كل قوم بحلفائهم1، وَشرط عَلَيْهِم فِيمَا شَرط أَن لَا يظاهروا عَلَيْهِ أحدا. فَلَمَّا قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ بدر أَتَاهُ بَنو قينقاع، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد لَا يغرك من نَفسك أَن نِلْتَ من قَوْمك مَا نلْت، فَإِنَّهُ لَا علم لَهُم بِالْحَرْبِ، أَمَا وَالله لَو حاربتنا لعَلِمت أَن حربنا لَيْسَ كحربهم وَأَنا لنَحْنُ النَّاس*. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ أول من نقض الْعَهْد بَينه وَبَين رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغدر من يهود بَنو قينقاع. فَسَار إِلَيْهِم رَسُول اللَّه وحاصرهم فِي حصونهم، وَقذف اللَّه فِي قُلُوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْبَعْث 2 إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف وَلما اتَّصل بكعب بْن الْأَشْرَف -وَهُوَ رجل من نَبهَان من طيى وَأمه من بني النَّضِير- قَتْلُ صَنَادِيد قُرَيْش ببدر قَالَ: بطن الأَرْض خير من ظهرهَا. ونهض إِلَى مَكَّة، فَجعل يرثي قَتْلَى قُرَيْش، ويحرض على قتال3 النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شَاعِرًا. ثمَّ انْصَرف إِلَى مَوْضِعه4 فَلم يزل يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو إِلَى خِلَافه ويسب الْمُسلمين حَتَّى آذاهم. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لي بِابْن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ؟ " فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة: أَنا لَهُ يَا رَسُول اللَّه، أَنا أَقتلهُ إِن شَاءَ اللَّه، قَالَ: "فافعل إِن قدرت على
ذَلِك". فَمَكثَ مُحَمَّد بْن مسلمة أَيَّامًا مَشْغُول النَّفس بِمَا وعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نَفسه فِي قتل ابْن الْأَشْرَف، وأتى أَبَا نائلة سلكان1 بْن سَلامَة بْن وقش وَكَانَ أَخا كَعْب بْن الْأَشْرَف من الرضَاعَة وَعباد بْن بشر بْن وقش والْحَارث بْن أَوْس بْن معَاذ وَأَبا عبس2 بْن جبر، فأعلمهم بِمَا وعد بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتل ابْن الْأَشْرَف، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك، وَقَالُوا: كلنا يَا رَسُول اللَّه نَقْتُلهُ. ثمَّ أَتَوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِنَّه لَا بُد لنا أَن نقُول3، فَقَالَ: "قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل" *. ثمَّ قدمُوا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف أَبَا نائلة، فَجَاءَهُ وتحدث مَعَه سَاعَة، وتناشدا الشّعْر. وَكَانَ أَبُو نائلة يَقُول الشّعْر أَيْضا، فَقَالَ لَهُ أَبُو نائلة: يَا بْن الْأَشْرَف إِنِّي جِئْت فِي حَاجَة أذكرها لَك فاكتم عَليّ، قَالَ: أفعل. قَالَ: إِن قدوم هَذَا الرجل4 علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمتنا عَن قَوس وَاحِدَة، وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى ضَاعَ الْعِيَال وجهدت الْأَنْفس وأصبحنا قد جهدنا. فَقَالَ كَعْب: أَنا ابْن الْأَشْرَف أما وَالله لقد كنت أحَدثك يَا بن سَلامَة أَن أَمركُم سيصير إِلَى هَذَا* *. فَقَالَ لَهُ سلكان: إِنِّي أُرِيد أَن تبيعنا طَعَاما ونرهنك ونوثق لَك ونحسن فِي ذَلِك، قَالَ: أترهنوني أبناءكم أَو نساءكم، قَالَ: لقد أردْت أَن تفضحنا، أَنْت أجمل5 الْعَرَب فَكيف نرهنك نِسَاءَنَا؟! وَكَيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم، فَيُقَال: رَهْنُ وَسَقٍ6 وَرهن وسقين؟! إِن معي أصحابا على
مثل رَأْيِي، وَقد أردْت أَن آتِيك بهم، فتبيعهم وتحسن فِي ذَلِك ونرهنك من الْحلقَة1 مَا فِيهِ وَفَاء -وَأَرَادَ أَبُو نائلة أَن لَا يُنكر السِّلَاح عَلَيْهِم إِذا أَتَوْهُ- قَالَ: إِن فِي الْحلقَة لوفاءً. فَرجع أَبُو نائلة إِلَى أَصْحَابه فَأخْبرهُم الْخَبَر. وَأمرهمْ أَن يَأْخُذُوا السِّلَاح ويأتوا رَسُول الله، فَفَعَلُوا واجتمعوا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمشى بهم إِلَى بَقِيع2 الْغَرْقَد. ثمَّ وجههم، وَقَالَ: "انْطَلقُوا على اسْم اللَّه، اللَّهُمَّ أعنهم". وَرجع عَنْهُم فنهضوا -وَكَانَت لَيْلَة مُقْمِرَة- حَتَّى انْتَهوا إِلَى حصنه. فَهَتَفَ أَبُو نائلة -وَكَانَ كَعْب حَدِيث عهد بعرس، فَوَثَبَ فِي ملحفة، فَأخذت امْرَأَته بناحيتها، وَقَالَت: إِنَّك امْرُؤ مُحَارِبٌ، وَإِن أهل الْحَرْب لَا ينزلون فِي مثل هَذِه السَّاعَة! فَقَالَ: إِنَّه أَبُو نائلة لَو وجدني نَائِما مَا أيقظني. فَقَالَت: وَالله إِنِّي لأعرف فِي صَوته الشَّرّ3، فَقَالَ لَهَا كَعْب: لَو دُعِيَ الْفَتى إِلَى طعنة أجَاب4 فَنزل فَتحدث مَعَهم سَاعَة، ثمَّ قَالُوا5 لَهُ: يَا بن الْأَشْرَف لَو رَأَيْت أَن نتماشى إِلَى شعب الْعَجُوز6 فنتحدث بِهِ بَقِيَّة ليلتنا قَالَ: إِن شِئْتُم، فَخَرجُوا يتماشون. ثمَّ إِن نائلة مس فَوْدَ رَأسه بِيَدِهِ ثمَّ شمها، وَقَالَ: مَا رَأَيْت كالليلة طيبا أعطر، ثمَّ مَشى سَاعَة وَعَاد لمثلهَا، حَتَّى اطْمَأَن، ثمَّ مَشى سَاعَة وَعَاد لمثلهَا وَأخذ بِفَوْدَيْ رَأسه، وَقَالَ: اضربوا عَدو اللَّه، فضربوه بِأَسْيَافِهِمْ، فصاح صَيْحَة مُنكرَة سَمعهَا أهل الْحُصُون، فأوقدوا النيرَان، وَاخْتلفت سيوفهم فَلم تعْمل شَيْئا. قَالَ مُحَمَّد بْن مسلمة: فَذكرت مغولا7 فِي سَيفي حِين رَأَيْت أسيافهم لَا تغني، فَأَخَذته -وَقد صَاح عَدو اللَّه صَيْحَة أسمعت كل حصن حوله- فَوَضَعته فِي ثنته8 ثمَّ تحاملت عَلَيْهِ حَتَّى بلغت عانته، فَوَقع عَدو اللَّه مَيتا. وَأصَاب الحارثَ بْنَ أَوْس يَوْمئِذٍ جرحٌ فِي رجله أَو فِي رَأسه بِبَعْض سيوف أَصْحَابه، فَتَأَخر، وَنَجَا أَصْحَابه وسلكوا على دور بني أُميَّة بْن زيد إِلَى بني قُرَيْظَة إِلَى بُعَاث إِلَى حرَّة العريض. وَانْتَظرُوا هُنَالك صَاحبهمْ حَتَّى وافاهم. فَأتوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخر اللَّيْل وَهُوَ يُصَلِّي، فأخبروه، فتفل فِي جرح الْحَارِث بن أَوْس، فبرىء. وَأطلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسلمين على قتل الْيَهُود. وَحِينَئِذٍ أسلم حويصة بْن مَسْعُود وَقد كَانَ أسلم أَخُوهُ محيصة قبله.
غزوة أحد
غَزْوَة أحد 1 فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد قدومه من بحران جُمَادَى الْآخِرَة ورجبا وَشَعْبَان ورمضان، فغزته كفار قُرَيْش فِي شَوَّال2 سنة ثَلَاث، وَقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش3 من بني كنَانَة. وَخَرجُوا بنسائهم لِئَلَّا يَفروا عَنْهُن. وقصدوا الْمَدِينَة، فنزلوا قرب أحد على جبل على شَفير الْوَادي بقناة مُقَابل الْمَدِينَة. فَرَأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامه أَن فِي سَيْفه ثلمة وَأَن بقرًا لَهُ تذبح وَأَنه أَدخل يَده فِي درع حَصِينَة4. فتأولها أَن نَفرا من أَصْحَابه يقتلُون وَأَن رجلا من أهل بَيته يصاب وَأَن الدرْع الحصينة الْمَدِينَة. فَأَشَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أَصْحَابه أَن لَا يخرجُوا إِلَيْهِم وَأَن يتحصنوا بِالْمَدِينَةِ فَإِن قربوا مِنْهَا قاتلوهم على أَفْوَاه الْأَزِقَّة. وَوَافَقَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هَذَا الرَّأْي عَبْدُ اللَّهِ بْن أبي بْن سلول، وأبى أَكثر الْأَنْصَار إِلَّا الْخُرُوج إِلَيْهِم ليكرم اللَّه من شَاءَ مِنْهُم بِالشَّهَادَةِ. فَلَمَّا رأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزيمتهم دخل بَيته، فَلبس لأمته5، وَخرج،
وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة، فصلى على رجل من بني النجار مَاتَ ذَلِك الْيَوْم يُقَال لَهُ مَالك بْن عَمْرو، وَقيل: بل اسْمه مُحرز بْن عَامر. وَنَدم قوم من الَّذين ألحوا فِي الْخُرُوج وَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِن شِئْت فَارْجِع، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا لبس لأْمَتَهُ أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل". فَخرج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ألف من أَصْحَابه، وَاسْتعْمل ابنَ أم مَكْتُوم على الصَّلَاة لمن بَقِي بِالْمَدِينَةِ من الْمُسلمين، فَلَمَّا سَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو أحد انْصَرف عَنهُ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول بِثلث النَّاس مغاضبا، إِذْ خُولِفَ رَأْيه، فاتبعهم عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن حرَام، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ والرجوعَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَوا عَلَيْهِ، فسبهم، وَرجع عَنْهُم إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونهض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمين، وَذكر لَهُ قوم من الْأَنْصَار أَن يستعينوا بحلفائهم من يهود، فَأبى عَلَيْهِم. وسلك على حرَّة بن حَارِثَة، وشق أَمْوَالهم1 حَتَّى مَشى على مَال لمربع بْن قيظي وَكَانَ ضَرِير الْبَصَر فَقَامَ يحثو2 التُّرَاب فِي وُجُوه الْمُسلمين وَيَقُول: إِن كنتَ رَسُول اللَّه فَلَا يحل لَك أَن تدخل حائطي3 وَأكْثر من القَوْل. فَابْتَدَرَهُ أَصْحَاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتلوه، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "فَهَذَا الْأَعْمَى أعمى الْقلب أعمى الْبَصَر". وضربه سعد بْن زيد أَخُو بني عَبْد الْأَشْهَل بقوسه فَشَجَّهُ فِي رَأسه. وَنفذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نزل الشّعب من أحد فِي عدوة الْوَادي إِلَى الْجَبَل، فَجعل ظَهره إِلَى أحد، وَنهى النَّاس عَن الْقِتَال حَتَّى يَأْمُرهُم. وسرحت قُرَيْش الظّهْر4 والكراع فِي زروع الْمُسلمين بقناة. وتعبأ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سَبْعمِائة، وَقيل: إِن الْمُشْركين كَانُوا ثَلَاثَة آلَاف فيهم مِائَتَا فَارس، وَقيل: كَانَ فِي الْمُسلمين يَوْمئِذٍ خَمْسُونَ فَارِسًا5. وَكَانَ رُمَاة الْمُسلمين خمسين رجلا. وَأَمَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرُّمَاة عبد الله بن جبر أَخا بني عَمْرو بْن عَوْف وَهُوَ أَخُو خَوات بْن جُبَير، وَعبد الله يَوْمئِذٍ معلم
بِثِيَاب بيض، فرتبهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف الْجَيْش، وَأمره بِأَن ينضح1 الْمُشْركين بِالنَّبلِ لِئَلَّا يَأْتُوا الْمُسلمين من ورائهم. وَظَاهر2 رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ بَين درعين، وَدفع اللِّوَاء3 إِلَى مُصعب بْن عُمَيْر أحد بني عَبْد الدَّار وَأَجَازَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَة بْن جُنْدُب الْفَزارِيّ وَرَافِع بْن خديج وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا خمس عشرَة سنة. وَكَانَ رَافع راميا. ورد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ عَبْد اللَّهِ بْن عمر وَزيد بْن ثَابت وَأُسَامَة بْن زيد والبراء بْن عَازِب وَأسيد بْن ظهير وعرابة بْن أَوْس وَزيد بْن أَرقم وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ4، ثمَّ أجازهم كلهم -عَلَيْهِ السَّلَام- يَوْم الخَنْدَق5. وَقد قيل إِن بعض هَؤُلَاءِ إِنَّمَا رده يَوْم بدر وَأَجَازَهُ يَوْم أحد. وَإِنَّمَا رد من لم يبلغ خمس عشرَة سنة وَأَجَازَ من بلغَهَا. وَجعلت قُرَيْش على ميمنتهم فِي الْخَيل خَالِد بْن الْوَلِيد وعَلى ميسرتهم فِي الْخَيل عِكْرِمَة بْن أبي جهل. وَدفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفه إِلَى أبي دُجَانَة الْأنْصَارِيّ سماك بْن خَرشَة السَّاعِدِيّ وَكَانَ شجاعا يختال فِي الْحَرْب. وَكَانَ أَبُو عَامر الْمَعْرُوف بِالرَّاهِبِ وَسَماهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاسِق واسْمه عَبْد عَمْرو بْن صَيْفِي بْن مَالك بْن النُّعْمَان أحد بني ضبيعة وَهُوَ وَالِد حَنْظَلَة بْن أبي عَامر غسيل الْمَلَائِكَة -قد6 ترهب وتنسك فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام غلب عَلَيْهِ الشَّقَاء، ففر عَن الْمَدِينَة إِذْ نزلها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباعدا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومبغضا فِيهِ وَخرج إِلَى مَكَّة فِي جمَاعَة من فتيَان7 الْأَوْس، وَشهد يَوْم أحد مَعَ الْكفَّار، ووعد قُريْشًا بانحراف8 قومه إِلَيْهِ، فَكَانَ أول من خرج للقاء الْمُسلمين فِي عَبْدَانِ9 أهل مَكَّة والأحابيش. فَلَمَّا
نَادَى قومه وعرفهم بِنَفسِهِ قَالُوا: لَا أنعم اللَّه بك عينا يَا فَاسق، فَقَالَ: لقد أصَاب قومِي بعدِي شَرّ، ثمَّ قَاتل الْمُسلمين قتالا شَدِيدا. وَكَانَ شعار أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد: أَمِتْ أَمِتْ. وأبلى يَوْمئِذٍ عَليّ وَحَمْزَة وَأَبُو دُجَانَة وَطَلْحَة1 بلَاء حسنا، وأبلى أنس2 بن النضرة يَوْمئِذٍ بلَاء حسنا وَكَذَلِكَ جمَاعَة من الْأَنْصَار أبلوا وأصيبوا يَوْمئِذٍ مُقْبِلين غير مُدبرين. وَقَاتل النَّاس قتالا شَدِيدا ببصائر ثَابِتَة، فانهزمت قُرَيْش، واستمرت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم، فَلَمَّا رأى ذَلِك الرُّمَاة قَالُوا: قد هُزِمَ أَعدَاء اللَّه فَمَا لقعودنا هَا هُنَا معنى. فَذَكَّرَهُمْ أَمِيرهمْ عَبْد اللَّهِ بْن جُبَير أَمْرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُم بِأَن لَا يزولوا3 فَقَالُوا: قد انْهَزمُوا وَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله، وَقَامُوا. ثمَّ كرّ الْمُشْركُونَ وَولى الْمُسلمُونَ وَثَبت من أكْرمه اللَّه مِنْهُم بِالشَّهَادَةِ. وَوصل إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقاتل دونه مُصعب بْن عُمَيْر حَتَّى قتل رَضِي اللَّه عَنهُ، وجرح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجهه وَكسرت رباعيته4 الْيُمْنَى السُّفْلى بِحجر وهشمت الْبَيْضَة5 [على] رَأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجزاه عَن أمته بِأَفْضَل مَا جزى بِهِ نَبيا من أنبيائه عَن صبره. وَكَانَ الَّذِي تولى ذَلِك من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَمْرو بْن قمئة اللَّيْثِيّ وَعتبَة بْن أبي وَقاص. وَقد قيل إِن عَبْد اللَّهِ بْن شهَاب جدَّ6 الْفَقِيه مُحَمَّد بْن مُسلم بْن شهَاب هُوَ الَّذِي شج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَبهته7. وَأَكَبَّتْ الْحِجَارَة على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ8 حَتَّى سقط فِي حُفْرَة كَانَ أَبُو عَامر الراهب قد حفرهَا مكيدة للْمُسلمين، فَخر عَلَيْهِ السَّلَام على جنبه، فَأخذ عَليّ بِيَدِهِ، واحتضنه طَلْحَة حَتَّى قَامَ. وَمَصَّ مَالك بْن سِنَان -وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ- من جرح
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّم. ونشبت حلقتان من حلق المعفر1 فِي وَجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانتزعهما أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجراح وعض عَلَيْهِمَا بثنيتيه، فسقطتا، وَكَانَ الهتم يزينه. وَأعْطى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَة -حِين قتل مصعبُ بْن عُمَيْر- عَلِيَّ بْنَ أبي طَالب. وَصَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحت راية الْأَنْصَار. وَشد حَنْظَلَة الغسيل بْن أبي عَامر على أبي سُفْيَان بْن حَرْب، فَلَمَّا تمكن مِنْهُ حمل شَدَّاد بْن الْأسود اللَّيْثِيّ -وَهُوَ ابْن شعوب- على حَنْظَلَة، فَقتله وَكَانَ جنبا فغسلته الْمَلَائِكَة، أخبر بذلك جِبْرِيل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأخْبر رسولُ اللَّه بذلك أصحابَهُ، وَقَالَ: "كَانَ حَنْظَلَة قد قَامَ من امْرَأَته جنبا فغسلته الْمَلَائِكَة". وَقتل صَاحب لِوَاء الْمُشْركين، فَسقط لواؤهم، فَرَفَعته عمْرَة بنت عَلْقَمَة الحارثية للْمُشْرِكين فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ، وحملوا على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرَّ دونه نفر من الْأَنْصَار، قيل سَبْعَة، وَقيل عشرَة، فَقُتِلُوا كلهم، وَكَانَ آخِرهم عمار بْن يزِيد بْن السكن أَو زِيَاد بْن السكن. وَقَاتل يَوْمئِذٍ طَلْحَة قتالا شَدِيدا، وقاتلت أم2 عمَارَة الْأَنْصَارِيَّة، وَهِي نسيبة بنت كَعْب قتالا شَدِيدا، وَضربت عَمْرو بْن قمئة بِالسَّيْفِ ضربات فوقاه دِرْعَانِ كَانَتَا عَلَيْهِ وضربها عَمْرو بِالسَّيْفِ فجرحها جرحا عَظِيما على عاتقها. وترس3 أَبُو دُجَانَة بظهره عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبل يَقع فِيهِ وَهُوَ لَا يَتَحَرَّك، وَحِينَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بْن أبي وَقاص: "ارْمِ فدَاك أبي وَأمي". وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عين قَتَادَة بْن النُّعْمَان الظفري فَأتى رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعينه على وجنته، فَردهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وغمزها4 فَكَانَت أَجْمَلَ عَيْنَيْهِ وَأَصَحَّهُمَا. وانْتهى أنس بْن النَّضر، وَهُوَ عَم أنس بْن مَالك، يَوْمئِذٍ إِلَى جمَاعَة من الصَّحَابَة قد ألقوا5 بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ [لَهُم] : مَا يجلسكم؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُم: مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بعده؟! قومُوا فموتوا على مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ اسْتقْبل
النَّاسَ، وَلَقي سعدَ بْن معَاذ فَقَالَ لَهُ: يَا سعد وَالله إِنِّي لأجد ريح الْجنَّة من قِبَلِ أحد، فقاتل حَتَّى قتل، رَضِي اللَّه عَنهُ، وُجِدَ بِهِ أَزِيد من سبعين جرحا من بَين ضَرْبَة وطعنة ورمية فَمَا عَرفته إِلَّا أُخْته ببنانه، ميزته، وجرح يَوْمئِذٍ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف نَحْو عشْرين جِرَاحَة بَعْضهَا فِي رجله، فعرج مِنْهَا -رَحمَه اللَّه- إِلَى أَن مَاتَ. وَأول من ميز رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الجولة كَعْب بْن مَالك الشَّاعِر، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: يَا معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن أنصت1. فَلَمَّا عرفه الْمُسلمُونَ مالوا إِلَيْهِ وصاروا حوله ونهضوا مَعَه نَحْو الشّعب، فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر والْحَارث بْن الصمَّة الْأنْصَارِيّ وَجَمَاعَة من الْأَنْصَار. فَلَمَّا أسْند رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشّعب أدْركهُ أُبَيُّ بن حلف الجُمَحِي، فَتَنَاول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحربة من الْحَارِث بْن الصمَّة، ثمَّ طعنه بهَا فِي عُنُقه، فَكَرَّ أُبَيٌّ مُنْهَزِمًا، فَقَالَ لَهُ الْمُشْركُونَ: وَالله مَا لَك من بَأْس، فَقَالَ: وَالله لَو بزق2 عَليّ لَقَتَلَنِي، أَلَيْسَ قد قَالَ: "بل أَنا أَقتلهُ". وَكَانَ قد أَوْعَدَ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القتلَ بِمَكَّة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بل أَنا أَقْتلك". فَمَاتَ عَدو اللَّه من ضَرْبَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مرجعه إِلَى مَكَّة بِموضع يُقَال لَهُ: سرف3. وملأ عَليّ درقته4 من مَاء المهراس5 وأتى بِهِ رَسُول اللَّه ليشربه، فَوجدَ فِيهِ رَائِحَة، فعافه وَغسل بِهِ من الدَّم وَجهه، ونهض إِلَى صَخْرَة من الْجَبَل ليعلوها، وَكَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ وَكَانَ قد بدن6، فَلم يقدر [أَن] يعلوها، فَجَلَسَ لَهُ طَلْحَة، وَصعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظَهره، ثمَّ اسْتَقل بِهِ طَلْحَة حَتَّى اسْتَوَى على الصَّخْرَة. وحانت الصَّلَاة، فصلى جَالِسا والمسلمون وَرَاءه قعُودا. رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ بْنُ كِرَاعٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ أرهما قبل وَلَا بعد
وَانْهَزَمَ قوم من الْمُسلمين يَوْمئِذٍ، مِنْهُم عُثْمَان بْن عَفَّان، فَعَفَا اللَّه عَنْهُم وَنزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُم ... } الْآيَة وَكَانَ الحسيل بْن جَابر الْعَبْسِي -وَهُوَ الْيَمَان وَالِد حُذَيْفَة بْن الْيَمَان- وثابت بْن وقش شيخين كبيرين قد جُعِلا فِي الْآطَام1 مَعَ النِّسَاء وَالصبيان، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا بَقِي من أعمارنا2؟! فَلَو أَخذنَا سُيُوفنَا ولحقنا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّه يرزقنا الشَّهَادَة. وَفَعَلا ذَلِك، فدخلا فِي جملَة الْمُسلمين. فَأَما ثَابت بْن وقش فَقتله الْمُشْركُونَ، وَأما الحسيل فَظَنهُ الْمُسلمُونَ من الْمُشْركين فَقَتَلُوهُ خطأ، وَقيل إِن الَّذِي قَتله عتبَة بْن مَسْعُود. وَكَانَ حُذَيْفَة يَصِيح والمسلمون قد علوا أَبَاهُ: أَبِي أَبِي! ثمَّ تصدق بديته على الْمُسلمين. وَكَانَ مخيريق أحد بني ثَعْلَبَة بْن الفطيون من الْيَهُود قد دَعَا الْيَهُود إِلَى نصر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُم: وَالله إِنَّكُم لتعلمون أَن نصر مُحَمَّد عَلَيْكُم حق، فَقَالُوا لَهُ: إِن الْيَوْم السبت، فَقَالَ: لَا سبت لكم. وَأخذ سلاحه، وَلحق برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاتل مَعَه حَتَّى قتل، وَأوصى أَن مَاله لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُقَال إِنَّ بعض صدقَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ من مَال مخيريق. وَكَانَ الْحَارِث بْن سُوَيْد بْن الصَّامِت منافقا لم ينْصَرف مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي فِي حِين انْصِرَافه عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جماعته عَن غزَاة أحد، ونهض مَعَ الْمُسلمين، فَلَمَّا التقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بِأحد عدا عَليّ المجذر بْن ذياد البلوي وعَلى قيس بْن زيد أحد بني ضبيعة، فَقَتَلَهُمَا وفر إِلَى الْكفَّار -وَكَانَ المجذر قد قتل فِي الْجَاهِلِيَّة سُوَيْد بْن الصَّامِت وَالِد الْحَارِث الْمَذْكُور فِي بعض حروب الْأَوْس والخزرج- ثمَّ لحق الْحَارِث بْن سُوَيْد مَعَ الْكفَّار بِمَكَّة، فَأَقَامَ هُنَاكَ مَا شَاءَ اللَّه، ثمَّ حِينه3 اللَّه فَانْصَرف إِلَى الْمَدِينَة إِلَى قومه. وأتى رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر من السَّمَاء، نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فَأخْبرهُ أَن الْحَارِث بْن سُوَيْد قد قدم فانهض إِلَيْهِ، واقتص مِنْهُ لمن قَتله من الْمُسلمين غدرا يَوْم أحد. فَنَهَضَ رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قبَاء فِي وَقت لم يكن يَأْتِيهم فِيهِ، فَخرج إِلَيْهِ الْأَنْصَار أهل قبَاء فِي جَمَاعَتهمْ وَفِي جُمْلَتهمْ الْحَارِث بْن سُوَيْد وَعَلِيهِ ثوب مورس1 فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن سَاعِدَة، فَضرب عُنُقه وَقَالَ الْحَارِث: لِمَ يَا رَسُول اللَّه؟ فَقَالَ: "بقتلك المجذر بن ذياد وَقيس بْن زيد". فَمَا رَاجعه بِكَلِمَة وَقدمه عُوَيْمِر، فَضرب عُنُقه. ثمَّ رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم ينزل عِنْدهم. وَكَانَ عَمْرو بْن ثَابت بْن وقش من بني عَبْد الْأَشْهَل يعرف بالأصيرم يَأْبَى الْإِسْلَام. فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد قذف اللَّه الْإِسْلَام فِي قلبه للَّذي أَرَادَ من السَّعَادَة بِهِ. فَأسلم وَأخذ سَيْفه وَلحق بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَاتل حَتَّى أثبت2 بالجراح وَلم يعلم أحد بأَمْره. وَلما انجلت الْحَرْب طَاف بَنو عَبْد الْأَشْهَل فِي الْقَتْلَى يتلمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وَبِه رَمق لطيف، فَقَالُوا: وَالله إِن هَذَا الأصيرم مَا جَاءَ بِهِ؟ لقد تَرَكْنَاهُ وَإنَّهُ لمنكر لهَذَا الْأَمر. ثمَّ سَأَلُوهُ: يَا عَمْرو مَا الَّذِي جَاءَ بك إِلَى هَذَا المشهد؟ أحدب على قَوْمك أم رَغْبَة فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: بل رَغْبَة فِي الْإِسْلَام، آمَنت بِاللَّه وَرَسُوله، ثمَّ قَاتَلت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حَتَّى3 أصابني مَا ترَوْنَ. فَمَاتَ من وقته، فذكروه لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقَالَ: "هُوَ من أهل الْجنَّة". وَلم يصل صَلَاة قطّ. وَكَانَ فِي بني ظفر رجل لَا يدرى مِمَّن هُوَ يُقَال لَهُ قزمان4 أبلى يَوْم أحد بلَاء شَدِيدا، وَقَتَلَ يَوْمئِذٍ سَبْعَة من وُجُوه الْمُشْركين، وَأثبت جراحا، فَأُخْبِرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَمْره، فَقَالَ: "هُوَ من أهل النَّار". وَقيل لقزمان: أبشر بِالْجنَّةِ، فَقَالَ: بِمَاذَا؟ وَمَا قَاتَلت إِلَّا عَن أَحْسَاب قومِي. ثمَّ لما اشْتَدَّ عَلَيْهِ ألم الْجراح أخرج سَهْما من كِنَانَته، فَقطع بِهِ بعض عروقه، فَجرى دَمه حَتَّى مَاتَ، وَمثل بقتلى الْمُسلمين. وَأخذ النَّاس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قُرَيْش، فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يدفنوا فِي مضاجعهم بدمائهم وثيابهم لَا يغسلون.
ذكر من اسْتشْهد1 من الْمُهَاجِرين يَوْم أحد حَمْزَة بْن عَبْد الْمطلب عَم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضي [اللَّه] عَن حَمْزَة، قَتله وَحشِي بْن حَرْب مولى طعيمة بْن عدي بْن نَوْفَل، وَقيل: مولى جُبَير بْن مطعم بْن عدي، وَأعْتقهُ مَوْلَاهُ لقَتله حَمْزَة. وَكَانَ وَحشِي حَبَشِيًّا يَرْمِي بالحربة رمي الْحَبَشَة ثمَّ أسلم، وَقَتَلَ بِتِلْكَ الحربة مُسَيْلمَة الْكذَّاب يَوْم الْيَمَامَة. وَعبد اللَّه بْن جحش بْن رِئَاب الْأَسدي حَلِيف بني عَبْد شمس وَهُوَ ابْن عمَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفن مَعَ حَمْزَة فِي قبر وَاحِد. وَقد ذكرنَا خَبره عِنْد ذكره فِي [كتاب] الصَّحَابَة2. وَيعرف بالمجدع فِي اللَّه لِأَنَّهُ تمنى ذَلِك قبل الدُّخُول فِي الْقِتَال يَوْم أحد فَقتل وجدع أَنفه وَأذنه وَجعلا فِي خيط. وَمصْعَب بْن عُمَيْر3 قَتله ابْن قمئة اللَّيْثِيّ. وشماس4 بْن عُثْمَان واسْمه عُثْمَان بْن عُثْمَان5. وشماس لقب أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين. تَسْمِيَة من اسْتشْهد 6 من الْأَنْصَار يَوْم أحد اسْتشْهد يَوْمئِذٍ من الْأَوْس ثمَّ من بني عَبْد الْأَشْهَل: عَمْرو بْن معَاذ أَخُو سعد بْن معَاذ، والْحَارث بْن أَوْس بْن معَاذ ابْن أخي سعد بْن معَاذ، والْحَارث بْن أنس بْن رَافع، وَعمارَة بْن زِيَاد بْن السكن7. وَسَلَمَة وَعَمْرو ابْنا ثَابت بْن وقش، وأبوهما ثَابت بن
وقش، وَأَخُوهُ رِفَاعَة بْن وقش، وَصَيْفِي بْن قيظي، وخباب1 بْن قيظي، وَعباد بْن سهل، واليمان بْن جَابر وَالِد حُذَيْفَة بْن الْيَمَان واسْمه حسيل حَلِيف لَهُم من عبس، وَعبيد بْن التيهَان، وحبِيب2 بْن زيد، وَإيَاس بْن أَوْس بْن عتِيك بْن عَمْرو بْن عَبْد الأعلم بْن زعوراء بْن جشم بْن عَبْد الْأَشْهَل. وَمن بني ظفر: زيد3 بْن حَاطِب بْن أُميَّة بْن رَافع. وَمن بني عَمْرو بْن عَوْف ثمَّ من بني ضبيعة بْن زيد: أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن قيس بْن يزِيد4، وحَنْظَلَة5 والغسيل بْن أبي عَامر الراهب بْن صَيْفِي بْن النُّعْمَان. وَمن بني عبيد بْن زيد: أنيس بْن قَتَادَة. وَمن بني ثَعْلَبَة [بْن] عَمْرو بْن عَوْف: أَبُو حَبَّة6 بْن عَمْرو بْن ثَابت وَهُوَ أَخُو سعد بْن خَيْثَمَة لأمه، وَعبد اللَّه بْن جُبَير بْن النُّعْمَان أَمِير الرُّمَاة. وَمن بني السّلم بن امريء الْقَيْس بْن مَالك بْن الْأَوْس: خَيْثَمَة وَالِد سعد بْن خَيْثَمَة. وَمن حلفائهم من بني العجلان: عَبْد اللَّهِ بْن سَلمَة. وَمن بني مُعَاوِيَة بْن مَالك: سبيع7 بْن حَاطِب بْن الْحَارِث، وَمَالك بن أَوْس8 حَلِيف لَهُم.
وَمن بني خطمة وَاسم خطمة عَبْد اللَّهِ بْن جشم بْن مَالك بْن الْأَوْس: عُمَيْر1 بْن عدي وَلم يكن يَوْمئِذٍ فِي بني خطمة مُسلم غَيره فِي قَول بَعضهم. وَقد قيل إِن الْحَارِث بْن عدي بْن خَرشَة بْن أُميَّة بْن عَامر بْن خطمة مِمَّن اسْتشْهد يَوْمئِذٍ. وَاسْتشْهدَ يَوْم أحد من الْخَزْرَج ثمَّ من بني النجار: عَمْرو بْن قيس بْن زيد بْن سَواد، وَابْنه قيس بْن عَمْرو، وثابت بْن عَمْرو بْن زيد، وعامر بن مخلد، وَأَبوهُ هُبَيْرَة بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة، وَعَمْرو بْن مطرف، وَإيَاس بْن عدي، وَأَوْس2 بْن ثَابت أَخُو حسان بْن ثَابت وَهُوَ وَالِد شَدَّاد بْن أَوْس، وَأنس بْن النَّضر بْن ضَمْضَم عَم أنس بْن مَالك، وَقيس بْن مخلد من بني مَازِن بْن النجار، وكيسان عَبْد لَهُم. وَمن بني الْحَارِث3 بْن الْخَزْرَج: خَارِجَة بْن زيد أبي زُهَيْر، وَسعد بْن الرّبيع بْن عَمْرو بْن أبي زُهَيْر ودفنا فِي قبر وَاحِد، وَأَوْس بْن الأرقم بْن زيد بْن قيس أَخُو زيد بْن أَرقم. وَمن بني الأبجر وهم بَنو خدرة: مَالك بْن سِنَان وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَسَعِيد4 بْن سُوَيْد بْن قيس بْن عَامر، وَعتبَة بْن ربيع5 بْن رَافع. وَمن بني سَاعِدَة بْن كَعْب بْن الْخَزْرَج: ثَعْلَبَة بْن سعد بْن مَالك، وثقف6 بْن فَرْوَة بْن الْبدن، وَعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن وهب بْن ثَعْلَبَة، وضمرة حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة. وَمن بني عَوْف بْن الْخَزْرَج ثمَّ من بني سَالم: عَمْرو7 بْن إِيَاس، وَنَوْفَل8 بْن عَبْد اللَّهِ، وَعبادَة بْن الخشخاش، وَالْعَبَّاس بْن عبَادَة بْن نَضْلَة، والنعمان بن مَالك بن
ثَعْلَبَة، والمجذر بْن ذياد البلوي حَلِيف لَهُم. وَدفن النُّعْمَان والمجذر وَعبادَة فِي قبر وَاحِد. وَمن بني سَواد بْن مَالك: مَالك1 بْن إِيَاس. وَمن بني سَلمَة: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حرَام اصطبح الْخمر ذَلِك الْيَوْم ثمَّ قتل آخر النَّهَار شَهِيدا ثمَّ نزل تَحْرِيم الْخمر بَعْدُ، وَعَمْرو بْن الجموح بْن زيد بْن حرَام دفنا فِي قبر وَاحِد كَانَ صهرين وصديقين متآخيين، وَابْنه خَلاد بْن عَمْرو بْن الجموح، وَأَبُو أسيرة2 مولى عَمْرو بْن الجموح. وَمن بني سَواد بْن غنم: سليم بْن عَمْرو بْن حَدِيدَة، ومولاه عنترة3، وَسَهل4 بْن قيس بْن أبي كَعْب. وَمن بني زُرَيْق بْن عَامر: ذكْوَان بْن عَبْد قيس، وَعبيد بْن الْمُعَلَّى بْن لوذان. وجميعهم سَبْعُونَ5 رجلا، وَاخْتلف فِي صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شُهَدَاء أحد وَلم يُخْتَلَفْ عَنهُ فِي أَنه أَمر أَن يدفنوا بثيابهم وَدِمَائِهِمْ وَلم يغسلوا. [تَسْمِيَة من قتل من كفار قُرَيْش يَوْم أحد] وَقتل من كفار قُرَيْش يَوْم أحد اثْنَان وَعِشْرُونَ رجلا، مِنْهُم من بني عَبْد الدَّار أحد عشر رجلا: طَلْحَة، وَأَبُو سعيد، وَعُثْمَان بَنو أبي طَلْحَة، وَاسم أبي طَلْحَة عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْعُزَّى بْن عُثْمَان بْن عَبْد الدَّار. قَتَلَ طَلْحَةَ بْن أبي طَلْحَة عليٌّ، وَقتل أَبَا سعيد بْن أبي طَلْحَة سعدُ بْن أبي وَقاص وَقَالَ ابْن هِشَام: بل قَتله عَليّ، وَعُثْمَان بْن أبي طَلْحَة قَتله حَمْزَة. ومسافع والْحَارث والجلاس وكلاب بَنو طَلْحَة الْمَذْكُور. قَتَلَ مسافعا والجلاس عَاصِم بْن ثَابت بْن أبي الأقلح، وَقتل كلابا والْحَارث قزمان وَقيل: بل قتل كلابا
عبد الرَّحْمَن بْن عَوْف. وأرطاة بْن [عَبْد1] شُرَحْبِيل بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار قَتله حَمْزَة، وَأَبُو يزِيد2 بْن عُمَيْر بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار أَخُو مُصعب بْن عُمَيْر قزمان، والقاسط بْن شُرَيْح بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن عَبْد الدَّار قَتله قزمان، وصؤاب أبي طَلْحَة. وَاخْتلف فِي قَاتل صؤاب، فَقيل قزمان، وَقيل عَليّ، وَقيل سعد، وَقيل أَبُو دُجَانَة. وَمن بني أَسد بْن عَبْد الْعُزَّى رجلَانِ: عبد الله حميد بْن زُهَيْر بْن الْحَارِث بْن أَسد قَتله عَليّ، وسباع3 بْن عَبْد الْعُزَّى الْخُزَاعِيّ حَلِيف بني أَسد. وَمن بني مَخْزُوم أَرْبَعَة: هِشَام4 بْن أبي أُميَّة بْن الْمُغيرَة أَخُو أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، والوليد بْن الْعَاصِ بْن هِشَام بْن الْمُغيرَة، وَأُميَّة5 بْن أبي حُذَيْفَة بْن الْمُغيرَة، وخَالِد6 بْن الأعلم حَلِيف لَهُم. وَمن بني زهرَة: أَبُو الحكم بْن الْأَخْنَس بْن شريق حَلِيف لَهُم قَتله عَليّ. وَمن بني جمح رجلَانِ: أُبَيُّ بْن خلف قَتله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو عزة واسْمه عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَيْر بْن وهب بْن حذافة بْن جمح أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْب عُنُقه صبرا، وَذَلِكَ أَنه مَنَّ عَلَيْهِ يَوْم بدر وَأطْلقهُ من الْأسر بِلَا فدَاء، وَأخذ عَلَيْهِ أَن لَا يعين عَلَيْهِ فنقض الْعَهْد وغزاه مَعَ الْمُشْركين يَوْم أحد، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [وَالله] 7 لَا تمسح عَارِضَيْك بِمَكَّة تَقُولُ: خدعت مُحَمَّدًا مرَّتَيْنِ" وَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه. وَمن بني عَامر بْن لؤَي رجلَانِ: عُبَيْدَة بْن جَابر قَتله ابْن مَسْعُود. وَشَيْبَة بْن مَالك.
غزوة حمراء الأسد
غَزْوَة 1 حَمْرَاء الْأسد وَكَانَت وقْعَة أحد يَوْم السبت لِلنِّصْفِ2 من شَوَّال من السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد يَوْم الْأَحَد أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخرُوجِ فِي إِثْر الْعَدو، وعهد أَن لَا يخرج مَعَه إِلَّا من حضر المعركة، فاستأذنه جَابر بْن عَبْد اللَّهِ فِي أَن يفسح لَهُ فِي الْخُرُوج مَعَه، فَفعل وَكَانَ أَبوهُ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن حرَام مِمَّن اسْتشْهد يَوْم أحد فِي المعركة. فَخرج الْمُسلمُونَ على مَا بهم من الْجهد والقرح3، وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا4 لِلْعَدو، حَتَّى بلغ موضعا يدعى حَمْرَاء الْأسد على رَأس ثَمَانِيَة5 أَمْيَال من الْمَدِينَة فَأَقَامَ بِهِ يَوْم الْإِثْنَيْنِ6، وَالثُّلَاثَاء، وَالْأَرْبِعَاء، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَإِنَّمَا خرج بهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدو وليظنوا أَن بهم قُوَّة وَأَن الَّذِي أَصَابَهُم لم يُوهِنهُمْ عَن عدوهم7. وَكَانَ معبد بْن أبي معبد الْخُزَاعِيّ قد رأى خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمين إِلَى حَمْرَاء الْأسد، وَلَقي أَبَا سُفْيَان وكفارَ قُرَيْش بِالرَّوْحَاءِ، فَأخْبرهُم بِخُرُوج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبهمْ، ففت ذَلِك فِي أعضاد قُرَيْش، وَقد كَانُوا أَرَادوا الرُّجُوع إِلَى الْمَدِينَة، فكسرهم خُرُوجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتمادوا إِلَى مَكَّة. وظفر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُرُوجه بِمُعَاوِيَة بْن الْمُغيرَة بْن الْعَاصِ بْن أُميَّة، فَأمر بِضَرْب عُنُقه صبرا، وَهُوَ وَالِد عَائِشَة أم عَبْد الْملك بْن مَرْوَان.
بعث 1 الرجيع وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر صفر وَهُوَ آخر2 السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة نفر من عضل والقارة وهم بَنو الْهون بْن خُزَيْمَة بْن مدركة، فَذكرُوا لَهُ أَنهم قد أَسْلمُوا وَرَغبُوا أَن يبْعَث مَعَهم نَفرا من الْمُسلمين يعلمونهم الْقُرْآن ويفقهونهم فِي الدَّين. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم سِتَّة3 رجال: مرْثَد بْن أبي مرْثَد الغنوي، وخَالِد بْن البكير اللَّيْثِيّ، وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح، وخبيب بْن عدي وهما من بني عَمْرو بْن عَوْف، وَزيد بْن الدثنة، وَعبد اللَّه بْن طَارق حَلِيف بني ظفر، وَأَمَّرَ عَلَيْهِم مرْثَد4 بْن أبي مرْثَد. فنهضوا مَعَ الْقَوْم حَتَّى إِذا صَارُوا بالرجيع وَهُوَ مَاء لهذيل بِنَاحِيَة5 الْحجاز استصرخوا عَلَيْهِم هذيلا، وغدروا بهم. فَلم يَرُعِ الْقَوْم وهم فِي رحالهم إِلَّا الرِّجَال قد غشوهم وبأيديهم السيوف. فَأخذ الْمُسلمُونَ سيوفهم ليقاتلوهم، فأمنوهم، وأخبروهم أَنهم لَا أرب لَهُم فِي قَتلهمْ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ6 أَن يُصِيبُوا بهم فدَاء من أهل مَكَّة. فَأَما مرْثَد بْن أبي مرْثَد وَعَاصِم بْن ثَابت وخَالِد بْن البكير فَأَبَوا أَن يقبلُوا مِنْهُم قَوْلهم ذَلِك، وَقَالُوا: وَالله لَا قبلنَا لِمُشْرِكٍ عهدا أبدا، وقاتلوا حَتَّى قتلوا، رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِم. وَكَانَ عَاصِم بْن ثَابت قد قتل يَوْم أحد فتيين7 من بني عَبْد الدَّار أَخَوَيْنِ أمهما سلافة بنت
سعد بْن شَهِيد، فنذرت إِنِ اللَّه أمكنها من رَأس عَاصِم لتشربن فِي قحفه1 الْخمر. فرامت بَنو هُذَيْل أَخذ رَأسه ليبيعوه من سلافة، فَأرْسل اللَّه عز وَجل دونه الدَّبْرَ2 فَحَمَتْهُ، فَقَالُوا إِن الدَّبْرَ سيذهب فِي اللَّيْل، فَإِذا جَاءَ اللَّيْل أخذناه. فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل أرسل اللَّه عز وَجل سيلا لم ير مثله، فَحَمله، وَلم يصلوا إِلَى جثته وَلَا إِلَى رَأسه. وَكَانَ قد نذر أَن يمس مُشْركًا أبدا. فأبر اللَّه عز وَجل قسمه، وَلم يروه، وَلَا وصلوا إِلَى شَيْء مِنْهُ، وَلَا عرفُوا لَهُ مسْقطًا. وَأما زيد بْن الدثنة وخبيب بْن عدي وَعبد اللَّه بْن طَارق فأعطوا بِأَيْدِيهِم3، فأسروهم وَخَرجُوا بهم إِلَى مَكَّة. فَلَمَّا صَارُوا بمر4 الظهْرَان انتزع عَبْد اللَّهِ بْن طَارق يَده من الْقرَان5، ثمَّ أَخذ سَيْفه، واستأخر عَنهُ الْقَوْم، ورموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فقبره بمر الظهْرَان. وحملوا خبيب بْن عدي وَزيد بْن الدثنة فباعوهما بِمَكَّة. وَقد ذكرنَا خبر خبيب وَمَا لَقِي بِمَكَّة عِنْد ذكر اسْمه فِي كتاب الصَّحَابَة6، وصلب خبيب -رَحمَه اللَّه- بِالتَّنْعِيمِ7، وَهُوَ الْقَائِل حِين قدم ليصلب: وَلست أُبَالِي حِين أقتل مُسلما ... على أَي جنب كَانَ فِي اللَّه مصرعي8 وَذَلِكَ فِي ذَات الْإِلَه وَإِن يَشَأْ ... يُبَارك على أوصال شلو ممزع9 فِي أَبْيَات قد ذكرتها عِنْد ذكره فِي كتاب الصَّحَابَة. وَهُوَ أول من سنّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد الْقَتْل. وَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان10 بْن حَرْب: أَيَسُرُّكَ يَا خبيب أَن مُحَمَّدًا عندنَا بِمَكَّة
تضرب عُنُقه وَأَنَّك سَالم فِي أهلك؟ فَقَالَ: وَالله مَا يسرني أَنِّي سَالم فِي أَهلِي وَأَن يُصِيب مُحَمَّدًا شَوْكَة تؤذيه. وابتاع زيد بْن الدثنة صَفْوَان بْن أُميَّة، فَقتله بِأَبِيهِ1. بَعْثُ 2 بِئْر مَعُونَة أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بُجَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُنَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ بن أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَار يسمعُونَ الْقُرْآن نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ يَحْسَبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْسَبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ، فَيُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى إِذَا قَارَبَ الصُّبْحُ احْتَطَبُوا الْحَطَبَ وَاسْتَعْذَبُوا الْمَاءَ فَوَضَعُوهُ عَلَى أَبْوَابِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَبَعَثَهُمْ جَمِيعًا إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، فَاسْتُشْهِدُوا. فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم على قَتلتهمْ أَيَّامًا. قَالَ سُنَيْدٌ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَن ابْن جريح، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي النَّجَّارِ -وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ- فِي ثَلاثِينَ3 رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا فَلَقَوْا عَامِرَ4 بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلابٍ عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ5 بَنِي عَامِرٍ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ إِلا ثَلاثَةَ من نَفَرٍ كَانُوا فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لَهُمْ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا الطَّيْرُ تَحُومُ فِي السَّمَاءِ يَسْقُطُ مِنْ خَرَاطِيمِهَا عَلَقُ6 الدَّمِ، فَقَالَ أَحَدُ النَّفَرِ: قُتِلَ أَصْحَابُنَا، وَالرَّحْمَنِ. وَذَكَرَ سُنَيْدٌ تَمَامَ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ وَفِي بَنِي النَّضِيرِ7، وَسِيَاق ابْنِ إِسْحَاق لخبرهم
أحسن وَأبين، قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم، ثمَّ بعث أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر فِي آخر تَمام السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة، على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أَبَا برَاء1 الْكلابِي من بني كلاب بْن ربيعَة بْن عَامر بْن صعصعة وَيعرف بملاعب الأسنة واسْمه عَامر بْن مَالك بْن جَعْفَر بْن كلاب وَفد على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَام، فَلم يسلم وَلم يبعد، وَقَالَ: يَا مُحَمَّد لَو بعثت رجَالًا من أَصْحَابك إِلَى أهل نجد فدعوهم إِلَى أَمرك لرجوت أَن يَسْتَجِيبُوا لَك. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "إِنِّي أخْشَى عَلَيْهِم أهل نجد"، فَقَالَ أَبُو برَاء: أَنا لَهُم جَار. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيّ -وَهُوَ الَّذِي يعرف بالمعنق2 ليَمُوت، لَقَبٌ غَلَبَ عَلَيْهِ، وَالْأَكْثَر يَقُولُونَ: أعنق ليَمُوت- فِي أَرْبَعِينَ رجلا من الْمُسلمين، وَقد قيل فِي سبعين رجلا من خِيَار الْمُسلمين، مِنْهُم الْحَارِث بْن الصمَّة، وَحرَام بْن ملْحَان -أَخُو أم سليم3 وَأم حرَام4- وَعُرْوَة بْن أَسمَاء بْن الصَّلْت السّلمِيّ، وَنَافِع بْن بديل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ، وعامر بْن فهَيْرَة مولى أبي بكر الصّديق. وَأَمَّرَ على جَمِيعهم المنذرَ بْنَ عَمْرو. فنهضوا حَتَّى نزلُوا بِئْر مَعُونَة بَين أَرض بني عَامر وحرة بني سليم وَهِي إِلَى حرَّة بني سليم أقرب ثمَّ بعثوا مِنْهَا حرَام بْن ملْحَان بِكِتَاب رَسُول اللَّه إِلَى عَدو اللَّه عَامر بْن الطُّفَيْل. فَلَمَّا أَتَاهُ لم ينظر فِي كِتَابه، حَتَّى عدا عَلَيْهِ فَقتله. ثمَّ استصرخ عَلَيْهِم بني عَامر، فَأَبَوا أَن يُجِيبُوهُ، وَقَالُوا: لن نخفر أَبَا برَاء وَقد عقد لَهُم عقدا وجوارا. فاستصرخ قبائل من بني سليم: عصية وَرِعْلًا وذكوان، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك. فَخَرجُوا حَتَّى غشوا الْقَوْم فأحاطوا بهم فِي رحالهم. فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أخذُوا سيوفهم ثمَّ قَاتلُوا، حَتَّى قتلوا، عَن آخِرهم5 إِلَّا كَعْبَ بن زيد أَخا بني النجار، فَإِنَّهُم تَرَكُوهُ وَبِه رَمق. وَارْتثَّ6
من بَين الْقَتْلَى وعاش حَتَّى قتل يَوْم الخَنْدَق شَهِيدا رَحمَه اللَّه. وَكَانَ فِي سرح1 الْقَوْم عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي وَرجل من الْأَنْصَار من بني عَمْرو بْن عَوْف وَهُوَ الْمُنْذر بْن مُحَمَّد بْن عقبَة بْن أحيحة بن الجلاح، فَنظر الطير تحوم2 على الْعَسْكَر، فَقَالَا: وَالله إِن لهَذِهِ الطير لشأنا، فَأَقْبَلَا لينظرا فَإِذا الْقَوْم فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذا الْخَيل الَّتِي أَصَابَتْهُم واقفة. فَقَالَ: أرى أَن نلحق برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخبره الْخَبَر. فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: مَا كنتُ لأرغب عَن موطن قتل فِي الْمُنْذر بْن عَمْرو ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل، وَأخذُوا عَمْرو بْن أُميَّة أَسِيرًا. فَلَمَّا أخْبرهُم أَنه من مُضر أطلقهُ عَامر بْن الطُّفَيْل وجز ناصيته، وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة زعم أَنَّهَا كَانَت على أمه. وَخرج3 عَمْرو بْن أُميَّة حَتَّى إِذا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ4 من صدر قناة5 أقبل رجلَانِ من بني عَامر -وَقيل من بني سليم- حَتَّى نزلا مَعَه فِي ظلّ هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مَعَهُمَا عقد من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يعلم بِهِ عَمْرو بْن أُميَّة. وَكَانَ قد سَأَلَهُمَا حِين نزلا: مِمَّن أَنْتُمَا؟ قَالَا: من بني عَامر. فأمهلهما، حَتَّى إِذا نَامَا عدا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يرى أَنه قد أصَاب مِنْهُمَا ثَأْره من بني عَامر فِيمَا أَصَابُوا من أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قدم عَمْرو بْن أُميَّة على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخْبرهُ الْخَبَر قَالَ: "لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنِّي جِوَارٌ، لأَدِيَنَّهُمَا" 6 هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا. فَبلغ أَبَا برَاء مَا صنع عَامر بْن الطُّفَيْل فشق عَلَيْهِ إخفاره إِيَّاه. وَقَالَ حسان بْن ثَابت يحرض أَبَا برَاء على بْن الطُّفَيْل: بني أم الْبَنِينَ ألم يرعكم ... وَأَنْتُم من ذوائب أهل نجد7 تَهَكُّمُ عَامر بِأبي برَاء ... ليخفره وَمَا خطأ كعمد أَلا أبلغ ربيعَة ذَا المساعي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحدثَان بعدِي8 أَبوك أَبُو الحروب أَبُو برَاء ... وخالك ماجد حكم بْن سعد9 أم الْبَنِينَ هِيَ أم أبي برَاء من بني عَامر بْن صعصعة. فَحمل ربيعَة بْن أبي برَاء على عَامر بْن الطُّفَيْل، فطعنه بِالرُّمْحِ، فَوَقع فِي فَخذه، فأشواه10، وَوَقع عَن فرسه. فَقَالَ: هَذَا عمل أبي برَاء، إِن مت فدمي لِعَمِّي فَلَا يتبعن بِهِ، وَإِن أعش فسأرى رَأْيِي.
غزوة بني النضير
غَزْوَة [بني] النَّضِير 1 وَكَانَ سَبَب غَزْوَة بني النَّضِير أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قَالَ لعَمْرو بْن أُميَّة: "لقد قتلت قَتِيلين لأَدِيَنَّهُمَا" خرج إِلَى بني النَّضِير مستعينا بهم فِي دِيَة ذَيْنك الْقَتِيلين. فَلَمَّا كَلمهمْ قَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم اجْلِسْ حَتَّى تطعم وَترجع بحاجتك فنقوم ونتشاور ونصلح أمرنَا فِيمَا جئتنا لَهُ. فَقعدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أبي بكر وَعمر وَعلي وَنَفر من الْأَنْصَار إِلَى جِدَار من جدرهم. فَاجْتمع بَنو النَّضِير، وَقَالُوا: مَنْ رَجُلٌ يَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَى مُحَمَّدٍ صَخْرَةً فيقتله، فَيُرِيحنَا مِنْهُ؟ فَإنَّا لن نجده أقرب مِنْهُ الْآن. فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بْن جحاش بْن كَعْب فَأوحى اللَّه عز وَجل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ائْتَمرُوا بِهِ من ذَلِك، فَقَامَ وَلم يشْعر أحدا مِمَّن مَعَه2.
ونهض إِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا اسْتَبْطَأَهُ أَصْحَابه، وراث1 عَلَيْهِم خَبره أقبل رجل من الْمَدِينَة، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لَقيته وَقد دخل أَزِقَّة الْمَدِينَة. وَقَالَت الْيَهُود لأَصْحَابه: لقد عجل أَبُو الْقَاسِم قبل أَن نُقِيم لَهُ حَاجته. فَقَامَ أَصْحَابه ولحقوه بِالْمَدِينَةِ. فَأخْبرهُم بِمَا أوحى اللَّه عز وَجل إِلَيْهِ مِمَّا أَرَادَت الْيَهُود فعله بِهِ. وَأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم2. وَخرج إِلَيْهِم، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم، وَذَلِكَ فِي ربيع الأول3 أول السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة. فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُون، فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَال، وَأمر بِقطع النّخل وإحراقها، وَحِينَئِذٍ نزل تَحْرِيم الْخمر. ودس عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول وَمن مَعَه من الْمُنَافِقين إِلَى بني النَّضِير: إِنَّا مَعكُمْ، وَإِن قوتلتم مَعكُمْ، وَإِن أخرجتم خرجنَا مَعكُمْ. فاغتروا بذلك. فَلَمَّا جَاءَت الْحَقِيقَة خذلوهم وأسلموهم، فَألْقوا بِأَيْدِيهِم4. وسألوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يكف عَن دِمَائِهِمْ ويجليهم على أَن لَهُم مَا حملت الْإِبِل من أَمْوَالهم إِلَّا السِّلَاح5. فاحتملوا6 كَذَلِك إِلَى خَيْبَر، وَمِنْهُم من سَار إِلَى الشَّام. وَكَانَ مِمَّن سَار مِنْهُم إِلَى خَيْبَر أكابرهم حييّ بْن أَخطب، وَسَلام بْن أبي الْحقيق، وكنانة بْن الرّبيع بْن أبي الْحقيق. فدانت لَهُم خَيْبَر. وَقسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَال بني النَّضِير بَين الْمُهَاجِرين7 خَاصَّة، إِلَّا أَنه أعْطى مِنْهَا أَبَا دُجَانَة سماك بْن خَرشَة، وَسَهل بْن حنيف وَكَانَا فقيرين. وَإِنَّمَا قسمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَين الْمُهَاجِرين لأَنهم إِذْ قدمُوا الْمَدِينَة شاطرتهم الْأَنْصَار ثمارهم، وعَلى ذَلِك بَايعُوا لَيْلَة الْعقبَة على نصرته ومواساة أَصْحَابه. فَرد الْمُهَاجِرُونَ على الْأَنْصَار ثمارهم. وَلم يسلم من بني النَّضِير إِلَّا رجلَانِ: يَامِين بْن عُمَيْر بْن كَعْب بْن عَمْرو بْن جحاش، وَأَبُو سعيد بْن وهب، أسلما فأحرزا أموالهما. وَذُكِرَ أَن يَامِين بْن عُمَيْر جعل جعلا لمن قتل ابْن عَمه عَمْرو بْن جحاش لما هم بِهِ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَنزلت سُورَة الْحَشْر فِي بني النَّضِير1، قَالَ عز وَجل: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ 2 الْحَشْرِ} إِلَى قَوْله: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} إِلَى قَوْله: {وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين} فَكَانَ إجلاء بني النَّضِير أول الْحَشْر فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام، وَلذَلِك قيل الشَّام أَرض الْحَشْر3. غَزْوَة 4 ذَات الرّقاع ثمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إجلاء بني النَّضِير بِالْمَدِينَةِ شهر ربيع الآخر وَبَعض جُمَادَى الأولى صدر5 السّنة الرَّابِعَة بعد الْهِجْرَة. ثمَّ غزا نجدا يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة بْن سعد بْن غطفان، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ، وَقيل: بل اسْتعْمل يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا عُثْمَان بْن عَفَّان، وَالْأول أَكثر. ونهض عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى نزل نخلا6. وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْغَزْوَة ذَات الرّقاع لِأَن
أَقْدَامهم نقبت1 فَكَانُوا يلفون عَلَيْهَا الْخرق. وَقيل: بل قيل لَهَا ذَات الرّقاع لأَنهم رقعوا راياتهم فِيهَا. وَيُقَال: ذَات الرّقاع شَجَرَة بذلك الْموضع تدعى ذَات الرّقاع. وَقيل: بل الْجَبَل الَّذِي نزلُوا عَلَيْهِ كَانَت أرضه ذَات ألوان من حمرَة وصفرة وَسَوَاد، فسموا غزوتهم تِلْكَ ذَات الرّقاع. وَالله أعلم. وَلَقي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم جمعان من غطفان، فتوقفوا، إِلَّا أَنَّهُ لم يكن بَينهم قتال. وَصلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ صَلَاة2 الْخَوْف يَوْم ذَات الرّقاع. وَفِي انصرافهم من تِلْكَ الْغَزْوَة أَبْطَأَ جمل جَابر بْن عَبْد اللَّهِ، فنخسه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، فَانْطَلق مُتَقَدما بَين الركاب ثمَّ قَالَ لَهُ: "أَتَبِيعَنِيهِ؟ " فابتاعه مِنْهُ، وَقَالَ: "لَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة". فَلَمَّا وصل إِلَى الْمَدِينَة أعطَاهُ الثّمن، ووهب لَهُ الْجمل، لم يَأْخُذهُ مِنْهُ. وَفِي هَذِه الْغَزْوَة أَتَى رجل3 من بني محَارب بْن خصفة ليفتك برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشرط ذَلِك لِقَوْمِهِ، وَأخذ سيف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْلَتَهُ4 بعد أَن استأذنه فِي أَن ينظر إِلَى السَّيْف، فَلَمَّا أَصْلَتَهُ هَمَّ بِهِ، فَصَرفهُ اللَّه عَنهُ، ولحقه بُهْتٌ، فَقَالَ: من يمنعك مني يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: "اللَّه" فَرُدَّ السَّيْف فِي غمده، فَقيل: فِيهِ نزلت: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يبسطوا إِلَيْكُم ... } الْآيَة. وَقيل نزلت هَذِه الْآيَة فِيمَا أَرَادَ بَنو النَّضِير أَن يَفْعَلُوا بِهِ من رمى الْحجر عَلَيْهِ وَهُوَ جَالس إِلَى حَائِط حصنهمْ.
غَزْوَة 1 بدر الثَّالِثَة وَكَانَ أَبُو سُفْيَان يَوْم أحد قد نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: موعدنا مَعكُمْ بدر فِي الْعَام الْمقبل. فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أَصْحَابه أَن يجِيبه بنعم. وَأقَام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ من ذَات الرّقاع بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّة جُمَادَى الأولى وجمادى الْآخِرَة ورجبا. ثمَّ خرج فِي شعْبَان من السّنة الرَّابِعَة لِلْمِيعَادِ الْمَذْكُور، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عَبْد اللَّهِ2 بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي [بْن] سلول. ثمَّ نَهَضَ حَتَّى أَتَى بَدْرًا، فَأَقَامَ هُنَاكَ ثَمَان لَيَال. وَخرج أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب فِي أهل مَكَّة حَتَّى بلغ عسفان3، ثمَّ انْصَرف، وَاعْتذر هُوَ وَأَصْحَابه بِأَن الْعَام عَام جَدب. غَزْوَة 4 دومة الجندل وَانْصَرف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة، فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة من السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، ثمَّ غزا عَلَيْهِ السَّلَام دومة5 الجندل فِي ربيع الأول، وَذَلِكَ أول السّنة الْخَامِسَة من احتلاله الْمَدِينَة. وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة سِبَاع بْن عرفطة. وَانْصَرف عَلَيْهِ السَّلَام من طَرِيقه6 قبل أَن يبلغ دومة الجندل. وَلم يلق حَربًا.
غزوة الخندق
غَزْوَة 1 الخَنْدَق ثمَّ كَانَت غَزْوَة الخَنْدَق فِي شَوَّال2 من السّنة الْخَامِسَة، وَكَانَ سَببهَا أَن نَفرا من الْيَهُود، مِنْهُم كنَانَة بْن الرّبيع بْن أبي الْحقيق، وَسَلام بْن مشْكم، وحيي بْن أَخطب النضريون3، وهوذة بْن قيس وَأَبُو عمار4 من بني وَائِل -وهم كلهم يهود، وهم الَّذين حزبوا الْأَحْزَاب وألبوا وجمعوا- خَرجُوا5 فِي نفر من بني النَّضِير وَنَفر من بني وَائِل، فَأتوا مَكَّة، فدعوا قُريْشًا إِلَى حَرْب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إِلَى ذَلِك، فأجابهم أهل مَكَّة إِلَى ذَلِك. ثمَّ خرج الْيَهُود المذكورون إِلَى غطفان فدعوهم إِلَى مثل ذَلِك فأجابوهم. فَخرجت قُرَيْش يقودهم أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب، وَخرجت غطفان وَقَائِدهمْ عُيَيْنَة بْن حصن بْن حُذَيْفَة بْن بدر الْفَزارِيّ على فَزَارَة والْحَارث بْن عَوْف المري على بني مرّة ومسعود6 بْن رخيلة على أَشْجَع7. فَلَمَّا سمع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باجتماعهم وخروجهم إِلَيْهِ شاور أَصْحَابه، فَأَشَارَ عَلَيْهِ سلمَان بِحَفر الخَنْدَق، فَرضِي رَأْيه*. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمئِذٍ:
سلمَان منا، وَقَالَت الْأَنْصَار: سلمَان منا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ" *. وَعمل الْمُسلمُونَ فِي الخَنْدَق مجتهدين، ونكص المُنَافِقُونَ، وَجعلُوا يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا1. فَنزلت فيهم آيَات من الْقُرْآن ذكرهَا ابْن إِسْحَاق وَغَيره. وَكَانَ من فرغ من الْمُسلمين من حِصَّته عَاد إِلَى غَيره فأعانه حَتَّى كمل الخَنْدَق. وَكَانَ فِيهِ آيَات بَيِّنَات وعلامات للنبوات مذكورات عِنْد أهل السّير والْآثَار، وَمِنْهَا أَن كدية2 اعتاصت على الْمُسلمين، فدعوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، فضربها بالفأس ضَرْبَة طَار مِنْهَا الشرار وَقطع مِنْهَا الثُّلُث، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ قَيْصَرُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْحُمْرَ". ثمَّ ضرب الثَّانِيَة فَقطع مِنْهَا الثُّلُث الثَّانِي، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ كِسْرَى، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْبِيضَ". ثمَّ ضرب الثَّالِثَة فَقطع الثُّلُث الْبَاقِي، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ فُتِحَ الْيَمَنُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى بَابَ صَنْعَاءَ" 3. وَقد نصر اللَّه عَبده وَصدق وعده، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.
فَلَمَّا فرغ1 رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقبلت قُرَيْش فِي نَحْو عشرَة2 آلَاف بِمن مَعَهم من كنَانَة وَأهل تهَامَة3. وَأَقْبَلت غطفان بِمن مَعهَا من أهل نجد حَتَّى نزلُوا إِلَى جَانب أحد. وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون حَتَّى نزلُوا -بِظهْر4 سلع- فِي ثَلَاثَة5 آلَاف، وضربوا عَسْكَرهمْ، وَالْخَنْدَق بَينهم وَبَين الْمُشْركين. وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم فِي قَول ابْن شهَاب. وَخرج عَدو اللَّه حييّ بْن أَخطب النضري6 حَتَّى أَتَى كَعْب بْن أَسد الْقرظِيّ وَكَانَ صَاحب عقد بني قُرَيْظَة وَرَئِيسهمْ، وَكَانَ قد وادع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاقده وعاهده. فَلَمَّا سمع كَعْب بْن أَسد بحيي بْن أَخطب أغلق دونه بَاب حصنه، وأبى أَن يفتح لَهُ، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ لي يَا كَعْب بْن أَسد، فَقَالَ: لَا أفتح لَك فَإنَّك رجل مشئوم تَدعُونِي إِلَى خلاف مُحَمَّد وَأَنا عاقدته وعاهدته وَلم أر فِيهِ إِلَّا وَفَاء وصدقا، فلست بناقض مَا بيني وَبَينه. فَقَالَ حييّ: افْتَحْ لي حَتَّى أُكَلِّمك فأنصرف عَنْك، قَالَ: لَا أفعل، قَالَ: إِنَّمَا تخَاف أَن آكل مَعَك جشيشتك7. فَغَضب كَعْب وَفتح لَهُ، فَقَالَ: هَل إِنَّمَا جئْتُك بعز الدَّهْر، جئْتُك بِقُرَيْش وسادتها وغَطَفَان وقادتها قد تعاقدوا على أَن يستأصلوا مُحَمَّدًا وَمن مَعَه. فَقَالَ لَهُ كَعْب: جئتني وَالله بذل الدَّهْر وبجهام8 لَا غيث فِيهِ، وَيحك يَا حييّ! دَعْنِي فلست بفاعل مَا تَدعُونِي إِلَيْهِ. فَلم يزل حييّ بكعب يعده ويغره، حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ وعاهده على خذلان النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَن يصير مَعَهم، وَقَالَ لَهُ حييّ بن أَخطب: إِن
انصرفت قُرَيْش وغَطَفَان دخلت عنْدك بِمن معي من يهود*. فَلَمَّا انْتهى خبر كَعْب وحيي إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمين بعث سعدَ بْن عبَادَة وَهُوَ سيد الْخَزْرَج وَسيد الْأَوْس سعد بْن معَاذ وَبعث مَعَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْن رَوَاحَة وخوات بْن جُبَير، وَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْطَلقُوا إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِن كَانَ مَا قيل لنا حَقًا فالحنوا لنا لحنا نعرفه، وَلَا تفتوا فِي أعضاد الْمُسلمين، وَإِن كَانَ كذبا فاجهروا بِهِ للنَّاس" * *. فَانْطَلقُوا حَتَّى أتوهم، فوجدوهم على أَخبث مَا قيل لَهُم عَنْهُم، ونالوا من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالُوا: لَا عهد لَهُ عندنَا. فشاتمهم سعد بْن معَاذ وشاتموه وَكَانَت فِيهِ حِدة، فَقَالَ لَهُ سعد بْن عبَادَة: دع عَنْك مشاتمتهم، فَالَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ أكبر من المشاتمة. ثمَّ أقبل سعد وَسعد حَتَّى أَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جمَاعَة من الْمُسلمين، فَقَالَا: عضل والقارة. يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع: خبيبٍ وأصحابِهِ. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْشِرُوا يَا معشر الْمُسلمين".
وَعظم عِنْد ذَلِك الْبلَاء وَاشْتَدَّ الْخَوْف، وأتى الْمُسلمين عدُوُّهُمْ من فَوْقهم1 وَمن أَسْفَل2 مِنْهُم حَتَّى ظنُّوا بِاللَّه الظنون3، وَأظْهر المُنَافِقُونَ كثيرا مِمَّا كَانُوا يسرون، فَمنهمْ من قَالَ: إِن بُيُوتنَا عَورَة فلننصرف إِلَيْهَا4، فَإنَّا نَخَاف عَلَيْهَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أَوْس بْن قيظي إِلَّا أَنه مَعَ ذَلِك ولد ولدا سيدا فَاضلا وَهُوَ عرابة بْن أَوْس الَّذِي قَالَ فِيهِ الشَّاعِر5: إِذا مَا راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ وَقد قيل إِن لَهُ صُحْبَة بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهُم من قَالَ: يعدنا مُحَمَّد أَن نفتح كنوز كسْرَى وَقَيْصَر، وأحدنا الْيَوْم لَا يَأْمَن على نَفسه [أَن] يذهب إِلَى الْغَائِط، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك معتب6 بْن قُشَيْر أحد بني عَمْرو بْن عَوْف. وَأقَام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأقَام الْمُشْركُونَ بضعا وَعشْرين لَيْلَة قَرِيبا من شهر لم يكن بَينهم حَرْب إِلَّا الرَّمْي بِالنَّبلِ والحصا. فَلَمَّا رأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه اشْتَدَّ على الْمُسلمين الْبلَاء بعث إِلَى عُيَيْنَة بْن حصن الْفَزارِيّ وَإِلَى الْحَارِث بْن عَوْف بْن أبي حَارِثَة7 المري وهما قائدا غطفان، فَأَعْطَاهُمَا ثلث ثمار الْمَدِينَة لينصرفا بِمن مَعَهُمَا من غطفان و [أهل] نجد8 وَيرجع بقومهما عَنْهُم9. وَكَانَت هَذَا الْمقَالة مراوضة وَلم تكن عقدا. فَلَمَّا رأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قد أنابا10 ورضيا أَتَى سعدَ بْن معَاذ وسعدَ بْن عبَادَة فَذكر لَهما واستشارهما، فَقَالَا: يَا رَسُول اللَّه هَذَا أَمر تحبه فنصنعه لَك، أَو شَيْء أَمرك اللَّه بِهِ فنسمع
لَهُ ونطيع، أَو أَمر تَصنعهُ لنا؟ قَالَ: "بل أَمر أصنعه لكم، وَالله مَا أصنعه إِلَّا لأنني 1 قد رَأَيْت الْعَرَب قد رمتكم عَن قَوس وَاحِدَة". فَقَالَ لَهُ سعد بْن معَاذ: يَا رَسُول اللَّه، وَالله لقد كُنَّا نَحن وَهَؤُلَاء الْقَوْم على الشّرك بِاللَّه وَعبادَة الْأَوْثَان لَا نعْبد اللَّهَ وَلَا نعرفه وَمَا طمعوا قطّ بِأَن ينالوا منا ثَمَرَة إِلَّا بشرَاء أَو قرى2، فحين أكرمنا اللَّه بِالْإِسْلَامِ وهدانا لَهُ وأعزنا بك نعطيهم أَمْوَالنَا، وَالله لَا نعطيهم إِلَّا السَّيْف حَتَّى يحكم اللَّه بَيْننَا وَبينهمْ. فسر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وَقَالَ لَهُم: "أَنْتُم وَذَاكَ". وَقَالَ لعيينة والْحَارث: "انصرفا، فَلَيْسَ لكم عندنَا إِلَّا السَّيْف". وَتَنَاول الصَّحِيفَة3 وَلَيْسَ فِيهَا شَهَادَة فمحاها. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون على حَالهم وَالْمُشْرِكُونَ يحاصرونهم وَلَا قتال مِنْهُم إِلَّا أَن فوارس من قُرَيْش مِنْهُم عَمْرو بْن عَبْد ود العامري من بني عَامر بْن لؤَي، وَعِكْرِمَة بْن أبي جهل، وهبيرة بْن أبي وهب، وَضِرَار بْن الْخطاب الفِهري وَكَانُوا فرسَان قُرَيْش وشجعانهم أَقبلُوا حَتَّى وقفُوا على الخَنْدَق. فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: إِن هَذِه المكيدة مَا كَانَت الْعَرَب تكيدها4، ثمَّ تيمموا5 مَكَانا ضيقا من الخَنْدَق [فَضربُوا6 خيلهم فَاقْتَحَمت مِنْهُ] وصاروا بَين الخَنْدَق وَبَين سلع. وَخرج عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ فِي نفر من الْمُسلمين، حَتَّى أخذُوا عَلَيْهِم الثغرة7 الَّتِي اقتحموا مِنْهَا، وَأَقْبَلت الفرسان نحوهم. وَكَانَ عَمْرو بْن [عَبْد] ود قد أثبتته الْجراح يَوْم بدر، فَلم يشْهد أحدا وَأَرَادَ يَوْم الخَنْدَق أَن يرى مَكَانَهُ. فَلَمَّا وقف هُوَ وخيله نَادَى: [هَل] من مبارز؟ فبرز لَهُ عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرو إِنَّك عَاهَدت الله فِيمَا بلغنَا عَنْك أَنَّك لَا تدعى إِلَى إِحْدَى خلتين إِلَّا أخذت إِحْدَاهمَا، قَالَ: نعم، وَقَالَ: إِنِّي أَدْعُوك لله عز وَجل وَالْإِسْلَام، قَالَ: لَا حَاجَة لي بذلك. قَالَ: وأدعوك إِلَى البرَاز، قَالَ: يَا بْن أخي وَالله مَا أحب أَن أَقْتلك لما
كَانَ بيني وَبَين أَبِيك، فَقَالَ لَهُ عَليّ: أَنا وَالله أحب أَن أَقْتلك. فحمي1 عَمْرو بْن [عَبْد] ود العامري وَنزل عَن فرسه، وَسَار نَحْو عَليّ، فتنازلا وتجاولا، وثار النَّقْع2 بَينهمَا حَتَّى حَال دونهمَا، فَمَا انجلى النَّقْع حَتَّى رُؤِيَ عَليّ على صدر عَمْرو يقطع رَأسه. فَلَمَّا رأى أَصْحَابه أَنه قد قَتله عَليّ اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين، وَقَالَ عَليّ -رَضِي اللَّه عَنهُ- فِي ذَلِك: نَصَرَ الْحِجَارَة من سفاهة رَأْيه ... ونصرت دين مُحَمَّد بضراب3 لَا تَحْسَبُنَّ اللَّه خاذِلَ دينه ... وَنبيه يَا معشر الْأَحْزَاب نازلته وَتركته متجدلا ... كالجذع بَين دكادك وروابي4 وَرمي يَوْمئِذٍ سعد بْن [معَاذ] بِسَهْم فَقطع مِنْهُ الأكحل5، رَمَاه حبَان بْن قيس بْن العرقة أحد بني عَامر بْن لؤَي. فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ لَهُ: خُذْهَا إِلَيْك وَأَنا ابْن العرقة، فَقَالَ لَهُ سعد: عرق اللَّه وَجهك فِي النَّار، وَقيل: بل الَّذِي رَمَاه أَبُو أُسَامَة الْجُشَمِي حَلِيف بني مَخْزُوم. ولحسان بْن ثَابت مَعَ صَفِيَّة بنت عَبْد الْمطلب خبر طريف6 يَوْمئِذٍ وَكَانَ حسان قد تخلف عَن الْخُرُوج مَعَ الْخَوَالِف بِالْمَدِينَةِ ذكره ابْن إِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل السّير، وَقد أنكرهُ مِنْهُم آخَرُونَ، فَقَالُوا لَو كَانَ فِي حسان من الْجُبْن مَا وصفتم لهجاه بذلك من كَانَ يهاجيه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، ولهجي بذلك ابْنه عَبْد الرَّحْمَن، فَإِنَّهُ كَانَ كثيرا مَا يهاجي النَّاس من شعراء الْعَرَب مثل النَّجَاشِيّ وَغَيره. وأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعيم بْن مَسْعُود بْن عَامر الْأَشْجَعِيّ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي قد أسلمت، وَلم يعلم قومِي بِإِسْلَامِي، فمرني بِمَا شِئْت، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أَنْت
رجل وَاحِد 1 من غطفان، فَلَو خرجت فخذلت عَنَّا كَانَ أحب إِلَيْنَا من بقائك فَاخْرُج 2 فَإِن الْحَرْب خدعة". فَخرج نعيم بْن مَسْعُود حَتَّى أَتَى بني قُرَيْظَة وَكَانَ ينادمهم فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ: يَا بني قُرَيْظَة قد عَرَفْتُمْ ودي إيَّاكُمْ وخاصة مَا بيني وَبَيْنكُم، قَالُوا: قل، لست عندنَا بمتهم، فَقَالَ لَهُم: إِن قُريْشًا وغَطَفَان لَيْسُوا كأنتم، الْبَلَد بلدكم، وَفِيه3 أَمْوَالكُم وأبناؤكم وَنِسَاؤُكُمْ، وَإِن قُريْشًا وغَطَفَان قد جَاءُوا لِحَرْب مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَقد ظاهرتموهم4 عَلَيْهِ، فَإِن رَأَوْا نهزة5 أَصَابُوا وَإِن كَانَ غير ذَلِك لَحِقُوا ببلادهم وخلوا بَيْنكُم وَبَين الرجل، وَلَا طَاقَة لكم بِهِ، فَلَا تقاتلوا مَعَ الْقَوْم حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُم رهنا. ثمَّ خرج حَتَّى أَتَى قُريْشًا، فَقَالَ لَهُم: قد عَرَفْتُمْ ودي لكم معشر قُرَيْش وفراقي مُحَمَّدًا وَقد بَلغنِي أَمر أرى من الْحق أَن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا عَليّ، قَالُوا: نَفْعل. قَالَ: أتعلمون أَن معشر يهود قد ندموا على مَا كَانَ من خلافهم مُحَمَّدًا وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ إِنَّا قد ندمنا على مَا فعلنَا، فَهَل يرضيك أَن نَأْخُذ من قُرَيْش وغَطَفَان رهنا رجَالًا ونسلمهم إِلَيْكُم لتضربوا أَعْنَاقهم، ثمَّ نَكُون مَعكُمْ على من بَقِي مِنْهُم حَتَّى تستأصلهم. ثمَّ أَتَى غطفان، فَقَالَ مثل ذَلِك. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة السبت وَكَانَ ذَلِك من صنع اللَّه عز وَجل لرَسُوله وَلِلْمُؤْمنِينَ أرسل أَبُو سُفْيَان إِلَى بني قُرَيْظَة عكرمةَ بْنَ أبي جهل فِي نفر من قُرَيْش وغَطَفَان يَقُول لَهُم: إِنَّا لسنا بدار مقَام، قد هلك الْخُف والحافر6 فاغدوا صَبِيحَة غَد لِلْقِتَالِ حَتَّى نفاجيء مُحَمَّدًا. فأرسلوا إِلَيْهِم إِن الْيَوْم يَوْم السبت7، وَقد علمْتُم مَا نَالَ مَنْ تعدى فِي السبت، وَمَعَ ذَلِك فَلَا نُقَاتِل مَعكُمْ أحدا تعطونا رهنا. فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُول بِذَاكَ قَالُوا: صدقنا وَالله نعيم بْن مَسْعُود. فَردُّوا إِلَيْهِم الرُّسُل، وَقَالُوا: وَالله لَا نعطيكم رهنا أبدا، فاخرجوا مَعنا إِن شِئْتُم، وَإِلَّا فَلَا عهد بَيْننَا وَبَيْنكُم، فَقَالَ بَنو قُرَيْظَة: صدق وَالله نعيم بْن مَسْعُود. وَخَذَّلَ بَينهم وَاخْتلفت كلمتهم وَبعث اللَّه عَلَيْهِم ريحًا عاصفا فِي لَيَال
شَدِيدَة الْبرد، فَجعلت الرّيح تقلب أبنيتهم1، وتكفأ2 قدورهم. فَلَمَّا اتَّصل برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِلَاف أَمرهم بعث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان ليَأْتِيه بخبرهم، فَأَتَاهُم واستتر فِي غمارهم، وَسمع أَبَا سُفْيَان يَقُول: يَا معشر قُرَيْش ليتعرف كل امريء مِنْكُم جليسه. قَالَ حُذَيْفَة: فَأخذت بيد جليسي وَقلت: من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا فلَان. ثمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان: يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم وَالله مَا أَصْبَحْتُم بدار مقَام، وَلَقَد هلك الكراع3 والخف وأخلفتنا بَنو قُرَيْظَة ولقينا من هَذِه الرّيح مَا ترَوْنَ، مَا يسْتَمْسك لنا بِنَاء وَلَا تثبت لنا قدر وَلَا تقوم [لنا] 4 نَار، فارتحلوا، فَإِنِّي مرتحل. ووثب على جمله، فَمَا حل عقال يَده5 إِلَّا وَهُوَ قَائِم*. قَالَ حُذَيْفَة: وَلَوْلَا عهد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِذْ بَعَثَنِي، وَقَالَ لي: "مر إِلَى الْقَوْم فَاعْلَم مَا هم عَلَيْهِ وَلَا تُحْدِثْ شَيْئا" -لقتلته بِسَهْم. ثمَّ أتيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد رحيلهم فَوَجَدته قَائِما يُصَلِّي، فَأَخْبَرته، فَحَمدَ اللَّه. وَلما أصبح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد ذهب الْأَحْزَاب رَجَعَ6 إِلَى الْمَدِينَة وَوضع الْمُسلمُونَ سِلَاحهمْ، فَأَتَاهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ على بغلة عَلَيْهِ قطيفة ديباج فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّد إِن كُنْتُم قد وضعتم سلاحكم فَمَا وضعت الْمَلَائِكَة سلاحها، إِن اللَّه يَأْمُرك أَن تخرج إِلَى بني قُرَيْظَة وَإِنِّي مُتَقَدم إِلَيْهِم فَمُزَلْزِل بهم. فَأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مناديا يُنَادي فِي النَّاس: "لَا يصلين أحدكُم الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة". وَكَانَ سعد بْن معَاذ إِذْ أَصَابَهُ السهْم دَعَا ربه، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت أبقيت من حَرْب قُرَيْش شَيْئا فأبقني لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قوم أحب إِلَيّ أَن أجاهدهم من قوم كذبُوا رَسُولك وأخرجوه، اللَّهُمَّ إِن كنت وضعت الْحَرْب بَيْننَا وَبينهمْ فاجعلها لي شَهَادَة وَلَا تمتني حَتَّى تقر عَيْني من بني قُرَيْظَة.
غزوة بني قريظة
غَزْوَة 1 بني قُرَيْظَة فَخرج الْمُسلمُونَ مبادرين إِلَى بني قُرَيْظَة، فطائفة خَافُوا فَوَات الْوَقْت فصلوا وَطَائِفَة قَالُوا: وَالله لَا صلينَا الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة، فبذلك أمرنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثمَّ علم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باجتهادهم، فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم*. وَأعْطى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَة عَليّ بْن أبي طَالب، واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم. ونهض عَليّ وَطَائِفَة مَعَه حَتَّى أَتَوا بني قُرَيْظَة ونازلوهم وسمعوا سبّ رَسُول الله فَانْصَرف عَليّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّه لَا تبلغ إِلَيْهِم وَعَرَّضَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: "أَظُنُّكَ سَمِعْتَ مِنْهُمْ شَتْمِي، لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ". ونهض إِلَيْهِم، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسكُوا، فَقَالَ لَهُم: "نقضتم الْعَهْد يَا إخْوَة القرود، أخزاكم اللَّه وَأنزل بكم نقمته"، فَقَالُوا: مَا كنت جَاهِلا يَا مُحَمَّد فَلَا تجْهَل2 علينا. وَنزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ بضعا3 وَعشْرين لَيْلَة، وَعرض عَلَيْهِم سيدهم كَعْب بْن أَسد ثَلَاث خِصَال ليختاروا أَيهَا شَاءُوا: إِمَّا أَن يسلمُوا ويتبعوا مُحَمَّدًا على مَا جَاءَ بِهِ فيسلموا، قَالَ: وتحرزوا أَمْوَالكُم ونساءكم وأبناءكم فوَاللَّه إِنَّكُم لتعلمون أَنه الَّذِي تجدونه فِي كتابكُمْ. وَإِمَّا أَن يقتلُوا أَبْنَاءَهُم ونساءهم ثمَّ يتقدموا فيقاتلوا حَتَّى يموتوا عَن آخِرهم. وَإِمَّا أَن يبيتوا4 الْمُسلمين لَيْلَة السبت فِي حِين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا، فَقَالُوا لَهُ: أما الْإِسْلَام فَلَا نسلم وَلَا نخالف حكم التَّوْرَاة، وَأما قتل أَبْنَائِنَا ونسائنا فَمَا جزاؤهم الْمَسَاكِين منا أَن نقتلهم، وَنحن لَا نتعدى [فِي] السبت.
ثمَّ بعثوا إِلَى أبي لبَابَة، وَكَانُوا حلفاء بني عَمْرو بْن عَوْف وَسَائِر الْأَوْس، فَأَتَاهُم، فَجمعُوا إِلَيْهِ أَبْنَاءَهُم ورجالهم ونساءهم وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لبَابَة أَتَرَى أَن ننزل على حكم مُحَمَّد؟ فَقَالَ: نعم، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه، إِنَّه الذّبْح إِن فَعلْتُمْ. ثمَّ نَدم أَبُو لبَابَة فِي الْحِين، وَعلم أَنه خَان اللَّه وَرَسُوله، وَأَنه أَمر لَا يستره اللَّه عَن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلق إِلَى الْمَدِينَة وَلم يرجع إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَربط نَفسه فِي سَارِيَة1، وَأقسم لَا يبرح مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوب اللَّه عَلَيْهِ. فَكَانَت امْرَأَته تحله لوقت كل صَلَاة. قَالَ ابْن عُيَيْنَة وَغَيره: فِيهِ نزلت: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم} . وَأقسم أَن لَا يدْخل أَرض بني قُرَيْظَة أبدا، مَكَانا أصَاب فِيهِ الذَّم2. فَلَمَّا بلغ ذَلِك النبيَّ من فعل أبي لبَابَة قَالَ: "أما إِنَّه لَو أَتَانِي لاستغفرت لَهُ، وَأما إِذا فعل فلست أُطْلِقُهُ حَتَّى يُطلقهُ اللَّه" فَأنْزل اللَّه تَعَالَى فِي أَمر أبي لبَابَة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ... } الْآيَة فَلَمَّا نزل فِيهِ الْقُرْآن أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِهِ*. وَنزل -فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي فِي صبيحتها نزلت بَنو قُرَيْظَة على حكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَعْلَبَة، وَأسيد3 ابْنا سعية، وَأسد بْن عبيد، وهم نفر من هدل بني عَم قُرَيْظَة وَالنضير وَلَيْسوا من قُرَيْظَة وَالنضير، نزلُوا مُسلمين، فأحرزوا أَمْوَالهم وأنفسهم. وَخرج فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عَمْرو بْن سعدي [الْقرظِيّ] 4 وَمر بحرس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيهِ مُحَمَّد بْن مسلمة
وَكَانَ قد أَبى أَن يدْخل فِيمَا دخل فِيهِ بَنو قُرَيْظَة وَقَالَ: لَا أغدر بِمُحَمد أبدا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة إِذْ عرفه: اللَّهُمَّ لَا تحرمني إِقَالَة عثرات الْكِرَام. فَخرج على وَجهه حَتَّى بَات فِي مَسْجِد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ ذهب فَلم يُرَ بعد وَلم يعلم حَيْثُ سقط. وَذُكِرَ -لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره، فَقَالَ: "ذَلِك رجل نجاه اللَّه بوفائه". فَلَمَّا أصبح بَنو قُرَيْظَة نزلُوا على حكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتواثب الْأَوْس إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه قد علمت أَنهم حلفاؤنا، وَقد شَفَّعْتَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول فِي بني قينقاع1 حلفاء الْخَزْرَج، فَلَا يكن حظنا أوكس وأنقص عنْدك من حَظّ غَيرنَا، فهم موالينا. فَقَالَ لَهُم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا معشر الْأَوْس أَلا ترْضونَ أَن يحكم فيهم رجل مِنْكُم؟ " قَالُوا: بلَى، قَالَ: "فَذَلِك إِلَى سعد بْن معَاذ". وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب لَهُ خيمة فِي الْمَسْجِد، ليعوده من قريب فِي مَرضه من جرحه الَّذِي أَصَابَهُ فِي الخَنْدَق. فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني قُرَيْظَة أَتَاهُ قومه فاحتملوه على حمَار، وَقد وطئوا لَهُ بوسادة من أَدَم وَكَانَ رجلا جسيما. ثمَّ أَقبلُوا مَعَه إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَاطُوا بِهِ فِي طريقهم يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرو أحسن فِي [مواليك] فَإِنَّمَا ولاك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك لتحسن إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُم: قد آن لسعد أَن لَا تَأْخُذهُ فِي اللَّه لومة لائم. فَرجع بعض من مَعَه إِلَى ديار بني عَبْد الْأَشْهَل فنعى إِلَيْهِم رجال بني قُرَيْظَة. فَلَمَّا أطل سعد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للْأَنْصَار: "قومُوا إِلَى سيدكم" * فَقَامَ الْمُسلمُونَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرو أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولاك أَمر مواليك لتَحكم فيهم، فَقَالَ سعد: عَلَيْكُم بذلك عهد اللَّه وميثاقه: أَن الحكم فيهم مَا حكمت2؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: وعَلى من هُنَا؟ من3 النَّاحِيَة الَّتِي فِيهَا
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ معرض عَن رَسُول الله إجلالا لَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم" قَالَ سعد: فَإِنِّي أحكم فيهم أَن يقتل الرِّجَال وتسبى الذَّرَارِي1 وَالنِّسَاء، وتقسم الْأَمْوَال، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد حكمت فيهم بِحكم اللَّه تَعَالَى من فَوق سَبْعَة أَرقعَة" 2 وَأمر بهم رَسُول اللَّه فأخرجوا إِلَى مَوضِع [سوق3 الْمَدِينَة] فَخَنْدَق بهَا خنادق، ثمَّ أَمر بهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَضربت أَعْنَاقهم فِي تِلْكَ الْخَنَادِق* وَقتل يَوْمئِذٍ حييّ بْن أَخطب وَكَعب بْن أَسد. وَكَانُوا من الستمائة إِلَى السبعمائة. وَقتل من نِسَائِهِم امْرَأَة، وَهِي بنانة امْرَأَة الحكم الْقرظِيّ الَّتِي طرحت الرَّحَى على خَلاد4 بْن سُوَيْد، فَقتلته* *. وَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل كل من أنبت5 مِنْهُم وَترك كل من لم ينْبت: وَكَانَ عَطِيَّة الْقرظِيّ من جملَة من لم ينْبت فاستحياه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة. ووهب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِت بْن قيس بْن الشماس ولد الزبير6 بْن باطا، فاستحياهم، مِنْهُم عَبْد الرَّحْمَن بْن الزبير أسلم وَله صُحْبَة ووهب أَيْضا -عَلَيْهِ السَّلَام- رِفَاعَة ابْن سموأل7 الْقرظِيّ لأم الْمُنْذر سلمى8 بنت قيس أُخْت سليط بْن قيس من بني
النجار، وَكَانَت قد صلت الْقبْلَتَيْنِ. فَأسلم رِفَاعَة، وَله صُحْبَة وَرِوَايَة. وَقسم عَلَيْهِ السَّلَام أَمْوَال بني قُرَيْظَة، فَأَسْهم للفارس ثَلَاثَة أسْهم وللراجل سَهْما، وَقد قيل للفارس سَهْمَان وللراجل سهم. وَكَانَت الْخَيل للْمُسلمين يَوْمئِذٍ سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا، وَوَقع للنَّبِي من [سَبْيهمْ] رَيْحَانَة بنت عَمْرو بْن خناقة إِحْدَى بني عَمْرو بْن قُرَيْظَة، فَلم تزل عِنْده إِلَى أَن مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقيل: إِن غنيمَة قُرَيْظَة هِيَ أول غنيمَة قسم فِيهَا للفارس والراجل وَأول غنيمَة جعل فِيهَا الْخمس [لله وَرَسُوله] وَقد تقدم أَن أول ذَلِك كَانَ فِي بعث عَبْد اللَّهِ بْن جحش، وَالله أعلم. وتهذيب ذَلِك أَن تكون غنيمَة بني قُرَيْظَة أول غنيمَة فِيهَا الْخمس بعد نزُول قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأن لله خمسه ... } وَكَانَ عَبْد اللَّهِ قد خمس قبل ذَلِك فِي بَعثه1 ثمَّ نزل الْقُرْآن بِمثل فعله، وَذَلِكَ من فضائله رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ، وَقد ذكرنَا خَبره فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة. وَكَانَ فتح بني قُرَيْظَة فِي آخر ذِي الْقعدَة وَأول ذِي الْحجَّة من السّنة الْخَامِسَة من الْهِجْرَة فَلَمَّا تمّ أَمر بني قُرَيْظَة أجيبت دَعْوَة الرجل الصَّالح سعد بْن معَاذ فانفجر جرحه، وَانْفَتح عرقه، فَجرى دَمه وَمَات، رَضِي اللَّه عَنهُ. وَهُوَ الَّذِي أَتَى الحَدِيث فِيهِ أَنه اهتز لمَوْته عرش الرَّحْمَن، يَعْنِي سكان الْعَرْش من الْمَلَائِكَة، فرحوا بقدوم روحه واهتزوا لَهُ. ذكر من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم الخَنْدَق سعد بْن معَاذ أَبُو عَمْرو من بني عبد الْأَشْهَل، وَأنس بْن عتِيك، وَعبد اللَّه بْن سهل وَكِلَاهُمَا أَيْضا من بني عَبْد الْأَشْهَل، والطفيل بْن النُّعْمَان، وثعلبة2 بْن عنمة وَكِلَاهُمَا من بني سَلمَة، وَكَعب بْن زيد من بني دِينَار بْن النجار أَصَابَهُ سهم غرب3 فَقتله4.
ذكر من قتل من الْمُشْركين يَوْم الخَنْدَق وَأُصِيب من الْمُشْركين يَوْم الخَنْدَق: مُنَبّه بْن عُثْمَان بْن عبيد بْن السباق بْن عَبْد الدَّار أَصَابَهُ سهم مَاتَ مِنْهُ بِمَكَّة، وَقد قيل: إِنَّمَا هُوَ عُثْمَان بْن أُميَّة بْن مُنَبّه بْن عبيد بْن السباق، وَنَوْفَل بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْمُغيرَة المَخْزُومِي اقتحم الخَنْدَق فَقتل فِيهِ، وَعَمْرو بْن عَبْد ود قَتله عَلِيٌّ مبارزة1. [شُهَدَاء يَوْم قُرَيْظَة] وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين يَوْم قُرَيْظَة: خَلاد بْن سُوَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن عَمْرو من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج طرحت عَلَيْهِ امْرَأَة من بني قُرَيْظَة رحى فَقتلته. وَمَات فِي الْحصار أَبُو سِنَان2 بْن مُحصن، فدفنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقْبرَة بني قُرَيْظَة الَّتِي يتدافن فِيهَا الْمُسلمُونَ السكان بهَا الْيَوْم. وَلم يصب غير هذَيْن. وَلم يغز كفار قُرَيْش الْمُسلمين بعد الخَنْدَق3. بَعْثُ 4 عَبْدِ اللَّهِ بْن عتِيك إِلَى قتل 5 أبي رَافع سَلام بن أبي الْحقيق الْيَهُودِيّ و6 انْقَضى شَأْن الخَنْدَق وَقُرَيْظَة. وَكَانَ أَبُو رَافع سَلام بْن أبي الْحقيق مِمَّن حزب الْأَحْزَاب وألب على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَت الْأَوْس قبل أحد قد قتلت كَعْب بْن الْأَشْرَف
فِي عداوته رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَت الْأَوْس والخزرج يتصاولان تصاول الفحول، لَا تصنع الْأَوْس شَيْئا فِيهِ -عَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غناء إِلَّا قَالَت الْخَزْرَج: وَالله لَا يذهبون بذلك فضلا علينا [وَلَا ينتهون حَتَّى1 يوقعوا مثله] . وَإِذا فعلت الْخَزْرَج شَيْئا كفضل فِي الْإِسْلَام أَو بر عِنْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت الْأَوْس مثل ذَلِك. فتذاكرت الْخَزْرَج من فِي الْعَدَاوَة لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَابْن الْأَشْرَف، فَذكرُوا ابْن أبي الْحقيق، وَاسْتَأْذَنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتله، فَأذن لهمْ. فَخرج إِلَيْهِ خَمْسَة نفر من الْخَزْرَج كلهم من بني سَلمَة، وهم: عَبْد اللَّهِ بْن عتِيك، وَعبد اللَّه بْن أنيس، وَأَبُو قَتَادَة بْن ربعي، ومسعود بْن سِنَان، وخزاعي بْن أسود حَلِيف لَهُم من أسلم. وَأَمَّرَ عَلَيْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْن عتِيك، ونهاهم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان. فنهضوا حَتَّى أَتَوا خَيْبَر لَيْلًا، وَكَانَ سَلام فِي حصنه سَاكِنا فِي دَار جمَاعَة وَهُوَ فِي علية2 مِنْهَا، فَاسْتَأْذنُوا عَلَيْهِ، فَقَالَت امْرَأَته: من أَنْتُم؟ فَقَالُوا: أنَاس من الْعَرَب يطْلبُونَ الْميرَة3 فَقَالَت لَهُم: هذاكم صَاحبكُم، فادخلوا. فَلَمَّا دخلُوا أغلقوا الْبَاب على أنفسهم، فأيقنت بِالشَّرِّ وصاحت، فَهموا بقتلها، ثمَّ ذكرُوا نهي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن قتل النِّسَاء والولدان، فأمسكوا عَنْهَا. ثمَّ تعاوروه بِأَسْيَافِهِمْ وَهُوَ رَاقِد على فرَاشه، أَبيض فِي سَواد اللَّيْل كَأَنَّهُ قبطية4، وَوضع عَبْد اللَّهِ بْن عتِيك سَيْفه فِي بَطْنه حَتَّى أنفذه، وَهُوَ يَقُول: قطني5 قطني. ثمَّ نزلُوا. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عتِيك سيء6 الْبَصَر، فَوَقع7، فوثئت8 رجلة وثئا شَدِيدًا، فَحَمله أَصْحَابه حَتَّى أَتَوا منهرا9 من مناهرهم فَدَخَلُوا فِيهِ، واستتروا. وَخرج أهل
الْآطَام لصياح امْرَأَته وأوقدوا النيرَان فِي كل جِهَة، فَلَمَّا يئسوا رجعُوا1. فَقَالَ أَصْحَاب ابْن عتِيك: كَيفَ لنا أَن نعلم أَن عَدو اللَّه قد مَاتَ؟ فَرجع أحدهم، فَدخل بَين النَّاس، فَسمع امْرَأَة ابْن أبي الْحقيق تَقول: وَالله لقد سَمِعت صَوت ابْن عتِيك، ثمَّ [أكذبت2 نَفسِي] وَقلت: أَنى ابْن عتِيك بِهَذِهِ الْبِلَاد! قَالَ: ثمَّ إِنَّهَا نظرت فِي وَجهه، فَقَالَت: فاظ3 وإله يهود. قَالَ: فسررت، وانصرفت إِلَى أَصْحَابِي، فَأَخْبَرتهمْ بذلك. فَرَجَعُوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبروه، وتداعوا4 فِي قَتله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هاتوا أسيافكم" فأروه إِيَّاهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن سيف عَبْد اللَّهِ بْن أنيس: "هَذَا قَتله 5، أرى فِيهِ أثر الطَّعَام". وَحَدِيث الْبَراء بْن عَازِب فِي قتل ابْن أبي الْحقيق بِخِلَاف هَذَا المساق، وَالْمعْنَى وَاحِد. غَزْوَة بني لحيان6 وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد فتح بني قُرَيْظَة بَقِيَّة ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر، وَخرج عَلَيْهِ السَّلَام، فِي جُمَادَى7 الأول فِي الشَّهْر السَّادِس من فتح بني قُرَيْظَة وَهُوَ الشَّهْر الثَّالِث من السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة، قَاصِدا إِلَى بني لحيان8، مطالبا بثأر عَاصِم بْن ثَابت وخبيب بْن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع.
فسلك عَلَيْهِ السَّلَام على طَرِيق الشَّام1 من الْمَدِينَة على جبل يقل لَهُ غراب، ثمَّ أَخذ ذَات الشمَال، ثمَّ سلك المحجة من طَرِيق مَكَّة، فأغذ2 السّير حَتَّى أَتَى وَادي غران بَين أمج وَعُسْفَان3 وَهِي منَازِل4 بني لحيان، فوجدوهم قد حذروا وتمنعوا فِي رُءُوس الْجبَال. فتمادى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِائَتي رَاكب حَتَّى نزل عسفان. وَبعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلَيْنِ من أَصْحَابه فارسين حَتَّى بلغا كرَاع5 الغميم، ثمَّ كرا ورجعا، وَرجع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا إِلَى الْمَدِينَة. وَفِي غَزْوَة بني لحيان قَالَت الْأَنْصَار: الْمَدِينَة خَالِيَة منا وَقد بَعدنَا عَنْهَا وَلَا نَأْمَن عدوا يخالفنا إِلَيْهَا، فَأخْبرهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة، على كل نقب مِنْهَا ملك يحميها بِأَمْر اللَّه عز وَجل. غَزْوَة 6 ذِي قَرَدَ 7 وَلما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بني لحيان لم يبْق بِالْمَدِينَةِ [إِلَّا ليَالِي8 قَلَائِل حَتَّى أغار] عُيَيْنَة بْن حصن فِي بني عَبْد اللَّهِ بْن غطفان، فاكتسحوا لقاحا9 كَانَت لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَابَةِ10، وَكَانَ فِيهَا رجل11 من بني غفار وَامْرَأَة لَهُ، فَقتلُوا الْغِفَارِيّ، وحملوا الْمَرْأَة واللقاح.
وَكَانَ أول من أَنْذرهُمْ1 سَلمَة بْن عَمْرو بْن الْأَكْوَع الْأَسْلَمِيّ كَانَ ناهضا إِلَى الغابة، فَلَمَّا علا ثنية الْوَدَاع نظر إِلَى خيل الْكفَّار وأنذر الْمُسلمين، ثمَّ نَهَضَ فِي آثَارهم، فأبلى بلَاء عَظِيما حَتَّى استنقذ أَكثر مَا فِي أَيْديهم. وَوَقعت الصَّيْحَة بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ أول من جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِين الصَّيْحَة الْمِقْدَاد بْن الْأسود، ثمَّ عباد بْن بشر، وَسعد بْن زيد الأشهليان، وَأسيد بْن ظهير الْأنْصَارِيّ، وعكاشة بْن مُحصن الْأَسدي، ومحرز بْن نَضْلَة2 الْأَسدي الأخرم، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بْن ربعي، وَأَبُو عَيَّاش الزريقي واسْمه عبيد بْن زيد بْن صَامت. فَلَمَّا اجْتَمعُوا أَمَّرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلَيْهِم] سعد3 بْن زيد. وَقيل: أَن رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعْطى فرس أبي عَيَّاش الزريقي معَاذ بْن ماعص أَو عَائِذ بْن ماعص وَكَانَ أحكم للفروسية من أبي عَيَّاش. فَأول من لحق بهم مُحرز بْن نَضْلَة الأخرم فَقتل، رَحمَه اللَّه، قَتله عَبْد الرَّحْمَن بْن [عُيَيْنَة4 بْن] حصن وَكَانَ على فرس لمحمود بْن مسلمة أخي مُحَمَّد بْن مسلمة أَخذه وَكَانَ صَاحبه غَائِبا، فَلَمَّا قتل رَجَعَ الْفرس إِلَى آريه5 فِي بني عَبْد الْأَشْهَل، وَقيل: بل أَخذ الْفرس عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَة إِذْ قَتَلَ مُحْرِزَ بْن نَضْلَة عَلَيْهِ، وَركبهُ. ثمَّ قتل سَلمَة بْن الْأَكْوَع عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَة بِالرَّمْي فِي خرجته تِلْكَ واسترجع الْفرس وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاء يُقَال لَهُ قَرَدَ، وَنحر نَاقَة من لقاحه المسترجعة، وَأقَام على ذَلِك المَاء يَوْمًا وَلَيْلَة. وَكَانَ الْفضل فِي هَذِه الْغَزْوَة وَالْفِعْل الْكَرِيم والظهور وَالْبَلَاء الْحسن لسَلمَة بْن الْأَكْوَع، وَكُلُّهُمْ مَا قَصَّرَ6، رَضِي اللَّه عَنْهُم. وَكَانَ الْمُشْركُونَ قد أخذُوا نَاقَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء7 فِي غارتهم تِلْكَ على
سرح1 الْمَدِينَة ونجوا بهَا وبتلك الْمَرْأَة الغفارية الْأَسِيرَة امْرَأَة الْغِفَارِيّ الْمَقْتُول وَقد قيل إِنَّهَا لم تكن امْرَأَة الْغِفَارِيّ الْمَقْتُول وَإِنَّمَا كَانَت امْرَأَة أبي ذَر، وَالْأول قَول ابْن إِسْحَاق وَأهل السّير. قَالَ: فَنَامَ الْقَوْم لَيْلَة وَقَامَت الْمَرْأَة فَجعلت لَا تضع شَيْئا على بعير إِلَّا رغا، حَتَّى أَتَت العضباء، فَإِذا نَاقَة ذَلُول، فركبتها ونذرت إِن نجاها اللَّه عَلَيْهَا لتنحرنها. فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة عُرِفَتْ نَاقَةُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ بذلك، فَأرْسل إِلَيْهَا، فجيء بهَا وبالمرأة، فَقَالَت: يَا رَسُول اللَّه نذرتُ إِن نجاني اللَّه أَن أنحرها، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بئس مَا جَزَيْتِهَا، لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة اللَّه وَلَا فِيمَا لَا يملك ابْن آدم". وَأخذ نَاقَته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. غَزْوَة 2 بني المصطلق من خُزَاعَة ثمَّ أَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَاقِي جُمَادَى الأول ورجبا، ثمَّ غزا بني المصطلق فِي [شعْبَان3 من] السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة، وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ، وَقيل: بل نميلَة4 بْن عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيّ. وأغار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني المصطلق وهم غَارونَ5 وهم على مَاء يُقَال لَهُ: الْمُريْسِيع6 من نَاحيَة قديد7 مِمَّا يَلِي السَّاحِل، فَقتل من قتل [مِنْهُم] وَسبي النِّسَاء والذرية وَكَانَ شعارهم يَوْمئِذٍ: أَمِتْ، وَقد قيل إِن بني المصطلق جمعُوا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بلغه ذَلِك خرج إِلَيْهِم، فَلَقِيَهُمْ على مَاء يُقَال لَهُ الْمُريْسِيع، فَاقْتَتلُوا، فَهَزَمَهُمْ اللَّه. وَالْقَوْل الأول أصح: أَنه أغار عَلَيْهِم وهم غَارونَ. وَمن ذَلِك السَّبي جوَيْرِية بنت الْحَارِث بْن أبي ضرار سيد بني المصطلق وَقعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فَأدى عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأعْتقهَا
وَتَزَوجهَا. وَشهِدت عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تِلْكَ الْغُزَاة، قَالَت: مَا هُوَ إِلَّا أَن وقفت جوَيْرِية بِبَاب الخباء تستعين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتَابَتهَا، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فرأيتُ على وَجههَا مرحة وحسنا، فأيقنت أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا رَآهَا أَعْجَبته، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كَلمته، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَو خير من ذَلِك أَن أؤدي كتابتك وأتزوجك". قَالَت: وَمَا رَأَيْت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن علم الْمُسلمُونَ بِأَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزَوجهَا، فأعتقوا كل مَا بِأَيْدِيهِم من سبي بني المصطلق، وَقَالُوا: أَصْهَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَأسلم سَائِر بني المصطلق. وَقد اخْتلف فِي وَقت هَذِه الْغُزَاة، قيل: كَانَت قبل الخَنْدَق وَقُرَيْظَة2، وَقيل: كَانَت بعد ذَلِك وَهُوَ الصَّوَاب إِن شَاءَ اللَّه. وَقتل فِي هَذِه الْغُزَاة هِشَام بْن صبَابَة اللَّيْثِيّ خطأ، أَصَابَهُ رجل من الْأَنْصَار من رَهْط عبَادَة لم يعرفهُ، وظنه من الْمُشْركين3. وَفِي هَذِه الْغُزَاة قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل؛ وَذَلِكَ لشر وَقع بَين جَهْجَاه بْن مَسْعُود الْغِفَارِيّ -وَكَانَ أَجِيرا لعمر بْن الْخطاب رَضِي اللَّه عَنهُ- وَبَين سِنَان بْن وبر4 الْجُهَنِيّ حَلِيف بني عَوْف بْن الْخَزْرَج، فَنَادَى جَهْجَاه الْغِفَارِيّ: يَا للمهاجرين، ونادى الْجُهَنِيّ: يَا للْأَنْصَار5. وَبَلَّغَ زيدُ بْنُ أرقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول، فأنكرها ابْن أبي، فَأنْزل اللَّه عز وَجل [فِيهِ] سُورَة الْمُنَافِقين، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد بْن أَرقم: "وَفَتْ أُذُنُكَ يَا غُلَام" 6، وَأخذ بأذنه. وتبرأ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أُبَيِّ من فعل أَبِيه وأتى رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّه أَنْت وَالله الْعَزِيز وَهُوَ الذَّلِيل، أَو قَالَ: أَنْت الْأَعَز وَهُوَ
الْأَذَل، وَإِن شِئْت -وَالله- لنخرجنه من الْمَدِينَة. وَقَالَ سعد1 بْن عبَادَة: يَا رَسُول اللَّه إِن هَذَا رجل يحملهُ حسده على النِّفَاق، فَدَعْهُ إِلَى عمله، وَقد كَانَ قومه على أَن يُتَوِّجُوهُ بالخرز قبل قدومك الْمَدِينَة ويقدموه على أنفسهم، فَهُوَ يرى أَنَّك نزعت ذَلِك مِنْهُ، وَقد خَابَ وخسر إِن كَانَ يضمر خلاف مَا يظْهر، وَقد أظهر الْإِيمَان فَكِلْهُ2 إِلَى ربه. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي بْن سلول: يَا رَسُول اللَّه بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ قتل أبي فَإِن كنت تُرِيدُ ذَلِك فمرني بقتْله، فوَاللَّه إِن أَمرتنِي بقتْله لأقتلنه، وَإِنِّي أخْشَى يَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم إِن قَتله غَيْرِي أَن لَا أَصْبِر عَن طلب الثأر فأقتلَ بِهِ مُسلما فأدخلَ النَّار، وَقد علمت الْأَنْصَار أَنِّي من أبر أبنائها بِأَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرا، ودعا لَهُ، وَقَالَ لَهُ: "بر أَبَاك وَلَا يرى مِنْك إِلَّا خيرا" *. فَلَمَّا وصل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون إِلَى الْمَدِينَة من تِلْكَ الْغُزَاة وقف عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي لِأَبِيهِ بِالطَّرِيقِ، وَقَالَ: وَالله لَا تدخل الْمَدِينَة حَتَّى يَأْذَن لَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّخُولِ، فَأذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُخُولِهِ. وَفِي هَذِه الْغُزَاة قَالَ أهل الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مَا قَالُوا، فبرأها اللَّه مِمَّا قَالُوا، وَنزل الْقُرْآن ببراءتها3. وَرِوَايَة من روى أَن سعد بْن معَاذ رَاجع فِي ذَلِك سعد بْن عبَادَة وهم وَخطأ4، وَإِنَّمَا تراجع فِي ذَلِك سعد بْن عبَادَة مَعَ أسيد بْن حضير، كَذَلِك ذكر ابْن إِسْحَاق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن عبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ وَغَيره، وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن سعد بْن معَاذ مَاتَ فِي منصرف
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني قُرَيْظَة لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك، وَلم يدْرك غَزْوَة الْمُريْسِيع1 وَلَا حضرها. وَقدم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، فَقدم عَلَيْهِ مقيس بْن صبَابَة مظْهرا لِلْإِسْلَامِ وطالبا لدين أَخِيه هِشَام بْن صبَابَة، فَأمر لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام بِالدِّيَةِ، فَأَخذهَا، ثمَّ عدا على قَاتل أَخِيه، فَقتله، وفر إِلَى مَكَّة كَافِرًا، وَهُوَ أحد الَّذين أَمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِم فِي حِين دُخُول مَكَّة. ثمَّ بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِلَى بني المصطلق بعد إسْلَامهمْ بِأَكْثَرَ من عَاميْنِ الْوَلِيد بْن عقبَة بْن أبي معيط مُصدقا2 لَهُم، فَخَرجُوا ليتلقوه، فَفَزعَ مِنْهُم، وَظن أَنهم يريدونه بِسوء، فَرجع عَنْهُم. وَأخْبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنهم ارْتَدُّوا وَمنعُوا الزَّكَاة وهموا بقتْله. فَتكلم الْمُسلمُونَ فِي غزوهم، فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ قدم وافدهم مُنْكرا لرجوع مصدقهم عَنْهُم دون أَن يَأْخُذ صَدَقَاتهمْ [وَأَنَّهُمْ] إِنَّمَا خَرجُوا إِلَيْهِ مكرمين لَهُ، فأكذبه الْوَلِيد بْن عقبَة، فَأنْزل اللَّه عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} يَعْنِي الْوَلِيد بْن عقبَة {فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة ... } الْآيَة. عمْرَة 3 الْحُدَيْبِيَة فَأَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْمَدِينَةِ مُنْصَرفه من غَزْوَة بني المصطلق رَمَضَان4 وشوالا، وَخرج فِي ذِي الْقعدَة5 مُعْتَمِرًا، فاستنفر الْأَعْرَاب الَّذين حول الْمَدِينَة، فَأَبْطَأَ عَنهُ أَكْثَرهم. وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمن مَعَه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن اتبعهُ من الْعَرَب،
وجميعهم نَحْو ألف وَأَرْبَعمِائَة، وَقيل ألف وَخَمْسمِائة1. وسَاق مَعَه الْهَدْي2، وَأحرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعُمْرَة3 ليعلم النَّاس أَنه لم يخرج لِحَرْب4 فَلَمَّا بلغ خُرُوجه قُريْشًا خرج جمعهم صَادِّينَ لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَدخُول مَكَّة وَأَنه إِن قَاتلهم قَاتلُوا دون ذَلِك، وَقدمُوا خَالِد5 بْن الْوَلِيد فِي خيل إِلَى كرَاع6 الغميم، فورد الْخَبَر بذلك إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بعسفان7، فسلك طَرِيقا يخرج مِنْهُ فِي ظُهُورهمْ8 وَخرج إِلَى الْحُدَيْبِيَة من أَسْفَل مَكَّة، وَكَانَ دَلِيله فِيهِ رجلا من أسلم فَلَمَّا بلغ ذَلِك خيل قُرَيْش الَّتِي مَعَ خَالِد جرت إِلَى قُرَيْش تعلمهمْ بذلك. وَلما وصل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَة بَركت نَاقَته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاس: خَلأَتْ9 خَلأَتْ، فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "مَا خلأت، وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِن حَبسهَا حَابِس 10 الْفِيل عَن مَكَّة، لَا تَدعُونِي قُرَيْش الْيَوْم إِلَى خطة يسألونني فِيهَا صلَة رحم إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا"، ثمَّ نزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَالك، فَقيل: يَا رَسُول اللَّه لَيْسَ بِهَذَا الْوَادي مَاء، فَأخْرج عَلَيْهِ السَّلَام سَهْما من كِنَانَته، فَأعْطَاهُ رجلا من أَصْحَابه، فَنزل فِي قليب11 من تِلْكَ الْقلب، فغرزه فِي جَوْفه، فَجَاشَ المَاء الرواء12 حَتَّى كفى جَمِيع أهل الْجَيْش. وَقيل إِن الَّذِي نزل بِالسَّهْمِ فِي القليب نَاجِية بْن جُنْدُب بْن عُمَيْر الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ سائق بدن13 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ، وَقيل: نزل بِالسَّهْمِ فِي القليب الْبَراء بْن عَازِب.
ثمَّ جرت الرُّسُل والسفراء بَين رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين كفار قُرَيْش، وَطَالَ التراجع والتنازع إِلَى أَن جَاءَهُ سُهَيْل بْن عَمْرو العامري، فقاضاه1 على أَن ينْصَرف عَلَيْهِ السَّلَام عَامه ذَلِك، فَإِذا كَانَ من قَابل أَتَى مُعْتَمِرًا وَدخل هُوَ وَأَصْحَابه مَكَّة بِلَا سلَاح حاشا السيوف فِي قربهَا فيقيم بهَا ثَلَاثًا وَيخرج. وعَلى أَن يكون بَينه وَبينهمْ صلح عشرَة أَعْوَام يتداخل فِيهَا النَّاس ويأمن بَعضهم بَعْضًا، على أَن من جَاءَ من الْمُسلمين إِلَى الْكفَّار مُرْتَدا لم يردوه إِلَى الْمُسلمين. فَعظم ذَلِك على الْمُسلمين حَتَّى كَانَ لبَعْضهِم فِيهِ كَلَام. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أعلم بِمَا علمه اللَّه من أَنه سَيجْعَلُ للْمُسلمين فرجا، فَقَالَ لأَصْحَابه: "اصْبِرُوا فَإِن اللَّه يَجْعَل هَذَا الصُّلْح سَببا إِلَى ظُهُور دينه" فأنس النَّاس إِلَى قَوْله بعد نفار مِنْهُم. وَأَبَى سُهَيْل بْن عَمْرو أَن يُكْتَبَ فِي صدر صحيفَة الصُّلْح من مُحَمَّد رَسُول الله. قَالَ لَهُ: لَو صدقناك بذلك مَا دفعناك عَمَّا تُرِيدُ، وَلَا بُد أَن يُكْتَبَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ2 فَقَالَ لعَلي -وَكَانَ كَاتب صحيفَة الصُّلْح-: "امح يَا عَليّ، واكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ". وأبى عَليّ أَن يمحو بِيَدِهِ "رَسُول3 اللَّه" فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اعرضه عَليّ" فَأَشَارَ إِلَيْهِ4، فمحاه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَأمره أَن يكْتب: من مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ. وأتى أَبُو جندل بْن سُهَيْل5 يَوْمئِذٍ بأثر كتاب الصُّلْح، وَهُوَ يرسف فِي قيوده، فَرده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أَبِيه، فَعظم ذَلِك على الْمُسلمين، فَأخْبرهُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخْبر أَبَا جندل أَن اللَّه سَيجْعَلُ لَهُ فرجا ومخرجا. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بعث عُثْمَان بْن عَفَّان إِلَى مَكَّة رَسُولا6، فجَاء خبر إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَن أهل مَكَّة قَتَلُوهُ، فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم
حِينَئِذٍ الْمُسلمين للمبايعة على الْحَرْب والقتال لأهل مَكَّة. وَرُوِيَ أَنه بايعهم على أَن لَا يَفروا. وَهِي بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة1 الَّتِي أخبر اللَّه عز وَجل أَنه رَضِي عَن الْمُبَايِعين لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتهَا2، وَأخْبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهم لَا يدْخلُونَ النَّار. وَضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَمِينِهِ على شِمَاله لعُثْمَان [وَقَالَ3: "هَذِه عَن عُثْمَان"] فَهُوَ كمن شَهِدَهَا. ذكر وَكِيع، عَن إِسْمَاعِيل بْن أبي خَالِد، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: أول من بَايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَبُو سِنَان الْأَسدي. وَذكر ابْن هِشَام عَن وَكِيع. كَانَت قُرَيْش قد جَاءَ مِنْهُم نَحْو سبعين أَو ثَمَانِينَ رجلا للإيقاع بِالْمُسْلِمين وانتهاز الفرصة فِي أَطْرَافهم، فَفطن الْمُسلمُونَ لَهُم فَخَرجُوا، فَأَخَذُوهُمْ أسرى. وَكَانَ ذَلِك والسفراء يَمْشُونَ بَينهم فِي الصُّلْح. فَأَطْلَقَهُمْ رَسُول اللَّه، فهم الَّذين يسمون العتقاء، وإليهم ينْسب العتقيون فيمَ يَزْعمُونَ، وَمِنْهُم مُعَاوِيَة وَأَبوهُ فِيمَا ذكرُوا. فَلَمَّا تمّ الصُّلْح بَين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين أهل مَكَّة الَّذِي تولى عقده لَهُم سُهَيْل بْن عَمْرو على مَا ذكرُوا، أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الْمُسلمين أَن ينحروا ويحلوا. فَفَعَلُوا بعد توقف كَانَ بَينهم أغضب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "لَو نحرت لنحروا". فَنحر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيه، فنحروا بنحره. وَحلق رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأسه، ودعا للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين وَاحِدَة4. قيل إِن الَّذِي حلق رَأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ خرَاش بْن أُميَّة بْن الْفضل الْخُزَاعِيّ. ثمَّ رَجَعَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَة، فَأَتَاهُ أَبُو بَصِير بْن أسيد بْن جَارِيَة الثَّقَفِيّ حَلِيف لبني زهرَة هَارِبا من مَكَّة مُسلما، وَكَانَ مِمَّن حبس بِمَكَّة مَعَ الْمُسلمين، فَبعث فِيهِ الْأَزْهَر بْن [عَبْد] 5 عَوْف عَم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف والأخنس بن شريق الثَّقَفِيّ رجلا
من بني عَامر بْن لؤَي وَمولى لَهُم. فَأتيَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فأسلمه إِلَيْهِمَا على مَا عقد فِي الصُّلْح. فاحتملاه، فَلَمَّا صَارُوا بِذِي الحليفة1 قَالَ أَبُو بَصِير لأحد الرجلَيْن: أرى سَيْفك هَذَا سَيْفا جيدا فأرنيه، فَلَمَّا أرَاهُ إِيَّاه ضرب [بِهِ] العامري فَقتله وفر الْمولى فَأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَذَا رجل مذعور وَلَقَد أصَاب هَذَا ذعر". فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أخبرهُ بِمَا وَقع. وَقَالَ: غدر بِنَا وبينما هُوَ يكلمهُ إِذْ وصل أَبُو بَصِير، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه قد وفت ذِمَّتك وأطلقني اللَّه عز وَجل، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ 2 حَرْبٍ لَو كَانَ لَهُ رجال، أَو قَالَ أَصْحَاب". فَعلم أَبُو بَصِير أَنه سيرده فَخرج حَتَّى أَتَى سيف3 الْبَحْر، موضعا يُقَال لَهُ الْعيص4 من نَاحيَة ذِي الْمَرْوَة على طَرِيق قُرَيْش إِلَى الشَّام، فَجعل يقطع على رفاقهم5.واستضاف إِلَيْهِ قوما من الْمُسلمين الفارين عَن قُرَيْش، مِنْهُم أَبُو جندل بْن سُهَيْل، فَجعلُوا لَا يتركون لقريش عيرًا وَلَا ميرة وَلَا مارا إِلَّا قطعُوا بهم. فَكتبت فِي ذَلِك قُرَيْش إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا نرى أَن تضمهم إِلَيْك إِلَى الْمَدِينَة، فقد آذونا. وَأنزل اللَّه تَعَالَى بعد ذَلِك الْقُرْآن بِفَسْخ الشَّرْط الْمَذْكُور فِي رد النِّسَاء6، فَمنع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ردهن، ثمَّ نزلت سُورَة7 بَرَاءَة، فنسخ ذَلِك كُله، ورد على كل ذِي عهد عَهده وَأَن يمهلوا أَرْبَعَة أشهر، وَمن لم يستقم على عَهده لَا يستقام لَهُ. وَهَاجَرت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بْن أبي معيط، فَأتى أَخَوَاهَا: عمَارَة والوليد فِيهَا، ليردوها، فَمنع اللَّه عز وَجل من رد النِّسَاء الْمُؤْمِنَات إِلَى الْكفَّار إِذا امتحن8 فوجدن مؤمنات. وَأخْبر أَن ذَلِك لَا يحل. وَأمر الْمُؤمنِينَ أَيْضا أَن يمسكوا بعصم الكوافر9، وَلَا ينكحوا المشركات، يَعْنِي الوثنيات، حَتَّى يُؤمن.
غزوة خيبر
غَزْوَة 1 خَيْبَر وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رُجُوعه من الْحُدَيْبِيَة ذَا الْحجَّة وَبَعض الْمحرم وَخرج فِي بَقِيَّة مِنْهُ غازيا إِلَى خَيْبَر، وَلم يبْق من السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة إِلَّا شهر وَأَيَّام، واستخلف على الْمَدِينَة نميلَة2 بْن عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيّ. وَذكر مُوسَى بْن عقبَة، قَالَ: لما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة مُنْصَرفه من الْحُدَيْبِيَة مكث عشْرين يَوْمًا أَو قَرِيبا3 مِنْهَا ثمَّ خرج غازيا إِلَى خَيْبَر، وَكَانَ اللَّه عز وَجل وعده إِيَّاهَا وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية. قَالَ أَبُو عمر: قَالَ اللَّه عز وَجل فِي أهل الْحُدَيْبِيَة: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} . فَلم يخْتَلف الْعلمَاء فِي أَنَّهَا الْبيعَة بِالْحُدَيْبِية. قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَغَيرهم: كَانَت الشَّجَرَة سَمُرَة4 كَانَت الْحُدَيْبِيَة. وَعلم مَا فِي قُلُوبهم من الرِّضَا بِأَمْر الْبيعَة على أَن لَا يَفروا واطمأنت بذلك نُفُوسهم. {وأثابهم فتحا قَرِيبا} : خَيْبَر، وَوَعدهمْ الْمَغَانِم فِيهَا {ومغانم كَثِيرَة يأخذونها} . وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد فِي قَوْله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِم كَثِيرَة} أَنَّهَا الْمَغَانِم الَّتِي تكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالُوا فِي قَوْله:
{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أحَاط الله بهَا} : فَارس وَالروم وَمَا افتتحوا إِلَى الْيَوْم، وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي ليلى. قَالَ: وَقَوله: {فَتْحًا قَرِيبا} : خَيْبَر. رَجَعَ الْخَبَر إِلَى ابْن إِسْحَاق، قَالَ: فَلَمَّا خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَر دفع رايته، وَكَانَت بَيْضَاء، إِلَى عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ، وَأخذ طَرِيق الصَّهْبَاء1 إِلَى وَادي الرجيع، فَنزل بَين خَيْبَر وغَطَفَان لِئَلَّا يمدوهم، لِأَنَّهُ بلغه أَن غطفان تُرِيدُ إمداد يهود خَيْبَر. وَلما خَرجُوا لإمدادهم اخْتلفت كلمتهم. وأسمعهم اللَّه عز وَجل حسا من ورائهم وهدا راعهم وأفزعهم فانصرفوا إِلَى دِيَارهمْ، فأقاموا بهَا. وَأَقْبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أشرف على خَيْبَر مَعَ الْفجْر، وعمالهم غادون بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ2. فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والجيش نادوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس3 مَعَه. وأدبروا هرابا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّه أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين". وتحصنت يهود فِي حصونهم وَكَانَت حصونا كَثِيرَة، فَكَانَ أول حصن افتتحوه حصنا يُسمى "نَاعِمًا" وَعِنْده قتل مَحْمُود بْن مسلمة أَخُو مُحَمَّد بْن مسلمة ألقيت عَلَيْهِ رحى فشدخته، رَحمَه اللَّه، ثمَّ حصنا يدعى "القموص" وَهُوَ حصن بني أبي الْحقيق، وَمن سَبَايَا ذَلِك الْحصن كَانَت صَفِيَّة بنت حييّ بْن أَخطب -وَكَانَت تَحت كنَانَة بْن الرّبيع بْن أبي الْحقيق- أَصَابَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبِنْتَيْ عَم لَهَا، فوهب صَفِيَّة لدحية بْن خَليفَة الْكَلْبِيّ ثمَّ ابتاعها [مِنْهُ] 4 بسبعة أرؤس، ثمَّ أردفها خَلفه، وَألقى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعلم أَصْحَابه أَنه اصطفاها لنَفسِهِ، وَجعلهَا عِنْد أم5 سليم حَتَّى اعْتدت وَأسْلمت، ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا، وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. وَهَذِه مَسْأَلَة اخْتلف الْفُقَهَاء فِيهَا فَمنهمْ من جعل ذَلِك خُصُوصا لَهُ كَمَا خص بالموهوبة، وَمِنْهُم من جعل ذَلِك سنة لمن شَاءَ من أمته. ثمَّ فتح حصن الصعب6 بْن معَاذ وَلم يكن فِي حصون خَيْبَر أَكثر طَعَاما
وودكا مِنْهُ1. ووقف إِلَى بعض حصونهم فَامْتنعَ عَلَيْهِم فَتحه ولقوا فِيهِ شدَّة، فَأعْطى رايته أَبَا بكر الصّديق فَنَهَضَ بهَا وَقَاتل واجتهد وَلم يفتح عَلَيْهِ، ثمَّ أعْطى الرَّايَة عمر فقاتل ثمَّ رَجَعَ وَلم يفتح لَهُ وَقد جهد. فَحِينَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب اللَّه وَرَسُوله وَيُحِبهُ اللَّه وَرَسُوله، لَيْسَ بفرار، يفتح اللَّه عز وَجل على يَدَيْهِ". فَلَمَّا أصبح دَعَا عليا، وَهُوَ أرمد، فتفل فِي عَيْنَيْهِ، ثمَّ قَالَ: "خُذ الرَّايَة فَامْضِ بهَا حَتَّى يفتح اللَّه بهَا عَلَيْك". ذكر هَذَا الْخَبَر ابْن إِسْحَاق2. قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ إِلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ وَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَأَلْقَى3 تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نفر معي سَيْفه وَأَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يقلب ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ وَزِيَادٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَالأُمَوِيِّ4 عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ5: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ بِخَيْبَرَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لِهَذَا؟ " يَعْنِي: مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطْلُبُ الثَّأْرَ، قَتَلَ أَخِي بِالأَمْسِ. قَالَ: "فَقُمْ إِلَيْهِ" فَنَهَضَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَتَقَاتَلا، وَكَانَا يَسْتَتِرَانِ بِشَجَرَةٍ [فَجَعَلَ6 أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كُلَّمَا لاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا] حَتَّى ذَهَبَتْ أَغْصَانُهَا [وَبَرَزَ7 كل وَاحِد مِنْهُمَا
لِصَاحِبِهِ، وَحَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ1 فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا فَعَضَّتْ بِهِ وَأَمْسَكَتْهُ] وَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَتَلَهُ. ثُمَّ انْصَرَفَ. ثُمَّ بَرَزَ أَخُو مَرْحَبٍ وَاسْمُهُ يَاسِرٌ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ. هَذَا مَا ذكره ابْن إِسْحَاق فِي قتل مرحب الْيَهُودِيّ بِخَيْبَر. وَخَالفهُ غَيره، فَقَالَ: بل قَتله عَليّ بْن أبي طَالب، وَهُوَ الصَّحِيح عندنَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، [قَالَ] : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ [أَبِي] بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ: أَنّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَ بِحِصْنِ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ اللِّوَاءَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللَّه وَرَسُوله، وَيُحِبهُ اللَّه وَرَسُوله" فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَطَاوَلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَدَعَا عليا، وَهُوَ أرمد، فتفل فِي عَيْنَيْهِ، وَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ، وَنَهَضَ مَعَهُ النَّاس، فلقا أَهْلَ خَيْبَرَ، فَإِذَا مَرْحَبٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَرْتَجِزُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السَّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ2 إِذَا السُّيُوفُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ3 فَاخْتَلَفَ هُوَ وَعَلِيٌّ ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى عَضَّ السَّيْفُ بِأَضْرَاسِهِ، وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَوْتَ ضَرْبَتِهِ، قَالَ: فَمَا تَتَامَّ النَّاسُ حَتَّى فَتَحُوا لَهُمْ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ [قَالَ] : حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدثنِي إِيَاس بن سَلمَة الأَكْوَعِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ4: لَمَّا خَرَجَ عَمِّي عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى خَيْبَرَ بَارَزَ يَوْمًا مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ مَرْحَبٌ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أضْرب
وَقَالَ عَمِّي: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَاوِرُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَرَجَعَ سيف [عَامر] على مَسَافَة فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ1 فِيهَا نَفْسُهُ، قَالَ سَلَمَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَى عَليّ بْن أبي طَالب، وَقَالَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يحب اللَّه وَرَسُوله، وَيُحِبهُ اللَّه وَرَسُولُهُ" قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطُرُ بِسَيْفِهِ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السَّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ وَقَالَ عَليّ رَضِي اللَّه عَنهُ: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ2 أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ3 فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَآخر مَا افْتتح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ حصونهم الوطيح والسلالم. وَقَالَ مُوسَى بْن عقبَة: حاصر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [حصون4 خَيْبَر بضع عشرَة لَيْلَة، وَكَانَ بَعْضهَا صلحا وأكثرها عنْوَة، ذكر ذَلِك عَن ابْن شهَاب. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قسم رَسُول اللَّه أَرض خَيْبَر كلهَا لِأَنَّهُ غلب على جَمِيعهَا عنْوَة. وحاصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أهل خَيْبَر فِي حصنهمْ الوطيح حَتَّى إِذا أيقنوا بالهلكة سَأَلُوهُ أَن يسيرهم وَأَن يحقن لَهُم دِمَاءَهُمْ، فَفعل.
[مقاسم خَيْبَر وأموالها] وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حَاز الْأَمْوَال كلهَا: الشق1 ونطاة والكتيبة وَجَمِيع حصونهم إِلَّا مَا كَانَ من ذَيْنك [الحصنين] 2 فَلَمَّا سمع بهم أهل فدك3 قد صَنَعُوا مَا صَنَعُوا بعثوا إِلَى رَسُول اللَّه يسألونه أَن يسيرهم وَأَن يحقن لَهُم دِمَاءَهُمْ ويحلوا لَهُ الْأَمْوَال فَفعل. وَكَانَ فِيمَن مَشى بَين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبينهمْ فِي ذَلِك محيصة بْن مَسْعُود أَخُو بني حَارِثَة. قَالَ: فَلَمَّا نزل أهل خَيْبَر على ذَلِك سَأَلُوا رَسُول اللَّه أَن يعاملهم فِي الْأَمْوَال على النّصْف، فعاملهم، وَقَالَ لَهُم: "على أَنَّا إِذا شِئْنَا أَن نخرجكم أخرجناكم". فَصَالحه أهل فدك على مثل ذَلِك. وَكَانَت خَيْبَر فَيْئا بَين الْمُسلمين، وَكَانَت فدك خَاصَّة لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنهم لم يوجوفوا4 عَلَيْهَا بخيل وَلَا ركاب. قَالَ أَبُو عمر5: هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي أَرض خَيْبَر أَنَّهَا كَانَت عنْوَة كلهَا مَغْلُوبًا عَلَيْهَا بِخِلَاف فدك وَأَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم جَمِيع6 أرْضهَا على الْغَانِمين لَهَا الموجفين بِالْخَيْلِ والركاب، وهم أهل الْحُدَيْبِيَة. وَلم يخْتَلف الْعلمَاء [فِي] أَن أَرض خَيْبَر مقسومة، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا هَل تقسم الأَرْض إِذا غنمت الْبِلَاد أَو توقف؟ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ7: الإِمَام مُخَيّر بَين قسمتهَا كَمَا فعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْض خَيْبَر وَبَين إيقافها كَمَا فعل عمر بسواد الْعرَاق، وَقَالَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تقسم الأَرْض كلهَا كَمَا قسم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [خَيْبَر1] لِأَن الأَرْض غنيمَة كَسَائِر أَمْوَال الْكفَّار، وَذهب مَالك إِلَى إيقافها اتبَاعا لعمر، لِأَن الأَرْض مَخْصُوصَة من سَائِر الْغَنِيمَة بِمَا فعل عمر فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة: فِي إيقافها لمن يَأْتِي بعده من الْمُسلمين. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إِلَّا قسمته سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر سُهْمَانًا2، وَهَذَا يدل على أَن أَرض خَيْبَر قسمت كلهَا سهمانا كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق. وَأما قَول من قَالَ إِن خَيْبَر كَانَ بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة، فقد وهم وَغلط، وَإِنَّمَا دخلت عَلَيْهِ الشُّبْهَة بالحصنين اللَّذين أسلمهما أهلهما لحقن دِمَائِهِمْ. فَلَمَّا لم يكن أهل ذَيْنك الحصنين من الرِّجَال وَالنِّسَاء والذرية3 لضرب من الصُّلْح، وَلَكنهُمْ لم يتْركُوا أَرضهم إِلَّا بالحصار والقتال، فَكَانَ حكم أَرض ذَيْنك الحصنين كَحكم سَائِر أَرض خَيْبَر كلهَا غنيمَة مَغْلُوبًا عَلَيْهَا عنْوَة مقسومة بَين أَهلهَا. وَرُبمَا شبه4 على من قَالَ: إِن نصف خَيْبَر صلح وَنِصْفهَا عنْوَة بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ أَنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ [نِصْفَيْنِ5: نِصْفًا لَهُ، وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ] النِّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَعَهُ، لأَنَّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، فَوَقَعَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْهَا، وَوقع سَائِر النَّاس فِي بَاقِيهَا، وَكلهمْ مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة ثمَّ شهد خَيْبَر6. وَلَيْسَت الْحُصُون الَّتِي أسلمها أَهلهَا [بعد7 الْحصار والقتال صلحا، وَلَو كَانَت صلحا لملكها أَهلهَا] كَمَا يملك أهل الصُّلْح أراضيهم وَسَائِر أَمْوَالهم. فَالْحق فِي
هَذَا وَالصَّوَاب مَا قَالَه ابْن إِسْحَاق1 دون مَا قَالَه مُوسَى وَغَيره عَن ابْن شهَاب. وَالله أعلم. قَالَ أَبُو عمر: قسم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَيْبَر، وَأخرج الْخمس2 مِمَّا قسم، وَلم يقدر أَهلهَا3 على عمارتها وعملها فَأقر الْيَهُود فِيهَا على الْعَمَل فِي النّخل وَالْأَرْض، وَقَالَ لَهُم: "أقركم مَا أقركم4 اللَّه". ثمَّ أذن اللَّه لَهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ بإخراجهم، فَقَالَ: "لَا يبْقين دينان بِأَرْض الْعَرَب". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز". وَلم يكن بَقِي يَوْمئِذٍ بهَا مُشْرك وثنى -وَلَا بِأَرْض الْيمن أَيْضا- إِلَّا أسلم فِي سنة تسع وَسنة عشر. فَلَمَّا بلغ عمرَ بْنَ الْخطاب -رَضِي اللَّه عَنهُ- فِي خِلَافَته قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْعَرَب" أجلاهم عَنْهَا، فَأخذ الْمُسلمُونَ سِهَامهمْ فِي خَيْبَر، فتصرفوا فِيهَا تصرف المالكين. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ الْمُتَوَلِي للْقِسْمَة بِخَيْبَر جَبَّار بْن صَخْر الْأنْصَارِيّ من بني سَلمَة، وَزيد بْن ثَابت من بني النجار، كَانَا حاسبين قاسمين. وَكَانَت قسْمَة خَيْبَر لأهل الْحُدَيْبِيَة: من حضر الوقيعة بِخَيْبَر وَمن لم يحضرها، لِأَن اللَّه أَعْطَاهُم ذَلِك فِي سفر الْحُدَيْبِيَة5. وَلذَلِك قَالَ مُوسَى بْن عقبَة: لم يقسم من خَيْبَر شَيْء إِلَّا لمن شهد الْحُدَيْبِيَة، وروى ذَلِك عَن جمَاعَة من السّلف.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَوَقع سهم رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعمر وَعلي وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعَاصِم بْن عدي وسهام بني سَلمَة وسهام بني حَارِثَة وَبني سَاعِدَة وَبني النجار وغفار وَأسلم وجهينة واللفيف، كلهَا وَقعت فِي الشق. وَوَقع سهم أبي بكر وَالزُّبَيْر وسهام بني بياضة وَبني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج وَمُزَيْنَة بالنطاة، وَلِذِكْرِ سِهَامهمْ وأقسامهم مَوضِع غير هَذَا. وَكَانَ عبيد بْن أَوْس من بني حَارِثَة قد اشْترى يَوْمئِذٍ من سِهَام النَّاس سهاما كَثِيرَة، فَسمى يَوْمئِذٍ عبيد السِّهَام، وَاشْترى عمر بْن الْخطاب مائَة سهم من سِهَام الْمُسلمين، فَهِيَ صدقته الْبَاقِيَة إِلَى الْيَوْم. وَأما فدك فَلم يُوجَفْ عَلَيْهَا بخيل وَلَا ركاب فَكَانَت كبني النَّضِير خَالِصَة لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمن الْعجب قَول من قَالَ إِن الكتيبة لم تفتح عنْوَة1 وَإِنَّهَا من صدقَات النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا أَن ينزل سهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِيهَا مَعَ الْمُؤمنِينَ وَإِلَّا فَلَا وَجه لقَوْله غير هَذَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَفِي غَزْوَة خَيْبَر حرم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، لم تخْتَلف الْآثَار فِي ذَلِك. وَاخْتلفت فِي حِين تَحْرِيم الْمُتْعَة2 بعد إباحتها. وَقد ذكرنَا الْآثَار بذلك فِي التَّمْهِيد. وفيهَا أَهْدَت الْيَهُودِيَّة زَيْنَب بن [الْحَارِث3 امْرَأَة] سَلام بْن مشْكم إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الشَّاة] 4 المصلية5 وسمت لَهُ مِنْهَا الذِّرَاع وَكَانَ أحبَّ اللَّحْم إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا تنَاول الذِّرَاع ولاكها لَفظهَا وَرمى بهَا، وَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الْعَظْمَ يُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ". وَدَعَا بِالْيَهُودِيَّةِ فَقَالَ: "مَا حَمَلَكِ عَلَى هَذَا؟ " فَقَالَت: أردْت أَن أعلم إِن كنت نَبيا، وَعلمت أَن اللَّه إِن أَرَادَ بَقَاءَك أعلمك. فَلم يَقْتُلهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأكل من الشَّاة مَعَه بِشْرُ بْن الْبَراء بْن معْرور، فَمَاتَ من أَكلته تِلْكَ. وَكَانَ الْمُسلمُونَ يَوْم خَيْبَر ألفا وَأَرْبَعمِائَة راجل ومائتي فَارس.
تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم خَيْبَر ربيعَة بن كثم بْن سَخْبَرَة الْأَسدي من بني غنم بْن دودان بْن أَسد بْن خُزَيْمَة، وثقف بْن عَمْرو، وَرِفَاعَة بْن مسروح. وَكلهمْ من بني أَسد، حلفاء لبني عَبْد شمس، ومسعود بْن ربيعَة الْقَارِي، من القارة، حَلِيف لني زهرَة. وَعبد اللَّه بْن الهبيب، وَيُقَال ابْن أهيب اللَّيْثِيّ حَلِيف لبني أَسد بْن عبد الْعُزَّى بْن قصي وَابْن أختهم. وَبشر بْن الْبَراء بْن معْرور من بني سَلمَة مَاتَ من أكله مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّاة المسمومة، وفضيل بْن النُّعْمَان من بني سَلمَة أَيْضا ومسعود بْن سعد بْن قيس الْأنْصَارِيّ الزرقي. ومحمود بْن مسلمة بْن خَالِد أَخُو مُحَمَّد بْن مسلمة من الْأَوْس حَلِيف لبني عَبْد الْأَشْهَل. وَأَبُو ضياح ثَابت بْن ثَابت بْن النُّعْمَان من بني عَمْرو بْن عَوْف من أهل قبَاء، ومبشر بْن عَبْد الْمُنْذر بْن دِينَار من بني مَالك بْن عَمْرو بْن عَوْف، والْحَارث بْن حَاطِب، وَأَوْس بْن قَتَادَة، وَعُرْوَة بْن مرّة1 بْن سراقَة، وَأَوْس بْن الْفَاكِه2. وأنيف بْن حبيب، وثابت بْن وَاثِلَة3 بْن طَلْحَة، وَالْأسود الرَّاعِي واسْمه أسلم وكل هَؤُلَاءِ من بني عَمْرو بني عَوْف. وَمن بني غفار: عمَارَة بْن عقبَة بْن حَارِثَة أَصَابَهُ سهم فَقتله. وَمِنْ أَسْلَمَ: عَامِرُ بن الْأَكْوَع4.
قدوم بقية المهاجرين إلى الحبشة
[قدوم 1 بَقِيَّة الْمُهَاجِرين إِلَى الْحَبَشَة] وَقدم جَعْفَر بْن أبي طَالب فِي جمَاعَة من أَرض الْحَبَشَة بإثر فتح خَيْبَر، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالله مَا أَدْرِي أبقدوم جَعْفَر أَنا أُسَرُّ وأفرح أم بِفَتْح خَيْبَر؟ " وَقدم [مَعَ] جَعْفَر امْرَأَته أَسمَاء بنت عُمَيْس، وَابْنهَا عَبْد2 اللَّهِ بْن جَعْفَر، وخَالِد بْن سعيد بْن العَاصِي بْن أُميَّة، مَعَه امْرَأَته أمينة3 بنت خلف، وابناهما: سعيد وَأمة، وَعَمْرو بْن سعيد بْن العَاصِي بْن أُميَّة وَكَانَت امْرَأَته فَاطِمَة بنت صَفْوَان الكنانية قد مَاتَت بِأَرْض الْحَبَشَة، ومعيقيب4 بْن أبي فَاطِمَة حَلِيف آل سعيد بْن العَاصِي، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قيل إِنَّه حَلِيف عتبَة بْن ربيعَة، وَالْأسود بْن نَوْفَل بْن خويلد بْن أَسد، وجهم بْن قيس [بْن] 5 عَبْد شُرَحْبِيل الْعَبدَرِي، وابناه: عَمْرو بْن جهم، وَخُزَيْمَة بْن جهم، وَكَانَت امْرَأَة جهم بْن قيس: أم حَرْمَلَة بنت عَبْد الْأسود قد هَلَكت بِأَرْض الْحَبَشَة، والْحَارث بْن خَالِد بْن صَخْر التَّيْمِيّ وَكَانَت امْرَأَته ريطة بنت الْحَارِث بْن جبيلة قد هَلَكت بِأَرْض الْحَبَشَة، وَعُثْمَان بْن ربيعَة بْن أهبان الجُمَحِي، ومحمية بْن جُزْء الزبيدِيّ حَلِيف لبني سهم بْن هصيص ولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخمس، وَمعمر بْن عَبْد اللَّهِ بْن نَضْلَة العذري، وَأَبُو حَاطِب بْن عَمْرو بْن عَبْد شمس العامري، وَمَالك بْن رمعة6 بْن قيس العامري، وَمَعَهُ امْرَأَته عمْرَة بنت السَّعْدِيّ بْن وقدان، وَطَائِفَة7 مَعَهم. وَقد أَتَى من مهاجرة الْحَبَشَة قبل ذَلِك بِسنتَيْنِ سَائِرهمْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ آخر من بَقِي بهَا مِنْهُم.
فتح 1 فدك وَلما اتَّصل بِأَهْل فدك مَا فعل رَسُول اللَّه بِأَهْل خَيْبَر بعثوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأمنهم، فأجابهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِك. وَكَانَت فدك مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب مِمَّا أَفَاء2 اللَّه عَلَيْهِ بِمَا نَصره بِهِ عَن الرعب، فَلم يقسمها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووضعها حَيْثُ أمره اللَّه عز وَجل. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عمر بْن الْخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَايَا3 بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكٍ. فتح 4 وَادي الْقرى وَانْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خَيْبَر إِلَى وَادي الْقرى، فافتتحها عنْوَة، وَقسمهَا، وَأُصِيب بهَا غُلَام لَهُ أسود يُسمى مدعما أَصَابَهُ سهم غُرْبٌ5 فَقتله، فَقَالَ النَّاس: هَنِيئًا لَهُ الْجنَّة، فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الشَّمْلَةَ 6 الَّتِي أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر من الْمَغَانِم لم تصبها المقاسم وَإِنَّهَا لتشتعل عَلَيْهِ الْآن نَارا".
عمْرَة 1 الْقَضَاء فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة من خَيْبَر أَقَامَ [بهَا] شَهْري ربيع وشهري جُمَادَى ورجبا وَشَعْبَان ورمضان وشوالا، وَبعث فِي خلال ذَلِك السَّرَايَا. ثمَّ خرج عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذِي الْقعدَة من السّنة السَّابِعَة من الْهِجْرَة قَاصِدا إِلَى مَكَّة للْعُمْرَة على مَا عَاقد عَلَيْهِ قُريْشًا فِي الْحُدَيْبِيَة. فَلَمَّا اتَّصل بِقُرَيْش خرج أكابرهم عَن مَكَّة عَدَاوَة لله وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلم يقدروا على الصَّبْر فِي رُؤْيَته يطوف بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابه. فَدخل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة، وَأتم اللَّه عمرته، وَقعد بعض الْمُشْركين بِقُعَيْقِعَانَ2 ينظرُونَ إِلَى الْمُسلمين وهم يطوفون بِالْبَيْتِ، فَأَمرهمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّمَلِ3، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ أَن بهم قُوَّة، وَكَانَ الْمُشْركُونَ قَالُوا فِي الْمُهَاجِرين قد وهنتهم حمى يثرب. وَتزَوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فِي غزوته مَيْمُونَة بنت الْحَارِث بْن حزن الخلالية، قيل تزَوجهَا قبل أَن يحرم بِعُمْرَة الْقَضَاء وَقيل: بل تزَوجهَا وَهُوَ محرم. وَقد أوضحنا ذَلِك فِي كتاب التَّمْهِيد وَفِي كتاب الصَّحَابَة أَيْضا عِنْد ذكرهَا4، رَضِي اللَّه عَنْهَا. فَلَمَّا تمت الثَّلَاثَة أَيَّام أوجبت عَلَيْهِ قُرَيْش أَن يخرج عَن مَكَّة، وَلم يمهلوه أَن يَبْنِي بهَا، وَبنى بهَا بسرف. [إِسْلَام عَمْرو بْن الْعَاصِ وخَالِد بْن الْوَلِيد وَعُثْمَان بْن طَلْحَة] وَقيل: أسلم قبل عمْرَة الْقَضَاء -وَقيل بعْدهَا- عَمْرو بْن الْعَاصِ وخَالِد بْن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة.
غَزْوَة 1 مُؤْتَة فَلَمَّا انْصَرف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمْرَة الْقَضَاء أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وصفرا وشهري ربيع، ثمَّ بعث عَلَيْهِ السَّلَام فِي جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة بَعْثَ الْأُمَرَاء2 إِلَى الشَّام. وَأَمَّرَ على الْجَيْش زيد بْن حَارِثَة مَوْلَاهُ، وَقَالَ: "إِن قتل أَو أُصِيب فعلى النَّاس جَعْفَر بْن أبي طَالب، فَإِن قتل فعبد اللَّه بْن رَوَاحَة" وشيعهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وودعهم ثمَّ انْصَرف، ونهضوا. فَلَمَّا بلغُوا معَان3 من أَرض الشَّام أَتَاهُم الْخَبَر بِأَن هِرقل ملك الرّوم فِي نَاحيَة البلقاء وَهُوَ فِي مائَة ألف من الرّوم وَمِائَة ألف أُخْرَى من نَصَارَى الْعَرَب أهل البلقاء من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بهراء وبلي وبلقين4 وَعَلَيْهِم رجل من بني إراشة من بلي يُقَال لَهُ مَالك بْن رافلة5 فَأَقَامَ الْمُسلمُونَ فِي معَان [لَيْلَتَيْنِ] 6 وَقَالُوا: نكتب إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونخبره بِعَدَد عدونا7 فيأمرنا بأَمْره أَو يمدنا. فَقَالَ لَهُم8 عَبْد اللَّهِ بْن رَوَاحَة: يَا قوم إِن الَّتِي تطلبون قد أدركتموها -يَعْنِي الشَّهَادَة- وَمَا نُقَاتِل النَّاس بِعَدَد وَلَا قُوَّة، وَمَا نقاتلهم إِلَّا بِهَذَا الدَّين الَّذِي أكرمنا اللَّه بِهِ، فانْطَلِقُوا، فَهِيَ إِحْدَى الحسنيين،: إِمَّا ظُهُور9، وَإِمَّا شَهَادَة. فوافقه الْجَيْش كُله على هَذَا الرَّأْي. ونهضوا حَتَّى إِذا كَانُوا بتخوم10 البلقاء لقوا الجموع الَّتِي ذَكرنَاهَا كلهَا مَعَ هِرقل إِلَى
جنب قَرْيَة يُقَال لَهَا: مشارف. وَصَارَ الْمُسلمُونَ فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا مُؤْتَة. فَجعل الْمُسلمُونَ على ميمنتهم قُطْبَة بْن قَتَادَة العذري، وعَلى الميسرة عَبَايَة بْن مَالك الْأنْصَارِيّ، وَقيل عبَادَة بْن مَالك، واقتتلوا فَقتل الْأَمِير الأول: زيد بْن حَارِثَة ملاقيا بصدره الرماح مُقبلا غير مُدبر والراية فِي يَده. فَأَخذهَا جَعْفَر بْن أبي طَالب، وَنزل عَن فرس لَهُ يُقَال لَهَا شقراء، وَقيل: إِنَّه عرقبها وعقرها1 وَقَاتل حَتَّى قطعت يَمِينه، فَأخذ الرَّايَة بيساره فَقطعت، فاحتضن الرَّايَة، فَقتل كَذَلِك، رَضِي اللَّه عَنهُ، وَسِنُّهُ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ أَو أَربع وَثَلَاثُونَ سنة. فَأخذ الرايةَ عَبْدُ اللَّهِ بْن رَوَاحَة، وَتردد عَن النُّزُول بعض التَّرَدُّد، ثمَّ صمم، فقاتل، حَتَّى قتل. فَأخذ الرَّايَة ثَابت بْن أقرم أَخُو بني العجلان، وَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين اصْطَلحُوا على رجل مِنْكُم، قَالُوا: أَنْت، قَالَ: لَا، فَدفع الرَّايَة إِلَى خَالِد بْن الْوَلِيد فَقَالَ: أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ مني. فَأَخذهَا خَالِد بْن الْوَلِيد، وانحاز بِالْمُسْلِمين. وأنذر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَصْحَابه] 2 بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرهُمْ [بقتل3 الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين] فِي يَوْم قَتلهمْ قبل وُرُود الْخَبَر بأيام. تَسْمِيَة من 4 اسْتشْهد بمؤتة زيد بْن حَارِثَة، وجعفر بْن أبي طَالب، وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة، ومسعود بْن الْأسود بْن حَارِثَة من بني عدي بْن كَعْب5 من الْأَنْصَار، ووهب بْن سعد بْن أبي سرح العامري، وَعباد بْن قيس من بني الْحَارِث بْن الْخَزْرَج بْن النُّعْمَان من بني مَالك بْن النجار، وسراقة بْن عَمْرو بْن عَطِيَّة من بني مَازِن بْن النجار، وَأَبُو كُلَيْب وَقيل أَبُو كلاب، وَأَخُوهُ جَابر ابْنا عَمْرو بْن زيد من بني مَازِن بْن النجار، وَعَمْرو، وعامر ابْنا سعد بْن الْحَارِث من بني النجار. هَؤُلَاءِ6 من ذكر مِنْهُم. وَكَانَ عدَّة الْمُسلمين يَوْم مُؤْتَة ثَلَاثَة آلَاف.
غزوة فتح مكة
غَزْوَة 1 فتح مَكَّة فَأَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد بعث مُؤْتَة جُمَادَى ورجبا، ثمَّ حدث الْأَمر الَّذِي أوجب نقض عقد قُرَيْش الْمَعْقُود يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَذَلِكَ أَن خُزَاعَة كَانَت فِي عقد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنها وكافرها، وَكَانَت بَنو بكر بْن عَبْد مَنَاة بْن كنَانَة فِي عقد قُرَيْش، فعدت بَنو بكر بْن عَبْد مَنَاة على قوم من خُزَاعَة على مَاء لَهُم بِأَسْفَل مَكَّة، وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن رجلا يُقَال لَهُ مَالك بْن عباد الْحَضْرَمِيّ حليفا لآل الْأسود بْن رزن خرج تَاجِرًا، فَلَمَّا توَسط أَرض خُزَاعَة عدوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأخذُوا مَاله، وَذَلِكَ قبل الْإِسْلَام بِمدَّة. فعدت بَنو بكر بْن عَبْد مَنَاة رَهْط الْأسود بْن رزن على رجل من خُزَاعَة فَقَتَلُوهُ بِمَالك بْن عباد. فعدت خُزَاعَة على سلمى وكلثوم وذؤيب بني الْأسود بْن رزن فَقَتَلُوهُمْ2. وَهَؤُلَاء الْإِخْوَة أَشْرَاف بني كنَانَة كَانُوا يودون فِي الْجَاهِلِيَّة ديتين ديتين، ويودى فِي سَائِرهمْ3 دِيَة دِيَة، وَذَلِكَ كُله قبل الْإِسْلَام فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام حجز مَا بَيْنَ مَنْ ذكرنَا لشغل النَّاس بِهِ4. فَلَمَّا كَانَت الْهُدْنَة المنعقدة يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَمن النَّاس بَعضهم بَعْضًا، فاغتنم بَنو الديل من بني بكر بْن عَبْد مَنَاة تِلْكَ الفرصة وغفلة خُزَاعَة وَأَرَادُوا إِدْرَاك ثأر بني الْأسود بْن رزن، فَخرج نَوْفَل بْن مُعَاوِيَة الديلِي بِمن أطاعه من بني بكر بْن عَبْد مَنَاة حَتَّى بَيت خُزَاعَة، ونال مِنْهُم5 فَاقْتَتلُوا. وأعانت قُرَيْش بني بكر بِالسِّلَاحِ، وَقوم من قُرَيْش أَعَانُوهُم بِأَنْفسِهِم
مستخفين1. فانهزمت خُزَاعَة إِلَى الْحرم. فَقَالَ قوم نَوْفَل بْن مُعَاوِيَة لنوفل: يَا نَوْفَل اتَّقِ إلهك وَلَا تستحل الْحرم ودع خُزَاعَة، فَقَالَ: لَا إِلَه لي الْيَوْم، وَالله يَا بني كنَانَة إِنَّكُم لتسرقون فِي الْحرم، أَفلا تدركون فِيهِ ثأركم، فَقتلُوا رجلا من خُزَاعَة يُقَال لَهُ مُنَبّه2 وَدخلت خُزَاعَة دور مَكَّة فِي دَار بديل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ وَدَار مولى لَهُم يُسمى رَافعا. وَكَانَ ذَلِك نقضا للصلح الْوَاقِع يَوْم الْحُدَيْبِيَة. فَخرج عَمْرو بْن سَالم الْخُزَاعِيّ وَبُدَيْل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ وَقوم من خُزَاعَة، فقدموا على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستغيثين بِهِ مِمَّا أَصَابَهُم بِهِ بَنو بكر بْن عَبْد مَنَاة وقريش وأنشده عَمْرو بْن سَالم الشّعْر الَّذِي ذكرته فِي بَابه من كتاب3 الصَّحَابَة، فأجابهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَصرهم، وَقَالَ: "لَا ينصرني اللَّه إِن لم أنْصر بني كَعْب" ثمَّ نظر إِلَى سَحَابَة، فَقَالَ: "إِنَّهَا لتستهل بنصرتي كَعْبًا" يَعْنِي خُزَاعَة. وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبديل بْن وَرْقَاء وَمن مَعَه: "إِن أَبَا سُفْيَان سَيَأْتِي ليَشُد العقد وَيزِيد فِي مُدَّة الصُّلْح، وسينصرف بِغَيْر حَاجَة". وندمت قُرَيْش على مَا فعلت، فَخرج أَبُو سُفْيَان إِلَى الْمَدِينَة ليَشُد4 العقد وَيزِيد فِي الْمدَّة، فلقي بديل بْن وَرْقَاء بعسفان5 فكتمه بديل مَسِيرَهُ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأخْبرهُ أَنه إِنَّمَا سَار بخزاعة على السَّاحِل. فَنَهَضَ أَبُو سُفْيَان حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة، فَدخل على ابْنَته: أم حَبِيبَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي اللَّه عَنْهَا، فَذهب ليقعد على فرَاش رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فطوته6 عَنهُ فَقَالَ: يَا بنية مَا أَدْرِي أرغبت بِي عَن هَذَا الْفراش أم رغبت بِهِ عني؟] قَالَت: بل هُوَ
فرَاش رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنت رجل مُشْرك [نجس1 فَلم أحب أَن] تجْلِس عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا بنية لقد أَصَابَك بعدِي شَرّ. ثمَّ أَتَى النبيَّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَسْجِد، فَكَلمهُ، فَلم يجبهُ بِكَلِمَة. ثمَّ ذهب أَبُو سُفْيَان إِلَى أبي بكر، فَكَلمهُ فِي أَن يكلم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَتَى لَهُ فَأبى عَلَيْهِ أَبُو بكر من ذَلِك فلقي عمر فَكَلمهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ لَهُ عمر: أَنا أفعل هَذَا؟!! وَالله لَو لم أجد إِلَّا الذَّر لجاهدتكم بِهِ. فَدخل على عَليّ بْن أبي طَالب، رَضِي اللَّه عَنهُ، فَوَجَدَهُ وفاطمةَ بنتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحسن وَهُوَ صبي فَكَلمهُ فِيمَا أَتَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ عَليّ: وَالله مَا أَسْتَطِيع أَن أكلم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمر قد عزم عَلَيْهِ. فَالْتَفت أَبُو سُفْيَان إِلَى فَاطِمَة فَقَالَ: يَا بنت مُحَمَّد هَل لَك أَن تأمري بُنَيَّكِ هَذَا فيجير على النَّاس، فَقَالَ لَهُ: مَا بلغ بنيي ذَلِك، وَمَا يجير أحد على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عَليّ: يَا أَبَا سُفْيَان أَنْت سيد بني كنَانَة، فَقُمْ، فأجر على النَّاس وَالْحق بأرضك، وهزيء بِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحسن أَتَرَى ذَلِك نافعي ومغنيا عني [شَيْئا] ؟ قَالَ: مَا أَظن ذَلِك، وَلَكِن لَا أجد لَك سواهُ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَان فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت على النَّاس. ثمَّ ركب وَانْطَلق رَاجعا إِلَى مَكَّة. فَلَمَّا قدمهَا أخبر قُريْشًا بِمَا لَقِي وَبِمَا فعل، فَقَالُوا لَهُ: مَا جِئْت بِشَيْء، وَمَا زَاد عَليّ بْن أبي طَالب على أَن لعب بك. ثمَّ أعلن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمسير إِلَى مَكَّة، وَأمر النَّاس بالجهاز لذَلِك، ودعا اللَّه تَعَالَى فِي أَن يَأْخُذ عَن قُرَيْش الْأَخْبَار2 وَيسْتر عَنْهُم خُرُوجه، فَكتب حَاطِب بْن أبي بلتعة إِلَى قُرَيْش كتابا يُخْبِرهُمْ بِقصد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِم. فَنزل جِبْرِيل من عِنْد اللَّه تَعَالَى على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا صنع حَاطِب بْن أبي بلتعة. فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بْن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام والمقداد بْن عَمْرو، فَقَالَ لَهُم: $"انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ، فَإِن بهَا ظَعِينَة3 مَعهَا كتاب إِلَى قُرَيْش". فَانْطَلقُوا فَلَمَّا أَتَوا رَوْضَة خَاخ وجدوا الْمَرْأَة، فأناخوا بهَا وفتشوا رَحلهَا كُله، فَلم يَجدوا شَيْئا، فَقَالُوا: وَالله مَا كذب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا عَليّ: وَالله لَتُخْرِجِنَّ الْكتاب أَو لنلقين4 الثِّيَاب،
فَحلت قُرُون رَأسهَا، فأخرجت الْكتاب مِنْهَا. فَأتوا بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا هُوَ كتاب من حَاطِب بْن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا يَا حَاطِب؟ " فَقَالَ حَاطِب: وَالله يَا رَسُول اللَّه مَا شَككت فِي الْإِسْلَام وَلَا رجعت عَن ديني، وَلَكِنِّي كنت مُلْصقًا فِي قُرَيْش فَأَرَدْت أَن أَتَّخِذ عِنْدهم بذلك يدا يحفظونني بهَا فِي شأفتي1 بِمَكَّة لِأَن أَهلِي وَوَلَدي بهَا. فَقَالَ عمر بْن الْخطاب: يَا رَسُول اللَّه دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يدْريك يَا عمر لَعَلَّ اللَّه قد اطلع على أهل بدر، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم" 2. وَخرج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرَة آلَاف واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا رهم كُلْثُوم3 بْن حُصَيْن الْغِفَارِيّ، وَكَانَ خُرُوجه لعشر خلت من رَمَضَان، فصَام عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بلغ الكديد4 بَين عسفان وأمج، ثمَّ أفطر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صَلَاة الْعَصْر، وَشرب على رَاحِلَته عَلَانيَة ليراه النَّاس، وَقَالَ: "تَقَوَّوْا لعدوكم" وَأمر النَّاس بِالْفطرِ، فَأفْطر بَعضهم وَصَامَ بَعضهم، فَلم يعب على الصَّائِم5 وَلَا على الْمُفطر. فَلَمَّا نزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر6 الظهْرَان وَمَعَهُ من بني سليم ألف رجل وَمن بني مزينة ألف رجل وَثَلَاثَة رجال، وَقيل من بني سليم سَبْعمِائة، وَمن بني غفار أَرْبَعمِائَة، وَمن أسلم أَرْبَعمِائَة، وَطَوَائِف من قيس وَأسد وَتَمِيم وَغَيرهم من سَائِر الْعَرَب، وَقد أخْفى اللَّه عز وَجل خَبره عَن قُرَيْش إِلَّا أَنهم عَلَى وَجَلٍ وارتقاب. خرج7 أَبُو سُفْيَان وَبُدَيْل بن
وَرْقَاء وَحَكِيم بْن حزَام يتجسسون الْأَخْبَار. وَقد كَانَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب هَاجر مُسلما [فِي] تِلْكَ الْأَيَّام، فلقي رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الحليفة1، فَبعث ثقله2 إِلَى الْمَدِينَة، وَانْصَرف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غازيا، فالعباس من الْمُهَاجِرين قبل الْفَتْح وَقيل: بل لقِيه بِالْجُحْفَةِ3 مُهَاجرا. وَذكر أَيْضا أَن أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب وَعبد الله بن أبي أُميَّة بني الْمُغيرَة أَخا أم سَلمَة خرجا أَيْضا مُهَاجِرين، ولقيا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض الطَّرِيق قرب مَكَّة، فَأَعْرض عَنْهُمَا. فَلَمَّا نزل استأذنا عَلَيْهِ، فَلم يَأْذَن لَهما، فكلمته أم سَلمَة فيهمَا وَقَالَت: لَا يكون ابْن عمك وَأخي4 أَشْقَى النَّاس بك، فقد جَاءَا مُسلمين، فَأذن لَهما رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلما وَحسن إسلامهما. فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجيوش مر الظهْرَان رَقَتْ نفس الْعَبَّاس لقريش وَأَسِفَ على ذهابها5 وَخَافَ أَن تغشاهم الجيوش قبل أَن يستأمنوا. فَركب بغلة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونهض، فَلَمَّا أَتَى الْأَرَاك6 وَهُوَ يطْمع أَن يلقى حطابا أَو صَاحب [لبن] 7 يَأْتِي مَكَّة فينذرهم. فَبَيْنَمَا هُوَ يمشي إِذْ سمع صَوت أبي سُفْيَان صَخْر بْن حَرْب وَبُدَيْل بْن وَرْقَاء وهما يتساءلان وَقد رَأيا نيران عَسْكَر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. وَبُدَيْل يُرِيد أَن يستر ذَلِك فَيَقُول: إِنَّمَا هِيَ نيران خُزَاعَة، وَيَقُول لَهُ أَبُو سُفْيَان: خُزَاعَة أقل وأذل [من] 8 أَن تكون لَهَا هَذِه النيرَان. فَلَمَّا سمع الْعَبَّاس كَلَامه ناداه9: يَا [أَبَا] 10 حَنْظَلَة فميز أَبَا سُفْيَان كَلَامه11، فناداه: يَا أَبَا الْفضل، فَقَالَ: نعم، فَقَالَ لَهُ: فدَاك أبي وَأمي، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس:
وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس، وأصباح قُرَيْش، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: فَمَا الْحِيلَة؟ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: هَذَا وَالله لَئِن ظفر بك ليقتلنك، فَارْتَدِفْ خَلْفي وانهض معي إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأردفه الْعَبَّاس وَلَقي بِهِ الْعَسْكَر، فَلَمَّا رأى النَّاس [الْعَبَّاس] 1 على بغلة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسكُوا. وَمر على نَار عمر [وَنظر2 عمر إِلَى أبي سُفْيَان] فميزه، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَان عَدو اللَّه، الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك بِغَيْر عقد وَلَا عهد. ثمَّ خرج يشْتَد3 إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسابقه [الْعَبَّاس] 4 فسبقه الْعَبَّاس على البغلة وَكَانَ عمر بطيئا فِي الجري. فَدخل الْعَبَّاس وَدخل عمر على أَثَره. فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه هَذَا عَدو اللَّه أَبُو سُفْيَان قد أمكن اللَّه مِنْهُ بِلَا عقد وَلَا عهد، فَأذن لي أضْرب عُنُقه. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: مهلا يَا عمر، فوَاللَّه لَو كَانَ من بني عدي5 بْن كَعْب مَا قلت هَذَا وَلكنه من بني عَبْد منَاف. فَقَالَ عمر: مهلا، فوَاللَّه لإسلامك يَوْم أسلمت كَانَ أحب إِلَيّ من إِسْلَام الْخطاب لَو أسلم، وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قد عرفت أَن إسلامك كَانَ أحب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [من6 إِسْلَام الْخطاب لَو أسلم] . فَأمر [رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] الْعَبَّاس أَن يحملهُ إِلَى رَحْله ويأتيه بِهِ صباحا. فَفعل الْعَبَّاس ذَلِك، فَلَمَّا أصبح أَتَى بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألم يَأن 7 لَك بِأَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّه؟ " فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وَمَا أكرمك وأوصلك، وَالله لقد ظَنَنْت أَنه لَو كَانَ مَعَ اللَّه إِلَه غَيره لقد أغناني8، قَالَ: "وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَنِّي رَسُول اللَّه؟ " قَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هَذِه فَإِن فِي النَّفس مِنْهَا شَيْئا9 حَتَّى الْآن. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: أسلم قبل أَن تضرب عُنُقك، فَأسلم، فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول اللَّه إِن أَبَا سُفْيَان يحب الْفَخر، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا، فَقَالَ رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: "من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن [وَمن 1 أغلق بَابه فَهُوَ آمن، وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن". فَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَمَانًا لكل من لم يُقَاتل من أهل مَكَّة، وَلِهَذَا قَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه إِن مَكَّة مُؤَمَّنَةٌ وَلَيْسَت عنْوَة2، والأمان كالصلح، وروى أَن أَهلهَا مالكون رباعهم، وَلذَلِك كَانَ يُجِيز كراها لأربابها وَبَيْعهَا وشراءها لِأَن من أَمن فقد حرم مَاله وَدَمه وَذريته وَعِيَاله. فمكة مُؤمنَة عِنْد من قَالَ بِهَذَا القَوْل إِلَّا الَّذين استثناهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأمر بِقَتْلِهِم وَإِن وجدوا مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة. وَأكْثر أهل الْعلم يرَوْنَ فتح مَكَّة عنْوَة لِأَنَّهَا أخذت غَلَبَة بِالْخَيْلِ والركاب إِلَّا أَنَّهَا مَخْصُوصَة بِأَن لم يجر فِيهَا قسم غنيمَة وَلَا سُبِيَ من أَهلهَا أحد. وخصت بذلك لما عظم اللَّه من حرمتهَا، أَلا ترى إِلَى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَكَّة حرَام مُحرمَة لم تحل لأحد قبلي وَلَا تحل لأحد بعدِي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار، ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة". وَالأَصَح وَالله أعلم أَنَّهَا بَلْدَة مُؤمنَة، أَمن أَهلهَا على أنفسهم وَأمنت3 أَمْوَالهم تبعا لَهُم. وَلَا خلاف [فِي] أَنه لم يكن فِيهَا غنيمَة. ثمَّ أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاس أَن يُوقف أَبَا سُفْيَان بخطم4 الْوَادي ليرى جيوش اللَّه تَعَالَى، فَفعل ذَلِك الْعَبَّاس، وَعرض عَلَيْهِ قَبيلَة قَبيلَة، يَقُول: هَؤُلَاءِ سليم، هَؤُلَاءِ غفار، هَؤُلَاءِ تَمِيم، هَؤُلَاءِ مزينة، إِلَى أَن جَاءَ موكب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار خَاصَّة، كلهم فِي الدروع وَالْبيض، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: من هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: وَالله مَا لأحد بهؤلاء قبل، وَالله يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح ملك ابْن أَخِيك عَظِيما، فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا أَبَا سُفْيَان إِنَّهَا النُّبُوَّة، قَالَ: فَنعم إِذن. ثمَّ قَالَ لَهُ الْعَبَّاس: يَا أَبَا سُفْيَان النَّجَاء5 إِلَى قَوْمك. فأسرع أَبُو سُفْيَان، فَلَمَّا أَتَى مَكَّة عرفهم بِمَا أحَاط بهم، وَأخْبرهمْ بتأمين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل من دخل دَاره أَو الْمَسْجِد أَو دَار أبي سُفْيَان.
وَتَأَبَّشَ1 قوم لِيُقَاتِلُوا، فَبلغ ذَلِك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرتب الجيوش، وَجعل الرَّايَة بيد سعد بْن عبَادَة، وَكَانَ من قَول سعد بْن عبَادَة: الْيَوْم يَوْم الملحمة2، الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة. فَقَالَ الْعَبَّاس3: يَا رَسُول اللَّه هَلَكت قُرَيْش، لَا قُرَيْش بعد الْيَوْم، إِن سعد بْن عبَادَة قَالَ كَذَا وَكَذَا وَإنَّهُ حنق على قُرَيْش، وَلَا بُد أَن يَسْتَأْصِلهُمْ. فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تنْزع الرَّايَة من سعد بْن عبَادَة وتدفع إِلَى عَليّ، وَقيل: بل إِلَى الزبير، وَقيل: بل دفها إِلَى ابْنه قيس بْن سعد لِئَلَّا يجد سعد فِي نَفسه شَيْئا. وَكَانَ الزبير على الميمنة وخَالِد بْن الْوَلِيد على الميسرة، وَقد قيل إِن الزبير كَانَ على الميسرة وخَالِد بْن الْوَلِيد على الميمنة وفيهَا أَسْلَمُ وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجراح على مُقَدّمَة4 موكب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسرب5 رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجيوش من ذِي طوى6، وَأمر الزبير بِالدُّخُولِ من كداء7 فِي أَعلَى مَكَّة، وَأمر خَالِد بْن الْوَلِيد ليدْخل من الليط أَسْفَل مَكَّة. وَأمرهمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَال من قَاتلهم. وَلِهَذَا كُله يَقُول أَكثر الْعلمَاء: إِنَّهَا افتتحت عنْوَة وَإِنَّهَا مَخْصُوصَة دون سَائِر الْبلدَانِ لما خصت بِهِ دون8 غَيرهَا. وَكَانَ عِكْرِمَة بن أبي جهل بْن أُميَّة وَسُهيْل بْن عمر قد جمعا جمعا بالخندمة9 لِيُقَاتِلُوا، فناوشهم أَصْحَاب خَالِد الْقِتَال، فأصيب من الْمُسلمين رجلَانِ وهما: كرز بْن جَابر من بني محَارب بْن فهر بْن مَالك، وخنيس10 بْن خَالِد بْن ربيعَة بْن أَصْرَم الْخُزَاعِيّ حَلِيف بني منقذ خرجا عَن جَيش خَالِد فقتلا، رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمَا، وَقتل
أَيْضا من الْمُسلمين سَلمَة بْن الميلاء الْجُهَنِيّ. وَقتل من الْمُشْركين ثَلَاثَة عشر رجلا، ثمَّ انْهَزمُوا. وَهَذِه سَبِيل العنوة فِي غير مَكَّة. وَكَانَ شعار الْمُهَاجِرين يَوْم الْفَتْح وحنين والطائف: يَا بني عَبْد الرَّحْمَن، وشعار الْخَزْرَج: يَا بني عَبْد اللَّهِ، وشعار الْأَوْس يَا بني عبيد اللَّه. وَكَانَ الَّذين استثناهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَمن النَّاس عبد الْعُزَّى بْن خطل وَهُوَ من بني الأدرم بْن غَالب، وَعبد اللَّه بْن سعد بْن أبي سرح، وَعِكْرِمَة بْن أبي جهل، وَالْحُوَيْرِث بْن نقيذ بْن وهب بْن عَبْد بْن قصي، وَمقيس بْن صبَابَة، وَقَيْنَتَيِ بن خطل: فرتنى وصاحبتها1 كَانَتَا تُغنيَانِ ابْن خطل بهجو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَارة مولاة لبَعض بني عَبْد الْمطلب. أما ابْن خطل فَإِنَّهُ كَانَ أسلم وَبَعثه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصدقا2، وَبعث مَعَه رجلا من الْمُسلمين فَعدا عَلَيْهِ، فَقتله وارتد وَلحق بالمشركين بِمَكَّة، فَوجدَ يَوْم الْفَتْح مُتَعَلقا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة، فَقتله سعيد ين حُرَيْث المَخْزُومِي وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ. وَأما عَبْد اللَّهِ بْن سعد بْن أبي سرح فَكَانَ يكْتب لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ لحق بِمَكَّة مُرْتَدا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح اختفى. ثمَّ أَتَى بِهِ عُثْمَان بْن عَفَّان النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة، فاستأمن لَهُ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسكت عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [سَاعَة] 3 ثمَّ أَمنه وَبَايَعَهُ. فَلَمَّا خرج قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابه: "هلا قَامَ بَعْضكُم فَضرب عُنُقه؟ " فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: هلا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين". ثمَّ عَاشَ عَبْد اللَّهِ بْن سعد حَتَّى اسْتَعْملهُ عمر، ثمَّ ولاه عُثْمَان مصر. وَهُوَ الَّذِي غزا إفريقية وافتتحها أول مرّة. وَحسن إِسْلَامه، وَلم يظْهر مِنْهُ بعد فِي دينه شَيْء يكره. وَأما عِكْرِمَة بْن أبي جهل ففر إِلَى الْيمن، فاتبعته امْرَأَته أم حَكِيم بنت الْحَارِث بْن هِشَام فَردته4، فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة
وَأما الْحُوَيْرِث بْن نقيذ فَكَانَ يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة، فَقتله عَليّ بْن أبي طَالب يَوْم الْفَتْح. وَأما قيس بْن صبَابَة فَكَانَ قد أَتَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قبل ذَلِك مُسلما ثمَّ عدا على رجل من الْأَنْصَار فَقتله بعد أَن أَخذ الدِّيَة مِنْهُ فِي قَتِيل لَهُ، ثمَّ لحق بِمَكَّة مُرْتَدا1. فَقتله يَوْم الْفَتْح نميلَة بْن عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيّ وَهُوَ ابْن عَمه. وَفِي سنَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: "لَا أعفى أحدا قَتَلَ بعد أَخذ الدِّيَة". هَذَا من الْمُسلمين، وَأما مقيس بْن صبَابَة فَارْتَد وَقتل بعد أَخذ الدِّيَة. وَأما قَيْنَتَا ابْن خطل فقتلت إِحْدَاهمَا وَاسْتُؤْمِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأُخْرَى، فَأَمَّنَهَا، فَعَاشَتْ مُدَّة ثمَّ مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. وَأما سارة فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا أَيْضا، وأمنها عَلَيْهِ السَّلَام، وَعَاشَتْ إِلَى أَن أَوْطَأَهَا رَجُلٌ فَرَسًا بِالْأَبْطح فِي زمَان عمر فَمَاتَتْ. واستتر رجلَانِ من بني مَخْزُوم عِنْد أم هَانِيء بنت طَالب فأجارتهما وأمنتهما، فَأمْضى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانها، وَقَالَ: "قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِيء وَأمنا من أمنت" وَكَانَ عَليّ أَرَادَ قَتلهمَا، قيل: إنَّهُمَا الْحَارِث بْن هِشَام وَزُهَيْر بْن أبي أُميَّة أَخُو أم سَلمَة، وأسلما وَكَانَا من خِيَار الْمُسلمين، وَقيل: إِن أَحدهمَا جعدة2 بْن هُبَيْرَة، وَالْأول أصح. وَطَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَعْبَةِ، ودعا عُثْمَان بْن طَلْحَة فَأخذ مِنْهُ مِفْتَاح الْكَعْبَة بعد أَن مانعته أمه ذَلِك ثمَّ أسلمته. فَدخل النَّبِي الْكَعْبَة وَمَعَهُ أُسَامَة بْن زيد، وبلال بْن رَبَاح، وَعُثْمَان بْن طَلْحَة، وَلَا أحد مَعَه غَيرهم. فأغلق الْبَاب عَلَيْهِ. وَصلى داخلها رَكْعَتَيْنِ. ثمَّ خرج وَخَرجُوا، ورد الْمِفْتَاح إِلَى عُثْمَان بْن طَلْحَة، وَأبقى لَهُ حجابة3 الْبَيْت وَقَالَ: $"خذوها خالدة تالدة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة" فَهِيَ إِلَى الْآن فِي ولد شيبَة بْن عُثْمَان بن طَلْحَة.
وَأمر عَلَيْهِ السَّلَام بِكَسْر الصُّور الَّتِي دَاخل الْكَعْبَة وحولها وَكسر الْأَصْنَام الَّتِي حول الْكَعْبَة وبمكة كلهَا، وَكَانَت الْأَصْنَام الَّتِي فِي الْكَعْبَة مشدودة بالرصاص وَكَانَ يُشِير إِلَيْهَا بقضيب فِي يَده، فَكلما أَشَارَ إِلَى وَاحِد مِنْهَا خر لوجهه، وَكَانَ يَقُول: "جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا". وَأذن لَهُ بِلَال على ظهر الْكَعْبَة. وخطب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِي يَوْم الْفَتْح خطْبَة مَشْهُورَة عِنْد أهل الْأَثر وَالْعلم بالْخبر، فَوضع مآثر الْجَاهِلِيَّة حاشا سدانة الْبَيْت وسقاية2 الْحَاج، وَأخْبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن مَكَّة لم يحل فِيهَا الْقِتَال لأحد قبله، وَلَا يحل لأحد بعده، وَإِنَّمَا حل لَهُ الْقِتَال فِي سَاعَة من نَهَار، ثمَّ عَادَتْ كحرمتها بالْأَمْس، لَا يسفك فِيهَا دم. وَمِنْ أحسن مَا رُوِيَ من خطبَته مُخْتَصرا مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ وَغَيْرُه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ: أَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَوَقَفَ تَحْتَ صَدْرِ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا3، فَقَالَ: "يَا رَبِيعَةُ قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يَقُولُ لَكُمْ: أَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ وَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ وَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " فَنَادَى بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ هَذَا الْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا وَكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا" ثمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا النَّسِيءُ 4 زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله، أَلا وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: الثَّلَاثَة مُتَوَالِيَة، وَرَجَبٌ مُفْرَدٌ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " فَيَقُولُ النَّاسُ: نَعَمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ".
وتوقعت الْأَنْصَار أَن يبْقى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة، فَأخْبرهُم أَن الْمحيا محياهم وَأَن الْمَمَات مماتهم. وَمر عَلَيْهِ السَّلَام بفضالة بْن عُمَيْر بْن الملوح اللَّيْثِيّ، وَهُوَ عازم على الفتك برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "مَا تحدث بِهِ نَفسك؟ " قَالَ: لَا شَيْء كنت أذكر اللَّه عز وَجل، فَضَحِك النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: "أسْتَغْفر اللَّه لَك" وَوضع يَده عَلَيْهِ السَّلَام على صدر فضَالة، فَكَانَ فضَالة يَقُول: وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا أجد على ظهر الأَرْض أحب إِلَيّ مِنْهُ. وهرب صَفْوَان بْن أُميَّة إِلَى الْيمن، فَاتبعهُ عُمَيْر بْن وهب الجُمَحِي بتأمين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِيَّاه فَرجع] فَأكْرمه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: "انْزِلْ1 يَا أَبَا وهب" فَقَالَ: إِن هَذَا يُخْبِرنِي عَنْك أَنَّك تمهلني شَهْرَيْن، قَالَ: "بل لَك أَرْبَعَة أشهر". وهرب ابْن الزبعري2 الشَّاعِر إِلَى نَجْرَان ثمَّ رَجَعَ، فَأسلم. وهرب هُبَيْرَة بْن أبي وهب المَخْزُومِي زوج أم هَانِيء بنت أبي طَالب إِلَى الْيمن3، فَمَاتَ هُنَاكَ كَافِرًا. ثمَّ بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَايَا حول مَكَّة يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام، وَلم يَأْمُرهُم4 بِقِتَال. وَكَانَ أحد أُمَرَاء تِلْكَ السَّرَايَا: خَالِد بْن الْوَلِيد خرج إِلَى بني جذيمة بْن عَامر بْن عَبْد مَنَاة بْن كنَانَة، فَقتل مِنْهُم وسبا، وَقد كَانُوا أَسْلمُوا وَلم يقبل خَالِد قَوْلهم وإقرارهم بِالْإِسْلَامِ، فوداهم5 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ بِمَال إِلَيْهِم، فودى لَهُم جَمِيع قتلاهم ورد إِلَيْهِم مَا أَخذ مِنْهُم وَقَالَ لَهُم عَليّ: انْظُرُوا إِن فقدتم عقَالًا6 لأدينه، فَبِهَذَا أَمرنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك من صنع خَالِد". ثمَّ بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى وَكَانَ بَيْتا7 بنخلة تعظمه قُرَيْش وكنانة وَجَمِيع مُضر، وَكَانَ سدنته بَنو شَيبَان من بني سليم حلفاء بني هَاشم، فهدمه. وَكَانَ فتح مَكَّة لعشر بَقينَ من رَمَضَان سنة ثَمَان من الْهِجْرَة.
غزوة حنين
غَزْوَة 1 حنين فَلَمَّا بلغ هوازنَ فَتْحُ مَكَّة جَمَعَهُمْ مَالك بْن عَوْف النصري من بني نصر بْن مُعَاوِيَة، فَاجْتمع إِلَيْهِ قومه: بَنو نصر وَبَنُو جشم وَبَنُو سعد بْن بكر، وَثَقِيف، وَطَائِفَة من بني هِلَال بْن عَامر. وَلم يشهدها من قيس2 غير هَؤُلَاءِ. وغابث عَن ذَلِك عقيل، وقشير ابْنا كَعْب بْن ربيعَة بْن عَامر. وَبَنُو كلاب بْن ربيعَة بْن عَامر وَسَائِر إِخْوَتهم، فَلم يحضرهم من كَعْب وقشير وكلاب أحد يذكر. وحملت بَنو جشم مَعَ أنفسهم شيخهم وَكَبِيرهمْ: دُرَيْد بْن الصمَّة، وَهُوَ يَوْمئِذٍ شيخ كَبِير لَا ينْتَفع بِهِ فِي غير رَأْيه، حملوه فِي هودج لضعف جِسْمه. وَكَانَ فِي ثَقِيف سيدان [لَهُم3 فِي الأحلاف] أَحدهمَا قَارب بْن الْأسود بْن مَسْعُود بْن معتب4، وَالْآخر ذُو الْخمار سبيع بْن الْحَارِث بْن مَالك. وَكَانَت الرياسة فِي جَمِيع الْعَسْكَر إِلَى مَالك بْن عَوْف النصري، فَحَشَدَ مَنْ ذَكَرْنَا، وسَاق مَعَ الْكفَّار أَمْوَالهم، وماشيتهم ونساءهم وَأَوْلَادهمْ، وَزعم أَن ذَلِك لتحمى بِهِ نُفُوسهم وتشتد فِي الْقِتَال عَن ذَلِك شوكتهم. ونزلوا بأوطاس5، فَقَالَ لَهُم دُرَيْد بن الصمَّة: مَالِي أسمع رُغَاء الْبَعِير ونهاق الْحمير
وبكاء الصَّغِير ويعار1 الشَّاء؟ قَالُوا: سَاق مَالك مَعَ النَّاس أَمْوَالهم وعيالهم [قَالَ2] : أَيْن مَالك؟ قيل: هَذَا مَالك، فَسَأَلَهُ: لم فعلت ذَلِك؟ فَقَالَ مَالك: لِيُقَاتِلُوا عَن أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَقَالَ دُرَيْد: راعي3 ضَأْن وَالله، وَهل يرد المنهزم شَيْء؟ إِنَّهَا إِن كَانَت لَك لم ينفعك إِلَّا رجل بسلاحه، وَإِن كَانَت عَلَيْك فضحت فِي أهلك وَمَالك. ثمَّ قَالَ: مَا فعلت كَعْب وكلاب؟ قَالُوا: لم يشهدها مِنْهُم أحد، قَالَ دُرَيْد: غَابَ الْحَد4 وَالْجد، لَو كَانَ يَوْم عَلَاء ورفعة لم تغب عَنهُ كَعْب وكلاب ولوددت أَنكُمْ فَعلْتُمْ مَا فعلت كلاب وَكَعب، فَمن شَهِدَهَا [من5 بني عَامر؟] قَالُوا: عَمْرو بْن عَامر، وعَوْف بْن عَامر، قَالَ: ذَانك الجذعان6 من عَامر لَا ينفعان وَلَا يضران، يَا مَالك إِنَّك لم تصنع بِتَقْدِيم بَيْضَة7 هوَازن إِلَى نحور الْخَيل شَيْئا، ارفعهم إِلَى مُمْتَنع بِلَادهمْ وعليا قَومهمْ، ثمَّ الْقَ الصُّبَاةَ8 على متون الْخَيل، فَإِن كَانَت لَك لحق بك من وَرَاءَك، وَإِن كَانَت عَلَيْك كنت قد أحرزت أهلك وَمَالك. فَأبى ذَلِك مَالك وخالفت هوَازن دريدا واتبعوه، فَقَالَ دُرَيْد: هَذَا يَوْم لم أشهده وَلم يغب عني: يَا لَيْتَني فِيهَا جَذَعْ ... أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ9 وَبعث [إِلَيْهِم] 10 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ عشَاء، فَأتى بعد أَن عرف مذاهبهم، وَأخْبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا شَاهده مِنْهُم. فعزم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قصدهم، واستعار من صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف
الجُمَحِي دروعا، قيل: مائَة درع، وَقيل: أَرْبَعمِائَة. وَخرج النَّبِي -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي اثنى عشر ألفا من الْمُسلمين، مِنْهُم عشرَة آلَاف صحبوه من الْمَدِينَة، وَأَلْفَانِ من مسلمة الْفَتْح، إِلَى مَا انضاف إِلَيْهِ من الْأَعْرَاب: من سليم وَبني كلاب وَعَبس وذبيان1 وَاسْتعْمل على مَكَّة2 عتاب بْن أسيد بْن أبي الْعيص بْن أُميَّة. ونهض -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مقدمته مزينة، وَفِي الميمنة بَنو أَسد، وَفِي الميسرة بَنو سليم وَعَبس وذبيان. وَفِي مخرجه هَذَا رأى جهال الْأَعْرَاب شَجَرَة خضراء، وَكَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة شَجَرَة مَعْرُوفَة تسمى ذَات3 أنواط يخرج إِلَيْهَا الْكفَّار يَوْمًا مَعْلُوما فِي السّنة يعظمونها، فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه اجْعَل لنا ذَات أنواط/ كَمَا لَهُم ذَات أنواط، فَقَالَ: عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّه أكبر، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قوم مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة قَالَ إِنَّكُم قوم تجهلون} لتركبن سنَن من [كَانَ] 4 قبلكُمْ حَذْو القذة5 بالقذة، حَتَّى إِنَّهُم لَو دخلُوا جُحر ضَب لدخلتموه. ثمَّ نَهَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى وَادي6 حنين وَهُوَ وَاد من أَوديَة تهَامَة، وَكَانَ هوَازن قد كمنت فِي جَنْبي الْوَادي، وَذَلِكَ فِي غبش الصُّبْح، فَحملت على الْمُسلمين حَملَة رجل وَاحِد، فَانْهَزَمَ جُمْهُور الْمُسلمين، وَلم يلو أحد على أحد، وَثَبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بكر وَعمر، وَمن أهل بَيته عَليّ وَالْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَبْد الْمطلب، وَابْنه جَعْفَر، وَأُسَامَة بْن زيد، وأيمن بْن عبيد وَهُوَ أَيمن بْن أم أَيمن قتل يَوْمئِذٍ بحنين، وَالْفضل بْن الْعَبَّاس. وَقيل فِي مَوضِع جَعْفَر بن أبي سُفْيَان قثم من الْعَبَّاس. وَلم ينهزم رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا أحد من هَؤُلَاءِ. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته الشَّهْبَاء وَاسْمهَا دندل7 وَالْعَبَّاس آخذ بحكمتها8، وَرَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُول: "أَيهَا النَّاس، إِلَى أَيْن أَيهَا النَّاس؟! أَنا رَسُول اللَّه، وَأَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ". وَأمر الْعَبَّاس وَكَانَ جهير الصَّوْت أَن يُنَادي: "يَا معشر الْأَنْصَار، يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة"، وَبَعْضهمْ يرويهِ: "يَا أَصْحَاب السَّمُرَةِ". وَقد قيل إِنَّه نَادَى يَوْمئِذٍ: "يَا معشر الْمُهَاجِرين"، كَمَا نَادَى: "يَا معشر الْأَنْصَار". فَلَمَّا سمعُوا الصَّوْت أجابوا: لبيْك، لبيْك. وَكَانَت الدعْوَة أَولا يَا للْأَنْصَار، ثمَّ خصصت بِأَخَرَةٍ1 يَا للخزرج. قَالَ ابْن شهَاب: وَكَانُوا أَصْبِر عِنْد الحروب. فَلَمَّا ذَهَبُوا ليرجعوا كَانَ الرجل مِنْهُم لَا يَسْتَطِيع أَن ينفذ ببعيره لِكَثْرَة الْأَعْرَاب المنهزمين، فَكَانَ يَأْخُذ درعه فيلبسها، وَيَأْخُذ سَيْفه ومجنه، ويقتحم عَن بعيره [ويخلي2 سَبيله] ويكر رَاجعا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذا اجْتمع حواليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائَة رجل أَو نحوهم استقبلوا هوَازن بِالضَّرْبِ. واشتدت الْحَرْب وَكثر الطعْن والجلاد، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ركائبه، فَنظر إِلَى مجتلد3 الْقَوْم، فَقَالَ: "الْآن حمي 4 الْوَطِيس". وَضرب عليُّ بْن أبي طَالب عرقوب جمل صَاحب الرَّايَة أَو فرسه فصرعه، وَلحق بِهِ رجل من الْأَنْصَار، فاشتركا فِي قَتله. وَأخذ عَليّ الرَّايَة، وَقذف اللَّه عز وَجل فِي قُلُوب هوَازن الرعب حِين وصلوا إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ واجههم وواجهوه صَاح بهم صَيْحَة وَرمى فِي وُجُوههم بالحصا، فَلم يملكُوا أنفسهم، وَفِي ذَلِك يَقُول اللَّه عز وَجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} . [و] 5 روينَا من وُجُوه عَن بعض من أسلم من الْمُشْركين مِمَّن شهد حنينا قَالَ: وَقد سُئِلَ عَن يَوْم حنين: لَقينَا الْمُسلمين فَمَا لبثنا أَن هزمناهم وأتبعناهم حَتَّى وصلنا إِلَى رجل رَاكب على بغلة بَيْضَاء، فَلَمَّا رآنا زجرنا زَجْرَة وانتهرنا، وَأخذ بكفه حصا أَو تُرَابا، فرمانا بِهِ، وَقَالَ: شَاهَت الْوُجُوه شَاهَت [الْوُجُوه] فَلم تبْق عين إِلَّا دَخلهَا من ذَلِك. فَمَا ملكنا أَنْفُسنَا أَن رَجعْنَا على أعقابنا.
وَمَا استوفى رُجُوع الْمُسلمين إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَأسرى هوَازن بَين يَدَيْهِ، وَثبتت أم1 سليم فِي جملَة من ثَبت أول الْأَمر محتزمة ممسكة بَعِيرًا لأبي طَلْحَة وَفِي يَدهَا خنجر. وانهزمت هوَازن. وَملك الْعِيَال وَالْأَمْوَال. واستحر الْقَتْل فِي بني مَالك من ثَقِيف فَقتل مِنْهُم خَاصَّة يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ رجلا مِنْهُم رئيساهم: ذُو الْخمار وَأَخُوهُ2 عُثْمَان ابْنا عَبْد اللَّهِ بْن ربيعَة، وَلم يقتل من الأحلاف إِلَّا رجلَانِ، لِأَن قَارب بْن الْأسود -وَكَانَ سيدهم يَوْمئِذٍ- فر بهم حِين اشْتَدَّ أول الْقِتَال. واستحر الْقَتْل فِي بني نصر بْن مُعَاوِيَة. وهرب مَالك بْن عَوْف النصري فِي جمَاعَة من قومه، وَدخل الطَّائِف مَعَ ثَقِيف. وانحازت طوائف من هوَازن إِلَى أَوْطَاس. وَأدْركَ ربيعةُ بْنُ رفيع بْن أهبان السّلمِيّ من بني سليم دُرَيْدَ بْن الصمَّة، فَقتله، وَقد قيل إِن قَاتل دُرَيْد هُوَ عَبْد اللَّهِ بْن قنيع بْن أهبان3 من بني سليم، وَقد قيل إِن دريدا أسر يَوْمئِذٍ وَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتْله لمشاهدته الْحَرْب وَمَوْضِع رَأْيه فِيهَا. وَلما انْقَضى الصدام نَادَى منادى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قتل قَتِيلا عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه" 4. وَبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبيد وَهُوَ عَم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي طَائِفَة من الْمُسلمين مِنْهُم أَبُو مُوسَى إِلَى من اجْتمع من هوَازن بأوطاس5. فَشد على أبي عَامر أحد بني دُرَيْد بْن الصمَّة فَقتله، قيل: رَمَاه سَلمَة بْن دُرَيْد بْن الصمَّة بِسَهْم فَقتله. وَأخذ أَبُو مُوسَى الرَّايَة، وَشد على قَاتل عَمه فَقتله. وَقيل: بل رمى أَبَا عَامر رجلَانِ من بني جشم، وهما: الْعَلَاء وأوفى ابْنا الْحَارِث، أصَاب أَحدهمَا قلبه وَالْآخر ركبته، ثمَّ قَتلهمَا أَبُو مُوسَى، وَقيل: بل قتل أَبُو عَامر تِسْعَة إخْوَة من الْمُشْركين مبارزة،
يَدْعُو كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى الْإِسْلَام ثمَّ يحمل عَلَيْهِ فيقتله، ثمَّ حمل عَلَيْهِ عاشرهم فَقتله. ثمَّ أسلم ذَلِك الْعَاشِر بعد ذَلِك. تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم حنين وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين يَوْم حنين أَرْبَعَة رجال: أَيمن بْن عبيد، وَهُوَ أَيمن بْن أم أَيمن أَخُو أُسَامَة بْن زيد لأمه. وَيزِيد بْن زَمعَة بْن الْأسود بْن الْمطلب بْن أَسد، جَمَحَ بِهِ فرسه، فَقتل. وسراقة بْن الْحَارِث1 بْن عدي من بني العجلان من الْأَنْصَار. وَأَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ. وَكَانَت وقْعَة هوَازن "وَهِي" يَوْم حنين فِي أول شَوَّال من السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة وَترك رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم الْغَنَائِم من الْأَمْوَال وَالنِّسَاء والذراري، فَلم يقسمها حَتَّى أَتَى الطَّائِف. غَزْوَة 2 الطَّائِف وَكَانَ منصرف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين إِلَى الطَّائِف. لم يرجع إِلَى مَكَّة وَلَا عَرَّجَ على شَيْء إِلَّا غَزْو الطَّائِف قبل أَن يقسم غَنَائِم حنين وَقبل كل شَيْء. فسلك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْجِعِرَّانَة3 فِي طَرِيقه إِلَى الطَّائِف ثمَّ أَخذ على قرن4. وابتنى فِي طَرِيقه ذَلِك مَسْجِدا وَصلى فِيهِ، وأقاد فِي ذَلِك الْمَكَان [بِدَم5 وَهُوَ أول دم أقيد بِهِ فِي الْإِسْلَام] من رجل من بني لَيْث قتل رجلا من هُذَيْل [فَقتله بِهِ] . وَوجد فِي طَرِيقه ذَلِك حصنا لمَالِك بن عَوْف النصري فهدمه، وَوجد هُنَالك أطما قد تَمَنَّعَ فِيهِ رجل من ثَقِيف فِي مَاله، فَأمر بهدمه. وَلم يشْهد غَزْوَة حنين وَلَا الطَّائِف عُرْوَة بْن مَسْعُود وَلَا غيلَان بن سَلمَة
الثقفيان، كَانَا قد خرجا يتعلمان صناعَة المنجنيق والدبابات1. ثمَّ نزل عَلَيْهِ السَّلَام بِقرب الطَّائِف بواد يُقَال لَهُ العقيق، فتحصنت ثَقِيف وحاربهم الْمُسلمُونَ. وحصن ثَقِيف لَا حصن مثله فِي حصون الْعَرَب. فأصيب من الْمُسلمين رجال بِالنَّبلِ. فَزَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من ذَلِك الْمنزل إِلَى مَوضِع الْمَسْجِد الْمَعْرُوف الْيَوْم. فَحَاصَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَام بضعا وَعشْرين لَيْلَة، بل بضع عشرَة لَيْلَة، وَقيل: عشْرين يَوْمًا. وَكَانَ مَعَه عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَتَانِ من نِسَائِهِ، أم سَلمَة إِحْدَاهمَا، فموضع الْمَسْجِد الْيَوْم بَين منزلهما يَوْمئِذٍ. وَتَوَلَّى بُنيان ذَلِك الْمَسْجِد عَمْرو بْن أُميَّة بْن وهب بْن معتب الثَّقَفِيّ. وَأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقطع أعناب الطَّائِف إِلَّا قِطْعَة عِنَب كَانَت للأسود بْن مَسْعُود أَو لِابْنِهِ فِي مَاله، وَكَانَت تبعد عَن الطَّائِف وَسَأَلَهُ الْكَفّ عَنْهَا فَكف عَنْهَا. وَكَانَ يجير بْن زُهَيْر بْن أبي سلمى الْمُزنِيّ الشَّاعِر بن الشَّاعِر شهد حنينا والطائف وَكَانَ حسن الْإِسْلَام. تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين فِي حِصَار الطَّائِف وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين فِي حِصَار الطَّائِف: سعيد بْن سعيد بْن العَاصِي بْن أُميَّة، وَعرْفطَة بْن جناب2 الْأَزْدِيّ حَلِيف لبني أُميَّة، وَعبد اللَّه بْن أبي بكر الصّديق أَصَابَهُ سهم فاستمر مِنْهُ مَرِيضا حَتَّى مَاتَ مِنْهُ فِي خلَافَة أَبِيه، وَعبد اللَّه [بْن] أبي3 أُميَّة بني الْمُغيرَة المَخْزُومِي أَخُو أم سَلمَة، وَعبد اللَّه الْأَكْبَر بْن عَامر بْن ربيعَة حَلِيف بني عدي بْن كَعْب، والسائب بْن الْحَارِث بْن قيس السَّهْمِي، وَأَخُوهُ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن قيس السَّهْمِي، وجليحة بْن عَبْد اللَّهِ اللَّيْثِيّ من بني سعد بْن لَيْث، وثابت بْن الْجذع الْأنْصَارِيّ من بني سَلمَة، والْحَارث بْن سهل بْن أبي صعصعة الْأنْصَارِيّ من بني مَازِن بْن النجار، وَالْمُنْذر بْن عَبْد اللَّهِ الْأنْصَارِيّ من بني سَاعِدَة. وَمن الْأَوْس4 رقيم بْن ثَابت بْن ثَعْلَبَة.
باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها
بَاب فِي قسْمَة غَنَائِم 1 حنين وَمَا جرى فِيهَا ثمَّ انْصَرف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِعِرَّانَة: مَوضِع قريب من حنين. وَكَانَ قد اسْتَأْنَى2 بقسمة الْغَنَائِم رَجَاء أَن يسلمُوا ويرجعوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قسمت الْغَنَائِم هُنَالك أَتَاهُ وَفد هوَازن مُسلمين راغبين فِي الْعَطف عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُم: "قد كنت اسْتَأْنَيْت بكم وَقد وَقعت المقاسم، وَعِنْدِي مَا ترَوْنَ 3 فَاخْتَارُوا: إِمَّا ذَرَارِيكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَإِمَّا أَمْوَالكُم" فَاخْتَارُوا الْعِيَال والذرية وَقَالُوا: لَا نعدل بالأنساب شَيْئا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذا صليت الظّهْر فتكلموا واطلبوا حَتَّى أكلم النَّاس فِي أَمركُم". فَلَمَّا صلى الظّهْر تكلمُوا، وَقَالُوا: نستشفع برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْمُسلمين. فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: "أما مَا كَانَ لي ولبني عَبْد الْمطلب وَبني هَاشم فَهُوَ لكم" وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار: أما مَا كَانَ لنا فَهُوَ لرَسُول اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام، وَامْتنع الْأَقْرَع بْن حَابِس وعيينة بْن حصن فِي قومهما4 أَن يردوا عَلَيْهِمَا شَيْئا مِمَّا وَقع لَهُم فِي سِهَامهمْ. وَامْتنع الْعَبَّاس بْن مرداس السّلمِيّ وطمع أَن يساعده قومه كَمَا ساعد الْأَقْرَع بْن حَابِس وعيينة قومهما فَأَبت بَنو سليم وَقَالُوا: بلَى مَا كَانَ لنا فَهُوَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام: "من ضن مِنْكُم بِمَا فِي يَدَيْهِ فَإنَّا نعوضه مِنْهُ". فَرد عَلَيْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُمْ وأبناءهم وَعوض من لم تطب نَفسه بترك نصِيبه أعواضا رَضوا بهَا. وَكَانَ عدد سبي هوَازن سِتَّة آلَاف إِنْسَان فيهم الشيماء أُخْت
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من الرضَاعَة وَهِي بنت الْحَارِث بْن عبد الْعُزَّى من بني سعد بْن بكر [بْن هوَازن] 1 بنت حليمة السعدية، فأكرمها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهَا، وَرجعت إِلَى بلادها مسرورة بدينها وَبِمَا أَفَاء اللَّه عَلَيْهَا. وَقسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْوَال2 بَين الْمُسلمين. وَأعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَغَيرهم من الْخمس أَو من جملَة الْغَنِيمَة على مَذْهَب من رأى أَن ذَلِك إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام، وَأَن لَهُ أَن ينفل3 فِي البدأة وَالرَّجْعَة [حسب] مَا رَآهُ بِظَاهِر قَول اللَّه تَعَالَى: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} يحكم فِيهَا بِمَا أرَاهُ اللَّه. وَلَيْسَ ذَلِك لغيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَاهِر قَوْله عز وَجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأن لله خمسه} . وللقول فِي تَلْخِيص ذَلِك مواضعُ غير هَذَا. [أُعْطِيَاتُ الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم] وَلم يخْتَلف أهل السّير وَغَيرهم أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم من قُرَيْش وَغَيرهم، وَلَا ذِكْرَ للمؤلفة قُلُوبهم فِي غير آيَة4 قسم الصَّدقَات. قَالُوا: أعْطى قُريْشًا مائَة بعير، وَكَذَلِكَ أعْطى عُيَيْنَة بْن حصن والأقرع بْن حَابِس. قَالَ ابْن إِسْحَاق: أَعْطَاهُم يتألفهم ويتألف بهم قَومهمْ وَكَانُوا أشرافا، فَأعْطى أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب مائَة بعير، وَأعْطى ابْنه مُعَاوِيَة مائَة بعير، وَأعْطى حَكِيم بْن حزَام مائَة بعير، وَأعْطى الْحَارِث بْن هِشَام مائَة بعير، وَأعْطى سُهَيْل بْن عَمْرو مائَة بعير، وَأعْطى حويطب بْن عبد الْعُزَّى مائَة بعير، وَأعْطى صَفْوَان بْن أُميَّة مائَة بعير، وَكَذَلِكَ أعْطى مَالك5 بْن عَوْف والْعَلَاء بْن جَارِيَة [الثَّقَفِيّ6 حَلِيف بني زهرَة] . قَالَ: فَهَؤُلَاءِ
أَصْحَاب1 المئين. وَأعْطى رجَالًا من قُرَيْش دون الْمِائَة، مِنْهُم مخرمَة بْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ، وَعُمَيْر بْن وهب الجُمَحِي، وَهِشَام بْن عَمْرو العامري، لَا أعرف مَا أَعْطَاهُم2. وَأعْطى سعيد بْن يَرْبُوع خمسين بَعِيرًا، وَأعْطى عَبَّاس بْن مرداس السّلمِيّ أباعر قَليلَة، فتسخطها وَقَالَ فِي ذَلِك: وَكَانَت نهابا تلافيتها ... بكرى على الْمهْر فِي الأجرع3 وإيقاظي الْقَوْم أَن يرقدوا ... إِذا هجع النَّاس لم أهجع فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيـ ... د بَين عُيَيْنَة والأقرع4 وَقد كنت فِي الْحَرْب ذَا تدرإ ... فَلم أعْط شَيْئا وَلم أمنع5 إِلَّا أفائل أعطيتهَا ... عديد قَوَائِمهَا الْأَرْبَع6 وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ شَيْخي فِي الْمجمع7 وَمَا كنت دون امريء مِنْهُمَا ... وَمن تضع الْيَوْم لَا يرفع فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبُوا فَاقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ" فَأَعْطوهُ حَتَّى رَضِي، فَكَانَ ذَلِك قَطْعَ لِسَانه. وَقيل إِن عَبَّاس بْن مرداس أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذَلِك، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْت الْقَائِل: فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة" فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق: بَين عُيَيْنَة والأقرع. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هما وَاحِد". وَقَالَ أَبُو بكر: أشهد أَنَّك كَمَا قَالَ اللَّه عز وَجل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} . قَالَ أَبُو عمر: لَو كَانَ مَا أعْطى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم من غَنَائِم حنين من خمس
الْخمس كَمَا زعم من زعم ذَلِك أَو من الْخمس الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَالِي من غنائمكم إِلَّا الْخمس، وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم". مَا شقّ ذَلِك وَالله أعلم على الْأَنْصَار، حَتَّى قَالُوا مَا هُوَ مَحْفُوظ عَنْهُم. وَقد كتبت ذَلِك فِيمَا بعد. وَلكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم من إِيمَانهم وكرمهم أَنهم سيرضون بِفِعْلِهِ، لِأَن حرصهم على ظُهُور الدَّين من حرصه، رَضِي اللَّه عَنْهُم. تَسْمِيَة 1 الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم من بني أُميَّة: أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب بْن أُميَّة، وَابْنه مُعَاوِيَة، وطليق بْن سُفْيَان بْن أُميَّة، وخَالِد بْن أسيد بْن [أبي] 2 الْعيص بْن أُميَّة. وَمن بني عَبْد الدَّار بْن قصي: شيبَة بْن عُثْمَان بْن أبي طَلْحَة، وَأَبُو السنابل بْن بعكك، وَعِكْرِمَة بْن عَامر بْن هَاشم3. وَمن بني مَخْزُوم: زُهَيْر بْن أبي أُميَّة، والْحَارث بْن هِشَام، وَأَخُوهُ خَالِد بْن هِشَام، وَهِشَام4 بْن الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة، وسُفْيَان بْن عَبْد الْأسد، والسائب بْن أبي السَّائِب. وَمن بني عدي بْن كَعْب: مُطِيع بْن الْأسود، وَأَبُو جهم بْن حُذَيْفَة. وَمن بني جمح: صَفْوَان بْن أُميَّة بْن خلف، وَأَخُوهُ أحيحة بْن أُميَّة، وَعُمَيْر بْن وهب بْن خلف. وَمن بني سهم: [عدي5 بْن] قيس بْن حذافة. وَمن بني عَامر بْن لؤَي: حويطب بْن عَبْد الْعُزَّى، وَهِشَام بْن عَمْرو بْن ربيعَة. وَمن سَائِر قبائل الْعَرَب: من بني الديل6 بْن بكر بْن عَبْد مَنَاة: نَوْفَل بْن مُعَاوِيَة. وَمن بني قيس ثمَّ من بني عَامر بْن صعصعة ثمَّ من بني كلاب بْن ربيعَة بن عَامر:
عَلْقَمَة بْن علاثة بْن عَوْف بْن الْأَحْوَص بْن جَعْفَر بْن كلاب، ولبيد بْن ربيعَة بْن مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلابٍ. وَمن بني عَامر بْن صعصعة: خَالِد بْن هَوْذَة بْن ربيعَة بْن عَمْرو بْن عَامر، وَأَخُوهُ حَرْمَلَة بْن هَوْذَة. وَمن بني نصر بْن مُعَاوِيَة: مَالك بْن عَوْف بْن سعيد بْن يَرْبُوع. وَمن بني سليم بْن مَنْصُور: عَبَّاس بْن مرداس. وَمن غطفان ثمَّ من فَزَارَة: عُيَيْنَة بْن حصن. وَمن بني تَمِيم ثمَّ من بني حَنْظَلَة: الْأَقْرَع بْن حَابِس. وَقد ذكر فِي الْمُؤَلّفَة حَكِيم بْن حزَام وَالنضير1 بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كلدة أَخُو النَّضر بْن الْحَارِث الْمَقْتُول ببدر صبرا. وَذكر آخَرُونَ النَّضِير بْن الْحَارِث فِيمَن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن كَانَ مِنْهُم فمحال أَن يكون من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. وَمن هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَهُوَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين مِمَّن رسخ الْإِيمَان فِي قلبه، وَقَاتل دونه، لَيْسَ مِمَّن يؤلف عَلَيْهِ. وَعند إِعْطَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَلم يُعْط الْأَنْصَار وَلَا الْمُهَاجِرين قَالَ ذُو الْخوَيْصِرَة [التَّمِيمِي] 2: قد رَأَيْت مَا صنعت فِي هَذَا الْيَوْم يَا مُحَمَّد! فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أجل، فَكيف رَأَيْت؟ " قَالَ: لم أرك عدلت. فَغَضب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: "وَيحك إِن لم يكن الْعدْل مني 3 فَعِنْدَ من يكون؟!! " فَقَالَ عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: دَعْنِي أضْرب عُنُقه يَا رَسُول اللَّه، فَقَالَ: "لَا، دَعوه، سَيكون لَهُ شيعَة 4 يتعمقون فِي الدَّين حَتَّى يخرجُوا مِنْهُ كَمَا يخرج السهْم من الرَّمية".
موقف 1 بعض الْأَنْصَار قَالَ ابْن إِسْحَق: وحَدثني عَاصِم بْن عمر بْن قَتَادَة، قَالَ: لما أعْطى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ العطايا فِي قُرَيْش وقبائل الْعَرَب. وَلم يكن فِي الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْء وجد هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار فِي أنفسهم، حَتَّى كثرت مِنْهُم القالة2، فَدخل عَلَيْهِ سعد بْن عبَادَة فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار قد وجدوا عَلَيْك فِي أنفسهم بِمَا صنعت فِي هَذَا الْفَيْء الَّذِي أصبت: قَسَمْتَ فِي قَوْمك وَأعْطيت قوما من الْعَرَب عطايا عظاما، وَلم يكن فِي هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْء، قَالَ: "فَأَيْنَ أَنْت من ذَلِك يَا سعد؟ " قَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا أَنا إِلَّا من قومِي، قَالَ: "فاجمع لي قَوْمك فِي هَذِه الحظيرة". قَالَ: فَخرج سعد فَجمع من الْأَنْصَار فِي تِلْكَ الحظيرة، وَجَاء رجال من الْمُهَاجِرين فتركهم فَدَخَلُوا، وَجَاء آخَرُونَ فردهم. فَلَمَّا اجْتَمعُوا أَتَاهُ سعد، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه قد اجْتمع لَك هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار. فَأَتَاهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمدَ اللَّه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: "يَا معشر الْأَنْصَار مَا قَالَةٌ بلغتني [عَنْكُم] 3 ووجدة 4 وجدتموها فِي أَنفسكُم، ألم آتكم ضلالا فَهدَاكُم اللَّه وَعَالَة 5 فَأَغْنَاكُمْ اللَّه وأعداء فألف اللَّه بَين قُلُوبكُمْ؟ " قَالُوا: بلَى لله وَرَسُوله الْمَنّ6 وَالْفضل. ثمَّ قَالَ: "أَلا تجيبونني يَا معشر الْأَنْصَار؟ " قَالُوا: بِمَاذَا نجيبك يَا رَسُول اللَّه؟ لله وَرَسُوله الْمَنّ وَالْفضل. فَقَالَ: "أما وَالله لَو شِئْتُم لقلتم [فَصَدَقْتُمْ] 7 وَلَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاك، ومخذولا فَنَصَرْنَاك، وطريدا فَآوَيْنَاك، وعائلا فواسينك 8.
أوجدتم يَا معشر الْأَنْصَار فِي أَنفسكُم فِي لُعَاعَةٍ1 من الدُّنْيَا تألفت بهَا قوما ليسلموا ووكلتكم إِلَى إيمَانكُمْ، أَلا ترْضونَ يَا معشر الْأَنْصَار أَن يذهب النَّاس بِالشَّاة وَالْبَعِير وترجعوا برَسُول اللَّه إِلَى رحالكُمْ؟ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار، وَلَو سلك النَّاس شعبًا وسلكت الْأَنْصَار شعبًا2 لَسَلَكْت شعب الْأَنْصَار. اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَار وَأَبْنَاء الْأَنْصَار وَأَبْنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار". قَالَ: فَبكى الْقَوْم حَتَّى أخضلوا3 لحاهم، وَقَالُوا: رَضِينَا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسما وحظا، فَانْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا. وَرُوِيَ أَن قَائِلا قَالَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُول اللَّه أَعْطَيْت عُيَيْنَة بْن حصن والأقرع بْن حَابِس، وَتركت جعيل بْن سراقَة الضمرِي؟ فَقَالَ رَسُول الله: "وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْن سراقَة خير من طلاع 4 الأَرْض مثل الْأَقْرَع وعيينة وَلَكِنِّي تألفتهما ليسلما ووكلت جعيلا إِلَى إِسْلَامه". وَكَانَ هَذَا الْقسم بالجعرانة. وروى أَبُو الزبير وَغَيره عَن جَابر، قَالَ: بصرت عَيْنَايَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجعرانة، وَفِي ثوب بِلَال فضَّة، وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يقبض وَيُعْطِي النَّاس.
عمرة رسول الله من الجعرانة
عمْرَة رَسُول الله من الْجِعِرَّانَة ثمَّ خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا من الْجِعِرَّانَة إِلَى مَكَّة5، وَأمر ببقايا الْفَيْء فَخمس بِنَاحِيَة مر1 الظهْرَان. فَلَمَّا فرغ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمرته انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة، واستخلف على مَكَّة عتاب بْن أسيد بْن أبي الْعيص، وَهُوَ ابْن نَيف وَعشْرين سنة. وَدخل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة لست2 بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَكَانَت وقْعَة الطَّائِف فِي ذِي الْقعدَة المؤرخ من السّنة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة. وَكَانَت غيبَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فافتتحها وأوقع بهوازن وَحَارب الطَّائِف إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا. وَاسْتعْمل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالك بْن عَوْف بْن سعيد بْن يَرْبُوع النصري على من أسلم من قومه من قبائل قيس. وَأمره بمغاورة3 ثَقِيف، فَفعل، وضيق عَلَيْهِم. وَحسن إِسْلَامه وَإِسْلَام الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم حاشا عُيَيْنَة بْن حصن، فَلم يزل مغموزا عَلَيْهِ. وَسَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مِنْهُم الْخَيْر الْفَاضِل الْمجمع على خَيره كالحارث بن هِشَام، وَحَكِيم بْن حزَام، وَعِكْرِمَة بْن أبي جهل، وَسُهيْل بْن عَمْرو، وَمِنْهُم دون هَؤُلَاءِ وَقد فضل اللَّه النَّبِيين وَسَائِر عباده الْمُؤمنِينَ بَعضهم على بعض، وَهُوَ أعلم بهم. ثمَّ انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا وَأقَام الْحَج للنَّاس عتاب بْن أسيد فِي تِلْكَ السّنة4، وَهُوَ أول أَمِير أَقَامَ الْحَج فِي الْإِسْلَام. وَحج الْمُشْركُونَ على مشاعرهم. وَكَانَ عتاب بْن أسيد خَيِّرًا فَاضلا ورعا. وَقدم كَعْب بْن زُهَيْر بْن أبي سلمى على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسلما وامتدحه، وَقَامَ على رَأسه بقصيدته الَّتِي أَولهَا: بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول5. وأنشدها إِلَى آخرهَا، وَذكر فِيهَا الْمُهَاجِرين فَأثْنى عَلَيْهِم. وَكَانَ قبل ذَلِك حُفِظَ لَهُ هجاءٌ فِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فعاب عَلَيْهِ الْأَنْصَار إِذْ لم يذكرهم، فغدا على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بقصيدة يمدح فِيهَا الْأَنْصَار6 وَقبل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِسْلَامه وَسمع شعره وأثابه7.
غزوة تبوك
غَزْوَة 1 تَبُوك ثمَّ أَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بعد انْصِرَافه من حِصَار الطَّائِف ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر وجمادى الأول وجمادي الْآخِرَة. وَخرج فِي رَجَب من سنة تسع بِالْمُسْلِمين إِلَى غَزْوَة الرّوم، وَهِي آخر غزَاة غَزَاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفسِهِ. وَكَانَ خُرُوجه إِلَى غزوته تِلْكَ فِي حر شَدِيد [وَحين2 طَابَ] أول الثَّمر وَفِي عَام جَدب. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يكَاد يخرج غازيا إِلَّا وَرَّى3 بِغَيْرِهِ إِلَّا غَزْوَة تَبُوك، فَإِنَّهُ بَينهَا للنَّاس لبعد الْمسَافَة وَنَفَقَة المَال والشُّقَّةِ وَقُوَّة الْعَدو الْمَقْصُود إِلَيْهِ. فَتَأَخر الْجد بْن قيس من بني سَلمَة، وَكَانَ مُتَّهمًا بالنفاق فَاسْتَأْذن رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَقَاء وَهُوَ غَنِي قوي فَأذن لَهُ، وَأعْرض عَنهُ فَنزلت فِيهِ4: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} . وَكَانَ نفر من الْمُنَافِقين5 يَجْتَمعُونَ فِي بَيت سويلم الْيَهُودِيّ عِنْد جاسوم6 يثبطون النَّاس عَن الْغَزْو فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة بْن عبيد اللَّه فِي نفر، وَأمرهمْ أَن يحرقوا عَلَيْهِم الْبَيْت، فَفعل ذَلِك طَلْحَة، فاقتحم الضَّحَّاك بْن خَليفَة، وَكَانَ مَعَهم فِي الْبَيْت، جِدَار الدَّار، فَوَقع، فَانْكَسَرت رجله. وفر ابْن أُبَيْرِق وَكَانَ مَعَهم. وَأنْفق نَاس من الْمُسلمين واحتسبوا7، وَأنْفق عُثْمَان رَضِي اللَّه عَنهُ نَفَقَة عَظِيمَة جهز بهَا جمَاعَة من المعسرين فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. وَرُوِيَ أَنه حمل فِي تِلْكَ الْغُزَاة على تِسْعمائَة
بعير وَمِائَة فرس وجهزهم حَتَّى لم يفقدوا عقَالًا وَلَا شكالا1، وَرُوِيَ أَنه أنْفق فِيهَا ألف دِينَار. وَفِي هَذِه الْغَزْوَة أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم البكاؤن وهم سَبْعَة: سَالم بْن عُمَيْر [من بني2 عَمْرو] بْن عَوْف، وعلبة بْن زيد أَخُو بني حَارِثَة، وَأَبُو ليلى عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب من بني مَازِن بْن النجار، وَعَمْرو بْن الْحمام من بني سَلمَة، وَعبد اللَّه بْن الْمُغَفَّل الْمُزنِيّ وَقيل: بل هُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الْمُزنِيّ، وهرمي بْن عَبْد اللَّهِ أَخُو بني وَاقِف وعرباض بْن سَارِيَة الْفَزارِيّ. فاستحملوا3 رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَجدوا عِنْده مَا يحملهم عَلَيْهِ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أَن لَا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ. فسموا البكائين. وَذكروا أَن ابْن يَامِين بْن عُمَيْر4 النضري حمل أَبَا ليلى وَعبد اللَّه بْن مُغفل على نَاضِح5 لَهُ يعتقبانه6، وزودهما تَمرا كثيرا. وَاعْتذر الْمُخَلفُونَ من الْأَعْرَاب، فعذرهم رَسُول اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام. وَخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضرب عسكره على بَاب الْمَدِينَة، وَاسْتعْمل عَلَيْهَا مُحَمَّد بْن مسلمة، وَقيل: بل سِبَاع بْن عرفطة، وَقيل: بل خلف عَلَيْهَا عَليّ بْن أبي طَالب رَضِي اللَّه عَنهُ وَهُوَ الأثبت: أَن رَسُول الله خلف عليا فِي غَزْوَة تَبُوك، فَقَالَ المُنَافِقُونَ: استثقله، فَذكر ذَلِك عَليّ رضوَان اللَّه عَلَيْهِ لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خبر سعد، فَقَالَ: "كذبُوا، إِنَّمَا خلفتك لما تركت ورائي، فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي وَأهْلك، فَأَنت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي". والْآثَار بذلك متواترة صِحَاح قد ذكرت كثيرا مِنْهَا فِي غير هَذَا الْموضع. وَخرج عَبْد الله بن أبي سلول بعسكره، فَضَربهُ على بَاب الْمَدِينَة أَيْضا، فَكَانَ عسكره فِيمَا زَعَمُوا لَيْسَ بِأَقَلّ العسكريين، وَهُوَ يظْهر الْغُزَاة مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلَمَّا نَهَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخلف عَبْد الله بْن سلول فِيمَن تخلف من الْمُنَافِقين وَأهل الريب، وَكَانُوا نيفا وَثَمَانِينَ رجلا، خَلَّفَهُمْ سُوءُ نياتهم ونفاقهم. وتخلف فِي هَذِه الْغُزَاة من صالحي الْمُسلمين ثَلَاثَة1 رجال، وهم: كَعْب بْن مَالك الشَّاعِر من بني سَلمَة، ومرارة بْن ربيعَة وَيُقَال ابْن الرّبيع عَمْرو بْن عَوْف، وهلال بْن أُميَّة الوَاقِفِي. فافتقدهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ، فَقيل لَهُ: تخلفوا. فَعجب من ذَلِك، وَعز عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يعرف إِيمَانهم وفضلهم. ونهض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فخطر2 على حجر ثَمُود3، فَأمر أَصْحَابه أَن لَا يتوضئوا من بِئْر ثَمُود، وَلَا يعجنوا خبْزًا بِمَائِهَا، وَلَا يستعملوا شَيْئا مِنْهُ، فَقيل لَهُ: بِأَن قوما عجنوا مِنْهُ، فَأمر بالعجين، فَطرح لِلْإِبِلِ علفا. وَأمرهمْ أَن لَا يستعملوا مَاء بِئْر النَّاقة فِي كل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَأمر أَصْحَابه عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن لَا يدخلُوا بيُوت ثَمُود، وَقَالَ: "لَا تدْخلُوا [بيُوت] 4 هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ [خشيَة] أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم". ونهاهم أَن يخرج أحدهم مُنْفَردا، فَخرج رجلَانِ من بني سَاعِدَة، كل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَرد عَن صَاحبه، أَحدهمَا يُرِيد الْغَائِط، فَخُنِقَ فَأُخْبِرَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَدَعَا لَهُ، فشفي وَالْآخر خرج فِي طلب بعير لَهُ فَأَخَذته الرّيح ورمته فِي جبل طَيء، فَردته بعد ذَلِك إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعطش النَّاس فِي تِلْكَ الْغُزَاة عطشا شَدِيدا، فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه فَأرْسل5 عَلَيْهِم سَحَابَة ارتووا مِنْهَا وَدَوَابُّهُمْ وَإِبِلُهُمْ6، وَأخذُوا حَاجتهم [من المَاء] . وأضل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَته، وَقَالَ من فِي قلبه نفاق: مُحَمَّد يَدعِي أَن7 خبر السَّمَاء يَأْتِيهِ
[و] لَا يدْرِي أَيْن نَاقَته1 فَنزل الْوَحْي بِمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَا أَصْحَابه، فَأخْبرهُم بقول الْقَائِل، وَأخْبرهمْ أَن اللَّه عز وَجل قد عرفه بِموضع نَاقَته وَأَنَّهَا فِي مَوضِع كَذَا قد تعلق خطامها بشجرة، فابتدروا الْمَكَان الَّذِي وصف عَلَيْهِ السَّلَام، فوجدوها هُنَالك. وَقيل إِن قَائِل ذَلِك القَوْل زيد بْن اللصيت القينقاعي وَكَانَ منافقا، وَقيل إِنَّه تَابَ بعد ذَلِك، وَقيل لم يتب، وَالله أعلم. وَفِي هَذِه الْغُزَاة ذكرُوا أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأى أَبَا ذَر يمشي فِي نَاحيَة الْعَسْكَر وَحده، فَقَالَ: "يرحم اللَّه أَبَا ذَر يمشي وَحده، وَيَمُوت وَحده، وَيبْعَث وَحده". فَكَانَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاتَ بالربذة2 وَحده، وَأخرج بعد أَن كفن إِلَى الطَّرِيق يلْتَمس من يُصَلِّي عَلَيْهِ، فصادف إقبال ابْن مَسْعُود من الْكُوفَة فصلى عَلَيْهِ، وَكَانَ مِمَّن سمع هَذَا الحَدِيث، فَحدث بِهِ يَوْمئِذٍ أَيْضا. وَنزل الْقُرْآن من سُورَة بَرَاءَة وَسورَة الْأَحْزَاب بفضيحة الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا يخذلون الْمُسلمين، وَتَابَ من أُولَئِكَ مخشن3 بْن حمير، ودعا اللَّه أَن يكفر عَنهُ بِشَهَادَة يخفي بهَا مَكَانَهُ، فَقتل يَوْم4 الْيَمَامَة وَلم يُوجد لَهُ أثر. [بعث5 خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أكيدر دومة6] وَبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أكيدر بْن عَبْد الْملك صَاحب دومة، وَقَالَ لَهُ: "يَا خَالِد إِنَّك ستجده يصيد الْبَقر". فَأَتَاهُ خَالِد لَيْلًا7 وَقرب من حصنه وَأرْسل اللَّه تَعَالَى بقر الْوَحْش فَأَتَت تحك حَائِط الْقصر بقرونها، فنشط أكيدر ليصيدها. وَخرج فِي اللَّيْل، فَأَخذه خَالِد، وَبعث بِهِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَفَا عَنهُ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام، ورده إِلَى حصنه بعد أَن صَالحه على الْجِزْيَة. وَصَالح يحنة بْن رؤبة صَاحب أَيْلَة1 على الْجِزْيَة. [العودة من تَبُوك] وَأقَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة، وَلم يتجاوزها2، ثمَّ انْصَرف وَكَانَ فِي طَرِيقه مَاء قَلِيل، فَنهى أَن يسْبق أحد إِلَى المَاء، فَسبق إِلَيْهِ رجلَانِ، فاستنفدا مَا فِيهِ، فسبهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّه أَن يَقُول. ثمَّ وضع يَده فِي المَاء ودعا الله فِيهِ الْبركَة، فَجَاشَتْ الْعين بِمَاء عَظِيم كفى الْجَيْش كُله. وَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام أَن ذَلِك الْموضع سَيُمْلأُ جِنَانًا. فَكَانَ كَذَلِك. وَبنى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين تَبُوك وَالْمَدينَة مَسَاجِد كَثِيرَة نَحْو سِتَّة عشر مَسْجِدا، أَولهَا مَسْجِد بناه بتبوك وَآخِرهَا بِذِي خشب3. مَسْجِد الضرار وَكَانَ أهل مَسْجِد الضرار قد أَتَوْهُ وَهُوَ متجهز إِلَى تَبُوك، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِنَّا قد بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعَيْلَةِ4 وَالْحَاجة والليلةِ الْمَطِيرَة، وَإِنَّا نحب أَن تَأْتِينَا فَتُصَلِّي فِيهِ، فَقَالَ لَهُم: "أَنا فِي شغل السّفر، وَإِذا انصرفت فسيكون" 5 فَلَمَّا انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر فِي مُنْصَرفه بهدم مَسْجِد الضرار: أَمر بذلك مَالك بْن الدخشم ومعن بْن عدي وَعَاصِم بْن عدي أَخَاهُ وَأمر بإحراقه، وَقَالَ لَهُم: "اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله، فَاهْدِمُوهُ وأحرقوه" فَخَرجُوا مُسْرِعين. وَأخرج مَالك بْن الدخشم من منزله شعلة من نَار. ونهضوا فأحرقوا الْمَسْجِد وهدموه وَكَانَ الَّذين بنوه: خذام بْن خَالِد من بني عبيد بْن زيد أحد بني
عَمْرو بْن عَمْرو بْن عَوْف وَمن دَاره أخرج مَسْجِد الضرار، ومعتب بْن قُشَيْر من بني ضبيعة بْن زيد، وَأَبُو حَبِيبَة بْن الأزعر من بني ضبيعة1 بْن زيد، وَعباد بْن حنيف أَخُو سهل بْن حنيف من بني عَمْرو بْن عَوْف، وَجَارِيَة بْن عَامر وابناه: مجمع وَزيد ابْنا جَارِيَة، ونبتل بْن الْحَارِث من بني ضبيعة، وبحزج وَهُوَ من بني ضبيعة، وبجاد بْن عُثْمَان من بني ضبيعة [ووديعة2 بْن ثَابت] من بني أُميَّة بْن زيد. وثعلبة بْن حَاطِب مَذْكُور فيهم، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ قد شهد بَدْرًا. وَمَات عَبْد الله ذُو البجاد [ين] الْمُزنِيّ فِي غَزْوَة تَبُوك، فَتَوَلّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وَعمر غسله وَدَفنه، وَنزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبره، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي رَاض عَنهُ، فارض عَنهُ". [حَدِيث 3 كَعْب بْن مَالك وَأَصْحَابه المتخلفين] وَأما اخْتِصَار حَدِيث كَعْب بْن مَالك وَأَصْحَابه الَّذين تخلفوا عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك لغير رِيبَة فِي الدَّين وَلَا تُهْمَة نفاق إِلَّا مَا كَانَ من علم اللَّه فِي إِظْهَار حَالهم وَالزِّيَادَة فِي فَضلهمْ، روينَاهُ من طرق صَحِيحَة لَا أحصيها كَثْرَة عَن ابْن شهَاب، وخرجه المصنفون وَأَصْحَاب المساند. ذكره ابْن شهَاب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدثهُ، قَالَ: سَمِعت أبي كَعْب بن مَالك، قَالَ، فَذكر الحَدِيث، وَفِيه قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ ثَابَ إِلَيَّ لُبِّي وَعَلِمْتُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ مَا لَمْ يُرْضِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي تَخَلُّفِي عَنْهُ. فَقُلْتُ أَكْذِبُهُ، وتذكرت مَا يكون الْكَذِبِ الَّذِي أَخْرُجُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَّجِهْ لِي. فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَطَلَّ4
قَادِمًا زَاحَ1 عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَلِمْتُ أَنِّي لَا أَنْجُو مِنْهُ إِلا بِالصِّدْقِ. فَلَمَّا صَبَّحَ2 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة نَزَلَ بِالْمَسْجِدِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ جَلَسَ فَجَاءَ الْمُتَخَلِّفُونَ، فَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ. وَجِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ لِي: "مَا خَلَّفَكَ؟ ألم أكن ابتعت ظهر ك؟ " 3 فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِكَ لَرَجَوْتُ أَنْ أُقِيمَ عِنْدَهُ عُذْرِي لأَنِّي أُعْطِيتُ جَدَلا4 وَلَكِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ كَذَبْتُكَ الْيَوْمَ أَطْلَعَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ5 غَدًا، فَفَضَحْتُ نَفْسِي. فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ، وَمَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ" فَقُمْتُ وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي: بَنِي سَلَمَةَ يَقُولُونَ: مَا عَلِمْنَاكَ أَتَيْتَ قَطُّ غَيْرَ هَذَا الذَّنْبِ، أَفَلا اعْتَذَرْتَ إِلَيْهِ فَيَسَعَكَ مَا وَسِعَ الْمُتَخَلِّفِينَ؟ وَكَانَ يَكْفِيكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَكْذِبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ لَقِيَ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا: [نَعَمْ] 6 رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَقَالِكَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ، قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَمْرِيُّ وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَصَمَتُّ حِينُ ذَكَرُوهُمَا لِي. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ خَاصَّةً7 فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي نَفْسِي وَالأَرْضُ الَّتِي أَنَا فِيهَا. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالأَسْوَاقِ لَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلا أَسْمَعُهُ يَرُدُّ عَلَيَّ، فَأَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي هَلَّ رَدَّ فِي نَفْسِهِ. وَكُنْتُ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ8 جِدَار "حَائِط" أبي
قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَادَ1 عَلَى السَّلامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ نَشَدْتُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ فَنَاشَدْتُهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ فَعُدْتُ فَوَثَبْتُ [فَتَسَوَّرْتُ] 2 الْجِدَارَ، وَخَرَجْتُ. ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى السُّوقِ فَإِذَا رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِّي مِنْ نِبْطِ3 الشَّامِ الْقَادِمِينَ بِالطَّعَامِ إِلَى الْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَجَاءَنِي، فَدَفَعَ إِلَيَّ كتاب مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ، فَالْحَقْ بِنَا نواسك. فَعَمَدْتُ إِلَى تَنُّورٍ4، فَسَجَرْتُ5 فِيهِ الْكِتَابَ. وَأَقَمْتُ حَالِي حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ أَتَانِي، فَقَالَ لِي: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا؟ قَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي فِيهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ، وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لَا خَادِمَ لَهُ أَفَتَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: "لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ" قَالَتْ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَيَّ، وَمَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَرِهِ. وَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِدْمَةِ امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِنَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنِّي لَا أَدْرِي مَا يَقُولُ لِي وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ. قَالَ: فَلَبِثْنَا فِي ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْكَلامِ مَعَنَا. فَلَمَّا صَلَّيْتُ [الصُّبْحَ] 7 صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَة وَأَنا قد ضَاقَتْ
عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ1 وَضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، فَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ قَدْ وَافَى عَلَى ظَهْرِ سَلْعٍ2 [يُنَادِي3 بِأَعْلَى صَوْتِهِ] : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا وَعَلِمْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا. وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ حَتَّى وَافَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ. فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُمَا، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَتَيَمَّمُ4 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَلَقَّانِيَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَحَيَّانِي وَهَنَّأَنِي، وَوَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [لِي] 5 وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنَ السُّرُورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ" قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: إِنِّي مُمْسِكٌ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا مَا بَقِيتُ. وَكَانَ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِي مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 6 حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} إِلَى قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} .
إسلام ثقيف
إِسْلَام 1 ثَقِيف وَلما كَانَ فِي رَمَضَان سنة تسع من الْهِجْرَة منصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوك أَتَاهُ وَفد ثفيف. وَقد كَانَ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ لحق برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِين انْصِرَافه من حِصَار الطَّائِف، فأدركه قبل أَن يدْخل الْمَدِينَة، فَأسلم. وَسَأَلَهُ أَن يرجع إِلَى قومه بِالْإِسْلَامِ، وَكَانَ سيد قومه ثَقِيف، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ". وَعرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتناعهم2 ونخوتهم، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَحَبُّ إِلَيْهِم من أبكارهم3 ووثق بمكانه مِنْهُم، فَانْصَرف إِلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ أَنه قد أسلم. فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ، فَأَصَابَهُ سهم، فَقتله. فَزَعَمت بَنو مَالك أَنه قَتله رجل مِنْهُم، فَقيل لَهُ: مَا ترى فِي دمك؟ فَقَالَ: كَرَامَة أكرمني اللَّه بهَا، وَشَهَادَة سَاقهَا إِلَيّ، فَلَيْسَ فِي إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاء الَّذين قتلوا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أَن يدْخل4 إِلَيْكُم. وَأوصى أَن يدْفن مَعَهم. فَهُوَ مدفون خَارج الطَّائِف مَعَ الشُّهَدَاء وَذكروا أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: $"مَثَلُهُ فِي قومه مَثَلُ صَاحب ياسين5 فِي قومه". ثمَّ إِن ثقيفا رَأَوْا أَن لَا طَاقَة لَهُم بِمَا هم فِيهِ من خلاف جَمِيع الْعَرَب ومغاورتهم لَهُم والتضييق عَلَيْهِم، فَاجْتمعُوا على أَن يرسلوا من أنفسهم رَسُولا، كَمَا أرْسلُوا عُرْوَة، فَكَلَّمُوا عبد يَا ليل بْن عَمْرو بْن عُمَيْر، وَكَانَ فِي سنّ عُرْوَة بْن مَسْعُود، فِي ذَلِك، فَأبى أَن يفعل، وخشي أَن يُصْنَعَ بِهِ مَا صنع بِعُرْوَة بْن مَسْعُود، وَقَالَ: لست فَاعِلا إِلَّا أَن تُرْسِلُوا معي رجَالًا، فَأَجْمعُوا على أَن يبعثوا مَعَه رجلَيْنِ من الأحلاف وَثَلَاثَة من بني مَالك فَيَكُونُوا سِتَّة. فبعثوا مَعَ عبد يَا ليل: الحكم بْن عَمْرو بْن وهب بن معتب، وشرحبيل بن
غيلَان بْن سَلمَة من بني معتب1، وَمن بني مَالك: عُثْمَان بْن أبي العَاصِي بْن بشر بْن عَبْد دهمان. وَأَوْس بْن عَوْف أَخا بني سَالم وَقد قيل إِنَّه قَاتل عُرْوَة، ونمير بْن خَرشَة بْن ربيعَة. فَخَرجُوا حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة، فَأول من رَآهُمْ بقناةَ2 المغيرةُ3 بْن شُعْبَة، وَكَانَ يرْعَى ركاب4 أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي] 5 نوبَته، وَكَانَت رعيتها نوبا عَلَيْهِم، فَترك عِنْدهم الركاب، ونهض مسرعا، ليبشر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومهم، فلقي أَبَا بكر الصّديق، فاستخبره عَن شَأْنه فَأخْبرهُ بقدوم وَفد قومه: ثَقِيف، لِلْإِسْلَامِ. فأقسم عَلَيْهِ أَبُو بكر أَن يؤثره بتبشير رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فَأَجَابَهُ الْمُغيرَة إِلَى ذَلِك. فَكَانَ أَبُو بكر هُوَ الَّذِي بشر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِم الْمُغيرَة. وَرجع مَعَهم، وَأخْبرهمْ كَيفَ يحيون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلم يَفْعَلُوا وحيوه بِتَحِيَّة الْجَاهِلِيَّة. فَضرب لَهُم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبَّة فِي نَاحيَة الْمَسْجِد وَكَانَ خَالِد بْن سعيد بْن الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يخْتَلف بَينهم وَبَين رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ الَّذِي كتب الْكتاب لَهُم، وَكَانَ الطَّعَام يَأْتِيهم من عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَأْكُلُون حَتَّى يَأْكُل مِنْهُ خَالِد بْن سعيد. وسألوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أَن يكْتب كِتَابهمْ أَن يتْرك لَهُم الطاغية6 وَهِي اللات لَا يَهْدِمهَا ثَلَاث سِنِين. فَأبى رَسُول اللَّه إِلَّا هدمها. وسألوه أَن لَا يهدموا7 أوثانهم وَألا يكسروها بِأَيْدِيهِم، فأعفاهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ كسرهَا بِأَيْدِيهِم، وَأبي أَن يدع لَهُم وثنا. وَقَالُوا: إِنَّمَا أردنَا أَن نسلم بِتَرْكِهَا من سفهائنا ونسائنا، وخفنا أَن نروع قَومنَا بهدمها حَتَّى ندخلهم الْإِسْلَام وَقد كَانُوا سَأَلُوهُ مَعَ ترك الطاغية أَن يعفيهم من الصَّلَاة، فَقَالَ لَهُم: "لَا خير فِي دين لَا صَلَاة فِيهِ".
فَلَمَّا كتب لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابهمْ أَمر عَلَيْهِم عُثْمَان بْن أبي العَاصِي، وَكَانَ أحدثهم سنا، وَرَآهُ أحرصهم على تعلم الْقُرْآن وَشَرَائِع الْإِسْلَام. وَأمره أَن يُصَلِّي بهم وَأَن يقدرهم بأضعفهم وَلَا يطول عَلَيْهِم1. وَأمره أَن يتَّخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على أَذَانه أجرا وَبعث مَعَهم أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب والمغيرة بْن شُعْبَة لهدم الْأَوْثَان والطاغية وَغَيرهَا، فَأَقَامَ أَبُو سُفْيَان فِي مَاله2 بِذِي الهزم3، وَقَالَ للْمُغِيرَة: ادخل أَنْت على قَوْمك. فَدخل الْمُغيرَة. وَشرع4 فِي هذم الطاغية وَهِي اللات. وَقَامَ5 دونه قومه بَنو معتب خشيَة أَن يُرْمَى كَمَا رُمِيَ عُرْوَة بْن مَسْعُود، وَخرج نسَاء ثَقِيف يبْكين اللات حسرا6 ويَنُحْنَ عَلَيْهَا. فَهَدمهَا الْمُغيرَة وَأخذ مَالهَا وحليها. وَقد كَانَ أَبُو مليح بْن عُرْوَة [بْن7 مَسْعُود] وقارب بْن الْأسود قدما على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وَفد ثَقِيف حِين8 قتل عُرْوَة بْن مَسْعُود يُريدَان فِرَاق ثَقِيف وَأَن لَا يجامعاهم على شَيْء أبدا، فَأَسْلمَا. وَقَالَ لَهما: "توليا من شئتما" فَقَالَا: نتولى اللَّه وَرَسُوله. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وخالكما أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب" [فَقَالَا9: وخالنا أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب] . فَلَمَّا أسلم أهل الطَّائِف وَوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَان والمغيرة إِلَى هدم الطاغية سَأَلَ أَبُو مليح بْن عُرْوَة بْن مَسْعُود [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَن يقْضِي دين [أَبِيه] عُرْوَة من مَال الطاغية. وَسَأَلَ قَارب بن الْأسود مثل ذَلِك. وَالْأسود وَعُرْوَة أَخَوان لأَب وَأم. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْمُغِيرَة وَأبي سُفْيَان: "اقْضِيَا دَيْنَ عُرْوَةَ مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ". فَقَالَ قَارب: يَا رَسُول الله [و] دين الْأسود. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِن الْأسود مَاتَ مُشْركًا". فَقَالَ قَارب: يَا رَسُول اللَّه لَكِن تَصِلُ مُسلما ذَا قرَابَة يَعْنِي نَفسه إِنَّمَا الدَّيْنُ عَلَيَّ وَأَنا الَّذِي أطلب بِهِ. فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاء دين الْأسود بْن مَسْعُود من مَال الطاغية. فَقضى أَبُو سُفْيَان والمغيرة دين الْأسود وَعُرْوَة ابْني مَسْعُود من مَال الطاغية.
حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع
حجَّة 1 أبي بكر الصّديق رَضِي اللَّه عَنهُ سنة تسع وَأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بكر بِالْخرُوجِ إِلَى الْحَج وإقامته للنَّاس، فَخرج أَبُو بكر لذَلِك، وَنزل صدر3 سُورَة بَرَاءَة بعده. فَقيل لَهُ: يَا رَسُول اللَّه لَو بعثت بهَا إِلَى أبي بكر يقْرؤهَا على النَّاس فِي الْمَوْسِم؟ فَقَالَ: "إِنَّه لَا يُؤَدِّيهَا عني إِلَّا رجل من أهل بَيْتِي". ثمَّ دَعَا عليا، فَقَالَ لَهُ: "اخْرُج بِهَذِهِ الْقُصَّةِ من صدر بَرَاءَة، وَأَذِّنْ بهَا فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا بمنى". وَأمره بِمَا يُنَادي4 بِهِ فِي الْمَوْسِم فَخرج على نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء، حَتَّى أدْرك أَبَا بكر بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر بِمَا رَآهُ: أَمِيرا5 أَو مَأْمُورا؟ قَالَ: بل مَأْمُورا. ثمَّ نهضا، فَأَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس الْحَج سنة تسع على مَنَازِلهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقد قيل: إِن حجَّة أبي بكر وَقعت حِينَئِذٍ فِي ذِي الْقعدَة على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من
النسيء فِي الْجَاهِلِيَّة. وروى معمر، عَن [ابْن] أبي نجيح، عَن مُجَاهِد فِي قَوْله [تَعَالَى] : {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} قَالَ: كَانُوا يحجون [فِي كل] 1 شهر عَاميْنِ، حجُّوا فِي ذِي الْحجَّة عَاميْنِ، ثمَّ حجُّوا فِي الْمحرم عَاميْنِ، ثمَّ حجُّوا فِي صفر عَاميْنِ، حَتَّى وافت حجَّة أبي بكر [فِي2 الآخر من العامين] فِي ذِي الْقعدَة قبل حجَّة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ حج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَابل [فِي] ذِي الْحجَّة، فَذَلِك قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَقُول: "إِنَّ الزَّمَنَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ". قَالَ معمر، قَالَ الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بْن الْمسيب: لما قفل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة وَأَمَّرَ أَبَا بكر على تِلْكَ الْحجَّة. وَذكر ابْن جريج عَن مُجَاهِد، قَالَ: لما انْصَرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوك أَرَادَ الْحَج ثمَّ قَالَ: "إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ عُرَاةٌ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ". فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ أَرْدَفَهُ عَلِيًّا. قَالَ أَبُو عمر: بعث عليا ينْبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده، ويعهد إِلَيْهِم أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان مَعَ سَائِر مَا أمره أَن يُنَادي بِهِ فِي كل موطن من مَوَاطِن الْحَج. فَأَقَامَ الْحَج ذَلِك الْعَام سنة تسع أَبُو بكر. ثمَّ حج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَابل حجَّته الَّتِي لم يحجّ من الْمَدِينَة غَيرهَا. فَوَقَعت حجَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْحجَّة، فَقَالَ: "إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ ... " الحَدِيث وَثَبت الْحَج فِي ذِي الْحجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّحْر فِي حجَّة أبي بكر قَامَ عَليّ فَأذن فِي النَّاس بِالَّذِي أمره بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيهَا النَّاس إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة كَافِر". رُوِيَ فِي حَدِيثه هَذَا: لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة وَلَا يحجّ بعد هَذَا الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَمن كَانَ لَهُ عِنْد رَسُول الله
عهد فَهُوَ إِلَى مدَّته. وَأَجَّلَ الناسَ أربعةَ أشهر من يَوْم أَذَّنَ فيهم ليرْجع كل قوم إِلَى مأمنهم وبلادهم ثمَّ لَا عهد لِمُشْرِكٍ وَلَا ذمَّة لأحد كَانَت لَهُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يحجّ بعد ذَلِك الْعَام مُشْرك وَلم يطف بِالْبَيْتِ عُرْيَان. حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. قَالَ1: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ2، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ3 "قَالَ" وَأَخْبَرَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن علبة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّمَوَات وَالْأَرْض، السّنة اثْنَا عشر شهر، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ مُفْرَدٌ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَان".
باب وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بَاب وُفُود 1 الْعَرَب على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بلادها للدخول فِي الْإِسْلَام وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَسنة عشر. وحجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة عشر: لما فتح اللَّه عز وَجل على رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام مَكَّة، وأظهره2 يَوْم حنين وَانْصَرف من تَبُوك، وَأسْلمت ثَقِيف، أَقبلت إِلَيْهِ وُفُود من الْعَرَب من كل وَجه يدْخلُونَ فِي دين اللَّه أَفْوَاجًا. وَأَكْثَرهم كَانَ ينْتَظر مَا يكون من قُرَيْش لأَنهم كَانُوا أَئِمَّة النَّاس من أجل الْبَيْت وَالْحرم وَأَنَّهُمْ صَرِيح ولد إِسْمَاعِيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فتح اللَّه مَكَّة عَلَيْهِ أَهَلَّ النَّاس إِلَيْهِ، وكل من "قدم" عَلَيْهِ قدم رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام إِلَّا عامرَ بْنَ الطُّفَيْل وأربدَ بْنَ قيس فِي وَفد بني عَامر، وَإِلَّا مسيلمةَ فِي وَفد بني حنيفَة. فَأَما عَامر بْن الطُّفَيْل بْن مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلابٍ وأربد بْن قيس بْن جُزْء بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب فَإِنَّهُمَا قدما عَلَيْهِ فِي وَفد بني عَامر بْن صعصعة وَقد أضمر [عَامر3 بْن الطُّفَيْل] الفتك برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والغدر بِهِ، وأربد بْن قيس هُوَ أَخُو لبيد لأمه، [و] كَانَ عَامر بْن الطُّفَيْل قد قَالَ لَهُ: إِنِّي شاغله عَنْك بالْكلَام، فَإِذا فعلت ذَلِك فَاعْلُهُ بِالسَّيْفِ4. ثمَّ جعل يسْأَله سُؤال الأحمق وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "لَا أجيبك فِي شَيْء مِمَّا سَأَلت عَنهُ حَتَّى تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله". وَأنزل اللَّه على أَرْبَد البهت والرعب فَلم يرفع يدا. فَلَمَّا يئس مِنْهُ عَامر قَالَ: يَا مُحَمَّد وَإِلَّا لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلا ورجالا. فَلَمَّا وليا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اكْفِنِي عامرَ بْنَ الطُّفَيْل وأربدَ بْنَ قيس". وَقَالَ عَامر لأربد: مَا مَنعك أَن تفعل مَا تعاقدنا
عَلَيْهِ، وَالله لَا أخافك بعْدهَا، وَمَا كنت أَخَاف غَيْرك. وخرجا جَمِيعًا فِي وفدهم رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق بعث اللَّه على عَامر بْن الطُّفَيْل الطَّاعُون فِي عُنُقه فَقتله اللَّه فِي بَيت امْرَأَة من بني سلول، فَجعل يَقُول: أَغُدَّةً1 كَغُدَّةِ الْبَكْرِ2 أَوْ غُدَّةِ الْبَعِيرِ، وموتا فِي بَيت سَلُولِيَّة3. وَوصل أَرْبَد إِلَى بَلَده فَقَالَ لَهُ قومه: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: وَالله لقد دَعَاني إِلَى عبَادَة شَيْء لَو أَنه عِنْدِي الْيَوْم لرميته بِالنَّبلِ حَتَّى أَقتلهُ. فَلم يلبث بعد قَوْله هَذَا إِلَّا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، وَأنزل اللَّه عَلَيْهِ صَاعِقَة، وَكَانَ على جمل قد رَكبه فِي حَاجَة، فأحرقه اللَّه عز وَجل هُوَ وجمله بالصاعقة. وَقدم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفد بني حنيفَة، فيهم مُسَيْلمَة بْن حبيب يكنى أَبَا هَارُون، وَقيل بل هُوَ مُسَيْلمَة بْن ثُمَامَة يكنى أَبَا ثُمَامَة. وَاخْتلف فِي دُخُوله على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَروِيَ أَنه دخل مَعَ قومه على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يسترونه بالثياب فَكَلمهُ [وَسَأَلَهُ] 4 فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّك لَو سَأَلتنِي هَذَا العسيب 5 -لِعَسِيبٍ كَانَ مَعَه من سعف النّخل- مَا أعطيتكه". وَقد رُوِيَ أَن بني حنيفَة لما نزلُوا بِالْمَدِينَةِ خلفوا مُسَيْلمَة فِي رحالهم وَأَنَّهُمْ أَسْلمُوا وَذكروا مَكَان مُسَيْلمَة، وَقَالُوا: إِنَّا قد خَلَّفْنَا صاحبا لنا فِي رحالنا يحفظها لنا. فَأمر لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَأَلُوهُ، وَأمر لَهُ بِمثل مَا أَمر لِقَوْمِهِ، وَقَالَ: "أما إِنَّه لَيْسَ بشركم مَكَانا" أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابه، ثمَّ انصرفوا عَن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْيَمَامَة ارْتَدَّ عَدو اللَّه مُسَيْلمَة وَادّعى النُّبُوَّة، وَقَالَ: قد أشركني اللَّه فِي أمره. وَاتبعهُ أَكثر قومه، وَجعل لَهُم أسجاعا يضاهى6 بهَا الْقُرْآن، وَأحل لَهُم الْخمر [وَالزِّنَا] 7، وَأسْقط عَنْهُم الصَّلَاة فَمن سجعه قَوْله: "لقد أنعم على الحبلى أخرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى من بَين صفاق8 وحشى" وَمثل هَذَا من سجعه، لَعنه الله.
واتبعته بَنو حنيفَة إِلَّا ثمامةَ بْنَ أَثَال الْحَنَفِيّ بَقِي على الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله وَلم يرْتَد مَعَ قومه. وَقدم "عَلَيْهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفد بني تَمِيم، مِنْهُم عُطَارِد بْن حَاجِب بْن زُرَارَة بْن عدس الدَّارمِيّ، وَقيس بْن عَاصِم الْمنْقري، وَعَمْرو بْن الْأَهْتَم من بني منقر بْن عبيد أَيْضا، والزبرقان بْن بدر من بني بَهْدَلَة، ونعيم1 بْن يزِيد، وَقيس بْن الْحَارِث، والحتات بْن يزِيد2 الْمُجَاشِعِي وَهُوَ الَّذِي آخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينه وَبَين مُعَاوِيَة، وَقد ذكرنَا خَبره فِي بَابه من كتاب الصَّحَابَة3. وَهَؤُلَاء وُجُوه وَفد تَمِيم، وَقدم مَعَهم الْأَقْرَع بْن حَابِس الدَّارمِيّ وعيينة بْن حصن الْفَزارِيّ، وَقد كَانَا قدما على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلما، وشهدا مَعَه فتح مَكَّة وحنينا وحصار الطَّائِف، ثمَّ جَاءَا مَعَ وَفد تَمِيم. ونادوه من وَرَاء الحجرات، وخبرهم فِي السّير وَالتَّفْسِير4. وَأَسْلمُوا وَلم يُظْهِرْ مِنْهُم بعد الْإِسْلَام إِلَّا الْخَيْر وَالصَّلَاح إِلَّا أَن عُيَيْنَة كَانَ أَعْرَابِيًا جَافيا جلفا مَجْنُونا أَحمَق مُطَاعًا فِي قومه. وَقدم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمام بْن ثَعْلَبَة وَافد قومه بني سعد بْن بكر، وَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَرجع إِلَى قومه، فأسلموا. وَقدم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُود بْن عَمْرو، وَقيل: ابْن بشر، الْعَبْدي فِي طَائِفَة من قومه عَبْد الْقَيْس، وَكَانَ الْجَارُود نَصْرَانِيّا فَأسلم وَمن مَعَه، وسألوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يحملهم5، فَقَالَ: "وَالله مَا عِنْدِي مَا أحملكم عَلَيْهِ". فَقَالُوا: إِنَّا نمر فنجد من ضوال الْإِبِل فِي طريقنا فنأخذها؟ فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضَالَّة الْمُؤمن حَرْقُ النَّار". وَحسن إِسْلَام عَبْد الْقَيْس. وَكَانَ الْجَارُود فَاضلا صليبا6 فِي ذَات اللَّه. وَلما ارْتَدَّت الْعَرَب وارتد من ارْتَدَّ من عَبْد قيس قَامَ فِي رهطه، فأعلن بِالْإِسْلَامِ ودعا إِلَيْهِ، وتبرأ مِمَّن ارْتَدَّ من قومه، وَثَبت هُوَ ورهطه على الْإِسْلَام، وَقد كَانَ قدم الْأَشَج7 العصري من عَبْد الْقَيْس فِي وَفد مِنْهُم قبل فتح مَكَّة فأسلموا. وَقد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث
الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيّ قبل فتح مَكَّة إِلَى الْمُنْذر بْن1 سَاوَى الْعَبْدي، فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، ثمَّ هلك بعد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ردة أهل الْبَحْرين، والْعَلَاء عِنْده أَمِير لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْبَحْرين. وَقدم على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَفد طييء، فيهم زيد الْخَيل وَهُوَ سيدهم، فَعرض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِم الْإِسْلَام، فأسلموا. وَرُوِيَ أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا وصف لي رجل من الْعَرَب إِلَّا وجدته دون مَا وصف إِلَّا زيد الْخَيل فَإِن وَصفه لم يبلغ [مَا] 2 وصف بِهِ". وَسَماهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم زيد الْخَبَر. وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدي بْن حَاتِم الطَّائِي فِي قومه من طييء، وَكَانَ نَصْرَانِيّا، فَمضى بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأدْخلهُ [إِلَى بَيته] 3 وَتَنَاول وسَادَة من أَدَم4 حشوها لِيف، فطرحها، وَقَالَ لَهُ: "اجْلِسْ عَلَيْهَا" فَقَالَ: بل أَنْت فاجلس عَلَيْهَا يَا رَسُول اللَّه، فَجَلَسَ رَسُول اللَّه فِي الأَرْض وَأَجْلسهُ على الوسادة، ثمَّ لم يزل يكلمهُ ويعرض عَلَيْهِ مَا فِي دِينِهِ النَّصْرَانِيَّةِ مِمَّا أحدثوه فِيهِ من الشّرك، ويعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام ويخبره أَنه دين سيبلغ مَا بلغ اللَّيْل وَالنَّهَار وَأَنه لَا يبْقى عَرَبِيّ إِلَّا دخل فِيهِ طَوْعًا أَو كرها، فَقبل عدي الْإِسْلَام، وَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَتَبعهُ قومه فأسلموا وَحسن إسْلَامهمْ. وَقدم عَلَيْهِ فَرْوَة بْن مسيك الغطيفي، وعداده فِي مُرَاد، مفارقا لملوك كِنْدَة ومباعدا لَهُم إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَأَمَّرَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومه5. وَلم يرْتَد فَرْوَة حِين ارْتَدَّت الْعَرَب. [وَقدم6 عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْن معد يكربَ، وَكَانَ قد قَالَ لقيس بْن المكشوح: إِنَّك سيد قَوْمك وَإِن مُحَمَّدًا قد خرج بالحجاز نَبيا، فاقدم بِنَا عَلَيْهِ، فَإنَّا إِن قدمنَا عَلَيْهِ لم يخف علينا أمره، فَأبى قيس بْن المكشوح، فَقدم عَمْرو هُوَ وناس مَعَه من
زبيد. وهجره قيس بْن المكشوح وهدد كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه. ثمَّ أسلم قيس بْن المكشوح سنة عشر، وَكتب إِلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى فَيْرُوز الديلمي فِي قتال الْأسود الْعَنسِي المتنبيء] . وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَشْعَث بْن قيس فِي وَفد كِنْدَة، قَالَ ابْن شهَاب: فِي ثَمَانِينَ رجلا من كِنْدَة، فَأسلم وَأَسْلمُوا، وَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّه نَحن بَنو آكل1 المرار وَأَنت من بني2 آكل المرار، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا، نَحن من بني النَّضر بْن كنَانَة لَا نقفو 3 أمنا وَلَا ننتفي من أَبينَا". وَتَبَسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَوْلهم، وَقَالَ لَهُم: "ائْتُوا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب وَرَبِيعَة بْن الْحَارِث فناسبوهما بِهَذَا النّسَب" وَذَلِكَ أَن الْعَبَّاس وَرَبِيعَة كَانَا تاجرين يضربان فِي الْبِلَاد، فَكَانَا إِذا نزلا بِقوم قَالَا: نَحن بَنو آكل الْمُرَارِ يتعززان بذلك. فَكَانَ الْأَشْعَث يَقُول: وَالله لَا أسمع أحدا يَقُول: إِن قُريْشًا بَنو آكل الْمُرَارِ إِلَّا ضَربته ثَمَانِينَ. وآكل المرار هُوَ الْحَارِث بْن عَمْرو بْن حجر بْن عَمْرو بْن مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن مُعَاوِيَة بْن كندي، وَيُقَال كِنْدَة. قَالَ ابْن هِشَام: والأشعث بْن قيس من ولد آكل الْمُرَارِ من قبل النِّسَاء. وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرد بْن عَبْد اللَّهِ الْأَزْدِيّ فَأسلم وَحسن إِسْلَامه فِي وَفد من الأزد، وَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من أسلم من قومه، وَأمره أَن يُجَاهد -بِمن4 أسلم- من يَلِيهِ من أهل الشّرك من قبائل الْيمن. وَقدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب مُلُوك حمير، مُقَدّمَة من تَبُوك، بدخولهم فِي الْإِسْلَام، وَإِسْلَام هَمدَان ومعافر وَذي رعين، فَكتب لَهُم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا مَحْفُوظًا عِنْد الروَاة5. وَبعث إِلَيْهِ زرْعَة ذُو يزن بْن مَالك بْن مرّة الرهاوي بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قومه ومفارقتهم الشّرك، فَكتب لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضا6. وَبعث فَرْوَة بْن عَمْرو بْن النافرة الجذامي ثمَّ النفاثي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولا
بِإِسْلَامِهِ وَأهْدى لَهُ بغلة. وَكَانَ فَرْوَة عَاملا للروم على من يليهم من الْعَرَب بِأَرْض الشَّام، فَلَمَّا بلغ الرومَ إسلامُهُ طلبوه حَتَّى أَخَذُوهُ فحبسوه فَمَاتَ فِي حَبسهم. وَقد كَانَ قدم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة قبل خَيْبَر رِفَاعَة بْن زيد الجذامي ثمَّ الضبيبي من بني الضبيب فأهدى لَهُ غُلَاما وَأسلم وَحسن إِسْلَامه. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَغَيره: كَانَت هَمدَان قد قدم وفدهم على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ من تَبُوك، فآمنوا وَأَسْلمُوا، وَكتب1 لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذكر ابْن هِشَام خبرهم2 ورجزهم وشعرهم وَمَا كتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُم، وَذكر أَنهم قدمُوا فِي الحبرات3 والعمائم العدنية. وَفَرح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومهم وإسلامهم. وَبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد فِي ربيع الآخر أَو جُمَادَى الأولى سنة عشر إِلَى بني الْحَارِث بْن كَعْب بِنَجْرَان يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام، فأسلموا ودخلوا فِيمَا دعاهم خَالِد إِلَيْهِ من الْإِسْلَام. فَأَقَامَ عِنْدهم خَالِد يعلمهُمْ كتاب اللَّه وَشَرِيعَة الْإِسْلَام. وَكتب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فتح اللَّه عَلَيْهِ من أهل نَجْرَان وَمن إنصاف إِلَيْهِم، فَأَجَابَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن كِتَابه، وَأمره بالقدوم عَلَيْهِ، فَقدم وَمَعَهُ وَفد بني الْحَارِث بْن كَعْب. فَكتب لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبعث مَعَهم عَمْرو بْن حزم يفقههم فِي الدَّين وَيُعلمهُم السّنة، ومعالم الْإِسْلَام، وَيَأْخُذ مِنْهُم صَدَقَاتهمْ. وَكتب لَهُ بذلك كتابا فِيهِ4 الصَّدقَات والديات وَكثير من سنَن الْإِسْلَام. وَرجع وَفد بني الْحَارِث بْن كَعْب إِلَى قَومهمْ فِي بَقِيَّة شَوَّال أَو صدر ذِي الْقعدَة، فَلم يمكثوا بعد أَن رجعُوا إِلَى قَومهمْ إِلَّا أَرْبَعَة أشهر، حَتَّى توفّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
حجة الوداع
[حجَّة 1 الْوَدَاع] قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَلَمَّا دخل على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْقعدَة من سنة عشر تجهز لِلْحَجِّ، وَأمر النَّاس بالجهاز [لَهُ] 2 وَخرج لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة فِيمَا حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم عَن أَبِيه [الْقَاسِم3 بْن مُحَمَّد] عَن عَائِشَة. قَالَ ابْن هِشَام: وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا دُجَانَة السَّاعِدِيّ، وَقيل سِبَاع بْن عرفطة الْغِفَارِيّ. قَالَ أَبُو عمر4: مَا كَانَ فِي كتَابنَا هَذَا عَن ابْن إِسْحَاق فروايتنا فِيهِ عَن عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، عَن قَاسم بْن أصبغ، عَن مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام الْخُشَنِي، عَن مُحَمَّد بْن البرقي، عَن ابْن هِشَام، عَن زِيَاد البكائي، عَن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، وَقِرَاءَة مني أَيْضا على عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف، عَن ابْن مفرج، عَن ابْن الْأَعرَابِي، عَن العطاردي، عَن يُونُس بْن بكير، عَن ابْن إِسْحَاق: وَقِرَاءَة مني أَيْضا على عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، عَن قَاسم [بْن] أصبغ، عَن عبيد بْن عَبْد الْوَاحِد الْبَزَّار، عَن [أَحْمد بْن] 5 مُحَمَّد بْن أَيُّوب، عَن إِبْرَاهِيم بْن سعد، عَن ابْن إِسْحَاق. وَمَا كَانَ فِيهِ عَن مُوسَى بْن عقبَة فَقَرَأته على عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان وَأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمد، عَن قَاسم، عَن مطرف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قيس، عَن يَعْقُوب [عَن] ابْن فليح، عَن مُوسَى بْن عقبَة. ولي فِي ذَلِك رِوَايَات وأسانيدُ مَذْكُورَة فِي صدر كتاب6 الصَّحَابَة. وَفِي الفهرسة7 روايتنا لكتاب الْوَاقِدِيّ وَغَيره تركنَا ذَلِك هَا هُنَا خشيَة الإطالة بِذكرِهِ. وَفِي كتاب أبي بكر بْن أبي خَيْثَمَة -روايتي لَهُ عَن عَبْد الْوَارِث عَن قَاسم عَنهُ- من ذَلِك أَطْرَاف، وَالله الْمَحْمُود على عونه وفضله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله. قَالَ الْفَقِيه أَبُو عمر رَضِي اللَّه عَنهُ: قَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم بالسير والأثر إِن رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يحجّ فِي الْإِسْلَام إِلَّا ثَلَاث حجات: اثْنَتَيْنِ8 بِمَكَّة. وَوَاحِدَة بعد فرض الْحَج عَلَيْهِ من الْمَدِينَة.
حديث جابر في حجة الوداع
[حَدِيث 1 جَابر فِي حجَّة الْوَدَاع] وَأحسن حَدِيث فِي الْحَج وأتمه حَدِيث جَابر، حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرِ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن وَضاع، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَذَّنَ2 فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَاجٌّ الْعَامَ، فَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ وَيَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ. فَخرج رَسُول اللَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَى ذَا
الحليقة1. وَنَفِسَتْ2 أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي 3 بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَهِلِّي" 4. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ. لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. قَالَ: وَلَبَّى النَّاسُ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلامِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْمَعُ وَلا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا. فَنَظَرْتُ مَدَّ5 بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ جَابِرٌ: وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا. فَخَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ6، فَاسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ رَمَلَ7 ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيم مصلى} . قَالَ جَعْفَرٌ: قَالَ أَبِي: فَقَرَأَ فِيهِمَا8 بِالتَّوْحِيدِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ [الأَسْوَدَ] ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا فَقَالَ: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" وَقَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِر الله} . وَرَقَى عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ [وَحْدَهُ] أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَصَدَقَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ أَوْ قَالَ: هَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، [ثُمَّ دَعَا] 9 ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ، ثمَّ
دَعَا1 ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ. ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي الْوَادِي سَعَى2 حَتَّى صَعِدَ مَشْيًا حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَرَقَى عَلَيْهَا. حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا. فَلَمَّا كَانَ السَّابِع3 بالمروة قَالَ: "أَيهَا النَّاسُ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ 4 وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً" فَحَلَّ5 النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَقَالَ سراقَة بن خعثم، وَهُوَ فِي أَسْفَلِ الْمَرْوَةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: "لِلأَبَدِ بَلْ لأَبَدِ [الأَبَدِ] " ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ وَقَدِمَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فَاطِمَةُ قَدْ حَلَّتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: أَمَرَنِي أَبِي. قَالَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ6، لَمْ يَذْكُرْهُ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْتُ مُحَرِّشًا7 أَسْتَفْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ. قَالَ: قُلْتُ إِنَّ فَاطِمَةَ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، وَقَالَتْ: أَمَرَنِي أبي، قَالَ: "صدقت، صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا". قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "فَإِنَّ مَعِيَ 8 الْهَدْيَ فَلا تَحِلَّ بِحَالٍ". وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ عَلِيٌّ مِائَةً. فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ9 وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من كل
بَدَنَةٍ1 بِبِضْعَةٍ2 فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ نَحَرْتُ هَا هُنَا، وَمِنًي كُلُّهَا مَنْحَرٌ" وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ وَقَالَ: "وقفت هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". ثُمَّ أَتَى الْمزْدَلِفَة فَقَالَ: "وقفت هَا هُنَا، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ، قَالُوا: حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل: [و] 3 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْفَهَانِيُّ وَهَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالا4: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ وَالْكَلِمَتَيْنِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ شَابٌّ، فَرَحَّبَ وَسَهَّلَ5، وَدَعَا لِي. فَقَالُوا: جِئْنَا نَسْأَلُكَ فَقَالَ لِي: سل عَمَّا شِئْت يَا بن أَخِي، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَقَدَ تِسْعًا ثُمَّ قَالَ: أَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ6 أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيفَ أصنع؟ قَالَ: "اغْتَسِلِي
وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي". وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ1 حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ2 يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ3 وَيَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ4 تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ5. فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ6. لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا يُهِلُّونَ [بِهِ7] فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [عَلَيْهِمْ8] شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ9 مَعَهُ اسْتَلَمَ10 الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ11 إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيم مصلى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ -وَلا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلا عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ12: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ من شَعَائِر الله} "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّات
ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ. فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: "لَوْ أَنِّي 1 اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ [مِنْكُمْ 2] لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ 3 وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً" فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْثُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَصَابِعِهِ4 ثُمَّ قَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ -مَرَّتَيْنِ- لَا، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ" 5. قَالَ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا. فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُول اللَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ، لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ" ثُمَّ قَالَ: "مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ 6 الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: "فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلا تَحِلَّ". قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً. قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ7 تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ. وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا8 الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ9. ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا، حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ. وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ10. فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ1 الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ2 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ3 الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ4 لَهُ. فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ5 فَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا [فِي بَلَدِكُمْ 6 هَذَا] أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ 7 تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ رَبِيعَةَ 8 بْنِ الْحَارِثِ -كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ- وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ [رِبَانَا] 9: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ 10، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ [ذَلِكَ] 11 فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ 12، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ 13 عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ " قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيُشِيرُ14 إِلَى النَّاسِ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ". ثُمَّ أَذَّنَ15، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ
الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ1، وَجَعَلَ حَبْلَ2 الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ3، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلا حِينَ4 غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ5، حَتَّى إِنَّ رَأسهَا ليصيب مورك6 رَحْله، [و] 7يَقُول بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ" كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ8، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ9. بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ. وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا10، حَتَّى أَسْفَرَ11 جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الشَّعْرِ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّتْ [بِهِ] 12 الظُّعُنُ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ13 [فَحَوَّلَ14 الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ] يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا15، فَحَرَّكَ16 قَلِيلا ثمَّ سلك الطَّرِيق
الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إِلَى مَا يَلِي1 الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ2 فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا -حَصًا مِثْلُ حَصَا الْحَذْفِ3- رَمَاهَا4 مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا. ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَأَفَاضَ5، وَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: "انْزِعُوا 6 يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ على سِقَايَتكُمْ 7 لنزعت مَعكُمْ" وناوله دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
باب ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بَاب ذكر وَفَاة 1 النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ وَالْفَتْحُ} السُّورَةُ2 كُلُّهَا عَلِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. وَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ: يَقُولُ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَمُوتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا بن عَبَّاسٍ، إِعْجَابًا بِقَوْلِهِ. وَقَدْ كَانَ سَأَلَ عَنْهَا غَيْرَهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ أَخَذَهُ وَجَعُهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِ أُحُدٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ3. وَكَانَ أَوَّلَ مَا يَشْكُو فِي عِلَّتِهِ الصُّدَاعُ، فَيَقُولُ: "وَارَأْسَاهُ" ثُمَّ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَمُرِّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ: "مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُهُ بِخَيْبَرَ 4، مَا زَالَتْ تِلْكَ الأَكْلَةُ تُعَاوِدُنِي، فَهَذَا أَوَانُ قطعت أَبْهَري" 5. وأغمي عَلَيْهِ
فَظَنُّوا أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ1 وَكَانَ الْعَبَّاسُ الَّذِي أَشَارَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِالْقَصَاصِ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ -وَاسْتَثْنَى الْعَبَّاسَ بِرَأْيِهِ- فَلُدَّ كُلُّ مَنْ حَضَرَ فِي الْبَيْتِ إِلا الْعَبَّاسَ2. وَأَوْصَاهُمْ فِي مَرَضِهِ بِثَلاثٍ: أَنْ يُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَانَ يُجِيزُهُمْ بِهِ3 وَأَنْ لَا يَتْرُكُوا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَيْنِ، [قَالَ] : "أَخْرِجُوا مِنْهَا الْمُشْرِكِينَ. وَاللَّهَ اللَّهَ [فِي] الصَّلاةِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ". وَقَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". وَقَالَ لَهُمْ: "هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا". فَاخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا وَاخْتَصَمُوا، فَقَالَ: "قُومُوا عَنِّي، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي عِنْدِي تَنَازُعٌ". وَكَانَ عُمَرُ الْقَائِلَ حِينَئِذٍ: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَجَعُهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ4، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ. فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ، لاخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ5. وَسَارَّ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي مَرضه ذَلِك، فَقَالَ لَهَا: "بِأَن جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَرَضَهُ عَلَيَّ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَظُنُّ أَنِّي مَيِّتٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا" فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا: "مَا يَسُرُّكِ أَنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا عَدَا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ" فَضَحِكَتْ. وَكَانَ يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ: "مَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ وَيرى مَقْعَده" 6. روته عَائِشَة.
قَالَتْ: فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ جَعَلَ يَقُولُ: $"مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا". وَقَالَ حِينَ عَجَزَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ: $"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". وَخَرَجَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ مَرَضِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ، يَحْمِلُهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَلِيٌّ وَالآخَرُ الْعَبَّاسُ، وَقِيلَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ فِي مَرَضِهِ: $"هَرِيقُوا1 عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ2 لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ" فَأُجْلِسُ فِي مِخْضَبٍ3 لِحَفْصَةَ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ بِيَدِهِ أَنْ حَسْبُكُمْ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ. وَقد أوضحنا مَعَاني صلَاته فِي مَرضه بِالنَّاسِ مَعَ أبي بكر4 وَمَكَان الْمُقدم مِنْهُمَا وَمَا يَصح فِي ذَلِك عندنَا فِي كتاب التَّمْهِيد، وَبِاللَّهِ توفيقنا. وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمًا يَسْأَلُونَ عَلِيًّا وَالْعَبَّاسَ عَنْ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد اشْتَدَّتْ بِهِ الْحَالُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِخَيْرٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا الَّذِي تَقُولُ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ مِنَ الْمَوْتِ مَا لَمْ أَزَلْ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ بِنَا نَسْأَلْهُ فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ بَعْدَهُ. فَكَرِهَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، فَلَمْ يَسْأَلاهُ. وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَجَعَلَ يَقُولُ: $"لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ. الرَّفِيقَ الأَعْلَى" فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى مَاتَ. وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ بِلا اخْتِلافٍ، قِيلَ: فِي وَقْتِ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى فِي صَدْرِ5 رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشَرَةَ لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَقِيلَ: بَلْ دُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ وَلَمْ يَحْضُرْ غُسْلَهُ وَلا تَكْفِينَهُ إِلا أَهْلُ بَيْتِهِ، غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ المَاء، وَالْعَبَّاس يعينهم وحضرهم
شَقْرَانُ مَوْلاهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّحَابَةِ سُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَمْ يُصَدِّقْ عُمَرُ بِمَوْتِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: مَاتَ، وَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَخَطَبَ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى [عَلَيْهِ1 السَّلامُ] ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَاللَّهِ لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ الله مَاتَ2. وَيَأْتِي أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُشِفَ لَهُ عَنْ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَهُ، وَأَيْقَنَ بِمَوْتِهِ. ثُمَّ خَرَجَ فَوَجَدَ عُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى. فَتَنَحَّى عَنْهُ، وَقَامَ خَطِيبًا، فَانْصَرَفَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] : أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ثُمَّ تَلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعقابكم ... } الآيَةَ قَالَ عُمَرُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] : فَلَمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَرَفْتُ مَا وَقَعْتُ فِيهِ، وَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلُ. ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ [عَنْهُمْ3 أَجْمَعِينَ] . ثُمَّ بَايَعُوهُ بَيْعَةً أُخْرَى مِنَ الْغَدِ عَلَى مَلإٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ4 الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لله رب الْعَالمين. كمل كتاب الدُّرَر بِحَمْد الله وعونه وَحسن توفيقه
فهارس الكتاب
فهارس الْكتاب 1- فهرس رجال السَّنَد * "أ" إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْخَثْعَمِي: 30. إِبْرَاهِيم بن سعد: 30-198-259. إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: 35. أَبُو أَحْمد: 33. أَحْمد بن خَالِد: 48. أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ: 252-263. أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرِ: 260. أَحْمد بن شُعَيْب: 90. أَحْمد بن صَالح: 59-67. أَحْمد بن عبد الله: 161. أَحْمد بن عُثْمَان: 90. أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد: 259. أَحْمد بْن مُحَمَّد بْن أَيُّوب: 259. ابْن إِدْرِيس: 34. أَبُو أُسَامَة: 61. أَسْبَاط: 90. ابْن إِسْحَاق= مُحَمَّد بن إِسْحَاق: 27-33-37-38-56-62-96-108-111-134-138-142-158-161-170-175-188-190-197-198-199-202-203-209-221-231-235-259. إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم: 48. أَبُو إِسْحَاق السبيعِي: 258. إِسْرَائِيل: 29-33. إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: 161. إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد: 194. إِسْمَاعِيل بن سَمَّاعَة: 43. إِسْمَاعِيل بن علبة: 252. الْأسود بن رزن: 211. أَبُو الْأسود= مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن= يَتِيم عُرْوَة. أَبُو الْأَشْدَق= سُلَيْمَان بن مُوسَى. ابْن الْأَعرَابِي: 259.
الْأَعْمَش: 30-35-43-61. أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ: 108. الْأمَوِي= سعيد بن يحيى: 198. أنس بن مَالك: 43-81-161. الْأَوْزَاعِيّ: 28-43-57. إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: 199. إِيَاس بن مُعَاوِيَة: 252. أَيُّوب: 252. "ب" الْبَراء بن عَازِب: 185. أَبُو بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ: 199. بُرَيْدَة بن سُفْيَان: 198. ابْن بشار: 37. أَبُو بشر: 252. بشر بن بكر: 43. أَبُو بشير: 33. بشير بن يسَار: 202. أَبُو بكرَة: 252. أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة: 260. أَبُو بكر بن داسة= مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ التمار. أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: 90-199-263. أَبُو بكر الصّديق: 81. أَبُو بكر عبد الرَّحْمَن: 131-134. "ث" ثَابت: 81. ثَوْبَان: 81. الثَّوْريّ= مُنْذر الثَّوْريّ: 30. "ج" جَابر بن سَمُرَة: 29. جَابر بن عبد الله: 30-35-158-198-260-263. ابْن جريج: 30-161-251. جرير: 30. جَعْفَر بن مُحَمَّد: 260-263. "ح" حَاتِم بن إِسْمَاعِيل: 263. الْحَارِث بن أبي أُسَامَة: 81. الْحَارِث بن حضيرة: 91. أَخُو بني حَارِثَة: 198. حجاج بن أبي يَعْقُوب: 30-61-90-161. حسان بن ثَابت: 38. الْحسن بن إِسْمَاعِيل: 161. الْحسن الْبَصْرِيّ: 35-38. حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن: 42. حُصَيْن: 34. الحكم: 90.
حَمَّاد بن سَلمَة: 33-113. حميد: 161. "خَ" خَالِد: 34. خسيس بن أَصْرَم= أَبُو عَاصِم: 35. خلف بن سعيد: 48. "د" أَبُو دَاوُد السجسْتانِي= سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ: 28-31-33-34-41-43-46-48-53-59-61-63-131-134-199-252-263. أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ: 29-89. دَاوُد بن أبي هِنْد: 46. أَبُو الدَّرْدَاء: 81. "ر" أَبُو رَافع "مولى رَسُول الله": 198. الرّبيع بن خثيم: 30. ربيعَة بن عباد الدؤَلِي: 37. روح بن عبَادَة: 199. "ز" زَائِدَة بن قدامَة: 41. أَبُو الزبير: 236. زر: 41. الزُّهْرِيّ: 31-35-36-48-57-190-251. زِيَاد: 198. زِيَاد البكائي: 259. أَبُو زيد: 60. زيد بن أسلم: 37-202. زيد بن وهب= أَبُو سُلَيْمَان الْجُهَنِيّ. "س" ابْن السَّرْح: 63-131. أَبُو سُفْيَان: 43. سُفْيَان الثَّوْريّ: 61-150-269. سُفْيَان بن حُصَيْن: 252. سُفْيَان بن فَرْوَة: 198. سعد بن إِبْرَاهِيم: 150. سعد بن أبي وَقاص: 150. سعيد بن جُبَير: 33. سعيد بن دَاوُد: 89. سعيد بن سُلَيْمَان: 252. سعيد بن الْمسيب: 131-251. سعيد بن نصر: 81-90-91-199-263. سعيد بن يحيى: الْأمَوِي. أم سَلمَة "أم الْمُؤمنِينَ": 134.
سَلمَة بن الْأَكْوَع: 198-200. سَلمَة بن الْفضل: 134. أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن: 28-35-43-57. سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ= أَبُو دَاوُدَ السجسْتانِي. أَبُو سُلَيْمَان الْجُهَنِيّ= زيد بن وهب: 91. سُلَيْمَان بن حبَان: 46. سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن: 263. سُلَيْمَان بن معَاذ الضَّبِّيّ: 29-89. سُلَيْمَان بن مُوسَى= أَبُو الْأَشْدَق: 108. سماك بن حَرْب: 29-89. سنيد: 90-161. "ش" شريك: 60. شُعْبَة: 35. الشّعبِيّ= عَامر الشّعبِيّ: 34-194. ابْن شهَاب: 37-53-59-63-131-171-203-207-226-243-256. شَيبَان: 35. "ظ" أَبُو ظبْيَان: 61. "ع" عَائِشَة "أم الْمُؤمنِينَ": 31-35-63-259-270. عَاصِم: 41-269. أَبُو عَاصِم= خسيس بن أَصْرَم. عَاصِم بن عمر: 142-235. عَامر الشّعبِيّ= الشّعبِيّ. عباد بن عباد: 252. عباد بن عبد الله: 91. عباد بن الْعَوام: 252. عبَادَة بن الصَّامِت: 108. ابْن عَبَّاس= عبد الله بن عَبَّاس: 29-30-33-38-46-89-90-196-269-286. عبد الرَّزَّاق: 31-35-48. عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم: 57. عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث: 108. عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن كَعْب: 243. عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم: 259. عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي ليلى: 197. أَبُو عبد الله= مَيْمُون. عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرَيْدَةَ: 199. عَبْد اللَّهِ بْن أبي بكر: 142. عبد الله بن الزبير: 221. عبد الله بن سهل: 198. عبد الله بن عَبَّاس= ابْن عَبَّاس
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ 43. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْب بن مَالك: 243. عبد الله بن مَسْعُود= ابْن مَسْعُود: 41-59-61. عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عبد الْمُؤمن= أَبُو مُحَمَّدٍ: 28-31-33-35-37-41-43-46-48-53-59-61-63-131-134-199-252-263. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد النُّفَيْلِي: 263. عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف: 259. عبد الله بن نمير: 91. عبد الْملك بن بجير: 161. عبد الْوَارِث بن سُفْيَان: 53-57-252-260-263. عبد الْوَهَّاب: 37. أَبُو عُبَيْدَة: 43-61. أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله: 61. عبيد الله بْن عَبْد اللَّهِ: 190. عبيد بْن عَبْد الْوَاحِد الْبَزَّار: 259. أَبُو عُثْمَان بن سنة: 59. عُثْمَان بن أبي شيبَة: 30-41-43-46-263. عُرْوَة بن الزبير: 31-42-48-63-131. عَطاء بن السَّائِب: 33-113. العطاردي: 259. عَفَّان: 81. عِكْرِمَة: 30-35-46-89-90-161-196. عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي: 252. عِكْرِمَة بن عمار: 199. عَلَاء بن صَالح: 91. عَلْقَمَة: 60. عَليّ بن أبي طَالب: 262-265. عمر بن الْخطاب: 31-202-207. عمر بن عبد الْوَاحِد: 28-43. عَمْرو بن دِينَار: 30. عَمْرو بن طَلْحَة: 90. عَمْرو بن عُثْمَان: 42. عَمْرو بن مرّة: 61. عَنْبَسَة: 59. أَبُو عوَانَة: 33. عَوْف: 199. عِيسَى: 46. ابْن عُيَيْنَة: 179. "ف" ابْن فليح: 259. "ق" قَاسم بن أصبغ: 53-57-81-91-
199-252-260-263. الْقَاسِم بن مُحَمَّد: 259. قَتَادَة: 196. ابْن قُتَيْبَة: 196. أَبُو قرادة: 60. "ك". كَعْب بن مَالك: 243. "ل". ابْن لَهِيعَة: 53-56. "م". مَالك: 31-202. مَالك بن أَوْس: 207. مُجَاهِد: 35-42-46-196-251-252. مُحَمَّد: 42-61-252. أَبُو مُحَمَّدٍ= عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن. مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: 42-90. مُحَمَّد بن إِسْحَاق= ابْن إِسْحَاق. مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمسَيبِي: 53. مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ: 81. مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ: 161. مُحَمَّد بن البرقي: 259. مُحَمَّد بن بشار: 29-37. مُحَمَّد بن بكار التمار= أَبُو بكر بن داسة: 28-30-33-35-37-41-43-46-48-53-59-61-63-131-134-199-252-263. مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ: 31-48. مُحَمَّد بن سَلمَة الْمرَادِي: 53-131. مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْبَهَانِيّ: 263. مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن= أَبُو الْأسود= يَتِيم عُرْوَة: 53-56. مُحَمَّد بن عبد السَّلَام: 259. مُحَمَّد بن عبد الله: 29-37. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي دليم: 260. مُحَمَّد بن عبد الْملك: 59. مُحَمَّد بن أبي عُبَيْدَة: 43. مُحَمَّد بن أبي الْعَلَاء: 34-43. مُحَمَّد بن عَليّ "الباقر": 26-263. مُحَمَّد بن عمر= الْوَاقِدِيّ. مُحَمَّد بن عَمْرو: 37. مُحَمَّد بن عَمْرو الْمرَادِي: 134. مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة: 43. مُحَمَّد بن فليح: 53. مُحَمَّد بن كثير الصَّنْعَانِيّ: 36. مُحَمَّد بن الْمثنى: 37-41. مُحَمَّد بن مَسْعُود: 260. مُحَمَّد بن مُسلم: 134.
مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة: 90. مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: 37. مُحَمَّد بن وضاح: 57-90-199-260-263. مُحَمَّد بن يحيى: 36-90. مُحَمَّد بن خَالِد الدِّمَشْقِي: 28-42. الْمَدَائِنِي: 97. مُسَدّد بن مسرهد: 33-252. مَسْرُوق: 61. مسعر: 61. ابْن مَسْعُود= عبد الله بن مَسْعُود. مطرف بن عبد الرَّحْمَن: 53-259. أَبُو مُعَاوِيَة: 61. معمر: 31-35-36-48-251. معمر بن كرَاع: 150. معن: 61. مُغيرَة: 35. ابْن مفرج: 259. مقسم: 90. مَكْحُول: 108. مُنْذر الثَّوْريّ= الثَّوْريّ. الْمنْهَال: 91. مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: 33. مُوسَى بن عقبَة: 27-37-53-56-59-196-200-203-259. مَيْمُون= أَبُو عبد الله: 199. "ن". ابْن أبي نجيح: 46-251. نصر بن عَليّ: 33. "هـ". هَارُون بن عبد الله: 199. هَارُون بن مَعْرُوف: 61-263. هَاشم بن الْقَاسِم: 199. أَبُو هُرَيْرَة: 57. ابْن هِشَام: 27-39-40-194-257-259. هِشَام بن عُرْوَة: 43. هِشَام بن عمار: 263. همام: 81. "و". الْوَاقِدِيّ= مُحَمَّد بن عمر: 37-260. وَكِيع: 194-269. الْوَلِيد بن مزِيد: 43. الْوَلِيد بن مُسلم: 42-57. ابْن وهب: 53-63-131. وهب بن بَقِيَّة: 34. "ي". يَتِيم عُرْوَة= أَبُو الْأسود= مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن
يحيى بن أبي بكير: 41. يحيى بن خلف: 46. يحيى بن سعيد: 402. يحيى بن سعيد الْأمَوِي: 221. يحيى بن سعيد الْقطَّان: 260. يحيى بن عباد: 221. يحيى بن أبي كثير: 42-43. يزِيد: 59. يَعْقُوب: 259. يَعْقُوب بن حميد: 53. يُونُس: 59-131. ابْن يُونُس: 131. يُونُس بن بكير: 200-259. يُونُس بن زيد: 63.
فهرس الأعلام
2- فهرس الْأَعْلَام. آكل المرار= الْحَارِث بْن عَمْرو بْن حجر: 256. آمِنَة بنت خَالِد= أم خَالِد بنت خَالِد. ابْن أُبَيْرِق: 238. أبي بن خلف: 45-150-157. أبي بن كَعْب: 91-128. أَبُو أَحْمد بن جحش: 39-76. أحيحة بن أُميَّة بن خلف: 233. الْأَخْنَس بن شريق: 105-194. أَرْبَد بن حمير: 76. أَرْبَد بن قيس: 253-254. أَرْطَأَة بن عبد شُرَحْبِيل: 157. الأرقم بن أبي الأرقم: 40-92-115. أَبُو الأرقم بن أبي جُنْدُب= عَبْد منَاف بْن أبي جُنْدُب: 40. الْأَزْهَر بن عبد عَوْف: 194. أَبُو أُسَامَة الْجُشَمِي: 175. أُسَامَة بن زيد: 147-220-225-228-267. أَسد بن عبيد: 179. أسعد بن زُرَارَة= أَبُو أُمَامَة: 67-69-71-78-88. أسعد بن يزِيد: 126. أسلم= الْأسود الرَّاعِي. أسلم "غُلَام بني الْحجَّاج": 104. أَسمَاء بنت أبي بكر: 39-81-82. أَسمَاء بنت سَلامَة: 39. أَسمَاء بنت عَمْرو= أم منيع: 74. أَسمَاء بنت عُمَيْس: 39-49-132-206-261-263. إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام: 253. الْأسود الرَّاعِي= أسلم: 205. الْأسود بن عبد يَغُوث: 44-47-50-115. الْأسود بن مَسْعُود: 229-250. الْأسود بن الْمطلب: 44-47. الْأسود بن نَوْفَل: 50-6. أَبُو أسيد= مَالك بْن ربيعَة. أسيد بن حضير: 69-71-72-89-190. أسيد بن سعية: 179. أسيد بن ظهير: 147-187. أَبُو أسيرة "مولى عَمْرو بْن الجموح": 156. أسيرة بن عَمْرو= أَبُو سليط: 128.
الْأَشَج العصري: 255. الْأَشْعَث بن قيس: 257. أَصْحَمَة بن أبحر= النَّجَاشِيّ. الأصيرم= عَمْرو بن ثَابت. أَبُو الْأَعْوَر= الْحَارِث بن ظَالِم. الْأَقْرَع بن حَابِس: 230-231-234-236-255. أَبُو الأقلح= قيس بن عصمَة: 118. أكيدر بن عبد الْملك: 241. أَبُو أُمَامَة= أسعد بْن زُرَارَة. أُمَامَة بنت رُقَيْش: 77. أمة بنت خَالِد: 206. أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب: 76. أمينة بنت خلف: 38-49-206. أَبُو أُميَّة بن أبي حُذَيْفَة: 112-157. أُميَّة بن خلف: 45-111. أنس بن أَوْس: 182. أنس بن رَافع= أَبُو الحيسر بن رَافع: 66. أنس بن مَالك: 149-155. أنس بن معَاذ: 136. أنس بن النَّضر: 148-149-155. أنسة "الحبشي مولى رَسُول الله": 78-103-113. أنيس بن قَتَادَة: 119-154. أنيس بن معير: 45. أنيف بن حبيب: 205. أَوْس بن الأرقم: 155. أَوْس بن ثَابت: 72-79-89-128-155. أَوْس بن حجر: 85. أَوْس بن خولى: 122. أَوْس بن الصَّامِت: 122. أَوْس بن عَوْف: 248. أَوْس بن الْفَاكِه: 205. أَوْس بن قَتَادَة: 205. أَوْس بن قيظي: 94-173. أوفى بن الْحَارِث: 227. إِيَاس بن أَوْس: 154. إِيَاس بن البكير: 40-77-116. إِيَاس بن عدي: 155. إِيَاس بن معَاذ: 66. أَيمن بن أم أَيمن= أَيمن بن عبيد. أَيمن بن عبيد= أَيمن بن أم أَيمن: 225-228. أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ= خَالِد بْن زيد: 72-87-91-127. "ب". بجاد بن عُثْمَان: 93-243. بجير بن أبي بجير: 129. بجير بْن زُهَيْر بْن أبي سلمى: 229. بحزج "الضبعِي": 243.
أَبُو البخْترِي بن هِشَام= الْعَاصِ بن هِشَام 44-56-57-110. بديل بن وَرْقَاء: 212-214-215. الْبَراء بن عَازِب: 147-192. أَبُو برَاء الْكلابِي: 162-164. الْبَراء بن معْرور: 70-71. أَبُو بردة بن نيار= هَانِئ بن نيار: 118. أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ: 219. البرك= امْرُؤ الْقَيْس بْن ثَعْلَبَة: 120. بركَة بنت يسَار: 50. بسبس بن عَمْرو: 103-104-124. بشر بن الْبَراء: 73-124-204-205. بشر بن الْحَارِث: 51. بشر بن زيد: 93. بشير بن سعد: 72-121. بشير بن عبد الْمُنْذر= أَبُو لبَابَة. أَبُو بَصِير= عبيد بن أسيد الثَّقَفِيّ. أَبُو بكر الصّديق: 37-41-43-46-57-80-81-82-89-90-92-103-115-150-162-164-198-199-204-213-225-232-243-248-250-252-271-272. بِلَال بن رَبَاح: 38-41-42-45-91-92-115-220. بنانة "امْرَأَة الحكم الْقرظِيّ": 181. أم الْبَنِينَ: 164. بياضة بن عَامر: 73. "ت". تَمام بن عُبَيْدَة: 76. تَمِيم "مولى خرَاش بن الصمَّة": 124. تَمِيم "مولى سعد بن خَيْثَمَة": 120. تَمِيم بن يعار: 121. "ث". ثَابت بن أقرم: 119. ثَابت بن ثَابت= أَبُو ضياح بن ثَابت: 120-205. ثَابت بن الْجذع: 74-229. ثَابت بن خَالِد: 127. ثَابت بن خنساء: 129. ثَابت بن عَمْرو: 128-155. ثَابت بن قيس: 91-181-188. ثَابت بن هزال: 123. ثَابت بن وَاثِلَة: 205. ثَابت بن وقش: 151-153. ثَعْلَبَة بن حَاطِب: 119-243. ثَعْلَبَة بن سعد: 155. ثَعْلَبَة بن سعية: 179. ثَعْلَبَة بن عَمْرو: 128. ثَعْلَبَة بن عنمة: 73-125-182.
ثَعْلَبَة بن كَعْب= الْجذع. ثقف بن عَمْرو: 76-114-205. ثقف بن فَرْوَة: 155. ثُمَامَة بن أَثَال: 254. "ج". جَابر بن خَالِد: 129. جَابر بن سُفْيَان: 51. جَابر بن عبد الله: 67-68-73-74-125-158-167-260. الْجَارُود بن عَمْرو: 255. جَارِيَة بن عَامر: 93-243. جَبَّار بن أُميَّة: 125. جَبَّار بن صَخْر: 73-87-203. جبر بن عتِيك: 120. جِبْرِيل "عَلَيْهِ السَّلَام": 33-47-64-149-177-213-270. جُبَير بن إِيَاس: 126. جُبَير بن مطعم: 153. جدامة بنت جندل: 77. الْجد بن قيس: 94-238. الْجذع= ثَعْلَبَة بن كَعْب: 74. خرَاش بن أُميَّة: 194. جعدة بن هُبَيْرَة: 220. جَعْفَر بن أبي سُفْيَان بن الْحَارِث: 225. جَعْفَر بن أبي طَالب: 39-49-91-132-133-134-136-137-206-209-210. جعيل بن سراقَة: 236. الْجلاس بن طَلْحَة: 156. جليحة بن عبد الله: 229. جُنَادَة بن سُفْيَان: 51. جُنْدُب بن جُنَادَة= أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ. أَبُو جندل بن سُهَيْل: 193-195. جَهْجَاه بن مَسْعُود: 189. أَبُو جهم بن حُذَيْفَة: 233. جهم بن قيس: 50-206. أَبُو جهل: 40-44-46-96-105-110. جوَيْرِية بنت الْحَارِث "زوج الرَّسُول": 188. "ح". الْحَارِث بن أنس: 117-153. الْحَارِث بن أَوْس: 117-143-145. الْحَارِث بن الْحَارِث: 51. الْحَارِث بن حَاطِب: 51-205. الْحَارِث بن خَالِد: 50-206. الْحَارِث بن خزمة: 117. الْحَارِث بن ربعى= أَبُو قَتَادَة: 187. الْحَارِث بن رِفَاعَة= أَبُو رهم: 72. الْحَارِث بن زَمعَة: 110. حَارِثَة بن سراقَة: 128.
الْحَارِث بن سهل: 229. الْحَارِث بن سُوَيْد: 93-151. الْحَارِث بن الصمَّة: 92-128-150-162. الْحَارِث بن الطُّلَاطِلَة: 45. الْحَارِث بن طَلْحَة: 156. الْحَارِث بن ظَالِم= أَبُو الْأَعْوَر: 129. الْحَارِث بن عَامر: 110. الْحَارِث بن عدي: 155. الْحَارِث بن عرْفجَة: 120. الْحَارِث بن عَمْرو= آكل المرار. الْحَارِث بن عَوْف: 169-173. الْحَارِث بن غيطلة= ابْن الغيطلة: 47. الْحَارِث بن قيس= أَبُو خَالِد: 45-73-126. الْحَارِث بن مُنَبّه: 111. الْحَارِث بن النُّعْمَان: 120. الْحَارِث بن هِشَام: 77-231-233. الْحَارِث بن أبي وجزة: 111. حَارِثَة بن سراقَة: 109. حَارِثَة بن النُّعْمَان: 127. حَاطِب بن أُميَّة: 94. حَاطِب بن أبي بلتعة: 91-114-213-214. حَاطِب بن الْحَارِث: 39-48-132. حَاطِب بن عَمْرو: 40-116-206. أَبُو حَاطِب بن عَمْرو: 48. الْحباب بن الْمُنْذر: 105-124. حبَان بن قيس= ابْن العرقة: 175. أَبُو حَبَّة بن عَمْرو: 154. أَبُو حَبِيبَة بن الأزعر: 93-243. حبيب بن أسود: 124. أم حبيب بنت جحش: 76. حبيب بن زيد: 79-154. حبيب بن عَمْرو: 62. أم حَبِيبَة "أم الْمُؤمنِينَ": 49-212. أم حَبِيبَة بنت نباتة: 77. الحتات بن يزِيد: 255. حُذَيْفَة بن أبي حُذَيْفَة: 111. أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة= مهشم بن عتبَة: 40-45-49-58-79-91-92-99-113. حُذَيْفَة بن الْيَمَان: 91-151-154-177. حرَام بن مَالك= حرَام بن ملْحَان. حرَام بن ملْحَان= حرَام بن مَالك: 129-162. أم حرَام بنت ملْحَان "أم عبَادَة بن الصَّامِت": 162. أم حَرْمَلَة بنت عَبْد الْأسود: 50-206. حَرْمَلَة بن هَوْذَة: 234. حُرَيْث بن زيد: 121.
حسان بن ثَابت: 79-90-128-155-163-175. الْحسن بن عَليّ: 213. حَسَنَة "زوج سُفْيَان بن معمر": 51. الحسيل بن جَابر= الْيَمَان: 151-154. الْحصين بن الْحَارِث: 78-91-113. الْحَضْرَمِيّ= عَبْد اللَّهِ بْن عباد: 100. حطاب بن الْحَارِث: 40-51. حَفْصَة بنت عمر "أم الْمُؤمنِينَ": 78-271. ابْن أبي الْحقيق= أَبُو رَافع= سَلام بْن أبي الْحقيق. أَبُو الحكم بن الْأَخْنَس: 157. الحكم بن أبي الْعَاصِ: 44-47. الحكم بن عَمْرو: 247. الحكم الْقرظِيّ: 181. الحكم بن كيسَان: 100-101. أَبُو حَكِيم= عَمْرو بن ثَعْلَبَة. أم حَكِيم بنت الْحَارِث بْن هِشَام: 219. حَكِيم بن حزَام: 105-215-231-234-237. حليمة السعدية: 231. حمامة "أم بِلَال": 45. أَبُو الْحَمْرَاء "مولى الْحَارِث بْن عفراء": 127. حَمْزَة بن عبد الْمطلب= أَبُو عمَارَة: 39-40-78-92-96-97-103-105-110-113-148-153-156-157. حمْنَة بنت جحش: 76. أَبُو حميضة= معبد بْن عباد. حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان: 44-110. حَنْظَلَة بْن أبي عَامر= غسيل الْمَلَائِكَة: 92-147-149-154. حويطب بن عبد الْعُزَّى: 231-233. الْحُوَيْرِث بن نقيذ: 219-220. حويصة بن مَسْعُود: 145. أَبُو الحيسر بن رَافع= أنس بن رَافع. أَبُو حَيَّة بن ثَابت: 218. حييّ بن أَخطب: 165-171-172-181. "خَ". خَارِجَة بن حمير: 125. خَارِجَة بن زيد: 72-85-86-89-90-121-155. خَارِجَة بن قيس: 128. أَبُو خَالِد= الْحَارِث بن قيس. خَالِد بن أسيد: 233. خَالِد بن الأعلم: 112-157. خَالِد بن البكير: 40-77-99-116-159. أم خَالِد بنت خَالِد= آمِنَة بنت خَالِد: 49. خَالِد بن زيد= أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
خَالِد بْن سعيد بْن العَاصِي: 38-49-132-206-248. خَالِد بن عَمْرو: 73. خَالِد بن قيس: 73-126. خَالِد بن هِشَام: 111-233. خَالِد بن هَوْذَة: 234. خَالِد بن الْوَلِيد: 110-112-147-192-208-210-218-222-241-258. خباب بن الْأَرَت: 47-78-114-115. خباب "مولى عتبَة بن غَزوَان": 114. خباب بن قيظي: 154. خبيب بن إساف: 78-85-121. خبيب بن عدي: 92-159-160-172-185. خديج بن سَلامَة: 74. خَدِيجَة بنت خويلد "أم الْمُؤمنِينَ": 29-31-32-38-42-58. خذام بن خَالِد: 242. خرَاش بن الصمَّة: 124. خرباق السّلمِيّ= ذُو الْيَدَيْنِ. خزاعى بن أسود: 184. أَبُو خُزَيْمَة بن أَوْس: 127. خُزَيْمَة بن جهم بن قيس: 50-206. الْخطاب بن نفَيْل: 39-216. ابْن خطل= عبد الْعُزَّى بن خطل: 219-220. الخلاس بن سُوَيْد: 93. خَلاد بن رَافع: 126. خَلاد بن سُوَيْد: 72-93-121-181-183. خَلاد بن عَمْرو: 124-156. خليدة بن قيس: 125. خَليفَة بن عدي: 126. خُنَيْس بن حذافة: 39-51-58-78-92-116. خُنَيْس بن خَالِد: 218. خولي بن أبي خولي: 77-115. خَوات بن جُبَير: 120-146-172. خَيْثَمَة "وَالِد سعد بْن خَيْثَمَة": 145. "د". داعس: 94. أَبُو دَاوُد= عُمَيْر بن عَامر. أَبُو دُجَانَة الْأنْصَارِيّ= سماك بْن خَرشَة: 89-123-147-149-157-165-259. دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ: 177. أَبُو الدَّرْدَاء: 90-91. دُرَيْد بن الصمَّة: 223-224-227.
ابْن الدغنة= مَالك بن الدغنة: 41-57. دُلْدُل "بغلة رَسُول الله": 226. "ذ". ذُؤَيْب بن الْأسود: 211. أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ= جُنْدُب بن جُنَادَة: 40-91-166-241. ذكْوَان بن عبد قيس: 73-126-156. ذُو البجادين الْمُزنِيّ= عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الْمُزنِيّ: 239-243. ذُو الْخمار= سبيع بْن الْحَارِث. ذُو الْخمار بن عبد الله: 227. ذُو الحويصرة التَّمِيمِي: 234. ذُو الشمالين= عُمَيْر بْن عَبْد عَمْرو: 92-109-115. ذُو النُّور= الطُّفَيْل بن عَمْرو. ذُو الْيَدَيْنِ= خرباق السّلمِيّ: 109. ذُو يزن بن مَالك= زرْعَة بن مَالك: 257. "ر". أَبُو رَافع= سَلام بْن أبي الْحقيق. رَافع "مولى خُزَاعَة": 212. رَافع بن الْحَارِث: 127. رَافع بن حُرَيْمِلَة: 94. رَافع بن خديج: 147. رَافع بن زيد: 93. رَافع عنجدة: 119. رَافع بن مَالك: 67-68-71. رَافع بن الْمُعَلَّى: 92-109-126. رَافع بن وَدِيعَة: 94. رَافع بن يزِيد: 117. الرّبيع بن إِيَاس: 123. ابْن أبي ربيعَة= عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ: 132. ربيعَة بن أَكْثَم: 76-114-205. رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: 221. ربيعَة بن أبي برَاء: 164. ربيعَة بن الْحَارِث: 257-266. ربيعَة بن رفيع: 227. ربعي بن رَافع: 119. رجيلة بن ثَعْلَبَة: 126. رِفَاعَة بن رَافع: 126. رِفَاعَة بن زيد: 94-258. رِفَاعَة بن سموأل: 181-182. رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر: 71-72-78-119. رِفَاعَة بن عَمْرو: 74-122. رِفَاعَة بن مسروح: 205. رِفَاعَة بن وقش: 154. رقيم بن ثَابت: 229. رقية بنت رَسُول الله: 48-58-113-132. رَملَة بنت أبي عَوْف: 40-50.
أَبُو رهم= كُلْثُوم بْن حُصَيْن الْغِفَارِيّ أَبُو الرّوم بن عُمَيْر: 50. رَيْحَانَة بنت عَمْرو: 182. ريطة بنت الْحَارِث: 50-206. "ز". الزبْرِقَان بن بدر: 225. ابْن الزبعر: 222. الزبير بن باطا: 181. الزبير بن عُبَيْدَة: 76. الزبير بن الْعَوام: 39-49-58-79-89-91-92-103-105-110-114-138-150-199-204-213-218. زرْعَة بن مَالك= ذُو يزن بن مَالك. زَمعَة بن الْأسود: 44-58-110. زنيرة: 46. الزُّهْرِيّ= مُحَمَّد بْن مُسلم بْن شهَاب. زُهَيْر بن أبي أُميَّة: 45-57-220-233. زِيَاد بن السكن: 149. زِيَاد بن عَمْرو: 124. زِيَاد بن لبيد: 73-86-126. أَبُو زيد= قيس بن مسكن. زيد بن أسلم: 119. زيد بن أَرقم: 147-155-189. زيد بن ثَابت: 147-203. زيد بن جَارِيَة: 93-243. زيد بن حَارِثَة: 38-78-89-92-103-110-113-210. زيد بن حَاطِب: 154. زيد بن الْخطاب: 77-92-115. زيد الْخَيْر= زيد الْخَيل. زيد الْخَيل= زيد الْخَيْر: 256. زيد بن الدثنة: 159-160. زيد بن سهل= أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ. زيد بن عَمْرو: 94. زيد بن المزين: 92-121. زيد بن اللصيت: 94-241. زيد بن وَدِيعَة: 122. زَيْنَب بنت جحش "أم الْمُؤمنِينَ": 76. زَيْنَب "بنت رَسُول رَسُول الله": 111. زَيْنَب بنت الْحَارِث الْيَهُودِيَّة: 204. "س". السَّائِب بن الْحَارِث: 51-229. السَّائِب بن أبي حُبَيْش: 111. السَّائِب بن أبي السَّائِب: 110-233. السَّائِب بن عُثْمَان: 39-51-58-97-116. السَّائِب بن عبيد: 111. سارة "مولاة بني عبد الْمطلب": 219-220.
سَالم بن عُمَيْر: 120-239. سَالم "مولى أبي حُذَيْفَة": 79-92-114. سِبَاع بن عبد الْعُزَّى: 157. سِبَاع بن عرفطة: 139-168-239-259. أَبُو سُبْرَة بْن أبي رهم: 49-58-79-92-116. سبيع بن الْحَارِث= ذُو الْخمار: 223. سبيع بن حَاطِب: 154. سَخْبَرَة بن عُبَيْدَة: 76. سراقَة بن جعثم: 262-265. سراقَة بن الْحَارِث: 228. سراقَة بن عَمْرو: 129-210. سراقَة بن كَعْب: 127. سراقَة بن مَالك: 82. سعد "مولى حَاطِب": 114. سعد بن خَوْلَة: 52-58-116. سعد بن خَيْثَمَة: 71-72-78-79-85-89-109-120-154. سعد بن الرّبيع: 71-79-86-89-91-121-155. سعد بن زيد: 117-146-187. سعد بن سُهَيْل: 129. سعد بن عبَادَة: 71-74-86-95-172-173-190-235. سعد بن عبد قيس: 52. سعد بن عبيد: 119. سعد بن عُثْمَان= أَبُو عبَادَة: 126. سعد بْن معَاذ= أَبُو عَمْرو: 69-79-89-91-102-103-106-117-150-153-172-173-174-175-177-180-182. سعد بن أبي وَقاص: 39-47-50-89-92-96-98-100-102-115-156-157. سعيد بن الْحَارِث: 51. سعيد بن حُرَيْث: 219. سعيد بن خَالِد: 49-206. أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: 147-148-155. سعيد بن خَيْثَمَة: 92. سعيد بن رُقَيْش: 76. سعيد بن زيد: 39-77-92-115-117. سعيد بْن سعيد بْن العَاصِي: 229. سعيد بن سُوَيْد: 155. أَبُو سعيد بن أبي طَلْحَة: 156. سعيد بن العَاصِي: 114. سعيد بن عَمْرو: 51. أَبُو سعيد بن الْمُعَلَّى: 101. أَبُو سعيد بن وهب: 166. سعيد بن يَرْبُوع: 232.
سُفْيَان بن بشر: 91. أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث: 44-215-225. أَبُو سُفْيَان= صَخْر بن حَرْب: 44-49-76-102-104-139-158-160-168-169-176-177-212-214-217-231-233-249-250. سُفْيَان بن عبد الْأسد: 233. سُفْيَان بن معمر: 51. سُفْيَان بن نسر: 121. السَّكْرَان بن عَمْرو: 52-58. سلافة بنت سعد: 159. سَلام بن أبي الْحقيق= ابْن أبي الْحقيق= أَبُو رَافع: 165-183-184-185. سَلام بن مشْكم: 169-204. سلكان بن سَلامَة= أَبُو نائلة: 143. سلمى بن الْأسود: 211. سلمى بنت قيس= أم الْمُنْذر: 182. سلمَان الْفَارِسِي: 90-91-169. أم سَلمَة "أم الْمُؤمنِينَ": 45-49-58-75-110-132-157-215-220-229. سَلمَة بن أسلم: 118. سَلمَة بْن عَمْرو بْن الْأَكْوَع: 187. سَلمَة بن ثَابت: 117-153. سَلمَة بْن دُرَيْد بْن الصمَّة: 227. سَلمَة بن سَلامَة: 72-91-117. أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد= عبد الله بن عبد الْأسد: 39-49-58-76-89-92-98-114-115-132. سَلمَة بن الميلاء: 219. سَلمَة بن هِشَام: 45-58-77. أَبُو سليط= يسيرَة بن عَمْرو. سليط بن عَمْرو: 39-40-49. سليط بن قيس: 86-181. سليم بن الْحَارِث: 129. سليم بن عَمْرو: 73-125-156. سليم بن مَالك= سليم بن ملْحَان. سليم بن ملْحَان= سليم بن مَالك: 129. سليم بن مَنْصُور: 50. أم سليم بنت ملْحَان "أم أنس بن مَالك": 162-197-227. سماك بن خَرشَة= أَبُو دُجَانَة الْأنْصَارِيّ. سماك بن سعد: 121. سَمُرَة بن جُنْدُب: 147. سميَّة "أم عمار بن يَاسر": 38-41. أَبُو السنابل بن بعكك: 233. أَبُو سِنَان الْأَسدي: 194. سِنَان بن أبي سِنَان: 114. سِنَان بن صَيْفِي: 73-125. سِنَان بن مُحصن: 114.
أَبُو سِنَان بن مُحصن: 114-183. سِنَان بن وبر: 189. سهل: 86. سهل بن حنيف: 89-91-93-119-165-243. سهل بن سعد: 125. سهل بن عتِيك: 72-128. سهل بن قيس: 156. سهلة بنت سُهَيْل بْن عَمْرو: 49-58. سُهَيْل: 86. سُهَيْل بن بَيْضَاء= سُهَيْل بن وهب: 49-58-99-116. سُهَيْل بن عَمْرو: 49-112-193-194-218-231-237. سُهَيْل بن وهب= سُهَيْل بن بَيْضَاء. سَواد بن رزق: 125. سَواد بن غزيَّة: 129. سَوْدَة بنت زَمعَة "أم الْمُؤمنِينَ": 52-58. سوبيط بن سعد: 50-58-78-114. سُوَيْد: 94. سُوَيْد بن الصَّامِت: 66-151. سُوَيْد بن مخشي= أَبُو مخشي: 114. سويلم الْيَهُودِيّ: 238. "ش". الشَّافِعِي: 201-217. شُجَاع بن وهب: 76-114. شَدَّاد بن الْأسود= ابْن شعوب: 149. شَدَّاد بن أَوْس: 155. شُرَحْبِيل بن حَسَنَة: 51. شُرَحْبِيل بن غيلَان: 248. ابْن شعوب= شَدَّاد بن الْأسود. شقراء "فرس جَعْفَر بن أبي طَالب": 210. شقران "مولى رَسُول الله": 272. شماس بن عُثْمَان= عُثْمَان بن عُثْمَان: 51-58-92-115-153. ابْن شهَاب= مُحَمَّد بْن مُسلم بْن شهَاب الزُّهْرِيّ. شيبَة بن ربيعَة: 44-63-105-110. شيبَة بن عُثْمَان: 220-233. شيبَة بن مَالك: 157. أَبُو شيخ بن أبي ثَابت: 128. الشيماء بنت الْحَارِث "أُخْت رَسُول الله من الرضَاعَة": 230. "ص". صَوَاب "مولى أبي طَلْحَة": 157. صبيح "مولى سعيد بن العَاصِي": 114. صَخْر بن حَرْب= أَبُو سُفْيَان. صرد بن عبد الله: 257. الصعب بن معَاذ: 197. أَبُو صعصعة= عَمْرو بن زيد: 129.
صَفْوَان بن أُميَّة: 161-218-222-224-231-233. صَفْوَان بن بَيْضَاء= صَفْوَان بن وهب: 92-109-116. صَفْوَان بن عَمْرو: 76. صَفْوَان بن وهب= صَفْوَان بن بَيْضَاء. صَفِيَّة بنت حييّ "زوج رَسُول الله": 197. صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب: 175. الصمَّة بن عَمْرو: 124. صُهَيْب الرُّومِي= صُهَيْب بن سِنَان: 38-41-78-115. صُهَيْب بن سِنَان= صُهَيْب الرُّومِي. صَيْفِي بن أبي رِفَاعَة: 111. صَيْفِي بن السَّائِب: 45. صَيْفِي بن سَواد: 73. صَيْفِي بن قيظي: 154. "ض". الضَّحَّاك بن ثَابت: 94. الضَّحَّاك بن حَارِثَة: 73-125. الضَّحَّاك بن خَليفَة: 238. الضَّحَّاك بن عبد عَمْرو: 129. ضرار بن الْخطاب: 174. ضمام بن ثَعْلَبَة: 255. ضَمرَة "الْجُهَنِيّ": 155. ضَمرَة بن عَمْرو: 124. ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ: 102. أَبُو ضياح بن ثَابت= ثَابت بن ثَابت. "ط". أَبُو طَالب: 41-52-55-58. الطاغية= اللات. طعيمة بن عدي: 110-153. الطُّفَيْل بن الْحَارِث: 78-91-113. الطُّفَيْل بن عَمْرو= ذُو النُّور: 64. الطُّفَيْل بن مَالك: 73-125. الطُّفَيْل بن النُّعْمَان: 73-125-182. أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ= زيد بن سهل: 72-128-187. طَلْحَة بن زيد: 92. طَلْحَة بن أبي طَلْحَة: 156. طَلْحَة بن عبيد الله: 39-51-78-89-91-92-110-115-117-148-203-238-246. طليب بن عُمَيْر: 50-58-78. طليق بن سُفْيَان: 233. "ظ". ظهير بن رَافع: 72. "ع". عَائِذ بن ماعص: 126-187.
عَائِشَة "أم الْمُؤمنِينَ": 35-39-189-190-269-270. عَائِشَة بنت الْحَارِث: 51. عَائِشَة بنت مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة "أم عَبْد الْملك بْن مَرْوَان": 158. عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب: 57. عَاصِم بن ثَابت: 89-91-110-118-156-159-160-185. عَاصِم بن عدي: 119-203-242. عَاصِم بن العكير: 122. عَاصِم بن قيس: 120. أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع: 111. الْعَاصِ بن هِشَام= أَبُو البخْترِي بن هِشَام. العَاصِي بن وَائِل: 41-45-47. عَاقل بن البكير: 40-77-92-109-116. أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ= عبيد الْأَشْعَرِيّ: 227-228. عَامر بن الْأَكْوَع: 205. عَامر بن أُميَّة: 129. عَامر بن البكير: 40-77-116-122. عَامر بن الْجراح= أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح. أَبُو عَامر الراهب= عبد عَمْرو بن صَيْفِي: 147. عَامر بن ربيعَة الْعَنزي: 39-49-76-99-116. عَامر بن سعد: 211. عَامر بن سَلمَة: 122. عَامر بن سِنَان: 199-200. عَامر بن الطُّفَيْل: 161-164-253-254. عَامر بن عبد الله= أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح. عَامر بن فهَيْرَة: 40-45-81-82-92-115-162. عَامر بن مخلد: 127-155. عَامر بن أبي وَقاص: 50. عباد بن بشر: 79-89-91-117-143-187. عباد بن حنيف: 93-243. عباد بن سهل: 154. عباد بن قيس: 73-121-126-210. أَبُو عبَادَة= سعد بن عُثْمَان. عبَادَة بن الخشخاش: 92-123-155. عبَادَة بن الصَّامِت: 68-71-89-92-122. عبَادَة بن مَالك: 210. ابْن عَبَّاس= عبد الله بن الْعَبَّاس: 269-270. الْعَبَّاس بن عبَادَة: 68-74-86-91-155. الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: 30-70-111-215-218-225.
257-266-270-271. الْعَبَّاس بن مرداس: 232-234. الْعَبَّاس بن نَضْلَة: 71. عَبَايَة بن مَالك: 210. عبد بن زَمعَة: 112. عبد ربه بن حق: 124. أَبُو عَبْد الرَّحْمَن= يزِيد بْن ثَعْلَبَة. عبد الرَّحْمَن بن حسان: 175. عبد الرَّحْمَن بن الزبير: 181. عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: 39-49-58-79-89-91-92-103-115-150-157-194-203. عبد الرَّحْمَن بن عُيَيْنَة: 187. عبد الرَّحْمَن بن كَعْب= أَبُو ليلى: 239. عبد الْعُزَّى بن خطل= ابْن خطل. عبد عَمْرو بن صَيْفِي= أَبُو عَامر الراهب. عبد الله بن أبي: 94-112-141-146-151-165-180-189-239. عبد الله بن أريقط "أرقط": 80-82. عَبْد اللَّهِ بْن أبي أُميَّة: 215-229. عبد الله بن أنيس: 73-184-185. عَبْد اللَّهِ بْن أبي بكر: 81-229. عبد الله بن ثَعْلَبَة: 120. عبد الله بن جُبَير: 72-91-120-146-148-154. عبد الله بن جحش: 39-49-58-76-89-91-99-100-102-114-153-182. عبد الله بن الْجد: 125. عبد الله بن جدعَان: 115. عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب: 49-206. عبد الله بن الْحَارِث: 229. عبد الله بن أبي حُدُود: 224. عبد الله بن حذافة: 51. عبد الله بن حميد: 112-157. عبد الله بن حميد: 125. عبد الله بن ذياد= المجذر بن ذياد. عبد الله بن ربيع: 122. عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ= ابْن أبي ربيعَة: 131-132-135. عبد الله بن رَوَاحَة: 71-86-92-105-121-172-209-210. عبد الله بن زيد: 73-121. عَبْد اللَّهِ بْن أبي السَّائِب= أَبُو عَطاء: 112. عبد الله بن سراقَة: 77-115. عبد الله بن سعد: 219. عبد الله بن سُفْيَان: 51. عبد الله بن سَلام: 85-93-141. عبد الله بن سَلمَة: 78-119.
عبد الله بن سهل: 118-182. عبد الله بن سهل: 118-182. عبد الله بن سُهَيْل: 58-116. عبد الله بن شهَاب: 132-148. عبد الله بن طَارق: 118-159-160. عبد الله بن عَامر: 124-229. عبد الله بن عباد= الخضرمي. عبد الله بن عَبَّاس= ابْن عَبَّاس. عبد الله بن عبد الْأسد= أَبُو سَلمَة بْن عَبْد الْأسد. عبد الله بن عبس: 121. عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بن أبي: 94-122-168-189-190. عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد منَاف: 125. عبد الله بن عتِيك: 183-184. عبد الله بن عرفطة: 121. عبد الله بن عمر: 147. عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حرَام: 70-71-124-146-156-158. عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الْمُزنِيّ= ذُو البحارين. عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ وهب: 155. عبد الله بن عُمَيْر: 121. عبد الله بن قيس: 125-127. عبد الله بن قنيع: 227. عبد الله بن كَعْب: 106-129. عبد الله بن مخرمَة: 58-92-116. عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الْمُزنِيّ= ذُو البحادين. عبد الله بن مَسْعُود: 39-42-50-58-60-61-92-110-116-157-241. عبد الله بن الْمطلب: 50. عبد الله بن مَظْعُون: 39-51-58-92-116. عبد الله بن الْمُغَفَّل: 239. عبد الله بن النُّعْمَان: 125. عبد الله بن الهبيب: 205. عبد الْمطلب بن هَاشم: 86. عبد الْملك بن مَرْوَان: 158. عَبْد منَاف بْن أبي جُنْدُب= أَبُو الأرقم بن أبي جُنْدُب. أَبُو عبس بن جبر: 118-143. عبس بن عَامر: 73-125. عبد بن أسيد الثَّقَفِيّ= أَبُو بَصِير: 194. عبيد الْأَشْعَرِيّ= أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ. عبيد بن أَوْس= عبيد السِّهَام= مقرن: 119. عبيد بن التيهَان: 118-154. عبيد بن زيد= أَبُو عَيَّاش الزريقي. عبيد السِّهَام= عبيد بن أَوْس= مقرن. عبيد بن أبي عبيد: 119. عبيد بن عُمَيْر: 35. عبيد بن الْمُعَلَّى: 156. عبيد الله بن جحش: 49.
عُبَيْدَة بن جَابر: 157. أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح= عَامر بن عبد الله: 39-52-58-89-91-92-116-149-218. عبيد بن الْحَارِث: 78-91-96-105-109-110-113. عُبَيْدَة بن سعيد: 110. عبد ياليل بن عَمْرو: 34-62-63-247. عتاب بن أسيد: 225-236-237. عتْبَان بن مَالك: 86-89-122. عتبَة بن ربيع: 155. عتبَة بن ربيعَة: 44-63-105-110-206. عتبَة بن ربيعَة البهرائي: 123. عتبَة بن عبد الله: 125. عتبَة بن غَزوَان: 50-58-78-89-92-99-100-112-114. عتبَة بن مَسْعُود: 39-50-151. عتبَة بن أبي وَقاص: 148. عتِيك بن التيهَان: 118. عُثْمَان بن حنيف: 93. عُثْمَان بن ربيعَة: 51-206. عُثْمَان بن طَلْحَة: 76-220. عُثْمَان بن أبي طَلْحَة: 156. عُثْمَان بن أبي العَاصِي: 248. عُثْمَان بن عَامر= أَبُو قُحَافَة. عُثْمَان بن عبد شمس: 112. عُثْمَان بن عبد غنم: 52. عُثْمَان بن عبد الله: 100-101-112. عُثْمَان بن عُثْمَان= شماس بن عُثْمَان. عُثْمَان بن عَفَّان: 39-48-57-79-89-92-113-117-132-140-151-166-193-194-219-238. عُثْمَان بن مَظْعُون: 39-49-58-90-91-116. عداس: 63. عدي بن حَاتِم: 256. عدي بن الْحَمْرَاء: 45. عدي بن الْخِيَار: 111. عدي بن أبي الزغباء: 103-104-127. عدي بن قيس: 233. عدي بن نَضْلَة: 52. عرابة بن أَوْس: 147-173. عرباض بن سَارِيَة: 239. عرفطة بن جناب: 229. ابْن العرقة= حبَان بن قيس. عُرْوَة بن أَسمَاء: 162. عُرْوَة بن عبد الْعُزَّى: 51. عُرْوَة بن مرّة: 205. عُرْوَة بن مَسْعُود: 228-247-249. الْعُزَّى: 223.
أَبُو عزة= عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ. أَبُو عُزَيْر بن عُمَيْر: 111. عصيمة "الْأَسدي": 129. عصيمة "الْأَشْجَعِيّ": 128. العضباء "نَاقَة رَسُول الله": 187-250. أَبُو عَطاء= عَبْد اللَّهِ بْن أبي السَّائِب. عُطَارِد بْن حَاجِب بْن زُرَارَة: 255. عَطِيَّة الْقرظِيّ: 181. عَطِيَّة بن نُوَيْرَة: 126. ابْن عفراء= عَوْف، ومعاذ، ومعوذ أَبنَاء الْحَارِث بن رِفَاعَة. عقبَة بن عَامر: 67-68-124. عقبَة بن عُثْمَان: 126. عقبَة بن عَمْرو= أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ. عقبَة بن غَزوَان: 96. عقبَة بن أبي معيط: 44-47-107-110-113. عقبَة بن وهب: 74-76-122. عقيل بن الْأسود: 110. عقيل بن أبي طَالب: 111. أَبُو عقيل بْن عَبْد اللَّهِ: 120. عقيل بن كَعْب: 223. عكاشة بن مُحصن: 76-92-99-106-114-187. عِكْرِمَة بن أبي جهل: 96-147-174-176-218-219-237. عِكْرِمَة بن عَامر: 233. الْعَلَاء بن جَارِيَة: 241. الْعَلَاء بن الْحَارِث: 227. الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ: 256. علبة بن زيد: 239. عَلْقَمَة بن علاثة: 234. عَليّ بن أبي طَالب: 38-42-79-85-89-90-102-103-105-110-113-149-150-156-157-164-174-178-183-193-197-199-200-203-213-218-220-222-225-226-239-251-262-265-267-271. أَبُو عمَارَة= حَمْزَة بن عبد الْمطلب. أم عمَارَة الْأَنْصَارِيَّة= نسيبة بنت كَعْب: 74-149. عمَارَة بن حزم: 72-127. عمَارَة بن زِيَاد: 153. عمَارَة بْن عقبَة بْن حَارِثَة: 205. عمَارَة بْن عقبَة بْن أبي معيط: 195. عمَارَة بْن عقبَة بْن أبي معيط: 195. عمَارَة بن الْوَلِيد: 138. عمَارَة بن يزِيد: 149.
عمر بن الْخطاب: 39-41-77-78-89-90-92-103-109-115-140-150-164-189-198-201-203-204-213-214-219-225-234-243-269-270-272. عمرَان بن سوَادَة: 140. عمْرَة بنت أسعد: 52. عمْرَة بنت السعدى: 206. عمْرَة بنت عَلْقَمَة: 149. أَبُو عَمْرو= سعد بن معَاذ. عَمْرو بْن أبي: 112. عَمْرو بْن أُميَّة بن الْحَارِث: 50. عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي: 131-133-163-164. عَمْرو بْن أُميَّة بْن وهب: 229. عَمْرو بن الْأَهْتَم: 255. عَمْرو بن إِيَاس: 123-155. عَمْرو بن ثَابت= الأصيرم: 69-152-153. عَمْرو بن ثَعْلَبَة= أَبُو حَكِيم: 128. عَمْرو بن جحاش: 164. عَمْرو بن الجموح: 156. عَمْرو بن جهم: 50-206. عَمْرو بن الْحَارِث بن زُهَيْر: 58-116. عَمْرو بن الْحَارِث بن لبدة: 74. عَمْرو بن حزم: 258. عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ: 100. عَمْرو بن الْحمام: 239. عَمْرو بن زيد= أَبُو صعصعة. عَمْرو بن سَالم: 212. عَمْرو بن سراقَة: 77-92-115. عَمْرو بن أبي سرح: 52-58-116. عَمْرو بن سعد: 211. عَمْرو بن سعدى: 179. عَمْرو بن سعيد: 38-49-206. عَمْرو بن أبي سُفْيَان: 111. عَمْرو بن طلق: 125. عَمْرو بن الْعَاصِ: 45-51-102-131-135-137-138-208. عَمْرو بن عَامر: 224. عَمْرو بن عبد الله= أَبُو عزة: 112-157. عَمْرو بن عبد ود: 174-183. عَمْرو بن عبسة: 38. عَمْرو بن عُثْمَان: 51. عَمْرو بن عنمة: 73. عَمْرو بن غزيَّة: 72. عَمْرو بن قمئة: 149. عَمْرو بن قيس: 94. عَمْرو بْن قيس بْن زيد: 155. عَمْرو بن مُحصن: 76.
عَمْرو بن مطرف: 155. عَمْرو بن معَاذ: 117-153. عَمْرو بن معد يكرب: 256. عَمْرو بن أم مَكْتُوم: 102. أَبُو عمار "الوائلي": 169. عمار بن يَاسر: 38-41-47-58-89-91-115. عُمَيْر بن الْحَارِث: 74-124. عُمَيْر بن الْحمام: 91-106-109-124. عُمَيْر بن رِئَاب: 51. عُمَيْر بن عَامر= أَبُو دَاوُد: 129. عُمَيْر بن عبد عَمْرو= ذُو الشمالين. عُمَيْر بن عُثْمَان: 110. عُمَيْر بن عدي: 155. عُمَيْر بن عَوْف: 116. عمر بن معبد: 119. عُمَيْر بن أبي وَقاص: 39-92-109-115. عُمَيْر بن وهب: 105-222-231-233. عنترة "مولى سليم بن عَمْرو": 125-156. عنجدة "أم رَافع": 119. عَوْف بن الْحَارِث= عَوْف بن عفراء. عَوْف بن عَامر: 224. عَوْف بن عفراء= عَوْف بن الْحَارِث: 67-68-72-105-109-127. عون بن جَعْفَر بن أبي طَالب: 49. عويم بن سَاعِدَة: 69-72-89-91-119-152. عَيَّاش بن أبي ربيعَة: 39-51-58-77. أَبُو عَيَّاش الزريقي= عبيد بن زيد: 126-187. عِيَاض بن زُهَيْر= عِيَاض بن غنم: 52-116. عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: 133. عُيَيْنَة بن حصن: 169-173-230-232-234-236-237-255. "غ". غسيل الْمَلَائِكَة= حَنْظَلَة بن أبي عَامر. ابْن الغيطلة= الْحَارِث بن غيطلة. غيلَان بن سَلمَة: 228. "ف". الفارعة بنت أبي سُفْيَان: 76. فَاطِمَة بنت رَسُول الله: 113-213-262-265-270. فَاطِمَة بنت الْحَارِث: 51. فَاطِمَة بنت الْخطاب: 39. فَاطِمَة بنت صَفْوَان: 49-206. فَاطِمَة بنت المجلل: 51. الْفَاكِه بن بشر: 126.
فراس بن النَّضر: 50. فرتنى "قينة ابْن خطل": 219. فَرْوَة بن عَمْرو: 73-86-92-126. فَرْوَة بْن عَمْرو بْن النافرة الجذامي: 257. فَرْوَة بن مسيك: 256. ابْن فسحم= يزِيد بن الْحَارِث. فضَالة بن عُمَيْر: 222. الْفضل بن الْعَبَّاس: 225-267-271. فُضَيْل بن النُّعْمَان: 205. فكيهة بنت يسَار: 40-51. فهَيْرَة "مولاة أبي بكر": 40. فَيْرُوز الديلمي: 257. "ق". قَارب بن الْأسود: 223-227-249-250. القاسط بن شُرَيْح: 157. أَبُو قَتَادَة "ابْن عَم كَعْب بن مَالك": 244. أَبُو قَتَادَة بن ربعي= الْحَارِث بن ربعي: 184. قَتَادَة بن النُّعْمَان: 118-159. قتيلة بنت الْحَارِث: 107. قثم بن الْعَبَّاس: 225. أَبُو قُحَافَة= عُثْمَان بن عَامر: 38-46. قدامَة بن مَظْعُون: 39-51-58-116. قزمان "حَلِيف النبيت": 94. قزمان "حَلِيف بني ظفر": 152-156-157. الْقَصْوَاء "نَاقَة رَسُول الله": 264-267. قُطْبَة بن عَامر: 67-68-73-92-125. قُطْبَة بن قَتَادَة: 210. ابْن قمئة اللَّيْثِيّ: 153. قيس بن جَابر: 76. قيس بن الْحَارِث: 255. أَبُو قيس بن الْحَارِث: 51. قيس بن حذافة: 51. قيس بن زيد: 152. قيس بن سعد: 218. قيس بن سكن= أَبُو زيد: 129. قيس بن أبي صعصعة= قيس بن عَمْرو: 72-103-129-155. أَبُو قيس بن صَيْفِي: 70. قيس بن عَاصِم: 255. قيس بن عبد الله: 50. قيس بن عصمَة= أَبُو الأقلح. قيس بن عَمْرو= قيس بن أبي صعصعة. قيس بن الْفَاكِه: 45-110. قيس بن فهر: 94. قيس بن مُحصن: 126. أم قيس بنت مُحصن: 77. قيس بن مخلد: 129-155.
قيس بن المكشوح: 256-257. أَبُو قيس بن الْوَلِيد: 45-110. قَيْصر: 170-173. قَيْنَتَا ابْن خطل: 219-220. "ك". أَبُو كَبْشَة الْفَارِسِي "مولى رَسُول الله": 78-103-113. كرز بن جَابر: 98-99-218. كسْرَى: 170-173. كَعْب بن أَسد: 171-172-181. كَعْب بن الْأَشْرَف: 142-144-184. كَعْب بن حمَار: 124. كَعْب بن زُهَيْر: 237. كَعْب بن زيد: 129-182. كَعْب بن عَمْرو= أَبُو الْيُسْر: 73-125. كَعْب بن مَالك: 70-73-89-91-150-240-243-245-246. كلاب بن طَلْحَة: 156. كُلْثُوم بن الْأسود: 211. كُلْثُوم بن حُصَيْن= أَبُو رهم: 214. أم كُلْثُوم بنت سُهَيْل: 49-58. أم كُلْثُوم بنت عقبَة: 195. كُلْثُوم بن الْهدم: 78-85. كنَانَة بن الرّبيع: 165-169-197. كنَانَة بن صوريا: 94. كيسَان "عبد بني مَازِن": 155. "ل". اللات= الطاغية: 248-250. أَبُو لبَابَة= بشير بْن عَبْد الْمُنْذر: 102-119-140-141-179. لبيد بن ربيعَة: 234-253. أَبُو لَهب: 37-44-47-52-102. أَبُو ليلى= عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب. ليلى بنت أبي حثْمَة: 49-58-76. "م". مَالك: 94. مَالك بن أنس: 202. مَالك بن أَوْس: 154. مَالك بن إِيَاس: 156. مَالك بن خَالِد= ملْحَان. مَالك بن أبي خولي: 77-116. مَالك بن الدخشم: 123-242. مَالك بن الدغنة= ابْن الدغنة. مَالك بن رافلة: 209. مَالك بن ربيعَة= أَبُو أسيد: 51-124. مَالك بن زَمعَة: 206. مَالك بن سِنَان: 148-155. مَالك بن عباد: 211. مَالك بن عبيد الله: 111.
مَالك بن عَمْرو= مُحرز بن عَامر: 76-114-146. مَالك بن عَوْف النصري: 223-224-227-231-234-237. مَالك بن قدامَة: 120. مَالك بن مَسْعُود: 124. مَالك بن نميلَة: 120. الْمبرد: 109. مُبشر بْن عَبْد الْمُنْذر بْن زنبر: 76-92-109-119. مُبشر بْن عَبْد الْمُنْذر بْن ديار الْأنْصَارِيّ: 205. المجدع فِي الله= عبد الله بن جحش. مجدي بن عَمْرو: 96-104. المجدر بن ذياد= عبد الله بن ذياد: 92-123-151-156. بنت المجلل العامرية: 40. مجمع بن جَارِيَة: 93-243. أَبُو مَحْذُورَة بن معير: 45. مُحرز بن نَضْلَة: 76-114-187. مُحَمَّد بن أبي بكر: 260-263. مُحَمَّد بن جَعْفَر بن طَالب: 49. مُحَمَّد بن حَاطِب: 51. مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة: 49. مُحَمَّد بن سَلمَة: 118. مُحَمَّد بن عباد: 35. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش: 76. مُحَمَّد بْن مُسلم بْن شهَاب الزُّهْرِيّ: 109-157. مُحَمَّد بن مسلمة: 89-91-142-143-180-187-197-198-199-205-239. مَحْمُود بن مسلمة: 187-197-205. محمية بن جُزْء: 51-206. محيصة بن مَسْعُود: 145-201. مخرمَة بن نَوْفَل: 102-232. مخشن بن حمير: 241. أَبُو مخشي= سُوَيْد بن مخشي. مخشي بن عَمْرو: 95. مخيرق بن الفطيون: 151. مدعم "غُلَام رَسُول الله": 207. مُدْلِج بن عَمْرو: 114. مرَارَة بن الرّبيع: 244. مرَارَة بن ربيعَة: 240. امْرُؤ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة= البرك. مربع بن قيظي: 94-146. أَبُو مرْثَد الغنوي: 78-89-92-113. مرْثَد بن أبي مرْثَد: 78-103-113-159. مرحب "الْيَهُودِيّ": 198-200. مَرْيَم بنت عمرَان "عَلَيْهَا السَّلَام": 270. مسافع بن طَلْحَة: 156.
مسطح بن أَثَاثَة: 78-92-113. ابْن مَسْعُود= عبد الله بن مَسْعُود. مَسْعُود بن الْأسود: 210. مَسْعُود بن أبي أُميَّة: 110. أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ= عقبَة بن عَمْرو: 73. مَسْعُود بن أَوْس: 127. مَسْعُود بن خلدَة: 126. مَسْعُود بن ربيعَة: 39-115-205. مَسْعُود بن رخيلة: 169. مَسْعُود بن زيد: 73. مَسْعُود بن سعد: 118-126-205. مَسْعُود بن سِنَان: 184. مَسْعُود بن عَمْرو: 62. مَسْعُود بن هنيدة: 85. مُسَيْلمَة الْكذَّاب: 74-153-254. مُصعب بن عُمَيْر: 49-50-69-79-89-91-92-102-111-114-147-148-153. الْمطعم بن عدي: 56-57-59. الْمطلب بن أَزْهَر: 40-50. الْمطلب بن حنْطَب: 111. مُطِيع بن الْأسود: 233. معَاذ بن جبل: 74-89-91-125. معَاذ بن الْحَارِث= معَاذ بن عفراء: 68-72-86-89-127. معَاذ بن عَمْرو: 74-110-124. معَاذ بن معاص: 92-126-187. مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: 194-231-233-255. مُعَاوِيَة بن الْعَاصِ: 44. مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة: 158. أم معبد: 83. معبد بن عباد= أَبُو حميضة: 125. معبد بن قيس: 125. معبد بن أبي معبد: 158. معتب بن حَمْرَاء= معتب بن عَوْف. معتب بن عبيد: 118. معتب بن عَوْف= معتب بن حَمْرَاء: 51-115. معتب بن قُشَيْر: 118-173-243. معقل بن الْمُنْذر: 73-125. معمر بن الْحَارِث: 40-51-116. معمر بن عبد الله: 51-132-206. معن بن عدي: 72-92-119-242. المعنق ليَمُوت= الْمُنْذر بن عَمْرو. معوذ بن الْحَارِث= معوذ بن عفراء. معوذ بن عفراء= معوذ بن الْحَارِث: 72-105-109-110-127. معوذ بن عَمْرو: 124. معيقب بن أبي فَاطِمَة: 50-206. الْمُغيرَة بن شُعْبَة: 248-249. الْمِقْدَاد بن الْأسود= الْمِقْدَاد بن عَمْرو
الْمِقْدَاد بن عَمْرو= الْمِقْدَاد بن الْأسود 41-47-51-58-92-96-105-115-187-213. مقرن= عبيد بن أَوْس. مقيس بن صبَابَة: 191-219-220. مكرز بن أبي حَفْص: 96. ابْن أم مَكْتُوم: 69-139-146-165-171-178. ملْحَان= مَالك بن خَالِد: 129. أَبُو مليح بن عُرْوَة: 249. أَبُو مليل بن الأزعر: 119. مُنَبّه "الْخُزَاعِيّ": 212. مُنَبّه بن الْحجَّاج: 45-111. مُنَبّه بن عُثْمَان: 183. أَبُو الْمُنْذر= يزِيد بن عَامر. أم الْمُنْذر= سلمى بنت قيس. أَبُو الْمُنْذر بْن أبي رِفَاعَة: 111. الْمُنْذر بن سَاوَى: 256. الْمُنْذر بن عبد الله: 229. الْمُنْذر بن عَمْرو= المعنق ليَمُوت: 71-74-86-91-123-161-162. مُنْذر بن قدامَة: 120. الْمُنْذر بن مُحَمَّد: 79-92-120-163. منقذ بن نباتة: 76. أم منيع= أَسمَاء بنت عَمْرو. مهجع "مولى عمر": 92-106-109-115. مهشم بن عتبَة= حُذَيْفَة بن عتبَة. مُوسَى "عَلَيْهِ السَّلَام": 33-133-136-225-239-272. أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: 52-206-227. مُوسَى بن الْحَارِث: 51. مَيْمُونَة بنت الْحَارِث "أم الْمُؤمنِينَ": 208-269. "ن". أَبُو نائلة= سلكان بن سَلامَة. نَاجِية بن جُنْدُب: 192. نَافِع بن بديل: 162. نَبْتَل بن الْحَارِث: 93-243. نبيه بن الْحجَّاج: 45-111. النَّجَاشِيّ= أَصْحَمَة بن أبحر: 54-131-138. النَّجَاشِيّ "الشَّاعِر": 175. نحاب بن ثَعْلَبَة= نحاث بن ثَعْلَبَة. نحاث بن ثَعْلَبَة= نحاب بن ثَعْلَبَة: 123. النعام= نعيم بن عبد الله. نسيبة بنت كَعْب= أم عمَارَة الْأَنْصَارِيَّة. نصر بن الْحَارِث: 118. النَّضر بن الْحَارِث: 44-107-110. النَّضِير بن الْحَارِث: 234.
النُّعْمَان بن عبد عَمْرو: 129. النُّعْمَان بن عدي: 52. النُّعْمَان بن عصر: 120. النُّعْمَان بن عَمْرو: 111-127. النُّعْمَان بن مَالك: 123-155. النُّعْمَان بن يسَار: 125. نعيم بن عبد الله= النحام: 40. نعيم بن مَسْعُود: 175-176. نعيم بن يزِيد: 255. نعيم بن خَرشَة: 248. نميلَة بن عبد الله: 188-196-220. النهدية: 46. ابْنة النهدية: 46. نهير بن الْهَيْثَم: 72. نَوْفَل بن الْحَارِث: 111. نَوْفَل بن خويلد: 110. نَوْفَل بن عبد الله: 100-122-155-183. نَوْفَل بن مُعَاوِيَة: 211-233. "هـ". هَارُون "عَلَيْهِ السَّلَام": 239. أم هَانِئ بنت أبي طَالب: 220-222. هَانِئ بن نيار= أَبُو بردة بن نيار: 72. هَبَّار بن سُفْيَان: 51. أَبُو هُبَيْرَة بن الْحَارِث: 155. هُبَيْرَة بن أبي وهب: 174-222. هِرقل: 209-210. هرمى بن عبد الله: 239. الْهَرَوِيّ: 133. أَبُو هُرَيْرَة: 109. هِشَام بن أبي أُميَّة: 157. هِشَام بن أبي حُذَيْفَة: 51. هِشَام بن صبَابَة: 189-191. هِشَام بن الْعَاصِ: 51-58-77. هِشَام بن عَمْرو: 57-232-233. هِشَام بن الْوَلِيد: 233. هِلَال بن أُميَّة: 240-244-245. هَوْذَة بن قيس: 169. أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان: 69-71-72-90-118. "و". وَاقد بن عبد الله: 40-77-99-115. وَحشِي بن حَرْب: 153. أَبُو ودَاعَة بن صبيرة: 112. وَدِيعَة: 94. وَدِيعَة بن ثَابت: 93-243. وَدِيعَة بن عَمْرو: 128. ورقة بن إِيَاس: 123. ورقة بن نَوْفَل: 32-33. الْوَلِيد بن الْعَاصِ: 157.
الْوَلِيد بن عتبَة: 105-110. الْوَلِيد بن عقبَة: 191-195. الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: 44-49. الْوَلِيد بن الْوَلِيد: 45-58-77. وهب بن سعد: 116-210. "ي". يَاسر "أَخُو مرحب الْيَهُودِيّ": 199. يَامِين بن عُمَيْر: 166. ابْن يَامِين بن عسير: 239. يحنة بن رؤبة: 242. يزِيد بن ثَعْلَبَة= أَبُو عبد الرَّحْمَن: 68-74. يزِيد بن الْحَارِث= ابْن فسحم: 92-109-121. يزِيد بن حَاطِب: 121. يزِيد بن خدام: 73. يزِيد بن رُقَيْش: 76-114. يزِيد بن زَمعَة: 50-228. يزِيد بن عَامر= أَبُو الْمُنْذر: 73-125. أَبُو يزِيد بن عُمَيْر: 165. يزِيد بن الْمُنْذر: 73-125. أَبُو يسَار= عريض: 104. أَبُو الْيُسْر= كَعْب بن عَمْرو. يسيرَة بن أبي خَارِجَة= أَبُو سليط: 86-156. الْيَمَان بن جَابر= الحسيل بن جَابر. يُونُس "عَلَيْهِ السَّلَام": 63.
فهرس القبائل والطوائف والأمم
3- فهرس الْقَبَائِل والطوائف والأمم. "أ" بَنو آكل المرار: 256. الْأَوْس: 66-68-70-72-109-117-118-153-172-180-184-205-219-229. بَنو الأبجر= بَنو خدرة: 112-155. الْأَحَابِيش: 145-147. بَنو الأردم: 219. بَنو أدّى: 74-125. بَنو إراشة: 209. الأزد: 40-115-257. بَنو أَسد: 205-214-225. بَنو أَسد بن خُزَيْمَة: 76-114-129. بَنو أَسد بن عبد الْعُزَّى: 44-114-157-205. أسلم: 85-184-192-204-205-214-218. آل الْأسود بن رزن: 211. أَشْجَع: 125-128-169. بَنو أَصْرَم بن فهر: 122. بَنو أُميَّة: 50-229-233. بَنو أُميَّة بن زيد: 77-93-119-145-243. الْأَنْصَار: 67-70-72-88-89-90-93-96-102-109-117-139-146-149-153-161-163-166-170-180-186-189-190-191-210-217-219-226-228-230-233-235-237-272. "ب" البكاءون: 239. بَنو بكر بْن عَبْد مَنَاة: 211-212. بلي: 69-72-74-118-119-124-129-209. بلقين: 209. بَنو بَهْدَلَة: 255. بهراء: 209. بهز بن سليم: 123. بَنو بياضة: 73-86-126-204.
"ت" تَمِيم: 51-214-217-234-255. بَنو تَمِيم الله= بَنو النجار. بَنو تيم بن مرّة: 115. "ث" بَنو ثَعْلَب بن مَالك: 122. بَنو ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج: 122. بَنو ثَعْلَبَة بن عَمْرو: 120-154. بَنو ثَعْلَبَة الغطفانيون: 166. بَنو ثَعْلَبَة بن الفطيون: 151. ثَقِيف: 62-63-223-227-228-229-237-247-248-249-253. ثَمُود: 240. "ج" بَنو جحجبي: 79-120. بَنو جحش: 76. بَنو جدارة بن عَوْف: 121. جذام: 209. بَنو جذيمة بن عَامر: 222. بَنو جُزْء بن عدي: 122. بَنو جشم: 223-227. بَنو جشم بن الْحَارِث: 73-91-121. بَنو جشم بن الْخَزْرَج: 94. بَنو جمح: 45-80-116-157-233. الْجِنّ: 59-61. جُهَيْنَة: 127-128-155-204-218. "ح" بَنو الْحَارِث بن الْخَزْرَج: 73-78-85-86-109-118-155-204-210. بَنو الْحَارِث بْن عَبْد الْمطلب: 78. بَنو الْحَارِث بن فهر: 116. بَنو الْحَارِث بن كَعْب: 258. بَنو حَارِثَة: 94-146-201-204-239. بَنو حَارِثَة بن الْحَارِث: 118. بَنو حَارِثَة بن ثَعْلَبَة: 92. بَنو الحبلى: 74-122. بَنو حبيب: 126. بَنو الْحجَّاج: 104. بَنو حديلة= بَنو مُعَاوِيَة بن عَمْرو. بَنو حراق: 103. حمير: 257. بَنو حَنْظَلَة: 234. بَنو حنيفَة: 253-254-255.
"خَ" بَنو خدرة= بَنو الأبجر. خُزَاعَة: 188-211-212-215. الْخَزْرَج: 67-68-71-72-94-109-155-172-180-184-219-226. خطمة: 70-155. "د" بَنو دعد بن فهر: 123. بَنو الديل: 211-233. بَنو دِينَار بن النجار: 129-162-182. "ذ" ذبيان: 225. ذكْوَان: 162. "ر" ربيعَة: 39. رعل: 162. الرّوم: 197-209-238-257. "ز" بَنو زُرَيْق: 126-156. بَنو زعورا: 117-118. بَنو زهرَة: 44-105-109-115-157-194-205-231. بَنو زيد بن الْحَارِث: 121. "س" بَنو سَاعِدَة: 86-103-123-155-203-229. بَنو سَالم بن عَوْف: 74-86-122-155-248. بَنو سعد: 266. بَنو سعد بن بكر: 223-231-255. بَنو سعد بن لَيْث: 40-116-229. بَنو سعيد بن الْعَاصِ: 104-206. بَنو السّلم: 154. بَنو سَلمَة: 70-74-87-109-124-156-184-203-205-229-238-239-240-244-260. بَنو سليم: 114-125-139-162-163-214-217-223-225-227-230-234. بَنو سلول: 254. بَنو سهم: 45-52-116-206-233. بَنو سَواد بن غنم: 73-156. بَنو سَواد بن مَالك: 156.
"ش" بَنو شَيبَان: 223. "ص" الصدف: 100. "ض" بَنو الضبيب: 257. بَنو ضبيعة: 118-147-151-154-243. بَنو ضَمرَة: 95. "ط" بَنو طريف بن الْخَزْرَج: 124. طَيئ: 142-240-256. "ظ" بَنو ظفر: 118-152-154-159. "ع" بَنو الْعَاصِ بن أُميَّة: 49. بَنو عَامر بن صعصعة: 161-164-224-233-234-253. بَنو عَامر بن لؤَي: 52-58-116-157-174-195-233. بَنو عَامر بن مَالك: 72. بَنو عبد بن قصي: 78. بَنو عبد الْأَشْهَل: 66-69-79-92-94-117-146-152-154-180-182-187-205. بَنو عبد الدَّار: 44-114-147-156-159-233. بَنو عبد الرَّحْمَن: 219. بَنو عبد شمس: 44-111-113-153-205. عبد الْقَيْس: 255. بَنو عبد الله بن غطفان: 74-122. بَنو عبد الْمطلب: 57-219-230-268-271. بَنو عبد منَاف: 216. بَنو عبس: 129-154-225. بَنو عبيد بن زيد: 119-154-242. بَنو عبيد الله: 219. العتقاء: 194. بَنو عجل: 77-116. بَنو العجلان: 154-228. بَنو العجلان بن زيد: 122. بَنو العجلان بن عَمْرو: 126. بَنو عدي بن كَعْب: 40-46-52-76-77-105-109-115-210-216-229-233. بَنو عدي بن عَمْرو= بَنو مغالة: 128.
بَنو عدي بن غنم: 73. بَنو عدي بن النجار: 86-128. عصية: 162. عضل: 159-172. بَنو عَمْرو بن الْخَزْرَج: 124. بَنو عَمْرو بن عَوْف: 66-69-72-76-78-93-109-146-154-159-163-173-179-205-239-240-243. بَنو عَمْرو بن قُرَيْظَة: 182. بَنو عَمْرو بن مَالك: 72. عنز بن وَائِل: 39. بَنو عَوْف بن الْخَزْرَج: 74-94-122-155-189. بَنو عَوْف بن مَالك: 118. "غ" غَسَّان: 245. بَنو غصينة: 68-74. غطفان: 140-167-169-171-173-176-197-234. غفار: 103-186-204-205-214-217-218. بَنو غنم بن دودان: 205. بَنو غنم بن السّلم: 120. بَنو غنم بن مَازِن: 72. بَنو غنم بن مَالك: 72-92-127. بَنو الْغَوْث بن مر: 51. "ف" الْفرس: 197. فَزَارَة: 169-234. "ق" القارة= بَنو الْهون بن خُزَيْمَة: 39-115-159-172-205. قُرَيْش: 29-36-41-43-45-48-52-57-75-78-79-81-96-99-102-105-111-113-117-131-132-134-138-141-142-145-147-148-152-156-158-169-171-172-174-176-177-183-192-193-195-208-211-216-223-231-232-235-253-257-266. بَنو قُرَيْظَة: 145-171-172-176-180-182-183-185-189-191. بَنو قريوش: 123.
قُشَيْر بن كَعْب: 223. بَنو قصي: 54. قضاعة: 73-123-209. القوافل: 74-94. قيس عيلان: 214-223-233. بَنو قيلة: 85. بَنو قينقاع: 141-142-180. "ك" بَنو كَعْب= خُزَاعَة. بَنو كَعْب بن الْخَزْرَج: 72-74-121. بَنو كلاب بن ربيعَة: 162-223-224-233. كنَانَة: 145-171-211-212-213-223. كِنْدَة: 257. الْكُوفِيُّونَ "الأحناف": 201. "ل" بَنو لحيان: 185-186. لخم: 209. اللفيف: 204. بَنو لَيْث: 228. "م" بَنو مَازِن بن مَنْصُور: 50. بَنو مَالك بن النجار: 86-127-128-155-210. بَنو مَالك الثقفيون: 227-247-248. بَنو مبذول: 128. بَنو مَالك بْن عَمْرو بْن عَوْف: 205. مُرَاد: 256. بَنو مرّة: 169. بَنو مرضخة: 123. مزينة: 204-214-217-218-225. بَنو مَخْزُوم: 44-51-111-115-157-175-220-233. بَنو محَارب: 166. بَنو محَارب بن فهر: 218. بَنو محَارب بن خصفة: 167. بَنو مُدْلِج: 98. بَنو المصطلق: 188-189-191. مُضر: 163-223. بَنو الْمطلب: 52-53-56-113. معافر: 257. بَنو مُعَاوِيَة بن مَالك: 120-154. بَنو مُعَاوِيَة بن عَمْرو= بَنو حديلة: 128. بَنو معتب: 248-249. بَنو مغالة= بَنو عدي بن عَمْرو. بَنو الْمُغيرَة: 100.
بَنو الْمِقْدَام بن سَالم: 122. المُنَافِقُونَ: 93-94-118-165-170-173-238-240-241. بَنو منقذ: 218. بَنو منقر: 255. الْمُهَاجِرُونَ: 79-90-92-96-99-109-113-116-153-161-165-169-189-191-208-217-226-230-234-246-272. "ن" بَنو نابى بن زيد: 124. بَنو بَابي بن مجدعة: 72. بَنو النَّار: 103. نبط الشَّام: 245. نَبهَان: 142. النبيت: 94. بَنو النجار= بَنو تيم الله: 79-87-88-94-103-109-127-155-203-212. بَنو نصر بن مُعَاوِيَة: 223-227-234. بَنو النَّضر بن كنَانَة: 257. بَنو النَّضِير: 142-161-164-166-169-179-204-207. بَنو نَوْفَل بن عبد منَاف: 50-114. "هـ" بَنو هَاشم: 36-44-53-55-57-111-113-223-230. هدل: 179. هُذَيْل: 159-228-266. بَنو هِلَال بن عَامر: 223. هَمدَان: 257-258. هوَازن: 223-228-231-237. بَنو الْهون بن خُزَيْمَة= القارة. بَنو وَائِل: 169. وَاقد: 70. بَنو وَاقِف: 239. "ي" الْيَهُود: 67-85-93-141-142-146-151-165-169-172-176-185-197-198-203.
فهرس البلدان والمواضع ونحوها
4- فهرس الْبلدَانِ والمواضع وَنَحْوهَا "أ" الْأَبْوَاء: 95-96. الأبطح: 220. الأثيل: 107. أحد: 58-63-70-74-145-148-150-151-153-156-158-162-168-174-183-269. أَحيَاء: 96. الْأَرَاك: 215. أضاة بني غفار: 77. أفريقية: 219. أمج: 186-214. أَوْطَاس: 223-227. أَيْلَة: 242. "ب" بِئْر مَعُونَة: 101-161-162. بحران: 141. الْبَحْرين: 256. بدر: 58-70-98-101-102-103-106-109-111-113-117-121-130-139-140-142-147-157-168-174-234. بطن رئم: 85. بُعَاث: 145. بَقِيع الْخضمات: 69. بَقِيع الْغَرْقَد: 143. البلقاء: 209-210. بواط: 97. الْبَيْت= الْحرم= الْكَعْبَة= الْمَسْجِد الْحَرَام= بَيت الْمُقَدّس= الْمَسْجِد الْأَقْصَى: 65-70-101. "ت" تَبُوك: 238-239-242-243-251-253-257-258. التَّنْعِيم: 160. تهَامَة: 34-171-225. ث. ثنية الْمرة: 96. ثنية الْوَدَاع: 187.
"ج" جاسوم "بِئْر": 238. جبل ثَوْر "انْظُر غَار ثَوْر" الْجحْفَة: 215. جَزِيرَة الْعَرَب: 270. الْجِعِرَّانَة: 228-230-236-251. الْجَمْرَة الْكُبْرَى: 268. "ح" الْحَبَشَة: 37-47-49-52-57-91-131-132-137-138-206-234. الْحجاز: 96-100-141-159-203. حجر ثَمُود: 240. الْحُدَيْبِيَة: 191-192-196-201-203-208-211-212-258. حراء= غَار حراء: 28-31-35. حرَّة بني بياضة: 69. حرَّة بني حَارِثَة: 146. حرَّة بني سليم: 162. حرَّة العريص: 145. الْحرم= الْبَيْت= الْكَعْبَة= الْمَسْجِد الْحَرَام= حصن الكتيبة= الكتيبة: 201. حصن الشق= الشق: 201-204. حصن الصعب: 197. حصن القموص= القموص: 197. حصن ناعم= ناعم: 197. حصن نطاة= نطاة: 201-204. حصن الوطيح= الوطيح: 200. حضر موت: 100. حَمْرَاء الْأسد: 158. حنين: 219-223-225-226-228-230-232-251-253-255. "خَ" الخرار: 98. الخَنْدَق: 58-70-147-163-169-170-174-182-183-189. الخندمة: 218. خَيْبَر: 138-165-196-199-201-204-205-206-207-208-258-269. خيف بني كنَانَة= المحصب: 57. "د" دومة الجندل: 168-241. "ذ" ذَات أنواط: 225.
ذَات الْجَيْش: 103. ذَات الرّقاع: 166-168. ذُو أَمر: 140. ذُو الحليفة: 103-195-215-260-263. ذُو الْخشب: 242. ذُو طوى: 218. ذُو قرد: 186-187. ذُو الْمجَاز: 37. ذُو الْمَرْوَة: 195. ذُو الهزم: 249. "ر" الربذَة: 241. الرجيع= وَادي الرجيع: 159-172-185-197. رضوى: 97. الروحاء: 102-128-158. رَوْضَة خَاخ: 213. "ز" زَمْزَم: 268. "س" سرف: 150-208. سفوان "وَاد": 98. سَقِيفَة بني سَاعِدَة: 272. سلع: 171-174-246. سوق عكاظ: عكاظ. سوق الْمَدِينَة: 181. "ش" الشَّام: 59-102-115-166-186-195-209-245-257. شعب أحد= أحد. شعب أبي طَالب: 53-55. شعب الْعَجُوز: 144. الشق= حصن الشق. "ص" الصَّفَا: 40-261-265. الصَّفْرَاء: 103-106-107-110. صنعاء: 170. الصَّهْبَاء: 197. "ط" الطَّائِف: 59-62-99-219-228-229-237-238-247-249-255. طابة= الْمَدِينَة= يثرب
"ع" الْعرَاق: 201-265. العرج: 85. عَرَفَة: 262-266. عرق الظبية: 107. العريض: 139. عسفان: 84-168-186-192-212-214. الْعَشِيرَة: 97-98. الْعقبَة: 67-68-70-72-74-75. العقيق: 103-229. عكاظ= سوق عكاظ: 34. الْعيص: 96-195. "غ" الغابة: 186. غَار حراء= حراء. غَار ثَوْر= جبل ثَوْر: 80-81-82. غراب "جبل": 186. غران "وَاد": 186. "ف" فج الروحاء: 103. فدك: 201-204-207. "ق" قبَاء: 76-78-85-93-152-205. قديد: 188. قرن: 228. قعيقعان: 208. قرقرة الكدر= الكدر: 140-163. قرن الثعالب: 63. قليب بدر: 106. القموص= حصن القموص. قناة: 145-248. "ك" الكتيبة= انْظُر حصن الكتيبة. كداء: 218. الكديد: 214. كرَاع الغميم: 186-192. الْكَعْبَة= الْبَيْت= الْحرم= الْمَسْجِد الْحَرَام. الْكُوفَة: 241-262. "ل" الليط: 232. "م" مُؤْتَة: 209-210. محسر: 267.
المحصب= خيف بني كنَانَة الْمَدِينَة= طابة= يثرب: 52-58-68-70-74-75-76-77-79-85-90-92-95-96-97-98-99-101-102-105-119-131-138-139-140-141-142-145-146-151-158-161-162-165-171-173-175-177-178-185-186-188-189-190-191-194-196-208-225-236-237-238-239-242-245-247-248-251-254-259-260-263-265-271. مر الظهْرَان: 160-214-215-236. الْمَرْوَة: 262-265. الْمُريْسِيع: 188-191. الْمزْدَلِفَة: 263-267. الْمَسْجِد الْأَقْصَى= بَيت الْمُقَدّس. الْمَسْجِد الْحَرَام= الْبَيْت= الْحرم= الْكَعْبَة: 30-43-54-62-65-70-100-192-208-212-217-220-221-251-253-261-263-264-267. مَسْجِد رَسُول الله= الْمَسْجِد النَّبَوِيّ. مَسْجِد الضرار: 93-242. مَسْجِد قبَاء: 85. الْمَسْجِد النَّبَوِيّ= مَسْجِد رَسُول الله: 86-88-213-244-248-271-272. مشارف: 210. الْمشعر الْحَرَام: 265-267. مصر: 219. معَان: 209. مقَام إِبْرَاهِيم "فِي الْمَسْجِد الْحَرَام": 261-264. مَكَّة: 30-34-53-57-59-62-65-68-70-74-76-78-79-85-96-99-101-102-134-138-142-147-150-151-157-158-159-160-169-186-192-193-194-208-211-213-215-217-220-222-223-225-228-236-253-255-256-260-268. منى: 57-250-263-265. المهراس: 150.
"ن" ناعم= حصن ناعم. نجد: 140-162-166-171-173. نَجْرَان: 222-258. نمرة: 266. نحل: 166. نَخْلَة: 34-99-100-223. نَصِيبين: 60. نطاة= حصن نطاة. نِينَوَى: 63. "و" وَادي الرجيع "انْظُر: الرجيع" وداي بني سَالم: 86. وَادي الْقرى: 207. ودان: 95. الوطيح= حصن الوطيح. "ي" يثرب= طابة= الْمَدِينَة. الْيمن: 52-116-122-123-170-203-219-222-257-262-265.
فهرس الغزوات والبعوث
5- فهرس الْغَزَوَات والبعوث * "أ" الْأَبْوَاء "غَزْوَة"= "انْظُر ودان" أحد "غَزْوَة": 145-157. الْأُمَرَاء "بعث"= مُؤْتَة. "ب" بِئْر مَعُونَة "بعث": 161-164. بحران "غَزْوَة": 141. بدر الأولى: 98. بدر الثَّانِيَة "غَزْوَة": 102-130. بدر الثَّالِثَة "غَزْوَة": 168. بواط "غَزْوَة": 97. "ت" تَبُوك "غَزْوَة": 238-242. "ح" الْحُدَيْبِيَة "عمْرَة": 191-195. حَمْرَاء الْأسد "غَزْوَة": 158. حَمْزَة بن عبد الْمطلب "بعث": 96-97. حنين "غَزْوَة"= هوَازن "غَزْوَة": 223-228-230-234. "خَ" خَالِد بن الْوَلِيد "سَرِيَّة": 222. خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أكيدر دومة "بعث": 241. خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى نَجْرَان "بعث": 274. الخَنْدَق "غَزْوَة": 169-177-182-183. خَيْبَر "غَزْوَة": 196-205. "د" دومة الجندل "غَزْوَة": 168. "ذ" ذَات الرّقاع "غَزْوَة": 166-167. ذُو أَمر "غَزْوَة": 140. ذُو قرد "غَزْوَة": 186-188.
"ر" الرجيع "بعث": 159-160. "س" سعد بن أبي وَقاص "بعث": 98. أَبُو سُفْيَان والمغيرة "بعث": 249-250. بَنو سليم "غَزْوَة": 139. السويق "غَزْوَة"= قرقرة الكدر: 139-140. "ط" الطَّائِف "غَزْوَة": 228-229. "ع" أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ "بَعْثُ": 227. عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش "بَعْثُ": 99. عَبْدِ اللَّهِ بْن عتِيك "بعث": 183-185. عُبَيْدَة بن الْحَارِث "بعث": 96-97. الْعَشِيرَة "غَزْوَة": 97-98. "ف" فدك "فتح": 207. "ق" قرقرة الكدر "غَزْوَة"= السويق. بَنو قُرَيْظَة "غَزْوَة": 178-182. بَنو قينقاع "غَزْوَة": 141-142. "ك" كَعْب بن الْأَشْرَف "بعث لقَتله": 142-145. "ل" بَنو لحيان "غَزْوَة": 185-186. "م" مُؤْتَة "بعث"= الْأُمَرَاء: 209-211. بَنو المصطلق "غَزْوَة": 188-191. مَكَّة "فتح": 211-223. "ن" بَنو النَّضِير "غَزْوَة": 164-165-166. "هـ" هوَازن "وقْعَة"= حنين. "و" وَادي الْقرى "غَزْوَة": 207. ودان "غَزْوَة"= الْأَبْوَاء: 95.
فهرس الآيات القرآنية
6- فهرس الْآيَات القرآنية * "سُورَة الْبَقَرَة" {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} "125": 261-264. {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله} "158": 261-264. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مرضاة الله وَالله رءوف بالعباد} "207": 78. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} "217": 100. "سُورَة آل عمرَان" {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خلت من قبله الرُّسُل} "144": 272. {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْض مَا كسبوا} "155": 151. "سُورَة النِّسَاء" {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} "163": 30. "سُورَة الْمَائِدَة" {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} "11": 167. {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} "82": 134.
"سُورَة الْأَنْفَال" {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} "1": 108. {قُلِ الأَنْفَالُ لله وَالرَّسُول} "1": 231. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله رمى} "17": 226. {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم} "27": 179. {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه} "41": 100-108-231. {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} "75": 89. "سُورَة التَّوْبَة" {إِن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} "36": 221. {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} "37": 221-251. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تفتني} "49": 238. {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا من فَضله لنصدقن} "75": 119. {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وعدوه} "77": 119. {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} "102": 179. {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} "118": 246. "سُورَة الْحجر" {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} "94": 36. {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} "95": 47. "سُورَة الْإِسْرَاء" {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل} "81": 221.
"سُورَة مَرْيَم" {كهيعص} "1": 134-136. "سُورَة الْفرْقَان" {إِن عَذَابهَا كَانَ غراما} "65": 133. "سُورَة يس" {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} "69": 232. "سُورَة غَافِر" {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله} "28": 43. "سُورَة الْأَحْقَاف" {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} "29": 60. "سُورَة الْفَتْح" {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} "18": 196. {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة} "20": 196. {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أحَاط الله بهَا} "21": 197. "سُورَة الحجرات" {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} "6": 191.
"سُورَة الْحَشْر" {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّل الْحَشْر} "2": 166. "سُورَة المُنَافِقُونَ" {لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} "8": 189. "سُورَة الْجِنّ" {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نفر من الْجِنّ} "1": 60. "سُورَة المدثر" {ياأيها المدثر} "1-5": 28-29-35-36. "سُورَة اللَّيْل" {وسيجنبها الأتقى} "17": 46. "سُورَة العلق" {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} "1-5": 28-32-35. {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صلى} "9-10": 46. {فَليدع نَادِيه، سَنَدع الزَّبَانِيَة} "17-18": 46. "سُورَة الْكَافِرُونَ" {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} "1": 261-264.
"سُورَة النَّصْر" {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ وَالْفَتْحُ} "1": 269. "سُورَة الْإِخْلَاص" {قل هُوَ الله أحد} "1": 261-264.
فهرس الأحاديث
7- فهرس الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة. 270 الله اللَّهَ فِي الصَّلاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم. 197 اللَّه أكبر! خربَتْ خَيْبَر. إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين. 170 اللَّهُ أَكْبَرُ! فُتِحَ قَيْصَرُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأرى الْقُصُور الْحمر. 170 اللَّهُ أَكْبَرُ! فُتِحَ كِسْرَى، وَاللَّهِ إِنِّي لأرى الْقُصُور الْبيض. 170 اللَّهُ أَكْبَرُ! فُتِحَ الْيَمَنُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأرى بَاب صنعاء. 77 اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بْن الْوَلِيد. 222 اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك من صنع خَالِد. 243 اللَّهُمَّ إِنِّي رَاض عَنهُ فارض عَنهُ "قَالَه فِي ذِي البجادين". 77 اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر. 253 اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامر بْن الطُّفَيْل وأربد بن قيس. 226 الْآن حمى الْوَطِيس "قَالَه يَوْم حنين". 246 أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلدتك أمك "قَالَه لكعب بن مَالك". 72 أَبْشِرُوا يَا معشر الْمُسلمين "قَالَه يَوْم الخَنْدَق". 266 اتَّقوا الله فِي النِّسَاء. 250 اخْرُج بِهَذِهِ الْقُصَّةِ من صدر بَرَاءَة، وَأذن فِي النَّاس بهَا يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا بمنى. 270 أخرجُوا مِنْهَا "جَزِيرَة الْعَرَب" الْمُشْركين. 203 أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز. 149 ارْمِ فدَاك أبي وَأمي "قَالَه لسعد بن أبي وَقاص". 193 اصْبِرُوا، فَإِن اللَّه يَجْعَل هَذَا الصُّلْح "صلح الْحُدَيْبِيَة" سَببا إِلَى ظُهُور دينه. 221-251-252 أَلا وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض. 266 أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع تَحت قدمي.
244 أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك "قَالَه لكعب بن مَالك". 246 أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خير لَك. 234 إِن لم يكن الْعدْل مني، فَعِنْدَ من يكون؟! 187 إِن وجدته لبحرا "قَالَه فِي فرس طَلْحَة". 90 أَنْت أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة "قَالَه لعَلي". 90 أَنْت أخي وصاحبي "قَالَه لعَلي". 239 أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي "قَالَه لعَلي". 30 إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الْآن. 265 إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. 270 إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآن فِي كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَرَضَهُ عَليّ الْعَام مرَّتَيْنِ. 271 إِن للْمَوْت لسكرات. 186 أَن على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة، على كل نقب مِنْهَا ملك يحميها بِأَمْر اللَّه عز وَجل. 204 إِنَّ هَذَا الْعَظْمَ يُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُوم. 250 إِنَّه لَا يُؤَدِّيهَا "صدر بَرَاءَة" عني إِلَّا رجل من أهل بَيْتِي. 254 إِنَّه لَيْسَ بشركم مَكَانا "قَالَه فِي الرجل يحفظ ضَيْعَة أَصْحَابه". 251 إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ عُرَاةٌ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ. 247 إِنَّهُم قاتلوك "قَالَه لعروة بن مَسْعُود". 28 إِنِّي جَاوَرت بحراء شهرا. 59 إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إخْوَانكُمْ من الْجِنّ. 182 اهتز عرش الرَّحْمَن لمَوْت سعد بن معَاذ. 31 أَوَّلُ مَا بُدِئ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصادقة. 85 أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَام. 267 أَيهَا النَّاس! السكينَة السكينَة. 88 بئس مَا جزيتهَا "انْظُر قصَّة هَذَا الحَدِيث". 190 بر أَبَاك وَلَا يرى مِنْك إِلَّا خيرا.
35 بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوتا من السَّمَاء. 249 توليا من شئتما.. وخالكما أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب. 220 خذوها "حجابة الْبَيْت" خالدة تالدة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. 86 خلوها "النَّاقة" فَإِنَّهَا مأمورة. 265 دخلت الْعمرَة فِي الْحَج لأبد الْأَبَد. 170 سلمَان منا أهل الْبَيْت. 234 سَيكون لَهُ "الْخوَيْصِرَة" شيعَة يتعمقون فِي الدَّين حَتَّى يخرجُوا مِنْهُ كَمَا يخرج السهْم من الرَّمية. 255 ضَالَّة الْمُؤمن حرق النَّار. 263 عَرَفَة كلهَا موقف. 220 قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِئ. 132 قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ: سَبَخَةً ذَات نخل بَين لابتين. 266 قد تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كتاب الله. 70 قد كنت على قبْلَة لَو صبرت عَلَيْهَا. 149 كَانَ حَنْظَلَة قد قَامَ من امْرَأَته جنبا فغسلته الْمَلَائِكَة. 246 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجهه قِطْعَة قمر. 31 كَانَ الْوَحْي يَأْتِي "النَّبِي" أَحْيَانًا مثل صلصلة الجرس. 31 كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَيُسْمَعُ لَهُ دوِي كَدَوِيِّ النّخل. 207 كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! إِن الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر من الْمَغَانِم لم تصبها المقاسم، وَإِنَّهَا لتشتعل عَلَيْهِ الْآن نَارا. 163 لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مني جوَار، لأدينهما. 181 لقد حكمت فيهم بِحكم اللَّه تَعَالَى من فَوق سَبْعَة أَرقعَة "قَالَه لسعد بن معَاذ". 198-200 لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله. 225 لتركبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ حَذْو القذة بالقذة. 214 لَعَلَّ اللَّه قد اطلع على أهل بدر فَقَالَ: افعلوا مَا شِئْتُم فَإِنِّي قد غفرت لكم.
270 لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد. 63 لَقِيتُ مِنْ قَوْمِي مَا كَانَ أَشد "من يَوْم أحد"، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْم ثَقِيف. 192 مَا خلأت، وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل عَن مَكَّة "قَالَه عَن نَاقَته". 269 مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُهُ بِخَيْبَرَ. مَا زَالَتْ تِلْكَ الأَكْلَةُ تُعَاوِدُنِي، فَهَذَا أَوَانُ قطعت أَبْهَري. 219 مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين. 233 مَا لي من غنائمكم إِلَّا الْخمس، وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم. 256 مَا وصف لي رجل من الْعَرَب إِلَّا وجدته دون مَا وصف إِلَّا زيد الْخَيل، فَإِن وَصفه لم يبلغ كل مَا فِيهِ. 270 مَا يَسُرُّكِ أَنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَا عَدَا مَرْيَمَ بنت عمرَان "قَالَه لفاطمة". 270 مَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ وَيرى مَقْعَده. 247 مَثَلُهُ فِي قومه مَثَلُ صَاحب ياسين "قَالَه فِي عُرْوَة بن مَسْعُود". 271 مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. 263 مُزْدَلِفَة كلهَا موقف. 217 مَكَّة حرَام مُحرمَة، لم تحل لأحد قبلي، وَلَا تحل لأحد بعدِي، إِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار، ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. 59 مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل. 217 من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن، وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن، وَمن يدْخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن. 262 منى كلهَا منحر. 257 نَحن من بني النَّضر بْن كنَانَة، لَا نقفوا أمنا، وَلَا ننتفي من أَبينَا. 57 نَحْنُ نَازِلُونَ عِنْدَ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ. 268 انْزِعُوا يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ.
178 نقصتم الْعَهْد يَا إخْوَة القرود! أخزاكم الله وَأنزل بكم نقمته. "قَالَه لبني قُرَيْظَة". 30 نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا "قَالَه قبل بعثته". 236 وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْن سراقَة خير من طلاع الأَرْض مثل الْأَقْرَع وعيينة. 236 وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار. 206 وَالله مَا أَدْرِي أبقدوم جَعْفَر أَنا أُسَرُّ وأفرح، أم بِفَتْح خَيْبَر. 195 وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَو كَانَ لَهُ رجال "قَالَه فِي أبي بَصِير". 220 لَا أعفى أحدا قَتَلَ بعد أَخذ الدِّيَة. 240 لَا تدْخلُوا بيُوت هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين "ثَمُود". 192 لَا تَدعُونِي قُرَيْش الْيَوْم إِلَى خطة يسألونني فِيهَا صلَة رحم إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا. 248 لَا خير فِي دين لَا صَلَاة فِيهِ. 188 لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة اللَّه، وَلَا فِيمَا لَا يملك ابْن آدم. 203 لَا يبْقين دينان فِي أَرض الْعَرَب. 251 لَا يدْخل الْجنَّة كَافِر. 251 لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة. 177 لَا يصلين أحدكُم الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة. 270 لَا يَنْبَغِي عِنْدِي تنَازع. 81 يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟!. 235 يَا معشر الْأَنْصَار! مَا قَالَةٌ بلغتني عَنْكُم. 43 يَا معشر قُرَيْش! وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد أَرْسلنِي رَبِّي إِلَيْكُم بِالذبْحِ. 241 يرحم اللَّه أَبَا ذَر: يمشي وَحده، وَيَمُوت وَحده، وَيبْعَث وَحده.
فهرس الشعر
8- فهرس الشّعْر صدر الْبَيْت/ قافيته/ بحره/ عدد الأبيات/ الْقَائِل/ الصفحة قد/ مرحب/ رجز/ 4/ مرحب الْيَهُودِيّ/ 199-200 نصر/ بضراب/ كَامِل/ 3/ عَليّ بن أبي طَالب/ 175 بني/ نجد/ وافر/ 4/ حسان بن ثَابت/ 163-164 قد/ عَامر/ رجز/ 2/ عَامر بن سِنَان/ 200 أَنا/ حيدره/ رحز/ 3/ عَليّ بن أبي طَالب/ 200 وَلست/ مصرعي/ طَوِيل/ 2/ خبيب بن عدي/ 160 يَا لَيْتَني/ جذع/ رجز/ 2/ دُرَيْد بن الصمَّة/ 224 وَكَانَت/ الأجرع/ مُتَقَارب/ 7/ الْعَبَّاس بن مرداس/ 232 يَا رَاكِبًا/ موفق/ كَامِل/ 7/ قتيلة بن الْحَارِث/ 107 ولسنا/ الداما/ طَوِيل/ 1/ خَالِد بن الأعلم/ 112 إِذا/ بِالْيَمِينِ/ وافر/ 1/ الشماخ/ 173
فهرس الموضوعات
9- فهرس الموضوعات. 3-4 مُقَدّمَة الطبعة الثَّانِيَة. 5-22 مُقَدّمَة الطبعة الأولى. 27 خطْبَة الْكتاب. 28-35 بابٌ مِنْ خَبَرِ مَبْعَثِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. 28 أَي الْقُرْآن أنزل أول. 29 من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. 29 خبر قُرَيْش والكاهنة. 30 الْحجر الَّذِي كَانَ يسلم على الرَّسُول. 30 خَبره وحفاظه على إزَاره فِي بِنَاء الْكَعْبَة. 31 كَيفَ كَانَ الْوَحْي يَأْتِيهِ. 31 أول إتْيَان الْوَحْي. 32 ورقة بن نَوْفَل. 33 فَتْرَة الْوَحْي. 34 رجم الشَّيَاطِين عِنْد الْبعْثَة. 35 رُؤْيَة جِبْرِيل فِي فَتْرَة الْوَحْي. 36-47 بَاب دُعَاء الرَّسُول النَّاس لِلْإِسْلَامِ وَمَا لَقِي من الْأَذَى. 36 لم تنكر قُرَيْش عَلَيْهِ حَتَّى عَابَ آلِهَتهم. 36 الْهِجْرَة للحبشة. 37 طواف رَسُول الله على النَّاس بالدعوة فِي الْبيُوت والأسواق.
37-41 أول النَّاس إِيمَانًا. 38 أَيهمَا أسبق للاسلام: أَبُو بكر أم عَليّ. 39 ذكر من أسلم بدعوة أبي بكر. 39 ابْن عبد الْبر يذكر السيدة عَائِشَة فِي أول النَّاس إِيمَانًا. 40 خبر إِسْلَام حَمْزَة وتسميته أَسد الله. 41-47 ذكر مَا أصَاب الرَّسُول وَأَصْحَابه من الْأَذَى. 41 حَدِيث ابْن مَسْعُود فِيمَن أظهر إِسْلَامه أَولا. 42 قصَّة بِلَال بِرِوَايَة ابْن مَسْعُود. 42 تَوْجِيه ابْن عبد الْبر لحَدِيث ابْن مَسْعُود. 42 أَشد شَيْء صنعه الْمُشْركُونَ بالرسول. 43 أَبُو بكر يدْفع عَن رَسُول الله. 44 المجاهرون بالظلم للرسول وَأَصْحَابه. 45 ذكر من اشتراهم أَبُو بكر وأعتقهم وَمَا نزل من الْقُرْآن فِي ذَلِك. 46 أَبُو جهل ينْهَى رَسُول الله عَن الصَّلَاة، وَمَا نزل من الْقُرْآن فِي ذَلِك. 47 المستهزئون. 47 رَسُول الله يشكو الْمُسْتَهْزِئِينَ إِلَى جِبْرِيل. 48-52 بَاب ذكر الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة. 48 إِذن رَسُول الله للْمُؤْمِنين بِالْهِجْرَةِ للحبشة. 48 تَسْمِيَة أول من خرج إِلَى الْحَبَشَة. 52 هَل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ من مهاجرة الْحَبَشَة.
53-57 بَاب ذكر دُخُول بني هَاشم وَبني الْمطلب فِي شعب أبي طَالب. 54 أَبُو طَالب وحرصه على النَّبِي فِي الْحصار. 54 مُدَّة الْحصار. 55 إِخْبَار رَسُول الله بِمَا فعلت الأرضة بالصحيفة وعناد قُرَيْش. 56 تَسْمِيَة أول من مَشى فِي نقض الصَّحِيفَة من قُرَيْش. 57 إزماع أبي بكر الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة ورد ابْن الدغنة لَهُ. 57-59 ذكر من انْصَرف من أَرض الْحَبَشَة. 57 خبر كَاذِب يصل مهاجرة الْحَبَشَة بِإِسْلَام قُرَيْش. 58 موت خَدِيجَة وَأبي طَالب. 59-61 ذكر إِسْلَام الْجِنّ. 60 كَلَام ابْن عبد الْبر حول حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي إِسْلَام الْجِنّ. 62-64 ذكر خُرُوج الرَّسُول إِلَى الطَّائِف. 63 رَسُول الله يصف هَذَا الْيَوْم بِأَنَّهُ أَشد من أحد. 64-65 إِسْلَام الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدوسي. 65 حَدِيث الْإِسْرَاء مُخْتَصرا والمعارج. 66-74 عرض الرَّسُول الإسلامَ على قبائل الْعَرَب. 67-68 الْعقبَة الأولى. 67 تَسْمِيَة السِّتَّة يَوْم الْعقبَة. 68-70 الْعقبَة الثَّانِيَة. 69 بعث مُصعب بن عُمَيْر لتعليم أهل الْمَدِينَة. 69 تَسْمِيَة بعض من أسلم على يَد مُصعب.
70-71 الْعقبَة الثَّالِثَة. 70 شُهُود الْعَبَّاس الْعقبَة الثَّالِثَة. 71 عدد الْمُبَايِعين فِي ذَلِك الْيَوْم. 71 تَسْمِيَة النُّقَبَاء الاثنى عشر. 72 تَسْمِيَة من شهد الْعقبَة من الْأَنْصَار. 75-92 بَاب ذكر الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة. 75 أَمر الرَّسُول الْمُؤمنِينَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة. 79 إِجْمَاع قُرَيْش على قتل رَسُول الله بعد هِجْرَة الْمُؤمنِينَ إِلَى الْمَدِينَة. 80 خُرُوج رَسُول اللَّه لِلْهِجْرَةِ. 82 خبر سراقَة بن مَالك. 83 خبر أم معبد. 85 إِقَامَة عَليّ بِمَكَّة لرد الْأَمَانَات. 85 مَسْجِد قبَاء. 87 سُكْنى النَّبِي دَار أبي أَيُّوب. 88 بِنَاء مَسْجِد رَسُول الله. 88 مؤاخاة رَسُول الله بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. 93 فرض الزَّكَاة. 93 كفار الْيَهُود والمنافقون. 93 تَسْمِيَة الْمُنَافِقين. 94 ذكر الْمُنَافِقين مِمَّن أسلم من يهود. 95-242 مغازي رَسُول الله وبعوثه. 95 غَزْوَة ودان "وَهِي غَزْوَة الْأَبْوَاء"
96 بَاب بعث حَمْزَة وَبعث عُبَيْدَة. 96 أول سهم رمي فِي الْإِسْلَام. 96 أَي البعثين كَانَ أول. 97 فرض صَوْم رَمَضَان. 97 غَزْوَة بواط. 97 غَزْوَة الْعَشِيرَة. 98 غَزْوَة بدر الأولى. 98 بَعْثُ سعد بْن أبي وَقاص. 99 بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش. 100 أول غنيمَة غنمت فِي الْإِسْلَام. 101 صرف الْقبْلَة. 102 غَزْوَة بدر الثَّانِيَة. 102 مَتى خرج النَّبِي إِلَيْهَا. 103 استشارة الرَّسُول وَأَصْحَابه. 105 نزُول رَسُول الله على مشورة الْحباب بن الْمُنْذر. 106 أول قَتِيل من الْمُسلمين يَوْم بدر. 107 خبر قتيلة بنت الْحَارِث. 108 الْخلاف فِي أنفال بدر. 109 تَسْمِيَة من اسْتشْهد ببدر من الْمُسلمين. 110 تَسْمِيَة من قتل ببدر من كفار قُرَيْش. 111 تَسْمِيَة من أسر يَوْم بدر من كفار قُرَيْش. 113 تَسْمِيَة من شهد بَدْرًا من الْمُهَاجِرين. 117 تَسْمِيَة من شهد بَدْرًا من الْأَنْصَار. 117 من الْأَوْس. 121 من الْخَزْرَج.
131-138 فصل فِي بعث مُشْركي قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ. 131 كتاب للرسول إِلَى النَّجَاشِيّ. 132 مَا دَار بَين النَّجَاشِيّ وَالْمُسْلِمين من حَدِيث. 133 دُعَاء النَّجَاشِيّ جَعْفَر بن أبي طَالب. 137 أَمر النَّجَاشِيّ مَعَ ثَائِر عَلَيْهِ وانتصاره. 138 هَل أرْسلت قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ رسلها مرّة وَاحِدَة أَو مرَّتَيْنِ؟ 139 غَزْوَة بني سليم. 139 غَزْوَة السويق "وَهِي قرقرة الكدر" 140 لماذا سميت غَزْوَة السويق. 140 حَدِيث عمر فِي هَذِه الْغَزْوَة وَشرح غَرِيبَة. 140 غَزْوَة ذِي أَمر. 141 غَزْوَة بحران. 141 غَزْوَة بني قينقاع. 141 نقضهم عقد رَسُول الله. 141 شَفَاعَة عبد الله بن أبي فيهم. 142 العقد الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله. 142 بَنو قينقاع أول من نقض الْعَهْد من يهود. 142-145 الْبَعْث إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف. 142 نبذة عَن كَعْب. 142 إيذاؤه الرَّسُول وَالْمُؤمنِينَ. 142 انتداب الرَّسُول لمن يقتل ابْن الْأَشْرَف. 143 الْحِيلَة لقَتله. 145 إِطْلَاق رَسُول الله الْمُسلمين على قتل يهود.
145-157 غَزْوَة أحد. 145 رُؤْيا رَسُول الله قبل أحد. 145 الْخلاف بَين الْمُسلمين فِي لِقَاء الْكفَّار. 146 رُجُوع عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس. 146 إباء رَسُول الله الِاسْتِعَانَة باليهود. 147 أَمر الرَّسُول الرُّمَاة بِعَدَمِ التحرك. 147 جَيش الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين يَوْم أحد. 148 انهزام قُرَيْش فِي الجولة الأولى. 148 شعار أَصْحَاب رَسُول الله يَوْم أحد. 148 تَسْمِيَة أهل الْبلَاء الْحسن يَوْم أحد. 148 مُخَالفَة الرُّمَاة عَن أَمر رَسُول الله كذبا وبهتانا. 148 وُصُول الْمُشْركين إِلَى رَسُول الله. 148 مَا أصَاب الرَّسُول يَوْم أحد. 149 إِشَاعَة قتل رَسُول الله "كذبا وبهتانا" 150 أول من ميز رَسُول الله. 150 رَسُول الله يطعن أبي بن خلف. 151 خبر الْيَمَان وثابت بن وقش. 151 خبر مخيريق. 151 غدر الْحَارِث بن سُوَيْد. 152 عَمْرو بن ثَابت من أهل الْجنَّة وَلم يصل لله قطّ. 153 ذكر من اسْتشْهد من الْمُهَاجِرين يَوْم أحد. 153 نبذة من خبر وَحشِي. 153 تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْأَنْصَار يَوْم أحد. 156 تَسْمِيَة من قتل من كفار قُرَيْش يَوْم أحد. 157 خبر أبي عزة وَقَتله يَوْم أحد.
158 غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد. 158 خبر الْخُرُوج فِي أثر الْكفَّار وَسَببه. 159 بعث الرجيع. 159-161 خبر قتل أَصْحَاب الرجيع السِّتَّة. 159 خبر عَاصِم بن ثَابت. 160 خبر خبيب بن عدي. 161-164 بعث بِئْر مَعُونَة. 161 بعث رَسُول الله أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة. 162 عدد هَذَا الْبَعْث وَتَسْمِيَة بَعضهم. 162 عَامر بن الطُّفَيْل وَقَتله رَسُول رَسُول الله والبعث. 163 شعر لحسان يحرض فِيهِ أَبَا برَاء على عَامر بْن الطُّفَيْل. 164 حَملَة ربيعَة بْن أبي برَاء على عَامر بن الطُّفَيْل. 164-166 غَزْوَة بني النَّضِير. 164 سَببهَا. 164 غدرهم برَسُول الله وهمهم بقتْله. 165 أَمر النَّبِي بِحَرْبِهِمْ، وَمَتى خرج إِلَيْهِم. 165 خبر الْمُنَافِقين مَعَ بني النَّضِير. 165 قسْمَة رَسُول الله أَمْوَال بني النَّضِير على الْمُهَاجِرين خَاصَّة. 166 تَسْمِيَة من أسلم من بني النَّضِير. 166 سُورَة الْحَشْر نزلت فِي بني النَّضِير. 166-167 غَزْوَة ذَات الرّقاع. 166 لم سميت "ذَات الرّقاع" 167 صَلَاة الْخَوْف كَانَت فِي هَذِه الْغَزْوَة. 167 خبر الرجل الَّذِي أَرَادَ قتل رَسُول الله.
167 فِيمَن نزل قَول الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} . 168 غَزْوَة بدر الثَّالِثَة. 168 غَزْوَة دومة الجندل. 169-177 غَزْوَة الخَنْدَق. 169 سَببهَا، وَمَتى كَانَت. 170 الْيَهُود يحزبون الْأَحْزَاب. 170 حفر الخَنْدَق. 170 آيَات رَسُول الله فِي حفر الخَنْدَق. 171 عدَّة قُرَيْش والأحزاب يَوْم الخَنْدَق. 171 حييّ بن أَخطب وَنقض قُرَيْظَة عهدها. 172 حَال الْمُسلمين بعد نقض الْيَهُود مواثيقهم. 173 صنع الْمُنَافِقين يَوْم الخَنْدَق. 173 مراوضة رَسُول الله لقائدي غطفان. 174 خبر عَمْرو بن ود وَقتل عَليّ إِيَّاه. 175 خبر حسان بن ثَابت وَنقض ابْن عبد الْبر لَهُ. 175 دور نعيم بن مَسْعُود فِي تخذيل الْأَحْزَاب. 177 تخذيل الْأَحْزَاب وَبعث الرّيح عَلَيْهِم. 177 أَمر جِبْرِيل الرَّسُول بِالْخرُوجِ لقريظة. 178-182 غَزْوَة بني قُرَيْظَة. 178 اجْتِهَاد الصَّحَابَة. 178 مُدَّة حِصَار بني قُرَيْظَة. 179 خبر أبي لبَابَة وَمَا نزل فِيهِ من الْقُرْآن. 179 نزُول بني قُرَيْظَة على حكم رَسُول اللَّه. 180 الْأَوْس يتشفعون لبني قُرَيْظَة.
180 تحكيم سعد بن معَاذ. 181 حكم سعد بن معَاذ فِي بني قُرَيْظَة. 182 تَقْسِيم الرَّسُول أَمْوَال قُرَيْظَة. 182 مَتى فتحت بَنو قُرَيْظَة. 182 موت سعد بن معَاذ وَقَول الرَّسُول فِيهِ. 182 معنى قَول الرَّسُول: $"اهتز عرش الرَّحْمَن" 182 ذكر من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم الخَنْدَق. 183 ذكر من قتل من الْمُشْركين يَوْم الخَنْدَق. 183 شُهَدَاء يَوْم قُرَيْظَة. 183 بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْن عتِيك إِلَى قتل ابْن أبي الْحقيق. 184 التنافس بَين الْأَوْس والخزرج. 184 بعث الرَّسُول خَمْسَة لقتل ابْن أبي الْحقيق. 185 عبد الله بن أنيس هُوَ قَاتل ابْن أبي الْحقيق. 185 غَزْوَة بني لحيان. 186-188 غَزْوَة ذِي قرد. 186 سَببهَا. 187 بلَاء سَلمَة بن الْأَكْوَع فِيهَا. 188 خبر الغفارية مَعَ نَاقَة رَسُول الله "العضباء". 188-191 غَزْوَة بني المصطلق. 188 زواج رَسُول الله جوَيْرِية بنت الْحَارِث. 189 إِعْتَاق الْمُسلمين مَا بِأَيْدِيهِم من السَّبي. 189 عبد الله بن أبي وَقَوله وتيرؤ وَلَده مِنْهُ. 190 حَدِيث الْإِفْك. 191 الْوَلِيد بن عقبَة وَمَا نزل فِيهِ من الْقُرْآن.
191-196 عمْرَة الْحُدَيْبِيَة. 192 عدد الْمُسلمين فِي هَذِه الْعمرَة. 193 الْعَهْد بَين رَسُول الله وقريش وموقف الْمُسلمين مِنْهُ. 193 خبر أبي جندل بن سهل. 194 بيعَة الرضْوَان وَالسَّبَب فِيهَا. 194 خبر العتقاء. 194 رُجُوع الرَّسُول للمدينة. 194 خبر أبي بَصِير. 195 صَنِيع الْمُسلمين الفارين من قُرَيْش. 195 فسخ الشَّرْط الْمَذْكُور بِالنِّسْبَةِ للنِّسَاء. 196-205 غَزْوَة خَيْبَر. 196 مَا نزل من الْقُرْآن فِي أهل بيعَة الْحُدَيْبِيَة وَتَفْسِير هَذِه الْآيَات. 197 زواج الرَّسُول صَفِيَّة بنت حييّ. 197 مَسْأَلَة فقهية: هَل يَصح الْعتْق صَدَاقا. 198 خبر على فِي فتح حصن خَيْبَر. 198 خبر مرحب الْيَهُودِيّ وَقَتله. 200 هَل فتحت خَيْبَر عنْوَة، وَخلاف الْفُقَهَاء فِي تَقْسِيم الأَرْض. 202 تخطئة من قَالَ أَن خَيْبَر بَعْضهَا صلح، وَبَعضهَا عنْوَة. 203 تَقْسِيم خَيْبَر، وَمن تولاه. 204 عبيد بن أَوْس وَلم سمي عبيد السِّهَام. 204 تَحْرِيم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. 204 تَقْدِيم الشَّاة المسمومة للرسول. 204 عدد الْمُسلمين يَوْم خَيْبَر. 205 تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم خَيْبَر. 206 قدوم بَقِيَّة الْمُهَاجِرين إِلَى الْحَبَشَة.
207 فتح فدك. 207 فتح وَادي الْقرى. 208 عمْرَة الْقَضَاء. 208 زواج الرَّسُول مَيْمُونَة بنت الْحَارِث. 208 إِسْلَام عَمْرو بْن الْعَاصِ وخَالِد بْن الْوَلِيد وَعُثْمَان بْن طَلْحَة. 209-210 غَزْوَة مُؤْتَة. 210 تَسْمِيَة شُهَدَاء مُؤْتَة. 211-223 غَزْوَة فتح مَكَّة. 211 نقض عهد قُرَيْش وَسَببه. 212 خُزَاعَة تستغيث برَسُول الله. 212 قدوم أبي سُفْيَان لشد العقد، وَخَبره مَعَ ابْنَته أم حَبِيبَة. 213 إعلان رَسُول الله الْمسير إِلَى مَكَّة، وَخبر حَاطِب بن أبي بلتعة. 214 عدد الْمُسلمين يَوْم الْفَتْح. 214 إفطاره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. 215 هِجْرَة الْعَبَّاس كَانَت قبيل الْفَتْح. 215 إِسْلَام أبي سُفْيَان بن الْحَارِث وَعبد اللَّه بْن أبي أُميَّة. 215 رقة الْعَبَّاس لقريش ولقاؤه أَبَا سُفْيَان. 216 إِسْلَام أبي سُفْيَان. 217 مَسْأَلَة فقهية: هَل مَكَّة مُؤمنَة أم عنْوَة. 217 أَبُو سُفْيَان يرى جيوش الله. 218 نزع اللِّوَاء من سعد بن عبَادَة وَسَببه. 218 تَسْمِيَة من قتل من الْمُسلمين. 219 شعار الْمُهَاجِرين والأوس والخزرج. 219 تَسْمِيَة من استثناهم رَسُول الله من الْأمان وَمَا كَانَ من أَمرهم. 220 حجابة الْبَيْت.
221 خطْبَة الرَّسُول ثَانِي يَوْم الْفَتْح. 222 فضَالة بن عُمَيْر يهم بقتل رَسُول الله. 222 بعث خَالِد إِلَى بني جذيمة. 223 بعث خَالِد لهدم الْعُزَّى. 223 مَتى كَانَ فتح مَكَّة. 223-228 غَزْوَة حنين. 224 مَا دَار بَين مَالك بن عَوْف ودريد بن الصمَّة. 225 جَيش رَسُول الله يَوْم حنين. 225 انكشاف الْمُسلمين أول الْأَمر. 225 ثبات رَسُول الله وَتَسْمِيَة من ثَبت مَعَه. 226 دَعْوَة رَسُول الله للمنهزمين. 226 هوَازن تنهزم أَمَام رَسُول الله وَحده. 227 بعث أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ إِلَى أَوْطَاس. 228-229 تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم حنين. 228 غَزْوَة الطَّائِف. 229 تَسْمِيَة من اسْتشْهد من الْمُسلمين فِي حِصَار الطَّائِف. 229-236 بَاب فِي قسْمَة غَنَائِم حنين، وَمَا جرى فِيهَا. 231 أعطيات الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. 232 الْعَبَّاس بن مرداس يتسخط عطاءه. 233 تَسْمِيَة الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. 234 خبر ذِي الْخوَيْصِرَة. 235 موقف بعض الْأَنْصَار. 236-237 عمْرَة رَسُول الله من الْجِعِرَّانَة. 237 خبر كَعْب بن زُهَيْر.
238-242 غَزْوَة تَبُوك. 238 إِنْفَاق عُثْمَان فِي تَبُوك. 239 خبر البكائين. 240 خبر الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا. 241 بعث خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى أكيدر دومة الجندل. 242 العودة من تَبُوك. 242 مَسْجِد الضرار. 242 تَسْمِيَة بَنَاته. 243 حَدِيث كَعْب بْن مَالك وصاحبيه "انْظُر 240" 245 رِسَالَة من ملك غَسَّان الْمُشرك إِلَى كَعْب بن مَالك. 246 مَا نزل فِي الثَّلَاثَة من الْقُرْآن. 247-250 إِسْلَام ثَقِيف. 247 إِسْلَام عُرْوَة بن مَسْعُود ودعوته قومه. 247 وَفد ثَقِيف. 248 ثَقِيف تسْأَل رَسُول الله ترك اللات وإعفاءهم من الصَّلَاة. 249 بعث أبي سُفْيَان والمغيرة لهدم اللات. 250-252 حجَّة أبي بكر الصّديق سنة تسع. 266 خُرُوج عَليّ بصدر سُورَة بَرَاءَة. 253-258 بَاب وُفُود الْعَرَب على رَسُول الله. 253 وَفد بني عَامر بْن صعصعة. 253 عَامر بن الطُّفَيْل يضمر الْغدر لرَسُول الله. 254 بعث الطَّاعُون على عَامر وَمَوته بالصاعقة. 254 وَفد بني حنيفَة، وَأمر مُسَيْلمَة. 255 وَفد بني تَمِيم. 255 وُفُود ضمام بن ثَعْلَبَة فِي بني سعد بن بكر.
255 وُفُود الْجَارُود فِي عبد الْقَيْس. 256 وَفد طَيئ، وَإِسْلَام زيد الْخَيل وعدي بن حَاتِم. 256 وُفُود فَرْوَة بن مسيك فِي مُرَاد. 256 وُفُود عَمْرو بن معد يكرب. 256 وَفد كِنْدَة. 257 وَفد الأزد. 257 كتاب مُلُوك حمير. 257 إِسْلَام فَرْوَة بن عَمْرو عَامل الرّوم. 258 وَفد هَمدَان. 258 بعث خَالِد إِلَى بني الْحَارِث بْن كَعْب بِنَجْرَان. 259-268 حجَّة الْوَدَاع. 259 ابْن عبد الْبر وَأَسَانِيده فِي رِوَايَة مراجعه. 260 حَدِيث جَابر فِي حجَّة الْوَدَاع. 265 خطب حجَّة الْوَدَاع. 269-272 بَاب ذكر وَفَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. 269 أول مَا شكا الصداع. 269 طلبه أَن يمرض فِي بَيت السيدة عَائِشَة. 271 يَوْم وَفَاة الرَّسُول. 271 صدمة عمر لهَذَا الرزء الْجَلِيل. 271 أَبُو بكر الصّديق يرد النَّاس إِلَى الجادة. 271 مبايعة أبي بكر خَليفَة.
273-351 فهارس الْكتاب. 275 1- فهرس رجال السَّنَد. 283 2- فهرس الْأَعْلَام. 310 3- فهرس الْقَبَائِل والطوائف والأمم. 317 4- فهرس الْبلدَانِ والمواضع. 323 5- فهرس الْغَزَوَات والبعوث. 325 6- فهرس الْآيَات القرآنية. 330 7- فهرس الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة. 335 8- فهرس الشّعْر. 336 9- فهرس الموضوعات.