الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

عبد القادر المحمدي

المقدمة

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة - رضي الله عنهم - الأستاذ الدكتور عبد القادر مصطفى المحمدي أستاذ الحديث في كلية أصول الدين المقدمة إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فمثلما أنّ الملائكة أمناء الله في السماء، فالصحابة الكرام هم أمناء الله تعالى في الأرض، إذ وقعت على كاهلهم مهمة جسيمة، وأمانة خطيرة، هي نقل دين الله تعالى وتبليغه للناس، فكانوا وزراء النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ رسالته، فطوّفوا الأرض شرقاً وغرباً فما استكانوا وما وهنوا في حفظ الدين وتبليغه. وهذا التكليف خصيصة من الله تعالى إذ اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أصحاباً هم خير جيلٍ ظهر في التاريخ، آووا ونصروا وبذلوا وضحوا، ولم يدخروا نفيساً في سبيل الله تعالى. وكان من أهم المهام التي قام بها الصحابة الكرام هي حفظ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ونقلها للناس، ولمّا كان هذا الحديث المنقول ديناً يتعبد به كان الصحابة لا يقبلون كل حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا، بل تعاملوا مع الرويات وفق ضوابط ثابتة، يلحظ المتتبع أنها مشتركة بينهم في الغالب الأعم، حاولنا في بحثنا هذا الموسوم (الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة - رضي الله عنه -)، حاولنا من خلاله استقراء الضوابط الرئيسة التي اعتمدها الصحابة الكرام في قبول الرواية أو ردها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته. والمشكلة الأساس التي يعالحها بحثنا: هي لما كان كثير من الجهلة والمنتحلين يثيرون اشكالات حول نقل الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وطريقة وصولها إلينا، زاعمين أنْ لم تكن للصحابة ضوابط للتثبت في نقل الأحاديث، وأنّ بعض الصحابة توسعوا في رواية الأخبار وتناقلها دون استيثاق من صحة صدورها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأردرنا في هذه الدراسة المقتضبة تسليط الضوء على منهج الصحابة الكرام في التثبت في قبول الرويات، واستقراء الضوابط التي اعتمدوها في نقدهم للرواية. وأما عن أهم الدراسات التي سبقتني في هذا الموضوع، فقد وجدت أنّ غالب الدراسات التي تحدثت عن موضوع النقد عند المحدثين تعرضت لمنهج التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم في مسالك النقد الحديثي، ونادراً من تطرق إلى ضوابط الصحابة الكرام في النقد، ربما لصعوبة توجيه النصوص وفق قواعد عامة أو

لسبب آخر، فالذي اردناه ههنا وضع بصمة معينة في هذا الطريق، وفتح باب لباحث متخصص متوسع يستفيض بالبحث والجمع، ولا أخالها مهمة صعبة إن شاء الله تعالى. وقد وجدت بعض الأساتذة والباحثين قد تطرقوا إلى الأسس العامة للنقد عند اهل الحديث، ومن انفعها كتاب (مقاييس نقد متون السنة) للدكتور مسفر الدميني، وكتاب (توثيق السنة في القرن الثاني الهجري اسسه واتجاهاته)، للدكتور رفعت فوزي، وكتاب: (منهج النقد في علوم الحديث) للدكتور نور الدين عتر، و (حوار حول منهج المحدثين في نقد الروايات سنداً ومتناً)،للشيخ عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، وكتاب (منهج النقد عند المحدثين)،للدكتور محمد علي قاسم العمري، و (أسباب تفوق الصحابة في - رضي الله عنهم - في ضبط الحديث) للأستاذين د. سلطان العكايلة ود. محمد عيد الصاحب، وهي كتب قيمة ونافعة، لكنها لا تتحدث في مناهج المحدثين ومسالكهم في النقد، ولا تتطرق إلى مناهج الصحابة وضوابطهم، إلا نزراً قليلاً، وأعمق من تحدث عن ذلك الدكتور الدميني، فجزاهم الله كل الخير على ما قدموا. وهكذا حاولنا في هذا البحث أن نأصل لمسالة في غاية الأهمية، تيبن من خلالها الدور الكبير للصحابة الكرام في التنقيب والتفتيش عن الرواية ومسالك نقدهم لها. وجاء البحث في ثلاثة مباحث رئيسة: ففي المبحث الأول: بينا مفهوم الصحبة، وتعرضنا لدورهم في كتابة السنة وحفظها. وجاء في أربعة مطالب: في المطلب الأول: عرفنا بالصحابي، وبينا أقوال أهل العلم فيه. وفي المطلب الثاني: بينّا طرق ثبوت الصحبة. وخصصنا المطلب الثالث: لذكر الأدلة على فضلهم ومنزلتهم من الكتاب والسنة. أما المطلب الرابع فتحدثنا فيه عن مراتب الصحابة، وعقيدة أهل السّنّة في تفضيل الصّحابة. وجاء المبحث الثاني في بيان جهود الصحابة في تدوين السنة، وتطرقنا لبعض الصور المتميزة لهذه الجهود. أما المبحث الثالث فخصصناه في ضوابط النقد عند الصحابة الكرام، وجاءت في خمسة ضوابط: ففي الضابط الأول: تحدثنا عن عرضهم الرواية على النبي - صلى الله عليه وسلم - حال حياته. وفي الضابط الثاني: تعرضنا لعرضهم الرواية على القرآن الكريم. أما الضابط الثالث: فخصصناه لعرض الرواية على المحفوظ من السنة النبوية (بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -).وفي الضابط الرابع: ذكرنا عرضهم الرواية على كبار الصحابة. أما الضابط الخامس: فكان في عرضهم الرواية على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.وجاء الضابط السادس: في تحريهم من صاحب القصة، ثم ختمنا بأهم النتائج.

المبحث الأول: مفهوم الصحبة، ودور الصحابة في كتابة السنة النبوية وحفظها.

واخيراً نقول: هذا جهد المقل وبضاعة مزجاة، فإن كانت صواباً فما هي إلا بتوفيق الله وحده وإن كانت الاخرى فمن ضعفي وتقصيري، والحمد لله رب العالمين. المبحث الأول: مفهوم الصحبة، ودور الصحابة في كتابة السنة النبوية وحفظها. المطلب الأول: من هو الصّحابيّ. أولاً: الصّحابيّ لغة: قال ابن سيدة:" الصُحبة - المعاشرة صحِبَه صُحبة وصَحابة وصِحابة وَصَاحبه والصاحب - المعاشِر" (¬1). ثانياً: الصّحابيّ في اصطلاح المحدثين: قال الحافظ العراقي:" فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ثم مات على الإسلام؛ ليخرج من ارتد ومات كافراً" (¬2). وقال ابن حجر:"وهو من لقي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح. والمراد باللقاء: ما هو أعم: من المجالسة، والمماشاة، ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه، ويدخل فيه رؤية أحدهما الآخر، سواء كان ذلك بنفسه أم بغيره. والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم: الصحابي من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يخرج ابن أم مكتوم، ونحوه من العميان، وهم صحابة بلا تردد" (¬3). وقال السّيوطيّ:" ولا يشترط البلوغ على الصّحيح، وإلا لخرج من أجمع على عدّه في الصّحابة" (¬4). فالصحابي هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - حال حياته ومات على الاسلام. وقولنا: (من لقي النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -): يشمل كل من لقيه في حياته، وأمّا من رآه بعد موته قبل دفنه - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون صحابيّا كأبي ذؤيب الهذليّ الشّاعر فإنه رآه قبل دفنه (¬5). وقولنا: (مسلماً): خرج به من لقيه كافراً وأسلم بعد وفاته، كرسول قيصر فلا صحبة له. وقولنا: (ومات على إسلامه): خرج به من كفر بعد إسلامه ومات كافراً (¬6). ¬

_ (¬1) ابن سيدة، المخصص 3/ 429. (¬2) المصدر نفسه 2/ 120. (¬3) ابن حجر، نزهة النظر ص140 - 141. (¬4) السيوطي، تدريب الرّاوي 2/ 211. (¬5) ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب 4/ 1648. (¬6) ينظر: ابن حجر، نزهة النظر 2/ 140.

المطلب الثاني: طرق ثبوت الصحبة

أما من ارتدّ بعده ثم أسلم ومات مسلماً، فقال العراقيّ: "فيهم نظر، لأن الشّافعيّ وأبا حنيفة نصّا على أن الردّة محبطة للصّحبة السابقة، كقرّة بن ميسرة والأشعث بن قيس" (¬1). وجزم الحافظ ابن حجر ببقاء اسم الصّحبة له كمن رجع إلى الإسلام في حياته، كعبد اللَّه بن أبي سرح (¬2). المطلب الثاني: طرق ثبوت الصحبة (¬3): أولاً: التّواتر، وهو رواية جمع عن جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وبقيّة العشرة المبشّرين بالجنّة- رضي اللَّه عنهم. ثانياً: الشّهرة أو الاستفاضة، كما في أمر ضمام بن ثعلبة، وعكاشة بن محصن، وياسر والد عمار رضي الله عنهم. ثالثاً: أن يروى عن آحاد الصّحابة أنّه صحابي، كما في "حممة بن أبي أحممة الدّوسي" الّذي مات بأصبهان مبطوناً فشهد له أبو موسى الأشعريّ أنه سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حكم له بالشهادة، هكذا ذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان (¬4). رابعاً: أنْ يخبر أحد التّابعين بأنّه صحابي بناءً على قبول التّزكية من واحد عدل وهو الرّاجح. خامساً: أن يخبر هو عن نفسه بأنّه صحابيٌّ بعد ثبوت عدالته ومعاصرته، فإنّه بعد ذلك لا يقبل ادّعاؤه بأنّه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أو سمعه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنّه على رأس مائة سنة منه لا يبقى أحد ممّن على ظهر الأرض أحد " (¬5). ¬

_ (¬1) العراقي، شرح الألفية 2/ 120. (¬2) ابن حجر، نزهة النظر ص141،وينظر: العراقي، شرح الألفية 2/ 120. (¬3) ينظر: ابن حجر، نزهة النظر ص140،والسخاوي، فتح المغيث 4/ 90 - 91، والسيوطي، تدريب الراوي 2/ 108 وأبو شهبة، الوسيط، ص767. (¬4) أبو نعيم، تاريخ اصبهان 1/ 99. (¬5) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (116)، ومسلم، المسند الصحيح 4/ 1965 (2537) وغيرهما.

المطلب الثالث: فضلهم ومنزلتهم في الكتاب والسنة

يريد بهذا انخرام ذلك القرن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في سنة وفاته، ومن هذا المأخذ لم يقبل الأئمّة قول من ادّعى الصّحبة بعد الغاية المذكورة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر ضابطا يستفاد منه معرفة جمع كثير من الصّحابة يكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار (¬1): أحدها: أنهم كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصّحابة، فمن تتبّع الأخبار الواردة من الرّدة والفتوح وجد من ذلك الكثير. ثانيها: أن عبد الرّحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا له، وهذا أيضا يوجد منه الكثير. ثالثها: أنه لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ولا الطّائف ولا من بينها من الأعراف إلا من أسلم وشهد حجّة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجوداً اندرج فيهم، لحصول رؤيتهم للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يرهم هو. المطلب الثالث: فضلهم ومنزلتهم في الكتاب والسنة: نصَّ القرآن الكريم على فضلهم وتزكيتهم في آيات كثيرة منها: قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬2). وغيرها من الآيات. وفي نصوص السّنّة النبويّة المشرّفة أمثلة كثيرة منها: عن أبي سعيد عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تسبّوا أصحابي، فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه" (¬3). وعن عبد اللَّه بن مغفّل المزنيّ قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّه اللَّه في أصحابي، اللَّه اللَّه في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه فيوشك أن يأخذه" (¬4). ¬

_ (¬1) ابن حجر، الإصابة 1/ 161. (¬2) سورة التوبة/ 100. (¬3) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (3673) ومسلم، المسند الصحيح 4/ 1967 - 1968 (2541). (¬4) أخرجه أحمد، المسند 4/ 87، التّرمذي، الجامع 5/ 653،وغيرهما.

وعن عمران بن حصين قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:" خير أمّتي القرن الّذي بعثت فيهم، ثمّ الَّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم" (¬1).قال ابن عبّاس:" أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - اصطفاهم اللَّه لنبيه عليه السّلام" (¬2). فالصحابة كلهم عدول، وهم أمناء الله في أرضه، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة، عن أبيه، قال: صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال فجلسنا، فخرج علينا، فقال: "ما زلتم هاهنا؟ " قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال:" أحسنتم أو أصبتم " قال فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون (¬3). قال الإمام النّوويّ: "الصّحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتدّ به" (¬4). وقال أبو زرعة الرّازيّ:" إذا رأيت الرّجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أنّ الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزّنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسّنّة فالجرح بهم أولى" (¬5). قال ابن الصّلاح: "ثم إنّ الأمة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتدّ بهم في الإجماع؛ إحسانا للظّنّ بهم ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن اللَّه سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة" (¬6). قال الخطيب البغداديّ في الكفاية مبوباً على عدالتهم:"ما جاء في تعديل اللَّه ورسوله للصّحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتّصل إسناده بين من رواه وبين النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، المسند الصحيح 4/ 1964 (2535)، وغيره. (¬2) البغوي، شرح السنة 14/ 68. (¬3) المصدر نفسه 4/ 1961 (2531). (¬4) النووي، التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث ص92. (¬5) ابن عساكر، تاريخ دمشق 38/ 32. (¬6) ابن الصلاح، مقدمة علوم الحديث ص295.

المطلب الرابع: مراتب الصحابة، وعقيدة أهل السنة في تفضيل الصحابة.

العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النّظر في أحوالهم سوى الصّحابي الّذي رفعه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل اللَّه لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن" (¬1). والأخبار في هذا المعنى تتّسع، وكلها مطابقة لما ورد في نصّ القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصّحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل اللَّه تعالى لهم، المطّلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له. المطلب الرابع: مراتب الصحابة، وعقيدة أهل السّنّة في تفضيل الصّحابة. قد أجمع أهل السّنّة والجماعة على أنّ أفضل الصّحابة بعد النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق: أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما. قال القرطبي:"ولم يختلف أحد في ذلك من أئمّة السّلف ولا الخلف، فقال: ولا مبالاة بأقوال أهل التّشيّع ولا أهل البدع، فإنهم بين مكفر تضرب رقبته، وبين مبتدع مفسق لا تقبل كلمته" (¬2). وقال البيهقيّ:" روينا عن أبي ثور عن الشّافعيّ، قال: ما اختلف أحد من الصّحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصّحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في عليّ وعثمان" (¬3). وقال العلّامة ابن الهمّام:" فضل الصّحابة الأربعة على حسب ترتيبهم في الخلافة، إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند اللَّه تعالى، وذلك لا يطلع عليه إلاّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقد ورد عنه ثناؤه عليهم كلهم، ولا يتحقّق إدراك حقيقة تفضيله عليه السّلام لبعضهم على بعض إن لم يكن سمعيّا يصل إلينا قطعيّا في دلالته إلا الشاهدين لذلك الزمان، لظهور قرائن الأحوال لهم، وقد ثبت ذلك لنا صريحاً ودلالة كما في صحيح البخاريّ من حديث عمرو بن العاص حين سأله عليه السّلام: من أحبّ النّاس إليك من الرّجال؟ فقال: "أبوها". يعني عائشة رضي اللَّه عنها- وتقديمه في الصّلاة على ما قدّمنا مع أن الاتّفاق على أن السّنّة أن يقدم على القوم أفضلهم علما، وقراءة، وخلقاً، وورعاً، فثبت أنّه كان أفضل الصّحابة، وصحّ من حديث ابن عمر في صحيح البخاريّ قال:"كنا في زمن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم" (¬4).وصحّ فيه من حديث محمّد بن الحنفيّة: قلت لأبي: "أيّ النّاس خير ¬

_ (¬1) الخطيب، الكفاية ص47. (¬2) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8/ 148. (¬3) البيهقي، الاعتقاد ص369. (¬4) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (3494).

المبحث الثاني: جهود الصحابة في تدوين السنة

بعد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت قال: ما أنا إلاّ واحد من المسلمين" (¬1).فهذا عليّ نفسه مصرّح بأن أبا بكر أفضل النّاس، وأفاد بعد ما ذكرنا تفضيل أبي بكر وحده على الكلّ، وفي بعض ترتيب الثّلاثة، ولما أجمعوا على تقديم عليّ بعدهم دلَّ على إنّه كان أفضل من بحضرته وكان منهم الزّبير وطلحة فثبت أنّه كان أفضل الخلق بعد الثلاثة. هذا واعتقاد أهل السّنّة تزكية جميع الصّحابة والثناء عليهم، كما أثنى اللَّه سبحانه وتعالى عليهم إذ قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ً} (¬2)." (¬3). فمنهج أهل الحق من المسلمين احترام الصحابة، وتوقيرهم، والترضي عنهم أجمعين، ونترك ما شجر بينهم، فهم خير البشر بعد النبيين. المبحث الثاني: جهود الصحابة في تدوين السنة: لم يدخر الصحابة الكرام جهداً في تحمل أمانة الدين وتبليغه، فطوفوا المشارق والمغارب لنشره وتبليغه للناس، باذلين الغالي والنفيس في ذلك، ومن يقرأ التاريخ بإنصاف لا يملك إلا أن يقف لهم بكل احترام وتبجيل، ولا يتنكر لهم إلا جاحد أو حاقد. ولهم الفضل بعد فضل الله ثم فضل رسوله - صلى الله عليه وسلم - في إخراجنا من براثن الشرك والوثنية وإدخالنا في هذا الدين العظيم. ومثلما كان لهم الفضل في الفتوحات الاسلامية، كان لهم الفضل في حفظ السنة النبوية ونشرها بين الناس، ويمكن إيجاز دورهم الكبير في حمل السنة وتبليغها بما يلي: 1 - حفظ الروايات، وأعني به حفظ الصدر وحفظ الكتاب، إذ تميز كثير من الصحابة بحفظ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدورهم، حتى تفرّغ لها بعضهم -كأصحاب الصفة- فكان جلّ حياته تتبع الروايات وحفظها، وكان من أحفظهم الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه -، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:": " ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب " (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (3468). (¬2) سورة آل عمران/ 110. (¬3) ابن الهمام، المسايرة 166 - 168. (¬4) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (113)، ومسلم، المسند الصحيح 4/ 2298 (3004)، وغيرهما.

وكان بعض الصحابة يتنابون على حضور مجالس النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأخرج الشيخان من حديث عمر - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك ..... "الحديث (¬1).وهذا يدل على حرصهم على حفظ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما عن كتابة الحديث وحفظه في الصدور والسطور، فقد كتب بعض الصحابة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد كان لبعض كبار الصحابة صحف دونوا فيها بعض الأحاديث، وما هذا إلاّ من حرصهم عليه، وهو جهد كبير في حماية الحديث من الضياع أو النسيان، إذ كتب أسيد بن حضير الأنصاري - رضي الله عنه - بعض الأحاديث النبوية، وقضاء أبي بكر وعمر وعثمان، وأرسله إلى مروان بن الحكم (¬2). وكتب جابر بن سمرة - رضي الله عنه - بعض أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث بها إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص بناءً على طلبه ذلك منه (¬3). وكتب زيد بن أرقم - صلى الله عليه وسلم - بعض الأحاديث النبوية وأرسل بها إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه - (¬4). وكتب زيد بن ثابت في أمر الجَدِّ إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وذلك بناء على طلب عمر نفسه (¬5). وجمع سمرة بن جندب ما عنده من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث به إلى ابنه سليمان، وقد أثنى الإمام محمد بن سيرين على هذه الرسالة فقال: "في رسالة سمرة إلى ابنه علمٌ كثير" (¬6). ومن ذلك أيضاً حثهم على كتابة الحديث وتقييده، فروى عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، أنهما كانا يقولان: "قيدوا العلم بالكتاب" (¬7). وجاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: "من يشتري مني علماً بدرهم" (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (89)،ومسلم، المسند الصحيح 2/ 1111 (1479)، وغيرهما. (¬2) ينظر: أحمد، المسند 4/ 226. (¬3) أخرجه أحمد، المسند 5/ 89، ومسلم، المسند الصحيح 3/ 1453 (1822). (¬4) ينظر: أحمد، المسند 4/ 370 - 374، وابن حجر، تهذيب التهذيب 3/ 394. (¬5) الدارقطني، السنن 4/ 93 - 94. (¬6) ابن حجر، تهذيب التهذيب 4/ 236 - 237، وينظر: أبو داود، السنن (456). (¬7) ابن نقطة، تقييد العلم ص: 92،وابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله1/ 72. (¬8) أبو خيثمة، العلم 1/ 38.

2 - تدوينهم الحديث في صحف

قال أبو خيثمة:"يقول: يشتري صحيفةً بدرهمٍ يكتب فيها العلم" (¬1). 2 - تدوينهم الحديث في صحف: أخرج البخاري بسنده عن ثمامة أنّ أنساً - رضي الله عنه - حدّثه أنّ أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له -في زكاة الحيوان-التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -:" ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء " (¬2). وأخرج مسلم في صحيحه أنّ علياً - رضي الله عنه - سُئل: أخصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال:" ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة، إلاّ ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا" (¬3). ومن هذه الصحف أيضاً: * صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، المعروفة بالصحيفة الصادقة. عن مجاهد قال: "أتيت عبد الله بن عمرو فتناولت صحيفة من تحت مفرشه، فمنعي، قلت: ما كنت تمنعني شيئاً، قال: هذه الصادقة، هذه ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه أحد" (¬4). هذه الصحف الثلاث كلها كتبت في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وهناك غيرها كثير مما كتب في حياته - صلى الله عليه وسلم -. * صحيفة عبد الله بن أبي أوفى، ذكرها الإمام البخاري في كتاب الجهاد من "صحيحه، فأخرج بسنده من طريق سالم أبي النضر، أنّ عبد الله بن أبي أوفى، كتب فقرأته: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا لقيتموهم فاصبروا" (¬5) ¬

_ (¬1) المصدر نفسه. (¬2) البخاري، الجامع الصحيح (1380). (¬3) مسلم، المسند الصحيح 3/ 1567 (1978). (¬4) ابن نقطة، تقييد العلم ص 84، وابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله 1/ 73، وهي صحيفة مشهورة، وينظر: الإمام أحمد، المسند 2/ 158 - 226. (¬5) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (2678)،وينظر: ابن حجر: فتح الباري 6/ 45.

3 - دقتهم وتحريهم وأمانتهم

3 - دقتهم وتحريهم وأمانتهم: أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما يحدث الناس فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة» قال فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال: إني قد رأيتك جئت آنفا، قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " (¬1). 4 - احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث: ومن هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال: فما سمعته بشيءٍ قط قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فلما كان ذات عشية قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك" (¬2). وبدأ التحذير من الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت مبكر، فاوّل من حذر منه هو النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه فأخرج البخاري من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - " إنّ كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (¬3). وكذا كان الصحابة يحتاطون جداً في رواية الحديث خشية من التحريف أو التبديل، فكان بعضهم لشدة حذره يمتنع عن الرواية، وكان بعضهم يقول عقب الحديث (أو نحوه، أو بعناه ..). ولهذا كان الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتاطون جداً من قبول الأحاديث، أورد الحافظ الذهبي عند ترجمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:"وكان أوّل من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءة إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، ما علمت أنّ رسول لله - صلى الله عليه وسلم - ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر - رضي الله عنه - " (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، المسند الصحيح1/ 209 (234). (¬2) أخرجه ابن ماجه، السنن (23). (¬3) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (1229). (¬4) الذهبي، تذكرة الحفاظ 1/ 2، والدهلوي، حجة الله البالغة 1/ 141.

وقال في ترجمة عمر - رضي الله عنه -:"وهو الذي سنَّ للمحدثين التثبت في النقل، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات، فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل عمر في أثره، فقال: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاث، فلم يجب، فليرجع"، قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك، فجاء أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس، فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا، وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم، كلنا سمعه، فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره، أحبَّ عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر، ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم، ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد، وقد كان عمر من وجله أن يخطئ الصاحب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم أن يقلوا الرواية عن نبيهم، ولئلا يتشاغل الناس بالأحاديث عن حفظ القرآن" (¬1). وهذا الاحتياط لا يعني انهم كتموا شيئاً من السنة كما يروج له أهل البدع ويطبل به اذنابهم عبر وسائل الأعلام، فالصحابة أعرف الناس بأثم من كتم شيئاً من الدين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ً} (¬2). ولا سيما أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:" من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار" (¬3). وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن الأعرج قال: قال أبو هريرة: إنكم تقولون أكثر أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد أنكم تقولون ما بال المهاجرين لا يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأحاديث وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث وأنّ أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها وإنّي كنت امرأ معتكفاً وكنت أكثر مجالسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثنا يوما فقال:" من يبسط ثوبه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فإنه ليس ينسى شيئا سمعه مني أبداً". فبسطت ثوبي أو قال: نمرتي ثم قبضته إليَّ ¬

_ (¬1) الذهبي، تذكرة الحفاظ 1/ 6 - 7. (¬2) سورة البقرة/159. (¬3) أخرجه أحمد، المسند 2/ 499.

المبحث الثالث: ضوابط نقد الرواية عند الصحابة الكرام

فوالله ما نسيت شيئا سمعته منه وأيم الله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً ثم تلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية (¬1) ". (¬2). وأخرج مسلم من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -، أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم" (¬3). والسبب الرئيس في تأخير تبليغ الحديث هو إما اكتفاءً بغيره من الصحابة ممن روى الحديث أو ربما اجتهاداً من الصحابي أنّ الحديث قد يتخذه بعض الناس ذريعة في تقصيرهم في العبادة، ومن ذلك انّ معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة، أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال مرة: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،لم يمنعني ان أحدثكموه إلاّ أنْ تتكلوا سمعته يقول: "من شهد أنْ لا إله إلاّ الله مخلصاً من قلبه أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة". وقال مرة:"دخل الجنة ولم تمسه النار " (¬4).فالاحتياط والتثبت لا يتعارض مع التبليغ، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم - بلّغوا ما سمعوا وأدوا ما يجب عليهم تأديته، ولم يكتموا شيئاً من الدين. المبحث الثالث: ضوابط نقد الرواية عند الصحابة الكرام: من خلال التتبع للأحاديث النبوية نجد أن الصحابة الكرام كانت لهم سبل متعددة يتبعونها من أجل ضبط قبول الرواية أو ردها، وهو ينم عن حرصهم على سنة نبيهم، وحمايتها من الدخلة والمنتحلين، ولاسيما أن الله تعالى تكفل بحفظ الكتاب الكريم، وصار على عاتقهم حماية السنة النبوية، فكانوا أحق بحمل هذه الأمانة وأهلها، فهم خير جيلٍ عرفه التاريخ. ومن هذه الضوابط: ¬

_ (¬1) سورة البقرة/159. (¬2) أخرجه أحمد، المسند 2/ 274. (¬3) أخرجه مسلم، المسند الصحيح 4/ 2015 (2748). (¬4) اخرجه احمد، المسند 5/ 235.

الضابط الأول: عرض الرواية على النبي - صلى الله عليه وسلم - حال حياته

الضابط الأول: عرض الرواية على النبي - صلى الله عليه وسلم - حال حياته: وهذا من أعظم أسباب حماية السنَّة، فهم وإنْ كانوا خير ناس، ولم يفشي بينهم الكذب، إلاّ أنهم تحرجوا من كثرة التحديث، والقبول من كل أحد، فكان بعضهم يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن أمر ينسب إليه - صلى الله عليه وسلم -،ومن ذلك: ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر، وعمر في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا، فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً؟ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة - والربيع الجدول - فاحتفزت، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أبو هريرة" فقلت: نعم يا رسول الله، قال: "ما شأنك؟ " قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال: "يا أبا هريرة" وأعطاني نعليه، قال: "اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة". فكان أوّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعثني بهما من لقيت يشهد أنْ لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه، بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على أثري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك يا أبا هريرة؟ " قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي، قال: ارجع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عمر، ما حملك على ما فعلت؟ " قال: يا رسول الله، بأبي أنت، وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أنْ لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: "نعم ".قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فخلهم" (¬1). فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يقبل الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي هريرة - رضي الله عنه - أولاً، حتى عرضه على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتأكد من صحة الخبر، وهذا لا يعني تهمة لأبي هريرة، فربما لو جاء بهذا الخبر من جاء من الصحابة لتثبت عمر - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم -، اللهم إلاّ ابا بكر الصديق، لعظم مكانته عندهم، وقد مرت أمثلة تؤيد ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، المسند الصحيح 1/ 59 (31)،وغيره.

فكان عمر - الملهم- قد اجتهد في احتمال استغلال بعض ضعاف القلوب لهذا الحديث في التسويف في الاعمال، والتقصير في الطاعات (الاتكال)،كما عبر عنه عمر - رضي الله عنه -، فأقره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على اجتهاده. وقد فعل مثل فعل عمر - رضي الله عنه - بعض الصحابة، ومن ذلك انّ معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة قال: اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وقال مرة: أخبركم بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمنعني ان أحدثكموه إلاّ أنْ تتكلوا سمعته يقول: "من شهد ان لا إله الا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة" وقال مرة:"دخل الجنة ولم تمسه النار " (¬1). قال النووي:" وأما دفع عمر - رضي الله عنه - له-يريد أبا هريرة- فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه بل قصد رده عما هو عليه وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره " (¬2). وهنا نكتة عظيمة وهي سماع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لرأي أصحابه والنزول عنده! وهذا في منتهى الرحمة والتواضع النبوي، وهو تربية لأمته من بعده. قال القاضي عياض:" وليس فعل عمر ومراجعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اعتراضاً عليه ورد الأوامر، إذ ليس فيما وجّه به أبا هريرة (¬3) غير تطييب قلوب أمته وبشراهم، فرأى عمر أنّ كتم هذا عنهم أصلح لهم، وأذكى لأعمالهم، وأوفر لأجورهم ألاّ يتكلوا، وأنه أعود بالخير عليهم من مُعَجَّلة هذه البشرى، فلما عرض ذلك على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صوّبه له، وقد يكون رأي عمر للعموم وأمر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للخصوص، وخشى عمر إنْ حصل فى الخصوص أنْ يفشو ويتسع. وفى هذا الحديث من الفقه والذى قبله: إدخال المشورة على الإمام من أهل العلم والدين ومن وزرائه وخاصته .. " (¬4). وتأمل بعد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ، وكان رديفه على الرحل:"يا معاذ بن جبل. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك- ثلاثا- قال: "ما من أحد يشهد أنْ لا إله ¬

_ (¬1) اخرجه أحمد، المسند 5/ 235. (¬2) النووي، شرح مسلم 1/ 228. (¬3) في المطبوع (معاذ)،والصواب ما أثبتناه، وهو في إحدى نسخ الكتاب كما نبه المحقق في الهامش. (¬4) القاضي عياض، إكمال المعلم شرح صحيح مسلم1/ 264.

الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم.

إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه، إلاَّ حرمه الله على النار". قال يا رسول الله: أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتكلوا " وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً" (¬1). قال الحافظ:"فكأن قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ أخاف أنْ يتكلوا كان بعد قصة أبي هريرة فكان النهي للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله أعلم" (¬2). وهنا يتضح أنّ خشية التكاسل والاتكال إنما كانت متوقعة من ضعاف الإيمان أو المؤلفة قلوبهم، والدليل أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خصّ بها بعض أصحابه كأبي هريرة، ومعاذ. قال المهلب:" فيه أنه يجب أن يُخَصَّ بالعلم قوم لما فيهم من الضبط وصحة الفهم، ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله من الطلبة ومن يخاف عليه الترخص والاتكال لقصير فهمه، كما فعل - صلى الله عليه وسلم - " (¬3). الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم. وهذا الضابط في الأصل استعمله الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -،إذ لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حيّاً لردوا اختلافهم إليه. ومن أمثلة هذا الضابط، وأمثلته كثيرة: ما أخرجه أحمد في مسنده عن قتادة عن أبى حسان الأعرج انّ رجلين دخلا على عائشة فقالا: إنّ أبا هريرة يحدث أنّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار". قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:"كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة". ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (¬4) إلى آخر الآية" (¬5). وقد وقع اختلاف واضح بين أهل العلم في هذا الحديث بين مقّرٍ ونافٍ له، والحديث لم ينفرد به أبو هريرة، بل رواه ابن عمر - رضي الله عنه - (¬6) وغيره، وليس الموضع موضع دراسته، وأنقل هنا كلام الإمام القرطبي في توجيه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (128) و (129)،من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬2) ابن حجر، فتح الباري 1/ 228. (¬3) ابن بطال، شرح صحيح البخاري 1/ 207. (¬4) سورة الحديد /22. (¬5) أخرجه أحمد، المسند 6/ 246. (¬6) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (5438) وغيره.

الحديث، إذ قال:"ولا يظن بمن قال هذا القول: أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها، وتفعل عندها، فإنَّها كانت لا تقدم على ما تطيرت به، ولا تفعله بوجه بناء على أن الطيرة تضر قطعًا، فإنَّ هذا ظن خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود" (¬1). ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي إسحاق، قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفاً من حصى فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (¬2) " (¬3). فعمر - رضي الله عنه - عرض خبر فاطمة بنت قيس على القرآن الكريم، فرآه يخالفه، فالقرآن نصّ على السكنى للمطلقة، وفاطمة روت حادثة لها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - معارضة لهذا، فعمر - رضي الله عنه - ردّ حديثها معللاً ذلك بانها واحدة لعلها نسيت أو اخطأت في نقلها أو فهمها للحديث، وللعلماء في الحديث أقوال فلتنظر في محلها. ومنه ما أخرجه الطبراني من حديث طارق بن شهاب قال: سألت عبد الله عن امرأة أرادت أن تجعل من حجها عمرة فقال:" ألم تسمع الله يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (¬4) ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج " (¬5). والحقيقة أنّ هذا المنهج (عرض الرواية على القرآن الكريم) قد علّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، فمنه ما أخرجه تمام الرازي في فوائده بسنده عن أم مبشر، قالت: كنت في بيت حفصة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص شرح مسلم 18/ 104. (¬2) سورة الطلاق/1. (¬3) أخرجه مسلم، المسند الجامع 2/ 1118 (1480). (¬4) سورة البقرة/197. (¬5) الطبراني، المعجم الكبير9/ 342 (9703).

الضابط الثالث: عرض الرواية على المحفوظ من السنة النبوية (بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -).

يدخل النار إنْ شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية". قالت: فقالت حفصة: ألست تسمع الله يقول: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (¬1)، فقال:" أولست تسمعين الله عز وجل يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} (¬2) " (¬3). وكذا الموقف التاريخي العظيم لأبي بكر الصديق في أوّل امتحان حقيقي للصحابة في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -،إذ أخرج البخاري من حديث أمِّ المؤمنين عائشة: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وأبو بكر بالسنح، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.قالت وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبله، قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإنّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي لا يموت. وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (¬4). وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} (¬5). . فنشج الناس يبكون ..... " (¬6). فالقرآن الكريم البوصلة الصحيحة التي لا يضل من تمسك بها، ولا يزيغ عنها إلا هالك. وهكذا يجد الباحث أنّ الصحابة الكرام جعلو من القرآن الكريم ضابطاً لهم في قبول الرواية أو ردها، ولا سيما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. الضابط الثالث: عرض الرواية على المحفوظ من السنة النبوية (بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -). ومن الضوابط التي اعتمدها الصحابة الكرام في نقد الراويات عرضها على الثابت المحفوظ من الأحاديث، وقد نفعهم في هذا قربهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومجالستهم. ومن ذلك: ما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان - رضي الله عنه - بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال ¬

_ (¬1) سورة مريم /71. (¬2) سورة مريم /71. (¬3) تمام الرازي، الفوائد (1275). (¬4) سورة الزمر/30. (¬5) سورة آل عمران/144. (¬6) البخاري، الجامع الصحيح (3467).

جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ". فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد كان عمر - رضي الله عنه - يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر - رضي الله عنه - من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال أذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال: ادعه لي فرجعت إلى صهيب، فقلت: أرتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه. فقال عمر - رضي الله عنه -: يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ". قال ابن عباس رضي الله عنهما فلما مات عمر - رضي الله عنه - ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: رحم الله عمر والله ما حدّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنّ الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه".وقالت حسبكم القرآن {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1) قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى" (¬2). قال الحافظ:" وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن" (¬3). قال القرطبي:" قال علماؤنا: وإنما حملها على ذلك أنها لم تسمعه، وأنه معارض للآية. ولا وجه لإنكارها، فإن الرواة لهذا المعنى كثير، كعمر وابنه والمغيرة بن شعبة وقيلة بنت مخرمة، وهم جازمون بالرواية، فلا وجه لتخطئتهم. ولا معارضة بين الآية والحديث، فإن الحديث محمله على ما إذا كان النوح من وصية الميت وسنته، كما كانت الجاهلية تفعل" (¬4). وقد وقع خلاف في الحديث بشكل كبير، بعضهم ذهب إلى مذهب السيدة عائشة رضي الله عنها، وبعض ذهب المذهب الآخر، وبعضهم وفّق بينهما كما فعل الإمام البخاري إذ بوب في صحيحه (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ". إذا كان النوح من سنته) (¬5). ¬

_ (¬1) هذه جزء من آية وردت في سورة: الانعام /164والإسراء/ 15،وفاطر/18والزمر/7. (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (1226) و (1228) و (1230)، ومسلم، المسند الصحيح 2/ 641 (927و928و929) وغيرهما. (¬3) ابن حجر، فتح الباري 3/ 154. (¬4) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 10/ 231. (¬5) البخاري، الجامع الصحيح1/ 430 باب 32، وينظر: ابن حجر، فتح الباري 3/ 154.

فأم المؤمنين عارضت حديث عمر وغيره من الصحابة بما تحفظه من سنّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبفهمها لكتاب الله تعالى. ومنه ما أخرجه الطحاوي من طريق عروة بن الزبير، قال: بلغ عائشة رضي الله عنها: أنّ أبا هريرة يقول: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" لأنْ أمتع بسوط في سبيل الله، أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ولد الزنا شر الثلاثة، وإن الميت يعذب ببكاء الحي". فقالت عائشة: رحم الله أبا هريرة أساء سمعاً فأساء إجابة" (¬1). قال الطحاوي:" قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكره عنه أبو هريرة: " ولد الزنى شر الثلاثة " إنما كان لإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان منه مما صار به كافراً شراً من أمه، ومن الزاني بها الذي كان حملها به منه" (¬2). فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ردّت حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بما تحفظه من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون كذلك من معارضته – بفهمها واجتهادها – للقرآن لكريم، ويؤيده ما جاء في أحد طرق الحديث أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قيل لها: هو شر الثلاثة (يعني ولد الزنا)، عابت ذلك وقالت: "ما عليه من وزر أبويه، قال الله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬3) " (¬4). ومنه أيضاً ما أخرجه أبو داود من حديث عدي بن ثابت الأنصاري: حدثنى رجل أنّه كان مع عمّار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمّار وقام على دكان يصلى والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا أم الرجل القوم فلا يقم فى مكان أرفع من مقامهم ". أو نحو ذلك، قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي" (¬5).فحذيفة - رضي الله عنه - إنما انتقد فعل عمار بما يحفظه من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه الطحاوي، مشكل الآثار (910)،والحاكم، المستدرك على الصحيحين 2/ 215،والبيهقي، معرفة السنن والآثار 14/ 343. (¬2) الطحاوي، شرح المشكل 2/ 269. (¬3) هذه جزء من آية وردت في سورة: الانعام /164والإسراء/ 15،وفاطر/18والزمر/7. (¬4) أخرجه عبد الرزاق، المصنف (13860) و (13861)،والحاكم، المستدرك 4/ 100، والبيهقي، السنن 10/ 58. (¬5) أبو داود، السنن (598) وروي عن أبي مسعود - رضي الله عنه - أيضاً كما في السنن (597)،وهو مما يعضد هذا الحديث.

الضابط الرابع: عرض الرواية على كبار الصحابة.

وقد يعارض هذا الحديث بحديث إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وقد وجهه العلماء بتوجيهات عدة، منها أن حديث المنبر منسوخ، يقول الإمام القرطبي:" قلت: فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد أخبروا بالنهي عن ذلك، ولم يحتج أحد منهم على صاحبه بحديث المنبر فدل على أنه منسوخ، ومما يدل على نسخه أن فيه عملا زائداً في الصلاة، وهو النزول والصعود، فنسخ كما نسخ الكلام والسلام" (¬1). ومنه أيضاً ما أخرجه أحمد من حديث ابن المسيب قال: خرج عثمان - رضي الله عنه - حاجاً حتى إذا كان ببعض الطريق قيل لعلي رضوان الله عليهما أنّه قد نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال علي - رضي الله عنه - لأصحابه: إذا ارتحل فارتحلوا فأهل علي وأصحابه بعمرة فلم يكلمه عثمان - رضي الله عنه - في ذلك، فقال له علي - رضي الله عنه - ألم أخبر إنّك نهيت عن التمتع بالعمرة؟ قال: فقال: بلى. قال: فلم تسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتع؟ قال: بلى " (¬2). قال السندي:" والحاصل أنّ عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما كانا يريان أن التمتع في وقته - صلى الله عليه وسلم - كان بسبب من الأسباب وتركه أفضل وعلي كان يراه أنه السنة أو أفضل، والله تعالى أعلم" (¬3). وعلي أية حال فالذي يعنينا معارضة علي لنهي عثمان رضي الله عنهما عن التمتع بالعمرة إلى الحج بما يحفظ من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. الضابط الرابع: عرض الرواية على كبار الصحابة. من البدهي أن حفظ الصحابة الكرام متفاوت وأن فقههم متفاوت، نصّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (¬4). فلو كان الصحابة كلهم على قدر متساوٍ من الفقه والحفظ والاستنباط لما أمرهم رب العزة بردّ الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حضوره حال حياته، وإلى فقهاء الصحابة وأهل العلم منهم في غياب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعد وفاته. أخرج أحمد وغيره من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ¬

_ (¬1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن11/ 58،وينظر: ابن رجب، فتح الباري2/ 455،والشيقينطي، أضواء البيان3/ 373. (¬2) أخرجه أحمد، المسند 1/ 54،والنسائي، السنن 5/ 153،وغيرهما. (¬3) السندي، شرح سنن النسائي 5/ 152. (¬4) سورة النساء/83.

ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" (¬1). وهذا التكامل بين الصحابةالكرام هو من بلغ بهم ما بلغ، لذا كان بعض الصحابة يتحرى من الصحابي الأخر صحة حديث طرق سمعه لم يكن سمعه من قبل، إما لكونه لم يحضر ذلك المجلس كلّه أو بعضه، أو لتأخر اسلامه عن زمن تحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهذا ضابط معتبر عند الصحابة الكرام في قبول الأحاديث. ومن ذلك: ما أخرجه عبد الررزاق في مصنفه من حديث قبيصة بن جابر الأسدي، قال: كنت محرماً فرأيت ظبياً فرميته، فأصبت خُشَشَاءَهُ -يعني أصل قرنه- فركب ردعه، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله فوجدت لما جئته رجلا أبيض رقيق الوجه، وإذا هو عبد الرحمن بن عوف قال: فسألت عمر فالتفت إلى عبد الرحمن، فقال: "ترى شاة تكفيه؟ " قال: نعم فأمرني أن أذبح شاة "، فقمنا من عنده، فقال صاحب لي: إنّ أمير المؤمنين لم يحسن أنْ يفتيك حتى سأل الرجل فسمع عمر كلامه، فعلاه عمر بالدرة ضربا، ثم أقبل علي عمر ليضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين لم أقل شيئا إنما هو قاله قال: فتركني، ثم قال: "أردت أن تقتل الحرام وتتعدى الفتيا" قال: " إن في الإنسان عشرة أخلاق، تسعة حسنة، وواحدة سيئة، فيفسدها ذلك السيئ، وقال: إياك، وعثرة الشباب" (¬2). ومن ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث مالك بن أوس بن الحدثان قال: جئت بدنانير لي فأردت ان أصرفها فلقينى طلحة بن عبيد الله فاصطرفها وأخذها، فقال: حتى يجئ سلم خازني -قال أبو عامر من الغابة- وقال فيها كلها: هاء وهاء. قال فسألت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" الذهب بالورق ربا إلاّ هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلاّ هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلاّ هاء وهاء والتمر بالتمر رباً إلاّ هاء وهاء" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 184،و3/ 281،وابن ماجه (154) والترمذي (3791) و، وغيرهم، وفي إسناده كلام طويل، بعضهم صححه كالترمذي وابن حبان وغيرهما، وبعضهم ضعفه بالإرسال. (¬2) أخرجه عبد الرزاق، المصنف 4/ 407،والطبراني، المعجم الكبير 1/ 127 (259)،والحاكم، المستدرك 3/ 305،وغيرهم (¬3) أخرجه أحمد-واللفظ له- المسند 1/ 45،والبخاري، الجامع الصحيح (2027)،ومسلم، المسند الصحيح 3/ 1209 (1586)، وغيرهم.

فتأمل في قوله (فسألت عمر)،فالرجل إراد الاطمئنان لهذا الحكم (الحديث)،أنه صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأل بعض الأصحاب عنه. ويتضح هذا الضابط بشكل أجلى في قول أم المؤمنين لسائل يسألها عن مسألة، فتحيله إلى من هو أعرف بها، لتعلق المسألة بأمر ما، إذ أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين، فقالت: سلْ علياً فهو أعلم بهذا منّي، هو كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألت علياً - رضي الله عنه -،فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن " (¬1). فلما كان السؤال يتعلق بمسألة تقع في الغالب في السفر، فالسيدة عائشة - رضي الله عنه - أرجعت السائل إلى صحابي آخر أعرف منها بهذه المسألة؛ لأنه كان يسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس، فلم يأذن له، فقال: السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعري، ثم انصرف، فقال: ردوا علي ردوا علي، فجاء فقال: يا أبا موسى ما ردك؟ كنا في شغل، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع" قال: لتأتيني على هذا ببينة، وإلا فعلت وفعلت، فذهب أبو موسى. قال عمر: إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية، وإن لم يجد بينة فلم تجدوه، فلما أن جاء بالعشي وجدوه، قال: يا أبا موسى، ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم، أبي بن كعب، قال: عدل، قال: يا أبا الطفيل ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك، يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: سبحان الله إنما سمعت شيئا، فأحببت أن أتثبت" (¬2). وفي قول عمر - رضي الله عنه -: (أتثبت) تصريح واضح باعتبار هذا الضابط المهم عندهم. ومنه ما أخرجه أحمد من حديث الوليد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة، حدّث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنّه قال: "من صلّى على جنازة فله قيراط، ومن صلّى عليها وتبعها فله قيراطان". فقال له عبد الله بن عمر: انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة، فإنك تكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بيده، فذهب به إلى عائشة، فصدقت ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد، المسند 1/ 149. (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (5891)،ومسلم –واللفظ له- المسند الجامع 3/ 1694 (2153)،وغيرهما.

أبا هريرة، فقال أبو هريرة:"والله يا أبا عبد الرحمن، ما كان يشغلني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفق في الأسواق، ما كان يهمني من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا كلمة يعلمنيها، أو لقمة يلقمنيها" (¬1). فمن يتأمل صنيع أبي هريرة - رضي الله عنه - يجد بوضوح اعتمادهم –أحياناً-في صحة الراوية وتصحيحيها على اقرار الصحابة الكبار. ومنه أيضاً ما أخرجه ابن سعد وغيره من حديث سالم أبي النضر، قال: لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فقال عمر للعباس: يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم. فقال العباس: ما كنت لأفعل. قال فقال له عمر:"اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين، وإما أن أخططك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وإما أن تصدق بها على المسلمين فنوسع بها في مسجدهم" فقال: "لا، ولا واحدة منها"، فقال عمر: "اجعل بيني وبينك من شئت"، فقال: "أبي بن كعب"، فانطلقا إلى أبي، فقصا عليه القصة فقال أبي: " إن شئتما حدثتكما بحديث سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم - "، فقالا: "حدثنا"، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إنّ الله أوحى إلى داود أن ابن لي بيتاً أذكر فيه». فخط له هذه الخطة، خطة بيت المقدس فإذا تربيعها بيت رجل من بني إسرائيل. فسأله داود أن يبيعه إياه، فأبى، فحدث داود نفسه أن يأخذ منه فأوحى الله إليه أنْ يا داود: أمرتك أنْ تبني لي بيتاً أُذكر فيه، فأردت أنْ تدخل في بيتي الغصب، وليس من شأني الغصب، وإنّ عقوبتك أنْ لا تبنيه. قال: يا رب فمن ولدي؟ قال: من ولدك". قال: فأخذ عمر بمجامع ثياب أبي بن كعب وقال: "جئتك بشيء فجئت بما هو أشد منه". لتخرجن مما قلت. فجاء يقوده حتى أدخله المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو ذر فقال: "إني نشدت الله رجلا سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر حديث بيت المقدس حين أمر الله داود أن يبنيه إلا ذكره". فقال أبو ذر: "أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".وقال آخر: "أنا سمعته". وقال آخر: "أنا سمعته". يعني من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأرسل عمر أبياً، قال: وأقبل أُبي على عمر فقال: " يا عمر أتتهمني على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! "، فقال عمر: " يا أبا المنذر، لا والله ما أتهمتك عليه، ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً". قال: وقال عمر للعباس: " إذهب فلا ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد، المسند 2/ 387.

الضابط الخامس: عرض الرواية على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

أعرض لك في دارك". فقال العباس: "أما إذ فعلت هذا فإني قد تصدقت بها على المسلمين أوسع بها عليهم في مسجدهم، فأما وأنت تخاصمني فلا". قال: فخط عمر لهم دارهم التي هي لهم اليوم وبناها من بيت مال المسلمين" (¬1). ومنه ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: كان أبو هريرة يحدثنا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "إنّ في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه". يقللها أبو هريرة بيده، فلما توفي أبو هريرة، قلت: لو جئت أبا سعيد فسألته؟، فأتيته فسألته، ثم خرجت من عنده فدخلت على عبد الله بن سلام، فسألته، فقال: خلق الله آدم يوم الجمعة، وقبضه يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة، وهي آخر ساعة، فقلت: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال:"في صلاة"، وليست ساعة صلاة. فقال: أوما تعلم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منتظر الصلاة في صلاة "؟، قلت: بلى، قال: فهي والله هي" (¬2). وهكذا نجد أن الصحابة الكرام جعلوا لأنفسهم ضابطاً مهماً في التثبت من صحة الرواية، وهو عرضها على كبار الصحابة وإقرارهم لهذا الحديث، وهكذا يطمأن لسلامة الرواية من احتمالية الخطأ الذي قد يقع فيه الراوي. الضابط الخامس: عرض الرواية على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. مرّ معنا سلفاً سؤال بعض الصحابة الكرام لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - ومعاودة الاستفسار في كثير من الروايات، وهذه الاسئلة في مسائل قد تكون مما يختص به أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، وقد لا تكون من كذلك. أما في هذا الضابط فإننا نسلط الضوء على مسألة عرض الصحابة الكرام رواية ما أو حادثة ما على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لكون الأمر مما يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته الزوجية أو الأسرية، أو أنّ هذه الحادثة مما يختص بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يطلع عليها أحد إلا أزواجه. وهذا لا يعني أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ هذا الحكم أو هذه المسألة للناس، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بلغ كل الدين، وعرف الناس دقائق حياتهم، لكن قد يقع في مسألة ما حديثان متعارضان ظاهراً أو من قبيل الناسخ والمنسوخ، فيسمع صحابي حديثاً دون حديث، فيختلف مع صحابي آخر حدث بخلاف ما يعرفه، فيلجأ الصحابة إلى بعضهم البعض إذا كان مما يشتهر، وربما سألت زوجة من زوجاته - صلى الله عليه وسلم - أحد أصحابه - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة وقعت ولم تشهدها، أو ترسل زوجة منهن سائلاً يسألها إلى غيرها من الصحابة، كما سبق من إرسال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سائلها إلى علي بن أبي طالب، معللة ذلك كون السؤال يتعلق بسفر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليّ - رضي الله عنه - أعرف منها؛ لأنّه أكثر ملازمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في سفره. إذن فالصحابة الكرام ضبطوا الخلاف في الروايات الخاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته الزوجية بالاحتكام إلى ازواجه فهنّ أعرف به، ولاسيما أفقه النساء وسيدتهن، الطاهرة المطهرة أم عبد الله عائشة، فلولاها -بعد الله تعالى- لضاع علينا كثير من أمور النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزاها الله عنا خير الجزاء، ولعن مبغضها ومؤذيها، ومؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، فهي أعلم نسائه، وأحبهن إليه - صلى الله عليه وسلم -. والحقيقة أن المتتبع للتاريخ بشكل متجرد، يجدها من رؤوس فقهاء الصحابة، وعليها مدار واسع في الفقه، قال مسروق: "رأيت مشيخة أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الأكابر يسألونها عن الفرائض" (¬3). وقال عطاء بن أبي رباح: "كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة" (¬4). قال محمود بن لبيد:"كان أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يحفظن من حديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ولا مثلاً لعائشة وأمِّ سلمة، وكانت عائشة تفتي في عهد عمر وعثمان إلى أنْ ماتت، يرحمها الله، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر وعثمان بعده يرسلان إليها فيسألانها عن السنن» " (¬5). وقال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -:" ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلاّ وجدنا عندها فيه علماً" (¬6). وقال الزهري: "لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل" (¬7). وبالطبع فلا يقتصر هذا الضابط على السيدة عائشة، فقد روي عن غيرها من أمهات المؤمنين، وكذا لا يقتصر أمر سؤالهنّ على قضايا أسرية (فقه الأسرة)،كما نلحظه في طيات هذا البحث. ¬

_ (¬1) ابن سعد، الطبقات 4/ 15. (¬2) أخرجه الطبراني، المعجم الكبير13/ 146 (362). (¬3) أخرجه ابن ابي شيبة، المصنف 11/ 234. (¬4). (¬5) ابن سعد، الطبقات2/ 375. (¬6) أورده ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة 8/ 233. (¬7) أورده الحاكم، المستدرك 4/ 11،وابن عبد البر، الاستيعاب 4/ 1883.

ومن هذه الأمثلة: ما أخرجه الإمام مسلم بسنده عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر (أبيه)،قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقص، يقول في قصصه:"من أدركه الفجر جنباً فلا يصم".فذكرت ذلك لعبد الرحمن ابن الحارث - لأبيه - فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم". قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول: قال: فجئنا أبا هريرة،- وأبو بكر -حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم، ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا: في رمضان؟ قال: كذلك كان يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم" (¬1). فأبو هريرة - رضي الله عنه - رجع عن رأيه لما تبيّن له فعل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أزاواجه وهم أعرف الناس به (¬2). ومنه ما أخرجه الطبراني بسنده من حديث عبيد بن رفاعة، أنّ زيد بن ثابت كان يقص فقال في قصصه: إذا خالط الرجل المرأة، فلم يمن فليس عليه غسل فليغسل فرجه وليتوضأ، فقام رجل من المجلس، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب، فقال عمر - رضي الله عنه -: ائتني به لأكون عليه شهيداً، فلما جاءه قال له: يا عدو نفسه أنت تضل الناس بغير علم! قال: يا أمير المؤمنين أما والله ما ابتدعته، ولكني سمعت ذلك من أعمامي، قال: أي أعمامك؟ قال: أبي بن كعب، ورفاعة بن رافع، وأبو أيوب، فقال رفاعة وكان حاضرا: لا تنهره يا أمير المؤمنين، فقد كنا والله نصنع هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على شيء من ذلك؟ فقال: لا، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، إن هذا الأمر لا يصلح، فقال: من أسأل بعدكم يا أهل بدر الأخيار؟ فقال علي - رضي الله عنه -: أرسل إلى أمهات المؤمنين، فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها، فقالت: لا علم لي، فأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل". ثم أفاضوا في ذكر العزل، فقالوا: لا بأس، فسار رجل صاحبه، فقال: ما هذه المناجاة؟ أحدهما يزعم أنها الموؤودة الصغرى، فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: " إنها لا تكون موءودة حتى تمر بسبع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، المسند الصحيح 2/ 779 (1109). (¬2) للمزيد ينظر: النووي، شرح مسلم 7/ 220.

تارات، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَانَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (¬1). فتفرقوا على قول علي بن أبي طالب أنه لا بأس به" (¬2). وتأمل ههنا في قول علي - رضي الله عنه - (أرسل إلى أمهات المؤمنين)، فهو يدرك أنّ مثل هذه المسائل لابد من الرجوع فيها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -،لأنهنّ أعرف بهذه الأمور. ومنه ما أخرجه الشيخان- من حديث نافع يقول: حدّث ابن عمر أنّ أبا هريرة - رضي الله عنهم -،يقول:"من تبع جنازة فله قيراط".فقال:" أكثر أبو هريرة علينا".فصدّقت -يعني عائشة- أبا هريرة وقالت:"سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله". فقال ابن عمر رضي الله عنهما لقد فرطنا في قراريط كثيرة" (¬3). ومنه ما أخرجه البيهقي قتادة عن عكرمة قال: اختلف فيها- يعني الحائض- ابن عباس وزيد بن ثابت فقال زيد: "ليكن آخر عهدها بالبيت يعنى الطواف بالبيت". فقال ابن عباس:"إذا أفاضت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر إن شاءت". فقالت الأنصار:"إنا لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت". فقال ابن عباس:"سلوا صاحبتكم أم سليم". فسألوها فأنبأت أنّ صفية بنت حيى بن أخطب حاضت بعد ما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة:" الخيبة لك حبستنا ". فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فأمرها أن تنفر وأخبرت أم سليم أنها لقيت ذاك وأمرها أن تنفر" (¬4). ففي هذا الحديث اشارة واضحة إلى ردّ الخلاف الى أمهات المؤمنين، ولاسيما في مسألة تتعلق بفقه النساء. ومن ذلك ما أخرجه أحمد بسنده عن يزيد بن أبى زياد، قال: سألت عبد الله بن الحارث عن الركعتين بعد العصر، فقال: كنا عند معاوية فحدث ابن الزبير عن عائشة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما". فأرسل معاوية إلى عائشة-رصي الله عنها-وأنا فيهم فسألناها فقالت: لم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن حدثتني أم سلمة. فسألتها، فحدثت أم سلمة:" أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر، ثم أتى بشيء فجعل يقسمه حتى حضرت صلاة العصر، فقام فصلى العصر، ثم صلى بعدها ركعتين، فلما صلاها قال: هاتان الركعتان كنت أصليهما ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون12 - 14. (¬2) أخرجه الطبراني، المعجم الكبير (4536). (¬3) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (1260)،ومسلم، المسند الصحيح 2/ 652 (945)، وغيرهما. (¬4) أخرجه البيهقي، السنن الكبرى (10046).

الضابط السادس: التحري من صاحب القصة التي جاء في الرواية.

بعد الظهر". فقالت: أم سلمة ولقد حدثتها أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنهما. قال: فأتيت معاوية فأخبرته بذلك، فقال ابن الزبير:" أليس قد صلاهما؟ لا أزال أصليهما". فقال له معاوية:"إنك لمخالف لا تزال تحب الخلاف ما بقيت" (¬1). ولا أريد الولوج في الاختلاف بين أهل العلم في حكم الصلاة بعد العصر؛ لأنّ الشاهد هنا واضح، وهو الرجوع إلى بيت النبوة (أزواجه) للتثبت من صحة الرواية. ومنه ما أخرجه ابن حبان بسنده أنّ عبد الله بن عمر لما مات رافع بن خديج قال لهم: لا تبكوا فإن بكاء الحي عذاب للميت. قالت عمرة: فسألت عائشة فقالت: يرحمه الله إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليهودية وأهلها يبكون عليها: "إنهم ليبكون وإنها لتعذب في قبرها" (¬2). وتأمل بعد في صنيع الخليفة الملهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في التحري من ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة تتعلق بفقه النساء، فاخرج ابن أبي شيبة بسنده عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: " ماتت زينب بنت جحش، وكبر عليها عمر أربعاً، ثم سأل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من يدخلها قبرها، فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها " (¬3). الضابط السادس: التحري من صاحب القصة التي جاء في الرواية. من الضوابط المهمة التي اعتمدها الصحابة الكرام في التوثق من الرواية سؤال صاحب القصة نفسه، فكانوا يسألونه عن تلك الواقعة وتفصيلاتها، ليحصل لهم السماع المباشر من صاحب القصة بعد سماعها من غيره، وهو بطبيعته توثق من صدق ذلك الخبر. ومن ذلك: ما أخرجه الدارقطني من حديث عامر الشعبي، أنه قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس فقلنا لها: حدثينا في قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيك. قالت: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي أخو زوجي، فقلت: إنّ زوجي طلقني وإنّ هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة، قال: "بلى لك سكنى ونفقة". قال: إنّ زوجها طلقها ثلاثاً، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة". قالت: فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد يسألني عن ذلك، وإنّ أصحاب ابن مسعود يقولون: لها السكنى والنفقة" (¬4). فعامر الشعبي من جلِّ المحدثين سأل فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن حادثة مشهورة عنها وهي قصة طلاقها، ومسألة السكنى والنفقة، وماوقع بين الصحابة من الخلاف فيها، فجاء عامر الشعبي ليستوثق من صاحبة القصة، لذا فإنه اعتمد هذا المذهب، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:" قلت لابي فإن بعض من قال في حديث فاطمة بنت قيس ليس يقول به أحد ممن يقدم فقال: سبحان الله! قد قال به فقيه الكوفة الشعبي وفقيه البصرة الحسن يذهبان اليه" (¬5). ومنه ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه الأسود، قال: قلت: يا أم المؤمنين، أو يا أمتاه ألا تحدثيني كيف كان - يعني: أمر الإفك-؟، قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أخوض المطر بمكة، وما عندي ما يرغب فيه الرجال وأنا بنت ست سنين، فلما بلغني أنه تزوجني ألقى الله علي الحياء .... "الحديث (¬6). ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث عن عبيد الله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: بلى:" ثقل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال:" أصلى الناس؟ قلنا: لا. هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماءً في المخضب قلت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء .... "الحديث" (¬7). ومنه: ما أخرجه الطيالسي من حديث زر، قال: غدوت على صفوان بن عسال فقلت: إنه حك في نفسي من المسح على الخفين شيء فهل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا؟ قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سفراً - أو مسافرين - "فأمرنا أن نمسح عليهما ثلاثة أيام ولياليهن من غائط وبول ونوم إلا من جنابة" (¬8). ومنه ما أخرجه البخاري من حديث محمد بن المنتشر، قال: سألت عائشة، فذكرت لها قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا، فقالت عائشة: "أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرماً " (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد، المسند 6/ 311. (¬2) أخرجه ابن حبان، الصحيح (3137). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة، المصنف (11421). (¬4) أخرجه الدارقطني، السنن 5/ 42. (¬5) عبد الله بن أحمد بن حنبل، مسائل الإمام أحمد، ص359. (¬6) أخرجه الطبراني، المعجم الكبير 23/ 118 (153). (¬7) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (655)، ومسلم، المسند الصحيح 1/ 311 (418)،وغيرهما. (¬8) أخرجه الطيالسي، المسند (1262)،وغيره. (¬9) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (270)،وغيره.

فأمّ المؤمنين هي أعرف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وطيبه، وهي من طيبته ثم أحرم، فهي صاحبة الحادثة، أضف إلى كونها زوجة النبيِّ، وهي أعرف بحال زوجها في مثل هذه الأحوال. ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبيد بن عمير، قال: بلغ عائشة، أنّ عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن. فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد. ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات" (¬1). ومنه ما أخرجه الشيخان من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقص، يقول في قصصه: "من أدركه الفجر جنبا فلا يصم"، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث - لأبيه - فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم". قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول: قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر-راوي الحديث- حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم، ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا: في رمضان؟ قال: كذلك كان يصبح جنباً من غير حلم ثم يصوم" (¬2). وفي هذه الأمثلة بيان واضح لمنهج الصحابة الكرام في التثبت من صحة الرواية من صاحب القصة، وفي ذهابهم إلى أمهات المؤمنين غاية في الفهم، فهم أعرف الناس بمثل هذه الأحكام، وهذا الضابط قد يشترك بوجه من الوجوه بالضابط السابق. ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنّا جلوساً عند عمر - رضي الله عنه -، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قلت: أنا كما قاله. قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي. قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً. قال: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، المسند الصحيح 1/ 260 (331)،وغيره. (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (1825)،ومسلم، المسند الصحيح –واللفظ له-2/ 779 (1109) وغيرهما.

أيكسر أم يفتح؟ قال يكسر. قال: إذا لا يغلق أبدا قلنا أكان عمر يعلم الباب؟ قال نعم كما أن دون الغد الليلة إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأل حذيفة فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: الباب عمر" (¬1). ويتضح ههنا حرص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على سماع الحديث الذي لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة أو ربما لم يحفظه بتمامه أو ربما أراد اسماعه لغيره، ولكن الظاهر يقضي أنه يريد التثبت من سماعه. ثم جاء سؤال بعض الصحابه الحاضرين من حذيفة - رضي الله عنه - لمعرفة من هذا الباب؟ والله أعلم. الخاتمة في ختام هذا البحث يمكننا اجمال أهم النتائج فيما يأتي: 1 - اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومنذ وقت مبكر، بالتحري في الأخبار، وهو في أصله منهج قرآني. 2 - تميز المجتمع الإسلامي بميزة الثقافة المجتمعية في التلقي والنقل، فهو لا يقوم على اساس تقديس الأشخاص، واضفاء العصمة عليهم، اللهم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - كونه يبلغ عن ربه جل جلاله، وهو معصوم عن الغلط والسهو فيما يبلغ، أما سائر افراد المجتمع الإسلامي، فكل يؤخذ منه ويرد عليه. 3 - للصحابة الكرام دور كبير في حفظ السنة ونقلها وتبليغها، ولا ينكر فضلها إلا جاهل أو حاقد. 4 - تمثل دور الصحابة الكرام في حفظ السنة والتثبت من الروايات في ضوابط متعددة، سلكها الصحابة بينهم دون اتفاق-طبعاً- كان لهذه الضوابط الدور الكبير في حماية الأحاديث النبوية. 5 - في طيات البحث رد على المنتحلين والمغرضين الذين يلقون الشبه أنّ الروايات لم تغربل، وإنما نقلت هكذا دون تفتيش أو تدقيق. 6 - يظهر بوضوح دور السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بشكل كبير في حفظ الأحاديث بشكل خاص، ومعرفة الصحابة الكرام بأهمية هذا الدور الكبير واقرارهم لها بالفضل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (502)،ومسلم، المسند الصحيح –واللفظ له-1/ 128 (144)، وغيرهما.

7 - نوصي بضرورة تعميق هكذا دراسات، والتوسع في دراسة هذه الضوابط، ليتحقق النفع بشكل أكبر. أهم المصادر - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) تحقيق: أحمد عمر هاشم، نشر دار الكتاب العربي-بيروت. - تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت784هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت. - التعريفات لأبي الحسن علي بن محمد الجرجاني المعروف بالسيد الشريف (ت816هـ) دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد. - التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (ت: 806هـ)،تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط1، 1389هـ/1969م. - تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)،دار الفكر بيروت، ط1،1984هـ. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1998م.

- توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، مصر، ط1،1981م. - جامع الترمذي، الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ) تحقيق: أحمد محمد شاكر، وآخرون، دار الكتب العلمية. - جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)،تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي، تحقيق: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف – الرياض. - السنة وحجيتها ومكانتها في الإسلام، د. محمد لقمان السلطي، دار البشائر، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م. - سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد (ابن ماجة القزويني) (275هـ) تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الجيل، بيروت الطبعة الأولى 1988م. - سنن أبي داود للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ)،دار الحديث، القاهرة،1988م. - سنن الدارقطني (ت385هـ)، للإمام علي بن عمر أبي الحسن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم المدني، دار المعرفة، بيروت،1969 م. - سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي (255هـ) تحقيق: فواز أحمد، وخالد العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1،1407 هـ. - السنن الكبرى للنسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1991م. - سنن النسائي للحافظ أحمد بن شعيب النسائي (303هـ) بشرح السيوطي وحاشية السندي، دار الحديث، القاهرة،1987م. - سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (ت748هـ)،مؤسسة الرسالة-بيروت 1401هـ.

- شرح السنة للبغوي (ت516هـ) تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي-بيروت-الطبعة الثانية 1403هـ. - شرح مشكل الآثار، أبو جعفر الطحاوي (المتوفى: 321هـ)،تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط1، 1415هـ. - صحيح البخاري، الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407. - صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261 هـ)،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1955م. - علوم الحديث، المعروف بـ:"مقدمة ابن الصلاح"،أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري بن الصلاح ت (643هـ) تحقيق: نور الدين عتر، دار الفكر، الطبعة الثالثة1404هـ 1984م. - عمدة القاري شرح صحيح البخاري –بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني (ت855هـ)،إدارة الطباعة المنيرية، بيروت. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني (852هـ) حقق أصله: عبد العزيز بن باز، ورقمه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1989م. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، أبو عبد الله محمد السخاوي (ت902هـ) تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، نشر: دار الإمام الطبري، ط2، 1412هـ. - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ت463هـ) تحقيق: أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي-بيروت، ط2، 1406هـ-1986م. - مسند أحمد، أبو عبد الله بن محمد بن حنبل (ت241هـ)،المطبعة الميمنية، القاهرة، 1986م. - المعجم الكبير، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حققه وخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الزهراء، الموصل، الطبعة الثانية، 1984م. - معرفة السنن والآثار، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)،تحقيق: عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية/ باكستاندار الوفاء، القاهرة)،ط1، 1412هـ.

§1/1