الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

عمر عبد الكافي

سلسلة الدار الآخرة_مقدمة عن الآخرة

سلسلة الدار الآخرة_مقدمة عن الآخرة الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، فينبغي للعبد أن يستشعر ذلك دائماً، حتى يسارع إلى التوبة، ويقلع عن المعاصي، ويسارع إلى فعل الطاعات، وهناك مقدمات وعلامات توحي بقرب الآخرة، أولها: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثمرات ذكر الموت ومساوئ عدم ذكر الموت

ثمرات ذكر الموت ومساوئ عدم ذكر الموت أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الأولى من سلسلة الحديث عن حلقات الدار الآخرة، وتأتي حلقات الدار الآخرة بعد إلحاح شديد من كثير من الإخوة والأخوات، وأنا أعتبر حلقات الدار الآخرة من الأشياء القريبة إلى قلبي كثيراً بعد تفسير كتاب الله عز وجل، وبعد الحديث النبوي الشريف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تأتي حلقات الدار الآخرة لتجمع للمؤمن خيري الدنيا والآخرة، وفي هذه الحلقات بركات كثيرة ونفحات طيبة أتت ثمارها على مدى ما قلناه في المرتين السابقتين، وهذه ثالث مرة نعيد فيها حلقات الدار الآخرة تقريباً، قلناها في سنة (1974م) أو (1976م)، وعدناها في سنة (1986م) أو (1987م)، وهذه إن شاء الله ثالث مرة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا يوم القيامة. قال عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه: ذكر الموت يعطيك أشياء ثلاثة: تعجيل التوبة، والرضا بالقليل، وعدم مشاحنة أهل الدنيا في دنياهم فيطمئن، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. وعدم ذكر الموت يأتي بثلاثة أشياء: التسويف بالتوبة، وهذا هو الذي جعل الناس بعيدين عن التوبة، فما زال المرتشي يرتشي، وما زال النصاب ينصب، وما زال الجشع المحتكر يحتكر، وما زال المغتاب يغتاب، وما زال المرء ينظر إلى الحرام، وما زال الذي يمد يديه للحرام وما زال وما زال؛ لأن الموت غائب عن ذهنه وفكره وخياله. لكن لو وضع الموت نصب عينيه، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الموت أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) لعجل بالتوبة. كذلك عدم ذكر الموت يؤدي إلى عدم الرضا بما قسم الله، ومهما أعطي المرء فإنه كشارب البحر لا يزيده شربه منه إلا عطشاً، فمحب الدنيا لا يشبع. وكما ورد في الحديث الصحيح: (من أحب الدنيا وكره الآخرة التاط قلبه بأمور ثلاثة) يعني: لصق قلبه بثلاثة أمور. وكلنا يا إخوة من محبي الدنيا، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من المحبين للآخرة، وإن شاء الله حلقات الدار الآخرة ستذكرك بالموت، وكلنا ندعي محبة الله، وكلنا ندعي محبة دخول الجنة، والحاجز الذي بينك وبين دخول الجنة هو الموت، فإذا كنت تحب ربنا وتحب دخول الجنة فتذكر الموت واستعد له؛ لأن الموت سيقربك من لقاء الله ومن لقاء الحبيب صلى الله عليه وسلم. وكما قيل: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا ما انتبهوا ندموا، ولن ينفع الندم بعد العذاب. من يحب الدنيا يلتصق قلبه بثلاثة أشياء: أولاً: شغل لا يفرغ منه أبداً، ومشاغل الدنيا لا تنتهي، فإذا جلست مع أي واحد الآن فإنه لا يكلمك إلا في الشغل فقط، فالمهم عنده أن رمضان ولى وانقضى: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ إذاً: شغل لا يفرغ منه أبداً، أي: الشغل بالدنيا، والدنيا تأخذ الإنسان في دوامتها وتجعله دائماً مثل العجلة، أو مثل الثور الذي يدور بالساقية. الأمر الثاني: هم لا يزول عنه أبداً. فالدنيا كلها دار هموم، وأول سؤال ستسأله في القبر: أتريد أن تعود إلى دار الدنيا يا عبد الله؟! فيقول إن كان مؤمناً: ألدار الهموم والأحزان تريدان أن تعيداني؟ قدماني إلى ربي. تريدان أن ترجعاني إلى ظلم الزوجة، وإلى عقوق الأولاد، وإلى أذى الجار، أو إلى ظلم المدير، وإلى نصب العمال على بعض، وإلى سرقة المهمات بالجيش، هذه المهمات أو الأمانات عهدة عندك، فتجد من يريد أن يأخذ فتوى من الشيخ بأن السرقة حلال. كذلك الطالب الفاشل يريد فتوى في جواز الغش، نقول: جاء في الحديث: (من غشنا فليس منا). كذلك المدرس يريد أن يأخذ فتوى بأن الأموال التي يبتزها من الآباء والأمهات حلال. والطبيب الجشع الذي يأخذ في العملية خمسة آلاف أو ستة آلاف يريد أن يأخذ فتوى بأن هذه الأموال حلال. والمهندس النصاب الذي يضع أي خرسانة مغشوشة يريد أن يأخذ فتوى، فالكل يريد أن يأخذ الفتوى، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] يعني: أرادوا من الكليم النبي أن يعطيهم فتوى بالشرك. إذاً: (من أحب الدنيا وكره الآخرة التاط قلبه بأمور ثلاثة: شغل لا يفرغ منه أبداً، وهم لا يزول عنه أبداً، وعدم رضا لا يزيله أبداً) يعيش في عدم الرضا دائماً، فالذي معه ألف يريد خمسة، والذي معه خمسة يريد عشرين، والذي معه عشرون يريد مائة، والذي معه مائة يريد مليوناً، والذي معه مليون يريد ثلاثين مليوناً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب فقط. قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]، فقدم الله عز وجل ذكر الموت على ذكر الحياة، وقد جاء في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. إذاً: الموت يقظة، كما قال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] يعني: رأيت الحقيقة المرة ورأيت الحق. ولذلك كثير من الصالحين بعد موتهم يأتون أولادهم الصالحين في الرؤيا ويقولون لهم: انتبهوا، الأمر صعب غير سهل، الأمر يريد توبة ويريد استقامة، لا تغركم الدنيا انتبهوا وأسرعوا وعجلوا بالتوبة، وأعيدوا الحقوق لأصحابها، هكذا ينادي موتانا علينا كل يوم، لكن نحن لا نسمع، يقولون: يا أهلنا يا أحبابنا يا من سكنتم ديارنا وأخذتم أموالنا، لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتنا، واعلموا أنما الأموال لكم والحساب عليكم. كذلك القبور تنادينا أيضاً: يا من تسيرون علينا اعلموا أنكم عن قريب سوف تصلون إلينا. ومن فضل الله عز وجل عليك أن أرسل إليك قبل ملك الموت نذراً ورسلاً، أولهم سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين؛ وجعل السبابة بجانب الوسطى) يعني: هو والساعة مع بعض، لكنه جاء قبلها بقليل، فهو أول نذير بأمر الآخرة. وكذلك لما تنظر إلى المرآة ترى شعرات بيضاء في لحيتك، كذلك لما كانت صحتك جيدة وكنت تضرب بيدك في الحجر فتفلقه، والآن صرت مستنداً على واحد هذا نذير. كذلك لما تكون في حالة من الصحة ويأتي لك مرض هذا نذير، كذلك لما تقرأ القرآن عن مصارع السابقين وعن الحياة الدنيا: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] أي: الحياة الحقيقية في دار الآخرة لا في الدنيا، ونحن في الدنيا في مرحلة اختبار.

المراحل التي يمر بها الإنسان في الحياة الدنيا

المراحل التي يمر بها الإنسان في الحياة الدنيا الحياة الدنيا التي نعيش فيها هي مرحلة تسبقها مرحلتان وتتلوها مرحلتان، لكن المصيبة أننا غافلون عن المرحلة التي في النصف؛ لأن قبل المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، وبعد المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، فيبقى عندنا خمس مراحل: مرحلتان سابقتان للدنيا أولهما: عندما كنا أرواحاً في ظهور آبائنا، والله تعالى جمع هذه الأرواح كلها وأشهدهم على أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172] قالت الأرواح كلها: بلى يا ربنا أنت ربنا. فهذه شهادة في عالم الأرواح، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، ويشرح ويبين هذا الحديث ما رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة: (لو أن مؤمناً دخل إلى مجلس فيه مائة منافق ليس بينهم إلا مؤمن واحد لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه)، مثلاً: لو أنك مسافر وفي جيبك قطعة معدنية أو سلاح، فتأتي وأنت داخل المطار وقبل صعود الطائرة يكشف عليك فتجد جهاز الإنذار يصفر عن بعد، والقلوب لها أيضاً استشعار عن بعد، ثم قال: (ولو أن منافقاً دخل إلى مجلس فيه مائة مؤمن لجلس بجوار المنافق وهو لا يعرفه) إذاً: الأرواح جنود مجندة، وأنت نفسك لما ينعم الله عليك بنعمة الاستقامة وجاءك واحد وكلمك عن الكرة وعن الدنيا وعن الأفلام والفيديو ستضيق منه، وتريد أن تنتهي الجلسة معه بسرعة، مع أنك قبل الاستقامة كنت تستريح لمثل هذا الكلام، فمن دلائل قبول الله توبتك أن تتحول حلاوة المعصية إلى مرارة، وتتحول مرارة الطاعة إلى حلاوة. اللهم حبب إلينا الطاعة يا رب، وزين الإيمان في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين يا رب العالمين. إذاً: فأول مرحلة كنا فيها: هي عالم الأرواح. المرحلة الثانية: ساعة التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة وحصول الإخصاب، قال الله تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر يعني: أنت تظن نفسك شيئاً صغيراً وأنت فيك الكون كله، وكل ذرة فيك توحد الله رب العالمين، لكنك لا تشعر بذلك وتغفل عنه. فمثلاً: الطفل الصغير عندما ينزل من بطن أمه يؤذن أبوه في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى كما أمرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عند ذلك ترى الطفل قد مدّ السبابة موحداً لله وهو صغير، فالأذان يلفت انتباه الطفل، وكذلك عندما يكون عمر الطفل شهرين أو ثلاثة يبتدئ يبحث على مصدر الصوت بالتوحيد، وأي صوت آخر لا يشغل باله؛ لأنه مفطور على التوحيد، ولأن أباه تزوج أماً صالحة، وعندما كان يعاشرها كان يقول: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فالشيطان يكون بعيداً عن المولود من أول يوم يطلع فيه الولد الصالح بن الصالحين، {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82]. ولذلك ثبت علمياً أن من يتعاطى المخدرات أو الخمر أو المسكرات أو المفترات أو المنشطات سواء الأب أو الأم قبل المعاشرة الزوجية، أن الولد يأتي وعنده خبل عقلي، إن لم يظهر فيه وهو صغير يظهر فيه وهو كبير، وربنا حرم المسكرات والمفترات، وحرم كل ما يضر، وربنا سبحانه وتعالى أعطاك مادة موجودة في جسمك مشابهة تماماً للمورفين، وهذه المادة تجعلك تتحمل الألم أثناء الحمى أو الصداع أو وقت العملية أو حين يحصل في رجلك كسر ويقوم الدكتور بتجصيصها. فمن يتعاطى المخدرات أو يدخن ويدمن على التدخين فإن إفراز مادة المورفين هذه يتعطل، ولا تقوم بدورها في حماية الجسم، ويبدأ المدمن يحس بالألم إحساساً شديداً جداً. إذاً: فأنت لا تتدخل في إفساد ما خلقه الله رب العالمين، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وقال سبحانه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]، ركبك تركيباً سوياً، ركبك وجعلك من عناصر الأرض المختلفة، وهي ستة عشر عنصراً أو سبعة عشر أو تسعة عشر عنصراً، وجسد ابن آدم يرجع إلى عناصر التربة التي جاء منها، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12]. وقد قام علماء التشريح وحللوا الجسد الإنساني فوجدوا فيه من الحديد ما يصنع منه قدر مسمار (50سم)، ووجدوا فيه من الدهون ما يصنع منه قدر أربع قطع صابون من الحجم المتوسط، ووجدوا فيه قليلاً من الفسفور ما يصنع منه قدر رأس ستين عود كبريت، ووجدوا في ابن آدم قليلاً من الكالسيوم، وعشرة جالونات من ماء، وهذا الكلام كان في مؤتمر الكيمياء العضوية في فيينا سنة (68م)، فأنت لو باعوك كلحم في السوق لا تساوي ثلاثين جنيهاً، أي: قيمه اثنين كيلو لحمة جاموس أو بقر، هذه قيمتك كجسد، لكن أنت كروح كما قال الله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]. قعد بعض الشباب مع بعض فقال ابن أبي جعفر المنصور: أنا ابن أمير المؤمنين، وقال الثاني: أنا ابن كبير الشرطة، وقال الثالث: وأنا ابن الوزير، وقال الرابع: وأنا رجل فقير، لكن أنا ابن الرجل الذي أمر الله الملائكة أن تسجد له، يعني: إذا كنت أنت ابن أمير المؤمنين، وأنت ابن الوزير فأنا ابن آدم. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ علي بن أبي طالب: (يا أبا تراب) وإليه نعود، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]. فأنت أيها الإنسان في عالم الأجنة وعالم الظلمات لا تسمع ولا تأكل ولا تهضم، وإنما تأخذ دماً طازجاً جاهزاً من الأم، فأنت محاط بظلمات ثلاث: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن. وبعد تسعة أشهر يأتي الأمر الإلهي بالاستعداد للهبوط، وبعد هبوطه وخروجه من بطن أمه تنتهي العلاقة بينه وبين أمه داخلياً. وأنت في بطن أمك لا تتنفس؛ لأن الرئتين مسدودتان، فعندما تقوم الممرضة أو القابلة بقطع الحبل السري يذهب الهواء مندفعاً إلى الرئتين، فإذا دخل الهواء الرئتين انتفخنا فيتألم الطفل ويبكي، ومن حوله يفرحون بولادته. وهذا الطفل لما يكبر قد يفتري وينصب ويكذب عليك، وقد يكون حاكماً ظالماً، أو طبيباً جشعاً أو غشاشاً في معاملته. ومن رحمة الله بالطفل أنه وضع له الرحمة في قلب الأم، سواء ولدته ولادة طبيعية أو قيصرية، فتجدها أول ما يبكي تقوم وتحمله وتسكته وتضمه إلى صدرها، فإذا أخذته جدته أو عمته أو خالته لا يسكت؛ لأن له تسعة شهور في بطن أمه وهو متعود عليها، فأول ما تحمله تعود النغمة الأساسية ويسكت الولد بأمر الله رب العالمين، رحمة بعدها رحمة. كذلك بعد الولادة يبتدئ اللبن يأتي، وكان قبل ذلك قد أوقفه الله سبحانه، فسبحان الذي أجراه، وهو معقم طبيعي لا يحتاج إلى تسخين، بخلاف اللبن الصناعي. ولبن الأم يتغير حسب نمو الطفل، فتركيب اللبن في الأسبوع الأول غير تركيبه في الأسبوع الثاني، وغير تركيبه في الشهر الثاني، وغير تركيبه بعد سنة؛ لكي يواكب النمو عند الطفل، فسبحان الله العظيم. أما الأب خلال الأسابيع الأولى من ولادة طفله، فإنه لا يلتفت إليه ولا يهتم به، ثم بعد ذلك تراه يحمله ويفرح به. والولد بعد هذا المجهود كله فإنه بعدما يكبر تراه يرفع صوته على أبيه وأمه ويشتمهما إلا من رحم الله.

مرحلة التكليف

مرحلة التكليف إن مرحلة الدنيا هي مرحلة التكليف وحمل الأمانة، وهي أصعب المراحل، والله عز وجل لما أهبطنا إلى الدنيا من رحم الأم ونزلنا إلى سعتها وإلى نورها، بدأت مرحلة الطفولة وهذه ليس فيها حساب، والرسول قد أرشدك إلى أن تلاعب ابنك سبع سنين، أي: لا تنكد على الولد سبع سنين، بل لاعبه سبع سنين، لكن لا تدلله حتى تفسد أخلاقه، وإنما تربيه التربية الحسنة، وتلاعبه بشيء من الحنان، وتحمل ابنك في حضنك. وقد اكتشف العلماء أن لحظة إرضاع الأم لابنها يخرج نوع من الإشعاع من قلب الأم يحس به الولد. أما الأولاد الذين يرضعون الحليب الصناعي نتيجة الفطام المبكر بسبب شغل الأم، فقد جاء في إحصائية في الاتحاد السوفيتي: أن الحضانات الجماعية التي يتربى فيها الأولاد بعيدين عن أمهاتهم، وبعيدين عن لبن الأم الطبيعي يكبرون وعندهم جفاء وعقوق، والولد الذي يرضع من أمه يصير باراً بأمه؛ ولذلك قال ربنا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233]، قال علماء اللغة: (يرضعن) هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه، أي: والوالدات يجب أن يرضعن أولادهن حولين كاملين، يعني: أن الله يأمر الوالدات بإرضاع الولد أو البنت سنتين إن لم يكن هناك مانع صحي. قال ربنا سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج:1 - 2]، والمرضعة تطلق على الأم لحظة الإرضاع؛ لأن أكبر قدر من الحنان والرحمة يكون موجوداً حال الإرضاع، ولذلك جاء في الحديث: (كل مصة يمصها الولد منها يكتب لها حسنة، وتحط عنها سيئة، وترفع بها عند الله درجة) فالله عز وجل أكرم الأم؛ بسبب اهتمامها بالطفل وإرضاعها له. وقد قام جماعة من العلماء الفرنسيين بتجربة في مزارع جماعية للوز، فوجدوا أن الوز الذي يخرج من البيض عن طريق آلات التفريخ الحديثة ليس عنده انتماء لأحد، وليس له قائد ولا رئيس، فجاءوا قبل فقس البيض بأيام بصوت موسيقي معين، فبعد ما فقس البيض وخرج الوز أول ما كانت هذه الموسيقى تضرب يجتمع الوز كله، ثم أتوا بأمهات حقيقيات من الوز وجعلوها ترقد على البيض، فنظروا في هذه المزرعة التي تحوي آلاف الأمهات بعد ما فقس البيض، وكل عشرين أو ثلاثين واحدة من الوز الجدد اللاتي من أم واحدة تجدها أول ما يأتي وقت المغرب تذهب عند أمها، فقال الفرنسيون: الحل الوحيد لمسألة التضخم في فرنسا أن تعود المرأة إلى البيت مرة أخرى، لكن هذا القول لم يوافق هوى المرأة المديرة والدكتورة والوزيرة وغيرهن. نعود إلى المرحلة الثالثة التي نحن فيها، فالذي يموت الآن قبل قيام الساعة ينتقل إلى القبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، لكن الذي مات في الجو أو احترقت به الطائرة، أو غرقت به السفينة فأكلته الأسماك، أو مات مفقوداً محترقاً في سيارة أو في أي شيء، فيا ترى أين قبره؟ وكيف يكون حسابه؟ ثم بعد ذلك هل يشعر الميت بنا؟ وهل هو في حاجة إلى ذكرى سنوية أو أربعينية أو غير ذلك؟ ثم بعد ذلك هل كل الناس يموتون بطريقة واحدة؟ كل سنجيب عنه. قال بعض الصالحين عن بعضهم ممن كتب الله لهم سوء الخاتمة: كان هناك شخص يحتضر فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: ثلاثة ونصف، أربعة ونصف، خمسة ونصف. ورجل آخر كان مغرماً بلعب الطاولة، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: (كش ملك)، وهي أداة من أدوات الشطرنج والعياذ بالله. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأمتنا على خير حال يا رب العالمين، ونعوذ بك يا رب من سوء الخاتمة، وأحسن لنا خاتمتنا وعاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين.

مقدمة عن الموت والنهي عن تمنيه لحصول الضر

مقدمة عن الموت والنهي عن تمنيه لحصول الضر إن الكارثة أن يموت الإنسان فجأة، فلو حصلت مشاكل وابتلاءات للعبد فقد نهي أن يدعو على نفسه بالموت، ولكن يدعو بما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي، وأمتني إن كان الموت خيراً لي، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر)، هكذا يدعو الإنسان؛ لأن ربنا إذا أحب شخصاً أطال عمره وأحسن له عمله، وإذا أبغض شخصاً أطال عمره وأساء عمله. وربنا يحب ثلاثة وحبه لثلاثة أشد، ويكره ثلاثة وكرهه لثلاثة أشد: يحب التوابين أو الطائعين، ومحبته للشاب الطائع أشد، ويحب الصابرين، وحبه للفقير الصابر أشد، ويحب المتصدقين، وحبه للغني المتصدق أشد، ويكره العاصين، وكرهه للشيخ العاصي أشد، ويكره المتكبرين، وكرهه للفقير المتكبر أشد. إذاً: العبد لا يتمنى الموت لضر قد نزل به، ولكن إن كان ولا بد فليدع الله عز وجل أن يحييه إن كانت الحياة خيراً له، أو يميته إن كان الموت خيراً له؛ لأن العلماء يقولون: إن الذي يستعجل الموت واحد من ثلاثة: إما رجل جاهل بما بعد الموت، أي: ليس عارفاً بالأهوال التي ستقابله. والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مرة جالساً مع الصحابة فسمعوا وجبة شديدة، وقلوب الصحابة لم تكن مثل قلوبنا معتمة كانت مضيئة منيرة بكلام الله، منشرحة لذكر الله عز وجل، فلما سمعوا الوجبة خافوا وقالوا: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: أو سمعتم؟ قالوا: نعم يا رسول الله سمعنا، قال: هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة، وصل قعرها الآن)، انظر كيف كانت قلوب الصحابة حين سمعت وجبة الحجر في قعر جهنم. وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما هنأت لكم حياة) يعني: لو نعلم الذي كان يعلمه الحبيب صلى الله عليه وسلم لما هنأت لنا الحياة؛ لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم لما كان يسير في الأرض كانت الشجر تسلم عليه، والحصى تسلم عليه، وكان يسمع تسبيح الماء، وتسبيح الطيور، وتسبيح الرمال، وتسبيح الكائنات من حوله، فكان يعيش مع الله في كل لحظة وفي كل حين. ونحن بسبب أننا لا نعلم ما بعد الموت تجد الواحد منا عندما يغضب من امرأته أو من أولاده يدعو ويقول: اللهم لا تردني إليهم. نقول: لو أمنت الملائكة على دعائك لاستجيب لك، {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11]، فينبغي للمسلم ألا يدعو على نفسه بالموت؛ لأن المستعجل بالموت إما جاهل لا يدري ما بعد الموت، وإما رجل غير راضٍ بما قضى الله في الدنيا، فهو يائس قانط متضايق، وإما رجل اشتاق لما عند الله عز وجل. يعني: عندما يمرض الإنسان يصير ذليلاً مستكيناً ضعيفاً خاضعاً بين يدي الله سبحانه، لكن كم من مريض وسقيم بقي دهراً: فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر إذاً: الموت لا يختص بعمر معين، وإنما يختص بالوقت الذي يريده الله.

آداب زيارة الإخوان

آداب زيارة الإخوان هناك آداب لزيارة السليم: أولاً: اطرق الباب برفق، وأبعد عن الباب، وأجعل ظهري للباب؛ لأن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان يدق الباب ويقف عن يمينه، لكن بعض الناس يطرق الباب بشدة ويضع أذنه على الباب، فهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم (اطلع عليه أعرابي من ثقب الباب، فقام إليه ليفقأ عينه بعود في يده، فما قام إلا وقد مضى، فقال: أما إنك لو ثبت لفقأت عينك). إذاً: البيوت لها عورات وحرمات فلا تدخل حتى تستأذن؛ لأجل أن تعطي فرصة لأهل البيت، فالعريانة تتغطى، والقاعدة تقوم وتدخل غرفتها، والرجل يستر نفسه، فالبيوت لها حرمات، وصاحب البيت له الحق أن يقول لك بعد أن يفتح الباب: أنا لا أستطيع أن أتحدث معك الآن، ولكن للأسف الشديد لو عملها معك، لقلت: والله ما أنا بداخل بيته إلى أن أموت مع أن الإسلام أعطى صاحب البيت هذا الحق، قال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28]، كذلك لو أن أهل البيت قالوا لك: إن صاحب البيت غير موجود فينبغي أن تصدق أهل البيت، وإن كانوا كاذبين فربنا سيحاسبهم. إذاً: إذا استأذنت فاطرق الباب ثلاثاً وأعط ظهرك للباب، وإذا كان صاحب البيت غير موجود فلا تدخل ولا تنتظر، حتى ولو كانت المرأة ابنة عمه، فلا ابن عمها ولا أخو زوجها ولا زوج أختها يصح أن يدخل عليها وصاحب البيت غير موجود، هذا قانون الإسلام، الإسلام يعطينا إطاراً للحياة الطيبة ويحمي الحرمات، فأولادك الذين في البيت أعطاهم الله ثلاثة مواعيد، لما يريد الولد أن يدخل عليك غرفة نومك فينبغي عليه أن يدق عليك من قبل صلاة الفجر فلا يفتح الباب ويدخل، كذلك في الظهيرة وقت القيلولة، ومن بعد صلاة العشاء، فمن حقك ألا تفتح بابك بعد الساعة الثامنة والنصف مساء، ولله مخلوقات تسير ليلاً فأقلوا السير بالليل، ومع ذلك تجد المرأة في الليل الساعة واحدة تمشي لوحدها، من أين يا أختي؟ قالت: أنا كنت عند أختي في الله، وأختك هذه ما تزار في النهار؟ أين زوجك؟ قالت: مسافر ربنا يوصله بالسلامة سبحان الله، يا أختي إن خروجك بعد المغرب خطأ إلا للضرورة القصوى، كحضور درس العلم بعد المغرب؛ لكن ينبغي للنساء أن يأتين مع أزواجهن أو مع محارمهن، أو مع صحبة ورفقة آمنة من الأخوات، ويرجعن مبكرات. إذاً: الإسلام أمرك أن تطرق الباب ثلاثاً ثم لا تدخل إلا بعد أن تستأذن، والضيف أسير في بيت صاحب البيت، فلا يتصرف إلا بإذن صاحب البيت، فلو كنت شخص آخر فاحتملت وصرت جنباً فلا تقل لصاحب البيت: أنا أريد أن أغتسل، بل تتوضأ وتتيمم وتصلي مع صاحب البيت؛ حتى لا تساور صاحب البيت الشكوك والأوهام.

آداب زيارة المريض وثوابها

آداب زيارة المريض وثوابها هناك آداب لزيارة المريض وعيادته، وتجد أن أغلب زياراتنا فيها غيبة ونميمة ونقل لأسرار البيوت، وكلام النساء مع بعض، والرجال مع بعض، وهذه من الأمور المحرمة، فأيما رجل حدث أصدقاءه بما يحدث بينه وبين زوجته، أو العكس: الزوجة تكلم صديقاتها بما يحدث بينها وبين زوجها، فكأنما شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المسلمة أن تنعت صاحبتها لزوجها، يعني: تذهب المرأة وتقول لزوجها: هذه فلانة شعرها ناعم وجميل، فهذا حرام حرام حرام. فإذا مرض المسلم صار قريباً من الله؛ لأن المرض يرقق القلب ويجعله قريباً من الله، وأما العبد المفتري العاصي الصحيح القوي فتراه يتكبر، لكن انظر إليه عندما يصير كبيراً في السن ويمشي على عكاز فتجده كثير الذكر لله متواضعاً متخلقاً مع الناس، وكان من ثلاثين سنة يشتم هذا ويضرب هذا ويسجن هذا ويؤذي هذا! نعود إلى موضوعنا: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه، وذلك بأن تقول له: إن شاء الله تنجح العملية وتشفى سريعاً وترجع لأولادك، وهذا لا يرد من قضاء الله شيئاً، ولكنه يطيب نفس المريض، فلو أن طبيباً مسلماً دخل على مريض ورأى أن حالته ميئوس منها، وأهل المريض ينظرون إلى هذا الطبيب ماذا يقول، فقال الطبيب المسلم وهو مبتسم: إن شاء الله المريض في خير، نحن مجرد وسيلة وسبب، والشافي المعافي هو الله سبحانه وتعالى، ويطيب نفس المريض بكلمتين طيبتين، لكن لو أن الطبيب يريد أن يعظم الأمر ويضخمه لأتى بمصائب الدنيا كلها، وقد ذكرت لكم في حلقات الدار الآخرة أن ضابطاً قال لصحابه: ما بك؟ قال له: يحصل لي ضيق في صدري حتى ما أقدر أن آخذ نفسي، فقال له صاحبه: هذا نفس المرض الذي مات بسببه أبي في الشهر الماضي، سبحان الله! فمثل هذا يعطي اكتئاباً لصاحبه. إذاً: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه مصيبته، فأنت عندما تذهب إلى المريض تقعد عنده دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث دقائق وخمس دقائق فقط؛ بخلاف السليم فإنه حين يزار تطول الجلسة معه ولا حرج في ذلك، أما المريض فلا، وإنما تبقى عنده دقيقتين أو ثلاثاً أو خمس دقائق تدعو فيها للمريض بالشفاء، وترقيه الرقية الشرعية وتخرج. وأما ثواب الزيارة فقد ورد فيها عدة أحاديث منها: (من زار مريضاً فاضت الرحمة من مفرق شعره إلى أخمص قدميه، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يعود) ومن زار المريض وجد الله عنده، ودعاء المريض مستجاب، والدعاء عند المريض مستجاب، وربنا من رحمته فإنه يسمع الملائكة أنين المريض، فإذا قال: آه آه سمعوه يقول: الله الله، فكتبوا ذلك، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى. والمريض الذي كان مواظباً على حضور دروس العلم وصلاة الجماعة فإنه يكتب له كل ذلك؛ لأن الذي حبسه هو المرض، وإذا شفاه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ ولذلك كان الصحابة يحبون المرض، قال سيدنا أبو ذر: أحب الجوع، وأحب المرض، وأحب الموت، إذا جعت رق قلبي، وإذا مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي. هكذا حال العبد الصالح. أما الرقية الشرعية فيحرم أن تعلق آية الكرسي أو آية معينة في رقبتك، أو الزوجة؛ لأنه جاء في الحديث: (من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له)، والتميمة والودعة من الشرك. كذلك تعليق خرزة زرقاء مكتوب عليها آيات؛ من أجل دفع الحسد، كل هذا حرام. وكذلك جعل المصحف تحت رأس الولد لا يجوز، بل يحرم أن نضع فوق المصحف أي شيء أبداً؛ لأن المصحف يعلو ولا يعلى عليه، ولا تضع في المصحف ورقة مكتوب فيها، وإنما تضع فيه ورقة بيضاء وليس هناك حرج؛ لكي تعلم أين وصلت في القراءة، أو تضع خيطاً نظيفاً. أيضاً لا تكتب اسمك على المصحف؛ لأن اسمك لو كتبته عليه لصار فوق اسم الله سبحانه وتعالى، فتكون كمن اتخذ المصحف وراءه ظهرياً، أي: كأنك ألقيت كتاب الله خلف ظهرك. كذلك عندما تضع المصحف معك في السيارة ولا تقرأ فيه أبداً، وإنما وضعته حرزاً للسيارة فهذا لا يجوز؛ لأن المصحف للقراءة والعمل. وكذلك بعض الناس يضعون في حجر الأساس سواء لمصنع أو شركة أو محل أو مبنى أو دار أو سينما يضعون من هذا المصحف، وهذا لا يجوز، ولو كان بيدي الأمر لقطعت يده، كيف يضع المصحف وسط طوب وأسمنت والناس تمشي من فوقه! وبعضهم يضعون في عتبة البيت ووسط الخرسانة مصاحف، هذا استهزأ بكتاب الله! والمصحف يعلو ولا يعلى عليه. إذاً: نزور المريض وندعو له بالشفاء، ولا نطيل الجلوس عنده؛ حتى نخفف عنه. وهناك أدعية تقال عند المريض، منها: أن تضع السبابة في فمك ثم تضعها على الأرض ثم تضعها على جسد المريض الذي فيه الوجع، وترقيه، والرجل يرقي الرجل، والمرأة ترقي المرأة، ويجوز للرجل أن يرقي زوجته وابنته وعمته وخالته وجدته وغيرهن من محارمه، وكذلك يجوز للمرأة أن ترقي أختها وبنت أختها وابن أختها وابن أخيها وأخاها وعمها وخالها وجدها؛ لأن هؤلاء محارم لها، لكن المرأة لا ترقي أخا زوجها؛ لأنه أجنبي عنها. إذاً: تضع السبابة على فمك وعلى الأرض وعلى الجزء المريض وتقول أربع كلمات: باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. أو تدعو للمريض وتقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. أو تقول: كما أن رحمتك في السماء فأنزل رحمتك إلى الأرض، أنزل على هذا المريض رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك. جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_فضل الروح وماذا في القبور؟

سلسلة الدار الآخرة_فضل الروح وماذا في القبور؟ إن الموت حق، وهو القضية العظمى التي أسهرت العباد، وأقضت مضاجع الزهاد، ونغصت على العقلاء حياتهم، وكدرت على المتقين معاشهم. ويشرع بعد موت المسلم أن يغمض، ويغسل، ويكفن، ثم يدفن في القبر، فالدفن مكرمة للميت. وقبل ذلك يجب على الإنسان أن يوصي خصوصاً إذا كان عليه حقوق للناس، ويجب على أوليائه أن ينفذوا تلك الوصية كما هي بلا تحريف ولا تغيير.

الاستعداد ليوم الرحيل

الاستعداد ليوم الرحيل

الموت سيعم الكل

الموت سيعم الكل الحمد لله حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فهذه هي الحلقة الثانية في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وحديثنا اليوم بمشيئة الله عز وجل عن قبض الروح، وعن القبر وما فيه، وعن الوصية التي يجب أن يكتبها المسلم. أولاً: بإيجاز سريع قلنا في الحلقات السابقة في المقدمة: إنك عندما تذكر الموت وتجعله نصب عينيك ليل نهار فإنه يعطيك ثلاثاً من الفوائد: الفائدة الأولى: التعجيل بالتوبة. فعندما أذكر الموت فإني أسرع بالتوبة وأترك الذنوب التي كنت أعملها. اللهم تب علينا جميعاً يا رب العالمين! الفائدة الثانية: النشاط في العبادة. فعندما يبقى الموت نصب عينيّ فإني أكون نشيطاً في العبادة، وآتي إلى دروس العلم مسرعاً، ولا تقل: إنك معطل وقتك وتارك شغلك، كلا فهذا هو الغذاء الذي تغذي به قلبك، حتى إذا عرضت لك عوارض الدنيا استطعت بفضل الله عز وجل أن تقهرها. إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا يعني: أنهم نظروا للدنيا فرأوها على حقيقتها كاللجة، أي: مثل البحر الزخار بالأمواج، فأصبح المؤمن فيها ينظر كيف ينجو في هذا البحر، ولا ينجو إلا بصالح الأعمال. إذاً فصالح الأعمال هي السفن التي يستطيع أن يرسو بها على بر السلامة. اللهم أوصلنا جميعاً والمسلمين إلى بر الأمان يا رب العالمين! إذاً إن جعلت الموت أمامك فإنك ستسرع بالتوبة، وهناك نقطة أهم وهي أنك إذا كنت كذلك فلن تعمل ذنوباً جديدة؛ لأنك ترى الموت أمامك، فتقول لنفسك: ما دام الموت ينتظرني، وما دام أن العلماء علمونا أن أموراً أربعة وهي: أن الموت يعمنا، وأن القبر يضمنا، وأن القيامة تجمعنا، وأن الله يفصل بيننا، إذاً فلن أعمل الذنوب والمعاصي. إذاً فالموت سيعم الكل، لذلك قلنا: إنه من إساءة الأدب مع الله تعالى أن يقول مسلم من المسلمين: إن ربنا افتكر فلاناً؛ لأن الله لا ينسى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]. فالموت حق، والساعة حق، ومحمد حق، والقرآن حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الله هو الحق المبين.

القبر سيضم الكل

القبر سيضم الكل والقبر يضم الغني والفقير، والرئيس والمرءوس، قال الشاعر: ولقد قلت لنفسي وأنا بين المقابر هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر فنظرت فإذا الدود عبْث في المحاجر ثم قالت: أيها السائر إني لست أدري انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان وتساوى العبد مع رب الصولجان والتقى العاشق والقالي فما يفترقان ثم قالت: أيها السائل إني لست أدري فقد استوى الكل: الشاكي والمشكو في حقه، والظالم والمظلوم، والرئيس والمرءوس.

القيامة تجمع الكل

القيامة تجمع الكل والقيامة تجمعنا، فهي تجمع الناس من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلهم يقف أمام من بيده الأمر كله، وليس هناك محامٍ ولا استئناف ولا واسطة، وكان سيدنا أبو بكر يقول: يا رب! لا وزير لك فيؤتى، ولا حاجب لك فيرشى، وليس لنا ملجأً إلا إليك.

الله يفصل بيننا يوم القيامة

الله يفصل بيننا يوم القيامة والله يفصل بيننا، قال رسول الله: (يا أبا ذر! قال: نعم يا رسول الله! قال له: أتدري فيم ينتطحان -أي: عنزة تنطح عنزة أخرى- قال: لا، قال: ولكن الله يدري، وسيفصل بينهما يوم القيامة). والعلماء توقفوا عند هذا الحديث الذي يخوف، لأن البهائم ليست مكلفة، وإنما كلف الإنس والجن، وهؤلاء هم الذي سيحاسبون يوم القيامة، إذاً فهذا الحديث كناية عن إقامة الحق يوم القيامة، فالملك يومئذ لله سبحانه وتعالى، فالدنيا فيها ظلم، لكن يوم القيامة يقول ربنا: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، ولذلك جاء في الحديث: (ولو بغى جبل على جبل لدك الله الباغي، ولو نطحت شاة قرناء شاةً جلحاء) أي: لو شاة بقرنين نطحت شاة من غير قرون، (لاقتص الله من هذه لتلك، ثم قال لها: كوني تراباً، فيقول الكافر يومها: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]) أي: أنه يقول: يا ليتني كنت بهيمة، يا ليتني كنت معزة، يا ليت كنت حماراً؛ حتى ينجو من عذاب الله عز وجل. اللهم أنجنا من عذابك، وأبعدنا عن نار جهنم، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، فنحن ضعفاء يا مولانا وقوي يا رب في رضاك ضعفنا، فأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا أكرم الأكرمين، إنك يا مولانا على كل شيء قدير. فالله يفصل بيننا، وذلك يكون بالحسنات والسيئات، فكل التعاملات يوم القيامة تكون بالحسنات والسيئات، فهو تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، و (خائنة الأعين) مثل الذي ينظر خفية ولا أحد يراه، لكن الله يراه، ولذا فـ حاتم الأصم قال له ابن أخته: علمني الذي يرضى به عني، فقال له: يا بني هي ثلاث كلمات، قل دائماً: الله ناظر إلي، الله شاهد علي، الله مطلع علي، فالله تعالى يقول: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. ولذلك: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4] أي: أن الأرض تأخذ منك اللحم ويبقى العظم، وبعد عشرات السنين تأخذ العظم أيضاً ويبقى عجب الذنب، وعجب الذنب هو آخر فقرة في العصعص. وهذا الحديث لما عرضناه على علماء الأحياء (البيولوجيا) أسلم سبعة منهم بفضل الله في أحد المؤتمرات، وقال بعضهم: هل قال رسولكم: يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجب الذنب؟ قلنا: نعم، فهذا الحديث موجود في صحيح مسلم، وهو صحيح رواه أبو هريرة. فعملوا التحاليل والتجارب فوجدوا كل جسم الإنسان يفنى إلا بعض ذرات من آخر فقرة في العمود الفقري، فهي التي يعرف الإنسان بها، فإذا شاء الله أن يُنفخ في الصور مرة أخرى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]. يقول مولانا جل في علاه: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] أي: إذا عادت الأرواح إلى أبدانها، فلا تذهب روح محمود إلى عبد اللطيف، ولا روح سمير إلى عبد الله أبداً، فكل روح تروح للجسد المخصص لها، فربنا يقول: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4] من الذي علم؟ إنه العليم الخبير، فلا تخفى عليه خافية. والله يفصل بيننا، فلما أرى الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل ذنوباً؛ لأن الله سبحانه يراني، يا رب إن رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي، فإنها نعمة تنعم بها علي، هكذا دعوة الصالحين، اللهم جنبنا المعاصي، يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك، وتب على كل عاص يا رب، واهد كل ضال، واهدنا معهم يا رب العالمين. ولذلك فإن علياً كان يخاطب ربنا ويقول: ما أوحش الطريق على من لم تكن دليله! وما أضيق الطريق على من لم تكن أنيسه! وهي من الأنس وهو الظهور، أي: ظهرت لنا، فتخيل أن الله آنسك، أي: ظهر لك، فترى الله في كل حركة، فإذا أردت أن تعمل الحرام تذكرت أن الله يراك فتقلع. إذاً فالمؤمن يكون وقافاً عند حدود الله عز وجل، فما أوحش الطريق على من لم تكن رفيقه، فما دام ربنا ليس دليلاً لك فمن سيكون دليلك! قال الشاعر: ومن كان الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلابِ تخيل! واحداً يجعل الغراب دليله فهل سيذهب به إلى مصنع العطور، أو سيأخذه إلى الرمم؟! وفي الحديث: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، فأكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب! إذاً إذا كان الموت أمامي فإني أعجل بالتوبة ولا أعمل الذنوب، فالعبد المسلم ما دام أن الموت أمامه يبقى نشيطاً في العبادة، فما هو الذي يجعلك تذهب إلى الجامع وتقوم بالليل وتصلي وتقرأ جزءاً من القرآن، وتتقي الله وتغض البصر، وتسد آذانك عن الحرام، لماذا هذا كله؟ لأنك تعتقد أن ربنا قد يميتك فجأة، وما دام سيأخذك فجأة فعليك أن تكون مستعداً للقاء الله. وقال أهل العلم: لا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله عز وجل، أي: أن المؤمن لا يستريح إلا عندما يلقى الله، وهذه المدة قد تطول، فيمكن تلقى الله بعد عشرين سنة، أو بعد سنة، أو بعد أسبوع، أو بعد مائة سنة، فربنا من رحمته جعل لنا لقاءات متكررة؛ من أجل أن نلتقي بالله ونستريح، فلا راحة للمؤمن إلا بلقاء الله. وربنا لقاؤه يكون غصباً عنك، فمفروض عليك أن تلقاه خمس مرات في اليوم: في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهذه خمسة أوقات تلقى الله فيها، وتقف بين يدي الله فيها، فأنت تتكلم والله يسمع، وأنت تدعو والله يجيب، وأنت تقرأ والله يستمع إليك، ولذلك قال لما يؤذن المؤذن: (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أشعلتموها على أنفسكم بالذنوب وأطفئوها بالصلاة). فأنت حين تعمل الذنوب فإنها توجب أنك تحترق، فإذا صليت أطفأت تلك النار التي كدت أن تحرق بها نفسك، اللهم أطفئ عنا نيران الدنيا ونيران الآخرة يا رب العالمين. فإذا كان الموت أمامي فإن الله سبحانه وتعالى سيجعلني نشيطاً في العبادة إلى أن ألقاه، فالجنة تحتاج إلى عبادة، فأنت عندما تأتي إلى الجامع في المغرب فإنك تأتي من أجل عبادة الله، وأن تعمر بيت الله، فتقعد مع الإخوة الصالحين، فتحيط بك الملائكة، وتنزل عليك السكينة، وتأخذ كلمة تهديك وتجعلك في عداد التائبين، والله عز وجل يفاخر بك ملائكته ويقول لك: (يا عبدي أنت عندي كبعض ملائكتي)، وهذه من كرم الله عز وجل عليك. والمؤمن يكون عنده يقين في الله فلا يحزن، ولا تكتئب من طول الدنيا، ولا تقل: في الشهر القادم من أين سنأكل؟ لا تهم الغد فإنما الغد بيد الله، ومن رزقك اليوم فإنه قادر على أن يرزق غداً. وقد ضربت لك المثل بالرجل الذي كان يحب اللحمة، فالأطباء قالوا له: لو أكلت لحمة قد تؤدي بك إلى الموت؛ لأن نسبة الكلسترول عندك عالية، فلا تأكل أي نوع من اللحوم، فجاء الرجل وهو غضبان فقلت له: لماذا أنت غضبان؟ قال: أنا محروم من أكل اللحم، فقلت له: أولاً: أنت محروم من أكل اللحم من أجل ألا تنسى إخوانك الفقراء. العلة الثانية: أنت لك في هذه الحياة تموين عند الله، وهذا التموين له قيمة، يعني: واحد مكتوب له أن يأكل في حياته طناً من اللحم، فأكل تسعمائة وسبعين كيلو، فإنه يبقى له ثلاثون كيلو، ولا زال له في الحياة عشر سنين، فلو أكل على نفس الطريقة أو على نفس هذا المنهاج الذي يمشي عليه فسيأخذ أكثر من نصيبه، لكن لا يكون إلا ما قضى الله في سابق الأزل، فيأتي له مرض يمنعه من أكل اللحمة، هو يظن أن الدكتور هو الذي منعه، أو أن المرض هو الذي منعه، لكن هو لو يفكر لعرف أن تموينه من اللحمة قد انتهى من عند الله عز وجل، فالمسلم يفكر بهذا المنطق، يكون كل تفكيره أنه سائر كما قضى الله له. اللهم اقض لنا بخير يا رب العالمين، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا يا رب العالمين.

الابتلاء على قدر الإيمان

الابتلاء على قدر الإيمان والآن سنتكلم على رقية المريض ووصية كل واحد فينا، فإذا مرضت فهذا خير لك، فربنا يبتلي المؤمن على قدر إيمانه، فلو كان إيمانك قوياً فابتلاؤك يكون شديداً، وكلما قوي الإيمان ازداد البلاء، لذا نجد أكثر الناس بلاءً هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. فكل الأنبياء ابتلاؤهم قوي؛ لأنهم أقرب الناس إلى الله، وأخوف الناس من الله، وأشد الناس خشية من رب العباد سبحانه وتعالى، فتجد ابتلاءهم شديداً قوياً، والسيدة عائشة تقول: وارأساه -أي: عندي صداع- فقال رسول الله: (وارأساه أنا أيضاً يا عائشة، فقالت: أتمرض أنت يا رسول الله؟!) أي: كانت حديثة عهد بالزواج، فتظن أنه لا يمرض؛ لأنه رسول الله، فقالت: وأنت أيضاً تمرض؟ فقال: (إني أوعك كما يوعك رجلان من أمتي) يعني: أنه يضاعف عليه الألم صلى الله عليه وسلم؛ من أجل أن يضاعف له الأجر. وقال الله عن نساء النبي: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب:32]، ثم حذرهن من الإتيان بالفاحشة: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30]؛ لأنهن زوجات رسول الله، فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فربنا يزيد عليه الابتلاء من أجل أن يزيد له الأجر عنده عز وجل. وموت الفجأة الذي يكون بدون مرض هو أحد حالتين: راحة للمؤمن، وحسرة على الفاجر. اللهم اجعلنا من المؤمنين يا رب. فخير العباد من طال عمره وحسن عمله، وشر العباد من طال عمره وساء عمله، ولما تأتي تميز أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة فإنك تجد أهل الحق قلة، مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة والتابعين وأبي حنيفة ومالك والإمام الغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية والجنيد وطائفة من الكبار والعظماء. وتجد طائفة كثيرة من الفسقة مثل: فرعون وهامان وقارون وأمية بن خلف وأبو جهل، فأين هؤلاء أين وأين هؤلاء، وأبو جهل كان ينظر إلى ابن مسعود ويعتبره راعي غنم، وكان يقول له: يا رويعي الغنم. وكان أمية بن خلف ينظر إلى بلال بن رباح على أنه عبد حبشي، لكن هذا العبد بالإسلام يطأ الكعبة المشرفة بكعبه الأسود ليؤذن فوقها، فالإسلام يعز أناساً ويذل آخرين. اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين. لذلك قال ربنا لنا: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، ولا تظن أن أمريكا أعلى أو أن أوروبا أعلى، أنا لا أرى الأمريكان إلا حيوانات سائمة، ولا أرى الأوروبيين إلا خنازير سائمة في الأرض، فهم متقدمون ونحن مقصرون، فهنا ربنا يحاسبنا على قلة أعمالنا الدنيوية التي تعود بالفائدة على المسلمين، لكن رغم ذلك لا أرى الأمريكي غير المؤمن بالله إلا إنساناً نجساً، والأوروبي نفس القضية، فتجد أحدهم طول الأسبوع وهو يجري على الرصيف، ويجري في المواصلات، ويجري إلى العمل وهو متعب، ويرجع في الليل فينام ويصبح في اليوم الثاني يعمل مثل اليوم السابق، فتراه يسابق الزمن ويطلع فوق الجبال ويتزحلق، ويلعب الرياضة العنيفة، وحياته منتهية على هذه الصورة، وكل آماله محددة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. وأما أنت فمسجون في الدنيا فتمنع نفسك من أشياء لا يحبها الله ولا رسوله، ويوم القيامة عند الله يكون الجزاء. اللهم أحسن خاتمتنا يا رب على الإسلام. فإذا مرض العبد فإنه يضاعف ثوابه، وتعال هنا نعيش مع رسول الله في اللحظات الأخيرة، ونرى الوصية التي أوصى بها، ونرى أبا بكر أيضاً، ثم نذكر الوصية التي نحب اليوم أن نتكلم فيها إن شاء الله، ونذكر بعد ذلك زيارة ملك الموت للمسلم وللمسلمة، عسى رب العباد أن يختم لنا ولكم بالإسلام.

مرض رسول الله ثم موته

مرض رسول الله ثم موته لقد اشتد على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الألم في أواخر أيامه، ولم يستطع أن يخرج للصلاة بالمسلمين، حتى إنهم كانوا يسندونه فتخط قدماه على الأرض، وهذا دليل على أن رجليه تثقله ولا يقدر على رفعهما صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من الألم. وبعض الناس يقول لك: أنا مريض منذ خمس عشرة سنة، وأنا أقول يا رب وما زلت كما أنا، فنقول: هل أنت أشرف عند الله من رسول الله؟ ثم قال رسول الله: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فقالت السيدة عائشة: (إن أبا بكر رجل أسيف)، أي: رقيق القلب، (فإن قام فلن يسمع الناس من كثرة البكاء، فقال رسول الله: مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فالسيدة عائشة أعادت نفس الكلام، (إن أبا بكر رجل أسيف)، فقال رسول الله: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن أنتنَّ صواحب يوسف)، فالرسول إذا أمر بأمر فإننا نقول: سمعاً وطاعةً يا رسول الله! وهذا لا يعني أن الرجل لا يأخذ بمشورة زوجته إذا كانت صائبة، فالرسول لم يأخذ بكلام السيدة عائشة؛ لأنها لم تصب في كلامها، وأمْر الرسول غير أمرك أنت. فامرأتك لو تحب أن تناقشك فناقشها، وأنزلها منزلتها، والمرأة في كثير من أمورها تقدم العاطفة على العقل، فطبيعتها وتركيبها هكذا، فتجدها تبكي من غير حاجة أحياناً، إذاً فالحنان الذي عندها لابنها لما تقوم له في الساعة الثالثة في الليل جاء من العاطفة، وأنت يمكن تتضايق من الولد إذا بكى ثلاث دقائق فقط، وأما هي فربنا وضع فيها هذا الحنان، وسوف يجزل لها العطاء إن هي صبرت، ولذلك ذهبت إحدى النساء إلى الرسول فقالت: يا رسول الله لقد أخذ الرجال الثواب كله، يصلون معك، ويذهبون يحاربون، ويحجون معك، ونحن قاعدات في البيوت نربي العيال، وننظف البيوت، ونعمل الأكل، وتغسل اللبس، ألا لنا من خير؟ انظر المرأة الناصحة تبحث عما يقربها إلى الله. فقال لها: (حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله) أي: طاعتها للزوج، وأدبها مع الزوج، وانخفاض صوتها مع الزوج، ورضاها بالزوج، كل هذا يعدل الحج والجهاد والخروج مع رسول الله. قال: (وقليل منكن من تصنعه)، وصدق رسول الله، فطالما المرأة عرفت طريق المسجد فانتظر منها خيراً، فلو أتيت بها إلى الجامع وتسمع له كلمتين فذلك خير لها ولك. فذهب الرجل يبحث عن أبي بكر فلم يجده ووجد عمر، فقال: يا عمر! قال له: نعم، قال: صل بالناس، فسيدنا عمر رأى رجلاً خارجاً من غرفة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له: صل بالناس، إذاً فالأمر هذا جاء من الداخل، فصلى بالناس صلاة المغرب وصوته عال، فقال رسول الله: (صوت من هذا؟ فقالوا: هذا عمر يا رسول الله، قال: يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، لا يقدم أحد على أبي بكر). فسيدنا عمر سمع هذا الكلام بعد الصلاة فارتعب، فدخل على رسول الله وقال: هذا الرجل هو الذي قال لي، فقال الرجل: لم أجد أبا بكر، ولم أجد أولى بالصلاة بعد أبي بكر من عمر، وهكذا ترتيبهم فـ أبو بكر مكان سيدنا رسول الله يصلي بالناس، وعمر يصلي مكان أبي بكر، ويمشي هذا الترتيب حتى في العشرة المبشرين بالجنة، فـ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهؤلاء هم الخلفاء الأربعة الراشدون بنص الحديث. فـ أبو بكر صلى بالناس سبعة عشر فرضاً، أي: صلى بهم ثلاثة أيام وفرضين، إذا فالرسول لم يصل بالناس الأيام الثلاثة الأخيرة، وفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى أبو بكر بالناس صلاة الصبح، وهذا كان الفرض السابع عشر، ودخل يعود رسول الله وهو مريض صلى الله عليه وسلم، فوجد سيدنا أبو بكر الحبيب المصطفى صحته جيدة وهو قاعد، وقد كان لا يقدر على القعود، فـ أبو بكر استبشر خيراً وفرح، وكان في صلاة العشاء التي قبلها قد نادى العباس والفضل بن العباس فاستند عليهما وخرج إلى المسجد فوجد المسجد مليئاً بالناس، فمن فرحته نسي الألم صلى الله عليه وسلم وذهب يدخل في الصلاة، فصفق الناس لـ أبي بكر من أجل أن ينتبه لرسول الله، وأنت عندما تقعد في الروضة الشريفة أمام قبلة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ستجد القبر الشريف على شمالك، وقد كان المكان هذا عند الحاجز الألمنيوم الذي وضعوه، فقبله بمتر بالضبط هذا هو المتر الذي كان يطلع منه سيدنا الحبيب على القبلة، فكان سيدنا الحبيب يخرج وهو يمشي أمام المسلمين، يعني أمام أول صف فيخرج من الغرفة ويقعد في القبلة، فلما خرج رآه الصحابة، لأنه يمشي أمامهم، وأما أبو بكر فلم يره لأنه يصلي، فسيدنا أبو بكر أول ما حس أن هناك شيئاً التفت فلمح سيدنا رسول الله، فأراد أن يتأخر، فإذا بالرسول يقدمه مرة أخرى، والرسول صلى مأموماً خلف اثنين: خلف جبريل، وخلف أبي بكر. فقد صلى خلف جبريل عندما كان يعلمه مواقيت الصلاة، فلما فرضت الصلاة كان سيدنا جبريل ينزل ساعة أذان الفجر فيصلي به ركعتين، ويقول له: هذا الصبح، وقبل شروق الشمس بلحظات يصلي به ركعتين، ويقول له: هذا وقت الصبح. وجاء في وقت الظهر فصلى به الظهر، وقال له: هذا وقت الظهر، فهذا أول الوقت وهذا آخر الوقت، ثم العصر وجميع الصلوات يصلي به، فقد كان يصلي بالرسول مرتين كل فرض حتى تعلم رسول الله الصلاة صلى الله عليه وسلم، فصلى مأموماً متعلماً خلف جبريل، وصلى مأموماً خلف أبي بكر؛ كي تظهر مكانة أبي بكر عند رسول الله وعند الله عز وجل. رضي الله عن أبي بكر، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يوم القيامة يا رب العالمين.

وصية رسول الله لأبي بكر

وصية رسول الله لأبي بكر فسيدنا أبو بكر لما دخل وجد سيدنا رسول الله صحته جيدة، وكان قاعداً يتكلم مع من حوله، فقال له: يا رسول الله أنت اليوم صحتك جيدة، أتأذن لي أن أذهب إلى أسماء بنت عميس خارج المدينة؟ قال له: تفضل يا أبا بكر، واستأذن عمر فدخل، فقال: يا رسول الله ورائي تجارة أتأذن لي؟ قال: تفضل، ففرق رسول الله الصحابة لحكمة يعلمها الله، وذلك من أجل أن الله تعالى يخلي المكان من كل المحيطين برسول الله ليخلو المكان لملائكة الرحمن، وقال أبو بكر لرسول الله قبل أن يخرج: أتريد أن توصيني بشيء يا رسول الله؟ فقال له: (يا أبا بكر إذا أنا مت فليغسلني رجال من أهل بيتي، ثم ادفنوني في المكان الذي مت فيه، وكفنوني في الثوب الذي ألبسه؛ فإن الحي أولى بالجديد من الميت). فانظر إلى تواضع سيدنا رسول الله، (الحي أولى بالجديد من الميت)، ثم قال: (يا أبا بكر إذا خرجت الروح فادخلوا علي زرافات ووحدانا)، لأن الكل لا يستطيعون أن يصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة، فادخلوا مجموعات مجموعات أو فرادى فرادى، (ولا تطروني) لا تمدحوني، وهذا يدل على أن حفلات التأبين حرام، والله أعلم بمن اتقاه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التقوى. (لا تطروني ولا تعظموني، ثم خلوا بين دفني وبين صلاتكم ساعة) يعني: بعدما تصلون عليّ صلاة الجنازة اتركوني قبل الدفن قدر ساعة، والساعة هذه هي مدة من الزمن، وهي عند الصحابة قدر ذبح الجزور وتوزيع لحمها، فالسؤال الوحيد الذي سأله أبو بكر: لماذا يا رسول الله؟! فقال: (لأن الله وعدني أن يصلي علي هو بنفسه!). قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على النبي محمدِ فخرج سيدنا أبو بكر، وخرج سيدنا عمر، وخرج سيدنا عثمان، ومشى سيدنا علي بعد قليل، فقال رسول الله: (يا عائشة يا فاطمة اخرجا، فقالا: لماذا يا رسول الله؟ قال: إن ملك الموت يستأذن)، فتخيل أنت ملك الموت يستأذن على سيدنا الحبيب وعنده فاطمة وعائشة، ما هو شعور السيدة فاطمة والسيدة عائشة في ذلك الوقت؟!! ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بمصيبة فليتعزى بمصيبته فيّ) يعني: أننا أصبنا بمصيبة كبيرة جداً بموت الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، وقد تكفل الله بحفظهما، فهذا القرآن أوامره وأحكامه باقية، فهو كتاب أنزله الله على قلب رسوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالله قد تكفل بحفظه وحفظ سنة حبيبه، فإذا تمسكنا بهما فلن نضل أبداً. اللهم اجعلنا من العاملين بهما يا رب العالمين. فخرجت السيدة عائشة والسيدة فاطمة، ثم قال ملك الموت: يا رسول الله! والله ما استأذنت على أحد أبداً إلا أن الله أمرني أن أستأذن عليك، قال: دعني حتى أكلم جبريل، فقال جبريل: نعم يا رسول الله، فقال له: (يا جبريل من لأمتي من بعدي؟). فهذا أهم شيء كان يهم حبيب الله، حتى إنه قال: (لن يحن عليكم بعدي إلا الرحماء)، فلا أحد سيحن عليكم إلا من كان يعرف ربنا ويتخلق بأخلاق الله، اللهم اجعلنا من الرحماء. فقال الله: (يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً، وسوف نرضيه فيهم، فقال رسول الله: يسوؤني يا جبريل واحد منهم يعذب في النار، قال: بشر محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله فلن يخلد في النار). اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، أحينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها آمنين مطمئنين يا رب العالمين. وبعد لحظات نادى على فاطمة وعلى عائشة فرأى فاطمة في حالة ذهول وكرب شديد، فقالت: (واكرباه عليك اليوم يا أبتاه! قال: يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم) أي: انتهى العناء والتعب، فقد قضى ثلاثاً وعشرين سنة وهو يدعو قومه، وقد وقف ذات يوم عند جبل أبي قيس وقال: (يا معشر قريش أولو أخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، فما جربنا عليك كذباً فأنت الصادق الأمين، فقال: فإني رسول الله إليكم جميعاً، والله لتموتن مثلما تنامون، ولتبعثن مثلما تستيقظون، وإن ربكم لواحد لا إله إلا الله، وأنا رسول الله إليكم). فكذبوه وكانوا يضعوا أمامه القاذورات وعلى عتبته، وكانوا يضعون سلا الجزور على ظهره، وكانوا يذلون أصحابه ويجرونهم على الرمضاء ويعذبونهم، ثم جعلوه يترك مكة بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة، فذهب إلى المدينة وأصحابه هاجروا إلى الحبشة، ثم حاربوه وقاتلوه في غزوات متواصلة لم يسترح فيها قط. قال لها: (لا كرب على أبيك بعد اليوم، لقد خيرني جبريل بين الخلود في الدنيا وجوار الرفيق الأعلى، فاخترت جوار الرفيق الأعلى، يا فاطمة الصلاة الصلاة، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى. ثم همس في أذن فاطمة كلمة فبكت، ثم همس في أذنها كلمة فابتسمت)، فلما سئلت بعد كذا قال لها: إن ملك الموت سينزل الآن من أجل أن يقبض روحي فبكت، ثم قال لها: وأنت أول من سيلحق بي من أهلي فابتسمت، وبعد ستة أشهر كانت فاطمة مع أبيها في جنات عدن. اللهم أوصلنا بهم، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

صبر أبي بكر بعد موت النبي

صبر أبي بكر بعد موت النبي وبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت ضجة في المدينة كلها، فانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، فبدأ الصحابة يتجمعون، فـ عمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه فقال: لا، لقد ذهب ليلقى ربه، كما لقي موسى ربه وسوف يعود، ومن قال: إن محمداً قد مات لأفصلن عنقه عن جسده. وكان سيدنا عثمان بن عفان مثل التائه يؤخذ من يده فيجر ويؤخذ يميناً وشمالاً، فقد حصل عنده ذهول، وقعد علي بن أبي طالب على الأرض ولم يستطع أن يقف على قدميه، فما تمالك من الصحابة إلا أبو بكر، وقد كان حب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديداً ورغم ذلك تمالك نفسه، وذلك لأن رصيد الإيمان الذي عند أبي بكر كان عظيماً، فقام وخطب الناس وقال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]. قال سيدنا عمر: وكأني أسمع هذه الآية لأول مرة، فهدأ أبو بكر الصحابة، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه الشريف وقبل جبينه، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، وانقطع لموتك ما لم ينقطع بأحد من الرسل من قبلك. يعني: أن الأنبياء والرسل كانوا إذا مات الواحد منهم كان جبريل ينزل مرة أخرى بعده إلى الأرض، وجبريل عندما دخل على سيدنا الحبيب في آخر حياته قال له: لن يسوؤك ربنا في أمتك، وبكى جبريل، فقال: لماذا تبكي يا جبريل؟! قال: هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، على من أنزل بعدك يا رسول الله؟ فقد انقطع الوحي وتمت الرسالة، واكتمل الكتاب، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة، وقضي الأمر. فهذا معنى: وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من النبيين من قبلك. وقال سيدنا علي: كنت أمشي ذات مرة بالليل في ثاني يوم انتقل فيه الرسول للرفيق الأعلى، فوجدت عمر قاعداً إلى جنب القبر الشريف ويبكي ويقول: يا رسول الله! لو آكلت كفؤاً لك ما آكلتنا، ولو جالست كفؤاً لك ما جالستنا، ولو تزوجت كفؤاً لك ما تزوجت منا، ولكن تواضعاً منك جالستنا وآكلتنا وجلست معنا، والله ما أحد أشرف على الله عز وجل منك يا رسول الله! فانظر إلى حب الصحابة للرسول كان كيف؟ وانظر أيضاً إلى هذه الدرجة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم.

تغسيل رسول الله بعد موته

تغسيل رسول الله بعد موته ولما جاءت ساعة الغسل قالوا: كيف نغسل الرسول؟ هل نخلع ثيابه أو نغسله من فوق ثيابه؟ فأقسمت عائشة أن الجالسين في الحجرة -وهي تنظر من الداخل- أصابهم النعاس فكانت لحاهم على صدورهم، وسمعوا صوتاً ولم يروا المتكلم: غسلوا الرسول من فوق ثيابه ولا تخلعوا ثيابه. فغسلوه، وكانت رائحته مسك صلى الله عليه وسلم من غير أن يضعوا له طيباً، فمن السنة أن نطيب الميت.

دفن رسول الله

دفن رسول الله ثم قالوا: يا ترى هل نضعه في لحد أو نضعه في شق؟ فكان في المدينة جماعة يحفرون القبور، وكان فيهم واحد مختص باللحد وواحد مختص بالشق، وهذا تعود لطبيعة التربة، فسيدنا أبو بكر قال: الذي سيصل الأول هو الذي سندفن الرسول بالطريقة التي هو مختص فيها، فجاء أولاً الرجل الذي يلحد، فلحدوا له ووضعوه في اللحد ثم حثوا عليه التراب. فمن السنة أنك عند الدفن تحثو على جسد الميت فوق الكفن ثلاث حثيات، والإنسان لو يفكر في حاله وفي مآله وفي مصيره فإنه لا يتكبر ولا يظلم ولا يفتري ولا يفسق ولا يذنب، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أهل عليين، وأن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة. فتحثو على الميت ثلاث حثيات، وتقول في أول حثية: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55]، وفي الثانية تقول: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]، وفي الثالثة: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]. فلما رجعوا دخل سيدنا أنس يطمئن على السيدة فاطمة فالسيدة فاطمة لاقت أنس بشيء من الألم والأسى، فقالت: أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله؟! فقال: هكذا أمرنا يا أم الحسنين أي: هو الذي أمر بهذا وعلمنا السنة صلى الله عليه وسلم، وجزاه الله عنا خير الجزاء وخير ما جازى نبي عن أمته. اللهم اسقنا بيده الشريفة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم أسكنا معه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، إنك يا مولانا على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

الرقية الشرعية

الرقية الشرعية فالإنسان منا عندما يمرض يجب ألا يحزن وألا يضيق ذرعاً؛ لأن المسلم طالما أنه يحسن الظن بالله عز وجل فإنه يلقى الله عز وجل وهو عنه راض. اللهم اجعلنا ممن يحسن الظن بك يا رب العالمين. فالإنسان الذي يظن ظناً حسناً بالله عز وجل فإنه يبقى سعيداً في الدنيا، وإذا كانت صحتك جيدة فقدم الخوف على الرجاء، ففي الدنيا تكون خائفاً أكثر، فلما تشعر أن السن قد كبرت، أو المرض قد اشتد، والمؤمن كلما ازداد إيمانه حط في ذهنه أنه على وشك أن يرحل، فهنا يزداد الرجاء على الخوف؛ من أجل أن تلقى الله وأنت حسن الظن به سبحانه. قلنا: إن الرقية الشرعية لا تكون لا بحجاب، ولا بخرزة، ولا بحاجة تتعلق، ولا بمصحف تحت المخدة ولا هذا الكلام كله، وإنما تكون الرقية الشرعية بالأذكار والأدعية الشرعية، فتضع سبابتك على فمك ثم تضعها على الأرض، ثم ضعها على الجزء المريض في جسد المريض وتقول: (بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا)، أو تقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً)، أو (اللهم كما رحمتك في السماء أنزل رحمتك على الأرض، وأنزل على هذا المريض رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك) أو تضع يدك أنت على الجزء الذي يؤلمك وتقول: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، والذي لا يحفظ هذا كله يضع يده على الجزء المريض ويقرأ فاتحة الكتاب بنية الشفاء، يشفى بإذن الله رب العالمين. وجاءوا لي بطبيب الورى وروحي تنادي طبيب السماء طبيبان: ذاك ليعطي الدواء وذاك ليجعل فيه الشفاء فطبيب الدنيا يكتب لك الدواء فقط، وربنا الله عز وجل هو الشافي، وهذا سيدنا أبو بكر وهو يموت قيل له: أفلا نطلب لك الطبيب يا أبا بكر؟ فقال: قد طلبته وجاءني، قالوا: وماذا قال؟ قال: قال لي: إني فعال لما أريد. فانظر إلى ثقة أبي بكر بالله تعالى وصلته به.

الوصية وبعض أحكامها

الوصية وبعض أحكامها والآن نتحدث عن الوصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبيتن أحدكم إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) يعني: ليس هناك أحد مسلم يؤمن بالله ولم يكتب وصيته إلى الآن، وأنا واثق بفضل الله أن كل المريدين عندي قد جهزوا وصاياهم منذ سنوات طويلة، لكن هناك أناس كتبوا وصاياهم وقاموا بتخبئتها، وهذا خطأ، أنا أريدك تكتب الوصية وتعرف المقربين مكانها، فقوله: (إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) يعني: تبقى معروفة ومحطوطة ومكتوبة وجاهزة. واكتب ما يأتي في هذه الوصية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان ابن فلان، وتكتب اسمك، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة حق، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي من قرأ هذه الوصية بأن يتقي الله عز وجل ولا تغره الحياة الدنيا، ولا يغره بالله الغرور. أوصي أني إذا مت فليفعل ورثتي ما يأتي: تغمض عينيّ أول ما تخرج الروح، ويشد لحية الميت -أي: دقنه- بمنديل أو بفوطة أو بحبل، نشدها ونربط من فوق؛ لاحتمال أن يبقى فكاه مفتوحان فيبقى فمه مفتوحاً، فنضم الأسنان أو الفكين على بعض ونربط من تحت الدقن. ثم نغطيه بشيء غير الغطاء الذي كان متغطي به، ولكن قبل ذلك نخلع الملابس التي مات فيها، ونحن الآن للأسف لا نعرف ما هو الموت، ولا دارسين الموت، ولا نحضر دروس العلم ولا عارفين ما هي القواعد، فتجد بعضهم يتركون الميت قافلين عليه الباب وخارجين، فبعضهم يذهب إلى الصوان والذي يمسح التربة، وبعضهم يذهب يكتب النعي في الجريدة، وهذه كلها الميت ليس له دعوة بها، فنريد أن نهتم بالميت؛ لأنه أمانة إلى أن نعيده إلى صاحبه. إذاً فالمسلم أول ما يموت فالذين حوله يغمضون عينيه، ويربطون لحييه، ثم نخلع ملابسه ونغطيه. فتكتب: لا يدخل علي بعد موتي حائض، ولا يقبلني بعد موتي من لا يحل له تقبيلي في حياتي، يعني مثل: بنت عمتي وبنت خالتي، فلا يجوز لهما تقبيلي وأنا حي، فمن باب أولى عدم جواز ذلك وأنا ميت، حتى إن بعض أهل العلم قال -وهذا رأي الإمام أبي حنيفة وأنا أميل إليه- حتى إن امرأته لا تدخل عليه؛ لأن عقد الزوجية قد انتهى بالموت، وهذه مسألة تخاطب الفطرة. وهناك أثر للسيدة عائشة تقول فيه: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل الرسول إلا أزواجه. لكن رأي أبي حنيفة أقوى؛ لأنه استدل بدليل أقوى من دليل السيدة عائشة، فإن عقد الزوجية قد انتهى، فالزوج قد مات إذاً فهي ليس لها زوج، فلا يصح أن تدخل عنده، فبالتالي لا تقبله ولا تغسله ولا تحضر غسله. إذاً فلا يدخل علي حائض ولا جنب، ولا أسمع رنة في البيت، والرنة هي الصويت أو العويل، وأنا بريء من ذلك. فعلى المسلم منا أن يكون مستعداً للقاء الله، إذاً فلا تدخل علي حائض ولا جنب، ولا يقبلني بعد موتي من كان يحرم عليه تقبيلي في حياتي، وأنا بريء من الآتي: بريء من التي تصوت، وبريء من ذبح شيء أمام النعش، فلا عقر في الإسلام، فالذين يذبحون أمام الجنازة وهي طالعة هذا حرام، وهذا الأمر كان في الجاهلية. ثم بعد ذلك من جلس عندي يجب أن يذكر الله، وأن يدعو بخير؛ فإن الملائكة تؤمن على الدعاء أو على البكاء، يعني: أن القاعدين عند الميت يقولون: اللهم ارحمه، والملائكة تؤمن آمين، اللهم اغفر له، آمين، اللهم ثبته عند السؤال آمين، اللهم اجعل كتابه في يمينه، آمين، واخلفه في عقبه في الغابرين، آمين، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر اللهم لنا وله، والملائكة تقول: تؤمن. فإن كان الميت صالحاً فإن ملك ينزع الروح فتخرج من الرجلين الركبتين، ثم إلى الصدر، ثم الحلق، {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:26 - 27]، فالذي يرقى بهذه الروح هم ملائكة الرحمة إن كان من أهل النعيم، وملائكة العذاب إن كان من أهل الجحيم. اللهم اجعلنا من الذين تقبض أرواحهم ملائكة الرحمة يا رب العالمين. ومعهم حنوط وأكفان من الجنة، فيبتدئون بالروح وتطلع سهلة ميسورة مثل قطرة الماء عندما تنزل من في السقا، ففي الحديث: (كالقطرة من الماء تنزل من فم القربة). وأما غير الصالح والعياذ بالله فإن روحه تكون متشعبة في جميع أجزاء جسمه، فعندما تنزع فإنها تنزع مع العروق وأجزاء الجسم، ونحن حول الميت لا ندري شيئاً، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85]. إذاً فالمسلم الموجود عند الميت لا يقول إلا خيراً. ثم على أهلي إذا ذهبوا لمواراة جثتي التراب أن يوجهوني إلى القبلة، وأن يغسلني فلان وفلان ويحدد، أي: لو كانوا موجودين أو على قيد الحياة أو قريبين في البلد، ولا يكثر الحاضرون على الغسل إلا من كانت له ضرورة، فلا يدخل كل أحد؛ لأن للميت عورات. ومن غسلني إذا جاء عند عورتي فليلبس خرقة لكي لا يلمس عورتي. ثم إذا دفنتموني فلينزل معي في القبر فلان أو فلان وتحدد، فليس كل واحد ينزل، ولتوجهوني إلى القبلة، ولتضعوني على جنبي الأيمن، ولتحثوا على جسدي التراب ثلاثاً، ولتقولوا في أولاها: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، ثم بعد ذلك يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو الله لي الحاضرون بالاستغفار وبالتثبيت عند السؤال. ثم لتمكثوا عند قبري ساعة، أي: قدر ذبح الجزور وتوزيع لحمها، أي: تقعدوا تستغفروا لي، حتى أستأنس بكم، وحتى أستطيع أن أراجع ملائكة ربي. ثم مالي يقسم كما أمر الله عز وجل التقسيم الشرعي، وأوصيت من مالي -في حدود الثلث- كذا للجهة الفلانية أو لفلان، ولا يكون هذا لوارث؛ فلا وصية لوارث، فالذي يرث لا يأخذ من الوصية. وأوصيت بكتبي -إذا عنده مكتبة علمية- للجهة الفلانية؛ من أجل تبقى صدقة جارية، وأوصي من خلفي بتقوى الله عز وجل، وألا تغرهم الحياة الدنيا، وأن يكثروا الترحم علي، وأدعو الله لهم بالتثبيت وبالتوفيق وبالهداية، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة:181]، ثم تمضي عليها، وتشهد إخوانك الصالحين أو من أهل العلم والتقوى. وهكذا تكون قد أرحت الذين وراءك، وعرّفت الذين وراءك القوانين، وإذا عملوا شيئاً غلطاً فإنه في ذمة الذي عمل ذلك، وأنت بريء يوم القيامة من كل سوء إن شاء الله، اللهم برئنا من الذنوب والخطايا والعيوب يا أكرم الأكرمين.

أحوال القبر

أحوال القبر أنت كمسلم يجب عليه أن تعلم ما قاله عثمان رضي الله عنه قال: القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر، وإن كان شديداً فما بعده أشد يعني: أن القبر أول خطوة من خطوات الآخرة، لأنك دخلت في عالم الغيب. وكان عمرو بن العاص -وهو فاتح مصر- يقول: لو عاد لنا ميت ليقص لنا ما حدث. أي: لو يرجع ميت ويحكي لنا ماذا في القبر. فلما نزل الموت بسيدنا عمرو اجتمع عليه الصحابة فقالوا له: لقد كنت تتمنى أن يرجع أحد ويحكي لنا الذي يحصل، فأنت الآن ماذا يحصل لك؟ فقال سيدنا عمرو: والله كأنما انطبقت السماء على الأرض، وكأن روحي محشورة بينهما، وكأنني أتنفس من ثقب إبرة، وكأنني عصفور فوق مقلاة زيت يغلى على نيران ساخنة، فلا هو يطير فينجو، ولا يموت فيستريح. هذا كلام عمرو بن العاص فاتح مصر، والرسول انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو راض عنه. فأول ما تطلع روحك وتفارق البدن فأنت حي تماماً ولكنك لا تتكلم، بدليل أن سيدنا عمراً قال: إذا مت فلا تدخلوا علي أحداً من أقاربي المحارم وهو لابس ثوباً أحمر، قالوا: لماذا يا عمرو؟ قال: حتى لا تفكر الروح في نار جهنم فتفزع. وسيدنا عبد الله بن عمر كان يمشي في جنازة فسمع رجلاً يقول: استغفروا لأخيكم، فقال له: اسكت لا غفر الله لك. لأن الجنازة لا تشيع في صوت، وإنما تشيع في صمت، فأنت لو كتبت هذا الكلام كله في الوصية فإنك تخرج نفسك من الأزمة. فالميت أول ما ينزل القبر وندفنه فإنه يرى ويسمع ويشعر ولكنه لا يتكلم فقط، فهو يحيا حياةً من نوع آخر، فقد انتقل من نوع من الحياة إلى نوع آخر من الحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإنه ليسمع قرع نعالهم وهم يغادرونه)، وهذه أصعب لحظة عليك من ساعة ما ولدت، فأهلك يتركونك وحيداً. وهذه اللحظة صعبة جداً تريد إيماناً قوياً، وربنا يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. فأنت الآن تذكر الله بسهولة؛ لأنك قاعد وسط إخوانك وفي النور، وفي حالة من الأنس، وأما هناك فهي حالة من الرعب والذعر، وسيأتيك ملكان يسألانك، وقد سأل سيدنا عمر رسول الله فقال له: صفهم لنا يا رسول الله، قال: (يخرج من فيهما نار، ومن منخريهما نار، ومن عينيهما نار، ومن أذنيهما نار). فخاف سيدنا عمر وقال: (وأعرف ساعتها أني عمر؟) يعني: ساعتها يكون عندي عقل وأعرف أنني عمر، فقال له: (تعرف يا عمر، قال له: إذن والله لا أبالي)، فكيف سيكون حالنا، نسأل الله السلامة. فإذا كان الميت له رصيد من الحسنات فإنه سيجيب على السؤال، فإذا قيل له: (من ربك؟ قال: ربي الله لا إله إلا هو، من نبيك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، وما دينك؟ قال: الإسلام، وما كتابك؟ قال: القرآن، فيقال له: نم هنيئاً عبد الله، ويوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باباً ليرى مقعده من الجنة، فيقول: يا رب عجل بالساعة عجل بالساعة). وأما الثاني -والعياذ بالله- فيحصل له ذعر ورعب، فيقال له: من ربك؟ يقول له: أنت، فيضربه بالمرزبة ضربة يغوص منها إلى سابع أرض، ثم يرجع فيقال له: من ربك؟ وهو يعرف أن الإجابة الأولى غلط، فيقول: لا أدري، وما دينك؟ لا أدري، وما كتابك؟ لا أدري، ومن هذا الرجل الذي أرسل فيكم؟ لا أدري، فيقال له: على الشك عشت، وعلى الشك مت، وعلى الشك لقيت الله، فليس لك اليوم ههنا حميم، فينطبق القبر عليه وينظم حتى تختلف أضلاعه، ويفرش له حيات وعقارب، ويفتح له باب يرى مقعده من النار فيقول: يا رب لا تعجل بالساعة لا تعجل بالساعة. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وتوفنا على الإسلام، اللهم توفنا على الإسلام، اللهم توفنا على الإسلام، وارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، وعلماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، أحينا على قول لا إله إلا الله، وأمتنا على قول لا إله إلا الله، وابعثنا من قبورنا آمنين مطمئنين تحت راية لا إله إلا الله، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية صلاة الاستخارة ووقتها وصلاة الحاجة، وصلاة السنن

كيفية صلاة الاستخارة ووقتها وصلاة الحاجة، وصلاة السنن Q أخ كريم يسأل عن صلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة السنن. A صلاة الاستخارة تكون إذا ترددت في الأمر، مثل: هل تزوج بنتك للرجل هذا أو للرجل هذا، أو هل تأخذ الشقة هذه أو الشقة هذه، فتحتار بين أمرين، فهذه الحيرة تقتضي أن تصلي ركعتين قبل أن تنام، ركعة تقرأ فيها الفاتحة والكافرون، وركعة تقرأ فيها الفاتحة وسورة الإخلاص، وتدعو بالدعاء المأثور، وهو: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، والذي لا يحفظ يقول: اللهم اختر لي الخير يا رب، ويكون هذا آخر كلامك. وليس هناك علاقة بين الاستخارة والرؤيا، وإذا كنت قد صليت صلاة الاستخارة فلم تستفد، فلا يشترط أن ترى رؤيا، ولكن ينشرح صدرك للموضوع أو ينغلق، فإن صليت الاستخارة وكررتها ولم تصل إلى شيء فهنا تحكم عقلك. وصلاة الحاجة هي نفس صلاة الاستخارة، فأنت عندما تكون محتاجاً شيئاً من الله فإنك تقوم تصلي ركعتين، وتقرأ بأي السور شئت، وتدعو الله بإلحاح، وإن شاء الله يستجيب الله لك. وأما صلاة السنن فقد قلنا في دروس الصلاة قبل رمضان: إن السنن اثنتا عشرة ركعة في اليوم والليلة، وهن: ركعتا الصبح، وأربع قبل الظهر واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء.

حكم المجاملة في الأمور العامة

حكم المجاملة في الأمور العامة Q أنا أعرف مدير مجمع، ولو رآني واقفاً في الصف فإنه يقدمني، ولو جاءت حاجة فإنه يحجزها لي، فهل هذا حرام أو حلال؟ A حرام.

حكم دفع خلو الرجل

حكم دفع خلوّ الرجْل Q سكنت في عمارة ودفعت خلوّ رجْل فهل يباح لي أني أشتكي؟ A الخلو هنا حرام بالنسبة على الآخذ، فما دام أنك قد ارتضيت فلا داعي لأن تهتك أستار الرجل، وهذا لا ينفع، وليس لك أن تخون؛ لأن الحديث يقول: (ولا تخن من خانك)، فهو خانك وأخذ المال، وأنت لا تذهب تشتكي، فالرجل الذي أخذ منك الخلو يأكل في بطنه ناراً يوم القيامة.

السبب في ترتيل القرآن على الصورة المعروفة

السبب في ترتيل القرآن على الصورة المعروفة Q لماذا المصحف يترتل الترتيل هذا؟ A هذا أمر من الله عز وجل، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4].

حكم إمامة الرجل لغيره ممن هم أعلم منه

حكم إمامة الرجل لغيره ممن هم أعلم منه Q هناك رجل يؤمنا في الصلاة مع أن هناك أناساً يصلون وراءه وهم أعلم منه؟ A لا، يجب أن نقدم الأعلم.

حكم تشغيل القرآن على الميكرفون في الجامع طوال الوقت

حكم تشغيل القرآن على الميكرفون في الجامع طوال الوقت Q تحت بيتنا جامع يشغل القرآن طوال الوقت على الميكرفون، فما حكم ذلك؟ A هذا غلط، وليس الغلط قراءة القرآن وإنما الإزعاج، فهذا فيه إزعاج للجيران والذين يذاكرون دروسهم، وفي هذه الأيام كل الطلاب عندهم امتحانات، فنسأل الله أن يأخذ بأيديهم كلهم.

حكم قراءة المرأة للقرآن وهي كاشفة الرأس

حكم قراءة المرأة للقرآن وهي كاشفة الرأس Q هل يجوز للمرأة أنها تقرأ القرآن ورأسها مكشوف؟ A يجوز ولكن يفضل أن تختمر.

حكم ذهاب الحامل المريضة إلى الطبيب

حكم ذهاب الحامل المريضة إلى الطبيب Q هل تذهب الحامل المريضة إلى الطبيب أو الطبيبة؟ A لا، تذهب، لطبيبة طالما أنها تثق بعلمها، وقليل ما هن.

صلاة الحامل التي لا تقدر على الوقوف

صلاة الحامل التي لا تقدر على الوقوف Q هناك امرأة حامل لا تقدر أن تصلي وهي واقفة، فما تعمل؟ A تصلي وهي قاعدة.

سلسلة الدار الآخرة_ما بعد الموت

سلسلة الدار الآخرة_ما بعد الموت لقد حض الشرع على كتابة الوصية حال الصحة، وينبغي أن تكون الوصية جامعة مانعة، بحيث يكون فيها الوصية للأهل بالاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى، وترك ما يخالف شرعه، وأن يقضوا عنه دينه، ويكون فيها إرجاع الحقوق إلى أهلها.

الأمر بكتابة الوصية قبل الموت حال الصحة والمرض

الأمر بكتابة الوصية قبل الموت حال الصحة والمرض أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل الحلقة الثالثة من سلسلة الحديث عن الدار الآخرة، وهي الحلقات التي يختص الحديث فيها بالموت وما بعده، وهي الرحلة الأساسية لكل إنسان في هذه الحياة، وهي الدار الباقية التي ينادى فيها أهل الجنة وأهل النار: (يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت). اللهم اجعلها جنة أبداً وخلوداً في جنة الرضوان يا رب العالمين. وليس الحديث عن الدار الآخرة حديثاً للقنوط أو لليأس، ولكنه حديث يشحذ الهمم نحو الله عز وجل، ونحو الفرار إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي أمرنا بالفرار إليه، والمسلم دائماً يفر من الدنيا إلى الله، ومن الناس إلى الله، ومن الابتلاءات إلى الله، ويعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه. والحديث عن الموت وما بعد الموت يوسع صدر الإنسان الضيق، ويشرح صدر الإنسان المنغلق، ويضيء قلب المسلم العاصي، وينير الطريق لكل واحد منا، فما الذي ينجيه بعد الموت؟ وما الذي يوجب العذاب بعد الموت؟ عندما يدرك الإنسان هذه الحقائق كلها يدرك أنه في الدنيا ضيف، وأن الدنيا عارية مسترجعة مؤداة إلى رب العباد سبحانه وتعالى، وأنه لابد للإنسان أن يرحل منها؛ لأنه يسمع كلام الصادق صلى الله عليه وسلم محمد حيث يقول: (إنما أنا في الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها). فالإنسان نهايته الموت، وإذا حملت أيها الإنسان جنازة إلى قبر من القبور فاعلم أنك سوف تحمل، وإن غسلت ميتاً فاعلم أنك بعدها سوف تغسل، وإن اشتريت كفناً لميت قريب أو عزيز لديك فاعلم أنه سوف يشترى لك كفن، واعلم أنك إن لحدت ميتاً أو وضعته في قبره فسوف يأتي عليك وقت توضع أيضاً في قبرك، وحتى من مهمته وشغلته أن يلحد الأموات في قبورهم، فإنه سوف يلحد يوماً ما، وسوف يموت يوماً ما، ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام. تحدثنا في الدرس الماضي عن الوصية، وقلنا: إنه لابد لكل مسلم ألا ينام إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه. والوصية لا تخص المال أو العقار فقط، بل لو أن أحد أقاربك وأهلك لطم الخدود أو شق الجيوب، أو أن المرأة صاحت وقالت: يا سبع يا جملي لمن تتركنا؟ فكل هذا الكلام تكون قد أعلنت براءتك منه، وأوصيت بهذه البراءة، حتى إن نزلت إلى القبر كنت بريئاً من أي عمل يخالف ما جاء في الكتاب عن الله وما جاء في السنة عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

صيغة الوصية ومعناها

صيغة الوصية ومعناها إن صيغة الوصية تكتب هكذا. بسم الله الرحمن الرحيم (هذا ما أوصى به فلان بن فلان -وتكتب اسمك- أنه يشهد أن لا إله إلا الله)، جاء في الحديث: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة). اللهم اجعل آخر كلامنا لا إله إلا الله. وأنت ولابد إما أن تموت بين صلاة الصبح والظهر، أو بين صلاة الظهر والعصر، أو بين العصر والمغرب، أو بين المغرب والعشاء، أو تموت بين العشاء والفجر. والمسلم بطبيعته مواظب على الصلاة، فمادام مواظباً على الصلاة فكل الصلاة توحيد لله عز وجل. كذلك المسلم دائماً يذكر الله، (من أصبح وأمسى ولسانه رطب بذكر الله أصبح وأمسى وليس عليه خطيئة). فإذا أصبحت وأمسيت ولسانك معطر بكلام الله عز وجل محيت عنك الخطايا، والمسلم أو المؤمن كله منفعة، فإن جالسته وحادثته وماشيته نفعك، وإن سافرت معه نفعك، وإن صاهرت منه أو صاهر منك نفعك. فمن شكره جيرانه ورفقاؤه في السفر، والمعاملون له في الأسواق، والذين يشترون ويبيعون منه، فهذا لا يشك في صلاحه، (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى). إذاً: فالمسلم دائماً لسانه رطب بذكر الله، وأنت كمسلم تقعد مع المسلمين الصالحين الذين يذكرونك بالله، وتقعد مع الواحد منهم فيقول لك: سمعت في الدرس كذا، ورحت عند الشيخ فلان وقال كذا، وخطبة الجمعة التي مضت قال الخطيب فيها كذا، وقرأت في الكتاب الفلاني كذا، فكل مجالسته خير. وأما لو جلست مع أصحاب الدنيا فإنهم ييئسونك من رحمة الله، ويقنطونك من فضل الله، ويضيقون عليك الدنيا حتى تنحرف أو تنتحر. لكن المسلم يشرح صدرك ويقول لك: يا أخي أنت مغمور في نعم الله، (من أمسى معافىً في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). وربنا أنعم على قريش وقال: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4]. فمادام ربنا أعطاك الأمن والصحة فاحمد الله على نعم الله، واشكر الله على فضل الله، واعلم أنك كلما اتصلت بالله عز وجل جعل الله لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقك من حيث لا تحتسب؛ ولذلك قال رجل لسيدنا علي: يا أمير المؤمنين إن رزقي ضيق، قال له: استغفر الله. كذلك من ليس عنده عيال عليه أن يستغفر الله، وإذا لم ينزل المطر على قوم يقال لهم: استغفروا الله، فقد قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح:10] أي: يغفر الذنوب، فهذه أول ثمرة من ثمرات الاستغفار: غفران الذنب، ثم ماذا قال: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:11]. فأول الخير أمن الطعام وذلك بنزول الماء. ثم قال: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:12] كل هذه من ثمرات الاستغفار. إذاً: تكتب الوصية هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان بن فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أوصي من تركت من أهلي -زوجتك عيالك أمك أباك قرابتك- أوصي من تركت من أهلي أن يتقوا الله)، وهذه أعظم وصية تجعلها لأهلك؛ لأن كثيراً من الناس يوصي أولاده قائلاً: لو زرتم عمكم بعد الموت سأبقى قلقاً في تربتي، والمرأة عندما يأتي عليها الموت تقول: انتبهوا تزورون خالتكم فهي أكلت ميراث أبي ولم تعطني شيئاً، ولو زرتموها سأبقى حزينة في تربتي، وسأكون عليكم غضبانة إلى يوم الدين، فقولوا لها: اغضبي كيف شئت، وأما نحن فسنرضي الله عز وجل ونصل خالتنا. ذهب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أذنبت ذنوباً كثيرة، قال: أما لك من أم؟ قال: لا، أما لك من خالة؟ قال: نعم لي خالة، قال: صل خالتك وبرها يكفر الله عنك كل الذنوب). فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اذهب وزر خالتك، وقبل يدها كما تقبل يد أمك، وقبل رأسها كما تقبل رأس أمك، وقبل رجلها كما تقبل رجل أمك، وأمك التي تقول لك: لا تزر خالتك بعدما أموت، قل لها: لا، إن وصيتك هذه مخالفة لشرع الله، ولا ينبغي العمل بها.

الوصية بالإصلاح بين المتخاصمين الأقرباء

الوصية بالإصلاح بين المتخاصمين الأقرباء ينبغين للمرء أن يوصي أهله بأن يتقوا الله، فهي أعظم وصية، وأن يصلحوا ذات بينهم؛ لأن من ضمن الثلاثة الذين لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً المخاصم لأخيه، فكل أخوين متخاصمين، أو أختين متخاصمتين، أو أخ مخاصم لأخته، أو أخت مخاصمة لأخيها لغير سبب شرعي يخشى على هؤلاء عدم قبول عباداتهم، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نعطي من حرمنا، وأن نعفو عمن ظلمنا، وأن نحلم على من جهل علينا، وقد جاء في الحديث: (إذا تخاصم الأخوان قال الله عز وجل: لا تكتبا لهما ثواباً حتى يصطلحا، فإن لم يصطلحا فلا تكتبا لهما ثواباً حتى يموتا). فلا صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج كل ذلك لا يكتب ثوابه للمتخاصمين. وبعض الناس يكون مخاصماً لأخيه أكثر من عشرين سنة، وقبل أن يذهب للحج يقول: أرفع سماعة التليفون وأرمي ذنوبي عليه. فنقول لهذا: ليس هناك أحد يرمي ذنوبه على الآخر، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]. ويقول سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34]، فيأمر الله عز وجل أن ادفع بالتي هي أحسن، والنتيجة: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] أي: صديق قريب يهتم بأمرك. وبعض الناس يقول: أنا أحاول مع خصمي ولا فائدة. نقول: أنت تحاول لكن ليس من قلبك، أنت تحاول من ظاهرك، ولو حاولت من قلبك لانقلب العدو إلى حبيب، والبعيد إلى قريب، والشانئ الكاره إلى محب راض عنك وترضى عنه. اللهم انزع الغل والحقد والحسد من قلوبنا، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا يا رب العالمين. إذاً: لابد أن يصلحوا ذات بينهم، وهذه أعظم وصية. وهناك أسباب تجعل الأخ يغضب ويحقد على أخيه، منها: أن بعض الآباء يحابون ولداً على ولد، فنقول: لا تحابوا أحداً على حساب أحد، إن كنت تحب ولداً أكثر من ولد محبة قلبية فلا تظهرها؛ من أجل ألا يحقد بعض الأولاد على بعض، وسئلت الأعرابية وكانت حصيفة لبيبة فطنة كيسة: من أحب أبنائك إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود. يعني: أنا أحب الولد الصغير أكثر حتى يكبر؛ لأنه ضعيف يحتاج إلى من يقف بجواره، ولذلك إذا جاءك ولد على كبر أو بنت على كبر وزوجت البنات الكبار أو الأولاد الكبار وأعطيتهم حرفة أو صنعة، فمن الواجب أن تحجز، للصغير مبلغاً يساوي ثمن تعليمه الحرفة حتى يستوي بإخوانه الذين سبقوه، مع مراعاة سعر العملة. إذاً: فالذي يجعل الإخوان يغيرون من بعض ويحقدون على بعض، ويقاطع بعضهم بعضاً، فهذا قد وقع في خطأ كبير، والأولاد قد لا يظهرون هذا الأمر أمامك حياء منك، أو خجلاً من أمهم، مع أن القلوب تشتغل في الداخل؛ ولذلك رأينا أن يوسف الصديق لما قال له رجل: إني أحبك، بكى، فقيل: ما لك يا يوسف، يقول لك: إني أحبك فتبكي؟ قال: وهل بلغني من السوء ما بلغني إلا بسبب الحب، أحبني أبي فألقاني إخوتي في الجب، وأحبتني امرأة العزيز فألقوني في غياهب السجن، كل هذا بسبب الحب. إننا بحديثنا هذا لم نخرج عن حديث الدار الآخرة؛ لأن من ضمن الذي ينجيك يوم القيامة أن تسوي بين أبنائك وبناتك، وإذا أحببت ولداً لطاعته وهدوئه ودماثة خلقه وبره فلا تظهر ذلك إلا من باب النصيحة، تقول: انظر إلى أخيك كيف يعمل إنه طائع بار محسن، ولا تزد على ذلك؛ لأن الأولاد الآن أصبحوا من العناد بمكان، فإذا أمرتهم بشيء فعلوا عكس الأمر الذي أمرتهم به. وسيدنا النعمان بن بشير لما ذهب به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا رسول الله إني نحلت ابني النعمان بستاناً، فقال صلى الله عليه وسلم: أكل أبنائك قد نحلت؟ -يعني: هل أعطيت كل واحد من أبنائك بستاناً؟ - قال له: لا، فقال: أشهد عليه غيري، أنا لا أشهد على جور أبداً). إذاً: لا تميز أحداً على أحد.

الوصية بطاعة الله ورسوله

الوصية بطاعة الله ورسوله أيضاً تتمة الوصية: (وأن يطيعوا الله ورسوله -إن كانوا مؤمنين- وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب، {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132])، هذه أعظم وصية. وانتبه أن تذهب وتنتمي لطريقة أو فرقة أو طائفة أو جمعية، بل أنت مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وهي طريقة واحدة وخط واحد: كتاب وسنة. اللهم اجعلنا من أهل الكتاب والسنة يا رب العالمين. قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة:133] فجمع أولاده حوله حين جاءه ملك الموت يقبض روحه، فقال لهم: {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133]؟ لم يقل: أريد أن أؤمن مستقبلهم بالأموال لا، بل أراد أن يطمئن على العقيدة، وسيدنا زكريا لما دعا ربه قال: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6] أي: يرث العقيدة والتوحيد والنبوة والاستقامة، وسيدنا زكريا لم يترك وراءه الأموال وإنما ترك التوحيد والنبوة. {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133]، فقال الأولاد: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:133]، فهذه هي وصية الأنبياء والرسل لأبنائهم. كذلك سيدنا عيسى لما شعر أن بني إسرائيل لن يرضوا بالإيمان قال الله عنه: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52] سبحان الله، فالحواريون أمنوا وأسلموا. وقال أتباع سيدنا موسى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:126]. وقال سيدنا يوسف في آخر القصة: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101] هذا الكلام يقال في آخر الحياة. وبلقيس ملكة سبأ لما جاءت إلى سليمان قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44]، ولم تقل: أسلمت لسليمان، لا، بل قالت: {أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} [النمل:44]، فلا واسطة بينك وبين الله. قيل: لـ علي بن أبي طالب: ما المسافة بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قل: يا رب، يقل: لبيك يا عبدي، أهذه المسافة قريبة أم أنها غير قريبة؟ وتطرق باب الله في أي وقت، وباب الله لا يغلق أبداً، اللهم! فتح لنا أبواب رحمتك، وأكرمنا ولا تهنا يا رب العالمين، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير.

الوصية بحضور الصالحين عند الاحتضار

الوصية بحضور الصالحين عند الاحتضار وقد أوصيت بما يأتي: (أن يحضرني بعض الصالحين قرب الوفاة؛ ليذكرني بحسن الظن بربي وبرجاء رحمته). يعني: إذا كنت في صحة فليكن الخوف أكثر من الرجاء، وأما إذا جاءك المرض وأحسست أن هذا مرض الموت فليكن الرجاء أكثر من الخوف. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو ينازع الروح فقال له: (بم تشعر؟ قال: أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي، قال: أبشر! فما اجتمعا في قلب عبد إلا وأدخله الله الجنة). قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] أي: يكون خائفاً من أمر الآخرة وما فيها، وفي نفس الوقت عنده رجاء وأمل في رحمة الله، ولذلك عندما دخل أبو موسى الأشعري على سيدنا عمر بعد أن طعنه أبو لؤلؤة أعطوه كأساً من لبن فنزل من جرحه مشوباً بالدم، فعرفوا أن الطعنة جاءت في جدار المعدة ففتحتها، وهذا دليل أنه اختلط بالدم، فبكى عمر وقال لابنه عبد الله: يا عبد الله ضع رأسي على الأرض، وكان سيدنا عبد الله قد جعل رأس أبيه في حجره، فلما قال له: يا بني ضع رأسي على الأرض، فوضع رأسه على الأرض من أجل أن تصدق فيه نبوءة الحبيب صلى الله عليه وسلم ويموت شهيداً رضي الله عنه، وكان يقول: يا ليتني كنت نسياً منسياً، ليت أم عمر لم تلد عمر، ثم قال: يا عبد الله بن عمر اذهب إلى عائشة، انظر إلى هؤلاء الذين يبحثون عن الآخرة، وبعد أن نشرح لكم ونوجز لكم أمر الوصية سنقف مع وصيتين: وصية أبي بكر الذي هو أعظم الناس وأفضل الخلق وأكرم الأمة بعد رسول الله، ولو وضع إيمانه في كفة وإيمان الأمة في كفة لرجح إيمان أبي بكر. وسننظر بم أوصى عند الموت؟ الوصية الثانية: وصية الحجاج بن يوسف الثقفي، سننظر بم أوصى عند الموت؟ وشتان ما بين الوصيتين. اللهم أكرمنا بحسن الختام يا رب العالمين. قال عمر: (يا عبد الله بن عمر اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: إن عمر بن الخطاب ولا تقل لها: أمير المؤمنين؛ فما عدت لكم بأمير. الإمارة انتهت، لا تقل لها: أمير المؤمنين؛ حتى لا تظن عائشة أنه يجب عليها طاعة أمير المؤمنين، وإنما لها الخيار في الأمر الذي ستخبر به. انظر يا أخي ماذا تقول هذه الشخصيات العظيمة، اللهم ألحقنا بهم يا رب، ولا تحرمنا رؤيتهم والمكث معهم ومجاورتهم في الجنة يا رب العالمين. وقل لها: إن عمر فيستأذنك أن يدفن بجوار صاحبيه. وصاحباه هما: سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبو بكر، يستأذن أم المؤمنين عائشة، وعائشة كانت تريد أن تدفن بجوارهما؛ لأن هذا أبوها وهذا زوجها. فلما جاء عبد الله بن عمر إليها وجدها تبكي، وقالت: والله ما من شجر ولا مدر ولا حجر حتى الدودة في باطن الصخرة إلا وقد حزنت لما حدث لأمير المؤمنين عمر، هذا كلام السيدة عائشة، فقال لها عبد الله بن عمر: إن عمر يستأذنك أن يدفن بجوار صاحبيه أتأذنين؟ قالت: كنت أردته لنفسي، ولأثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل عبد الله من عندها قال له: وافقت يا أمير المؤمنين، قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني، وقبل أن تدفنوني اذهب فاستأذن منها مرة أخرى، فربما استحيت وأنا على قيد الحياة، ولا تستحيي مني بعد موتي. يقول برنارد شو: كلما قرأت عن شخصية عمر بن الخطاب ظننت أنه أسطورة من أساطير القرون الوسطى. يعني: أنه شيء غير واقعي. إذاً: فأنت أيها المؤمن توصي أن يحضرك الصالحون؛ لأن عمر بكى وتوجس خيفة وقال: ويل لـ عمر إن لم يرحم رب عمر عمر، وبكى وأجهش بالبكاء، فبكى من حوله، فقال أبو موسى الأشعري له: يا أمير المؤمنين لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب). وسيدنا عمر قد سمع هذا الحديث من الرسول كما سمعه أبو موسى، ولكن الخوف غلب عليه، فلما سمع هذا الحديث من أبي موسى قال له: أعد علي يا أبا موسى، فقال له: (أول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه عمر) وقال له: أعد علي، فأعاد عليه ثانية، قال له: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفاضت روحه إلى ربه. فعند الموت يحضر الصالحون الذين يذكرونك بالآخرة ولا يذكرونك بالدنيا وبلائها. فكل الخلق سيموتون، وسيدفنون تحت الأرض: العظيم والحقير، الصغير والكبير، الغني والفقير، وليس هناك أحد يدفن فوق الأرض أبداً، بل كلهم تحت الأرض. يا ابن آدم القبر يناديك كل يوم ويقول: يا ابن آدم رويدك وأنت تسير فوق ظهري، كن شفوقاً علي حتى أكون شفيقاً بك بعد أن تموت، لا تدك الأرض بقوة، {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37]. وأول صفة من صفات عباد الرحمن كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63] اللهم اجعلنا منهم يا رب، يعني: الذين يمشون بتواضع وتذلل لله، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]. والموت يكون للبدن فهو الذي يتعفن ويتحلل، ولذلك نوسع القماش الذي نكفن فيه الميت؛ لأنه بعد أيام ينتفخ وينتفخ، وبعدما ينتفخ تأتي البكتيريا وتبتدئ الديدان فتأكل اللحم والشحم حتى لا يبقى إلا الهيكل العظمي، وبعد سنوات لو لمست الهيكل العظمي يذوب مثل الرماد. وأما الموت للروح فهو ترق، فالروح تنطلق في الملكوت عند رب الملكوت سبحانه، أي: روح المؤمن، فروح المؤمن في عليين، اللهم اجعلنا منهم يا رب، وهذا في كتاب مرقوم يشهده المقربون. وأما الروح الثانية والعياذ بالله فهي في سجين: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:8] وهي روح الكافر. إذاً: تعود كل نفس وروح من العالم الذي جاءت منه، فالبدن جاء من التربة فيعود إلى التربة، والروح تنطلق في هذا الكون، تنطلق إلى مكان لا يعلم به إلا الله عز وجل، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85]. فأنا عندما يحضرني الصالحون فإن سيذكرونني بالله وبرحمته، وسيكلمونني بالكلام الطيب، وسيلقنوني كلمة التوحيد، لكن لا تثقل على الذي ينازع الروح عند تلقينه كلمة التوحيد؛ لأن الذي يموت لا تعرف حالته ولا وضعه، فأنت تنظر إليه وهو أمامك، ولكن هو يرى ما لا ترى ويسمع ما لا تسمع، فهو مثل الطائرة عندما تقلع تبدأ تجري على الممر ثم بعد ذلك الطيار يقوم بفصل الأنوار ويوقف التكييف من أجل أن تستعد الطائرة للإقلاع، ويقول لك: اربط الحزام، وامتنع عن التدخين، فهذه اللحظة الحاسمة في انطلاق الطائرة، ومغادرتها للأرض، وأصعب اللحظات عند الطائرة حين تمر في ممر المطار، فالطائرة تستجمع كل القوى من أجل أن تغادر الأرض، فهكذا مغادرة الروح قريبة من هذا الأمر، فالميت الذي ينازع الروح يكون في حالة أنت لا تعرفها. وهذا إمام أهل السنة سيدنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه لما جاءه الموت وابنه بجواره كان يقول له: يا أبت قل كلمة التوحيد، قل: لا إله إلا الله، فكان يشير بيده أن لا، فخاف وارتعد، وبعدما أفاق من غشوته قال له: يا بني لا تثقل على الذي يموت، قال له: لماذا يا أبت؟ قال له: لقد شعرت بعطش شديد ورأيت كأنما إبليس جاء لي بكوب من الماء، يقول لي: أسقيك من هذا وتقول كلمة الكفر، فكنت أقول: والله لا أقولها أبداً. أما الإنسان المقيم على المعاصي فربنا يفتنه ساعة الموت والعياذ بالله، فيأتي الشيطان إليه في صورة أبيه أو أحد أقربائه الذين ماتوا قبله فيقول له: هل تعرفني؟ يقول له: نعم، فيقول له: أنا مت قبلك، فإن أردت أن تدخل الجنة فمت على دين النصارى أو مت على دين اليهود، فيتبعه والعياذ بالله، فهذا الذي يفتن عند الموت، اللهم لا تفتنا لا في الحياة ولا عند الموت، ولا في القبر ولا بعد القبر يا رب العالمين. فأنت يا مسلم أكثر من الطاعات من أجل أن يأتيك ملك الموت وأنت ثابت، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وأحاديث الدار الآخرة ليست من العقل، وإنما هي من الكتاب والسنة، ولا نستطيع أن نأتي بشيء من عندنا؛ لأن هذا شيء يخرج عن القياس، وإنما نقول: قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: لا تثقل علي المحتضر حين تلقنه لا إله إلا الله، لكن لو أن مجموعة من الصالحين كانوا عند المحتضر فقالوا لأحدهم: يا فلان ألا تقوم لترقي فلاناً، فيقول: يا جماعة أريد منكم قبل أن أرقيه أن توحدوا الله، فقال كل القاعدين حول الميت: لا إله إلا الله، فالمحتضر من ضمنهم سيقول: لا إله إلا الله، وينطق بشهادة التوحيد، فهذا من أجل أن تخرج هذه الكلمة من فمه فيلقى الله عليها، فيبعث في الموحدين يوم القيامة. والميت يحس لكنه لا يتكلم، أليس سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لما دفن قتلى المشركين في قليب بدر قال: (يا أهل مكة إني وجدت ما وعدني حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قال الصحابة: عجباً يا رسول الله أتخاطب جيفاً؟ فقال: والذ

الوصية بتجهيز الميت وتعجيل دفنه وغير ذلك

الوصية بتجهيز الميت وتعجيل دفنه وغير ذلك أيضاً الوصية بالتجهيز وتعجيل الدفن إلا لعذر، كأن ينتظروا من يرجى فيه الخير والصلاح للصلاة عليه، فأحياناً تجد من يوصي أن فلاناً يصلي عليه، ففي هذه الحالة يباح أن يتأخر بالجنازة قليلاً، لكن أن ننتظر ابنها الذي في الجزائر أو في الكويت أو في لندن من أجل أن يأتي بالطائرة غداً، لا، فهذا لا يصح، لكن إن كان في داخل القطار وسيأتي في عدة ساعات يسيرة فممكن، وغير كذا يكون إكرام الميت أن نعجل بدفنه. أن يمنع القيم عليه الورثة من إخوانه وامرأته وأبنائه من رفع الصوت بالنياحة والندب ولطم الخدود وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية، والدعاء بدعوى الجاهلية كان تقول المرأة: يا سبعي يا جملي، لمن تتركنا؟ هذا من دعوى الجاهلية، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية). يعني: خرج من الملة والعياذ بالله. وأيضاً المسارعة بقضاء ما علي من الدين، يوصي بذلك؛ لأن أهم شيء يخرج من التركة الدين، فلو كان على أبيك دين فسارع بقضائه؛ لأنه يظل محبوساً في قبره إلى أن يسدد عنه الدين. وأيضاً يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض، والمرأة في خمسة، الثلاثة الأثواب هي الأول: القميص يكون للميت إلى نصفه، والثاني: يكون من حقويه إلى تحت الرجلين، والثوب الثالث: نلف به الجسم كله. ويوصي بألا يكفن بثوب من حرير أو ثوب غال؛ لأن كثيراً من الناس يأتون بثوب غال جداً ويكفنون به الميت، وبعدما ينزل في القبر ينزل واحد بموس أو سكينة ويمزق الثوب؛ من أجل ألا يسرقه الذين ينبشون القبور، فمثل هذا الصنيع يغضب الميت، وحرام أن يدفن الميت في ثوب غالي الثمن. والحمد لله أن الناس قد عرفوا وفهموا وأدركوا هذه الحقيقة. ويوصي بمنع خروج النساء إلى المقابر مطلقاً سواء مع الجنازة أو في الأعياد أو في الجمع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) فأمك لو قالت لك: أريد أن أزور قبر أبيك حتى لا يغصب علي، فقل لها: لن يغضب عليك، وأنت لو قعدت في بيتك هذا خير، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا فاطمة أين كنت؟ قالت: كنت أعزي في بني فلان، فقال لها: لعلك بلغت معهم الكدى؟ قالت: لا يا أبت كيف وقد نهيت؟ قال: لو ذهبت معهم إلى الكدى لما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك). أيضاً يستحب السكوت عند تشييع الجنازة، فقد جاء في الحديث: (إن الله يحب الصمت عند ثلاثة: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة). فلم يقرءون القرآن عند الجنازة مع أنه يستحب الصمت عندها؟! وأيضاً يسرع بالجنازة، فقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه: إذا حملتم جنازتي فأسرعوا وعجلوا بها، فإن كان خيراً فقد قدمتموني إليه، وإن كان غير ذلك فشر تطرحونه من فوق أعناقكم. ولذلك الميت المؤمن إذا حمل على الأعناق يقول: أسرعوا أسرعوا، لو رأيتم ما أرى ورأيتم ما ينتظرني لأسرعتم بجنازتي، وأما الميت العاصي والكافر فيقول: يا ويلي يا ويلي علام تسرعون؟ لو رأيتم ما أرى لأبطأتم بجنازتي. كذلك جاء في الحديث: (ما من ميت يصلي عليه أربعون لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه يوم القيامة). وإذا كثر عدد المصلين على الميت كان دليلاً على أن الله سبحانه وتعالى يكرم هذا الميت. وأيضاً يوصي ويقول: من يضعني في قبري يقول: باسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الدفن يقف المشيعون عند قبري ساعة. وأما الناس الذين يجلسون على القبور فحرام فعلهم ذلك، لا تجلس على القبر؛ لأن تجلس على جمرة فتحرق ثوبك خير لك من أن تجلس على قبر ميت، والدولة مسئولة أمام الله عن ساكني القبور. وإذا رأيتم الرجل يأكل أو يشرب أو يتكلم في أمور الدنيا، أو يضحك عند القبور فاعلموا أنه مطموس البصيرة، بعيد عن رب العباد سبحانه. إذاً: يجلس المشيعون بعدما يدفن الميت ساعة، يستأنس الميت بهذا الجلوس والاستغفار والتثبيت عند السؤال.

الوصية بمنع كافة البدع في المآتم

الوصية بمنع كافة البدع في المآتم أيضاً يوصي بأن يمنع ما جرت به العادة من الإتيان بمن يقرأ القرآن أيام الميتم، أو كل ليلة جمعة، أو في الأربعين أو فيما يسمونه بالذكرى السنوية. والتعزية مشروعة إذا خلت من البدع والمحرمات، وينبغي إحضار أحد العلماء ليفقه الحاضرين في دين الله، وأما أن يؤتى بالمقرئين والمنشدين وغير ذلك من البدع فلا؛ لأن كل هذا شيء لم يرد لا في كتاب ولا في سنة، وإنما هذه بدع يجب أن تنتهي من البيوت، وكان الصحابة رضوان الله عليهم عندما يموت الميت يقفون عند القبر بعد دفنه، والناس الذين دفنوا يعزون أهل الميت يقولون: آجركم الله، البقاء لله، وليس هناك شيء اسمه: البقية في حياتك ولا غير ذلك من الكلام الباطل، وليس هناك أن صاحب الميت وأهله يقعدون في البيت ويلبسون السواد ويأتي الناس للتعزية، ليس هذا من الإسلام. أيضاً يمنع أهل البيت من صنع طعام يجمعون عليه الناس، بل المفروض أن يصنع الطعام لأهل الميت؛ لأنه جاءهم ما يشغلهم، فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم)، لكن النساء لما يحضرن للأسف الشديد في المآتم، هذه أخته وهذه ابنة عمه، وهذه ابنة خاله، وهذه ابنة أخيه، فتراهن يقعدن فيأتي الصبح ثم الظهر ثم العصر فيقوم أهل الميت بتقديم الأكل والقهوة والشاي وغير ذلك، وأهل الميت في حزنهم. أقول: لو رجعت إلى البيت ووجدت نساء في البيت جئن للعزاء فاطردهن والعهدة علي؛ لأن في هذا إبطالاً لبدعة من البدع، إن لم تطردهن أنت فمن الذي سيطردهن! وسيدنا عمر رضي الله عنه لما دخل في مأتم وجد نسوة جالسات بينهن واحدة تعدد مآثر الميت، فقال لـ عبد الرحمن بن عوف: اضربها يا ابن عوف إنها تأمر بالجزع والله قد نهى عنه، وتنهى عن الصبر والله قد أمر به، وإنها تسكب دموعها بدنانيركم. إذاً: لما تجد نساء في البيت اطردهن، سواءً كنّ من قرابتك أو من غير قرابتك، ليس هناك نساء يجلسن في البيت للعزاء؛ لأن اجتماعهن في المآتم شر.

الوصية بالثلث في وجوه البر

الوصية بالثلث في وجوه البر أيضاً الوصية بمبلغ من المال بحيث لا يزيد عن الثلث، يصرف على الفقراء، وكذلك يقول: وأوصيت أن تكون كتبي للمسجد الفلاني أو للمكتبة الفلانية، وجعلت النظر في هذا لمن يرأس أهل السنة في هذه الجهة، الذي هو الإمام أو الشيخ القادر على ذلك، وبالجملة فإني أبرأ إلى الله عز وجل من كل فعل أو قول يخالف الشرع الشريف، ومن أخل بتنفيذ هذه الوصية أو بدلها أو خالف الشرع في شيء ذكر أو لم يذكر فعليه وزره، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:181]. تحررت الوصية في يوم كذا، في سنة كذا هجرية وميلادية، والموصي فلان، والشهود فلان وفلان.

قصيدة شعرية في الوصية

قصيدة شعرية في الوصية قمت منذ سنوات وترجمت هذا الكلام في أبيات من الشعر، ولعلها حين تطبع وتوزع عليكم ستجدونها إن شاء الله، يقول القائل: وإذا أتاني الموت تلك وصيتي بالله لا تبغوا لها تبديلا أرجو حضور الصالحين فإنهم يرجون يوماً للحساب ثقيلا يستغفرون لي الإله لعلني يوم الوداع أفوتكم مقبولا وشهادة التوحيد دوماً لقنوا فقد اطمئن بها الفؤاد طويلا بصري يغمض تلك روحي قد سمت فادعوا إلهاً غافراً مأمولا الآن غطوني بثوب آخر وسلوا الإله اللطف والتسهيلا دفني يعجل لا تخلوا جيفتي من بينكم روحي تروم طويلا لا تلطموا، لا تصرخوا، لا تكفروا سأكون عن أخطائكم مسئولا وقضاء ديني فاحذروا إهماله مما تركت فقد أردت قبولا أثواب تكفيني تكون ثلاثة بيضاً وهذي فضلت تفضيلا ودعوا الحرير فإن ذاك محرم ولم الغلو فلن يدوم طويلا وأيا نساء محارمي وقرابتي أجبن ربكمُ أطعن رسولا بالبيت قرن لا تزرن مقابراً لا تلتمسن لقوله تأويلا صلوا علي ثم اكشفوا نعشي وأحيوا سنة وتبتلوا لإلهكم تبتيلا وإذا خرجتم تتبعون جنازتي فالصمت حينئذ يكون جميلا ولتسرعوا بجنازتي يا إخوتي رب العباد غداً لنا مأمولا باسم الإله كذا على دين الرسول ضموا الرفات ولا أريد عويلا استغفروا لأخيكمُ وكذا اطلبوا تثبيته فعسى يحوز قبولا مالي يقسم قسمة شرعية يا وارثي فنفذوا ما قيلا والثلث للفقراء قدر جائز إن تفعلوا كان الثواب جميلا يا من أخذتم للسرادق محفلاً من أجلكم كان العذاب وبيلا وكذا الولائم فاتركوها واجعلوا حبل الصلاة بربكم موصولا وبرئت من شر ابتداع يبتغى عن سنة لا تبتغوا تحويلا. هذه هي الوصية.

ذكر وصية أبي بكر الصديق ووصية الحجاج بن يوسف والمقارنة بينهما

ذكر وصية أبي بكر الصديق ووصية الحجاج بن يوسف والمقارنة بينهما تعال الآن ننظر في وصيتين: وصية سيدنا أبي بكر، ووصية الحجاج بن يوسف، ونقارن بين كلام هذا وكلام هذا. لما شعر أبو بكر بدنو الأجل قالوا له: يا أبا بكر أفلا نطلب لك الطبيب؟ قال: قد جاء، قالوا: وماذا قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد. ثم قال: نادوا عمر بن الخطاب، وبعد ذلك كتب: هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة ولم يكتب هذا ما أوصى به أبو بكر الصديق ولا سيادة اللواء فلان أو المستشار فلان أو الدكتور فلان، لا، هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة. وهذا أبو الحسن الشاذلي رحمه الله لما مات ورآه تلميذه في الرؤيا قال له: ماذا صنع الله بك؟ قال له: راحت تلك الإشارات، وضاعت تلك العبارات، وتاهت هذه الألقاب، وما نفعنا إلا ركيعات صليناها في جوف الليل والناس نيام. فسيدنا أبو بكر قال: هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وفي أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، أني أولي من بعدي فأخذته لحظة من الغيبوبة، والذي كان يكتب هو عثمان بن عفان، ولو كان غير عثمان لكتبها لنفسه، لكنه كتب عمر بن الخطاب، فرجع إلى أبي بكر عقله وفاق من غيبوته فقال: رد علي ما كتبت يا عثمان، قال عثمان: كتبت: إني أولي عليكم من بعدي عمر بن الخطاب قال أبو بكر: عجباً أوحي بعد رسول الله؟! فكان عمر هو الذي أراد أبو بكر أن يوليه الخلافة من بعده، وبعد أن كتب عثمان الوصية أمره أبو بكر أن يخرج إلى المسجد ويقرأ على المسلمين وصية أبي بكر، فقرأ عثمان على المسلمين ما أملاه عليه أبو بكر، فأقام بعض الناس ببلبلة وقالوا: إن عمر كان عنيداً علينا والرسول صلى الله عليه وسلم بيننا، وكان عنيداً علينا وأبو بكر بيننا، فما بالك لو صار الأمر إليه. ماذا سيعمل بنا؟! فدخل عثمان ونقل رأي الشعب للخليفة، وأنهم معترضون، فقال سيدنا أبو بكر: أجلسوني، فلما جلس قال: أتخوفونني بالله؟ إن سألني الله يوم القيامة وقال لي: يا أبا بكر من تركت على عيالي؟ أقول: يا رب، تركت على أهلك خير أهلك، تركت عليهم من قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عش حميداً، والبس جديداً، ومت شهيداً)، وقال فيه: (أول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب) وقال فيه: (لو كان بعدي نبي لكان عمر)، وقال: (الحق بعدي ما كان عليه عمر)، وقال فيه: (ما رآك الشيطان سالكاً في طريق يا عمر إلا وسلك طريقاً آخر). كل هذا ولا تريدون أن أجعل الخلافة لـ عمر بن الخطاب! فاقتنع الحاضرون بغير قهر. ثم قال: يا عمر، إن لله حقاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله حقاً بالنهار لا يقبله في الليل، وإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقل عليهم ذلك، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخف عليهم ذلك، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف يوم القيامة، ثم قال: ألم تر يا ابن الخطاب أن الله أنزل آية الرجاء عند آية الشدة، وآية الشدة عند آية الرجاء؛ لكي يكون العبد راغباً راهباً يلقي بيده إلى التهلكة، ولا يتمنى على الله غير الحق، فإن أنت حفظت وصيتي، فلا يكونن غائب عليك أحب من الموت، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت. ثم ننتقل إلى الحجاج، لقد مات في سجن الحجاج (90000) مسلم، وقتل (14000) مسلم بدون جريرة، وتعال إلى حالة الحجاج عند موته؛ من أجل أن تتعظ إن كنت تريد أن تموت مثل موت أبي بكر الصديق أو مثل موت الحجاج والعياذ بالله ولا أحد يريد أن يكون هكذا. نظر الحجاج إلى السماء عند موته وقال: إن ذنبي وزن السماوات والأرض وظني بربي أن يحابي فلئن منّ بالرضا فهو ظني ولأن مر بالكتاب عذابي لم يكن منه ذاك ظلماً وبغياً وهل يهضم رب يرجى لحسن الثواب؟ وكتب آخر كلام له للوليد بن عبد الملك يقول له: قد كنت أرعى غنمك، وأحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه، فجاء الأسد -قصده بالأسد ملك الموت- فبطش بالراعي ومزق المرعى، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر، وأرجو أن يكون الجبار أراد بعبده غفراناً لخطاياه، وتكفيراً لما حمل من ذنوبه. إذا ما لقيت الله عني راضياً فإن شفاء النفس مما هنالك فحسبي بقاء الله من كل ميت وحسبي حياة الله من كل هالك لقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا ونحن نذوق الموت من بعد ذلك فإن مت فاذكرني بذكر محبب فقد كان جماً في رضاك مسالكي وإلا ففي دبر الصلاة بدعوة يلقى بها المسجون في نار مالك عليك سلام الله حياً وميتاً ومن بعدما تحيا عتيقاً لمالك ودخل عليه يعلى بن منذر المجاشعي قال: يا حجاج كيف حالك؟! قال: غماً شديداً، وجهداً جهيداً، وألماً مضيضاً، ونزعاً جريباً، وسفراً طويلاً، وزاداً قليلاً، فويلي إن لم يرحمني الجبار، قال يعلى: يا حجاج! إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء، أشهد أنك قرين فرعون وهامان؛ لسوء سيرتك، وترك ملتك، وتنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين، قتلت صالحي الناس فأفنيتهم، وأطعت المخلوق في معصية الخالق، وأرقت الدماء، وضربت الأبشار، وهتكت الأستار، وسست سياسة متكبر جبار، لا الدين أبقيت، ولا الدنيا أدركت، أعززت بني مروان، وأذللت نفسك، وعمرت دورهم، وأخربت دارك، فاليوم لا ينجونك ولا يغيثونك إن لم يكن في هذا اليوم ولا ما بعده، لقد كنت لهذه الأمة هماً وغماً، وعياء وبلاء، فالحمد لله الذي أراحها بموتك، وأعطاها مناها بخزيك، وخرجت روح الحجاج. يا إخواننا، هذه طريق الصالحين طريق أبي بكر، وهذه طريق المتجبرين؛ طريق الحجاج. نسأل الله أن يجعل طريقنا طريق الصالحين. اللهم أحسن لنا خاتمتنا في الأمور كلها. اللهم توفنا على الإسلام. اللهم ألحقنا بالصالحين، وارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وسامحنا وتقبل منا. اللهم أحينا إن كانت الحياة خيراً لنا، وأمتنا إن كان الموت خيراً لنا. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. وجزاكم الله خيراً، وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_موجبات عذاب القبر

سلسلة الدار الآخرة_موجبات عذاب القبر عذاب القبر من أشد ما يقع فيه المذنب، فهي أوقات عصيبة، ولحظات مخيفة، وأهوال ومصاعب، وكروب ومصائب، لا ينجو من آلامه إلا من عمل عملاً صائباً، وكان دائم الأوبة وإلى ربه تائباً. لعذاب القبر مسببات تقود صاحبها لتوقعه فيه، ذكرها الله في كتابه وبينها الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته، فالفائز من تجنبها، والخائب من وقع فيها.

رحلة الإنسان إلى قبره

رحلة الإنسان إلى قبره الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده. وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل: هي الحلقة الرابعة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وهي الحلقة التي تخص الأسباب الموجبة لعذاب القبر، والأسباب المنجية من عذاب القبر. فاللهم نجنا من عذاب القبر يا رب العالمين! واجعل هذه الجلسات خالصة لوجهك الكريم. اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا. اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله. واجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: تحدثنا في الحلقة السابقة عن الوصية التي يجب أن يكتبها المسلم، وقلنا: إن من لم يكتب وصيته قبل أن يموت فلن يؤذن له بالحديث مع أهل القبور، ومن لم يكتب وصيته قبل أن يموت فسيحاول أن يكلم الناس يوم القيامة ولن يكلموه؛ لأن الملائكة سوف تخبر الناس أن هذا قد مات ولم يكتب وصيته. إذاً فكتابة الوصية أمر بمنتهى الأهمية، وكتابة الوصية أمر يجب ألّا يغفله المسلم، ويستوي في هذا من عنده مال ومن ليس عنده مال، فهي وصية لا تخص المال في كثير الأمر ولا قليله، ولكن الوصية تخص كيفية الغسل، والبراءة من أي شيء يقال في الشرع الحكيم في قليل الأمر أو كثيره: من مسألة الدفن، واستقدام من يأتي ليقرأ على الميت سواء على القبر أو في البيت، أو الكلام الفارغ من المسلمين، وما زالت قلة الأدب سارية بني المسلمين في بدع الجنائز، من ذبح أمام النعش، إلى المغالاة في الكفن، والإتيان ببعض الناس من أجل قراءة ختمة أو ما يسمى بالعتاقة، كل هذه بدع لم يأذن الله بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أن مسألة دواوين العزاء، والمقرئين المحترفين الذين ليس لهم عمل إلا أنهم يبتزوا أموال الناس تحت عنوان قراءة القرآن، وكل واحد يظن أن هذا القرآن يصل إلى الميت، وهذا غير صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) وتجد مثل هذه المناسبات للأسف الشديد في المساجد، وفيها من المنكرات ومن البدع ومن السرقات والبلايا ما يغضب الله عز وجل، وما لا يستطيع الإنسان حصره تحت بند واحد أو عدة بنود، ولكنها عناوين كثيرة للبدع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا وعليكم، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل. وكما قال لنا أهل العلم: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة، يعني: إذا عملت السنة في أضيق الحدود أحسن لك من أن تجتهد في أمر بدعي؛ فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والعياذ بالله رب العالمين، وأهل البدع كلاب جهنم، يعني: كل مبتدع في الدنيا ويؤلف في الدين على ما يريد، فإنه يأتي ينبح على أهل النار في النار والعياذ بالله، فأنصح نفسي وأنصحكم بالبعد عن البدع جعلنا الله وإياكم من المحاربين للبدع، ولأهل البدع، ومن القائمين على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. فيأتي ملك الموت لقبض روح العبد، فيصبح الواحد منا -بعد أن كان في عداد الأحياء- صار في عداد الأموات، فيتحلل البدن ويعود إلى ما جاء منه وهي الأرض، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]، إذاً الرجوع مرة أخرى يكون إلى الأرض التي خلقنا أو كوِّنا أو أنشئنا منها. فأول ما يدخل العبد القبر إذا كان -والعياذ بالله- عاصٍ، فإن القبر يقول له: (لقد كنت فرحاً وأنت على ظهري، فسوف تصير اليوم حزيناً وأنت في بطني، كم أكلت وأنت على ظهري من الألوان) أي: ألوان الطعام والشراب، (فاليوم يأكلك الدود في وأنت في بطني، لقد كنت تسير على ظهري -في الدنيا- وأنت أبغض عباد الله إلي، فاليوم ترى صنيعي بك)، ويضمه القبر ضمة تختلف فيها أضلاعه والعياذ بالله. وإذا كان العبد صالحاً فإن القبر يقول له: (يا عبد الله! لقد كنت أحب عباد الله إلي وأنت على ظهري، فسوف ترى صنيعي بك، فينفتح له القبر مد البصر، فيرى مقعده من الجنة) اللهم اجعلنا منهم يا رب العباد، واختم لنا بخير، آمين يا رب العالمين، ولا تجعل الدنيا ولا الشيطان ولا الأولاد يلهونا عن عبادتك يا رب العالمين. فعندما ينتزع ملك الموت الروح، ويحملك أهلك على الأكتاف، هنا انتهت المسألة كلها، فإن كنت في الدنيا تعادي وتحارب وترفع قضايا، تختلس وتناقض وتكذب وتنحرف، فقد جاءك من لا مهرب منه ولا انفكاك. وهنا يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24]، يا ليت الدنيا ما غرتني، ولا الأولاد، ولا الزوجة التي كانت تكلفني فوق الطاقة، ولا أخي وأختي وخالي وعمي الذين قاطعتهم من أجل الشيطان الذي غرني وقطعني عن أهلي وعن أحبابي، وعن أقاربي وعن إخواني، وعن كل من أمرني ربي أن أصله. وقد يضيق صدرك بأمور شتى: أمور العيال، وقلة ذات اليد، وغيرها من الهموم، وما من هم أنزلته بالله إلا وزال؛ لأنك أنزلته بمن يقول للشيء كن فيكون، وإذا أنزلت الهم بالناس ما زادك الناس إلا غماً وهماً. لكن إن أنزلت الأمر بالله زال، قل: اللهم اشرح لي صدري، رب يسر لي أمري، رب وفقني، رب أذهب عني بلايا الدنيا وابتلاءاتها، فربنا أقرب إليك من حبل الوريد، ولعلكم تذكرون شوقي أمير الشعراء لما كان يخاطب الذين يرفعون الأثقال فيقول: إن الذي خلق الحديد وبأسه جعل الحديد لساعديك ذليلا زحزحته فتخاذلت أجلاده وطرحته أرضاً فصل صليلا لمَ لا يلين لك الحديد ولم تزل تتلو عليه وتقرأ التنزيلا؟ قل لي نصير وأنت بر صادق أحملت إنساناً عليك ثقيلا أحملت ديناً في حياتك مرة أحملت يوماً في الضلوع غليلا؟ أحملت في النادي الغبي إذا التقى من مادحيه الحمد والتبجيلا أحملت مناً بالنهار مكرراً والليل من مُسدٍ إليك جميلا تلك الحياة وهذه أثقالها وُزِنَ الحديد بها فعاد ضئيلا فكل هموم الحياة عندما يوزن الحديد بها فإن الحديد يصبح خفيفاً، وما أثقل صحبة الثقلاء! وصحبة البعيدين عن رحمة الله عز وجل، ولذلك المؤمن عندما تصاحبه فإنه كالنحلة، إن أكل أكل طيباً، وإن أطعم أطعم طيباً، وإن وقف على عود لا يخدشه ولا يكسره. مات منصور بن عبد الله، وهو أحد تابعي التابعين وهو رجل صالح، فرآه ابنه في المنام، فقال له: أبت ماذا صنع الله بك؟ قال: يا بني! سألني: يا منصور! بم جئت؟ يا رب جئتك بست وثلاثين حجة، قال: ما قبلت واحدة منها، ثم قال له: بم جئتني يا منصور؟! قال: جئتك بثلاثة آلاف وستين ختمة، قال: ما قبلت واحدة منها. ثم قال له: يا منصور! بم جئتني؟ قال: يا رب! جئتك بك، قال: لقد جئتني فغفرت لك. لا إله إلا أنت صاحب الفضل، إن قبل فتكرماً، وإن رد فعدلاً؛ لأن ربنا لو تكرم علينا وغفر لنا فإن ذلك بكرمه، يا كريم! أكرمنا يا رب العباد! وسيدنا عطاء بن أبي رباح لما أفاض من عرفات أخذته سنة عند المشعر الحرام قبل الفجر، فرأى في المنام ملكين يقول أحدهما للآخر: كم حج البيت هذا العام؟ أي: كم عدد الحجاج؟ فقال له: ستمائة ألف، قال له: وكم قبل ربنا منهم؟ قال له: ما قبل إلا من ستة، فقام سيدنا عطاء مرعوباً، ونحن للأسف الشديد لو أحدنا رأى الرؤيا هذه فإنه يمني نفسه ويقول: أنا من الستة، والصالح من اتهم نفسه، فما يزال الرجل يتعلم ويتعلم، فإن ظن أنه علم فقد بدأ يجهل. فقام سيدنا عطاء مرعوباً من الرؤيا فقال لمن حوله من الناس، وكان حوله كثير من الناس: ألحوا على الله بالدعاء في أيام الحج، اجئروا إلى الله بالدعاء. وفي آخر يوم في منى أخذته سنة من النوم، فلقي نفس الملكين وكان أحدهما يقول للآخر: كم حج البيت هذا العام؟ فقال له: ستمائة ألف، قال له: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل الله إلا ستة، قال له: لكن هذا قليل! قال: لكن ربنا الكريم أعطى مع كل واحد من الستة مائة ألف. والسماء لم تبك على الكافر الفاجر المجرم، ولن يدخل الجنة {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40]، فلو أن الجمل دخل في خرم الإبرة فإن الكافر حينئذ سيدخل الجنة، والقضية أن الجمل لن يدخل في ثقب الإبرة إذاً فلن يدخل الكافر الجنة. إذاً فالذنوب نوعان: نوع ستحاسب عليه في القبر، ونوع ستحاسب عليه أمام الله يوم القيامة، فإما أن يعفو الله عنك تكرماً وتعطفاً ومنة وفضلاً منه، وإما أن يأخذك بجريرتك فيحاسب على صغير الأمر وكبيره. فالصحابي الذي استشهد في إحدى الغزوات كان الصحابة يقولون له: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله! وكان أحد خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لو ترون ما أرى لرأيتم قبره وقد اشتعل عليه ناراً، فقالوا: لماذا يا رسول؟! قال: من أجل شملة قد غلها بدون وجه حق) يعني: وهو يحارب، وبعدما انتصر المسلمون أخذ شملة -مع أن الجندي له جزء من الغنائم- لكن أخذه بدون إذن القائد أو الموزع، أو بدون إذن حبيب الله صلى الله عليه وسلم، فلما غل الشملة بدون وجه حق اشتعل القبر عليه ناراً. قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]، والغُل هو الطوق الذي يوضع في الرقبة والغُل غير الغِل، فالغِل هو الحقد أو الفوران النفسي نتيجة الغضب، وهذا غير الغ

أسباب عذاب القبر

أسباب عذاب القبر

التثاقل عن الصلاة المكتوبة

التثاقل عن الصلاة المكتوبة أول سبب من أسباب عذاب القبر: التثاقل عن الصلاة المكتوبة، وبالذات صلاة الصبح، وعقاب مثل هذا في القبر -والعياذ بالله- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن الملائكة تأتي بإنسان وتضرب رأسه بالحجارة، فيتفتت الرأس، ويتقسم أجزاء ويتكسر، فيجمع الله رأسه مرة أخرى، فيفعلون به كما فعلوا في المرة الأولى، ويظل هكذا إلى قيام الساعة، فهذا عقاب المسلم الذي يدعي الإسلام، ولكن عندما يسمع الأذان يتثاقل قليلاً، فبينما هو في هذا الضلال إذ مات وهو على هذا الضلال، فيبعث يوم القيامة وهو على هذه الحال، هذا جزاء من يؤخر الصلاة فقط، وليس معناه أنه لا يصلي. قال صلى الله عليه وسلم وهو يصف المنافقين: (يقعد أحدهم حتى توشك الشمس أن تسقط فيقوم ليصلي) صلاة العصر، أي: أنه يؤخر الصلاة إلى أن تكاد الشمس تغرب. والصلاة في أول الوقت رضوان، وفي أوسطه رحمة، وفي آخره مغفرة، وهذا يدل على أن الصلاة في آخر الوقت هي ذنب يحتاج للمغفرة، وللأسف أن المسلمين يقولون: إن العشاء وقتها ممدود، وهذا خطأ، فإن صلاة الوتر هي التي وقتها ممدود، فيجب علي أن أصلي العشاء في وقتها وأما الوتر فتأخيره لا بأس به. إذاً التثاقل عن الصلاة المكتوبة من موجبات عذاب القبر، وما أجمل أن يقوم الإنسان إلى صلاة الصبح -أي: صلاة الفجر- فيوقظ زوجته للصلاة، فإن لم تستجب له يقوم بسكب ماء على وجهها. فقد جاء في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (رحم الله رجلاً أيقظ زوجته لصلاة الفجر -أو الصبح-، فن لم تستيقظ نضح في وجهها الماء البارد، ورحم الله امرأة أيقظت زوجها لصلاة الصبح، فإن لم يستيقظ نضحت في وجهه الماء البارد فاستيقظ).

الكذب

الكذب السبب الثاني: الكذب، وأنا -والله أعلم- أستطيع أن أقول أن ثمانية وتسعين بالمائة من المسلمين كذابون، وليس في الإسلام ما يسمى بالكذبة البيضاء، فهذه كلها مسميات باطلة، وهناك من يطلق بعض التسميات على الأشياء المحرمة، فمنهم من يقول: إن هناك كذبة بيضاء، وأخرى سوداء وكلاهما كذب محرم، ويطلقون على الخمر المحرم مشروبات روحية، ويطلق على الخلاعة وقلة الأدب والرقص والباليه الذي تكون البنت فيه عريانة كما ولدتها أمها، ولا يستر إلا شيء يسير من الجسم، يطلق عليه فن، وهذا كله من أبطل الباطل، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا وقال: (سوف يأتي زمان على أمتي يسمون الحرام بغير اسمها). فيقومون بتغيير المسميات فيسمون الربا فوائد واستثمار وأرباح، وفي الحقيقة هي خسائر ومصائب. ولا يباح الكذب إلا في مواطن حددها الشرع الشريف. فالكذب يباح في الإصلاح بين المتخاصمين، والكذب في الحرب، وكذب الرجل على زوجته ليصلح من شأنها، وهذا كله ليس بكذب. وكان الكذب مذموماً عند السلف وإن كان كذباً على الحيوان، فقد روي عن أحد المحدثين أنه ذهب إلى محدث آخر يريد أن يأخذ الحديث عنه، فوجده يشير إلى ناقته بجمرة فيوهمها أن في حجره طعاماً حتى تتبعه، فسأله قائلاً: أفي حجرك شيء؟ قال: لا، فقال: إن كنت ستكذب على الناقة فلن تستحي أن تكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفض أن يأخذ الحديث عنه. والكذب نجده منتشراً بكثرة في هذه الأيام سواء في الأسرة بأن تكذب الأم على أبنائها، أو على مستوى المجتمع، فإن المسلسلات كلها مبنية على الكذب، وما يحدث فيها من زواج وعقد وغيرها وهذه من الثلاث التي جدهن جد وهزلهن جد، وسيحاسب من يقومون بهذا يوم القيامة على هذه الكذبات. إذاً: ثاني سبب من موجبات عذاب القبر: الكذب بكل أشكاله.

أكل الربا

أكل الربا السبب الثالث: أكل الربا، وهذا من موجبات العذاب في القبر ويوم القيامة، وقد رأى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم رجالاً يسبحون في أنهار الدم، فقال: (من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا)، وقد جاء في حديث آخر: (درهم واحد أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) وإذا كان المجتمع بأكمله يقوم على نظام الربا، فما هو الحل؟! نسأل الله الرحمة. وقال عليه الصلاة والسلام: (سوف يأتي زمان على أمتي من لم يتعامل منهم بالربا أصابه غباره)، أي: شيء من آثاره، فمرتبك -على سبيل المثل- داخل فيه جزء من ضريبة الملاهي وضريبة الخمور، وهذا كله من الربا. ولن أخوض كثيراً في الحديث عن الربا؛ لأن الحديث عنه يدمي قلبي، ولكن ندعو الله سبحانه أن يتوب علينا وعليكم من الربا صغيره وكبيره، قليله وكثيره.

من تظهر شعرها للأجنبي

من تظهر شعرها للأجنبي من موجبات عذاب القبر: من ترى شعرها أجنبياً، والأجنبي كل من يحل له أن يتزوج بها، حتى وإن كانت متزوجة، بمعنى: أن ابن عمها وابن خالها وابن خالتها وجارها وابن جارها وصاحب البيت والبواب والسواق والطباخ وموظف الكهرباء والزبال، كل هؤلاء لا يحل للمرأة أن تظهر لهم شعرها، فإذا أظهرت لهم شعرها عذبت في القبر ثم علقت في جهنم من شعرها يوم القيامة، وهذا كذلك ذنب من الذنوب التي توجب العذاب، نسأل الله أن يتوب على كل العرايا في مصر وفي غير مصر من دول الإسلام، ونسأل الله أن يرحمنا من غضبه، وأن يرسل علينا رحمته وهدايته لنا ولنسائنا وبناتنا، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير. والكارثة أن الغيره تجدها عند الحيوانات، بينما تنعدم في بعض الناس، وهذا غير مقبول. وهذه المرأة تستحق العذاب في القبر إذا كان شعرها مكشوفاً فمن باب أولى من كانت عارية والعياذ بالله.

كنز الذهب والفضة

كنز الذهب والفضة ومن الموجبات لعذاب القبر: كنز الذهب والفضة، والذي لا يؤدي زكاة ماله، والذي لا يراعي حق ربنا في الزكاة، وعقاباً أن يأتيه ثعبان أخبر الحبيب عنه فقال: (ثعبان أقرع له زبيبة) فيعذبه على عدم إخراجه للزكاة. وأخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام عما يوجب العذاب فقال: (يا معشر النساء أكثرن من الصدقة؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: ولم يا رسول الله؟ قال: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير)، فالتي تؤذي زوجها بلسانها تتعرض للسخط الإلهي. وقد جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من باتت وزوجها غضبان عليها باتت الملائكة تلعنها حتى تصبح أو حتى تنزع) أي: حتى تسترضيه، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، ونساؤكم من أهل الجنة: الولود الودود، التي إن غضبت من زوجها أو غضب منها زوجها دخلت عليه حجرته وصافحته وقالت: لن أذوق غمضاً حتى ترضى عني، هي في الجنة، هي في الجنة، هي في الجنة). وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يوصي النساء من أهل بيته فيقول لإحداهن: يا بنيتي هذا جنتك أو نارك، إن أطعتيه ستدخلي الجنة -أي: في طاعة الله-، وإن عصيتيه ستدخلي جهنم، إلى درجة أنه وصل الأمر أن يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من طلب زوجته -لحقه الشرعي- وهي على قتب -أي: فوق ظهر جمل- فمنعت نفسها منه باتت الملائكة تلعنها)، وويل لمن تلعنه الملائكة، فيجب على المرأة أن تتجنب إيذاء زوجها بلسانها، وإن تقدر ظروف حياته ولا تحمله فوق طاقته. وقد تحمِّل المرأة الزوج فوق الطاقة سواءً المادية أو المعنوية، وهذا مثله مثل القتل فإنه نوعان: قتل مادي وقتل معنوي، فالقتل المادي: أن يُضرب واحد بحديدة فيقتل، أو يدوسه بسيارة، أو يضربه بمسدس. وأما ثاني نوعي القتل: أن أدخل الاكتئاب والحزن على مسلم أو مسلمة من المسلمين حتى يموت كمداً، بمعنى: الإساءة، فهناك أشخاص ليلاً ونهاراً وهم تحت رقابة أهاليهم حتى يموت كمداً، وهذا يحاسب على أنه قاتل يوم القيامة، ومثله مثل الموظف الذي يعاند موظفاً مسكيناً، فيضغط عليه إلى أن يخرجه من العمل. إذاً من أنوع وأسباب موجبات عذاب القبر -والعياذ بالله-: من تؤذي جيرانها بلسانها، وتحمل زوجها فوق طاقته، وتؤذي زوجها أيضاً بلسانها، ولنسائنا في الصحابيات أسوة حسنة، فإن الواحدة منهن تقول لزوجها بالليل: ألك حاجة؟ يقول: جزاك الله خيراً! تقول: أتدعني أصلي لربي الليلة؟ فتستأذنه أن تتنفل وتتهجد لله. ويجب على الزوجة من أجل أن تصوم الإثنين أو الخميس أن تستأذن من الزوج، فإنه يوجد أزواج يتضررون من صيام زوجاتهم الإثنين والخميس.

أكل مال اليتيم

أكل مال اليتيم ومن الأسباب الموجبة لعذاب القبر: أكل مال اليتيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)، وما قصص القتل التي نسمعها: أن الولد قتل خاله أو قتل عمه الذي كان كفيلاً له ووصياً عليه بعد موت أبيه إلا دليل على أن الوصي هذا أساء إلى اليتيم، ولن يقتل اليتيم كافله إلا بسبب معاناة شديدة عاناها معه. والمرأة التي تترمل على أبنائها الأيتام وترفض الزواج مع أن هذا من حقها، أجرها كبير، فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من يفتح له باب الجنة، فإن رضوان يقول: لم يؤذن لي أن أفتح لأحد قبل رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: (فأجد امرأة تريد أن تسبقني، فأسألها: يا أمة الله؟! فتقول: إنها امرأة مات زوجها وترك لها يتامى فقعدت عليهم) فيدخلها الرسول معه. ولا يصح للإنسان أن يأكل شيئاً من أموال الورثة الأيتام، فقد كان سيدنا عمر قاعداً عند صحابي يحتضر، فعندما فاضت روحه قام سيدنا عمر فأطفأ النور، فقال له: يا أمير المؤمنين! لم ذاك؟ قال: صار للورثة حق في هذا الزيت، أتريدون أن تطعمونا ناراً يوم القيامة؟ فأقارب الميت الذين يجلسون بحجة أنهم يواسون زوجة الميت فيأكلون ويشربون من أموال اليتامى، فهم لا يأكلون إلا النار، وسيعذبون بذلك في القبر ويوم القيامة. فأكل مال اليتيم -والعياذ بالله رب العالمين- من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، فليتق الله ربه من كفل يتيماً من الأيتام، وليتق الله ربه من كان في رقبته أيتام يتولى الإنفاق عليهم، قال تعالى لأمثال هؤلاء: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6].

قطع الطريق

قطع الطريق ومن موجبات عذاب القبر وعذاب جهنم يوم القيامة: قطع الطريق، وقاطع الطريق هو الذي يقطع على الناس الطريق في الليل أو في غيره، ولا بد من إقامة الحد على أمثال هؤلاء، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لحد واحد يقام في الأرض خير لأمتي من مطر سبعين عاماً)، وحد وجزاء قاطع الطريق أن تقطع يده ورجله من خلاف -يعني: ذراعه اليمين مع رجله الشمال- أو يصلب، أو ينفى من الأرض، وهذا عقاب قاطع الطريق والذي يطلق عليه حد الحرابة، وقس عليه مروِّج المخدرات الذي يجلب أنواع المخدرات، فكل هؤلاء يجب أن يطبق عليهم حد الحرابة؛ لأن هؤلاء من المفسدين في الأرض. والغريب ألا تقوم السلطات بإقامة الحد على أمثالهم، وإنما يقومون بإدخاله السجن، فيكتسب فترة دخوله السجن مهارات أخرى من فنون السرقة وقطع الطريق.

خطباء الفتنة

خطباء الفتنة ومن موجبات عذاب القبر: خطباء الفتنة الذين يثيرون النعرات القبلية، ويألبون الناس ضد بعضهم، الخطباء المروجون لكل شر، فخلقوا النزاعات بين الناس، وأصبحنا كأننا في عالم الغابة مرة أخرى، وقد كان الصحابي يضع التمرة في فم أخيه فيجد حلاوتها في فمه. وكل هذه الأعمال التي يقوم بها بعض الخطباء لن تنفعهم يوم القيامة، ولن ينفعهم في القبر ما عملوه وما نافقوه وما صنعوه. وقد وصف أحد الحكماء حال الإنسان منذ أن يموت إلى أن يدخل القبر، وهو أبو العتاهية فقال: وكأنْ بالمرء قد يبـ ـكي عليه أقربوه وكأن القوم قد قا موا فقالوا: أدركوه سائلوه كلموه حركوه لقنوه فإذا استيأس منه الـ ـقوم قالوا حرفوه حرفوه وجهوه مددوه غمضوه عجلوه لرحيل عجلوا لا تحبسوه ارفعوه غسلوه كفنوه حنطوه وإذا ما لُفَّ في الأكـ ـفان قالوا فاحملوه أخرجوه فوق أعوا د المنايا شيعوه فإذا صلوا عليه قيل هاتوا واقبروه فإذا ما استودعوه الـ ـلأرض رهناً تركوه خلَّفوه تحت ردم أوقروه أثقلوه أبعدوه أسحقوه أوحدوه أفردوه ودعوه فارقوه أمسكوه خلَّفوه وانثنوا عنه وخلَّوه كأن لم يعرفوه وقال أبو العتاهية أيضاً وهو في لحظات الاحتضار أو الموت: كأن الأرض قد طويت عليا وقد أخرجت مما في يديّا كأني يوم يُحثى الترب قومي مهيلاً لم أكن في الناس شيا كأن القوم قد دفنوا وولوا وكلٌ غير ملتفتٍ إليا كأني صرت منفرداً وحيداً ومرتهناً هناك بما لديّا كأن الباكيات علي يوماً وما يغني البكاء علي شيّا ذكرت منيتي فبكيت نفسي ألا أسعد أُخيَّك يا أُخيّا ألا من لي بأنسك يا أخيا ومن لي أن أبثك ما لديا ثم قال: أشهد أن لا إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وفاضت روحه. وهذا يدل على أن تاريخ حياته كان خيراً، فيختم له بخير، اللهم أحسن خاتمتنا يا رب العالمين.

الهمز والغمز واللمز

الهمز والغمز واللمز ومن موجبات عذاب القبر: الهمز والغمز واللمز، يقول تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]، والهماز هو الذي يهمز الناس، واللماز هو الذي يلمز الناس، والغماز الذي يتغامز على الناس، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29 - 31] أي: فرحين؛ لأنهم يتغامزون على الذين آمنوا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} [الحجرات:11]. نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، فربنا عندما يعطيك شيئاً من الإيمانيات ثم ينزعه منك فهذا أمر سيء. اللهم أكرمنا ولا تهنا يا رب العالمين.

الخوف من المخلوق وعدم الخوف من الخالق

الخوف من المخلوق وعدم الخوف من الخالق من ضمن موجبات عذاب القبر: الخوف من المخلوق وعدم الخوف من الخالق، وأغلبنا للأسف يخاف من المخلوق ولا يخاف من الخالق، فالمرتكب للكبيرة دائم الخوف من المخلوقين، فمثلاً: الذي يرتكب كبيرة من الكبائر في مكان لا يراه فيه أحد، فلو أن جرس المكان الذي هو فيه رن فإن قلبه يكاد يختلع خوفاً، فمثل هذا خاف من المخلوق، والله يرى الإنسان من أول المعصية وهو الخالق، فيكون بذلك قد خاف من المخلوق ولم يخف من الخالق، واستعظم أمر المخلوق واستقل من أمر الخالق، ومن قلة الأدب أن الإنسان يخاف من عبد لا يملك لنفسه فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً، ولا يخاف من الخالق، وهذا أمر خطير. قال أهل العلم: اهتزاز قلبك عندما اهتز الستر الذي بينك وبين الناس أثناء ارتكاب المعصية، ولم يهتز قلبك خوفاً من الخالق سبحانه دليل على انطماس البصيرة. ومن خاف من الخالق أخاف الله منه المخلوقات كلها، فهذا سيدنا سهل بن عبد الله أحد الصالحين، كان في الجبل يحتطب، فأخذ حزمة من الحطب وأراد أن يضعها على حماره، فوجد الأسد قد قتل الحمار وأخذ يأكل منه، فسجد لله ودعا قائلاً: وعزتك وجلالك! لن أحمل حطبي إلا فوق من أكل حماري، فجاء الأسد إلى سهل بن عبد الله وكأنه كلب معلم، فوضع الحطب عليه وعاد إلى البيت، فاستغرب الناس من منظر الأسد والحطب فوقه، فقال سهل: نحن قوم نخاف من الخالق فطوع لنا المخلوقات كلها. فالمخلوقات صارت مطوعة له؛ لأنه يخاف من الخالق، ولذلك فإن المسلم إذا خاف من الخالق فإن الكل يحترمه ويحبه ويخاف منه، ومن اتقى الله أحبه الناس شاءوا أم أبوا. ويدخل تحت ذلك من موجبات عذاب القبر: من يقدم كلام المخلوق على كلام الخالق، بمعنى أنه يصدق الحالف بغير الله ولا يصدق الحالف بالله، والمؤمن لا يتلاعب بالأيمان، {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]، فلا يكثر الإنسان من الحلف؛ لأن كثير الحلف يعرف أنه كذاب، قال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10]، وكأن الحلاف يهون عند الله بسبب كثرة أيمانه. ولذلك إخوة يوسف عندما كانوا كذابين أكثروا من الحلف، ولما كانوا صادقين ما حلفوا، {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]؛ لأن ما خرج من القلب وصل إلى القلب. وعندما كانوا صادقين في المرة الثانية، قال لهم: أخوهم الكبير: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [يوسف:81]، وفي قراءة: {إِنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:81 - 82]، فهنا معهم شهود، لكن في المرة الأولى قال: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:17]، إذاً القرآن يعطينا حقائق غريبة. فمن يقدم كلام الخالق على كلام المخلوق، ومن يصدق كلام المخلوق ويكذب الحلف بالله عز وجل، ومن لا يتأثر بآيات القرآن ويتأثر بمزامير الشيطان من أغاني وغيرها من أنواع الطرب فإن هذا موجب لعذاب الله في القبر.

خيانة الأمانة

خيانة الأمانة من ضمن موجبات عذاب القبر: خيانة الأمانة، فالوضوء أمانة، والصلاة أمانة، فعندما لا يتم الإنسان الصلاة في وقتها فهو خائن للأمانة، والوظيفة أمانة، ومعاملة الزوجة بما يرضي الله أمانة، ومعاملة الزوجة لزوجها بما يرضي الله أمانة، فإن قصَّر الإنسان في شيء فهو خائن للأمانة. فالمرأة التي تقوم بإخراج أسرار البيت إلى الخارج، والرجل الذي يقوم بإخراج أسرار البيت إلى الخارج، هذا فيه خيانة للأمانة، ومن ذلك أن يضع الإنسان مبلغاً من المال عند آخر فيضيعه، ومن يأتمنك على سر فتقوم بإفشائه فهذا من الخيانة. فالموضوع كبير وخطر وقد تصيبنا الابتلاءات بسبب ذنوبنا التي لا ندري عنها، فيجب على كل واحد أن يراجع حساباته ويتوب؛ عسى الله أن يتوب علينا وعليه.

الفحش والبذاءة

الفحش والبذاءة ومن موجبات العذاب: فحش اللسان وبذاءته، وهذه من الكوارث والبلايا الموجودة في المسلمين والمسلمات، ولو تكلم الواحد كلمة بذيئة واحدة فإن الملائكة تبتعد عنه ميلين، قائلة له: ما أنتن الرائحة التي خرجت من فمك! وريحتك قذرة، وسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما مر على جثة أو رمة كلب أسود منتنة، وكان معه جماعة من الحواريين فقال أحدهم: ما أقبح لون هذا الكلب! وما أنتن رائحته! فقال سيدنا عيسى: ولكن ما أشد بياض أسنانه. فلا يريد أن يتكلم بشيء بذيء وإن كان على الكلب، ولذلك فإن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قالوا له: هذا سرق يا رسول الله! فقال: (لا تقولوا سرق، وإنما قولوا: أخذ). ومن ذلك ما قاله اليهودي: (السام عليك يا محمد! -يعني: الموت عليك- فقال: وعليكم، فقالت السيدة عائشة: وعليكم السام واللعنة، يا أبناء القردة والخنازير، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة! المؤمن ليس بفاحش ولا بذيء ولا صخاب في الأسواق)، على الرغم من إساءتهم، قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].

ارتكاب البدع

ارتكاب البدع ومن ضمن موجبات عذاب القبر: ارتكاب البدع، ومن ذلك ما يقوم به جماعة من الصوفية، فيقومون بعمل حلقة يطلقون عليها: حضرة، ويريدون بذلك أن يرتقوا إلى غير ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فمثل هذا الشيء لم يقم به الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أبو بكر ولا عمر، ولا يعقل أن يقوم به أحدهم، فإن هذا الشيء ما جاء إلا في عصور التخلف، ولم يرد عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن تابعيهم. وهم بذلك يدّعون أنهم يتفكرون، والإسلام يدعونا إلى التفكر في جميع أمور حياتنا وفي المخلوقات التي نراها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد:3]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:4]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]، وقال تعالى وهو يحث: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا} [الأنعام:11]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} [النمل:69]، أي: تفكروا، وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، فكثير من آيات القرآن تدعو إلى إعمال الفكر والعقل.

القول على الله بغير علم

القول على الله بغير علم ومن موجبات عذاب القبر: القول على الله بدون علم، فكل واحد يفتي ويقول على الله بدون علم، فيجد الإنسان من الناس من يفتي بجواز خلع الحجاب مع أن البنت قد وصلت إلى سن النساء اللاتي ظهرت مفاتنهن، وهناك بعض الفتاوي التي ظهرت في هذه الأيام والتي تدل على أن قائلها قد أفتى بها دون علم.

الرشوة

الرشوة ومن موجبات عذاب القبر والنار يوم القيامة: الرشوة، فالراشي والمرتشي والرائش كل هؤلاء في النار، كل هؤلاء في جهنم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه أكان يهدى إليه شيء؟)، فهدايا العمال غلول، فأي شيء يدخل على الموظف من غير مرتبه وغير متعلق في عمله فهذه رشوة، والحلال بيّن في كتاب الله، والحرام بيّن في كتاب الله إلى أن تقوم الساعة. من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد نكتفي بهذا القدر من الدرس، وإلى حلقة قادمة إن شاء الله، جزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_المنجيات من عذاب القبر

سلسلة الدار الآخرة_المنجيات من عذاب القبر تبدأ رحلة الإنسان إلى الدار الآخرة من الموت ودخوله القبر، وفي القبر يبدأ الحساب، وهناك أعمال توقع الإنسان في العذاب في القبر، كما أن هناك أعمالاً تنجيه من هذا العذاب، نسأل الله السلامة.

أهمية الأخذ بالأسباب

أهمية الأخذ بالأسباب أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الخامسة في سلسة حديثنا في موضوع: الدار الآخرة. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا! بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ولا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً لأهله رددته. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، نعوذ من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، ومن الخوف إلا منك، ونعوذ بك رب أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نكون بك من المغرورين، نعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجأة النقمة، ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، اللهم تب على كل عاص، واشف كل مريض، واقض دين المدينين، وفرج كرب المكروبين، واشرح كل صدر ضيق، اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، ووفقنا إلى ما تحبه وترضاه، وإن أردت عبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا نادمين ولا مبدلين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك مسلمين موحدين يا رب العالمين! وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. توقفنا في الحلقة الرابعة عند الحديث عن موجبات عذاب القبر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل قبورنا وقبور المسلمين والمسلمات روضة من رياض الجنة، وإن لم نكن أهلاً يا رب! لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا، فارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين! هناك من الذنوب ذنوب توجب عذاب القبر، وهناك من الذنوب ذنوب والعياذ بالله يعذب الإنسان عليها إذا لم يتب منها. اللهم تب علينا يا رب! والمسألة كلها مسألة توبة، والإمام الشافعي يقول: من واجب الناس أن يتوبوا، لكن ترك الذنوب أوجب فلا أحد يعتمد على عفو الله باقترافه للذنب، ولا يقل: أغلط ورحمة ربنا واسعة، فقد لا تناله رحمة الله، فربنا يرحم من يشاء، وهذه مسألة في علم الغيب، والإنسان تماماً مثل الولد الذي ينام طول السنة ويمني نفسه الأماني الكاذبة أن يكون الأول على الجمهورية، فهو مجنون، فإن أراد أن يكون الأول على الجمهورية فإنه يذاكر ليل نهار، ويجلس الليل والنهار في المذاكرة وفي العمل وفي الجد وفي الاجتهاد، وبعد ذلك يحسن الظن بالنتيجة وبالامتحان. وأما الذي ينام طول السنة ويأتي قبل الامتحان يمني نفسه الأماني الكاذبة بأن الموجهين والمدرسين كلهم سوف يأتون بامتحان سهل، وسينجحوننا كلنا، ويجعلونا كلنا أوائل فهذا غير عاقل، وهو مثل المذنب أو اللص أو السارق أو المرتشي أو المرابي أو مرتكب الفواحش أو المغتاب أو النمام، فكل هؤلاء يعملون الذنب، وأثناء ذهابهم إليه يدعون الله بالستر، وهذا سوء أدب مع الله، ثم يرجع بعد الذنب يستغفر وينوي أن يرجع مرى أخرى، وقد روي في الأثر: المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. فالذنوب منها ما يوجب عذاب القبر فقط، ومنها ما يوجب العذاب في القبر وفي الدار الآخرة، ومن فضل الله عز وجل أن جل أو معظم عذاب الأمة المحمدية في قبورها؛ إكراماً من الله عز وجل وكرامة منه لخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فجل العذاب سيكون إن شاء الله في القبر، لكن لا تفكر أن عذاب القبر هذا شيء سهل، أو ميسور، أو يستطيع الإنسان أن يحتمله، وإنما هو شيء فوق طاقة البشر، والثعبان في القبر إذا لدغ الإنسان فإنه يجري السم في عروقه سبعين عاماً، فالمسألة صعبة، وليست سهلة، والإنسان لا يمني نفسه الأماني الكاذبة، فإن قوماً غرتهم الأماني فقالوا: نحسن بالله الظن، ووالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. اللهم اجعلنا من المحسنين لأعمالهم يا رب! ومن المخلصين في أعمالهم يا رب إنك يا مولانا على ما تشاء قدير. فالعبد المسلم يحسن العمل ويحسنه، وسنضرب مثالاً بسيطاً؛ لنرى كيف أننا نقصر في أعمالنا التي نعلم أن الله يطلع عليها، ويريد أن يجدنا فيها في أحسن حال، فأنت إذا صليت في المسجد وخشعت في صلاتك، فإن هذا لأحد اعتبارات ثلاثة: الاعتبار الأول: احتمال أن طبيعة صلاتك أنك خاشع فيها. اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلاتهم يا رب! الاعتبار الثاني: أن الناس جالسين في المسجد ينظرون إليك، فلو نقرت الصلاة لنظروا إليك نظرة استخفاف. الاعتبار الثالث: أن فيك كبراً، نسأل الله السلامة؛ لأنك لا تحب أحداً يعدل عليك ويقول لك: صلاتك ليست صلاة يا أستاذ! فهذه اعتبارات ثلاثة تجعلك تخشع في الصلاة، ولكن الاعتبار الأساسي أنك تصلي لله، وما دامت الصلاة لله فاجعل في ذهنك أن الله عز وجل ناظر إليك منذ أن تكبر وإلى أن تسلم، وينادي مناد من قبل العلي الأعلى من تحت العرش: (لو يدري المصلي من يناجي لما انصرف من صلاته)، وكم من أناس سفهاء العقول بمجرد أن يحظو بلقاء مع وزير أو رئيس وزراء أو رئيس أو ملك أو مسئول أو رجل مشهور يقولون له: لو سمحت صورة، ويضعها في الألبوم، فهو يفخر أن يأخذ صورة مع أحد هؤلاء؛ حتى يظهر نفسه أنه فوق، فما بالك وأنت تخاطب العلي القدير سبحانه؟ فما دمت تعلم أن الله عز وجل ناظر إليك ومطلع عليك في كل عمل، وما دمت مقتنعاً أن الله عز وجل يراك في كل شيء فحسن عملك. اللهم حسن أعمالنا يا ربنا!

موجبات عذاب القبر

موجبات عذاب القبر

الكذب

الكذب من موجبات عذاب القبر الكذب، والكذب عند الله لون واحد، وهو ألوان عند المصريين المسلمين، فقد صيروا للكذب ألواناً، والمجتمع كله قائم على الكذب للأسف، وفي الحديث: (أيكون المؤمن كذاباً يا رسول الله؟! قال: كلا)، فالمؤمن قد يكون جباناً وبخيلاً، ولكنه لا يكذب، والكذب أم الكبائر مع الخمر، والكذاب لا يزال يكذب ويكذب حتى يكذب على نفسه، ثم يكذب على الله عز وجل. اللهم اجعلنا من الصادقين يا رب! وكان الحسن البصري عندما يقرأ قول الله عز وجل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] يقول: يأتي ربنا بالصادق يوم القيامة ويسأله عن صدقه، فيقول: يا رب! سوف تسأل الصادقين عن صدقهم فما بالنا نحن أهل الكذب؟ والحسن هو رضيع أم سلمة، وتلميذ علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما. والصدق للأسف يظن الناس أنه ليس فيه نجاة، وأن الكذب فيه نجاة، فتكذب المرأة على زوجها إذا أمرها بعدم الخروج من البيت من غير إذن، وتقول لك: أصلاً يا أستاذ! لو صدقت فسوف يطلقني ويخرب البيت، فأنا أكذب، فيقول لها الزوج: احلفي، فتضع يدها على المصحف وتقول: أقسم بالله العظيم وحق هذا المصحف أنني لم أخرج، وهي قد خرجت، فهذا يمين غموس يغمس صاحبه في النار يوم القيامة، وليس له كفارة إلا التوبة؛ لأنها تحلف وهي مقتنعة أنها كاذبة، والعياذ بالله رب العالمين. والكذب لا ينجي، والصدق هو الذي ينجي، فإن ظننت أن الصدق فيه الهلكة فإيمانك ضعيف، والمؤمن صادق لا يعرف الكذب.

أكل الربا

أكل الربا ومن الذين يعذبون في القبر ويوم القيامة في النار: آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، نسأل الله أن يبعدنا وإياكم عن الربا.

كشف المرأة لبعض جسمها أمام الأجانب

كشف المرأة لبعض جسمها أمام الأجانب وأيضاً من أظهرت شعرها للأجنبي أو رجلها أو ذراعها أو رقبتها أو جلست عند الكوافير. نسأل الله أن يقنع نسائنا بالحجاب، ولو ظهر أبو بكر مرة أخرى لحارب رجالاً يرفضون الحجاب لنسائهم، ولحارب وقاتل النساء اللاتي يرفضن الحجاب، وقلنا ولا زلنا نؤكد: إن التي ترفض الحجاب وتقول: لا يوجد شيء اسمه حجاب، هذه كافرة مرتدة عن دين الله؛ لأنها ردت أمر الله على الله، وكأنها تقول: أنا أرد عليك كلامك يا رب! ولا يوجد شيء اسمه حجاب، وهذه مثل التي تقول: لا أصلي، وأما إذا لم تحتجب المرأة أو تنتقب وقالت: أنا والله مقصرة وغلطانة وربنا يهديني فأتوب إلى الله عز وجل، فهذه مؤمنة عاصية، وإن شاء الله يتوب الله علينا وعليها وعلى المسلمين والمسلمات. وهناك فرق بين من يرفض الأمر وبين من هو مقتنع بالأمر ولكنه متكاسل في تنفيذه. وقد رأينا من تؤذي جيرانها وزوجها بلسانها، ومن تحمل زوجها فوق طاقته النفسية بعد الغلاء والعيال والجيران، فنقول للمرأة: لا تحملي زوجك فوق الطاقة، وإن ظلمك فظلمه عليه، ولا تردي الظلم بظلم وإلا كنتما معاً ظالمين يوم القيامة، فالخيرية أن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني، وأعطي من حرمني، فنحن نريد أن تعود إلى البيوت السكينة مرة ثانية، وأن يرجع الرجل إلى البيت فيجد المرأة ووجهها باسم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير ما أنعم الله به على عبده بعد أن يرزقه الإيمان به سبحانه وتعالى، أن يرزقه زوجة إذا نظر إليها سرته). وهذه هي التي قال عنها ربنا: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم:21]، أي: من نعم الله علينا، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21]، وهذا هو السكن النفسي، أن تسكن إلى زوجتك، وأن تكون امرأتك حبيبتك وصديقتك وصاحبتك وأختك وأمك وبنتك وأقرب الناس لك، لا تخفي عنها شيئاً؛ لأنها مريحة، وراعية لمالك وعيالك، وأنت كذلك تعاملها معاملة طيبة، فتجد منها أسلوباً سلساً وكلاماً طيباً وأدباً في الحديث وخفضاً لصوتها أمام الناس، ولا تنشر أسرارك خارج البيت، ولا تؤذيك حتى تضج منها، وتقول: ليتني ما تزوجت، والله يجازي من كان السبب، ويظل يشتكي منها. وأنا واثق إن شاء الله أن هذه الدروس من العلم سوف تؤتي الثمرة إن شاء الله عند رجالنا ونسائنا، وكما أوصي نساءنا برجالنا، فأوصي أيضاً رجالنا بنسائنا. فاللهم حسن معاملتنا أزوجاً وزوجات يا رب العالمين!

أكل مال اليتيم

أكل مال اليتيم ورأينا أن الله عز وجل يعذب والعياذ بالله آكل مال اليتيم.

قطع الطريق

قطع الطريق ورأينا أيضاً قاطع الطريق، ويصدق عليه حد الحرابة؛ ليأمن الناس على بيوتهم وعلى أعراضهم، وسوف يأتي زمان قبل قيام الساعة ينتشر فيه الأمان في بلاد المسلمين، فتلعب الصبية بالحيات والعقارب، وترعى الذئاب مع الغنم، وتلعب النمور مع الأسود لا يضر هذا هذا، ولا هذا ذاك، ويترك الرجل بابه مفتوحاً ومتجره مفتوحاً؛ لانتشار الأمان، وعودة الخلافة الإسلامية مرة ثانية، وقيام شرع الله في الأرض، فاستبشروا خيراً إن شاء الله، فرغم كل هذا الضنك الذي نحن فيه ما زال هناك أمل في الله عز وجل. اللهم حول حالنا إلى أحسن حال يا رب العالمين!

إثارة الفتن

إثارة الفتن ومن المعذبين في القبر: خطباء الفتن وأصحاب الإشاعات والمولعون بها، الذين يثيرون الناس على الناس، مثل الذي يثير المستهلك على التاجر، والجهال والدولة على العلماء، والعلماء على الناس. نسأل الله أن يحسن معاملة المسلمين بعضهم مع بعض.

الهمز واللمز والغمز

الهمز واللمز والغمز الهماز واللماز والغماز الذي يغمز الناس بالكلام وبالإيذاء. نسأل الله العفو والعافية، ولقد رأيت بعض الأولاد جلوساً يضحكون على رجل كفيف، نسأل ربنا سبحانه وتعالى أن ينير بصائرنا وأبصارنا، ومن حرمته يا الله! من نور البصر فلا تحرمه من نور البصيرة يا رب العالمين. فمن أكبر الكبائر عند الله من كمه أعمى، أي: من يخدع أعمى حتى يوقعه حفرة مثلاً، والعياذ بالله رب العالمين.

تعذيب الحيوان

تعذيب الحيوان ومنها: تعذيب الحيوانات، ولسنا بحاجة إلى جمعية الرفق بالحيوان ولا غيرها، ونحن كلنا مسئولون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنكار الظلم الذي نراه.

الغلول

الغلول قد عرفنا كيف اشتعل القبر ناراً على من غل شملة في غزوة من الغزوات بدون وجه حق، والإنسان الذي يأخذ ورقة من مكان عمله أو أستيكة، أو قلماً، أو يركب سيارة العمل لزيارة أولاده، أو يستخدم تلفون المصلحة للأغراض الشخصية؛ لا بد أن يدفع ثمن المكالمة التي تكلمها، سواءً كان قطاعاً خاصاً أو عاماً، فإذا استخدمت هذا التلفون حتى تسلم على خالتك وعمتك وبنت أختك وبنت أخيك وقريبك وصاحبك فقد استخدمته بدون حق، مثل الذي غل الشملة على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اضطررت أنك تستخدم تلفون المصلحة فتصدق بما يوازي ثمن هذه المكالمة، أو ادفع ثمنها للجهة صاحبة الحق بوسيلة أو بأخرى، كأن تشتري ورقة دمغة أو غيرها، وهكذا الذي يركب في الأتوبيس من غير تذكرة، كأن لم يستطع أن يصل إلى مكان التذاكر من الزحمة، فعليه أن ينزل ويشتري تذكرة أتوبيس من المحطة ويقطعها ولا يركب بها، أو يتصدق بما يوازي ثمن التذكرة وإلا يكون آكلاً في بطنه ناراً يوم القيامة، وأنا أقول هذا حتى تصل الأمانة إليكم. اللهم اجعلنا من أهل الأمانة ومن المحافظين عليها يا رب العالمين. أيضاً هناك نقطة مهمة: إذا كنت بيتكم الساعة العاشرة صباحاً فلا تسرج النور بالكهرباء، فإذا كنت قاعداً في المصلحة أو في المكتب فلا تسرج النور، واتق الله؛ لأن الفلوس ليست من جيبك، بل أنت راعٍ فيما خولك الله. وأما أن تقول: هذا على قدر فلوسهم فلا، بل استقيل، وانظر عملاً يعجبك ما دام أنك لم يعجبك الخمسين والستين جنيه أو مائة جنيه أو مائة وخمسين، واذهب وانظر الذي يعطيك ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه ما دام أنك خبير وخطير. فإذا رضيت بما قسم الله لك بارك الله لك في القليل. اللهم بارك لنا في القليل وحببنا فيه وفي الحلال يا رب العالمين!

الخوف من المخلوق دون الخالق

الخوف من المخلوق دون الخالق ومن موجبات عذاب القبر: الخوف من المخلوق دون الخالق، وللأسف أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين يخافون من المخلوق ولا يخافون من الخالق.

تقديم كلام المخلوق على كلام الخالق

تقديم كلام المخلوق على كلام الخالق وأيضاً من موجبات عذاب القبر: تقديم كلام المخلوق على كلام الخالق، فإذا كنت تسمع القرآن ودخل عليك أحد يريد أن يكلمك في موضوع فيمكن أن تؤخره قليلاً، وثواب المستمع كالتالي تماماً، ومستمع الغيبة كالمغتاب تماماً، ومستمع النميمة كالنمام تماماً، والعياذ بالله، وقد قال بعض أهل العلم: من قال لزوجته: أقسم بالله أو أنت طالق إن لم أقص عليك أحسن قصة سمعتها في حياتي ولم يقص عليها قصة يوسف فقد وقع الطلاق؛ لأنه لا أعظم من قصص القرآن، وربنا يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3]. وهارون الرشيد قال لزوجته مرة: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم سأل الفقهاء فقالوا: يا أمير المؤمنين! حاجة في علم الغيب، امرأتك طالق، فسأل أبا حنيفة قال: يا أمير المؤمنين! أسألك سؤالاً، قال له: نعم، قال له: هل تخاف من الله؟ قال: نعم، قال له: فإن شاء الله أنت من أهل الجنة؛ لأن الله يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]. ولما قال لها: أنت طالق إن بت في ملكي الليلة، أفتى الفقهاء بطلاقها، وقال أبو حنيفة: تبيت زوجة أمير المؤمنين في المسجد؛ لأنه ملك الله وليس ملك أمير المؤمنين. ونعوذ بالله من عدم التأثر بالقرآن، والتأثر بمزامير الشيطان وآيات النفاق التي هي الأغاني وصوت الشيطان. نسأل الله أن يتوب على المغنيين والمغنيات الأحياء ويغفر للأموات، ويتوب علينا جميعاً من الاستماع إلى هذه الفوضى التي تنبت النفاق في القلب. اللهم وضع مكانها إيماناً وحكمة يا رب العالمين! وأيضاً من لا يصدق الحلف بالله عز وجل، والخائن للأمانة، والفاحش، وبذيء اللسان الذي يتكلم بالكلمات السيئة، وأصحاب البدع وهم كلاب أهل النار والعياذ بالله رب العالمين، والذي يأكل بالدين ما لم يأذن الله به، والقول على الله بدون علم في الفتاوى. واليوم إذا قلنا: إن عندنا ثمانية وأربعين مليون مسلم فعندنا ثمانية وأربعون مليون مفت في الدين! وأبو بكر رضي الله عنه لما سئل في الكلالة مرة: ما الكلالة يا أبا بكر؟ قال: أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان سيئاً فمن نفسي، وهذا هو الأدب من أبي بكر. وعمر بن الخطاب خطب على المنبر فسأله أعرابي بعد أن هم بالنزول من فوق المنبر: يا أمير المؤمنين! يقول ربنا: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:31] ما الأب؟ فنكس عمر رأسه، قال: الله أعلم، الله أعلم، أنا لا أدري، هل في المسجد من يجيب الرجل، فقال أحد الصحابة: نعم يا أمير المؤمنين! الأب: ما تأكله الأنعام من الحشائش التي تنب في الأرض، ألم تقرأ بعدها يا أمير المؤمنين: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس:31 - 32]. فالفاكهة لنا والأب لأنعامنا، فـ عمر نكس رأسه وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر! وأيضاً الرشوة والمسكرات والمخدرات، والخمر، والبيرة، والهروين، والحشيش، والأفيون، والبيرند، وكل هذه حرام؛ لأنه (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وأثبتت الأبحاث ضرر البيرة، وأن فيها شيئاً من الكحول. وأيضاً نبشر المدخنين بأن السيجارة فيها مادة تسمى الروم، ولو وضعت نقطة من مادة الروم هذه في كأس ماء وشربه شارب لسكر. والسجائر والتدخين والشيشة حرام؛ لأن المدخن إن كان غنياً فهو مسرف: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27]، وإن كان المدخن فقيراً فهو سفيه، والله يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5]. فالمدخن إن كان فقيراً فهو سفيه، وإن كان غنياً فهو مسرف، وكلاهما شر. والله عز وجل بعث لنا وإلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث، وقد ثبت أن السجائر وهذه الأشياء كلها ليست من الطيبات، وإنما هي من الخبائث. اللهم تب على كل مدخن يا رب العالمين!

اللواط

اللواط ومن موجبات عذاب القبر: اللواط، وهو الشذوذ الجنسي، والعياذ بالله رب العالمين، وهكذا الذي يأتي زوجته في غير المكان الذي أمر الله به، وسبحان الله فقد جعل الأروبيين والأمريكيين والمنحرفين في هذه الأمم يتركون هذه الانحرافات رغماً عنهم؛ لأنه ثبت أن الإيدز السبب الأساسي له الشذوذ والانحراف الجنسي، والعياذ بالله رب العالمين. نسأل الله أن يتوب على الجميع، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل.

السرقة

السرقة ومن موجبات عذاب القبر: السرقة، ووددنا لو يقام حد واحد فقط على مختلس أو سارق، ووالله لن يتوب ويستقيم حاله إلا إذا قطعت يده؛ والله أعلم بذلك، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

محلل المطلقة لزوجها الأول والمحلل له

محلل المطلقة لزوجها الأول والمحلل له وأيضاً المحلل والمحلل له، يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على التيس المستعار؟ قالوا: من يا رسول الله؟! قال: المحلل والمحلل له)، وفي الحديث: (لعن الله المحلل والمحلل له). والعياذ بالله. والتحليل يكون في الطبقات، فيأتي الرجل بالسكرتير أو السواق أو الشغال الذي عنده ويعطيه مائتين جنيه، وهو يشتغل عنده منذ ثلاثين سنة ولم ير مائتين قرش زيادة، ثم يفتح الباب وفي الداخل الشيخ المأذون وشاهدان، فيزوجوه، ثم يدخلوه على المرأة ربع ساعة يجلس معها، ثم يطلق، فيتزوجها الأول قبل أن تنقضي العدة. واليوم يدرسون في الثانوية العامة أن خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة أحد قادة العرب في حروب الردة وتزوج امرأته في أثناء المعركة، يعني أن خالد بن الوليد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الرجل وتزوج امرأته قبل أن تنقضي عدتها. فاتقوا الله في أولادنا، فهل يعقل أن خالد بن الوليد قتل الرجل في العصر ثم بعد المغرب تزوج امرأته، وهو سيف من سيوف الله؟! فإذا طلق رجل زوجته ثلاث تطليقات فلا بد أولاً من عدة، فإن كانت حاملاً فالعدة بالوضع، وإن لم تكن حاملاً فثلاث حيضات متتالية، ثم يتقدم لزواجها، ويحرم أن تختطب المرأة في العدة حتى بالتلميح، وأباح البعض التلميح، والمسلم لا يخطب المرأة في عدتها، فإذا انقضت العدة فليتزوجها زواجاً عادياً على التأبيد. ومن شروط الزواج أن يكون على التأبيد، وإلا كان متعة، والشيعة ربنا يهديهم عندهم زواج المتعة فيتزوجون ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر. و (لعن الله المحلل والمحلل له). فالذي يحلل من أجل ثلاثين أو أربعين جنيهاً فقد باع دينه بدنياه. فبع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً. اللهم اجعلنا من الرابحين في الدارين يا رب العالمين! وقد انتشر موضوع جعل العصمة بيد المرأة واشتراطها له، وسيدنا عمر فوجئ برسالة غريبة من سيدنا عبد الله بن مسعود وهو أمير ووال على الكوفة لم يعرف لها جواباً، فقال له: يا أمير المؤمنين! جاءني رجل وامرأة، فقال الرجل: ابن مسعود! تزوجت هذه المرأة فقالت: اجعل العصمة بيدي، فجعلت العصمة بيدها، فدخلت مرة فقالت: اسقني، قلت: أنا متعب، قالت: أنت طالق، فقرأها سيدنا عمر وتعجب، وسيدنا ابن مسعود لم يفت فيها، ووالله لو عرضت هذه القضية على أي أحد اليوم لأفتى فيها! فخطب عمر في الناس فقال: أيها الناس! أمر جعله الله في أيدي الرجال، فتنازل الرجل عن هذا الأمر لزوجته فطلقته، فوقع طلاقها، فصارت طالقاً. نسأل الله أن يعيدنا إلى الإسلام.

الاحتيال على الشرع

الاحتيال على الشرع ومن الموجبات لعذاب القبر: الاحتيال على إسقاط الفرائض، واليهود الله نهاهم عن العمل يوم السبت، واليهودي أصلاً بخيل، فكانت الحيتان تطلع من البحر على الشاطئ يوم السبت، والست الأيام الباقية لا يخرج حتى ولا حوت على الشاطئ، وكانوا منهيين عن الاصطياد يوم السبت، فكانوا يوم الجمعة بالليل ينصبون الشباك، فتطلع الحيتان يوم السبت وتقع في الشباك التي نصبوها، فيأتون يوم الأحد الصبح فيأخذون الشباك بما اصطاده من الحيتان. وفي المسلمين من يصنع قريباً من هذا، فتجد الشخص عنده من المال ما يستطيع أن يحج به بيت الله الحرام، ويقول: أنا عندي أولاد يتعلمون الابتدائية والإعدادية، فأحسن من أن أحج بيت الله الحرام أعلم الأولاد، وقد روي في الحديث: (من استطاع أن يحج ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً)، وعمر بن الخطاب قال: لو أتي إلي بواحد كان يقدر أن يحج ولم يحج فلن أصلي عليه صلاة الجنازة. فهو يحتال على إسقاط الفريضة، مثل: شخص كتب لزوجته مؤخر الصداق وحتى يتخلص منه بدأ يضربها ويؤذيها ويشتمها ويطردها ويقل أدبه معها ويضيق عليها المعيشة؛ حتى تقول له: حقي برقبتي، واكتب الذي يعجبك. فأين ذهب برب العباد سبحانه؟ فإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، فهو لا يريد أن يؤدي مؤخر الصداق، ويتحايل على إسقاطه بهذه الطريقة. وإذا تنازلت له عن مؤخر صداقها فإن كل معاشرته لها تكتب عند الله كأنما كان يزني بها، يقول سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من تزوج على صداق وهو لا ينوي أدائه فهو زان، ومن استدان ديناً وهو لا ينوي سداده فهو سارق)، أي: هذا المال. فهو يتحايل على إسقاط هذا الفرض ويقول: سأحسبه من مال الزكاة، والنية مسبقة، وأنت تضحك علي وعلى نفسك، ولكنك لا تضحك على الله، بل أنت محتال على إسقاط الفرائض. ومثل التي تترك الحجاب خوفاً من زوجها، فلا بد أن تتحجب بما يرضي الله، فإنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). فلتحتجب رغماً عنه، ولا ترضيه في جميع الأمور إلا فيما أمر الله.

عدم نصرة المظلوم

عدم نصرة المظلوم ومن مر على مظلوم يستنصره فلم ينصره، أو جلس ومسلم يضرب وهو يستطيع أن ينقذه فلم ينقذه فحرام عليه رائحة الجنة يوم القيامة. وأنت ترى في أقسام الشرطة وفي أماكن كثيرة الظلم واضحاً بيناً على الناس، فإذا كنت تستطيع أن تنصره فلم تنصره فحرام عليك رائحة الجنة. وهذا من موجبات عذاب النار يوم القيامة، فعندما تريد العبور على الصراط يوم القيامة تجد شخصاً متعلقاً في رقبتك يقول لك: استنصرتك مرة فلم تنصرني، وآخر يقول لك: رأيتني ظالماً فلم توقفني عند حدي. نسأل الله السلامة.

تتبع عورات المسلمين

تتبع عورات المسلمين وأيضاً المتتبع العورات الناس، ففي الحديث: (من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته). وإن المؤمن لا يخرج أسرار بيته خارج البيت، وأحدهم لما أراد أن يطلق زوجته سئل: لماذا؟ فقال: أنا لا أذكر عيوب امرأتي، فلما طلقها وانقضت عدتها تزوجت غيره. وأما نحن فنرى أسوأ منظر ونسمع أقبح الكلام، وغرفة النوم تظهر بعد الطلاق، نسأل الله الهداية والتوبة، وأن يعصمنا من كل سوء وزلل، وأن يعيد الأمن والأمان إلى بيوتنا، وإلى الأزواج والزوجات، وأن يطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن. وأحد التابعين ذهب يدفن أخته، وأثناء دفنها سقط منه كيس النقود فلحدوها وغطوا القبر، فلما رجع تذكر، ورجع يبحث عن كيس النقود فرأى في التراب حرارة تشتد، فأخذ الكيس وقد التهبت يداه، فرجع إلى أمه مذعوراً يسألها: يا أماه! ماذا كان تصنع أختي؟ قالت: كانت صوامة قوامة تصوم النهار وتقوم الليل، مطيعة لزوجها، متصدقة، غير أنها كانت تضع أذنها على حيطان جيرانها؛ لتتسمع أخبارهم، وهذه موجودة عندنا وعند نسائنا. نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.

الحكم بغير ما أنزل الله

الحكم بغير ما أنزل الله وأيضاً: الحكم بغير حكم الله، سواء على المستوى الرسمي، أو على المستوى الشعبي، الحكم بغير ما أمر الله، فمثلاً: رجل استأجر شقة وأراد أن يخرج من الشقة فقال: أنا سآخذ خلو رجل، فيأخذ خمسة أو ستة ألف جنيه، أو عشرة أو عشرين على قدر حجم الشقة، فنقول له: اعلم أن ما أخذته حرام، حرام، حرام، وهكذا الخلو الذي يأخذه المالك عندما يؤجر تحت أي مسمى أيضاً حرام حرام حرام. وأيضاً قد صار عرفاً في شمال مصر وجنوبها أن المستأجر للأرض الزراعية يأخذ نصف الأرض، وفي بعض البلاد يقولون للمستأجر: نريد ثلثين الأرض، وهذا إنما يقتطع لنفسه جزءاً في جهنم، ولن تنفعه الأرض. اللهم إني أعوذ بك من مال أحاسب أنا عليه في قبري ويتمتع به ورثتي من بعدي. فقد كان سيدنا عمر يدعو كذا. وأيضاً: أحدهم إذا كبرت ابنته وأرادت امرأته تحجيبها قال لها: لا تحجبيها. فمن حكم بغير ما أنزل الله فإنه من الظالمين الفاسقين الكافرين المشركين. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يحكمون بما أنزل الله عز وجل.

الإلحاد في الحرم

الإلحاد في الحرم ومن موجبات عذاب القبر: الإلحاد في الحرم، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] قال العلماء: لو أن حمامة من حمام الحرم جاءت وجلست على كتفك فهششتها كذا فقد ألحدت في الحرم، ولو دخلت مكة ونويت أن تعمل ذنباً كتب ذنباً، ولو كنت في مصر ونويت أن تعمل ذنباً لم يكتب، بل إذا نويت عمله ولم تعمله كتب حسنة، ولكن إن نويت عمل ذنب في مكة في الحرم، أو حول الحرم داخل حدود مكة كتب الذنب وإن لم نصنعه، فالحسنة في مكة مضاعفة، والسيئة فيها أيضاً مضاعفة، وابن عمر لما كان يدخل مكة كان يعمل له خيمتين، خيمة يجلس فيها وهو محرم وحاج، فإذا جاء الناس يكلموه في أمور الدنيا خرج إلى الخيمة الثانية خارج الحرم؛ حتى يتكلم في أمر الدنيا؛ حتى لا يكون من الملحدين في الحرم. واليوم يجلس الحجاج في الغيبة والنميمة وخلافات فيما بينهم، ويمسكون المشرف على الرحلة ويقولون له: أنت الذي أكلت مالنا، وهذا ليس حجاً. نسأل الله أن يجعلنا إذا حججنا نحج كما أمر الله وكما يرضي الله عز وجل.

النائحة

النائحة وأيضاً النائحة والمستمعة لها، فمن ناحت على ميت كانت كمن هدمت الكعبة بيديها أو أخذت حربة تحارب بها رب العباد سبحانه، والنائحة على الميت ربنا يبعثها يوم القيامة عليها سرابيل من قطران، والملائكة يقولون لها: ادخلي نوحي على أهلها كما كنت تنوحين في الدنيا. والبكاء العادي لا يحاسب الله عليه، وإذا نصحت إحداهن وقلت لها: عيب، كوني صبورة، قالت: ماذا يا أستاذ! الرسول صلى الله عليه وسلم بكى على إبراهيم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بكى مرة أو مرتين وليس عشرين سنة؛ لأننا من سلالة تحب الآثار، وعندنا أشياء غريبة، فنحن نمجد فرعون ورمسيس، وسبحان الله، واحد هايف أو واحدة هايفة في جريدة أو في مجلة تقول: إن فرعون الذي هو رمسيس الثاني كان رجلاً دمث الأخلاق، ومؤدباً ولم يكن فظاً ولا غليظ القلب، ولا عالياً في الأرض، وربنا يقول: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص:4]، وهذا يقول: لم يكن عال في الأرض، فمن نصدق الله أم هذا؟! وإذا رأيت مكاناً يعصى الله فيه وأنت غير قادر على تغيير المعصية فلا تقعد فيه، فإذا أتت إليك امرأة وقالت لك: فرح ابنتي غداً، هي ابنة أخيك، وأنت الوكيل لها وعمها الكبير، فأتيت وجئت بالمأذون وعقد القران، ثم رأيت الفرقة والراقصة وراءها، فإذا كنت متقياً الله فاترك الفرح واخرج، ولا تجامل أخاك على حساب الدين؛ لأن أسوأ العباد عند الله من باع آخرته بدنيا غيره.

تأخير الصلاة عن وقتها

تأخير الصلاة عن وقتها وأيضاً تأخير الصلاة إلى آخر وقتها، كأن يؤخر العصر إلى قبل المغرب بربع ساعة، وكذا الظهر إلى العصر بدون عذر وتصبح عادة له، ولكن إذا حصلت مرة أو اثنتين أو ثلاثاً فلا بأس، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.

العرافة والكهانة والسحر

العرافة والكهانة والسحر وأيضاً: العرافة والكهانة والسحر، وعلى المسلم أن يسمع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: (من أتى عرافاً أو كاهناًَ فصدقه بما قال فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله)، ومن العرافة والكهانة: الحظ والأبراج التي في الصحيفة، وفتح الكوتشينه، والمندل، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، والودع وغيرها، ومن يصدق هذا الكلام فقد خرج من ربقة الإسلام. ومن العرافين والكهنة والسحرة من يستهزئ بكتاب الله، فيفتح المصحف ثم يقلب سبع صفحات، ويترك سبعة أسطر، ويقرأ إلى السطر السابع، أو يضع المفتاح في المصحف ويربط المصحف بخيط ويترك المصحف يلف لغاية ما يسكن على شيء معين. إلى غير ذلك، وهذا استهزاء بكتاب الله عز وجل، ومن استهزأ بكتاب الله فكأنما استهزأ بالمولى عز وجل سبحانه.

المنجيات من عذاب القبر

المنجيات من عذاب القبر أول سبب للنجاة من عذاب القبر هو أن نتجنب كل هذه الأسباب الأربعة والعشرين أو الخمسة والعشرين من موجبات عذاب القبر. وهناك سبعة عشر عملاً تنجيك من عذاب القبر إذا عملتها، وقد ذكرت في حديث رواه الإمام مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبل أن ندخل في الحديث نقول: لا بد للإنسان المسلم أن يحاسب نفسه كل يوم قبل النوم أولاً بأول، ثم تلاوة سورة الملك وذلك كل ليلة، وأحد الصحابة كان في الليل مسافراً فنصب خيمته ونام، فسمع كأن تحته من يقرأ سورة الملك: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] فقام ونقل الخيمة وعاد إلى المدينة، فسأل سيدنا الحبيب فقال: يا رسول الله كنت مسافراً فنصبت الخيمة على قبر فسمعت صوتاً كمن يقرأ سورة الملك، فقال له: (إن صاحبها كان يتلوها كل ليلة، وهذا قبره آنسه الله بها بعد موته).

المنجيات من عذاب القبر المذكورة في حديث عبد الرحمن بن أبي سمرة

المنجيات من عذاب القبر المذكورة في حديث عبد الرحمن بن أبي سمرة وأما حديث سيدنا عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه فقال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة) والصفة كانت في مؤخر المسجد النبوي، وكان فيها فقراء المسلمين، وكانوا يعلقون حبالاً في الأعمدة في المسجد النبوي، وكان المسجد من جذوع النخل، فكان من يريد من الأغنياء أن يأتي بحاجة يأتي قبل الفجر بساعة أو بساعتين ويعلقها في الحبل، والفقير المحتاج كان يأتي ويأخذ، ولكن الفقير كان قانعاً، وأما اليوم فقد سلط علينا الغلاء ومن لا يرحمنا بسبب ذنوبنا، وكان ابن عطاء الله يقول: أنتم تستبطئون المطر وأنا أستبطئ الحجر.

بر الوالدين

بر الوالدين فعن عبد الرحمن قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: إني رأيت الليلة عجباً)، ورؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم نوع من الوحي، قال: (رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد عنه ملك الموت)، يعني: فالموت يمكن أن يتأجل، وقالوا: يتأجل في حالة واحدة وهي برك بوالديك، فيطول عمرك، حتى إن ملك الموت لا يعلم هذا السر الذي هو بينك وبين الله، ولا يعلمه إلا الله. فملك الموت قبل أن ينزل عليك يقول له ربنا: يا ملك الموت! لا تقبض روح هذا، فيقول له: لماذا؟ فيقول: لأنه بار بوالديه، أو لأنه كان باراً بوالديه، فزده عشر سنوات. وفي الحديث: (ليفعل البار مهما يفعل من أبواب الشر فلن يدخل النار، وليفعل العاق بوالديه ما يفعل من أبواب الخير فلن يدخل الجنة، قالوا: وإن ظلماه يا رسول الله؟! قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه).

ذكر الله

ذكر الله قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي احتوشته الشياطين)، يعني: اجتمعت عليه تريد تضييعه، (فجاءه ذكره لله ليل نهار فخلصه من بين أيديهم)، فذكر لله سلاحك، بل قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (الوضوء سلاح المؤمن)، فالمؤمن وهو ماشي متسلح بالوضوء وبذكر الله، فإذا جاءته الشياطين ذكر الله، وإذا جاءتك ملائكة العذاب في القبر من ناحية رأسك فالعينان تقولان: يا ملائكة العذاب! لقد كان غاضاً لي عما حرم الله، ويقول اللسان: لقد كان كافاً لي عما حرم الله، والأذنان تقولان: لقد كان مغلقاً لي عما حرم الله، وإذا جاءته ملائكة العذاب من ناحية يديه قالتا: ما سرقت ولا ارتشيت ولا ضربت ولا سفكت دماً ولا ظلمت مرة، وإنما تصدقت وأمسكت المصحف ومسحت على رءوس اليتامى، فإذا جاءوا من ناحية القلب قال: ما حملت غلاً ولا حقداً ولا حسداً ولا غشاً ولا نفاقاً، فإذا جاءا من ناحية الرجلين قالتا: ما فررت من الزحف مرة، وإنما ذهبت لتعمير بيوت الله، ولإصلاح ذات البين، وللإصلاح بين المتخاصمين، ولتفريج كربات المسلمين، فتقول ملائكة العذاب لملائكة الرحمة: وسعوا لعبد الله في قبره؛ حتى يرى مقعده من الجنة. اللهم اجعلنا منهم يا رب!

المحافظة على الصلاة وصيام رمضان والغسل من الجنابة

المحافظة على الصلاة وصيام رمضان والغسل من الجنابة قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً أحاطت به الملائكة لتأخذه إلى النار، فجاءته محافظته على الصلاة فأنقذته منهم، ورأيت رجلاً يلهث من العطش يريد أن يشرب من الحوض)، أي: أنه عطشان في القبر وفي الآخرة والعياذ بالله، (فجاءه صومه رمضان فسقاه وأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون جلوس حلقاً حلقاً، كلما جاء إلى حلقة طرد ومنع منها فجاءه إسراعه بغسله من الجنابة فأجلسه في حلقة الحبيب محمد)، فعليك بالإسراع بالغسل من الجنابة، وأحياناً تقول: الظروف تعب، أو هناك صعوبة، أو انقطعت المياه، فأقل ما فيها أن تتوضأ، وكان هكذا يصنع النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل ألا تنام إلا على اغتسال؛ حتى تحيط بك الملائكة.

الحج والعمرة

الحج والعمرة قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد أحاطت به الظلمة يتخبط فيها، فجاءه حجه واعتماره فأضاءا له القبر، وأضاءا له الصراط يوم القيامة)، اللهم وفقنا للحج إلى بيتك يا رب العالمين! ومن حج فليحج مرات ومرات.

الصدقة وصلة الرحم

الصدقة وصلة الرحم قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً يتقي شرر النار بيديه، فجاءته صدقته فجعلت بينه وبين النار حجاباً وستراً)، وفي الحديث: (وإن العبد ليستظل بظل صدقته يوم القيامة)، اللهم اجعلنا من المتصدقين يا رب! (ورأيت رجلاً من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءه صلته للرحم، فأمر الله عز وجل الملائكة والناس أن يكلموه فكلموه)، فهذه صلة الرحم التي قطعناها، والرحم هو عمي وعمتي، وخالي وخالتي، وابن عمي وابن عمتي، وابن خالي وابن خالتي، وأخي وأختي، وصاحب أبي، فيفرح الأب في قبره، ويكون هذا نوراً ينير به قبر أبيه بعد موته.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن الخلق

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن الخلق قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد احتوشته زبانية جهنم، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستخلصه من بين أيديهم، ورأيت رجلاً بينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه مع الناس فرفع الحجاب الذي بينه وبين الله، فتطلع إلى وجه الله بكرة وعشياً)، فهذا حسن الخلق، والسيدة أم سلمة تقول: (يا رسول الله! الواحدة منا تتزوج الواحد والاثنين والثلاثة فيموت أو يطلقها فيتزوجها غيره، فتتزوج بمن يوم القيامة إن دخلوا الجنة كلهم؟ فقال: يا أم سلمة! تتزوج أحسنهم خلقاً، يا أم سلمة! ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة)، وأنا أريد أن يقول الناس عنك: إنك ملك من الملائكة، وأنك خفيف ولطيف ومثل النسمة، إذا جلس لا تسمع صوته، ووالله أعرف أناساً -رحم الله من مات منهم، وغفر لمن هو على قيد الحياة وقواه وقوانا على طاعة الله- يعزفون عن معاملة الناس وينطوون على حالهم، وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عاشروا الناس معاشرة حتى إذا غبتم عنهم حنوا إليكم، وإن متم ترحموا عليكم)، فعندما يغيب يحن إليه، وإلى جلوسه معه، وإن مات الرجل الصالح قال: رحمة الله عليه، وانظر بعد مئات السنين أكثر من ألف وأربعمائة سنة كلما نقول: أبا بكر أو عمر أو عثمان قلنا: رضي الله عنهم. وقد قص علينا أستاذ فاضل قصة لطيفة فقال: أحد الوعاظ من إخواننا الدعاة خطب خطبة عن الحساب يوم القيامة، وأن الموضوع صعب، ولم يذكر فيه آية من آيات الرحمة، وكان شيخ العرب قاعد يسمع الرجل، حتى أكمل الخطبة فقال له: يا سيدنا الشيخ! قال: نعم، قال: الموقف الذي أنت تتكلم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم موجود؟ قال: نعم، قال: وفيه أبو بكر رضي الله عنه؟ قال: نعم، قال: وفيه عمر بن الخطاب؟ قال: نعم، قال: وفيه عثمان بن عفان؟ قال: نعم، قال: وعلي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال: هؤلاء موجودون كلهم وتقول: العذاب، يا إخوانا ربنا سيرحمنا يوم القيامة، وهذا الرجل الذي جاء من الحكومة كذاب، سبحان الله! لا إله إلا الله! وحتى لو جاء من عند الحكومة فإن الذي يقوله: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن نسأل الله أن يرحمنا وإياكم. فحسن الخلق كشف الحجاب الذي بينك وبين الله عز وجل، اللهم حسن أخلاقنا يا رب! وادع ربنا وأنت ساجد دائماً: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي.

الخوف من الله عز وجل

الخوف من الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد أتته صحيفته من شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ الصحيفة بيمينه). قال رجل للحسن البصري: كيف خوفك من الله؟ قال: لو ركبت البحر وتحطمت بك السفينة فلم يبق منها إلا لوح خشب وتعلقت به وسط الأمواج كيف خوفك؟ قال: شديد، قال: أنا مع الله هكذا ليل نهار.

الرضا بقضاء الله بموت الأفراط

الرضا بقضاء الله بموت الأفراط قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه)، والأفراط: هم الأولاد الصغار الذين ماتوا، والولد أو البنت إذا نزل من بطن أمه واستهل ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه. وهنا نقطة مهمة: فلا بد من تسميته قبل دفنه، ولو لم تسميه لخاصمك أمام الله يوم القيامة، والعبد يفرح إذا مات له ولد أو اثنان أو ثلاثة؛ لأنه سيوقف على باب الجنة ويرفض دخولها إلا بصحبتك، وأنت قد صبرت عليه أنت وزوجتك. وفي الحديث: (إن الله يقول للملائكة: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم يا رب! فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم يا رب! فيقول: وماذا صنع عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع)، أي: قال: الحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، (فيقول: إني رضيت على عبدي، ابنوا لعبدي قصراً وبيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد، وألحقوه بمن مات من ذريته)، فافرح يا من مات لك ابن أو بنت وصبرت، فهذا من الأشياء التي تثقل ميزانك إن شاء الله يوم القيامة. اللهم ثقل موازيننا يا رب العالمين! قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي يقف على شفير النار، فجاءه رجاؤه في الله فأخذته الملائكة فأدخلته في الجنة)، فليكن عندك حسن أمل في الله وحسن ظن بالله، لكن مع حسن العمل. قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً وقد هوى في النار فجاءته دمعة قطرتها عينه فأطفت النيران من حوله، فأخرج فدخل الجنة)، والذين يغصبون من قنوت رمضان والجمعة ويستهزئون ويقولون: ما أنزل الله بها من سلطان، ويتطاولون على أهل العلم، ويستنكرون والنبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً متصلاً يدعو على رعل وذكوان، وقد أجمع الفقهاء على أنه يباح للإمام أن يقنت في كل صلاة عند نزول البلاء بالمسلمين، وأنا أسأل هؤلاء المعترضين سؤالاً: هل هناك بلاء أكثر من الذي نحن فيه؟ نسأل الله أن يعافينا وإياكم، فالبلاء الذي نحن فيه على مستوى الحي والمدينة والدولة والعالم الإسلامي كله، وأي بلاء أكبر من هذا؟ ويمكن يا أخي! أن ندعو ربنا مرة ونقول: يا رب! فيقول الله: استجبت يا عبادي! وأنزلت عليكم رحمتي يا عبادي! وهناك أنا فقهوا فن الاعتراض لا لشيء إلا أنه يجب أن يعترض. عند هذا الحد نتوقف وسنكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله. جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التسبيح باليد اليسرى

حكم التسبيح باليد اليسرى Q أخ يسأل عن حكم التسبيح باليد اليسرى؟ A الأفضل أن يسبح المسلم باليمنى؛ لأن اليمنى للإنفاق في سبيل الله، والصدقة، وعمل الخير، ومسك المصحف، والأكل، ومن ضمنها التسبيح.

حكم تسديد فوائد القروض الربوية من فوائد التوفير

حكم تسديد فوائد القروض الربوية من فوائد التوفير Q أنا واضع مبلغاً في صندوق توفير ويأتي منه ربح، ومقترض مبلغاً من بنك من البنوك بفوائد، فهل ينفع أن آخذ فائدة صندوق التوفير وأضعها في سداد القرض الربوي؟ A هذا حرام.

كيفية بر الوالدين بعد موتهما

كيفية بر الوالدين بعد موتهما Q توفى أبي وأنا أشعر أنني مقصر في حقه، فماذا أعمل له بعد أن مات؟ A من وسائل البر: الدعاء له، والتصدق له، وزيارة أقاربه، والاستقامة على طريق الله.

حكم من نذر ولم يجد مالا

حكم من نذر ولم يجد مالاً Q رجل نذر أن يحج، ثم اكتشف أن المبلغ ليس معه؟ A ينوي أنه عندما يقدر يحج إن شاء الله رب العالمين.

حكم دفع الزكاة للقريب المحتاج

حكم دفع الزكاة للقريب المحتاج Q شخص دفع زكاة ماله لآخر يوزعها ولم يحدد لأي صنف، فوزعها على أقارب محتاجين فعلاً تجوز عليهم الزكاة، فهل هذا صحيح؟ A صحيح إن شاء الله طالما استأمنك وأنت صاحب أمانة.

بداية سن تعليم القرآن للأطفال

بداية سن تعليم القرآن للأطفال Q من متى نحفظ الأولاد القرآن؟ A من ساعة ما ينطق لسانه، وينطق الحروف بصورة صحيحة.

حكم المتسول في الشارع

حكم المتسول في الشارع Q هل المتسول في الشارع من السائل والمحروم؟ A لا، المحترف هذا ليس من السائل ولا المحروم؛ لأن السائل والمحروم لا يسألك، ويحسبه الجاهل غنياً من التعفف.

حكم إمامة المرأة بالنساء

حكم إمامة المرأة بالنساء Q هل تجوز إمامة المرأة للنساء؟ A تجوز، وبعض العلماء قالوا: لا تجوز إمامة المرأة للنساء، والسيدة عائشة صلت بالنساء، وقفت بينهن وصلت بهن، ولكن من غير صوت مرتفع في الصلاة الجهرية، ولا تفعل عائشة هذا إلا بإذن من المشرع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فتجوز إمامة المرأة.

التعامل مع الوالد الظالم

التعامل مع الوالد الظالم Q أنا شاب سني ست عشر سنة، أبي متزوج على أمي، ولا يصرف علينا، ويعاملنا معاملة سيئة، فماذا نعمل؟ A هو ظالم، فدع ظلمه عليه، وبره حتى وإن ظلمك.

حكم أخذ الأجر على تصميم مبنى المسجد

حكم أخذ الأجر على تصميم مبنى المسجد Q أنا مهندس معماري أبني مسجداً وفوقه أدوار، ثم توقفت المباني لسبب من الأسباب، فهل يجوز لي أخذ الأجرة لأنني صممت مبنى المسجد أم أنها حرام؟ A ليست حراماً، ولكنك أنقصت ثوابك، فإذا كنت محتاجاً للمال فليس هذا حراماً أبداً، وإذا كنت تريد ذلك في ميزان حسناتك وتطمع في الخير، فلا تأخذ الأجرة.

حكم زيارة النساء للقبور

حكم زيارة النساء للقبور Q ما حكم زيارة النساء للقبور؟ A حرام.

سلسلة الدار الآخرة_بداية علامات الساعة الصغرى

سلسلة الدار الآخرة_بداية علامات الساعة الصغرى إن للساعة علامات صغرى وكبرى، والعلامات الصغرى بدأت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زالت تتوالى من ذلك الزمن إلى زمننا هذا، والناظر فيها يرى أنها قد ظهرت كلها، ونحن بين عشية وضحاها ننتظر ظهور أول علامة من علامات الساعة الكبرى، فالذي ينبغي للمؤمن أن يسارع إلى مرضاة ربه قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.

الفرق بين علامات الساعة الكبرى والصغرى

الفرق بين علامات الساعة الكبرى والصغرى الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه الحلقة السادسة في سلسلة الحديث عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، وهذه الحلقة خاصة بعلامات الساعة، وكل حلقة من حلقات الدار الآخرة تمثل مرحلة هامة من مراحل الموت وما بعده. ندعو الله في بداية هذه الحلقة أن يجعل برحمته جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل ربنا برحمته بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسَّرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل هذه الدروس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا، واجعلها حجة لنا لا حجة علينا، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصل اللهم وسلم وبارك على البشير النذير سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن الأسباب الموجبة لعذاب القبر، وعن الأسباب المنجية من عذاب القبر، ورأينا أن الحلقة التي كانت خاصة بأسباب وموجبات عذاب القبر، كان الكلام فيها صعباً على النفوس، ولكن عندما جاءت منجيات عذاب القبر خففت منها شيئاً، ولكن القضية ليست قضية علمية بحتة، وإنما نحن في هذا المسجد نبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى. وقلنا: إن الكلام في مسألة الدار الآخرة لا اجتهاد فيه، وإنما أخذناه من فم الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فكل مسائل الدار الآخرة مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، ولا إفتاء فيها أبداً. علامات الساعة كثيرة، وحلقة طويلة جداً، ونحن مربوطون بوقت محدد، فلكيلا يطول الحديث ندخل فوراً في حلقة اليوم إن شاء الله، فاللهم! يسر لنا يا معين. علامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات صغرى، وعلامات كبرى. وهناك فرق بين علامات الساعة الصغرى، وعلامات الساعة الكبرى. الفرق الأساسي الجوهري: هو أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت كلها فباب التوبة لا يزال مفتوحاً أمام المسلم. أما علامات الساعة الكبرى إذا ظهرت منها أول علامة أغلق باب التوبة، نعوذ بالله من ذلك، اللهم تب علينا يا رب قبل أن تظهر علامات الساعة الكبرى. إذاً: الفرق الجوهري الأساسي: أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت فما زالت هناك فسحة أن يعود المذنب ويتوب العاصي والمنحرف، وأن يسترشد الضال، لكن إذا ظهرت أول علامة من علامات الساعة الكبرى فقد أغلق باب القبول، وأغلق باب التوبة، {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]. علامات الساعة الكبرى تسع علامات نؤجلها الآن، ونتكلم عن علامات الساعة الصغرى، جمعتها لكم بفضل الله عز وجل من الكتب والأحاديث الصحيحة، مما يقرب من (642) كتاباً، وجمعت فيها بفضل الله عز وجل ما لا يقل عن (1242) حديثاً، لكن أخذنا عينات؛ حتى لا يطول بنا الشرح. وجمعت لكم من علامات الساعة الصغرى (95) علامة، وأنا في حالة من الرعب كلما أعدت عليكم حلقات الدار الآخرة، وهذه ثالث مرة، فقد شرحتها لكم أول مرة في سنة (1974م)، وفي المرة الثانية في سنة (1987م)، وهذه المرة الثالثة، وأنا كلما أعدتها حدث لي رعب؛ لأن الخمسة والتسعين علامة رأيت أنها كلها قد ظهرت، نسأل الله السلامة، لم يبق إلا أن نصبح في الصباح وقد ظهرت بعض علامات الساعة الكبرى. وقد يحزنني من تفوته دروس الدار الآخرة؛ لأن العبد إذا مات قامت قيامته الصغرى، فأنت لو مت لا تحتاج علامات ساعة لا صغرى ولا كبرى؛ لأنك إذا مت انفصلت عن الحياة ودخلت في مرحلة أخرى من مراحل العمر ألا وهي حياة البرزخ، وعالم البرزخ عالم لا يعلمه إلا الله، فيدخل الإنسان أول منازل الآخرة بعد موته. هذه علامات الساعة الصغرى كما جاءت في أحاديث الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كل الكلام الذي سوف أشرحه لحضراتكم من نصوص أحاديث صحيحة نقحتها على مدى سنوات ثلاث، قبل أن أبدأ في حلقات دار الآخرة عكفت على علم الحديث الذي درسته وأدرسه، ونقحت هذه الأحاديث جميعاً بحيث لا تجدون أبداً حديثاً ضعيفاً فيها؛ لأن أمانة العلم تقتضي هذا المشهود. يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:1]، هذا الاقتراب يدل على القرب. وقال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] يعني: هم منتظرون أن تأتيهم الساعة. ويقول ربنا عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، هذه الآية فيها تقديم وتأخير، والتقدير: انشق القمر واقتربت الساعة؛ لأن انشقاق القمر كان قبل قيام الساعة وسبب انشقاق القمر أن المشركين ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! لو شققت لنا القمر لآمنا بك، قال: يا رب! شق لهم القمر، فكان نصف القمر على جبل أبي قبيس والنصف الآخر على الجبل المقابل له، فقيل له: هل آمنتم؟ قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:24] أي: سحرنا محمد؛ لأنه ساحر، ماذا تقول لقلوب قد أوصدت وأغلقت، اللهم! فهمنا وعلمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وتب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، ووفقنا لما تحبه وترضاه. وعلامات الساعة الصغرى (95) علامة، لكن بعض العلماء قد يقول لك: هي عشرون، وآخر يقول: هي ثلاثون، لكني جمعتها لك من أحاديث كثيرة.

ذكر بعض العلامات الصغرى لقيام الساعة

ذكر بعض العلامات الصغرى لقيام الساعة

من علامات الساعة الصغرى: بعثة النبي عليه الصلاة والسلام

من علامات الساعة الصغرى: بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أول علامة: بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وضم السبابة والوسطى، إلا أني جئت قبلها). وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات:42] يعني: متى ستقع الساعة ومتى يوم القيامة؟ ومتى ربنا يأخذنا ويحاسبنا؟ {فِيمَ} [النازعات:43] يجوز أن تقول: فيمه وتسكت، وهذه اسمها هاء السكت، فقوله: (فيمه) أي: أنت علامة من علامات الساعة يا محمد، وهذه فائدة علم القراءات، وسيدنا الحبيب هو آخر الرسل ليس بعده رسول. قد يقول قائل: يا أخي من ألف وخمسائة سنة لم يحصل شيء، نقول: إنما الأيام أيام الله، {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج:47]. فنحن من ألف وخمسمائة سنة كم لنا في هذه الدنيا؟ لنا يوم ونصف من ساعة بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لو قعدنا ثلاثة أربعة أيام خمسة أيام فهذه خمسة آلاف سنة، ولو قعدنا أسبوعاً فهذه سبعة آلاف سنة، ولو قعدنا شهراً فهذه ثلاثون ألف سنة. إذاً: الأيام ليست أيامك.

من علامات الساعة الصغرى: ما ورد ذكره في حديث جبريل الطويل

من علامات الساعة الصغرى: ما ورد ذكره في حديث جبريل الطويل العلامة الثانية: أن تلد الأمة ربتها، روي في الحديث الصحيح: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، ليس عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد منا، ووضع ركبتيه إلى ركبتي رسول الله وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه. ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت. قال: أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، يعني: أنا وأنت في عدم المعرفة سواء، ثم قال له: (أخبرني عن أماراتها) يعني: علامات الساعة. قال له: (أن تلد الأمة ربتها)، هذه ثاني علامة، يعني: الأم بعد ما كانت هي المطاعة في البيت، تأتي بنتها فتحكم عليها وتنكد على أمها، وهذا حاصل وواقع. ثم قال: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) من قبل ترى القصر ويقال لك: هذا قصر فلان باشا، أما الآن فترى القصر فيقال لك: هو ملك فلان السباك، أو الزبال. كذلك قبل ستين سنة تقريباً في المملكة والحجاز ودول الخليج ترى الرجل يسكن في خيمة وأرجله مشققة من الصحراء، يمشي حافياً، وإن بنى له حاجة كانت عبارة عن عشة مثل الكوخ، لكن الآن اذهب إلى الرياض أو جدة، وانظر، تقول: نحن في باريس، تجد الحفاة العراة قد تطاولوا في البنيان. فمن نسي نعمة الله عليه ولم يؤد شكرها نزعها الله منه فأعطاها لمن يستحق، وقد كان المصريون سادات العالم منذ آلاف السنين، فوصل بهم الحال اليوم إلى أن استدانوا، وسوف يأتي يوم من الأيام وتنقلب الأمور وتتعدل، إذا اتقى المصريون ربهم، فتعاد موازين القوى مرة أخرى، ويأخذ المال من يحسن إدارة المال. وسمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق، ولو أن أهل الخليج وأهل الحجاز أخرجوا زكاة أموالهم كما أمر الله عز وجل إلى فقراء المسلمين في أنحاء العالم؛ لما ظل مسلم فقيراً أبداً في الدولة المسلمة؛ لأن الله جعل قوت الفقير في مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني. قوله: (أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم غادرنا، قال: أتدرون من هذا؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم). يعني: هذا جبريل سألني هذه الأسئلة لأجل أن تتعلموا أمر الدين، هكذا قال المعصوم صلى الله عليه وسلم.

من علامات الساعة الصغرى: سعادة اللكع في الدنيا والإسراف في المأكل والملبس

من علامات الساعة الصغرى: سعادة اللكع في الدنيا والإسراف في المأكل والملبس العلامة التي بعدها أن تجد أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع، واللكع هو اللئيم كما في القاموس. وفي المقابل أن يمر الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك. يعني: أن يمر المؤمن بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانك؛ من كثرة الفتن التي رآها، أما اللكع ابن اللكع فيعيش سعيداً في الدنيا، والإنسان المستقيم التقي المؤمن الورع فإن الدنيا بالنسبة له سجن يريد أن يتحرر منه، اللهم حررنا من سجن الدنيا إلى سعة الجنة يا رب العالمين. العلامة التي تليها: كان سيدنا مصعب بن عمير شاباً مرفهاً في مكة، وكان يلبس الفاخر من الثياب، لكن تبدل حاله بعد الإسلام؛ لأن أهله أخذوا منه الثروة والأموال، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحال قال: (كيف بكم إذا جاء عليكم زمن يغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى، وتوضع أمامه صحفة، وترفع أخرى) يعني: يلبس الصبح لبساً، وبعد الظهر لبساً آخر، وتوضع الأطباق على السفرة وترفع أخرى، قالوا: (إذاً نتفرغ لأمر الله يا رسول الله) يعني: لا ننشغل بأمر الرزق ما دامت الأموال كثيرة والحمد لله، فقال: (لا أنتم اليوم خير منهم يومئذ) يعني: أنتم في هذه الأيام أفضل من الأيام التي تفتح فيها الدنيا ويكثر فيها المال. ولذلك جاء في الأثر: أن من الذين يدخلون الجنة بدون حساب رجلاً ينادي على أهله: ائتوني بشرابي، فيأتونه بالماء، لكن اذهب عند المصري المسلم فأول ما تقعد يقول لك: هل تحب الشاي أم القهوة أم العصير وغير ذلك؟ مع ذلك تجده يقول لك: ها نحن صابرون على الضنك الذي نحن فيه. يا أخي! أنت كمسلم تحمد الله على أن ربنا وسع عليك، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى علياً كرم الله وجهه، وهو يغمس اللقمة في الخل ثم في الزيت، قال: يا ابن أبي طالب طعامان في طعام واحد، إنك لمسرف يا علي.

من علامات الساعة الصغرى: إمارة الأشرار والنساء وتحكم البخلاء في الأموال

من علامات الساعة الصغرى: إمارة الأشرار والنساء وتحكم البخلاء في الأموال قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أمراؤكم خياركم، وأمركم بين أيديكم، وأموالكم في أيدي سمحائكم وكرمائكم، فظهر الأرض خير من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأمركم بين أيدي نسائكم، وأموالكم في أيدي بخلائكم، فبطن الأرض خير من ظهرها) كل علامة من العلامات التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم يقصها علينا كأنه شاهد عيان صلى الله عليه وسلم.

من علامات الساعة الصغرى: كثرة القراء وقلة العلماء

من علامات الساعة الصغرى: كثرة القراء وقلة العلماء أيضاً من علامات الساعة: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر القراء ويقل العلماء) بالله عليك كم عالم هذا الوقت في مصر، العالم الذي تحب أن تسمعه، وتتعب وتسافر لتأخذ عنه، بعدد الأصابع، لكن كم مقرئ سمعته؟ أكثر من الرز. والنتيجة: (ويكثر الجهل) هذه النتيجة حتمية، الآن تجد من يلبس عمامة حمراء والناس تستفتيه في مسألة الطلاق وغيرها. وكان هناك من قبل نوعان من لباس الرأس وعليهما شال: طربوش غامق بزر أسود للعالم، وطربوش (شرباتي) فاتح بزر أزرق للمقرئ، وأنت عندما تنظر إليه تقول: هذا مقرئ وهذا عالم، أما في وقتنا فقد صار كله عاماً، (يكثر القراء ويقل العلماء، ويكثر الجهل)، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (فيرفع العلم) وجاء في الحديث: (إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً، ولكن بقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

من علامات الساعة الصغرى: انتشار الفواحش

من علامات الساعة الصغرى: انتشار الفواحش ومن علامات الساعة: انتشار الفواحش والزنا بدرجاته، العين تزني، والأذن تزني، والرجل تزني: العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع، ويصدق هذا كله أو يكذبه الفرج. فيكثر الزنا، ويشرب الخمر، كل الفنادق ذات الخمسة نجوم فيها خمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يصير لكل خمسين امرأة قيم واحد؛ لأننا صعبنا الحلال، فصار الحرام يسيراً، فالشاب عندما يفكر في الزواج، هذه مسألة من رابع المستحيلات، من أين البيت؟ من أين يفرشه؟ من أين الشبكة؟ من أين المهر؟ من أين المؤخر؟ من أين تكاليف العرس؟ من أين الفندق؟ من أين السجاد والثلاجة والفريزر؟ فيأتي آخر إلى هذا الشاب فيقول له: لماذا تتعب نفسك؟ تعال أزوجك زواجاً عرفياً لا تدفع فيه ربع جنيه، فهذه الجامعات مليئة بالفتيات اذهب واختر واحدة منهن، واترك الباقي علي أنا. من إحدى الجامعات فقط وصلتني رسالة تحت عنوان: مشكلة الزواج العرفي بين الطلبة والطالبات، وعددها (742)، هذا الذي وصلني، فكم وصل الإخوة العلماء الباقين، والتي لم تصل وإنما فاحت ريحها. أقول: إن الحلال صار صعباً، وصار الحرام أمره ميسور، فكثر الزنا وكثرت الفواحش. نقول: يسروا أمر تزويج الشباب والفتيات، وإلا فسوف يحاسبنا الله جميعاً، وولي الأمر الذي يصعب على العريس مسألة الزواج ولا يتقي الله في ابنته التي عنده فهو قاطع رحم، فقد جاء في الحديث: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). نريد أن نيسر أمر تزويج الشباب والشابات، ليس ضرورياً خمس غرف أو سبع غرف، بل يكفي غرفة أو غرفتان وصندوق توضع فيه الملابس. كذلك أصحاب الأموال يتصدقون ويزوجون الشباب، وهذه تعتبر صدقة جارية لهم، تظل إلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى.

ذكر خمس عشرة خصلة وعلامة من علامات الساعة الصغرى

ذكر خمس عشرة خصلة وعلامة من علامات الساعة الصغرى من علامات الساعة: ما ورد في هذا الحديث: (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة فارتقب الساعة: إذا صارت الزكاة مغرماً) أي: تصير الزكاة غرامة، زكاة عشرين ألف جنيه، أو ثلاثين ألف جنيه، أو سبعين ألف جنيه، زكاة كم مليون، المليون عليه خمسة وعشرون ألفاً، والألف جنيه عليه خمسة وعشرون جنيهاً، أي: أعط للفقراء جزءاً من كل أربعين قسطاً. ثم قال: (والأمانة مغنماً) تضع عند أخيك أمانة يأكلها عليك، الأب يوصي الابن الأكبر ببقية إخوته وأخواته بألا يأكل حقهم، فإذا مات الأب، قام الأخ الأكبر الذي لم يترب على تقوى الله وانفرد بالثروة وبالتركة، وأكل نصيب إخوته، فليعلم هذا أنه إنما يأكل في بطنه ناراً وسوف يصلى سعيراً. ثم قال: (والمال دولاً) أي: يتداوله الأغنياء فيما بينهم. ثم قال: (وأن يعق الرجل أباه ويبر صديقه) تجد الولد في النادي يقول للمدرب: يا كبتن، والكبتن هذا بينه وبينه خمس ست سنين فقط، وعندما يكلم أباه يقول: أنت أصلك لا تفهم. ثم قال: (وأن يطيع زوجته ويعصي أمه) يقول لك: إن أمي لا تغضب علي إن عصيتها؛ لأنها تحبني، لكن زوجتي تحبني بينما لو عصيتها تغضب، نقول لهذا: وأمك عندما تغضب عليك، وتبكي للصبح، أين تذهب أنت من دمعتها حتى تصبح؟ تذهب إلى أين من الأم التي إن ماتت ناداك ربك: عبدي! ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، فاعمل صالحاً نكرمك من أجلك. لو أن واحداً مات أبوه وهو غير راض عنه، أو ماتت أمه وهي غير راضية عنه، فإنه بقي له أن يبر ويزور أقاربه، وكذلك يدعو لهما، ويتصدق عنهما، ويستقيم هو على طريق الله، كل هذا يصل ثوابه إلى أبيه وأمه بعد موتهما وفي حياته هو. بر بوالديك وإن ظلماك، واصبر عليهما، وكن معهما إن كبرا في السن على قدر عقليهما. (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، إن البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان). ثم قال: (وارتفعت الأصوات في المساجد) مثل ما يحصل من النساء الآن؛ لأنهن لا يتقين الله عز وجل، ولا يعرفن حرمة المسجد، وكما قالت عائشة: (لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنعت النساء من بعده لمنعهن من الذهاب إلى بيت الله عز وجل)؛ نسأل الله الهداية للجميع. لا نريد أن ترتفع الأصوات في المسجد، حتى قال العلماء: إن قراءة القرآن يوم الجمعة بدعة، كل مسجد يأتون له بمقرئ من المرتزقة، ولو عدنا للكتاب والسنة لرأينا أنها بدعة من البدع، ولو دخل الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى مسجد يقرأ فيه هذا المقرئ القرآن لنهاه، ولقال له: اترك الذي يصلي يصلي، واترك الذي يقرأ القرآن لوحده يقرأ، واترك الذي لا يعرف أن يقرأ القرآن يذكر الله ويستغفر الله سبحانه. والعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فوددنا أن تصير المساجد كمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحبيب المصطفى وأيام صحابته. لماذا تبتدعون في دين الله؟ لماذا تؤلفون في دين الله؟ التأليف في دين الله حرام، والزيادة في الدين كالنقص فيه، يجب أن نعود إلى المنابع الأولى لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. إذاً: لابد أن نخفض الأصوات في المساجد، وأن نتقي الله ونعرف أن هذا بيت الله، ويجب أن تكون فيه السكينة والهدوء. ثم قال: (وزعيم القوم أرذلهم)، أي: أن مدير المدرسة مكروه، أو الوزير في الوزارة مكروه، أو مدير المصنع مكروه، أو مدير المستشفى مكروه، أو مدير المؤسسة مكروه، فسبحان الله! نريد الناس تحب الناس، الناس إذا اتقوا رب الناس رزقهم الله حب الناس. ثم قال: (وأكرم الرجل مخافة شره) يعني: الناس تكرم بعض الناس ليس لأنه أهل للكرم، وأهل للاحترام، بل لأنه قليل أدب، ولسانه طويل، فهم يكرمونه مخافة شره. ثم قال: (ولبسوا الحرير)، هذه من علامات الساعة، فيحرم أن نجلس على الحرير وأن نلبسه، هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: (واتخذت القينات والمعازف) القينات: جمع قينة، والقينة هي الرقاصة، عندك الآن رقص شرقي ورقص غربي (وروك أند رول) و (التشه تشه تشاه) و (المط مط ماه) والخيبة المتلتلة والبلاء الأزرق، ويقول لك: هناك يا أستاذ رقصة الباليه، ويقول لك: هناك السباحة التوقيعية، يعني: يرقصون في الماء، يعني: الخيبة في البر وفي البحر، وهناك مدارس للرقص، ويقول لك: كل هذا دليل على حضارة الشعوب، والإسلام ليس دليلاً على حضارة الشعوب! يعني: هؤلاء الذين جاءوا إلى المسجد ليصلوا ويستمعوا إلى العلم لا يدل عملهم هذا على الحضارة حسب زعمهم، مع أن هؤلاء سبب نزول رحمة ربنا على العباد، اللهم اجعلنا من أسباب رحمتك لعبادك يا رب العالمين! واجعلنا من عمار بيوتك في أقصى الشمال وأقصى الجنوب يا رب العالمين. قال: (أن يلعن آخر هذه الأمة أولها)، يعني: هؤلاء الذين يخوضون في الصحابة من الرافضة وغيرهم. إذا ظهرت هذه العلامات فانتظروا خسفاً من السماء أو مسخاً وريحاً حمراء، وبلايا تتابع وراء بعضها، نسأل الله العفو والعافية.

علامات أخرى من العلامات الصغرى

علامات أخرى من العلامات الصغرى

من علامات الساعة الصغرى: تحول أرض العرب مروجا وانحسار الفرات عن ذهب

من علامات الساعة الصغرى: تحول أرض العرب مروجاً وانحسار الفرات عن ذهب جاء في الحديث: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً خضراً). يعني: الجزيرة العربية تتحول إلى مروج خضراء، فقد كانت خضراء ثم تحولت إلى صحراء، وها هي الآن ترجع خضراء، فالقمح الآن يزرع في السعودية وتصدر منه، ونحن في بلد النيل نستورد القمح، وهذا من مضحكات الزمن، بلد فيها إحدى عشرة كلية زراعة، وكم ألف خريج منها، وكم فلاح عندنا، والماء موجود، ومع ذلك نستورد القمح، كل هذا بسبب الذنوب. فتحت البنوك الربوية، وانتشرت الفوضى في المجتمع، والآفات تأكل الزرع، كان ينام بعد العشاء ويقوم الفجر، والآن يسهر قدام التلفزيون حتى الساعة الثالثة، وينام ولا يقوم إلا في الظهر، ومع ذلك نريد أن ينزل الخير. وفي الحديث الذي رواه مسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينحسر نهر الفرات عن كنز من ذهب، أو عن جبل من ذهب يتقاتل الناس عليه، يقتل من كل مائة تسعة وتسعون لا ينجو إلا واحد، يقول: ربما أنا الذي أفوز بالكنز) الذهب أنواع معروفة، هناك ذهب أبيض، وذهب أسود، وذهب أصفر، والذهب الأصفر الذي تلبسه النساء، والذهب الأبيض هو القطن، والذهب الأسود هو البترول.

من علامات الساعة الصغرى: ذهاب بركة الوقت وتكلم السباع مع الإنسان

من علامات الساعة الصغرى: ذهاب بركة الوقت وتكلم السباع مع الإنسان لا تقوم الساعة حتى تذهب البركة من الوقت، فيتقارب الزمان، فيصير العام كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، وهذا قد حصل، فالبركة منزوعة من الوقت. وسئل أبو حنيفة: في كم يوم تختم القرآن؟ قال: في الصلاة أم في خارج الصلاة؟ قالوا: هذا له ختمة في الصلاة وختمة خارج الصلاة، قالوا: في الصلاة؟ قال لهم: في صلاة الليل، أم في صلاة النهار؟ إذاً: كانت عندهم بركة في الوقت، أما في وقتنا فقد نزعت البركة من الوقت، ومن الأعمار، ومن الرزق، نسأل الله أن يعيد البركة إلينا مرة أخرى.

من علامات الساعة الصغرى: تكلم الجمادات

من علامات الساعة الصغرى: تكلم الجمادات من علامات الساعة: أن تكلم السباع الإنس، وأن يكلم المرء عذبة سوطه، وأن يحدثه فخذه بما أحدث أهله من بعده. أول علامة من هذه الثلاث: أن تكلم السباع الإنس، كان هناك يهودي اسمه أهبان وكان معه قطيع من الغنم يرعاها في المدينة، فطلع عليه ذئب وخطف عليه نعجة من النعاج، وجرى الذئب بالنعجة وجرى أهبان وراءه، فترك الذئب النعجة، وأقعى، أي: قعد على المؤخرة ورجليه الخلفيتين، وقال: يا أهبان ألا أدلك على خير من ذلك؟ فـ أهبان تعجب وقال: ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب منه نبي بين هذه النخلات هاجر من مكة إلى يثرب، يحدث الناس بما مضى، وبما هو آت، إن آمنت به دخلت الجنة. فقال له: من يرعى الغنم؟ قال له: لا تخف سأرعى لك غنمك حتى تعود، فذهب أهبان وقال لجماعة من أقاربه: هناك رسول بعث، وهاجر من مكة إلى يثرب، قالوا: اسمه محمد وهو الآن في دار بني النجار، فذهب أهبان إلى الحبيب ونظر إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أهبان! ماذا قال الذئب لك؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. ورد هذا في الحديث الصحيح. أيضاً من علامات الساعة: أن تكلم الرجل عذبة سوطه أي: طرف السوط، وهذا لم يحدث في زمن الصحابة، لكن في عصرنا قد تسمع المذياع أو المسجل. أيضاً من العلامات: أن يحدثه فخذه بما أحدث أهله من بعده، ممكن تجعل المسجل أو سماعة الهاتف في مكان مخفي وتسجل امرأتك وتسمع ما تقوله امرأتك في غيابك. كذلك: الآن الهاتف فيه شاشة، فالمتصل عليك ينظر إليك عبر هذه الشاشة أثناء الاتصال {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] هذا كله أمام علم الله لا شيء. أيضاً: من علامات الساعة: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، والفحش هو الكلام القبيح، والكلام القبيح منتشر في كل مكان. أما البخل فهو موجود.

من علامات الساعة الصغرى: ظهور أراذل الناس وهلاك أشرافهم

من علامات الساعة الصغرى: ظهور أراذل الناس وهلاك أشرافهم أيضاً من العلامات: (وأن يظهر التحوت ويهلك الوعول، قيل: يا رسول الله وما التحوت وما الوعل؟ قال: الوعول أشراف الناس). يعني: الناس المحترمة المؤدبة تختفي وتظهر التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم. فمثلاً: تجد شخصاً أدخله أبوه الشرطة بالرشوة وتخرج ضابطاً في القسم، فتراه واضعاً رجلاً على رجل مع أن سنَّه (22) سنة، فيأتيه واحد عنده (70) سنة مثل جده، ويقول له: يا ابني، فيقول له هذا الضابط: يا حاج، هذا لو علموه الأدب كان قال له: تفضل يا والدي استرح، صحيح أن هناك ناساً طيبين، لكن مثل هذا يعلمونه كيف يعامل الناس، هناك حصة اسمها: علاقات عامة، مثل: المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن يبدو نحن في دول الإسلام أننا متهمون حتى تظهر براءتنا. فمن الواجب على المسلم أن يحسن معاملة كبير السن، ويحسن معاملة أهل العلم.

من علامات الساعة الصغرى: ظهور المسخ في الأمة

من علامات الساعة الصغرى: ظهور المسخ في الأمة يقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشرٍ وبطرٍ ولعبٍ وخمرٍ ورقصٍ فيصبحون وقد مسخوا قردة، قالوا: ويشهدون أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله؟ قال: نعم، ويشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله). فهذه العلامة لم نرها، ولكن قد يكون المسخ معنوياً، مثل: البراءة التي تبخرت من وجوه أطفالنا، والحياء الذي ضاع من وجوه بناتنا، ربما كان هذا نوعاً من أنواع المسخ (قالوا: يا رسول الله! لماذا يمسخون قردة وخنازير، قال: باتخاذهم القينات والمعازف، وشربهم الخمر، ولبسهم الحرير وأكلهم الربا).

من علامات الساعة الصغرى: افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة

من علامات الساعة الصغرى: افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ويقول صلى الله عليه وسلم: (من علامات الساعة أن تفترق أمتي على ثلاث وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ما عليه أنا وصحابتي). كيف كان يعامل أمته؟ انظر كيف كانت حياته هو والصحابة وامض على طريقهم.

من علامات الساعة الصغرى: تقاتل اليهود مع المسلمين وتقاتل الناس على الدنيا

من علامات الساعة الصغرى: تقاتل اليهود مع المسلمين وتقاتل الناس على الدنيا يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقاتل اليهود مع أمتي، فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! إن يهودياً ورائي مختبئ تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود)، فأنت لو ذهبت إلى القدس ويافا وحيفا ترى الإسرائيليين اليهود يزرعون شجر الغرقد بكثرة في هذه المناطق؛ لعلمهم بصدق رسول الله من أن الغرقد لا يخبر باليهودي المختفي وراءه. أيضاً: يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يتقاتل الناس على المال والدنيا لا على الدين). أي: أن الناس يتخاصمون على الأموال، ويذهبون إلى المحاكم، لكن لا تجد شخصاً رفع قضية على آخر بأنه سب الدين، أو أنه لا يصلي، أو أنه سب عالماً من العلماء؟ بل كل القضايا والمشاكل والقتال والمقاتلة على الأرض، ومنابع البترول، والأموال، والتركة، والثروة والبيت، نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

من علامات الساعة الصغرى: عدم الوفاء بالعهود

من علامات الساعة الصغرى: عدم الوفاء بالعهود ويقول صلى الله عليه وسلم: (فارتقب الساعة)، بالله عليك أنا أريد صنائعي في مصر يعطيك كلمة ويصدق فيها، نجار، حداد، أي حاجة، يقول لك: بكرة سآتيك، وهو من سنة (1975م) لم يأت. مرجت عهودهم، تجد الرجل يقول الكلمة ويقول لك: أنا ما قلت. خطب المطعم بن عدي عائشة بنت أبي بكر لابنه، وهو أحد أكابر العرب، وذلك قبل أن يخطبها رسول الله، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة، فقال أبو بكر: إن المطعم بن عدي قد خطبها لابنه، لكن إن ترك فهي لك، فذهب أبو بكر إلى المطعم بن عدي وقال له: ذكرت ابنتي لابنك، هل ما زلت عند رأيك وعند كلامك؟ فقالت امرأة المطعم بن عدي: يا أبا بكر! لا نعطي ابننا لابنتك فيكفر بدين آبائه وأجداده ويدخل في دين محمد، فـ أبو بكر كأنه لم يسمع كلامها، قال: ماذا قلت يا مطعم؟ قال له: الرأي ما سمعت، ففرح أبو بكر؛ لأن السيدة عائشة ستكون زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم. ثم قال: (فإن وراءكم أيام الصبر القابض على دينه فيها كالقابض على الجمر، وأجر الواحد منهم كخمسين منكم، قالوا: بل منهم يا رسول الله! قال: بل منكم). يعني: الواحد في سنة (1900م) مثل خمسين من الصحابة. ثم قال: (إنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون) أي: أن أبا بكر يجد معه عمر، وعمر يجد معه عثمان، وعثمان يجد معه علياً، لكن أنت يا فلان لا تجد معك إلا شخصاً ييئسك من رحمة الله، ويقنطك من فضل الله، ويجعلك تشهد شهادة الزور.

من علامات الساعة الصغرى: عدم الاستماع إلى العلماء وتدافع الناس الإمامة

من علامات الساعة الصغرى: عدم الاستماع إلى العلماء وتدافع الناس الإمامة قال صلى الله عليه وسلم: (لن تقوم الساعة حتى لا يستمع إلى العليم) أي: كلام العالم يصير ثقيلاً على القلب؛ لأن كل شيء عنده حرام. ثم قال: (ولا يستحيا من الحليم) أي: لا يجد من يسمعه. ثم قال: (قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب) يعني: تجد الواحد عندما يرفع سماعة الهاتف بدل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تجده يقول: ألوه، وتجد الرجل عندما يتكلم يجعل الطاء تاء، والكاف غير موجودة، والقاف كافاً. كذلك نحن في جميع أنواع العلوم متأخرون، لكن الكوافيرات المصرية ستذهب لتشترك في المسابقات وسيحصلن على المرتبة الأولى. ثم قال: (وأن يكون السلام للمعرفة) من علامات الساعة أنه إذا عرفك سلم عليك، وإذا لم يعرفك لا يسلم عليك، وهذا حاصل. يا رجل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بثلاثين حسنة، ولك في الرد أربعين حسنة، وإن لم يرد فإن الله يرد، يا ليت كل الذين ألقي عليهم السلام لا يردون السلام، قال ابن مسعود: إن الذي يرد هو الله رب العالمين. من علامات الساعة: (وحتى يتدافع الناس الإمامة فلا يجدون من يصلي بهم). يقال: تقدم يا فلان وصل بالناس، قال: أنا لا أعرف، كل هذا بسبب قلة العلم، ولذلك تجد الرجل يقول: يا أخي صليت على ميت فكبرت وقرأت الفاتحة ثم ركعت لوحدي، مع أن صلاة الجنازة ليس فيها ركوع. نقول لهذا وأمثاله: لو تعلمت من الفقهاء والعلماء كيفية صلاة الجنازة كان أولى بك.

من علامات الساعة الصغرى: نزول رجال على أبواب المساجد ونساؤهم كاسيات عاريات

من علامات الساعة الصغرى: نزول رجال على أبواب المساجد ونساؤهم كاسيات عاريات قال صلى الله عليه وسلم: (وحتى ينزل بأبواب المساجد رجال كأشباه الرجال، لهم نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، شعورهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا، إذا رأيتموهن فالعنوهن فإنهن ملعونات). هن كاسيات وفي نفس الوقت عاريات، فهي كاسية من وجهة نظرها ومن وجهة نظر زوجها، فالرجل الديوث يرى امرأته تلبس الفستان المزركش الضيق وتخرج به، هذه كاسية في عرفها وعرف زوجها، لكن في حقيقة الأمر هي عارية. ثم قال: (مائلات) يعني: تتمايل في مشيتها، وسيدنا عمر يصف بنت الرجل الصالح التي جاءت لسيدنا موسى قال: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25] قال سيدنا عمر: جاءت غير خراجة ولا ولاجة، وإنما جاءت تلسع. يعني: جاءت تسير كسير الرجل. وقوله: (مميلات)، يعني: تميل نظر الرجال وقلوبهم إليها. وقوله: (شعورهن كأسنمة البخت)، الأسنمة: جمع سنام، والسنام الذي يكون على الجمل، وهناك جمل له سنامان.

من علامات الساعة الصغرى: تباهي الناس بالمساجد

من علامات الساعة الصغرى: تباهي الناس بالمساجد قال صلى الله عليه وسلم: (وحتى يتباهى الناس بالمساجد) يقول لك: بنينا مسجداً في بلدنا سبحان الله، فيتباهى الناس بالمساجد. وأيضاً: تزين المساجد وتزخرف، هذا أحمر وأخضر وأصفر، وآيات قرآنية على الجدران، وغير ذلك. جاء في الحديث: (إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم). إن شاء الله نذكر بقية علامات الساعة الصغرى، ونبدأ بعد ذلك في علامات الساعة الكبرى. وجزاكم الله خيراً وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_علامات الساعة الصغرى

سلسلة الدار الآخرة_علامات الساعة الصغرى من رحمة الله بعباده أن لم يجعل الساعة تأتيهم بدون مقدمات وعلامات؛ ليكونوا على أهبة لها. والعلامات على ضربين: علامات صغرى وعلامات كبرى، فالصغرى جلها قد وقعت إن لم تكن كلها، وهي كثيرة فمنها: زخرفة المساجد، واتخاذها طرقاً، وانتشار القتل، وفشو القلم، وذهاب العلم، وتشبه الرجال بالنساء، وكثرة الزلازل، وإماتة الصلاة، وكثرة الطلاق، وغيرها.

الفرق بين علامات الساعة الصغرى والكبرى

الفرق بين علامات الساعة الصغرى والكبرى أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السابعة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو الموت وما بعده، نسأل الله في بدايتها أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا! بيننا شقياً ولا محروماً، فك اللهم الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، اقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، وارحم أمواتنا وأموات المسلمين، كن اللهم بنا رءوفا وعلينا عطوفا، خذ اللهم بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك، قومنا إذا اعوججنا، أعنا إذا استقمنا، خذ بأيدينا إذا عثرنا، كن لنا حيثما كنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا شيطاناًً إلا صرفته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً لأهله رددته، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك -يا مولانا- غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه الحلقة -بمشيئة الرحمن- هي الحلقة السابعة نكمل فيها ما كان في الحلقة الماضية من علامات الساعة الصغرى، وقلنا: إننا جمعنا مئات الأحاديث وهي بعض علامات الساعة التي جاءت على لسان المعصوم الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، فجمعنا لكم ما يقرب من مائة علامة، ربما ذكرنا عناوين لبعض هذه العلامات وأنتم شهود صدق على ما ترون من صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فكل ما يقوله ليس كلاماً من عنده أو من ذات اجتهاده، وإنما هو مما علمه رب العباد سبحانه وتعالى. وقلنا في الحلقة السابقة: إن علامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات صغرى، وعلامات كبرى. والفرق بينهما فرق مهم جداً وخطير ومخيف، فإذا ظهرت بعض أو كل علامات الساعة الصغرى فما زال باب التوبة مفتوحاً، يعني: الذي لا يصلي له أن يصلي، والبذيء اللسان له أن يتوب، والمرتشي له أن يترك الرشوة، والذي ينظر إلى المحرمات له أن يغض البصر، والذي يسمع ما يغضب الله عز وجل أن يترك سماعها، والذي تذهب رجلاه إلى أماكن محظورة له الامتناع عن ذلك، وهكذا. أريد أن أقول: إن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت فما زال باب التوبة مفتوحاً، لكن يحزنني كثيراً أن كثيراً من الحاضرين والمواظبين على دروس الدار الآخرة إن كان الواحد منهم غير مواظب على الصلاة يظل أيضاً غير مواظب عليها، والمسلمة التي أتت المسجد غير محجبة أو منقبة، تخرج بعد درس العلم، وهي متأثرة قائلة: والله كلام لطيف وجميل يؤثر فينا، ثم تعود إلى سيرتها الأولى، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهتر بربه. والحديث عن الدار الآخرة يحرك المشاعر والقلوب القاسية، بل يلينها ويجعلها متابعة لأمر الله عز وجل، ومنيرة بكلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، اللهم اجعل قلوبنا من التي تطمئن بذكرك يا رب العالمين.

فائدة الحديث عن الدار الآخرة

فائدة الحديث عن الدار الآخرة إن الحديث عن الدار الآخرة، ليس مجرد عرض أكاديمي علمي بحت عما يحدث بعد الموت، وإنما نريد أن نبلغ ما بلغه الصادق الأمين سيدنا صلى الله عليه وسلم، ونريد من تبليغنا لكلام الحبيب عليه الصلاة والسلام تحريكاً للمشاعر الإسلامية نحو التوبة والاستقامة، ونحو إقامة مجتمع قائم على الكتاب والسنة، بعيد عما حرم الله، بعيد عن الشبهات، حتى وإن سار الناس جميعاً في طريق الانحراف والزور والبهتان، فإن المسلم مرتبط بما قاله الله وقاله الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي). ونحن ضعنا لما ألقينا كتاب الله وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم خلف ظهورنا، فأنت ترى الحالة التي وصل إليها المسلمون، أو المتمسلمون ومدعو الإيمان والالتزام، وهم للأسف في الاستماع خبراء، يعني: أستطيع أن أعطي شهادة لكل واحد منكم بأنه خبير استماع، لكن في التطبيق لا أرى خبيراً؛ لأن كثيراً من المسلمين يفصلون ما بين الاستماع والتطبيق، وقد كان الصحابي يسمع الآية فيبادر إلى امتثال قول الله عز وجل. هذا سيدنا أنس لما بعثه الرسول وقال له: (يا أنس! بلغ المسلمين أن الخمر قد حرمها الله) فذهب أنس، والصحابة -كما يحكون عن أنفسهم- جلوس يشربون الخمر، والصحابي الوحيد الذي لم يشرب الخمر منذ أن ولد إلى أن حرمها الله هو أبو بكر الصديق، وهذه تربية ربانية، وعصمة إلهية، اللهم اعصمنا من كل سوء يا رب. لو أن أحداً ابتلي بمصيبة وهو ممن يحضر دروس العلم، فهل سيصبر صبراً صادقاً؟ صبر من وضع الله يده على قلبه، فنزلت البلية والمصيبة على قلبه برداً وسلاماً، لكن إذا نزلت عليك المصيبة وادعيت الصبر وتظاهرت به، فحينها يرفع الله يده، ويكلك إلى نفسك، ويظهر ذلك في فلتات لسانك: بس يعني لو يعني الموضوع يعني، آه، لكن عندما يضع سبحانه وتعالى يده على قلبك فالأمر هين، اللهم ضع يدك على قلوبنا يا رب العالمين. ولذلك السيدة يوكابد أم سيدنا موسى عليها السلام، لما قال لها ربنا سبحانه وتعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه:39] تأمل كلمة (اقذفيه)، ثم بعد ذلك خذي التابوت واقذفيه في اليم، والقذف: هو رميٌ بشدة، فقال الله لها: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه:39]، فلما رمته خافت؛ لأن لها قلب أم، {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص:10] أي: هي على وشك أن تقول: ابني ضيعته قبل اثنين وسبعين ساعة، أو وضعته بيدي في التابوت أو في الصندوق ثم رميته، ولو قتلوه بأيديهم لكان أخف من أن أقتله بيدي. فقال تعالى: {إِنْ كَادَتْ} [القصص:10] أي: أوشكت، {لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:10]. أي: أن الذي ليس مربوطاً على قلبه ليس مؤمناً، لكن حين تجزع في المصيبة فاعرف أن إيمانك مهزوز، وكذا حين تجزع لموت حبيبك من أب أو أخ أو ابن أو امرأة، أو أي عزيز عليك، فأول ما تفزع فاعرف أن إيمانك مهزوز. وصحيح أنه لا قياس بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيدنا عمر أنكر، وسيدنا عثمان حصل له ذهول، وقعد علي على الأرض، فما تماسك من الصحابة إلا أبو بكر، وهو من أقرب الناس إلى قلب حبيب الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الناس إليه عليه الصلاة والسلام. إذاً: من سيكون أشد الناس حزناً على موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ النتيجة المنطقية: أن يكون أشد الناس جزعاً هو الصديق وبما أنه كان أشد الصحابة ثباتاً؛ فإذاً هو أشدهم إيماناً، فإيمانه لو وضع في كفة وإيمان الأمة كلها إلى أن تقوم الساعة في كفة أخرى، لرجحت كفة إيمان أبي بكر. إذاً: فالذي ليس مربوطاً على قلبه ليس مؤمناً، قال تعالى: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:10]. فعلامات الساعة صغرى وكبرى، إذا ظهرت علامات الساعة الصغرى فإن باب التوبة يبقى مفتوحاً، أما إذا ظهرت علامات الساعة الكبرى فإن باب التوبة سوف يغلق، والعياذ بالله رب العالمين، فلا تنفع أحداً توبة، ولا ينفع رجوع العاصي، فالذي صلى صلى، والذي زكى زكى، والذي عمل خيراً عمل خيراً، والذي ظلم ظلم، فيأتي ليرجع الحقوق فلا يستطيع، حتى أننا نرى من علامات الساعة الكبرى أن الناس انقسموا إلى قسمين: مجموعة منهم على وجهه هالة من نور تشع، اللهم اجعلنا منهم يا رب. والمجموعة الأخرى على وجوههم غبرة. ويختفي هناك التعامل بالأسماء يعني: لا يوجد محمود أو أحمد أو عبد الكريم أو عبد الحميد أو إبراهيم، وإنما الذي على وجهه هالة نور ينادى: يا مؤمن! والذي على وجهه غبرة ينادى: يا كافر!

الأحاديث الدالة على العلامات الصغرى

الأحاديث الدالة على العلامات الصغرى توقفنا في اللقاء الماضي على كل علامة من العلامات الثابتة بنص حديث من الكتب الصحيحة، وأؤكد أن كل حديث من هذه الأحاديث قد عكفت على تحقيقه زمناً، حتى أخرج الأحاديث الصحيحة فقط، يعني: كل أحاديث الدار الآخرة بفضل الله عز وجل، أحاديث محققة منقحة صحيحة، لا حديث ضعيف فيها، وحتى الأحاديث المرسلة إن لم تكن هناك أحاديث تقويها تركناها؛ من أجل الأمانة في نقل العلم، اللهم اجعلنا والسامعين من أهل الأمانة.

مسخ أناس قردة وخنازير

مسخ أناس قردة وخنازير وتوقفنا عند كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (يمسخ أناس من أمتي في آخر الزمن قردة وخنازير). وفي رواية ابن ماجة: إلى قردة وخنازير، قالوا: ويقرءون القرآن ويشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، يا رسول الله؟ قال: نعم، يقرءون القرآن، ويشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قالوا: بم يا رسول الله؟! أي: بم صاروا قردة وخنازير؟ قال صلى الله عليه وسلم: بعكوفهم على اللهو واتخاذهم القينات والمعازف، وبأن يحلوا الربا، وبأن يشربوا المسكرات. وفي رواية ثانية: وبأن يشربوا الخمر، فيصبحون وقد مسخوا إلى قردة وخنازير والعياذ بالله رب العالمين، وقد وضحنا هذا الأمر في دروس مضت.

إعانة المرأة زوجها في التجارة

إعانة المرأة زوجها في التجارة والحديث التالي يبين علامة أخرى من علامات الساعة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لن تقوم الساعة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة). الصحابة استغربوا، فأن تسمع الحيطان الكلام هذا أمر عادي، لكن أن تعين المرأة زوجها على التجارة فتصبح سيدة أعمال، أو رجل أعمال، جالسة في مكتبها وفيه ثلاثون تلفوناً وسكرتارية، وتتصل بالإسكندرية وببرج هونج كونج، وببرج في طوكيو وفي لندن، سعر الإسترليني اليوم كذا، فهذا مما يستغرب عند الصحابة وغيرهم من الفضلاء. وفي رواية ثانية له: (تعيب) وهي رواية الترمذي، أي: (تعيب المرأة على زوجها في التجارة)، أي: تقول له: لست حاذقاً، الناس يضحكون عليك، ونحو هذا. انظر إلى حال أم رومان مع زوجها أبي بكر، وكان من أكبر تجار المسلمين، ولم يضعها بجواره في التجارة، وإنما كانت تربي السيدة عائشة والسيدة أسماء وسيدنا عبد الرحمن وسيدنا عبد الله بن أبي بكر، وهم أبناء أبي بكر العظماء رضي الله عنهم أجمعين. إذاً: فهي لم تهتم ولم تشغل نفسها بالتجارة مع أبي بكر، وفي هذا الزمان لم تعد مجرد إعانة، وإنما تحضر وقت البيع وتتدخل بأن تتم الصفقة أم لا. مثلاً: عندك شركة فيها مكتب، وتريد أن تقوم بعمل مقاولة معينة لفلان، فهي لن تنتظرك، وامرأة صاحبك الذي ستتم لها الصفقة قد تعرقل وقد تعقد هذه الصفقة، مثلما وضحنا سابقاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أمركم شورى بينكم، وأموالكم في أيدي سمحائكم أو كرمائكم، وأمركم بين أيديكم، فظاهر الأرض خير من بطنها) والعكس بالعكس (إذا كان أمراؤكم شراركم، وأموالكم في أيدي بخلائكم، وأمركم بين أيدي نسائكم، فبطن الأرض خير من ظهرها)، وهذا حصل أم لم يحصل؟ حصل.

قطع الأرحام

قطع الأرحام ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقطع الأرحام). ليست رحماً واحدة، وإنما أرحام، وللأسف لا تقابل في هذا الزمان أقربائك إلا في المناسبات القوية، إما في موت أو في فرح، أو في مرض خطير، فإن قيل: هذا ابن خالك، قال: من أين؟ أنا لا أعرفه ولم أره، وهكذا، لأن الأخوات كن متقاطعات. وبعض الآباء يزرعون الضغينة في قلوب الأبناء، فيحقدون على أبناء عمومتهم. فمن أراد أن يبيت في بركة من الرزق وبركة من العمر فليصل رحمه، ومن أراد أن تنزع البركة من رزقه وعمره فليقطع رحمه، اللهم اجعلنا من الوصولين للرحم يا رب العالمين. ولذلك أي امرأة تعمل قطيعة ما بين زوجها وبين أهله فهي قاطعة للرحم، لا يتقبل الله لها صلاة، أي: صلاتها لا ترتفع فوق الأرض شبراً، وكذلك إن قطعت زوجتك عن أهلها بدون عذر ظاهر، ومعنى (عذر ظاهر) كأن تكون خالتها مثلاً تشتغل بشغل معيب، كأن تكون راقصة مطربة، ونحو ذلك، فحينها لك الحق أن تقول لها: لا تزوري خالتك هذه، لكن لو كانت خالتها سيدة فاضلة فلا تمنعها. تأتيني شكاوى من بعض النساء، وفيها: زوجي يقول: لا تذهبي عند أمك، كيف يمنع هذا الزوج امرأته عن أهلها؟ إن من حقوق الزوجة عليك طالما أن أهلها بنفس المدينة التي تحيا فيها، أن تزور أهلها ولو كل جمعة مرة، لكن هناك نقطة مهمة، وهي أن أهل الزوجة عند أن تأتيهم يقومون بإفسادها على الزوج فترجع إليه وقد تغيرت طباعها، وكثرت مطالبها، فإياك أن تكون قاطعاً للرحم، وتجعل الناس أيضاً يقطعون أرحامهم. اللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامنا يا رب العالمين. ويكفي أن الله يقول لها: (يا رحم! ألا يكفيك أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك)، فمن وصله الله، فنعم الصلة هي والله، اللهم صلنا بك يا رب، ومن قطعه الله، فماذا يبقى له؟ نسأل الله التوبة والهداية.

فشو القلم

فشو القلم ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وفشو القلم). معنى: (فشو القلم): انتشار حملة الأقلام المشكوك في أمرها، وليس قلم الصدق، يعني: الذين هم من الكتبة، من الأدباء والصحفيين وأساتذة الجامعة المدرسين، وكل من يكتب وتؤثر كتاباته. انظروا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم يتعلم بقلم، يقول له ربنا: اقرأ، قال له الله ذلك على لسان جبريل، قال: ما أنا بقارئ، وكرر عليه الأمر مراراً، وفي الأخير قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. اللهم علمنا ما جهلنا يا رب.

أنواع التعليم

أنواع التعليم علم الله الناس ثلاثة أنواع من التعليم: العلم الأول: علم بالقلم، وهذا الذي تعلمناه في المدارس، فإن أتاك أحد وقال لك: أنا أريد أن أعمل شيئاً للإسلام، فأته بعشرين أمياً من الحي الذي أنت ساكن فيه؛ ليعلمهم القراءة والكتابة، فكلما يقرأ أحد منهم في المصحف تأخذ ثوابه إلى أن تموت، وبعدما تموت، فهذا تعليم بالقلم. وهناك تعليم بالتلقين، ومنه ما قال ربنا عن آدم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] فقد كان هذا بالتلقين، فعلم آدم علماً تلقينياً، وهذا هو النوع الثاني للتعليم. النوع الثالث: علم بغير القلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]. وهناك نوع من العلم يسمى العلم اللدني، اللهم علمنا من علمك اللدني يا رب، ويدل عليه قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]، العلم اللدني هو العلم الذي يعلم البصائر، فالعلم لا يدخل على البصر أو السمع، وإنما يدخل على البصيرة التي يقول الله فيها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:282]. فإن تتق الله يفهمك، وتفسير هذا في الحديث: (من عمل بما علم، ورثه الله علم ما لا يعلم). سألت امرأة أبي حنيفة فقالت: مات أخي وترك ستمائة دينار، فأخذت من تركته ديناراً -فهي أتته بالمسألة من الآخر، ليس من الأول، ونحن دائماً في مسائل الفرائض، نقول: مات وترك كذا وكذا- فهي تقول له: أخي مات، فأنا أخذت من تركته ديناراً واحداً، فقال لها: لا بد أن أخاك ترك بنتين وأماً وزوجة واثني عشر أخاً وأنت فأخذت ديناراً. فترجمها أبو حنيفة سريعاً، أما نحن لو أتتنا لقلنا لها: اتركيني لغد، ونجلس نحسبها، ونعمل فاصل جدول، ونقول: ربع وثمن وثلث ونصف، وفي رد أو عول. وكذلك في المسألة الغراوية أيضاً، رد سيدنا عمر سريعاً. فاللهم علمنا من علمك يا رب، فهذا اسمه العلم اللدني. إذاً: فشو القلم، المراد به انتشار الأقلام وحملتها، وكل واحد في هذه الأيام يكتب، وليس المراد أن صحفياً ماركسياً أو شيوعياً مثلاً يكتب في الإسلام، أو ممن لا يصلون يكتبون في الإسلام ويفتون. وكان سيدنا ابن عباس يأبى أن يغادر أحداً يعرف أن عنده مسألة فقهية، فيعكف على بابه، وكان يتذلل لأهل العلم، فلا يضرب على أبوابهم، بل يقول: العالم سيخرج للصلاة، فسأنتظره حتى يخرج. وكان رضي الله عنه يقول: العلم يؤتى إليه، ولا يأتي لأحد. ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنه: ذللت طالباً فعززت مطلوباً، وصدق رضي الله عنه، فقد كان الناس يأتونه لعلمه من مصر ومن جنوب الجزيرة، ومن جنوب شرق آسيا، كلهم يأتون لـ ابن عباس؛ لأنه تذلل في العلم، والعلم يريد تواضع متعلميه لا تكبرهم، فحين يأتي الطالب إلى المسجد إنما يأتي ليتعلم ويجلس مع الصالحين، اللهم علمنا من علمك يا رب العالمين. إذاً: (فشو القلم) انتشار الأقلام، وهؤلاء يضافون إلى خطباء الفتنة، الذين يفسدون أفكار الناس بأقلامهم، فهذا رجل كبير السن يقول: أنا كنت أتمنى أن موسيقار الجيلين أو موسيقار الأجيال لما مات بدل أن يعملوا نشيد بلادي بلادي أو السلام الوطني وهم يدفنونه، كان الأولى أن يأتوا بعازفين للحن مجنون ليلى وهم في الدفن، يا أخي اتق الله، فقد مات، ربنا يغفر للجميع، وهذه مسألة تخص الله عز وجل ليس لنا فيها دخل، يا رجل! اسكت، أأنت تحض على طاعة؟ تقول: بدل أن يدفنوه بالسلام الوطني، بلادي بلادي، يدفنوه بلحن مجنون ليلى، أين الحياء؟ اتقوا الله يا ناس فينا، والناس يقرءون هذا الكلام ويقولون: والله هذه فكرة جميلة كيف جاءت له؟ وطبعاً جاءت له من الشيطان. إذاً: معنى: (فشو القلم) انتشار حملة الأقلام الفاجرة.

كثرة شهادة الزور

كثرة شهادة الزور ثم قال عليه الصلاة والسلام: (كثرة شهادة الزور). انظر جوار مجمع المحاكم، على باب القسم، ستجد تحقق هذه العلامة، تجد المحامي يقول لموكله: يا أستاذ! ألا يوجد عندك شهود عدول؟ فيقول: لا، فيقول له: أصحابك، فيقول: ليس عندهم فراغ، وكان الشاهد قديماً بخمسين قرشاً، فادفع الآن مبلغاً مناسباً؟ وتأخذ من أحد شهادة زور، ثم يذهب الاثنان إلى نار جهنم والعياذ بالله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياك والشرك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فاعتدل؛ لأن الذي سيأتي خطير هو بعد الشرك بالله، وبعد عقوق الوالدين فقال: (ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور) حتى قلنا: ليته سكت. أي: ليته لم يكن كررها؛ لأن هذا الأمر خطير، أي: شهادة الزور، فلا تقل: أخي حكى لي حكاية فذهبت وشهدت معه في المحكمة؛ بل إن رأيت بعينيك فبها وإلا فلا، أي: لابد أن ترى بعينيك. رجل جاء يشهد عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال له: تعال، وأخذه بيده خوفاً عليه من النار، وذهب به خارج المسجد بعد صلاة العصر، والشمس لازالت واضحة، فقال له: (أترى الشمس؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: على مثلها فاشهد أو دع) أي: على مثل قرص الشمس ينبغي أن تكون شهادتك، فقال الرجل: اعفني من الشهادة يا رسول الله. فالأمر خطر، فإذا كنت رأيت الحق شيئاً واضحاً بيناً فاشهد وتوكل على الله. انظر إلى سيدنا علي رضي الله عنه كيف شهد شهادة الحق، ذهب ابنه الحسن يخطب من قبيلة همدان، فلما صعد علي المنبر، قال: أيها المسلمون! بينكم قبيلة همدان، وأنا أحبهم، وابني الحسن ذهب ليتزوج منهم، وهو مزواج مطلاق. -أي: يتزوج كثيراً ويطلق كثيراً- إن شئتم فزوجوه، وإن شئتم فالأمر بأيديكم. انظر إلى الصراحة، ولم يقل: هذا ربيب بيت النبوة، وسيدنا الحسن سيد شباب أهل الجنة هو والحسين. فقال زعيم القبيلة: يا أمير المؤمنين! كيف نرفض أن تضع ابنتنا شفتيها مكاناً كانت توضع فيه شفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أي: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، وتكون ابنتنا تقبله أيضاً في المكان الذي قبله الرسول صلى الله عليه وسلم، فسر سيدنا علي من الإجابة وقال: لو كنت بواباً على باب جنةٍ لقلت لهمدان ادخلوا بسلام يعني: أنهم ماداموا يحبون بيتي وآل البيت والحسن ابني فهؤلاء ناس أهل كرم. أتت امرأة بابنها وعمره سبع سنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما له؟ قالت: لا يتكلم يا رسول الله! فقال: كوباً من الماء يا أنس، وأخذ قليلاً من الماء، فوضعه في فم الولد. فقال الولد: السلام عليك يا رسول الله. إذاً: فحذار من شهادة الزور، ولو كانت لأقرب قريب، وإن استفتيت في موضوع فقل بما يرضي الله، وبما ترى، ولا تقل: ما رأته سيادتك! اللهم اجعلنا من أهل الصدق، وأبعدنا عن شهادة الزور يا رب العالمين.

كتمان شهادة الحق

كتمان شهادة الحق ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكتمان شهادة الحق) هذه عكس الأولى. دخلت امرأة على شريح القاضي تبكي بكاءً مراً، تقول: زوجي ظلمني أيها القاضي! وتبكي، والقاضي يرى مثل حالتها كل يوم، وقد عرف المغزى، فقال له من بجواره: أيها القاضي مظلومة، قال له: وما الذي أدراك؟ قال: ألا ترى بكاءها؟ فقال له: إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً يبكون، وقد رموا أخاهم في الجب، أي: جاءوا بعد غياب الشمس من أجل الدموع الكاذبة لا تكون واضحة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الصدق. فإياك وكتمان شهادة الحق، وإن طلبت منك شهادة، فلا تقل: وأنا مالي؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283].

قبض العلم

قبض العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم) معنى: (يقبض العلم) أي: أن الله سبحانه وتعالى يميت العلماء الصالحين، فيكون العالم الملتزم الذي لا يخاف في الله لومة لائم بضاعة نادرة، فلا يبقى إلا علماء السلطة في كل مكان. ولما مات الملك فؤاد كان عمر ابنه فاروق ست عشرة سنة ونصف سنة، وكان دستور المملكة المصرية أيامها أن الملك لا يصعد للملك إلا عندما يكون عمره ثماني عشرة سنة، فكيف العمل بالملك فاروق؟ أتوا بثلاثة أو أربعة من الأزهريين، ولا أغتاب العلماء، فهؤلاء أساتذتي وعلمائي وتعلمنا على أيديهم، وهذا المعهد له فضل على الآلاف المؤلفة بل الملايين على مر الزمن، اللهم أعده إلى ما كان عليه من الحق يا رب العالمين. إذاً: فأتوا بعلماء من الذين يريدونهم، من أصحاب القوانين، فقالوا: كيف نجعل عمر فاروق ثماني عشرة سنة؟ فقالوا: نحسب سنه بالشهور الهجرية، والشيطان ينفث في روع أهل الفتاوى الباطلة فأوصلوا عمره إلى ثماني عشرة سنة، فصدر المرسوم بأنه الملك، فقللوا المدة، وهو لم يكمل ثماني عشرة سنة كاملة، ولكن ضيقوا المدة جداً، وبعدما تولى رجعوا سنه حقيقة مرة ثانية، سبحان الله! فهذا من انتزاع العلم، فليست العبرة بكميته، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يميت العلماء الصالحين، الأول فالأول، فلا يبقى في الناس إلا جهال) الحديث سماهم جهلة رغم علمهم؛ لأنهم يفتون الناس فيَضلون ويُضلون والعياذ بالله، والمصيبة أنه يقول لك: حطها في رقبتي! ولماذا تحمل رقبتك؟! وما عساها أن تحمل رقبتك؟ فلا تجعل في رقبتك إلا شيئاً تعرفه، والله اعلم. بينما كان سيدنا عمر رضي الله عنه يمشي وجد امرأة حاملاً، فلقيت أمامها أمير المؤمنين فجأة، والمفاجأة التي حصلت لها أنها لما وصلت البيت أسقطت الذي في بطنها، فأشتكى زوجها لأمير المؤمنين، جئت أشكو إليك منك، فماذا حدث؟ قال له الرجل: لقد رأتك زوجتي على حين غرة فخافت منك، وأنت رجل مهيب، فسقط ما في بطنها. فخاف سيدنا عمر، فصعد المنبر وقال: أيها الناس! بينما أنا سائر في الطريق إذ التقيت بامرأة فجأة، فسقط ما في بطنها أعلي شيء؟ قالوا: لا يا أمير المؤمنين! فقال سيدنا علي: يا أمير المؤمنين! إن كانوا قد نصحوك فقد غشوك، ويوم القيامة لن ينفعوك، عليك غرة، يعني: عليك دية؛ لأن هذا قتل خطأ. ومثال قتل الخطأ: أن يمشي أحد ببندقية ولقي عصفوراً على الشجرة، فرمى العصفور، ونفذت الرصاصة من الشجرة إلى بلكونة فقتلت إنساناً، فهذا قتل خطأ، ونقول للقاتل: عليك مائة ألف جنية، وهي عدل مائة ناقة؛ لأن الناقة بألف جنية؛ لذلك أحذر الذين يعملون عملية إجهاض، فلينظروا كم مرة قتلوا ثم ليضربوا في مائة ألف!

كثرة الزلازل

كثرة الزلازل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل). عندما تسمع هذا الكلام لا تملك إلا الصلاة والسلام على رسول الله. قوله: (تكثر الزلازل) من فضل الله عز وجل أن حزام الزلازل العالمي موجود في شرق إيران وغرب المغرب وجنوب السودان وشمال مصر، وعندما تنظر الخريطة تجد العالم الإسلامي داخل حزام الزلازل، والزلازل بعيدة عنه بفضل الله عز وجل، وعمل خبراء الجيولوجيا في جزيرة العرب بحثاً عن الزلازل، أي: هل سيوجد زلزال فيها أم لا، فلم يجدوا أي أثر لأي ثورات بركانية محتملة تحت الجزيرة العربية، وبالذات في منطقة مكة والمسجد النبوي الشريف، وتجد إيطاليا فيها زلازل، وبينها وبين مصر البحر الأبيض، وفي ناحية غرب إيران تقع الزلازل، وحزام الزلازل بعيد عنا، وهناك عند البربر، وهناك جماعة البوليساريو، وتجد هناك أناساً في الجنوب مشركين. وقد حدث زلزال بسيط على زمن سيدنا عمر، فقال: أيها الناس! لا تتزلزل الأرض إلا لذنوب صنعت فوقها، فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا يرحمكم الله، اللهم! لا تهلك أمة محمد وعمر بينهم.

تقارب الزمان

تقارب الزمان وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويتقارب الزمان) المراد: نزع البركة من الوقت، وفي الحديث: (السنة كشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة) مر علينا أسبوع من الدرس الماضي وكأنه أمس. فلا بركة في الوقت، ومن أجل ذلك قطع الناس الأرحام؛ لأن المسافة تأخذ وقتاً من الإنسان. أحد الصالحين ذهب يحج من الشام، فكلما كان يمشي مرحلة، ينزل ويريح الدابة، ثم يصلي ركعتين، هذا غير الفرائض طبعاً، فالذين معه جلسوا يحسبون له، فقالوا: صلى ألفي ركعة، واحزناه لنزع البركة من الوقت. اللهم بارك لنا في أوقاتنا، وبارك لنا في أعمارنا، وبارك لنا في أموالنا، وبارك لنا في أبنائنا وبناتنا وذرياتنا وزوجاتنا، إنك يا رب العباد على ما تشاء قدير.

ظهور الفتن

ظهور الفتن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتظهر الفتن) أظن الفتن هذا الوقت متعددة متنوعة. يسألني رجل فيقول: أصحيح يا شيخ أو أمعقول أن يمد ولد يديه على أمه؟ يقول: نجد الكثير ممن ضرب أباه أو أمه، أو بصق على وجه أبيه، أو طرد أمه من الشقة، هل هذا حقيقي؟ أقول: حقيقي في حالة واحدة فقط، ولعل السبب: أن الزوج أبا الولد عندما جاء يتزوج امرأته أكل عليها مؤخر الصداق، ونوى ألا يؤديه لها، فكأنما يزني بزوجته، أو يكون الزوج كثير الحلف بالطلاق، فطلق امرأته أكثر من خمس عشرة مرة، ويعيش معها، ويكون مع امرأته في الحرام، ورزق بولد يضرب أباه وأمه؛ لأنه ابن حرام والعياذ بالله، لا تفسير عندي إلا ذلك، أما ابن من صلب أبيه وصلب أمه، فلا يمد يده بالفطرة على والديه، ولا لسانه أيضاً، ولن يكره أباه ولا أمه فطرة، اللهم اجعل أبناءنا بررة بنا، واجعلنا بارين بآبائنا أحياءً وأمواتاً يا رب العالمين. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وتظهر الفتن)، الفتن والبلايا كثيرة. رجع النبي صلى الله عليه وسلم مرة من غزوة في السنة السابعة من الهجرة فقال: (مالي أرى الفتن تتساقط على بيوتكم تساقط المطر)، أي: الفتن تتساقط على بيوت الصحابة، أما على بيوتنا فكيف؟! ماذا نصنع يا رسول الله؟ قال: (اتقوها بتقوى الله)، تقوى الله ألا يجدك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك.

كثرة القتل

كثرة القتل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويكثر الهرج)، أي: القتل، كم حادثة تقرؤها في الجرائد عن القتل، فرجل قتل امرأته، وآخر قتل أباه، وثالث قتل ابن عمه، وهكذا. وفي رواية ثانية: (لا يدري القاتل لم قتل، ولا المقتول لم قتل). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رفع على أخيه حديدة فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله) هذا لم يضرب، وإنما رفع فقط، أما الذي يضرب وبالذات الضرب على الوجه، فأمره عظيم، فاحذر أن تضرب امرأتك على وجهها، أو تضرب ابنك على وجهه، أو تضرب العامل الذي عندك على وجهه؛ لأنه في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته، فمن صفع مسلماً - والعياذ بالله - كأنما صفع وجه رب العباد سبحانه). كان الرسول يؤدب بالسواك، ولم يكن يضرب، فما ضرب بيده امرأة قط، وما ضرب بيده إلا في سبيل الله، في صلى الله عليه وسلم، ولنا فيه أسوة حسنة، وكان يهدد أنساً فيخرج له السواك ويقول: يا أنيس! لولا مخافة القصاص يوم القيامة لأوجعتك ضرباً بهذا السواك، فهذه منتهى قسوة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

فيضان المال

فيضان المال وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويفيض المال). كيف يفيض المال؟ أي: يكثر، وليس فيه بركة، في الحديث الثاني: (حتى تعطي الصبي المائة دينار فيستقلها). كان سيدنا عمر يذهب ليحج ويرجع بستة عشر درهماً، يعني: بأربعين قرشاً، فتجد من يتفلسف ويقول: سعر الذهب كذا، ويقول: قرأت في الأهرام منذ أسبوعين حلقات في تحليل الربا، أو تحليل الفوائد، فأقول: اقرأ براحتك يا أخي! اقرأ حتى الصبح، فالربا حرام. فالمسألة: أن المال كثير ولكن ليس فيه بركة، تأتي للولد بمائة جنية فيقول لك ماذا أفعل بها؟! هل أشتري بها بنطلون أم جزمة أم قميص؟ وكان الأمر عند أجدادنا القريبين، يعن: سنة 1900م أيام الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه، فتجد أحدهم بمائة جنية يعد باشا، لكن في هذا الوقت صار الكل باشا.

علو أهل الفسق في المساجد

علو أهل الفسق في المساجد ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن من علامات الساعة علو أهل الفسق في المساجد) وما دخل أهل الفسق في المساجد؟ تخيل أن مائة عالم من فقهاء المسلمين، التابعين لرابطة العالم الإسلامي في مكة، وأشرف أن أكون عضواً فيها، أصدرنا فتوى سنة 1407هـ بتحريم السجائر؛ بناء على واحد وثلاثين سبباً، فليس لسبب واحد أو اثنين، وإنما لواحد وثلاثين سبباً، يعني اجتمعت اللجان العلمية وقررت إصدار الفتوى وتخيل هذا الحرام وهذه الرائحة السيئة تكون داخل بيوت الله فماذا تقول؟ ولما أن يلحق بالمساجد دور مناسبات، تلاقي رائحة السجائر تدخل على المصلين، وتجد أن المساجد تحدث فيها والعياذ بالله سرقات، فمن قائل: صندوق النذور الذي للمسجد الفلاني استرق منه 54000 جنيه. ومن علو أهل الفسق في المساجد والعياذ بالله، أن تجد واحداً أول مرة يدخل الجامع، ويكون الإمام قد أخر الصلاة قليلاً، فتجده يقول: الآذان! الإقامة! وتجده بعد ذلك يقول لك: إن من السنة أن تخفف الخطبة قليلاً، فلا تطولها هكذا، فأقول: سأخفف الخطبة إلى 25 دقيقة، مثلما تقول الأوقاف، لكن آخذ راحتي في الصلاة مثلما فعل الرسول، وسأقرأ جزءاً من البقرة في الركعة الأولى وهذا تخفيف فهل سترضى؟! وربنا يجعلنا وإياكم في المسجد كالسمك في الماء، إن خرج منه مات، اللهم اجعلنا من أهل المساجد ومن المحبين لها ولأهلها يا رب العالمين.

ظهور أهل المنكر على أهل المعروف

ظهور أهل المنكر على أهل المعروف قال صلى الله عليه وسلم: (وظهور أهل المنكر على أهل المعروف). ماذا يعني علو أهل المنكر على أهل المعروف، اذهب إلى قسم شرطة لتكتب محضراً وأنت ملتح تلبس جلباباً من الذين يقال عليهم أصحاب الجوامع، ودع راقصة من الراقصات تدخل في الوقت نفسه لكن تكون مشهورة! فبالله عليك لمن ينظر بعين الاحترام؟ إليك يا متطرف أم إليها؟ التفسير واضح وبين. انظر سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، يعطيك العلاج فقال: (علو أهل الفسق على أهل التقوى) أي: علو أهل الفجور على أهل البر، وعلو أهل الانحراف على أهل الصلاح، عندما تأخذ الضرائب من رقاصة مليون جنيه ونصف، للتصالح فقط، أما لو كانوا متخاصمين كان سيأخذون عليها كم؟!

إماتة الصلاة والاستخفاف بالدماء وبيع الدين بالدنيا

إماتة الصلاة والاستخفاف بالدماء وبيع الدين بالدنيا وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهرت في أمتي هذه الخصال فارتقب الساعة) وهذا الحديث رواه ابن ماجة والترمذي. (إذا أماتوا الصلاة). معنى: أماتوا الصلاة أي: أن الصلاة ليس لها صوت، حتى القناة الثانية ليس فيها آذان، تأتي الموسيقى الحزينة التي تشبه الموسيقى الجنائزية هذه، فتعرف أن الأذان جاء، وبعدها تتابع المسلسل الأجنبي، تابعه وخذ راحتك في الحرام. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واستخفوا بالدماء). أي: صار الدم عند الناس رخيصاً، مع أن نقطة دم مسلم تساوي عند الله الكثير، بل في الحديث: (لهدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مسلم) فأين سيذهب من شنق الناس وتعذيبهم وقتلهم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وباعوا الدين بالدنيا) العاقل يبيع دنياه بدينه، فيربحهما جميعاً، وإن كان ممن يبيع الدين بالدنيا فسيخسرهما جميعاً. سيدنا سعيد بن جبير رحمه الله، لما أتى به الحجاج من أجل أن يقتله، وكان سعيد بن جبير من عظماء التابعين رضي الله عنه، فقال له: ما اسمك؟ قال له: اسمي سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير، فقال له: أمي سمتني سعيداً. انظر إجابات الناس المؤمنين بهدوء، قال له: لقد سعت في هلاكك، فيرد عليه سيدنا سعيد ويقول له: الغيب يعلمه غيرك، أي: هذا العلم ليس بيديك، قال له: لأبدلنك من دنياك ناراً تلظى، يرد سيدنا سعيد فيقول: لو أعلم أن ذلك لك ما اتخذت إلهاً غيرك. أي: لو أن ييديك الجنة والنار كنت سجدت لك، لكنك عبد مثلي. فأتوا له بخشبة وصلبوه عليها، وكلما عدلوا الخشبة بعيداً عن القبلة أبت إلا أن تتجه ناحية القبلة بجسم سعيد رضي الله عنه، قال: ألقوه على وجهه، قال سيدنا سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، قالوا: اطرحوه أرضاً، قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، فلما قتل سعيد بن جبير رضي الله عنه، عاش الحجاج بعدها سبعة أيام، وفي كل يوم يرى سعيد يجري وراءه بسيف، فيقوم فزعاً، جاءت له حالة عصبية، ومات من هذا الخوف والعياذ بالله رب العالمين. فإياك وظلم المسلمين أو استحلال دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.

ضعف الحكم وكثرة الطلاق والقذف وموت الفجأة ونزول المطر قيظا

ضعف الحكم وكثرة الطلاق والقذف وموت الفجأة ونزول المطر قيظاً وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويكون الحكم ضعفاً) أي: يكون عدم اتخاذ القصاص وحدود الله، فيسرق السارق، ويتلاعب بالمرتبات بلا حسيب أو رقيب؛ لأن الحكم ضعف. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ويكثر الطلاق). أي: يتساهل الناس بالطلاق، لأتفه الأسباب، وإن بقيت معه سنين، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237]. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وموت الفجأة). أي: من ضمن علامات الساعة موت الفجأة، وقد كثر في هذا الزمان، فينبغي للمسلم أن يكون مستعداً دائماً للقاء الله، من أجل إذا جاءه ملك الموت فجأة فهو مستعد للقاء الله عز وجل، وموت الفجأة راحة للمؤمن، وحسرة على الفاجر. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وكثرة القذف). أي: يقذف الناس بعضهم بعضاً؛ لأنه لا حدود تقام، أما لو كانت الحدود مقامة فلن يشتم أحد أحداً في أمه، فإما أن يأتي بأربعة شهود، وإما أن نجلده ثمانين جلدة، وعندما تقذف أمه أرأيتها تعمل ذلك؟ لا يجوز هذا ولو كنت تمزح معه، فإن كان معك ثلاثة شهود غيرك سلمت من الحد وإلا فتجلد ثمانين جلدة، بالله عليك هل كان يكثر الكلام في هذا؟ كتحية الصنايعية في الصباح، ولا يغضب من وقعت هذه الكلمات على رأسه، فلابد أن نقولها بصراحة، وماذا نفعل؟ فكثرة القذف من علامات الساعة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وكان المطر قيظاً). أي: بعد ما ينزل المطر بالرحمة ينزل بالعذاب، أرأيتم السيول التي في بنجلادش ماذا تعمل؟ نسأل الله السلامة، سيول تقتلع القرى.

كثرة اللئام

كثرة اللئام وقوله صلى الله عليه وسلم: (وفاض اللئام فيضاً). أي: اللئام من كثرتهم يفيضون كفيضان البحر، قالوا لسيدنا أبو حنيفة رحمه الله: يا أبا حنيفة! كم عدد مجانين العراق؟ فابتسم سيدنا أبو حنيفة، وقال: أنا على عد عقلائهم أقدر. وفي هذا الوقت تجد الصغير ابن أربع سنين لئيماً، تخاف من نظراته، بعدما كان قديماً وديعاً بريئاً؛ لأن كثيراً من الأمور ما يعرفها، وأطفالنا ولله الحمد فيهم ذكاء، يكلمني أحدهم بالإنجليزي: KG1 يعني: في أولى حضانة، ويقول أحدهم لأمه: يا ماما من أين جئنا؟ فتقول له: من عند ربنا، وقالت كذلك لأنها لا تستطيع أن تفهمه بالضبط، فتقول له: من بطني، أو إن ربنا سبحانه وتعالى جعلك في بطني كذا، وكبرت بطني، ثم خرجت.

فجور الأمراء وكذب الوزراء وخيانة الأمناء والقراء فسقة

فجور الأمراء وكذب الوزراء وخيانة الأمناء والقراء فسقة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة) تجد أمين مخزن أو أمين اللجنة يختلس، وطالما أنه لا يوجد أمان ولا نصح، فليس إلا الخسار والدمار. هناك شركة النفط من سنة 1952م وهي في خسارة مستمرة؛ لأن الأمناء خونة. قال: (والقراء فسقة). بعض القراء يتاجرون بالقرآن وهذا فسق، والفسق هو الخروج عن الحق، وذلك كمن يقرأ ويأخذ خمسة آلاف جنية في الليلة.

مخالفة الباطن للظاهر

مخالفة الباطن للظاهر ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا لبسوا مسوح الضأن، قلوبهم أنتن من الجيف، وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة، يتهاوكون فيها كما تهاوك اليهود الظلمة). يعني: تجد المرء يلبس لباساً نظيفاً جداً وتنظر إليه وتقول: هذا واحد لا أفضل منه، ثم يكون لصاً مرتشياً مختلساً مرابياً، سيئ الخلق، لا يتقي الله ولا يحافظ على الصلاة، ولا يزكي ماله، وإنما هو مظهر فقط، فلان ذهب وفلان أتى. ومعنى (يلبسون مسوح الضأن) أي: يلبسون ما ليس لهم، أو يقولون ما ليس حقاً، مثلاً: مدير مكتب، يقول للسكرتير: من سأل عني فقل له: أنا غير موجود، وهو بالداخل.

كثرة الخطايا والغلول وتحلية المصاحف وزخرفة المساجد

كثرة الخطايا والغلول وتحلية المصاحف وزخرفة المساجد وقوله صلى الله عليه وسلم: (وتكثر الخطايا، وتغل الأمراء). كل واحد في موقع يغل، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] ربنا سبحانه وتعالى سيجعلها غلاً في عنقه، والعياذ بالله رب العالمين. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وحليت المصاحف). تنظر إلى المصحف في هذا الزمان في علبة ذهب، المصحف بخمسة جنيهات، لكن العلبة بـ جنيهاً، ويعطونه رشوة لأستاذ المادة، فانتفع هو بهذا نتيجة قيامه بهذا العمل. لكن إن فعلنا حفلة تكريم لأحد وأعطيناه هدية فهذه ليست رشوة؛ لأن الرجل قد مضى، فمن باب شكره وإكرامه نعطيه هديه؛ لأنه قد تعب معنا طوال مدة الخدمة، وأسلوبه كان طيباً، فنحن نكرمه، فمن باب الوفاء إكرامه، والإسلام يحض على هذا. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وصورت المساجد). صورت -بالصاد- يعني: كان فيها زخارف تلهيك عن الصلاة، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول للذي يبني الجامع: لا تحمر ولا تصفر ولا تخضر، وإنما أكن الناس من الحر والمطر والبرد، وإنما أبني أربعة حيطان وسقف، وليس كل ما في المساجد يبقى، وإنما تشغل الناس عن الصلاة. وقوله عليه الصلاة والسلام: (فالدمار عليكم) يعني: الهلاك، قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (لا تزخرفونها ثم لا تعمروها إلا قليلاً) صدقت يا رسول الله! تلاقي مساجد بالفدان، وعدد المصلين فيها قليل.

تطويل المنابر وتخريب القلوب وتعطيل الحدود

تطويل المنابر وتخريب القلوب وتعطيل الحدود وقال عليه الصلاة والسلام: (وطولت المنابر). اليوم طولت المنابر، يكون ارتفاعه عشرين درجة أو نحوها، أما يكفي أن يجعل ثلاث درجات! فلا أشرف ولا أعلم من رسول الله عند الله. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وخربت القلوب) (خربت) أي: أنها لا تبقى عامرة بالإيمان، فاحذر أن يكون صدرك ضيقاً. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وعطلت الحدود). أبو بكر وعمر وعثمان كانوا قاعدين حول النبي صلى الله عليه وسلم مستغربين، أمعقول أن تعطل الحدود؟! من سنة 1922م ونحن الآن داخلون على سنة 1992م أي: منذ 70 سنة، لما طبقوا الحدود في الحجاز، فأقاموا الحدود فقطعوا أيدي أربعة سرق، وتجد من يقول: هذه لا إنسانية، وهل الإنسانية أنه يسرقني؟ فربنا رحيم، قال: اقطع يده فقط، ولو أقيمت الحدود وقطعت أيدي اللصوص، فستختفي كل السرقات، وهكذا إن أقيمت سائر الحدود، فالانحرافات التي على الساحة ستختفي كلها.

تشبه النساء بالرجال والعكس والاستهانة بالأيمان والشهادة من غير طلب وكثرة الشرط وبيع الحكم واتخاذ القرآن مزامير

تشبه النساء بالرجال والعكس والاستهانة بالأيمان والشهادة من غير طلب وكثرة الشرط وبيع الحكم واتخاذ القرآن مزامير ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء). أحياناً لا يعرف الرجل هو مع من، أمع عزيزة أم مع محمود؟ وذلك لتشبه الرجال بالنساء. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وحلف بالله). ألم يكن الصحابة يحلفون بالله؟ بلى كانوا يحلفون، لكن لفظ الجلالة عندهم كان عظيماً، لا يؤتى به في أبسط الأشياء. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وشهد المرء من غير أن يستشهد). هذا كحال من وجد سيارتين ارتطمتا ببعضهما فمباشرة يقول لأحدهما: أنت غلطان، ولم ير ما حصل. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وعلت أصوات الفسقة في المساجد) والعياذ بالله. (وبيع الحكم) وهذا وقع، كما يحصل في الانتخابات ونحوها. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وكثر الشرط) أي: الشرطة. (واتخذ القرآن مزامير). وعندما يدفن أحد قريباً له، يأتي أناس يقرءون القرآن، فيحرفون ويغيرون، وتكون قراءتهم بصوت جماعي، ولم يرد جواز قراءة القرآن جماعياً إلا في التعليم فقط، ثم بعد قراءتهم يريدون مالاً.

اتخاذ المساجد طرقا

اتخاذ المساجد طرقاً ثم قال عليه الصلاة والسلام: (والمساجد طرقاً) أي: أن يبقى المسجد طريقاً فقط، فيدخل الإنسان ليتوضأ أو ليقضي حاجته ثم ينصرف، يعني: يستخدم المسجد كدورة مياه، أما أن يصلى فيه، أو تحضر الدروس العلمية فليس هذا عند كثير من الناس. فهذه خمسة وتسعون علامة من علامات الساعة الصغرى، وكلها ظهرت، ولم يبق إلا أن تطلع الشمس من مغربها، أو أن تظهر الدابة، أو ينزل المسيح عليه السلام، أو أن يظهر المسيخ الدجال، أو الدخان، أو يأجوج ومأجوج، وعندئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً. أيها الأخ المسلم الكريم! إنها دروس مرعبة ومخيفة حقيقة، تعرفنا أصول ديننا وأحكامه، فليعد الإنسان إلى رحاب ربه، ولندع عسى أن تكون ساعة من ساعات الإجابة: اللهم اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، اللهم اختم لنا بالإيمان يا رب العالمين. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، وعلماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن عين لا تدمع، ومن بطن لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن دعاء لا يسمع. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، انصرنا ولا تنصر علينا، اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به الجنة، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وانصرنا على من عادانا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الأحباب! يعز على الإنسان أن يدعكم مدة، وتتركون في قلب المسلم وقلبي فراغاً كبيراً، فإني أحبكم في الله عز وجل، وأنتم أحبتي في الله، جمعنا الله وإياكم دائماً في كل ما هو خير، وجمعنا وإياكم على تقواه وطاعته، وعلى الاستقامة على طريقه، إن ربنا على ما يشاء قدير. لا تنسونا أبداً من صالح دعائكم، واجعلونا في بالكم دائماً، فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب إن شاء الله، وأنا لن أنساكم أبداً إن شاء الله من الدعاء. جزاكم الله عني خيراً، وبارك فيكم وبوركتم دنيا وأخرى، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

سلسلة الدار الآخرة_علامات الساعة الكبرى

سلسلة الدار الآخرة_علامات الساعة الكبرى للساعة علامات صغرى وكبرى، والعلامات الصغرى نذير وتنبيه لتحقق العلامات الكبرى، وأول علامة من علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها ثم ظهور الدابة تكلم الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون، ثم خروج الدخان ثم يظهر المسيح الدجال ثم ينزل المسيح عليه السلام فيقتله، ثم يخرج الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق.

سؤال الجنة والاستعاذة من النار

سؤال الجنة والاستعاذة من النار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد: فقد تحدثنا في الحلقة السابقة وهي الحلقة السابعة عن علامات الساعة الصغرى، وتواعدنا أن تكون الحلقة الثامنة وهي حلقة اليوم إن شاء الله في علامات الساعة الكبرى، وأريد أن أكرر ما أقوله دائماً: إن الحديث عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده أو عالم الغيب بعد أن تفيض روح الإنسان إلى بارئها وينزعها الملك الموكل بقبض الأرواح فإن كانت صالحة فهي في روضة من روضات الجنة إلى أن تقوم الساعة، وإن كانت غير ذلك فهي في حفرة من حفر النار إلى أن تقوم الساعة، والعياذ بالله رب العالمين. نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وأن يدخلنا وإياكم جنته بدون سابقة عذاب، ولقد قال لنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي: (إن المسلم إذا انفتل من صلاته) وفي رواية ثانية: (إن المؤمن إذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل الجنة قالت الجنة: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله أن يدخله عندي. وإذا انفتل المؤمن من صلاته ولم يستعذ بالله من النار، قالت النار: يا ويح هذا امتثل من صلاته ولم يستعذ بالله مني ومن حري، وسعيري، وأغلالي، وسلاسلي. وإذا انفتل العبد من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه من الحور العين، قالت الحور العين: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه منا). فهذا الحديث يدل على فضل الدعاء، والدعاء مخ العبادة، فالمؤمن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، عسى أن تكون ساعة الدعاء من ساعات الإجابة؛ فأهل الجنة سيقعدون مع بعض ويتذاكرون الدنيا وما عملوا فيها. إن العبد سيكتشف أن كتاب أعماله فيه الضلال والهداية، والانحراف والاستقامة، ما بين ما اسود من صفحات وما ابيضت اللهم اجعل صفائح كتبنا بيضاء يا رب العالمين! رئي الإمام مالك في المنام بعد موته، والرؤيا لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين كلها خير، وكان الذي رآه هو تلميذه الليث بن سعد إمام أهل مصر، ولولا أنه لم يكن له تلاميذ لوصلت شهرته إلى ما وصل إليه مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وبسبب أنه ليس عنده تلاميذ فقد انطمر ذكر الليث بن سعد إلا للمتخصصين الذين يبحثون عن تاريخ الصالحين، اللهم الحقنا بهم يا رب العالمين. فـ الليث رأى أستاذه مالكا في المنام ففرح به فقال له: ماذا صنع الله بك يا مالك؟ فقال: لقد غفر الله لي، وذلك أني كلما رأيت جنازة كنت أقول: سبحان الحي الذي لا يموت. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله له بها درجات)، فرب كلمة واحدة يقولها صاحبها فيدخل الجنة بها. والعكس أن الكلمة من سخط الله قد تضيع الدنيا والآخرة. وقال سيدنا داود عليه السلام: يا رب! أكرمتني، وأنعمت علي، وألنت لي الحديد وجعلت الجبال تؤوب معي وتسبح، والأنهار والمياه تقف عن الجريان عند سماع صوتي وأنا أقرأ الزبور، يا رب! أنا أريد أن أشكرك. قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، وسأل سيدنا داود ربه ومولاه فقال: يا رب! كيف أشكرك على نعمك الكثيرة؟ قال: يا داود! احمدني بأي كلمات شئت. فقال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقالت الملائكة: يا رب عبدك داود قال كلمة لم نجد عندنا حسنات نكافئه عليها ونضع له في الكتاب، فقال: يا ملائكتي! اكتبوها كما هي وأنا الذي سوف أجازيه عليها يوم القيامة. وسيدنا ركانة كان مصارع العرب، فأتى المدينة ليزور قريباً له. فدخل المسجد النبوي وصاح فيه بأعلى صوته أنه يريد أن ينتقم من النبي عليه الصلاة والسلام ويأخذ حقه منه بيده، فانزعج الصحابة انزعاجاً شديداً وقاموا إليه قومة رجل واحد، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلاطفه بالقول، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ودخل رجل على الحجاج فقال له: يا حجاج! لقد أوتيت ما لم يؤته رسول الله. فقال الحجاج: وما هو؟ قال: قال الله لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، وأنت يا حجاج! فظ غليظ القلب وما انفضضنا من حولك إلا لأنننا خائفون من بطشك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لـ ركانة أنت ركانة؟ قال له: نعم أنا ركانة، قال: أتصارعني يا ركانة؟ قال له: يا محمد! لا تحرج نفسك أمام أصحابك قال له: لو صرعتك أتسلم؟ قال: نعم، فتصارعا فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى والثانية والثالثة فقال ركانة: لابد وأن الذي يغلبني بقدرة غير بشرية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فأحب الرسول والإسلام والصحابة والمدينة، ثم أتى بعياله وامرأته وعاش في المدينة. (وكان ركانة واقفاً مع بعض الأنصار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه ووضع يديه على عيني ركانة ثم قال مازحاً: من يشتري هذا العبد مني؟ فقال ركانة: إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله! فقال رسول الله: ولكنك عند الله لست بكاسد). وكان صلى الله عليه وسلم دائم التبسم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله. فـ ركانة يريد أن يأخذ تصريحاً من فم الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه ليس كاسداً عند الله في الدنيا والآخرة وإنما هو عند الله غال، فالمهم أن الإنسان يثبت على كلمة التوحيد، وعلى كلمة الحق والصدق واليقين نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصدق في القول والعمل والفعل إن ربنا على ما يشاء قدير. وعلامات الساعة الصغرى قد ظهرت ورأيناها كلها رأي العين، فقد ثبت صدق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ظهور علامات الساعة الصغرى. وإذا كان الصحابة قد أيقنوا بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في علامات الساعة وإن لم تظهر في زمانهم، فإننا قد رأينا هذه العلامات على مر الزمن التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله لنا، وهذا نذير لأن يتوب العبد إلى ربه، وأن يستيقظ من غفلته. وسيدنا الإمام الشافعي صلى بالمسلمين صلاة الصبح فلما انتهى من الصلاة اقترب منه رجل فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فقال له: كيف حال رجل وكتاب الله شاهد عليه، وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم تأمره بالمتابعة، والشيطان يحثه على الشهوات، والعيال يشغلونه بالقوت، والنفس تمنيه وتشجعه على طول الأمل؟ فمن حقق هذه الأمور أيقن أن الله عز وجل سوف يأخذه على حين غرة، ولذلك لما مات الشافعي رحمه الله رآه تلميذه الوراق في الرؤيا فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فبكى الشافعي وقال: حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا هكذا تصنع الملوك بالمماليك يرفقوا إن قلبي يقول لي ولساني يصدق كل من مات مؤمناً ليس بالنار يحرق وعلامات الساعة الصغرى تربو على المائة وقد ظهرت كلها ولم يبق إلا علامات الساعة الكبرى. وعلامات الساعة الكبرى قد يعجب العبد منها؛ لأنها لقلة إيماننا وضعف يقيننا نظن أنها أمر شبه مستحيل، لكن الصحابة فقد أيقنوا أن ما يخرج من فم الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صدق كله وحق، فما علينا إلا أن نصدق بما جاء في الكتاب وفي السنة على لسان الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

علامات الساعة الكبرى

علامات الساعة الكبرى وعلامات الساعة الكبرى ست علامات واحدة وراء واحدة، وأول علامة تظهر فإنه يغلق باب التوبة ويغلق باب العمل، فمن الواجب أن نكون في حالة من الرعب والخوف؛ لأن العلامات الصغرى نذير لنا لنصحو من غفلتنا، وإن لم نصحو فلن نصحو إلا على علامات الساعة الكبرى، فإذا ظهرت أغلق باب العمل، وأغلق باب القبول، وأغلق باب التوبة، فلا يقبل عمل عامل لم يعمل من قبل. أما المؤمن فعمله مستمر، فالمؤمن المواظب على الصلاة سيكون مواظباً عليها بعد ظهور علامات الساعة، والذي يزكي ويعمل الخير فإنه سيستمر على هذا الفعل. أما الفاسق أو الفاجر أو الظالم الذي لا يريد أن يتوب فإنه لا يوفق للتوبة، وقد كان باب التوبة مفتوحاً له سنوات طويلة.

طلوع الشمس من مغربها

طلوع الشمس من مغربها فظهور علامات الساعة الصغرى تنبيه ونذير لعلامات الساعة الكبرى. فأول ما يظهر من علامات الساعة الكبرى كما في رواية الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، ثم تظهر الدابة فإذا ظهرت إحداهما فالأخرى على أثرها)، رواه الشيخان، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، والإمام أحمد في مسنده. فأول علامة من علامات الساعة الكبرى: إما أن تطلع الشمس من الغرب، أو تظهر الدابة، فلو ظهرت الدابة فإن الشمس ستشرق من الغرب، أو إذا طلعت الشمس من الغرب فسيكون على أثرها ظهور الدابة. وسيصبح الناس في يوم من الأيام ينتظرون شروق الشمس من مشرقها كما تشرق منذ ملايين السنين من المشرق، والسماء صاحية ليس فيها غيم، وفجأة إذا بصائح يصيح: إن الشمس قد أشرقت من مغربها، قال تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52]. وسيحصل للناس ذعر لكن الله يثبت المؤمن الملتصق بجماعة المسلمين، وبأهل العلم، الذي دائماً تعودت رجلاه على المساجد آناء الليل وأطراف النهار، فهو يصلي ويسبح ويذكر الله ويقرأ القرآن ويتوكل على الله وعنده يقين وصدق وإيمان وثبات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستطلع من المغرب أربعين يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وبقية الأيام كأيامنا في الدنيا) أي: أن اليوم يعادل ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وإن كانت السنة قمرية هجرية فإن اليوم يعادل ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً. وحال الصحابة ليس مثل حالتنا، قال له: كيف نصلي يا رسول الله؟! الصحابي أول ما سمع الشمس تطلع من الغرب وتقعد سنة خطر في باله وأهمه أمر آخرته فقال: كيف نصلي في اليوم الذي يكون كسنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (اقدروا لهذا اليوم قدره)، يعني: أن ما بين المغرب والعشاء -مثلاً- ساعة ونصف، وبين العشاء والفجر سبع ساعات، وبين الصبح والظهر ست ساعات، وبين الظهر والعصر ثلاث ساعات ونصف، وبين العصر والمغرب ثلاث ساعات ونصف. والفتوى لإخواننا المسلمين الذين هم في ألاسكا شمال كندة حيث إن الليل عندهم ستة أشهر والنهار كذلك، وأناس آخرون يكون النوم عندهم ساعتين، واثنتان وعشرون ساعة تكون نهاراً، فإنهم يبدءون بالتوقيت من طلوع الفجر، ويحسبون ساعات الصيام كما تكون في مكة وهي أم القرى، ويفطرون بعد مرور هذه الساعات ولو كانت الشمس في كبد السماء. فمثلاً: لو أن الفجر يكون في الساعة الثالثة وأم القرى تصوم خمس عشرة ساعة، فإنك تحسب خمس عشرة ساعة من بداية طلوع الفجر في الثالثة ثم تفطر بعد ذلك ولو كانت الشمس في كبد السماء. ومن سافر صائماً من مصر مثلاً إلى أمريكا فإنه سيصل إلى أمريكا والشمس لا تزال في السماء خاصة إذا كانت مدة الرحلة تتجاوز العشرين ساعة فإن عليه أن يمسك ويفطر معهم ويعرف ذلك عن طريق الساعة التي في يده، ولو أن الشمس ما زالت في كبد السماء؛ لأن دين الله عز وجل صالح لكل زمان ومكان. فالشمس ستطلع في أول يوم كسنة، وثاني يوم كشهر أي: ثلاثين يوماً، وثالث يوم كجمعة أي: أسبوع، ورابع يوم إلى غاية اليوم الأربعين كأيامنا في الدنيا.

علامة ظهور الدابة

علامة ظهور الدابة وأول علامة من علامات الساعة الكبرى طلوع الشمس من مغربها ثم تظهر الدابة التي جاء ذكرها في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82]. وهذه الدابة تسمى الجساسة؛ لأنها تجوس في الأرض يعني: تتجول وتنتقل في بقاع الأرض، وتضع حافرها في آخر ما يقع عليه بصرها، وستمكث أربعين يوماً. ولها ثلاث علامات: أنها تخرج من ناحية اليمن، ومن ناحية مكة، ومن ناحية المدينة، فأول ما تخرج من اليمن فإنها تدخل الحرم المكي ومعها عصا موسى وخاتم سليمان وتدخل على المصلين في المسجد الحرام، وبعد ذلك تدخل كل المساجد في كل البلاد، فتلمس وجه المنافق، والفاجر، والمنحرف، والمرتشي، والمختلس، والزنديق، والظالم بعصا موسى، فيبقى أسود الوجه عليه كآبة وغبرة، وتلمس وجه المؤمن بخاتم سليمان فينور وجهه مثل القمر. فتختفي الأسماء بين الناس فلا يتعارفون فيما بينهم بالأسماء كما كانوا عليها في الدنيا، وإنما يعرف بعضهم بعضاً بيا مؤمن ويا كافر، فمن كان وجهه منوراً فيدعى مؤمناً، ومن كان وجهه مسوداً فإنه يدعى كافراً أو فاسقاً. وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، والإمام الترمذي من حديث تميم الداري رضي الله عنه وكان نصرانياً فأسلم فصار صحابياً، وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة، وكان الرسول قد شرح للصحابة علامات الساعة الكبرى، فلما جاء تميم الداري من سفره وأعلن إسلامه، وحكى ما رآه في سفره هو وثلاثين من النصارى فوافق كلامه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. والجساسة تجس في الأرض وتتنقل، وسرعتها كالريح المرسلة، فتنكشف الأمور للمسلمين من طلوع الشمس من مغربها وظهور الجساسة أو الدابة. وجماعة من العلماء يقولون: إن الدابة هي الفصيل الذي ولدته ناقة سيدنا صالح عليه السلام، وذلك عندما قتل الناقة أشقى قوم سيدنا صالح، قال تعالى: {انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:12]، وقال: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29]، والتعاطي يكون بشرب الخمر، فهو لكي يقدم على هذا العمل شرب خمراً ثم اقترب من الناقة فضربها فقتلها فأسرع فصيلها أي: ابنها فاختبأ في جبل من الجبال. وهذه الرواية ليست على درجة من الصحة لكن ذكرتها من باب الأمانة في العلم، وقد كان الإمام القرطبي رضي الله عنه ينقل في تفسيره مثل هذه الروايات الضعيفة، وكان يقول: وليست هذه من حقائق العلم ولكنها من ملح التفسير. وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحدث عن بني إسرائيل لكن لا نصدقهم ولا نكذبهم إذا كان لا يتعارض مع نص من نصوص الكتاب أو السنة، فنأخذ بالكلام ما دام وأن فيه عبرة وعظة، وبنو إسرائيل كان فيهم أناس صالحون وفي قصصهم لنا عبرة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111]، اللهم اجعلنا من المعتبرين يا رب العالمين! أما قولهم إن دابة الأرض هي فصيل ناقة صالح، فإن ناقة صالح -أصلاً- كانت معجزة عربية، فقد كان لقوم صالح معرفة بالجبال والصخور المحيطة بهم، قال تعالى عنهم: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشعراء:149]، فهم خبراء بمداخل الجبال ومخارجها، والمغارات، والكهوف، والتلال، والهضاب، فقال لهم نبي الله صالح: ما رأيكم لو أخرجت لكم ناقة من الجبل الذي بجواركم؟ قالوا: الجبل قطعة واحد لا يخرج منه شيء، فخرجت الناقة معجزة فكانت تشرب الماء كله في يوم، وتسقيهم كلهم لبنها في يوم وهكذا. والحاصل: أن الدابة تظهر فيستبشر المؤمن، أما الكافر فيختم على علمه، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإسلام.

علامة الدخان

علامة الدخان وبعد ظهور الدابة تظهر العلامة الثالثة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي الدخان، قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10]، أي: بدخان واضح، يظلل الناس فوق رءوسهم، فيكون على رأس المؤمن مثل قليل الزكام يقع عليه، وعلى رأس الكافر، والفاسق، والفاجر، والمنافق، كنيران تغلي فوق رءوسهم. ولما حاصر المشركون الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات حتى أن سيدنا سعد بن أبي وقاص بعد ما هاجر إلى المدينة وحكى للصحابة الجدد عن هذا الحصار، فقال لهم: لا تتاجروا معهم ولا تطعوهم أكلاً ولا شرباً ولا تعملوا لهم خيراً قط. وما انحاز مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بنو هاشم وبنو المطلب جميعاً مسلمهم وكافرهم ما عدا أبا لهب، فأقارب النبي صلى الله عليه سلم الكفار انحازوا معه في الشعب فحصل لهم قطيعة ومقاطعة ما عدا أبا لهب عمه. فسيدنا سعد يحكي عن هذه المقاطعة فيقول: كنا نأكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم خرط القتاد، والقتاد نوع من الشجر له شوك ينبت في الصحراء في جزيرة العرب، فكنا ندقه ونأكله من شدة الجوع، وبينما أنا أسير ليلاً إذ وقعت رجلي على شيء رطب فوضعته في فمي فابتلعها فوالله! ما أدري إلى اليوم ما الذي ابتلعته. وكانت صحيفة المقاطعة معلقة على جدار الكعبة بجوار الحجر الأسود ومكتوب أولها (باسمك اللهم) ثم أكلت الأرضة بنود المقاطعة وما تركت فيها إلا باسمك اللهم، فلما انتهت القطيعة دعا عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)، فحصل قحط في قريش وتوقفت التجارة، واستجيبت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه كان يحصل لأغنياء قريش وفقرائها دوخة من قلة الطعام والزاد، فذهب أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد! أسألك بالله وبالرحم أن تدعو الله أن يفك عنا ما نحن فيه. ولما نقضت قريش العهد الذي جرى بين المسلمين والكافرين في الحديبية، أيقنت قريش بالخزي والعار والهلاك فأرسلت زعيمها ورئيسها أبو سفيان لكي يحاول أن يمد في بنود معاهدة صلح الحديبية مرة ثانية، فاستجار بـ أبي بكر فقال له: يا أبا سفيان! أنا لا أجير على رسول الله أحداً أبداً، ثم ذهب إلى عمر فرد عليه بمثلما رد عليه أبو بكر، وذهب لسيدنا علي فرفضه كذلك، ثم ذهب إلى ابنته أم حبيبة وزوجة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين السيدة رملة بنت أبي سفيان، فدق عليها الباب ففتحت له، فرأت أباها زعيم قريش، فدخل البيت فأراد أن يقعد على فراش سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فطوته من تحته، وقالت له: هذا فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت رجل نجس، فقال لها: لقد أصابك سوء من بعدي يا أم حبيبة! وقال بعض العلماء إن الدخان في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10]، هو الدخان الذي حصل لقريش، ولكن بعض العلماء قالوا: إن هذه الآية مدنية ونزلت في المدينة فيبقى إذاً أن الدخان علامة من علامات الساعة الكبرى.

علامة ظهور المسيخ الدجال

علامة ظهور المسيخ الدجال العلامة الرابعة من علامات الساعة الكبرى وهي أخطر العلامات وأشد العلامات قسوة، وأشدها على المسلمين، ألا وهي ظهور المسيخ الدجال. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحذر الصحابة من المسيخ الدجال حتى قال عمر: كنت انظر خلفي خشية أن يمر من جواري، فهذا يدل على مدى اقتناع الصحابة بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فرأى عمر مرتبكاً، فقال: (يا ابن الخطاب! فإن ظهر وأنا بينكم فأنا حجيجه، وإن ظهر من بعدي فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مؤمن). والمسيخ الدجال مخلوق من بني آدم خلقه الله عز وجل، وآخر فتنة تظهر في الأرض هي فتنة المسيخ الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المسيخ الدجال أخوفني عليكم، إنما أخاف أن تفتح عليكم الدنيا فينسى بعضكم بعضاً، فينساكم رب السماء عند ذلك)، وهذا قد حصل فقد فتحت الدنيا. وزكاة الركاز تؤخذ من الركاز وهو المعادن مثل: آبار البترول، فيؤخذ منها عشرون في المائة، أي: الخمس، أما زكاة الذهب والفضة وما يلحقها كالعملات المعدنية فزكاتها ربع العشر أي اثنان ونصف في المائة، وزكاة الزرع فيها خمسة في المائة أو عشرة في المائة أي: فيها العشر أو نصفه، أما زكاة المعادن ففيها عشرون في المائة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فينسى بعضكم بعضاً، فينساكم رب السماء عند ذلك). فالله عز وجل جعل قوت الفقير في فضل مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني، فالفقير الذي لم يجد ما يأكل يبقى الغني أكل أكثر من حقه. قال أبو ذر أتعجب من الفقراء الذين لم يجدوا ما يأكلون لماذا لم يخرجوا السيوف فيطالبون الأغنياء بحق الله عندهم؟ قال ربنا: {وفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]. والصحابة كانوا واضعين في آخر عمودين في المسجد النبوي الشريف حبلاً، فيعلق فيه الغني زكاة مال أو الصدقة فتذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتوزع في مصارفها. وفتنة المسيخ الدجال آخر فتنة تظهر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أوصاف المسيخ الدجال أنه جعد قطط، أي: شعره مجعد، وعينه اليسرى كالعنبة الطافية، فهو أعور، وهو آدم بحمرة، أي: أسمر بحمرة، قليل الطول له بحة في صوته، أي: أنه مبحوح الصوت مثل الذي عنده سعلة ويتكلم فكذا صوته. وكل هذه العلامات لا تظهر إلا للمؤمن، أما الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يتقي الله فلا يعرف هذه العلامات. ومن العلامات أيضاً أن المؤمن يقرأ على جبهته كلمة كافر، والرسول صلى الله عليه وسلم فسر ذلك فقال: (يقرأ المؤمن على جبهته كفر ك ف ر). والمؤمن يتغلب على المسيخ الدجال بالمداومة على قراءة فواتح سورة الكهف وخواتيمها في كل ليلة قبل أن ينام. ومن العلامات أيضاً أنه يمكث في الأرض أربعين يوماً، وسرعته في الأرض كالريح المرسلة، ويدخل كل بلد وفي كل مكان ما عدا ثلاثة أماكن وهي: بيت المقدس، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، فإنه يأتي إلى حدودها ويحاول أن يدخلها قال صلى الله عليه وسلم: (إن على أبواب المدينة ملائكة يحفظونها من شياطين الإنس والجن)، فليس هنالك شياطين تدخل المدينة المنورة. فتخرج المدينة المنافقين الذين يعيشون فيها لكي يتبعوا المسيخ الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: (فتنفي المدينة خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد). أما أتباعه فهم كما أخبر رسول الله بقوله: (أتباعه ثلاثة أصناف: اليهود، والمنافقون، والنساء)، وعدد اليهود سبعون ألفاً من يهود أصفهان من ناحية إيران. ويخرج المسيخ الدجال ما بين العراق والشام، ويعيث في الأرض فساداً، وقد أعطاه الله من الإمكانيات ومن الخوارق للعادات ما ينبهر بها ضعفاء الإيمان. والمسيخ الدجال أكثر أتباعه من اليهود والمنافقين والنساء؛ لأنهم أتباع كل موضة، فمنذ أربعين سنة والرجل اليهودي بيكر صاحب الموضة في الملابس النسائية. أما المؤمنات اللاتي يحضرن دروس العلم واللاتي يعرفن أوامر الله ونواهيه فلا يخرجن فيتبعن المسيخ الدجال. وأول ما يخرج المسيخ الدجال فإنه يدعي الإيمان ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألوهية، ولا يقول لهم إنه الله رب العالمين وإنما يقول: معي جنة ونار، فيعرفه المؤمن فيقول: اخسأ يا لعين! والله ما ازددت بك إلا كفراً وأنت المسيخ الدجال الذي حذرنا الرسول منه. وسيأتي على الناس خمس سنوات فيها قحط أي: كساد عالمي فيقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض: أنبتي الزرع فيطلع الزرع، ويا ضروع البهائم امتلئي فتمتلئ لبناً، فهذه فتنة عظيمة، ولذلك فإن الصحابة خافوا وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن طعام المؤمنين حينئذ، فقال: (طعام المؤمنين يومئذ كطعام الملائكة)، والملائكة لا يأكلون ويشربون، وإنما طعامهم التسبيح، والتهليل، والتقديس، والتكبير، فالمؤمن يقول: سبحان الله فيشبع، والحمد لله فيشرب، ولا إله إلا الله فيرتوي. فإذا كان طعام رواد الفضاء كبسولات فيها جميع أنواع الفيتامينات والعناصر التي يحتاجها الجسم وأقل كمية إخراج. فمن باب أولى ما يصنعه رب العالمين للمؤمنين، فالله على كل شيء قدير. ويأتي إليه شاب مؤمن فيكذبه فيضربه الدجال بسيفه فيتخيل المحيطون به أنه انقسم إلى نصفين وإنما هو سحر، ثم يرجعه مرة أخرى، فيقول الشاب المؤمن: والله! ما ازددت بك إلا كفراً، فإن ربي الله لا تراه العينان، قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]. وعندما يزداد الابتلاء على المؤمنين يستغيثون الله ويدعونه أن يرفع عنهم هذا البلاء، فيستجيب الله دعاءهم ويرحمهم فينزل المسيح عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهرودتين أي: ثوبين، أو جلابية وعباءة، أو جلابيتين، أو قميص وعباءة، إذا طأطأ وتتقاطر من جبينه حبات عرق كالجمان أي كالفضة، وإذا رفع رأسه علاه البهاء عليه السلام، أي: أن وجهه منور، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، فـ المسيخ الدجال يقتله سيدنا عيسى عند باب لد في فلسطين. وفي هذا إشارة أن إسرائيل ستزول إن شاء الله وبإذن الله فلا تطبيع علاقات معهم، فنحن أعداء اليهود وسنظل أعداء اليهود إلى أن تقوم الساعة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من طليعة الزحف الذي يحرر بيت المقدس ويعاد إلى المسلمين إن شاء الله رب العالمين. فيلقى المسيح عليه السلام المسيخ الدجال على باب لد فيذوب المسيخ الدجال كما يذوب الملح في الماء، ثم يدخل عيسى ابن مريم مساجد المسلمين ويطمئن المؤمنين على إيمانهم ويتفاءل المسلمون بوجود المسيح بينهم حتى إذا أقيمت الصلاة في مسجد من المساجد يقول الإمام للمسيح: تقدم يا نبي الله! فيقول: بل تقدم أنت فأنا تبع لأخي محمد، فالإمام يمثل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام يصلي مأموماً تواضعاً منه. وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة بالمسلمين، أي: صلاة الصبح- وقال: ليلزم كل مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم) أي: الله ورسوله أعلم في قصد أمور الدين، أما في أمور الدنيا فيقول المسلم: الله أعلم فقط. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة -أي: ما جمعتكم لرغبة في الجنة ولا لرهبة من النار- ولكن جمعتكم؛ لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع فأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنتم أحدثكم عن مسيح الدجال، فحدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من قومه، فلعب بهم الموج شهراً -أي: تاهوا في البحر لمدة شهر- ثم أرفوا إلى جزيرة -يعني: رسوا على الشاطئ- حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة، ثم دخلوا فلقيتهم دابة كبيرة كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره- يعني: لا يعرفون وجهه من ذيله -واسم الحيوان يجوز أن يؤنث ويذكر- فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطاناً -أي: خفنا أن تكون من الشياطين؛ لأن العرب كانوا مقتنعين أن هنالك شياطين وغولة- قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه خلقاً وأشده وثاقاً -يعني: أنه مقيد بسلاسل من حديد ومربوط لجدار الكهف- مجموعة يداه إلى عنقه -أي: أنه مكتف ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد- قلنا: ويلك من أنت؟! قال: قد وصلتم إلي فأخبروني من أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر حين هيجانه، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فلقينا دابة أهدب الشعر لا يدري قبلها من دبرها من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قال: اعمدوا إلى هذا الرجل في هذا الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن من أن تكون شيطانة، قال: أخبروني عن نخل بيسان في شمال جزيرة العرب؟ قلنا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا نعم، قال: أما إنه يوشك ألا يثمر، أخبروني عن بحيرة طبرية؟ -وهي في فلسطين- قلنا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: هل ما زال فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، وماؤها عذب، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب). وقد ذكرت في سنة خمسة وسبعين أنه جاءني أحد الإخوة بصورة

نزول عيسى بن مريم

نزول عيسى بن مريم أما قضية سيدنا المسيح عليه السلام ففي نص الحديث الذي رواه الإمام البخاري: (فبينا هم كذلك إذ يبعث الله عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهرودتين ممصرتين -يعني: فيهما لون- إذا طأطأ رأسه قطر وإن لم يصبه بلل، وإذا رفعه تجدر منه كالجمان -أي كاللؤلؤ- مربوع إلى الحمرة والبياض -يعني: أن سيدنا عيسى ليس طويلاً ولا قصيراً ولونه أبيض بحمرة- فلا يشم كافر ولا منافق ريح عيسى إلا مات -أي: أن رائحة سيدنا عيسى خير للمؤمن- ورائحته حيث ينتهي إليه طرفه، فيطلب المسيخ حتى يدركه عند باب لد فينماع كما ينماع الملح في الماء -أي: يذوب- فيمشي إليه فيقتله، فتقام الصلاة فيقال: تقدم يا روح الله! فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، ثم يأتي قوماً عصمهم الله من المسيخ الدجال، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم عن درجاتهم في الجنة فبينا هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم -وهم يأجوج ومأجوج - فاخرج بعبادي جانب الطور).

خروج يأجوج ومأجوج

خروج يأجوج ومأجوج قال تعالى في يأجوج ومأجوج: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:96 - 97]. وأيضاً: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف:94 - 95] إلى قوله: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف:98 - 100] إلى آخر سورة الكهف. ويأجوج ومأجوج قبائل متوحشة، والواحد منهم كان ينام على أذنه ويتغطى بالأذن الثانية، وهما قبيلتان ولا يعلم بمكانهما إلا الله. ويأجوج ومأجوج مذكوران في القرآن والسنة ونحن نصدق القرآن والسنة، وما يقوله بعض الناس إن الأقمار الصناعية قد اكتشفت كل شيء في الأرض فأين يأجوج ومأجوج؟ فلا يلتفت إليه فنحن لا نصدق الأقمار الصناعية ولا غيرها. ويأجوج ومأجوج سيعيثون فساداً في الأرض فيأتون على بحيرة طبرية وفيها قليل من الماء فيشرب أولهم فيأتي آخرهم فيقولون: (لقد كان في هذه البحيرة ماء منذ زمن طويل. فيدعو عيسى عليه السلام ومن معه ربنا أن ينقذهم من هذا الخطر الداهم، فيصاب يأجوج ومأجوج بالنغف في رقابهم، وهي مثل الديدان والحشرات فيصبحون وهم أموات، فتأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت -أي: الإبل- فترفع جثثهم فتلقيها في البحر ثم يقول الله للسماء: أمطري فتغسل الأرض بمطرها) يعني: أن السيول تأخذ كل البلايا المتبقية من يأجوج ومأجوج. وروى الشيخان وأحمد والدارقطني وابن عساكر أن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال: {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:96]، ويكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم -والذي كان عنده مائة دينار أيام الصحابة كان من أصحاب الملايين- فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى -أي: قتلى- كموت نفس واحدة، ويهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون موضع شبر من الأرض إلا وقد ملئ من زهمهم وهي رائحتهم الخبيثة الباقية، فيرغبون إلى الله في الدعاء، ويرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله عليهم مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر إلا ويغسله الماء حتى يتركه كالزلقة. ثم يقال للأرض: أخرجي بركتك فيومئذ يأكل العصابة)، والمراد بالعصابة هي العصابة المؤمنة، قال سيدنا الرسول في بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض)، وليس معناها جماعة من اللصوص أو القتلة كما هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس اليوم. قال صلى الله عليه وسلم: (فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة فتشبعهم، ويستظلون بقحفها، حتى أن اللقحة من الإبل تكفي الفئام من الناس)، أي: الجماعة من الناس الذين يتجاوز عددهم المائة والمائتي رجل، والمسلم بعد أن يأكل طعاماً يقول: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه، أما إذا شرب اللبن فإنه يقول: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه. وقال صلى الله عليه وسلم: (واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم تكفي الفخذ من الناس، فبينا هم كذلك بعث الله ريحاً طيبة فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم، ويبقى سائر الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر -يعني: تبقى الفاحشة علناً في الشوارع- وعليهم تقوم الساعة). وقال صلى الله عليه وسلم: (ليهبطن عيسى ابن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، وليسلكن فجاجها معتمراً أو حاجاً إلى البيت، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه). يعني: أن سيدنا عيسى سيحج ويعتمر، ويزور قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهلك الله في زمانه المسيخ الدجال، ويقع الأمن على أهل الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا تضرهم ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويشيع العدل في الأرض، ثم يتوفى بعد أن يمكث في الأرض أربعين سنة، ويصلي عليه المسلمون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. فاللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الذين يعيذهم الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يبعدنا وإياكم من فتن الدنيا وفتن المحيا والممات، وأن يميتنا وإياكم على الإيمان والإسلام الكاملين إن ربنا على ما يشاء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

سلسلة الدار الآخرة_البعث من القبور ويوم الحشر

سلسلة الدار الآخرة_البعث من القبور ويوم الحشر الإيمان بالبعث بعد الموت ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان أحد بدون التصديق به، فنؤمن بأن ربنا سيخرج العباد من قبورهم حفاةً عراة غرلاً بهماً، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. والبعث بعد الموت يكون بعد النفخة الثانية في الصور، فيخرج الناس على إثرها إلى أرض المحشر، وهي أرض بيضاء نقية مستوية، يجمع فيها الأولون والآخرون.

أهمية التنبه للألفاظ

أهمية التنبه للألفاظ الحمد لله حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في أولها أن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم القيامة. اللهم ثقل بهذه المجالس موازيننا يوم القيامة، وثبت على الصراط أقدامنا، وأنر طريقنا بها يوم القيامة. اللهم ثبت بها أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام. اللهم أعطنا بها كتبنا بأيماننا، ولا تعطنا كتبنا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً. اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره. اللهم من أراد بمسلم سوءاً فاجعل كيده في نحره، أوقع الكافرين في الكافرين، أوقع الظالمين في الظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين، اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن. اللهم أبعد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم أبعد عن أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا وأزواجنا وذرياتنا وأهلينا شياطين الإنس والجن. اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا برحمتك، واغفر لنا واسترنا. اللهم يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة. اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، أكرمنا ولا تهنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا اللهم أكرمنا ولا تهنا، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصلنا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون. اللهم رقق قلوبنا بالإيمان، اللهم وأحسن خلاصنا، وفك أسرنا، وثبت يقيننا، وقو عقيدتنا، وانصر ديننا. اللهم انصر الإسلام والمسلمين اللهم انصر الإسلام والمسلمين اللهم انصر الإسلام والمسلمين، حول حالنا إلى أحسن حال اللهم حول حالنا إلى أحسن حال اللهم حول حالنا إلى أحسن حال، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، لا تجعلها حفرة من حفر النار، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم اجعل من أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، وعن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، واجعل لنا نوراً، واجعلنا نوراً. اللهم أكرمنا بالقرآن، وأكرمنا برسول القرآن، اللهم أكرمنا به يا رب العالمين، فرح اللهم قلبه بنا يوم القيامة، اسقنا من حوضه الشريف شربة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم. نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم تقبل منا دعاءنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة التي تخص حلقة من أخطر حلقات الدار الآخرة، وهي تخص الحديث عن البعث والنشور والحشر إلى الله عز وجل. فاللهم ابعثنا مسلمين مؤمنين موحدين، ابعثنا في زمرة الصالحين، في معية رسولك صلى الله عليه وسلم يا رب العالمين. قضية البعث ككل حلقات الدار الآخرة قضية غيبية، ومعنى أنها قضية غيبية، أي: ليس للعقل فيها مكان أو اجتهاد أو رأي، فليس لشخص أن يقول في قضية غيبية: أنا يتصور لي كذا! أو أتخيل كذا! أو أظن كذا! ولكن قضية البعث ككل قضايا وأمور الدار الآخرة، قضية لا إعمال للعقل فيها، وأحزن كثيراً على الإخوة الذين يشغلون أنفسهم بأشياء خارج نطاق قدرتهم؛ فتعطلهم عن حضور مجالس ودروس الدار الآخرة. ودروس الدار الآخرة هي عبارة عن دروس تقوي عقيدة المؤمن، وتفهمه وتعلمه كيف يكون لقاء الله عز وجل، فيكون مستعداً لهذا اللقاء. اللهم اجعلنا من المستعدين للقائك يا رب، حتى نكون من السعداء، لذلك لا ينبغي أن تقول أيها المسلم على ابنك أو ابنتك الذي يمرح كثيراً في البيت: هذا ولد شقي؛ لأن الشقي: من حرم رحمة الله، ولكن قل: هذا ولد متعب، أو عصبي، أو مشاكس قليلاً، فلا داعي لكلمة شقي؛ لأنك حكمت على ابنك بالشقاء، ونسأل الله أن يبعدنا وإياكم عن أهل الشقاء؛ لأن الله يقول يوم القيامة عن الناس: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105]، فاللهم اجعلنا من السعداء في الدارين يا رب؛ لأن كلمة (شقي) قد تؤمن الملائكة عليها، فتخسر الولد دنيا وآخرة، فلا داعي لكلمة (شقي)، كما وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له اهتمام بمدلول الألفاظ: (جيء برجل مغيب العقل)، ونعرف أن مغيب العقل هو المجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون يا رسول الله، فقال: (لا تقولوا: مجنون، قولوا: مصاب، إنما المجنون من حرم رحمة الله عز وجل). إذاً: فالمجنون هو الذي ترك دروس العلم، وترك قراءة القرآن، هو الذي لا يصلي، ونحوه، فهذا هو المجنون الحقيقي، أما لو أصيب شخص في عقله فهو مصاب، نسأل الله أن يشفي كل مريض. إذاً: فالقضية أن يتنبه المرء لمدلول الألفاظ، وموقف الشرع منها.

علامات السعداء

علامات السعداء والسعيد له علامات ثلاث، سأذكر هذه العلامات الثلاث وكل منا سيعرف علته، وهل هذه العلامات موجودة فيه أو بعضها، وهي على النحو التالي: أولها: من ترك الدنيا قبل أن تتركه. أي: المسلم يترك الدنيا قبل أن تتركه بغير رضاه، يعني: يكون زاهداً فيها، ولا مانع من أن يأكل ويشرب ويتمتع قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] أي: ليست هنالك مشكلة في هذا، ولكن المشكلة أن تستخدم ما آتاك الله في إغضابه عز وجل. مثل أن تقول لابنك: لحم أكتافك من خيري، أو تقول لسكرتيرك وسواق سيارتك: أنت لحمك ولحم أولادك ولحم أكتافك من خيري، ثم أقول لك: اعمل الشيء الفلاني لا تعمله؟! ولله المثل الأعلى؛ فمن الذي خلقنا؟ ومن ذا الذي يرزقنا ويعطينا؟ إنما هو الله، فعند أن يأمرني بأمر أعصي أمر الله؟! يا من لا يستطيع أن ينظر إلى وجه أبيه، يا من يقول له: لا تسمع فيقول: بل أسمع، يا من يقول له أبوه: لا تذهب المكان الفلاني فهو سيئ فيقول: بل أذهب! يقول لك: اذهب فصل أو اذهب مجلس العلم فتقول: لا، لا. إذاً: من علامة المسلم السعيد: تركه الدنيا قبل أن تتركه. ثانيها: وبنى قبره قبل أن يسكنه. ليس المعنى: بناه البناء الحسي، من بناء المباني! وإنما باستعداده للقاء الله، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. اللهم اجعلنا من المحبين للقائك يا رب العالمين. كان أحمد بن خضرويه رحمه الله تعالى أحد تابعي التابعين، مات وعمره مائة وخمس سنوات، فعند الموت بكى، قالوا له: يا إمام! أنت عالم المسلمين وتبكي؟! قال: منذ خمسة وتسعين عاماً وأنا أدق بابه فهاهو الباب سوف يفتح، فلا أدري أأجد جنة أم ناراً، أي: منذ بلوغه عشر سنوات وهو يصلي ويصوم ويتقي الله ويتعلم العلم، وعندما كبر أصبح يعلم الناس، ومن ثم فهو يدق الباب ويخاف أن يفتح ويلقى ما لا يحمد عقباه. اللهم إن فتحت لنا الباب فأدخلنا جنة الرضوان يا رب. إذاً: فالسعيد من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يسكنه. ثالثها: وأرضى خالقه قبل أن يلقاه. يا ترى هل توفرت فيك هذه الصفات؟ وهل مازالت الدنيا متمسكة بك وما زلت متمسكاً بها؟ دخل الحسن البصري على رجل مات له ابن فبكى، فقال له الحسن: عجباً لك يا رجل! أسرك وهو فتنة وبلية، وأحزنك وغمك وهو صلاة ورحمة؟ يعني: عندما كان موجوداً في الدنيا فهو كما قال الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]، وقال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14]. إذاً: فالزوجة قد تكون عدوة لك، فتجعلك تكتسب من حرام، أو من شبهة، والولد كذلك، إذاً: فأنت سعيد به في وقت كان بلية واختباراً وامتحاناً ومصيبة، وعندما مات إن قلت كما قال الله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] فسيثني الله عز وجل عليك ويثيبك كما قال سبحانه: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:157]. اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين. فالسعيد هو الذي توفرت فيه هذه الثلاث الصفات، وعندما تخرج من درس الدار الآخرة فكن كسيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقد كان كل ليلة قبل أن ينتهي مجلس الحكم الذي كان يعقده يحضر العلماء، وكل عالم من العلماء يمثل مرحلة من مراحل الدار الآخرة، يعني: كأن في الحلقات التي نتكلم فيها، عالم عند أمير المؤمنين يتكلم بحلقة، فيقول: هاهو ملك الموت أتى، وأنا أنظر إليه الآن يعمل كذا! ويعمل! ويشرح، ويأتي الثاني الذي بعده، فيقول: هاهم أهلي أدخلوني القبر، ويحكي ما في القبر، ويأتي الثالث قائلاً: هاهو ربي بعثني من القبر، وها هو الحشر بدأ، أو حصل النشور، أو نصب الميزان، أو نشرت الكتب، إلى آخره، سبحان الله. فكان الذين يحضرون درس عمر بن عبد العزيز كل ليلة يقولون: فكنا ننتشر من عند أمير المؤمنين، كأنما بعثنا من قبورنا إلى الله رب العالمين، فعند أن يخرج الرجل منهم من عند الأمير ماذا يعمل؟ لا كحال كثير من الناس يسمع الكلام ثم يتلف عمله، فيفتح التلفزيون ويضيع كل ما حصله، بل امض إلى بيتك وقم بتنفيذ الكلام الذي سمعته، فتعود إلى بيتك وتراجع حساباتك، يا إلهي هذا الكلام خطير مرعب، فلا تكن مرعوباً راهباً وقت الدرس فقط، ثم كأن شيئاً لم يكن. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين.

علة عدم سماعنا لعذاب القبر

علة عدم سماعنا لعذاب القبر تحدثنا سابقاً عن علامات الساعة الصغرى، وعلامات الساعة الكبرى، وقلنا قبلها كلاماً عن القبر وما فيه، وموجبات عذاب القبر، والمنجيات منه. اليوم -إن شاء الله- حديثنا عن قضية هامة، وهي قضية البعث، فقد مات الناس وأقبروا -أي: داخلوا القبور- وهي في ظاهرها أحجار وتراب، لكن في داخلها إما نعيم أو عذاب، ومن رحمة الله -كما أسلفنا- أنه لا يسمعنا صوت المعذبين في القبور، وعلى قدر فهمي الضعيف الضئيل، أنه ربما كان ذلك لحكمتين، والحكم كثيرة لكن أفهم منها علتين: العلة الأولى: ألا يعير الناس بعضهم بعضاً بما يعذب به أهلوهم في القبور. نفرض أن شخصاً رفعت أنا عليه قضية في المحكمة، ويعذب أبوه في قبره لأجل حرام كان ارتكبه، فأعيره بعذاب أبيه في القبر، وهذه ستكون مصيبة علي أولاً؛ لأن من عير أخاه بذنب صنعه لن يموت إلا وقد ارتكب هذا الذنب، ولذلك عندما تسمع عن شخص أنه يرتكب ذنباً معيناً فاسأل الله العفو والعافية، وقل: يا رب عافنا وإياه، وهكذا المؤمن. إذاً: فهذه هي العلة الأولى. والله أعلم. العلة الثانية: لو سمعنا عذاب أهل القبور لكانت عبادتنا لله رهبة لا رغبة. يعني: أنا عند أن أسمع العذاب تكون عبادتي لله عبادة خوف، مع أن الله عز وجل يريد أن تكون عبادتنا له عبادة حب؛ لأنه هو الغفور الودود، ينادي بعدما تثور عليك الأرض قائلة: يا رب! هذا الرجل أكل من رزقك ولم يشكرك، والجبل يقول: يا رب! هذا يأكل من رزقك ولم يشكرك، اجعلني أضمه أضيعه أميل فوقه، والسماء تقول: دعني يا رب! أنزل عليه غضباً؛ لأنه لا يشكرك، والبحر يقول: دعني أغرقه، فماذا يقول الرحمن الرحيم الذي يريدنا أن نعبده على حب؟ أأنتم خلقتموه؟ يقولون: لا يا ربنا، ويقول: لو خلقتموه لرحمتموه، دعوني وعبادي، من تاب إلي منهم فأنا حبيبهم، ومن لم يتب فإني طبيبهم، وأنا لهم أرحم من الأم بأولادها.

أهمية عبادة الله حبا

أهمية عبادة الله حباً إذاً: فالله عز وجل يريد منا أن نعبده عبادة حب؛ لأنه مدح حبيبه صلى الله عليه وسلم فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:6 - 7]. سبحان الله، هل الرسول صلى الله عليه وسلم ضل؟ أم أنت لم تتنبه لمدلولات اللغة؟ الضلال في اللغة: شدة الحب، وهو درجة من درجات الحب الكبير؛ لأن الرسول كان بحاثة عن الحقيقة واليقين؛ بدليل أنه كان في كل شهر رمضان يختلي بنفسه قبل البعثة يبحث عن الله عز وجل؛ وكأنه يقول: الناس الذين يعبدون هذه الأصنام ليسوا على حق فدلني عليك يا رب السماء والأرض، دلني عليك يا من جعلت البحار زخارة بأمواجها، ونوارة بما فيها، يا من ترسل الرياح، يا من تصنع كذا وكذا، فقال له الله جل وعلا: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} [الضحى:7] أي: شديد الحب لمعرفتنا فهديناك إلينا، وليس معناه: أن الرسول ضال بمعنى منحرف أو مخطئ، حاشى رسول الله أن يضل بهذا المعنى. احترام المخلوقات لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم أمر ظاهر، فهذه السيدة عائشة تقول: كنا نأتي بوحش بري في البيت عند رسول الله، ومعنى: وحش بري، أي: غير مستأنس، فيركض ويلعب في البيت، ويقطع السجاد، فقالت: أول ما يدخل النبي صلى الله عليه وسلم يسكن الوحش بجواره حتى يخرج، أي: لا يريد أن يعمل فوضى يقلق بها الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا وحش بري غير مدرب أو معلم، لكن ربنا يعلمه من أجل حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. فالله من رحمته لا يسمعنا عذاب أهل القبور، ومن الذي يسمع عذاب أهل القبور؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المخلوقات تسمع عذاب أهل القبور، إلا الثقلين الإنس والجن) الذين هم مكلفون، لأنهم ما داموا مكلفين فلن يسمعوا عذاب أهل القبور من أجل أن تكون العبادة غيبية؛ لأن الله مدح المؤمنين في أول البقرة فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]، وصل الأمر بسيدنا علي أن قال: لو كشف عني الحجاب لما ازددت من الله قرباً، وهذا كلام مرتفع جداً، يعني: لو رفع الحجاب بين سيدنا علي وبين ربه، لما ازداد من الله قرباً؛ ليقينه في الله عز وجل، فلا يريد إثباتات ولا براهين، ولا أدلة، وأحسن من قال: وفي كل شيء آية تدل على أنه الواحد لذلك عمر بن عبد العزيز وهو في النزع، قالوا: قل: لا إله إلا الله، فتبسم ونظر إلى السماء، وقال: ومتى نسيت ربي حتى تذكروني به. ذكرك في فمي جمالك في وجهي حبك في قلبي فكيف تغيب؟ ولسان حاله: كيف أنت دائماً معي وأنا معك، هذه معية الله عز وجل التي بها كل خير.

الفرق بين الصديق وأصحاب موسى

الفرق بين الصديق وأصحاب موسى وسيدنا أبو بكر عندما ارتجف في الغار قائلاً: يا رسول الله! ما أظن إلا أن القوم قد رأونا، وما ذلك إلا لأن عينيه وقعتا في عيني أبي جهل، أو وقعت عينا أبي جهل في عيني أبي بكر، فقد رآه بلا شك، فماذا يعمل الحبيب؟ هو يعرف رصيد أبي بكر الإيماني، فقال له: (لا تحزن يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أي: فمن الذي يغلبهما؟ وانظروا الفرق بين أبي بكر وبين أصحاب موسى عند أن قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، ولذلك حديث الدار الآخرة مهم للعقيدة، من أجل أن الذي يخاف من غير الله لا يخاف إلا منه سبحانه، فالطالب الذي دخل الامتحان أو الموظف الذي يخاف من مديره، أو الرجل الذي يخاف من أمن الدولة أن تعمل به كذا وكذا، فكل هؤلاء ينبغي عليهم ألا يخافوا إلا من الله وحده، فإن خفت من الله أخاف منك المخلوقات كلها، ولذلك لما قال لموسى أصحابه: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لأن فرعون من ورائهم، قال لهم موسى: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وهل هذا من أدب النبوة؟ أي: أن يقدم معيته على لفظ الجلالة؟ ألم يكن الواجب أن يقول: إن ربي معي كما قال الرسول لـ أبي بكر: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فقدم لفظ الجلالة على لفظ المعية، أما سيدنا موسى فقدم لفظ المعية على لفظ الجلالة فلماذا؟ لأن الذي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر وإيمانه كامل، فأول ما قرأ: (إن الله) سكن قلب أبي بكر؛ أما الذين مع سيدنا موسى فهم يهود مذعورون خائفون على أنفسهم، فيطمئنهم أولاً على أنفسهم، ثم بعد ذلك يأتي بلفظ الجلالة قائلاً: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي). إذاً: فالفرق قائم بين المخاطبين، مثل الذي يجلس على جبل عرفات، وهو متعب يقول: يا إلهي، متى سيكتمل هذا النسك، ما هذا الحر؟ هذا غير معقول؟ لم أكن أتخيل أن الأمر هكذا، فهو ينتظر المغرب بفارغ الصبر، والثاني بجانبه مؤمن لا يريد المغرب أن يأتي، فلا يشعر بالحر، ويقول: يا ليت أن المغرب لا يأتي، فهذا اليوم قد لا يعوض مرة أخرى، فهذا لا يحس بالحر، والأول قد أتعبه الحر مع أن الجو واحد. إذاً: فقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، هذا لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه، فاللهم اجعلنا معه في الجنة يا رب العالمين. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة بين الرجال، لا طويلاً جداً ولا قصيراً، يعني: كان متوسطاً في الطول، لا نحيف ولا سمين، بل كان ربعة بين الرجال، لكن كان إذا سار مع طويل خيل للرائي أن الرسول أطول، ولذلك قالوا: يا عباس قال: نعم، قالوا: أنت عم رسول الله وحبيبه، قال: نعم، قالوا: إذاً أنت الأكبر أو الرسول؟ والعباس هذا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وآل بيت النبوة ألهمهم ربنا الرشد في الكلام وقال فيهم: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73]، فاللهم احشرنا في زمرتهم يا رب، فقال العباس: رسول الله أكبر مني، ولكني ولدت قبله. أي: لا يصلح أن أكون أنا الأكبر وهو رسول الله، بالله عليك لو أن شخصاً سألك في هذا الزمان، أنت أكبر أم ابن أخيك؟ لقال لك غالباً: يا بني! ابن أخي من سن أولادي، لكن العباس تخرج الحكمة من لسانه، اللهم أنطقنا بالحكمة يا رب.

نفخة الصعق

نفخة الصعق قبل قيام الساعة هناك نفختان في الصور: النفخة الأولى: قال الله فيها: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] يعني: هناك استثناء، ومن الموجود في تلك اللحظة؟ الموجود الجنة، والنار، واللوح، والقلم، والعرش، والكرسي، وعجب الذنب، وما هو عجب الذنب؟ هو ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب). وعجب الذنب: هو آخر فقرة في العصعص، الذي في العمود الفقري، وهذا مشاهد عندما تنظر الهيكل العظمي، فآخر فقرة هذه لا تفنى، بل تبقى منها بعض من الذرات، وهي دليل على أن هذا هو الشخص الفلاني، أو أنها فلانة، وربما يكتشف في المستقبل طباً أن في هذا المكان سراً ما، ولو أن عندنا من الأساتذة الفضلاء والعلماء أصحاب الطب واستطاعوا أن يفحصوا في هذه الحالة فلا بد أن يجدوا فيه سراً، ولماذا هذا بالذات؟ لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب)؟ لأنه البقية الباقية التي ستبقى من جسد ابن آدم، ولن تنفى إلا أن يشاء الله. إذاً: فعجب الذنب واحد من سبعة أشياء تظل باقية عند قيام الساعة، أو عند الصعقة في الصور.

وصف من ينفخ في الصور

وصف من ينفخ في الصور ومن الذي يصعق في الصور؟ أو من الذي ينفخ في البوق؟ ملك موكل بهذا اسمه إسرافيل، وهذا هو عمله من يوم أن خلق الله الجنة والنار، والرسول صلى الله عليه وسلم رآه ليلة المعراج يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وحنى جبهته، لا يرتد إليه طرفه، عينه لا ترمش، شاخصاً إلى العرش، ممسكاً بالبوق في يديه وعلى فمه، يخاف أن تغمض عيناه وقد أمر من الله بالنفخ في البوق. وفي الحديث: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه وحنى جبهته، ينتظر الإذن من الله بالنفخ في البوق). إذاً: فالرسول عند أن ينظر هذا أمامه كيف يأتي له نوم بعد ذلك؟ فأنت عند أن تتعلم العلم وتحضر حلقات الدار الآخرة تكون مستعداً للقاء الله، وعند أن يطرق عليك ملك الموت يومها فأنت مستعد للقائه سبحانه، اللهم اجعلنا من المستعدين للقائك يا رب العالمين.

استدعاء ملك الموت بعد الصعق

استدعاء ملك الموت بعد الصعق وبعد الصعق يستدعي رب العباد سبحانه ملك الموت، وهو العليم الخبير فيقول له: يا ملك الموت! فيقول: نعم يا رب! فيقول الله له: هل بقي أحد على ظهر الأرض؟ وهذا السؤال من الله سؤال من يريد تقرير الحقيقة، وهذا كقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة:109]. وكقوله تعالى: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:16 - 118]. وقوله تعالى على لسان عيسى: (إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فيه تقرير بأنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه، فلا تضرب الودع ونحوها؛ لأن عند المسلم يقيناً بالله عز وجل فيتقي ربه، ولا يصدق بأن إنساناً لا يستطيع أن يعرف ما وراء الطبيعة إلا بإيمانه بالله عز وجل وفتح الله عليه. فيقول إسرافيل: يا رب! بقي على وجه الأرض جبريل وميكائيل وإسرافيل وعبدك الماثل أمامك ملك الموت، فيقول الله له: يا ملك الموت! اقبض روح ميكائيل، فيقبض روح ميكائيل، ويبقى إسرافيل وجبريل، فيقول له الله: اقبض روح إسرافيل، وفي رواية: اقبض روح جبريل، ثم بعد قبض روح ميكائيل وإسرافيل وجبريل، يقول له الله: يا ملك الموت من على وجه الأرض؟ وتخيل ملك الموت أمام الله، أمام من يملك قضية الموت والحياة، كما قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. وقد رأى رسول الله جبريل على هيئته مرتين له ستمائة جناح قد سد الأفق بجناحيه، فقال يا جبريل! أريد أن أراك على حقيقتك، وكان يأتيه في صورة دحية الكلبي أحد الصحابة، وكانت صورته جميلة، هو من قبيلة كلب، فهذا هو الذي كان يأتي جبريل في صورته إلى رسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريد أن أراك على حقيقتك فقال له: (لا تستطيع، فقال الله: يا جبريل! لا ترد أمراً لحبيبي محمد، اخرج إلى البقيع يا رسول الله! فخرج، ورأى أجنحة جبريل وقد سدت مشرق الشمس ومغربها، رأسها في السماء ولم ير رجليه)، وكاد أن يغشى على الرسول من المفاجأة والهول، ما هذا الحجم وما أكبره؟ فلما عاد إلى حجمه، أي: لما عاد -يعني: إلى الحالة الطبيعية أو الشبه الذي كان يأتي به إلى الرسول - وقد قال جبريل: (أنا بالنسبة لإسرافيل وميكائيل كحلقة ملقاة في فلاة، ولو تراهما يا رسول الله! وقد تصاغرا خشية من الله عز وجل، حتى يصيرا كالعصفور الصغير). إذاً: فالملائكة معصومون، لا يعملون الغلط، والله جعلهم نورانيين في خوف من الله عز وجل، ونحن الذين ركب فينا الخير والشر، وشرنا أكثر من خيرنا إذا انحرفنا لا نخاف؟ بل يجب أن نخاف الله سبحانه، قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. فقال الله لملك الموت: يا ملك الموت مت، وفي رواية الترمذي قال: (لم يبق إلا حملة العرش)، أي: الحاملين للعرش فقال: يا ملك الموت أمت حملة العرش، ثم قال له الله: من بقي؟ فيقول: عبدك فقال له: مت، ثم يقول الله عز وجل: كنت أنا الله وأبقى أنا الله، أنا الله لا إله إلا أنا، أين الملوك؟ أين أهل الملك؟ أين أهل الجبروت؟ أين أهل القهر؟ لم يبق إلا أنا الواحد القهار.

نفخة البعث

نفخة البعث عادت الأرض كما كانت لا مخلوق فيها، ملك لخالقها سبحانه، فتمكث الأرض كذلك ما شاء الله لها أن تمكث، ثم يبعث الله إسرافيل لينفخ في البوق مرة أخرى، وهذه النفخة الثانية، وهي الإيذان بقيام القيامة، ودخلنا في مسألة البعث، قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41 - 42] أي: ينادي إسرافيل، وربما ينادي حملة العرش، -على خلاف في الروايات- وربما ينادي مناد من عند الله لا ندري من هو: يا أيتها العظام النخرة، يا أيتها اللحوم المتناثرة! قومي لفصل القضاء أمام الله رب العالمين، كما قال الله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ} [القمر:7]، وكما قال سبحانه: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43] فيقول الله لهم: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] فيقولون: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] أي: اسأل الذين يعدون، أما نحن فلا نعرف كم لبثنا؟ أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول جبريل والملائكة في لقائه: مرحباً يا خير خلق الله، وفي رواية ابن ماجه والإمام أحمد أن سبعين ألفاً من الملائكة تشرف بلقاء الحبيب وهو قائم من قبره، وهذا التشريف خاص بسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو خارج من القبر، فيقول: كيف حال أمتي يا جبريل؟ أول ما يفتح عينيه يسأل: كيف حال الأمة؟ ما أعظم حنانك وعطفك على الأمة يا رسول الله! كما قال الله عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، أفلا يستحق أن نصلي عليه ليل نهار؟ ألا يستحق أن نحبه حباً جماً؟ ألا يستحق أن نسير خلفه وفي طريقه، ألا أيستحق أن نطيعه فيما قال وأمر، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]. لذلك سيدنا أنس يبكي وهو يوضئ الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالماء ينزل من الإبريق من يد أنس رضي الله عنه وهو يبكي، وأنس خدم الرسول عشر سنوات، أمه أسلمته للحبيب وهو في العاشرة، فمكث يخدم المصطفى إلى عشرين سنة، وعنده من العمر خمس عشرة سنة وهو يبكي! لأنه تربى في بيت النبوة، فقال: يا رسول الله! تذكرت يوم تقوم الساعة، تكون أنت عند الله عز وجل في درجة عالية، وأنا لا أدري أين أكون؟ فهذا حال سيدنا أنس رضوان الله عليه، فلذا يكرمه الله عز وجل ومن على شاكلته ومن يسير في طريقه بما في قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

المواطن التي يفر المرء فيها من كل قريب

المواطن التي يفر المرء فيها من كل قريب وهذه السيدة عائشة تبكي بكاءً مراً على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: (ما لك يا عائش)، وكان يلاطفها، وهو حنون على زوجاته، فقالت: أيذكر ويعرف بعضنا بعضاً يا رسول الله يوم القيامة، أو (هل كلنا سيعرف الآخر عندما نخرج من القبور؟ قال: يعرف بعضنا بعضاً ويذكر بعضنا بعضاً، إلا في مواطن ثلاثة) في مواطن ثلاثة، متى يا حبيب الله؟ وفي رواية الإمام أحمد: (مواطن أربعة)، في رواية الإمام ابن ماجه والترمذي ومسلم: (في مواطن ثلاثة). وهي كالتالي: أولها: (عندما نخرج من قبورنا، لا يسأل حميم حميماً) أي: لا أحد يسأل عن أحد، لو لقيت أباك أو ابنك بجانبك لفررت منه، وكذا امرأتك، فيفر الإنسان من كل من يعرف في هذا الموقف. ثانيها: (عند تطاير الصحف). وثالثها: (عند نصب الموازين أيثقل أم يخف) اللهم اجعلنا من الذين تثقل موازينهم يا رب العالمين. ورابعها: (عند الصراط، أيهتز به الجسر أم يثبت قدمه عليه). اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين. يقوم الناس من قبورهم على غير هدى، من لدن آدم إلى آخر إنسان على الأرض، الراعي الذي ستقوم عليه الساعة، هو آخر من سيموت، ثم تقوم الساعة عليه ويموت وهو وسط غنمه، من أبينا آدم إلى هذا الراعي يعني: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل خارج من القبور من جميع أنحاء العالم يتجه إلى مكان واحد، لكن المؤمن الثابت الإيمان، التقي، النقي، الطاهر، الشريف على باب قبره ينتظره الملكان اللذان كانا أصحابه في الدنيا، أي: ملك الحسنات وملك السيئات، يثبتانه بالقول الثابت. اللهم اجعلنا منهم يا رب، فالمؤمن الثابت، التقي، النقي ينتظره رقيب وعتيد يثبتانه: لا تخف، مثل أن تنزل أرضاً أو بلداً غريبة، فتلقى في المطار أناساً يتكلمون باليابانية وآخرون بالصينية، وأنت لا تعرف يابانية ولا صينية، ثم تجد صديقك، له عشرون سنة في هذه البلاد، فقال لك: أهلاً وسهلاً كيف حالك؟ وماذا تعمل؟ فكذلك الملكان يثبتانه في القبر، ويلقنان المؤمن الحجة، اللهم لقنا حجتنا يا رب العالمين.

وصف أرض المحشر

وصف أرض المحشر يسير الناس على غير هدى عند خروجهم من القبور، ولكن العلماء يقودون الناس كما كانوا يقودونهم في الدنيا إلى أرض المحشر. أما أرض المحشر فهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بيضاء نقية، كالفضة المذابة، ما ارتكبت عليها خطيئة ولا ذنب قط) ذلك لأن الله قال: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]. قال أيضاً سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:105 - 107] أي: ليس فيها حفرة، ولا تل ولا هضبة؛ وإنما هي أرض مستوية، كل شيء ظاهر فيها، فلا أحد يختبئ في حفرة، أو وراء تل أو جبل أبداً، بل كلها أرض واضحة المعالم، إلى أن قال رب العباد سبحانه: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:108] وقال سبحانه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:111]. هذا كلام لو أن العبد تدبره لانصدع قلبه خوفاً من الله سبحانه، ولهذا جاء القرآن وكذا سنة الحبيب لذلك، أي: لكي ترشدنا إلى الخير إن تأملناها، اللهم أرشدنا بكتابك وسنة حبيبك يا رب العالمين. فيسير الناس على غير هدى إلى أن يجتمعوا جميعاً، فيا له من اجتماع مهول! نحن على ظهر الكرة الأرضية في هذا الوقت سنة واحد وتسعين خمسة مليار أو خمسة آلاف مليون، وهذا في حقبة من الزمن فقط، فانظر كم يكون من لدن أبينا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلهم يجتمعون في مكان واحد، الأمريكي والروسي والأفريقي والآسيوي وغيرهم، كلهم يكونون في مكان واحد. ولترى هذه الصورة في يوم عرفة، وهم كلهم مجتمعون، فيا ترى كيف يكون حالنا في ذلك اليوم؟ ترى النساء عورات الرجال والعكس؛ لأنهم كلهم عراة. انظر إلى أم المؤمنين على ماذا تخاف في ذلك اليوم؟ ليست مثل النساء اللاتي يمشين عاريات في الشوارع، قائلة لك: المهم الحجاب في القلب! فتقول أم المؤمنين: سبحان الله! ويرى الرجال عورات النساء؟ قال: (يا عائشة {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37])، أي: لا يوجد أحد في ذلك اليوم يهتم بهذه الأشياء يا أم المؤمنين، فالكل يذهب إلى مكان واحد. إذاً: فهناك بعث وانتشار من القبور.

كيفية الحشر

كيفية الحشر بعد ذلك قال: واقتربت الشمس من الرءوس، فلقد تركت مدارها، وتغيرت الأرض والسماء وكذلك أشكالنا، أي: الأجساد سوف تتغير، ونخلق يوم القيامة على صورة أبينا آدم ستون ذراعاً في السماء، يعني: إذا كان الذراع يساوي خمسة وسبعين سنتيمتر مثلاً، فالواحد طوله يوم القيامة خمسة وأربعون متراً. وسوف نحشر يوم القيامة أصنافاً ثلاثة: ركباناً، ومشاة، وعلى الوجوه، يعني: سنخرج من القبور ثلاثة أصناف: صنف كانت الدنيا بالنسبة لهم مطية ووسيلة، وليست غاية، واتقوا الله عز وجل، وعاشوا ينشرون الدعوة والعلم، رغم ما يؤذون به وما يدخل بيوتهم من النكد والشر، لكن نصروا دين الله عز وجل، فلذا الخيول والدواب ووسائل الانتقال المريحة تنتظرهم عند القبور، من أجل ألا يمشوا، اللهم احشرنا معهم يا رب، فيحشرون ركباناً، ويحشر مشاة من كان عملهم أقل، وهناك - والعياذ بالله - من يحشرون على وجوههم، قالوا: (كيف يمشون على وجوههم يا رسول الله؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم سوف يمشيهم على وجوههم). إذاً: يحشر الناس مشاة وركباناً، وعلى وجوههم، على قدر تعبك لله في الدنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فإن كدحت لله في الدنيا وتعبت وعرقت من أجله، فستأتي يوم القيامة لا تعرق؛ لأنك أصابك العرق لله، وتعبت في سبيله، وجاهدت وحوربت، وضيقوا عليك الرزق، وراقبوك، وكرهت حياتك من أجله، وما زلت سائراً فيما يرضه، فلن تعرق وتتعب يوم القيامة. والمرأة المنقبة والمخمرة التي تمشي في عز الحر مغطية نفسها بجلباب أو اثنين، من أجل ألا يرى أي شخص شيئاً من جسمها، ومن أجل ألا يعرف أحد هل هي سمينة أم نحيفة، وألا يعرف أحد شكل يدها أو جسمها أو رجلها وهي مع ذلك تتصبب عرقاً، فهذا العرق يمنع عنها عرق الآخرة، وتوضع لها كل قطرة من عرقها في ميزان حسناتها يوم القيامة، والتي تمشي عريانة والذباب محيط بها، وعيون الذئاب البشرية تنظر إليها، فهذه سوف تسبح في عرقها يوم القيامة، نسأل الله السلامة لنا ولكم ولنسائنا أجمعين، إن ربنا على ما يشاء قدير. فالناس منهم من يمشي في عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يصل عرقه إلى حقويه -أي: نصف جسمه- ومنهم من يصل عرقه إلى صدره، ومنهم من يغطي العرق أذنيه. من لم يتعب في الدنيا مثل تعب المؤمنين، بل كان مستريحاً محارباً لعلماء الدين فهذا يبلغ منه العرق على قدر عداوته وعمله. يصل الناس إلى أرض المحشر، ونحن لسنا مثل أهل التوراة عندما يتكلمون عن ذلك قائلين: عند قبة الصخرة سوف يوضع عرش الرحمن، وتكون الموازين هناك والأرض، فنحن لا داعي لنا لمعرفة المكان، ولم يذكر في القرآن أو السنة ذلك، فلا يهمك المكان، وهذا حال التلميذ الغبي تماماً، فهو يهمه المكان الذي سيختبر فيه، وفي أي لجنة؟ وكم في جنة من طالب؟ وكم الأسئلة؟ وهذا ليس عليه، ونقول له: إنما عليك أن تذاكر وتمتحن حتى في المريخ. وكذلك قضية أرض المحشر، في أي مكان هي؟ هذا ليس علينا، فلا تسأل عن أشياء لن تعود عليك بشيء مفيد. وعندما يصل الناس إلى أرض المحشر جميعاً، تطول بهم الوقفة لأن اليوم في الآخرة بخمسين ألف سنة، فكم يمكث الناس يا ترى؟ يمكثون طويلاً، حتى إن الحبيب يذكر: أنه يتمنى كثير من الناس أن يذهب بهم إلى النار ولا تطول بهم الوقفة.

شفاعة النبي لأهل الموقف

شفاعة النبي لأهل الموقف يحشر الناس في صعيد واحد، كلهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، ثم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيذهب الناس، كل أمة تذهب إلى علمائها) أي: كل أمة تجري وراء العلماء المخلصين، الذين كانوا يعلمونهم في الدنيا، يا علماءنا اعملوا شيئاً، فيذهب وفد من العلماء بعدما يتشاورون ماذا نعمل؟ فقالوا: نحن سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه من أجل أن تبدأ الشفاعة في بداية الحساب، فأول واحد نذهب إليه آدم أبو البشر، الذي خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، فيقولون: يا أبانا اشفع لنا عند ربك، فيقول: لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله، ولن يغضب مثله بعده؛ ويكررون على آدم الرجاء: يا أبانا اشفع لنا، فيقول: وهل أخرج أباكم من الجنة إلا أن عصى ربه، بأي وجه ألقى الله عز وجل، رغم أن الله تاب عليه، لكن مازال مرعوباً، فليست المسألة سهلة، فيقول لهم آدم: أنا لست لها، اذهبوا إلى نوح، كل الذين ذهبوا إلى آدم يذهبون إلى نوح: يا نوح! يا أطول الأنبياء عمراً، يا أول الدعاة على الأرض! اشفع لنا عند ربك، فيقول مقالة أبيه آدم: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضبه من قبل ولن يغضب مثله بعد، أنا لست لها، لقد دعوت على قومي، وقلت: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:26 - 27] أنا لست لها، اذهبوا إلى أبي الأنبياء إبراهيم. قالوا: إذاً حلت، أبو الأنبياء هذا الخليل، وله دلال على الله، وهو ذو المكانة من الله، فيقولون: يا خليل الرحمن! اشفع لنا عند ربك، وما هي الشفاعة هنا؟ هي بداية الحساب، يعني: كل هذا الرجاء من أجل أن يبتدئ الحساب، فلا تظن أن الشفاعة من أجل أن يدخل الناس الجنة! لا، بل من أجل أن يبدأ الحساب، فالمسألة خطيرة وصعبة، لذلك كان الرسول يقول دائماً: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً، ولضحكتم قليلاً، ولما هنأت لكم حياة، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيها جبهة ملك ساجد، يسبح بحمد الله، حتى إذا حشروا أمام ربهم يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك). إذاً: فالمسألة خطيرة، والملائكة الذين يشغلون أنفسهم بعبادة الله، يقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، وأنت عندما يكرمك الله تنظر إلى وجه ربك يوم القيامة، يجب أن تستقل العبادة التي أمرك بها. يقول الخليل لهم: لقد كذبت، أنا لا أستطيع، لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قبل، ولن يغضب مثله بعد، أنا لست لها، اذهبوا إلى كليم الله موسى، قالوا: هو هذا الذي سيكلم ربنا، الإنسان دائماً يعيش على الرجاء، وهو في كل حلقة يرجو الحلقة التي تليها، فيقولون: يا موسى! ربنا اصطفاك على الناس برسالته وبكتبه، اشفع لنا عند ربك، فيقول: لست لها، لقد دعوت على قومي: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:88]. كل نبي من الأنبياء يرى نفسه مذنباً، إذاً فنحن بالله عليك أين نذهب؟ يعني: الأنبياء يقولون: لا، إن ربنا غضب اليوم، لا أحد يستطيع أن يتكلم، إلى درجة أن الله عز وجل عند أن يجمعهم ويسألهم: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة:109] وهم يعرفون الإجابة لكن يقولون: {لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة:109]، ولذلك قالوا: يا خليل الرحمن! لم لا تشفع لنا عند ربك يوم القيامة، -هؤلاء أتباعه- ألست خليل الرحمن؟ قال: خوفي من ربي أنساني خلتي معه، أي: الخوف أنساني أنني خليله، يا إلهي! انظروا خوفهم إلى أين أوصلهم؟ يقال: إن سيدنا أيوب كان يبكي خوفاً من الله حتى ينبت الزرع من كثرة دموعه، فكم كان مقدار دموعه؟ فيقول لهم إبراهيم: أنا لست لها، اذهبوا إلى روح الله عيسى، قالوا: إذاً هنا الحل، وقال مثلما قال إخوانه من قبل وأبوه آدم، أي: ربنا غضب اليوم غضباً لم يغضبه من قبل، ولن يغضب مثله بعد أنا لست لها، أين أنتم ممن قال أنا لها أنا لها! أين أنتم من أخي محمد؟ لماذا لا تأتون إليه مباشرة، كل واحد من الأنبياء يقول: لست لها لست لها لست لها، إلا محمداً عليه الصلاة والسلام. فيقولون له: يا رسول الله! يا خاتم النبيين! يا خير خلق الله! يا من كذا وكذا! - طبعاً فيه من الصفات الكثيرة - اشفع لنا عند ربك، فتكون أول إجابة له أن يقول: (أنا لها أنا لها) صلى الله عليه وسلم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فأنهض فأسجد بين يدي ربي تحت العرش، ويفتح الله علي من محامده ما لم يفتح من قبل)، يعني: يلهمه الله كلاماً لا يعرفه من قبل، فيظل يحمد الله ويثني على ربه بما هو أهله، ويبكي، لكن هل يبكي من أجل نفسه أو أهله؟ لا، من أجل فاطمة والحسن والحسين؟ لا، وإنما يقول: (يا رب أمتي يا رب أمتي، يقول له: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع). ارفع رأسك يا حبيبي! أما كفتك العبادة؟ أما كفاك القيام؟ أما كفاك الهجود؟ أما كفاك الصيام؟ أما كفاك الصلاة حتى تورمت منك الأقدام يا خير الأنام؟ ارفع رأسك فيقول: (يا رب أمتي يا رب أمتي) فيقول الله عز وجل: (رحمتي لن تضيع أمة هذا رسولها، وهذا ربها الرحمن الرحيم). فاللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا اللهم شفعه فينا اللهم شفعه فينا يا رب العالمين. وفي أرض المحشر التي هي بيضاء نقية كالفضة لا حفرة فيها ولا تل، يكون مع الإنس فيها هناك الجن، والشياطين، والحيوانات، قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5]، قالوا: ويحيط بهذا كله الملائكة، كما قال تعالى: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25]، فالملائكة تركت مدار العبادة الذي في السماوات والأرض، وأحاطت بأهل المحشر، فلا خلاص من أمر الله، ونكس الجميع رءوسهم خشية لله عز وجل، ثم نكست الوحوش رءوسها خشية من الله، وهي ما اقترفت ذنباً، ولن تحاسب بالحسنات والسيئات وهي في حالة من الخوف، إذاً: فنحن أولى أن نخاف ونرتعب، ونكون في الدنيا على وجل، وإن قوماً غرتهم الأماني، يقولون: نحسن بالله الظن، ووالله لقد كذبوا، ولو صدقوا لأحسنوا العمل. القضية: أن الإيمان ليس بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، إياك أن تقول: هذا شخص قلبه أبيض، أو: صحيح أنه لا يصلي، ولكن قلبه أبيض، وصحيح أنه لا يخرج الزكاة، لكن قلبه أبيض! بل قل: هذا قلبه أسود؛ لأنه لا يقيم شرع الله عز وجل، فحذار أن تضيع شرع الله، وتضيع سنن الحبيب المصطفى، وحذار أن تبتعد عن مجالس العلم، والله يأمر حبيبه قائلاً: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:28 - 29]. فاللهم اجعلنا من المؤمنين يا رب العالمين.

الأدلة على مسائل البعث واليوم الآخر

الأدلة على مسائل البعث واليوم الآخر

تكذيب أناس لربهم

تكذيب أناس لربهم ندعم كلامنا المتقدم بالأحاديث الصحيحة المنقحة عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم على ما يلي: روي الإمام البخاري وكذا الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل فيما يرويه عنه سبحانه وتعالى أنه يقول: (شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني؛ فأما شتمه إياي فيقول: إن لي ولداً). وهؤلاء النصارى أصحاب العقيدة المنحرفة، ثم قال الله عز وجل: (وأما تكذيبه فقوله: لن يعيدني مرة أخرى) مع أن الله يقول: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47].

حال صاحب الصور

حال صاحب الصور ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ترك صاحب الصور أو صاحب القرن الذي وكل به، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان، ملوك الأرض يومها أذل أهل الجمع، حتى الوحوش تقبل من البراري منكسة رءوسها بعد توحشها، ذليلة بغير خطيئة، ثم تحشر الشياطين). قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم:68]، هذا كلام الله عز وجل، وكلام حبيبه صلى الله عليه وسلم.

إلقاء الأرض ما في جوفها

إلقاء الأرض ما في جوفها ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس في قبري، فيفتح لي باب في السماء بحيال رأسي حتى أنظر إلى العرش، ثم يفتح لي باب عن يميني حتى أنظر إلى الجنة وإلى منازل أصحابي، وإن الأرض تحركت تحتي فقلت: ما بالك أيتها الأرض؟ قالت: إن الله أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في)، ثم قرأ قول الله عز وجل: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:4 - 5]، أي: سمعت وأطاعت وحق لها أن تسمع وتطيع.

حال العبد مع عمله

حال العبد مع عمله ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (أول من يلقى العبد يوم القيامة ملك الحسنات) انظروا إلى التعبير (العبد)، الذي هو المؤمن، يعني: هو عبد لله لا للدنيا. ثم يجد رجلاً على هيئة نور، يقول له: اركبني، فيقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاليوم تركبني حتى آتي بك إلى الله عز وجل. أما الثاني والعياذ بالله فعليه ظلام وكآبة، فيركب فوق ظهره، فيقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا علمك السيئ، كما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم، كما قال تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرص نقي ليس فيها معلم لأحد) ومعنى: عفراء: أي بيضاء غير ناصعة البياض، يعني: بياض بزرقة قليلاً، وقال عليه الصلاة والسلام عنها: (أرض بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة).

طرائق حشر الناس

طرائق حشر الناس وفي حديث البخاري ومسلم يقول صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين، وراهبين، واثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتمسي معهم حيث أمسوا). يعني: والعياذ بالله أن هنالك أناساً سوف يخرجون من القبور يلقون ركائب يركبونها، وهناك أناس يلقون الأعمال الصالحة يركبونها، وهنالك أناس تمشي النار -والعياذ بالله- معهم؛ لأنهم كانوا في الدنيا كالنار على الناس في كلامهم وألفاظهم، ومعاملاتهم. عندما يوضع العبد السيئ في القبر يخرج له تنين أو ثعبان أقرع له سبعون رأساً، وله أنياب قد جري السم في دمائه سنوات طويلة -والعياذ بالله- قال: سبحان الله هذا التنين كان حياً معه في الدنيا؛ لأنه في الدنيا كان عبارة عن حية تلدغ الناس، والحيات والعقارب التي تملأ القبر، وتحيط بالفاجر والفاسق هي عبارة عن أعماله السيئة؛ من الغيبة والنميمة، ولمز الناس، وهمز الأعراض، والخوض في الحرمات، وكتابة الشكاوى، وتعذيب الناس وسجنهم، وتضييع علماء الدين، وكل هذا يتمثل له يوم القيامة في هذه الصور من العذاب والعياذ بالله. فاللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.

حال الناس عند حشرهم

حال الناس عند حشرهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن مسعود: (يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط؛ فمن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسى لله كساه الله، ومن عمل لله كفاه الله، ومن نصر الله أراحه الله في ذلك اليوم). يعني: أنت عند أن تطعم لله، فالله سيطعمك يوم القيامة، وعند أن تسقي لله فالله عز وجل سيسقيك، وإن تكس لله فالله عز وجل سيكسوك، وإن تعمل أي شيء لله عز وجل فالله سيعطيك مثل ما صنعت، ولن تعمل شيئاً لله إلا وجدته، والناس يبعثون على ما ماتوا عليه. شخص وافته المنية في حجة الوداع، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (غسلوه وكفنوه، لكن لا تغطوا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة محرماً ملبياً). فمن مات وهو يقرأ القرآن يخرج من قبره وهو يمسك المصحف ويقرأ القرآن، والذي مات ويذكر الله يبعث يوم القيامة وهو يذكر الله، والذي مات وهو يلعب والعياذ بالله طاولة أو يشرب سجائر أو واقعاً في منكر أو مات وهو يغني أو يعمل أي منكر فسيبعث على ما مات عليه. فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها يا رب العالمين.

كيفية حشر أصناف من الأمة

كيفية حشر أصناف من الأمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ:18]؟ فبكى الرسول، وقال: يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتاً، قد ميزهم الله من جماعة المسلمين، وبدل صورهم -والعياذ بالله- فمنهم على صورة القردة، ومنهم على صورة الخنازير، ويحشر بعضهم منكسين أرجلهم أعلاهم ووجوههم يسحبون عليها)؛ لأنه في الدنيا لم يكن يسمع لأهل العلم، بل كان ممن يؤذيهم، كأن يقفل مسجداً أو يؤذي مصلياً. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وبعضهم عمي يترددون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم لا يمضغون -والعياذ بالله- ألسنتهم مدلاة على صدورهم، يسيل منها القيح، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع النار، إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريح، فيقول: هل تعرفني؟ يقول: لا، يقول: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا فاركبني اليوم، ثم تلا: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:85]) اللهم اجعلنا منهم يا رب. قال أهل اللغة: الوفد: هم علية القوم، وعندما كان يقول العربي: وصل الوفد، فليس المراد أي أحد؛ لأن زعماء القبيلة هم الوفد، ثم قال تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم:86]. لا تساق إلا البهائم، ومعنى: ورداً، أي: عطاشا، تخيل شخصاً في جهنم وهو عطشان. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن الكافر ليستقبله عمله في أقبح صوره وأنتن ريح، فيقول: هل تعرفني؟ يقول: لا، يقول: أنا عملك السيئ، طالما ركبتني في الدنيا وأنا اليوم أركبك، وتلا قول الله عز وجل: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]). والعياذ بالله رب العالمين. وهنا نتوقف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_أسماء يوم القيامة

سلسلة الدار الآخرة_أسماء يوم القيامة البعث والنشور حقيقة لا ريب فيها، وهي جزء من الإيمان بالآخرة، وجزء من إيمان المؤمن لا يتم إيمان المؤمن إلا به، وليوم القيامة أهوال وأحداث، وأسماء يوم القيامة توضح ذلك.

قضية البعث وتوجه الناس إلى المحشر

قضية البعث وتوجه الناس إلى المحشر الحمد لله حمد عباده الشاكرين، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة العاشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، فهذا يوم مبارك وهو يوم عاشوراء الذي من صامه إيماناً بالله واحتساباً فقد غفر له ذنوب سنة مضت، فاللهم اجعلنا من الذين تقبلت منهم يا رب العالمين! اللهم تقبلنا في هذا اليوم الكريم، اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا، واغفر يا مولانا بفضلك زلاتنا وآثامنا، وأعتق من النيران رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأصحاب الحقوق علينا، فرج اللهم الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، ويسر أمورنا وأمور المسلمين، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. أكرمنا ولا تهنا، أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، انزع اللهم الحقد والحسد والضغينة من قلوب المسلمين، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، ومن المتزاورين فيك، ومن المتجالسين فيك، اللهم حببنا بحبك فيمن أحببت، وبغضنا ببغضك فيمن أبغضت، اللهم حببنا إلى الحلال وبارك لنا فيه وحببه إلينا وإن كان قليلاً، وباعد بيننا وبين الحرام يا رب! بعد المشرقين وبغضنا إليه وإن كان كثيراً، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، نعوذ بك من عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، ومن دعاء لا يُسمع، نسألك من خير ما علمنا وما لم نعلم، ونعوذ بك من شر ما نعلم وما لا نعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، انصر الإسلام والمسلمين، انصر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، واجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، تعلم يا مولانا أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا. اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، ولا خزايا ولا ندامى ولا مبدلين. يا أرحم الراحمين ارحمنا! يا أرحم الراحمين ارحمنا! يا أرحم الراحمين ارحمنا! لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين! أكرمنا بكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم أكرمنا يا أكرم الأكرمين! اللهم توفنا على الإيمان واحشرنا في زمرة المؤمنين، واجعلنا للمتقين إماماً، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله، واسقنا من حوض الكوثر شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن البعث من القبور، وتوجه العباد إلى أرض المحشر وقد وصفها لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها أرض بيضاء نقية لم ترتكب عليها معصية قط، ولم يسفك عليها دم قط، ولم يظلم إنسان عليها قط، ولم تقع عليها أي بلية قط، إنما هي أرض جديدة خلقها الله سبحانه وتعالى ليحاسب العباد عليها. إن أرض المحشر كما قلنا لا ندري أين مكانها، ولكن سوف يدلنا أهل الخير والعلماء الصالحون العاملون بعلمهم، وسوف يقومون بعمل الأدلاء أو المرشدين إلى أرض المحشر، حيث نخرج جميعاً من الأجداث سراعاً كأننا إلى نصب نوفض، أو كأننا جراد منتشر، وهنا إذا صيح بنا الصيحة الثانية ينادي المنادي من قِبل العلي الأعلى: أيتها العظام النخرة! أيتها اللحوم المتناثرة! أيتها الأعضاء المتفرقة! قومي لفصل القضاء أمام الله رب العالمين. وسوف نسرع ما بين راكب وماشٍ، وسائر على وجهه والعياذ بالله رب العالمين، حتى إن الصحابة الذين لا يجادلون أبداً تعجبوا وقالوا: يا رسول الله! كيف يمشون على وجوههم؟ قال: (الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم) وذلك لأن هذا الإنسان الذي سيمشي على وجهه والعياذ بالله يوم القيامة كان دائماً لا ينظر إلى الإسلام ولا إلى المسلمين، وإنما ينظر لمصلحته لا غير، ويرى مهمته فقط، فلم ينظر إلى مسلم برحمة، ولا إلى أرملة مسكينة برحمة، ولا إلى يتامى بشفقة، ولا إلى موظف مسكين يقف بجانبه، ولا إلى مظلوم، وإنما كان ينافق ويظهر ما لا يبطن. إنَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أبا ذر وبالتالي يعلمنا أن الإنسان المسلم الصادق في إسلامه يجب أن يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم؛ لأن قول الحق لا يقرب أجلاً، فأنت إذا رأيت ما يجب أن تقوله بحق وبصدق يجب أن تقول ولا تخاف أبداً أن يزج بك في سجن، أو تصاب في رزقك أو في ولدك، أو تعجل عليك المنية، كلا! فقل الحق، وإن مت فبقضاء الله عز وجل وأنت مع حمزة رضي الله عنه في الجنة، فخير الشهداء حمزة ورجل دخل على حاكم ظالم فوعظه فقتله. إذاً: هؤلاء سوف يُحشرون على وجوههم والعياذ بالله رب العالمين، ومنظر بشع أن يسحب الإنسان على وجهه، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22] فأيهما أهدى وأفضل؟ الذي يمشي في الحياة مستقيماً على الصراط القويم، أم ذلك الذي يمشي مكباً على وجهه لا يرى الحق حقاً، وإنما يرى الحق باطلاً، ويرى الباطل حقاً. إنَّ في زمننا هذا إذا رأت العائلة واحدة قد هداها الله إلى الحجاب وقفت ضدها وقالت: هذا غلط، هذا تطرف، هذا تشدد! إذاً والتي تنام على الشاطئ عريانة أليس ذلك تطرفاً؟ أليس ذلك تشدداً في الانفلات؟ أليس تشدداً في الانحراف؟ أليس ذلك تشدداً في التمسك بإبليس وأعوانه؟ لماذا التشدد يذكر عند المؤمنين والمؤمنات ولا يذكر عند الفاسقين والفاسقات، والفاجرين والفاجرات؟ لماذا عندما نلقى شاباً صالحاً يرتاد المسجد ويواظب على دروس العلم، نصفه بأوصاف سيئة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) فالمعروف صار في زمننا منكراً، والمنكر صار في زمننا معروفاً؛ لأن الناس قد ساروا على روسهم لا على أرجلهم فرأوا الحقائق مقلوبة، فهم لا يعيشون على منهج الكتاب والسنة، بل يعيشون في هذا الوقت مشاش على روسهم، فرأوا حقائق الأمور مقلوبة، رأوا الحق باطلاً والباطل حقاً، ورأوا الاستقامة انحرافاً والانحراف استقامة. إذا وعظت مدير مكتب وقلت له: لماذا تريدون سكرتيرة حسنة المظهر؟ قال: أريد أن أجلب بها الزبائن، والكارثة أن البنات يتسابقن أيتهن تفوز بمنصب السكرتيرة أو مديرة المكتب، فإن قلت له: لا بد أن يكون الموظف رجلاً حتى على الأقل لو تأخر مجلس الإدارة في الليل لاجتماع إلى الساعة الواحدة، أفضل من أن تتأخر الفتاة أو الأم عن أبنائها، فالرجل أفضل لأنه يتحمل ويصبر على الأوامر القاسية، لكن المرأة ضعيفة وفي نفس الوقت تخلو أنت بها في المكتب ومعكما الشيطان، فتراه يتأفف من هذا الوعظ؛ لأنه لا يحب هذا الحديث؛ فهو يرى الحق باطلاً، ويرى الحقيقة عرجاء، ويرى الأمر الأعرج الكسيح المشوه مكتملاً، فهو يرى أن هذا هو الصواب، أما ما تراه أنت فهو خطأ؛ فهذا من الذين يسحبون على وجوههم يوم القيامة؛ لأنه لا يرى إلا أن يقلب الحقائق، والموظف الذي تحت يديه مال لوزير أو مدير، فتراه ينافق ويضر الناس؛ حتى لا يصل إليه إلا كل مدح وصفة طيبة، من الذين يحشرون على وجوههم يوم القيامة. يحكى أن الفضيل بن عياض رحمه الله وعظ هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين! إن ملكاً من ملوك الصين وكان رجلاً عادلاً أصيب بالصمم، فكان لا يسمع شكوى الشاكين، فأذن بمؤذن في البلاد: من كان ذو ظلامة يلبس يوم كذا ثوباً أحمر فكان الفضيل يقول: يا أمير المؤمنين! هذا رجل مشرك ولكنه يعدل بين الناس. وأمة العدل الكافرة تستمر، وأمة الظلم المسلمة تضمحل، ولزوال الأرض والسماوات بما فيهن أهون عند الله من إراقة دم مسلم بريء. فهؤلاء -أي الذين يريقون دماء المسلمين البرآء- من الذين سوف يكبون على وجوههم في النار يوم القيامة، وقبل أن يكب على وجهه في النار يمشي مكباً على وجهه من القبر إلى أرض المحشر والعياذ بالله نستعيذ بالله وإياكم من هؤلاء ومن هذه الأعمال، وحشرنا الله في زمرة الصالحين المؤمنين المتقين. قلنا: إن الناس سوف يحشرون على هيئات ثلاث: صنف راكب، وصنف ماشٍ، وصنف يمشي مكباً على وجهه؛ ونحن الآن في أو

أسماء يوم القيامة

أسماء يوم القيامة ليوم القيامة أسماء كثيرة، فإننا حين نقرأ القرآن أو نقرأ السنة المطهرة نجد مسميات كثيرة تربو على الستين اسماً ليوم القيامة، وكل اسم من أسماء يوم القيامة له معنى، وهذه الأسماء يجب أن نعلمها؛ لأنه اسم اليوم الذي سنجمع فيه جميعاً من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، سنجتمع فيه نحن وأهلنا وأقرباؤنا وأصحاب الحقوق والرؤساء والزعماء والملوك، والأمراء والوزراء والمدراء والكبير والصغير، وكسرى وقيصر والأنبياء جميعاً وأقوامهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وأمته من الكفار والمشركين والمنافقين، فكل هؤلاء مجموعون في مكان واحد والمسألة ليست من السهولة بمكان، فحلقات الدار الآخرة هي حلقات تخص العقيدة أولاً وأخيراً، فإذا كنا لم نخرج من حلقات الدار الآخرة بزيادة إيمان ونور يدخل إلى قلب العبد رويداً رويداً؛ فإن هذه دروس لم نستفد منها؛ فاللهم اجعلها في ميزان حسناتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين!

يوم الانشقاق

يوم الانشقاق إنَّ أول اسم من أسماء يوم القيامة اسم يتعلق بسورة من ضمن خمس سور عجلت بالشيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان العربي لا يشيب إلا بعد الستين والسبعين سنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغ اثنتين وأربعين سنة بدأ الشيب يدب في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابة رضي الله عنهم: عجباً! عجل عليك الشيب يا رسول الله! قال: (شيبتني هود وأخواتها) ما هي أخوات هود؟ أول واحده منها: الانشقاق، قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]. فالله سبحانه وتعالى يأمر أن تنظر إلى السماء وأن ترجع البصر مرة ومرتين، قال تعالى: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك:3] أي: هل ترى شقوقاً في السماء؟ A قال الله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات:28] فالسماء ليس فيها تشقق ولا تصدع، لكن لكل سماء باب، والرسول صلى الله عليه وسلم دخل من أبواب السماء ليلة المعراج، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] إذاً: السماء لها أبواب وليس باباً واحداً وهذه الأبواب نحن لا نراها، وعندما تنظر إلى السماء تجد أن الله رفعها بغير عمد نراها جل الخالق، وسكان السماوات كلهم من الملائكة، ولما خلق الله سبحانه وتعالى: السماوات والأرض أوحى إليهما بقوله: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] فدخلا في طاعة الله عز وجل، فأوحى الله عز وجل في كل سماء أمرها، ودبر ملك السماوات والأرض، والله سبحانه يقول: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57]. روي عند الإمام الترمذي عن ملك من الملائكة أنه طلب طلباً غريباً من رب العباد سبحانه! فقال: أريد عمراً مائة ألف سنة، ومائة ألف جناح وقوة مائة ألف ملك؛ لكي أطوف مسبحاً بحمدك حول العرش. فالملك مطبوع على الطاعة ومع ذلك يطلب الاستزادة، فقال الله: لك ما أردت، وأجيبت الدعوة، وانتهت المائة ألف سنة فوقف فوجد أنه لم ينه لوناً واحد من ألوان العرش، إذ إن العرش له ألوان لا يعلم جمالها إلا الله سبحانه، فوقف الملك يبكي واقفاً عند جنة عدن فطلعت حورية من الحور العين تقول متعجبة: هل هناك أحد يبكي عند الجنة؟! إن جاز له البكاء فقد يبكي فرحاً، قال الشاعر: هجم السرور عليَّ حتى أنه من فرط ما قد سرني أبكاني تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لم أكن أفكر أن هناك أحداً يبكي فرحاً، إلا لما رأيت أبا بكر يبكي فرحاً عندما بشر بصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة. كذلك لما وقف الملك يبكي وتعجبت الحوراء منه وقالت: تبكي لماذا يا عبد الله؟! قال: طلبت من ربي كذا وكذا فأعطاني، لكنني لم أنهِ لوناً واحداً من ألوان العرش، فماذا أعمل؟ قالت له: يا هذا! بصنيعك الذي صنعت ما بلغت جزءاً من مائة ألف جزء من ملك أبي بكر الصديق في الجنة. وكان أبو بكر أخوف الناس، وكان إذا وقف يصلي لا يسمع القراءة من بكائه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد على المنبر وأبو بكر قاعد على حافة المنبر لا ينزل عينيه من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هو الصحابي الوحيد الذي عنده مقدرة أن يطيل النظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد له يد عندنا إلا وكافأناه عليها إلا أبا بكر، فإن له يداً عندنا لا يكافئه عليها إلا الله رب العالمين). إذاً: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك:3] يعني: هل ترى من انشقاق أو انبعاج؟ قال تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك:4] أي: انظر مرتين {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4]. قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:1 - 2] أي: حق لها أن تسمع الإذن من الله بأن تنشق؛ لأن الله يقول لها: انشقي يا سماء! فتتشقق وتقع تمهيداً لسماء أخرى ليست كهذه السماء. قال تعالى: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:3 - 4] أي: يقول الله: يا أرض! أخرجي ما فيكِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أترون ما إذنها؟) قالوا: لا يا رسول الله! قال: (تقول لي الأرض يوم القيامة: يا محمد! لقد أذن الله لي أن أمد، وأن أخرج ما في بطني، وأن أشهد بكل شيء عمله ابن آدم على ظهري، فاحذروا من الأرض فإنها أمكم)، كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55] أي: خلقنا نحن منها فهي أم لنا، وستحضننا بعد هذا حضانة أخرى، فالأم تحضن ابنها في لحظة الحنان والشفقة والرضاعة، والقبر يحضن المؤمن كالأم حين تضم ابنها لصدرها عند الرضاعة بحنان، ومن الناس - والعياذ بالله رب العالمين - من يضيق القبر عليه حتى تختلف أضلاعه، فالذين يظلمون الناس ويفترون عليهم ويقتلونهم، والذين يحبسون الناس ويؤذونهم ويطردونهم من أعمالهم ويطاردونهم في معايشهم، ويتجسسون عليهم؛ أين يذهبون من رب العالمين؟ إذاً: يا عبد الله: تب إلى الله، فإن الكرسي سوف يزول، والمنصب سوف يزول، قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] أي: لا باقي إلا وجه الله، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. فقوله تعالى: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:3 - 5] أي: حق لها أن تسمع الإذن من الله عز وجل بأن تخرج ما فيها. وسمي هذا اليوم بيوم القيامة؛ لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين، وسميت بالساعة؛ لأن كل الناس يسعون إليها وهي تسعى إليهم، يعني: إن كنت لا تحب أن تسعى إليها فهي التي ستسعى إليك، فإما أن تلقى حتفك بيدك، وإما أن يأتيك الموت، فالساعة لا ريب فيها، قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:7]. كلَّم الله سبحانه وتعالى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فقال: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه:13] أي: صار رسولاً، قال: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:13 - 14] فأرسله بالوحدانية أولاً، قال: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] فالصلاة تنوب عن كل العبادات. وقال: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] قال أهل التفسير: أكاد أخفيها فلا أقول إنها آتية، أراد الله شدة إخفائها، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187]. فقوله: (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي: تأتي فجأة، فالأمر بيد من بيده الأمر كله، إذ يقول للشيء: كن فيكون.

يوم التكوير

يوم التكوير هناك سورة في القرآن اسمها سورة التكوير بالإضافة إلى سورة الانشقاق وسورة هود وهي من السور التي شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت عندما تكتب في ورقة وتكتشف أنك أخطأت في الكتابة فإنك تكورها هكذا وترميها، وهذا مثل قوله سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:104] وفي قراءة: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتَاب) {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104]. ثم يبشرنا الله سبحانه فيقول: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ) أي: {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]. فعندما يورثهم الله سبحانه يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر:74] إذاً: الجنة أرض وهؤلاء هم الوارثون، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون:10 - 11] اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم. ودعا سيدنا إبراهيم به فقال: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:85 - 86] دعا ربه أن يكون من الورثة الذين يرثون الفردوس؛ لأن في الجنة باباً يدخل منه المجاهدون المقاتلون في سبيل الله والشهداء، وباباً يدخل منه الصائمون، وباباً يدخل منه العلماء العاملون بعلمهم، وباباً يدخل منه الحاكم العادل، كذلك تدخل الجنة فتجد مساكن، قال تعالى: {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} [التوبة:24] في جنات عدن. وتجد الذين وصفهم الله بعباد الرحمن في لوحة كبيرة مكتوب عليها بحروف من نور يسكنون الجنة، وصفاتهم موجودة في القرآن الكريم. إذاً: عندما تستغني عن الورقة تطويها وتكورها ثم ترميها، وهكذا الأرض فإنها تكور وينتهي الأمر، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:48] في هذه الآية حذف والتقدير: (والسماوات غير السماوات) فهذا هو يوم التكوير، وهو اسم من أسماء يوم القيامة.

يوم الانكدار

يوم الانكدار قال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير:2]. إن الماء يكون صافياً عذباً ورائقاً وعندما تشوبه شوائب يصبح مكدراً. والكدر أصله من الكدرة والحزن، يقال: كدر الضابط، أي: أدخل الكآبة على نفسه، كذلك النجوم، فالنجوم أصلاً مضيئة، فإذا اضمحل نورها أصبحت منكدرة، وهذا يوم الانكدار فالشمس تركت المدار والكواكب تناثرت من السماء؛ لأن السماء تشققت، والمدارات اختلت، وكل شيء ضاع، ويكون النور كما قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:69] ففي النهار أنت تحيل الضوء إلى الشمس، وفي الليل وأنت في الحقل أو في الصحراء تحيل الضوء إلى القمر، وفي يوم القيامة تذهب كل هذه الوسائط، قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:69] فالذي يضيء الكون هو رب الكون، وهكذا ترجع الأمور إلى حقائقها، فذا يوم الانكدار.

يوم التسيير

يوم التسيير قال تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3] هذه الجبال تسير! فتذهب إلى ما شاء الله، وهي عبارة عن أوتاد للكرة الأرضية، ومعلوم أن الكرة الأرضية التي نعيش عليها تدور حول نفسها وحول الشمس، تدور حول الشمس فتتكون الفصول الأربعة، وتدور حول نفسها ليتكون الليل والنهار. والفصول الأربعة: الخريف والشتاء والصيف والربيع، أما الليل والنهار فإنه إذا غربت الشمس في القاهرة لم تغرب بعد في الإسكندرية، وإذا غربت في الإسكندرية لم تغرب في السلوم، وإذا غربت في السلوم لم تغرب في طبرق، وإذا غربت في طبرق لم تغرب في طرابلس، وإذا غربت في طرابلس لم تغرب في وهران، وإذا غربت في وهران لم تغرب في الرباط، وإذا غربت في الرباط لم تغرب في أمريكا، وكل ذلك حتى يبقى في الأرض من يوحد الله في كل لحظة. إذاً: لا يوجد وقت ينتهي فيه الصلاة، وبذلك يستمر توحيد الله في الكون، قال تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج:40] هنا مشرق وهنا مغرب، وفي كل حين تسبيح وتوحيد لله عز وجل، كذلك الطائفون حول الكعبة عندما يقفون للصلاة يبعث الله بعثاً من الملائكة يطوفون حتى لا ينقطع الطواف. اشتكت الكعبة قلة زوارها زمناً من الأزمنة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعبتي! وعزتي وجلالي لأخلقن أقواماً يحنون إليك كما يحن الطائر إلى وكره.

يوم التعطيل

يوم التعطيل قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:4] العشار: اسم يطلق على البهائم التي تحمل في بطونها أجنتها، فالعشار تعطل وتضع حملها كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج:1 - 2]، فإن قال قائل: لماذا لم يقل: الأم مع أن الأم تسمى مرضعة؟ A لأن أكثر الحنان والعطف تظهره الأم ساعة الرضاعة، حتى إن الولد إذا مات أو أخذ إلى المستشفى بعيداً عن أمه حنَّ ثدي الأم، فكأن هناك شيئاً روحياً يربط ما بين هذا اللبن وبين الثدي وبين الابن، فينزل اللبن لوحده، فهذه أكبر اللحظات في الحنان والعطف. أما يوم القيامة إذا قامت والولد يرضع من ثدي أمه، ترمي الأم طفلها. قال تعالى: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج:2] وأكبر حامل في التاريخ هي الأرض، فتخرج كل ما فيها من كنوز، وما الاستعمار الأمريكي والأوروبي على بلادنا إلا لأنها أرض حاملة للخيرات، وهذا من فضل الله عز وجل، فلتتقوا الله أهل الخليج وأهل الحجاز، فإن مخزون السعودية والخليج والعراق وإيران من البترول لمائة وخمسين سنة، أما مخزون أمريكا وروسيا لا يكفيها إلا لثلاث عشرة سنة مقبلة فقط، يعني: في عام ألفين يكون المخزون عندهم قد نفذ، ومن أجل ذلك يحاولون استعمارنا لكن نحن بإذن الله سننتصر عليهم.

يوم المحشر

يوم المحشر قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] فإن قيل: لم تحشر الوحوش وهي لا تحاسب؟ ف A قد يكون من البشر من ظلم وحشاً من الوحوش، فقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. إذاً سيحشر الله الوحوش لأنه من المحتمل أن يكون الإنسان قد ظلم وحشاً، أو ضرب حيواناً ضرباً مبرحاً، وقد كانت الحيوانات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تشكو للرسول صلى الله عليه وسلم من ظلم أصحابها، فكان ينهرهم ويقول: أحسن إلى بعيرك، أحسن إلى حمارك، أحسن إلى فرسك وهكذا وللأسف الشديد أنشئت في أوروبا جمعيات للرفق بالحيوان، ووددت لو أن في بلدنا جمعيات للرفق بالإنسان المسلم.

يوم التسجير

يوم التسجير قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: اشتعلت فالبحر يشتعل، وقد ثبت في الكيمياء أنَّه إذا وضع هيدروجين مع أوكسجين بنسبة اثنين إلى واحد حصل انفجار، فالماء الذي نشربه، وماء النهر والبحر بنفس التركيب، فسبحان الذي أعطى الماء هذه الخاصية وسلبها خاصية الانفجار ليستفيد منها ابن آدم في الدنيا؛ فإذا أراد الله أن تقوم القيامة عاد الماء إلى خاصيته فيكون نسبة الهيدروجين إلى الأوكسجين بنسبة واحد إلى اثنين فيحصل اشتعال في البحار وتحترق، يعني: البحر الأبيض والبحر الأحمر والمحيط الأطلنطي والمحيط الهادي والبحر الكاريبي، والقطب الشمالي والقطب الجنوبي والبحر الأسود والبحر الميت وبحيرة طبرية، وبحيرات المرة وبحيرة التمساح والخليج العربي ستشتعل كلها ناراً والعياذ بالله رب العالمين. إذاً: سيكون الواقع منظره مخيف: الجبال سارت، والسماء تشققت، والشمس اقتربت من الروس، والنجوم انطمس ضوؤها، والعشار عطلت، والوحوش حشرت، وسيحاسب الإنسان على كل مخلوق ظلمه.

يوم التزويج

يوم التزويج يوم التزويج اسم من أسماء يوم القيامة قال تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] فأسماء يوم القيامة من الأهمية بمكان، ونحن نتحدث عن حلقات الدار الآخرة لكي تكمل الفائدة، ولكي نخرج من هذه الدروس بما يعود علينا بالخير في الدنيا والآخرة، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين! إذاً: الوحوش سوف تحشر معنا يوم القيامة منكسة روسها خوفاً من العلي القدير رغم أنها ليست ذوات جناية، أو ذوات تكليف معين قد قصرت فيه، ولكن الله سوف يغضب يوم القيامة غضباً لم يغضب مثله من قبل، ولن يغضب مثله بعد، فاللهم ارض عنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

يوم السؤال

يوم السؤال ويسمى يوم القيامة بيوم السؤال، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]. ولا بد أن نتكلم عن مسألة الإجهاض، كثير من الناس يظن أنه في أربعة أشهر من حمل المرأة يجوز أن تنزل المرأة ما في بطنها، وهذا افتراء على الله عز وجل، إذ إن الجنين صارت تدب فيه الحياة منذ اليوم الأول، يعني: باجتماع الحيوان المنوي مع البويضة صار هناك ما يسمى بالزيجوت وهي عبارة عن البنية الأساسية والخلية الأولى لتكون الجنين؛ لأن الولد بعد تسعة أشهر أتى من اللحظة الأولى من اجتماع البويضة في المرأة مع الحيوان المنوي في الرجل. إذاً: من أجهضت ما في بطنها لسبب قوي جداً، لا قبل أن يخبرها طبيب مسلم مؤمن فاهم حاذق وقال: إن الحمل إذا اكتمل فإنه ستموت المرأة فهنا جاز الإجهاض، ولي أيضاً تحفظ على مسألة التشوه، فقد عرفوا في هذا الوقت بالعلم الحديث أن الولد قد يخرج مشوهاً نتيجة للتلوث الذي نعيش فيه، ونتيجة تدخين الأمهات، أو جلوس الأمهات الحوامل في مكاتب فيها مدخنون، فإن هذا كله يصيب الأولاد بالتشوهات المعينة في بطون أمهاتهم، فلو أننا فرضنا جدلاً أن إنساناً منا رزق بابن مشلول كفيف لا يتكلم ولا يسمع، أي: كل حواسه معطلة وأصبح عمره خمس سنين وذهب به إلى الطبيب، فقال الطبيب: هذه الحالة لا نستطيع أن نرجعها، والسمع هذا لا نستطيع أن نرجعه، والشلل هذا لا نستطيع أن نعمل فيه شيئاً، فهل تستطيع الأم أن تقول: إذاً: يا طبيب اقتله؟! فمسألة قول الطبيب: إن هذا الولد سيخرج مشوهاً، هذا قدر الله عز وجل، فإن الله يبتليك بولد كفيف أو مشلول، أو بولد تفكيره ضعيف، أو يبتليك بولد لا يتكلم، فهذا اختبار من الله لك ولا اعتراض على قدر الله، فإذا تجرأت وقلت: الطبيب قال هكذا! فنحن سنجهضه، فإني أقول لك: لا، اذهب واستفت عالماً آخر؛ لأن هذا رأيي ورأي الإخوة العلماء في رابطة العالم الإسلامي، ونحن مجمعون على هذا الرأي بفضل الله عز وجل ونفتي به في أي مكان في العالم. فلا يجوز الإجهاض إلا إذا كان هناك هلاك محقق للأم، أما غير ذلك فلا يجوز، فقد تكون المرأة لديها أربعة أولاد، فأمرها زوجها أن تجهض الخامس فأجهضته، فتراهما يدعيان الغباء ويقولان: عندنا أربعة أولاد، وفي بيتنا غرفتان وصالة فأين نضع الخامس؟! أليس الله يقول: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيوسع عليك، فهو الذي يعلم السر وأخفى. رب العباد إذا وهب لا تسألنّ عن السبب ولا تقل: أنا موظف ومرتبي ثمانون جنيهاً وعندي ثلاثة أولاد، فلو رزقت الرابع عجزت عن كفايتهم فيا عجباً! هل أنت الذي ترزق ابنك؟ لا، هذا كفر وشرك بالله عز وجل، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]. إذاً: قتل الجنين يلزم قاتله الدية؛ لأنه قتل مسلماً بغير حق، فإن كان المقتول ولداً فعلى الأب والأم مائة ألف جنيه، فإن كان المقتول بنتاً فعلى الأب والأم خمسين ألف جنيه؛ لأن دية المسلم مائة ناقة، فإن لم يكن لدى الأبوين مقدرة على دفع الدية، فيصوم الأب وتصوم الأم شهرين متتابعين هذا هو الحل. فإني أقول لأب الطفل: أنت أخذت الأمانة وأنت وذاك، إن كنت أجهضت الجنين فإما أن تصوم ستين يوماً متتابعة، أو تخرج الكفارة؛ لأنك قتلت، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] ستحضرك الملائكة وتسألك: لماذا قتلت ابنك؟ قال بعض أهل العلم: لو أسقطت المرأة ما في بطنها! فإنه إجهاض طبيعي، وحجتهم أنها تنط وتجري لكي يسقط الذي في بطنها، وهذا خطأ مخالف للشريعة، فترى المرأة تسقط جنينها، فيقول أبوه: لا بد ن أن أسميه اسماً طيباً حتى لا يتعلق برقبتي يوم القيامة ولا يدخلني الجنة. نقول: إن الحقوق في الإسلام كثيرة، فانظر كم من الأنفس ستتعلق برقابنا يوم القيامة.

يوم النشور

يوم النشور من أسماء يوم القيامة يوم النشور، قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير:10] أي: ينشر المختبئ فيها، فالإنسان سيأخذ كتابه الذي سجل فيه كل أعماله ويأخذ كذلك الشهادة ودرجاته، فأنت عندما تمتحن الطلاب في المدرسة أو في الكلية فإن الطالب يجيب في أوراق الإجابة، فيمتحن بعشر مواد في عشر كراسات، فيقوم المدرسون بتصحيح الإجابات ثم كتابة الدرجة النهائية للمادة الواحدة، فيقوم الكنترول بأخذ الدرجات ورصدها في كشف، ثم يرصد الكشف في الشهادة التي بها يعرف الطالب هل هو ناجح أو راسب. كذلك يوم القيامة تنشر فيه الصحف، وسينشر من الصحف شيئان: مجمل الحسنات ومجمل السيئات، فتوضع الحسنات في كفة من الميزان والسيئات في كفة فإذا ثقل الميزان قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6 - 7]، وإذا خف الميزان قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:8 - 9] إذاً: سيكون معك شيئان يوم القيامة: الشهادة الذي فيها المجموع الكلي، ثم يناديك الله على روس الأشهاد وينشر لك أعمالك كلها فترى كل عمل عملته، فيُخرَجُ للمسلم من تحت العرش تسعةٌ وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، فيطلع عليه المسلم كله بالتفصيل ولا تظلم نفس شيئاً، قال تعالى: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17].

يوم التسعير

يوم التسعير قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] سعرت يعني: اشتعلت فيها النيران، سأل الصحابة رضوان الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن شرر جهنم فقال: (أوما قرأتم قول الله عز وجل: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات:32 - 33]؟) فشرر جهنم كالمدائن والحصون ولو أن أهل جهنم رأوا نيراناً من نيران الدنيا لا ستراحوا فيها وناموا، وفي يوم القيامة يقول الله سبحانه: يا آدم! ابعث بعث النار، فيقوم آدم فيبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، يأخذهم آدم إلى النار، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك خافوا وارتجفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخافوا، لا تخافوا، أنتم آخر الأمم وأولها دخولاً إلى الجنة، ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض). قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] ويقول سبحانه: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] جيء: فعل ماض مبني للمجهول، أي: يجيء بها الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجرها ملائكة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك). وإذا الجحيم سعرت جاءت ولها زفرات ثلاث تزفر على أهل المحشر، تهجم عليهم ثلاثة أنواع من الهجوم المتتابع، كالأسد الذي يستعد للوثوب على فريسته، وهكذا منظر جهنم تستعد للوثوب على أرض المحشر؛ فأول زفرة قال: (يهرب أهل المحشر من أمامها سراعاً فينكفئون بعضهم على بعض وعلى وجوههم). ونضرب مثلاً بنار في قصر يبلغ أربعة عشر طابقاً، فترى من يسكنه يقفز وهو يعلم أنه ميت، لكن القفز عنده أسهل من أن تلحقه النار، كذلك إذا زفرت جهنم الزفرة الأولى هرب أهل المحشر كلهم فعادت، ثم زفرت الزفرة الثانية فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا آخذ بقوائم العرش، قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] من جثا يجثو على ركبتيه، فترى جميع أهل المحشر جاثين من هول جهنم، ويقال: إن الشهداء والعلماء المخلصين سيرفعون رؤوسهم فيطمئنون الناس أنها قد عادت، فتأتي الزفرة الثالثة وهي أكبر من سابقتيها ثم تعود فتنصب في هذه اللحظة الموازين. ووقود النار كما قال سبحانه: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24]، وقال الله سبحانه: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. اللهم الطف بنا يا رب العالمين! وأبعدنا عن نار جهنم، وأبعدنا عنها عملاً في الدنيا وجزاءً في الآخرة، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، واجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك يا رب العالمين! آمين يا رب العالمين! الحكيم الترمذي رحمه يجمع هذه الأسماء كلها في مقولة شهيرة، يقول فيها: مثل لنفسك أيها المغرور! يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفور وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما بها معمور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك: أين نسير؟ وإذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف عند ذاك تساقطت تبدي لنا يوم القصاص أمور وإذا الصحائف نشرت فتطايرت وتهتكت للمؤمنين ستور وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتى على طول البلاد صبور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور

القارعة والزلزلة

القارعة والزلزلة من أسماء يوم القيامة القارعة، سميت بذلك لأنها تقرع أسماع الناس، يقال: سمعنا قرع الطبول، قرع الطبل أي: دق عليه بشدة القارعة. كذلك تسمى بالزلزلة، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ولا يعني الزلازل التي في الدنيا، وإنما زلزالها الحقيقي يوم القيامة، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:1 - 8]. يروى أن صحابياً تعلم سورة الزلزلة من أبي ذر فقال له أبو ذر: يكفي هذه.

بعض أسماء يوم القيامة

بعض أسماء يوم القيامة من أسماء يوم القيامة: يوم البعث، يوم النشور، يوم الخروج، يوم الحشر، يوم العرض. يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً؟ فيقول: نعم يا رب! يقول: وتركتك ترأس وترتع؟ قال: نعم يا رب! فيقول: فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول: اليوم أنساك. ومن أسماء يقوم القيامة: يوم الفرق: الخوف، يوم الجمع لا ريب فيه، يوم الفزع والعياذ بالله رب العالمين، يوم التغابن، يوم الدعاء أو النداء، فالنداء كثير، الرجل ينادي أمه، والأب ينادي ابنه، وينادي أهل الجنة أهل النار، وأهل النار أهل الجنة، وينادي أهل الأعراف أهل الجنة وأهل النار، والملائكة تنادي، وأصحاب المظالم ينادون، وكل ينادي فنسأل الله أن لا يخزينا يوم النداء. ومن أسماء يوم القيامة: يوم الواقعة، يوم الخافضة الرافعة: يرفع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويرفع الذين يشفع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع السالكين في طريق الله، ويرفع المتقين، ويرفع الفقير الصابر، ويرفع الغني الشاكر، ويخفض المغرور، ويخفض المتكبر، ويخفض المغتاب، ويخفض النمام، ويخفض الفاسق، ويخفض الذين يدخلون الحزن على بيوت المسلمين. ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحساب، يوم السؤال، يوم الشهادة: شهادة الناس علينا، وشهادة الجوارح، وشهادة الله رب العالمين، وشهادة رسولنا علينا صلى الله عليه وسلم. ومنها أيضاً: يوم التبديل، يوم التلاق: سيلقى بعضنا بعضاً ويقابل بعضنا بعضاً ويحاسبنا الله سبحانه. ومنها أيضاً: يوم الآزفة، يوم المآب، يوم المصير، يوم القضاء، يوم الوزن، يوم عقيم، يوم الجدال، يوم الطامَّة، يوم الصاخَّة، يوم الوعيد، يوم الدين، يوم الندامة، يوم عبوس قمطرير، يوم تبلى السرائر، يوم التقلب، يوم الفتنة، يوم الغاشية، يوم لا بيع فيه ولا خلال، يوم الشفاعة، يوم العرض، يوم الفرار. هذه الأسماء في كتاب سبيل الفلاح لـ ابن نجاح القتي وكتب الإمام الغزالي والإمام القاضي أبي بكر بن العربي رحمهم الله جميعاً. اللهم خفف عنا الحساب، وثقل موازيننا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_الحساب [1]

سلسلة الدار الآخرة_الحساب [1] يوم الحساب اسم من أسماء يوم القيامة، يوم توضع فيه الموازين وتحاسب فيه كل نفس على ما كسبت، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ويظهر في ذلك اليوم الرهيب فضله سبحانه وكرمه، وعدله في قضائه، وتنكشف الأعمال وتفضح بعد أن كانت مستورة في الدنيا ولا يظلم ربك أحداً.

ذكر ما جاء في الحساب يوم القيامة

ذكر ما جاء في الحساب يوم القيامة أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الحادية عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، ندعو رب العباد في بداية هذه الحلقة أن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثبت بها أقدامنا على الصراط يوم القيامة، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة وفي الآخرة ويوم يقوم الأشهاد، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم باعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم ثقل موازيننا يوم تخف الموازين، اللهم اجعلنا من الذين ثقلت موازينهم يا رب العالمين! اللهم ألهمنا حجتنا عند الحساب يا أكرم الأكرمين! اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، واسقنا من يده الشريفة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن أمته منا فأمته على الإسلام. أحينا إن كانت الحياة خيراً، وأمتنا إن كان الموت خيراً لنا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، اللهم لا تدع لنا وللمسلمين ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله. تعلم يا مولانا أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم إنا أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، أخرجنا من الدنيا مسلمين، وأمتنا في دينك موحدين. اللهم اجعلنا من الذين يدافعون عن كتابك وسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم، اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، وأعطنا كتابنا بأيماننا، فلا تعطه إيانا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، بمقعد صدق عند مليك مقتدر. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه بمشيئة الله هي الحلقة الحادية عشرة وهي أولى الحلقات التي تتحدث عن الحساب. اللهم اجعلنا من الذين رضيت عنهم في الدارين يا رب العالمين! هذه بمشيئة الله هي الحلقة الأولى عن الحساب، اللهم خفف حسابنا، اللهم ثبتنا عند الحساب، اللهم ثبتنا عند الحساب، اللهم ثبتنا عند الحساب، واجعلنا فيه من الناجحين الفائزين، آمين يا رب العالمين.

معنى الحساب في الدنيا

معنى الحساب في الدنيا كلمة حساب إذا أطلقت في الدنيا إنما يخطر على بال الواحد منا أنه الجمع والطرح، والتجار يتحاسبون فحساب التجار أرباح وخسائر فإذا كانت الشركة في آخر السنة عند إعداد الحساب الختامي أو الحساب الموسمي خزانتها زائدة فهي شركة ناجحة؛ لأن فيها الزيادة، وإذا كانت الديون أكثر مما في الخزانة، إذاً: الشركة خاسرة. إذاً: قضية الحساب إذا خطرت على بال العبد بمسائل الدنيا فهي عبارة عن زيادة ونقص، ولا يوجد ما بين البينين، فإن كانت الشركة بين ربح وخسران فهي محتاجة إلى لجنة رأفة، فأرباح الشركة بقدر خسائرها تريد شفاعة من رئيس الوزراء أو من المسئول كي يرجح جانب الربح عن جانب الخسارة، أو جانب الزيادة عن جانب النقص. ونحن ندخل على حلقة الحساب فعندي تهيب غريب لهذه الحلقة بالذات. ذكرنا أن الخلق قد حشروا في أرض المحشر ووقفوا أمام الله عز وجل عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، وأول من يكسى الحلة خليل الله إبراهيم كما روي عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم، يحشر الله الخلائق من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. تخيل أنت هذا الموقف وشبهه بموقف من مواقف الدنيا، فالمحكمة عبارة عن قاض قاعد ومستشار كادح على قدر حاله، إذا أصيب بالأنفلونزا لا يذهب إلى المحكمة، وإن جاء غيره لا يقدر أن ينطق بالحكم، وإن جاء ابنه أخطأ في المسألة ونسي القانون الذي درسه؛ نتيجة أنه أصيب بشيء من المرض أو دخل في غيبوبة أو أخذوه إلى غرفة الانعاش، نفس القضية في المحامي من يترافع عنك قد يموت ساعة الجلسة أو ابنه يموت، أو تأتيه سفرية فيموت هو، فلا تجد من يدافع عنك في المحكمة. فإذا كانت المحكمة الدنيوية صورة مصغرة، فلست أريد تشبيه يوم الحساب بالمحكمة الدنيوية؛ لأن الأمر أكبر من ذلك، لكنه مثل قريب قوي لمسألة التوتر الحاصل للمدعي أو المدعى عليه في مسألة أو قضية من القضايا، كقضية ميراث أو قضية أرض أو قضية طلاق أو شهادة، كل هذه المسائل مسائل دنيوية مصغرة، ولكن أمر الآخرة أكبر من ذلك. يقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رب! ليس لك وزير فيؤتى ولا حاجب فيرشى وليس لنا إلا أن نخلص في أعمالنا عسى أن تتقبلها منا يا رب العالمين! هذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي لو أن إيمانه وضع كفة وإيمان الأمة كلها في كفة لرجحت كفة الصديق بإيمانه. إذاً: الأمر خطير؛ ولذلك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا عباس! يا عم رسول الله! اعمل ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية! يا عمة رسول الله! اعملي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً، يا بني هاشم! لا يأتيني الناس بحسنات يوم القيامة وتأتوني بأوزاركم على ظهوركم تقعون بها على الصراط تقولون: أدركنا يا محمد! أقول ما قاله أخي عيسى: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). قيل: يا خليل الرحمن! إنك تشبث بقوائم العرش عندما تزفر النار زفرة وتنسى ابنك إسماعيل، وتنسى أنك خليل الرحمن، قال: خوفي من ربي أنساني خلتي له. خوف سيدنا الخليل من الله أنساه أنه خليل الرحمن، إذاً: الخوف وصل إلى درجة كبيرة؛ ولذلك يقول عمر بن الخطاب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.

نماذج من قصص الصحابة رضوان الله عليهم

نماذج من قصص الصحابة رضوان الله عليهم أسر عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه مع عشرين من أصحابه في إحدى الغزوات، أسره هرقل ملك الروم، فحاولوا إغراءه بالمال والجاه والنساء، فوجدوا منه شمماً وأنفة وعزة ويقيناً ليس بعده شك، فقال له هرقل: سوف أفك أسرك إن قبلت رأسي، فقال عبد الله: أقبل رأسك بشرط أن تفك أسري وأسر أصحابي، قال له: وافقت، فقبل رأسه وعاد إلى المدينة، وحكى القصة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عمر رضي الله عنه: قبلت رأس هرقل لكي يفك أسر أصحابك، ونحن أولى أن نقبل رأسك جميعاً وأنا أول أصحابي. فقام عمر رضي الله عنه وقبل رأسه وجعل كل الصحابة يقبلون رأسه. وفي قصة شهداء الرجيع كان منهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، دعا الله عز وجل أن يمنع جلده من أن يمسه كافر أو مشرك، فاستشهد رضي الله عنه مع أصحابه، وأراد أناس من هذيل أن يأخذوا رأسه ويبيعوه من سفانة بنت محلم وكان عاصم قد قتل ولدين من أولادها في غزوة أحد، فنذرت إن ظفرت به أن تأخذ رأسه وتشرب فيها خمراً شكراً للآلهة، فلما أرادوا أخذ رأسه وجدوا الدبر مجتمعاً حول جثة عاصم رضي الله عنه، فما استطاع أحد أن يقترب من جثته، فسبحان من جعل هذه الدبر تدافع عن الذين آمنوا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]، وقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. فاتفقوا على تركه إلى المغرب عند عودة الدبر إلى بيوته، ثم يأخذون رأسه، ولله في خلقه شئون، وإن لله يداً تعمل في الخفاء، فلا تتعجل يد الله وهي تعمل، ودع الله عز وجل ينزل قدره في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد أنت، فما إن غربت الشمس حتى أرسل الله سيلاً جرف كل ما حوله، وكان من بين ما جُرِف جثة عاصم رضي الله عنه، حتى إذا هدأ السيل أخذوا يبحثون عن جثته فلم يجدوها، وهكذا ذهبت إلى حيث شاء الله لها أن تذهب، واستجاب الله دعوة عاصم رضي الله عنه أن لا يمس جلده جلد كافر حياً ولا ميتاً. هؤلاء هم أهل الصلاح أكرمهم الله بِمَا صَبَرُوا فنحن إذا صبرنا يوماً جزعنا أياماً، وإذا صبرنا شهراً جزعنا شهوراً، فالله يطلب منا أن نصبر صبراً جميلاً، وكلمة جميل جاءت في القرآن كله في ثلاثة مواضع: قال الله في المزمل: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]، أي: هجراً بدون انقطاع، فإن كان لك أخ يشرب الخمر أو يرتكب فاحشة، فاهجره في الله هجراً جميلاً، فإذا رأيته قلت له: كيف حالك؟ كذلك وردت كلمة (جميل) في سورة الحجر، قال تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85] وهو العفو عن المسيء بلا عتاب، كذلك وردت كلمة جميل في قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] وهو الصبر مع الرضا بقضاء الله فلا يشكو لأحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن صبر من قلبه على بلية وضع الله يده على قلبه) تخيل يد الله وقد وضعت على قلبك، مثل أم سيدنا موسى التي قال الله عنها: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:10] فالربط على القلب يأتي بعد العصر. وإنني لأحزن من كثير من المسلمين، ممن يقول لك: وظيفتي هذه ليست ثابتة، فتقول له: لم؟ يقول: إن القطاع الحكومي العام وظائفه مضمونة، أما وظائف القطاع الخاص فهي على كف الرحمن، فأنت أيها المسلم إذا أخذت ولدك على كفك هل تكون أمه خائفة أو مطمئنة؟ A مطمئنة؛ لأن الولد على كف أبيه، فما بالك بمن على كف الرحمن؟ أليس في هذا القول سوء أدب مع الله؟

نبذة عن يوم الحشر

نبذة عن يوم الحشر يجمع الله سبحانه الخلائق جميعاً في أرض المحشر، مؤمنهم وكافرهم، مستقيمهم ومنحرفهم، طيبهم وعاصيهم، ثم تحشر الوحوش وتنزل الملائكة تنزيلاً لتحيط بأرض المحشر، وكل نفس معها سائق وشهيد، أي: كل واحد منا معه ملكان سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه. ولذلك فإنك إذا وجدت طفلاً صغيراً تفرح به وتقول له: تعال يا بني! أنا سأدعو وأنت تقول: آمين، لم؟ لأن الولد لم يبلغ الحلم، وبالتالي فإن ملك السيئات لم يكتب عليه سيئة، فكلمة آمين منه مستجابة عند الله، لكن عمر عندما كان يختم المصحف يقول لأولاده وأولاد جيرانه: أنا أدعو وأنتم تقولون آمين، عسى الله أن يتقبل منا. فنحن نستخدم الأطفال في التأمين على الدعاء؛ لأننا أصبحنا نغترف السيئات اغترافاً. أخي المسلم! عندما يزورك ملك الموت تبدأ الملائكة بتفريغ ما ارتكبته من سيئات في كتاب أعمالك. إذاً: العبيد وقفوا أمام الله عز وجل ومع كل نفس سائق وشهيد. وقال عمر في رسالته الشهيرة لـ سعد بن أبي وقاص: يا سعد! اعلم أن عليكم حفظة من الله، فاستحيوا منهم كما تستحيون من أنفسكم. قال أحد الصالحين: استح من ربك كما تستحيي من رجل صالح من عشيرتك، وليس معنى قوله: (استحي من ربك) أنك ظالم أو مجرم أو غير ذلك، إنما الاستحياء من الإحسان، فإن أغلقت الأبواب وظننت أنه لا أحد يراك فإن الله يراك؛ لأن مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. يوم المحشر تأتي كل نفس معها سائق وشهيد، أو رقيب وعتيد ووقف الخلق فلا تسمع إلا همساً، وعنت الوجوه للحي القيوم، وكلهم في حالة من الوجل والخوف، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة الأنبياء والصالحين والملائكة يومها: رب سلم! رب سلم!) فالأنبياء والرسل والملائكة المقربون كلهم لا يملكون من الدعاء إلا أن يقولوا: يا رب سلم يا رب سلم، إذاً: هذا اليوم صعب وليس من السهولة بمكان، وأنا حزين كل الحزن على من تفوته حلقات الدار الآخرة، وأرجو من الإخوة الذين يقومون بالتسجيل أن ينشروها بأي وسيلة وعلى قدر المستطاع، ولك فيها الثواب العظيم إن شاء الله؛ لأنه أمر يخص العقيدة، ويجعل العبد يستعد من الآن ويستفيق من غفلته. كما قال الإمام علي رضي الله عنه: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك. فالعالم يغر الناس بتهتكه، والجاهل يغر الناس بتنسكه، فترى العالم جالساً يتعاطى السجائر ويقعد في أماكن مشبوهة ويغر الناس، والجاهل يغر الناس بتنسكه حيث يعبد الله وعبادته كلها غلط، فتراه يطوف حول قبر الحسين سبع مرات كالكعبة تماماً، ويقبل الأحجار والأعتاب ويظن أنه على صواب، نسأل الله أن يوقظنا من غفلتنا، وأن ينبهنا من غفوتنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إن ربنا على ما يشاء قدير. إذاً: وقفت الخلائق كلها منتظرة، ووضعت الموازين، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47]. وفي يوم المحشر كل أمة تقف وراء إمامها، محمد صلى الله عليه وسلم يقف أتباعه وراءه، وموسى عليه السلام أتباعه وراءه، ثم تتطاير الصحف. والصحف: عبارة عن كتب لا يعلم مادتها إلا الله، فيها مجمل الحسنات ومجمل السيئات، يعني: ليست ورقة تفصيلية أو كراسة تفسيرية، وليست كتاباً مفصلاً بأجزاء، إنما هي عبارة عن شيء له وجهان: وجه فيه حسناتك ومجموعها، ووجه فيه سيئاتك ومجموعها، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14]. الصحف لها مرحلتان: المرحلة الأولى: الطائر، سماه الله طائراً؛ لأنه يطير حتى يلتصق برقبة صاحبه، كالسالب والموجب، فكل كتاب يعرف صاحبه ويلتصق في رقبته، فإذا كنت من المؤمنين تمسك كتابك بيمينك، وإذا كنت من أهل الفسق والفجور والاعتراض المستمر على أهل العلم تمسك كتابك بالشمال والعياذ بالله، وهناك صنف ثالث أسوأ عذبوا الرسل وأهل الدين وحبسوا أهل العلم ونكلوا بهم وشردوهم، فمثل هذا والعياذ بالله يتلقى كتابه من وراء ظهره، فيضع الله وجهه مكان قفاه، مثلما كان يعيش في الدنيا بالمقلوب. فإن قلت لأستاذ: عيب عليك يا أستاذ! إن امرأتك تمشي عارية في الشارع، وتكشف شعرها ورقبتها ووجهها وذراعها ورجلها ووسطها، فاتقوا الله في شبابنا ورجالنا، فإنه يقول: اسكت يكفي كلاماً فارغاً، نحن لسنا في عصر الحرام، لا حول ولا قوة إلا بالله. وللأسف الشديد ظهرت في مصر جمعية تسمى جمعية المرأة الجديدة، والقائمون عليها نساء يقال عنهن: سيدات المجتمع، لهن صحافة وإعلام، وللأسف الشديد هن نساء لا يتقين الله عز وجل، إذ يدعين إلى أن المرأة لا تلبس الحجاب إلا حين تموت -يعني: عند الكفن فقط- وأنه ليس هناك شيء يدعو إلى أن المرأة تتحجب، فقد مضى عصر الحريم، والعودة إلى عصر الحريم عودة إلى عصر التخلف، فهؤلاء من ألد الأعداء للإسلام. وقالت رئيسة الجمعية في اجتماع لها: إنه يجب عند ولادة البنت أن نزيل غشاء بكارتها، كما أن الولد يختن، حتى إذا كبرت البنت صارت حرة طليقة تفعل ما تشاء، واستمرت الحكومة في السكوت عنها، حتى إذا بدأت تتكلم في السياسة أغلقوا الجمعية الأسبوع الماضي؛ لا لأنها تقول هذا الكلام الفاجر، وإنما لأنها بدأت تتحدث في السياسة، وكأنه يجوز أن يتحدث الإنسان في الكفر، ولكن لا يحق له أن يتحدث في أشياء أخرى، نسأل الله أن يريحنا من هؤلاء وأن يبلغنا الأمان والإيمان والاستقامة والهداية، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يجعلنا من الذين ينصرون الإسلام في كل وقت وحين. إذاً: إما أن يأخذ كتابه بيمينه وإما أن يأخذ كتابه بشماله أو يأخذ الكتاب والعياذ بالله من وراء ظهره.

ذكر ما يحصل لأئمة الخير ولأئمة الشر يوم الحساب

ذكر ما يحصل لأئمة الخير ولأئمة الشر يوم الحساب هناك أئمة للخير وأئمة للشر، والله يوم القيامة جل في علاه ينادي إمام الخير، أي: ينادي من يقود الناس إلى الخير على رءوس الأشهاد، فيمتلئ خوفاً حين يطلع على سيئاته، يقول الله عز وجل: (عبدي! هذه سيئاتك وقد محوناها وغفرناها لك)، فيطمئن لأنها مسحت، فيطلع على حسناته فيجدها قليلة، فيقول الله عز وجل: (وهذه حسناتك قد ضاعفناها لك وقبلناها منك) فيزداد فرحاً ويرجع بوجه قد أشرق نوراً، فيقول لمن كان معه من قبل: السلام عليكم، ألا تعرفونني؟ فيقولون: نعم، أنت رجل قد أشرقت فيك كرامة الله عز وجل، لكن من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلان، وقد أخبرني الله عز وجل أن أبشر كل واحد منكم بما بشرني أن زحزحني وإياكم عن النار وسوف يدخلني وإياكم الجنة، وهذا تفسير قول الله عز وجل: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75]. أما إمام الشر فلا يلقى إلا سيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن استن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً) فهذا أدخل الفجور إلى مصر، وهذا أدخل ما يسمى بالرقص الشرقي إلى مصر، وهذا أدخل المسرح والتمثيليات الهدامة إلى مصر، ولا أقول هذا تعصباً لمصر؛ وإنما هي شريحة من شرائح الدول الإسلامية أو التي تدعي الإسلام. فمن أدخل هذا الشر في بلاد المسلمين فإنه يكتسب ذنباً بذنب من أساء على مر الزمن إلى أن تقوم الساعة وهذا كأي قتيل على وجه الأرض، إذ تجمع ذنوب هؤلاء القتلة وتوضع في ميزان من اخترع القتل في الأرض. إن طلابنا في المدارس يدرسون أن عمرو بن العاص كان مكاراً، وهذا سوء أدب مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عمرو بن العاص هو الذي أدخل الإسلام إلى مصر، فكل مصلٍّ يصلي في مساجد مصر يأخذ ثواباً ولـ عمرو بن العاص أجر كأجر كل مصلٍّ في مصر لا ينقص من أجور المصلين شيئاً، كذلك ثواب الصيام لكل صائم في مصر تكون صحيفة حسنات عمرو بن العاص مثله، وهكذا في الزكاة إلى أن تقوم الساعة. أما إمام الشر فيقال له: تعال يا عبد الله! فينظر في كتابه فيلقى حسنات قليلة ويفرح فيقول: هذه حسناتي، لكن الأعمال بخواتيمها، فيقال له: هذه حسناتك وقد رددناها عليك ولم نقبلها منك، وهذه سيئاتك وقد ضاعفناها عليك والعياذ بالله، فيسود وجهه ويرجع إلى الفرقة التابعة له فرقة الطاولة والشطرنج والبريدج والمريدج وغير ذلك، يرجع إليهم ووجهه عليه غبرة، فيقول: هل تعرفونني؟ فيقولون: لا نعرفك، فيقول: أنا فلان بن فلان وقد أمرني ربي أن أبلغكم بأني وأنتم في نار جهنم. إذاً: حاذر أن تكون رأساً في الشر. يذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلب من كل واحد من الصحابة أن يقول أمنية، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون لي جبل كجبل أحد من الذهب والفضة لكي أنفقه في سبيل الله تعالى، وقال الآخر: أتمنى أن يكون لي وادٍ كوداي عوف مليء بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى، وهكذا استمرت الأماني على هذه الوتيرة إلى أن وصل الأمر إلى أمير المؤمنين، فقالوا له: وأنت يا أمير المؤمنين؟! قال: أتمنى أن يكون لي مسجد كهذا المسجد مليء برجال من أمثال أبي بكر الصديق. يقول ذلك لأن أبا بكر كان إماماً لأهل الخير، فقد أسلم على يده ستة من العشرة المبشرين بالجنة، وكل واحد منهم أصبح إماماً في الخير، وكل ثواب من ثواب هؤلاء الستة تجمع في صحيفة حسنات أبي بكر ولا ينقص من ثوابهم شيء. إن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هناك يوم القيامة آلاف أسماؤهم طلحة فكيف أعرف عند النداء أنني المقصود؟ قال: (يا طلحة! عندما ينادى عليك لن تقوم إلا أنت) فأحسنوا تسمية أبنائكم فإن العبد ينادى يوم القيامة باسمه وباسم أبيه، فمن قال: اسمي ظالم بن سارق، يقال له: تظلم أنت ويسرق أبوك فقد كان.

محاضرة الله سبحانه لكل عبد من عباده

محاضرة الله سبحانه لكل عبد من عباده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يوم القيامة إلا وسيحاضره الله محاضرة) فالمحاضرة هذه ليست في الجامعة فقط، حاضر الإنسان إنساناً، أي: وقف وجهاً لوجه وحدثه، ولله المثل الأعلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد إلا وسوف يقف بين يدي مولاه عز وجل يحاضره محاضرة ليس بينه وبين الله ترجمان). قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14]. فإن قال الأمي: أنا لا أستطيع أن أقرأ، أنا رجل أمي نقول: الأمي وغير الأمي القارئ وغير القارئ العربي وغير العربي كل واحد سيقرأ، ويقرئه الذي يعلم السر وأخفى.

كشف الأعمال وفضيحة المذنب يوم القيامة

كشف الأعمال وفضيحة المذنب يوم القيامة في يوم القيامة كل الخلائق ينظرون إليك، وما عملت من عمل مستتراً به في الدنيا يصبح مكشوفاً أمام الناس جميعاً؛ نسأل الله أن يسترنا دنيا وأخرى. سيدنا عمر لما نقض وضوءه على المنبر قال: أيها الناس! على مصافكم، ثم نزل وعاد وآثار الوضوء يقطر من أطرافه، فقال: لقد نقض وضوء إمامكم فذهبت فتوضأت، فقال علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! ما كان يلزمك أن تقول ذلك، قال: يا علي! فضوح الدنيا أهون عند الله من فضوح الآخرة. إن الذي يتتبع عورات المسلمين يفضحه الله سبحانه ولو في جوف بيته، ثم يفضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، لكن فضيحة الآخرة ليس بعدها فضيحة، وكان سيدنا أبو بكر يقول: اللهم يا من سترت في الدنيا! لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة، آمين يا رب. فالعملية صعبة وكل الناس ينظرون، وبعد ذلك تقف أمام الله، فيقال: (أخرجوا له أعماله) ويقال: (لن تظلم اليوم شيئاً) ويخرج له من تحت العرش تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر مكتوب فيه كل صغيرة وكبيرة، وقالوا: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]. فيطلع العبد على هذه السجلات صفحة صفحة قال رجل لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة على كثرة عددهم؟ قال له: كما يرزقهم على كثرة عددهم، فكما أنه يرزقهم في الدنيا رغم كثرة العدد فإنه سوف يحاسبهم يوم القيامة رغم كثرة العدد، وأنت الآن أيها العبد! لا تذكر إلا القليل القليل وقد نسيت الكثير الكثير. قال الله تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6]، وقال تعالى: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:84]، وقال تعالى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]. يحكى: أن الحسن البصري بكى لما قرأ الآية: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] قال: ضجوا من الصغائر قبل الكبائر، فكل شيء مكتوب سواء غفرت أو لم تغفر، فكل شيء يكتبه ملك الحسنات وملك السيئات، إلا دائم التوبة إلى الله سبحانه، فإنه سبحانه من رحمته ينسي الملك الذي يكتب السيئات وينسي الأرض والليل والنهار والشمس والقمر والجوارح فلا يذكر ذنوب التائب إلا الله، وما دام أنه وحده هو الشاهد والشهيد فسوف يغفر لك؛ لأنه ستار حليم. وحين يكشف للعبد أعماله يطلع على سيئات كثيرة فيخاف، وينظر في الصفحة الثانية فيرى حسنات قليلة ويزيد خوفه، فيقال: إن عبدك فلاناً كان في الدنيا لا يفضح عورة أحد، ولا ينشر سر أحد، ولا يتجسس على عورات الناس، بل كان يحفظ حرمات الناس، فيغفر الله له ما كان من ذنوب في حقه سبحانه، ويدخله الجنة. يقول الله سبحانه للعبد: (عبدي! هل اطلعت فيقول: نعم يا رب! اطلعت، فيقول الله له: يا عبدي! ألك حسنة مخفية؟ فيقول: لا يا رب، كل شيء مكتوب، فيقول الله: هذه غيبة الذين اغتابوك، وظلم الذين ظلموك، ودعاء الذين دعوا لك بالخير، ودعاء الملائكة لك في جنح الليل وأنت نائم، وكرم الله عليك في الدنيا وضعناه في كتاب حسناتك)، كذلك ولد صالح وعلم ينتفع به، وبناء مسجد، وغير ذلك. وبعدما يطلع الناس على الحسنات والسيئات ينادى: يا أهل المحشر! -فينصتون- هذا فلان ابن فلان فمن كان له عنده مظلمة فليأت، فيأتون إليه فمنهم من يقول: بعتني سلعة فغششتني، وذاك يقول: رأيتني مظلوماً وكنت تستطيع أن تنصرني فما نصرتني، وذاك يقول: مررت مرة فلم تسلم علي، وذاك يقول: عطست مرة فحمدت الله فلم تقل لي: يرحمك الله، وذاك: مرضت مرة فلم تعدني، وذاك يقول: أعنتك بشيء وكنت تستطيع أن تقضيه فلم تقضه، وهكذا حتى لو بقيت حسنة في كتاب الحسنات أحبطت بالرياء والغش والسوء، وأخذها الخصماء عوضاً عن حقوقهم. يقول الله: (يا عبدي! ألك حسنة مخفية؟ فيقول: لا يا رب، يقول الله: هل ظلمك حفظتي) أي: هل الملائكة كتبوا عليك سيئات جزافاً؟ وهذا غير ممكن، بل إن العبد الصالح تستغفر له الملائكة وهو نائم، فيجيب العبد ويقول: لا يا رب! أي: أنا مقر بما كتب. ومن رحمة الله عليك كما قلنا أن جعل ملك الحسنات رئيساً على ملك السيئات، فإن عملت خطأً فإن ملك السيئات مكلف بكتابتها، لكن ملك الحسنات يقول له: انتظر وأمهله حتى يتوب، وفي نفس الوقت يستغفر له ملك الحسنات ويدعو الله له أن ينبهه ويجعله من المستغفرين، فإن تبت فإن الله ينسي ملك السيئات، فيأتي التائب يوم القيامة وليس عليه سيئة، طالما صلحت سريرته، فالله عز وجل يمدح المؤمنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، واللمم: صغائر الذنوب يستغفر منها العبد أولاً بأول، ما بين الصلاة والصلاة، وما بين الجمعة إلى الجمعة، ومن رمضان إلى رمضان، وما بين عمرة إلى عمرة، وما بين حج إلى حج، وما بين درس علم إلى درس علم آخر، كذلك قيام ليل أو صيام نهار أو صدقة، فكل هذه الأعمال الصالحة تمسح السيئات واللمم، ولكن لا بد أن يحذر الإنسان من المواظبة على الصغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على ابن آدم حتى يهلكنه) فمحقرات الذنوب مسألة خطيرة، ولا تنظر إلى صغر ذنبك ولكن انظر إلى عظم من تعصيه. يا مؤمن أنت في بعض الأمور لا تستطيع أن تفعلها أمام طفل صغير عمره سنتان، وربما حقك الشرعي في بيتك لا تقدر أن تعمله أو تمارسه في وجود طفل صغير السن. فما بالك وأنت تعصي الله عز وجل، وتظن أنك إن أغلقت الباب لن يراك أحد؟ فإن فعلت ذلك فقد غررت وغرك بالله الغرور وظننت ألا يراك أحد. يحكى: أن عالماً كان عنده ثلاثة أولاد، فقال: يا ترى من سيمسك الإمامة من بعدي؟ فأحب أن يمتحن أولاده، فقال لهم: ليأخذ كل واحد منكم ديكاً، ويذبحه في مكان لا يراه فيه أحد، فأغلق الأول والثاني أبوابهما وكل منهما ذبح ديكه، وجاء الثالث بالديك ضاحكاً، فقال له أبوه: يا بني! لم لم تذبح الديك؟ قال: كلما غلقت الأبواب على نفسي رأيت الله معي، فالذي لا يريد أن يتوب عليه أن يذكر كلام إبراهيم بن أدهم رحمه الله للرجل الذي لم يرض أن يتوب. قال الرجل لـ إبراهيم بن أدهم: إني أعاني من مرض مستعصٍ، فقال له إبراهيم: إنني منشغل عنك، قال: بل علاجي عندك، قال إبراهيم: فأخبرني ما مرضك؟ قال: مرضي كلما أردت أن أتوب عدت إلى الذنوب، قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال: لا، هذا تعجيز فلا يخفى على الله خافية في كل مكان، هات الثاني. قال له: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملكه؛ قال: لا، هذه أصعب من سابقتها، وهل هناك ملك غير ملك الله؟! هات الثالثة. قال: إن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، قال: إذا لم آكل من رزق الله فمن أين آكل؟ هذه أصعب من سابقتها، هات الرابعة. قال: إن جاءك ملك الموت فقل له: أخرني حتى أتوب، قال: لا، هذه أصعب، فهات الخامسة. قال: إذا أردت أن تعصي الله وجاءك الملائكة ليأخذوك للحساب فلا تذهب معهم، فقال هذا الرجل: أشهد الله أمامك أني قد تبت إليه توبةً خالصةً نصوحاً، فلا بد للإنسان أن يتوب قبل فوات الأوان، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. ويقول الله: (يا عبدي! هل ظلمك حفظتي؟ يقول: لا يا رب! لم يظلموني، فيقول الله: ألك عذر تعتذر إلينا به؟). ولو جئنا لأصحاب الأعذار وسألنا واحداً منهم: لم لم تكن تصلي؟ قال: لم يكن هناك ماء حتى أتوضأ، نقول له: كذبت، يقول: لم يكن عندنا سجادة، تقول له: صلِّ على الأرض، يقول: لم تكن الأرض طاهرة، تقول له: صلِّ في مكان آخر، يقول: لا أستطيع أن أقرأ سورة من القرآن، تقول له: اقرأ الفاتحة، يقول لك: لا أتقن قراءة الفاتحة، فتقول له: قف وصلِّ مثلما يصلون، فليس لك عذر أبداً. ولو سألنا امرأة غير متحجبة: لم لم تحتجبي؟ تقول: والله لو تحجبت لطلقني زوجي، فلو طلقك كان هذا خيراً لك، وستتزوجين رجلاً يحافظ عليك ولا يرضى أن يكون ديوثاً، فتأتي بعذر أقبح وتقول: شكلي ليس جميلاً في الحجاب، فإن قلت لها: أنت في البيت لست محجبة، فتقول لك: العلماء الذين يقولون: حلال وحرام، هم كذا وكذا، وفي آخر الأمر غير المحجبة ليس لها عذر. وإن قلت لحامل الأثقال أو لاعب الجودو: لم لم تكن تصلي؟ سيقول: إن الرياضة تأخذ كل وقتي، وهذا ليس عذراً. وإن قلت لصاحب المال: لم لم تكن تزكي؟ هل مال المال بك عن الحق؟! سيقول: السبب كذا وكذا، فلن يقبل الله منه عذراً في ذلك اليوم. يؤتى بالأغنياء يوم القيامة، فيقال لهم: لم كنتم لا تصلون في الدنيا؟ يقولون: شغلتنا أموالنا وأهلونا، فيقال لهم: أأنتم كنتم أغنى أم سليمان بن داود؟ يقولون: بل سليمان كان أغنى، فيقال: ما شغله ماله عن ذكر الله. وسأل شاباً يافعاً حسن الصورة: لم لم تكن تصلي؟ يقول: أنا ما زلت شباباً، فتقول: أأنتم أنضر شباباً أم يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ يقول: بل يوسف عليه السلام أنضر، فتقول: يوم القيامة يقال لك: ما شغله شبابه وجماله عن ذكر الله، بل قال: رب! السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. إن الرجل الصالح في هذا الزمان تشدد عليه الرقابة من قبل الدولة، فترى شخصاً يلازمه مثل ظله ومعه هاتفه وسيارته فإذا بدأ الرجل يخف قليلاً عن الذهاب للمساجد، خفت عليه الرقابة قليلاً، وإن التقى بالأصحاب في القهوة أغلقت الرقابة نهائياً، فإذا بدأ يلعب طاولة كتبوا على الملف: استقام وصلح حاله، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ويؤتى بالفقير، يوم القيامة فيقال له: لم لم

أول ما يقضى فيه يوم القيامة

أول ما يقضى فيه يوم القيامة إن أول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء والصلاة، يؤتى بالمقتول الذي قتل سواء الشهداء أو من قتل زوراً وظلماً أو قتل بحق، فيقال له: من قتلك؟ يقول: قتلني فلان ابن فلان، فيؤتى بالقاتل فيقال له: لم قتلته؟ فيقول: يا رب! قتلته لتكون كلمتك هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فيقول الله: (صدق عبدي، ادخلوا هذا القتيل إلى النار) هذا عندما يكون القاتل يقاتل في سبيل الله. ويؤتى بآخر فيقال له: لم قتلته؟ يقول: لتكون العزة لي أو لمن أمرني، إذاًَ: قتله لأنه أمر بقتله، قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:166] فيفر المتبوع من التابع، فيقول التابع: يا رب! خذ لي حقي من هؤلاء، وهات لهم ضعفاً من العذاب، قال: لكل ضعف. فأول ما يقضى بين العباد في الدماء، فيؤتى بأول قاتل سنَّ القتل، قال تعالى: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:28 - 30]، وبعدما قتله احتقر نفسه: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31]. قال: (من رفع على أخيه حديدة لن يشم رائحة الجنة يوم القيامة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج القتيل من قتله يشخب جرحه دماً، يقول: يا رب! سل هذا لم قتلني؟). ويقال: هناك قتل مادي وقتل معنوي، فهناك أناس يقتلون الناس معنوياً، فمن الرجال من يتتبع امرأته ويضيق عليها عيشها حتى تكره جنس الرجال، ومن النساء من تقتل زوجها معنوياً حتى يكره صنف النساء، وكلاهما قتل أخاه، وسيحاسبه الله يوم القيامة على أنه قاتل قتلاً معنوياً، فقد قتل فيه الكرامة الإنسانية. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)، فمن لطم وجه مسلم فكأنما لطم وجه الكريم سبحانه، وحاذر من ذلك، فأول ما يقضى يوم القيامة في الدماء، ثم يقضى في الصلاة. اللهم خفف عنا الحساب يوم القيامة، اللهم ثقل موازيننا يوم القيامة، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وسامحنا وتقبل منا، وصلنا بك ولا تقطعنا عنك، واجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. أحينا إن كانت الحياة خيراً لنا، وأمتنا إن كان الموت خيراً لنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تبارك يا ربنا! وتعاليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنت الغني ونحن الفقراء إليك. اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم يا من سترتنا في الدنيا! لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة، اللهم تب على كل عاصٍ، اللهم تب على كل عاصٍ، اللهم تب على كل عاصٍ، واهد كل ضال، واهد كل ضال، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_الحساب [2]

سلسلة الدار الآخرة_الحساب [2] لقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه سيحاسب عبده على كل صغيرة وكبيرة، وأنه لن يضيع شيء فعله العبد في الدنيا من الأعمال الصالحة والسيئة، وأخبر سبحانه بمراحل الحساب من السجلات التي تعطى العبد، ووزن أعماله الصالحة والسيئة، ومساءلة الله له بما عمل في هذه الدنيا، ولذا كان لزاماً للعبد أن يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة، وأن يحرص على فعل الخيرات وترك المنكرات!

وجوب إعداد العدة للقبر وما بعده

وجوب إعداد العدة للقبر وما بعده نحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثانية في موضوع الحساب، اللهم ثبتنا عند الحساب يا رب العالمين، وهذه الحلقة تتصل بأهمية الحلقة السابقة، وقلت في مقدمة الحلقة الحادية عشرة: إن حلقة الحساب من أخطر حلقات الدار الآخرة أو من الحلقات الهامة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وأكرر ما أقوله في كل سلسلة الدروس: إن حلقات الدار الآخرة ليست قصصاً تقص، وليست تسلية وتضييعاً للوقت، ولكنها عبارة عن تفتيح لقلوبنا عسى أن يتوب العاصي، وأن يهتدي الضال، وأن يرتدع كل من يأكل حراماً، وأن يعيد الظالمون إلى أصحاب المظالم مظالمهم؛ لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع الإنسان أن يرد مظالم الناس إلا بالحسنات والسيئات، فهناك لا يوجد أحد نعطيه رشوة حتى يمشي الأمور، ولا صاحب ضرائب يمشي الموضوع وإنما هناك رب قهار جبار يقول يوم القيامة: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26] ويوم الدين: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19]. فالأمر يوم القيامة لله عز وجل ليس لأحد، وما دام الأمر لله فإنه لابد أن يعيد الإنسان حساباته قبل أن يلقى رب العباد سبحانه وتعالى، إن المسلم السعيد هو الذي أعد قبره قبل أن يدخله أو قبل أن يسكنه، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه، ثم ترك دنياه قبل أن تتركه. لكن الكارثة فينا جميعاً أننا لا نترك الدنيا، ولكن هي التي تتركنا، لا يوجد أحد فينا يترك الدنيا حتى الذي يمسك في منصب من المناصب لا يريد أن يتخلى من منصبه، وإذا أحيل إلى التقاعد يأتيه اكتئاب، وبعد ما كان الناس يعظمونه ويحترمونه ويجلونه إذا بهم يتركونه ويهملونه ولا يوقرونه ولا يعظمونه، فيحصل له اكتئاب وحالة نفسية غريبة. والمسلم من الواجب عليه أن يضع في ذهنه أن الدنيا كلها عارية مسترجعة، أمانة سوف تعود إلى خالقها سبحانه وتعالى، وما على المسلم إلا أن يعيد الحسابات في أن يترك الدنيا قبل أن تتركه، وليس معنى ذلك أنك تترك الدنيا، وتترك العمل، وتعتزل الناس، ولكن عش بين الناس بجسدك، وقلبك مع ربك سبحانه وتعالى تعيش مع الدنيا في الأعمال والأرزاق، وفي السعي والكد، وفي تحصيل العلم، ولكن قلبك متصل بالله عز وجل، تدعوه ليل نهار عسى أن تكون من التائبين، وعسى أن يكون قد غفر الله لك أو نظر إليك نظرة رضا تكون فيها سعادة الدهر كلها، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين يا رب العالمين!

العدة للقبر سبب للسعادة

العدة للقبر سبب للسعادة ثم بعد إن المسلم الحقيقي الذي يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم يعد العدة للقبر قبل أن يسكنه، قيل: (يا رسول الله! هل ينجو من ضمة القبر أحد؟ قال: لا، قيل: ولا القاسم؟! قال: ولا إبراهيم الذي هو أصغر منه) يعني: القاسم ابن سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لن ينجو من ضغطة القبر. إذاً: ضمة القبر لن ينجو منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز العرش يوم موته، وهذا فيه دليل على مكانته عند الله، ورغم ذلك لم ينج من ضمة القبر.

قيام الليل ضياء للقبر

قيام الليل ضياء للقبر قال شقيق البلخي رحمه الله: بحثنا عن ضياء لقبورنا فوجدناه بقيام الليل. مكث يبحث عن الذي يضيء قبره من الأعمال الصالحة، وللأسف أنك عندما تضع ميتك تسميه بالميت وانتهى الأمر، والحق أنه ميت في عرفك أنت، ميت بالنسبة لك، لكن بالنسبة له فإنه قد انتقل من حياة إلى حياة من نوع آخر، أي أن الموت عبارة عن نقلة من دار إلى دار، ومن طريقة حياة إلى طريقة حياة أخرى، هنا يعمل ولا يعلم، وبعدما دخل القبر أصبح يعلم ولا يعمل، هنا في الدنيا يأكل ويشرب، في القبر لا يأكل ولا يشرب، وإنما تأكله الدود وتبدأ أهوال القبر، هنا في الدنيا يتكلم معنا فنسمعه، وهناك في القبر ربما يتكلم ولكن لا نسمعه، كل ما نستطيع هو أن نراه في رؤيا يحكي لنا حكاية أو يقول لنا قصة، أو يسألنا سؤالاً يطمئننا على نوع معين أو شيء معين. فالمسلم يجب أن يضيء قبره بقيام الليل.

صلاة الضحى فيها صدق الإخلاص

صلاة الضحى فيها صدق الإخلاص قال شقيق البلخي: بحثنا عن ضياء القبور فوجدناه في قيام الليل، قال: وبحثنا عن صدق الإخلاص مع الله فوجدناه في ركعتي الضحى. ويوجد أناس كثيرون ينسون ركعتي الضحى، أنت بعدما تصلي صلاة الصبح يستحسن أن تظل في مجلسك الذي صليت فيه إلى أن تطلع الشمس، فمن صلى صلاة الصبح وانتظر حتى تطلع الشمس وصلى ركعتي الضحى فكأنما حج واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لكل عبد ثلاثمائة وستين مفصلاً، على كل مفصل صدقة كل يوم أنت مطالب بثلاثمائة وستين صدقة شكراً لله على نعمه، فالذي لا يملك شيئاً يجزئ عن هذا أن يصلي ركعتي الضحى، فمن صلى ركعتي الضحى فكأنما حج واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام سنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك حصل على ثلاثمائة وستين صدقة. إذاً: السعيد من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يسكنه، فيجهز نفسه، وينظر ما الذي ينفعه في القبر؟ هل فلوس الدنيا تنفع؟ لا، هل النصب والاحتيال ينفع في القبر؟ لا، هل المال الحرام ينفع؟ لا، هل هل، تسأل نفسك هذه الأسئلة.

إرضاء الخالق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إرضاء الخالق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثانية في موضوع الحساب، اللهم ثبتنا عند الحساب يا رب العالمين، وهذه الحلقة تتصل بأهمية الحلقة السابقة، وقلت في مقدمة الحلقة الحادية عشرة: إن حلقة الحساب من أخطر حلقات الدار الآخرة أو من الحلقات الهامة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، وأكرر ما أقوله في كل سلسلة الدروس: إن حلقات الدار الآخرة ليست قصصاً تقص، وليست تسلية وتضييعاً للوقت، ولكنها عبارة عن تفتيح لقلوبنا عسى أن يتوب العاصي، وأن يهتدي الضال، وأن يرتدع كل من يأكل حراماً، وأن يعيد الظالمون إلى أصحاب المظالم مظالمهم؛ لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع الإنسان أن يرد مظالم الناس إلا بالحسنات والسيئات، فهناك لا يوجد أحد نعطيه رشوة حتى يمشي الأمور، ولا صاحب ضرائب يمشي الموضوع وإنما هناك رب قهار جبار يقول يوم القيامة: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26] ويوم الدين: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19]. فالأمر يوم القيامة لله عز وجل ليس لأحد، وما دام الأمر لله فإنه لابد أن يعيد الإنسان حساباته قبل أن يلقى رب العباد سبحانه وتعالى، إن المسلم السعيد هو الذي أعد قبره قبل أن يدخله أو قبل أن يسكنه، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه، ثم ترك دنياه قبل أن تتركه. لكن الكارثة فينا جميعاً أننا لا نترك الدنيا، ولكن هي التي تتركنا، لا يوجد أحد فينا يترك الدنيا حتى الذي يمسك في منصب من المناصب لا يريد أن يتخلى من منصبه، وإذا أحيل إلى التقاعد يأتيه اكتئاب، وبعد ما كان الناس يعظمونه ويحترمونه ويجلونه إذا بهم يتركونه ويهملونه ولا يوقرونه ولا يعظمونه، فيحصل له اكتئاب وحالة نفسية غريبة. والمسلم من الواجب عليه أن يضع في ذهنه أن الدنيا كلها عارية مسترجعة، أمانة سوف تعود إلى خالقها سبحانه وتعالى، وما على المسلم إلا أن يعيد الحسابات في أن يترك الدنيا قبل أن تتركه، وليس معنى ذلك أنك تترك الدنيا، وتترك العمل، وتعتزل الناس، ولكن عش بين الناس بجسدك، وقلبك مع ربك سبحانه وتعالى تعيش مع الدنيا في الأعمال والأرزاق، وفي السعي والكد، وفي تحصيل العلم، ولكن قلبك متصل بالله عز وجل، تدعوه ليل نهار عسى أن تكون من التائبين، وعسى أن يكون قد غفر الله لك أو نظر إليك نظرة رضا تكون فيها سعادة الدهر كلها، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين يا رب العالمين!

مسئولية العلماء عن النصح وقول الحق

مسئولية العلماء عن النصح وقول الحق الدليل الثالث على أنك من السعداء المقبولين اللهم اجعلنا وإياك منهم والمسلمين والمسلمات يا رب العالمين الحاضرين والغائبين إن شاء الله، من أرضى خالقه قبل أن يلقاه، أنت سوف تلقى الله في إخوة أصبحوا من أهل الآخرة، وتركنا العباد في الحلقة السابقة وقد نودي على أئمة الخير، ونودي على أئمة الشر، إمام الخير: الرجل الذي يقود الناس إلى ما يرضي الله ربنا سبحانه وتعالى، ويأخذه على رءوس الأشهاد، وبعد أن يحاسبه ويكرمه بكرامته ومغفرته ورحمته يقول له: يا عبدي! بلغ من خلفك بمثل ما بشرناك به؛ لأنهم كانوا أناساً طائعين، والأئمة في الشر والعياذ بالله الذين يأخذون الناس إلى كل شر فتجدهم كثيرين في هذا الزمن. ووجب علينا إذا رأينا أحداً على معصية ألا نسكت؛ لأنه يوم القيامة سوف يتعلق بك، وإن رأيتني على الشر ولم تنهني فسوف تسأل عني، مثل العلماء المنافقين الذين ينافقون الحكومات في كل البلاد، سوف يسألهم الله عز وجل عن علمهم ماذا صنعوا مع حكامهم به، يا ترى نهوهم أو لم ينهوهم، ويا ترى تقاعسوا وخافوا على أنفسهم أم أنهم بلغوا كلام الله عز وجل، يا ترى هل أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر؟! يا ترى هل صنعوا ما كان يصنعه الصحابة مع الخلفاء والمسلمين ومع أمراء المؤمنين سواء في الدولة الأموية أو العباسية أم أنهم يطبلون مع من يطبل، ويزمرون مع من يزمر؟! ولو كان الناس ينافقون كلهم لوجب على العالم ألا ينافق وألا يخاف في الله لومة لائم؛ لأن الله سيسأله عن هذا العلم: هل بلغت؟! يقول: نعم يا رب بلغت، أنت بلغت المساكين الذين لا يقولون لك لا، لكن هل ذهبت إلى الرجل المفسد وبلغته وقلت له كلمة الحلق؟! إذاً: سوف يسألنا جميعاً رب العباد عن تبليغنا أوامر الله عز وجل، وتبليغنا النواهي التي نهانا رب العباد سبحانه عنها؛ لأن هؤلاء سيتعلقون في رقبتنا ويقولون: أنتم كنتم معنا ولم تكلمونا، ذهبنا نزوركم ولم تسمعونا، لا، نحن إذاً نبلغ في كل وقت وفي كل حين، وهذه مسئوليتنا جميعاً أن نبلغ كلام الله عز وجل، ويقول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)، حتى يقول: والله أنا سمعت الشيخ يقول كذا. يقول صلى الله عليه وسلم: (فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

الصحابة قدوة في قول الحق عند الخلفاء

الصحابة قدوة في قول الحق عند الخلفاء ولعلنا رأينا سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما استوقف عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر قائلاً: أيها الناس! اجلسوا واستمعوا، فقال سعد: يا أمير المؤمنين! لا جلوس ولا استماع، لماذا لن تجلس ولن تسمع؟ قال: وزعت من بيت المال على كل واحد منا ثوباً، وأنت رجل طويل فمن أين جئت ببقية ثوبك؟ فينادي عمر عبد الله ابنه ويقول: يا عبد الله بن عمر أجب عمك، قال له: أعطيت ثوبي لأبي فأكمل ثوبه، قال: الآن نجلس ونستمع، نعم، هذا هو الدين، هذا هو التبليغ، وقد قال عمر رضي الله عنه: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم. فما دمتم تروني أمشي فيما يرضي الله، إذاً فعليكم بطاعتي ولا تعصوني، وعندما تروني منحرفاً -أقول لكم كلاما وأعمل خلافه- فليس لكم طاعة علي. قال حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه: يا أمير المؤمنين! والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فتبسم عمر وقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها، رضي الله عن صحابة رسول الله. اللهم احشرنا في زمرتهم، واجعلنا من جيرانهم في الجنة، واجعلنا من الذين يكونون تحت لواء رسولك صلى الله عليه وسلم، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير. إذاً: أخطر المواقف في الحساب مظالم العباد، حتى إن كثيراً من الآباء والأمهات لهم حقوق عند أولادهم، فالحقوق هذه يأخذون بها حسنات، ويتمنى الأب والأم أن يكون لهما من الحقوق عند ابنهما أكثر من هذا، إذاً أين العاطفة؟ أين الحنان؟ لأن الكل يقول: نفسي نفسي نفسي نفسي، لا يوجد أم ولا أب ولا غيرهما، سبحان الله فأنت لا تعرف أباك ولا أمك، ولا هما يعرفانك هناك، ويعرفك امرأتك ولا ابنك ولا عمك ولا مديرك أبداً! قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] فكل طير معلق بعرقوبه {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج:10] لا يوجد أحد يسأل عن الثاني {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف:67] كلهم أعداء، الأصدقاء والصداقات كلها انقلبت إلى عداوات {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! إذاً: أنت عندما تصاحب الأتقياء فإنهم سيشفعون لك يوم القيامة، وأحياناً يكون هناك شخص ظلمك، ولكن هذا الظالم صنع خيراً كثيراً بينه وبين ربه، ومظلمتك صغيرة ماذا يعمل يوم القيامة؟ يأتي الله عز وجل أول ما يفصل في مظالم العباد فيقول: عبدي ما لك عنده؟ فيقول له: يا رب! باعني كذا وغشني في البيع مثلاً، باعني سيارة أو أرضاً وإذا بها مزورة وأخذ مالي ظلماً. وكل شيء هناك بالميزان قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47] حتى إن الله عز وجل ليأخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، إذاً: إذا أخذت من مال أخواتك في ميراث أو غيره حتى الدانق الذي يساوي اثنين مليم مصري يؤخذ منك مقابله يوم القيامة، فتأخذ بقية حسناتك مقابل الاثنين دانق، فيؤخذ منك ثواب سبعمائة صلاة مفروضة مقبولة، وكم صلاة تصلي في الشهر؟ مائة وخمسين صلاة. أكلت (10000) جنيه كم سيؤخذ منك حسنات؟ ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار). فبعد ما يأخذ العبد مظلمته يقول له: عبدي! فيقول: نعم يا رب! فيقول: هل رضيت؟ يقول: لا زلت يا رب لم أرض بعد، فيقول الظالم: يا رب! لقد أخذ كل حسناتي، فيقول الله للعبد المظلوم: لقد أخذت كل حسناته فيقول المظلوم: يا رب! خذ من أوزاري وضعها عليه، فيأخذ الله من أوزاره، إذاً هو يأخذ أوزاره أساساً؟ وأوزار من ظلمهم. لكن هذا الظالم كان يصنع الخير في الناس فيقول الله للمظلوم: انظر خلفك، فينظر المظلوم خلفه، ويقول الله: عبدي ماذا ترى؟! فيقول: يا رب! أرى قصوراً من ذهب لها حلل من فضة وزبرجد لأي نبي هذه؟ أم لأي شهيد؟ أم لأي صديق؟ فيقول له: لا لنبي ولا لشهيد ولا لصديق، إنما لمن يعطيني الثمن؟ قال: وما ثمنه؟ قال: أن تعفو عن أخيك، قال: عفوت عنه، قال: خذ بيد أخيك إلى الجنة. قال الإمام الشافعي: من واجب الناس أن يتوبوا، لكن ترك الذنوب أوجب. يعني: الواجب أنني عندما أعمل خطأ أتوب منه، لكن من الأفضل أنني لا أعمل الخطأ. أول ما يقضى بين الناس في المظالم في الدماء، فأول شيء يحاسبون عليه الدماء، القتل المادي والقتل المعنوي، القتل المادي: كأن يكون شخص أخذ سكيناً أو عصا فقتل أحداً أو صدمه بسيارة متعمداً حتى يريح الدولة منه، المهم بأي طريقة قتل فإن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء، فيؤتى بالقتيل يحمل رأسه على كفه، تمتلئ أوداجه دماً يقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ حتى إن سبعة من أهل اليمن اجتمعوا على قتل رجل، فقتل عمر السبعة كلهم، فقيل له: أتقتل سبعة في واحد؟ فقال: لو اجتمع على قتله أهل اليمن لقتلتهم جميعاً، لكن في القانون الوضعي يقول لك: الذي حرض على القتل هذا لا دخل له. الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله. يعني: أنت لو قلت لشخص: هناك درس علمي في المكان الفلاني، فذهب هذا الشخص فإنه يكون له مثل أجره. ولو أن أحداً قال لآخر: هناك مقطع فلم في السينما جميل، ولم يذهب هذا الذي دل عليه، لكنه حصل على ذنب الذي دله فذهب؛ فالدال على الشر كفاعله! يقول المقتول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله: لم قتلته؟ فيقول: يا رب! قتلته لتكون كلمتك هي العليا، قال: صدق عبدي، أدخلوا القاتل الجنة؛ لأنه قاتل في سبيل الله، واحد قاتل في سبيل الله ومنع شراً عن المسلمين هذا في الجنة إن شاء الله، أما الثاني فيقال: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون لي الكلمة العليا أو تكون العزة لي، فيسحب إلى النار والعياذ بالله!

أقسام الناس في الحساب

أقسام الناس في الحساب الناس في مسألة الحساب على ثلاثة أقسام: قسم لا حسنات لهم والعياذ بالله، تخرج أعناق من النار فتلتقطهم كما يلتقط الطير الحب، فهؤلاء من الدار للنار أول ما يقف في الحساب، وأول ما يبدأ الحساب تطلع أعناق النار فتلتقطهم.

الحمادون وكافلة الأيتام يدخلون الجنة بغير حساب

الحمادون وكافلة الأيتام يدخلون الجنة بغير حساب القسم الثاني: من لا سيئة لهم؛ ولذا أول من ينادى يوم القيامة: ليقم الحمادون لله على كل حال، الذي يحمد الله في السراء والضراء، والصابر في الضنك والسعة، فهو في حالة من الحمد المستمر؛ فسيدنا موسى يقول: يا رب! كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستوجب الشكر؟! قال: يا موسى لقد شكرتني، فالله يخبره أنه بهذه الكيفية يكون قد شكره. فأنا إذا قلت: الحمد لله أليس هذا الحمد أساساً يستوجب أن أحمد الله على أن رزقني أن أحمده؛ لأن هناك نوعاً من الناس لا يقول: الحمد لله إلا بعدما يشكو إليك الشكوى كلها، فهو ليس حمداً؛ لأنك تشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم. كذلك الأرملة التي مات عنها زوجها وترك لها أيتاماً، فربتهم وأحسنت التربية، فهذه ليست في الجنة فقط، بل سيدنا الحبيب يقول: (بينا أنا أقعقع حلقة الجنة لأدخل إذا بامرأة سفعاء الخدين تريد أن تسبقني) يعني: وجهها مصفر، هزيلة متعبة من التربية (فأقول: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا امرأة توفي عنها زوجها وترك لها يتامى، فقعدت عليهم وربتهم، فيدخلها الرسول معه خطوة بخطوة) انظر إلى هذه العظمة! هذا أيضاً من باب الحمد، ومن باب الصبر، اللهم اجعلنا من الحمادين، واجعلنا من الصابرين يا رب! يقول سيدنا الحبيب: (أول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! عجباً وأين أبو بكر؟ قال: عجباً لكم أنتم، أتريدون أن يقف أبو بكر للحساب إن الملائكة قد زفته إلى جنات عدن)، ويقال أيضاً: إن أبا بكر هو الذي يقال له يوم القيامة: (يا أبا بكر! أسرع بالمرور من فوقي، فإن نورك غطى على ناري) ما سبقكم أبو بكر بصلاة ولا صيام، ولكن سبقكم بشيء وقر ههنا. فهو عنده يقين غريب في الله عز وجل، وعنده صلة بالله لا يعلمها إلا الله.

الشهداء يدخلون الجنة بغير حساب

الشهداء يدخلون الجنة بغير حساب إذاً: الحمادون لله على كل حال، وبعد ذلك الأرملة سبحان الله التي توفي عنها الزوج وترك لها أيتاماً، ثم بعد ذلك الشهداء، من قاتل منهم لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فهذا شهيد، يعني: لو أن شخصاً قيل له: لماذا تحارب؟ فقال: من أجل أن آخذ الأرض، فتقول له: لو أعطوك الأرض من غير حرب هل ستحارب؟ يقول: لا، إذاً أنت لست شهيداً، أنت ذهبت تحارب من أجل الأرض، وأنت ذهبت تحارب لأنك مجند؛ ولذلك أذكر إخواني وأبنائي من الضباط والجنود في القوات المسلحة أن يحتسبوا مدة تجنيدهم أو وظيفتهم العسكرية هذه رباطاً في سبيل الله يعني: الناس الذين على الحدود أو في أي معسكر من المعسكرات، لو أن العسكري أو الضابط -مهما قلت أو علت رتبته- نوى أن هذا رباطاً في سبيل الله، فإنه يكتب له من الحسنات ما لا يعلمه إلا الله يعني: يحول المهنة إلى خير، أما الجندي الذي لا يتعامل إلا بالمال وأخذ الرشوة ثم يقول: أنا مرابط في سبيل الله، نقول له: بل أنت مرابط في سبيل الشيطان، أنت نصاب؛ لأن المرابط في سبيل الله هو من يتقي الله عز وجل ويخاف من الله ويجعل الليالي التي يقومها في المعسكر إنما هي رباط في سبيل الله؛ لأن الرسول يقول: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كذلك من الذين يدخلون الجنة بلا حساب: السبعة الذين ذكروا في الحديث الشريف، الذين هم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وهم: أولاً: إمام عادل، ليس الإمام الذي يصلي بالناس، فهذه إمامة صغرى؛ لأن أصل الإمامة في الفقه نوعان: إمامة كبرى، وإمامة صغرى. الإمامة الكبرى: إمامة المسئول على أمور المسلمين، إمامة أهل الحل والعقد، هذه اسمها الإمامة الكبرى عند الفقهاء، وإمامة الصلاة إمامة صغرى؛ لأن مراعاة حقوق العباد ليست مسألة سهلة عند الله. إمام عادل؛ لأن أهل الجنة ثلاثة: إمام مقسط -يعني: عادل- ومتصدق وموفق، يعني: لو أن قاضياً ظل يحكم بين اثنين، وتمنى في قلبه أن يكون الحق مع واحد معين؛ لأنه استراح له، وقلبه مال إليه؛ ولكنه حكم بالحق بعد ذلك، فهذا يجيء يوم القيامة على الصراط وشقه مائل، فالمسألة صعبة وليست سهلة. ثم قال: (وشاب نشأ في طاعة الله). عندما تجد المسجد بفضل الله عز وجل مليئاً بالشباب تطمئن كثيراً، ولذلك يعجب ربك من شاب لا صبوة له، كما يضرب المثل بـ علي رضي الله عنه أنه لم يسجد لصنم قط؛ لذلك يقال: كرم الله وجهه، وسيدنا يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول الله عنه: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33]، السجن أحسن له من المعصية التي يتمناها كثير من المنحرفين، لكن الشباب الصالح، الشباب التقي الورع الذي نشأ في أحضان كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم هؤلاء هم الأمل. ثم قال: (ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه)، إذا اعتاد الرجل المسجد فلا تشكوا في صلاحه، لكن ليعلم أنه أصبح مسئولاً عن نظر الإسلام أمام الناس؛ لأنه أصبح وجه الإسلام، أصبح هو وجهاً من وجوه الإسلام؛ لأنه لو عمل خطأً يقولون: انظر إلى هؤلاء المطاوعة الكذابين، انظر إلى هذا الذي صلى خلف الشيخ عمر كذاب، فهم سيتهموننا كلنا، وأقول لك: لنفرض أن لك هيبة عند الناس لالتزامك وطاعتك، ثم إنك وقفت في طابور تقطع تذكرة في المسرح أو السينما مثلاً والعياذ بالله رب العالمين! فأصحاب السينما أنفسهم إذا وجدوك واقفاً هكذا بلحيتك وشكلك الملتزم يتحولون إلى دعاة ووعاظ يعظونك: عيب عليك يا شيخ، هذا الأمر نفعله نحن، أنت لا ينبغي لك فعل هذا، ينقلب الحال أنهم هم الذين سيعظونك. فمن فضل الله على المؤمن أن الناس ينظرون له بهذه النظرة، حتى يبعث الله له الإنسان المنحرف ليعظه، أليس هذا من كرم الله على المؤمن؟ إذاً: المسلم ما دام أنه تعودت قدماه المشي إلى المسجد فلا تشكوا في صلاحه، ألا إن من تطهر في بيته ثم توجه إلى بيت مولاه فإن الله يتبشبش في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم. قال صلى الله عليه وسلم: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه)، وهذه كلنا عندنا فيها أزمات نفسية، نحب نخرجها أمام الناس، والله يريدك تخرجها في السر حتى لا تعرف شمالك ما تنفق يمينك، إذاً: من باب أولى ألا يعلم صاحبك وصديقك. قال صلى الله عليه وسلم: (إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). ولابد أن ننتبه لكلمة (خالياً)، فنحن في المسجد نرفع أصواتنا بالبكاء؛ لكن الحديث يقول: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، وكان عمر بن الخطاب من كثرة بكائه وخشيته صنعت الدموع تحت عينيه خطين. ثم قال: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين) هذا هو الشاب التقي الورع الذي يخاف من الله عز وجل، وقدوته في ذلك يوسف الصديق عليه السلام. قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) اللهم اجعلنا منهم يا رب. الحب في الله هذا هو الذي يمكن أن ينجينا يوم القيامة؛ فهناك من الأقوام أقوام تحابوا على غير أرحام بينهم، أنت ربما ترى شخصاً لا تعرف اسمه، لكنك لمجرد أنك نظرت إلى وجهه، فتقول في نفسك: أحب أن أقعد معه قليلاً، كلامه حلو، والجلوس معه حلو، يقول صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف). فلو دخل مؤمن مجلساً فيه مائة منافق وبينهم مؤمن واحد لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه، لكن قلبه دله عليه، الأرواح هكذا تتسالم مع بعضها، ولذلك إبراهيم بن أدهم لما رأى عصفوراً يسير مع غراب قال: ما الذي جمع هذا مع هذا؟ قال: فرأيتهما يعرجان فقلت: سبحان الله جمعتهما المصيبة، وهناك من الناس من تجمعهم مصيبة الانحراف والفسق! تجدهم قاعدين مع بعض في كرة الطاولة. وما زلنا نؤكد أن حلقات الدار الآخرة ليست حكايات، وإنما هي أحكام، فالطاولة حرام، والذي يلعبها حرام، والوقت الذي يهدر فيها حرام، وسوف يسألك رب العباد سبحانه وتعالى عنها؛ لأنك ضيعت وقتك في شيء حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: كل جلسة ليس فيها ذكر لله عز وجل فهي حسرة، قال عليه الصلاة والسلام: (أيما قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله فيه فكأنما قاموا عن جيفة حمار) يعني: كأنما قاموا وهم يأكلون جيفة حمار، ولذلك هناك دعاء كفارة المجلس لابد أن تقوله وتقرأ سورة العصر؛ لأنه عسى أن يكون حصل هناك لغو أو كلام تخطيت به حدود الأدب مع الله عز وجل. إذاً: انقسم الناس إلى أقسام ثلاثة: أناس لا حسنة لهم، فالتقطتهم أعناق من النار والعياذ بالله، وأناس لا سيئة لهم فدخلوا بفضل الله الجنة، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين، وأغلب أهل المحشر ممن اختلطت حسناته بسيئاته، هذه هي الغالبية العظمى. عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: (اللهم حاسبني حساباً يسيراً، فلما انصرف قلت: يا رسول الله! ما الحساب؟ قال: ينظر في كتابه ويتجاوز عنه، إنه من نوقش الحساب يومئذٍ يا عائشة هلك)، يعني: أنا أسأل الله أن يخفف عني الحساب لمجرد أن أقف بين يدي الله، هذا اسمه تخفيف الحساب، أما من ناقشه الله فقد هلك!

وقوف الناس لوزن أعمالهم بالميزان

وقوف الناس لوزن أعمالهم بالميزان المسألة ليست من السهولة بمكان، أنا لا أصعب عليكم المسألة، ولكن من الأمانة العلمية أن ننقل النص كما جاء في الكتاب والسنة، فإذاً نحن نقف أمام الله عز وجل والغالبية العظمى منا إما شخص كثرت حسناته أو شخص كثرت سيئاته أو شخص استوت حسناته وسيئاته، كل ذلك بالميزان يوم القيامة، يقول الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47]، هذه موازين، والميزان: وهذا الميزان توزن به الأعمال، وهذه الأعمال إما مادية أو معنوية، فالمادية يزنها الميزان؛ لأنها شيء محسوس. أما المعنوية فيزنها رب العباد سبحانه، الذي يقول للشيء: كن، فيكون، يقول الله عن الكفار: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، والوزن هنا هل هو وزن مادي أم وزن معنوي؟ إنه ميزان حسي أمام الناس كلهم لا نعلم كيفيته. فتوضع حسناتك في كفة، وسيئاتك في كفة، وقد قلنا: إن قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13]، المراد به النتيجة العامة إما من أهل الجنة أو من أهل النار، أما تفاصيل الأعمال فهذا موجود في السجلات التي تحت العرش، في الأرشيف الرباني، حيث يخرج لكل واحد منا من تحت العرش تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، فتجد كل الأعمال التي عملتها، عند ذلك تقول: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49].

العناوين الخمسة التي يحاسب عليها العبد

العناوين الخمسة التي يحاسب عليها العبد فإذا وضع الميزان فمن أراد الله به خيراً رجح جانب الحسنات، والعناوين الخمسة التي سنحاسب عليها هي الأوامر والنواهي والذكر والشكر والنعم، هذه هي مجاميع المواد التي سوف سنحاسب عليها فتعال إلى جانب الأوامر فمثلاً قال الله: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:29] فهذا أمر، والعبد إذا امتثل هذا الأمر يقال له: قد قبلناها منك، فيسجد العبد سجدة شكر أن الله قبل منه هذه الحسنة. الأمر الثاني: الصلاة لوقتها، يأتي واحد من الحكام لا يصلي فيقال له: ما الذي شغلك عن الصلاة؟ فإن اعتذر بأعذار الدنيا فإنه لا يقبل منه فيسحب على وجهه إلى جوار فرعون، ومن شغل بالوزارة سحب على وجهه إلى جوار هامان في النار، ومن شغله المال عن الصلاة سحب على وجهه إلى جوار قارون في النار، ومن شغل بالتجارة عن الصلاة سحب إلى النار على وجهه مع أمية بن خلف وهكذا! فأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن كانت ناقصة قال الله: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ وليس المقصود أنه يكمل للعبد ما تركه من صلاة مدة عشرين سنة، فإن الله لن يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، فأنا عندما أعتمر مائة ألف عمرة هل سيسقط هذا عني الحج؟ لا يسقطه، لابد أن أحج، وكذلك الصلاة، لو صليت مائة ألف ركعة ولم أصل الفرض فإنه لا تقبل النوافل. فأقول: مع محافظتك على الصلاة لوقتها وصلاة الجماعة في المسجد لا تترك صلاة ركعتين في جوف الليل؛ لأن الذين يخرجون من القبور إلى باب الجنة هم أهل قيام الليل، الذين لم تشغلهم أيضاً تجارة ولا بيع عن ذكر الله، والله قد مدحهم في كتابه العزيز، فقال: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:37]. لنأت إلى جانب الزكاة التي أمر الله عز وجل بأدائها، فإذا قبل الله من العبد الصلاة انتقل به إلى الزكاة فإن وجدها ناقصة نظر هل من صدقات تكملها؟! فإن وجدت صدقات تكمل الزكاة قبلها الله منه. ثم ينتقل الله به إلى الصيام ثم إلى الحج فينظر الله هل كان يستطيع الحج؟ لماذا لم يذهب ليحج؟ والأوامر كثيرة جداً، فإن وجدوه كاملاً في الأوامر انتقلوا به إلى جانب المنهيات، فالله سبحانه وتعالى نهانا عن الظلم وقال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا) احذر أن تظلم أحداً. ثم النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والنهي عن شرب المسكرات والمخدرات، والنهي عن التبذير في المال الذي جعل الله لك فيه قياماً، والنهي عن الإساءة إلى مسلم من قريب أو من بعيد، والنهي عن تضييع فرائض الله عز وجل، والنهي عن السخرية بالمسلمين، والنهي عن الغيبة والنميمة، والنهي عن شهادة الزور، والنهي عن المحلل والمحلل له، كل هذه المنهيات تحاسب عليها: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجياً

ذكر الله تعالى

ذكر الله تعالى لنأت إلى جانب الذكر، قيل لـ علي بن أبي طالب: يا علي! كيف يحاسبهم الله على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرة عددهم. يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] فمن ذكر الله ذكره، ومن نسي الله نسيه، فإذاً: جانب الذكر، وقيام الليل والتوكل على الله، فإذا تقلبت في فراشك في الليل فاذكر الله؛ لأن الملائكة تكتب لك الحسنات، فلا داعي لأن يضيع الوقت، فلا تضحك على نفسك تستغفر وتجلس أمام التلفاز إلى أن يطلع الفجر، لا تستطيع أن تخادع الله، لا يمكن أن تنصب على من يعلم السر وأخفى، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه تجلس أمام التلفاز إلى الفجر وتذكر الله! فاذكر الله عز وجل على كل حال، واشكره على نعمه وآلائه.

نعم الله على العباد

نعم الله على العباد الخامس: جانب النعم، فتحاسب على نعمة الإسلام ماذا عملت فيها؟ كذلك نعمة الإيمان، ونعمة التوحيد، ونعمة الصحة، ونعمة السكن، ونعمة الزوجة، ونعمة الأولاد، ونعمة المال، كل هذه نعم ستحاسب عليها، فهل استخدمتها في عصيانك لله أو استخدمتها في طاعة الله؟! أم أنك ستأخذ المال حراماً وتقول: سأتصدق به؟ لا، إن من يتصدق بالمال الحرام كمن يغسل الثوب المتنجس بالبول، فهذا لا ينفع. ثم بعد هذا يكتمل حسابك، سواء رجحت الكفة أو خفت، ثم ينادي جبريل هنا: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وتخيل فرحتك أنت بهذه السعادة في هذا الوقت، فهي تختلف عن سعادتك في الدنيا التي كنت ترائي فيها المخلوقين بأعمالك، وتجعل نفسك رجلاً وقوراً ومحترماً وقواماً لليل وصواماً للنهار، ورجلاً تمشي مع أهل العلم والصالحين، ورجلاً متصدقاً، ورجلاً تحل مشاكل المسلمين، وتجعل في ذهنك هذا الهم الكبير من أجل الناس، لكن انظر إلى هذه السعادة والناس كلهم يغبطونك يوم القيامة، وأنت تجري وسطهم وترفع كتابك قائلاً: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20]، يعني: إني أيقنت أنني سآتي إلى هذا اليوم، فكنت مستعداً له، وأعددت نفسي ليوم الامتحان، فالله أكرمني: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:20 - 21]، العيشة نفسها راضية فما بالك بمن يعيش فيها؟! أصبحت العيشة راضية؛ لأنه هناك سوف ينظر العجب في الجنة بإذن الله رب العالمين! الجنة فيها العجب العجاب لا ألم ولا تعب، ولا ضيق ولا كد ولا اكتئاب، ولا ملية ولا منية، ولا بصاق ولا مخاط، ولا عرق ولا حيض، ولا نفاس ولا ولادة ولا تعب، ولا مدارس ولا فرق، ولا مشاكل ولا حكام ولا شيء من هذا الكلام كله. المسكين الذي لا يجد ما يأكل، يصبح في الجنة ملكاً عند ملك الملوك سبحانه، نعم؛ لأن الله هو الذي سيملكه، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر:74] حتى يقول المولى عز وجل في الجنة: (يا عبادي! إني رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟). إذاً: الحديث عن الدار الآخرة يشجع للاستعداد للقاء الله عز وجل، فإذا نادى جبريل: لقد سعد فلان سعادة يرفع كتابه وينطلق إلى أهله مسروراً؛ لأنهم {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] يعني: خائفين من عذاب الله في الآخرة، فيوم القيامة يأمن من العذاب، أما الذي قال: هؤلاء هم يكذبون عليكم ويخوفونكم فيزيدون من عندهم، إن الله غفور رحيم فهم يؤلفون لنا كلاماً من عندهم، المطلوب أنك تميز بين الأوامر والنواهي فقط، فالمسألة مسألة تمييز، اتركنا يا سيدي من العلم والعلماء، افتح أنت المصحف واقرأ؛ دعنا من علم العلماء، دعنا من الدروس، دعنا من الكتب، افتح كتاب الله واقرأ ما فيه، وانتهى الأمر. والعكس! الأوامر والنواهي والذكر والشكر إن كنت مقصراً فيها تساقطت الحسنات التي معك يأخذها أصحاب الحقوق والمظالم الذين أنت أكلت حقوقهم واغتبتهم، حتى قال أهل العلم: لو علم المغتاب ما يؤخذ منه من الثواب لكان حرياً أن يغتاب أبويه. يعني: لو أنه أراد أن يوزع الحسنات فليعطها أقرب الناس إليه أباه وأمه، فلماذا تذهب لأحد غريب؟! وقد قلنا يوم الجمعة: المغتاب إن تاب فهو آخر أهل الجنة دخولاً، وإن مات المغتاب ولم يتب فهو أول أهل النار دخولاً، يعني: المغتاب الذي تاب فهو آخر شخص يدخل الجنة، والمغتاب الذي لم يتب يكون أول شخص يدخل النار والعياذ بالله يا رب العالمين، نسأل الله السلامة لنا ولكم وللمسلمين. فإذا خفت الموازين والعياذ بالله على الشخص فإنه يخبئ كتابه ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]. قد يجد العبد وسائط في الدنيا أما في الآخرة فهل سيحن عليه أحد؟ قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:25 - 26]، يا ليتني لم أعرف الحساب هذا. ثم يقول: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27] لا يوجد أحد يقول: ارحموه، بل يقول الله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:30 - 31] أي: أحرقوه بالنار {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] قالوا: وما هذه السلسلة يا رسول الله؟ قال: لو وضعت منها حلقة على جبل أحد لذاب من ساعته. فكثير من الناس يرتكب الحرام، بعضهم لا يصلي والبعض يأكل الحرام، والذي يخرج امرأته عريانة، والذي بناته ذاهبات الجامعة ببنطلون وقلة أدب فهذا سوء أدب مع الله، فلابد أن أراجع حساباتي؛ لأنني سوف أقف في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، الذي جعل سيدنا عيسى يقول: يا رب! لا أسألك عن مريم بنت عمران، وسيدنا موسى يقول: أنا لا أعرف هارون، ويقول سيدنا إبراهيم: وأنا مالي ولإسماعيل؟! نفسي نفسي! كلهم يقول: نفسي نفسي.

محاسبة الأمم يوم القيامة

محاسبة الأمم يوم القيامة ثم بعد ذلك يحاسب الله عز وجل الأمم، وأول أمة يؤتى بها أمة نوح، يؤتى بنوح فيقال له: يا نوح! هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب! بلغت قومي فيقول الله: هل بلغكم نوح؟ فبين مصدق ومكذب، القليل الذين آمنوا به يقولون: نعم بلغنا، والأغلبية الكافرة يقولون: لم يبلغنا، فيقول الله: يا نوح! إن قومك يقولون: ما بلغتهم، مع أن الله هو الحكيم الخبير، وهو العليم الخبير، لكن من أجل أن يلزم الحجة لعباده، يقول: يا نوح! أمعك من يشهد لك؟ فيقول: نعم يا رب، محمد وأمته، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقال له: هل بلغ نوح قومه؟ فيقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:1] إلى آخر الآية، حتى قال أهل العلم: حتى إن المسلمين يسمعون صوت النبي كأنهم ما سمعوا القرآن من قبل، فربنا يسمع المؤمن ساعتها بصوت الحبيب المصطفى بالشكل هذا، فسيدنا محمد شهد، ويأتي أصحاب محمد فيقولون: نعم يا ربنا لقد بلغهم، فيقولون: كيف يشهد علينا من لم يرنا؟! فيقول الله عز وجل: نعم كيف تشهدون عليهم وأنتم ما رأيتموهم أيضاً من أجل يلزمهم الحجة؟ فيقولون: يا ربنا! قرأنا كتابك، وتلاه علينا رسولك، وعلمنا أن ما فيه صدق وحق، وقرأنا فيه أن نوحاً بلغ قومه، فيقول الله: صدق محمد، وصدق أصحاب محمد، ثم نفس القضية، وموسى وعيسى كلهم يكذبون من قبل أقوامهم. ثم ينادى على جبريل وكل واحد سيسأل يوم القيامة قال: فيأتي جبريل تصطك ركبتاه يكاد أن يقع فرطاً وخوفاً من الله عز وجل تعالى، فيقال له: يا جبريل! هل بلغت محمداً؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول الله: يا محمد! فيقول: نعم يا رب العباد! فيقول الله: يزعم جبريل أنه بلغك فيقول: نعم يا رب صدق جبريل، ثم يقول الله: يا أمة محمد! هل بلغكم محمد؟ قالوا: نعم يا ربنا، قد بلغنا، فيقول الله: صدقتم يا أمة محمد، فهذا هو سؤال الأمم، يقول تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] عليه الصلاة والسلام، كل أمة يطلع منها شهيد ويأتي سيدنا الحبيب فيشهد علينا وعلى الأمم كلها، صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المقام المحمود يوم القيامة، والجزئية الباقية التي هي مسألة الشفاعة إن شاء الله رب العالمين. إذاً: مثقال الذرة ربنا يحاسبنا عليها، وإن تك مثقال ذرة، يعني: لذلك يقول يوم القيامة: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فهذه الذرة التي لا ترى بالعين المجردة ستوزن في الميزان يوم القيامة، يعني: لا توزن بالموازين العادية التي معنا، فيوم القيامة ربنا سيزن مثقال الذرة، إذاً: النظرة والضحكة والسخرية والكلمة والغدوة والروحة، والذهاب والإياب، والقعود والجلوس والحركة، كلها مسائل يجب أن يراعي العبد فيها ربه؛ لأن الله سوف يسألنا على صغير الأمر أو كبيره. هذه حلقة من الحلقات الصعبة جداً على الناس، والمرعبة جداً والمخيفة، ولكن هذا من أمانة العلم، فيجب علينا أن ننقلها إليكم. بارك الله فيكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_المنجيات عند الميزان

سلسلة الدار الآخرة_المنجيات عند الميزان جعل الله سبحانه وتعالى أعمالاً في الدنيا يستطيع الإنسان أن يفعلها فينجو يوم القيامة، ومن هذه الأعمال أعمال ينجو بها عند الميزان، واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة، وعلى كل فالميزان ثابت في الكتاب والسنة.

الأعمال التي تنجي عند الميزان من عذاب الله

الأعمال التي تنجي عند الميزان من عذاب الله أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، نسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يثقل موازيننا يوم القيامة، اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً لأهله رددته. اللهم ارزقنا يا مولانا! قبل الموتة توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله، واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفع فينا نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم احشرنا تحت لوائه، واجعلنا من الذين يردون حوضه، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم بدون سابقة عذاب يا أكرم الأكرمين! وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عرفنا أن العباد قد حشروا أمام رب العباد سبحانه، إذ لا وزير فيغشى، ولا حاجب فيؤتى، ولا إنسان يدافع عن إنسان، ثم علمنا كيف يفر المرء من ابنه ومن أبيه ومن أمه ومن عشيرته، وهنا لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم اجعل قلوبنا سليمة عندك يا رب العالمين. فالله عز وجل جعل في الأمر رغم صعوبته في الدنيا قواعد يستطيع الإنسان أن يبنيها فينجو يوم القيامة، اللهم اجعلنا من الناجين. في الحديث الذي رواه مسلم رضي الله عنه والترمذي في نوادر الأصول عن عبد الرحمن بن أبي سمرة رضي الله عنه عن الصادق الأمين المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنا في المسجد في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلع علينا عليه الصلاة والسلام فقال: (إني رأيت الليلة عجباً) -ورؤيا النبي حق- يعني: ما يراه الرسول صلى الله عليه وسلم كلام واقع ووحي يوحى، وما يراه النبي لا كما نراه نحن، قال: (إني رأيت الليلة عجباً) خيراً يا رسول الله! وهذه هي السنة إذا قصت عليك رؤيا أن تقول: خيراً إن شاء الله، وكان الحبيب يقول: (خيراً إن شاء الله، خيراً تلقاه، وشراً توقاه، خيراً لنا، وشراً لأعدائنا، والحمد لله رب العالمين)، فهذه هي السنة في ردك على من رأى رؤيا يريد أن يقصها عليك. وفي ليلة أحد قال: (رأيت أن بقراً تذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة). فهذه الرؤيا ثلاثة أجزاء، انظر: رأى بقراً تذبح، ورأى ثلمة في سيفه صلى الله عليه وسلم، رأى أنه أدخل يده في درع حصينة، قال أبو بكر بأدب: (أتأذن لي في تفسيرها يا رسول الله؟! قال: فسر يا أبا بكر! قال: أما البقر التي تذبح: فإنما بعض من صحابتك سوف يستشهدون في هذه المعركة، وثلمة سيفك: فإنما رجل من آل بيتك عزيز لديك يقتل، وأما وضعك يدك في درع حصينة: فعودتك إلى المدينة سالماً غانماً، فتبسم الحبيب وقال: يا أبا بكر! هكذا نزل علي جبريل بتأويلها).

من الأعمال المنجية من عذاب الله بر الوالدين

من الأعمال المنجية من عذاب الله بر الوالدين طلع النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في يوم من الأيام يقول: (إني رأيت الليلة عجباً) خيراً يا رسول الله! قال: (رأيت كأن القيامة قد قامت). فالقيامة قد قامت بالنسبة لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فهو يرى صوراً حقيقية ليس للشيطان أن يمثلها له؛ لأن كل واحد من بني آدم له شيطان يتسلط عليه قالوا: حتى أنت يا رسول الله! قال: (حتى أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم). وليس أسلم معناها: نطق بالشهادة؛ لأن الشيطان لا يسلم ولكن معناها هنا: أسلمُ من شره (فلا يأمرني إلا بخير) وقد أراد الشيطان مرة أن يشوش على الحبيب صلى الله عليه وسلم صلاته، قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني الشيطان الليلة أراد أن يلبس علي صلاتي، فما كان مني إلا أن أخذت بخناقه) أي: سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أخذ بخناق الشيطان، فسال لعابه على يده، قال: (فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد لكي يلعب به صبيان المدينة عند الصباح) ليصنع خصيصة ومعجزة، يأتي بالشيطان ويربطه، قال: (لولا أن تذكرت دعوة أخي سليمان) رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي (فأبيت أن أتعدى على دعوة أخي سليمان). وهذا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يقول: أحببت أن أربطه بالعمود من أجل الصبيان يلعبون به في الصباح، فتذكرت دعوة أخي سليمان: رب أعطني ملكاً لا يكون لأحد بعدي، ومن ضمن ملك سيدنا سليمان: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [ص:37 - 38]. وكان سيدنا سليمان يؤدب أي شيطان يريد العصيان، فإذا قال الشيطان: لن أنفذ، يقول له: احترق، فيحترق، ويقول له: تقيد مكانك، فيقيد مكانه، سبحان الله! وبعد ذلك: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، اللهم احشرنا في زمرة الشاكرين. وقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت القيامة قد قامت أو كأن القيامة قامت) شك الراوي، يعني: الراوي الذي يروي عن عبد الرحمن بن أبي سمرة شك في الرواية وكلاً قال: (فرأيت رجلاً وقد جاءه ملك الموت ليقبض روحه) أي: كأنه في الدنيا، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض عليه الدنيا والأخرى، فجاء ملك الموت ليقبض روح شخص، قال: (فجاءه بره بوالديه فخلصه من ملك الموت فطال عمره). فقد يقول قائل: ألا تقولون: إن العمر هذا مكتوب؟ A نعم، مكتوب عند الله عز وجل، وملك الموت معه الدفتر الذي فيه نهاية كل حي، لكن لا يوجد شيء يطيل العمر إلا بر الوالدين، اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا أحياءً وأمواتاً يا رب العالمين! وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع الصحابة فضحك حتى بدت نواجذه، خيراً ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: (رجل من أمتي يوم القيامة كان عاقاً لوالديه في الدنيا، فلما وزنوا له حسناته وسيئاته، رجحت سيئاته فأخذوه إلى النار، فرأى أباه أمامه فأخذته رقة، فقال: يا رب! مادمت ذاهباً إلى النار بما اكتسبت فخذ بقية حسناتي فضعها لأبي، وخذ من سيئاته فضع علي، وضاعف علي عذابي ونج أبي من النار، قال: عجباً لك عبدي! أعققته في الدنيا وبررته في الآخرة، أنت وأبوك في الجنة). وهذه صورة من صور الرحمة الإلهية في هذا الموقف العظيم، فإذا أراد الله أن يرحم أحداً يفتح له باب الرحمة، اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم آمين يا رب العالمين!

الخوف من الله

الخوف من الله قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد احتوشته زبانية جهنم فجاءه خوفه من الله فخلصه منهم). فطالما خفت من الله فإنه كافيك، يعني: أنا إذا خفت من الله فإنني لا أكذب ولا أفتري ولا أرتشي ولا أنحرف ولا أنافق، ولكن أبحث وأسأل نفسي: ماذا قدمت للإسلام؟ ماذا قدمت للآخرة؟ أما أن أعيش في الدنيا كالبهيمة التي تأكل وتشرب وتنام وتبول وتعرق وتمرح ثم تموت فلا. قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115].

البكاء من خشية الله

البكاء من خشية الله قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي وقد أحاطت به جهنم فجاءته دمعة تقاطرت من عينه مرة من خشية الله فأطفأت عليه بحور جهنم فنقلته إلى نعيم الجنة). فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا بكى الواحد منهم مسح بدموعه وجهه، وكانوا يقولون: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن تمس النار عين بكت من خشية الله). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله). وكان هناك سبعة من الصحابة يسمون البكائين السبعة، والبكاء عند أصحاب اللغة العربية صيغة مبالغة، فبكاء أي: كثير البكاء، وكان في مقدمتهم: أبو بكر الصديق، فلم يكن تمر عليه آية ولا يقرأ القرآن مرة إلا ويبكي رضي الله عنه، حتى إنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا أبا بكر أن يصلي بالناس قالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف -ضعيف القلب- إذا قام لم يسمع الناس من البكاء. وفي صدر الإسلام عذب المشركون أبا بكر حتى استوى وجهه بأنفه من شدة التعذيب وكان غزير الشعر، فكان إذا مس خصلة من شعره تساقطت، فأجاره مطعم بن عدي وكان رجلاً مشركاً ولم يسلم، أجاره، فكان أبو بكر يقف ليصلي فيبكي، فكان النساء يصعدن من أجل أن ينظرن إلى الرجل الغريب الذي يبكي من غير أن يلمسه أحد، وبسبب بكاء أبي بكر هذا دخل عشرة من نساء الكفار وأبنائهم في الإسلام، فقال له مطعم: أدخلتك في جواري وتجعل الناس يدخلون في الإسلام ويكفرون بديني؟! قال له: يا مطعم! فماذا تريد؟ قال له: إذا صليت لربك لا تبكِ، قال له: عجباً يا مطعم! لقد رددت عليك جوارك وصرت في جوار الله عز وجل. وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما يمشي يحرسه ثلاثة من بني عبد المطلب، فهؤلاء الثلاثة يمشون كظله حتى لا يؤذيه أحد، إلى أن نزلت الآية الكريمة: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. وهناك عمود في المسجد النبوي مكتوب عليه اسطوانة الحرس، فقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يدخل ليستريح، وكان حراسه الثلاثة ينامون عند هذا العمود، فإذا لمحوا النبي صلى الله عليه وسلم دخل جروا حوله، فلما نزلت الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] قال لهم: (دعوا حراستي فإنما صرت في حراسة الله وأمنه) وقد قال الله له: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] صلى الله عليه وسلم. قيل لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] وقيل لمحمد: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] وشتان ما بين الحراستين عليهما الصلاة والسلام. اللهم احشرنا في زمرتهم يوم القيامة، ومتعنا بالجوار معهم يوم القيامة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين! فالبكاء أطفأ بحوراً من النار. قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي والشمس قد اقتربت من الرءوس قدر ميل) والعلماء على رأيين: هل الميل مسافة؟ أو أن الميل هو الذي تضع به النساء الكحل في العين، فالمهم أنه اقتربت الشمس قدر ميل قل: شبراً، قل: قيراطاً أو أقل. قال: (وزيد في حرها سبعين ضعفاً) لأنها تركت المدار، قال الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:105 - 107]. فليس هناك حفرة تختبئ فيها ولا هضبة ولا تل، قال تعالى: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25]، وسكان السماوات بنص الحديث أكبر عدداً من سكان الأرض، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل سكان السماوات الأولى فيحيطون بأهل المحشر)، وهم أكثر من عدد البشر، (ثم ينزل سكان السماء الثانية عشرون ضعفاً من سكان السماء الأولى) يقعدون في الحلقة الثانية، إذاً: يحيطون بأهل المحشر فأول حلقة أصحاب السماء الأولى، والسماء الثانية الحلقة الثانية، والسماء الثالثة ثلاثون ضعفاً، والسماء الرابعة أربعون ضعفاً، إلى السابعة سبعون ضعفاً، فينزل هؤلاء كلهم، قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] جملة حالية، أي: (وَجَاءَ رَبُّكَ) بعد أن صار الملائكة صفاً صفاً. قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] والقدم الواحد في حملة العرش مسيرة عشرين ألف سنة!! وقلنا: إن السماوات والأرض وما فيهن بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة، والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، فيكون العرش قدر ماذا؟ سبحانك يا خلاق، فكيف هؤلاء الثمانية الذين يحملون عرش الرحمن؟

حسن الظن بالله تعالى

حسن الظن بالله تعالى (ورأيت رجلاً من أمتي وقد ارتعدت فرائصه) أي: حصلت له رعشة، قال صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: (كالسعفة في مهب الريح) والسعفة: من جريد النخل (فجاءه حسن ظنه بالله فسكن ما به من رعدة). يقول صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن) فيقولون: ربك رحيم غفور، فهل أنت مصدق كلام الشيخ عمر في الجامع! يا رجل ربك سبحانه وتعالى سيكرم وسيغفر، فغرته الأماني، فتراه لا يصلي، وترى المرأة غير محجبة ولا مخمرة، وتجدها محتكة بالرجال ليل ونهار، وتغتاب فلاناً وفلاناً وحاقدة وناقمة، والرجل مجرم ومرتش ومختلس وعنده أمل في رحمة الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل). ودائماً نحن نكون في الأحوط والأحرص، وعندما تقرأ قول الله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] يقول ابن مسعود: والله إن لهو الحديث الغناء. فـ ابن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليه أخذ القرآن من فم الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان يقول: ليس هناك سورة نزلت إلا وأنا أعرف أأنزلت ليلاً أو نهاراً، في مكة أو في المدينة، في سهل أو في جبل، في غزوة أو في سلم، في كذا أو في كذا. فانظر إلى هذا العلم كله، فيقسم ابن مسعود بالله أن لهو الحديث هو الغناء. إذاً: هل أصدقك أم أصدق ابن مسعود؟ لا والله، بل إنني سأصدق ابن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهتدوا بهدي ابن أم عبد) ولما ضحك الصحابة من دقة ساقه قال صلى الله عليه وسلم: (والذي بعثني بالحق نبياً إن ساق ابن مسعود أثقل عند الله من جبل أحد). وقال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يسمع القرآن غضاً كما أنزله جبريل فليسمع من عبد الله بن مسعود). فهل بعد هذا الكلام كله أركل كلام ابن مسعود وآخذ بكلامك أنت؟! A لا، بل نأخذ كلام ابن مسعود وأستريح لما قاله ابن مسعود فهو الصحابي الوحيد المأذون له بالدخول على رسول الله في كل وقت، فإن أبا بكر ومكانته في الإسلام إذا طرق الباب يدخل الخادم فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم: هذا أبو بكر في الباب، فيقول له: يقابلني في المسجد، أو يأتي بعد العصر، أو يأتي بعد المغرب وهكذا، إلا ابن مسعود فإنه أول ما يدق الباب يدخل الخادم فيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدخل ابن مسعود مباشرة، فهو الصحابي الوحيد المأذون له في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحج والعمرة

الحج والعمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً وقد أحاطت به الظلمة من كل مكان يتخبط فيها)، عن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن أمامه ظلمة ومن ورائه ظلمة، قال: (فجاءه حجه وعمرته فأضاء ما حوله فوجد نفسه بجواري). فهذه وسائل للمغفرة ووسائل للنجاة، لكن لا يأخذ المرء من الدين ما يعجبه، فالإسلام نظام عام، قال تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76] وهل الملك في وقته كان له دين؟ إنما الدين هنا هو النظام العام، فالدين الإسلامي نظام، فلا تأخذ من الدين الذي يعجبك وترفض ما لا يعجبك، وتقول: الدين قوي، الدين أخلاق، الدين سلوك، قال: نعم، ولكن ليس ضرورياً أن أصلي معك في المسجد، فإن قلت: لماذا هكذا؟ قال: هذه ليست واردة!! يعني: يأخذ الشيء الذي يعجبه ويرفض الشيء الذي لا يعجبه. امرأة تصلي وتصوم ومطيعة لزوجها وتحضر دروس العلم، لكنها تقول: موضوع الحجاب هذا لم أقتنع به، لماذا لا تقتنعين به والله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36] أليست هذه الآية تخص جميع المسلمين.

أنواع الإيمان خمسة

أنواع الإيمان خمسة إذاً: أقول: إن المسلم لا يتمنى على الله الأماني، فليس الإيمان بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل؛ لأن الإيمان خمسة: إيمان مطبوع، وإيمان مقبول، وإيمان مردود، وإيمان لا إيمان، وإيمان التمني. فالإيمان المطبوع: إيمان الملائكة، فهم مطبوعون على الطاعة والعبادة والتوحيد، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] لكن إذا نظرت إلى خوفهم يوم القيامة وفي أرض المحشر ويوم الحساب، لقلت: سبحان الله، إذ تقول الملائكة يوم القيامة: سبحانك سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، حتى إنه لينادى على جبريل فيأتي جبريل تصطك قدماه خشية من الله عز وجل، يخاف أن يكون قد قضى الله في أمره شيئاً، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. وإيمان مقبول: إيمان المؤمن. وإيمان مردود -والعياذ بالله-: إيمان المنافق. وإيمان لا إيمان: إيمان المبتدع: (ألا إن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وإيمان لا يخرج العبد منه بشيء يوم القيامة: وهو المفلس الذي صلى وصام وزكى وآمن، ولكنه أخذ حقوق العباد، وجاء يوم القيامة بلا حسنات؛ فالناس يوم القيامة كما قلنا أقسام ثلاثة: أغنياء بالحسنات: اللهم اجعلنا منهم يا رب! وفقراء من الحسنات: لا تجعلنا منهم يا رب! وأغنياء من الحسنات يصيرون فقراء. أغنياء بالحسنات: الصحابة والتابعون ومن نحا نحوهم. فقراء من الحسنات: ليس معهم حسنة واحدة، وعندما أركز على الأخوة الصالحة في الإسلام، رجل نجا بحسنة واحدة، ورجل دخل النار بسيئة واحدة، وتفصيل ذلك: أن رجلاً أتى بواحد وخمسين في المائة، وأخاه في الله أتى بتسعة وأربعين في المائة، فالأول نجا بحسنة فأخذوه إلى الجنة، والذي لديه تسعة وأربعون في المائة زاد بسيئة فأخذوه إلى النار والعياذ بالله فقال لمن أخذ إلى الجنة: يا أخي! قال: نعم، قال له: أما من منة لي عليك في الدنيا؟ قال: لا، لا أنكر أبداً شيئاً مما مننت به علي، لقد أخذتني إلى كذا وعلمتني كذا وفقهتني في كذا وكذا وكذا، ويعدد له، فيقول له: ما بالك لو أعطيتني الحسنة التي زادت وأنا وأنت نصير من أصحاب الأعراف؟ فرق قلب أخيه له فقال: ما دمنا الاثنان في رحمة الله فخذ، فيقول الله عز وجل: ماذا صنعت يا عبدي! يا جبريل، لم لم تأخذوه إلى النار؟ لماذا تتلكئون فيه؟ قال: يا رب! هذا الرجل له زيادة حسنة، وهذا تنقصه حسنة فتنازل له، فالاثنان حسناتهما لا تدخلهما الجنة، ولا سيئاتهما تدخلهما النار، فقال الله: يا عبدي! أأنت أكرم منا؟ أجئتنا لتعلم لطيفاً خبيراً؟ ادخلا إلى الجنة. نسأل الله أن يخفف عنا وعنكم، وأن يتوب علينا وعليكم، اللهم تب علينا توبة خالصة نصوحاً، واجعل هذه الدروس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، علمنا منها ما جهلنا، ذكرنا منها ما نسينا، وفقنا لما تحبه وترضاه يا أكرم الأكرمين! آمين يا رب العالمين!

سرعة الاغتسال من الجنابة

سرعة الاغتسال من الجنابة قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون جلوس حلق حلق) أي: كل رسول عنده حلقة، فنوح في حلقة، وصالح في حلقة، وهود في حلقة، ويونس في حلقة، وموسى في حلقة، وعيسى في حلقة، وإبراهيم في حلقة، وهكذا. قال: (فكلما جاء إلى حلقة طرد ومنع منها، فجاءه إسراعه بالاغتسال من الجنابة فأجلسه في حلقتي وبجواري) فأسرع في الغسل من الجنابة من أجل أن يكرمك الله وتكون دائماً بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الكلام تقوله لزوجتك، طالما طهرت من الحيض فلتغتسل ولتصلِّ قبل خروج الوقت، وكثير من النساء عليهن أوقات كثيرة ويقعن في هذه المشكلة، فيجب على الأخوات أن يراعين هذه القضية.

صلة الرحم والصبر على موت الأطفال

صلة الرحم والصبر على موت الأطفال قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءه صلته لرحمه فأمر الملائكة الناس أن يكلموه فكلموه، ورأيت رجلاً من أمتي وقد خف ميزانه فجاءه أفراطه) أفراطه: أولاده الذين ماتوا وهم صغار فصبر واحتسب، قال: (فوضعوا في ميزان حسناته فرجحت كفة حسناته فدخل الجنة). ولذلك ماتت لرجل ابنة كان يحبها كثيراً، فمكث يبكي عليها ليل نهار، ودائماً الناس يبكون على ذويهم، لكن يا أخي الكريم! الرسول صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم، لكنه لم يبك عليه عشرين سنة، فأنت كلما ذكرت ابنتك أخذت تبكي دائماً وحولت البيت إلى نكد، وهذا غير صحيح. فالمسلم يجب أن يكون صبوراً، ويفرح المؤمن الذي مات له أولاد وهم صغار؛ لأنهم سيصنعون ضوضاء على باب الجنة (ما هذه الضجة التي أسمع يا جبريل؟! فيقول جبريل: يا رب هؤلاء أبناء المسلمين الذين ماتوا صغاراً، أبوا دخول الجنة إلا بصحبة آبائهم وأمهاتهم) وهكذا صنعوا مظاهرة على باب الجنة، لن ندخل إلا ومعنا آباؤنا، (قال: يا جبريل! من صبر من والديهم ألحقوا بهم ذريتهم). وهذا رجل ماتت ابنته، فمكث يبكي عليها بكاءً مراً فنام، ورأى في الرؤيا أن القيامة قد قامت، والشمس قد اقتربت من الرءوس والعطش قد اشتد، ورأى صغاراً يسقون أناساً بجواره، فبحث عن ابنته، فقال: يا بنيتي! الصغار يسقون آباءهم وأمهاتهم، وأنت لم لا تسقينني؟ قالت: يا أبت! لأنك لم تصبر على ما ابتليت به فترك البكاء عليها، وامتنع عن ذلك.

كلمة لا إله إلا الله

كلمة لا إله إلا الله (ورأيت رجلاً من أمتي وقد أوصدت أمامه أبواب الجنة) أي: أبواب الجنة الثمانية، كلما يأتي إلى باب منع من الدخول وأقفل الباب، قال: (فجاءه قوله: لا إله إلا الله ففتحت له أبواب الجنة)؛ لأن باب الجنة لا يمر منه إلا أهل التوحيد، فسيدنا جبريل يوم القيامة يقول لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لن يعبر الصراط إلا من معه الجواز)، إذاً: جواز السفر كلمة عربية صرفة قال: (وما الجواز يا جبريل؟! قال: قول العبد: لا إله إلا الله، قال: الحمد لله الذي جعل أمتي من أهل لا إله إلا الله) ولذلك سوف يقف العبد يوم القيامة وقد نصبت الموازين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثقل موازيننا.

اختلاف العلماء في كون الميزان ميزانا واحدا أو موازين

اختلاف العلماء في كون الميزان ميزاناً واحداً أو موازين هل هو ميزان واحد أو موازين؟ أم أن كل عمل له ميزان؟ هذه مسألة غيبية، لكن العلماء على آراء، فهناك رأي يقول: إن الميزان واحد للجميع، ويقال: إن داود عليه السلام سأل ربه: يا رب! بكم كفة الميزان، قال: يا داود! إن كفة الميزان تسع أطباق السماوات والأرض، أي: الكفة الواحدة تحمل السموات والأرض وما فيها، فخاف داود عليه السلام، قال: يا رب! ومن أين آتي بحسنات كي أملأها؟ قال: يا داود! إذا رضيت على عبدي ملأت له كفة حسناته ولو بشق تمرة يتصدق بها مخلصاً من أجلي. ولذلك من رؤيا الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت أعناقاً من النار تخرج تريد أن تلقم أناساً، فجاءت بعضهم زكاة أموالهم فمنعت أعناق النار أن تلتقطهم)، وعندما تدنو الشمس من رءوس العباد يرى رجلاً من أمته وقد استظل بظل صدقته. وقد كانت عائشة تعطر الدرهم الذي تخرجه لله، فقيل لها: ما هذا يا أم المؤمنين؟! قالت: أنا أعلم أنه لا يقع في كف الفقير وإنما يقع في كف الله عز وجل، والفقير يدعو لها جزاك الله خيراً يا أم المؤمنين! فتقول: بل جزاك أنت خيراً أنك حملت زادنا إلى الآخرة! ولذلك المسلم يعطي مما أعطاه الله، فسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه مر على خيمة ومعه طلابه، فشربوا من الخيمة، فقال: يا غلام! ما معك؟ قال: معي أربعون ألف درهم، قال: ادفعها للمرأة، فقال الغلام: كيف ندفع لها أربعين ألف على شربة ماء؟! قال: لقد أعطتنا أفضل ما عندها، ونحن نعطيها أفضل ما عندنا. قال: يا إمام! إنها لا تعرفك، قال: ولكني أعرف نفسي. وهذا حاتم الأصم له تسع بنات، قال لهن: أنا ذاهب للحج فبكت زوجته وبناته وقلن: تتركنا لمن؟ وماذا نصنع؟ وكانت ابنته الوسطى تحفظ القرآن فقالت: دعوه فإنه لن يدعنا لميت ولا لأعمى، ولكن يدعنا لحي سميع بصير، دعوه يحج، فسافر حاتم الأصم وجاء عليهن الليل ولم يجدن عشاءً، فجعلن يلمن البنت الوسطى ويؤنبنها، فقالت: والله لقد تركنا لحي سميع بصير، ولا زالت مصممة، ولم تنحن للعاصفة التي تهب عليها، فمر من الباب مار فقال: أعندكم ماء يا أهل البيت؟! قلن: نعم، فأعطوه كأساً من ماء وشرب، ووجد أن طعمه لذيذ وأن الله قد حلاه له، فقال: بيت من هذا؟ قالوا له: بيت حاتم الأصم، وكان السائل هو أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين، فأخذ صرة من ذهب ورماها إلى عتبة الدار وقال لمن معه: من أحب أمير المؤمنين منكم فليفعل مثل ما فعلت، ورمى كل واحد بصرة فأراد أولاد حاتم الأصم أن يقفلوا الباب فلم يستطيعوا من صرر الذهب، فنظرت البنت إلى أمها وأخواتها وقالت: نظرة من مخلوق أغنتنا فما بالكم لو نظر إلينا الخالق؟! فالخالق حين ينظر إلى العبد نظرة من فيض جوده تملأ الأرض رياً، ونظرة من عين رضاه تجعل الكافر ولياً. اللهم اهدنا بفضل جودك يا أكرم الأكرمين! فالميزان يوم القيامة إما هو ميزان واحد توزن به كل الأعمال وكل الخلائق، أو هي موازين متعددة، وهذا رأي آخر، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] أو أنه في اللغة العربية يطلق الجمع على المفرد، كقوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123] مع أنه رسول واحد وهو هود عليه السلام. فهذا رأي يقول: يطلق الجمع على المفرد وهذه من البلاغة العربية المعروفة، أو أنه عدة موازين، فنحن لا يهمنا إن كان ميزاناً واحداً أو عدة موازين، لكن يهمنا ما هو العمل الذي يثقل الميزان؟

ذكر من يقف عند الميزان

ذكر من يقف عند الميزان يقال: إما أنه جبريل وإما أنهم أصحاب الأعراف، وفي رواية: أن أصحاب الأعراف هم المحكمون من كل أمة، وهم أعلى أو أفضل الناس عند الله من كل أمة، يحضرون الميزان تشريفاً وتكريماً لهم، وإما أن يكونوا العلماء العاملين من كل أمة، وإما أنه لا يقف عند الميزان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أنساً وهو يوضئ النبي صلى الله عليه وسلم مرة بكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يا أنس؟! قال: يا رسول الله! أين أبحث عنك يوم القيامة؟ قال: (إما عند الميزان وإما عند الصراط وإما عند الحوض هذه أماكن ثلاثة لا تخطئني يا أنس). أي: إذا لم تلقني عند الميزان تلقني عند الصراط، وإن لم فعند الحوض.

الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنجيات عند الميزان

الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنجيات عند الميزان قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]. فعلى يمين العرش كفة الحسنات، وعلى يسار العرش كفة السيئات، وفي الناحية الثانية من الميزان الصراط، وعلى يمين العرش يجلس الخليل إبراهيم أبو الأنبياء، فأمام الخليل إبراهيم شيئان: كفة الحسنات للميزان، والجنة على يمين الصراط، وسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على يسار العرش أمام كفة السيئات للميزان وأمامه النار فالصحابة استغربوا من ذلك، هل من المعقول أن يكون الخليل إبراهيم عن يمين العرش وأمام الجنة وأمام كفة الحسنات، والحبيب المصطفى على يسار العرش أمام كفة السيئات وأمامه النار، فقال صلى الله عليه وسلم بتواضع: (أنا الذي طلبت من ربي ذلك) أي: من أجل أن أنظر إلى كفة السيئات للمسلم من أمتي، فإن ثقلت سيئاته أقوم فأضع في كفة حسناته بطاقة بحجم نصف الكف، فاستغرب الصحابة لكلمة بطاقة، والبطاقة: رقعة، وفي الكتب القديمة يقال لها: رقعة، قال الحسن البصري: إن أهل مصر يسمون الرقعة بطاقة، كمثل بطاقة في جيبك، البطاقة الشخصية والبطاقة العائلية وبطاقة التموين وهكذا. فالبطاقة هذه يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفة الحسنات، فالحسنات تثقل، ويريد صاحبها أن يعرف ما هذه؟ فيذهب وينظر ويقول: من أنت يا صاحب الوجه الوضيء؟ فيقول له: أنا حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم فيقول له: وما هذه البطاقة؟ يقول: هذه صلاتك علي في الدنيا. صلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله. صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] صلى الله عليه وسلم، من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى عليه عشراً صلى الله عليه بها مائة، صلى الله عليه وسلم. (قال جبريل: تعس رجل ذكرت عنده ولم يصل عليك، تعس وابتعد عن الجنة قل: آمين يا محمد! فقلت: آمين) صلى الله عليه وسلم. والعبادة مقبولة بشيئين: قراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كنت في الدعاء تبدأ بالصلاة على رسول الله وتدعو، ثم تثني بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما صلاتان مقبولتان والله أكرم من أن يدع ما بينهما. سافر أحد التابعين وأبوه معه، فأدركت أباه المنية في الطريق، فغطاه إلى أن يظهر أناس في الطريق فيصلوا عليه ويدفنوه، فنظر الولد إلى وجه أبيه فوجد وجهه يسود ويسود حتى صارت عليه كآبة، وحزن الابن حزناً ما بعده حزن، فجلس بجوار جثة أبيه وأخذته سنة من النوم فوجد رجلاً وضيء الوجه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا محمد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: يا رسول الله! إن أبي قد مات فاسود وجهه، قال: لا تخف يا عبد الله! لقد كان كثير الصلاة علي، قم فاكشف وجه أبيك، فاستيقظ فرحاً، فكشف وجه أبيه فوجده كفلقة القمر ليلة التمام، فلا تنس أن تكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر أن واحداً من الصالحين كان في جيبه فلس واحد، وابنته تريد أن تعمل عملية عند الطبيب، والطبيب طلب مبلغاً لا يستطيع دفعه ولا يقدر على تسلفه. ومعلوم أن الرؤى لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين تعطي اطمئناناً للنفس الإنسانية طالما أن الرؤيا تفسيرها لا يخالف نصاً من نصوص الكتاب ولا نصوص السنة، فرأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: مالي أراك مهموماً؟ قال: يا رسول الله! ابنتي تريد أن تعمل عملية وليس معي نقود، قال: قم فانهض إلى فلان وقل له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا -بنفس الرقم المطلوب- وهو لا يعرف هذا الرجل، فذهب لصلاة الفجر، وسمع الناس يقولون: لماذا فلان لم يأت ليصلي معنا؟ قال: ربما يكون مريضاً -وذكروا نفس الاسم الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، قال لهم: يا إخوة! أين أجد هذا الرجل؟ قالوا: هو رجل عنده ضياع وأنعام، ولكن يحتمل أن يكون مريضاً ولم يأت للصلاة، فاذهب وابحث عنه في المكان الفلاني. فذهب يسأل عنه، فقالوا: هو القادم بهذا الفرس، فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، فانتبه الرجل وجرى بالفرس ولف ورجع، وقال: ماذا تقول؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، فجرى بالفرس ودار به سبع دورات وعاد فأخذ باللجام وقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، قال: كم طلبت أنت؟ قال له: كذا، قال: فاضرب في سبعة، والله لو درت ألف دورة لضربتها في ألف، قال له: لم؟ قال: لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أعطيك. وتعرفون قصة سيدنا علي والتمرات، فهذه أشياء توافق قلوباً مسلمة وليست قاعدة شرعية، ولكن الرؤى الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، اللهم رقق قلوبنا يا رب العالمين! فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم أنه يقعد على شمال العرش تجاه كفة السيئات، من أجل أن ينظر إلى أمته، فقالوا له: يا رسول الله! تعرفنا نحن؟ قال: (أعرف أمتي بين الأمم غراً محجلين من آثار الوضوء) أي: أعرفهم بوجوههم المنيرة وأعقابهم المنيرة من آثار الوضوء، فالذي لا يصلي ولا يتوضأ حرم نفسه من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم له، فبما أنه لا يصلي فكيف يعرفه الرسول؟ بل سيقول له: لا أعرفك. ثم ينادي الله عز وجل عند نصب الموازين: (يا آدم قم فابعث بعث النار) أي: أخرج من أولادك أهل الجنة وأهل النار، قال: (فيقوم فيبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فخاف الصحابة من ذلك، فقال: (لا تخافوا إنما أنتم في أهل النار كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، إن معكم من الأمم ما سوف تثقل موازين أهل النار يأجوج ومأجوج واليهود والنصارى) يعني: أن المؤمن يمر على النار، لأنك عندما تخلق يوجد لك مكانان مكان في الجنة ومكان -والعياذ بالله- في النار. فيقول الملائكة: يا عبد الله! انظر هذا مكانك لو عصيت الله، واذهب هناك في الجنة، ويجعل فداءك من النار يهودياً أو نصرانياً، فاليهودي والنصراني يرث مكانك في النار، ولذلك ربنا سمى أهل الجنة بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون:10 - 11] اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم يا رب! فيكون العبد المؤمن ميراثه في الجنة ونعم الميراث، فميراثه جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر:74]. قال: (يا آدم قم فابعث بعث النار) إذاً: لم أنت يا رسول الله! قاعد على يسار العرش أمام كفة السيئات، وأمام جهنم من أجل أن الذي تخف حسناته تقوم فتشفع له عند ربه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيما أرى الذاهبين من أمتي إلى النار فأشفع لهم عند ربي).

مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى يوم الحساب أمام الميزان

مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى يوم الحساب أمام الميزان روي في الكتب الصحيحة في مسألة هل نرى ربنا يوم الحساب وأمام الميزان أحاديث كثيرة. روى أبو الليث السمرقندي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة، مثل لكل قوم ما يعبدون في الدنيا) يعني: الذين كانوا يعبدون المسيح يمثل لهم صورة للعذراء والمسيح، والذين كانوا يعبدون البقرة في الهند يمثل لهم صورة بقرة، فالبقرة تمشي في شارع من شوارع الهند وتنام عند إشارة المرور فيتعطل المرور ويقولون: إن ربكم قد نام في الطريق فممنوع الحركة حتى يستيقظ، وعندهم أن البقرة ممنوع ذبحها، ومن ذبحها يكون كافراً، ونعم الكافر الذي يذبح البقرة! ومنهم الذي يعبد التماثيل، والذي يعبد الكواكب، والذي يعبد النجوم، والذي يعبد الشيطان، والذي يعبد الزوجة، والذي يعبد المال، والذي يعبد الجاه، فهناك أناس كثر يعبدون الجاه، إذ يلتصق بالكرسي من هنا ولا يتركه أبداً سبحانك رب العباد. فكل الذين يعبدون شيئاً من دون الله يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدونه فيقال: (اذهبوا إلى ما كنتم تعبدون في الدنيا، فيبقى أهل التوحيد). اللهم اجعلنا منهم يا رب! اللهم إن أحييتنا فأحينا على التوحيد، وإن أمتنا فأمتنا على التوحيد، واحشرنا في زمرة الموحدين يوم القيامة. قال: (فيقال لهم: لم انتظرتم وقد ذهب الناس؟ يقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا ولم نره، فيقولون: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ يقولون: نعم، وكيف تعرفونه؟ يقولون: إنه لا شبيه له، فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله فيخرون له سجداً، وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر)، أتعرف القرن الذي للبقر؟ فإنه لا ينحني، فالذين كانوا لا يصلون في الدنيا يريدون السجود فلا يستطيعون، وذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42] فانظر إلى القرآن من أجل أن تقرأ وأنت منتبه، فقد كان هذا لا يصلي في الدنيا ويأتي يوم القيامة ولا يستطيع السجود، أما الموحد عندما يرى وجه رب العباد يخر لله ساجداً، قال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء:108] قال: (فيقول تعالى: عبادي! ارفعوا روسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار). أي: كل واحد منكم وضعنا مكانه واحداً من اليهود والنصارى. قال أبو بردة راوي الحديث: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: آلله الذي لا إله إلا هو هذا حديث صحيح؟ قلت: نعم، فـ عمر بن عبد العزيز رحمه الله لم يعلم بهذا الحديث من قبل، قال أبو بردة: فحلفت له ثلاثة أيمان أن هذا حديث صحيح، فقال عمر: ما سمعت من أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلي من هذا. قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] فالكشف عن ساق: هو رؤية وجه رب العالمين سبحانه وتعالى. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تضامون في رؤية الشمس؟) هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الصحابة ثم يقول: (سوف ترون وجه ربكم هكذا) ولذلك عندما يرى العبد وجه ربه يزول عنه تعب الدنيا وتعب الآخرة، ولا يبقى له هم إلا أن يتملى بوجه ربه بكرة وعشيا، وهؤلاء هم أسعد الأقوام يوم القيامة. اللهم احشرنا في زمرتهم وآمنا يوم الروع يا رب العالمين!

الأعمال يوم القيامة

الأعمال يوم القيامة لو أنك جئت بمثقال ذرة من حسنة فسوف تراه في ميزان الحسنات، وهلك رجل يوم القيامة؛ لأنه قال مرة في الدنيا لأبيه: أف. قال تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23 - 24]. وهكذا العبد، من لم يدع لأبيه أو أمه خمس مرات عقب كل صلاة فقد عقهما حيين كانا أم ميتين؛ لأن عقوق الوالدين مرتبط بالشرك بالله، وعبادة الله وحده مقترنة ببر الوالدين، فإذا كان أبوك وأمك على قيد الحياة أو قد غيبهما الثرى فعليك أن تدعو لهما عقب كل صلاة خمس مرات على الأقل، قال تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]. والأب والأم على باب الجنة لن يدخل أحد إلا برضاهما، ولن يدخل بار النار مهما صنع من أبواب الشر، ولن يدخل الجنة عاق مهما فعل من أبواب الخير. ثم بعد ذلك الزوج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باتت وزوجها غاضب عليها فلن تشم رائحة الجنة) وفي رواية: (باتت الملائكة تلعنها حتى الصباح) ويا ويل التي تلعنها الملائكة. وكان الصحابي عندما يزوج ابنته يقول كما قال عمر بن الخطاب لابنته: هذا جنتك أو نارك يا ابنتي! إن أطعته دخلت الجنة، وإن عصيته دخلت النار، وهذا الكلام يوجه لأبنائنا ولزوجاتنا ولإخواننا. اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم قنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم قنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت يا ربنا وتعاليت. لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثقل موازيننا يوم القيامة، اللهم ثقل موازيننا يوم القيامة، اللهم ألهمنا صوابنا وحجتنا يوم القيامة، وثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_الشفاعة

سلسلة الدار الآخرة_الشفاعة الشفاعة من النعم العظيمة على العباد، فكم رحم بها من أناس، فأدخلوا الجنة وعصموا من النار أو رفعت درجاتهم بها إلى أعالي الجنان، أو خفف عنهم العذاب في النيران. والشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم للأولياء والصلحاء والشهداء، وهي أولاً وآخراً لمن أذن له رب الأرض والسماء.

مفسدات القلوب

مفسدات القلوب

ركوب بحر التمني

ركوب بحر التمني أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الرابعة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، أو عن مشاهد يوم القيامة، وهذه الحلقة -إن شاء الله- فيها شيء من التيسير والأمل في مشاهد يوم القيامة، ونحن جمعياً في حاجة لذلك، أي: إلى حديث يتسم بالرحمة عسى رب العباد أن يرحمنا وإياكم في الدنيا والآخرة. إن القلوب قد كلت من عناء الدنيا وما فيها، وإن الصدور قد ضاقت بأهل الباطل، وإن المسلم يصبح ساعياً في هذه الحياة ما بين هؤلاء وهؤلاء {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43]، فاللهم ارحمنا فيمن رحمتهم يا أرحم الراحمين. إن قلب الإنسان له أمور تصلحه وأمور تفسده، والأمر الوحيد الذي يصلح القلب هو ذكر الله عز وجل، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، فاللهم اجعل قلوبنا من المطمئنة بذكرك يا رب العالمين. القلوب تفسد كما يفسد الجسد، والروافد أو المصادر التي تجعل الفساد يسرع إلى القلوب خمسة. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تقنع، إنك يا ربنا على كل شيء قدير. العلم إن لم ينتفع الإنسان به فسوف يصير حجة عليه لا له، اللهم اجعل كل علمنا حجة لنا لا علينا يا رب العالمين. فالحاصل: أن مفسدات القلوب خمسة: أولها: ركوب بحر التمني. إن المنى رأس مال المفاليس كما قال الحكماء، رجل لا يصلي ويقول: ربنا غفور رحيم، أو آخر عريان في الشارع، ويقول كذلك: ربنا غفور رحيم، وآخر يسعى في خراب بيوت الله ويقول: الله غفور رحيم، فهؤلاء يركبون بحر التمني، وإن قوماً غرتهم الأماني ويقولون: نحسن بالله الظن، ووالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. فالقضية ليست إحسان ظن نظري، بل إحسان ظن عملي، ومثاله: أن تقصدني في مائة مسألة وما رددت لك مسألة منها، وأنا لي مصلحة عندك، فيكون عندي حسن ظن فيك لسابقة أعمالي معك، ولو أسأت الظن بك لكنت غير عاقل، والعكس بالعكس. {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60] أمرك بأوامر ونهاك عن نواه، فوجدك عند الأمر مفقوداً وعند النهي موجوداً، ثم تدعي إحسان الظن بالله! على أي أساس تحسن بالله الظن؟ إن أردت أن تحسن الظن بالله فلابد لك من سابقة أعمال، لما دعا سيدنا زكريا ربه: ما كنت بدعائك رب شقياً أي: ما شقيت أبداً عندما كنت أدعوك، فله سابقة أعمال طيبة. إذاً طالما أن العبد قد قدم خيراً فليحسن الظن بالله تعالى، أما لو أمرت ابنك بأمر لا يسمع كلامك، فنقول له: يا ولد اعمل كذا، يقول لك: لا، وتقول له: لا تذهب المكان الفلاني، فيذهب ويضيع وقته، هذا الولد لو أن له طلباً عندك فلا يمكن أن تحققه، ولو أنه عاقل لما أحسن الظن بك {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60] وإن قوماً غرتهم الأماني يقولون: نحسن الظن بالله، والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. إذاً: فأول منبع من منابع فساد القلوب: ركوب بحر التمني.

كثرة الخلطة

كثرة الخلطة وثانيها: الاختلاط. مثل الاختلاط بين الرجال والنساء، والاختلاط مع الناس، وفي الأثر: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. يعني: إن أردت أن تحب أحداً فلا تعطه مقاليد أمورك كلها؛ لاحتمال انقلابه عليك، فلربما انقلب الصديق فكان أعرف بالمضرة، وكثرة المحبة المفضية إلى كثرة التردد والزيارات تؤدي إلى تضايق الصديق من صديقه، وتذمره منه، بخلاف من يزور غباً، ولو كانت الشمس تطلع ليل نهار لتأذي الناس منها، لكنها تغيب ويجيء الليل، ونشتاق إلى شروقها لكي نسعى في مصالحنا، مصالح الدنيا والآخرة. ومعنى: أبغض عدوك هوناً ما، أي: إن تكره أحداً فلا تقطع كل حبال الوصل به؛ لاحتمال أن يرجع إليك، فبأي وجه تقابله؟ وقد جاء في قصة سيدنا سهل بن عبد الله التستري وهو خارج في رحلة العلم، أنه خرج عليه بعض اللصوص فأخذوا ما معه وما مع أصحابه، فكان من ضمن ذلك الطعام، فنظر سهل إلى اللصوص فوجدهم كلهم يأكلون الأكل الذي اغتصبوه، ما عدا شيخ اللصوص، أي: كبيرهم، فقال له سهل: ما لك لم تأكل؟ قال له: هذا هو يوم الخميس وأنا صائم!! فقال له سهل: عجباً لص ويصوم! فقال اللص: يا سهل: لا أغلق كل الأبواب فيما بيني وبينه؛ أترك بيني وبينه باباً عسى أن أدخل عليه يوماً. قال سهل: بعد ثلاث سنوات رأيت الرجل يطوف حول الكعبة ويبكي، فقال له: أنت ذلك اللص؟ قال له: نعم أنا، أما علمت يا سهل أن من ترك بينه وبينه باباً دخل عليه يوماً!! فأنت حين تخالط الناس لا تخالطهم على حساب دينك، ولكن خالطهم بالحسنى، وأول ما يضر ذلك بالدين فتوقف، إذاً: فالمنبع الثاني لفساد القلوب: الاختلاط مع الناس، والاختلاط مع الناس فيه خير وشر، فمن الشر الغيبة والنميمة والخوض في الأعراض، ونحو ذلك، والخير ما فيه مدارسة للعلم ونحوه، وهناك مجالس يباح الجلوس فيها ولا تسلم من اللغو فعندما تقوم فيها تأتي بكفارة المجلس، والمهم أن من واجب الناس أن يتوبوا، لكن ترك الذنوب أوجب.

كثرة الأكل

كثرة الأكل وثالثها: كثرة الأكل. يأكل حتى لا يقدر أن يقوم، والمسلم يقوم عن الطعام وما زالت له رغبة فيه، والشاعر الحكيم العربي قال: إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا رأت الكلاب ولغن فيه يعني: عندما يجيء الكلب فيشرب من بئر، فإن الأسد لا يشرب من البئر التي شرب منها الكلب؛ لأن الأسد ملك الغابة، فلا يشرب من مكان شرب الكلب بل سيدنا علي قال لـ كميل: يا كميل! أتحب الدنيا؟! قال: لا والله يا أمير المؤمنين! أنا أحب الحق والله هو الحق المبين، فمن أحب الحق كره الدنيا؛ لأن الدنيا هي الباطل، فأعجب سيدنا علي بإجابة تلميذه قال له: يا كميل! إن أحببت الدنيا فإنما هي جيفة، وطلابها كلاب، فإن أحببت أن تكون كلباً فكن. إذاً: فكثرة الطعام يجعل صاحبه فقيراً يوم القيامة.

كثرة النوم

كثرة النوم وكثرة الأكل تؤدي إلى كثرة النوم. فهذه أربع منابع للفساد أولها: ركوب بحر التمني. وثانيها: الاختلاط بالناس. وثالثها: كثرة الطعام. ورابعها: كثرة النوم. وهذه تبع لما قبلها، فإن تأكل كثيراً فستنام كثيراً، وستندم كثيراً، وإن تأكل قليلاً، فستنام قليلاً، وسنفرح كثيراً، والفرحة الحقيقية هي التي عند الله سبحانه وتعالى، اللهم اجعلنا من الفرحين في الآخرة يا رب العالمين، لكن {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] أي: الذين هم في الدنيا.

قلة حضور مجالس العلم

قلة حضور مجالس العلم وخامسها: قلة حضور مجالس العلم؛ لأن هذا هو البنزين الذي يحرك السيارة، والشحنة التي تشحن بها البطارية، فإن تبعد عن درس العلم تضعف البطارية.

أنواع الشفاعة

أنواع الشفاعة موضوع الشفاعة -على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسموات- موضوع يسعدنا جميعاً. والشفاعة ننظر إليها من خمس زوايا، على ما يلي:

الشفاعة العامة

الشفاعة العامة الشفاعة الأولى: الشفاعة العامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ببدء الحساب. أي: من أجل أن يبدأ الحساب، وهذه الشفاعة العامة التي تحدثنا عنها قبل ذلك، وفيها يذهب الخلق إلى آدم فيقول: لست لها، وكذا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى كلهم يقولون: لست لها، ثم يذهبون إلى محمد صلى عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها. فهذه شفاعة عامة، ونتيجتها قبولها في بدء الحساب أمام رب الأرباب.

الشفاعة لمن خفت موازينهم

الشفاعة لمن خفت موازينهم الشفاعة الثانية: هي شفاعته صلى الله عليه وسلم فيمن خفت موازينه.

الشفاعة لمن ركب بهم على الصراط

الشفاعة لمن ركب بهم على الصراط الشفاعة الثالثة: هي لقوم من أمته صلى الله عليه وسلم لم يأذن الله له أن يشفع لهم عند الميزان، فأخذتهم الملائكة، فبينما هم يعبرون الصراط وكادوا أن يكبوا في النار يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة.

الشفاعة لمن سيمنع من الشرب من الحوض

الشفاعة لمن سيمنع من الشرب من الحوض الشفاعة الرابعة: لمن يمنع من الشرب من الحوض يوم القيامة، اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً. الحوض عرضه كما بين صنعاء اليمن وبصرى، وأما طوله فلا يعلمه إلا الله، ومن شرب منه لابد أن يدخل الجنة، لأن الذي يشرب شربة من حوض الكوثر لا يطلب الماء بعد ذلك، وعدد الأكواب لهذا الحوض كعدد نجوم السماء، وكم نجم في السماء؟ لا يعلمه إلا الله، والرسول هو السقاء على الحوض، وتخيل أنك دخلت على رئيس مجلس الإدارة للشركة التي تعمل فيها، فأول ما دخلت استقبلك بكوب فيه شراب قائلاً لك: تفضل، ثم أخذ بيدك وتعامل معك بأحسن الأخلاق، فما شعورك حينئذٍ؟ فكيف شعورك إذاً عندما يسقيك النبي صلى الله عليه وسلم من حوض الكوثر؟ قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24]، فأول ما يشرب من هذا الحوض ينور وجهه، وهذا من أهل الجنة، وأول شربة تدخل معدتك من حوض الكوثر تنزع الغل والحقد والحسد منك، فتدخل إلى الجنة ملائكياً لا نوازع شر عندك، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]، اللهم اجعلنا منهم يا رب.

الشفاعة لأصحاب الكبائر أن يخرجوا من النار

الشفاعة لأصحاب الكبائر أن يخرجوا من النار الشفاعة الخامسة: شفاعته لمن ارتكب كبائر ولم يتب منها وأدخل إلى النار أن يخرج منها. فهذه خمسة أنواع للشفاعة التي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك شفاعات أخرى للعلماء والشهداء والصالحين، فاللهم شفع فينا نبينا والصالحين والعلماء يوم القيامة يا رب العالمين.

أدلة أنواع الشفاعة

أدلة أنواع الشفاعة أما الشفاعة الأولى فقد تحدثنا عنها طويلاً في حلقات سابقة. وأما الشفاعة الثانية فيحكي أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (وضع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم لحم، فنهش منه نهشة، ثم نظر وقال: أنا سيد ولد آدم في الآخرة ولا فخر. وأنا أول من يفتح له القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة يوم القيامة، يقول خازن الجنة: يا محمد! لم يؤذن أن أفتح أبواب الجنة لأحد قبلك) أي: أن النبي أول الداخلين، اللهم احشرنا في زمرته يا رب. ثم قال: (ويؤتى بأقوام من أمتي يوم القيامة كانت لهم كبائر في الدنيا ما تابوا منها؛ فيؤخذ بهم إلى النار، فلا يؤذن لي في الشفاعة) يعني: الرسول هنا لم يؤذن له أن يشفع في هؤلاء الذين لهم كبائر ما تابوا منها، وكأن الله عز وجل يعرف نبيه من الذي تقبل شفاعته فيه ومن الذي لا تقبل. والطالب في الجامعة أو المدرسة تكون درجة النجاح من خمسين، وقد أتي بسبعة أو ثمانية وأربعين، فهناك شيء اسمه درجة الرأفة، فيعطى درجتين، وطالب آخر أتى (1%)، فلا يستحق أن يعطى تسعاً وأربعين درجة لينجح. وأمر الآخرة مقارب لهذا، وهذا أمر غيبي لا نستطيع الاجتهاد فيه، لكن عندنا نصوص نعيش في إطارها، وإنما نقرب بالأمثلة، ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا بني هاشم! لا يأتيني الناس يوم القيامة بحسناتهم وتأتوني أنتم بمظالم الناس على ظهوركم، تقولون: أدركنا يا محمد! فأقول ما قاله العبد الصالح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118])، يعني: يوم القيامة ما مع فاطمة والحسن والحسين إلا أعمالهم، وهم قد علموا ذلك، وكان بإمكان أحدهم أن يقول للرسول: ادع لي، فيدعو له وانتهت المسألة، لكن قال لذلك الصحابي: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وكذا سائر الأعمال، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]. ولذا يريد منا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نبيض وجهه يوم القيامة، يؤتى بأناس يوم القيامة يذهبون للرسول ليشفع لهم، فيقول: أنا لا أعرفكم، فيقولون: يا رسول الله! نحن من أمتك، وهو يقول: لا أعرفكم؛ لأنهم كانوا لا يصلون عليه في الدنيا، ولا يطبقون سنته بل رموها، ومن واظب على ترك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عوتب من الرسول يوم القيامة عتاباً يسقط له لحم وجهه ثم تريد أن يشفع الرسول فيك فكيف ذلك؟ لكن لو كنت تقدم خيراً حتى تدخل الجنة ولو بالرأفة.

أشد أهل النار عذابا وأخفهم

أشد أهل النار عذاباً وأخفهم ويقول صلى الله عليه وسلم: (ذهب أناس من أهل الكبائر ما تابوا منها من أمتي إلى النار، فيقول -أي: الله تعالى-: يا مالك أدخلهم إلى جهنم) فيدخلهم في الدرك الأول من النار والعياذ بالله، والنار سبع دركات، كل دركة أشد من التي فوقها سبعين ضعفاً، يعني: كلما نزلت دركات اشتد العذاب، واضرب سبعين في سبعين لتعرف مضاعفة العذاب لأصحاب الدرك الأسفل من النار، وهي تصل إلى أربعمائة وتسعين مرة. وأخف أهل جهنم عذاباً هو أبو طالب، وهذا ويقال: إن الشفاعة السادسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي لعمه أبي طالب، وقد أتاه سيدنا الحبيب في مرض موته وجلس عند رأسه، وفي الناحية الثانية أبو لهب وهو أخ لـ أبي طالب وعم رسول الله، وأبو لهب بجوار أبي جهل، والرسول خائف على عمه فوقف بجنبه فقال له: (يا عم! قلها أشفع لك بها عند ربي) أي: قل فقط: لا إله إلا الله، حتى أقف أمام الله أقول: يا رب قال: لا إله إلا الله ونصر دين الإسلام، فيأتي أبو لهب ويقول: يا شيخ قريش! ويا كبيرها! تقول قريش والعرب: صبأ أبو طالب وهو يموت، فالشيطان أيضاً جالس في هذا المكان، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات يا رب العالمين! فنظر أبو طالب إلى كلام أبي لهب على أنه صحيح، فماذا سيقول الناس عني في آخر أيامي: صبأ عن دينه، ويكرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عم قلها) أي: قل فقط: لا إله إلا الله، وأبو لهب وأبو جهل يحذرانه، انتبه يا أبا طالب أن تقولها، حتى لا يقول عليك كذا وكذا، فمات من غير أن يقول: لا إله إلا الله، وبكى الرسول عليه بكاءً مراً، وخفف القرآن من وجده بقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. وبقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6]، أي: لا تهلك نفسك يا محمد أسفاً وألماً عليهم، {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:23]. وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:21 - 26]. فذهب العباس ودفن أبا طالب، ورجع فبكى على أخيه، وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا ابن أخي! ألا تشفع عند ربك لعمك أبي طالب؟ وقف جنبك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعوت الله له يا عماه. فقال له: وماذا أعطاك؟ قال: شفعني فيه فخفف عنه حتى يكون في ضحضاح من نار يلبس نعلين من نار يغلي منهما دماغه، وهو أخف أهل النار عذاباً يوم القيامة). عجبت للجنة كيف نام طالبها، وعجبت للنار كيف نام راهبها، ونشاهد أن من أراد الجنة نائم، ومن خاف من النار نائم كذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من مشمر للجنة؟ ألا من مشمر للجنة؟) وقال: (ألا إن من خاف أدلج) ومعنى: أدلج أي: سار ليلاً، ثم قال: (ومن أدلج فقد بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) هذا كلام رسول الله، وسلعة ربنا حقاً غالية جداً، لأنه اشترى منا أنفسنا وأموالنا وأعطانا الثمن في قوله: {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]، اللهم اجعلنا من الفائزين في هذا اليوم يا رب العالمين.

حال أهل الكبائر في النار

حال أهل الكبائر في النار قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤخذ بأهل الكبائر الذين لم يتوبوا في الدنيا إلى النار، فيقال: يا مالك أدخلهم إلى جهنم)، فعندما يرى العصاة من أهل التوحيد ممن كانوا مقيمين على كبائر، كالسرقة أو الزنا، أو شرب الخمر، وما إلى ذلك من الكبائر يهللون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فعندما يرى أهل التوحيد النار -والعياذ بالله- يهللون) أي: يقولون: لا إله إلا الله. (فترتد عنهم جهنم) وهذا عندما تسمع كلمة التوحيد، فترجع إلى الوراء، (يقول القدير سبحانه: يا مالك! أدخلهم النار، فيأخذهم كل واحد منهم سائق وشهيد) هذا بيد وهذا بالأخرى، وأنواع العذاب أربعة وستون نوعاً في النار وهذا سيأتي معنا ضمن حلقات النار، وسنعرف لمن هذه الأنواع من العذاب التي وردت في كتاب الله سبحانه وفي سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكل هذا موضح في الكتاب العزيز. فنسأله تعالى أن يبعدنا وإياكم عن نار جهنم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتأتي النار لتحرق القلوب)، يعني: لتحرق الأفئدة، وهناك نوع من العذاب يتسلط على القلب فقط، فمن كان حسوداً وحقوداً في الدنيا، فهذا عذابه؛ لأن الحسد والحقد مكانهما القلب. وهنا تقول خزنة جهنم: (يا جهنم! أتحرقين قلباً فيه لا إله إلا الله؟! أتحرقين لساناً قرأ القرآن مرة؟!)، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، ومن العاملين به، ومن الذين يرتقون في الجنة بالقرآن يا رب العالمين. إذاً: فتأتي النار ناحية الوجه، ويقول الخزنة: (يا نار! أتحرقين أذناً كانت تسمع كلام الله مرة؟)، وتجيء ناحية اليد فتقول الخزنة: (يا نار! أتحرقين يداً كانت تمتد بالصدقات وبالزكاة؟)، وتجيء ناجية الرجل، فتقول الخزنة: (أتحرقين أقداماً كانت تسير إلى بيت الله؟ فمنهم -أي: فمن عمل الكبائر- من يقضي في نار جهنم ساعة -الساعة هذه الله أعلم بوقتها- ومنهم من يقضي فيها جمعة -أي: أسبوعاً- وفيهم من يقضي جمعة، وفيهم من يقضي فيها شهراً، وفيها من يقضي سنة). اليوم عند الله يوم القيامة بخمسين ألف سنة، وأكثر عذاب أهل النار عذاباً من أهل التوحيد من يمكث فيها كعمر الدنيا، وعمر الدنيا يعني: من ساعة ما خلق أبونا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكثير من الناس يستهين بعذابها {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] وبعضهم يقول: هذه بسيطة وليست مشكلة، كيف ليست مشكلة؟ القضية خطيرة. إذاً: الشفاعة الثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الشفاعة العامة: هي الشفاعة لمن خف ميزانه. النوع الثالث من الشفاعة: الشفاعة في الذاهبين إلى جهنم، وسوف نأتي إلى حلقات النار والعياذ بالله وسنطرق قبلها حلقات الجنة.

تفاوت الناس في الإيمان

تفاوت الناس في الإيمان إذاً: فالنوع الثالث من الشفاعة: الشفاعة في أناس يؤخذ بهم إلى النار، فينهض الحبيب حتى يشفع، وفي مواقف معينة لا ينهض فيها الحبيب المصطفى للشفاعة، وكل واحد من الناس على قدر إيمانه سيضيء له المكان، فمنهم من يضيء له إيمانه كقدر إبهامه، مثل نور الشمعة، يضيء مرة ويخبو مرة. ومن كان في الدنيا يحضر درس علم مرة ويترك عشرين مرة، أو يصلي مرة ويترك ثلاثين مرة، يكون له نور بحسبه. وفيهم من يضيء له إيمانه كضوء المحاق، وهو الهلال أول الشهر أو آخره. ومنهم من يضيء له إيمانه كضوء البدر ليلة التمام، ومنهم من يضيء له إيمانه كضوء الشمس، ومنهم من تناديهم النار: يا مؤمن! أسرع بالمرور من فوقي، فإن نورك غطى على ناري. اللهم اجعلنا منهم يا رب. وكلما زاد النور كلما زادت سرعتك لأنا قلنا: إن المسلم في الدنيا له حالة وهالة، أي: حالة إيمانية وهالة إيمانية لا تراها أنت، يعني: أنت لك حالة إيمانية مع الله تحسها بقلبك. إذاً فالمسلم له حالة وله هالة، فالحالة ما أنت عليه من الذهاب والمجيء والأكل والشرب، والنوم والصحو، وهذه الحالة تقتضي منك هالة، والهالة تعلو أو تضيء أكثر بشدة الإيمان وتخبو بضعفه، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والمؤمن له علامات: نور في وجهه، واقتناع بما أعطاه ربه، وحينئذٍ يولي الاكتئاب سريعاً وهو ذو ثقة بالله، فلا يخاف من الحبس، ولا يخاف مما يكون في غد، فهذه علامات لأهل الإيمان، أما لو مات وليست فيه هذه العلامات، فإيمانه لا يزال مراهقاً، ولما يبلغ الحلم بعد. إذاً: المسلم له حالة وله هالة، فالحالة تصرفاته في الدنيا، ونجيء للهالة التي تعيش معه في القصر، ويوم القيامة على الصراط، وهذه الهالة الإيمانية كلما زادت الطاعة تزيد. مثلاً: عندما تمشي في الليل على الطريق هل هو مثلما تمشي في النهار؟ لا، عندما تمشي في الليل تجد الطريق ضيقاً، وعندما يخفت النور تصغر الغرفة التي تعيش فيها، وإن جاء النور توسعت الغرفة، وهكذا الحلال والحرام، كالنور والظملة، والحرام دائماً يكون ظلمة وفي الظلمة، انظر مثلاً إلى القطة، تخطف منك قطعة اللحم وتختفي؛ لأنه حرام، فلا تأكلها أمامك، أما لو وضعت لها قطعة لحم فستأكلها بأمن وأمان. إذاً: فكلما زاد إيمان العبد كلما زادت هالة نوره على الصراط يوم القيامة، وكلما زادت سرعته، فقال عليه الصلاة والسلام: (فمنهم من يسير سير الدجاجة -يعني: مشيه على الصراط بسرعة الفرخة- ومنهم من يسير سير الكبش، ومنهم من يسير سير الفرس المضمر -أي: فرس السباق- ومنهم من يسير سير الريح، ومنهم من يمر كمر البرق) وربنا يوسع للمؤمن الصراط فيمشي من غير أن يتزحلق، (ثم ينادي الله عز وجل: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من الجنة، وهم شركاء الناس في بقية الأبواب)، يعني: الذي ما له حساب من أمة الحبيب لهم باب خاص، وذلك مثل أبي بكر، ومع أبو بكر كما قلنا: الحمادون لله على كل حال، والمظلومون الذين لم يروا يوماً سعيداً في الدنيا، فالكبير يظلمهم والصغير يظلمهم، وامرأته وأولاده ينكدون عليه، وحاله مثل الذي قال: إن حظي كدقيق بين شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه قلت يا قومي دعوه اتركوه اتركوه إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه عندما يقوم الحبيب صلى الله عليه وسلم ليشفع يفوح من مجلسه ريح أزكى من ريح المسك، فيفرح المؤمنون ويتثبتون، أما المنحرفون الضالون فيقولون: من يشفع فينا؟ فيقولون: ليس لنا إلا إبليس، فهو الذي أضلنا، إذاً: اذهبوا إلى إبليس، وهذا ثابت في حديث البخاري، فتأتي طائفة منهم إلى إبليس، يقولون: يا إبليس! تعال فاشفع فينا، قال: (فيقوم فتثور منه رائحة خبيثة، فيأتي أمام النار فينحني ليعظمها) وهذا قبل أن يشفع، أول ما جاء جهنم ذهب ساجداً واقفاً، فلا يكون لهم رد إلا {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22] ويقول أيضاً: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. يعني: ما سلطان إبليس على واحد سكير أو لا يصلي؟ لا سلطان له إلا على الذين يتبعونه، الذين هم به مؤمنون، الذين هم في خطه، بعيدين عن رحمة الله وعن أهل الخير، فالواحد من هؤلاء يأخذه حبيبه إبليس حتى قال أبو نواس: وكنت امرأً من جند إبليس فانتهى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

الشفاعاء غير النبي

الشفاعاء غير النبي وهل هناك من يشفع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نعم، الأنبياء على منابر تحت العرش من نور يوم القيامة، وبجانبهم منابر للعلماء العاملين، العالم العامل بعلمه على منابر أقل من منابر الأنبياء، ولهم شفاعة أيضاً، ثم الشهداء، وقراء القرآن العاملون به، والمؤذنون المحتسبون لوجه الله، والمؤذنون هم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، ويد الله على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه، وإذا أذن المؤذن لا يسمعه إنس ولا جن ولا شيء من المخلوقات حتى الحيتان في بحارها، والحشرات في هوائها إلا ويشهدون ويستغفرون له يوم القيامة، وكذا يصلون على معلم الناس الخير من أمة محمد، والذي يؤذن ويحتسب أذانه يفرح وينبسط. إذاً: فهناك يوم القيامة شفاعات غير شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعالم العامل يشفع، وكذا الشهداء، ثم الصالحون، ومن الصالح؟ هو كل إنسان في الدنيا يسير على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يشفع في سبعين من أهله وجبت لهم النار، وكل واحد من هؤلاء يشفع على قدر إيمانه، فيشفع المؤمن في الرجل والرجلين، وفي العشيرة والعشيرتين، وفي القبيلة والقبيلتين، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الأخلاء الصالحين، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة) يعني: أنت دللت صاحبك على خير كأن قلت: يا فلان! لو تحضر درساً علمياً في المكان الفلاني، ثم تأخذه إليه، ثم تراه وقد سبقك إلى الدرس الجديد والقديم، ثم انقطعت عن الدرس، فيأتي الثاني يوم القيامة الذي انقطع عن الدرس وضحكت عليه الدنيا، وفتن بها، يرى صاحبه الذي واظب على الدرس أخذ به إلى الجنة، وأخوه الذي دله على الخير في النار، فيقول أخوه المسلم المواظب: يا رب! فلان هذا، لقد أخذ بوجهي إلى الخير فشفعني فيه، أي: هذا الرجل دلني على الخير، فخذ بيد أخيك وانتشله من جهنم، ادخلا الاثنان الجنة.

أهمية الرفيق الصالح

أهمية الرفيق الصالح وما سار مسلم أو جلس مع مسلم إلا وسألا الله يوم القيامة عن حق هذا عند هذا وعن حق هذا عند ذاك، يعني: أنت جلست مع أخوك جلسة، أو مشيت معه فربنا سيسألك يوم القيامة: أمرته بمعروف؟ نهيته عن منكر؟ كان الأصمعي يمشي فوجد جارية تحمل وعاء فيه رمان، فجاء رجل فأخذ رمانة من الرمان بدون إذن فاستغرب الأصمعي فجاء سائل يسأل، فذهب الرجل الذي خطف الرمانة وأعطاها للسائل، فقال له الأصمعي: ما هذا؟ قال له: أخذتها بسيئة وأعطيتها بعشر حسنات، فلي عند الله تسع. فقال له: أخذتها حراماً فأنفقتها حراماً، فمن ينفق المال الحرام كمن يغسل الثوب النجس بالبول، فما زادك هذا إلا قرباً من جهنم، وبعداً عن الجنة، ومن الناس من يضع جنيهاً شهادة استثمار ويقول: هذا حلو، كيف لا وقد كسبت خمسين ألفاً ثم يخرج منها عشرة آلاف جنيه لله، ويظن أنه أنفق في سبيل الله تخيل أن ثوبك نجس فغسلته بالبول، هل ينفعه هذا؟ فلا تدخل الجنة بمعاصي الله. وتجد الطالب في الجامعة مع ثلاث أو أربع بنات حوله، وإن سئل: لماذا تعمل هكذا؟ وهل هن أخواتك؟ فيقول: نعم، إذاً: ماذا تعمل معهن؟ يقول: أنصحهن في الله!! اذهب انصح زملاءك، وما معنى أن النصيحة ما نفعت إلا في الأخوات؟ أما زملاؤك فلا تنفع فيهم، فيقول: وهل أقول شيئاً يا أستاذ؟ سوى أني أنا أقول لها: أعطيني الكشكول، ومصطفى صاحبك لماذا لا ينفع كشكوله؟ يقول لك: لا، الأخت رانيا منسقة! فإلى متى نضحك على أنفسنا؟ فلا بد أن نوصي أبناءنا وبناتنا، فنقول للبنت: تنبهي، سندخلك الجامعة؛ لأن العلم نور، وعندي اقتناع تام بعدم جدوى العلم فيها، وهناك فرق بين الذكر والأنثى، قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم:45]، وقال الله: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، وكذا قالت أم سيدتنا مريم بنت عمران قالت: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] وهؤلاء يقولون: البنت مثل الرجل، والقرآن يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]. فنوصي بناتنا أن يتقين الله ويتكلمن مع زميلاتهن، أما الأولاد فيتكلمون مع الأولاد، فبهذا ترتاح الفتاة، وهم يقولون: الرياضة جميلة، وهذه روح رياضية، وفيها من قلة الأدب والسفاهة الشيء الكثير وهؤلاء في عرف الدولة ليسوا متطرفين، إنما من كان في المسجد فهو المتطرف!

من يذادون عن الحوض

من يذادون عن الحوض نعود للشفاعة، إذاً لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، وهناك أناس يجيء الرسول ليشفع لهم، فلا يسمح له بالشفاعة؟ قال عليه الصلاة والسلام: (يذاد أناس -أي: يطرد، ويمنع ويحجب- من أمتي عن الحوض يوم القيامة، فأنهض لأشفع لهم عند ربي، فيقول ربي لي: يا محمد لا تفعل) إذاً هنا لا تنفع الشفاعة، ولا داعي لها، (إنك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك، إنهم رجعوا على أدبارهم القهقرى) أي: رجعوا للوراء، وتركوا الكتاب والسنة، (فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل وغير) فلا يشفع لهم، وتخيل أنت لو وجدت ابنتك تذهب وترقص في الماء أمام الناس، أترضاها؟ لا يرضاها إلا ديوث، وأنت لا ترضى الدياثة، فلا يدخل الجنة ديوث. وهو من يعرف القبح على أهله ويسكت عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والقبح هو أن تخرج زوجته عريانة في الشارع، أي: عريانة بعرف الإسلام والعقل المستنير، وهو عرف الشهامة، والكارثة أن تكون بنت بعمر ثماني عشرة سنة وهي كذلك، فمن كان ديوثاً يرضى الدياثة، فلن ينكر، ومعلوم أن العسل إن لم تغطيه فالذباب يدور حوله، فإن كانت زوجتك تمشي بجوارك وهي محترمة تلبس اللباس الشرعي، فلن ينظر أحد إليها، وإن خرجت وزوجتك أو ابنتك عارية، فالأنظار تنصرف إليها، وتكون من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة وتنتشر في الذين آمنوا. وقد يقال لك: الحجاب حجاب القلب، ونقول: لو احتجب القلب عن المعاصي لاحتجبت الجوارح. إذاً: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم رجعوا على أدبارهم القهقرى فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل وغير). لو دخل النبي مسجداً من المساجد وفيه بدع، فهل يقول صلى الله عليه وسلم: إن هذه أمتي؟ لا يمكن ذلك، ومن البدع التي تقع في المساجد ارتفاع الأبواب، وزخرفة المساجد، وما فيها من البدع والمنكرات كثير فلا يقول الرسول: إن هذه هي المساجد، بل إن المساجد في أيامنا قد يدخل فيها الأجانب وهم نجس، ولو اغتسل فلا تزال نجاسة الكفر عليه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]، ويدخل في حكم المسجد الحرام كل المساجد التي يصلى فيها الصلوات الخمس، فلا يجوز أن يدخلها مشرك؛ لأنه نجس، حتى ولو دفعوا ما دفعوا، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة:28] أي: فقراً وقلة، لشحة الموارد السياحية {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التوبة:28]. نعود إلى مسألة الشفاعة، وعلمنا أن شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم خمس، بإضافة شفاعته في عمه أبي طالب. ثم تكون شفاعة العلماء العاملين، وشفاعة الشهداء.

دليل ضعف البصيرة

دليل ضعف البصيرة نجمل القضية بعد ذلك بأمر هام حتى لا يتشوش المسلم في موضوع الشفاعة، أنت كما قال لنا أهل العلم: اشتغالك فيما هو لغيرك لا لك، وتقصيرك عما هو مطلوب منك دليل على ضعف البصيرة فيك، وهذه فتنة الناس في هذا الزمان، فالمساجد ليست ممتلئة؛ لأن الناس وراء الدنيا والمشاغل، ولو وقف من الأسبوع ساعة أو ساعتين يحضر فيها درساً في علم من العلوم لأفلح، ولكن الناس يظنون أن هذا صعب وليس كذلك، عندما يبقى رجل الأعمال من الصبح إلى الساعة الثانية عشرة في الليل، ويرجع ينام كالجيفة، لا يعرف حق الله عليه، ثم يقول: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا السعي، مع أن المجلس الواحد من مجالس العلم يكفر سبعين مجلساً من مجالس السوء، ولو يدري المسلم ما في مجالس العلم من خير لأتى إليها حبواً، ففيم اشتغالك فيما هو مضمون لك مثل مسألة الرزق؟ وقد قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:22 - 23]. فقال الأعرابي وهو أول مرة يسمع الآية، يسأل سيدنا عمر قائلاً: من أغضب الحليم حتى يقسم؟ لأن هذا الأمر لا يحتاج إلى قسم من الله. فاشتغالك فيما هو مضمون لك، وتقصيرك عما هو مطلوب منك. ومما هو مطلوب منك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. وليس المعنى: أن نعبده ونترك العمل، بل نعمل بالقدر الذي لا يفضي إلى محرم، وننتقل من الكون إلى المكون، ومن كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى، بل نريدك أن تنتقل من الأكوان إلى المكون، قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42].

خبر نملة سليمان

خبر نملة سليمان الحكومات في الدول المتخلفة تشغل الناس بأمر الرزق، فينشغلون به عن أمر الإسلام، ولك في نملة سليمان الأسوة، وأنا أكررها كثيراً من أجل مسألة العقيدة. ونملة سليمان في قصتها عبرة، فقد قال لها: يا نملة سمعناك تحذرين إخوتك وتأمرينهم بالدخول في الجحور؟ وذلك في قوله تعالى: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] فالنملة: تلتمس العذر لسيدنا سليمان، أنه إن مشى عليها فهو من غير قصد، وهذا من الأدب الذي ينبغي أن يتحلى الناس به، فلا حقد فيها عليه، بل قالت: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] يعني: هم سيدوسون عليكم غير منتبهين لكم. ثم قال لها نبي الله: لماذا تقولين للنمل: ادخلوا مساكنكم؟ قالت: يا نبي الله! خشيت أن يرى النمل عظمتك وعظمة جيشك فتشغل النمل لحظة عن ذكر الله. تخاف النملة أن ينسى النمل ذكر الله لحظة. أعجب سيدنا سليمان بها جداً وقال لها: تعالي إذاً يا رئيسة النمل، وسليمان كما قال الله عنه: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16] أي: يكلم الحشرات ويسمعها، ويحكى أن عصفوراً رآه سيدنا سليمان وهو يغازل عصفورة، وقال لها: لو أردت لحملت لك عرش سليمان بمنقاري، قالت: نعم، فضحك سليمان عليه السلام وقال: كم يزين العشق للعاشقين كلاماً. ثم قال سليمان للنملة: تعالي يا نملة، كم يكفيكِ من الطعام في العام؟ فقالت: يا نبي الله! حبتان من القمح، فتعجب سليمان عليه السلام من ذلك، فأعطاها حبتين من قمح في قارورة، فرجع لها بعد سنة، قالت: يا نبي الله! عندما كان رزقي على الله كنت أعلم أنه لن ينساني، فكنت آكل الحبتين، وعندما صار رزقي محصوراً بين يدي مخلوق قد ينسى فكنت أصوم يوماً وأفطر يوماً، فأكلت حبة وأبقيت الأخرى. إذاً: فمن كان رزقه على الله فلماذا يحزن، ما الذي يحزنه؟ وقد كتب ربنا لك الرزق وأنت في بطن أمك، فلا تشغل بالك بالرزق، ولكن اشغله بطاعة الله، وفي الحديث القدسي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين). هذا وبالله التوفيق حديثنا عن أمر الشفاعة والحلقة القادمة إن كنا من أهل الدنيا إن شاء الله سوف تكون عن الصراط. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم القيامة، جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_الصراط

سلسلة الدار الآخرة_الصراط إن من استقام في هذه الدنيا على الصراط المستقيم الذي شرعه الله لعباده سهل عليه اجتياز الصراط يوم القيامة، والصراط مزلة عظيمة، عليه كلاليب وخطاطيف تخطف من لم يستقم على شرع الله ودينه، فينبغي للمرء أن يحذر تلك الكلاليب والخطاطيف، ويعد العدة من هنا، فمن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.

الشفاعة والميزان

الشفاعة والميزان الحمد لله حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعمه علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الخامسة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، فاللهم ارزقنا يا ربنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روح وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً. اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره. اللهم أوقع الكافرين في الكافرين وأخرجنا من بينهم سالمين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك يا رب العالمين معافين غير ضالين ولا مضلين، وغير مبدلين ولا مغيرين. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار. اللهم زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام. اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا. اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا. اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، واجعلنا من رفقائه في الفردوس الأعلى، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تبلغنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا. اللهم أرنا وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من التمتع بالنظر إلى وجهك الكريم، واجعلنا ممن: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10] ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى الأنبياء والصالحين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. توقفنا في الحلقة الرابعة عشرة عند الحديث عن الشفاعة؛ فاللهم شفع فينا نبينا يا رب العالمين، قبل الحديث عن الشفاعة تفرقنا ونحن نشاهد أهل المحشر ونحن منهم، اللهم ثبتنا يومها بالقول الثابت يا ربنا اللهم آمين. رأينا كيف خرج الناس من القبور، وكيف جمعهم الله في صعيد واحد، في أرض بلقع بيضاء نقية لم يعص الله عليها بمعصية، ولم يرتكب فيها أي نوع من الأخطاء التي تغضب الله رب العالمين كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما قال الله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:48] فالأرض سوف تتغير إلى أرض أخرى، والسماوات إلى سماوات أخرى {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47] يعني: ربنا سوف ينشئنا، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:61] فهو سبحانه سوف ينشئنا نشأة أخرى، تخالف شكلاً، وموضوعاً، وأرضاً، وطريقة، وكلاماً، سوف يبعث الناس يوم القيامة على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء، يعني: إذا كان الذراع يساوي (75سم) ففي الجنة طول الواحد منا (45) متراً، هذه مسألة تخرج خارج حدود العقل، لكن ما علينا إلا أن نقول: صدقت يا رسول الله؛ لأنه هو الصادق الأمين المعصوم، فالكلام الذي يقوله نصدق به، ويجب أن نكون من أول المصدقين بما يقوله الحبيب الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم. ثم بعد ذلك رأينا كيف ذهب وفد من البشر إلى أبيهم آدم ليستشفع لهم عند الله؛ لكي يبدأ الحساب، ولكن أبانا آدم يرفض ويعتذر ويعلم أبناءه من البشرية كلها أن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، لما غضب الله على قوم نوح في الدنيا أرسل عليهم الطوفان، لكن غضب الله يوم القيامة أشد من غضبه يوم الطوفان، فآدم قال: غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قط. كذلك لما غضب الله على قوم لوط بعث لهم سيدنا جبريل فأخذ القرية على جناحه لما ارتكبت اللواط والشذوذ، حتى سمع الملائكة نباح كلابهم، فقلب هذه القرية رأساً على عقب، ثم أمطروا بحجارة من سجيل مسومة عند ربك، أي معلمة، يعني: الحجر مكتوب عليها اسم الله، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] لكن الله يوم القيامة سوف يغضب غضباً أشد من غضبه يوم عقابه لقوم لوط، وأشد من يوم الصيحة، ومن يوم الريح العقيم التي ذكرت في كتاب الله عز وجل. كذلك لما أخذت بني إسرائيل الصاعقة، نزلت على السبعين شخصاً عندما قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] غضب الله عليهم، لكن غضبه يوم القيامة أشد من غضبه على بني إسرائيل. إذاً: اعتذار سيدنا آدم، وسيدنا نوح، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى وكل يقول: لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، ولن يغضب مثله من بعد، هذه الغضبة هي قمة غضب الله عز وجل، اللهم أجرنا من غضبك يا رب العالمين، وارض عنا فيمن رضيت، كل يقول: أنا لست لها، هذا ليس موقفي، كل واحد يهرب, فإبراهيم ينسى ابنه إسماعيل ويمسك بقوائم العرش، وموسى ينسى أخاه هارون ويمسك بقوائم العرش، ونوح لا يجادل في قضية ابنه يمسك بقوائم العرش، وعيسى ينسى أمه مريم ابنة عمران ويقول: نفسي نفسي ويمسك بقوائم العرش، فلا يقوم لهذا المقام إلا صاحب المقام المحمود عليه الصلاة والسلام، ونحن دائماً ندعو له أن يبعثه الله مقاماً محموداً كما وعده رب العباد في كتابه الكريم، والمقام المحمود منزلة لا تكتب إلا لعبد واحد فقط؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (فعسى أن يكون أنا هو) هذا من أدبه صلى الله عليه وسلم يقول: أتمنى أن أكون أنا، لم يقل: أنا صاحب هذه المنزلة. رأينا كيف بدأ الله الحساب، وكيف تطايرت الصحف، وكيف علق لكل إنسان كتابه، وكيف من أخذ الكتاب بيمينه ومن أخذه بشماله ومن أخذه من وراء ظهره، ورأينا كيف نصب الموازين، وكيف أمر الله عز وجل بجهنم أن تجيء؛ وسوف نأتي للتفصيل في موضوعات وحلقات النار والعياذ بالله لموضوع: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ} [الفجر:23 - 24] أي: كل واحد مقصر، وكل واحد في هذا المحشر وفي هذا الموقف: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24]، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5] الإنسان يرى أمامه ما قدمه وما أخره؛ إن قدمت خيراً وأنت على قيد الحياة كتب لك خيراً، وإن أخرت خيراً بعد مماتك أيضاً كتب لك خيراً، كمن خلف ولداً صالحاً يدعو له، أو علماً ينتفع به، أو صدقة جارية، أو بنى مسجداً، أو كتب مصحفاً، أو علّم علماً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو غرس نخلاً، كل هذه الأعمال يجري ثوابها للعبد بعد موته. وقفنا في حديثنا عندما تطايرت الصحف، واستلم كل كتابه، اللهم اجعلنا من الذين يتسلمونه بيمينهم يا رب العالمين، ثم وضعت الموازين واتفقنا فيما بيننا أننا نميل إلى أنه ميزان واحد، وقلنا: إن العرب يطلقون الجمع على المفرد، قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123] وقوم عاد لهم رسول واحد. إذاً: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] الموازين هنا هي ميزان واحد يوزن به أعمال العباد كلهم، بحيث تكون الحجة البالغة لله على الخلائق. إذاً: توزن الأعمال فمنا من يسعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وذلك بأن تثقل موازينه، وهناك من تخف موازينهم، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف عند الميزان، وهو أحد المواقف الثلاثة له صلى الله عليه وسلم، ولما قال له أنس رضي الله عنه: أين نجدك في الآخرة؟ قال له: (اطلبني عند الميزان، أو اطلبني عند الصراط، أو اطلبني عند الحوض؛ لا أخطئ هذه المواطن الثلاثة).

الصراط

الصراط سيكون حديثنا اليوم عن أخطر حلقة في حلقات الدار الآخرة، اللهم هون علينا هذا الموقف يا رب العالمين، واجعلنا من الذين تثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الذين رضيت عنهم وعليهم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين آمين يا رب، هذه الحلقة تخص الصراط، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم. قبل أن نتحدث عن موضوع الصراط نأتي بمقدمة نقول فيها: هناك صراط في الدنيا الذي لا يستقيم عليه لا يمشي على صراط الآخرة، نحن نقرأ سبع عشرة مرة على الأقل كل يوم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] هذا في الفرض، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] لأن الفاتحة أم الكتاب فيها الخير كله، وفيها معاني القرآن كلها. هذا الصراط المستقيم، من الذي أنعم عليهم وعرفهم به سبحانه؟ قال داود: يا رب! من أحب العباد عندك؟ قال: من حببني إلى خلقي وحبب خلقي إلي، قال: يا رب وكيف يحببك إلى خلقك؟ قال: يذكرهم بنعمائي فيحبونني فأحبهم فأغفر لهم فأدخلهم الجنة. يعني: يذكر الناس بنعم الله عليهم، حتى يكونوا في حالة من الرضا، بحيث لا يقنطون من رحمة الله. وأسوء العباد من قنط الناس من رحمة الله، اللهم لا تقنطنا من رحمتك، يا رب أمنا من عذابك ولا تؤمنا من مكرك؛ لأنه لا يأمن مكر الله إلا كل خاسر وفاجر وكافر، وقد وضح لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما كان جالساً مع صحابته يوماً، قال أبو هريرة: خط الرسول خطين، وشعب خطوطاً، وقال: (هذا صراط الله المستقيم، وهذه طرق الشيطان على كل ناصية طريق يقف شيطان)، فالواحد عندما يبعد عن الصراط المستقيم يأخذه الشيطان الذي هو واقف على أول ناصية، وربنا مدح المتقين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] أي: أن الشيطان يغشى البصر والبصيرة للعبد فلا يرى، لكن المؤمن إذا يمسه طائف من الشيطان يتذكر الله فينجلي بصره وتنجلي بصيرته، فيرى أن الله أقرب إليه من حبل الوريد فيتوب، لكن العبد الذي لا يعود إلى الله سريعاً يسلمه الشيطان إلى الشيطان الذي بعده، فإن رجع وتاب وإلا سلمه إلى الشيطان الثالث. وهكذا. أضرب لك مثلاً: رجل أتى من حلوان إلى مدينة أخرى يريد الجامع الذي فيه الدرس وهو متجه نحوه اتجاهاً صحيحاً، فلقيه شخص فسأله عن مكان الجامع فقال له: اذهب يميناً، فذهب يميناً فلقيه آخر فسأله عن الجامع فقال: اذهب شمالاً فيذهب شمالاً، فينظر نفسه قد ضاع، فطرق الشيطان مثل هذا. كذلك الشيطان يزين بضاعته دائماً، ومعلوم لدينا أن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فالنفس تحب أن تغني وترقص، والجنة طريقها محفوف بالمكاره، تأتي المسجد من الساعة التاسعة لكي تحجز المكان، وبعد ذلك تحمل أمانة العلم، وبعدها تعود إلى بيتك فتجد امرأتك متضايقة وأولادك يريدون أن يتفسحوا، كل هذه مكاره، فالعبور إلى رضوان الله كالعبور تماماً على الصراط، وطريق الله واحد قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:153]. ذلكم الصراط المستقيم في الدنيا وصانا بسلوكه، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي). إذاً: صراط الله مستقيم واضح في كتاب الله، وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس تركتكم على المحجة البيضاء) المحجة الطريق (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). فنحن جماعة المسلمين يسعنا جميعاً كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، لا داعي للتفرق، المصيبة أن واحداً وثمانين لما اعتقلوا وكانوا من جماعات مختلفة، فكانوا يصلون صلاة الصبح خمس فرق، هؤلاء الذين من الفرقة الفلانية لا يصلون وراء الفرقة الفلانية، مع أنهم كلهم محبوسون على قضية واحدة وهي انتماؤهم للإسلام، والذي حبسهم يكره الإسلام ويكرههم؛ لأنهم يمثلون الإسلام، لكنهم يمثلون الإسلام بأسوأ صورة، يتفرقون وهم في السجن، هل هذا وقت للتفرق؟! كذلك الرعاة عندما يتشاكسون مع بعض ترى الذئب يخطف الغنم، وإذا اختلف أصحاب المحراب احتله أصحاب الحان والخمرة، وربما يقول لك: هذا الجامع جاء بفتن، إذاً أغلقوه. قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] يعني: حين نقف أمام الله يوم القيامة ويسأل أحدنا هل أقول له: أنا صوفي، أنا أحمدي، أنا رفاعي، أم أنا مسلم؟! {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج:78]. إذاً: المؤمن يعمل بكتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، أما أن يأتي الواحد وباسم الدين يضرب على الموسيقى، فهذا يعتبر من اللعب بدين الله تعالى، هناك قانون لكل شيء، فهذه الكرة لها قانون، واللاعب إذا لمس الكرة بيده في منطقة الجزاء إما أن يقول له الحكم: ضربة جزاء! أو يعطيه كرت إنذار، وهذا يأتي في دين الإسلام وينسب إليه ما ليس منه، نقول: أليس الدين أيضاً له قانون، وهذا القانون جاء من الكتاب والسنة.

ضرورة الصبر حال السير على الصراط

ضرورة الصبر حال السير على الصراط من سار في الدنيا على الصراط المستقيم سار سريعاً على الصراط يوم القيامة، فمثلاً: لو أن أم زوجتك رفعت سماعة التلفون وقالت لك كلمة غير طيبة، فمن السهولة بمكان أن ترد عليها، لكن من الصعب أن تتحمل جرعة غيظ، وأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها، كما ورد في صحيح البخاري، فمن تجرع الغيظ في الدنيا وسكت وصبر ابتغاء مرضاة الله سقاه الله وأرواه من حوض الكوثر يوم القيامة، فثمرة الصبر لها حلاوة ما بعدها حلاوة. كذلك لو أن شخصاً شتمك بأي شتيمة سواء كانت فيك أو ليست فيك فمن السهل أن ترد عليه، ومن الصعب أن تسكت، والأصعب أن تعفو، والأصعب والأصعب أن تدعو له بالهداية؛ ولذلك سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما رأى بطن عمه حمزة قد بقره المشركون ومثلوا به ففي ساعة الغضب البشري قال: (لأمثلن بدلاً منك بسبعين منهم) فلما رجع إلى المدينة، سمع النساء يبكين قتلاهن فقال: (أما حمزة فلا بواكي له) يعني: مات غريباً. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ارحموا اثنين: اليتيم، والغريب، فلقد كنت في الصغر يتيماً وفي الكبر غريباً) قال: (أما حمزة فلا بواكي له، فقال الصحابة: ألا نجعل نساءنا يبكين عليه؟ قال: لا يبك أحد على حمزة كفاه أنه سيد الشهداء في الجنة يوم القيامة). فنزل القرآن عليه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:126 - 127] قال: صبرت يا رب. وتدور الأيام ويأتي فتح مكة فيسمع سعد بن عبادة يقول: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، قال له: لا يا سعد اليوم يوم المرحمة) فيأمر القادة ألا يقاتلوا إلا إذا بدئوا بقتال، كل المجموعات التي دخلت من شعاب مكة لم تجد مقاومة إلا مجموعة خالد بن الوليد وهو داخل حدثت بينه وبين المشركين مناوشات وقتل خالد منهم سبعين. ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة مطأطئ الرأس وهو يقول: ({وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]). إذاً: حفت الجنة بالمكاره، ومسألة السير على الصراط المستقيم مسألة صعبة، هذا زوج يبتلى بزوجة تنكر الجميل وتنكر المعروف وتنسى الخير، وأكثر المنزلقين والساقطين على الصراط يوم القيامة من النساء إلا المؤمنات. إن الزوج المبتلى بزوجة سيئة إذا رأت حسنة كتمتها وإن رأت سيئة أذاعتها فالحل أن يدعو لها بالهداية، كذلك نفس القضية الزوجة المبتلاة بزوج منحرف والعياذ بالله فالحل أن تصبر وتتقي الله وتدعو له بالهداية. وقف منصور بن عمار أحد تابعي التابعين على شاطئ دجلة ومعه بعض الناس فرأى شباباً يطبلون ويزمرون ويرقصون فقال له من كان معه: ادع عليهم يا إمام فإنهم شباب غير طيبين، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كما فرحتهم في الدنيا فرحهم في الآخرة، قالوا: يا إمام نقول لك ادع عليهم ثم أنت تدعو لهم، قال: إن فرحهم في الآخرة فقد تاب عليهم في الدنيا. إذاً: فالسير على الصراط المستقيم يقتضي صبراً؛ فمن سار على الصراط المستقيم في الدنيا سار على الصراط المستقيم سريعاً في الآخرة.

صفة الصراط

صفة الصراط يصف لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصراط ويقول: (جسر مضروب فوق جهنم) يعني: من بداية الحافة من جهنم من هذه الناحية إلى الناحية الأخرى، وجهنم هي الدركة الأولى في النار، والنار سبع دركات، تبدأ بجهنم وتنتهي -والعياذ بالله- بالدرك الأسفل، ولذلك عندما كان الصحابة جالسين مرة مع الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ سمعوا وجبة، يعني: صوتاً، فقالوا: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة وصل الآن). إذاً: الصراط هو سور أو جسر فوق النار، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] يعني: داخلها، وقال عن سيدنا موسى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص:23] يعني: وصل ورأى ونظر، وقولنا: وردت الإبل الماء، يعني: وصلت إلى هناك وعاينت الماء أمامها، وليس معنى ذلك أن الإبل تكون نزلت في البئر؛ لأن هذا غير ممكن، فورود الشخص أي: وصوله إلى هذا المكان ومعاينته له، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71]. وقبل عبور الصراط ينادي: يا فطرة الجبار جوزوا، وأي عبور أصعب من هذا العبور؟ يعني: إن لم يسلم الله يكن الهلاك، نسأل الله السلامة. وفي أرض المحشر يكون الأنبياء عليهم السلام، والملائكة، والشهداء، والعلماء، والصديقون، والعارفون بالله، والمؤمنون، والمسلمون ويعبر كل هؤلاء الصراط وينجون، أما الباقون فيذهبون إلى أمهم الهاوية. كذلك الحيوانات عندما يقضي الله بينها يقول لها: كوني تراباً فكانت تراباً، فقال الكافر: يا ليتني كنت تراباً. قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في وصف الصراط: (أحد من سيف أحدكم، ولكنها على المؤمن كالوادي الفسيح)، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم على جنب الصراط جالساً، والدعوة عند الصراط من الملائكة والأنبياء والقريبين من الله عز وجل: يا رب سلم سلم، قيل: (حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا لا دعوة لي إلا يا رب سلم سلم). قال: (فأرى النار وهي تزفر على أصحابي فأنهض لآخذ بحجزهم) الرسول صلى الله عليه وسلم يحجز أمته بعيداً عن النار، (فيأخذ جبريل بحجزي، فأقول: يا رب أمتي يا رب أمتي، يقول: دعه يا جبريل، فيدعني، فأقول: يا رب أمتي، قال: قف هنا يا محمد، فما كبا على الصراط فخذ بيده إلى الجنة). ويقول صلى الله عليه وسلم واصفاً الصراط: (عليه كلاليب كحسك السعدان) يعني: خطاطيف، والسعدان نوع من الأشواك ينمو في صحراء الجزيرة، (الكلّوب الواحد يسع ربيعة ومضر) يعني: قبيلة ربيعة وقبيلة مضر، إن كان عددهم مائة ألف أو مائتي ألف أو نصف مليون فالخطاف الواحد يأخذ هذا العدد ويرميه في جهنم. وهذه الكلاليب كل كلّوب وخطاف يختص بذنب من الذنوب، يعني: هناك خطاف يختص بالغيبة، وخطاف للنميمة، وخطاف للكبر، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) والكبر هو أن تظن أنك أحسن واحد في الجامع أو في الحي، هذا كبر لن تدخل الجنة بسببه، والكبر أن تتكبر بمالك، أو بعلمك، أو بمركزك الاجتماعي، وخطاف يختص بالمرابي، وخطاف يختص بالمتثاقل عن الصلاة، وخطاف يختص بمن يظلم المسلمين، وخطاف يختص بمرتكب الفحش إلى آخره.

القنطرة الأولى للعبور على الصراط التوحيد

القنطرة الأولى للعبور على الصراط التوحيد العابرون على الصراط أصناف ثلاثة: سالم، ومخدوش، ومكردس، فالسالم يمر عليه مر البرق؛ لأن ربنا يوسعه له، هذا الأول. والثاني من يمر كالريح المرسلة، والثالث كالجواد المضمر. وهناك من يمر عليه فيمكث ألف سنة أو ألفي سنة، هذا هو المخدوش، تراه يسرع قليلاً ويضعف قليلاً، وهذا عندما يخطفه الخطاف يغمسه غمسة في جهنم والعياذ بالله، ثم يصعد به مرة ثانية؛ لأن أعماله كانت صالحة، لكن فيها قليل شوائب لا يزال ينظف منها، فيطلع من جهنم كالفحمة السوداء، ويقال: إن هذا الإنسان كان يعيش كأنعم أهل الدنيا، عمره ما رأى يوم غم ويعيش مرفهاً يقول له ربه: (عبدي هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ يقول: وعزتك وجلالك إني في الشقاء منذ أن خلقتني) يعني: غمسة في جهنم أنسته العز في الدنيا كله. والمخدوش هو الذي ينخدش من هنا ومن هنا. أما المكردس فهو الذي يسقط ولا يطلع. وعلى الصراط سبع قناطر ويوقف العبد قنطرة قنطرة، فالأمر ليس سهلاً يا إخوان، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، ومن علينا بالهداية يا رب العالمين. والعبد وهو يمر على الصراط تقابله القنطرة الأولى الخاصة بالتوحيد، توقفه الملائكة وتسأله: ما ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ كذلك تقول: يا عبد الله كنت موحداً؟ تقول: الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله. فإذا كان توحيده خالصاً لا يخاف إلا من الله، ولا يعبد بحق إلا الله، لا يطأطئ الرأس إلا إلى لله فإنه يتعدى القنطرة الأولى. لما رجع الصحابة من غزوة أحد مرهقين وفيهم شهداء، وفيهم جرحى، والرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته وجرح خده يقول: (لا يفلح قوم يوم القيامة جرحوا وجه نبيهم) وأبو سفيان يقود قريشاً ومعهم هوازن يأتون متحزبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم لم يلتقطوا الأنفاس بعد من غزوة أحد، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174] اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب. انظروا الإيمان الصادق، واليقين الكامل، والتوحيد الخالص عند الصحابة رضوان الله عليهم، فهؤلاء يعدون القنطرة الأولى.

القنطرة الثانية للعبور على الصراط الصلاة والزكاة والحج

القنطرة الثانية للعبور على الصراط الصلاة والزكاة والحج القنطرة الثانية: قنطرة الصلاة. ما حالنا مع الخشوع في الصلاة؟! ليس لابن آدم من صلاته إلا ما وعى منها وما عقل منها. يقول الله تعالى: (يا موسى؛ لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري). قام الحبيب صلى الله عليه وسلم الليل كله بآية يرددها ويبكي، وهي قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] ولا يزال يكررها حتى أذن بلال للفجر، فمن منا الذي يتدبر هكذا؟! ويقول عليه الصلاة والسلام: (اقرأ علي يا ابن مسعود، قال له: يا حبيب الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: أريد أن أسمعه من غيري، فقرأ من أول سورة النساء حتى وصل قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] فقال: كفى كفى يا ابن مسعود، والدموع تسيل على خده، ثم قال: من أراد أن يسمع القرآن غضاً كما أنزل فليسمعه من عبد الله بن مسعود). ويمر المار في شوارع المدينة في الليل فيسمع لبيوت الصحابة دوياً كدوي النحل. من أين؟ من التلفزيونات أم من ذكر الله وقيام الليل؟! وهذا سيدنا عطاء بن أبي رباح دق على صاحب له قبل الفجر بساعتين، فقالت له الجارية: إنه نائم، فقلب كفه فقال: عجباً لقوم ينامون في السحر وهو يسمعون كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من صاحب حاجة فأقضيها له، هل من كذا هل من كذا حتى يطلع الفجر) كان يتعجب ويقول: لا أظن أن أحداً ينام هذا الوقت. إذاً: القنطرة الثانية: قنطرة الصلاة، هل أديتها بخشوع وخضوع وإخبات لله وإخلاص نية أم كنت تذهب إلى الجامع لكي يقول الناس: كان فلان يأتي الجامع وكان يحضر الدرس معنا؟ لا، نريد أن تأتي للجامع لله. يقول سبحانه: انظروا عبدي هل أدى الصلاة كاملة؟ فإن كانت كاملة حملت وسائر عمله، وإن كانت ناقصة ردت وسائر عمله. كذلك من أكثر من النوافل المؤكدات، ومثل: ركعتين في جوف الليل، وركعتي الضحى، يأتي الحبيب صلى الله عليه وسلم فيأخذ بيده فيشفع له بدخول الجنة، فيكون قد مر من القنطرة الثانية ويأتي إلى القنطرة الثالثة، نجح وفاز في التوحيد ونجح وفاز في الصلاة.

القنطرة الثالثة: الزكاة

القنطرة الثالثة: الزكاة والقنطرة الثالثة: الزكاة. تعال يا عبد الله: هل أديت زكاة مالك؟ يعني: كلما بلغ النصاب خمسة وثمانين جراماً من الذهب تخرج زكاته ربع العشر، تعطي الزكاة من يستحق من الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم إلى آخر الأصناف الثمانية الذين ذكروا في سورة التوبة. والزكاة لا تصرف في مستشفى أو غيره هذا لا ينفع؛ لأن فيه مسلمين وغير مسلمين، والزكاة لا تذهب لغير مسلم، لكن يجوز أن تعطي غير المسلم من الصدقة وليس من الزكاة، بشرط أن يشبع جميع فقراء المسلمين، لا أن يقال: وحدة وطنية وما إلى ذلك، فالدين ليس فيه إلا حلال وحرام، صواب وخطأ، استقامة وانحراف، جنة أو نار.

القنطرة الرابعة: الصوم

القنطرة الرابعة: الصوم القنطرة الرابعة: قنطرة الصيام. جاء في الحديث: (من أفطر يوماً عمداً في رمضان لا يجزئه صوم الدهر كله وإن صامه) فليحذر المسلم من التهاون بالصيام. كذلك المرأة لو انقطع الدم عنها بعد الولادة بلحظة لوجب عليها الصوم ووجبت الصلاة، كذلك إذا انقطع دم الحيض عندها قبل صلاة المغرب فعليها أن تغتسل وتصلي الظهر والعصر، لكن بعضهن لا يصلين إلا المغرب والعشاء فقط، وهذا من الجهل، ولو أنهن أتين المساجد واستمعن إلى العلم لكان خيراً لهن، فما أكثر الذين ينزلقون على الصراط يوم القيامة. من رمى مسلماً بعيب يريد أن يضحك عليه وينقص من قدره، فهذا تجتمع عليه كلاليب الصراط فتضعه في جهنم، بمجرد أنه عاب عليه مرة، فكيف لو كان طول حياته يعيب على الناس؟! إذاً: لا تعب بالذنب على أخيك فيعافيه الله ويبتليك، وإنما تقول: عافانا الله وإياه، اللهم عاف أهل البلاء يا رب وعافنا معهم جميعاً.

القنطرة الخامسة: الحج

القنطرة الخامسة: الحج القنطرة الخامسة: قنطرة الحج، فلو أن شخصاً جيء له بتذكرة وتكاليف الحج فقال: أنا أخاف من الطائرة وما أقدر أن أذهب للحج، نقول: جاء في الحديث: (من استطاع أن يحج ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً) وكان عمر يقول: لو جاءتني جنازة ميت لم يحج وكان يستطيع لا أصلي عليه. يعني: لأنه يعتبره غير مسلم، وأوشك عمر أن يفرض جزية على من استطاع أن يحج ولم يحج. والحج ينبغي أن يكون من مال حلال، وألا يرفث ولا يفسق ولا يجادل في الحج.

القنطرة السادسة: الاغتسال والوضوء

القنطرة السادسة: الاغتسال والوضوء القنطرة السادسة: قنطرة الاغتسال والوضوء، هناك أناس لا تحسن الاغتسال ولا تحسن الوضوء، ولذلك صلاتها باطلة؛ لأن ما بني على الباطل كان باطلاً. إذاً: الذي لا يعرف كيف يتوضأ يتعلم الوضوء ولو من أولاده، فقد جاء أن سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين لما رأيا رجلاً كبيراً في السن لا يحسن الوضوء، جاءا إليه وقالا: يا عم تعال لتحكم بيننا وتنظر من يحسن الوضوء منا، فقام كل واحد منهما وتوضأ الوضوء الذي فعله جدهم صاحب السنة صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل الكبير: أنا المخطئ وأنتما المصيبان. لو كان في هذا الزمان لقال: امش يا ولد، هذا كلام باطل، أنا أعرف الوضوء وأنت لا زلت في بطن أمك. إذاً: قنطرة الاغتسال والوضوء قنطرة مهمة، وإسباغ الوضوء على المكاره، ونقل الخطوات إلى الجماعات، وانتظار الصلوات بعد الصلوات؛ هذه الأشياء التي يختصم فيه الملأ الأعلى، والتي ترفع الدرجات عند الله.

القنطرة السابعة: المظالم

القنطرة السابعة: المظالم القنطرة السابعة: قنطرة المظالم. أنت كذبت عليَّ، وغششتني، واغتبتني، ونممت علي، ونظرت إلى أهلي نظرة محرمة، وتجسست عليَّ، وشوشت علي في السلطة، عملت فيَّ كذا، ورأيتني في ورطة ولم تقف بجانبي مظالم العباد لا حصر لها، يقف العبد عند هذه القنطرة لا يمر منها. هذه القناطر كلها على الصراط، فالصراط فيه قناطر وفيه سؤالات وفيه توقفات، وفيه كلاليب تخطف، وفيه جهنم والعياذ بالله تستعر من تحته، وفيه ظلمة وسواد، وفيه رعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا رب سلم سلم).

الذين يمرون على الصراط مسرعين

الذين يمرون على الصراط مسرعين فهذه مواقف تحتاج منا إلى استعداد. فمن الذي سيأخذ الله بيده على الصراط ويمر من هذه القناطر سريعاً؟ هم المنفقون على الأرامل واليتامى، وهم والذابون عن أعراض المسلمين، الذي يدافع عن أعراض المسلمين، عندما يتكلم واحد في حق واحد يقول له: عيب لا تأتي بسيرة أحد عندنا، اذهب وقل له هذا الكلام في وجهه، وجاء في الحديث: (من دافع عن عرض أخيه المسلم في غيبته دفع الله عنه جهنم يوم القيامة). كذلك من الذين يمرون على الصراط سريعاً المبشرون الناس برحمة الله، أي: الذي يجلس ويقول: رحمة ربنا واسعة، قال سيدنا موسى في قصة تحفظونها: (يا رب من أسوأ العباد عندك؟ قال: يا موسى من يدخل المسجد آخر الناس ويخرج أولهم، فسيدنا موسى رأى رجلاً عجوزاً كفيفاً يقوده رجل آخر، دخل آخر واحد، فيموت هذا الرجل الكفيف فموسى يرى هذا الرجل في المنام أنه في الجنة، فيقول: يا رب أنت قلت: أسوأ العباد عندي الذي يدخل المسجد آخر الناس ويخرج أول الناس، وهذا الرجل كان يفعل هذا؟ قال: يا موسى بعد أن خرج من عندك قال لمن يقوده: أين نحن؟ قال: نحن أمام مكان واسع، قال له: رحمة ربك أوسع، فوسعته رحمتي. نقول: يا من تيئسون الناس من رحمة الله لا تيئسوا الناس من رحمة الله، لم يقل له: من لم يكفر الحاكم فهو كافر، ما دام يقول: أشهد أن لا إله إلا الله! فكما في الحديث: (إن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، لا تحكم على أحد بالكفر، (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما) فاحذر أن تتهم أحداً بالكفر! ولا تلعن أحداً بعينه تقول: فلان هذا ملعون! فلان هذا كذا. ولا تقل على ابنك: هذا شقي من باب أنك تضحك، فإن الشقي هو البعيد عن رحمة الله، حافظ على الألفاظ، قد تكون في ابنك كلمة الشقاء، فهذا سيدنا عمر يسأل رجلاً عن اسمه، قال: اسمي ضرام - ضرام اسم من أسماء النار- قال: ابن من؟ قال: ابن لظى، من أين أنت يا ضرام؟ قال: من حرة واقم، قال له: الحق أهلك فقد احترقوا، فذهب فوجدهم قد احترقوا. فالمسلم ينتبه ويحفظ ألفاظه؛ لأنها قد تكون كلمة تدخل الإنسان الجنة، وقد تكون كلمة والعياذ بالله تدخله النار، هذه هي قناطر الصراط، وهي سبع، وأردت أن أخففها فلم أستطع، وأردت أن ألينها فلم أستطع، وأردت أن أنقلها بصورة مبسطة فلم أستطع؛ ولكن اعذروني فأمانة العلم تقتضي نقلها كما هي، والحديث عن الدار الآخرة من أصعب الأحاديث وأثقلها على القلب، عسى رب العباد سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة. اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة، اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة، اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة. اللهم تب على كل عاصِ، واهد كل ضال، واشف كل مريض. اللهم فك كرب المكروبين، وسد يا رب دين المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، وتوفنا على الإسلام يا رب العالمين. اللهم بغض إلينا الحرام وأبعدنا عنه بعد المشرقين، وحبب إلى قلوبنا الحلال وقربنا إليه وبارك لنا فيه وإن كان قليلاً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم اهد لنا أبناءنا وبناتنا وزوجاتنا. اللهم اهد حكوماتنا إلى الشرع، وإلى الحكم بكتابك وشرع نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم ول أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_ماذا يحدث عند الحوض؟

سلسلة الدار الآخرة_ماذا يحدث عند الحوض؟ حوض النبي صلى الله عليه وسلم منحة أعطاه الله إياها تشريفاً وتكريماً له ولأمته، يشرب منه كل من أطاعه واتبع هديه، ويمنع منه كل من ارتد على عقبيه وغير وبدل، وأنكر السنة، وجاهر بالمعاصي، وابتدع في دين الله عز وجل. وهذا الحوض عرضه ما بين أيلة وصنعاء، كيزانه عدد نجوم السماء، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه لا يظمأ أبداً.

الحالات الأربع التي يعيش فيها العبد

الحالات الأربع التي يعيش فيها العبد أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في بداية هذه الحلقة أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم اجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا يوم يقوم الأشهاد، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعل هذه الجلسة فيك خالصة يا رب العالمين! اللهم اجعلنا فيك من المتجالسين المتحابين المتزاورين، يحبونا بحبك من أحببت، ويعادونا بعداوتك من عاديت. اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وثقل موازيننا يوم القيامة يا رب العالمين! اعطنا كتابنا بأيماننا، ولا تعطه إيانا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا. اللهم أوردنا حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، واجعلنا من جيرانه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، كما نسألك يا مولانا وأنت العلي القدير السميع المجيب أن تستجيب دعاءنا، وأن تفك كربنا، وأن تحسن خلاصنا، وأن تفك أسرنا، وأن تبلغنا مما يرضيك آمالنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اجعل يا رب ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك. اللهم تب على كل عاص اللهم تب على كل عاص اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال اللهم اهد كل ضال، واشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض اللهم اشف كل مريض، فرج يا رب! كرب المكروبين، وسد اللهم دين المدينين، واشرح صدورنا وصدور المسلمين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا أرجعته غانماً سالماً لأهله. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بفضلك بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم انظر إلينا نظرة رضاء اللهم انظر إلينا نظرة رضاء اللهم انظر إلينا نظرة رضاء، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. توقفنا في الحلقة الخامسة عشرة عند الحديث عن الصراط، فاللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، ثم نتواصل مع حلقات الدار الآخرة، وهذه المواقف العصيبة، التي لا عاصم فيها من أمر الله إلا من رحم. المسألة ليست مسألة علم وتضييع للأوقات، كلا، إنما المسألة أكبر من ذلك، فمثلنا كمن يمسك بمصباح أو نحوه، ليضيء الطريق لمن يتعثر بالطريق؛ لأن الناس كما اتفقنا من قبل معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا أهل البلاء، يعني: أي إنسان قد يعرض عن دروس العلم ويزهد فيها فهذا مبتلى، فادعوا الله له بالشفاء، وأن يحببه إلى درس العلم، فهذه نعمة يجب أن تشكر الله عليها: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] يعني: الهداية ليست من عندك ولا عندي، ولا عند أحد، هكذا قال الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] اللهم اهدنا فيمن هديت يا رب العالمين! قلنا: المسلم في الدنيا لا يخرج عن أربع حالات: إما أن يكون في نعمة، أو بلية، أو طاعة، أو معصية، لا يمكن لأحد أن يخرج عن هذه الحالات الأربع؛ لأن دروس العلم يجب أن يخرج منها المرء وقد جدد إيمانه، وكما قلت: الساعة السابعة والنصف بالنسبة لي يجب أن تختلف عن الساعة التاسعة والنصف، فإذا أخذت الشحنة يجب أن تتغير حالك إلى أحسن حال، اللهم بدل حالنا إلى أحسن حال يا رب العالمين! هذه الحالات الأربع لا يمكن أن ينفك منها عبد: طاعة، ومعصية، ونعمة، وبلية، أنت في درس العلم بفضل الله في طاعة، ومن أعظم القربات إلى الله مجالس العلم، حتى إنه ينادي منادٍ يوم القيامة: (ليقم أهل الله) يعني: أهل التقوى، والمغفرة، أهل الشهيد، أهل الابتلاءات، أهل المصائب، أهل الطاعات، أهل قيام الليل، أهل صيام النهار، القاضون لحوائج الناس، فهؤلاء لهم بشارة، وعلامة، لهم علم يرفعونه، أهل العلم هم أهل الله! ولعل الحالات الأربع تجتمع في وقت واحد كأن ذهبت تريد أن تطيع الله عز وجل وصلت رحمك -عمتك أو خالتك أو ابن عمك أو ابن خالك- إلخ -وقعدت فإذا بك تغتاب فلاناً وفلاناً، فهذه معصية في عمل طاعة، فبدل ما كانت الملائكة تصلي عليك، وتستغفر لك، وتدعو لك بالخير، إذا بالأمر ينقلب فتسجل لك السيئات بالغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس مع عمك وخالك. وفي نفس الوقت هذه الطاعة في نفسها نعمة، وهذه الحالة الثالثة. فأنت عندما تجد باب طاعة اسلك فيه، وداوم على الطاعة واصبر عليها. قال الفضيل بن عياض: تعلمت الصبر من صبي صغير، يقول: ذهبت مرة إلى المسجد فوجدت امرأة تنظر من داخل دار، وهي تضرب ابنها، وهو يصرخ، ففتح الباب وهرب، فأغلقت عليه الباب، قال: فلما رجعت نظرت فلقيت الولد بعدما بكى قليلاً نام على عتبة الباب يستعطف أمه؛ فرق قلب الأم ففتحت الباب، فبكى الفضيل حتى ابتلت لحيته بالدموع وقال: سبحان الله! لو صبر العبد على باب الله عز وجل لفتح الله له. يعني: الإنسان عندما يرتكب معصية لا يطرد من رحمة الله، وإنما يطرد من الطائفة الصالحة، فالذي لا يصلي حرم من الثواب وحرم الخير كله، اللهم لا تحرمنا من الخير، فمثلاً أنت في الصلاة تسلم على مائة مليون مسلم، والمصلون أكثر، لكن أنت جدلاً تأخذ في كل صلاة مائة مليون حسنة، في كل فرض، وانظر كم يكون لك من الحسنات، فهذا كرم من الله. ومن رحمة الله أن الحسنات والسيئات بيد الله، يقول الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26] لم يقل: للقهار؟ يظل الله يرحم ويرحم ويرحم يوم القيامة حتى يتطلع إبليس لرحمة الله، فيوم القيامة يقول الله عز وجل: يا عبادي! اعبروا الصراط بفضلي، وادخلوا الجنة برحمتي، لا بأعمالكم، والدرجات في الجنة هي عملك، اللهم أحسن أعمالنا يا رب! يقول الله في الحديث القدسي: (أطعتنا فقربناك، وأحببتنا فأحببناك، وتركتنا فأمهلناك، ولو عدت إلينا على ما كان منك قبلناك) وهو رحيم سبحانه وتعالى، فالذي يهرب من صلاة الجماعة حرم الخير كله، والذي يهرب من دروس العلم حرم الخير كله، فتحمد الله أنه حبب لك العلم وأهل العلم، اللهم اجعلنا من المحبين للعلم وأهله يا رب العالمين! إذا كنت في طاعة فواظب عليها، وإياك أن تبطلها وتتكاسل عنها! وخير الأعمال أدومها وإن قلت، إما طاعة تستوجب المواظبة، وإما معصية تستوجب الاستغفار، يعني: الذنب الذي تعمله عجل فيه بالاستغفار قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، أنت في نعمة تستوجب الشكر، والذي يزيل النعم منك كثرة المعاصي، وقد قلنا: إن من ثمرات الطاعة نور في الوجه، ويقين في القلب، وانشراح في الصدر، ومحبة عند الخالق والمخلوق، فمن اتقى الله أحبه الناس ولو كرهوه ظاهراً. ولذلك من نعم الله على سيدنا موسى أن الله قال له: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] لا ينظر أحد إلى سيدنا موسى إلا ويحبه، حتى فرعون أحبه غصباً عنه؛ لأن الله ألقى عليه محبة من عنده، اللهم ألق علينا محبةً من عندك يا رب العالمين! ومن ثمرات المعصية ظلمة وغبرة في الوجه، انظر إلى وجه مدمن للمخدرات تجده مظلماً والعياذ بالله! وانظر إل عينيه تجدهما متغيرتان، وانظر إلى مدمن التدخين وإلى أصابعه كيف هي صفراء، فكيف يدخل ذلك في جسمه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فالتدخين حرام، ومن قال لك: إن التدخين مكروه فهو جاهل، وهذا إجماع من مائة عالم أثق في علمهم، مائة عالم أجمعوا في إحدى المؤتمرات، ووقعوا هذه الوثيقة أن التدخين من ضمن المحرمات، فلنترك الفلسفة الموجودة عند بعض المسلمين. والمدخن الغني مسرف، قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] والمدخن الفقير سفيه، يقول الله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] وكلاهما شر، والناس يبعثون على ما ماتوا عليه، تخيل إنساناً في الدنيا يستحي من أبيه، ويستحي من عمه، ومن خاله، حتى لو كان هذا المدخن كبير السن فإنه يستحي أن يدخن أمام خاله، أو أمام عمه، أو أمام كبير العائلة، تخيل أن هذا المدخن مات وهو يدخن فسوف يبعث يوم القيامة وهو يدخن، فكيف سيقف بين يدي الله عز وجل؟! المعصية تحدث غبرة في الوجه، تجد الموظف المرتشي فتنظر إلى وجهه تجده كأنه وجه خنزير؛ لأنه مرتش، وممكن بكل سهولة أن تتطاول عليه بالكلام فيصبر عليك، وتتفق معه اتفاق

صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم

صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم

طول حوض النبي صلى الله عليه وسلم

طول حوض النبي صلى الله عليه وسلم حديثنا اليوم هو عن الحوض، الله عز وجل يمن على حبيبه صلى الله عليه وسلم ويقول له: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] أي: يا محمد! لقد أعطيناك حوض الكوثر، والكوثر في اللغة: هو الخير الكثير، يقول سيدنا أنس (كم عرضه يا رسول الله؟! قال: مسيرة شهر بالجواد المضمر) وفي رواية تقول: (ما بين المدينة إلى صنعاء) أو (بين صنعاء إلى عمان)، أو (بين المدينة إلى بصرى)، يعني: المسافة هذه لا تقل عن ألف كيلو، فكيف بالطول؟ لا يعلمه إلا الله. هل هو حوض واحد؟ قيل: لا، (لكل نبي حوض، وسوف يرى الناس أيهم أشد ازدحاماً، وإني أدعو الله أن يكون حوضي أكثر الناس ازدحاماً عليه) هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، فحوضه صلى الله عليه وسلم هو أعلى وأكبر حوض، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم التواضع، فقال: (أتمنى أن يكون حوضي أكثر وارداً قالوا: أتعرفنا على الحوض؟ قال: نعم أعرفكم. قيل: من أين؟ قال: تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء). كل نبي له حوض إلا صالحاً فحوضه ضرع ناقته، كل نبي له معجزة وقتية إلا معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، فهو معجزة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقوم سيدنا صالح يعرفون الجبل وما فيه، فقال لهم: إذا أخرجت لكم من الجبل ناقة فهل ستؤمنون بي؟ قالوا: نعم. فانشق الصخر فخرجت الناقة، قال تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] نسبها الله عز وجل إليه؛ لأنها معجزة إلهية، من باب التحذير، وكأنه يقول: إياكم وقتل ناقة الله، إياكم أن تمسوها بسوء! فمكثت الناقة تشرب الماء يوماً، وهم يشربون منها الحليب، ثم يشربون من الماء في اليوم الثاني، فلما أرادوا قتلها قام شخص من علية القوم، قال فيه صلى الله عليه وسلم: (فقام رجل منهم عارم) أي: خبيث وشرير من أنسبهم، وكان كلما قرب من الناقة خاف، فذهب وشرب خمراً، قال تعالى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] أي: شرب الخمر حتى يذهب عقله، فيقدم على قتلها، ولذلك سيدنا عثمان سماها أم الخبائث، فأول ما شرب الخمر ذهب فعقر الناقة، فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، وهذا وعد من عند الله عز وجل غير مكذوب، ثم جاءهم عذاب الله عز وجل والعياذ بالله رب العالمين! يقول بعض أهل العلم: إن الدابة التي يحدثنا القرآن عنها من علامات الساعة الكبرى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82] هي ولد ناقة صالح، وأنهم عندما عقروا أمه دخل الفصيل في الجبل، وهذا ليس فيه حديث صحيح، ولكن من باب الأمانة العلمية ننقل هذا الكلام. قال صلى الله عليه وسلم: (أتدري من أشقى الأولين يا علي؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: عاقر ناقة صالح، ثم قال: أتدري من أشقى الآخرين يا علي؟ قال: لا يا رسول الله! قال: قاتلك يا ابن أبي طالب). إذاً الحوض عرضه ما بين المدينة وصنعاء، أو ما بين المدينة وبصرى، أو ما بين المدينة وعمَّان أو عمان على خلاف في التشكيل.

وصف ماء الحوض وعدد كيزانه

وصف ماء الحوض وعدد كيزانه قال: (ماؤه أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل، عليه أكواب وأباريق) الإبريق: ماكان له أذن يمسك بها قال تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:18] هذا نعيم أهل الجنة، اللهم اجعلنا من المنعمين في الجنة يا رب العالمين!

الحوض له أربعة أركان

الحوض له أربعة أركان الحوض له أركان أربعة، على الركن الأول يقف أبو بكر، وعلى الركن الثاني يقف عمر، وعلى الركن الثالث يقف عثمان، وعلى الركن الرابع يقف علي، وأمام الأربعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن حب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وكره عثمان لم يسقه عمر، ومن أحب علياً وكره عثمان لم يسقه علي، لابد أن يحب الأربعة، ونحن والحمد لله -أهل السنة- نحب الأربعة الخلفاء والخطر على الشيعة الذين يحبون علياً ويبغضون البقية، والحمد لله أن جعلنا من أهل السنة، ومصر كلها من أهل السنة، فمصر هي الرمانة أو التاج الذي يزين بناء المسلمين، فإن صلحت مصر صلح العالم الإسلامي كله، وإن فسدت مصر تجد الفساد يخرج من مصر، وكل الصلاح يخرج من مصر بفضل الله عز وجل. جاء صلاح الدين الأيوبي يدخل معركة حطين فأخذ الجيش المصري، وقطز عندما انتصر على التتار كان معه الجيش المصري في المقدمة، هكذا وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم سر غريب، ولو اتقى الشعب المصري ربه فحكامه هم الذين ينافقون هذه طبيعة الشعب المصري، وإن رأيته ينام سنوات، فإنه إذا استيقظ لا يقف أمامه واقف، اللهم اشحن الإيمان في قلوب المسلمين في مصر، وفي خارج مصر يا رب العالمين! وليس هذا تعصباً ولكن أنا أحبهم، وليس لأنني منهم؛ ولكن لحب رسول الله لهم، فهوانا في هوى رسول الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فتحتم مصر فاتخذوا من شبابها جنوداً أو أجناداً؛ فإنهم خير جنود أو أجنادٍ على وجه الأرض، وهم في رباطٍ إلى يوم القيامة، وإن لنا فيهم ذمة ورحماً) لأن السيدة مارية القبطية مصرية، وأسلمت السيدة مارية القبطية قبل أن تطأ أقدامها أرض المدينة المنورة، فالذمة والرحم اللذان تحدث عنهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرهما: السيدة مارية القبطية، هذه هي الذمة، والرحم: هي السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل، فهي مصرية أهداها فرعون مصر إلى السيدة سارة أيام أن وطئت أقدامهما الشريفة أرض مصر الطيبة.

درجات الذين يشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم

درجات الذين يشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم نعود إلى موضوع الحوض، فعدد هذه الأكواب والأباريق التي على حوض الكوثر كعدد نجوم السماء، والذين يشربون من الحوض على أربع درجات: فيهم من يشرب بنفسه، يعني: يقوم يقرب من الحوض فيشرب، وإذا شرب ظفر بثلاثة أشياء: أولها: أنه يضمن دخول الجنة، لأن الحوض آخر مرحلة ويوجد أناس سوف يمنعون الشرب من الحوض والعياذ بالله رب العالمين! المرتبة الثانية: مؤمنون من الناس أعلى إيماناً تسقيهم الملائكة، فالملك هو الذي يسقي المؤمن، حتى إن الملائكة تتسارع أيهم يسقيك. المرتبة الثالثة: وهي أعلى من المرتبتين الأوليين: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم يسقيهم بنفسه، الرسول هو السقاء، تخيل أنت عندما تشرب الكأس فتضمن بالشربة الأولى أنك من أهل الجنة الشيء الثاني: أنه يشع في وجهك نضرة النعيم، يعني: أن وجهك يتلألأ نوراً، ثالثاً: ينزع من قلبك الحقد والغل والحسد قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر:47] وهذه الأخوة الصادقة التي ليس فيها ضغينة ولا حقد، لأن هذا الحقد نار، ولا يوجد في الجنة، والحسد من الشيطان ولا يوجد شيطان في الجنة، والحقد والحسد ألم، ولا يوجد ألم في الجنة، إنما فيه رضا من رب الرضا، اللهم ارض عنا يا رب! المرتبة الرابعة: أصحاب درجات عالية تقوم الملائكة تريد أن تسقيهم، ويقوم الحبيب يريد أن يسقيهم، فيقول الله: يا محمد! يا ملائكتي! دعوني وعبدي هذا، فقد وعدتهم أن أسقيهم أنا بنفسي قال تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21] يا أخي! الإنسان يصبر في الدنيا ويتحمل المشاق، ويجاهد في سبيل الله، ويقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم لأجل هذا المآل وهذه الثمرة، وهذه النتيجة، فهؤلاء هم الذين يفرحون في الدنيا قبل الآخرة.

الأصناف الذين يمنعون من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم

الأصناف الذين يمنعون من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم وهناك نصوص وأحاديث يحدثنا فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الذين يذادون عن حوضه أي: يمنعون عن حوض الكوثر والعياذ بالله! وهؤلاء ثمانية أصناف: الصنف الأول: المرتد عن دين الله، وهذا مثاله كأن تأتي امرأة متبرجة فتقول لها: يا أمة الله! تحجبي الحجاب واجب، فتقول: ومن قال لك إنه واجب؟! فتقول: الله أمرنا بذلك في آيات من سورة الأحزاب والنور، فتقول: حتى ولو أمرنا الله فأنا أنكر هذا الحجاب، فهذه مرتدة عن دين الله، وإن نطقت بالشهادتين، وإن صلت وصامت، وإن زكت وحجت، فهي مرتدة. كذلك إنسان لا يأتي ليصلي الجمعة فتقول له: يا أخي! اتق الله لماذا لا تصلي الجمعة؟ الله أمرنا بها ورسوله، فإن قال: والله يا أخي أنا أحياناً أسأل الله أن يهديني فادع لي بالهداية، فهذا مسلم عاص، وكذلك المرأة التي لا تتحجب وتقول: أسال الله أن يهديني للحجاب، فهذه مسلمة عاصية، لكن عندما يرفض ويرد الأمر على الآمر فهذا مرتد، وأقيس على هذا الأمر كل من يرد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، فإذا رده الإنسان على الله عز وجل فهو مرتد عن دين الله عز وجل والعياذ بالله! كذلك الذي يقول: لماذا نرجم الزاني ونقطع يد السارق، ونقتل القاتل، ونجلد شارب الخمر ثمانين جلدة؟ هناك بديل لهذه الحدود وهو السجن كل حسب جرمه أربعين سنة أو خمسين سنة ويكفي، فهذا كذلك مرتد! الصنف الثاني: المحدث في دين الله ما لم يأذن الله به، الذي يبتدع في الدين بدعة جديدة ليست موجودة، والمراد بهم أهل البدع. ومن هذه البدع الموجودة؛ زخرفة المساجد، وتحلية المصاحف بالذهب والذكرى السنوية بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قراءة آية الكرسي جهراً بعد كل صلاة، والعتاقة للميت، يقول لك: هذا يقرأ له المصحف عشرة آلاف مرة حتى يعتق من النار، من أراد أن يعتق من النار فليخف دائماً من العزيز الجبار، ولا ينسى صولة القهار، وليعد نفسه قبل أن يقف أمام الرحيم الغفار، هذا هو الفعل الذي يعتقها، أما العتاق فهو محدث في دين الله لم يأذن الله به. الصنف الثالث: من خالف جماعة المسلمين، يدخل عندك يقول: هذا الشيخ يكفر الحاكم أم لا؟ فتقول: لا، فيقول: إذاً أنا لا أصلي وراءه، وهناك فرقة في مصر تعتقد أنه لا يصلى في مساجد الحكومة لأنها مساجد ضرار يجب أن تهدم، وهذا يعني أننا لا نصلي، ويقول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خالف الجماعة فاقتلوه) من خالف جماعة المسلمين من الفرق القديمة، ومن على شاكلتهم في الحديث، كالخوارج، والإسماعيلية، والإباضية، وكل هذا الكلام سفسطة. الصنف الرابع ممن يطردون عن الحوض: الظالم المسرف في ظلمه وجوره، يوجد أناس ظلمة كبار في الدولة وفي غير الدولة. الصنف الخامس: أناس قاتلوا أهل الحق، وقتلوا الدعاة، والعلماء، والذين يقتلون من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هؤلاء من الذين يمنعون ويطردون عن الحوض يوم القيامة. الصنف السادس: المجاهرون بالكبائر، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بليتم فاستتروا) فلا تجاهر بالمعصية، وعندما يسترك الله وتصبح الصبح تجاهر بالمعصية؛ فإذا فضحت نفسك فضحك الله على رءوس الأشهاد يوم القيامة، فالمجاهر بالكبيرة سيمنع من ورود الحوض يوم القيامة. الصنف السابع: وكذلك المستخف بالمعاصي، كمن يأتي في العرس برقاصتين وثلاث مغنيات وفرقة إنشاد، ويقول لك: الأمر سهل، الصحابة رضي الله عنهم كان الواحد منهم إذا تخلف عن تكبيرة الإحرام خلف رسول الله عزاه الصحابة في يومه، وإذا فاتته صلاة الجماعة كلها مع الرسول عزاه الصحابة ثلاثة أيام كأنما مات له ميت. يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] قال ابن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء. وبعضهم اشترطوا في الأغنية ألا تصاحبها آلات وترية، وألا يغني رجل أمام نساء، ولا امرأة أمام رجال، وأن تكون كلماتها تحث على الفضيلة، وحسن الخلق، والقرب من الله، والدفاع عن الأرض، والعرض، والوطن، والدين، فعندما تجد أغنية بهذا الشكل فأنا أول السامعين معك. والإنسان الذي يستخف بالمعاصي والعياذ بالله رب العالمين يموت على ما شاب عليه، وذكرنا أنه في زمن الإمام الغزالي رضي الله عنه حدث أن رجلاً كان طوال حياته يلعب الشطرنج، وكلهم يقولون له: قل: لا إله إلا الله، عند سكرات الموت، وإذا به يقول: كش ملك، كش ملك! وذكر الغزالي: أن رجلاً كان يعمل سمساراً طوال حياته في السمسرة فقيل له عند الموت: قل: لا إله إلا الله، وكان رجلاً فارسياً فقال: ده ده، يعني: عشرة خمسة عشرون إلخ. الصنف الثامن: أهل البدع الذين يزيدون في الدين. هؤلاء هم الثمانية الذين يمنعون من الحوض والعياذ بالله يوم القيامة، فاللهم أوردنا حوض نبيك يا رب العالمين. ثم بعد موقف الحوض ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجلين أمرهما رب العباد سبحانه أن يقذفا بأنفسهما في النار، فصار أحدهما منفذاً لأمر الله، فلما قذف نفسه في النار إذا بها تكون برداً وسلاماً عليه؛ لأنه نفذ أمر الله، وجعل الآخر يلتفت قال له الله عز وجل: عبدي! لم التفت قال: رجاء رحمتك يا رب! قال: أدخلوه الجنة. هكذا عشنا ست عشرة حلقة إلى أن بلغنا الحوض، فاللهم اجعل مآلنا إلى جنة رضوانك يا رب العالمين! جزاكم الله عنا خيراً، وبارك الله فيكم، وشكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_الجنة والنار

سلسلة الدار الآخرة_الجنة والنار إن يوم القيامة يوم عصيب، يجمع الله فيه الخلق فيجازي المحسن بالإحسان، ويجازي المسيء بالإساءة، فميزان الفصل بين العباد إما إلى جنة وإما إلى نار، وقد ذكرت الجنة والنار متلازمتين في كثير من آيات كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

ذكر ما يحصل من أحوال يوم القيامة

ذكر ما يحصل من أحوال يوم القيامة الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يا رب عليهم تسليماً كثيراً. توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن الحوض، فاللهم أوردنا حوض نبينا يا رب العالمين. وربما حدث لبس لبعض المستمعين لهذه الحلقات، من قولنا: إن من الناس من يعبر الصراط وينجو من قناطره الصعبة، ثم بعد ذلك يمنع ويطرد من الحوض. وتحدثنا في الحلقة السابقة عن أنواع ثمانية لا تشرب من حوض الكوثر ولا ترد عليه؛ بل تردهم الملائكة وتمنعهم من الشرب، فينهض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكي يشفع لهم عند مولاه عز وجل، لكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل فيهم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمسألة صعبة وليست من السهولة بمكان. وعرفنا أن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه، وتثقل حسناته في الميزان، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ثم بعد ذلك يعبر الصراط، فإذا به يمنع من الحوض، فكيف يكون ذلك؟ هناك رأي وجيه لبعض العلماء يقول: إن الحوض قبل الصراط. ومعلوم أن كل الحديث عن الدار الآخرة، وكل الأحداث الخطيرة الرهيبة العظيمة الجليلة التي لا تخطر ببال بشر سوف تحدث لنا بعد أن نخرج من قبورنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا، فيؤمن الإنسان بذلك ولا يعمل فيه عقله، فليس فيها إعمال فكر ولا اجتهاد ولا قياس، ولكن نأخذ الأمر كما هو؛ لأن ترتيب حديث البخاري والترمذي فيما رواه أنس رضي الله عنه، ورواه أبو هريرة: أن أنساً كان يريد أن يطمئن هل سيقابل الحبيب المصطفى في الآخرة أم لا؟ فقال: (يا رسول الله! أين أجدك يوم القيامة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس! تجدني عند الميزان، فقال له: فإن لم أجدك عند الميزان؟! قال: تجدني عند الصراط) يريد أنس أن يطمئن، مع أنه ظل مع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عشر سنين. فلو أن مدرساً مشهوراً يعلمك فإنك تفخر به فتقول: أنا علمني المدرس فلان. فـ أنس عندما كان طفلاً عمره عشر سنين علمه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فخر هذا، وأي عظمة تلك؟! فقال له سيدنا أنس: (فإن لم أجدك عند الميزان؟ قال: تجدني عند الصراط)، فأراد سيدنا أنس أن يطمئن أكثر؛ لأنه قلق (فقال: فإن لم أجدك عند الصراط؟ قال: تجدني عند الحوض، لا تخطئني هذه الأماكن الثلاثة). فهذا هو الترتيب الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للدار الآخرة: الميزان، الصراط، الحوض. لكن اجتهاد بعض العلماء، وإذا سمحوا لنا أن نأخذ ترابهم على رءوسنا فيكون تواضعاً منهم كبيراً، كـ ابن القيم وتلاميذ أبي حنيفة، لهم رأي أن الحوض قبل الصراط. ولكننا نحن مع ترتيب الحديث؛ لأن الحديث يفيد هذا الترتيب: يا أنس! تلقاني عند الميزان؛ لأنه عندما يخف الميزان، تتدخل شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم. فإن لم تجدني عند الميزان تجدني عند الصراط، فالذي تزل قدمه أو تنزلق أو يقوم ويكبو تأتيه صلاته على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، فيتقدم الحبيب ويأخذ بيده ويمر به. فإن لم تجدني عند الميزان، تجدني عند الحوض أسقي المؤمنين، اللهم اسقنا بيد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبداً.

ذكر قضايا الخلق مع الجنة والنار يوم القيامة

ذكر قضايا الخلق مع الجنة والنار يوم القيامة وفي رعب رهيب أتعسس الخطى لأدخل على أخطر حلقات الدار الآخرة، وهي الحديث عن قضية الخلق وما خلقنا من أجله، فمن عمل صالحاً دخل الجنة ومن عمل غير صالح دخل النار، والنهاية التي أنت مخلوق من أجلها إن كنت مؤمناً كان مكانك في الجنة، اللهم اجعل الجنة مآلنا ومكاننا ومنزلنا يا رب العالمين! وإن كان غير ذلك فالمآل والعياذ بالله شر مقيت، وكان يوماً عبوساً قمطريراً. هذا اليوم العبوس يوم القيامة ينتهي بنهاية سيئة على الكافر والفاجر والظالم والمنحرف والزنديق والمرتد والمرابي، والذي لا يأتمر ولا ينتهي عندما أمر الله أو نهى عز وجل فيما أنزل في محكم كتابه وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم. وإني لا أعرض عرضاً أكاديمياً لمسألة النار والجنة، فليست المسألة عرضاً علمياً سوف نشرحه، ولكننا نريد أن نعرف أهل النار لكي نبتعد عنهم، ونعرف أهل الجنة فنعمل بعملهم. دخل سيدنا الحسن البصري رحمه الله المسجد، والطلاب ينتظرون الدرس، فرأى أول صف يبكي بكاءً مراً، فقال لهم: ما يبكيكم؟ -وهذا هو جيل التابعين الذين كان أساتذتهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- قالوا: سبقنا الصحابة على خيل مضمرة، ونحن على حمر معقرة، أي: نركب حمراً هزيلة، ويقصدون أن أعمال الصحابة مثل فرس السباق من سرعته فسبقونا؛ لأننا نركب حمراً معقرة، يعني: فيها عقر، كالحمار الذي له ثلاث أرجل، أو كحمار رجله مكسورة، أو حمار لا يرى أمامه، أو حمار يضع أنفه في الأرض. فلما وجد عندهم هذا الحنان والخوف والتواضع بشرهم وقال: ما دمتم على الطريق فسوف تصلون إن شاء الله. أي: المهم أن تكونوا على الطريق، اللهم اجعلنا على الطريق يا رب العالمين! وسنقوم بعمل مقدمة إن شاء الله هذا اليوم من الكتاب والسنة في نصوص تجمع ما بين الجنة والنار، ثم بعد ذلك نفرد حلقات منفصلة للنار وحلقات منفصلة للجنة. وسنتكلم عن الخوف من النار في الدنيا، وذلك بعد المقدمة عن النار والجنة، ثم نتكلم عن النار في حلقات منفصلة عن الخوف منها في الدنيا، أي: كيف نخاف من النار خوفاً عملياً؛ لأن الناس تخاف من النار نظرياً لا عملياً، ولكننا نريد أن نخاف خوفاً عملياً من النار، فمثلاً الذي يمتحن امتحاناً يخاف خوفاً عملياً فلذلك تجده يجتهد في المذاكرة. فنحن نريد أن نخاف من النار عملياً؛ لأن جميع الناس في الدول المتخلفة أو الدول المتقدمة ما بين حاكم ومحكوم لا يخافون من النار عملياً أبداً، وإلا فلو خفنا من النار مخافة عملية لما ظلم المسلم مسلماً، وما ظلم حاكم محكوماً أبداً؛ لأنه خاف خوفاً عملياً من النار، ونحن نريد أن نخاف خوفاً عملياً؛ لأن الصحابة سبقونا بخوفهم من الله عز وجل. دخل رجل على سيدنا عمر فقال له: يا عمر الخير جزيت الجنة، اكس بنياتي وأمهنه أقسمت بالله لتفعلنه فظن سيدنا عمر أن الرجل يمزح، فقال له: وإن لم أفعل؟ فقال له: إذاً فوالله لأذهبنه فقال له سيدنا عمر: وإذا ذهبت؟ فقال له: والله عني لتسألنه يوم تكون الأعطيات منه إما إلى نار وإما جنه فبكى عمر وانتحب حتى هدأه الصحابة فقال: أعطوه مائة دينار من مال الخطاب لحر ذلك اليوم لا لشعره. أي: حتى لا يظن أننا أعطيناه للشعر الذي قاله. ولما رأى نفسه وجهاً لوجه مع عجوز لديها يتامى وهي تغلي لهم ماءً في القدر، قال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟! فتقول له: وما شأنك أنت؟ فيقول لها: أريد أن أسأل، فقالت له: لدي ستة يتامى، فقال لها: وما هذا الذي في القدر؟ فقالت: ماء أسكتهم به، والله بيننا وبين عمر. وضعت ماء يغلي، وهم يسألونها: هل نضج الطعام؟ فتقول لهم: ليس بعد يا أولادي، حتى يناموا، فهي تسكتهم بهذا الماء، فخاف عمر خوفاً شديداً. هذه الأيام لو جئت تقول لوزير: الله بيننا وبينك، سيهزأ بك ويقول: خذنا على جناحك، أو خذ لنا مكاناً بجانبك. سبحان الله! نسأل الله السلامة، نسأل الله الهداية، اللهم اهد كل ظالم، وتب على كل عاص، واهد الضالين يا رب العالمين! إن الذي ذاق حلاوة القرب من الله لا يفرط فيها أبداً، والذي يخاف من الله يجد حلاوة في العبادة جميلة، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، فالمؤمن يخاف أولاً، وبعد ذلك يطمع، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]. فلما قالت المرأة: الله بيننا وبين عمر، قال عمر: وما يدري عمر بكم؟ فقالت له: عجباً لك، أيلي أمرنا ويتركنا! فعاد عمر وأخذ عبد الرحمن بن عوف ومعه الدقيق والسمن والعسل، ويقول لـ عبد الرحمن: احمل علي، فيقول: أحمل عليك أم عنك يا أمير المؤمنين! فيقول له: ثكلتك أمك احمل علي، أتحمل وزري يوم القيامة؟ فيذهب سيدنا عمر بنفسه إلى المرأة والليلة شديدة البرد في صحراء، فيطبخ وينفخ والدخان يدخل في لحيته وعينيه، وبعد ما استوى الأكل قال للعجوز: أنا أغرف وأنت تنفخين الأكل لكي يبرد، وبعدما غرف لهم قال لها: تعالي غداً عند أمير المؤمنين وسوف أكلمه في أمرك، فترد عليه وتقول: والله إنك لأولى بالأمر من عمر. فذهب واختبأ وراء صخرة، وعبد الرحمن بن عوف يقول له: يا أمير المؤمنين! إنها ليلة شديدة البرد فقال: لن أدع مكاني حتى أراهم يضحكون كما رأيتهم يبكون. إحساس بالمسئولية، لا تطبيل وتزمير! فكلما تكبر مسئوليتك تكبر علتك وحسابك، يقول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالحاكم العادل يوم القيامة على الصراط فينتفض الجسر به انتفاضة، ويطير كل عضو من أعضائه في مكان لا يعيدها إليه إلا عدله). وذهبت المرأة العجوز في اليوم الثاني وهي لم تر أحداً في الليل، أو كانت تغض بصرها عن الذي جاء إليها في الليل، فدخلت على أمير المؤمنين عمر، فقال لها: يا أمة الله! وصلتني شكايتك من الرجل الذي اشتكيت إليه ليلة البارحة وأعطاك الأكل، فبكم نشتري مظلمتك؟ فقالت له: بمائتي دينار، فقال لها: بل أربعمائة دينار - من ماله الخاص- سبحان الله! فكتب في رسالة: هذا ما اصطلح عليه عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع أمة الله أم اليتامى واشترى منها مظلمتها بأربعمائة دينار، وشهد على هذا عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، ووقعوا وقال: ضعوا هذه في كفني حتى إذا جئت يوم القيامة قلت: برئت ذمتي بهذه الرسالة. قال نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما) أي: رآهما في النار يعذبان ولكنه لم يرهما في المجتمع الذي كان فيه. قال صلى الله عليه وسلم: (رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس) هذا الصنف من أهل النار. ولا بد أن نعرف أن الكتاب والسنة لم يتركا شيئاً نجتهد فيه، فالإسلام وضع إطاراً للحياة بين الحاكم والمحكوم، وبين الرئيس والمرءوس لكي يعيش الجميع في سلام. فهذا الصنف من أهل النار هم جماعة يمسكون سياطاً -جمع سوط- والمصيبة أنه اشتراها من مالك أنت، فهو يأخذ مالك ويشتري به سياطاً ويضربك بها، آمنت بالله رب العالمين، لا إله إلا الله! قال: (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات شعورهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة، ولا يشممن ريحها، وإن ريحها ليشم من مسيرة كذا وكذا) فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير في أيامه هذين النوعين: لا رجال الأمن المركزي، ولا النساء الموظفات اللاتي يمشين كل يوم عاريات في الطريق، ويقول الناس لك: هذه لابسة. نسأل الله الهداية، ونسأل الله أن يعيد الغيرة إلى قلوب المسلمين، وأن يعيد الرحمة إلى قلوب المسلمين، وأن يعيد الود إلى المجتمع المسلم، وأن يعيد الأمن والأمان إلى البيوت المسلمة؛ إنك يا مولانا على ما تشاء قدير. الموضوع الأول: الخوف من النار، وسوف نتكلم عليها. الموضوع الثاني: طبقات النار ودركاتها -والعياذ بالله- ومن في الطبقة الأولى والثانية والثالثة حتى الدرك الأسفل والعياذ بالله، وسوف نوضح حتى ننتبه إذا لم نكن نعرف. الموضوع الثالث: صفة قعر جهنم، شكله، ومن فيه، وشكل العذاب فيه. الموضوع الرابع: أبوابها وسرادقاتها. الموضوع الخامس: ظلمتها وسوادها. الموضوع السادس: شدة حرها وزمهريرها. الموضوع السابع: تغيظها وزفيرها. الموضوع الثامن: دخانها وشررها ولهيبها، الشرارة الواحدة مثل الجبل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل النار وجدوا ناراً من نار الدنيا، لاستراحوا فيها وناموا). الموضوع التاسع: جبالها ووديانها. الموضوع العاشر: سلاسلها وأغلالها. الموضوع الحادي عشر: حجارتها. الموضوع الثاني عشر: حياتها وعقاربها والعياذ بالله. الموضوع الثالث عشر: طعام أهل النار وكسوتهم. الموضوع الرابع عشر: قبح صور أهلها. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو خرج جهنمي على أهل الدنيا لمات أهل الدنيا جميعاً من نتن رائحته وقبح منظره). الموضوع الخامس عشر: أنواع عذاب أهل النار، وهي تسعة وسبعون نوعاً من العذاب سوف نفصلها من القرآن ومن السنة، لأن الموضوع ليس فيه اجتهاد. الموضوع السادس عشر: بكاء أهل النار، ويقول صلى الله عليه وسلم: (حين تنتهي دموع أهل النار يبكون بدل الدمع دماً حتى لو أجريت سفن في دموعهم لجرت). الموضوع السابع عشر: من هم أكثر أهل النار. الموضوع الثامن عشر: كيف يجوعون وكيف يعطشون. ثم بعد ذلك الحديث عن جهنم بالذات، لأن فيها عصاة الموحدين. كل هذه المواضيع سنتكلم عليها بالتفصيل إن شاء الله. فالحديث عن النار حديث ثقيل جداً على القلب، لكن هذه حقائق العلم التي يجب أن يكون الإنسان أمي

مقدمة عن الجنة والنار من الكتاب

مقدمة عن الجنة والنار من الكتاب

الكفار يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة

الكفار يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة يقول الله عز وجل في سورة البقرة: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221]. والسبب: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221]. فعندما نأتي للحديث عن زواج المسلم بغير المسلمة، يأتي شخص ويقول: يا شيخ! أنا متزوج امرأة إنجليزية؛ فتقول له: لماذا يا بني! هل أسلمت؟ فيقول: لا، لكن هي مسيحية، فتقول له: لا يجوز هذا الزواج، فيقول لك: كيف ذلك؟ فتقول له: لأنها كافرة؛ لأنها تقول: عيسى ربي، وتقول: عيسى ابن الله، وتقول: إن المسيح جالس على يمين الله. سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما: أأتزوج من نصرانية يا ابن عباس؟! قال: لا، قال: عجباً! أتحرم ما أحل الله، فقد أحل الله لنا أن نتزوج من أهل الكتاب، قال: كفاها كفراً أن تقول: عيسى ربي أو عيسى ابن الله، ولا يوجد كفر أكثر من هذا، قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، فالله حكم عليهم بالكفر، ومعنى: أنها من أهل الكتاب، إذا أيقنت وآمنت أن عيسى بشر وأن مريم صديقة، ولدت المسيح عليه السلام بمعجزة إلهية، ومعجزة الله في آدم أكبر من معجزته في عيسى، فإذا كانت المعجزة في المسيح أنه خلق من غير أب، فآدم خلق من غير أب ولا أم، يقول تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران:59]، فالمعجزة في آدم أكبر؛ لأنه خلق بغير أب ولا أم. فإذا أيقنت النصرانية أن عيسى عليه السلام بشر، وأن مريم صديقة وأنها بشر عادي ولدت المسيح عليه السلام بمعجزة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي رسول، والقرآن من عند الله لا من عند محمد مثلما يقولون لهم في الكنيسة، وليس من الضروري أن تدخل في الإسلام، ويكفي أن تقتنع بهذا، فتكون من أهل الكتاب ويحل للمسلم أن يتزوجها. وإذا تزوج المسلم من نصرانية ارتكب أخطاءً ثمانية، ولسنا هنا في مكان التفصيل، ولكن نتوقف قليلاً في آية سورة البقرة: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221]. من ضمن الثمانية الأخطاء التي ارتكبها: أولاً: تزوج كافرة وهذا لا يحل. ثانياً: إذا ماتت لا يرث منها؛ لأن أصحاب الملتين المختلفتين لا يتوارثان أبداً. ثالثاً: تسبب في عنوسة البنت المسلمة. رابعاً: فيه خطورة على أولاده قد يذهبون إلى الكنيسة؛ لأن ولاءها لعقيدتها، وكلنا نرى البلايا التي تحصل من أولادنا الذين يذهبون إلى الخارج ويتزوجون؛ فعدد البنات بدأ يكثر عن عدد الأولاد؛ وذلك لأننا صعبنا مسألة الزواج فتوقف طابور الزواج، وأصبح من المستحيل الآن على شاب دخله محدود يستطيع أن يتقدم للزواج، فنحن للأسف نصعب مسألة الحلال، فصار الحرام عند شبابنا ميسوراً، لكن في زمن الصحابة كان الحلال سهلاً، وكان الحرام صعباً، لكن الناس الآن صعبوا الحلال، فانقلب الأمر وصار الحرام ميسوراً والعياذ بالله رب العالمين. إذاً: العلة في أن المسلم لا يتزوج بكافرة؛ لأن هذه تدعو إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه.

الزحزحة عن النار ودخول الجنة هو الفوز الحقيقي

الزحزحة عن النار ودخول الجنة هو الفوز الحقيقي قال تعالى في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (كل) هنا لفظ عام ولا يوجد استثناء، فكل نفس ذائقة الموت، فالذين يقولون: إن الخضر ما زال حياً يكذبون الآية. فالله يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]. ويقول تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144]، فكلهم ماتوا. ويقول تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] فهذه نصوص قرآنية ولا اجتهاد مع النص، فيقولون: كلا، سيدنا الخضر ما زال حياً، وعندما يتكلمون عن الخضر تجد الدرويش جالساً بجانبك، ويقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فتقول له: على من تسلم؟ فيقول: لأننا ذكرنا سيرة الخضر. قال تعالى: ((وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فمن كان مجهداً في الدنيا لا يأخذ جزاءه في الدنيا؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، وهي معبر وليست النهاية، ونحن في الدنيا مثل الضيوف نجلس فيها أياماً ونذهب، والضيف لا يشتري أرضاً ويبنيها، والناس كجهنم: هل من مزيد، قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]، وهكذا بطن ابن آدم، تقول له: هل شبعت؟ يقول لك: لا، بقي ثلاثة آلاف، أو ربع مليون، أو نصف مليون وهكذا؛ لأن الناس غاب عنهم الدين بالبحث عن لقمة العيش، فتجد أكثر الناس يقولون: أنا لست متفرغاً لك، ويقول أحدهم: هؤلاء أناس ليس عندهم عمل. قال تعالى: ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) وليس الذي أخذ شهادة البكلريوس هو الذي فاز. وأنت تقول للمرابي: خسر؛ لأنه أخذ ربا، ولكن الشيطان يزين له المسألة، فيقول له: أنا سأضع المال في الربا وإذا حصلت على خمسين ألفاً سوف أتبرع للجامع بعشرة آلاف جنيه. والمال الحرام يا أخي إن أنفقته فهو زادك إلى جهنم، (وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً). ومن هنا نعلم أن الفوز ليس في الدنيا. يقول تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20]، ولو أننا نقرأ القرآن بتدبر لعرفنا الفوز الحقيقي، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ولذلك عندما يثقل ميزان عبد ينادي الملك ويقول: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، اللهم اجعلنا من السعداء المرحومين يا رب العالمين! فالفوز الحقيقي هو أنك تزحزح عن النار، مجرد زحزحة فقط. يقول صلى الله عليه وسلم: (آخر رجل من أمتي يخرج من النار دعا الله عز وجل وقال: يا رب! أخرجني من النار، لقد طال عذابي فيها، قال: عبدي! أئن أخرجتك لن تطلب شيئاً آخر؟! قال: يا رب! لا أطلب شيئاً آخر، فيقول: أخرجوه، فينظر أمامه فلا يرى إلا النار، وعن يمينه لا يرى إلا النار، وعن شماله لا يرى إلا النار، فيقول: يا رب! اصرف وجهي عنها، فيقول عبدي! أما عاهدتني ألا تطلب شيئاً آخر؟ فيقول: يا رب! هذا آخر طلب لا تجعلني أشقى خلقك، فيقول: اصرفوا وجهه عن النار) فيخرج من جهنم والعياذ بالله وهو أسود كالفحم محروق. فإذا به يرى على البعد شجرة تميل أغصانها يمنة ويسرة، فتكون الشجرة عندها نسمة هواء وتحتها ظل ظليل ونهر جار فبالله عليكم، هل يصبر أم يتكلم؟ إن هذا منظر يجعل الأخرس يتكلم، فأنت عندما تعود من عملك الساعة الثالثة ظهراً تتمنى أن يكون في البيت ماء بارد تسبح فيه، أو أن تسكب على نفسك دلو ماء بارد، وهذا الرجل خارج من جهنم، ومجرد أن رأى الشجرة والهواء والماء سال لعابه. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وجد ما لا صبر له عليه، فيقول: يا رب! انقلني تحت ظلها أستمتع بنسيمها وأشرب من مائها، فيقول: يا عبدي! ألم تعاهدني؟ فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك، أنت الرحمن الرحيم، فيقول: انقلوه، فيشم الهواء ويستريح قليلاً ويشرب قليلاً من النهر، وإذا بشجرة أجمل وبنسيم أكثر وبنهر أفضل على بعد) فالله سبحانه ينقله درجة درجة؛ لأنه لو انتقل مرة واحدة سيضيق. ولا أطيل عليكم الحديث وهو حديث صحيح، فعندما ينقله النقلة الثالثة يكون قريباً من باب الجنة؛ وهكذا يدخله الجنة على مراحل؛ ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الله لم يكتب عليه الموت مرة أخرى لمات من شدة الفرح) (فعندما رأى باب الجنة، قال: يا رب! فيقول: عبدي!، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى عبادك، فيقول: ماذا تريد؟ فيقول: على بابها) فتراه يطمع في كرم الله، والرحمن الرحيم يطمعه في كرمه ويأخذه إلى الجنة شيئاً فشيئاً. (فلما جلس باب الجنة رأى الجنة فيقول: يا رب!، فيقول: عبدي، فيقول: اجعلني على عتبة بابها من الداخل فلما نظر قال: أدخلوه، فاستغرب العبد، فيقول: كيف يا رب! وقد ملكها أصحابها؟!) فهو نظر ورأى كل واحد لديه مكان في الجنة، وليس له مكان، (فيقول: ادخل، إن لك عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتهزأ مني وأنت رب العالمين) فيا كريم، ويا حنان ويا منان! لا يوجد أحن من الله عز وجل، فهو أحن إلينا من آبائنا وأمهاتنا، ومن أقاربنا وأصدقائنا، ما طرق عبد بابه ليل نهار إلا واستجاب له، والله إذا طرقت باب الله في ليل أو نهار بإلحاح لأعطاك الله ما تريد، ولكن ادع الله بيقين، فالله لا توقفه عظم المسائل. قال الله في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) وماذا تأخذ الإبرة من البحر؟! إن الله لا ينقص ملكه مسألة السائلين ولا كثرة المسائل، وكل يخاطبه بلهجات مختلفة، والله هو السميع البصير. قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]، يعني: أن الناس كلهم يتكالبون عليها ويظنون أن الدنيا هي المآل.

ذكر حوار أهل النار وأهل الجنة

ذكر حوار أهل النار وأهل الجنة قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف:44]، ففي الأعراف أنواع من النداء ما بين أصحاب الجنة وأصحاب النار. فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} [الأعراف:44]، أي: الذي وعدنا به ربنا قوله: إن أطعتموني أدخلكم الجنة، فأطعناه فأدخلنا الجنة وأنعمنا فيها. قالوا: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف:44]، أي: هل وجدتم أن الله وعدكم أنكم لو انحرفتم وفجرتم وظلمتم وجدتم العذاب؟! {قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف:44]، وهذه أول مرة يقول المنحرف فيها: نعم، إذ لم يقل يوماً ما: نعم للدين، ولا لأهل الله، ولا للعلماء أبداً، ولكنه يقول: نعم لكل فوضى، نعم لكل انحراف، سبحان الله، لكن نعم لله، نعم لطاعة رسول الله، نعم للدين والاستقامة، فلا يعرفها أبداً. فهذا النداء بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، فكيف يكلمونهم؟ إن أصحاب الجنة سيطلعون على أهل النار، وبينهما حجاب يمنع وصول النعيم لأهل الجحيم، ويمنع وصول العذاب لأهل النعيم. فالجدار أو الحجاب أو الحاجز من ناحية فيه العذاب لأهل جهنم، ومن الناحية الأخرى الرحمة، حتى إن المسلم والمؤمن في الجنة يحب أن يرى صاحبه الذي كان في الدنيا. وسنأتي إلى هذا كله. قال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف:44 - 45]، فهي ليست مسألة كفر وإنكار تام، لكن عندما تقول للمرء: لماذا لا تصلي؟ فيقول: يا أخي! المهم أني أعمل خيراً، ولا أظلم أحداً، ونيتي خالصة، وأنا أحسن من مائة واحد يصلي! وتقول للتي لا تتحجب: لماذا لا تتحجبين؟ فتقول لك: مسألة الحجاب فيها أقوال. والحجاب أمر، ولكن هي ليست مقتنعة به، فإن شاء الله ستقتنعين في النار، لو أتاها الموت اليوم وهي عريانة، فما الحل، وما العمل؟! فالمسلم يجد إيقانه بالآخرة هو أن يعرف كيف يعمل لهذا اليوم، وكيف يستعد له، إن قوماً غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن، والله لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل، ولكن للأسف كثير من الناس يأتي إلى الدرس ويتأثر به ويبكي ويولول وينهار، وعندما يخرج من الدرس، يضرب الابن ويضرب الزوجة، ويعق أباه، ويبخل على أهل بيته، والزوجة تخطئ على زوجها وتضيع ماله في غير ما يرضي الله عز وجل، وهكذا. سبحان الله! لا يوجد رحمة، وطالما أننا لا يرحم بعضنا بعضاً، فلن تنزل الرحمة من السماء، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين! قال تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأعراف:45]. الصد عن السبيل من أكبر المصائب، فترى الصاد عن سبيل الله يخرب المساجد ويقول: المسجد يسبب لنا إزعاجاً، فتقول له: لماذا؟ فيقول لك: لأن هناك أناساً كثيرين يأتون إليه. فما رأيك؟ لا تريد أن يأتي أحد إلى المسجد، يشربون الخمر أفضل؟! سبحان الله! قال تعالى: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف:45]. هناك مسرح تجريبي افتتحوه الأسبوع الأول، وفي آخر المسرحية رمز للكعبة وامرأة ترقص حول الكعبة رقصاً شرقياً، وناس يلبسون اللباس الأبيض والأحزمة السوداء ويقولون: الله حي، الله حي. لو ضرب هذا الإنسان وجيء بمن هو مسئول عن هذا فيقتل ويعدم في ميدان عام لكان هذا قليلاً؛ لأن هذا استهزاء بدين الله. ولو شتمت موظفاً أثناء تأدية عمله سوف تتعرض للعقوبات، ولو هزأت بأحد من علية القوم فماذا سيكون مصيرك؟! فما بالك وأنت تفتري وتسخر من دين الله عز وجل؟! نسأل الله السلامة، وننتظر مع ذلك أن ينزل الخير؟ كيف سينزل الخير؟! قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:50]، هذا نداء آخر، وهذه النصوص تجمع بين الجنة والنار. وكلمة (أصحاب) تشير إلى معنى كأن الذي سكن الجنة صاحب لها، والذي سكن النار صاحب لها. قال تعالى: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف:50]، يسألونهم الماء، فيقول أحدهم: ألست تعرفني؟ فيقول له: نعم؛ أعرفك، فيقول له: أعطني قليلاً من الماء، فيقول: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50]، أي: حرم الماء ورزق الجنة على الكافر الذي دخل النار، والعياذ بالله رب العالمين. قال تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} [الأعراف:51]. وعندما لا نطبق أوامر الدين فنحن نلهو ونلعب، ونخوض في دين الله بغير علم. قال تعالى: {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف:51]، أي: الدنيا ضيعتهم بالجاه والمنصب والمال، فكل واحد منشغل في الحياة، فإن قلت: يا بني! اقطع من وقتك شيئاً لله، اذهب إلى بيت الله واسمع درس علم، حتى المتدين عندما تكلمه يثور ويثور، ويقول: نحن وأنتم؟! يا سبحان الله! هل قسمت الدين بيننا؟! ونحن نعبد رباً واحداً، ونقرأ كتاباً واحداً وهو القرآن، ونتبع رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم، وتأبى يا أخي! إلا اختلافاً، وتقول: لا بد من الخلاف، سبحان الله! قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف:51]. فكما نسي الكافر الفاجر الظالم ذكر ربه وأوامره في الدنيا، فالله عز وجل ينساهم في الآخرة، والعياذ بالله رب العالمين.

وضع ميزان العدل بين العباد يوم القيامة إذ لا مساواة بين المؤمن والكافر

وضع ميزان العدل بين العباد يوم القيامة إذ لا مساواة بين المؤمن والكافر وآخر مثال قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20]، فليس من الممكن أن تساوي بين الحي والميت، ولا أن تساوي بين الظالم والعادل، ولا أن تساوي بين المستقيم والمنحرف، ولا الظل ولا الحرور، ولا الأحياء ولا الأموات أبداً. اللهم اجعلنا من الفائزين يا رب العالمين!

مقدمة عن الجنة والنار من السنة

مقدمة عن الجنة والنار من السنة

دخول الجنة بالمكارة ودخول النار بالشهوات

دخول الجنة بالمكارة ودخول النار بالشهوات قال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). وقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الجنة وقال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فرأى سيدنا جبريل الجنة وما فيها من نعيم فعاد منشرحاً فقال: وعزتك وجلالك ما سمع أحد عنها إلا ودخلها، ما أظن أن أحداً لن يدخلها) فهذا نعيم ما بعده نعيم، وكلٌ سيعمل حتى يرى ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالمكاره) فمن المكارة أن تأتي الجامع في الحر، وتقوم لصلاة الفجر، وتقوم بالليل، وتصوم بالنهار، وتتحمل الظلم والأرق، وتتحمل زوجتك سليطة اللسان، والزوجة الطيبة تتحمل زوجها، وكذلك الصبر وعدم الشتيمة، ولا ترد على السيئ بالسيئ، فكل هذه مكاره يصعب جداً تحملها. فقال: (اذهب فانظر إليها، فعاد جبريل فقال: ما أظن أحداً سوف يدخلها) لأن فيها مكاره كثيرة، فكيف ترجع الحقوق لأهلها، وكيف يعبد الله حق عبادته، وكيف يتقى الله حق تقاته، وكيف يكون الرجل مؤمناً صادقاً، وكيف لا يحمل في قلبه كبراً ولا حقداً على مسلم؟! فالمسألة صعبة. قال: (ولما خلق الله النار، قال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فعاد جبريل مرعوباً وقال: وعزتك وجلالتك ما سمع أحد عن عذابها إلا وعمل من أجل عدم دخولها) أي: ليس من الممكن أن يدخلها أحد. قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالشهوات) بنظرة، وكلمة، وأغنية، ورقصة، وهذه جلسة، وهذا مال جاء بطريقة غير مشروعة، وهذه ليست رشوة هذه إكرامية، وهذه تفتيح مخ، وهذه ترشيد حال، وهذه ليست خمراً بل تنظف الكلى، سبحان الله! وكلها شهوات. قال صلى الله عليه وسلم: (فعاد سيدنا جبريل وقال: ما أظن أن أحداً سوف ينجو منها). فحفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.

الحث على الإدلاج في الليل لبلوغ الجنة

الحث على الإدلاج في الليل لبلوغ الجنة النص الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة). والإدلاج: السفر ليلاً، فالعرب قديماً عندما كانوا يريدون السفر لا يسافرون في عز النهار؛ لأن الشمس حارة في الصحراء، فكان الرجل يسافر بعد غياب الشمس، فيقوم بالليل قبل الصباح ويسري ليلاً، فعندما يسمع الصوت يكون قد قطع مسافة، وناقته أو جمله أو دابته ارتاحت فأول ما يطلع الصبح والشمس تشرق، ينصب الخيمة ويرتاح، وهذا اسمه في اللغة العربية الإدلاج. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من خاف أدلج)، أي: اشتغل بالليل، ولم يكتب شكاوي، ولم يتسلط على الناس، ولم يسهر أمام التلفزيون، ويسمع المذياع الساعة الواحدة والنصف تقول: الآن تبدأ السهرة، يا سبحان الله! فمتى سننام إن شاء الله؟! فالمصيبة أن الناس صيروا الليل نهاراً والنهار ليلاً، فبعض الناس لا يطيب لهم السمر إلا من بعد الساعة الثانية عشرة. قال صلى الله عليه وسلم: (ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) يعني: أنك إذا أردت أن تشتري الجنة، فاتعب قليلاً.

ذكر احتجاج الجنة والنار

ذكر احتجاج الجنة والنار النص الثالث: (تحاجت الجنة والنار) يعني: حدث بينهما جدال، وكل واحدة تأتي بحجة. (قالت النار: أوثرت بالمتكبرين والجبارين، وقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل: يا ناري! أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وأنت يا جنتي! رحمتي ونعيمي أرحم وأنعم بك من أشاء). فالنار تقول: سيدخلني الجبارون، قال تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24]. والمتكبرون هم أصحاب الكبر من سلالة فرعون، فلا يزكي أحد نفسه، فربنا يعلم المحسن من المسيء، فأنت لا تقل عن نفسك أي شيء، نسأل الله أن يرفع الكبر عن قلوبنا. والجبار: الذي يعطيه ماله أو جاهه سطوة يتجبر بها على الخلق، والكبر صفة من صفات الله عز وجل، بل لا يتصف بها أحد من خلقه إلا ويجندل في نار جهنم، والعياذ بالله رب العالمين. وقالت الجنة: (أنا لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين) وليس معنى هذا: أن الإسلام مع الضعف والمسكنة، فأنت من الممكن أن تكون غنياً وذا جاه، ولكنك ضعيف في نفسك، وضعيف ذليل مع المسلم، وليس معنى الضعف هنا: الخضوع والتذلل، لكن الضعف هنا هو التواضع واللين والرضا بالقليل، والمسكين في نفسه، وليس المسكنة المتصنعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين). فالمسكنة نوعان: مسكنة القلب لله، وهذا هو المقصود، ومسكنة المسكين الطبيعي الذي لا يجد ما يأكل. ولكن إياك أن تكون مسكيناً ومتكبراً على الناس.

الأعمال بالخواتيم

الأعمال بالخواتيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يرسل الملك الموكل بالأرواح فيكتب أربع كلمات: رزقه، وعمره، وشقاوته، وسعادته، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيكون من أهلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهلها فيدخلها، فإنما الأعمال بخواتيمها) اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها يا رب العالمين! وهذا الحديث مهم، وأنا أريد أن تضعوا تحت كلمة (فيما يبدو للناس) سبعمائة خط. فبعض الناس يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيكون أمام الناس على الصلاح والتقوى، ولكن لا تخفى على الله خافية، والأعمال بخواتيمها، فلو أنت تصلي، وأنت في التشهد الأخير وتقول: إنك حميد مجيـ ولم تكمل الكلمة فأحدثت، بحيث طلعت ريح، فالصلاة باطلة، لأن الأعمال بخواتيمها. ولو صمت طوال اليوم وفي الساعة السابعة إلا دقيقتين أكلت، -هذا إن لم تكن ناسياً- ضاع يومك. إذاً: الأعمال بخواتيمها.

دعاء الجنة والنار للمؤمنين

دعاء الجنة والنار للمؤمنين قال صلى الله عليه وسلم: (من استجار من النار سبع مرات، قالت النار: إن عبدك فلاناً استجار بك مني، اللهم أجره) فالنار تؤمن على دعائك، وبالذات بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب. (ومن سأل الله الجنة سبع مرات، قالت الجنة: إن عبدك فلاناً سألك إياي، فأدخله إياي). وهذا سيدنا بلال رضي الله عنه كان حفظه محدوداً، وسيدنا معاذ بن جبل كان من علماء الصحابة، وهو الذي سيحمل راية العلماء يوم القيامة. فقال بلال: (يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل)، فسمى الدعاء والذكر دندنة، وليس معناه: أنك تدندن بالمجون، وإنما كانوا يدندنون بذكر الله، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. ذكر في زمن الصحابة أن عبد الله بن رواحة كان يمسك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدو للناقة ويقول لها: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا هل هذا غناء؟! ويقولون لك الآن: كان يغني. فسبحان الله العظيم! فالصحابي الجليل بلال رضي الله عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: (لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل). أي: يا رسول الله! أنت عندما تلبس تدعو دعاءً، وعندما تقف أمام المرآة تدعو دعاءً، وتسجد وتدعو دعاء، وتسلم على مسافر فيدعو دعاءً وأنت تدعو دعاءً، فأنا لا أحسن كل هذا الكلام. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ماذا تقول يا بلال؟! فقال: أقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن!)، أي: كل الكلام الذي نقوله حول كلامك هذا، فأنت عندما تطلب رضا الله والجنة، وتبعد عن سخطه والنار، فماذا تريد بعد ذلك؟! فعليكم بجوامع الكلم. دخل النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم على السيدة جويرية بنت الحارث وهي جالسة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح ويجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، وبعد نصف ساعة يصلي الضحى، ويرى إن كان أحداً رأى رؤيا أو كذا، وبعد ذلك يدخل البيت، فوجد السيدة جويرية بنت الحارث عندها كوم نواة من بلح، وكانت تقول: سبحان الله، سبحان الله، وتنقل الكومة من ناحية إلى أخرى، وبعد ذلك تقول: الحمد لله، الحمد لله، وتنقل الكومة إلى الناحية الأخرى، وبعد ذلك تقول: الله أكبر، الله أكبر، وهكذا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا تصنعين يا أم المؤمنين! فقالت له: ما زلت بعدك يا رسول الله دائبة، فقال لها: لقد قلتُ كلمات تعدل ما قلتِ وأكثر: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).

ذكر مناداة الجنة لأصحابها والنار لأصحابها

ذكر مناداة الجنة لأصحابها والنار لأصحابها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلة أسري بي شممت ريحاً طيبة، وسمعت صوتاً جميلاً، فقلت: ما هذا الصوت يا جبريل! وما تلك الرائحة؟ فقال: هذا صوت الجنة تنادي وتقول: يا رب! كثر حريري وذهبي وإستبرقي وسندسي وأشجاري وأطياري وأنهاري ولحمي وحوري ونوري فأرسل إلي عبادك المؤمنين)، وهكذا اشتاقت الجنة إلى أصحابها. (فقال: اصبري يا جنة! فلك عندي كل مؤمن ومؤمنة عاش لا يشرك بي شيئاً)، لا إله إلا الله، عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله. قال: (فردت الجنة: قد رضيت، قد أفلح المؤمنون، فيقول الله عز وجل: طوبى لك منزل الملوك) أي: أن الشخص المسكين الضعيف الذي لم ير شيئاً من الملك في الدنيا سيكون ملكاً في الجنة. اللهم اجعلنا من أهلها يا رب العالمين! قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]، فالعباد الصالحون هم الذين يرثون الأرض، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! قال: (فسمع صوتاً سيئاً، وشم ريحاً خبيثة فقال: ما هذا يا جبريل؟! وما هذه الرائحة؟ قال: هذا صوت النار تنادي يا رب! كثر سلاسلي وأغلالي وغسليني وزقومي وغساقي، وكثرت ودياني وحياتي وعقاربي فأرسل إلي أصحابي، قال: لك كل جبار وكل ظالم وظالمة وكل مشرك لا يؤمن بيوم الحساب).

ذكر جعل الموت على هيئة كبش أقرن وذبحه ما بين الجنة والنار

ذكر جعل الموت على هيئة كبش أقرن وذبحه ما بين الجنة والنار قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت على هيئة كبش أقرن، قيل: يا أهل الجنة!، يا أهل النار! فاطلع الفريقان، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هذا هو الموت، فذبح الموت بين الجنة والنار، ثم نادى مناد من قبل العلي الأعلى: يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً ويزداد أهل النار حزناً وغماً). قال صلى الله عليه وسلم: (إذا فارق الخوف قلب العبد، قال الناس: بئس العبد فلان، إنا نبغضه) عندما تجد رجلاً يبغضه الناس فاعلم أنه لا يخاف الله، وبالعكس إذا وجدت إنساناً يحبه الناس فاعلم أنه يخاف الله عز وجل.

الترغيب في الجنة والترهيب من النار

الترغيب في الجنة والترهيب من النار أخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المسلمين! ارغبوا فيما رغبكم الله فيه، واحذروا وخافوا ما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم، فإنها لو كانت قطرة من الجنة في دنياكم لحلتها لكم، ولو كانت قطرة لكم من النار في دنياكم لخبثتها وأنتنتها عليكم). أي: أحبوا الشيء الذي رغبكم الله فيه، وهي الجنة بالعمل، فلو أن قطرة من الجنة نزلت إلى الدنيا بمرارتها ستكون الدنيا حلوة، ولو أن قطرة من النار -والعياذ بالله- تنزل إلى الدنيا تزيدها خبثاً علينا والعياذ بالله رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً بليل) أي: أتى في الليل وهو مسافر فأشعل النار. (وأقبلت إليه هذه الفراش) التي تجتمع حول النور. (والذباب الذي يغشى النار، فجعل يذبها) أي: فجعل يطردها. (ويغلبنه) أي: لا يردن إلا أن يقعن في النار كما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا تقحماً في النار، وأنا آخذ بحجزكم أدعوكم إلى الجنة وتغلبوني إلا تقحماً في نار جهنم). شبه نفسه برجل أوقد ناراً فاجتمع الفراش، وأراد أن يمنعهن من النار، ويحذرهن من النار. وهكذا هو حالنا، عندما تحذر أحداً من النار، وتقول له: لا تظلم، لا تنم، لا تسرق، سبحان الله! بدون فائدة، فتراه يريد أن يتخطى حاجز رسول الله ويدخل النار والعياذ بالله، اللهم أبعدنا عنها يا رب العالمين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات، فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم). فقوله: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم) أي: اطلب الجنة بالقدر الذي تستطيعه، واعمل أي خير، وأحب المسلمين، وأحب الإسلام، وأحب رسول الإسلام، وأحب القرآن، وأحب مجالس العلم، فالمهم أن تعمل خيراً. قال: (فإن الجنة لا ينام طالبها) وكيف ينام من يطلب الجنة؟ (والنار لا ينام هاربها) وليس من الممكن أن ينام؟! (وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكارة) أي: كل الصعوبات موجودة في طريق أهل الدين، فتجد قرارات وغير ذلك ضدهم، لكن المهرج كل شيء في صالحه. والآخرة محفوفة بالمكاره، والدنيا كلها لذات وشهوات، قال: (فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم). وقال ابن عباس: ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، فالذي كان حزيناً في الدنيا لا يحزنه الله في الآخرة. وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26]، فالإشفاق: هو المخافة من الله عز وجل. عن عياض بن حمار المجاشعي عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط -أي: عادل- متصدق موفق) كمدير المدرسة، أو مدير المستشفى، أو رئيس مجلس إدارة، أو وزير، أو رئيس، أو رئيس وزراء، أو محافظ، أو رئيس مجلس مدينة، أو صاحب ورشة، أو صاحب عمل، أو مدير مكتب، فكل واحد من هؤلاء يسمى ذا سلطان، فما دام تحت يدك أناس يعملون فأنت ذو سلطان، فانتبه أن تظلم أحداً منهم. كذلك امرأتك وأولادك أنت السلطان عليهم، فاتق الله في سلطانك، وفي الحديث: (دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أعطيته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، قال: الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظم أجراً). والصنف الثاني من أهل الجنة: (ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم) أي: رجل رحيم بالناس رقيق القلب، قلبه حنون ليس جامداً، تجد بعض الناس يقول: أنا من يوم أن ولدت لم أبك قط، فنقول له: نسأل الله أن يرقق قلبك، وذهبت امرأة تشكو لـ عائشة رضي الله عنها أنها لا تبكي، فقالت لها: اذكري الموت والآخرة يرق قلبك يا أمة الله! والصنف الثالث من أهل الجنة: (وعفيف ضعيف متضعف ذو عيال) أي: رجل لا يجد ما يأكل، كأن يكون موظفاً متعففاً دخله محدود ولديه أولاد، ولا يمد يده للناس، فهذا من أهل الجنة إن شاء الله، اللهم اجعلنا من أهلها. قال: (وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبع لا يبغون فيكم أهلاً ولا مالاً)، وهذا هو الإمعة، الذي يكون تبعاً، فأيام الملك يقول: يعيش الملك، وأيام الثورة يقول: تحيا الثورة، وأيام الاشتراكية يقول: هل يوجد أحسن من الاشتراكية؟! وعندما تكون رأسمالية يقول: هكذا أفضل فدع الناس يعيشون، وبعد ذلك يقولون: سوف نبيع القطاع العام، فيقول: هذا أفضل حل، أنا أؤيد هذا الموضوع، فلا تدري مع من يكون، فهذا هو الإمعة، لا يهمه شيء، مات الملك، يحيا الملك. رأى أشعب جماعة من الشعراء أخذهم الحرس إلى دار أمير المؤمنين، فقال: من المؤكد أن هناك وليمة، ولكن هؤلاء الشعراء شتموا أمير المؤمنين في بعض قصائدهم، وذهبوا إلى أمير المؤمنين ليأخذوا جزاءهم، فلما حاكموا الشعراء وكل واحد منهم أخذ عقوبته، وصلوا إلى أشعب فقالوا له: وأنت ماذا قلت؟ فقال: أنا من الغاوين؟ فقيل: ماذا تقصد بالغاوين؟ فقال أشعب: أليس الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224]، فأنا من الغاوين الذي يمشون وراء الشعراء. فالإمعة: هو الذي ليس له مبدأ، تجده يقول: اتحاد القيم، الاتحاد الاشتراكي، منظمة الشباب، حزبي، فيا بني قل: أنا مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس فأحسنوا، وإن أساءوا فتجنبوا إساءتهم) هكذا أمرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم. النوع الثاني: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه)، أي: الخائن للأمانة، حتى إنه لا يرجع إلى بيته إلا بشيء حرام. النوع الثالث: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك) المخادع كالموظف الذي يشتغل مع الموظفة، فتقول في نفسها: لو كان هذا زوجاً لي مؤدباً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها). فاتقوا الله يا موظفون ويا موظفات! والذي يغضبون من كلامي، ويسبون في الهاتف، فهؤلاء من الذين يعرفون أنفسهم. كمثل الرجل الذي قال: السارقون ليسوا أناساً جيدين، فرد عليه الرجل -ويبدو أنه كان سارقاً-: عيب عليك يا أستاذ! أن تقول هكذا. النوع الرابع من أهل النار والعياذ بالله: البخيل، فالبخيل يعيش في الدنيا عيشة الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة بخيل). فعندما يرى المال يقول له: كم تعبت بين أيد كثيرة، وتنقلت بين جيوب كثيرة، ادخل هنا فلن ترى النور مرة أخرى. قال: (وذكر البخل والكذب) فالنوع الخامس: الكذاب؛ لأن المؤمن قد يكون جباناً، لكن لا يكون كذاباً، فاحذر الكذب. قال: (والشنظير الفحاش) أي: بذيء اللسان، الذي يكون كل كلامه سيئاً بذيئاً. فانتبه لهذا، واجعل لسانك يقطر شهداً لا يقطر مرارة. نسأل الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الجلسة أن يجعل هذه الجلسة في ميزان حسناتنا يوم القيامة. اللهم ثقل بها موازيننا، واغفر لنا ذنوبنا، ويسر لنا أمورنا، اللهم فرج الكرب عن المكروبين، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار! ارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر، اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الدار الآخرة_وصف النار [1]

سلسلة الدار الآخرة_وصف النار [1] إن النار دركات كما أن الجنة درجات، فللنار سبعة أبواب، لكل باب جزء مقسوم ممن كتب الله عليهم العذاب، والعصاة الموحدون يدخلون من باب جهنم، ولا خلاف بين العلماء في خروجهم بعد أن يعذبوا على قدر ذنوبهم.

وجوب الإيمان بما ورد من أوصاف الجنة والنار دون اعتراض

وجوب الإيمان بما ورد من أوصاف الجنة والنار دون اعتراض أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثامنة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، ندعو الله عز وجل في بداية هذه الحلقة عسى أن تكون ساعة يقبل فيها الدعاء، فاللهم تقبل منا دعاءنا، اللهم تقبل منا دعاءنا، اللهم تقبل منا دعاءنا، اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب مع الأبرار يا رب العالمين. كما نسألك يا مولانا أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، اللهم اهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، وتب على كل عاص، واشف كل مريض، واقض الدين عن المدينين، وفرج كربنا وكروب المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وتوفنا على الإسلام يا أكرم الأكرمين! وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. توقفنا في الحلقات السابقة عند مقدمة عن الجنة وعن النار، اللهم اجعل الجنة مآلنا، وابعد كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة عن النار وعن عذاب النار يا رب العالمين! تحدثنا يوم الإثنين الماضي في النصوص من كتاب الله عز وجل، ومما جاء في سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن بعض آيات وأحاديث، تمثل نماذج للدخول في مسألة الحديث عن الجنة وعن النار، وما زلت أكرر قائلاً: إن الحديث عن الدار الآخرة ليس فيه قياس لمن يريد أن يقيس، وليس فيه اجتهاد لمجتهد، وإنما الحديث عن الدار الآخرة لا يخرج عن نصوص من كتاب الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن نقول: إن أحد الصالحين رأى رؤيا وأصبحت حقيقة من الحقائق التي تتحدث عن الدار الآخرة وما فيها؛ لأن الرؤى لا تمثل نصاً من نصوص الشرع، ولا تمثل ركناً نستند عليه في الحديث عن أمور العقيدة، فقلنا: إن أمر الحديث في أمر الدار الآخرة أو الموقف وما بعده لا يدخل العقل فيه أبداً ولا يدخل فيه التصور. إن هناك من الأغبياء الأغنياء من يقول: ما هو هذا الحديث في القرآن عن الجنة، حور وقصور وفاكهة ولحم؟! فإنني متمتع بذلك كله في الدنيا، نقول لمثل هذا المغفل: إن الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته وكرمه يرزق عباده في الجنة بتمر مثلاً يفوق وصف العقل، ويؤتى بما لذ وطاب فتقول الملائكة: كل يا ولي الرحمن! إن اللون واحد ولكن الطعم مختلف. فالله سبحانه وتعالى يقرب لنا مسألة الآخرة لكي نفهمها؛ فليس منا من دخل الجنة ثم عاد ليقص لنا ما فيها؟ ومن منا دخل النار ثم عاد ليحكي لنا ما فيها؟ إذاً: الله عز وجل يقرب للعقول البشرية المحدودة مسألة النعيم في الجنة ومسألة العذاب في النار، وبفضله ورحمته يخاطب الناس حتى يفهموا، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] وقوله تعالى: {عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15]، وقوله: {لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15]، وقوله تعالى: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور:23]، لكن لو أخبرك عن حقيقة ما في الآخرة فلن تفهم، ولو أخبرك عن حقيقة الوصف بعد موتك لما استوعبت ذلك. وأضرب مثلاً بسيطاً، لو أن طفلاً صغيراً يدرس ونقول له: انظر يا بني: سأكلمك عن الفرق بين الانشطار النووي والاندماج النووي، وسأكلمك عن العناصر الكيميائية، فهذه رمزها النووي أو الذري كذا، والذرة عبارة عن نواة فيها بروتون موجب ونيترون متعادل وإلكترون سالب، والإلكترون يدور في مدارات بسرعة معينة، وكتلة الإلكترون هذا بالنسبة لحجم الذرة كذا وكذا، فترى الطفل يتركك وأنت تشرح ويذهب ليلعب، لأنه لا يفهم، فلو أن الله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- حدثنا عن حقيقة ما في الدار الآخرة سيكون وضعنا بالضبط كوضع الولد الذي نكلمه عن الذرة تماماً. إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47] على صورة أبينا آدم ستون ذراعاً في السماء، القضية أن نأخذ أمر الدار الآخرة مما جاء في كتاب الله وجاء في كلام رسول الله بدون عرض على العقل؛ لأن العقل محدود، فلو قيل لك: من الناس من يأكل ويشرب ولا يعرق ولا يتغوط ولا يتبول ولا يخرج منياً ولا بصاقاً ولا مخاطاً أبداً وتعرض ذلك على العقل، هل سيرفضها أم يقبلها؟ يرفضها، إذاً: العقل المجرد يرفض، لكن حين تحيل هذا الأمر إلى خالق الأمر وتقول: سمعاً وطاعة يا رب العباد! وتقول: نحن مصدقون بكل ما جاء في كتاب الله، وبكل ما جاء به الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رحمة مهداة فإنك تسلك الطريق القويم. إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا معنى (غسلين) و (غساق) و (زقوم)، فمعنى (غسلين): العصارة والصديد والقيح الذي يسيل من أهل النار والعياذ بالله، فلو أن دلواً من غسلين أو دلواً من غساق مما أخبر الله عنه في القرآن أهرق على أهل الدنيا لمات أهل الدنيا كلهم من نتن رائحته، إذاً: الوصف لا يدخل تحت نطاق العقل، وقد قال الله سبحانه: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} [الكهف:29] أي: من شدة الحر، فيقولون: نريد أن نشرب {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29]، إذا قرب الإناء الذي يمسكه من فمه فتعترضه ثلاثة أشياء: أولاً: يتساقط لحم يديه من شدة حرارة الكوب المصنوع من النار، ثانياً: عندما يقرب من فمه بخار المهل يتساقط منه لحم وجهه ويحترق ويتقطع، ثالثاً: كما قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]. فإن قيل: هل الله سبحانه وتعالى يريد عذاباً بالعباد؟ A لا، إن الله أرحم بنا من أمهاتنا، لكن السبب أن المخلوق أبى واستكبر على رب العباد سبحانه، قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [الزمر:45] أي: تشمئز قلوب غير المؤمنين، فالكفار يشمئزون من كلام الله عز وجل. إن الله خلق الجنة وأحاطها بالمكاره، وخلق النار وأحاطها بالشهوات.

فضل مجالس العلم في المساجد

فضل مجالس العلم في المساجد فأنت يا أخي المؤمن! تجد من الناس من يتشاجر مع أخيه في السوق أو في الفندق أو في المدرسة أو في مركز حكومي أو في مركز الأمن فيتضاربان، فالشياطين تقوم بدورها في نشر العداوة والبغضاء بين الناس في مثل هذه الأماكن، لكنك في المسجد جئت إليه عزيزاً لا تطأطئ رأسك إلا لله، ولا تحني هامتك إلا لمن خلقك، فأنت في اطمئنان في بيت الله عز وجل، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، إذ إن الطاعة كلها عزة، ولذلك فإن المطيع لله عزيز والعاصي لله ذليل، فمن مناظر أهل النار أنك تراهم ناكسي رءوسهم {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45]. بينما الرسول صلى الله عليه وسلم جالس بين صحابته رأى مجلسين: مجلس علم ومجلساً يدعون الله فيه ويبتهلون فيه، فجلس في مجلس العلم وقال: (إنما بعثت معلماً). وثبت في السنة أن ثلاثة جاءوا إلى الحلقة فواحد منهم وجد فرجة في الصف فجلس، أما الثاني فاستحيا أن يتخطى الصفوف فجلس في المؤخرة، أما الثالث فقال: ماذا أصنع هنا؟ فأعرض ومشى، فاسمع تعليق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كلامه شفاء للأمة، وشقاء الأمة كلها حين تلقي بكلام رسول الله خلف ظهرها. قال: (أما الأول فقد أقبل على الله فأقبل الله عليه، وأما الثاني فاستحيا من الله فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض عن الله فأعرض الله عنه)، وشتان بين محب للعلم وغير محب للعلم. فأنت حين تأتي إلى المسجد لا تكلف نفسك شيئاً، ومع ذلك يجعل الله سبحانه حضورك الجماعة في ميزان حسناتك، والمسلم حين يتحرك من بيته للصلاة فإن الملائكة تكتب له ثواباً كأنه في صلاة إلى أن تقام الصلاة، فتكتب له حسنة وتحط عنه سيئة ويرفع عند الله درجة، ولو كشف الحجاب لرأى أجنحة الملائكة وهي تفرش الطريق أمامه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وتصلي عليه الملائكة حتى يرجع إلى بيته، ومن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع). فلو حدث له شيء فهو في سبيل الله، وفرق بين من يذهب في غير سبيل الله فيضرب ويخدش وتأتيه الذبحة الصدرية أو الضغط وتصلب الشرايين ولو مات مات في غير سبيل الله، وبين من حركته كلها لله، فأمر المؤمن كله عجب وليس ذلك إلا لحركته، فهو يتقلب في أنوار خمسة، فكلامه نور، ومجلسه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، وقبره وعلى الصراط نور. أما الكافر فهو يتقلب في ظلمات خمس، فكلامه ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومجلسه ظلمة، وقبره وعلى الصراط ظلمة. اللهم أنر لنا طريقنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين! إذاً: الجنة لا تكلفك شيئاً، لكن النار تكلفك أن تذهب وتشتري مخدرات وخمراً، وتقطع تذكرة السينما وتقف وتشاهد وتتعب، كما قال تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فإن كان خيراً فستجده مسجلاً في كتاب الحسنات، ونسأل الله أن تكون كل أعمالنا خيراً. فالله عز وجل أحاط الجنة بالمكاره، فالجنة تريد صبراً، ومثابرة وقيام ليل، فشرف المؤمن في قيام الليل، وشرف المؤمن أن الملائكة تشير إليه وتقول: هذا هو الطاهر الشريف، والملك الآخر يقول: هذا فلان من أمة محمد يصلي في الليل، فهو يبدد الظلمة بالأنوار الإيمانية، اللهم أضئ لنا بيوتنا يا رب العالمين بالإيمان! (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق لتفاضل ما بينهم)، ونحن نرى الكواكب المنيرة في السماء، ونرى الذي يقوم الليل مثل النجم، وتصلي الملائكة على أصحاب هذه البيوت وتدعو لهم بالخير، اللهم اجعلنا ممن تدعو لهم الملائكة يا رب العالمين!

دركات النار

دركات النار إذا كانت الجنة درجات لأعلى؛ فإن النار دركات لأسفل، فالجنة تجد فيها كل نعيم أحسن من النعيم الذي تحته، وعندما تدخل أسرة مؤمنة إلى الجنة بفضل الله فإنه قد يكون الأب والأم أكثر صلاحاً وأكثر حسنات من الأبناء أو العكس، أو الزوج أعظم صلاحاً من الزوجة، أو الزوجة أكثر إيماناً من الزوج، فكل واحد يدخل الجنة برحمة الله ثم يقتسمونها بعد ذلك بالعمل، فنفرض جدلاً أن الأب صالح بدرجة عالية وزوجته أقل منه قليلاً والأولاد أقل، فيكون لهؤلاء ثلاث درجات، فيتمنى الأب وتتمنى الأم ويتمنى الأبناء أن يجمعهم الله في مكان واحد، فيلحق الله الأدنين بالأعلين. والنار دركات بعضها أسفل من بعض، ولا خلاف بين العلماء فيها، لكن الخلاف فيمن يسكن هذه الدركات. وقد اتفقنا من قبل أن أخف أهل النار عذاباً هو أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قبل الله فيه شفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فوضعه في ضحضاح في جهنم -وهذه صورة من صور العذاب في جهنم- فأخف أهل النار عذاباً أن يلبس أبو طالب نعلين أو خفين من نار يغلي منهما دماغه، يظن أنه أشد أهل النار عذاباً. من هذا المنطق نقيس أن أخف الناس عذاباً في النار يمكث فيها ما شاء الله سبحانه، واليوم بألف سنة عند الله، ومن أهل النار من ينقص يوماً ومن ينقص يومين ومن ينقص أسبوعاً ومن ينقص شهراً ومن ينقص عاماً، ومن ينقص فيها كعمر الدنيا منذ أن خلقت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهذه مسألة مرعبة تجعل الإنسان يعيد حساباته أولاً بأول، وإني أوصي نفسي وأوصيك أن تكون بعد سماعك حلقات دار الآخرة أفضل من ذي قبل، فمن الواجب أن تكون لك الفائدة في دروس الدار الآخرة، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ذكر ما جاء في جهنم

ذكر ما جاء في جهنم جهنم هي أول دركة من دركات النار، وفيها عصاة موحدون، وهم الذين ماتوا وما زالت لهم سيئات لم يتوبوا منها، ولم يرض الله عز وجل بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، وذلك كمن مات وعليه مظالم للعباد ما استطاع أن يرجعها، وعليه ذنوب لم يتب منها، وعليه أشياء لم يبدلها الله حسنات أو يمحها، عندئذ دخل جهنم. وسميت بجهنم اشتقاقاً من التجهم، نقول: فلان متجهم أي: مكشر ووجهه غير مريح لمن ينظر إليه، فكأن جهنم تتجهم في وجوه أصحابها، أي: تكون عابسة متجهمة لا يستريح إليها ناظر، وهذه الدركة لمن يدخل النكد على المسلمين من المسلمين أنفسهم، فهذا الصنف يوضع في وادٍ في جهنم يسمى بوادي الحسرات، والحسرات: جمع حسرة، قال تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]. فأهل الحسرة ينظر إليهم أهل النار فيرون أنهم أشد أهل جهنم عذاباً؛ لأنهم كانوا يدخلون النكد على المسلمين وعلى بيوتهم، كالمدير الذي ينكد على الموظف في وظيفته، والرئيس الذي ينكد على مرءوسه ويحول حياته إلى جحيم، ويخوفه ويرعبه بالتقارير، فهؤلاء أناس يدخلون الكآبة والحزن على الناس، ومن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، فأنت تجعل زوجتك مسرورة وأمك كذلك وأختك وعمتك وخالتك بصلة الرحم، فلابد أن تدخل الفرح على المسلمين. يذكر أن ابن عباس اعتكف في رمضان تحت الحجر الأسود، فجاءه رجل يطلب منه قضاء حاجته، فخرج ابن عباس مع الرجل ثم رجع، فتعجب المسلمون من ذلك، لماذا قطع ابن عباس الاعتكاف، فلما سئل ابن عباس عن ذلك قال: هذا الرجل كانت له حاجة فقضيتها له، فقالوا: أتقطع اعتكافك عند الحجر الأسود من أجل قضاء حاجة هذا الرجل، فقال: لأن أسير خطوة في قضاء حاجة أخي المسلم أحب إلي من أن أعتكف عند الحجر الأسود سبعين سنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه). وجيء برجل مسرف على نفسه، أي: سيئاته أكثر من حسناته فقال الله: أما له من حسنة؟ قالوا: لا يا رب! قال: تعال يا عبدي! أما لك من حسنة؟ قال: كلا يا رب! السيئات أكلت الحسنات، فقال ملك من الملائكة: يا رب! هذا رجل كان موسراً في الدنيا يدين الناس، فكان يقول لغلمانه: من كان معسراً فلتيسروا عليه ومن لا يستطيع أن يرد فاسمحوه، فقال الله: عبدي أأنت أكرم مني؟ أدخلوه الجنة. واتق الله في دعاء المظلوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، ويقول الله عز وجل: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين). يحكى أن الفضل بن الربيع وزير المأمون رمي به في السجن لتهمة ألصقت به فرموه في السجن هو وابنه، ولم يكن الأب يستطيع أن يتوضأ بالماء البارد، فكان ابنه يقوم بعد العشاء بعد أن ينام أبوه ويمسك كوز الماء ويضعه على صدره، ويستمر على ذلك إلى قبيل طلوع الفجر، فيقوم الأب وقد أصبح الماء دافئاً فيتوضأ، وذات مرة استيقظ الأب فوجد ابنه يبكي فسأله عن بكائه فقال: ما هذا الأمر الذي وصلنا إليه يا أبتاه! أذل بعد عز؟ فقال الأب: يا بني! لعلنا ظلمنا أحداً، فهذه دعوة مظلوم سرت في جنح الليل ونحن نيام ولكن الله لم ينم. يحكى أن صياداً فقيراً اصطاد سمكة، وكان أمير تلك البلدة متعوداً على الظلم، فأخذ السمكة من يد الصياد عنوة، فقال الصياد: إنني فقير، أريد أن أبيعها وأشتري شيئاً لأولادي، فقال الأمير: ليس لدي نقود، وأخذ يشد السمكة فأصيب بشوكة من شوكاتها في إصبعه فرجع إلى بيته وطبخوا له السمكة وأكل من السمكة المغتصبة، وبعد أيام زاد ألم إصبعه وتسممت، فجمعوا له أطباء مملكته لعلاجها فما استطاعوا، فقالوا: لابد من قطعها حتى لا ينتشر السم إلى الذراع، فقطعوا إصبعه، ولكن السم انتشر في الإصبع الأخرى فقطعوها، ثم قطعوا يده والتسمم ما زال منتشراً، وذات ليلة نام الأمير فسمع هاتفاً يقول: وعزة الله وجلاله لنقطعن جسدك إرباً إرباً إن لم تستسمح الصياد الفقير! فانتبه من الظلم؛ فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؛ لأن المظلوم يدعو عليك وأنت نائم وعين الله لم تنم، وهناك واد -والعياذ بالله- يسمى وادي هبهب يوضع فيه الظلمة، اللهم لا تجعلنا من الظالمين يا رب العالمين. فجهنم هي الدركة الأولى في النار، والدركة التي بعدها تسمى سقر ثم الحطمة ثم الهاوية ثم الجحيم ثم لظى ثم الدرك الأسفل. كان الصحابة جالسين مع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فسمعوا صوتاً كأنه الرجفة فقالوا: ما هذا يا رسول الله؟! قال: (هذا حجر ألقي منذ سبعين سنة في جهنم وصل قعرها الآن). نحن ما زلنا مع العصاة الموحدين، والعاصي الموحد هو المسلم الذي مات وعليه ذنوب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي يوم تصفق جهنم أبوابها) فسيأتي على جهنم يوم تخلو فيه من سكانها، ولكن سيبقى السكان في الدركات الست الباقية، يعني: كل من قال: لا إله إلا الله يخرج من جهنم، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين! إن الله عز وجل بعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً ونذيراً، يبشر بالجنة وينذر ويخوف من النار، والخوف من النار مطلوب، وأنت لو كنت مؤمناً صادقاً فإنك تخاف من الفضيحة يوم القيامة، وتخاف أيضاً من النار وما في النار من عذاب، نسأل الله أن يباعد بيننا وبينها بعد المشرقين. وأول درجة من الخوف الخوف الذي يبعدك عن الحرام ويحببك في الحلال، فالله عز وجل رزقك مالاً حلالاً لكنه قليل والله سبحانه يبارك في المال الحلال. وذكر في الأثر أن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، هاجر من مكة إلى المدينة وليس معه إلا أربعة دراهم وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع رضي الله عنه، فقال سعد بن الربيع لأخيه عبد الرحمن: لدي بستانان فخذ أحدهما، ولدي زوجتان فانظر أحسنهما فأطلقها حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها، فقال له عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في مالك وفي بيتك وزوجاتك دلني على السوق؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف وقال: (بارك الله لك يا عبد الرحمن بن عوف في صفقة يمينك) فكان واثقاً ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو وضعت يده في التراب لربح، أما نحن فلو خسر أحدنا في تجارته قال: كسبت صلاة النبي ويضحك تلك الضحكة الساخرة وهي مكتوبة عليه في ميزان سيئاته. وهكذا ذهب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وتاجر بالدراهم التي يملكها، فأخذ يبيع ويشتري حتى جاءته الوفاة بعد عشرات السنين، فأخذوا يقسمون تركته، فكان نصيب زوجته الرابعة من التركة مليوني دينار، وعلى ذلك تصبح تركته أربعة وستين مليون دينار، وكل ذلك ببركة المال الحلال. إذاً: أول درجة من الخوف هي التي تبعدك عن الحرام فلا تأكل حراماً ولا تتكلم حراماً ولا تنظر إلى حرام، ولا تمد يدك لحرام، ولا تجلس في جلسة فيها حرام، هذه أول درجة من الخوف، فإن لم تكن عندك هذه الدرجة فكن كما قال الحسن البصري: كمن ترك جاريته في السوق ورجع إلى البيت فلم يجدها، فلما عادت سألها: أين كنت؟ قالت: يا سيدي! تركتني في مكان شغل الناس فيه بالبيع والشراء فلم أجد أحداً منهم يذكر الله عز وجل، فخفت أن ينزل غضب الله على من في السوق فأكون معهم فهربت إلى البيت. وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ما خير البقاع وما شرها؟ قال: انتظر حتى أسأل جبريل) فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل فأخبره مما أخبره الله عز وجل: (أن خير البقاع المساجد، وأن شرها الأسواق)، وقد علمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن نقول عند دخول السوق: (اللهم إني أعوذ بك أن أكسب فيها يميناً فاجرة أو صفقة خاسرة)، ويذكر أن رجلاً أراد شراء ماعز للإمام الشافعي فقال له: بكم تبيعها؟ قال له: قبل أن تشتري إنها ترفس علفها، فانظر إلى الأمانة في البيع، وإلى الخوف من الله عز وجل. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم شاباً من شباب الصحابة يبكي طوال الليل في تهجده ويقول: واغوثاه واغوثاه من النار، فيلتقي الحبيب به في صلاة الصبح فيقول: يا فلان ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول يا رسول الله: واغوثاه، أي: أغثني يا رب من النار، قال: (لقد أجريت دمعاً غزيراً من كثير من ملائكة السماء)، أي: أبكيت ملائكة السماء من بكائك.

ذكر بعض الآيات والأحاديث الواردة في جهنم

ذكر بعض الآيات والأحاديث الواردة في جهنم يحكى أن تلميذ الحسن البصري كان ماشياً على شاطئ الفرات فسمع قارئاً يقرأ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:74 - 75] فسقط في نهر الفرات فمات. ما استطاع أن يمسك نفسه! قيل للفضيل بن عياض: قرأ القارئ في الرحمن: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] فلماذا بكيت مع أن هذا شيء يبعث الفرح؟ قال: شغلتني الآية التي قبلها: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ} [الرحمن:35]، أي: أن هذه الآية شغلته عن الحور المقصورات. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أوقدت زوجته النار يقرب إصبعه ويقول: يا ابن الخطاب! ألك صبر على مثل هذا؟ ثم يمتنع عن الأكل الذي كان سيطبخ؛ للخوف الذي اعتراه ويقوم الليل لله رب العالمين. وسعيد بن جبير رضي الله عنه قبل أن يموت بسنة لم يره أحد يضحك ولا يتبسم أبداً، فسئل عن ذلك فقال: كيف أضحك والنار قد سعرت، والسلاسل والأغلال قد أعدت، والصراط قد مد على جهنم، ولا أدري أناجٍ أنا أم غير ناج؟ ويذكر أن حاتماً الأصم قال: عرضت على نفسي عرضين: الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب؟ قالت: أريد يوماً أتوب فيه إلى الله. نستغفر الله جميعاً من ذنوبنا، اللهم اغفر لنا يا رب العالمين! قال الله عز وجل في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف:179]، ذرأنا يعني: جهزنا وخلقنا وأعددنا، قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]، وهذه صفة كل من سمع كلام الله ولم يعمل به، فالمسلم يجب عليه عندما يسمع كلام الله أن يشفق ويخاف، قال: {وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179]. فالله عز وجل خلق وأعد خلقاً من الإنس والجن لهم قلوب مثل قلوبنا ولهم أعين كأعيننا ولهم آذان كآذاننا، لكنها آذان معطلة لا تسمع إلا ما كان خاصاً بالدنيا، أما أن يسمع درساً شرعياً في المكان الفلاني فهذا الذي لا يريده. وقال تعالى في سورة هود: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119] وليس معنى ذلك: أن كل الجن والإنس يدخلونها، إنما معنى الآية: مجموعة من الجن ومجموعة من الإنس يجتمعون ويدخلونها نسأل الله السلامة، وهؤلاء هم الجهنميون الذين قصروا في عبادة الله عز وجل. كذلك قوله تعالى في سورة السجدة: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13]. وقال الله تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:14 - 15]. فحطب جهنم -والعياذ بالله- مخلوقات من الإنس والجن. وقال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] فتخيل أن الإنسان وقود جهنم وكما قال الله تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74] ونضرب مثلاً بعصفور فوق نيران ساخنة لا هو يطير فينجو ولا يموت فيستريح، أو عصفور داخل زيت يغلي لا هو يطير فينجو من هذا العذاب ولا يموت ويستريح؛ ولذلك يقول الكفار المشركون يوم القيامة: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27]، وقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] ولكن A { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]، وقيل: إن مالكاً يرد عليهم بعد مائة سنة، يعني: لما طلبوا هذا الطلب جاء الرد عليهم بعد مائة سنة، فيا له من كلام يتصدع له القلب! نسأل الله العافية. وقال الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29]. فالذي يدعي الألوهية، أو يتصف بصفة من صفات الألوهية فجزاؤه عذاب جهنم، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ولا أبالي)؛ لأن الكبرياء والجبروت لله عز وجل، فاحذر أن تتكبر على الآخرين. ذكر أن جبلة بن الأيهم كان أميراً نصرانياً فأسلم، فبينما كان حول الكعبة داس أعرابي عباءته، فلطمه جبلة فشكا الأعرابي جبلة لسيدنا عمر قال: هذا الرجل ضربني فقال عمر: لماذا لطمته يا جبلة؟! فلما عرف عمر رضي الله عنه السبب: قال له: قف ها هنا يا جبلة! وأمر الأعرابي أن يلطمه فلطمه فعاد إلى قومه وارتد إلى النصرانية. ودخل فقير مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بجوار الغني، فضم الغني عباءته، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أخفت أن يعديك فقره، أم خفت أن يعدو عليه غناك؟) فقال الغني: تنازلت له عن نصف مالي يا رسول الله! يريد أن يكفر عن ذنبه الكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للفقير: أتقبل؟ قال: لا أقبل يا رسول الله! ولم؟ قال: أخاف أن يدخلني من الغرور ما دخله، فمن عباد الله من هو غني لا يصلح له إلا الغنى، لو أفقره الله لفسد حاله، وإن من عباده فقيراً لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه سبحانه لفسد حاله، ولذلك أعظم دعوة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] والحسنة عند الله لا يعلمها إلا هو، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. إذاً: من يتصف بصفات الألوهية يقول الله تعالى في شأنه: {فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29] والعياذ بالله رب العالمين. يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي والترمذي عن أبي هريرة: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع) يعني: أنها قضية مسلم بها، فبما أن اللبن لن يعود إلى الضرع، إذاً: فلن يدخل النار من بكى من خشية الله، فإن كان قلبك قاسياً فرقق قلبك بالصلاة وقيام الليل والتباكي، فالدموع إذا سالت لان القلب، اللهم رقق قلوبنا يا رب العالمين! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمت النار على عين سهرت بكتاب الله، وحرمت النار على عين دمعت من خشية الله، وحرمت النار على عين غضت عن محارم الله، أو فقئت في سبيل الله)، فكل هذه وسائل خير تحجز بينك وبين النار. وكان سيدنا عمر بن الخطاب يرى لوجهه خطان من الدموع رضي الله عنه، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار، فإن فاضت على خده لم يرهقه قتر ولا ذلة، ولو أن عبداً بكى في أمة من الأمم لأنجى الله عز وجل ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلا وله ثواب إلا الدموع، فإنها تطفئ بحوراً من نار). فكل هذه آثار عن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ورأيت رجلاً يرعد كما ترعد السعفة فجاءه وجله من الله فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار فجاءت دموعه اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله فأخرجته من النار) والنار: اسم عام لكل نار، والعياذ بالله رب العالمين. وتتعاقب الملائكة بالليل والنهار على المصلين فيقول الله: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: كذا وكذا وكذا، يقول: هل رأوا الجنة؟ يقولون: لا يا رب، فيقول: فكيف إذا رأوها؟ قالوا: ويستعيذون من النار، فيقول الله: هل رأوها؟ يقولون: لا يا رب، يقول: فكيف إذا رأوا النار؟ ثم يقول الله: قد أعطيتهم ما يطلبون وعوذتهم مما يتعوذون. أي: أبعدهم عن النار. وإذا انفتل العبد من صلاة وقال: اللهم أدخلني الجنة وزوجني من الحور العين، وأجرني من النار قالت الجنة: اللهم أدخله عندي، وتقول الحور العين: اللهم زوجه منا، وتقول جهنم: اللهم باعد بيني وبينه وأجره مني يا رب العالمين! وذلك بعد كل صلاة، إذ إن الدعاء مخ العبادة. أما القانطون من رحمة الله فلهم شأن آخر، فلابد أن تخاف كما خاف الصحابة والصالحون. وإذا كان يوماً شديد الحرارة فقال العبد: إن هذا يوم شديد الحرارة، اللهم أجرني من حر جهنم، قالت النار: يا رب! إن عبدك فلاناً قد استجار بك مني، اللهم فأجره، وإذا كان يوماً شديد البرد زمهريراً تقول: يا رب! باعد بيني وبين زمهرير جهنم، وكذلك النار تدعو الله لك عز وجل أن يباعد بينك وبينها. ويقول بعض العلماء: إن الحر في النار والعياذ بالله للإنس، والزمهرير -برد شديد جداً- للجن، لأن الجن مخلوق من النار. ويذكر أن أعرابية صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب فسمعته يقرأ: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] فأغشي عليها، وبعد الصلاة نادوا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأفاقت المرأة فقالت: يا رسول الله! أنبأتنا أن لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم، فهل ذلك: أن كل عضو يدخل من باب؟ قال: (لا،

اختلاف العلماء فيمن يسكن سقر ولظى من أهل النار

اختلاف العلماء فيمن يسكن سقر ولظى من أهل النار إن جهنم والعياذ بالله للعصاة الموحدين، أما سقر ولظى ففيهما خلاف بين العلماء، يقول بعض العلماء: إن سقر فيها النصارى ولظى فيها اليهود. وفريق من العلماء يقول: إن اليهود في سقر وهي تلي المسلمين مباشرة، والنصارى في لظى وهي تلي اليهود. ورأي آخر يقول: إن النصارى أقرب قليلاً إلى المسلمين، فهم في الدرك الذي أسفل منهم، ورأي يقول: اليهود موحدون والنصارى مثلثون، وأنا أميل إلى الرأي الذي يقول: إن النصارى أشد عدالة من اليهود، هذا ما أستريح له، لكن هذا رأي وهذا رأي، هؤلاء لهم أدلة وهؤلاء لهم أدلة، ونحن نقول فقط نظرة عامة. إذاً: جهنم للعصاة الموحدين، وسقر لليهود أو للنصارى على خلاف وكذلك لظى.

الحطمة والسعير ومن يسكنهما

الحطمة والسعير ومن يسكنهما والدركة الرابعة: الحطمة وفيها الصابئون، وبعدها السعير للمجوس، ومن بقي الآن كالهندوس، فالهندوس يعبدون البقر وفرقة منهم يعبدون النار. وفي الهند الآن ترى الهندي بائع الفواكه إذا مرت البقرة وأكلت من قفص الفاكهة أو الخضار يقول: حلت البركة في المحل؛ لأن الرب قد أكل من طعامي، وتأتي البقرة فتنام في ميدان مثل ميدان التحرير فتقف كل الإشارات لأن الرب نائم لا أحد يوقظه! نسأل الله الهداية. نحمد الله أن هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي له لولا أن هدانا الله، فالحمد لله الذي هدانا لنعمة التوحيد، وهذه نعمة ما بعدها نعمة، اللهم احفظ علينا نعمة التوحيد. إذاً: السعير والعياذ بالله فيه المجوس عبدة بوذا وعبدة الشيطان في أمريكا الشمالية والجنوبية الذين يقيمون طقوسهم عند الهرم، يزعمون أن إلههم الشيطان يظهر عند الهرم كما في كتبهم، ويأتون إلى مصر للسياحة فيقيمون طقوسهم عند (أبو الهول). ويقولون: إن كل شيء أمرت به الأديان لا يعملون بها، وكل شيء نهت عنه الأديان يرتكبونها.

من يسكن الدرك الأسفل من النار

من يسكن الدرك الأسفل من النار أما الدرك الأسفل ففيه ثلاث عينات: المنافقون وأصحاب المائدة وفرعون ومن تبعه. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145]. وأصحاب المائدة هم أصحاب سيدنا عيسى، فمن سوء أدبهم قالوا: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة:112] انظر إلى التعبير، قالوا: (هل يستطيع ربك) ولم يقولوا: ربنا، وكذلك اليهود قالوا لسيدنا موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]. قالوا: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة:112]، فأخذ عيسى عليه السلام يذكرهم بالله ويعظهم فقالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:113]. فقال الله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة:115] واشترط عليهم سيدنا عيسى أن يأكلوا ولا يدخروا؛ وذلك لأن الله سينزل لهم كل يوم مائدة، فلابد من الثقة والإيمان بالله عز وجل، لكنهم أكلوا وخبئوا وظنوا أن عيسى عليه السلام يكذب عليهم. فغضب الله عليهم غضباً لم يغضب مثله على أحد من العالمين من قبل، فهؤلاء مع المنافقين في الدرك الأسفل، كذلك قال الله تعالى في شأن فرعون وقومه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] والعياذ بالله رب العالمين، فهؤلاء سكان دركات النار والعياذ بالله رب العالمين. وهذا الروح الأمين جبريل جاء منكس الطرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك يا جبريل حزيناً؟ قال: جئتك بآيات: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:21 - 24] إلى آخر السورة، قال: وما الذي أغضبك؟ قال: جيء يومها يا رسول الله! بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقوده سبعون ألف ملك، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة -يعني: قفزت عليهم وانقلبت من بين أيديهم- فلولا أن أدركوها لأحرقت من في الجمع، فأخذوها برحمة الله عز وجل، وما زال يلقى فيها فوج وفوج ويقول الله لها: هل امتلأت وتقول: هل من مزيد إلى أن يضع الرحمن فيها إصبعه فتقول: قط قط قط، بعزتك قد امتلأت بعزتك قد امتلأت بعزتك قد امتلأت، وينزوي بعضها إلى بعض خشية وخوفاً من الجبار أن يكون قد خلق خلقاً غيرها يعذبها به. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الدار الآخرة_وصف النار [2]

سلسلة الدار الآخرة_وصف النار [2] لقد ذكر الله عز وجل في كتابه النار وشدة هولها، ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وصفاً تقشعر له الأبدان، وتستعيذ من هولها القلوب الخائفة، والنار لها دركات بعضها أشد من بعض، وكل درك منها له أهله من الكفار والعصاة والغافلين عن الله عز وجل، طعامهم الزقوم والضريع وشرابهم الحميم، ولباسهم النار، وفراشهم النار ومن فوقهم نار ومن تحتهم نار والعياذ بالله.

دعوة للمحاسبة

دعوة للمحاسبة أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده. وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة التاسعة عشرة في سلسة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في بدايتها أن يجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم إن أحييتنا فأحينا على الإيمان، وإن أمتنا فأمتنا على الإسلام، واحشرنا تحت لواء لا إله إلا الله، اللهم اسقنا من يد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم فك الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، اللهم يسر لنا أمورنا، واشرح لنا صدورنا، وأنر لنا قلوبنا، وقو لنا يقيننا، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم اجعلنا ثأرنا على من ظلمنا. اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، وذليلون فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا. اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم أعزنا بطاعتك، اللهم أعزنا بطاعتك، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، ومن كل قول أو عمل يقرب إلى النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار! يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم حل بيننا وبين معاصيك، اللهم اجعل حياتنا زيادة لنا في كل خير، واجعل موتنا راحة لنا من كل شر، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين! وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فهذه الحلقة التاسعة عشرة من الحديث عن الدار الآخرة، وهي الحلقة الثانية في وصف النار أجارنا الله وإياكم من عذابها، والحديث عن النار حديث يتصدع منه القلب ويخشع، ولا خير في قلب سمع الحديث عن النار ولم يقشعر ولم يخف من الله، فالحديث عن النار كاد أن يتصدع له قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. ورأينا في الحلقة السابقة كيف أن جبريل الأمين الذي عصمه المولى عز وجل من العصيان جاء مرة يبكي مرتعدة فرائصه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما يبكيك يا جبريل؟ قال: يا رسول الله! مررت بنافخ النار! قال صلى الله عليه وسلم: وهل تنفخ فيها الملائكة يا جبريل؟ قال: لقد أمر الله عز وجل الملائكة فأوقدت عليها ألف عام حتى احمرت، ثم ألف عام حتى ابيضت، ثم ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء كالليل البهيم، قال: صفها لي يا جبريل، قال: حرها شديد، وقعرها بعيد، ولها مقامع من حديد، قال الحبيب: حسبك يا جبريل! والله لقد كاد قلبي أن ينصدع)، فالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لما سمع من أخيه جبريل هذا الوصف المرعب للنار تمثل الحبيب النار أمامه. ورأينا أيضاً كيف أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها لما رأت النبي في تهجده بالليل، فبينا هو يصلي إذ تقدم خطوة، ومد يده كأنما يريد أن يأخذ شيئاً، ثم أعاد يده إلى جنبه مرة أخرى، ثم تراجع القهقرى خطوتين، فبعد أن قضى صلاته سألته أم سلمة متعجبة مما رأت: يا رسول الله! لقد رأيتك تصلي فتقدمت خطوة وبسطت يدك كأنك تأخذ شيئاً، ثم أرجعت يدك، ثم رجعت خطوتين إلى الوراء، ثم أكملت صلاتك؟ فقال: (أورأيتني يا أم سلمة؟ قالت: نعم، قال: بينا أنا أصلي إذا بباب من الجنة يفتح فتقدمت نحوه ورأيت عنقوداً من عنب يتدلى من غصن من أغصان أشجارها، فأردت أن أقطف لك يا أم سلمة فقيل لي: يا محمد! إنك ما تزال في الدنيا)، فهذا النعيم هو للمؤمنين في الآخرة، وليس هذا وقته! ثم قال: (ثم أرى باباً من أبواب النار يفتح، فخشيت على نفسي من لفح حرها فرجعت القهقرى)، سيدنا الحبيب المعصوم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأشرف الخلق عند الخالق خاف من النار، ولما رأى باب النار يفتح تراجع إلى القهقرى، أفلا نخاف نحن؟! وعندما نقوم بوصف النار أو الجنة أو ما يقع في يوم الحساب من صور ومواقف فليس لأجل أن نتسلى، لأن الأمر أكبر من ذلك، فهذا هول عظيم؛ لأن هذا هو وصف القرآن ليوم الحساب، وهو وصف الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. فالواجب أن يأخذ المسلم هذه الدروس مأخذ الجد، ويبدأ بالتطبيق العملي، ويعيد حساباته، ويسأل نفسه ويكون صادقاً معها قائلاً: ما موقفك من الأوامر والنواهي؟ يقول تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:29]، فأنت تسأل نفسك هل أنت تصلين الصلوات الخمس في المسجد؟ كم صلاة تصلينها جماعة؟ وكم صلاة تصلينها في البيت؟! وتسأل نفسك: كيف الخشوع عندك في الصلاة؟ ثم تسألها عن النوافل، والنوافل فيها خير عظيم، ومن واظب على ترك السنن المؤكدة عوتب يوم القيامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاباً يسقط من لحم وجهه، يقول الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فالله يحب العبد الذي يكثر من النوافل. ثم بعد ذلك قيام الليل فيصلي ركعتين في جوف الليل والناس نيام، فهاتان الركعتان خير لك من الدنيا وما فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قيل: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وأفشى السلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام، قالوا: ومن يستطيع ذلك يا رسول الله؟ قال: أمتي تستطيع ذلك، من صلى صلاة العشاء وصلاة الصبح في جماعة فقد قام الليل والناس نيام، ومن أطعم زوجته وأبناءه طعاماً حلالاً فأشبعهم فقد أطعم الطعام، ومن لقي أخاه بوجه مبتسم فقد ألان الكلام، ومن دخل بيته فسلم على أهله فقد أفشى السلام، ومن صام من كل شهر أياماً ثلاثة فقد أدام الصيام) اللهم اجعلنا منهم يا كريم يا رب العالمين! كذلك من السنن النوافل صيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام في الشهر أوله أو نصفه أو آخره، أو الثلاثة الأيام البيض وهي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر؛ لأن من صام لله يوماً واحداً ابتعد من النار فمن صام يوماً ابتعد عن النار بعد طائر غراب فرخ خرج من بيضته وظل يطير ويطير إلى أن مات وهو هرم، والغراب من ضمن الطيور التي تعمر، وتخيل الغراب يطير من ساعة ما يخرج من البيضة حتى يموت مدة عشر سنين أو عشرين سنة، فأنت تبتعد عن النار مقدار طيران الغراب بصومك لله رب العالمين. يجاء يوم القيامة بالمتطوعين في الصيام، والناس عطشى، فتأتي الملائكة لهم بأكواب من حوض الكوثر، فيرويهم هذا الماء رياً لا ظمأ بعده، فاللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين!

محاسبة النفس في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

محاسبة النفس في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك من ثمرات الدار الآخرة: مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل أنت تأمر امرأتك وتنهاها؟ وهل أنت تأمر عيالك وتنهاهم؟ وهل أنت تأمر أصحابك وتنهاهم؟ اشتر لك دفتراً وحاسب نفسك كل يوم قبل أن تنام وتسجل فيه كل ما عملت من سيئات كتابة، كم نظرت إلى الحرام! وكم نممت من أناس! وكم نميت مرات! وكم كذبت من مرات وهكذا! وتنوي نية صادقة أنه إذا أصبح الصباح عليك فلن تعود لمثل هذا أبداً، وهذه أمانة أعلقها في رقابكم جميعاً رجالاً ونساءً، شباباً وشيبة، عل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. الناس يظنون أنهم بمنأى من عذاب الله، وهذا غير صحيح، فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فهذا: سلمان الفارسي سيكون من أول الداخلين إلى الجنة إن شاء الله، وأبو لهب عم رسول الله لن يدخل الجنة، فالقضية ليست قضية نسب ولا قرابة، لا تغتر بصحبة الصالحين أبداً، وليس أنني إذا مشيت مع رجل صالح أو عالم فاضل، عامل بعلمه فقد حويت العلم والتقوى. لا تغتر بصحبة الصالحين؛ لأن عبد الله بن أبي ابن سلول صلى وراء الرسول وهو من أهل الدرك الأسفل في النار والعياذ بالله! فقد صلى وراء الرسول تسع سنوات لا تفوته صلاة، ورغم ذلك ما نفعته صلاته خلف رسول الله هو والسبعة عشر منافق في المدينة! إذاً: فلا تغتر بصحبة الصالحين، ولا تغتر بعمل الطاعات، فربما فتح لك باب العمل وأغلق عنك باب القبول لحكمة يعلمها الله، لاحتمال عجب أو رياء؛ لأن العمل من أجل الدنيا رياء، والعمل من أجل الناس شرك، وإن اليسير من الرياء شرك، فلو صليت في بيتك ودخل ضيف وأنت في الصلاة، وابنك فتح للضيف وقال: تفضل يا عم حتى ينتهي أبي من الصلاة، فقلت في نفسك: الرجل يراني في المسجد دائماً أصلي بهدوء، لابد أن أتمهل في صلاتي هنا كذلك ولا أسرع، فهذا شرك بالله سبحانه، إن اليسير من الرياء شرك؛ لأن المسألة خطيرة، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من شرك.

محاسبة النفس في قضية الأخلاق

محاسبة النفس في قضية الأخلاق كذلك تعمل نفس القضية في الأخلاق السيئة، تأخذ ورقة معك إلى العمل وتكتب فيها الأخلاق المحمودة، وتكتب في الصفحة الثانية الأخلاق المذمومة، مثل الواجب الذي يكتبه الولد خارج المدرسة، أنت أيضاً تشتري دفتراً للأخلاق الحميدة والمذمومة التي تعملها، فتقول مثلاً: الأخلاق الحميدة هي الصدق، والحلم، والكرم، والجود، والتوكل على الله، واليقين، وكظم الغيظ، ومن الأخلاق الذميمة: الكبر، والحسد، والكبرياء، والاختيال على عباد الله، والسخرية. فلو أن كل شخص فعل هذا الفعل لانشغل الناس بعيوب أنفسهم وتركوا عيوب الآخرين، وهكذا كان صحابة الحبيب المصطفى، كل واحد منهم كان مشغولاً بنفسه، فليس عنده وقت يشغل فيه نفسه بغيره، والذي يجعلنا نتكلم في عيوب الناس: أننا نسينا عيوبنا، ولو أن كل إنسان شغل نفسه بعيوبه لانقضت الحياة ولم توجد هناك عيوب؛ لأن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، اللهم اجعلنا منهم يا أكرم الأكرمين! إذاً: ليس المسلم بمنأى عن النار فربما فتح لك باب العمل وأغلق عليك باب القبول، يعني: ربنا قد يفتح لك أبواب العمل، فتحضر مجالس العلم، وتقرأ القرآن، وتقوم الليل، وتصوم النهار، ولكن باب القبول قد أغلق، هل أحد يسأل الله عز وجل عما يفعل؟ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، هذا سيدنا عيسى لما رآه إبليس قال له: ألست تقول إنك روح الله، ونبي الله، ورسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم؟ قال له: نعم، قال له: ربنا معك ويدافع عنك؟ قال له: نعم، قال: إذاً: ارم بنفسك من فوق الجبل لنرى ماذا سيصنع بك ربنا؟ قال عيسى عليه السلام: يا لعين! إن الله هو الذي يختبر عباده، وليس للعباد أن يختبروا رب العباد!

من أسباب دخول النار

من أسباب دخول النار تكلمنا في الحلقة الماضية أن النار سبع دركات، بعضها أسفل من بعض، وكل دركة أشد من التي فوقها سبعين ضعفاً، فإذا نزل المنافق في الدرك الأسفل وجدها أشد حرارة بأربعمائة وتسعين مرة عما فوقها! قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42 - 43]، أول سبب لدخول النار ترك الصلاة. قال تعالى: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:44]، أي: لا صدقة ولا زكاة. {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:45]، يتحدثون في الباطل فيلمزون المسلمين ويطعنون في الملتزمين، فكلما رأى ملتزماً أو امرأة منقبة يقول: هؤلاء متطرفون هؤلاء سيجلبون علينا المشاكل ويخربون البلاد. {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر:46] والعياذ بالله! والمسألة ليست مسألة تكذيب أو إنكار، لكنه يرى نفسه مسلماً فيترك الصلاة والصيام والزكاة ويعادي أولياء الله ويقول: الله غفور رحيم، ويستهزئ قائلاً: ستدخل الجنة! احجز لي مقعداً بجنبك، وهذه قلة أدب، ولذلك المسلم دائماً عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما وسعه ذلك، بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له ربه: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:23]، ويقول تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، ويقول: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22]، تسلك في الحياة مسلك الصالحين بأسلوبك أنت بالصدق والتواضع، وبلين الجانب، وببسط الوجه، وبقضاء مصالح المسلمين، وبالسعي في حل مشاكلهم، هذا أسلوبك في الحياة، وليس للمسلم أن يغضب ويشدد على الناس. إذاً: المسلم دائماً يوقن أن الله عز وجل هو الذي يملك أمر يوم القيامة وحده، لا أحد يملكه معه، قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الحج:56]، وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19]. الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الشفاعة فقط، يقول: أنا بلغت يا رب، ويقف وهو يقول: يا رب أمتي! يا رب أمتي! ومن رأفته يريد أن يشفع في أناس معينين؟ فيقال: لا، {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، لم يكن يصلي، وكان يخوض مع الخائضين فلا يقبل الله فيه شفاعة الشافعين. الرسول صلى الله عليه وسلم قال له رجل: (يا رسول الله! ادع الله أن أكون رفيقك في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعني على نفسك بكثرة السجود)، أرشده إلى أن يصلي كثيراً، وذلك لأجل أن تحل له شفاعته، وإذا لم يصل فكيف سيشفع له؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه). ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم لأهله: (لا يأتيني الناس يوم القيامة بالحسنات، وتأتوني أنتم بأوزاركم على ظهوركم تقولون: أدركنا يا محمد، فأقول ما قاله العبد الصالح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118])، لا ينفع حتى أهله (يا عباس! يا عم رسول الله! اعمل لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية! يا عمة رسول الله! اعملي، لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة! يا بنت محمد! اعملي، لا أغني عنك من الله شيئاً). فهذه فاطمة سوف تدخل الجنة برحمة الله، أما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لإنسان كان لا يصلي، ولا يزكي، وكان يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين فلا. وكثير من الناس يردون الأمر على الله عز وجل، فمثلاً: في الحديث الصحيح: أن البيت الذي فيه تمثال أو صورة لا تدخله الملائكة، وكذلك البيت الذي فيه كلب، هذا الحديث متفق عليه، لكنه يقول لك: الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد أن الناس كانوا يعبدونه، أما تمثال لقيمة فنية وجمالية، فهذا ليس حراماً. الرسول يقول: هذا حرام، وأنت تقول: ليس بحرام! أصدقك أنت أو أصدق رسول الله!؟ فهذا يرد الأمر على الآمر، مثل عمل إبليس عندما أمر بالسجود فقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61]، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] وهكذا في كثير من الأمور، وبعضهم يقول: لا يوجد اختلاط في الإسلام فالبنت جنب الولد مثل أخيها، يا أخي: لا يجوز ذلك، افصل بينهما، هذا فيه فتح باب الشهوات والغرائز الجنسية، هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فجلست بجواره تشتكي إليه، ثم غادرت المكان، فجاء رجل بعدها ينتظر دوره وجلس في مكانها ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا بالرسول يأخذ بيده وينقله إلى الجانب الآخر، فسئل عن ذلك؟ فقال: (لكي لا يستشعر دفء مكانها)، فالرسول يحميه من مداخل الشيطان. وعلماء التربية الحديثة يقولون: إن كل ذرة في جسد الرجل تدل على الذكورة، وكل ذرة في جسد المرأة تدل على الأنوثة، فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى، أنه كل جنس له تخصصه، فالمرأة تستطيع أن تلد وترضع وعندها عاطفة، والرجل عنده خشونة وقوة، وعنده تحمل للمسئولية، وعنده عاطفة مؤخرة عن العقل، ولا يقدر أن يرضع، ولا يقدر أن يبقى مع الأولاد في البيت، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]، فالمسلم عليه أن يؤمن بكل ما جاء في كتاب الله، وبكل ما جاء في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

وصف أهل النار وشدة عذابهم

وصف أهل النار وشدة عذابهم ما زلت أحوم حول الحلقة الثانية، وأن قلب الإنسان قد لا يحتمل مدة طويلة أن يتحدث عن النار، اللهم أجرنا من حر النار وأبعدنا عنها يا رب العالمين! وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا أكرم الأكرمين!

ذكر عذاب من يتثاقل عن الصلوات

ذكر عذاب من يتثاقل عن الصلوات فهذا سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه نام ليلة، ورأى في الرؤيا أن القيامة قد قامت، وأن زبانية جهنم قد أخذوا بيده، حتى أوصلوه إلى رأس بئر، وإذا به يرى ملائكة بأيديهم مقامع من حديد، قيل: لمن هذا العذاب؟ قال: لمن ينام الليل كله، فاستيقظ مذعوراً وذهب إلى أخته حفصة أم المؤمنين وقص عليها الرؤيا، والسيدة حفصة بدورها قصت الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن عبد الله بن عمر عبد صالح فلو قام من الليل قليلاً)، فما نام بعد هذه القصة، وبعد هذا الحديث الذي سمعه إلى أن مات! وفي عصرنا هذا نجد كثيراً من الناس يسهرون الليالي أمام التلفاز ثم ينامون عن صلاة الفجر؛ ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم أناساً في النار، تأتي الملائكة بأحجار فتضرب رءوسهم، حتى تنكسر ثم تعاد مرة أخرى كما كانت، ثم تكسر وهكذا، فقال: (من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين كانت تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة).

ذكر عذاب الحاكم الظالم

ذكر عذاب الحاكم الظالم روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من حاكم يحكم بين الناس)، وهذا الكلام يشمل كل من تصدر للحكم بين اثنين سواء القاضي، أو رئيس المحكمة، أو كبير العائلة، أو رئيس الوزراء، أو رئيس الجمهورية، أو الملك، أو الحاكم، أو الإمبراطور، لأن كل من حكم بين اثنين فهو حاكم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من حاكم يحكم بين الناس إلا ويحبس يوم القيامة، وملك آخذ بقفاه)، عندما يقبض العسس على المتهم يمسكونه وراء رأسه مثل الأرنب، وهذا نفس القضية؛ لأن قفاه هذا ما كان ينحني أبداً، تقول له: يا أخي! انظر في الصلاة إلى موضع سجودك، النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا، وذكر عقاب من يرفع بصره أن الله يخطفه فيصبح أعمى، ويقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد كان يضع بصره في موضع سجوده. قال صلى الله عليه وسلم: (وملك آخذ بقفاه حتى يقف به على جهنم، ثم يرفع رأسه إلى الله عز وجل) وهذا هو الملك الذي يرفع رأسه إلى الله وليس الحكم: (فإن قال الله للملك: ألقه، يلقه في سبعين خريفاً في جهنم). وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم: (يؤتى بالحاكم العادل يوم القيامة ينتفض به الجسر انتفاضة)، يعني: الصراط يهتز به هزة، قال: (فيطير كل عضو من أعضائه عن موضعه، لا يجمعها له إلا عدله). وعن الخليل عن عبد الله بن أبي عاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحواميم سبع) من بداية سورة غافر إلى سورة الأحقاف، فهذه سبع سور كلها تبدأ بـ (حم)، (من واظب عليهن سدت كل سورة باباً من أبواب النار)، والمقصود: أنه يقرأهن بتدبر وتمعن ويعمل بما فيهن من أوامر ونواه. وابن عباس يقول: كلما جئت إلى الحواميم شعرت أني في رياض أتأنق فيهن، يعني: آخذ وردة من هنا ووردة من هنا، وزهرة من هنا وزهرة من هنا، فاقرأ سورة غافر واسمع ما فيها من عظات.

ذكر شدة النار وهولها

ذكر شدة النار وهولها وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل أوقد على النار ألف عام حتى ابيضت، ثم ألفاً أخرى حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألفاً ثالثة حتى اسودت، فهي سوداء كالليل البهيم). ولشدة هول النار وعظم جحيمها ينسى الكافر كل نعيم الدنيا فعن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بأنعم أهل الأرض فيصبغ في النار صبغة)، أي: يغمسونه في النار غمسة، (فيخرج كالفحمة، فيقال: عبدي! هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ قال: وعزتك وجلالك أني في الشقاء منذ خلقتني)، وفي الحديث الآخر: (لو أن نقطة من الجنة وقعت في دنياكم لحلتها لكم، ولو أن قطرة من النار وقعت في دنياكم لخبثتها عليكم)! كذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ويؤتي بأبأس أهل الأرض) الذي لم يشعر براحة في الدنيا منذ أن خلق، فهو في فقر وشدة وهم لا يجد الراحة، ولكنه كان يتقي الله، ويحمد الله، وكان لا يحقد على أحد، ويرضى بما قسم الله له، قال صلى الله عليه وسلم: (فيصبغ في الجنة صبغة، فيخرج كالبدر ليلة التمام، فيقال: عبدي! هل رأيت بؤساً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك أنى في النعيم منذ خلقتني). ويقول صلى الله عليه وسلم: (ولو أن جهنمياً أخرج كفه إلى أهل الدنيا حتى يبصروها لاحترقت الدنيا من حر كفه)، هذا كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم! ويقول عليه الصلاة والسلام: (لضرس الكافر في جهنم كجبل أحد، فقالوا: يا رسول الله! صف لنا واحداً من أهل جهنم، قال: شفته السفلى مدلاة يدوسها أهل النار، ولو أن خازناً من خزنة جهنم أخرج إلى أهل الدنيا حتى يبصروه لمات أهل الدنيا حين يبصرونه من غضب الله الذي على وجهه). الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج كان يمر على الملائكة فيسلم عليهم، فيردون عليه السلام ويبتسمون، إلا ملكاً واحداً: رد السلام عليه ووجهه مكشر، فقال: (من هذا يا جبريل؟ قال: هذا مالك خازن النار، ما ضحك منذ أن خلق الله النار). ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو كان في المسجد مائة ألف أو يزيدون ثم تنفس فيهم رجل من أهل النار لأحرقهم). ويقول صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها وقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً؛ فأذن الله لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف) يعني: جعل لها نفسين في السنة، نفساً في الصيف، ونفساً في الشتاء، قال: (فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير)، فعندما تجد حراً شديداً تقول: اللهم أجرني من حر جهنم، وعندما تجد برداً شديداً تقول: يا رب! أبعدني عن زمهريرها!

ذكر العنق الذي يخرج من النار

ذكر العنق الذي يخرج من النار ويقول صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين). فالجبار العنيد: هو الذي يأبى كلام الله عز وجل، وكل طاغية يطغى على عباد الله، وكل شخص يضع نفسه مكان فرعون ويتفرعن على عباد الله، هذا هو الجبار العنيد الذي يأخذه هذا العنق. (ومن جعل مع الله إلهاً آخر): أي: كل عابد لغير الله أو مشرك مع الله إلهاً غيره. النوع الثالث: المصورون، والعلماء ذهبوا إلى أن المقصود بالمصورين النحاتون الذين يعملون التماثيل التي تضاهي خلق الله، فالذي عنده تمثال في بيته أو كلب ليس للحراسة ولا للصيد فإنه ينقص من ثوابه كل يوم قيراطان أقلهما كجبل أحد، وهذا جبريل عليه السلام رفض أن يدخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول بحث في البيت فوجد أن عائشة معها ستارة على فتحة في البيت وعليها تصاوير، فنزعه، وأمر بتغييره، فدخل جبريل وقال: لا ندخل بيتاً فيه تمثال أو كلب أو صورة! والأولى للإنسان أن يترك التصوير الذي لا داعي له، والصور الضرورية لا بأس بها، كصورة جواز سفر، أو بطاقة شخصية، أو صورة للولد في المدرسة، وفي الحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

وصف طعام أهل النار وشرابهم

وصف طعام أهل النار وشرابهم وقال صلى الله عليه وسلم: (ينشئ الله لأهل النار سحاباً، فيقال لهم: ما تشتهون؟ فيقولون: نشتهي أن تمطر علينا، فتمطر عليهم سلاسل تزاد في سلاسلهم، وأغلالاً تزاد في أغلالهم)، وهذه صورة بشعة من العذاب والعياذ بالله! ويقول صلى الله عليه وسلم: (عندما يدخل أهل النار النار تتلقاهم النار بشرر كالنجوم قال: فيولون مدبرين فيقول الجبار تبارك وتعالى: ردوهم عليها، فيردونهم، فذلك قوله: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:33])، أي: ليس لهم عاصم يعصمهم من النار. يقول سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يلقى على أهل النار الجوع)، وفي رواية: (قهر الجوع أهل النار)، الجوع هنا فاعل: (يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام، فيغاثون بطعام من ضريع) الضريع: نوع من الثمر المر بجانبيه شوك مثل التين الشوكي، ومثل جلد القنذف، فهؤلاء يطعمون بطعام: {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:7]. قال: (ثم يغاثون بطعام ذا غصة)، أي: طعام يحدث غصة في الحلق، فمن كثرة الشوك يمسك بالحلق فيستغيثون، فيغاثون {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]. يقول صلى الله عليه وسلم: (فيذكرون أنهم كانوا يزيلون الغصص في الدنيا بشراب، فيستغيثون بشراب، فيرفع إليهم من حميم بكلاليب الحديد) أي: أن خزنة جهنم يأتون للكافر والفاجر بالحميم في أكواب من نار يمسكونها بكلاليب من حديد! قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، حاشا لله أن يظلم أحداً، فالله جعل لهم طريقين، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3])) [البلد:10]. (ويرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت الوجوه، فإذا دخل الشراب بطونهم قطّع ما في بطونهم فيقولون: ادعوا خزنة جهنم، فيدعون خزنة جهنم: أن ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب؛ فيقولون: {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50]، فيقولون: ادعوا مالكاً، فيقولون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77])، مادام أنه لا يوجد تخفيف يقولون: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27] نموت فنستريح: (فيجيبهم مالك: إنكم ماكثون) والمسافة الزمنية بين دعائهم ورد مالك ألف سنة. قال صلى الله عليه وسلم: (فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم، فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] فيجيبهم: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:108 - 110])، سخرتم من المتطرفين ومن المحجبات والملتزمات، ومكثتم تطعنون في عباد الله الذاكرين والمصلين الساجدين، نسأل الله أن يتوب علينا، وأن يرد عنا كيد الظالمين، وأن يولي أمورنا خيارنا، وألا يولي أمورنا شرارنا، وأن يصلح برحمته أحوالنا إن ربنا على ما يشاء قدير.

دعوات أهل النار التي يدعون بها

دعوات أهل النار التي يدعون بها أهل النار لهم دعوات أربع، قال تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11]. يقولون: أنت يا رب أمتنا مرتين، وأحييتنا مرتين كما في قوله: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28]. ثم قالوا: {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] أي: فهل من وسيلة تخرجنا من هذا المكان؟ قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:12]. الدعوة الثانية قال تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:12]، أي: رأينا النار، وسمعنا العذاب: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة:12]، قال تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم:44]. الدعوة الثالثة: قال تعالى حاكياً حالهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]. ألم يعطك الله ستين سنة وأربعين سنة، ومائة سنة؟ فماذا صنعت فيها؟ سبحان الله، ولذلك أنا أريد أن أقول لك: إن مسألة قول الحق ولا يخاف فيه لومة لائم فرض على كل عبد مسلم، واسمعوا إلى هذا المفتي الذي كان صادقاً في إيمانه، أتى إليه رئيس الدولة وقال له: يا سيدنا الشيخ إن رمضان سوف يعطل الإنتاج، والناس سيصبحون كسالى عن العمل، قال له: وماذا تريد أنت؟ قال: أريد كلمتين منك تجوز لهم الفطر في رمضان؛ لأنه سيعطل الإنتاج، قال له: وأين أقول هذا الكلام؟ قال: أنا سأجمع لك مجلس النواب ومجلس كذا ومجلس كذا وتتكلم معهم على الهواء، فجاء المفتي الذي يتقي الله ثم قال لهم: السلام عليكم، إن سيدنا الشيخ سيقول لكم كلمتين، فقال: يقول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، إلى آخر الآية، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، وصدق الله، وكذب بو رقيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأدخله السجن إحدى عشرة سنة، لكن في التاريخ أولاده بعد كذا سيفخرون به. يا أخي! هذا فرعون هدد وتوعد السحرة فقال: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71]، فبماذا أجابوه؟! {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72 - 73]، إنما هي لحظات وإذا نحن في جنات عدن التي وعد الله المتقين. وهذا صاحب ياسين حبيب النجار رحمه الله: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20 - 21]، فقتلوه عندما دعاهم إلى الإسلام، فقال الله عنه: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 - 27]، رحم الله حبيباً النجار فقد وعظ أهله حياً وتمنى لهم الخير ميتاً، قال: ليت قومي يعرفون ما أنا فيه من الخير والنعمة! فيقول أهل النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]، أي: نحن نستطيع يا رب: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37]. الدعوة الرابعة: قال تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107]. قال الله عز وجل: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]، وهكذا وللأسف الشديد كانت هذه آخر دعوة لأهل النار! يئسوا من الكلام بعد ذلك، فلا تسمع من أهل النار إلا شهيقاً وزفيراً، فانظر إلى الحمار كيف يكون عنده النهيق، فهذا هو منظر أهل النار مثل منظر الحمار في آخر نهيقه!

نماذج مما يعذب به أهل النار

نماذج مما يعذب به أهل النار أهل النار لهم دعوات أربع، قال تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11]. يقولون: أنت يا رب أمتنا مرتين، وأحييتنا مرتين كما في قوله: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28]. ثم قالوا: {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] أي: فهل من وسيلة تخرجنا من هذا المكان؟ قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:12]. الدعوة الثانية قال تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:12]، أي: رأينا النار، وسمعنا العذاب: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة:12]، قال تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم:44]. الدعوة الثالثة: قال تعالى حاكياً حالهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]. ألم يعطك الله ستين سنة وأربعين سنة، ومائة سنة؟ فماذا صنعت فيها؟ سبحان الله، ولذلك أنا أريد أن أقول لك: إن مسألة قول الحق ولا يخاف فيه لومة لائم فرض على كل عبد مسلم، واسمعوا إلى هذا المفتي الذي كان صادقاً في إيمانه، أتى إليه رئيس الدولة وقال له: يا سيدنا الشيخ إن رمضان سوف يعطل الإنتاج، والناس سيصبحون كسالى عن العمل، قال له: وماذا تريد أنت؟ قال: أريد كلمتين منك تجوز لهم الفطر في رمضان؛ لأنه سيعطل الإنتاج، قال له: وأين أقول هذا الكلام؟ قال: أنا سأجمع لك مجلس النواب ومجلس كذا ومجلس كذا وتتكلم معهم على الهواء، فجاء المفتي الذي يتقي الله ثم قال لهم: السلام عليكم، إن سيدنا الشيخ سيقول لكم كلمتين، فقال: يقول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، إلى آخر الآية، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، وصدق الله، وكذب بو رقيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأدخله السجن إحدى عشرة سنة، لكن في التاريخ أولاده بعد كذا سيفخرون به. يا أخي! هذا فرعون هدد وتوعد السحرة فقال: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71]، فبماذا أجابوه؟! {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72 - 73]، إنما هي لحظات وإذا نحن في جنات عدن التي وعد الله المتقين. وهذا صاحب ياسين حبيب النجار رحمه الله: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20 - 21]، فقتلوه عندما دعاهم إلى الإسلام، فقال الله عنه: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 - 27]، رحم الله حبيباً النجار فقد وعظ أهله حياً وتمنى لهم الخير ميتاً، قال: ليت قومي يعرفون ما أنا فيه من الخير والنعمة! فيقول أهل النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]، أي: نحن نستطيع يا رب: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37]. الدعوة الرابعة: قال تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107]. قال الله عز وجل: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]، وهكذا وللأسف الشديد كانت هذه آخر دعوة لأهل النار! يئسوا من الكلام بعد ذلك، فلا تسمع من أهل النار إلا شهيقاً وزفيراً، فانظر إلى الحمار كيف يكون عنده النهيق، فهذا هو منظر أهل النار مثل منظر الحمار في آخر نهيقه!

عذاب من إذا خلو بمحارم الله انتهكوها وإذا لقوا الناس كانوا مخبتين

عذاب من إذا خلو بمحارم الله انتهكوها وإذا لقوا الناس كانوا مخبتين وعن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتي يوم القيامة بأناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها، واستنشقوا رائحتها، ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا: أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها، يقولون: يا ربنا! لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك لكان أهون علينا، فيقول الله عز وجل: ذاك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالمعاصي) أي واحد يعمل معصية قدام الناس أو خلف الناس يستهين بنظرة الله له أم بنظرة الناس له؟ فهذا الكلام خطير، يقول: (بارزتموني بالمعاصي والعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتوهم مخبتين)، وكأنهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما: (تراءون الناس، وهبتم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوني، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم منه من النعيم المقيم)، ولذلك قلنا في بداية الحلقات: إن الإنسان أول ما يولد يجعل الله له مكاناً في الجنة ومكاناً في النار، فإذا اتقى الله عز وجل دخل الجنة، والكافر يرث مكانه الذي أعد له في النار لو عصى الله، وفي الجنة أنت تأخذ مكانك في الجنة ومكان الكافر، فترث في الجنة مكانين، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، وقال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} [الزمر:74]، اللهم اجعلنا من الوارثين يا رب العالمين! يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) كل هذه الأمة إن شاء الله ربنا سيغفر لها ويتوب عليها، إلا شخصاً يعمل معصية ثم يذهب ليكلم أصحابه عن المعصية التي زوالها، يقول صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، فاتقوا الله عباد الله؛ ولذلك نحن نقول: كلما فتح أهل الباطل مكاناً لباطلهم فتح أهل الحق مكاناً لذكر الله، حتى يحصل توازن لعل الله أن يرحمنا برحمته.

أربعة يتأذى منهم أهل النار على ما فيهم من أذى

أربعة يتأذى منهم أهل النار على ما فيهم من أذى قال صلى الله عليه وسلم: (أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى)، هناك أربعة من أهل النار يتأذى أهل النار منهم أكثر من الأذى الذي هم فيه: (يسعون بين الجحيم والحميم بالويل والثبور، يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟! فرجل مغلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاءه، ورجل يسيل قيحاً وصديداً، ورجل يأكل لحمه، فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما فينا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها قضاءً أو وفاءً) كان يأخذ أموال الناس ولا يردها، ولذلك جاء في الحديث: (من استدان ديناً وهو لا ينوي سداداً فهو سارق، ومن تزوج على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان). قال: (ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول منه ثم لا يغسله) وكما جاء في حديث: (يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله). وأما الذي يسيل فوه قيحاً وصديداً فيقال: (ما بال الأبعد؟ فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كل كلمة قبيحة يستلذها كما يستلذ الرفث)، يعني: الذي يأتي بنكت فيها قلة أدب ويبحث عن الكلمة السيئة فيقولها، فهذا ينزل من فمه قيح وصديد والعياذ بالله! قال: (ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد يؤذينا على ما فينا من الأذى؟ قال: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس، ويمشي بينهم بالنميمة)، فهو يأكل لحوم الناس ويتتبع عوراتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن تتبع عورات الناس ليفضحها تتبع الله عورته وفضحه ولو في جوف بيته).

عذاب من قتل نبيا أو قتله نبي أو كان من المصورين

عذاب من قتل نبياً أو قتله نبي أو كان من المصورين يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة في النار رجل قتل نبياً، أو رجل قتله نبي أو مصور يصور التماثيل) أي: شخص قتل نبياً بيده أو قتله نبي، أو مصور يصور التماثيل، ويدخل فيه أصحاب الفنون في كلية الفنون الذين يقومون بالنحت. والفنان: هو الحمار في اللغة العربية، يعني: الحمار الوحشي. اللهم باعد بيننا وبين النار بعد المشرقين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، اللهم اجعل الجنة مآلنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، وارحم المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واغفر لنا جميعاً يا رب العالمين! وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_عذاب النار

سلسلة الدار الآخرة_عذاب النار عذاب النار تتقطع عند تذكره قلوب الخائفين، وتقشعر له جلود العارفين، يود أهل النار الافتداء بالأرض وما عليها لو كانت لهم؛ لشدة عذابها، وبشاعة ما فيها، ففيها من الشراب الحميم والغساق، ومن الطعام الضريع وغيره، وعلاوة على هذا ففيها فراش وغطاء وثياب وظلال من نار، فلا يموت من فيها ولا يسلم من العذاب.

هول النار

هول النار أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة العشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثالثة عن النار والعياذ بالله منها، أبعدنا الله وإياكم والمسلمين جميعاً عن النار، وعن حرها، وأدخلنا وإياكم والمسلمين الجنة بدون سابقة عذاب. ندعو الله في بداية هذه الحلقة عسى أن يكون بيننا صالح أو صالحة يستجيب الله من أجله أو من أجلها دعاءنا، فاللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم إنا نعوذ بك من سخطك والنار، ونسألك رضاك والجنة، اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: الحديث عن النار -والعياذ بالله- حديث تنخلع له القلوب وتوجل منه وتخاف، والحديث عنها وما فيها حديث كان يفرق منه الحبيب ويخاف وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على أن الأمر ليس سهلاً ولا هينا، ولا الأمر أنا نأتي إلى المسجد لنحضر حلقات أو دروس الدار الآخرة وننفض كما جئنا، بل المسألة أكبر من ذلك وأخطر وأهم، فما من نبي أو رسول إلا خوف وحذر أهله وقومه من النار، ولعل سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الأمة بالأمة، وأرحم من على وجه الأرض بأمته، لم يترك مناسبة يستطيع أن يوضح فيها الخطر المحيط بالمسلمين من مسألة النار وما فيها إلا وبينه وحذر أتباعه وأحبابه منه.

تحذير النبي أمته من النار

تحذير النبي أمته من النار وكان يقول: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش والجنادب -أي: الحشرات- تتنادى من حولها) أي: بدأت تجتمع حول النار التي للرجل الذي أوقدها، (وهو يأخذ بحجزها) أي: هو يبعد الحشرات والفراش عن أن يقعن في النار، مثلما قال الشاعر العربي: فرح بالنور وبالنار معاً وهو لا يعرف حقيقة النار! وكذلك الحشرات لا تعرف أين مصلحتها من مفسدتها، فهذا الرجل الذي أشعل هذه النار جعل يحجز الناس عنها، وكأنه يقول: ابعد أنت، تنبه أنت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ولكنكم تتفلتون مني فتتقحمون فيها) يعني: الرسول آخذ بحجزنا، وكأنه يقول: لا تغتب، لا تنم، لا تظلم، لا ترتكب الفواحش، لا تشرب الخمر، لا تتعامل بالربا، لا تنحرف، لا تكذب، لا تفسق، لا تفجر، لا تحكم بما لا يرضي الله عز وجل، ولكن مع هذه النواهي كلها فالناس تأبى إلا أن تخالف الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وصل الأمر بسيدنا الحسن البصري أن قال: الناس أعداء للأمر، أمرنا الله بالصبر فجزعنا، ولو أمرنا بالجزع لصبرنا. أمر غريب! يعني: تجد أي شخص تنزل عليه مصيبة، يهتز عند أول خبطة، وفي الحديث: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) وهذا نلاحظه في مجالات الحياة؛ لأن الإنسان قاصر التفكير، محدود الفكر، وكما قلنا: إن العاقل يأخذ من الدنيا ما يفيده، ويعرف أن الدنيا خطر عليه؛ لأنها دنيا.

حال العاقل في الدنيا

حال العاقل في الدنيا العاقل ضربنا به المثل بالطبيب، أو بعالم الحشرات أو البيولوجيا، الذي يأتي بالثعبان أو العقرب ويستخلص منهما السم؛ لكي يستخدمه في الدواء، وهكذا العالم بالدنيا الذي يعرف بلاياها، يأخذ من الدنيا ما يعود عليه بالنفع في الآخرة، ويستخدم الدنيا في زراعة الآخرة، يعني: كيف تصل للآخرة وللجنة؟ كيف تعيش في الدنيا لكي يكون لك الميراث يوم القيامة؟ اللهم اجعلنا من الوارثين في جنتك، وأنت تعرف أن كل شيء ضد هوى النفس هو الذي يوصلك إلى الجنة، وكل شيء مع هوى النفس هو الذي يوصلك إلى جهنم، يعني: اعلم أن النفس عدوة كإبليس تماماً، فإبليس والدنيا والنفس والهوى، كل هؤلاء الأربعة أعداء، كان يستعيذ منهم أبو بكر الصديق ويقول: إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي يخرج من مصيبة الدنيا فيقابله إبليس، ويترك إبليس فيلاقي النفس، ويتغلب على النفس فيلاقي الهوى، ويترك الهوى فيلاقي الشيطان مرة أخرى، ويترك الشيطان فتأتي له الدنيا وهكذا! ونحن مغمورون ظهراً لبطن، سبحان الله! فكل شيء في الدنيا ضد هوى نفسك ودل عليه الشرع فاعلم أنه هو الذي يقربك من الله: النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هكذا قال علي كرم الله وجهه: (النفس تأبى أن تكون فقيرة)، فمن منا يحب الفقر؟ لا أحد، لكن لحكمة يعلمها الله عز وجل، يعلم أن في فقرك نجاحك ونجاتك يوم القيامة؛ لأن في فقرك قربك من الله عز وجل، ولو أنك من رجال الأعمال الذين يحسب عليهم بالثانية لم نرك في المسجد، ولكنت مشغولاً دائماً! وستقول: لي ذنوب لا يكفرها إلا السعي للرزق، بعد المليون الأول الثاني، والثالث والرابع وهكذا، ويقول: لم أضمن غداً، سبحانك يا مقلب القلوب، يا من تعز الفقير بطاعتك، عندما يعطي طاعة يعطيه الله قناعة، وما دام يؤتيه الطاعة والقناعة فقد اختار له رب العباد كل خير، اللهم اختر لنا الخير من عندك يا رب العالمين، فكل ما هو ضد النفس فإنه يقربك من الله، والذي مع هوى النفس هو الذي يوديك في داهية غالباً.

النار كالمصفاة

النار كالمصفاة ويقال: كل ما يؤنسك في الدنيا فهو الذي يبعدك عن الجنة، وكل ما يزعجك فيها فهو الذي يقربك من الجنة، ما معنى هذا الكلام؟ معناه: أن الشيء الذي يؤنسك في الدنيا هو الذي يعطلك عن دخول الجنة، وما الذي يؤنسك بالدنيا؟ العيال، أمهم، والمصروف، والمال، والجاه، والدرجة العلمية، والنجاح، وكل هذا يؤنسك بالدنيا، ويبعدك عن الله، والذي يزعجك في الدنيا مثل المصائب، والابتلاءات، والاختبارات، والامتحانات، وكل امتحان ينزل عليك تخرج منه أنظف، والمؤمن مثل الذهب، فالذهب مشوب بعناصر رديئة، من قصدير ونحاس، ونحوهما، فلا تظن أن هذا الذهب الذي تلبسه النساء يخرج من الأرض هكذا مصفى، يخرج أربعة وعشرين جرام، أو واحداً وعشرين، أو عيار (18) أو مثل هذا الكلام، لا! فالذهب يخرج معه كثير من المعادن الخبيثة؛ لأن الذهب من المعادن النفيسة، وهناك معادن خبيثة، فالجواهرجي يدخله في النار، وهذا لازم لكي ينظف الذهب، والذهب كثافته ثقيلة فينزل تحت، والخبث من المعادن الأخرى يكون أعلى، ويسمونها خبثاً أو زبداً، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]. فبعد دخول الذهب إلى النار ما هي الحصيلة؟ انتفت عنه جميع الشوائب، وحصلنا على الذهب الإبريز الخالص، وهكذا المؤمن فالمصائب تجعله مؤمناً صادقاً، ويدخل في مصيبة أخرى فيخرج مؤمناً عابداً، ويخرج من ابتلاء آخر قريباً من الله، إلى أن يصل إلى درجة الصديقية، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب! إذاً: فهذه الاختبارات هي لتنقية الشوائب التي لديك، فلا تظن أبداً أن الله عز وجل يبتليك لأنه يكرهك، لا والله، وإنما يبتليك لأنه يريد أن يرفع درجتك عنده، أو أنه كتب لك درجة معينة قد قصر عملك عن الوصول إليها. نأخذ مثلاً بسيطاً ولله المثل الأعلى: موظف كسول لكنه أمين، ورئيسه في العمل يحبه ويريد أن يرقيه، لكن هذا الموظف ليس في ملفه ما يثبت أنه ينفع للترقية، فماذا يفعل له؟ يحتال له بأي حيلة، فيقع على الموظف بالظلم، فيقوم الناس بالتعاطف معه، فإذا دخل في انتخابات اللجان النقابية فإن الناس كلهم سيرشحونه، وبعد أن كان عاملاً يصبح عضواً في مجلس الإدارة، فهذا الظلم الذي وقع عليه أو القرصة التي أخذها جعلته منتبهاً، وجعلت الناس كلها تحبه، ووصل إلى الدرجة التي يريدها له رئيسه. ولله المثل الأعلى، كتب ربنا لك درجة معينة، وأنت لا تصلي بالليل ولا تصوم في النهار، ولا تكثر من مجالس العلم، فيزيد عليك البلاء، ويرزقك الصبر في نفس الوقت، فسبحان الحنان المنان، فهو الذي يبتلي وهو الذي يرزق الصبر، وكان سيدنا أبو بكر يقول: اللهم اشرح لي صدري ثم حملني من الهموم ما شئت. وهذا سيدنا عروة بن الزبير رضي الله عنه التابعي الجليل لما أجمع الأطباء على قطع ساقه من ركبته وبترها، قال لهم: أليس هناك علاج آخر؟ قالوا: لا. فقال: انتظروا إلى أن أدخل في الصلاة وأندمج فاقطعوها. فهؤلاء عندما يكونون في الصلاة كيف تكون حالهم؟ نحن عندما نكون في الصلاة نكون في ستمائة موضوع، بل لا نحل المشكلة الصعبة إلا بواسطتها! ألا تذكر أبا حنيفة عندما جاءه سائل يشكوه توارد الأخطار والأفكار، فقال له: يا أبا حنيفة! بعت عقاراً لي ووضعت ثمنه في مكان في بيتي ونسيته، قال له أبو حنيفة: وماذا تريد مني، أنا عالم بالحلال والحرام فماذا تريد مني؟ والمشكلة أن الناس يستخدمون الدعاة مثلما استخدم هذا الرجل أبا حنيفة، فكل مشكلة تصب على رءوسهم، مع أن كل الذي نعرفه هو أن نقول: هذا حلال وهذا حرام. فقال له: قم لله هذه الليلة، صل في آخر الليل وابتغ بذلك وجه الله، فذهب الرجل واتبع نصيحة أبي حنيفة، فقام فصلى؛ ففي أول ركعة تذكر مكان المال، فخرج من الصلاة! وللأسف كلنا هذا الرجل: صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما فـ أبو حنيفة يراه وكأنه يقرأ الكتاب من عنوانه، فعرف الأمر على وجهه، قال له: وجدت مالك، قال له: وكيف عرفت؟ قال له: وجهك يقول هكذا، ما صنعت الليلة؟ قال: تذكرت مكان المال في أول ركعة، قال: ونمت بقية الليل؟ قال: نعم، قال: كنت أثق أن إبليس لن يدعك تعبد الله الليلة، هذا عمل الشيطان. فالناس الذين يصبرون على الطاعة أعطاهم الله قدرة إلهية ونوراً إلهياً، فجعلهم قريبين منه سبحانه، اللهم صبرنا على طاعتك، وصبرنا عن معصيتك يا رب العالمين. سنأخذ اليوم حلقة ثالثة في النار، وهو موضوع مرعب بعض الشيء، نسأل الله أن يوفقنا للأعمال الصالحة، التي تبعدنا عن النار، وأن يقربنا وإياكم إلى الجنة، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. هذه الحلقة تخص أنواع العذاب في النار، ولمن يكون كل نوع من العذاب وارد في الكتاب والسنة، يعني: من الذي يدخل في هذا النوع، ومن الذي يدخل في النوع الآخر.

تفضيل الظل على الشمس عند العقلاء

تفضيل الظل على الشمس عند العقلاء كان الحسن البصري يقول: إن نفسي تفضل الظل على الشمس - انظر إلى هذا الكلام الجميل - فكيف لا تفضل الجنة على النار! أي: عندما يلاقي الإنسان الشمس يقول: نار، حر، الحرارة هذا اليوم مرتفعة، هكذا تنبأ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر من علامات الساعة الصغرى أن يصير الولد غيظاً، وأن يصير الشتاء قيضاً، صدقت يا رسول الله! وقد تحقق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. ومعنى: (أن يصير الولد غيظاً)، أي: أن الولد يغيظ والديه، فبعدما كان الولد رحمة صار بخلاف ذلك، والشخص يفرح إذا ولد له ثلاثة أو أربعة أو خمسة أولاد، فيقول: هؤلاء أستند عليهم عندما أشيخ، والآن الذي عنده ولد أو اثنان تجده يقول: كفاية! ويقول: يقولون لنا هكذا في التلفزيون، وهذا من الضحك على الناس، فكثرة الذرية من أسباب الرزق، فاحذر أن يلبس عليك من يقول: المصروف على اثنين غير المصروف على خمسة، من الذي قال لك هذا؟ أأنت الذي ترزق أم الرزاق هو الله؟ وأنت عند أن تخاطب الله تقول: يا حنان يا منان! فهل تعرف ما معنى (منان)؟ معناه: يعطي النوال قبل السؤال، يعني قبل أن ينزل ابنك من بطن أمه يكتب له رزقه ولست أنت الذي ترزقه، والله لا تستطيع أن ترزق نملة! وقد مرت معنا قصة النبي سليمان مع النملة، وقولها له: ستنسى، وإذا اعتمدت عليك سأضيع، لكني أعتمد على رزاق لا ينسى. والواحد منا أحياناً من كثرة المشاكل يمكن أن ينسى أهل بيته وعياله، لكن الله لا ينسى مؤمناً ولا كافراً، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64] أي: لا يمكن أن يقول: رزق اليوم ليس ضرورياً للناس، لهم الهواء، لا يحصل هذا، أو يقول مثلاً: أهل رومانيا أو أصحاب الدول الملحدة لا تطلع عليهم الشمس، ولا يذهب لهم الهواء، معاذ الله، فالله حنان منان كريم، سبحانه وتعالى، يزرق العباد وهم يعصونه، اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين يا رب العالمين. فالإنسان العاقل العادي يفضل الظل على الشمس، إذاً: فهل من العقل أن يفضل الجنة على النار، كان سيدنا عيسى يقول: كم من شخص مليح ووجه صبيح في النار يطيح، ولذلك تجد من أهل النار - والعياذ بالله - الجعظري الجواظ، قالوا: من الجعظري يا رسول الله؟! قال: الجعظري الممتلئ جسداً الخاوي داخلاً، أي: عندما تلقاه تهاب منظره، وتقول: هذا الشخص محترم، فعند أن يتكلم يفتضح، تكلموا تعرفوا، فالمرء مخبوء تحت لسانه. ولذلك لما دخل الأحنف بن قيس حليم العرب على معاوية، ومعاوية كان يسمع عن الأحنف، فيقول: أريد أن أرى هذا الرجل، وضرب به المثل في الحلم، فقالوا له: الأحنف في الباب يا أمير المؤمنين! قال: أدخلوه، فدخل الرجل وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليكم السلام، قال: أنا الأحنف بن قيس، فنظر معاوية إليه فوجده قصيراً أعور دميم الخلقة، وكأن لسان حال سيدنا معاوية يقول: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أي: أحياناً تسمع بأناس ولا تحب أن تراهم، فـ الأحنف أحد كبار العرب وزعماء المسلمين رضي الله عنه، فنظر إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور ضعاف الطير أطولها عناقاً وما طال البزاة ولا الصقور ضعاف الطير أكثرها فراقاً وأم الصقر مقلاة نزور لقد طال البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الفتى في كل وقت ويحبسه على الخسف الجرير ضعاف الأسد أكثرها زئيراً وأصرمها اللواتي لا تزير الأسد تجده يهاب وهو صامت، بينما الكلب تجده ينبح وهو بعيد عن بيته، فلا يهاب ولا يخاف. يقول الله عز وجل: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105] والمتكبر السمين الذي هو ضخم الجثة، صاحب كرش كبير، قد امتلأ من الحرام والعياذ بالله، هؤلاء إذا مروا على الصراط يدوسهم الناس كالذر يوم القيامة، فهذا حال الضخم السمين العظيم الجثة الذي تخاف منه؛ لأنه ما كان يقيم لله وزناً في الدنيا، سبحان الله!

مكانة العبد عند ربه

مكانة العبد عند ربه سأل الحسن البصري شخص: أريد أن أعرف مكانتي عند الله، أو ما لي عند الله؟ قال: انظر ما لله وما مكانته عندك، تعرف ما لك عند الله ومكانتك عنده. إذاً: إن أردت أن تعرف مكانتك عند الله، فانظر مكانة الله عندك، وانظر مكانة الدين عندك، فلو كان الدين عندك كل شيء فأنت عند الله كل شيء، ولو أن الدين عندك آخر شيء، فتحضر الدرس مرة واحدة! وأيامك ضائعة، فأنت عند الله بحسبك، وهناك من الناس من قضى ثمانية عشر أو عشرين عاماً في طلب العلم ونحوه من الخير، فلا يظن هؤلاء أنهم أضاعوا أعمارهم، فاللهم اجعله في ميزان حسناتهم وحسناتنا يا رب العالمين، ومن الناس من يضيع وقته فيما لا يرضي الله عز وجل، فاللهم اهدنا جميعاً، واحشرنا في زمرة الصالحين. أحد الفنانين - وقد تاب ربنا عليه- بقي أربعين سنة في الفن ثم هداه الله، وجاء تائباً قد اعتزل الفن، فجاء يزورني، فبينما هو جالس لمح شيئاً غريباً، فقال لي: ما هذه الأشرطة التي في هذا الدولاب؟ فقلت: إخواننا الله يبارك فيهم يأتون لنا بنسخ من الكلام الذي نقوله، ممكن تنفع بعد ذلك أو نجلس نسمعها ونستفيد منها ويستفيد منها الغير، فقال: كم عددها؟ قلت: ثلاثة آلاف شريط، فقال: كم المدة؟ قلت: ساعة ونصف، قال: يعني: خمسة آلاف ساعة كلام في ذكر الله، وأنا عشت أربعين سنة بكلام في غير مرضاة الله، قلت له: لا، بالعكس، أنت أعظم عند الله مني، لماذا؟ لأن العبد عندما يتوب يبدل الله سيئاته حسنات، فمن كانت سيئاته كثيرة تصير حسناته يوم القيامة أكثر، لكن بشرط التوبة. وأعظم إنسان من يتوب ربنا عليه، قال عليه الصلاة والسلام: (عاشروا التوابين فإنهم أرق أفئدة) اجلس مع التواب، تجده يبكي ويخشع، ويتردد على دروس العلم ومجالس الذكر، ذا قلب رقيق، وهذا واجب على كل مدرس للعلم، أي: أن يعلم رقة القلب، اللهم رقق قلوبنا بالعلم وبالخشية منك يا رب العالمين.

أنواع العذاب في النار

أنواع العذاب في النار عندنا عدة نماذج من الكتاب والسنة، وصور من العذاب في جهنم والعياذ بالله، نسأل الله أن يبعدنا وإياكم عن النار.

شجرة الزقوم

شجرة الزقوم أول نوع من أنواع العذاب هو شجرة الزقوم، وشجرة الزقوم وردت في الواقعة وفي الصافات، وسنرى النماذج ونفسرها؛ لأننا قلنا: إن كل حديث عن الدار الآخرة هو من نصوص الكتاب والسنة، فليست مسألة قياسية أبداً، لكي نبقى مرتبطين بما جاء في الكتاب وفي السنة المطهرة، فننظر إلى النص الأول، لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً. قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:51 - 56]. قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51]. إذاً هذا أول نوع من العذاب. والله عز وجل يتحدث عن صنفين: الضال والمكذب، فمن الضال ومن المكذب؟ الضال: هو كل من لم يأتمر بأمر الله عز وجل، يعني: الذي لا يصلي فهو ضال، والذي لا يزكي ولا يصوم فهو ضال، والتي لا تتحجب ولا تتخمر فهي ضالة أيضاً. وكل ضال مكذب؛ لأنه مكذب لله عز وجل في أمره، وهو إنسان ضل؛ لأنه كذب الله ورسوله، فإن قيل: من أين لك هذا؟ قلنا: من كلام الله، ومن كلام رسوله، فالمسألة ليست مسألة اجتهاد شخصي، فمن يقرأ عليه الوحي فيكذبه ثم لا يهتدي، فهو مكذب ضال، أي أن كلاً منهما مترتب على الآخر، فهو مكذب بحقيقة يوم القيامة؛ لأنه لو آمن وأيقن بحقيقتها لما كذب ولما ضل، ولو أيقن بما في يوم القيامة من عذاب وأهوال لاهتدى وما كذب، وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51] يكلمهم ربنا: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] تزقم الإنسان الشيء أي: ابتلعه بصعوبة بالغة، مثل: لو أكلت لقمة أكبر من حجم فمك. إذاً ابتلاع الإنسان الشيء بصعوبة بالغة، هذا اسمه التزقم. قال أهل العلم: هل شجرة الزقوم موجودة في الدنيا أم لا؟ الرواية الأولى: أنها موجودة، وهو شجر كريه المنظر سيئ الطعم، موجود في شمال نجد في جزية العرب، ولكن البعض يقول: لا، هذا اسم جديد على اللغة العربية، وكلمة (شجرة الزقوم) وصفها القرآن بصفاتها الخاصة بها. وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة:51 - 53] يعني: يأكل إلى أن تنتفخ بطنه والعياذ بالله رب العالمين، {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [الواقعة:54] لأنها عندما تدخل تقطع الأمعاء، فيحتاج إلى ماء، فيحضرون له شراباً لكنه من حميم، وما هو الحميم؟ هو كل شيء يغلي، والحميم هنا: هو عصارة أهل جهنم. وقوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] الهيم: هي الإبل العطشى، أو الهيم: هي الرمال، أي: كمثل سقاية الرمل ماء، أو الهيم: هي الإبل التي مرضت بمرض الهيم، وهو المرض الذي يوازي عند البشر مرض الاستسقاء، والجمل المصاب به يظل يشرب ولا يشبع، إلى أن يموت من شدة الشرب، وهذه صورة إنسان ضال مكذب، أي: يأكل من شجرة من زقوم، فيملأ منها بطنه. قوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] النزل في اللغة العربية هو الفندق، وبعض الدول العربية تسمي الفندق أو اللوكندة: نزل، فكأن النزل أو الفندق أو اللوكندة بدل ما تكون في الدنيا اسمها: خمسة أو ثلاثة نجوم، أو أربعة نجوم، ستكون هناك شجرة الزقوم. وقوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] أي: هذا مكانه يوم الدين، أي: يوم القيامة، فيأكل من شجرة من زقوم، ويشرب عليها من الحميم، فيشرب شرب الهيم والعياذ بالله رب العالمين، نسأل الله ألا يجعلنا من الضالين ولا من المكذبين. وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات:62] كان يتكلم قبل هذه عن الجنة. {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:63]. ولما نزلت آية الواقعة التي فيها ذكر شجرة الزقوم نادى أبو جهل على جاريته: يا جارية! هاتي تمر العجوة والزبد وهذه أحلى الأكلات العربية في القديم، وزقمينا، إنها عجوة يثرب وزبد يثرب سوف نتقزمها في النار يوم القيامة! هذا أبو جهل يقول ذلك، ثم يقول: ويضحك علينا محمد، وإنما هي عبارة عن عجوة وزبدة سنأكل منها. فربنا يقول: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:63] لأن كلمة التزقم في لغة العرب تعني: أن البلح من شدة حلاوته تكسر حدته بالزبدة، فهو لكي يضله ربنا ويغويه وهو ضال أصلاً.

صفات شجرة الزقوم

صفات شجرة الزقوم وقوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64] أبو جهل ومن معه لما قاسوها بالعقل قالوا: شجرة وجذعها في النار! إذاً: هي تحترق، يعني: لو شجرة أصلها في النار لاحترقت، النار ستشتبك في أغصانها فتحترق، فالظالم أو الضال الذي يريد الله عز وجل أن يغويه، يأتيه بهذه الشجرة، عندئذ قال الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:63 - 64] الجحيم دركة من الدركات السبع، إذاً شجرة الزقوم هذه لها مكان معين في النار. وقوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا} [الصافات:64 - 65] أي: ثمرها {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] من منا رأى الشيطان؟ لا أحد، لكنا نتخيله، ولذلك عندما نحب أن نقول عن شخص: كريه أو معبس، نقول: كان شكله وقت الغضب كأنه شيطان، لكراهة المنظر، وعندما نرى وجهه صبيحاً نقول: هذا وجهه مثل الملك، فهذا عكس هذا. إذاً: يصف ربنا الطلع أو الثمر الذي لشجرة الزقوم بقوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] ولذلك نسوة العزيز قلن عن سيدنا يوسف: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] لأن شكله جميل، اللهم اجعل وجوهنا وقلوبنا ملائكية يا رب! فهنا يقول الله سبحانه: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65]. وقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات:66 - 67] الشوب: الثمر الذي طلعه أو شكله مثل رأس الشيطان، فهذا مشوب أي: مختلط بالحميم، وهو والعياذ بالله الصديد أو العصارة النازلة من أهل جهنم، فـ أبو جهل يقول: هي عجوة مخلوطة بالزبدة، فربنا سبحانه ذكر صفتها. انظر طلع شجرة الزقوم التي قال ربنا فيها: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء:60] يخوفهم ربنا ولكن لا ينفع معهم، فنسأله تعالى أن يجيرنا وإياكم من عذاب النار وما فيها. وثمر شجر الزقوم وشكله مثل رأس الشيطان مختلط بعصارة أهل جهنم. وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات:68] يعني: ينتقلون بهم من مكان إلى مكان لكي يأكلوهم، مثل المساجين، فالمساجين عندما يصعدون بهم إلى الجبل لكي يكسروا الأحجار، يربطونهم في الكلبشات، ثم يعيدونهم بعدما يكسرون، ويريحونهم في الزنزانة والعياذ بالله، فالمثل هنا أقسى؛ لأن الله قال: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات:68] فبعد أن يذهب ليأكل من شجرة الزقوم التي طلعها كأنه رءوس الشياطين، ومخلوطة بالحميم، يعود مرة أخرى إلى الجحيم. وقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:43 - 46] والعياذ بالله رب العالمين. يقول سيدنا سعيد بن جبير رضي الله عنه: إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع، فأغيثوا بشجر الزقوم، وقد علمنا أن السحاب يأتي فوقهم، ما تودون؟ قالوا: ما دام هناك سحابة فنحن نريد منها أن تمطر ماء لتطفئ النار، فهذه السحابة إذا بها تمطر أغلالاً وسعيراً، فأغيثوا بشجرة الزقوم والعياذ بالله، فأكلوا منها فانسلخت وجوههم، حتى لو أن ماراً مر عليهم ما عرفهم، كما لو أتوا لك بجمجمة لميت، فهل تعرف لمن هذه الجمجمة، فهكذا حال وجه الكافر والفاجر والضال والمكذب والمتجبر على عباد الله، حتى لو أن ماراً مر عليهم لما عرف وجوههم، فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش، فيغاثون بماء كالمهل الذي تناهى حره، فإذا أدنوه من وجوههم أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم والجلود، ويضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله، فيدعون بالويل والثبور، {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:14] يقول: يامصيبتاه! واثبوراه واثبوراه! يعني: يا هذا الهلاك يا هذه الكارثة! يعني: لن تدعو ثبوراً واحداً ولا هلاكاً واحداً، بل ستدعون ثبوراً كثيراً. إذاً: فشجرة الزقوم هي النوع الأول من العذاب للكافر والضال والمكذب.

طعام ذو غصة

طعام ذو غصة النوع الثاني: طعام ذو غصة: في ناس كلمة الحق تقف في حلقه مثلما يشرغ أي: لا تخرج كلمة الحق من فمه سهلة، بل بالعكس، لو كان محامياً نصاباً فالكلمات الغلط تسيل على لسانه سيلاناً. مثلاً: يترافع على امرأة في مسألة طلاق، فتقول: لم يضربني، يقول لها: إذاً القضية على هذا خسرانة خسرانة فيشجعها على أن تأتي بشهود زور. نعم. هي تريد الطلاق من زوجها، لكن أنت لا تشجعها على أن تأتي باثنين يشهدان زوراً؛ لأنك والعياذ بالله عندما تأتي بهما فهما في قعر جهنم، والذي تسبب بإتيانهم وهو من شهدوا له، وأكل صاحبه بشهادة الزور، في العذاب كذلك. ولهذا عندما تدخل المحكمة ادخل برجلك الشمال، كمثل دورة المياه، وكبيت الحاكم، فهذه ثلاثة أماكن تدخلها برجلك الشمال، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن هذه أماكن فيها شياطين، فهل يعقل أن كل من في المحكمة مظلومون؟ نعم كل من في المحكمة مظلومون، أي: إما ظالم أو مظلوم، والقاضي قد لا يدري، وإنما أمامه أوراق ومحام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار) يعني يقول الرسول: اعلم أنك لو أخذت شيئاً ولو قليلاً من حق أخيك بغير حق، فأنت تأخذ مثل ذلك من جهنم. إذاً: الطعام الذي هو ذو غصة هو للناس الذين تقف كلمة الحق في زورهم، مثلاً لو أن ابن فلان من الناس لم يتفق مع صاحب العمل، فتجد والده يقول: صاحب العمل هذا لص مرتش نصاب، لكن ابنه ليس غلطاناً، ولا يمكن أن يكون عنده غلطانا! ولو أن أخاه غير متفق مع جاره، فإذا به يقف مباشرة بجانب أخيه، وفي الحقيقة يمكن أن يكون الأخ هو الظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل: أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: أن ترده عن ظلمه فذلك نصر له) أي: أن تقول له: أنا معك وأنت مظلوم، أما وأنت ظالم فلا. هناك ناس -والعياذ بالله- لا يستسيغون الحلال وإنما يستسيغون الحرام، ومنهم الموظفون الذين يتعاملون مع الجمهور، كحاجب المحكمة وغيره، وهناك ناس صالحون، لكن لكي يخرج لك حكماً من المحكمة يأخذ منك أموالاً وأنا أتكلم عن المحكمة وليس لي قضية فيها والحمد لله، أنا متنازل عن جميع القضايا المدنية وغير المدنية التي يرفعها الناس علينا، من سب وقذف، وكل هذه - الحمد لله - ربنا يدافع عن الذين آمنوا، ووالله ما ذهبت محكمة، ولي قرابة عشرين واحد يدافعون عني لا أعرف من أين هم. فالمسلم يا ليته يقف عند هذا المكان ولا يدخل؛ لأن المحاكم كلها ظلم، والمنتصر والمهزوم في المحكمة كلاهما مهزوم؛ لأن المنتصر مهزوم يوم القيامة؛ لأنه غالباً أخذ حقه بدون وجه حق، وإلا فكيف أخذه؟ فالمحامي يظل يلعب على القاضي ونسأل الله السلامة، رغم أن هناك محامين صالحين، ربنا يستأنف لنا رحمته ويعيدنا إلى رحابه مؤمنين طاهرين مخلصين صادقين. فالطعام الذي هو ذو غصة هو لكل إنسان لا سلاسة عنده في الحق، بل يأكل حراماً ويبتعد عن الحلال، الكلمات البذيئة تخرج منه سهلة، وكلمة الحق لا تخرج من فمه أبداً، فهؤلاء هم الذين يأكلون الطعام الذي هو ذو غصة. والطعام ذو الغصة هو أيضاً للذي ينكد على أهل بيته، الذي يغار على حرمته لكن غيرة توصله إلى الشك، والشك يوصله إلى القذف، فهي غيرة لا حدود لها، تصل إلى الاتهام، والغيرة شيء طيب، حتى الحيوان يغار على أليفته، لكن لا توصلك الغيرة إلى أن تحدث نفسك بأمور ينهى عنها الدين؛ لأن سيدنا عمر لما قال للصحابة: لو أن أمير المؤمنين رأى رجلاً مع امرأة يرتكب الفاحشة، يقيم عليهما الحد؟ قالوا: نعم يقيم عليهما الحد، فقال سيدنا علي: هل مع أمير المؤمنين ثلاثة يشهدون معه؟ قال: لا. قال: إذاً نقيم على أمير المؤمنين حد الفرية، الله أكبر على فهم صحابة رسول الله! ليس إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأما الآن فتجد ضعيفة في الحارة الفلانية تسرق حزمة خس فيأخذها الباحث، ويذكر اسمها واسم أبيها واسم جدها وأنهم وجدوها وأخذت كذا! ولكن الثاني يأكل الملايين ويقول لك: رجل أعمال شهير! فنان مشهور! ألا تقول اسمه يا أخي! وإلا فاسكت. قال تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:12 - 13] اللهم أبعدنا عنه يا رب العالمين. هذا الطعام يقف في الحلق فلا يدخل ولا يخرج؛ لأنه كان في الدنيا هكذا، فكل عمل في الدنيا له نظير في الآخرة، لا تظن أن هناك شيئاً يضيع عند الله، امرأة بنت خمسة وأربعين سنة تزوجت برجل يسيء معاملتها كل هذه المدة ويطردها؛ لأنها غير حاضنة، وتكون في الشارع ليس لها أحد، وهذه لن يضيع ثوابها عند الله أبداً، فلا تظني يا أماه أبداً وقد عبرت من العمر أكثر من السبعين أن ربنا سبحانه سيضيعك، ونحن كلنا مسئولون عن هذه الأمور، وهذا ما يؤلمني وينغص علي حياتي، حتى يصير ليلي نهاراً، فعندما أسمع هذه المشاكل الصعبة، وتصلني هذه الشكاوى السيئة، التي تري كيف اختفت الرحمة من قلوب المسلمين، وتجلس مع الزوج فيقول لك: يا أخي الأمر سهل! تقول له: يا أخي! امرأتك الآن عمرها خمس وسبعون سنة! ونسأل الله حسن الختام، يقول لك: لا تكلمني بالدين، أنا فاهم، أنا حافظ هذا الكلام من قبل أن تولد، نسأل الله الهداية. يا أخي لو أن عندك موظفاً لمدة عشرين أو ثلاثين سنة فعندما تخرجه تخرجه بكرامته، لا تطرده إلى الشارع هكذا، فاتقوا الله عباد الله، وإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك!

الضريع

الضريع النوع الثالث من العذاب والعياذ بالله: الضريع: قال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:6 - 7]. الضريع هو شوك جريد النخل، فمن يصبر على أن يأكل شوكاً، وهذه صورة مبسطة لعذاب الآخرة، لكن هو بالتأكيد شيء أصعب. ولمن هذا الضريع؟ هو لمن لا يقول الحق أيضاً، فلا ينطق إلا بالباطل، لمن يملأ لسانه بكلمة الفسوق، كالمغنين الذين كلامهم كله قلة أدب، والشعراء الذين يأتون بشعر مخالف للدين، أين سيذهبون من الله؟ فعندما يقول الشاعر الأحمق: قدر أحمق الخطى! هل القدر أحمق؟! ويقول الآخر: لن أسلم بالمكتوب ولا أرضى! ربنا يقول: سلم بالمكتوب، وأنت تقول: لن أسلم بالمكتوب؟! فستستسلم رضيت أم أبيت. إذاً: فالضريع: هو هذا الطعام الذي يأكله والعياذ بالله من لا ينطق بالحق، ومن لا يقول إلا الباطل، نسأل الله أن يجعل ألسنتنا لهاجة بذكره آناء الليل وأطراف النهار.

الغسلين

الغسلين النوع الرابع من العذاب: الغسلين، قال تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة:35 - 36]. الغسلين: هو صديد أهل النار، الذي قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لو أن دلواً من غسلين أريق في الدنيا لمات أهل الدنيا جميعاً من نتن رائحته) فكيف ستكون رائحته إذاً؟!

شراب أهل النار

شراب أهل النار نأتي الآن لشراب أهل النار.

الحميم والغساق

الحميم والغساق قال تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [الواقعة:54]، وقال سبحانه: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]. وقال سبحانه: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ:24 - 25]. أما الحميم: فهو ما اشتد حره، والغساق: ما اشتد برده، والحميم يقطع الأمعاء، فيشرب وراءه الغساق فيسقط منه جلده كله، ونأخذ لذلك صورة مبسطة: عندما تأتي بماء وتثلجه إلى درجة التجمد، ثم تشربه، فإنك تشعر بصداع، وهذا في الدنيا! فكيف سيشرب الغساق أولئك الذين لا يتقون الله عز وجل! ومن الذي يشرب الحميم والغساق؟ هو الذي لم يكن يتعب نفسه في الدنيا لله، يعني: انظر إلى تعبك في الدين فلن يضيع عند الله، المحجبة والمنقبة في الحر والعرق يتساقط منها، هل تضيع حبات العرق هذه عند الله؟ والله إن حبات عرقهن في الميزان يوم القيامة ثقيلة إن شاء الله رب العالمين، أما العارية هذه فنسأل الله أن يتوب على نسائنا وبناتنا. وقال تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:57 - 58] يعني: أنواعاً أخرى، زوجين من كل نوع من أنواع العذاب والشراب، والعياذ بالله رب العالمين. وقال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29] والعياذ بالله رب العالمين.

لباس أهل النار

لباس أهل النار تحدثنا في الحلقات السابقة عن نوع من أهل العذاب الذين هم أهل الحسرات، الذين يدخلون النكد على بيوت المسلمين، وهم أصحاب الإشاعات. هذا الأكل والشرب والحسرات في النار، فهل هم عرايا في النار؟ لا، هم لابسون، لكن أي نوع من اللبس؟ قال تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] فمن الذي يلبس ثياباً من نار؟ هو الذي لم يكن يلبس في الدنيا إلا من حرام، أو يلبس ثوب الكبرياء مثلاً؛ لأن الكبرياء إزار الله، والعظمة رداء الله، قال تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء إزاري والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في ناري ثم لا أبالي) ولذلك فمن أول الناس دخولاً النار ثلاثة، من ضمنهم: الفقير الفخور، فهو فقير ولكن لا أحد يستطيع أن يكلمه، ذاك الغني معه ذريعة، فماله ينسيه ويميله عن الحق، لكن عندما يكون الشخص فقيراً، فالأصل أن يتواضع على قدر حاله، وكذا الذي علمه على قدره فالأصل ألا يتعاظم به، فكلنا جهلاء إلا ما علمنا الله عز وجل، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين. وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]. اسمع كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل برجل مسلم أكلة) مثل شخص باع مسلماً، أي: نصب عليه فأكل منه شيئاً، والنصابون كثيرون في كل وقت وفي كل حين، وطالما أن في الدنيا مغفلين فالنصابون بخير، جاء نصاب وطرق باب بيت في الجيزة، ففتحت المرأة، فقال لها: فلان موجود، قالت: ذهب إلى العمل، قال: هو بعث لكم كنبة من عندنا من عمر أفندي، كان يلبس ثوباً مكتوباً عليه عمر أفندي، فنريد أن توقعي بالاستلام، فوقعت المرأة بالاستلام، فأخذا الكنبة وأدخلها إلى الداخل، المرأة بعد قليل خرجت فإذا بالذي أدخل الكنبة أخذ الذي في الشقة ومشى، فلو أتينا بهذا وقطعنا يده، أو الموظف الذي في المصلحة الحكومية أو في مجلس المدينة المحافظة أو إدارة المباني أو أو إلى آخره وقطعنا أيديهم هل سينتشر النصب؟ لا يمكن، وتجدهم يسجنونه يسيراً ثم يطلقونه، بينما هناك أناس اتهموهم بقلب نظام الحكم، أو مقاومة السلطة، فيرمونهم في غياهب السجون ولا يخرجون منها؛ لأن هذه قضية أمن دولة، وذاك الذي يسرق الناس - بزعمهم - والله ما سرق شيئاً من أحد، وإنما يقول: قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون قد تعدى الحدود بعض الشيء، لكن ممكن أن نتفاهم معه، ونحن الذين نتفاهم وليس أنت؛ لأنه يحبنا نحن، ونحن بالكتاب والسنة نهدئه، فأنت عندما تأخذه إلى السجن ماذا أخذت منه؟ الكارثة الثانية بعد النصب: السرقة، زوجة أحد أصدقائنا دخلت المصعد، فدخل شخص وراءها وقفل الباب وقال: أخرجي الذي معك، فقالت: طيب افتح الباب حتى أرى الضوء، فلما فتح الباب صرخت صرخة بقوة: حرامي حرامي، فخرج يجري، فأمسك البوابون الحرامي، واتصلوا بالقسم، فأخذوا يماطلون: أنتم تبع قسم الأوقاف أنتم تبع قسم كذا!! وواحد من أصحابنا ما شاء الله عليه قال لهم: نحن البيت الفلاني بجوار الفندق الفلاني، أنا أرى اثنين ملتحيين يحومون حول الفندق، أنا أخشى أن يعملوا حريقاً في الفندق، فثلاث سيارات أمن مركزي وصلت! وبعد هذا ننتظر رحمة تنزل من الله! إذاً: ثياب أهل النار تقطع لهم - والعياذ بالله - من نار، فسيدنا الحبيب يقول: (الذي يأكل بمسلم أكلة) يعني: يبيع مسلماً لمسيحي نصاب، ويبيعه لكي يأكل به أكلة، (أطعمه الله مثلها في جهنم). وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن كسا أو اكتسى برجل مسلم كساه الله مثلها في جهنم) يعني: ضيع على واحد حقه، أو أخذ من إنسان مالاً بدون وجه حق، فهذا والعياذ بالله قد اكتسى به، فربنا والعياذ بالله يكسوه من ثياب النار.

الأصفاد والقطران

الأصفاد والقطران نأتي إلى ثياب أهل النار، قال تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [إبراهيم:49] (مقرنين) أي: متسلسلين في الأصفاد، التي هي الأغلال. وقوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم:50] السرابيل من قطران، لكن قطران يغلي؛ لأن قلبه كان أسود، وكان يدخل الكآبة على المسلمين، فربنا يلبسه من سرابيل القطران. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تتب النائحة) أي: التي تنوح: يا سبعي! يا جملي! يا أبا فلان! نحن ضعاف من غيرك، ولو اكتشفت بعد ما مات أنه كان متزوجاً أخرى لكان غير ذلك، فسبحان الله! وقوله صلى الله عليه وسلم: (من ناحت على ميت ولم تتب خرجت من قبرها مسربلة بسرابيل من قطران، نافشة شعر رأسها على هيئة القردة والخنازير، تأخذها ملائكة جهنم ويقولون لها: نوحي على أهلها كما كنت تنوحين في الدنيا). أوص امرأتك اليوم أو أمك أو ابنتك وقل لها: لو مت وعملت صوتاً فأنا بريء منك إلى يوم القيامة، وبريء من أي صوت؛ لأن هذا صوت ملعون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوتان ملعونان: صوت نائحة عند مصيبة، وصوت رنة عند فرح) و (الرنة عند الفرح) هي الزغاريد. وجد سيدنا الحسن البصري شخصاً فاتحاً فمه ويضحك، فقال له: لماذا تضحك؟ قال: مرتاح، فتجد شباباً وقوة وتجد أحدهم فرحاناً، ويعلب عرياناً ليس عليه إلا قطعة على عورته، وهذا يليق بالأوربيين الذين يخرجون إلى الشواطئ عراة، أما نحن فعندنا قيم وعندنا كتاب وسنة، وهناك علماء يقولون: قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك أناس يأتون المساجد، فالدين لم يضع، صحيح أن علامات القيامة قد ظهرت، ولكن ما زال هناك موحدون وموحدات في مصر، والحمد لله رب العالمين، وإذا كانت البنات يلبسن لباساً فرعونياً للركبة، ويمشين أمام الأولاد ومع الضيوف، فلا يزال هناك أتقياء. إذاً: فهذا أكل أهل النار والعياذ بالله، وهذا شربهم ولبسهم، فعلى ماذا ينامون؟

فراش وغطاء أهل النار

فراش وغطاء أهل النار قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف:41] إذاً: الفرش تحتهم من نار. وقال سبحانه: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:41] ومعنى (غواش): أي: غطاء، إذاً: الفراش والغطاء من نار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكان رجل يزور القبور، ويقول: يا أهل القبور! بعد الرفاهية معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتان ثياب القطران، وبعد تلطف الخدم والحشم مقارنة الديدان، في نار جهنم مقرنين في الأصفاد، فهل أحد يبدل هذا بهذا. نسأل الله السلامة. تقول الملائكة لأهل النار: لو كان لكم ملء الأرض ذهباً لافتديتم أنفسكم من عذاب اليوم؟ يقولون: نعم، ندفع الفدية، فيقولون: طلبنا منكم أهون من ذلك: أن تقولوا: لا إله إلا الله، وتعبدون الله لا تشركون به شيئاً، فأبيتم وعصيتم وضللتم وكذبتم، فكان هذا مثواكم والعياذ بالله رب العالمين.

جبل الصعود

جبل الصعود نأتي لنوع آخر من أنواع العذاب: هناك جبل في النار، يلهم الفاجر والكافر من أهل النار أن هذا الجبل لو ظل يصعد ويصعد فيه ويتسلقه فسيخرج من النار والعياذ بالله رب العالمين، قال الله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا} [المدثر:11 - 13] إلى أن قال: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر:17]. ما هو هذا الصعود؟ هو الجبل المعد لكل مكذب بيوم الدين، ولكل مكذب بأوامر الله عز وجل، وجبار عنيد لا يلين للمسلمين، تظل تتحنن عليه وتستسمحه فيأبى ويتكبر، فمن جاء إلى أخيه متنصلاً من ذنبه -أي: معتذراً- صادقاً كان أم كاذباً فلم يقبل عذره، لم يشم رائحة الجنة يوم القيامة، يعني: أنا غلطت في حقك وأتيت لأعتذر لك وأطلب منك السماح، وقلت: أنا غلطان ولن أكررها مرة أخرى، حتى لو كنت أكذب في اعتذاري، فإن لم يقبل عذري لم يشم رائحة الجنة. فاحذر أن يأتيك أحد طالباً العذر فترفض، فهذا حرام. فجبل الصعود هذا يظل يتسلقه من في النار إلى آخره، وتحترق يداه ورجلاه من شدة الحر، وأول ما يصل إلى حافته ينهار به الجبل، فيقع إلى الدرك الأسفل، وهكذا إلى أبد الآبدين، فالأمر ليس سهلاً، نسأل الله السلامة.

وادي هبهب

وادي هبهب أما الجبارون فهؤلاء لهم حظ سيئ جداً في النار والعياذ بالله، والعنيد أو المرأة العنيدة كذلك، فتنصح المرأة بالاحتجاب والاحتشام، وتخوفها فتقول: شعرك هذا سيكون سلاسل وأغلالاً من نار، تعلقين به في رجليك ويديك. وهناك واد اسمه وادي هبهب، لكل جبار عنيد وكل مدخل حزن على بيوت المسلمين. وهل هيئة أهل النار تظل كما هي؟ لا، بل يبدل ربنا الجلود، أي: الجلود التي كانوا يفتخرون بها أمام الناس، تخيل المرأة التي تظهر في الإعلان وتظل تدهن رجلها بالكريم، أو تظهر لتريك أن الكريم يعيد لك الشباب، وتتمايل بجسمها وشعرها، أليس لها أب! أليس لها زوج!

وادي أثام

وادي أثام وهناك واد اسمه أثام، وهو الذي قال الله عنه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68]. وادي أثام واد فيه حيات وعقارب، كل حية وعقرب فيها من السم سبعون قلة من قلل هجر، وقلة هجر هذه ترجمتها بالمقياس القديم، وهجر هذه قبيلة عربية، كانت عندهم خزانات كبيرة، وكل خزان من هذه تسع خمسمائة رطل، فعندما ضربت وكعبت، وصلت إلى المساحة الحقيقية بالكيلو، فظهر أن كل حية أو عقرب فيها خمسة عشر طناً وخمسمائة كيلو من السم، وهذا لكل من يجعل مع الله إلهاً آخر، أو يشهد زوراً، أو يزني، أو يشرب الخمر، أو يأكل مال اليتيم، أو لا يأمر بالعدل، وهكذا إلى آخر هذه البلايا والعياذ بالله، فهذا يدخل إلى وادي أثام. وقوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا} [الفرقان:13] أي: رموا في النار والعياذ بالله، {مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ} [الفرقان:13] أي: مسلسلين مقيدين، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان:13] يقولون: واثبوراه! يعني: واهلاكاه وامصيبتاه! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا بقي في النار من يخلد فيها وضعوا في توابيت من نار، فيها مسامير من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى من نار، فقذفوا في نار الجحيم، فيرون أنه لا يعذب في النار غيرهم، ثم تلا ابن مسعود هذه الآية: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء:100]).

العذاب بداء الجرب

العذاب بداء الجرب وهناك لكل من يؤذي المسلم يوم القيامة في النار داء الجرب، ويخلق الله له أظافر من نحاس، وهذا النحاس محمى، فيظل يهرش جسمه إلى أن يتساقط لحمه، فلا يبقى إلا عظمه، ومن هؤلاء الذين يؤذون المؤمنين، فتصور حال الذين يضربون المسلمين ويسجنونهم. عندما حج ابن عمر ورأى الكعبة قال: يا كعبة الرحمن! ما أبهاك! وما أجملك! وما أعظم حرمتك! لكن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك. فحرمة المؤمن عند الله أعظم من الكعبة؛ لأن المؤمن هذا أعظم من خلق الله عز وجل، فهو عند الله أحسن من الكعبة، فانظر إلى الذي يؤذيه كيف يكون حاله؟ وأفضل العباد أنفعهم لعباد الله المؤمنين.

أسوأ عذاب أهل النار

أسوأ عذاب أهل النار أعظم عذاب أهل النار وأسوءه هو الحجب عن رؤية وجه رب الأرباب، يعني: يقول ربنا سبحانه وتعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:14 - 15]. فهذا أصعب وأسوأ أنواع العذاب، حتى قيل: لو تجلى الله بوجهه الكريم على أهل النار لنسوا ما هم فيه من عذاب، ولو حجب الكريم وجهه عن أهل الجنة لما راقت لهم الحياة في الجنات لحظة. فالنعيم كل النعيم برؤية وجه الكريم، والعذاب كل العذاب بالحجب عن وجه رب الأرباب، اللهم لا تمنعنا من رؤية وجهك الكريم. اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم. اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم. اللهم لا تحجبنا عن وجهك الكريم يوم القيامة. اللهم لا تحجبنا عن وجهك الكريم يوم القيامة. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين. اللهم زحزحنا وأجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار. اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار، وتب على كل عاصٍ وضال، وتب على كل عاص وضال، وتب على كل عاص وضال. اللهم اشف كل مريض، وسد دين المدينين، وفك كرب المكروبين، وتب علينا توبة نصوحاً ترضيك يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الدار الآخرة_عذاب جهنم وهول النار

سلسلة الدار الآخرة_عذاب جهنم وهول النار لقد جاءت الآيات والأحاديث في وصف النار وأهوالها، وشدة غضبها على الكفار والعصاة، وهذا يجعل المسلم في حذر دائم من الوقوع فيما يسبب دخول النار، فتراه خائفاً من ربه، ممتثلاً لأوامره، منتهياً عن نواهيه، فهو بين الخوف والرجاء، يخاف عذاب الله وسخطه، ويرجو رحمة الله وثوابه ورضاه.

الحديث عن الدار الآخرة يقرب من طاعة الله ويبعد عن معصيته

الحديث عن الدار الآخرة يقرب من طاعة الله ويبعد عن معصيته أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الحادية والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الرابعة عن النار والعياذ بالله رب العالمين، أبعدنا الله وإياكم عن النار، وأدخلنا وإياكم والمسلمين والمسلمات الجنة. في بداية هذه الحلقة، وبحضور هذا الجمع الطيب، وهذه الوجوه المؤمنة، والقلوب المخبتة، نتوجه بخالص الدعاء لله عز وجل عسى أن تكون أبواب السماء مفتوحة، وعسى أن يستجيب لنا ربنا دعاءنا فنقول: اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، ولا تجعلنا من الأشقياء المحرومين يا رب العالمين. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا. اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. يا أرحم الراحمين أرحمنا وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن دعاء لا يسمع، ومن بطن لا تشبع. اللهم إنا نسألك من الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض. اللهم تب على المذنبين والعصاة. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا. اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا أعداء الدين، واغفر لنا يا ربنا وأنت خير الغافرين، وأهلك الكافرين بالكافرين، والظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. اللهم إنا نسألك نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، ومن خزي العذاب في النار، ومتعنا بجنة الرضوان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة الأحباب! في الحلقة السابقة كان الحديث صعباً وثقيلاً على النفس، وكان ثقيلاً على القلوب جميعها، وذلك عندما تحدثنا عن أنواع العذاب في النار، أجارنا الله وإياكم من النار ومن عذابها، ولكن تظل لنا رحمة الله عز وجل، ويبقى لنا فضل الله عز وجل. ودائماً المسلم يدعو ربه: اللهم عاملني بفضلك، ولا تعاملني بعدلك، إن عاملتنا يا ربنا بفضلك رحمتنا، وإن عاملتنا بعدلك أهلكتنا، ولكنك يا ربنا حنان تحن علينا بالتوبة والمغفرة والهداية، منان تعطينا قبل أن نسألك، فأنت العفو الغفور، وأنت الرحمن الرحيم، نسألك رحمتك يا أرحم الرحمين. ثم أريد أن أطمئن هذه القلوب الخائفة التي ارتعدت من الحديث الماضي، ولكن قبل ذلك أريد أن أقول لكم: إن حلقة الدار الآخرة هي عبارة عن جرعات يأخذها قلب المسلم؛ لكي يقترب من رب العباد سبحانه وتعالى، ويبتعد عن كل ما يغضب الله، ولكي يبتعد عن كل ما حرم الله، ولكي يسرع بالتوبة إلى الله عز وجل؛ لأنه لا يدري متى يزوره ملك الموت. اللهم إن زارنا ملك الموت فليجدنا على توبة وطاعة وهداية وإقبال وقرب منك يا رب العالمين. إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه ربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] قال في حديث رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إن فئاماً -يعني مجموعات- من الناس من نزاع القبائل -يعني من قبائل شتى- قد تحابوا في الله عز وجل على غير أرحام بينهم، أولئك على منابر من نور بجوار النبيين والصديقين، حتى يفرغ الناس من الحساب). هذا من الأحاديث المبشرة التي وردت في خاطري في هذه اللحظة؛ لكي يستشعر الإنسان خيراً، فأنت تحب إخوانك في الله، وإخوانك يحبونك في الله على غير أرحام بينكم، ونحن نحب بعضنا بعضاً في الله، ونأتي إلى بيت الله ليس لأرحام بيننا، وإنما يربط بيننا حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويربط بيننا حب تعمير بيت الله، وحب مجالس العلم، وحب ذكر الله عز وجل، فاستبشروا ثم استبشروا ثم استبشروا. والنبي صلى الله عليه وسلم كان كلما رأى الصحابة أفواجاً وجماعات وفرادى في المسجد النبوي الشريف، يتلقاهم متبسماً ويقول: (مرحباً بالقوم، غير خزايا ولا نادمين). وفي ذات يوم خرج لصلاة المغرب وصلى بالمسلمين المغرب، ثم عاد إلى بيته، ثم خرج إلى الصحابة وهم في المسجد مسرعاً وقال: (هذا ربكم عز وجل فتح لكم باباً من أبواب رحمته، ويباهي بكم الملائكة ويقول: هؤلاء عبادي قد أدوا فريضة وهم ينتظرون فريضة أخرى، أشهدكم يا ملائكتي أني أحبهم، وغفرت لهم ذنوبهم، ورضيت عنهم). اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين. أتمنى أن تكون هذه الحلقة هي آخر الحلقات عن النار. والمسألة ليست مسألة تخويف، ولا مسألة تنفير؛ لأن بعض الإخوة والأخوات يتصلون بي ويقولون: هل كل شيء أصبح حراماً وخطأ، والمجتمع ليس فيه شيء من الخير؟ إذا كان كذلك فماذا نصنع؟ أقول: أريد أن أطمئن نفسي وأطمئنهم طالما أننا نزيد في جرعة خوفنا من الله فذلك هو الذي يقربنا إلى الله عز وجل، فهذا سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن تجلسوا مع أناس يخوفونكم فتلقون أمناً يوم القيامة خير لكم من أن تجلسوا مع أناس يؤمنونكم فتجدون خوفاً يوم القيامة، فإن الله لا يجمع على عبده أمنين ولا خوفين، من خاف في الدنيا أمنه الله في الآخرة، ومن أمن في الدنيا أخافه الله في الآخرة. يعني: لا تجد آمناً من عذاب الله في الدنيا إلا وهو منحرف، فإذا وجدت من يقول لك: ما بيني وبين ربنا عامر فاعلم أن بينه وبين ربنا خراباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعرف الخلق بالخالق، وهو أقرب الخلق من الخالق، وهو أحب الخلق إلى الخالق، كان أشد الناس خوفاً صلى الله عليه وسلم، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا أقربكم إلى ربي، ولكني أشدكم خشية). وهذا مثل ولله المثل الأعلى: عندما يكون هناك مسئول، ومدير مكتبه هو أعرف الناس به، يعرف متى يغضب، ومتى يرضى، متى يحب، ومتى يكره، ويعرف الحاجة التي يحبها، والحاجة التي لا يحبها؛ لأنه أقرب الناس إليه، فلذلك يتقي غضبه، ولا يعمل الشيء الذي يجعله يغضب عليه، ولله المثل الأعلى كلما اقترب العبد من ربه ابتعد عن كل ما يغضبه سبحانه، وعمل كل ما يرضي الله، اللهم اجعلنا منهم يا رب. وهذا سيدنا عمر كان يقرب إصبعه من التنور التي تطبخ عليه زوجته ويقول: يا بن الخطاب ألك صبر على مثل هذا؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل النار وجدوا ناراً من نيران الدنيا لاستراحوا فيها وناموا). فإذاً: نار الآخرة خطيرة وعظيمة. والله سبحانه يقول لجهنم: {هَلِ امْتَلأْتِ} [ق:30] فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] فهي تطلب المزيد حتى يضع القهار فيها قدمه فتقول: يا رب! بعزتك قد امتلأت، بعزتك قد امتلأت، بعزتك قد امتلأت، وينزوي بعضها إلى بعض خشية من الجبار سبحانه أن يكون قد خلق خلقاً غيرها ليعذبها به. إذاً: النار نفسها في حالة من الرعب. ويقول صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي زمن على أمتي يستقل الصبي المائة دينار) فالمائة دينار تكفي قبيلة، لكن تعطي اليوم مائة جنيه للطفل فيقول: ماذا أصنع بها؟ أين المصاريف؟ أين البنطلون؟ أين القميص؟ أين (الكرفتات)؟ أين مصروف المدرسة؟ أين أين أين المائة جنيه ليس لها قيمة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سوف يأتي زمان على أمتي يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا اليوم) كان المنافقون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخفون، لكن اليوم المؤمن هو الذي يستخفي في المكتب والعمل، فأنت تستحي أن تتكلم في أمور الدين؛ لأنهم سيهجمون عليك، ومع ذلك تجدهم يقولون: نحن بيننا وبين ربنا عمار، ويقولون: هؤلاء المشايخ ما هو علمهم؟! فترى الواحد منهم يخوض في العالم ويسب العالم ولا يهمه؛ لأن المسألة عنده سهلة، وهي أن بينه وبين ربنا عماراً حسب زعمه، ويؤذن لصلاة الظهر والعصر ولا يصلي، ويزعم أن بينه وبين ربنا عماراً، أي عمار هذا؟!

ضرورة الخوف من الله وثمرة ذلك الخوف

ضرورة الخوف من الله وثمرة ذلك الخوف ينبغي للمسلم أن يخاف الله عز وجل؛ ولذلك قال سيدنا علي: إن لله عباداً فطنا يعني: أذكياء، جمع فطن. إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا فتنا نظروا فيها فلما علموا أي: نظروا في الدنيا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا ويقول صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! أحكم السفينة فإن البحر عميق، وخفف الحمل فإن العقبة كئود، وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وأخلص النية فإن الناقد بصير). يعني: أن البلاء كثير، والفتن كثيرة ومتتابعة، يقول فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم: (سوف تأتي الفتن على المؤمن يرقق بعضها بعضاً)، مثلاً: كنت تسمع عن مصيبة من سنوات كأن يحكي لك ابن عمك مشكلة يقول: مرة عملت كبيرة من الكبائر، وهي أن والدي رآني وأنا أشرب سيجارة، فهذه بالنسبة لعمك من ستين سنة كانت مصيبة، أما اليوم فإن العم عندما يرى ابنه وهو واضع رجلاً على رجل يحييه بسيجارة، فكأن المصيبة السابقة بالنسبة لوالده لم تكن مصيبة! وتسمع بعد ذلك قائلاً يقول لك: مرة واحد عندنا في البلد أشار لوالده هكذا، ستقول: لا، لا، قل كلاماً غير هذا، ويأتي مرة ثانية ويقول لك: واحد قتل والده، فالذي أشار لوالده هذا يعتبر ملكاً من الملائكة أمام من قتل والده. وعندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، قال: (ما لي أرى الفتن تتساقط على بيوتكم تساقط المطر) الفتن تتساقط على بيوت الصحابة، فكيف لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى مرة في قرانا ومدننا ماذا يقول؟! فقال الصحابة: (كيف نتقيها يا رسول الله؟!) فالصحابة أرادوا أن يعرفوا العلاج من الطبيب الذي يشخص المرض، قال: (اتقوها بتقوى الله وكثرة الاستغفار)؛ والتقوى: هي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك. يعني: أن ربنا سبحانه وتعالى عندما ينظر إليك فلا يجدك في مكان قال لك: لا تقعد في هذا المكان، وعندما يبحث عنك في مجالس العلم، وفي صلاة الجماعة، وفي عيادة المريض، وبإدخال السرور على المسلمين، وفي صلة الأرحام يجدك في هذه المواطن. ويعرّف سيدنا علي التقوى ويقول: التقوى: هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وسئل الحسن البصري عن سبب خوفه الدائم، وطلب منه أن يصف خوفه فقال: لو أنك ركبت البحر في مركب أو قارب، فانقلب بك من شدة الأمواج فتحطم القارب أو المركب ولم يبق منه إلا لوح تعلقت به وسط الأمواج، كيف يكون حالك؟! قال له: سأكون في حالة رعب شديدة، قال: أنا هكذا مع الله ليل نهار. إذاً: ينبغي لنا أن نغلب جانب الخوف على جانب الرجاء، مما يجعلنا نستشعر معنى قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. كل أعمال ابن آدم وأقواله إما له وإما عليه، فأنت عندما تمسح على رأس اليتيم تؤجر، فقد جاء في الحديث: (فاضت الرحمة من مفرق شعره إلى أخمص قدميه، وصلى عليه سبعون ألف ملك، وكان له بكل شعرة من شعر اليتيم حسنة) وهذه اليد لو امتدت وأخذت جنيهاً رشوة، فإنها تأثم، والعرب كانت عندهم كنايات لطيفة، كانوا يقولون: فلان نظيف اليد، يعني: لا يأكل بها حراماً. وهذه السيدة نفيسة لما مات الشافعي رحمه الله قالت: رحم الله الشافعي كان يحسن الوضوء، فقال لها بعض من الجالسين: كيف كان يحسن الوضوء؟! قالت: كان يحسن الوضوء الباطني. يعني: كان نظيفاً من الداخل، كما كان نظيفاً من الخارج، فهو نظيف مظهراً ومخبراً. والأعمال القلبية معنوية ليست ملموسة ولا محسوسة بالحواس، فمنها ما هو خير ومنها ما هو شر، فأعمال القلب الخيرية كالخوف والرجاء والشكر والذكر وحب الخير وكراهية الباطل وحب المؤمنين وكراهية الكافرين هذه كلها معنوية، أما أعمال القلب غير الخيرية فهي الغل والحسد، والحقد، والضغينة، وعدم حب الناس، والغيبة، والنميمة، فلو أن هذه الأعمال أصبحت ملموسة محسوسة، فهناك من الأعمال ما تستحي أن يراها الناس، فلا تستطيع إظهارها، فكيف تبارز الله بها وهو يعلم السر وأخفى، وهو أعظم من يخشى ويتقى؟!

أعظم عذاب أهل النار وأعظم نعيم أهل الجنة

أعظم عذاب أهل النار وأعظم نعيم أهل الجنة آخر جزء توقفنا عنده في الدرس الماضي هو أصعب عقاب وعذاب لأهل النار في النار، وهو الحجاب عن رؤية وجه رب الأرباب، وقلنا: إن الله سبحانه وتعالى لو تجلى بجمال وجهه على أهل النار لنسوا العذاب الذي هم فيه، ولو منع الله جمال وجهه عن أهل الجنة لما راقت لهم الحياة لحظة في الجنة، فالنعيم كل النعيم في مشاهدة وجه الله الكريم، والعذاب كل العذاب في الحجاب عن وجه رب الأرب. اللهم لا تحجبنا عن النظر إليك يا رب العالمين، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] اللهم اجعلنا منهم. جاء في الحديث: (تقول الملائكة: ليسع كل قوم إلى ما كانوا يعبدون) أي: كل جماعة تلحق بالمعبود الذي كانت تعبده، فأصحاب بوذا يتبعون بوذا، والهندوس يتبعون البقرة، وأتباع عيسى يتبعون الشيطان الذي يتمثل في صورة عيسى؛ لأن عيسى بريء منهم، فقد قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:117 - 118] فسيدنا عيسى لم يقل: إنك أنت الغفور الرحيم؛ لأن المقام ليس مقام سماح، وإنما هو مقام اعتذار، كأنه يقول: عززت في عليائك يا رب، فلتحكم عليهم بما تشاء. إذاً: كل جماعة يذهبون إلى إلههم، فيبقى المسلمون الموحدون فيقال لهم: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، وماذا تريدون؟ نريد أن نراه، وهل رأيتموه من قبل؟ قالوا: لا، قالوا: هل بينكم وبين ربكم آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى أحد كان يسجد طائعاً في الدنيا إلا أذن له في السجود. فهؤلاء هم الذين قالوا: لا إله إلا الله بحق، ليس من يقول: لا إله إلا الله وينصب على الناس، ويتجبر على الناس، ويكذب على الناس، ويسرق، ويرتكب الفواحش، ثم لا يتوب. اللهم فاجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، واجعلنا من عبادك الصالحين يا رب العالمين.

صفة النار وما فيها

صفة النار وما فيها ندخل الآن إن شاء الله في الحلقة الرابعة وهي المتممة لما سبق من صور العذاب التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة، اللهم أبعدنا عن النار، وعما في النار من عذاب، وتب علينا قبل أن نموت يا رب العالمين. سنذكر النصوص من سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم التي جاءت لتحدثنا عن النار وما فيها؛ لأننا مازلنا نؤكد ونقول: إن حلقات الدار الآخرة لا اجتهاد فيها لمجتهد؛ فمسألة الدار الآخرة الحديث فيها ليس رجماً بالغيب، ولا قياساً، ولا اجتهاداً، وإنما هي نصوص؛ ولذلك هذه الحلقات الوحيدة التي دائماً أرتبط فيها بالنص؛ من أجل ألا توجد كلمة تذهب مني هكذا أو هكذا؛ لأن هذه أمانة، وحلقات الدار الآخرة جزى الله خيراً من ينشرها في مصر وفي خارج مصر. عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: إن الله تعالى يقول: يا جبريل ائتني بجهنم، وفي رواية: ائتني بالنار، والرواية التي حققناها: ائتني بالنار، والحمد لله ثبت صحة الحديث أيضاً: ائتني بجهنم، فكلا الروايتين صحيحتان، فإن أطلقت النار فعلى النار كلها، وإن أطلقت جهنم فإنها على الجزء الذي أعد لعصاة الموحدين، أو من باب المجاز الذي هو إطلاق الكل مع إرادة الجزء، كما قال سيدنا نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] فالواحد عندما يريد أن يسد أذنيه عن الاستماع فإنه يضع جزءاً من إصبعه في أذنه لا كلها. إذاً: هذا اسمه إطلاق الكل وإرادة الجزء، هناك العكس، إخوة سيدنا يوسف قالوا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82] أي: اسأل أهل القرية، هذا في اللغة العربية يسمى مجازاً، وعلى كل فهذه فقط جزئية توضيحية. فالرواية تقول: يقول الله عز وجل: يا جبريل! ائتني بجهنم. وهذا يوافقه ما ورد في كتاب الله: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23]. ثم قال: فيؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، والزمام هو اللجام أو الحلقة أو السلسلة التي يشد منها. ثم قال: كل زمام يجره سبعون ألف ملك، يخرج منها أعناق مثل صور الثعابين أو الحيات، تلتقط أصحابها وأهلها وبنيها كما يلتقط الطير الحب، يعني: عندما تأتي يخرج منها أعناق، كما أن الناس في الدنيا تتطاول على بعضها بالأذى، والشائعات، والغيبة، والخوض في الأعراض، وأكل المال بالباطل، وأكل مال اليتيم، وبالظلم، وبالغدر، وبالخداع، كل هذا تطاول، ففي يوم القيامة تتطاول هذه الأعناق من النار لتلتقط أهلها والعياذ بالله رب العالمين. ولذلك ربنا سمى أهل النار مرة أصحاب النار، ومرة أولاد النار، قال تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:9] يعني: وقع في حضن جهنم. قال: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:9] ثم قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:10 - 11] ليست ناراً فقط، بل هي نار حامية.

صفة شرر جهنم وغضبها وخوف الأنبياء منها

صفة شرر جهنم وغضبها وخوف الأنبياء منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن شرارة من شرر جهنم طارت على أهل الدنيا؛ لأحرقت مشرق الشمس ومغربها) {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات:32 - 33]. ثم قال: يا جبريل ائتني بجهنم، فتزفر زفرات ثلاث، فيقوم الحبيب صلى الله عليه وسلم منزعجاً، ينزعج الحبيب على أمته؛ لأنه يخاف عليهم. ويقول: ما يشاك أحدكم بشوكة إلا وأجد ألم ذلك في قلبي، كيف لا وقد قال الله تعالى عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة:128] يعني: يعز عليه تعبكم، ويصعب عليه أن ينحرف واحد منكم ويدخل النار، وكل واحد من الأنبياء يوم القيامة يقول: يا رب نفسي، نفسي، ثم قال: إن إبراهيم يأخذ بقوائم العرش وينسى ابنه إسماعيل، وموسى آخذ بقوائم العرش وينسى أخاه هارون، وعيسى آخذ بقوائم العرش وينسى أمه مريم، وداود يأخذ بقوائم العرش وينسى ابنه سليمان، والنبي واقف على يمين العرش ويقول: يا رب أمتي، أمتي. فهذا من رحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم بأمته؛ ولذلك عندما جاءه عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول ابن زعيم المنافقين وكان من أتقى الصحابة حين مات أبوه عبد الله بن أبي زعيم المنافقين، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره بموت أبيه وطلب منه أن يصلي عليه، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فسيدنا عمر قال له: (يا رسول الله! كيف تصلي عليه وهو منافق؟! فيقول له صلى الله عليه وسلم: يا عمر إليك عني، فقال سيدنا عمر: ألم يقل لك ربك: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]، فقال صلى الله عليه وسلم: لو أعلم أن الله سوف يغفر لهم بأكثر من السبعين لاستغفرت) يقول هذا الكلام في عبد الله بن أبي ابن سلول الذي كان قد قال: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8] فيقصد بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان المنافقون يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: {هُوَ أُذُنٌ} [التوبة:61] يعني: أنه يسمع كلام الناس، ويرجع عبد الله بن أبي في غزوة أحد بثلث الجيش، ويخذل الناس عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم يذهب ويصلي عليه، ويعطي ابنه بردته من أجل أن يكفنه فيها، فينزل القرآن يقول له: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84]. يقول سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا رب أمتي أمتي، فيجيبه الله عز وجل إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). يعني: من يتولاه الله عز وجل بالعصمة والطاعة في الدنيا، وبالمغفرة والقبول في الآخرة، هؤلاء ينجون يوم القيامة. فالله يتولى نفوس المؤمنين، ويتولى استقامة المؤمنين، ويتولى صلاح المؤمنين، ويتولى طاعة المؤمنين.

رحمة الله سبحانه بعباده

رحمة الله سبحانه بعباده ثم قال: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري، خيري إلى العباد نازل، وشر العباد إلي صاعد، أتودد إليهم بالمغفرة، وأنا أغنى الأغنياء عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أشد ما يكونون حاجة لي، أهل ذكري أهل شكري، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، من تاب إلي منهم فأنا حبيبهم، ومن لم يتب فإني طبيبهم، من جاءني منهم تائباً تلقيته من بعيد: مرحباً بالتائبين، ومن ذهب منهم عاصياً ناديته من قريب: إلى أين تذهب؟ أوجدت رباً غيري؟ أم وجدت رحيماً سواي؟ الحسنة عندي بعشر أمثالها وقد أزيد، والسيئة عندي بواحدة وقد أعفو)، وأنا إلى عبادي أرحم من الأم بأولادها. رحمة ما بعدها رحمة، الشاهد في الحديث: (من جاءني منهم تائباً، تلقيته من بعيد: مرحباً بالتائبين، ومن ذهب منهم عاصياً ناديته من قريب: إلى أين تذهب؟). وفي الحديث: (إن الله خلق مائة رحمة، أنزل منها إلى أرضنا رحمة واحدة بها يتراحم الخلائق، حتى إن الدابة لترفع حافرها خشية أن تطأ وليدها فتؤلمه، وحجز عنده تسعة وتسعين رحمة يرحم بها الخلائق يوم القيامة). ثم قال: (إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الله الرحمن الرحيم يقول هذا لمن أرسله رحمة للعالمين. يعني: من كان خائفاً في الدنيا، فهو الآمن من عذاب الله يوم القيامة. ثم يقول تعالى لنبيه: لأقرن عينك في أمتك؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] فقال صلى الله عليه وسلم: (لا أرضى وواحد من أمتى في النار).

غضب الله عز وجل على أهل الكبائر من أمة محمد

غضب الله عز وجل على أهل الكبائر من أمة محمد قال الله تعالى: يا جبريل، بشر محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله فلن يخلد في النار، ثم تقف الملائكة بين يدي الله عز وجل ينتظرون ما يؤمرون به، فيقول الله سبحانه: معاشر الزبانية، انطلقوا بالمصرين من الكبائر من أمة محمد إلى النار، فقد اشتد غضبي عليهم؛ بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي، وانتهاكهم حرمي، يستخفون من الناس، ويبارزونني مع كرامتي لهم، وتفضيلي لهم على الأمم، فلم يعرفوا فضلي، وعظيم نعمتي، فتنطلق الملائكة بهم إلى النار رجالاً ونساء. هؤلاء مجموعة من الموحدين المسلمين الذين ماتوا وهم مصرون على الكبائر ولم يتوبوا منها. والآن عندما يقال للشخص: تب إلى الله قبل فوات الأوان، يقول لك: أتوب عندما أكمل أربعين سنة، أو عندما أتزوج، أو عندما أحج، أو أصلي من أول أشهر، نقول لهذا وأمثاله: من الذي يضمن لك أنك ستبقى إلى أول الشهر، يمكن ألا تصلي إلا فرضاً واحداً وتموت. ثم قال: وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة إلا اسود وجهه. يعني: أي واحد من غير أمة محمد يساق إلى النار وعليه غبرة، أما من كان من هذه الأمة فإنهم يساقون بألوانهم، ويقضون مدة العقوبة وأشكالهم كما هي في الدنيا، الأبيض أبيض، والأحمر أحمر، والأسمر أسمر.

خروج أهل الكبائر من أمة محمد من النار

خروج أهل الكبائر من أمة محمد من النار قال: فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء من أي أمة أنتم من الأمم؟ فما ورد علي أحسن وجوهاً منكم، فيقولون: يا مالك! نحن من أمة القرآن، فيقول لهم: يا معاشر الأشقياء! أوليس القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء. يعني: أن مالكاً يقرعهم، ويقول لهم: الله أنزل القرآن على محمد وقال لكم: كذا وكذا وكذا، فيقولون: نعم، حصل وحصل وحصل، وجاء في الحديث: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الفراش والجنادب تتهاوى من حوله، وأنا آخذ بحجزكم، ولكنكم تتفلتون فتقعون فيها). ثم قال: فيقولون: وا محمداه، وا محمداه، وا محمداه ثلاث مرات، اشفع لمن أمر الله به إلى النار من أمتك، قال: فينادى مالك بتهدد وانتهار: يا مالك! من أمرك بمعاتبة أهل الشقاء ومحادثتهم، والتوقف معهم عند دخولهم إلى النار، يا مالك! لا تسود وجوههم فقد كانوا يسجدون لي في دار الدنيا، يا مالك! لا تغلهم بالأغلال فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك! لا تعذبهم بالأنكال ولا تلبسهم القطران، فقد طافوا حول بيتي الحرام، وخلعوا ثيابهم للإحرام، يا مالك! مر النار لا تحرق ألسنتهم فقد كانوا يقرءون القرآن، فتأخذهم النار على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه النار إلى صدره، فإذا انتقم الله عز وجل منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم فتح بينهم وبين المشركين باباً لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، فينادون: يا رباه! يا سيداه! ارحم من لا يشرك بك في دار الدنيا، يا محمد! اشفع للأشقياء من أمتك، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم محمد شيئاً، ها أنتم معنا في نار جهنم. يعني: حرمتم على أنفسكم أشياء في الدنيا وها أنتم معنا في النار. ثم قال: فعندئذ يقول الله عز وجل: أنا الرحمن الرحيم، لا أجعل من قال: لا إله إلا الله كمن أبى أن يقول: لا إله إلا الله، يا مالك! أخرج من النار كل من قال: لا إله إلا الله، وهذا تفسير كلام الله عز وجل: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] يعني: في هذا الوقت، يقولون ليتنا قلنا: لا إله إلا لله؛ ولذلك جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بجانب أبي طالب في مرض موته فقال له: (يا عماه! قل: لا إله الله اشفع لك بها عند ربي). وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! أخبرني عن أهل النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، كل شديد قعبري، فقال: وما القعبري يا رسول الله؟! قال: الشديد على العشيرة، الشديد على الأهل، الشديد على الصاحب) يعني: أنه عنيف وغليظ في معاملته على الأهل وعلى الجار، وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى المسلمين وعلى أصحابه، والمسلم لا يعرف العنف. وهذا سيدنا سواد بن غزية رضي الله عنه وهو واقف في الصف في غزوة بدر وتقدم على الصف قليلاً فطعنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقدح في يده وقال: (استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك).

شفاعة الشافعين للعصاة من أمة محمد بالخروج من النار

شفاعة الشافعين للعصاة من أمة محمد بالخروج من النار وعن أبي سعيد الخدري عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما أحد منكم بأشد مناشدة من المؤمنين لله يوم القيامة في إخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا إنهم كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا، ويحجون معنا، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم) ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أكثروا من الأخلاء الصالحين، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة) يعني: عندما تكثر أحباءك في الله يأتون يوم القيامة فيشفعون لك؛ لأن الواحد قد يقول لآخر: يا فلان! اشفع لي عند ربك، فيقول له: أنا لا أعرفك، فيذكره ويقول: لقد مررت عليك مرة فسلمت عليك وتبسمت في وجهك، فيقول له: يا رب! شفعني فيه، فيشفعه فيه ويدخله الجنة. (فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرجون خلقاً كثيراً، منهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيقولون: ربنا لم يبق فيها أحد ممن أمرتنا به) يعني: لا يوجد أحد من الذي نعرفهم إلا أخرجناه. إذاً: كل مؤمن له شفاعة، فقد جاء في الحديث: (المؤمن يشفع في الواحد، ويشفع في الاثنين، ويشفع في سبعين من أهله وجبت لهم النار، ويشفع في القبيلة والقبيلتين) كل واحد على قدر رصيده ومكانته عند الله. قال: (ويقول الله عز وجل: فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه من النار) يعني: من تجدون في قلبه خيراً مثل هذا الدينار فأخرجوه من النار. قال: (فيخرجون خلقاً كثيرا، فيقولون: يا ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا بإخراجه أحداً، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، قال: فيخرجون خلقاً كثيراً، فقال أبو سعيد الخدري: إن لم تصدقوني فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]) يعني: أنت عملت مثقال ذرة صغيرة من خير ولم تكن تأبه لها، فهذه ستنفعك يوم القيامة، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] يعني: يكثرها، {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]. (فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أنا وأنا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج بها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد صاروا حمماً، فيلقيهم في نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يقول: لا تدعوا في النار رجلاً أو امرأة قال: لا إله إلا الله). فأهل التوحيد في النار لا يقيدون؛ لأن الموحد في الدنيا رغم عصيانه كان مقيداً بالحلال والحرام، فقد يأتي يوماً من الأيام فيقول: لا أنظر إلى الحرام، فهذا مقيد بنظره، ويقول: لا أسمع خطأ، فهذا مقيد بسمعه، ويقول: لا أذهب إلى المكان الذي فيه الرقص، فهذا مقيد برجليه، ويقول: لا أمد يدي إلى الحرام، فهذا مقيد بيديه. فإذاً: المؤمن مقيد في الدنيا عن الشر، فربنا يأتي يوم القيامة فيجعل لكل عمل في الدنيا ما يقابله في الآخرة. إذاً: الموحدون لا يقيدون، فتقول الخزنة بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء يقيدون وهؤلاء لا يقيدون، مع أنهم كلهم أهل نار، فناداهم منادٍ: أن هؤلاء كانوا يمشون في ظلمات الليل إلى المساجد، فقد جاء في الحديث: (بشر المشاءين في الظلمات بالنور التام يوم القيامة) فالذين يمشون في الليل لصلاة العشاء وصلاة الفجر بشرهم أنهم سيمشون في نور الله يوم القيامة، أما من يتخلف عن صلاة العشاء وصلاة الفجر فهذه علامة من علامات النفاق؛ لأن أثقل صلاة على المنافق صلاة العشاء والفجر. وقرأ سيدنا عبد الله بن مسعود قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل:38] الذي قال هذا هم الكفار، فسيدنا عمر لما سمع هذه الآية بكى، وقال: ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، ثم قال: أتراك تجمع بين القسمين في دار واحدة؟! يعني: هؤلاء أقسموا أن ربنا لن يبعث الذي مات، ونحن نقسم أنك يا رب ستبعث الذي مات، فهل ستساوي بيننا في النار؟! وهذا سيدنا الإمام الشافعي رحمه الله سمع قارئاً يقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] وسمع قارئاً آخر يقرأ: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] هذا على لسان فرعون، فبكى الشافعي وقال: يا رب! أتسوي يوم القيامة بين من قال: أنا ربكم الأعلى، ومن قال: سبحان ربي الأعلى. انظروا إلى لطف العلماء وكياسة أهل التقوى كيف يكلم ربنا؟! وهذا سيدنا الحسين رضي الله عنه قبل آخر لحظة من دخوله كربلاء، عاد وشرب ماء من عند أخته السيدة زينب رضي الله عن أهل البيت، وهو يشرب وفي يده الإناء أخذته سنة من النوم، ففتح عينيه، وقال: يا أختاه! رأيت جدي اللحظة، وقال: يا حسين! أنت عندنا بعد لحظات، وبكى، ونظر إلى السماء وقال: يا رب! أمرتني فلم أأتمر، ونهيتني فلم أنته، ولكن لا أشرك بك شيئاً أبداً، ولا إله إلا أنت وأنت الغفور الرحيم. هذا آخر كلام قاله الإمام الحسين رضي الله عنه وعن آل البيت يا رب العالمين. ننتقل إلى كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم). الجواظ: هو الذي جمع ومنع، مثل قارون حين جمع المال ومنع الصدقات والخيرات عن الناس، فهذا الجواظ الذي لا يدخل الجنة. والجعظري: هو الفظ الغليظ، الذي قلنا: إنه مثل القعبرى، فالقعبرى والجعظري شيء واحد. والعتل الزنيم: هو شديد الخلق رحيب الجوف، يعني: شكله جميل؛ لكنه من الداخل خاوٍ من الخير، هو شخص طويل جداً فتجده يقعد ويغني بأغاني النساء يقول لك: حتى فساتيني التي فساتينك ماذا يا بني؟ أنت قلبك فيه أمراض، ربنا يرحمنا ويهدي الكل. روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وعرض عليّ أول ثلاثة في الجنة، وأول ثلاثة في النار، فأول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وعفيف فقير متعفف ذو عيال. وأهل النار ثلاثة: أمير متسلط، وذو ثروة من مال يمنع عطاء الله عن عباده، وفقير فخور). وفي حديث آخر: (أن ناساً من أمتي يدخلون النار بذنوبهم، ويكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم تخالفوننا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]، وإن في النار لرجلاً في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف سنة: يا حنان! يا منان!). الحنان: هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان هو الذي يعطي النوال قبل السؤال. (فيقول الله: يا جبريل! أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة) يعني: مقفلة مؤصدة. (فيرجع ويقول: إنها يا رب عليهم مؤصدة، فيقول: يا جبريل! ارجع ففكها فأخرج عبدي من النار، فيفكها، فيخرج مثل الخيال، فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً) ذكره أبو نعيم في الحلية، والإمام أحمد في مسنده. اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، واجعلها خالصة لوجهك الكريم. اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار. اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وفك كرب المكروبين، وسدد دين المدينين. اللهم من أراد بمسلم سواءاً فاجعل كيده في نحره يا رب العالمين. اللهم أصلح الراعي والرعية، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم اهدهم للعمل بكتابك وسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم. اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_مفاتيح الجنة

سلسلة الدار الآخرة_مفاتيح الجنة أعد الله تعالى للمؤمنين جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك هو الفوز العظيم. ولن يدخل الجنة أحد إلا بمفتاح، ألا وهو مفتاح التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهناك مفاتيح أخرى تدخل صاحبها الجنة وهي مستقراة ومستنبطة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية.

موقف المسلم من الحديث عن النار

موقف المسلم من الحديث عن النار أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده. والحديث عن النار يؤثر على المسلم ويجعله فزعاً من هول النار ومما في النار من ألوان العذاب التي أعدها الله سبحانه وتعالى لمن تكبر وتجبر وبغى وطغى وكفر بالله رب العالمين. والحديث عن النار واقع حذرنا ونبهنا الله عز وجل منه، وحذرنا أيضاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وكان الصحابة يفرقون من النار ومن ذكر النار وعذاب النار، وخزي النار، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يذكر ويقول: (ما من عبد مسلم انفتل من صلاته -يعني: انتهى من صلاته- ولم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة: يا رب! عبدك فلان انفتل من صلاته ولم يسألك أن تدخله الجنة، فيا بؤس هذا العبد! وإذا طلب العبد من ربه الجنة ثلاث مرات عقب كل صلاة، قالت الجنة: يا رب! اللهم إن عبدك فلاناً قد طلب منك أن تدخله الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه). ويسن أن يقول المسلم بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب سبع مرات: اللهم أجرني من النار، والأفضل أن يعمم فيقول: اللهم أجرنا من النار، لأنه قد يكون هناك من تنزل عليه الرحمة فيرحم الله الجميع، وقد ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن إنساناً ربما بكى في أمة من خشية الله فرحم الله هذه الأمة كلها ببكاء هذا الشخص، وكان حول الحبيب المصطفى البكائون السبعة من الصحابة، وكان قائدهم أبا بكر فكان لا يسمع آية إلا وبكى من خشية الله مما عرف من الحق والصدق، ومما رأى وشاهد من قربه من مولاه عز وجل. فبعد كل صلاة تسأل الله الجنة، وتستعيذ بالله من النار، والنار تقول: (يا رب! إن فلاناً قد استجار بك مني، اللهم فأجره مني) فالنار تؤمن على دعائك، كما يفعل ذلك الحور العين، فقد ورد أن من سأل الله الحور العين فإنهن يقلن: (يا ربنا! إن عبدك فلاناً قد طلب منك أن تزوجه منا، اللهم لا تحرمه منا ولا تحرمنا منه). وكان عبد الله بن أبي فضالة الصحابي الجليل رضي الله عنه دميم الوجه، وكان كلما يذهب إلى بيت يطلب منهم أن يزوجوه رفضوه حتى يئس الرجل، فمن باب الأدب ذهب إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أأتزوج من الحور العين في الجنة؟ يعني: أنه في الدنيا لا يوجد أحد يرضى بي ويقبلني، فهل في الآخرة كذلك؟ فهو لا يسأل عمراً ولا زيداً وإنما يسأل من إذا قال له كلمة فقد صدق؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والصحابة كانوا ينتهزون الفرص في الخير، ونحن ننتهز الفرص في قطعة أرض، أو في منحة أو غيرها. ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب قام عكاشة رضي الله عنه من مكانه وهو يريد أن ينتهز الفرصة فقال: ادع الله أن أكون منهم يا رسول الله! فقال رسول الله: (أنت منهم يا عكاشة). وندعو في بداية الحلقة من أجل أن يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، لا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، لا تجعل لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً. اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اهدنا فيمن هديت، عافنا فيمن عافيت، تولنا فيمن توليت، بارك لنا فيما أعطيت، قنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك. استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم إنا مقهورون فانصرنا، وأذلاء فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا، تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وفك كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين. اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، اصلح يا رب أحوالنا. اللهم اجعل عن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، واجعل لنا نوراً، واجعلنا نوراً، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وسعيد بن زيد رضي الله عنه، كان من الصحابة الذين عاشوا بأقدامهم وأجسادهم في الدنيا، ولكن قلوبهم كانت مع الله ليل نهار، كانوا رهبان الليل فرسان النهار، نصراء لدين الله ولرسول الله ولكتاب الله حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً. اطلع الله على قلوب عباده، فوجد أصفاها وأنقاها قلب الحبيب المصطفى، فاختاره ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً وخاتماً للنبيين، ثم اطلع على قلوب خلقه فرأى أنقى وأصفى قلوباً بعد قلب الحبيب المصطفى قلوب صحابته، فجعلهم هداة يهدون إلى الحق وإلى سواء السبيل. وأعظم الصحابة وأفضلهم العشرة المبشرون بالجنة، الذين منهم سعيد بن زيد زوج فاطمة بنت الخطاب وكانا السبب في دخول عمر بن الخطاب الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها) فكيف بمن كان سبباً في هداية عمر بن الخطاب؟

قصة فتح سعد بن أبي وقاص للمدائن عاصمة كسرى

قصة فتح سعد بن أبي وقاص للمدائن عاصمة كسرى وسيدنا سعيد بن زيد رضي الله عنه كان في القادسية مع سعد بن أبي وقاص الذي فتح المدائن عاصمة كسرى وهو ملقى على بطنه؛ بسبب الخراريج في جسده كله، فما كان يستطيع أن يجلس، فأدار المعركة وهو منبطح على بطنه، وكان النصر حليفاً للمسلمين، وكان القائد من هؤلاء يجعل قارئ القرآن قبل المعركة يرتل أمام الناس سورة الأنفال وسورة التوبة، لتلقيان الحماسة في قلوب المقاتلين ليتحقق نصر دين الله عز وجل. وكان سيدنا خالد عندما يسمع القارئ يقرأ سورة التوبة إلى قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:128 - 129] يقول: الله أكبر! هبي رياح النصر، ويدخل خالد وسط المعركة أول واحد يحارب ولا يجعل حوله ستمائة حارس. وقال سيدنا علي رضي الله عنه: كنا إذا اشتد البأس أو احمرت الحدق وحمي الوطيس -يعني: المعركة- احتمينا بظهر رسول الله، فلا يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه. يعني: عندما تشتد المعركة يختبئ الصحابة وراء الحبيب المصطفى، ويكون أقرب مقاتل للسهام، فأي شجاعة كان عليها رسول الله! وأي شجاعة كان عليها سيدنا سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله! وأول يوم في معركة المدائن يصاب المسلمون بانكسار وانحسار، حتى حصلت لهم هزيمة، وكان المسلمون يسمون الأسماء بمسمياتها، لكن نحن نلبس الحق بالباطل، نضرب في عام 1967م من قبل اليهود ونسميها نكسة، والناس تشرب الخمر ويقولون عنها: إنها مشروبات روحية، أو يرقصون بخلاعة ومياعة ويقولون: هذا فن، قال صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي زمان على أمتي يسمون الحرام بغير أسمائه) أي: يلبسون الحق بالباطل، ينزعون الاسم المعروف ويجعلون بدله اسماً آخر مثل الرجل الذي قال: نحن لا نسمي ما في البنوك فوائد وإنما نسميها عوائد، إذاً: أطلق على الخنزير أنه بقرة وكله؛ أسأل الله السلامة، إن كان على تغيير الاسم فغير، لكن ماذا ستقول لله يوم القيامة؟ أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار. سيدنا سعد جمع الجيش والقوات، وقال لهم: هناك أسباب للهزيمة، فهل صليتم صلاة الخوف؟ قالوا: نعم، صلينا. وصلاة الخوف في المعركة بأن يقسم الجيش نصفين، نصف يصلي ركعة ونصف يحرس ويحمل الأسلحة ويستعد للقتال حتى لا يهجم أحد على المصلين، ثم يخرج الذين صلوا ركعة فيحملون السلاح، ثم يدخل الذين لم يصلوا فيصلون ركعة خلف الإمام، ثم بعد ذلك الذي صلى الركعة الثانية يخرج من أجل أن يحرس بقية الجيش، ويدخل الذي صلى الركعة الأولى فيصلي الركعة الثانية، وهكذا بالتبادل إلى أن يصلوا الركعتين، وهذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف. وصلاة الخوف تكون حتى في شدة القتال، وقد أفتى رجل في عام 73م بأنه يجوز للجيش المصري أن يفطر كله في رمضان، وهذه الفتوى غير صحيحة، فالذي لا يقدر أن يصوم أصلاً فإنه يفطر، لكن ما عدا ذلك فالأصل أنه ينوي من الليل الصيام ويدخل في المعركة في النهار، فإن تضرر تضرراً بالغاً من الصيام بحيث أنه لا يقدر على المواجهة فإنه يفطر، أما أن الجيش كله ينوي ألا يصوم فيأتي النهار وهم مفطرون فماذا سيصنع جيش قد أفطر بكامله؟ فلقد حارب المسلمون في بدر في شهر رمضان وهم صائمون، وفتحوا مكة في رمضان وهم صائمون. فقال سيدنا سعد للجيش: لابد أن يكون هنالك خلل تسبب في الهزيمة، فصاح صائح: يا أيها القائد! الخلل هو أننا نسينا سنة السواك، فأمر القائد الجيش أن يستاكوا فما أتى اليوم الثاني إلا وكل واحد ومعه السلاح والسواك. فالسلاح اتخاذ السبب، والسواك الاعتصام بالسنة، وفوق كل ذلك فإن الله هو الناصر والمعين، والنصر من عند الله، وإنما يجب علينا الأخذ بأسباب النصر من إعداد العدة والتخطيط الناجح وغير ذلك. فلما رأى حراس المدائن ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً يضعون شيئاً في أفواههم، تيقنوا أن العرب من أكلة لحوم البشر، فقد كانوا يعلمون سابقاً أن العرب في الجزيرة العربية يأكلون لحوم البشر، فقذف الله الرعب في قلوبهم فتركوا أبواب الحصون وفروا هاربين، فقام سيدنا سعد وأمر البراء بن عازب الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين -يعني: ذا ثوبين باليين- لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن عازب). فقال له: اقسم على الله ليفتحن لنا المدائن اليوم، فصلى البراء ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: أقسم عليك بعزتك وجلالك أن نصلي المغرب اليوم خلف سعد بن أبي وقاص في عاصمة كسرى، فاستجاب الله الدعاء، فما أذن المؤذن إلا في إيوان كسرى. هكذا ينتصر الإسلام، وهكذا نعود إلى الاستقامة، طالما الإنسان يعيش بأقدامه في الدنيا ولكن قلبه مع الله في الآخرة تصلح دنيانا وأخرانا، ولكننا كما قال الشاعر: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع.

قصة سعيد بن زيد

قصة سعيد بن زيد فسيدنا سعيد بن زيد كان في القادسية الذي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (وسعيد بن زيد حبيب من أحباء الرحمن). بات سيدنا سعيد يحرس إخوانه في الليل ثلاثة أيام ولم ينم فتعب، فقال له عبد الله بن زيد الأنصاري وقد كان يحرس معه: يا سعيد أنت لم تنم منذ يومين أو ثلاثة، فأقسمت عليك لتنامن وأنا أحرس خيمتك، فدخل سيدنا سعيد الخيمة لينام، وأخوه في الله عبد الله بن زيد الأنصاري جلس خارج الخيمة وسمع كلاماً داخل الخيمة، فوجد سعيد يقول: مرحباً بك يا عيناء يا مرضية، والله لا أريد أن أعود، فقال في نفسه: لابد أن سعيداً من قلة النوم يخرف، فقال له: سعيد! سعيد! سعيد! فقام سعيد من نومه مذعوراً، فقال له عبد الله بن زيد: ما شأنك؟ قال له: أنا سأقول لك سراً، وأستحلفك بالله ألا تخبر به أحداً إلا إذا مت، والمؤمن لأخيه في سره كالقبر، فإذا قلت لامرأتك سراً فلا تخبر به أمها أو أختها أو أحداً من الناس، ومن أكبر الكبائر أن الرجل يفشي سر زوجته أو أن المرأة تفشي سر زوجها، وذلك فيما يجري بينهما من أمور الجماع. فسيدنا سعيد رضي الله عنه قال له: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن منادياً ينادي: إن الله قد رضي عن سعيد بن زيد، ورأيت ثلاثة من الملائكة الكرام قد أخذوني إلى الجنة، فصافحت رضوان خازن الجنة، ثم دخلت فرأيت فيها نساء ما رأيت أجمل منهن! فقلت: أأنتن الحور العين اللاتي قرأنا عنكن في القرآن؟ قلن لي: بل نحن خدم من خدمهن، وهكذا فكلما رأيت أجمل منهن قلت لهن ما قلته سابقاً وقلن لي: بل نحن خدم من خدمهن، قال: إلى أن رأيت ثلاث نساء، اثنتان كالقمر ليلة التمام، وواحدة بينهن كالشمس تشع بنورها عمن حولها، فقلت: السلام عليكن، فقلن: عليك السلام يا سعيد، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا العيناء المرضية، أنا زوجتك في الجنة، فمددت يدي لأصافحها، فقالت: ليس اليوم يا سعيد، أنت مازلت في الدنيا، أنت لا تحل لنا، وإنما ستحل لنا بعد ثلاثة أيام، فقلت: والله لا أريد أن أعود، والله أريد أن أعود، والله أريد أن أعود، ثم أيقظتني فهذا ما رأيته في المنام. فأخذ عبد الله بن زيد يراقب حركاته في اليوم الأول والثاني والثالث وقد كان يوم خميس، وسيدنا سعيد صائم فظل يحارب ويقاتل إلى أن أوشك قرص الشمس أن يغرب حتى جاءته طعنة فوقع صريعاً، فأسرع إليه أخوه، فقال: أين الإفطار يا سعيد؟ قال له: في مقعد صدق عند مليك مقتدر، مرحباً بك يا عيناء يا مرضية. فهؤلاء الصحابة لم يكونوا يسمعون دروس العلم ثم يذهب كل واحد منهم لحاله، فدروس العلم كانت تؤثر فيهم. ودروس العلم تصنع أثراً عند المسلمين الأمريكان والكنديين والأستراليين، ولقد جاءتني مكالمة من سيدة فاضلة تحدثني من أستراليا، فقالت: عندي ثلاث بنات سمعن الحلقة السادسة والسابعة من حلقات الدار الآخرة التي وصلت إلينا، والثلاث بنات أعمارهن ما بين 16 إلى 20 سنة فلما سمعن الحديث تحجبن وهن الآن يسألن: هل الحجاب فرض أو سنة؟ اللهم اجعلها في ميزان حسناتنا جميعاً يا رب العالمين، ونضر الله وجه امرئ سمع منا مقالة فوعاها، فبلغها كما سمعها، وجزى الله خيراً من ينشر هذا العلم في كل مكان.

قصة حنظلة غسيل الملائكة

قصة حنظلة غسيل الملائكة وسيدنا حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة لم يجد زوجة، فجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم قيمة المهر فتزوج، وفي ليلة الزفاف إذ ينادي المنادي قبل الفجر: حي على الجهاد، فقام من فراشه فزعاً حتى نسي أن يغتسل وأسرع إلى أرض المعركة، فاستشهد هذا الرجل، فرأى رسول الله الملائكة تغسله، فسمي: غسيل الملائكة، ثم لحدوه في القبر، فرأى سيدنا عمر بللاً في يديه فشمها فإذا هي رائحة المسك فظلت في يده أسبوعاً أو أكثر، ثم عفروه بالتراب. المهم أن سيدنا الحبيب كان يمشي على أطراف أصابع قدميه، فسئل عن ذلك فقال: (ما وجدت مكاناً أضع فيه قدمي من كثرة الملائكة التي غطت بين السماء والأرض)، وأنه رأى زوجات حنظلة من الحور العين وقد جئن يرحبن به، ويأخذنه من الدنيا وتعبها.

قصة موت الحبيب عليه الصلاة والسلام

قصة موت الحبيب عليه الصلاة والسلام ولذلك فإن سيدنا الحبيب لما كان في حجر عائشة في سكرات الموت والسيدة فاطمة كانت تنظر إلى أبيها وهو ينازع السكرات صلى الله عليه وسلم، فتبكي فاطمة وتقول: واكرباه اليوم عليك يا أبتاه! قال: (يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم) وكان يقول: (إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، إلى جنة المأوى، وإلى الحظ المهنا، إلى الله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله) ثم فاضت روح رسول الله إلى الله عز وجل. واختلف الصحابة في كيفية غسل الرسول صلى الله عليه وسلم، هل يغسل من فوق ثيابه؟ أو تخلع ثيابه؟ وكان المغسلون له أربعة من آل بيته وهم: عمه العباس، والفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، فسمعوا هاتفاً يقول: اغسلوا الرسول من فوق ثيابه، أي: لا تنزعوا الثياب عن رسول الله.

الجنة دار المؤمنين

الجنة دار المؤمنين والجنة موجودة الآن، والدليل على ذلك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الإنسان عندما يوضع في لحده: (وإنه ليسمع قرع نعالهم وهم يغادرونه) وهذه أصعب لحظة على الإنسان عندما يتركه أهله في القبر وحيداً وهو في نفسه يقول: لو أن أهلي ينتظرون ولو نصف ساعة أو ساعة؛ لأنه لن يبدأ الحساب إلا بعد مغادرة الناس من القبر، وعندما يمشون فإنه يسمع صوت أرجلهم وهم يمشون، فالميت ليس ميتاً وإنما نقل من حياة لها كيان ونوع وماهية، إلى حياة من نوع آخر لها كيان ونوع وماهية. ثم يدخل عليه الملكان فيسألانه الأربعة الأسئلة التي نحن نعرفها، من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ وما كتابك؟ فإن ثبته الله وكانت الإجابة موفقة فقد نجح، وينادي مناد أن (وسعوا لعبدي في قبره واجعلوه له مد البصر، وافرشوه له حريراً، وافتحوا له باباً ليرى مقعده من الجنة). فهو ينظر إلى مقعد موجود، إذاً: فالجنة موجودة. أما بالنسبة للنار فإن الله يأمر مالكاً خازن النار بألا يحرق قلوب وأقدام مرتكبي الكبائر من أمة محمد ولم يتوبوا، فربنا يقول: (يا مالك! لا تحرق قلوبهم؛ فقد كان فيها الإيمان وقراءة القرآن، يا مالك! لا تحرق أقدامهم؛ لأنهم كانوا يخطون بها خطوات لتعمير بيوتي وللصلوات في الجماعة). سيدنا عمر رضي الله عنه دخل عليه سيدنا علي رضي الله عنه في المسجد النبوي الشريف، فوجد أمير المؤمنين في قبلة الرسول ساجداً وهو يبكي، ويقول: يا رب كبر سني، ووهن عظمي، وخشيت أن يتفرق الأمر من يدي، فاقبضني إليك مسلماً موحداً، ولما طلع الفجر من تلك الليلة طعنه أبو لؤلؤة المجوسي. ولما حدث عام المجاعة كان يبكي ليل نهار، ويقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يد عمر، فكيف الذين أهلكوا الأمم على مدار أربعين أو خمسين سنة؟ ولماذا لا يدعون؟ A لأنهم ليسوا كـ عمر، اللهم ارض عن عمر وعمن سار في طريق عمر بن الخطاب، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين! وموضوعات الجنة التي يتطرق الحديث عنها هي: أبوابها، وسعتها، وأول من يدخلها، ودرجاتها، ومفاتيحها، وثمنها، وأصناف أهلها وأوصافهم، وتربتها وقصورها وغرفها، وأسماؤها، ومعانيها وبساتينها وسوقها، إلى غير ذلك وأهم موضوعاتها النظر إلى وجه الله الكريم. وكما أن للجنة مفاتيح فإن قلوب الناس لها مفاتيح، ومن هذه المفاتيح الكلمة الطيبة أو اللين أو العنف أو التهديد أو الترغيب والترهيب وهكذا، فكل واحد من الناس له مفتاح، لكن الجنة لها مفاتيح أخرى، ولن يفتح باب الجنة إلا بهذه المفاتيح. قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23]. والغرس الذي فيها ليس من غرس الملائكة وإنما غرسه الله بيده، فإذا كانت هنالك في الدنيا نباتات جميلة وشكلها لطيف وجميل وبأشكال جميلة وهي من صنع البشر، فكيف بما صنعه رب البشر؟! وأول الأمم دخولاً إلى الجنة، هم السابقون وأصحاب اليمين. والنساء في الجنة أكثر من الرجال، وفي النار أكثر من الرجال، فهذه معادلة غريبة سنشرحها قريباً إن شاء الله. وأول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما أبو بكر رضي الله عنه فإنه لن يقف للحساب. وقد قال أبو بكر: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارج الجنة لم آمن مكر الله. أما دور الجنة وقصورها وغرفها فلا يعلم سعتها إلا الله، وربما يعيش الإنسان في قصر منيف في الدنيا وواسع ولكنه ضيق الصدر، وقد يعيش في كهف أو خيمة وهو منبسط ومرتاح، فالسعة سعة الصدر لا سعة القصر، قال تعالى عن أصحاب الكهف: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف:16]. وميسون الكلابية زوجة معاوية وأم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لما أتى بها معاوية إلى دمشق وأدخلها أحد قصورها وفيه الوصيفات وريش نعام وذهب وحرير، فدخل عليها مرة ووجدها تقول: لكوخ تخفق الأشباح فيه أحب إلي من قصر منيف وأكل كسيرة ويروق بالي أحب إلي من أكل الرغيف ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف

مفاتيح الجنة

مفاتيح الجنة والكلام عن مفاتيح الجنة قد جمعته من أربعمائة واثنين وخمسين حديثاً.

الصلاة والطهور

الصلاة والطهور وأول مفتاح من مفاتيح الجنة: الطهور، وهو مفتاح الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور) فلا تصح منك الصلاة إلا أن تكون طاهراً، وكما أن المسلم مطلوب منه طهارة الجوارح فكذلك مطلوب منه طهارة الباطن وهو القلب، فلو ظهرت عيوب الإنسان الخفية أمام الناس لانكسف منها الإنسان. قال الحسن البصري رحمه الله: احمدوا ربكم معشر المسلمين، لم يجعل للذنوب رائحة، وإلا لما جلس مسلم بجوار مسلم. فهذا من ستر الله أنه لم يجعل للذنوب رائحة، فلو كانت للذنوب رائحة لتلوثت البلاد ولمتنا من الغم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون). وقال: (إذا أذنب العبد وقال: يا رب! إني قد أذنبت، يقول الله: يا عبدي وأنا قد علمت، يقول: يا رب! إني قد أجرمت، يقول: يا عبدي وأنا قد رأيت وشاهدت وسمعت، يقول: يا رب! أنا الآن قد عدت، يقول له: أنا الآن قد قبلت). فالله تعالى لا يعاتب المسيء، فمن الواجب على المذنب أن يتوب إلى الله تعالى، ومن تاب من المعاصي والسيئات فإن الله يمسحها كلها ويضع مكان كل سيئة حسنة، قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] وليس هناك من هو أكرم من الله، وقليل الأدب هو الذي يتوب إلى الله ويرجع إلى المعاصي والسيئات، وفي الأثر: (يا عبدي إلى أين تذهب؟ أوجدت رباً غيري؟ أم وجدت رحيماً سواي؟) فلا رب لنا غير الله. فمن أجل أن تدخل في الصلاة، فلابد لها من مفتاح وهو الطهور. المفتاح الثاني: مفتاح الحج الإحرام، وهو أن تخلع الثياب المخيطة وتتشبه بالميت الذي عليه الكفن، ففي الإحرام يستوي الفقير مع المدير والوزير، والرئيس مع المرءوس، والملك مع المملوك. وصورة الحج من صور يوم القيامة، فالكل ذليل إلى الله سبحانه وتعالى.

الصدق

الصدق المفتاح الثالث: مفتاح البر الصدق، بأن تكون صادقاً مع الله ومع الناس ومع نفسك. دخل رجل على أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، فقال له: يا أبا الحسن! أنا قد تبت، أأذكر ذنوبي وأضعها نصب عيني دائماً أم أنساها؟ قال له: اجعل ذنوبك أمام عينيك من أجل ألا تنساها ومن أجل أن تكثر من التوبة. فقال تلميذ لـ أبي الحسن: يا أبا الحسن! لقد كان في حالة الذنوب مع الله في حالة جفاء، فلما تاب إلى الله صار مع الله في حالة الوفاء، ومن كان في جفاء ثم صار في وفاء فذكر الجفاء بعد الوفاء جفاء. وأقل ثواب في الصلاة أن الذي لا يصلي يحرم نفسه من الأجر الجزيل في التشهد، فإنه عندما يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يسلم على كل مصل صالح، وإذا كان عدد المسلمين في العالم ألف ومائتين مليون مسلم، فلو صلى منهم نصف مليار مسلم أي: خمسمائة مليون مسلم، فإنه يسلم على الخمسمائة مليون مصل، وأجر السلام لكل واحد منهم ثلاثون حسنة، فيكون له من الأجر في الصلاة الواحدة ناتج مجموع ضرب ثلاثين في خمسمائة مليون، فالذي لا يصلي يحرم نفسه من هذا الكم الهائل من مليارات الحسنات، وذلك برحمة الله لا بأعمالنا. سأل رجل أبا حامد في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] فما شأن الله اليوم؟ فقال أبو حامد: أفكر فيها وأخبرك غداً إن شاء الله، فلما جاء الغد أعاد عليه السؤال فقال له: غداً إن شاء الله، واستمر كذلك ثلاثة أيام، فلما رجع أبو حامد إلى البيت قال: اللهم ألهمني الإجابة، فرأى في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: يا أبا حامد! إذا جاءك السائل ليسألك غداً ما شأن الله اليوم؟ فقل: إن لله أموراً يبديها ولا يبتديها، أي: ليس لها بداية لأن الله هو الأول والآخر، يرفع أقواماً ويخفض آخرين. فهذه الإجابة ممن لا ينطق عن الهوى، فقال له السائل: يا أبا حامد! أكثر من الصلاة والسلام على من علمك هذا في المنام. وقال سيدنا علي رضي الله عنه: اشتقت لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم معه طبق رطب، فأعطاني منه اثنتين، ثم استيقظت وحلاوة رطب الرسول في فمي، فذهبت إلى عمر بن الخطاب أبشره وأفرحه، بأنني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، فدخلت المسجد وإذا بالصلاة قد أقيمت فلما انتهينا من الصلاة دخلت امرأة ومعها طبق فيه رطب فأعطته أمير المؤمنين، فوزعه على الحاضرين وأعطاني منه اثنتين وأنا أشتهي في نفسي رطباً أخرى، فنظر إلي عمر مبتسماً وقال: يا علي! لو زادك الرسول لزدناك. أي: أن تموينك من الحبيب صلى الله عليه وسلم في الرؤيا كان تمرتين، ونحن ننفذ الأوامر. وبينما كان عمر يوم الجمعة على المنبر يخطب إذ قطع الخطبة، ونظر إلى الشمال وقال: يا سارية الجبل الجبل! فمن استرعى الذئب ظلم، فلما نزل سيدنا عمر من المنبر، سأله سيدنا علي فقال: يا أمير المؤمنين! قلت شيئاً في الخطبة لم نفهمه، وهو: يا سارية الجبل الجبل! وبعد ذلك أتممت الخطبة، فقال: وقع في خاطري وفي خلدي أن المسلمين الذين هم تحت قيادة سارية أعد لهم كمين من وراء الجبل، فأردت أن أنبههم وأحذرهم. فلما رجع سارية بعد شهرين، قال: إنه في يوم كذا وفي ساعة كذا، سمعنا صوتاً كصوت أمير المؤمنين عمر يقول: يا سارية الجبل الجبل! فنظرنا فإذا كمين أعد لنا فانتبهنا ففتح الله علينا فانتصرنا. يا ليت الصوفية على حق ونحن نقبل تراباً يسيرون عليه، فالتهريج واللف حول المقابر والصلاة في أضرحة الأولياء، ليست من أعمال الصوفية الحقيقية ولا الصوفية تعرفها، فنحن مسلمون، قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] فمن سيقف بين يدي الله يوم القيامة فإنه يقول: أنا مسلم.

العلم

العلم المفتاح الرابع: مفتاح العلم: وهو حسن السؤال وحسن الإصغاء، جلس سيدنا الشافعي رحمه الله في مجلس الإمام مالك فكان يتصفح الورق تصفحاً رقيقاً لكي لا يشوش على حلقة الإمام مالك، وكان الشافعي لا يشرب الماء أمام مالك هيبة واحتراماً له. وكان أحمد بن حنبل يجلس متكئاً مع إخوانه وأحبابه القريبين منه، وعندما يأتون بسيرة الشافعي يقعد احتراماً للشافعي، والشافعي ليس موجوداً.

الصبر

الصبر المفتاح الخامس: ومفتاح النصر الصبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً). وروي أنه ليس بمؤمن مستكمل الإيمان من لم يعد البلاء نعمة، والنعمة بلية، فإن البلاء لا يعقبه إلا الرخاء، وإن الرخاء لا يعقبه إلا البلاء. ولذلك فإن الجنة ليس فيها بلاء ولا تعب ولا نصب، ولا شمس ولا زمهرير ولا حر ولا برد ولا مشاكل ولا لغو ولا تهديد ولا غير ذلك، اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة يا رب العالمين!

الشكر

الشكر المفتاح السادس: مفتاح المزيد الشكر، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، وقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] ولذلك لما شاء ربنا أن يذهب البلاء عن سيدنا أيوب، وقد استمر فيه 18 سنة، لا يحرك يديه ولا رجليه ولا يتقلب، وكانت زوجته هي التي تقلبه، فخرجت يوماً من أجل أن تشتري له طعاماً فتأخرت، فحلف بالله أنه سيضربها مائة ضربة، والمريض تكون نفسيته لا تتحمل. وإبليس يدخل عليه ويقول له: يا أيوب! لو أنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يكشف كربك، قال له: يا إبليس! أنا في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: أي نعمة وأنت منذ 18 سنة لا تتحرك، قال: قال الله لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، وأنا راض بما قسم الله لي. فلما جاءت لحظة النجاة، قال له ربنا: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:42] أي: اضرب الأرض برجلك، {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42] فاغتسل من الماء وشرب منه فزالت كل الآلام النفسية الداخلية والخارجية، فشفي بإذن الذي يقول للشيء كن فيكون. فرجعت زوجته فوجدت رجلاً غريباً في البيت، فقالت له: أرأيت رجلاً هنا مريضاً؟ فوالله لقد كان في أيام صحته شبيهاً بك، فقال لها: أنا أيوب، ثم أراد أن يبر بيمينه فيضربها مائة ضربة، فنزل سيدنا جبريل عليه السلام فقال له: يأمرك الله أن تأخذ مائة عود قمح قد استوى، ثم اربطها حزمة واحدة، واضربها ضربة بحنان، قال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]. وهنالك امرأة كانت تعيش بعيداً عن الدين، فمرضت بمرض السرطان فسافرت إلى أمريكا للعلاج، فكشف عليها سبعة أطباء فوجدوا أن الخلايا السرطانية قد انتشرت في الجسم ولا ينفعها علاج كيماوي ولا غيره، فعزمت الرجوع إلى بلادها، وقد يئست من العافية، فبينما كانت في المطار إذ بإحدى زوارات دروس العلم في المساجد كانت تحضر لنا، قعدت بجوارها في الطائرة هي وزوجها، وتكلمت معها عن حالتها، فوجدتها لم تعرف عن الصلاة والحج والعمرة شيئاً وقد كان لها من العمر خمسون عاماً، وهي تشكو من مرض السرطان، فقالت لها: علاجك أن تذهبي إلى مكة فتعتمرين وتشربين من ماء زمزم بنية الشفاء فستشفين إن شاء الله، فذهبت إلى مكة واعتمرت وشربت من زمزم بيقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) وبعد ذلك بدأت صحتها تتحسن حتى شفيت تماماً، ثم سافرت إلى أمريكا لتعمل مراجعة للأطباء السبعة، فعملوا لها تحاليل وفحوصات فوجدوها قد شفيت تماماً من السرطان، فقالوا لها: أين تعالجت؟ قالت: ذهبت إلى الكعبة وشربت من ماء زمزم بنية أن الله تعالى يشفيني، فإذا بالسبعة الأطباء يسألونها وكيف دخول الإسلام؟ فقالت: بالنطق بالشهادتين، فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فإذاً: مفتاح المزيد الشكر: وسيدنا أيوب بعدما شفاه الله نظر فوجد جراداً من ذهب، فأخذ يجمعه في حجره، فناداه الله: يا أيوب! أما أغنيتك عن هذا؟ قال: يا رب! وهل يشبع من فضلك أحد؟

التقوى

التقوى المفتاح السابع: مفتاح الفلاح التقوى؛ لأن أهل التقوى هم المفلحون. والتقوى هي: ألا يجدك الله حيث نهاك، وألا يفتقدك حيث أمرك، فلا يجدك الله حيث نهاك عن فعل المعصية وألا يفتقدك حيث أمرك بصلاة الجماعة في المسجد وبمجلس علم وبصلة رحم وبخير يصدر منك، والمؤمن مع من أحب، ومن أحب قوماً حشر معهم، وكن عالماً أو متعلماً أو أحبهم أو لا تبغضهم، لا تقل لأهل الدين: هؤلاء متطرفون هؤلاء الذين ضيعوا البلد هؤلاء هم الذين صيرونا في داهية، هؤلاء نصابون، فكم يغتاب من المصلين الموحدين؟ فالمسلم يدعو لهم ويكن لهم كل خير.

الرغبة والرهبة

الرغبة والرهبة المفتاح الثامن: مفتاح التوفيق في العبادة الرغبة والرهبة، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] فأنا خائف من عذاب الله وفي نفس الوقت عندي أمل في رحمة الله عز وجل، قال سيدنا عمر: لو نادى مناد يوم القيامة: كل الناس في الجنة إلا واحداً لخشيت أن أكون أنا هذا الواحد، ولو نادى مناد يوم القيامة: كل الناس في النار إلا واحداً، لرجوت من الله أن أكون هذا الواحد. فـ عمر رضي الله عنه جمع بين مقامي الخوف والرجاء، والرجاء يبنى على رصيد عمل، فإن قوماً غرتهم الأماني ويحسنون بالله الظن، ووالله! لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

الدعاء

الدعاء مفتاح الإجابة الدعاء، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وليس هناك واسطة بينك وبين ربنا في الدعاء. وفي الأثر: لو كان العبد طائعاً أو عاصياً وقال: يا رب! فإن ربنا يقول له: لبيك يا عبدي! وفي الحديث: (لله أفرح بتوبة عبده من رجل خرج في فلاة وعلى ناقته رحله وسقاؤه وطعامه، فضلت منه ناقته -أي: ضاعت- فأيقن الهلكة فنام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فرأى ناقته عليها سقاؤه وطعامه). فربنا يفرح بتوبة عبده المؤمن أكثر من فرحة الرجل الذي وجد الأكل والشرب على ناقته التي ضلت منه، فالطاعة لا تزيد في ملكه، والمعصية لا تنقص من ملكه. والدعاء له شروط: وهي: الإخلاص، واليقين، وترقب الأوقات الفاضلة. وقد يوجد أشخاص لهم علاقة بالله سبحانه وتعالى، وأحياناً قد يكون عندي ألم أو مرض أو ضيق صدر، فأذهب إلى بيوت معينة من أجل أن أشرب فيها كأس ماء أو كأس شاي بنية الشفاء، فأعود إلى بيتي وقد شفيت من الألم، لأن سيدنا الحسن البصري قال: لو أحصل على درهم حلال، لاشتريت به رغيفاً فأدقه وأضعه في وعاء، فمن مرض أخذ منه لحسة فشفاه الله، لكن أين الدرهم الحلال؟! والدعاء لا يكون إلا بإخلاص مع ترقب الأوقات الطيبة، مثل الذين يقفون طوابير أمام بوابات السفارات، ينتظرون متى تفتح الأبواب، ولله المثل الأعلى، فنحن لا نعرف متى يفتح باب الإجابة، فعلينا بالدعاء دائماً؛ لأن كل الأبواب تفتح وتغلق إلا باب التوبة، فإنه باب مفتوح على مصراعيه حتى تطلع الشمس من مغربها. قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، فينادي: ألا من داع فأستجيب له، ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من صاحب حاجة فأقضيها له) وقال أيضاً: (إن ربكم يمد يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) لأنه هو التواب الرحيم، قال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]. قال أبو حامد الغزالي لتلاميذه: عفوه يستغرق الذنوب، فكيف حبه؟ وحبه ينير القلوب، فكيف وده؟ ووده يدهش العقول، فكيف قربه؟ وقربه ينسي هموم الدنيا، فكيف مشاهدته؟ فزاحموا العلماء بالمناكب؛ فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة، ومثل المؤمن كالنحلة؛ إن أكل أكل طيباً، وإن أطعم أطعم طيباً، وإن وقف على عود لا يخدشه ولا يكسره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يريحك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثوبك وإما أن تشم منه ريحاً خبيثة). فالذي يجالس أصحاب الآخرة فإنهم يذكرونه بالله تعالى ويقربونه منه، والذي يجالس أصحاب الدنيا فإنهم يبعدونه عن الله. والعمل الذي تأكل منه أخلص فيه، وقلت لإخواننا الذين يعملون في أي مصلحة أو وزارة أو أي وظيفة في القطاع العام أو الخاص، أنهم يقضون نصف ساعة في آخر اليوم بدلاً عن النصف الساعة التي استغرقت في صلاة الظهر؛ لأن الموظف مكلف بالعمل ثمان ساعات كل يوم؛ من أجل ألا يدخل جوفك درهم حرام، فإن الحلال هو الذي يجعل الدعاء له إجابة، قال صلى الله عليه وسلم: (يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفسي بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً).

سلامة الصدر من الأحقاد

سلامة الصدر من الأحقاد المفتاح العاشر: مفتاح الدخول على الله سلامة القلب، فالذي يأتي إلى ربه بقلب سليم، يدخل على الله بقلب سليم، وهو الذي ينفع يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. أي: سليم من ناحية كل مسلم، لا يحمل ضغائن على أحد، ولا يعمل نكد عند أحد، ويحمل للناس المعروف مثل الصحابة، فقد كان الصحابي يضع التمرة في فم أخيه فيجد حلاوتها في فمه هو. والحسن البصري دخل الجامع ووجد جماعة قاعدين، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن إخوان في الله، قال: فهل إذا احتاج أحد منكم شيئاً يضع يده في جيب أخيه فيأخذ ما يريد؟ قالوا له: لا، قال: لستم بإخوان في الله. وأراد يوماً أن يعلم المريدين: ماذا تعني المحبة في الله، وماذا يعني الصبر على الأذى والصبر على الطاعة، فأتوا إليه يزورونه فأخذ يرميهم بالحجارة، ثم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن أحباؤك، قال: لو كنتم أحبائي حقاً لصبرتم على بلائي، يريد أن يعلمهم أن الذي يحب ربنا يصبر على الابتلاءات؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، فإذا صبر العبد قال: (يا جبريل! ماذا صنع عبدي، قال: يا رب! حمدك واسترجع، قال: يا جبريل! أعد عليه البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته). اللهم اجعلنا من الصابرين والصابرات، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والقانتين والقانتات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين لك يا رب! كثيراً والذاكرات. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، لا تجعل يا رب بيننا شقياً ولا محروماً. نقول جميعاً: تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واغفر زلتنا، وتقبل من محسننا، وتجاوز عن مسيئنا، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم فك الكرب عن المكروبين، وسدد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، زحزحنا عن النار، وقربنا من الجنة، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم. {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. جزاكم الله خيراً، وأشكركم لحسن استماعكم، وبارك الله فيكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة لقد وصف الله عز وجل الجنة في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وصفاً يشد من الهمم، ويضاعف من العزائم، ويزهد من الدنيا، ويجعل العبد يشتاق لما عند الله من النعيم السرمدي الأبدي، ومهما تخيل الإنسان نعيم الجنة فإنه لن يدرك حقيقته.

تجارة العبد مع الله سبحانه وتعالى

تجارة العبد مع الله سبحانه وتعالى أحمد الله حمداً يوافي نعمه علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، وهي بمشيئة الله سبحانه الحلقة الثانية عن الجنة. أيها الإخوة الأحباب! الحديث عن الدار الآخرة يرقق القلوب الجامدة، ويجعل العيون التي لم تتعود على البكاء من قبل تذرف الدموع، وذلك عندما تتفكر أن صاحبها سوف يقف بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهذه الدروس تذكر الإنسان بالحقيقة الأساسية: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. ويؤتى بالموت على هيئة كبش بين الجنة والنار ثم ينادي: ما هذا يا أهل الجنة؟ ما هذا يا أهل النار؟ فيقول الفريقان: هذا هو الموت الذي كنا نخاف منه، فيؤمر بالموت فيذبح، ثم ينادي المنادي من قبل العلي الأعلى جل في علاه: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، يا أهل النار! خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً، ويزداد أهل النار غماً وكمداً وحزناً، اللهم اجعلنا مع الذين رضيت عنهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، آمين يا رب العالمين! هذه الدروس إن لم تخفك من الله فلا فائدة فيها، هذه الدروس إن لم تقربك إلى الله، وتجعل قلبك رقيقاً لمجالس العلم، رقيقاً لكلام الله، محباً لطاعة الله عز وجل، محباً لأهل الله عز وجل، محباً للسائرين في طريق الله سبحانه فلا خير فيها، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحبك كل عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين. وكل شيء له مفتاح، والجنة لها مفاتيح، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يحدثنا فيما رواه أبو نعيم والإمام أحمد في مسنده وصححه الحاكم، حيث قال: (إن لله عباداً مفاتيح للخير، مغاليق للشر، ومن العباد عباد مغاليق للخير، مفاتيح للشر، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، ويا بؤس عبد جعله الله مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر). فهناك أناس معهم مفاتيح الخير يفتحون بها قلوب الناس، وهناك أناس والعياذ بالله رب العالمين معهم مفاتيح يغلقون بها أبواب الخير على عباد الله، ويفتحون لهم أبواب الشر، وأيضاً يحدثنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن تبتاع منه، وإما أن يحذيك، وإما أن تشم منه ريحاً طيباً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثوبك، وإما أن تشم منه ريحاً خبيثة)، ولذلك من فضل الله عز وجل -وهو الستار الحليم- أنك تصنع الذنب وتخرج أمام الناس فيرونك ولا يدركون ولا يعلمون من أمر ذنبك وسيئاتك شيئاً. يرونك في المسجد ويظنونك ملكاً من الملائكة، وصالحاً من الصالحين، وعالماً من العلماء، يظنونك محباً لأهل العلم وربما كان في قلبك غير ذلك، وربما هذه الرؤية تجعل الغير يدعو لك بالخير، فيجعل الله لك في هذه الدعوة الخير كله، فالإنسان لا يدري من أين يأتيه الخير، وربما دعوة مسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب يستجيب الله له، فيهدي الله عز وجل الاثنين إلى طاعته ورحمته. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا يا ربنا واصرف عنا شر ما قضيت، آمين آمين، والحمد لله رب العالمين. والإنسان المسلم بفضل الله عز وجل مفاتيح الخير لا تسبب له قلقاً؛ لأن مفاتيح الخير لا تكلف شيئاً؛ لأن الله عز وجل يقول في سورة التوبة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. هذه الآية فيها أحد عشر لوناً من ألوان البلاغة، وألوان الأوامر، وألوان الفضل الإلهي: قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111]، بدأت الآية بحرف التوكيد (إن)، وذكرت اسم المشتري: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111]، ولفظ الجلالة (الله) هو اسم إن، فالله هو المشتري، و (اشترى) هذا فعل ماض، فالله قد اشترى بفضله سبحانه. ثم ذكر البائع فقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:111] اللهم اجعلنا منهم يا رب! {أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111] الأنفس والأموال أعطاها لك الله ثم هو يشتري منك ما منحك بدون مقابل، أعطاك الله الجسد والروح، والدورة الدموية، والدورة التنفسية، والعقل، والفكر، والمشاعر، والعواطف، والأحاسيس، والود والرحمة، والمحبة، والإخلاص، كل هذا أعطاه لك ربنا، وأنت ماذا أعطيته عندما أعطاك هذا؟! إذاً: الله عز وجل قد اشترى من المؤمنين شيئاً قد وهبه لهم بدون مقابل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111]، المال أيضاً هو من مال الله، لكن الناس مالوا بالمال عن حقيقة المال، وقلنا: في اللغة سمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق، معاملتك مع أخيك المسلم تكون جيدة، فإذا دخل المال فيها مالت علاقتك معه؛ لأن المال يميل بالقلوب إليه، المال تميل إليه القلوب والنفوس بطبيعتها، ولذلك يقول سيدنا علي: النفس تجزع أن تكون فقيرةً والفقر خير من غنىً يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها ولذلك وقف الإمام الشافعي رضي الله عنه لما سافر إلى سيريلانكا -سيلان اليوم- وقال: أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب وأفيضي آبار تكرور تبراً أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا لأنه يعلم أن الرزاق هو الله، وأن المانح هو الله، وأن المانع هو الله، وأن المعز هو الله، وأن المذل هو الله، ولا شيء إلا الله، فوحد الله وعبده، وسار في طريق الله، فكانت عنده عزة إلا في الصلاة، تنحني جبهته أمام عظمة الله، ويتواضع أمام ربه وأمام المسلمين، لكن في غير ذلك كان رأسه في السماء بعزة المؤمن، فهو مع الكافرين عزيز بعزة الله له؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. إذاً: الله سبحانه وتعالى رزقك المال بدون أن تعطيه مقابلاً، ثم أراد أن يشتري منك، والبيع دائماً يكون فيه مكسب للطرفين -ولله المثل الأعلى- فإن الله عز وجل سوف يشتري منك النفس والمال وهو لمنفعتك والله غني عنه، يقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] كلنا فقير إلى الله؛ ولذلك يقول الله عز وجل: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسأل كل واحد منكم فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). إذاً: كلهم جائع إلا من أطعمه الله، وكلهم عار إلا من كساه الله، وكلهم ضال إلا من هداه الله، فلو أن الكل أطاع الله ما زاد ذلك في ملك الله شيئاً، ولو أن الكل عصى الله عز وجل ما نقص ذلك من ملك الله عز وجل شيئاً، ثم قال الله عز وجل: لو أن الجميع قد وقفوا في صعيد واحد، وكل واحد سأل الله مسألة، فأعطى كل واحد مسألته، لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً أن يعطي كل سائل مسألته! إذاً: ما الفائدة التي تعود على المشتري في هذه الحالة بأن اشترى رب العباد سبحانه نفسك ومالك؟ A ليس له فائدة عائدة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111] أي: التي رزقهم الله إياها. وقلت من قبل: لو أنك عبدت الله مائة عام متواصلة، وربنا يكافئك بدل المائة العام في الدنيا مائة عام في الجنة، ثم ضاعف السنوات إلى عشرة أضعاف؛ لأن الحسنة عنده بعشر حسنات، ثم يضاعفها لك إلى سبعمائة ضعف، فتكون سبعين ألف سنة، ثم مكثت في الجنة سبعين ألف سنة ثم بعدها أين ستذهب؟ لا أكرم من الله، ولا أحن من الله عز وجل، فهو حنان منان يجود على العباد دون أن يسأل. إذاً: أعطاك الجنة مقابل أن بعت له نفسك ومالك، قال تعالى: {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]، كيف سيحصلون عليها؟ قال: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111]. قالت إحدى الصحابيات الجليلات: يا رسول الله! ابني الذي استشهد معك في أحد أفي النار هو فأبكيه، أم في الجنة فأصبر؟! إن كان في النار فهو يستحق البكاء؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة، لكن لو كان في الجنة فإنها ستصبر؛ لأن الله أبدله من الدنيا ما هو خير. فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو في

مفاتيح الإيمان وحياة القلب

مفاتيح الإيمان وحياة القلب

من مفاتيح الإيمان التفكر في مخلوقات الله

من مفاتيح الإيمان التفكر في مخلوقات الله إذاً: الإيمان له مفتاح، ومفتاحه التفكر في كل شيء. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد أصحاب الهندسة المكنيكيه يقولون: أصعب اختراع في الآلات الآلة الماسكة، وهي التي تشبه يد الإنسان، فالله جعل للعبد أربع أصابع في اتجاه واحد، وإصبعاً يرجع عليها في اتجاه آخر، قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] هناك تفسير يقول: الله عز وجل برحمته جعل لك أصابع متفرقة وكان الله قادراً أن يجعلها لك مثل خف الجمل لا تستطيع أن تمسك بها، لكن عمل كل أصبع لوحده؛ حتى تقدر على الحركة، وجعل لكل إصبع بصمة تختلف عن البصمة الأخرى. يوجد ملايين البشر بصماتهم غير متشابهة ولا متماثلة، فسبحان الذي خلق، وسبحان الذي صور، وسبحان الذي أبدع؛ لأن هناك جماعة منحرفين يقولون: يوجد تناسخ أرواح في الأبناء والأحفاد والأجيال، يعتقدون أن الأرواح قد انتهت فلا يوجد فيها جديد، يقول تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] وخزائنه لا تنفد! الإنسان عليه أن يتفكر في نفسه وجسمه وبدنه الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، قال الشاعر: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ولذلك قال سيدنا علي: والله لا موسى ولا عيسى المسيح ولا محمد كلا ولا النفس البسيـ ـطة لا ولا العقل المجرد بل أنت يا رسطو ومن أفلاط قبلك يا مبلّد من أنتم إلا الفراش رأى الشهاب وقد توقد فدنى فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد التفكر في ذات الله هلاك، ولكن التفكر في رحمة الله وفي صفاته وفضله وعظمته وقدرته مفتاح الإيمان، انظر إلى هذه الرياح كيف تنقل حبوب اللقاح! وتأتي رحمة الله، وتحرك السحاب من أرض إلى أرض فنزل المطر، والرياح تسير المركب في البحار والأنهار، كل هذه من نعم الله فلنشكر ربنا عليها. مع أنه يجب أن نشكر الله عليها؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يشكر الله إلا على نعمة خاصة به، وكما قلت لكم من قبل: إن الله عز وجل يقول: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19] قال أهل العلم: لو أعطيت مفاتيح الجنة لأحد المؤمنين لأقفل الباب وراءه؛ لأنه بطبيعته طماع، يحب الخير لنفسه، لكن من رحمة الله أن الملك يومئذ لله، فالمؤمن عندما يرى النعيم ينشرح صدره، ويخاف عندما يعصي الله، ويرجو الله عندما يطيع، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] اللهم اجعلنا من الذين يحذرون الآخرة، ويرجون رحمتك يا رب العالمين! فساعات التفكر هذه مفاتيح للإيمان، ولذلك المسلم يتفكر في نفسه أولاً، ثم يتفكر في مخلوقات الله وهذا باحث في عالم الحشرات، قعد مع النمل سبع سنين فكان يضع للنمل كل نوع من أنواع الحبوب فتكسر النمل الحبة نصفين؛ لأن أي حبة لو مكثت تحت أي ظروف من بخار ماء لنبتت، فالنملة عندما تدخل الحب في الجحر، أول ما تأخذه تكسره إلى نصفين، لكن هناك نوع يشذ عن جميع أنواع الحبوب في كيفية تكسيره هو حبوب الكزبرة، وضع لها الباحث حبة الكزبرة فوجد أن النمل تقسم الحبة إلى ثلاثة أقسام، من الذي علم النملة هذا الفعل؟ لم تدرس النمل في أي كلية أكاديمية أو علوم أو طب أو زراعة، وإنما الذي علمها هو الله سبحانه، ولذلك استغرب هذا الباحث وقال: لعل النمل تعلمت هذا الفعل من آبائها، بحكم الوراثة في المعرفة، فحاول أن يعزل مجموعة من النمل لم تعرف آباءها ولا أمهاتها، فجعلها في مكان لوحدها، ثم جعل يعطيها حبوب الكزبرة، وإذا بالنمل يكسرها إلى ثلاثة أكسار، فهو يتحدث عن نفسه قائلاً: لم نصل إلى معرفة هذا السر، ولم يعلم أنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، ولذا قال فرعون لموسى وهارون في سورة طه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50]. وهناك طائر يطير وهو أعمى ولا يصطدم بالحيطان، اكتشف العلم الحديث أن له خلايا كهرومغناطيسية غير مرئية، وكل ذلك من قدرة الله أولاً وأخيراً. وتجد الثعبان له عضلات يمشي بها على الأرض، وله أكل معين، وحياة معينة، والحشرات لها حياة معينة، والدود في الأرض، والضفادع وغيرها من الكائنات. أما البحار فهي عالم آخر، جعل الله البحر مالحاً؛ لأنه توجد فيه من الكائنات البحرية آلاف الملايين وهي تموت فيه، والملح الذي في باطن البحر يحفظ هذه الكائنات الحية التي تموت، فلا تخرج منها روائح كريهة، ولو لم يكن في البحر والمحيط ملح لمات أهل الأرض جميعاً من نتن رائحة البحر، فهذه نعم تستوجب الشكر والتأمل، اللهم اجعلنا من المتفكرين يا رب العالمين!

تدبر القرآن

تدبر القرآن أول مفتاح يبعث على حياة قلبك الإيمانية هو التدبر في كتاب الله، واسمعوا إلى مؤمن آل فرعون عندما قال: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:41]، هذا خطاب أهل العلم، وخطاب الرسل كلهم، ومن يحمل رايتهم: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:41]، يقول لهم: تعالوا أهدكم سبيل الرشاد، وقال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32]، وقال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} [غافر:29]، أنتم اليوم عظماء وملوك على الكراسي، ولكن يوم القيامة من ينفعكم؟ قلنا: الأم تنادي ابنها يوم القيامة قائلة: يا بني! كان بطني لك وعاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء، هل من حسنة تنفعني بها هذا اليوم؟ فيقول: يا أماه! أنا لا أنكر شيئاً من ذلك، ولكن هل عندك أنت من حسنة تنفعني؟ ويقول الابن لأبيه: يا أبت! كنت باراً بك، وشفوقاً بك، ورحيماً بك ألا من حسنة؟ فيقول له: يا بني! أنا أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ ثم يفتدي المرء نفسه بأقاربه قائلاً: خذ أبوي خذ أولادي، خذ امرأتي، حتى الأنبياء يقولون: نفسي نفسي! إلا سيدنا محمداً فإنه يقول: يا رب أمتي! يا رب أمتي! قام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يقرؤها ويبكي حتى أذن الفجر وهي قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] فأرسل الله جبريل فنزل عليه وقال: يا محمد! ما يبكيك؟ قال: (من لأمتي من بعدي يا جبريل)، وهذا رواه الإمام أحمد، ورواية الإمام مسلم: (لن يحن عليكم من بعدي إلا الرحماء من أمتي)، الناس الذين يجالسون العلماء في مجالس العلم، ويحبون أهل الخير، هؤلاء هم الذين سيرحمون الأمة، أما الذي يظهر في التلفاز يرقص ويضيع صلاة الظهر والعصر ومشغول بالسهرة في الماء ويومه كله ضاع في نظرة وفي كلمة وفي سيئة وفي غيبة ومشاهدة للبطل والبطلة؛ لأنه مفتاح للشر مغلاق للخير فهذا لن يرحم أحداً، وإنما يسن سنة سيئة، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يخرج قبل الفجر يتفقد الرعية، فبينما هو يمشي إذ سمع قارئةً للقرآن تقرأ أول سورة الطور إلى أن بلغت قول الله عز وجل: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7]، فأغمي عليه، حتى إن الصحابة عادوه أياماً. إذاً: مفتاح حياة القلب تدبر القرآن، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] القرآن فيه كل ما يحتاجه الناس، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، كل شيء موضح في القرآن، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم لا يخلق من كثرة الرد، عندما تقرأ سورة سيدنا يوسف تحلو كل ما قرأتها، وتزداد حلاوة كل مرة تقرؤها. إن عبداً من بني إسرائيل عبد الله خمسمائة عام، ثم جيء به، فقال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: لا يا رب ادخل الجنة بعملي، فقال الله لملائكته: زنوا له أعماله، فوزنوا أعماله، ثم وضعوا أعماله في كفة ونعمة البصر في كفة، فوجدوا أن نعمة البصر رجحت على أعماله، فصار مديوناً لله فقال: أدخلوا عبدي جهنم، فقال: لا يا رب! أدخل الجنة برحمتك! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً غرتهم الأماني، يقولون: نحسن بالله الظن، ووالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل).

من مفاتيح الإيمان التضرع في الأسحار

من مفاتيح الإيمان التضرع في الأسحار كذلك التضرع في الأسحار، الذي يقوم في وقت السحر، وقد نامت العيون، وهدأت النفوس، وخلا كل حبيب بحبيبه، وخلا أحباء الله بربهم وحبيبهم، في هذا الوقت والسماء صافية تكون الأبواب مفتوحة، والله يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الآخر من الليل في وقت السحر، فالمسلم لا ينبغي له أن يضيع وقته هباءً منثوراً، فلا يضيع الليل كله في النوم، قال تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] السحر وقت من الأوقات التي يتجلى الله فيها على عباده، وإن عز المؤمن وشرفه قيام الليل، ولأجل أن يطيب قلبك ويحيا قم من الليل ولو قليلاً، عود نفسك على صلاة ركعتين، ثم صلاة أربع ركعات، ثم يفتح الله عليك بجزء من القرآن في ثمان ركعات، ثم بجزئين من القرآن في عشرين ركعة، ثم ثلاثة أجزاء من القرآن، وهكذا تترقى في العبادة؛ ولذلك مر رجل من التابعين على صديق له بجوار بيته في الثلث الأخير من الليل، فما سمع صوتاً، فلما لقيه في الفجر قال: يا فلان أكان البيت نائماً قبل الفجر؟ قال: نعم، ما استيقظنا إلا عند صلاة الفجر، فقلب كفيه وقال: عجباً لمسلمين ينامون طوال الليل. إذاً: قيام الليل نور المؤمن، يقول أحد السلف: رأينا الحسن البصري وعليه نور وكان رجلاً أسمر، وإذا به كل يوم عليه هالة من النور! قال: فقلت: يا حسن! عهدناك آدم البشرة فما هذا النور الذي علاك؟ قال: نحن قوم خلونا بالله في ظلمات الليل، فكسانا ربنا من جماله وجلاله. سلكوا الخط ودخلوا على باب الله الذي ليس له بواب فدخلوا إلى الله عز وجل؛ فأكرمهم برحمته، اللهم أكرمنا معهم يا رب العالمين! إذاً: مفتاح حياة القلوب تدبر القرآن، والتضرع في السحر؛ لأن الله تعالى قال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62]، ادع الله يا رب! يا رب! يا رب! ولذلك نحن سمعنا أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ما انتهى من صلاة الصبح في المسجد نادى على شاب، وقال له: ماذا كنت تقول في الليل؟ قال: قمت الليل بآية أقولها وأبكي: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] إلى آخر الآية، سيدنا الحبيب يقول له: (يا غلام! لقد أبكيت أعين كثير من الملائكة) تجاوبت السماء مع دعاء العبد؛ لأن الملائكة بطبيعتها تؤمن على دعائك، والذي أمنت الملائكة على دعائه إن شاء الله يكون دعاؤه مستجاباً. قال تعالى: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر:9] يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة العشاء في جماعة ونام على ذكر الله عز وجل، فلما نام ما منعه من الذكر إلا النوم، تكتب الملائكة طوال نومه أنه جالس وواقف يصلي لله) لأن النوم هو الذي عطله؛ لأنه لابد أن ينام؛ فهو بشر يحتاج إلى النوم، فتقول الملائكة: إنه لو كان صاحياً لاستمر في الذكر، ولواصل الصلاة اللهم اجعلنا من أهل قيام الليل، اللهم اجعلنا من القائمين لله بالليل، اللهم اجعلنا من القائمين لك بالليل يا رب العالمين!

مفتاح الرزق

مفتاح الرزق لنأت إلى طلب الرزق وأسبابه، السبب الأول: السعي، لا تقعد في بيتك وتقول: يا رب! ارزقني، لابد من السعي الأول. كذلك كثرة الاستغفار؛ لأن من أكثر من الاستغفار فرج الله همه، وأذهب كربه، وكشف غمه، ورزقه من حيث لا يحتسب؛ لأن سيدنا نوحاً قال لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10] هذا الأول، يمسح الله الذنوب بالاستغفار. ثم قال: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:11] تنزل الأمطار فتكثر الزروع والثمار، وتجري الأنهار. ثم قال: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح:12]، الأموال رزق، والبنون أيضاً رزق. ثم قال: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:12 - 14]. يذكرهم بنعم الله عليهم. فإذا أردت الرزق فعليك بكثرة الاستغفار، فأنت تستغفر وأنت مستحضر للذنب الذي أذنبت، فتستغفر الله منه، وإلا كان استغفارك غير صحيح؛ ولذا قال الإمام الغزالي: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، وتوبتنا تحتاج إلى توبة، فالمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه، تخيل امرأة غير محجبة تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله! وهي عريانة في الشارع! كيف سيغفر الله لها؟! وشخص من الموظفين يرتشي ويضع الفلوس في الدرج ويقول: أستغفر الله أستغفر الله!

مفتاح العزة طاعة الله ورسوله

مفتاح العزة طاعة الله ورسوله مفتاح العز طاعة الله وطاعة رسوله، فالله عز وجل جعل لطاعته عزاً وللمعصية ذلاً، وجعل شجرة الطاعة ثمرتها كلها خير، وشجرة المعصية والعياذ بالله ثمرتها كلها شر، وأصل مفاتيح الجنة طاعة الله عز وجل، وكل عبادة لها باب في الجنة، اللهم افتح لنا أبواب جنتك يا رب، واسمع إلى وصف هذه الأبواب وسعتها! يقول صلى الله عليه وسلم: (ما بين مصراعي باب الجنة كما بين بصرى إلى صنعاء)، يعني: الباب عرضه من العراق إلى اليمن، فعندما يفتح الباب تكون حلقة منه في العراق وحلقة منه في اليمن، يقول تعالى: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} [ص:50]، فهل هناك أحد يهرب من النعيم؟ لكن أبواب النار مؤصدة أي: مغلقة ومقفولة؛ لأن المعذب في النار يريد أن يهرب من العذاب فأبواب النار مغلقه؛ ولذلك يقول تعالى في سورة الزمر: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73]، وقال تعالى في أهل النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71]، الواو موجودة مع أهل الجنة، وغير موجودة مع أهل النار، لماذا هذا؟ نقول: الجنة محفوفة بالمكاره والمصاعب والحواجز، فالذي يتعدى الحواجز في الدنيا ويتغلب على المكاره، يكون الدخول سهلاً يوم القيامة، وتنتهي كل الحواجز والمكاره. فالجنة حتى تصل إليها فهناك حواجز كثيرة وموانع، وأول مانع: عدم الصبر، قال الحسن البصري رضي الله عنه: الإنسان عدو للأمر، لو أمرنا الله بالجزع لصبرنا، ولكن أمرنا بالصبر فجزعنا. قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75]، اصبر يا أخي على أذى المؤذين في الله.

من ثمرات الطاعة جلب الطاعة بعدها

من ثمرات الطاعة جلب الطاعة بعدها الطاعة شجرة لها أغصان، ولها ثمار، فأول وأحلى ثمرة في الطاعة جلب الطاعة بعدها، فأنت عندما تأتي المسجد تقابل إخوانك وتقول: السلام عليكم، ثم إذا دخلت المسجد تبسمت في وجه أخيك على يمينك وشمالك يقول صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فيكتب لك حسنة، وإذا جاء المسلم إلى الصلاة وانتظر الصلاة فهو في صلاة إلى أن تقام الصلاة، يعني: أنت قاعد في المسجد والملائكة تكتب لك حسنات وكأنك تصلي وأنت قاعد. ثم بعد ذلك تصلي جماعة فينظر الله في قلب الإمام فإن وجده صالحاً قبل صلاته وصلاة من معه، فإن لم يجد قلب الإمام صالحاً نظر في قلوب المأمومين، فإن وجد بينهم صالحاً قبل صلاة الجميع من أجله، فإن لم يجد بينهم رجلاً صالحاً، قال: يا ملائكتي! أرأيتم عبادي وقد اصطفوا يصلون من أجلي كما تفعلون؟ أشهدكم أني قبلت صلاتهم، وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم ما أكرمك يا رب! ثم بعدما ينتهي من الصلاة جلس للاستماع إلى الدرس، وعند ذلك يفاخر الله بك ملائكته قائلاً: يا ملائكتي! أنظرتم إلى عبادي وقد أدوا الفريضة وينتظرون أخرى؟! يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت لهم! فمن ثمرات الطاعة عمل طاعة أخرى بعدها! جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وقال له: عندي داء عضال فما دواؤه قال له: ما داؤك؟ قال: دائي البعد عن الله، قال: عليك بورق الصبر، وعروق التواضع، وماء الحب لله وضعه في إناء الخشية، وأوقد عليه بنار الحزن، وأنزل عليه ماء الخوف من الله، ثم تمضمض بالحزن والورع، وأبعد نفسك عن الشره والطمع، تشف من مرضك بإذن الله. فهذه وصفه صعبة جداً، لكن ليجرب الواحد منا هذه الوصفة من الصيدلية الإلهية، اللهم اشفنا من أمراضنا الظاهرة والباطنة يا رب العالمين!

من ثمرات الطاعة بهاء الوجه

من ثمرات الطاعة بهاء الوجه كذلك من ثمرات الطاعة: بهاء في الوجه. تنظر إلى المطيع وإلى الشاب الصالح تقول: يا أخي! الواحد يحب أن ينظر إلى هذا الوجه الذي فيه نور الإيمان، لكن انظر إلى الولد المرمي في النادي طوال اليوم ترى شكله والعياذ بالله مثل الكلب تجده بحاجة إلى من يجره ويضع له رخصة: لا إله إلا الله، عاش في موسيقى وقطع صلاة ومحرمات، ترى على وجهه القترة والغبرة، لكن انظر إلى العبد الصالح تجده بشوشاً، وكلامه هادئ، وهو لطيف متواضع، سلس سهل، راضٍ قانع، غير غضبان، فبهاء الوجه من ثمرات الطاعة ورقة القلب، والإقبال على الله، والمحبة في قلوب الناس، فمن اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوه. جاء أعرابي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان العرب أهل فراسة فنظر إلى رسول الله وقال: أشهد أن هذا ليس بوجه كذاب، هذا إنسان صادق، ولذلك لقي الأعرابي الرسول وبيده ضب فقال: كيف حالك يا محمد؟ قال له: بخير حال، ألا تسلم يا أعرابي، قال له: ومن يشهد لك؟ قاله: صحابتي، قال: لا؛ لأنهم يحبونك، فقال له: الضب الذي في يدك، فنظر إلى الضب وجده يقول بلسان عربي مبين: أشهد أنه رسول الله! ولقي النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً آخر وقال له: ألا تسلم يا أعرابي؟ قال له: ومن يشهد لك؟ فقال له: هذه الشجرة، ثم أمرها بأمر الله أن تأتي، فجاءت، ثم قال لها: عودي إلى مكانك بإذن الله، فقال: أشهد أنك رسول الله، فهذه المعجزات الحسية؛ وهذه أحاديث صحيحة، والرسول لا يحتاج إلى شهادة أكبر من شهادة الله له، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

وصف نعيم الجنة

وصف نعيم الجنة إذاً: الجنة الذي يريد أن يدخلها لابد أن يجتاز الحواجز، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73]، الواو في سياق ذكر الجنة، فلابد أن يصبر المسلم على المصاعب، فيصبر على امرأته وعياله، ويصبر على جاره، ويصبر على رئيسه، ويصبر على الدولة، ويصبر على أهل السوء، فهذه كلها مصائب، قال تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73] فهي تأخذ وقتاً في الفتح؛ لأن هناك مكاره؛ لأن الجنة لما قالت: قد كثر حريري وإستبرقي وقصوري ونوري وحوري وأنهاري وأشجاري وأطياري، فأرسل إلي عبادك المؤمنين، قال: لك كل مؤمن ومؤمنة لا يشرك بي شيئاً، ويؤمن بيوم الحساب فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال الله عز وجل: طوبى لك منزل الملوك! يقول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض) فكل منا لابد أن يحن إلى جنة الرضوان، ولذلك كان عمار يقول يوم وقعة صفين: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه أما أهل النار فيقول الله فيهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71]، أي: على الباب {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] يعني: هو يمشي وفجأة فتح الباب فيرمونه فيها، ثم بعد ذلك يقول الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32]. أما المؤمن فهو في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، آمن يوم الفزع؛ لأنه كان خائفاً في الدنيا، وإن الله لا يجمع علينا أمنين ولا خوفين، من أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة، ومن خافه في الدنيا أمنه في الآخرة، اللهم أخفنا منك في الدنيا، وأمنا يوم القيامة يا رب العالمين! مفتاح الاستعداد للآخرة: قصر الأمل، فطول الأمل هذه مصيبة تجد العبد يؤمل إلى ما بعد عشرين أو ثلاثين سنة، سيدنا أسامة بن زيد اشترى فصيلاً من الإبل، فقال له الرسول: (ما هذا يا أسامة؟ قال: هذا فصيل اشتريته لشهرين، فقال: أتعجبون من أسامة؟! إن أسامة لطويل الأمل) اشتراه على سداد شهرين وإذا به طويل الأمل! فلابد أن يكون عندنا قصر في الأمل، فتشعر أنك ضيف، والضيف لابد أن يمشي، وأنه سوف يعود إلى وطنه، قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:27 - 28]، ارجعي إلى مكانك الأصلي. إذا كنت مؤمناً وأغضبتك زوجتك أو شتمتك قالت الحور العين من زوجاته في الجنة: ويحك! عما قليل سوف يحل عندنا فيرى كل النعيم، فلا يسمع قلة أدب، ولا يسمع لساناً بذيئاً. وقد جاء في وصف الحور العين أنها لو بصقت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتاً، ولو أخرجت طرف أصبعها في الليل البهيم لأحالته نهاراً مشرقاً، يرى المؤمن وجهه في صفحة خدها، تقول الحور العين: (نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، الراضيات فلا نسخط أبداً، الخالدات فلا نموت أبداً، المقيمات فلا نظعن أبداً، فطوبى لمن كان لنا، وطوبى لمن كنا له)، ويقول سيدنا الحبيب: (لولا أن الله لم يكتب الموت على أهل الجنة لماتوا من حلاوة صوت قعقعة الجنة)، يعني: صوت الضرب على باب الجنة، والله أعد في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. كذلك في قصور الجنة أبواب، الباب الأول يدخل عليك منه زوجتك من الحور العين، والباب الثاني: يدخل منه الملائكة، وقبل ما يدخلون يستئذنون عليه: يا ولي الله! معك هدية من عند الله سبحانه. الباب الثالث: يدخل عليك منه الغلمان والخدم، قال الله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]، فالخدام مثل اللؤلؤ في الجمال. الباب الرابع: تدخل أنت منه على الله رب العالمين، يدخل عليك الملك ببطاقة مكتوب فيها بحروف من نور: عبدي اشتقت إليك، فيطلب المولى منك الزيارة، وبينما هم ذاهبون لزيارة الله تعترضهم السحاب فتمطر عليهم مسكاً رائحته من أطيب الطيب، ثم يقول الله عز وجل: يا ملائكتي! هؤلاء هم جيراني وعبادي، وأهلي، ووفدي، أكرموهم، وأطعموهم، فتطعمهم الملائكة فيقول الله: هل أطعمتموهم؟ فيقولون: نعم يا رب! قال: اسقوهم، فتسقيهم، ثم يقول: اكسوهم وطيبوهم، فتأتي السحاب وترش عليك مسكاً مرة أخرى، ثم يقول الله: عبادي حرموا على أسماعهم الخنا في الدنيا فأنا أعوضهم، قم يا عبدي داود ورتل عليهم الزبور، وكان صوت سيدنا داود جميلاً في الدنيا، حتى إنه من جماله يردد وراءه الطير والجبال، قال تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10]، ولذلك سيدنا الحبيب سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويصلي وحده فلما انتهى من صلاته قال له: (يا أبا موسى! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، قال: لو كنت أعلم أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً، أي: لكنت حسنت صوتي، انظر إلى حنان الحبيب مع الصحابة، وحب الصحابة للحبيب، اللهم لا تحرمنا من رؤية وجه الحبيب في الجنة. فأهل الجنة إذا سمعوا الغناء كادوا يفقدون وعيهم فيقول: يا عبادي! هل سمعتم أفضل من ذلك؟ فيقولون: لا يا رب وعزتك وجلالك ما سمعنا أفضل من هذا، فيقول: وعزتي وجلالي لأسمعنكم أفضل منه، فيقول لحبيبنا محمد: رتل عليهم سورة طه، وتخيل أنك تسمع الحبيب المصطفى يرتل، ثم يقول الله: هل سمعتم أفضل من هذا؟ فيقولون: لا وعزتك، فيقول الله: وعزتي وجلالي لأسمعنكم أجمل وأفضل من هذا، ثم يكشف رب العباد عن وجهه لعباده ويرتل سورة الرحمن، ثم بعدما ينتهي يقول: يا عبادي! هل سمعتم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وعزتك وجلالك ما سمعنا أفضل من ذلك، ثم يقول: سوف أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: يا رب! وهل هناك أفضل من ذلك؟! قال: سوف أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً، وذلك تفسير قول الله عز وجل: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]. اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. نقول جميعاً: تبنا إلى الله! تبنا إلى الله! تبنا إلى الله! ورجعنا إليه، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_ما هي أسباب دخول الجنة؟

سلسلة الدار الآخرة_ما هي أسباب دخول الجنة؟ الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء على هذا العمل، وكل إنسان مسئول عن عمله في هذه الدنيا، ومحاسب بمفرده، فإن عمل خيراً فله البشرى والنعيم المقيم، وإن عمل غير ذلك كان من الهالكين، والعياذ بالله.

كل إنسان محاسب عن نفسه

كل إنسان محاسب عن نفسه نحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الرابعة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثالثة في الجنة، عسى رب العباد سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذا الجمع الطيب ولا في هذه الليلة العظيمة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم فك الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، ويسر حاجتنا وحوائج المحتاجين. اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا. اللهم يا مولانا! إننا مقهورون فانصرنا، وذليلون فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا. اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، ولا تجعل يا مولانا! للكافرين على المؤمنين سبيلاً. اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا، فارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة، وزحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبدا. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب! تسليماً كثيراً. إن لكل شيء مفتاحاً، وإذا ولج الإنسان باباً أو أراد أن يلج باباً فلا بد له أن يحصل على هذا المفتاح الذي يستطيع به أن يفتح الباب، وأهم المفاتيح هو مفتاح الدخول على الله عز وجل، وهو الذلة والمسكنة لله، وعدم التكبر على عباد الله، حتى قال بعض الصالحين: يا ابن آدم! لا تغتر برؤية الصالحين، فلم يكن هناك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينتفع به بعض أقاربه كـ أبي جهل وأبي لهب وأبي طالب. وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد! خذي من مالي ما شئت، واعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً) فكل إنسان مكلف بعمله وأبو لهب يقول فيه القدير سبحانه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]. وسلمان الآتي من آخر بلاد فارس يقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت). ويقول صلى الله عليه وسلم (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

بيان عظمة الله عز وجل

بيان عظمة الله عز وجل والله ينادي خلقه يوم القيامة بنداء يسمعه القاصي كما يسمعه الداني، ويسمعه البعيد مثل القريب، فيسمع نفس الصوت، لأن صوت الله عز وجل الصادر من الله جل في علاه، لا يرتفع باقترابك منه، ولا ينخفض بابتعادك عنه؛ لأن هذا قانون الزمان والمكان، وهو لا يحكم من خلق الزمان والمكان. ولما سئل الكليم وقالوا له: أن ربنا هو الذي يكلمك بقوله: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:12]؟ فقال: عرفت من شيء واحد، وهو أني كلما اقتربت أو ابتعدت ما ازداد الصوت ولا نقص. والحسن البصري رحمه الله يقول في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، وأحاديث الصفات مثل قوله: (حتى يضع الرحمن فيها أصبعه، فتقول: قط قط، بعزتك قد امتلأت، وينزوي النار بعضها إلى بعض)؛ خشية من غضب الجبار سبحانه: سبحان الذي استوى على العرش، بالطريقة التي قال، وعلى الوجه الذي أراد، لا العرش يحمله ولا الكرسي، بل العرش وعظمته والكرسي وحملته كل محمول بقدرته وفي قبضته. فلا يحاط به ولا يحده زمان ولا مكان، فهو قبل خلق الزمان والمكان، على ما كان كيف كان، لا يدري أحد كيف كان إلا من خلق الزمان والمكان. وكل ما خطر ببالك، فالله بخلاف ذلك، لأن العقل والفكر والحس محدودة، ولا يدري قدرة الله عز وجل إلا القادر الحكيم سبحانه. فلا إله إلا الله.

بيان شدة حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم

بيان شدة حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان هوى الصحابة تبعاً لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). وقد قال سيدنا عمر للعباس لما من الله عليه بالإسلام: والله يا عم رسول الله! لإسلامك أحب إلى قلبي من إسلام الخطاب أبي. قال: لأن إسلام أبي يدخل السرور على قلبي، وإسلامك يدخل السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرور الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من سروري، فانظر إلى الإيمان بالله، فهو يريد أن يدخل السرور على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم ويقول: إسلام العباس يفرح به الحبيب صلى الله عليه وسلم جداً، حتى قال أبو بكر: وددت أن يسلم أبو طالب ولا يسلم أبو قحافة. وهذا نفس المنطق، وانظر إلى هذا الكلام، وهذه مشاعر عالية جداً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

مكانتك عند الله على قدر عملك

مكانتك عند الله على قدر عملك قال أهل العلم: إن أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك. أي: إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله فانظر فيما أقامك، يعني: إن أقامك كل يوم في الخمس الصلوات في المسجد فهذه نقطة جيدة، وإن أقامك لتخرج زكاة مالك وتفرج الكرب عن المسلمين وتبتسم مع الناس وتلين لهم الكلام، وتقوم الليل ولو قليلاً بقراءة القرآن فهذا جيد. وقد أقامك الله فيما يريد وفيما يحب، فأنت مقامك عند الله كبير. ولكن الذي يقوم يطبل وراء رقاصة فهذا قد أقامه الله في شر مقام، واحد ربنا أقامه يخرج في حفلات ليلية، فأقامه في شر مقام.

الأدب مع الله عز وجل

الأدب مع الله عز وجل والجن كانوا مؤدبين في قولهم: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] وأنا أريدك أن تفهم وتتدبر كلام الله عز وجل هنا، فأريد مبني للمجهول، وكأنما خاف الجن أن ينسبوا الشر لله عز وجل، فقالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]، ولما أتوا بالرشد ذكروا الله عز وجل، فانظر إلى الأدب في الكلام. وقد تعلمنا من الخليل الأدب، فقد قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ} [الشعراء:78 - 80]، ولم يقل: والذي إذا أمرضني، وهذا من الأدب. وانظر إلى الرجل الصالح صاحب سيدنا موسى عليه السلام الذي علمه فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79] فقال: (أردت أن أعيبها) ففي العيب أتى بالإرادة ونسبها إلى نفسه، وفي اليتيمين قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82]، فالخير نسبه إلى الله، والشر نسبه إلى نفسه، وهكذا المؤمن مؤدب وسيدنا أبو بكر استفتي في فتوى فقال: أقول فيها برأيي، فإن كان حسناً فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن الشيطان ومن نفسي، وهذا من الأدب. ومن الأدب في الدعاء: يا رب! إن عذبتني فبعدلك، وإن رحمتني فبفضلك. اللهم عاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك. وهكذا كان الصاحون يدعون، وربنا لا يظلم، وحاش لله أن يظلم، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، فإن عذبتني فهذا بمحض العدل؛ لأنك عادل، وأنت الحكم العدل، وإن رحمتني فبفضلك، فعاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك.

بيان عظم نعم الله علينا

بيان عظم نعم الله علينا ودروس العلم سواء في الدار الآخرة أو في غيرها هي من أعظم الهدايا والنعم التي أنعم الله بها علينا، وأعظم نعمة أنعم الله علينا بها هو أن أخذ بأيدينا إلى طريق الخير، ولنفرض جدلاً أن حاكماً من الحكام أو مسئولاً من المسئولين أهدى لك هدية، فهذه الهدية أنت تنظر لها من ثلاث زوايا: أولاً: من ناحية الهدية في ذاتها: أنها على قدر حال المهدي، فحين أهدي لك طاقية أو سواكاً أو قلماً تكتب به فهذا على قدر حالي، وهو الذي أستطيعه، ولكن الواحد من كبار المسئولين يعطيك على قدر حاله، فقد يعطيك قلم ذهب بخمسمائة جنيه، فكل هدية على قدر مهديها. وثانياً: أنه فكر فيك ولم ينسك، وأهدى لك لأنه يحبك، وهذه نعمة ثانية. وثالثاً: تقول: والله بقي أن أكتب له بهذا القلم جواب شكر، فأنت تريد أن تشعر نفسك بالمنة، فتكتب له جواب شكر بالقلم، ولله المثل الأعلى. فالبشر يهديك حطاماً من حطام الدنيا، وأما الله فيهديك أعظم هدية وهي الهداية نفسها، فيهديك إلى درس العلم، وإلى سورة تحفظها من القرآن، وإذا حفظ الرجل القرآن وظن أن أحداً أعطي خيراً منه، فقد استقل نعمة الله عليه. وفي إحدى البلاد القريبة للقاهرة كان هناك مسيحي نصراني ثري، فجلس مسلم يكلمه عن الإسلام وحلاوته وعظمته، وجمال القرآن وحلاوته وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فتفتحت أذنه وانقطع عن الكنيسة، فبعثوا له ثلاثة من القساوسة، فجاءوا إليه وقالوا له: ما الذي أغضبك منا؟ فقال: بصراحة الإنجيل هذا فيه حاجات لا تعجبني، فقالوا: كيف؟ هذا لا يعقل، هذا كتاب الرب. فقال: هاتوه، فأتوا بالأنجيل، ففتحه وقال: هذه الحكاية لا تعجبني فاشطبوها، فشطبوها، فقلب الصفحة الذي بعدها وقال: هذه الآية أيضاً نشطبها، فجلسوا يشطبون؛ فقال: انتظروا، وخرج إلى رجل مقرئ لا يؤبه له، فدعاه ليقرأ سورة مريم، فخاف وهو يرى القساوسة أمامه، فقال له: اقرأ يا أخي! يمكن ربنا يهدينا، فقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم:1 - 2]، حتى وصل إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:34]. فقال الرجل: هذه الآية: {قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:34] لا تعجبني، فقال القارئ: يعني ماذا؟ فقال له: نشطبها ونعطيك خمسين ألف جنيه، فقال القارئ: امشوا من هنا. وهذه القصة حصلت والله، ودخل في دين الله. فقارئ القرآن لا يقدر أن يفرط في القرآن ولا في آية ولا حتى في حرف؛ لأن هذا مثال مصداق لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هؤلاء كانوا متمسكين بالقرآن والسنة بأيديهم وأسنانهم، لا يزحزحهم عن كتاب الله عز وجل شيء. إذاً: إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما أقامك، فإن كانت أغلب أوقاتك لله رب العالمين فاعرف أنك على الحق، فإن لقيت أوقاتك قد ضاعت في غير ما يرضي الله ولقيت أحب الناس يعرض عنك بعد أن كان حبك قد تسرب إلى قلوب الناس فابحث لك عن قلب فإنه لا قلب لك. اللهم أحي موات قلوبنا يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من أصحابها يا رب!

بيان حقارة الدنيا وضعف كيد الشيطان

بيان حقارة الدنيا وضعف كيد الشيطان والله عز وجل يقول للجنة: (طوبى لك منزل الملوك) والرجل المتربة يصير ملكاً في الجنة؛ لأن الجنة لا حزن فيها ولا ألم ولا أسى ولا لغو ولا بلايا. والدنيا دار بلاء لا دار جزاء، والله ما نظر إلى الدنيا منذ أن خلقها، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء، والدينا يكفينا منها أن فيها الحزن على الماضي، والخوف من المستقبل، وفيها إبليس، وإبليس يعد الناس الفقر، ويأمرهم بالسوء والفحشاء، وأن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وقد سئل الحسن البصري: ماذا تصنع مع الشيطان؟! فتبسم وقال: وما الشيطان؟ لقد أطيع فما نفع، وعصي فما ضر. وربنا قال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، والله سبحانه لم يجعل له سبيل إلا على الذي قد اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم والعياذ بالله.

بيان طريق الجنة

بيان طريق الجنة وإن الطريق إلى الجنة طريق واحد، قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن:16]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء)، وهو الطريق الممهد الواحد، (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك) فالرسول صلى الله عليه وسلم تركنا وقد وضح لنا الأمور. والمرأة الأوروبية عالمة الفلك الألمانية الشهيرة التي أسلمت في سنة خمسه وستين قالت: عجبت لنبيكم محمد، ما ترك شيئاً إلا ووضحه لكم وبينه! حتى آداب دورة المياه قد حدثكم عنها! فقال: ادخل بالرجل الشمال، واستعذ بالله، واقعد من ناحية الشمال، ونظف جيداً، ثم توضأ، فتخرج طاهراً، ولا تتبول في شقوق الأرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاف عليك إلى هذه الدرجة، وهو أحن عليك من أبيك وأمك، فقال: (لا تتبول في شقوق الأرض)، خوفاً من أن يكون فيها حشرات أو شيء يضرك، ولا في الأرض الصلبة؛ حتى لا يرجع الرشاش عليك وينجس ثيابك، فهو يخاف على ثيابك. فهذا حنين قوي، وقد قال الله له: يا محمد! أنجعل إليك حساب أمتك؟ قال: يا رب! بل أكلهم إليك، فأنت أرحم بهم مني. فيا شقاء من ابتعد عن حنان الحبيب المصطفى! وقد كان إذا أراد أن يؤدب خوف بالسواك، وقد خدم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين يأتي له بوضوئه وما يحتاج إليه، وعبد الله بن مسعود كان يحمل نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما كان يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أنس يقول: يا أنيس! ويهز له السواك هكذا، لولا مخافة القصاص يوم القيامة لأوجعتك ضرباً بهذا السواك. ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنساً إلى السوق ليشتري أقطاً -وهو مثل الجبنة، واللبن الرايب الناشف- فذهب فوجد في الطريق صبياناً يلعبون فجلس يلعب معهم فضاع منه المال، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون قد تاه، وهو أمانة عنده، فأمه أتت به ليخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتعلم منه العلم، ويرق قلبه، فذهب يبحث عنه فوجده يلعب مع الصبيان، فأمسكه من قفاه، وقال: (يا أنيس؟! أين الأقط؟) فارتبك أنس وخاف، وقال له: إنه ضاع منه المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الله بخير منها يا أنس! فأكمل لعبك واتبعني إلى البيت. فلماذا لا نتعلم الأدب من أستاذ الأدب؟ فهو هنا يقول: أنت أرحم بهم مني، فإذا بالعلي القدير يقول: يا جبريل! نبئ محمداً وقل له: إننا لن نخزيه في أمته أبداً، فهذه أمثلة لرحمته صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل أنعم علينا بهذه النعم: نعمة الهداية، ونعمة مجالس العلم، ونعمة القرآن، فننظر إليها على أنها نعمة من المنعم المتفضل سبحانه، ونستخدم هذه النعمة في إرضائه سبحانه وتعالى، وأين ما يهديه إليك البشر مما يهديه إليك رب البشر؟ ولو جاء عبد من عباد الله إلى باب أحد منكم يسأله فلساً أو فلسين لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاها له، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها خير وهي مثل المطر، لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها؟ فلا طريق إلى الجنة إلا طريق واحد، وهو طريق كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم.

إغواء الشيطان لآدم في أكل الشجرة

إغواء الشيطان لآدم في أكل الشجرة قال تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35]، فكلها حلال ما عدا هذه الشجرة، والذي يشرب الخمر -ربنا يعافينا وإياكم- عنده ألف مشروب حلال، ولكنه يأتي إلى الحرام ويعمله، وربنا سبحانه وتعالى ما حرم شيئاً إلا وأعطاك بديلاً حلالاً، فحرم الفواحش وأعطاك الزواج، وحرم الربا وأحل البيع، وحرم الخمر وأحل كل المشروبات الباقية، وحرم الميتة ولحم الخنزير وأحل لحوم كل الحيوانات، ما عدا السباع فما حرمه الله قليل، وهذا نفس قضية أبينا آدم، فقد قال له الله: كل مما تريد أنت وزوجتك إلا هذه الشجرة، وكل شيء على الحل والإباحة، إلا ما جاء نص بتحريمه، فجلس أبونا آدم وأمنا حواء في هذه الجنة، ووسوس إليهما الشيطان، فأتى إبليس هو أول حسود وحاقد ومتكبر إلى أبينا آدم من مدخل غريب فقال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20]. يعني: لو أكلت يا آدم! أنت وحواء من هذه الشجرة حصل لكما واحدة من اثنتين: فإما أن تكونا ملكين من الملائكة، وكل إنسان فينا يتمنى أن يصير ملكاً، وعندما تجد شخصاً فاضل الأخلاق متواضعاً في ألفاظه طيباً ودوداً تقول: فلان هذا ملك، ولذلك صويحبات يوسف: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31]، أي: من شكله ومن حيائه؛ لأن المتبجح تلقاه شيطاناً، ولكن المؤمن حيي، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال له: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، فالذي عنده إيمان عنده حياء، والذي ليس عنده حياء ليس عنده إيمان، والمرأة الموظفة التي تلبس إلى ركبتها وتجلس واضعة رجلاً على رجل وسط الموظفين وزميلها يولع لها السجارة ليس عندها حياء وإيمان. وقد كان عند بناتنا حياء العذارى، فلو سمعت طلبها للزواج احمر وجهها وهربت إلى غرفتها وجلست تبكي. والحياء ثمرة من ثمار الإيمان، فالإنسان الحيي مؤمن، والإنسان الذي ليس عنده حياء شيطان. قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] يعني: تخلد فلا تموت، وكلنا نحرص على الحياة، ونريد أن يمتد بنا الأجل. قال تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا} [الأعراف:21] حلف لهما وأقسم لهما: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]. وقد قال ابن سيدنا آدم لأبيه آدم: يا أبت! أتطيع الشيطان وتعصي الرحمن، قال: يا بني! ما ظننت أن أحداً يقسم بالله كاذباً. واليوم الواحد يحلف ويحلف وهو يعلم أنه كاذب، وهذا القسم والعياذ بالله هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله، ولا كفارة لها. فإبليس دخل إلى أبينا آدم وأمنا حواء الجنة، وحلف لهما إذا أكلا من الشجرة فسيخلدان، فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:38] أي: أنزلوا إلى الأرض منها {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123].

الأدلة على أن الجنة التي كان فيها آدم ليست جنة الرضوان

الأدلة على أن الجنة التي كان فيها آدم ليست جنة الرضوان والجنة التي دخل فيها أبونا آدم ليست هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة، ولنا خمسة عشر دليلاً على ذلك، منها على سبيل المثال: كيف إبليس يدخل الجنة، وكيف يطرد أبونا آدم منها، وجنة الرضوان التي وعد المتقون لا يعصى الله فيها؟ فجنة الخلد التي وعد المتقون لا يدخلها الشيطان، وهذه الجنة دخلها الشيطان، وجنة الرضوان التي يدخل الله فيها عباده لا حزن فيها ولا كآبة، وأبونا آدم لما أكل من الشجرة حزن وندم، والندم هذا ألم نفسي، والجنة لا حزن فيها. والجنة التي وعد المتقون ما هم منها بمخرجين، ولكن آدم أخرج وحواء من الجنة. وهناك أدلة أخرى من الكتاب والسنة تدل على أن هذه الجنة التي دخلها أبونا آدم وأمنا حواء ليست جنة الرضوان، إنما هي جنة أخرى فيها جميع مقومات الحياة، من أكل وشرب، وليس فيها شغل ولا تعب ولا حاجة وهذا كما إذا جاءك ضيف ووضعت له الأكل والشرب في الثلاجة وقلت له: انظر هذا هو البوتجاز، وهذه الثلاجة، وهذا الماء، وهذه دورة المياه، وهذه الفوطة، وهذه السجادة، ثم تركته وقلت: قد عملت له كل الفروض التي يستطيع أن يقيم بها حياته. هذه هي النقطة الأولى. والنقطة الثانية: يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرحته بنا: (لكظيظهم على أبواب الجنة أحب إلي من شفاعتي)، والشفاعة هي فخر للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي المقام المحمود، ورغم ذلك يقول: أنا فرحتي بزحمة أمتي على أبواب الجنة أحسن لي وأحب لي من الشفاعة؛ لأن ثمرة الشفاعة دخول الجنة، والثمرة أحسن من الفعل. وأنت عندما تجد المساجد مزدحمة، والناس بعضهم يصلون على ظهر بعض، ومزدحمين عند الباب في الدخول وفي الخروج تفرح؛ لأن هذه صورة من صور رحمة الله سبحانه، لأنه كلما كثر العدد كثر احتمال وجود صالح، ونظرية الاحتمال أو الاحتمالات تقول: لو كثر العدد كثر احتمال وجود صالح أو صالحة يستجاب الدعاء من أجله. وحج عطاء بن أبي رباح فلما كان في الموقف نظر إلى الناس وقال: لولا أن عطاء بينكم لقبل الله أهل الموقف، فنام عشرة من المريدين في هذه الليلة في مزدلفة فرأوا في النوم أن القيامة قد قامت، ومناد ينادي: قد قبل الله أهل الموقف في هذا اليوم من أجل عطاء بن أبي رباح.

بيان أن أصحاب كل عمل يدخلون الجنة من باب

بيان أن أصحاب كل عمل يدخلون الجنة من باب وكل صنف يدخل الجنة من باب، ولهم قائد يقودهم، فالمجاهدون في سبيل الله أو الشهداء سيدخلون من باب الشهداء يقدمهم الحمزة بن عبد المطلب أمامهم رافع الراية، وكل شهيد يمشي وراء حمزة، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: من استشهد في سبيل الله يا رسول الله! قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، الشهداء سبعة: الحرق والغريق وصاحب الهدم والمبطون والمطعون والمجاهد في سبيل الله والمرأة تموت بجمع). فالحرق هو: الذي مات محروقاً، كأن احترق عليه البيت بدون قصد، والغريق: الذي مات غرقاً، والمبطون: الذي مات من استقاء أو من مرض خبيث أو سرطان أو غيره، اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين، فيصبر كل مريض على ما ابتلاه الله به. والمرأة تموت في نفاسها، فكل هؤلاء شهداء، والحمد لله. والشهداء درجات. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10]. فالإنسان الذي يصلي ويؤدي حقوق الله ويتقي الله ويحصل له هذا الابتلاء يكون شهيداً. وأما شخص لا يصلي ولا يصوم ثم تقول: مات المرحوم، فمن أعلمك أنه مرحوم؟ فأنت كذاب تتألى على الله، فمن أعلمك أنه قد رحمه الله؟ فهل أعطاك ضماناً أو آتاك جواباً؟ فقل: رحمه الله في الدنيا والآخرة. وأما المرحوم أو المغفور له فلان الفلاني وكتابة ذلك على الجبانة هكذا أو على الضريح أو على المقابر فلا.

فضل الشهادة في سبيل الله

فضل الشهادة في سبيل الله والشهيد يبعث يوم القيامة جرحه يشخب دماً، اللون لون دم، والريح ريح مسك، ومن لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق. يعني: كأن تقول في نفسك: لو أنهم ينتدبوننا لنحرر بيت المقدس، ونحارب ونخرج الاستعمار من البلدة الفلانية المسلمة. فهذا حديث النفس، أن تحدث نفسك بالجهاد، وهذا أمر مهم، فيجب أن تحدث نفسك بالغزو، فمن مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق. ومن خرج ليتعلم العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، وسيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه يقول: والله إني لأشم رائحة الجنة من دون أحد، وصحابي آخر يقول: يا رسول الله! إن قاتلت صابراً محتسباً فقتلت، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، فقال: عجباً، ثلاث تمرات تؤخرني عن دخول الجنة! فرمى بهن ودخل في سبيل الله مقاتلاً محتسباً، فرزق الشهادة. ومن رابط في سبيل الله ليلة حرم الله عليه النار. وسيدنا أبو هريرة خرج ليلة فبحث عنه الصحابة فلم يجدوه، ثم جاء في الفجر إلى الجامع فسألوه: أين كنت يا أبا هريرة؟! فقال: كنت أحرس حدود المدينة. وفي الجنة باب يسمى باب الريان يدخل منه الصائمون، وباب للعلماء وقائدهم سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فهو حامل راية العلماء يوم القيامة، وهذا تشريف عظيم، فهو ليس إمام العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل والعلماء من جميع الأمم يأتون تحت راية معاذ بن جبل رضي الله عنه. وللصابرين باب، ويأتون تحت قيادة سيدنا أيوب عليه السلام.

فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه والرسول صلى الله عليه وسلم جلس يبين الأبواب، هذا باب كذا وهذا باب كذا وهذا باب كذا، فسيدنا أبو بكر سأل سؤالاً: يا رسول الله! هذه الأبواب هل هناك منادون واقفون عليها؟ قال: نعم. وهذا النداء ليس إزعاجاً، وإنما نداء من العلي الأعلى. فقال أبو بكر: وهل هناك من ينادى من الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. فقال أبو بكر: ما أعجب وما أحلى وما أجمل هذه الآية يا رسول الله! فقال: إن أحد أمتي يناديه الله بها يوم القيامة على رءوس الأشهاد، فقال له: من؟ قال: أنت يا أبا بكر! وعمر أول من يأخذ كتابه بيمينه، وأما أبو بكر فلا يقف لحساب، وإنما يدخل الجنة بدون حساب، وأبو بكر تناديه النار وهو مار على الصراط: يا أبا بكر! أسرع بالمرور من فوقي فإن نورك طغى على ناري. وقد كان أبو بكر يقول: لو كانت إحدى قدمي داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله.

صفة درجات الجنة

صفة درجات الجنة وعدد الجنات ثمان، وأبواب الجنة أيضاً ثمانية، الدرجات التي في الجنة جاءت فيها روايتان، رواية الإمام مسلم: (أنها مائة درجة، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض) فكلما تطلع درجة تعلو جنة؛ لأن الجنات بعضها فوق بعض، وكلما تطلع تجد الباب وقد اتسع، والملك وقد عظم. والمؤمن من فضل الله أن له عند الله جنتين، كما قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، وقد قلنا: إن الإنسان عندما يولد يكتب الله عز وجل له مكاناً في الجنة ومكاناً في النار، فإن أطاع الله أخذ مكانه في الجنة، ويأخذ أيضاً جنة الكافر ويرثه في جنته، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون:10] والوارث هو الذي يأخذ شيئاً كان لغيره. والرواية الثانية: عدد درجات الجنة كعدد آيات كتاب الله، فعدد آيات القرآن ستة ألف ومائتان وستة وثلاثون آية، وعدد حروفه ثلاث مائة وأربعون ألفاً ومائتان وخمسة وستون حرفاً، ونصفه الأول ينتهي عند الفاء من (فليتلطف)، التي في سورة الكهف. يجاء بقارئ القرآن يوم القيامة العامل به ويقال له: اقرأ وارتق، فيقرأ حتى يأتي على آخر ما يحفظ من كتاب الله، فإذا كان قد حفظ الكتاب كله وعمل به قدر استطاعته قرأ إلى آخر سورة الناس، {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6]. فيجد نفسه قرب خير الناس في الفردوس الأعلى، وهذا كرم من الله عظيم؛ لأن قارئ القرآن لا يفضل عليه إنسان أبداً. ولما أدخلت جنازتان إلى المسجد للصلاة عليهما، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان حافظاً أكثر من الآخر، وجعل حافظ القرآن كله من ناحية الإمام، والثاني من ناحية القبلة، وهذا التفضيل في الصلاة على الميت، فحتى وهو ميت نكرمه ما دام حافظاً للقرآن عاملاً به. وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعثاً -يعني: جماعة- فقال: ليخبرني كل منكم ما يحفظ، فقال أحدهم: أنا أحفظ جزء عم، وقال الثاني: أنا أحفظ كذا، وقال الثالث: أنا أحفظ كذا، وقال الرابع: أنا أحفظ كذا، فقال صبي في الخامسة عشرة من عمره: أنا أحفظ البقرة وآل عمران، فقال: أنت أميرهم. اللهم حفظنا القرآن جميعاً، وثبته في قلوبنا. اللهم لا تجعله يتفلت من قلوبنا. اللهم احفظ لنا الكتاب في قلوبنا يا رب العالمين! واجعلنا من العاملين به والتالين له آناء الليل وأطراف النهار. آمين يا رب العالمين! وهاتان الروايتان في عدد درجات الجنة صحيحتان، ولا يعلم درجات الجنة وحقيقتها إلا من أعدها وصنعها لعباده. اللهم لا تحرمنا من الدخول في هذه الدرجات يا رب العالمين!

من صفات أهل الجنة الخوف من الله تعالى

من صفات أهل الجنة الخوف من الله تعالى من صفات أهل الجنة الخوف، قال تعالى عنهم: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26]، يعني: خائفين من عذاب الله، ومن غضبه. واحذر الغارات الأربع؛ لأنها تأتي فجأة، غارة ملك الموت على روحك، فلا يأتي إلا وأنت مستعد له. وقد قال سيدنا موسى عليه السلام: يا رب! قبل أن تبعث ملك الموت فابعث لي قبله رسولاً يعرفني أنه سيأتي، ثم جاءه ملك الموت فسأله: لماذا لم تبعث لي رسولاً؟ قال: قد شاب شعرك، ورق عظمك، وانحنى ظهرك. والغارة الثانية: غارة الورثة على مالك، فأنت تجمع لهم من اليمين ومن الشمال، ومن الحلال ومن الحرام، ومن كذب ومن زور ومن بهتان ومن رشاوى ومن فوضى، وفي الآخرة تحاسب عليه أنت وهم يستمتعون به، وقد كان سيدنا عمر يدعو قائلاً: اللهم إني أعوذ بك من مال يتمتع به ورثتي من بعدي وأحاسب أنا عليه في قبري. فعلى الإنسان أن يوازن بين الأرباح والخسائر من ناحية الدنيا والآخرة. الغارة الثالثة: غارة الدود على جسدك في القبر، ولو ظهرت رائحة الميت الذي مات قبل أربعة أو خسمة أيام فلن تستطيع أن تمر بجوار القبر. الغارة الرابعة: غارة أصحاب المظالم على حسناتك يوم القيامة. قال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26]، أي: في الدنيا كنا خائفين من هذه الغارات، فقد كنا خائفين من ملك الموت، ونخشى أن يرانا ربنا على معصية. وفي الحديث: (يا أبا ذر! أخلص النية؛ فإن الناقد بصير، لا تخفى عليه خافية)، والمرأة عندما رفض جارها أن يعطيها مالاً إلا بعد أن تمكنه من نفسها ونظرت إلى العيال يبكون قالت: أغلق الأبواب، فغلقها، ثم أغلق النوافذ والفتحات وقال: لا يرانا الآن إلا الكواكب في السماء، فقالت: وأين مكوكبها؟ أي: سبحانه وتعالى، فمراقبة الله في كل وقت. ولو راقبت الله في كل وقت وجعلت في ذهني أن ربنا ينظر إلي فلن أكذب، ولن أسرق، ولن أقطب الجبين، ولن يخرج من لساني بذاءات، ولن أخطو خطوة إلى حرام، ولن أمد يدي إلى ما حرم الله، ولن أغتاب مسلماً أو أحقد عليه. ونسأل الله سبحانه أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاه، يا رب العالمين! وصفة أهل النار السرور، فقد كانوا دائماً أصحاب جلسات أُنس ونكت، والحسن البصري لما رأى شاباً معجباً بشبابه يضحك، قال له: يا بني! هل بلغك أنك وارد على جهنم؟ قال له: بلغني، قال له: وهل بلغك أنك قد نجوت منها؟ قال: لا، قال: فعلام الضحك؟!

بيان كيفية قراءة القرآن

بيان كيفية قراءة القرآن وقد قيل: إذا قرأتم القرآن فاقرءوه بحزن، ولا تقرءوه بلحون أهل العشق والهوى، ولا بلحون أهل الكتاب. يعني: كأنما أنزل عليك أنت، فعندما يلعن الظالمين فقل: يا رب! لا تجعلني منهم، وعندما يلعن الكافرين فقل: يا رب! لا تجعلني منهم، وعندما يلعن الفاسقين فقل: يا رب! لا تجعلني منهم، وإذا مررت بآية من آيات الرحمة فقل: يا رب! ارحمني. وهكذا كانت صلاة الحبيب، فقد كان لا يمر بآية من آيات الرحمة إلا ويقف ويسأل، ولا يمر بآية من آيات العذاب إلا يقف ويتعوذ، وهكذا. وأنت في قراءتك للقرآن تخيل وكأنه قد نزل عليك وحدك، فإذا قرأت القرآن بهذا المنطق فستكون خائفاً لا تنبسط كثيراً، فاقرأه بحزن؛ فإن القرآن نزل بحزن، ولا تقرأه بلحون أهل العشق ولا بالشعر.

فضل الاتباع

فضل الاتباع والمسلم قد جعل له ربنا جنتين، جنة بسبب خوفه من ربنا، والجنة الثانية بسبب ترك الشهوات والملذات وابتغاء رضوان رب الأرض والسماوات. فمن الشهوات أن تملأ بطنك من الأكل، فاقلل منه، ومن الشهوة ومن الغريزة أن تنام كثيراً، فاقلل منه، ومن الشهوات ألا تزور عمك الذي تخاصمت معه، لكن من إرضاء الله أن تزوره وتصله. وهكذا تأخذ الأمر مأخذ الجد، وتأخذ الأمر مأخذ التنفيذ العملي، وتقول: سمعنا وأطعنا، ولا تجادل؛ فإن الموضوع لا يحتاج إلى جدال، ولكن كما قال الصحابة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. اللهم ألحقنا بصحابة رسولك يا رب العالمين! وما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يرفع يديه إلى السماء ويقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) هذه في وراية مسلم، ورواية الترمذي يزيد عليها: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا قال الله عز وجل له يوم القيامة: عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت). فأحسن وضوء الظاهر والباطن، وليس الأمر أن تغسل يديك بالصابونة وتجعل فيها رائحة معطرة وهي ترتشي، فهذه أنجس من اليد الملطخة بالطين وبالقار وبالقاذورات. فإذا مددتها إلى ما حرم الله أو إلى إيذاء مسلم، فلست نظيف اليد، وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لا بورك في يوم لم أزدد فيه من الله قرباً)، لأنه يوم ضائع، فإذا عملت خيراً زدت عند الله، وإن عملت شراً فإنك تنقص من رصيدك.

تحري الحلال

تحري الحلال وإذا أخذت دانقاً بدون وجه حق فإن صاحبهما يأخذ منك ثواب سبعمائة صلاة مفروضة مقبولة مكتوبة، فأين تذهب من الله؟ وكيف بالذين يأكلون أموال اليتامى وأموال أقاربهم؛ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاء الخادم له بشربة لبن فشربه آلمته بطنه التي كانت متعودة على الحلال، فقد كان هؤلاء عندهم نظر إلهي يستكشف لهم الصواب من الغلط. وسهل بن عبد الله التستري أستاذ الحارث بن أسد المحاسبي وصل به الأمر في تحريه الحلال والحرام إلى أن الله رزقه عرقاً في يده ينبض عليه إذا امتدت يده إلى حرام أو إلى شبهة. وعندنا لما أحدثوا الرادار لمراقبة الطرق السريعة أتى الناس بآلات أو أجهزة يشوشون بها على الرادار، والمصري لا يوجد أذكى منه، ولكنه يعمل أشياء غريبة، فوجدوا أنه لا يوجد عربية نقل أخذ الرادار عليها مخالفة، فاكتشفوا أن سائق عربية النقل كان يضع سلسلة في آخر العربية تسحب على الأرض، فإذا سحبت في الأرض لا يستطيع أن يلتقطها الرادار، ولو كان هذا الذكاء في الإيمان وفي طاعة الله لسيطرنا على العالم، وربنا قال عن اليهود: إنهم جبناء، لا يقاتلوننا إلا من وراء جدر، أو وهم في داخل حصون، قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]. فسيدنا أبو بكر لما شرب جرعة اللبن اشتعلت بطنه فدعا للخادم وسأله: من أين أحضرت اللبن؟ فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية، يعني: كان في الجاهلية يشتغل كاهناً، أو مثل ما نقول: عراف، يفتح المندل والكتشينة، ويقرأ الفنجان والخط في الرمل، ويقرأ الكف، وكل هذا دجل وشعوذة، ومن ذهب إلى عراف أو كاهن فصدقة بما قال فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، وإن لم يصدقه بما قال فلن يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً. فاتق الله عبد الله! قال: فمررت عليهم فلقيت عندهم فرحاً فأعطوني قليلاً من اللبن، فوضع أبو بكر رضي الله عنه أصبعه في فمه فتقيأ ما في بطنه، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم هذا ما أملك، فاللهم لا تلمني بما اختلط باللحم والعروق. فشربة لبن جعلت أبا بكر رضي الله عنه يخرج الذي في بطنه، فكيف بالذي يبتلع خمسة فدادين وسبع عمارات وأرض الشاطئ والمنتزه وغيره وغيره! يبتلعها ولا تشتعل بطنه! وكل أمة لها باب رئيسي، وباب هذه الأمة مسيرة الراكب ثلاثة أيام بالفرس المضمر، يعني: الفرس المعد للسباق. اللهم اجعلنا من الداخلين يا رب العالمين! ونحن لا نعرف شيئاً إلا منه صلى الله عليه وسلم، فهو الذي بلغنا كلام ربنا، وحببنا إليه، وعرفنا رحمته.

كل إنسان يبعث على ما مات عليه

كل إنسان يبعث على ما مات عليه وأبواب الجنة بعضها فوق بعض، ودركات النار بعضها تحت بعض والعياذ بالله. فإذا وصلوا إلى الجنة إذا هم عندها بشجرة في أصلها عينان تجريان، فيشربون من إحداهما، فلا تترك في بطونهم قذىً ولا أذىَ إلا رمته، فتنظف بطونهم عند أول شربة، واليوم الطبيب إذا أراد أن يعمل لك تحليلاً يقول: اعطوه حقنة شرجية، تنظف الأشياء التي أكلها من الصباح، ولله المثل الأعلى، وهذه الشجرة يقال: إنها شجرة طوبى. ونحن سنبعث على ما متنا عليه، فالذي مات وهو في درس العلم يبعث يوم القيامة وهو في درس علم، والذي يموت وهو يصلي يبعث يوم القيامة يصلي، والذي يموت وهو يحج يبعث يوم القيامة محرماً ملبياً، والذي يموت وهو يقرأ القرآن يكون في ظل العرش يقرأ القرآن حتى يفرغ الناس من الحساب، والذي يموت وهو يؤذن يبعث يوم القيامة وهو يؤذن، والذي يموت وهو يلعب طاولة يبعث وهو يلعب طاولة، وإذا نصحته وقلت له: يا سيدي! إن هذا حرام، يقول لك: فيها نص؟ وأنت إذا ذهبت إلى الدكتور وقال لك: خذ ثلاث ملاعق، لا تقل له: فيها نص. فلا تترك في بطونهم قذىً ولا أذىً إلا رمته. (ويغتسلون من الأخرى فتجري في وجوههم نضرة النعيم فلا تشعث رءوسهم). ولما دخل أحدهم على الحبيب صلى الله عليه وسلم في المسجد منتفش الشعر، قال: (ما بال أحدكم يدخل علي أشعث الرأس كأنه شيطان، أفلا كان في بيته مشط؟) فمن الأدب في المظهر أن تمشط شعرك، (ويغتسلون من الأخرى فتجري في وجوههم نظرة النعيم، فلا تشعث رءوسهم، ولا تغير أبشارهم)، وجلدك وأنت ابن ستة أشهر غير جلدك وأنت ابن ست سنين، غير جلدك وأنت ابن ستين سنة، غير جلدك وأنت ابن مائة سنة، فالجلد يتغير ويتجعد. وكان أبو بكر وعمره ستون سنة عندما يلقى أباه أبا قحافة وهو راكب الجمل لا ينتظر حتى ينيخ الجمل، بل كان يقفز من فوق الجمل حتى يلحق أباه ويأخذ بيده، اللهم لا تحرمنا صحبته في الجنة يا رب العالمين!

نعيم الجنة

نعيم الجنة قال تعالى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]. طبتم: طاب الشي: أينع، وطاب الطعام: استوى، وطاب الثمر: وصل حد القطاف. وطاب الإنسان أي: ليس فيه خبث ولا نكد ولا جفاء ولا أذى ولا كلمة قبيحة أو سيئة، أو طيبكم الله بالطيب، فيدخل الرجل وهو يعرف منزله، ويتلقاه الولدان الذين قال الله عنهم: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19] فيستبشرون برؤيته كما يستبشر الأهل بالحميم، ويرحبون بهم أهلاً وسهلاً تأخرتم علينا. هجم السرور علي حتى إنه من فرط ما قد سرني أبكاني ويستبشرون بهم كالحميم يقدم من الغيبة، فينطلقون إلى أزواجهم من الحور العين -وقد دفعت مهرها إيمانك بالله، وحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطبيقك لشرع الله- فيخبرونهم بمعاينتهم، فتقول: أنت رأيته؟ يعني: الحور العين تقول بعضهن لبعض: وصل ولي الرحمن، وصل وفد الرحمن، وصل فلان الفلاني، فيستبشرون بك وأنت كنت في الدنيا ما أحد كان ينظر في خلقتك، فيدخل المؤمن، فيتكئ على سريره. وهذا السرير مرصع باللؤلؤ، فينظر في ألوانه أخضر وأصفر وأحمر، فيرفع رأسه إلى سماء بيته، فيجد عرش الرحمن سبحانه سقف الجنة، وهذا من فضل الله عز وجل، وهي من أعظم النعم التي يكرم الله سبحانه وتعالى عباده بها.

سلسلة الدار الآخرة_الحديث عن الجنة

سلسلة الدار الآخرة_الحديث عن الجنة أعد الله للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وليس نعيم الجنة كنعيم الدنيا وما ذكره الله في كتابه عن نعيم الجنة إنما هو من باب تقريب المعنى إلى الأفهام فقط، وأعظم نعيم الجنة النظر إلى وجه الله الكريم.

من مشاهد يوم القيامة

من مشاهد يوم القيامة أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل الحلقة الخامسة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده. نسأل الله سبحانه وتعالى في بداية هذه الجلسة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم. اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة. اللهم اجعل هذه الحلقات حجة لنا لا حجة علينا. اللهم اجعلها لنا على الصراط نوراً يوم لا يرى الإنسان إلا بنور الإيمان والطاعة. اللهم ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام. ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مرضاً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به الجنة، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وانصر الإسلام وأعز المسلمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلون فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا. اللهم اغفر لنا وارحمنا، عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم أصلح لنا خواتيمنا وخاتمتنا، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين، ولا تجعلنا من الأشقياء المحرومين، أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، قربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم اسقنا من يد نبيك شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا اللهم شفعه فينا اللهم شفعه فينا أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً. هذه هي الحلقة الرابعة من حلقات الجنة، والحلقة الخامسة والعشرون في سلسلة الحديث منذ أن بدأنا الكلام عن خروج الروح، وكتابة الوصية، ودفن الميت، وحياة البرزخ والنشور والحشر في أرض المحشر، وهيام الناس على وجوههم بغير هدى، وابتعاثهم نقباء ليذهبوا إلى الأنبياء لكي يستشفعوا بهم عند القاهر القهار الجبار القوي ديان يوم الدين أن يبدأ الحساب حتى تئول الشفاعة إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم يشفع النبي عليه الصلاة والسلام لأمته وللأمم كلها، فيأذن الله عز وجل له بالشفاعة، ويبدأ الحساب وتتطاير الصحف، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، ويتضح أمر كل إنسان. اللهم يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا عل رءوس الأشهاد يوم القيامة، فإن فضيحة الدنيا أهون عندك وعندنا من فضيحة الآخرة. ورأينا ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه المنبر وهو يخطب الجمعة، فقال: (أيها الناس! على مصافكم -أي: كما أنتم- ثم ذهب فتوضأ وعاد، ثم قال: إن إمامكم أحدث وهو يخطب -أي: انتقض وضوءه- فقال علي: يا أمير المؤمنين! كان أولى أن تكمل خطبتك ثم تذهب للوضوء، ولا داعي لأن تفضح نفسك، قال: يا أبا الحسن! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة). والإنسان عندما يذنب فيسرق أو يرتكب الفواحش ويظن أن الله يراه فلا يغتر بستر الله عليه. إن العبد إذا أذنب ذنباً ولم يحدث به أحداً واستغفر من ذنبه فسوف يغفر الله له برحمته، أما إذا أذنب ذنباً ثم حدث جاره أو صديقاً له، ليظهر أنه رجل ذو مغامرت وذو تجارب سابقة، فاعلم أن الله لن يستره يوم القيامة؛ لأنه فضح نفسه، فالإنسان قد يذنب ذنباً ويستره الله عليه، فيا من سترت في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة! وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يدعو في كل وقت وحين بأن يستر الله عليه، فاللهم استرنا في الدنيا وفي الآخرة يا رب العالمين. ورأينا كيف أن كل طائفة وكل أمة لها إمام يوم القيامة، فيتقدم إمام الخير بين يدي مولاه عز وجل ليسأله عن صغير الأمر وكبيره ثم يبشره بأنه زحزحه عن النار، وسوف يدخله الجنة، ثم بعد ذلك يعود هذا الإنسان ليبشر من خلفه بمثل ما بشره الله به. وهناك أيضاً أئمة الشر -والعياذ بالله- وأئمة الشر في كل وقت وحين كثر فالشر له أئمة كما أن للخير أئمة، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لقد جاء هذا الدين غريباً، وسوف يعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي). أي: لا يعتبرون الدين شيئاً من التاريخ أو مما عفا عليه الزمن أو أنه رأس أموال المفاليس، بل إن الدين هو دستور ونظام الحياة. ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قريناً ورأينا أن العباد وقد انفضوا من أرض المحشر والحساب، وهي أرض بيضاء نقية لم ترتكب عليها معصية قط، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خلق الله للمحشر أرضاً جديدة غير الأرض التي ارتكبت فيها الفواحش) أي: غير الأرض التي عليها بنوك الربا، وصالات القمار، والتي يمشي عليها العرايا، والتي فيها ظلم، وسجون. والحسن البصري رضي الله عنه إمام التابعين مر بأقوام يبنون حجرات ضيقة، فقال: وسعوها، هذه غرف صغيرة، كيف سيعيش الناس فيها؟ قالوا: يا إمام! هذه سجون -زنازين- قال: وسعوها لعلكم تدخلونها يوماً، من يضمن؟ لا إله إلا الله، فرب وزير ورب مسئول صار في غياهب السجون. وسبحان الذي يعز الذليل بطاعته، ويذل العزيز بمعصيته، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين! فالله كل يوم هو في شأن، له أمور يظهرها ولا يبتديها، يرفع أقواماً ويخفض آخرين. فالغني يفتقر والفقير يغتني، والصحيح يمرض والمريض يصح، والحي يموت والصغير يكبر، والكبير يهرم، ثم {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس:68]، هكذا العبد يتدبر الأحوال من حوله فيشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ورأينا أيضاً أن المحشر وهي أرض بيضاء نقية-كما قلنا- قال فيها المليك القدير سبحانه: {لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:107] أي: ليس فيها حفرة ولا تل مرتفع؛ لأنها أرض ظاهرة مكشوفة مستوية؛ لكي لا يختبئ أحد من أحد، ولا يستطيع أحد أن يختبئ من الله الذي يسمع دبيب النملة السوداء ويراها فوق الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} [الأنعام:59] أي: ورقة من شجرة {إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الأنعام:59] كتبه ربنا وفيه أن الورقة الفلانية التي في الشجرة الفلانية، التي في الغابة الفلانية، التي في البلد الفلاني، التي في القارة الفلانية ستسقط يوم كذا، الساعة كذا، الدقيقة كذا الثانية كذا. أليس هو الحكيم الخبير الخالق؟ فما يدريك بالورقة التي تقع من الشجرة؟ والمطر ينزل بأمره سبحانه وتعالى فيأمره أن ينزل في المكان الفلاني في الساعة الفلانية. ويعلم أن فلاناً سوف يموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، في الأرض الفلانية. مشيناها خطىً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطىً مشاها ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها وليس للعبد أن يسأل ولا يعترض أبداً، إنما العبد عليه أن يسلم مثل سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فنحن إبراهيميون، أهل الحنيفية السمحاء، سمانا المسلمين من قبل، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131] حتى ملكة سبأ لما دخلت صرح سليمان عليه الصلاة والسلام رأت لجة فكشفت عن ساقيها، وكانت تظنه ماء فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير، وفي الأخير اكتشفت أنها كانت منحرفة تعبد الشمس من دون الله، والهدهد هو الذي جاء لسليمان بالخبر اليقين {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22] رآهم يسجدون للشمس من دون الله، وقال الهدهد معتبراً: لماذا لا يسجدون لله الذي يخرج الشيء المختبئ في السموات والأرض.

قدرة الله في الخلق والإيجاد

قدرة الله في الخلق والإيجاد هل علمت كيف نبت هذا النبات؟ فالله هو الذي أنبته في الأرض وجعل المجموعة الجذرية تتشبث بالتربة ثم طلعت المجموعة التي هي الأوراق والساق ثم قليلاً تكبر الشجرة ثم يخرج منها براعم والبراعم تصبح وروداً ثم ثماراً، والثمار تكون في البداية غير صالحة ثم بعد ذلك تنضج، ثم بعد ذلك تأخذها أنت لكي تستمر دورة الحياة، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ والله سبحانه وتعالى بين في كتابه، وكذا الحبيب المصطفى في كلامه صدق هذه المقولة، فكل الكلام الذي قاله ربنا صدق، فهل يكذب مولانا عز وجل علينا يوم القيامة؟ تعالى الله رب العالمين عن ذلك. فما دام أنه قد ثبت صدق المقولة الأولى في الدنيا فلا بد وأن الله سبحانه وتعالى لا يخبر إلا بالحق، ولا يقول إلا الصدق، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. فنوحد الله رب العالمين ونقول: لا إله إلا الله، فإن من قالها موقناً بها قلبه دخل الجنة إن شاء الله رب العالمين، ولو وضعت لا إله إلا الله في كفة، والسماوات والأرض ومن فيهن في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله. اللهم اجعل إيماننا متجدداً كل يوم يا رب العالمين. رأينا أن جبريل الأمين يقف عند الميزان، فعندما تثقل الحسنات، يصيح جبريل وينادي: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وهذه هي السعادة الأبدية، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، وقال أيضاً: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] أي: فاز الفوز الأكبر، ليس الفوز بشهادة الاستثمار في ربا حرام، أو في دورة الألعاب الخائبية، إنما الفوز بالزحزحة عن النار ودخول الجنة، ولذلك فالمؤمن ينتظر فضل الله عز وجل.

فضل الزهد في الدنيا والتقشف في المأكل

فضل الزهد في الدنيا والتقشف في المأكل الحسن البصري رضي الله عنه كان يقتات هو وأهله بعيش وملح، وامرأته لم تكن صاخبة ساخطة إنما كانت طيبة لأن علاقته بالله صحيحة فصحح الله له علاقته بزوجته. لذلك قال ربنا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:90] لماذا؟ قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين! إذاً: هناك عباد من عباد الله موصولون بالله عز وجل، زاهدون في الدنيا متقشفون فيها، أكلهم فيها العيش والملح، لا يكثرون من تناول المباحات التي تسبب التخمة، فيحتاج الإنسان بعد ذلك إلى التقشف أو الريجيم لتنقيص الوزن كما تصنعه بعض النساء اللاتي يطلبن رشاقة الجسم، فيخربن بيوت أزواجهن بهذا الريجيم. وهناك ريجيم إلهي وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) فقال: لقيمات، وليس أكلات، أو وجبات، ولقيمات مفردها لقيمة: تصغير لقمة. (فإن لم يكن) يعني: أنه أكول، (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) فيقوم من الأكل ولا تزال عنده رغبة فيه، فإن من أكل كثيراً نام كثيراً، وذكر الله قليلاً، وندم يوم القيامة طويلاً. ومن أكل قليلاً نام قليلاً، وذكر الله كثيراً، وفرح طويلاً. فمن أكل قليلاً خفت معدته فنام قليلاً، ومن أكل كثيراً ثقلت معدته فنام كثيراً، فالأفضل للمسلم أن يرفع يده عن الطعام ونفسه تشتهيه؛ ولذلك فإن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر لم يجدا طعاماً في بيتيهما ذات يوم، فذهب أبو بكر إلى عمر بن الخطاب حبيبه وأخيه، وبينما هو ذاهب في الطريق إلى عمر وجد عمر قادماً إليه يبحث عن طعام عنده، فذهبا معاً إلى سيدنا الحبيب الذي راودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم لو قال لأحد: كن ذهباً بإذن الله لكان، فدقا على باب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهما، فاستحيا كل منهما أن يفاتح الرسول بما يريد، وهذا تأدب مع مقام النبوة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتدري يا أبا بكر ويا عمر منذ كم يوم لم يدخل جوف نبيكم طعام؟ وفي غزوة الخندق كان النبي صلى الله عليه وسلم يربط حجراً على بطنه من شدة الجوع؛ لأنه كان يضرب بالفأس مع الصحابة، فلم يقعد وهم يعملون. وكان يمر الشهر والشهران، والهلال والهلالان ولا يوقد في بيت رسول الله قدر وما كان يعيشهم إلا الأسودان: التمر والماء، أو البلح والماء. وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يظل في المسجد إلى أن تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتي الضحى ثم يرجع إلى بيته فيقول لنسائه: أعندكم طعام؟ فيقلن له: لا والله يا رسول الله! فيقول: (اللهم إني صائم). ولذلك أجاز أبو حنيفة أن ينوي المسلم الصيام في النفل من بعد شروق الشمس، فإذا وجدت نفسك مستعداً للصيام وأنت في وسط النهار قبل الزوال ولم تطعم شيئاً فقل إني صائم. فهذه مسألة. فإذا كنت صائماً صوم تطوع وأتى لك زائر فجأة وسيتغدى عندك، فمن حكم الفقه والإسلام أن تأكل مع الضيف، لتدخل السرور على قلب أخيك المسلم، وإدخالك السرور على قلب أخيك المسلم أحب عند الله من الصيام؛ لأن الصيام سنة، وإدخال السرور على المسلمين فرض. فحين تنكد على امرأتك، أو على أولادك فهذا ظلم، أو أن امرأتك تنكد عليك فإن هذا ظلم، وقد دخلت امرأة النار في هرة عذبتها، وكم من امرأة تبيت باكية من زوجها، وأخت تبيت باكية من أخيها، وابنة تبيت باكية من أمها وأبيها، وأب وأم يبيتان باكيين من ظلم وعقوق الأبناء والبنات، وزوج يبيت باكياً من ظلم أبنائه وزوجته، سبحان الله! (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة). وكان الحسن البصري يأكل العيش والملح فقيل له، فقال: نأكل هذا حتى يتجهز لنا الشواء في الجنة يوم القيامة، فـ الحسن البصري معتبر بالدنيا، وقد حصل لتلاميذه ذعر عندما رأوه يأكل العيش والملح فقالوا: هؤلاء الأئمة يعيشون هكذا. وسأله رجل وقال: عندنا رجل يأكل في اليوم أكلة واحدة، فقال: هذا طعام الصديقين المتقين. وسأله آخر وقال له: وعندنا من يأكل في اليوم أكلتين؟ فقال: هذا طعام المؤمنين. وقال الثالث: وعندنا من يأكل في اليوم ثلاث أكلات، قال: مر أهله ليبنوا له معلفاً ليعلفوه فيه. كيف لو قال له: ست أكلات، وبين كل أكلتين ثلاث وجبات؟ كان سيحصل لسيدنا الحسن البصري ذعر، ولو أن واحداً من التابعين أو الصحابة يعيش في أوساطنا اليوم لحصل له ذعر. يقول الإمام أبو حنيفة: سوف يأتي زمان على أمة محمد لا يعرفون فيه إلا بالصلاة. فلو دخلت على أي مجتمع مسلم، دخلت منطقة (الدقي) -مثلاً- لعرفت أن أهلها مسلمون لأنهم مصلون يدخلون الجامع، وإلا فما الفرق بين شارع التحرير وشارع الشنزليزيه في باريس أو أي شارع في أمريكا وأوروبا؟ أليس في باريس عرايا؟ فإن عندنا عرايا، وفي باريس بنوك ربوية، ففي كل مترين تجد غضب الله ونقمته نازلة على البلد بسبب الربا، وفي أمريكا وأوروبا خمور وصالات المجون وكذلك في معظم بلداننا الإسلامية، وهكذا. إذاً: المسلمون لن يعرفوا إلا بالصلاة، فأريدكم أن تمسكوا بالصلاة بأيديكم وأسنانكم، وسوف تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة، اللهم أعد إلينا الحكم بكتابك وسنة حبيبك يا رب العالمين.

جزاء من يعرض عن السنة كترك الحجاب الإسلامي

جزاء من يعرض عن السنة كترك الحجاب الإسلامي ورأينا أيضاً أن الصراط جسر فوق النار والعياذ بالله، ويمر الناس عليه كل على قدر عمله، وهناك عند حوض الكوثر بعد العبور من الصراط يطرد من الحوض من تركوا سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وردوا أمر الله عز وجل، وقلت حكماً ما زلت أكرره؛ لأن الموضة بدأت تنتشر مرة أخرى، وهو أن المرأة الغير محجبة ولكنها مقتنعة بوجوب الحجاب، وتدعو الله أن يتم عليها هذه النعمة، فهي مؤمنة عاصية أو مسلمة عاصية، لكن لو أن امرأة مسلمة لا تلبس الحجاب لعدم اقتناعها به؛ ولأنها ترى أن الحجاب حجاب القلب؛ وأن الله لم يأمر بالحجاب فهي كافرة قد ارتدت عن الإسلام، فالله يأمرها بالحجاب فترفض ذلك، وتكذب الله ورسوله والقرآن، وتكذب من يبلغ عن رسول الله. فالدين ليس فيه رأي ولا اجتهادات، الدين عندنا: قال الله في كتابه، وقال الحبيب في سنته، ثم الله أعلم، أو لا أعرف، فمن اقتنعت أن الله لم يأمر بالحجاب فهي كافرة، أما مسلمة وهي غير محجبة، فهي مسلمة عاصية، ندعو الله لها بالهداية. وحوض الكوثر تذاد عنه كل امرأة غير محجبة، فكل من رد الأمر على الله لن يشرب من حوض الكوثر، وكل من لم يستن بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما قال فسوف يذاد عن حوض الكوثر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يذاد أناس من أمتي عن الحوض يوم القيامة -أي: يطرود- فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: يا محمد إنك لم تدر ماذا أحدثوا من بعدك، إنهم رجعوا على أدبارهم القهقرى) أي: تركوا الكتاب والسنة ورجعوا الوراء للجاهلية (فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل وغير). فالجماعة الذين يعملون الأربعين والثانوية وأعياد الميلاد، يعملون أموراً جاهلية لم يشرعها الله، ولم يأذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأربعون بدعة فرعونية انتشرت في جميع أنحاء العالم من مصر، كأن الفساد الفرعوني لم يخرج إلا من مصر فانتشر في بقاع الأرض، وكنا نتمنى أن تنشر مصر الهدى والتقوى والإسلام، اللهم أعد الإسلام إلى المسلمين وأعد المسلمين إلى الإسلام يا رب العالمين. ثم رأينا بعد ذلك النار وما فيها من أنواع العذاب والعياذ بالله، في أربع حلقات تقريباً، ثم تكلمنا عن الجنة ونعيمها وهذه هي الحلقة الرابعة عن جنة الرضوان، اللهم متعنا بجنة الرضوان يا رب العالمين. أخرج الطبراني فيما يرويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم)، يعني: أنك لا تدخل البلاد التي تذهب إليها إلا بالجواز والتأشيرة، والجنة لا تدخلها إلا بجواز مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم. (هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية) ويأخذ هذا الكتاب بعد الميزان، بعد أن يأخذ العبد كتابه بيمينه، اللهم اجعلنا من أهل اليمين يا رب! والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء، فكان يأكل باليمين، ويصافح باليمين، ويتصدق باليمين، ويمسح على رأس اليتيم باليمين، ولم يجعل الشمال إلا لدورات المياه، صحيح أن الشمال ممكن أن تساعد في لأكل، لكن الأصل في الأكل اليمين، فالشمال مساعدة بأن تأخذ الطبق، أو تساعد في التقطيع أو الخبز، لكن الفندقة أو أسلوب الفنادق يقول لك: لا بد أن تضع الشوكة في اليد الشمال والسكين في اليمين، ولا ينفع أن تجعل الشوكة على اليمين والسكين على الشمال. ولو قلت له: إنك أسرعت في الصلاة ولم تطمئن في ركوعك وسجودك؟ فإنه يتعلل بقوله: يا أستاذ! الرب غفور رحيم. لعب الكرة قد وضعوا لها قوانين، فاللاعب لو خرج بدون إذن، فإنه يطرد من اللعب، أو لمس الكرة بيده داخل منطقة الجزاء في خط الثمانية عشر، يصبح (فاول) أو ضربة جزاء، والحكم يصفر، ولا يغضب اللاعب أبداً وهكذا، فلابد لمن يلعب أن يلعب بقانون. أليس من باب أولى أن يكون للصلاة قانون وللزكاة قانون وللحج قانون، ولكلام الله قانون، ولكلام الحبيب المصطفى قانون، أو أن الأمور تمشي هكذا، نعم نحن نعرف جيداً أن الرب غفور رحيم، لكن هناك قوانين. (دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده، فرأى رجلاً لا يطمئن في صلاته -أي: يصلي بسرعة- فبعد أن أنهى الرجل صلاته، قال له: صل فإنك لم تصل) هذه نقطة خطيرة يا إخوان، لم يقل له صلاتك ناقصة، إنما قال له: صل فإنك لم تصل، (فأعاد الرجل صلاته، ثم قال له: صل فإنك لم تصل، ثم أعاد للمرة الثالثة، فقال له: صل فإنك لم تصل، قال: والله يا رسول الله لا أحسن إلا هذا، فقال له: إذا قمت إلى الصلاة، فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، وارفع حتى تطمئن رافعاً، واسجد حتى تطمئن ساجداً، واجلس حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها). ومثل الذي يصلي وينقر صلاته نقر الغراب كالجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئاً. ولذلك فإن الذي لا يطمئن في الصلاة فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق، أي: الثوب القديم، ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

تربية النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه

تربية النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام. وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف، ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام. المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له: (يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك). أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع الرسول يده على صدره وقال: (اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله. فهذه هي طريقة التربية العظيمة. ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال: (أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله. وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول: الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب: أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال: جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.

أعظم نعيم الجنة النظر إلى وجه الله الكريم

أعظم نعيم الجنة النظر إلى وجه الله الكريم وكان الصحابي الجليل سيدنا نعيمان بن عبد الله يحب الضحك، والصحابة كان فيهم مرح، لكنه مرح محدود، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجد نعيمان قاعداً مع عدة نساء أمام عتبة داره، فلما رأى نعيمان الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين النساء ولم يكن محارم له فسأله عن سبب جلوسه فقال: أفتل حبلاً لبعير لي شرد، فيريد أن يستعذر من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أي كلام. وكلما لقيه الحبيب عليه الصلاة والسلام قال له: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فكان نعيمان يختبئ من الرسول، وفي يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن نعيمان ويسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! إنه يصلي في آخر الصف، ويخرج قبل أن تراه، وهذا من شدة الإحراج والخجل الذي كان في الصحابة، ليس مثل بعض الناس يكلم أحد المشايخ ويعبث بخاتمة في يده، والسيجارة في فمه ينفخ في وجهه، فالتدخين حرام. المهم أن سيدنا الحبيب دخل المسجد في وقت لا يتعود الدخول فيه فوجد سيدنا نعيمان يصلي، فلمح الحبيب وشم ريحته الزكية من جنبه، فأطال في الصلاة فعرف الرسول منه ذلك، فقال له: (يا نعيمان لو أطلت إلى يوم القيامة لانتظرتك). أي: أنا أعزك، فهذه طريقة تربية الحبيب لأصحابه، فقد كان شفيقاً، ولم يقل له: والله لن تفلح، وكان كله حنان صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى نعيمان من صلاته اتجه إلى الحبيب وقبل يده ورجله، فقال له صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل بعيرك الشرود يا نعيمان؟ فقال: ما شرد منذ أن أسلمت يا رسول الله، فكان قصد نعيمان ليس البعير، وإنما صاحب البعير، فيقال: إن نعيمان عمر ولم ينحرف ولا ارتكب فاحشة ولا غلط منذ أن أسلم، فوضع الرسول يده على صدره وقال: (اللهم حصن فرجه، واغفر ذنبه، ويسر أمره) فكان نعيمان يصلي بعد ذلك في الصف الأول خلف رسول الله. فهذه هي طريقة التربية العظيمة. ولما جاء ابن عمه السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف وكان شبيهاً به صلى الله عليه وسلم، وجيء به أسيراً في غزوة أحد، وكان عنيفاً على الإسلام والمسلمين، فنظر الرسول في الأسرى إلى أن وصل إليه فقال: (أطلقوا أخي، فإنه أشبه خلقي) أي: أنه يشبه النبي عليه الصلاة والسلام في خلقه وشكله. وهذا رد على الإخوة الذين يقولون: عيب أن تقول: الإخوة المسيحيون، فهذا حرم، ويرد عليهم بأن الرسول قال للسائب: أخي، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال: جزاك الله عن عشيرة وعن أهل يا رسول الله! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. هكذا كانت الدعوة، فالدعوة ليست بتقطيب الوجه، ولا بكثرة الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق) اللهم ابسط وجوهنا، واشرح صدورنا، وحسن أخلاقنا كما حسنت خِلقتنا يا رب العالمين.

فضل عبد الله بن حرام الأنصاري وتنعمه بالنظر إلى وجه الله

فضل عبد الله بن حرام الأنصاري وتنعمه بالنظر إلى وجه الله روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما أن أباه كان أعرج وكان عنده من الأبناء أربعة، وكان يريد المشاركة في غزوة أحد فمنعه أبناؤه، فقال له الرسول: (يا عبد الله ليس عليك شيء، فقال: والله يا رسول الله! إني أحب أن أرزق الشهادة فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، وأبنائي يريدون منعي) أي: يقولون له: ابق أنت، ونحن الأربعة سنقاتل بدلاً عنك، فأنت رجل أعرج لا تستطيع القتال. فـ عبد الله بن حرام الأنصاري من أسيادنا، مثل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) وهذا من أدب عمر بن الخطاب، وبعض السادة العلماء يقولون: لا تقولوا: سيدنا محمد، وهذا غير صحيح، نعم في الصلاة لا يجوز، لأنه لا سيد مع الله في داخل الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يشرع أن يقول في التشهد: اللهم صل على سيدنا محمد فنقول: اللهم صل على محمد في داخل الصلاة، وفي خارج الصلاة نقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه. فالرسول قال: (يا جابر -وهو ابنه الكبير- أشرك أباك)، أي: في الشهادة، فدخل عبد الله أرض المعركة فرزق الشهادة، وسيدنا جابر نظر إلى أبيه وهو مجندل والتراب قد ملأ عينيه ووجهه، فتغير وجه سيدنا جابر لما رأى أباه شهيداً، فهذه نفس إنسانية وهذا أبوه فقال صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أراك وجدت على استشهاد أبيك) يعني: حزنت، فسكت سيدنا جابر ولم يرد بشيء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جابر! والذي بعثني بالحق نبياً، ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، إلا أباك فقد كلمه الله كفاحاً من دون حجاب، وقال له -أي: بعد أن صعدت روحه إليه- عبدي تمن علي) تخيل العلي القدير القادر، الحكيم العزيز، القهار الجبار القوي، المعز المذل، الرزاق، يقول لعبد من عباده: تمن علي يا عبد الله. واسمع الأماني. (قال: يا رب! أتمنى منك أن تعيدني إلى الحياة فأقتل فيك مرة أخرى)، أي: أنا أريد أن أرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ليس من أجل أن يوزع التركة، أو يقسم الأموال أو يشتري للأولاد ولكن من أجل أن يقتل مرة ثانية؛ لما رأى عند الله عز وجل من النعيم المقيم. قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ جابر: (ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب إلا أباك يا جابر فقد كلمه الله كفاحاً بدون حجاب، وقال له: عبدي تمن علي، قال: يا رب أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: قد كتبت وما يبدل القول لدي: وأنهم إليها لا يرجعون، وإنما أبيح لك وجهي تنظر إليه بكرة وعشياً)، وهذه أعلى درجة في الجنة مع أبي بكر ومع الصفوة الكرام البررة، وإذا كان يقال: هذا النادي يدخل فيه الصفوة، وهذا المكان فيه الصفوة، وهذا المجلس فيه الصفوة، فالجنة أيضاً فيها درجات، وأعلى درجة هي الفردوس الأعلى، فمن كان في هذه الدرجة فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً. اللهم اجعلنا منهم يا رب، وأدخلنا في زمرتهم عملاً في الدنيا وجزاء في الآخرة، يا رب العالمين. والرسول صلى الله عليه وسلم حكى للصحابة أن الملائكة أتوا إليه، فقد كان يحكي لهم أي شيء يخص الدين، فلا يوجد شيء اسمه: الجماعة الدراويش الذين يتبعون التصوف، فالتصوف شيء جميل وحلو، لكن بصورة الدروشة فلا، فلو خرج علماء التصوف أو أبو الحسن الشاذلي والجنيد وهؤلاء العظماء من قبورهم لتبرءوا من هؤلاء المهلهلين في العقيدة الذين يعتقدون أن مع الله فاعلاً آخر، وهو ألا يصل الإنسان إلى الله إلا عن طريق الولي أو عن طريق الميت، فهذا شرك بالله عز وجل، فالمسلم لا يصل به الأمر أن يقول للناس: إن أناساً قد رفع عنهم التكليف، فهذه قلة أدب مع الله، فإنه لم يرفع التكليف إلا عن الميت، فلم يرفع عن رسول الله وهو أقرب الناس إلى الله. فلا يوجد شخص رفع عنه التكليف، إنما يرفع التكليف عن المجنون، وعن النائم، وعن الصغير، وعن الميت، أما ما عدا ذلك فهم مكلفون حتى الذي عمل عملية ومشدود إلى السرير فيجب عليه أن يصلي فيذكر الله في قلبه ما دامت روحه بين جنبيه ويستطيع أن يميز، فالمهم أنه لا تسقط الصلاة إلا عن الميت، ولا يسقط التكليف إلا عن الميت، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل. يذكرون عن عالم من السلف -وهو بريء من هذه الحكايات الغريبة- أنه أتى له شخص وقال له: فلان من مريديك مات، فقال: إنه لم يمت، قال: مات، وقد غسلناه وسيصلى عليه الجنازة الآن، قال: إن ملك الموت لا يقبض روح أحد من المريدين الذين عندي حتى يستأذنني. فهذا الكلام لا يقال على المنابر، ولو كانت هناك دولة ناصحة لأدخلت هذا الضال السجن؛ لأنه يشوش على الناس عقيدتهم، ويضع السم في العسل.

تفسير رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام

تفسير رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام وقد جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: العين نائمة والقلب يقظان بدليل أن الوحي إليه أمر من الله، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد رؤيا، فقال: (رأيت بقراً تذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة) فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟ فقال له: (أول يا أبا بكر قال: أما البقر التي تذبح فبعض من أصحابك يرزقون الشهادة، وأما الثلمة التي في سيفك فرجل من أهل بيتك يقتل، وأما إدخالك يدك في درع حصينة فعودتك إلى المدينة سالماً إن شاء الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا فسرها لي جبريل). اللهم ارض عن صحابة رسول الله، اللهم لا تحرمنا مجالستهم في الجنة يا رب العالمين، ونسأل ربنا أن يكرمنا ويعوضنا عن ذل الدنيا وابتلاءاتها بنعيم مقيم، اللهم حسن أعمالنا وحسن خاتمتنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين! فقوله: (أن العين نائمة والقلب يقظان) يعني: أن عينه نائمة، لكن قلبه يقظان مع ربه. وفي رواية أخرى للإمام الترمذي (نزل جبريل فقال: إن عين محمد نائمة، ولكن القلب يقظان مع ربه)؛ لأنه في إحدى المرات حين جاء ثلاثة من الصحابة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فنظروا إلى عبادتهم فتقالوها يعني: وجدوها أعمالاً قليلة، فقالوا: إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن الذين امتلأنا خطايا وذنوباً وسيئات، فقال أحدهم: أنا سوف أقوم الليل فلا أنام أبداً، وقال الآخر: وأنا سوف أصوم ولا أفطر أبداً، يعني: أنه يصوم الدهر، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء؛ أي: لأنهن يشغلن، ويجلبن المشاكل. فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم مقالتهم، فقال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) إذاً: هو نائم، ولكن في وضع آخر. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي، وبعض المنافقين كانوا يأتون آخر الناس ويمشون أول الناس مستعجلين، فكانوا يرفعون قبل أن يرفع الإمام ويسجدون قبل أن يسجد، ومن رفع رأسه قبل الإمام جيء به يوم القيامة ووجهه وجه حمار؛ لأنه لا يعرف النظام، فالذي يرفع قبل الإمام بطلت صلاته. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ترفعوا رءوسكم قبلي، ولا تسجدوا قبلي، قالوا: أو ترانا يا رسول الله؟ قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي) أي: بما أراه ربه. وعندما تكلمت حفصة وعائشة في موضوع أخبره جبريل بالأمر، فرجع وعرف بعضه وأعرض عن بعض، فذكر لهما عناوين يعرفهما أنه كان موجوداً، فهما لبشريتهما وللعقل المحدود لهما سألتاه عن ذلك، {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3]. (فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له - يعني: فسروها- يفقهها، فقالوا: أما الدار فالجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله). يعني: كأن الله عز وجل هو صاحب الدار، والدار هي الجنة، والمأدبة هي النعيم الذي في الجنة، أكبر نعيم في الجنة شيئان: الشيء الأول: رؤية وجه الله الكريم سبحانه. الشيء الثاني: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:108]. فالمتعة في الدنيا زائلة، والغنى في الدنيا ليس سبب السعادة، ففي سويسرا والسويد ينتحر في السنة ما يقرب من ثلاثين إلى أربعين ألف رجل وامرأة، مع أن أعلى دخل للفرد في العالم هناك، فكل شيء ميسر له، فالجو جميل، والصحة والرياضة موجودتان، والدولة لا تنكد عليه، ولا توجد شوارع ومجار مكسرة، ولا ماء متقطع ولا نور ينطفئ. أما مستشفيات الأمراض العقلية فهي بكثرة في السويد وسويسرا وأمريكا وغيرها من البلدان الغربية الكافرة. وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من سأل ربنا الجنة سبع مرات، واستعاذ بالله من النار سبع مرات، تقول النار: يا رب! عبدك فلان استجار بك مني، اللهم أجره مني، والجنة تقول: يا رب! عبدك فلان طلب أن يدخل الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه، وكان الصحابة يسألون الله الزحزحة عن النار، ودخول الجنة، والزواج من الحور العين. وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل المسجد ووجد أعرابياً يصلي ركعتين ثم سلم، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم زوجني من الحور العين، فنظر إليه سيدنا عمر وقال له: يا أخا الإسلام! هذا مهر قليل، أي: فالذي يريد أن يتزوج امرأة فإنه يحتاج إلى مهر وتوابعه فكيف الزواج بالحور العين؟ ورجل مخبول في زمن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك إماماً يصلي بالناس، وكان الأمراء هم أعلم الناس فيتقدمون للصلاة. فبعد أن انتهى الرجل من الصلاة قال: اللهم امسخني حوراً من الحور العين، وزوجني من عمر بن الخطاب، فقال له شخص: ولم لا تطلب أن تتزوج من الرسول؟ قال: لا أريد أن أكون ضرة لـ عائشة!! ربنا يسعدنا وإياكم بالتقوى، وبدخول الجنة، وبالزحزحة عن النار، ويختم لنا ولكم بالإسلام وبالإيمان، ويخرجنا من الدنيا على خير.

وصف الجنة

وصف الجنة قال أبو هريرة رضي الله عنه: (يا رسول الله! صف لنا الجنة، قال: لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر) أي: أن الأسمنت الذي يلحم بين لبنة الفضة والذهب من المسك، فالجنة فيها طوبة فضة وطوبة ذهب، والملاط الذي هو الأسمنت من مسك. فإذا كانت الفنادق الراقية مصممة تصميماً رائعاً فما بالك بما صممه رب البشر للبشر؟ فلذلك فإن الرسول لخص نعيم الجنة بهذه العبارة الموجزة فقال: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). والله عز وجل يذكر لنا أن الجنة فيها عسل مصفى وخمرة لذة للشاربين وماء غير آسن وأنواع من الفواكه ذكرها بأسمائها، وهذه الأشياء وإن كانت في الدنيا فإن خمر الآخرة غير خمر الدنيا، وفواكه الجنة غير فواكه الدنيا وهكذا فنعيم الجنة لا يشبه نعيم الدنيا إلا بالأسماء فقط، وسوق الجنة غير السوق الذي في الدنيا الذي يباع فيه ويشترى، وثمرة الجنة تنقسم نصفين، نصف يخرج منه حلة جميلة، والنصف الثاني: يخرج منه حوراء لو تفلت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتا، فهل هناك شجرة في الدنيا هكذا؟ والشجرة التي تجلس تحتها تصبح لك، كما قيل في المثل الدارج: (جئت أدعي عليه فلقيت الحائط مائلاً عليه) وقال صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة: (وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران) أي: أن الأرض التي تمشي عليها من لؤلؤ وياقوت. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال في الدنيا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر غرست له الملائكة شجرة في الجنة) فشجرك في الجنة على قدر ذكرك في الدنيا، فلا يضيع أجرك أبداً عند الله عز وجل. ولذلك فإن قلة الأكل تجعلك يقظاً لكتاب الله وللصلاة، وكما قيل إن أشعب كان يحب الأكل، فقالوا له: يا أشعب! أنت لحقت أبا حنيفة وبعض التابعين، فحدثنا حديثاً عنهم فقال: سأقول لكم حديثاً، حدثني فلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال صلى الله عليه وسلم: (خصلتان من فعلهما دخل الجنة) ثم قال: نسي سالم واحدة، ونسيت أنا الثانية، إذاً: لا توجد فائدة. فحصباء الجنة لؤلؤ وياقوت، وترابها زعفران، وزعفران الجنة غير الزعفران الموجود عند الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: (من دخلها ينعم فلا يبأس) يعني: لا تجد في الجنة شخصاً مكشراً، فإذا كان الإنسان يغضب في الدنيا من البلاوي، والهموم، والدين، والمضايقات من ضيق ذات اليد، والذنوب؛ لأن من ثمرات الذنوب أنها تضيق الصدر، فإن الطاعة تعمل على انشراح الصدر والرضا، اللهم اجعلنا من أهل الطاعة يا رب. ثم قال: (من دخلها ينعم فلا يبأس أبداً، ويخلد فلا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم) أي: تبقى الثياب متجددة كل يوم، ويبقى شبابهم دائماً وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، كلٌ على سن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل المرسلين لا يبلغها غيرهم؟ قال: والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) يعني: أن أهل الجنة أنفسهم ينظرون إلى من فوقهم مثلما ننظر إلى الكوكب الدري الغابر، وهذه المنزلة جعلها الله لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. والإيمان أركان ثلاثة: قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجنان. فما دام أنك لم تظلم أحداً، وقلت بلسانك، وصدقت بجنانك، وعملت الأوامر وابتعدت عن النواهي، فلم تظلم أحداً مظلمة مادية ولا مظلمة معنوية، فأنت مؤمن. وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً: (وفي الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم) لأن أقل ملك في الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يسير الراكب في ملكه ألفي سنة) أي: يظل يمشي في ملكه ألفي سنة، ولا يزال ملكه لم ينته، فكيف بأعلى منزلة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من يتطلع إلى وجه ربه بكرة وعشياً، قالوا: مثل من يا رسول الله؟ فنظر إلى أبي بكر وقال: مثل هذا) وكان دائماً يرافقه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكان يقول: (هكذا يدخل ثلاثتنا الجنة). اللهم لا تحرمنا الأنس بهم يا رب العالمين! وفي مرة من المرات ألقيت محاضرة في إحدى القواعد العسكرية فقال قائد المعسكر: إذا أكرمنا ربنا وأدخلنا الجنة فأنا أحب أن أقابل خالد بن الوليد وأكلمه في الخطط العسكرية. وروى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول إلا في: حي على الصلاة، حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم صلوا علي). وإخواننا الدراويش في بعض المساجد، يزيدون ألفاظاً في الصلوات على النبي بعد الأذان فيقولون: الصلاة والسلام عليك يا كحيل العينين، ويا أسود الشعر، ويا شفيعنا يوم الدين، فهذه بدعة من البدع والعياذ بالله. وقد كان صلاح الدين الأيوبي قبل دخوله معركة حطين ألغى المذهب الشيعي الذي كان يدرس في الأزهر أيام الفاطميين، فـ صلاح الدين الأيوبي لكي ينتصر على العدو لا بد أن يصحح عقيدة الناس، فألغى المذهب الشيعي، وأتى الحاكم الذي بعده فقال: يظن المصريون أننا ضد أهل البيت، ولا نحب أهل البيت، ونحن نحب أهل البيت، فأمر المؤذن أن ينادي بعد العشاء ليلة الجمعة بصوت عالٍ بالصلاة على رسول الله، فالبلاوي تبتدئ هكذا، فنادى الرجل بهذه الكيفية من الصلاة والسلام على رسول الله شهراً أو شهرين، ثم بعد ذلك جعلوها في الظهر في وسط النهار، إلى أن بقت في الظهر والعصر والعشاء، فسبحان الله! فكل من استن سنة سيئة في الإسلام فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً. فالرسول يقول: (فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا علي)، فـ (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي.

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة_أسماء الجنة

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة_أسماء الجنة جعل الله سبحانه في الجنة نعيماً دائماً لا ينقطع، وللجنة أسماء متعددة ذكرت في كتاب الله سبحانه، فقد وصفت بالدوام والصدق والإمامة والأمن والسلام، ولا يفوز بدخولها إلا من راقب الله سبحانه في لفظاته ونظراته وخطواته وخطراته.

التعرف على أسماء الجنة وعلى صفاتها وصفات ساكنيها

التعرف على أسماء الجنة وعلى صفاتها وصفات ساكنيها نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الخامسة في الجنة، اللهم اجعل مآلنا الجنة يا رب العالمين! اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا! بفضلك ومنِّك وجودك وكرمك بيننا شقياً ولا محروماً. ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا همّاً إلا فرّجته، ولا غماً إلا أذهبته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا صدراً ضيّقاً إلا شرحته، ولا طالباً إلا نجّحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً. اللهم إنا نعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، نسألك من الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، وارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، وارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدّلين، اللهم فك كرب المكروبين، واقض دين المدينين، وتب على كل عاصٍ، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم شفّع فينا نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم اجعلنا من جيرانك في جنة الرضوان يا رب العالمين! واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، واجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا يوم القيامة، وثبت به على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام، وأعطنا كتابنا بأيماننا ولا تعطه إيانا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تحدثنا في أربع حلقات سابقة عن الجنة، واليوم موعدنا مع الحلقة الخامسة في الجنة وهي تخص أسماء الجنة، وسوف نقوم في هذه الحلقة بمشيئة الرحمن بالزيارة لطائفة من أهل الجنة لنتعرف على صفاتهم وأخلاقهم وما الذي جعلهم يسكنون في هذا المكان، اللهم اجعلنا من سكانها يا رب العالمين! إن حلقات الدار الآخرة التي لا أتمنى أبداً أن تنتهي هي عبارة عن حلقات تشحذ عزيمة المسلم نحو ربه، وتقوم بتقريب الإنسان إلى مولاه، وتعمل على أن يحب الإنسان آخرته وأن يحب الموت ولا يفزع من حضوره؛ لأن الموت هو الذي يدخله على الله عز وجل، وعرفنا كيف أن الكليم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما جاءه ملك الموت قال: يا ملك الموت! دعني أكلم ربي، فقال: يا رب! هل رأيت حبيباً يسيء إلى حبيبه؟ فإذا بالله عز وجل يكلم كليمه قائلاً: وأنت يا موسى! هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ فكل إنسان محب لله عز وجل يتمنى لقاء الله سبحانه، والمؤمن لا راحة له إلا بلقاء الله. ولأن الله بنا رحيم جعل لنا مواسم نلتقي به فيها، فجعل من العام الحج ورمضان والعمرة، وجعل من الأسبوع الجمعة، وجعل من اليوم الصلوات الخمس. قال الحسن البصري رحمه الله: هنيئاً لك أيها المسلم! إن أردت أن تكلم الله فأحرم بالصلاة، وإن أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن، فالذي يريد أن يكلمه الله يقرأ في كتابه لأن كلام الله في كتاب الله، والذي يريد أن يكلم ربه يقف ليصلي بين يدي الله، ولو علم المصلي من يناجي ما انفتل من صلاته، وما قام عبد يصلي لله ركعتين إلا وتناثر البر من السماء إلى عنان رأسه، وناجاه وناداه مناد من قبل العلي الأعلى: يا ابن آدم! لو تعلم من تناجي ما انفتلت من صلاتك، لذلك كانت قرة عين الحبيب صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فالمسلم لا راحة له إلا أن يلقى الله، والمؤمن لا راحة له إلا في بيت الله أو في مكان يذكره بالله سبحانه، اللهم ذكّرنا بك دائماً يا رب العالمين! واجعلنا من الذاكرين والذاكرات، ولا تجعلنا من الغافلين أو الغافلات يا أكرم الأكرمين! نسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ليس العلم كثرة الرواية وإنما العلم الخشية، فالعلم الذي يوصلك إلى الخشية لله سبحانه والانزواء إلى طريق الله، والانضمام إلى وفد الرحمن، والانضمام إلى عباد الله الأتقياء؛ هو العلم الذي يقربك من الله، أما العلم الذي يبعدك عن الله عز وجل فإنه يكون حجة عليك لا حجة لك، فهذه هي الخطورة؛ لأن الله عز وجل وصف اليهود وصفاً سيئاً فقال: كالحمار يحمل أسفاراً، فمنهم حامل لكتاب الله التوراة، ولكنه كالحمار الذي يحمل على ظهره كتباً لا يستفيد منها ولا تعود عليه بخير قال الشاعر: كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول فالإبل تحمل قرب الماء على ظهرها ولا تستطيع أن تشرب منها إلا بإذن صاحبها عندما يفتح لها فم القربة، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين!

غبطة المؤمن للصالحين وحسد المنافق للصالحين

غبطة المؤمن للصالحين وحسد المنافق للصالحين روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء). قلنا: إن المؤمن يغبط، والمنافق يحسد، ومعنى يغبط: يفرح بالنعمة التي عندك، ويدعو الله لك بالزيادة والتثبيت، أما المنافق والعياذ بالله فإنه يتمنى زوال النعمة من يدك حتى وإن لم تؤل إليه، بمعنى: أنه يتمنى أن تؤخذ النعمة منك. ويقال: إن ملكاً من الملوك جاء باثنين من الحاشية وهو يعلم خبرهما - من معاملته لحاشيته يعرف أخلاقهم جميعاً - أحدهم حسود يحسد كل الناس، والثاني بخيل، وهذه من أسوء الصفات التي لا علاج لها نسأل الله السلامة؛ فقال لهما: ليتمن علي أحدكما أمنية، فمن بدأ أعطيت الثاني ضعف ما طلب الأول، طبعاً الحسود يخاف أن يطلب هو الأول فيأتي البخيل ويأخذ مثله مرتين وهو بطبيعته لا يريد أن يأخذ البخيل شيئاً، والبخيل بطبيعته والعياذ بالله رب العالمين لا يريد أن يأخذ غيره شيئاً؛ فقال: البخيل للحسود: قم أنت، وقال الحسود للبخيل: لا، اطلب أنت، حتى علا صوتهما فتشاجرا، فقال الملك غاضباً: إن لم يطلب أحدكما قطعت رقبة كل واحد منكما، ابدأ يا حسود! فقال الحسود: أتمنى أيها الملك! وأطلب أن تقلع لي إحدى عيني. لذلك فإنه لا يجتمع في قلب العبد إيمان وحسد. ذكر أن سهل بن حنيف رضي الله عنه وكان رجلاً أبيض الجلد فأراد أن يغتسل، فرأى عامر بن ربيعة رضي الله عنه جسمه فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فوقع سهل بن حنيف رضي الله عنه مكانه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلاً أصيب بعين، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل عما كان من شأن عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له) فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس، فالعائن يجعلونه يتوضأ بنية الشفاء لأخيه المسلم الذي عانه، وفي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس مطيعين، فما كان من هذا العائن إلا أن توضأ لأخيه فقام من ساعته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالحسد موجود؛ وكانت هناك قبائل من العرب قبل الإسلام وبعده كان فيها الحاسدون، فقد كان يمر القطيع من الإبل أو القطيع من الغنم فيقول الرجل لجاريته: خذي هذا الإناء وائتيني بلحم هذا البعير! فما أن يصل البعير إلى بيت صاحبه حتى يكون لحمه في القدر. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر). والحاسد نوعان: حاسد يحسد وهو يعلم، وحاسد يحسد وهو لا يعلم. فإذا رأت عينك شيئاً يسرك وأنت قاصد؛ فكبّر وبرّك، بأن تقول: الله أكبر بارك الله لك في هذا، فإذا رأيت سيارة جميلة فقل: بارك الله فيها، أو رأيت بيتاً جميلاً فقل: بارك الله لك فيه، أو رأيت بدلة جميلة على أخيك المسلم أو غيرها فقل: بارك الله لك فيها. كان رجل من بني تميم عائناً، فقالوا له: إن هذه البقرة تحلب لبناً كثيراً! فقال: أروني هذه البقرة، فأروه بقرة أخرى تفنيداً له، فسقطت البقرتان في وقت واحد. إذاً: المسلم إذا أعجبه شيء، يقول: الله أكبر! بارك الله لك فيه، أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والمشكلة تكمن في العائن الذي يعين وهو لا يعلم؛ فأنت عندما تثق أن هناك عائناً يدخل بيتك ينقلب البيت رأساً على عقب، فإن رأيت مثل هذا فاقرأ سورتي الفلق والناس، ولذلك قال بعض الفقهاء: إن ولي الأمر إذا علم أن أحداً يحسد الناس يحبسه في بيته وإن كان فقيراً، ويصرف له عطاءً من بيت المال، لكي لا ينتشر فساده في المجتمع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء) يعني: الأنبياء والشهداء يفرحون لهم ويغبطونهم لمنزلتهم العظيمة عند الله عز وجل، قال: (يكونون على منابر من نور) قال الصحابة: ومن هم يا رسول الله؟! قال: (هم الذين يحببون الله إلى الناس ويحببون الناس إلى الله) فالصحابة سألوا عن شق وتركوا الشق الثاني؛ لأنه فطري طبيعي، قالوا: فكيف يحببون الناس إلى الله يا رسول الله؟! أي: فكيف يجعلون الناس يحبون الله؟ قال: (يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فإذا أطاعوهم أحبهم الله سبحانه وتعالى) فأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحبهم الله سبحانه، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ولذلك قال الله عز وجل فيهم: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [النساء:57] لماذا؟ لأنه كان طاهراً في كلامه وثيابه ويده، فيده لا تختلس ولا ترتشي ولا تضرب إنساناً أو تؤذيه، وإنما جوارحه كلها في خدمة الله عز وجل. يحكى أن سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام قال: يا رب! إذا رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي فإنها نعمة تنعم بها علي. يقول ذلك لأنه لا يريد أن ينخرط مع أهل السوء ولا يريد أن يدخل مع أهل المعاصي؛ اللهم اجمعنا مع أهل طاعتك يا رب العالمين!

أسماء الجنة

أسماء الجنة الجنة لها درجات وأسماء كما أن للنار دركات، وكل دركة لها اسم: لظى والحطمة وسقر والهاوية والجحيم وجهنم والدرك الأسفل. فللجنة أسماء وأنواع، إذاً: تعالوا لنحيا مع أسماء الجنة قبل أن ندخل لزيارة الطائفة من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من طوائف الجنة يا رب العالمين! أول اسم للجنة هو الاسم العام: الجنة، فالطفل الذي في بطن أمه نسميه جنيناً؛ لأننا لا نراه بالعين المجردة، وإنما نتركه إلى أن يقضي الله فيه أمره، فالجنين: ما جن عن النظر، أي: ما اختفى عن النظر؛ لذلك يسمى البستان جنة؛ لأن الأشجار حول البستان لا تجعل الرائي ينظر ما في داخلها؛ ولذلك قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} [الكهف:32] فقوله: (جنتين) أي: بستانين، قال تعالى: {جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف:32].

مراقبة الألفاظ السيئة والحذر منها

مراقبة الألفاظ السيئة والحذر منها ثم قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39] وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان عندما يتذكر نعمة الله يجب عليه أن يُحيل الحول والقوة والمشيئة إلى الله رب العالمين. عندما يقول المسلم: لا حول الله! هذا حرام، ولكن يقول: لا حول إلا بالله، أو: لا حول ولا قوة إلا بالله إذاً: عندما تقول: لا حول الله يا ربي! كأنك نفيت الحول عن الله والعياذ بالله، فالمسلم يحتاط في أمور أربعة: اللفظات والنظرات والخطوات والخطرات؛ لأنه {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] فقد يقول الإنسان كلاماً لو أعاده إلى العقيدة وإلى مكانة الكتاب والسنة لرأى أن هذا شرك وكفر بالله والعياذ بالله. فمثلاً هناك طابور واقف على باب سينما يقول: ما هذا؟ وأحدهم يقول: يا رجل! ليس رزق الأحمق على المجانين! مع أن رزق الأحمق والمجانين على الله؛ فهذه كلمة تجري على ألسنة العامة قد تصل بالإنسان إلى القدح في قدرة الله عز وجل، ولكن رزق الأحمق والمجانين على الله. فالعاقل لا يستطع أن يرزق العاقل مثله، ولا العاقل يرزق الجاهل وإنما يدفع الله الناس بعضهم ببعض، ولذلك فإن رزق الأحمق والمجنون والعاقل على الله سبحانه وتعالى، ولذلك فأنت ترى المسكين عنده عشرة أولاد مثلاً، والغني عنده آلاف وملايين وعنده ولد واحد، أو ليس لديه من الأولاد شيء؛ فهنا يخطئ المسلم عندما يقول: يعطي القرط للذي ليس لديه أذن! فيكون المعنى: أن الله عندما يعطي القرط للذي بلا أذن كأنه لا يرى، وكأن الله غير عادل في قسمته! فهذا كفر بالله عز وجل، فمن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه دامت حسرته، ومن قل كلامه كثرت حسناته، ومن كثرت حسناته استمرت فرحته، اللهم اجعلنا من الفرحين في الآخرة يا رب العالمين! إذاً: أول الأخطاء أخطاء اللفظات، إذا لا يجوز أن يقال: لا حول الله! ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك قول: أنا معتمد على الله وعليك! ولكن قل: أنا معتمد على الله ثم عليك؛ والآخر يقول: ربنا لنا في السماء وأنت في الأرض! وهذا حرام لكن قل: الله لنا في السماوات وفي الأرض، وفي الليل والنهار، وفي المنشط والمكره وفي العسر واليسر، وإنما ساقك الله إليّ لتكون سبباً في إجراء هذا الأمر على يديك. ولا تقول: يا دكتور! لو لم تأتنا كان الولد سيموت، لأن هذا حرام، ولكن قل: فالله بعثك لنا كسبب ليجري الله الشفاء على يديك. وهناك من الناس من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وبعداً لعبد جُعل مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر؛ اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا رب العالمين! قيل للحسن البصري: نحن نعد عليك الكلام؟ يعني: ليس كحالتنا. فقال: إني أعرض الكلمة على عقلي قبل أن أنطق بها، فإن رأيتها توضع لي في كتاب حسناتي قلتها، وإن رأيتها سوف توضع لي في كتاب سيئاتي فلا أقولها، فرأيت أن أغلب كلماتي سوف توضع في ميزان سيئاتي فأقللت من الكلام. ولو أن كل إنسان كان كـ الحسن البصري يزن الكلمات لما سمعنا لعناً في الشوارع ولا سباً ولا قذفاً، وإنما نسمع ذكر الله، ومن يذكر بالله سبحانه وتعالى. فلسانك سيؤدي بك إلى الهلاك: (هل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم) فجرح اللسان أنكى من جرح السنان وأصعب من جرح السكين أو السيف؛ لأن جرح السكين يداوى بالمضادات الحيوية والعلاج، لكن جرح اللسان كما قال الشاعر: جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ثوراً كبيراً يخرج من ثقب إبرة فقال: (ما هذا يا جبريل؟! قال: هذا الرجل من أمتك يقول الكلمة فلا تعود) وتجد شخصاً بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة يعاتب امرأته، يقول: لم أنس يوم قرأت عليك الفاتحة يا أم عباس! كان أبوك رحمه الله كذا وكذا وكذا، فالرجل قد مات، لكن الكلمة السيئة ترن في أذنه، ليس لأن حماه خبيث ولكن لأنه هو أخبث؛ لأنه لا يذكر عن حميه إلا السيئ من الكلام، ولذلك فإن سيدنا عمر قال: اللهم إني أعوذ بك من أربع: من زوجة تشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي سيداً، ومن مال أُحاسب عليه في قبري ويتمتع به ورثتي من بعدي، ومن جار المقامة -الدار- إن رأى سيئة أذاعها وإن رأى حسنة كتمها. وهناك أناس كثيرون بنفس هذه الصفات، عندما يرى منك حسنة يكتمها. وأنت إذا وضعت امرأتك على ميزان سترى حسناتها أكثر من سيئاتها، وهي كذلك عندما تضعك على الميزان ستجد أن حسناتك أكثر من سيئاتك، فيتعافى الناس ويصطلحون مع بعض ويتعودون على التعامل بالمعروف. يحكى أنه كان يقول المتخاصمان للإمام الشافعي: يا إمام! اقض بيننا فيقول: ما قضيتكما؟ فيقول أحدهما: لي عند هذا مبلغ ويقول لي: أنظرني، فكان الشافعي يقول: أأعاملكما بالعدل أم أقضي بينكما بالفضل؟ يقولان: ما معنى العدل وما معنى الفضل؟ فيقول: العدل: أن يأخذ صاحب الحق حقه، والفضل: أن يعفو صاحب الحق عن حقه، ومن عفا عن حقه عفا الله عنه يوم الكرب. ولذلك يروى أن رجلين وقفا بين يدي المولى عز وجل، وأحدهما عنده للآخر حق، فقال الله عز وجل لصاحب الحق: انظر خلفك، فيرى في الجنة قصوراً وقباباً من لؤلؤ وفضة وزبرجد وياقوت وما لا عين رأت، فيقول: يا رب! لأي نبي هذه، أم لأي صدّيق، أم لأي شهيد؟ فيقول الله: للذي يعطي الثمن. قال: وما ثمنه؟ قال: أن تعفو عن صاحبك. فيقول: يا رب! عفوت عنه. فيقول الله: خذ بيد أخيك وادخلا إلى الجنة. فالله هو العفو الغفور يعفو عن السيئات، وما عثرت بقدم ولا أصبت بشوكة إلا بذنب والله يعفو عن كثير، كان العربي إذا أصابه ألم يقول: حس حس، يعني آه آه، ولذلك يقول الله عن أهل الجنة: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء:102]. فالنار تتغيظ كما قال الله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] يعني: تكاد تتقطع، يقال: هذا فلان يمشي ويكاد يتقطع من كثرة غيظه.

مراقبة الإنسان ربه في النظرات والخطوات

مراقبة الإنسان ربه في النظرات والخطوات عندما ينصحك أخوك المسلم في الله ويقول لك: يا فلان! اتق الله، يا فلان! اعمل كذا، يا فلان اعمل كذا، فلا تغضب، ورحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا، وأخذ الحسن البصري في يوم من الأيام متاعه على جنبه ومشى فقالوا له: ما هذا؟ قال: أجلس مع أناس يعرفونني عيوبي!! فالمؤمن مرآة أخيه، يعني: يرى فيه عيوب نفسه، والنصيحة على الملأ فضيحة فانصح أخاك المسلم بالرفق، ونفرض جدلاً أن واحداً أصغر منك سناً يقول لك: يا ابني! فيقول: ما هذا الكلام الذي تقوله؟! أنا متعلم قبل أن تلدك أمك، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206]. كذلك سيدنا عيسى عليه السلام وهو يمشي مع أحد الحواريين وكان يسمى عابد بني إسرائيل، مر عابد بني إسرائيل على فاجر بني إسرائيل فقال: يا روح الله! اسلك طريقاً غير هذا، أتطمع في إيمانه يا روح الله؟! ويشبه ذلك قول الناس في مكة، إذ كانوا يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر؛ وهذا من اليأس الذي وصلوا إليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب) فكان الصحابة يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر! فالمسلم لا ييأس أبداً، فاحذر أن تيأس من هداية زوجتك أو ابنك أو ابنتك، ولتحذر المرأة أن تيأس من هداية أختها أو أخيها أو ابنها أو زوجها! فما زال الأمل موجوداً. قال عيسى: ما دامت فينا الروح فلن نيأس من هدايته بإذن الله. ورب عبد أخذه شيء من الكبر، فقال عابد بني إسرائيل: يا روح الله! لو هدى الله هذا ودخل الجنة لرفضت أن أدخلها، فقال الله: يا عيسى! أحبطت عمل هذا وتبت على هذا، فجاء الفاجر ليقبل يد عيسى ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فاحذر أن تتألى على الله، فإذا كان أخوك قد ظلمك فلا تقل: هذا لن يدخل الجنة! هل أنت رضوان حتى قرأت الأسماء؟ بل إن رضوان إلى هذا الوقت لم يقرأ الأسماء، فلا يجوز لك أن توزع وتقول: إن هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار حتى ولو كان كافراً، لكن لا بأس بالتعميم: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] ألا لعنة الله على الفسقة، ألا لعنة الله على الفجرة، تعمم ولا تخصص أحداً باللعنة إلا من لعنه الله ورسوله، ورغم ذلك لا تجعل في ذهنك أنك وصلت وغيرك لم يصل، ولا تقل: إنني ملتحٍ فسأدخل الجنة وحالق اللحية في الهلاك؛ لأنك بهذا تتألى على الله. ويحكى أن توأماً في بني إسرائيل أحدهما ظل يعبد الله سبعين سنة، والآخر ظل يعصي الله سبعين سنة، فقال الفاجر في نفسه: سبعين سنة وأنا أعصي الله؟! سأذهب إلى أخي العابد لأقعد معه وأطلب منه أن يسامحني ويدعو لي، وأدخل لأعبد الله معه في صومعته فيما بقي من عمري، لكن الشيطان لم يدعه، بل لم يزل به حتى قال له: اذهب وهزئ أخاك، فذهب ورأى أخاه ساجداً فوضع رجله بحذائه على رقبته، فقال العابد: ارفع رجلك والله لن يغفر الله لك، فقال الله: من هذا المتألي عليّ؟ يا ملائكتي! قبلت هذا وأحبطت عمل هذا، فمات الفاجر على الإيمان، ومات العابد على الكفر؛ نسأل الله حسن الخاتمة. فسوء الخاتمة وحسنها بيد الله، لكن يجب عليك أن تُحسن عملك؛ لأن الطاعات ستجتمع على قلبك فتكون نهايتك سعيدة إن شاء الله، والمعاصي قد تغلب على الإنسان. وإياك أن تنظر إلى أخيك المسلم بنظرة كبر أو حقد أو حسد، ولا تنظر له نظرة علوية أبداً، ومن نظر إلى أخيه نظرة رحبة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه يوم القيامة. ومن ضمن العبادات النظر إلى الكعبة والنظر في المصحف وفي السماء والنظر في وجه العالم الصالح، والنظر إلى وجه الوالدين، كأن تقعد وتنظر إلى والدتك بحنان وحب وتقول: بارك الله فيكِ يا أمي! فإنَّ أبا هريرة كان قبل أن يخرج يقول: السلام عليكِ يا أُم أبي هريرة! جزاكِ الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً، وتقول له: وعليك السلام يا بني! وجزاك عني خيراً كما بررتني كبيراً، فالود موجود بين الأم والابن، ودعاء الأم على ابنها مقبول. نسأل الله أن يرقق قلوب الأبناء والبنات على آبائهم وأمهاتهم. وراقب الله في خطواتك، فقد ثبت في الكتاب أن الأرجل ستشهد يوم القيامة وتقول: أنا ذهبت وأتيت؛ لأنك بالقدمين تسعى إلى كل خير، كذلك راقب الله في الخطرات واجعل هواك تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من أسماء الجنة الجنة

من أسماء الجنة الجنة فأول اسم من أسماء الجنة كلمة الجنة، والجنة: ما يستتر أهلها بداخلها كالبستان، وسمي الجن جناً لأننا لا نراهم، وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام:76] فقوله: (جن عليه الليل) يعني: ستره الليل، وذاك إنسان مجنون، أي: مستور العقل، ولذلك جيء برجل وقيل: يا رسول الله! هذا مجنون فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا: مجنون، وقولوا: مصاب، إنما المجنون من سُتر عن رحمة الله عز وجل) فالمجنون: هو المنحرف.

من أسماء الجنة دار السلام

من أسماء الجنة دار السلام كذلك تسمى بدار السلام، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25] وذلك لقوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26] وللمؤمن في الجنة أربعة أبواب: باب يدخل عليه زوجاته من الحور العين، وباب يدخل عليه منه الغلمان والخدم، قال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]، وباب تدخل عليه منه الملائكة، وباب يدخل هو منه على الله عز وجل، فالملائكة تنادي، كما قال تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24]، والغلمان يسلمون، والحور العين يسلمن، وأصحابه الذين كانوا في الدنيا يدخلون معه ويسلمون، ثم ينادي منادٍ من قبل العلي الأعلى: والآن يسلم عليكم ربكم {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58] فهذا السلام من الله عز وجل لعباده، إذ يقول الله لهم: سلام عليكم يا عبادي! إني أحللتكم دار المقامة من فضلي، وإني قد رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟ فيقولون: يا رب! وكيف لا نرضى وقد أحللتنا دار المقامة من فضلك لا يمسنا فيها نصب ولا لغوب؟! فيقول: يا عبادي! ولدي المزيد. فيقولون: يا مولانا! وهل هناك مزيد أكثر من هذا؟ فيقول: سوف أبيح لكم وجهي فتنظرون إليه بكرة وعشياً. قال سبحانه: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26]. وقال سبحانه: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10]. المؤمن في الجنة يكون جالساً على أريكة: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] أي: حشوها حرير، والبطانة غير الظهارة، هذا هو شكلها من الداخل، فكيف يكون شكل خارجها؟ إن الذي يدخل الجنة له فيها ما يشاء، فلو رأى مثلاً كبشاً أقرن في الجنة فقال: لو أن هذا الكبش ينزل فآكله مشوياً فهناك كلمة لو قالها لوجد الكبش مشوياً على طبق، هذه الكلمة هي: (سبحانك اللهم) وليس هذا فقط، بل إن أنهار الجنة ليس لها حواف ولا شاطئ. وإن أي ملك من ملوك الجنة يقال له: السلام عليك أيها الملك! طوبى لك منزل الملوك عند ملك الملوك سبحانه، فأنت أيها المسلم! إذا اجتنبت ما حرم الله عليك في الدنيا، فاجتنبت الأكل في أواني الفضة والذهب، فسيعوضك الله خيراً منها في الجنة، قال تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، ففي الجنة أنهار من خمر لا غول فيها ولا تأثيم، لا تغتال العقول ولا تجعلك تنام، وأنهار من عسل مصفى، فعسل الدنيا مختلط بشمع النحل، أما عسل الآخرة فهو مصفى، لأن الله لم يأت به من النحل، وإنما أتى به من عنده هو. وفي الجنة كذلك أنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من ماء غير آسن فهي مياه جارية من أنهار متفجرة وعيون متفجرة، فإن أردت مثلاً عصير الرمان، وتقول: أنا أريد عين رمان، فما عليك إلا أن تقول: سبحانك اللهم وتضع يدك على أرض الجنة فيفجر الله لك عين رمان، قال تعالى: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6] لماذا؟ A { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:7 - 9]. فإن أردت عصير تفاح وجدته، وإن أردت لبن عصفور وجدته، يقول الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر:34]. ومعنى كلمة سلام: هو سكون النفس والطمأنينة، والذي لا يجد سلاماً نفسياً لا يستطيع أن يعيش مع الناس في سلام، والسلام يأتي من السكينة، ولذلك قال الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] فإذا كنت تعيش في سلام وامرأتك تعيش في سلام؛ فالبيت كله سيعيش في سلام، وإن كان جيراني يعيشون في سلام، فإن كل الحي يعيش في سلام، إذاً: كل أهل المدينة يعيشون في سلام وكل العالم الإسلامي يعيش في سلام. فإن كان بيتي لا يعيش في سلام ولا جاري ولا جار جاري، فإن المدينة كلها لا تعيش في سلام، فتجد الأخ يؤذي أخاه ويفتري عليه؛ لأنهم لا يعيشون في سلام؛ ومن ليس عنده سلام نفسي لا يستطيع أن يعيش؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فإن الجماعات التي تعيش في صراعات نفسية تفتقد السلام النفسي. يحكى أن واحداً من كبار التابعين ذهب يزور أخاً له، فلما جاء إلى بيته قال: أين فلان؟ فقيل له: في بستانه، فاتجه إلى البستان فرأى أخاه تحت شجرة عنب، فرحب به وأعطاه عنقوداً مغسولاً وجعله في طبق، فأكل الضيف الأولى قبل أن تستوي فلم يمتنع من أكله حياءً، واستمر على ذلك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع كان صاحب العنب قد سمع درساً يقول: إذا كنت صائماً صيام تطوع وزارك أخوك المسلم وجعلت له أكلاً فكل معه؛ لكي تدخل عليه السرور، فإدخال السرور على المسلم فرض وصومك سنة، والفرض مقدم على السنة. فأراد صاحب العنب أن يطبق الدرس فأكل أول واحدة من قطف العنب ولم يستطع تحملها، فقال لضيفه: وأنت تأكل من هذا منذ أن جئتني؟ قال: نعم، قال: لماذا لم تخبرني؟ قال: خفت أن يدخل في نفسك شيء، وتظن أنك قد آذيتني وما آذيتني؛ لأني قد صبرت على ما ابتليت به.

من أسماء الجنة دار الخلد

من أسماء الجنة دار الخلد من أسماء الجنة: دار الخلد؛ لأن الذي يدخلها لا يخرج منها ولا يموت، قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [هود:107]. وكان العرب عندما يتحدثون عن ديمومة شيء يقولون: ما دامت السماوات والأرض؛ لأن العربي نشأ بين السماء والأرض، ونحن في المدينة وللأسف نرى العمارة العالية والسقف القريب، لكن العربي نشأ في الصحراء فوجد السماء فوق، فكان ذلك دليلاً على تعبيره أن الأمر دائم، فيقول: ما دامت السماوات والأرض، قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] فهذا دليل على الاستمرارية، فهي دار الخلد. وفي الحديث: (يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت) لكن خلود أهل النار - والعياذ بالله - خلود آخر قال تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74] أما أهل الجنة فهو خالد حي لا يموت.

من أسماء الجنة دار المقامة

من أسماء الجنة دار المقامة دار المقامة اسم من أسماء الجنة، قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:34 - 35]. والمقام: هو النزل، والنزل عند العرب: ما يعد للضيف. إذاً: دار المقامة أقام فيها خير قيام. وسميت دار المقامة؛ لأنه يقيم فيها ولا يسافر ولا يهاجر ولا يتركها، اللهم اجعلنا من أهل دار المقامة يا رب العالمين! قال تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} [فاطر:35] أي: لا يمسنا فيها تعب الدنيا من مواصلات وأولاد وزوجات وجيران وغير ذلك، وكل هذا لا يأتيك، ولن تشعر بتعب أبداً ولا بكسل، ولا خمول ولا اكتئاب ولا حزن، ولا مني ولا بصاق ولا مخاط ولا آلام؛ إنما هو نعيم دائم وصحة دائمة وشباب دائم ونضرة دائمة وسرور دائم وفرح دائم ورضاً دائم.

من أسماء الجنة جنة المأوى وجنات عدن

من أسماء الجنة جنة المأوى وجنات عدن من أسماء الجنة: جنة المأوى، يقال: أوى الإنسان إلى المكان أي: انضم إليه. ومن أسمائها كذلك جنات عدن، يقال: عدن الإنسان في المكان يعني: أقام، وكان العربي يقول: عدنت الإبل في مكان كذا، يعني: وقفت في مكان كذا، فاللغة العربية عجيبة فالعربي يقول: صامت الشمس في كبد السماء، وصامت الإبل يعني: توقفت، وصام الإنسان أي: توقف عن الطعام والشراب والمعاشرة، ومثلها جنات عدن، يقال: عدن الإنسان من مقامه أي: أقام فيه ولم يسافر ولم يتركه، قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} [مريم:61] أي: في الدنيا، إذ الجنة في الدنيا بالنسبة لك غيب، ولذلك قال الله تعالى في أول البقرة: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والله لو كُشف الحجاب بيني وبين الله لما ازددت من الله قرباً. يروى أن سيدنا سعداً رضي الله عنه مر على سيدنا عثمان بن عفان، فقال له: السلام عليك يا عثمان! لكن عثمان لم يرد، فعاد فقال: السلام عليك يا عثمان! فلم يرد، وكرر سعد السلام مرة ثالثة فلم يرد عثمان، فمشى سعد متضايقاً واشتكى إلى رسول الله ما حصل من عثمان، قال: يا رسول الله! مررت بـ عثمان فسلمت عليه ثلاث مرات فلم يرد السلام! فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان عن ذلك، قال: يا رسول الله! ما سلّم عليّ. قال سعد: يا رسول الله! سلّمت عليه ثلاثاً. قال عثمان: والله ما سمعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سعد! أنت صادق ويا عثمان! أنت صادق) فتعجب الصحابة رضوان الله عليهم، كيف يكون كلاهما على صواب والأمران متضاربان، وأحدهما يحلف بالله أنه سلّم والثاني يحلف بالله أنه لم يسمع؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سعداً سلمَّ على عثمان، لكن عثمان لم يسمع؛ لأنه كان منشغلاً مع الله سبحانه، إذ كان يسبح الله ويذكره ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يُذكر أن علياً رضي الله عنهما كان ماشياً فرأى أبا بكر آتياً فلم يسلم عليه، فذهب أبو بكر يشكو علياً للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لِم لم تُسلّم على أبي بكر يا علي؟ قال: رأيت الليلة كأني أسير أنا وأبو بكر وعلى يميني قصر في الجنة، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لمن يبدأ صاحبه بالسلام، فسكت كي يبدأ أبو بكر بالسلام فيكون القصر له. وهذا الحديث في متنه وسنده ضعف، لكن يقال في فضائل الأعمال. وقد كان علي رضي الله عنه يعمل بأجرة عند امرأة يهودية ينزح لها ماء من بئر ويسقي لها أرضها، فأعطته ستة دراهم، فمر مسكين على علي رضي الله عنه فقال: أعطني مما أعطاك الله فأدخل علي رضي الله عنه يده في جيبه وأعطاه الستة دراهم.

من أسماء الجنة دار الحيوان والفردوس وجنات النعيم

من أسماء الجنة دار الحيوان والفردوس وجنات النعيم من أسماء الجنة دار الحيوان، والحيوان في اللغة: الحياة الدائمة، قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64]. ومن أسمائها أيضاً: الفردوس، وهو أعلى شيء في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى)، فإن الله عظيم وإذا سألت العظيم فاسأل عظيماً، فالسائل عندما يدخل على أحد كبار الأغنياء يقول له: أعطني لله ألف جنيه! وعندما يدخل على موظف صغير يقول له: أعطني ربع جنيه؟! فكل كيلة ولها كيّال. يحكى أن أعرابياً دخل على كسرى فقال كسرى: يا أعرابي! تمنَّ علي؛ فقال الأعرابي: أطلب ألف دينار، قال: أعطوه! فقيل له في ذلك، فقال: وهل هناك عدد أكثر من الألف؟! ومن أسماء الجنة جنات النعيم، قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الحج:56] والنعيم: ضد البؤس، كمن -والعياذ بالله- يقرأ الكف والخط، وقراءتهما حرام فإن الذي يقرأ الخط والكف ونحو ذلك ويعملها وهو معتقد بها فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، والذي يقرأها ويعملها بنية التسلية لا يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً. فقد يأتي شخص ويقرأ خطاً لشخص آخر ويقول: ستكون عليك سنتان بؤساً، وهذا حرام لا يجوز.

من أسماء الجنة المقام الأمين

من أسماء الجنة المقام الأمين من أسماء الجنة المقام الأمين، فأنت في الدنيا لن تكون آمناً، إما أن تكون خائفاً من غدٍ أو متضايقاً من أمس؛ لكن في الجنة تأمن من تقلبات الأيام إذ لا توجد أيام. يروى أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! أفي الجنة ليل؟ قال: (وما الذي هيّجك على هذا؟)، قال: يقول الله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:62]. فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (بل يرون نوراً يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو) فلا عشي ولا ظلمة في الجنة إنما هو نور دائم، وفي الجنة ملائكة يدخلون عليك مرات عديدة في اليوم، مع أنه لا يوجد أيام هناك، لكن يدخلون عليك في الأوقات التي كنت تصلي فيها الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويأتونك بالهدايا من رب الهدايا؛ فانظر إلى ما كنت تهديه أنت إليه وما سوف يهديه هو إليك! فالهدية التي كنت تهديها له في الدنيا إن كانت ركعتين قد شككت فيهما؛ فانظر إلى ما سيعطيك الله مقابلها من هدايا يوم القيامة، سيعطيك هدايا لا تنقطع، وأعظم هدية أن يرضى عنك رب البرية سبحانه. المقام الأمين معناه: المكان الأمين، يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] وقال: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} [الدخان:55]، فجمع لهم بذلك أمن الطعام وأمن المكان، وأعظم آية نزلت على أهل مكة وعلى المسلمين قول تعالى في سورة قريش: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4] فقد أمّن الناس على بطنها. يحكى أن أستاذاً فاضلاً كبر في السن وأصيب بالشلل، ولم يجد أحداً يأخذه إلى المسجد فكان كل يوم حتى في يوم الجمعة يريد أن يعمل خيراً، فجاء بقمح وأقفل الشرفة وأخذ يشاهد العصافير وهي تأكل، وذات مرة رأى العصافير لم تنزل فاستغرب، فاكتشف أن باب الشرفة مفتوح شيئاً ما، فالعصافير أحست أنه يعطيها الحب مصيدةً منه وفخاً، فلما لم تأمن على نفسها لم تأكل. فلا بد أن تساعد في أمن الناس في أكلها ومعيشتها وحياتها، فإنه من روّع المؤمنين روّعه الله يوم القيامة، ومن أمّن المؤمنين أمّنه الله يوم القيامة؛ وقد ثبت في الأثر أن الصحابة أرادوا أن يمزحوا مع واحد منهم في إحدى الغزوات، فأخذوا منه السيف وهو نائم، فلما استيقظ فجأة خاف وارتاع فقال صلى الله عليه وسلم (من روّع أخاه روّعه الله يوم القيامة) ولذلك أوجه نصيحة وأقول: يا سائق السيارة! أياً كنت لا ترعب الناس الذين يمشون، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في صفات عباد الرحمن: {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63].

من أسماء الجنة مقعد الصدق

من أسماء الجنة مقعد الصدق من أسماء الجنة وهو آخرها مقعد الصدق ومقام الصدق، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. فكل مقعد دائم يسمى بمقعد الصدق، وكل مقعد زائل يسمى بالمقعد الكاذب. ويحرم على المسلم أن يشرب عند أخيه شيئاً ويقول: دائماً أو سفرة دائمة؛ لأن السفرة لن تدوم ولن يدوم صاحبها، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]، فيفنى القصر ولو بعد حين، ويموت صاحبه ولو بعد حين. يروى أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وقف أمام المرآة فأعجب بنفسه وقال: نعم الملك لو كان دائماً بجانبه قهرمانه، أي: مدير مكتبه. قال له: يا أمير المؤمنين! تقول: نعم الملك لو كان دائماً، ولو كان دائماً لما وصل إليك، ولو دام لمن قبلنا لم يصل إلينا، ولو دام لنا لم يصل لمن بعدنا. فالمقعد الصدق هو المقعد الدائم الذي لا يزول بإذن الله رب العالمين. وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة_صفات أهل الجنة

سلسلة الدار الآخرة_وصف الجنة_صفات أهل الجنة إن أهل الجنة قوم اصطفاهم الرحمن لجنته، واختارهم لمرضاته، وابتلاهم لتزداد درجاتهم، وتكثر حسناتهم، وقد ذكر الله سبحانه وصف عباده المؤمنين أهل الجنة في غير ما آية من كتابه سبحانه وتعالى، وإن من أجمع وأعظم صفات أهل الجنة ما وصفهم الله به في آخر سورة الفرقان.

أهمية الحديث عن الدار الآخرة

أهمية الحديث عن الدار الآخرة الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السابعة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، نسأل الله عز وجل في بداية هذه الجلسة الطيبة ألا يجعل بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً، نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخط والنار. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم استجب دعاءنا، واشفنا واشف مرضانا، وارحمنا وارحم موتانا، أوقع الكافرين في الكافرين، وأخرجنا من بينهم سالمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم انصرنا على أعدائك أعداء الدين، اللهم أعد إلينا المسجد الأقصى، اللهم طهره من رجس اليهود، اللهم طهر بيتك المسجد الأقصى من رجس اليهود، اللهم اقتلهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم انصرنا عليهم نصراً مؤزراً، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه حلقة جديدة في سلسلة الحديث عن الجنة وما فيها، ألا وهي الحلقة السادسة بإذن الله رب العالمين، نسأل الله سبحانه لنا ولكم وللمسلمين أن نكون من أهل الجنة، وسوف نقوم في هذه الحلقة إن شاء الله بزيارة لأحد قطاعات الجنة أو طائفة من سكان الجنة اللهم اجعلنا منهم يا رب! فنحن اليوم سنقوم بزيارة لننظر إلى هؤلاء الناس ما الذي أتى بهم إلى هذا المكان؟ وقد قلت وما زلت أكرر منذ أن بدأنا في الحلقة الأولى: أن حلقات الدار الآخرة ليست دراسة أكاديمية للحشر والنشور، والبعث والحساب، والميزان والنار وما فيها، والجنة وما فيها، وإنما المسألة أكبر من ذلك؛ لأن الحديث عن الدار الآخرة حديث يمس العقيدة بالدرجة الأولى، فالإنسان الذي يواظب على جلسات الدار الآخرة ويعقلها ويتعقلها يجد أنها تمس مسألة العقيدة؛ لأنني أوقن أنني قادم لا محالة على رب كريم رحيم غفور، قهار جبار قوي، يحاسبني على صغير الأمر وكبيره، ولا أريد أن تكون هذه المشاعر أو هذه العقيدة في هامش الشعور، إنني أريدها بالنسبة لحضراتكم في مركز الاهتمام؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، فقدم الله عز وجل ذكر الموت على ذكر الحياة، مع أن العقل يقول: إن الحياة أولاً وبعدها الموت، لكن عندما يقدم الله عز وجل ذكر الموت على ذكر الحياة فإن هذا يدل على أن مسألة الموت، وهي الأساس. وقلنا: إن الذي يموت يموت عرفاً بالنسبة لنا، فعندما يقال: فلان مات فمعنى هذا أننا ذهبنا وأخذناه من البيت، ووضعناه في مكان آخر وأغلقنا عليه، فلا يأكل ولا يشرب، ولا يكلمنا ولا يعمل، ولا يكتسب ولا يكسب، وهذا إنما هو الجزء الظاهري في الموضوع، أما الجزء الأساسي فقد انتقل الميت من حياة الدنيا إلى حياة من نوع آخر. إذاً: أنا أتخيل أنه لا يسمعني، وأنا لا أسمع العذاب، ولا أرى النعيم الذي هو فيه، يعني: إن القبور التي نمر عليها عبارة عن أحجار وتراب، ولكن في داخلها إما نعيم أو عذاب، فالقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فهو إما صورة مصغرة لما سوف يراه المؤمن في جنة الرضوان، أو صورة مما سوف يراه العبد في نار جهنم. إذاً: الميت قد انتقل، وبعد أن كان يتحرك أصبح لا يتحرك، وبعد أن كان ينمو أصبح لا ينمو، وبعد أن كان يأكل ويشرب صار لا يأكل ولا يشرب، وبعد أن كان يسب وينظر صار لا يسب ولا ينظر، ولكن هل هو يسمعني؟ نعم، هل هو يراني؟ نعم، فالميت -سبحان الله- يستطيع أن يرى ويسمع. وقد قلنا من قبل: إن الأرواح الجديدة تستقبلها الأرواح القديمة، وتسألها عن أحوال أهل الدنيا؛ كيف حال فلان؟ وكيف حال علان؟ والأسرة الفلانية كيف حالها؟ والأسرة العلانية كيف حالها؟ فعندما يسأل أحدهم عن فلان، وكيف حال فلان؟ فتقول روح العالم الذي بينهم: دعوها حتى تستريح من عناء الدنيا، إنه جاء فقد كان عمره ستين أو سبعين سنة أو ثمانين سنة ونزل فجأة، والناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا ما انتبهوا ندموا، ولن ينفع الندم بعد العدم، سبحان الله. إذاً: الإنسان في الحياة الدنيا هو في حالة من النوم، وفي حالة من أحلام اليقظة، لكن اليقظة الحقة عندما ينزل القبر، قال الله له في تلك اللحظة: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] يعني: أكثر حدة، من أجل أن يرى الحقيقة بعينها، وكان العلماء يقولون له: يا أخي! يا حبيبي! لا داعي للخصام، لا داعي للمظالم، لا داعي للفوضى، اتق الله، انظر إلى حالك، انتبه أن تضيع أيامك، وينبهونك في محاضرات ولا فائدة، فأول ما يكشف عنه الغطاء يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فما أن يرى الملائكة أتت عليه، وملك الموت ينزع روحه ويسلمها للملائكة، فإن كان من أهل الجنة فملائكة الرحمة، وإن كان من النوع الثاني فملائكة العذاب. {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:26 - 27] أي: من يرقى بروح هذا؟ إن كان مؤمناً فملائكة الرحمة يرتقون بروحه، وإن كان من أهل الانحراف والفجور فملائكة العذاب. فإن كان مؤمناً قيل له: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان، ورب راض غير غضبان، هذا عندما يمشي على ما يرضي الله، وعندما لا يتفلسف، لأنه عندما تكثر الفلسفة فاعلم أن الإيمان قد قل، وأول ما تجد شخصاً يسأل في الجبر والاختيار، وهل نحن مسيرون أم مخيرون؟ فاعرف أن إيمانه ضعيف، مثله مثل التلميذ الفاشل، نسأل الله أن يبعد الفشل عن أبنائنا وأبناء المسلمين، فالولد الفاشل يضيع وقته باستمرار. وإن كان العبد فاجراً يقال له: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب؛ لأنه طوال حياته يقول الكلمة السيئة، وينظر النظرة السيئة، فهو في أعلى مستويات الكبر والفسق والفجور، يقال له: اتق الله، ارحم المسلمين، كن متواضعاً، فيعرض ويستهزئ، كلام العالم على قلبه ثقيل، وكفى بالمرء إثماً أن إذا قيل له اتق الله غضب، فذلك دليل على أن قلبه مطموس البصيرة، وإذا رأيت الرجل يأكل أو يشرب أو يضحك عند المقابر فاعلم أن قلبه قد مات، الذين يذهبون ويزورون، ويمكثون يأكلون ويشربون عند المقابر قد ماتت قلوبهم، والدولة مسئولة عن كل من يسكن المقابر ويجور على حرمة الأموات، قال صلى الله عليه وسلم: (لأن تجلس على جمرة فتحرق ثوبك فتخلص إلى جلدك خير لك من أن تجلس على قبر). فكيف بهؤلاء الذي يأكلون ويشربون ويستخدمون التلفاز ويفتحون أشرطة الكاسيت في المقابر؟ الناس قد انطمست بصائرهم فلا يرون، فهيبة الموت قد ضاعت، وصار الحانوتية الذين كان من الواجب أن يكونوا أحن الناس وأرق الناس قلوباً أبعد الناس، يتاجرون بالموت كما يتاجر أهل الطب في صحة الناس، وأهل الصيدلة في أدوية الناس، صار أصحاب الحانوتية يتاجرون في الموت، يناقش أحدهم كم سيأخذ بالضبط في قبر ميت قد مات؟! لا يرحم أهله إن كانوا فقراء، أو إن كانوا موظفين محدودي الدخل، فليتقوا الله رب العالمين، وإلا فلن يجدوا من يرحمهم يوم القيامة: (من لا يرحم لا يرحم)، (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). إذاً: مسألة الدروس عن الدار الآخرة تمس العقيدة من أولها إلى آخرها، فمثلما تكلمنا عن النار وأهلها والعياذ بالله نتكلم عن الجنة وأهلها، ما صفة هؤلاء الناس؟ من الذي سيدخل الجنة؟ يقول أحد السلف: عجبت من النار كيف نام هاربها، وعجبت من الجنة كيف نام طالبها، ألا إنما الجنة محفوفة بالمكاره، ألا إنما النار محفوفة بالشهوات والملذات، يعني: الجنة قبلها عقبات حتى تصل إليها، وهي عقبات كثيرة تحتاج إلى صبر وتوكل وصدق ويقين، وثقة بالله عز وجل، وتحتاج إلى استماع لأوامر الله، ومجالسة لأهل العلم، وزيارات متكررة لبيت الله سبحانه، تريد أن يعود الإنسان نفسه على ذكر الله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] ليتشبه بملائكة الرحمن سبحانه؛ لأن سيدنا الحبيب ليلة المعراج قال: (رأيت آلافاً من الملائكة قياماً لا يركعون، وآلافاً أخرى راكعين لا يرفعون، وآلافاً أخرى ساجدين لا يقومون) وبعد هذه العبادة كلها يحشرون مع العباد يوم القيامة، وأول من يتكلم الملائكة، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! لأن الله تجلى عليهم بنوره، وهم يعرفون مقام الله؛ ولذلك حتى حملة العرش الثمانية، يقول الأربعة الأولون: سبحانك على حلمك بعد علمك. والله عليم بكل شيء، فلو أن ورقة في شجرة وقعت في القطب الشمالي فهي مكتوبة عنده في كتاب، ولو أن حبة قمح مغموسة في الرمال لا أحد يراها، فإن الله يراها، فهي مكتوبة عنده في كتاب. وقد رأى رسول ا

صفات عباد الرحمن

صفات عباد الرحمن أيها الإخوة! إن من ضمن قطاعات سكان الجنة قطاع عباد الرحمن، فعباد الرحمن في درجة عالية، ولهم ثلاث عشرة صفة، سأشرحها إن شاء الله، وكل واحد منا يبحث عنها هل هي موجودة فيه كلها أم بعضها؟ وقد يوجد فينا من تتوفر فيه هذه الثلاث عشرة نسأل الله أن يبارك فينا ويهدينا جميعاً سواء السبيل، لا حجر لفضل الله، فسيدنا علي كان يقول: يا رب قطرة من فيض جودك تملأ الأرض رياً، ونظرة من عين رضاك تقلب الكافر ولياً. لأن الله عز وجل عندما يرضى فليس لرضاه نهاية، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:18]. فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب لما ماتت وغسلوها وكفنوها قال صلى الله عليه وسلم: انتظروا، فنزل في قبرها وفرش عباءته، ثم اضطجع قليلاً في القبر، وخرج وترك العباءة، ثم قال: أدخلوها، قالوا: لماذا فعلت هذا يا رسول الله؟ إن فاطمة بنت أسد هي أم سيدنا علي أسلمت، وأبو طالب زوجها لم يسلم، لحكمة يعلمها الله، فالصحابة سألوا رسول الله عن هذا الفعل؟ فقال: (لقد كانت أبر بنا)، انظر إلى عدم نسيان الجميل! ليس كل الناس ينكرون الجميل، يعني: لا تحتقر جميلاً أو معروفاً صنعه فيك أخوك، لأن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (يا نساء الأنصار لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة). وفرسن الشاة: هو حافر الماعز فلو أن امرأة أحضرت لصاحبتها حافر ماعز تقول لها: بارك الله فيك؛ لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، اشكروا من أجرى الله النعمة على يديه، وإن عز أخوك فهن؛ يعني: أخوك يعاملك بشكل جيد مدة سنتين، ثلاثة عشر عاماً، عشرين عاماً، وأخطأ خطأ، فلا داعي إلى أن تأخذ منه موقفاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة! الدين النصيحة! قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). يا فاطمة بنت أسد! هنيئاً لك؛ فإن الرسول ذاكر لك الجميل، قال: (فرشت عباءتي حتى يخفف الله عنها من ضمة القبر، ونمت في مكانها قبل أن تلحد -يعني: قبل أن تدفن-، حتى يثبتها الله عند سؤال الملكين) فالنبي صلى الله عليه وسلم شفع لها هنا، لكن قبل أن يشفع لها كانت من أهل الخير والصلاح، فعملها هو الذي شفع لها؛ ولذلك لم يكن الرسول يتدخل إلا إذا أذن الله له. اللهم شفع فينا نبينا يا رب! اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، آمين يا رب العالمين!

من صفات عباد الرحمن التواضع

من صفات عباد الرحمن التواضع يقول الله عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]. قد يقول قائل: الحمد لله كلنا هكذا، وأقول: لا، إنني أتمنى أن أجد رجلاً مصرياً يمشي على الأرض هوناً، ولو وجدته فلن أقبل يده فقط، بل سأقبل رجله؛ لأنه دخل تحت طائفة عباد الرحمن، ونقول هذا الكلام لأننا في ساعة الرضا قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا فلو أن امرأة تحب زوجة ابنها على سبيل المثال، فإذا فعلت زوجة ابنها أي خطأ فإنها تتغاضى عما حصل، وكأنه لم يحصل شيء، ولنفرض أن أم الولد غضبت على زوجة ابنها، فهل ستتغاضى عن خطئها؟ لا، تصير حسنات زوجة ابنها عيوباً، مثلما قال الشاعر: إذا صارت حسناتي اللاتي أدل بها لديك عوراً فقل لي كيف أعتذر؟ إذا كان القليل من الأخلاق التي أتخلق بها وأظن أن فيها خيراً والحمد لله تعتبر عندك عيوباً فكيف أعتذر لك؟ وكما قال الشاعر العربي عندما قال: إذا مرضنا أتيناكم نعودكم وتخطئون فنأتيكم فنعتذر نعم، هناك كبر بهذا الشكل، سبحان الله، فعندما ينصحك أخوك فتواضع، أين عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً؟! وكلمة (هوناً) معناها: الشيء الهين اللين السهل الخفيف، يقول صلى الله عليه وسلم: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)، ما معنى هذا؟ معناه: عندما تحب شخصاً لا تبالغ في حبه فتنقلب المحبة إلى العداوة، وكذلك العداوة يقول الشاعر: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة ولكن هناك نقطة: عندما تكون المحبة في الله فلن يحصل خصام، وكيف تعرف أن هذه المحبة ليست لله؟ عندما تأتي وتنصح أخاك فيأخذ عليك في نفسه، وهذا معروف في الواقع، لكن هناك أناس ينكرون أصل الواقع، ولو أن أحداً قام بنصيحة أحدهم لا يقبل، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل. (أحب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض عدوك هوناً ما) عندما تقع مشكلة بينك وبين زوجتك ويحضر أهلها، لا تذكر كل مساوئها، لا تكشف المستور بينك وبينها، لأنه إذا اصطلحتم كيف سيكون ماء وجهك أمامها؟ إلا إذا كنت لا تستحي فاصنع ما شئت! عائشة وحفصة تكلمتا كلمتين ليستا لائقتين، فأتى إليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهن بعضاً من الكلام الذي تكلمن فيه، قال تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم:3] أي: لم يذكر كل ما قلنه، فقلن: من أنبأك بهذا؟ سبحان الله! إنه سؤال غريب جداً، فقال: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3] الشاهد أن الرسول أعرض عن الأشياء التي لا داعي لذكرها، ومثل سيدنا يوسف عندما فسر الرؤيا للملك: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف:54]، فذهب إليه الذاهب يجري وقال له: يوسف أيها الصديق إن الملك يريدك، فسيدنا يوسف كان يجوز له أن يقص الرؤيا بأجرة، ولكنه فسرها لهم بلا مقابل، فعندما ذهب إليه قال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف:46 - 47] ففسر الرؤيا مباشرة، ولو كان شخصاً غيره فسيقول: أعطني الأمان، واسمع إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لو كنت مكان أخي يوسف لطلبت أن أخرج قبل أن أؤول الرؤيا)! قال الملك: ائتوا به، فلما أتى لم يقل له: إن امرأتك عملت وفعلت، والنساء عملن، وكن يغازلن ويقلن كلاماً ليس لائقاً، وإنما قال له: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف:50] هذا هو الأدب! وهذا أحد السلف طلق امرأته فقال له شخص: لماذا طلقت امرأتك؟ قال: إن المؤمن لا يخرج أسرار بيته خارجه، فلما انقضت العدة وتزوجت غيره، أتى له من بعد وقال له: إن المرأة قد انقضت عدتها وتزوجت، فلماذا طلقتها؟ فقال: أنا لا أتكلم عن زوجة غيري. هذا عدي بن حاتم الطائي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، وقال: من لقي عدياً فليقتله، وليس له دية؛ لأنه كان قد شتم الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما وقعت سفانة بنت حاتم الطائي أخت عدي في الأسر، أحضروا الأسرى وعرضوهم على سيدنا الحبيب، فدخلت سفانة وقالت: يا محمد! خل سبيلي، فك أسري، أنا ابنة أكرم رجل في العرب، أنا ابنة الرجل الذي كان يوقد نيرانه للضيف، كان يقري الضيف، ويعين الكل -الضعيف- ويغيث الملهوف، ويعين على نوائب الدهر، فقال الحبيب: (يا جارية! والله إن هذه لأخلاق المسلمين، ولو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا سبيلها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق). فلما عادت إلى طيء قالت لـ عدي: يا عدي! إن محمداً ينزل الناس منازلهم، وهو غير الذي تظن فيه، فلو أنك ذهبت إليه لعفا عنك، وهل يعقل هذا؟ نعم يعقل، قال: ومن الذي يؤمنني؟ قالت: لن يؤمنك أحد غيره، فدخل المدينة، ولم يعرف بنفسه. فلما وصل إلى الحبيب وقف على عتبة الباب، وكان أبو بكر جالساً بجانب الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يلاحظون أن أبا بكر لا ينزل عينيه من عيني سيدنا رسول الله، كان دائماً يحب ثلاثة أشياء كما قال: أحب الجلوس بين يديك، والنظر إليك، وإنفاق مالي عليك، فهمس أبو بكر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هذا عدي بن حاتم الطائي يقف بالباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى وجه عدي فوجده آتياً بوجه غير الوجه الذي كان يشتمه به، فخلع الرسول صلى الله عليه وسلم عباءته وأعطاها عدي وقال: اجلس يا عدي هاهنا، فجلس عدي ووضع عباءة الحبيب صلى الله عليه وسلم على رأسه، هل رأيت مثل هؤلاء الناس؟ الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كان في بلاد فاس في المغرب، فرأى في المنام إبليس عرياناً وقال له: يا لعين! ألا تستحي من الناس؟! أليس هذا عيباً عليك؟! فقال له: هل هؤلاء أناس يا أبا الحسن؟! أتظن أن الذين تراهم أناس؟ فقال له: فأين الناس إذاً؟ قال له: الناس الذين هم في مسجد الشونازية في بلاد فاس في المغرب. فقام من الرؤيا وجهز متاعه وركب واتكل على الله، فسافر مدة شهرين يريد أن يبحث عن الناس، فلما وصل مسجد الشونازية دخل ووجد خمسة جالسين بعد صلاة العصر يضعون خدودهم على كفوفهم، قال: فدخلت عليهم فقالوا في صوت واحد: يا أبا الحسن! لا يغرنك كلام اللعين في الرؤيا، إذاً هم أناس أم ليسوا بأناس؟! نعم، تجد بعض الناس إذا قرأ كتاباً في العلم قال لك: أبو حنيفة رجل وأنا رجل، أنت رجل؟ أنا لا أرى أنك رجل، ولا داعي لهذا الكلام أن يذكر في حلقات الآخرة. إذاً: من صفات أهل الجنة {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]. وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بأن يمشي الإنسان رويداً لا يجري، لكنه كان له طبيعة خاصة، فإنه حين كان يمشي فكأنما يتحدر من صبب، أي: كأنه نازل إلى السفل، وكان يسير كأنما يتقلع تقلعاً، يرفع رجلاً ويضع رجلاً هكذا كان صلى الله عليه وسلم! سيدنا عطاء بن أبي رباح أحد التابعين رحمه الله قال: والله ما التقيت بأحد إلا وظننت أنه خير مني، ونحن اليوم للأسف الشديد تجد الأخ ملتحياً ويمشي في الشارع، وآخر حليق اللحية يسلم عليه فلا يرد عليه السلام، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]! وهنا نقطة مهمة: لا تعير أخاك بالذنب فيعافيه الله ويبتليك، فانتبه أن تقول: فلان هذا لا يصلي وتستحقره أو تشتمه، ولكن قل: هداه الله، وادع له في ظهر الغيب، وذكره بالله واضحك معه وقل له: ما لك يا أخي لا تأتي لصلاة العصر؟! سيقول: يا أخي! إن وقت صلاة العصر وقت لعب كرة، فقل: يا أخي هي خمس دقائق تحضرها ثم عد، يعني: كن معه حنوناً، ليس بأن تقول له: تنشغل بالكرة! والله لن تفلح، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]. جيء بـ نعيمان وهو يشرب الخمر، كلما أحضروه ضربوه بالنعال أمام رسول الله، فسيدنا عمر قال: أخزاه الله، أو لعنه الله، كم يؤتى به! فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه يا عمر! إنه رجل يحب الله ورسوله)، فقال نعيمان: ادع لي يا رسول الله! فوضع يده على اليد التي تمسك الكأس، والفم الذي يشرب- وقال: (اللهم اغفر ذنبه واهده)، فترك نعيمان شرب الخمر. الرجل الذي أتى وهجا الحبيب في وجود الصحابة، قال: إنني لم أرض عن محمد، فكان الصحابة يريدون الفتك به، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطاه فلم يرض، ثم أعطاه وقال: (أرضيت يا أعرابي؟ قال: نعم رضيت، فقال: قل للصحابة أنك رضيت، قال: يا صحابة محمد! قالوا: نعم، قال: قد رضيت عن محمد) انظر إلى وصف الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إنما مثلي ومثل هذا الرجل كمثل رجل له ناقة شردت، فتبعها الناس فما زادوها إلا نفوراً، فقال الرجل: يا قوم! خلوا بيني وبين ناقتي فجعل يجمع لها من قمام الأرض في حجره حتى جاءت، فناخت وا

من صفات عباد الرحمن الصفح عن الجاهلين

من صفات عباد الرحمن الصفح عن الجاهلين الصفة الثانية: قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]. ومعنى (سلاماً) أي: سلامة منكم ومن جهلكم، من هم هؤلاء الجاهلون؟ أي إنسان بعيد عن الله فهو جاهل ولو كان حاصلاً على أعلى الدرجات العلمية، طالما أنه بعيد عن الله فاسمه جاهل، الذي عنده خشية من الله هو أعلم العلماء، فإنما العلم الخشية، وليس العلم كثرة الرواية. قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}. وهذا الحسن البصري عندما قال له شخص: يا فاجر، قال له: بارك الله فيك، فقال له: يا منافق، قال له: سامحك الله، قال له: يا زنديق، قال له: أكرمك الله برحمته، فالرجل قال: لا، الظاهر عليه أنه بارد الأعصاب لا يغضب، فمشى، ثم إن الحسن البصري قال له: لقد أخبرتني عن ثلاث صفات سيئة فقط، وعندي صفات غيرها أتريد أن تعرفها؟ فقال له الرجل: لو قلت لي كلمة لقلت لك عشراً، فقال له الحسن البصري: وأنت لو قلت لي مائة كلمة ما قلت لك كلمة، لم يكن هؤلاء يبحثون عن راحة أنفسهم، وأعصابهم كانت هادئة، لا تجد عندهم تصلب شرايين، ولا ضغطاً، ولا توتراً عصبياً. يقول الله عز وجل في حديثه القدسي: (ابن آدم! لو سمعت وصفك من غيرك لاحتقرت نفسك، وأنت لا تدري من الموصوف) لو سمعت صفتك وأخلاقك من شخص غيرك تقول: يا خسارة عليه، إنه كذا وكذا، وهو أنت، سبحان الله! الواحد منا لابد أن يعيد حساباته. قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63] قوله: ((قَالُوا سَلامًا)) أي: سلامة وتسليماً منكم أيها القوم الجاهلون! فالجاهل كل من هو بعيد عن الله، ولذلك سميت فترة العصر الذي قبل الإسلام بالجاهلية، العصر الذي فيه البعد عن الله وعبادة الأوثان، وهذه الجاهلية لا تخص عصراً بذاته، وإنما تعم كل انحراف للأمم بعيداً عن منهج الله فهذه اسمها جاهلية، حتى وإن كان في القرن الواحد والعشرين، طالما المجتمعات بعيدة عن الله فهي جاهلية. إذاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]، فقد تجد شخصاً يضربك بسيارته، ثم تسمع منه الشتائم فاصبر، وعود نفسك على الصبر، يقول لك: يا كذا، قل له: بارك الله فيك يا أخي، هو يشتم، وأنت ترد عليه بأدب، لكن أحياناً شتائم غريبة، ولا نراها في أي دولة، لا في أوروبا ولا في أمريكا، لم تفتح الإشارة بعد، وإذا به يضغط على هاون السيارة والناس ينظرون إليه، وهو لا يبالي.

من صفات عباد الرحمن كثرة السجود والقيام

من صفات عباد الرحمن كثرة السجود والقيام قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]. تجد أناساً بعد نصف الليل مستيقظين ينظرون إلى المسرحية لكن عباد الرحمن يسهرون الليل قياماً يصلون لينوروا قبورهم، ولقد كان يسمع في المدينة لبيوت الصحابة أزيز كأزيز النحل، كلهم يقومون الليل يصلون، وكلهم يذكرون الله، كلهم يسبحون الله؛ ولذلك قال تعالى: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]. وكان الحسن البصري يقول: هذه ليلة الوقوف، فيقف يصلي في الركعتين بسبعة أو ثمانية أجزاء، ويأتي في اليوم الثاني ويقول: هذه ليلة الركوع، فيظل راكعاً طوال الليل، والليلة التي بعدها يظل ساجداً. وهذا أبو حنيفة يقال له: يا أبا حنيفة! في كم تختم القرآن؟ قال له: في الصلاة أم خارج الصلاة؟ فقال: في الصلاة، قال: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟! ويأتي إليك طالب علم صغير يقول لك: نعم أبو حنيفة رجل وأنا رجل! إذاً: أبو حنيفة كان له ختمة في صلاة الليل وختمة في صلاة النهار، وختمة خارج الصلاة! فالعبد المسلم لابد أن يتخلق بقوله: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ} [الفرقان:64] وهي تكون صعبة في البداية، فيصلي ركعتين أولاً، ثم بعد ذلك يصلي أربعاً، ثم ست ركعات، ثم بعد ذلك يصلي نصف ساعة، ثم بعد ذلك تكون ساعة، وستتعود بعد ذلك على النوم القليل، تأكل قليلاً، وتنام قليلاً، وتذكر الله كثيراً، وإن أكلت كثيراً، ونمت كثيراً، ندمت طويلاً.

من صفات عباد الرحمن التعوذ من النار

من صفات عباد الرحمن التعوذ من النار الصفة الرابعة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65]. ما معنى غراماً؟ الغريم: هو الملازم، يعني: أن عذابها ملازم للمعذبين والعياذ بالله! قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:65 - 66] سبحان الله! وهل يستعاذ من النار بالكلام أم بالعمل؟ بالعمل، نحن قلنا: إن الذي يدخل العبد النار العمل السيئ، مثل الكبائر، وأول شيء يقع في الكبائر اللسان، اللسان فيه أربع كبائر: الكذب، وشهادة الزور، واليمين الغموس، والحالف بالله كاذباً، والغيبة والنميمة، وهذه كبائر لكن ليس لها حد، يعني: لو كانت شرب خمر، أو فواحش سيكون فيها جلد ورجم، لكن هذه كبائر ليس فيها حد، فمن الذي تاب منا من هذه الأربع؟! وكبائر العينين النظر إلى ما حرم الله، الإمام الشافعي رضوان الله عليه وقعت عينه على كعب امرأة، ليس كمثل بعضهم في عمله يعرف وجه السيدة مرجانة، والموظفة زميلتك، وتعرف تفاصيل حياتها أنت أكثر من زوجها، وهذا للأسف بسبب أن الحياء قد نزع من القلوب، وهي تشتكي لك وأنت تشتكي لها من امرأتك، وأسرار الأسر تخرج في المكاتب، نسأل الله السلامة! فالإمام الشافعي يقول: وقعت عيني على كعب امرأة فقلت حصيلة الحفظ عندي. فذهب إلى وكيع وقال له: إن حفظي قد ساء فقال له: لابد أنك عصيت الله يا شافعي! فقال الشافعي رحمه الله تعالى: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي وخرج الإمام أحمد بن حنبل ليصلي صلاة العصر، فلما خرج من البيت رأى في الطريق الريح رفعت جلباب امرأة ونظر إلى كعب رجلها، فوضع العباءة على وجهه وعاد إلى بيته، وقال: هذا زمان الفتن؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن ترخي جلبابها ذراعاً إلى الأرض، فجاءت امرأة وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الثياب إذا طالت إلى الأرض قد تصيبها النجاسة فقال: (ألا تمرون على أرض جافة؟ قالت: بلى يا رسول الله، قال: هذا يطهر هذا). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العين تزني وزناها النظر)، والنظرة سهم من سهام إبليس، وإذا غض العبد بصره يجد حلاوته في قلبه، وتنطق الحكمة على لسانه، قال الشاعر: كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر تجد الموظفات والموظفين في المكاتب: فلانة أحلى من فلانة، وفلانة أجمل من فلانة، نسأل الله السلامة، وآخر يقول: إن امرأتك كانت تمشي في الشارع، وما يدريك أنها امرأته؟ إذاً: هذه العين من زناها النظر إلى ما حرم الله. ومن الكبائر التي تقترفها العين النظر إلى المسلم باستهزاء أو سخرية أو كبر أو عدم قبول النصيحة، ينظر إليه بازدراء ويقول: إنني نظرت إليه بنظرة أحرقته! كذلك من الكبائر التي تقترفها العين الحسد، إن الحسد ليدخل الرجل القبر، ويدخل الجمل القدر، مثلما قلنا في الحلقة الماضية، فارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس: ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في صنعه لأنك لم ترض لي ما وهب فجازاك ربي بأن زادني وسد بوجهك باب الطلب الحسود كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، النار عندما لا تجد ما تحرقه تحرق نفسها مباشرة، فهكذا الحسود يأكل نفسه حتى ينتهي، ولن يأخذ إلا ما قدر له. أنا أحدثك عن الكبائر من أجل آية: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:65 - 66] أي: بئس المستقر وبئس المقام! من الكبائر التي تقترفها اليدان: الرشوة، والسرقة، وأنا أشك أنه لا يوجد هناك مصلحة في مصر إلا ويوجد فيها رجل مرتش، وسيدنا موسى يقول: يا بني إسرائيل! إن الله لن ينزل علينا المطر من أجل شخص عاص موجود بيننا، فكم من مرتش في مصر! كم من ظالم في مصر! من القمة إلى القاع كلهم أهل رشوة، وينتظرون رحمة الله، المسألة صعبة، المسألة تحتاج إعادة نظر كل منا في نفسه. قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور:31] نريد أن تكون منهاج عمل في أنفسنا وفي بيوتنا وعلى نسائنا وأقاربنا، وهكذا نكون دعاة خير، نمثل صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. كذلك من الكبائر: إيذاء المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (من رفع على أخيه حديدة فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله). وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل يا رسول الله! فما بال المقتول؟ قال: كان حريصاً على قتل صاحبه)، ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: (لزوال الأرض والسماوات وما فيهن أهون عند الله من قتل عبد مسلم)، قال تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32] لأن القاتل عندما يقتل شخصاً عنده أمل في أن يقتل البشرية كلها في صفة هذا الشخص، فيا ويل الذين يقتلون الناس مادياً ومعنوياً! فإن هناك أناساً يقتلون الناس معنوياً، يغضبونه في عمله حتى إن الرجل لا يطيق الشغل ولا الوظيفة حتى يأتي له الجنون، فينقلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية نتيجة الأمراض النفسية التي أصيب بها، هذا نوع من القتل، وهو أنكى وأصعب، فوالله إن الذي يقتل برصاصة أو بحادث سيارة أو بسكين أو بسم لأهون من الذي يقتل كل يوم! ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت يعيش كئيباً كاسفاً باله قليل الرجاء وعندنا خطأ في كثير من الاصطلاحات، اليتيم: من مات أبوه دون سن البلوغ، لكن شوقي له نظرة أخرى جميلة جداً، يقول: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً الأم تخرج إلى العمل في الصباح الساعة الخامسة، والأب يخرج إلى العمل الساعة العاشرة بالليل، والأولاد يتربون عند الجيران أو في الشارع، ويكون معهم المفتاح أو ليس معهم مفتاح، تراهم عاكفين على الفيديو أو على أي ضلال، وتأتي في الأخير فتجني ثمرة غفلته عن تربية ابنه، وتجني ثمرة عملها نتيجة تقصيرها في تربية ابنها، لا تغضب الموظفات علينا، إننا ما أردنا لهن إلا الخير، ونسأل الله أن يهدينا جميعاً، والله عز وجل سيبارك في القليل، المرأة الموظفة عندما تجلس في البيت، وبدلاً من أنها تريد ثلاثة أو أربعة أحذية في السنة، فإن حذاء واحداً يكفيها طوال السنة، و (فستانان) تمشي بهما الحال، لكن أن تذهب كل يوم وهي لابسة لبساً جديداً، فلماذا تحمل زوجها ما لا طاقة له به؟! ولننظر إلى الكبائر التي في القلب، القلب يغش المسلمين، ويعامل الناس على غش: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب لا خير في ود امرئ متقلب يهفو إليك وقلبه يتقلب يلقاك بوجه أبي بكر وبقلب أبي جهل، ونحن لا نريد هذا، إنما نريد الصدق، فلا تأخذ في نفسك على أخيك المسلم، فيكفي أنه سلم عليك وزارك، فإنه يزول ما بينكما، لكن لو كان في قلبك غش لا ينفع. كذلك الظن السيئ بأخيك المسلم، تقول: فلان يتكبر علينا، وفلان عمل كذا وكذا! فأقول: لا تظن الظن السيئ، وإذا عرف السبب بطل العجب، ولا تنظر من (البلكونة) الساعة واحدة بالليل وتلقى جارتك آتية وهي مهمومة، أبوها مريض، وزوجها حصل له مشكلة، لم يلق أحداً يحضر الدواء فتظن بها سوءاً، قال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]. لكن أنت لا تضع أهلك ولا نفسك مواضع الشبهات، سيدنا الحبيب كان يمشي مع السيدة صفية فلقي ثلاثة من الصحابة فنظروا إليه، فالرسول رجع بالسيدة صفية، وقال: هذه صفية زوجتي، قالوا: يا رسول الله! أنشك فيك؟ قال: ليكلا تهلكوا؛ لأنهم لو شكوا في الرسول هلكوا. احم نفسك من نفسك، لا داعي للظن السيئ، التمس لأخيك من عذر إلى سبعين عذراً، فإن لم تعرف له عذراً فقل: عسى أن يكون له عذر لا أعرفه، قل: يا أخي! يمكن أنه متضايق، لعل أصحاب الأمن أزعجوه. إذاً: التمس لأخيك الأعذار، الأخ يمكن أن أولاده يتعبونه في البيت، يمكن أن امرأته مريضة، ويمكن أن عنده مشاكل وأنا لا أعرفها، يمكن هناك سبب أصلاً أنا لا أعرفه. كذلك من الكبائر القلبية المكر السيئ، قال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]. ولننظر إلى كبائر البدن كله، من كبائر البدن عقوق الوالدين، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه، ولن يدخل النار بار بوالديه، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة. كذلك من الكبائر التي تقترفها الأذن الاستماع إلى الأغاني واللهو والفوضى والرقص والكلام الفارغ وغيره، إن هذه الأذن هي التي تقربك من الله سبحانه وتعالى، استخدمها في طاعة الله.

من صفات عباد الرحمن الإنفاق دون إسراف أو تقتير

من صفات عباد الرحمن الإنفاق دون إسراف أو تقتير قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]. أول ما نتحدث عن الإنفاق للأسف يقع في ذهنك موضوع النقود، يا أخي! إن الإنفاق ليس مقصوراً على المال، إن نفقة المال هي إحدى النفقات، فعندما تنفق من كلامك لا تتكلم كثيراً، وعندما تحب أن تنصح لا تكثر جداً ولا تقلل جداً، فإن الأمة المحمدية أمة وسط، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] فخير الأمم أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهناك شخص يكون سفيهاً، ينفق أكثر مما يملك، فهذا سفيه، وشخص آخر والعياذ بالله بخيل، وكلاهما شر، والخير هو أن يعيش العبد على قدر نفسه (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) عندما تكون رجلاً غنياً، فإن الله يحب أن يراك لابساً ثياباً جيدة، وراكباً مركباً جيداً، وساكناً سكناً جيداً؛ فإن الله يزيدك، وإذا لم يعطك يحب أن يراك صبوراً، قنوعاً شكوراً، متوكلاً على الله، تعرف أن الله عز وجل سوف يعوضك يوم القيامة؛ ولذلك قال: (إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل أغنيائها بنصف يوم) وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون؛ لأن الفقير لا مال له يحاسب عليه، ولذلك قال أحد الجالسين: أنا فقير يا رسول الله! قال له: أئن تغديت بقي عندك للعشاء وإن تعشيت بقي عندك للصباح؟ قال له: نعم، قال له: إذاً لست بفقير. وقال الثاني: أنا يا رسول الله فقير، إنني إذا تغديت لا يوجد عندي للعشاء، وإذا تعشيت لا يبقى معي للصبح؟ فقال له: لك ثوب غير هذا الثوب الذي تلبسه؟ قال: نعم، قال: لست فقيراً. وقال الثالث: أنا يا رسول الله فقير، إذا تغديت لا يبقى العشاء! وإذا تعشيت لا يبقى الصبوح؟ قال له: أئن استقرضت الناس أقرضوك؟ قال: نعم، قال له: لست فقيراً، لأنهم لا يسلفونك إلا من أجل أنك سوف ترد مالهم. وقال الرابع: أنا يا رسول الله فقير، وعندما أتعشى لا يوجد معي للصباح، وعندما أذهب أستلف من الناس لا يسلفوني؛ لأنهم يعرفون أنني لا أستطيع القضاء؟ قال له: أتستطيع أن تعمل؟ قال له: نعم، قال له: لست بفقير. وقال الخامس: أنا يا رسول الله فقير، كل الشروط الأربعة منطبقة علي، حتى إنني لا أستطيع أن أعمل مثلما ترى أنني عاجز، قال له: أتمسي عن ربك راضياً وتصبح راضياً؟ قال له: نعم، قال له: أنت من الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، ليس كمن يركب (الأوتوبيس) وينظر رجلاً آخر بجانبه يركب فوق سيارة فارهة فيقول: هؤلاء هم السرق كلهم، لماذا تجزم أنهم كلهم سرق؟! ألم يكن هناك عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو بكر الصديق وإلى جانبهم بلال وعمار وياسر وعبد الله بن أم مكتوم وعبد الله بن مسعود؟! هذا الغني وهذا الفقير! فكانوا إذا التقوا يتعاملون بالحب لا بالكراهية. وأنا أريد أن أقول: إن لم نخرج من هذا بالحب، ونراجع أنفسنا في مسألة الكبائر فلا فائدة في الدروس. أشكر لكم حسن استماعكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وعباد الرحمن [1]

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وعباد الرحمن [1] ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم الجنة وما يقرب إليها من الأعمال، وذكر النار وما يسبب دخولها من الأعمال، وذكر صفات أهل الجنة للتحلي بها، وصفات أهل النار لترك الاتصاف بها، وإن من صفات أهل الجنة صفات عباد الرحمن التي ذكرت في آخر سورة الفرقان، تلك الصفات العجيبة التي لا يتصف بها إلا أهل الصبر.

الأسباب الحاجبة للسعادة

الأسباب الحاجبة للسعادة نحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثامنة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة السادسة في الجنة. اللهم اجعل الجنة مآلنا يا رب العالمين، اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. لا تجعل لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، اجعل اللهم الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلون فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا. اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك يا رب رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً. هذه هي الحلقة السابعة في الجنة إن شاء الله، وقد عشنا حلقات ست قبل هذه الحلقة، ورأينا كيف أن العبد يحاول أن ينال رحمة الله عز وجل، فرحمة الله ونوالها بأسباب ومسببات، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سبباً، هذه سنة الله في خلقه، فجعل مثلاً الأكل سبب الشبع، شخص يمرض يذهب للطبيب فيكتب له الدواء، ولكن الشبع والري والشفاء والتيسير كله بيده سبحانه. ومن أراد سعادة الدارين فهناك أسباب جعلها الله تجلب لك السعادة في الدنيا والآخرة، ومن أجل أن تبحث عن الأسباب الجالبة لسعادة الدارين فابحث أولاً عن الأسباب الماحقة لسعادة الدارين، اللهم اجعلنا من سعداء الدارين يا رب العالمين! هناك أسباب ثلاثة تحجب قلبك عن الله عز وجل، والعياذ بالله، اللهم لا تحجب قلوبنا عنك يا رب! أول سبب: الفرح بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، هذه الثلاثة التي تجعل بينك وبين الله حجاب، أو تمنع نور الإيمان أن يغشى قلبك، أو أن يتسرب إلى قلبك، أو أن يتشربه قلبك.

الفرح بالموجود

الفرح بالموجود أول سبب: الفرح بالموجود، وهو أن تفرح بالشيء الذي في يدك، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص؛ لأن سبب طرد أبينا آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض أنه كان حريصاً، قال الله له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] فكان حريصاً على أن ينتقل من حال إلى حال، إما أن يكون ملكاً، وإما أن يخلد في الدنيا، وهذا الثاني حرص على الحياة، أما الحرص الأول على أن يكون ملكاً فهو حرص جيد. لكن إبليس أقسم لأبينا آدم: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] وقلنا قبل ذلك إن ابن آدم قال لأبيه: يا أبت! كيف تطيع الشيطان وتعصي الرحمن؟ قال: يا بني! والله ما ظننت أن أحداً يقسم بالله كاذباً، وقد ذكر الله الشهوات في آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران:14]، فعدد الشهوات الخمس التي كلنا نريدها ونغرق فيها، هكذا يفرح الإنسان بالموجود.

الحزن على المفقود

الحزن على المفقود السبب الثاني الحزن على المفقود: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا لنسأل بعدها عن كل شي الكارثة أن الدنيا ليست النهاية، فالإنسان منا يحزن بعد الفرح، فعندما يفقد العافية يحزن، فإذا حزن فهو ضعيف الإيمان؛ لأن الحزن على المفقود دليل ضعف اليقين عند العبد، فلا تحزن إلا إذا رأيت نفسك بعيداً عن الله، ويكون ذلك بأن تعصيك جوارحك فلا تستطيع أن تسيطر عليها، ولا أن تتحكم فيها، فعيناك مثل برج المراقبة، تتطلعان في الذاهب والآتي، والذاهبة والآتية، وأذناك تسمعان الفكاهات والأغاني والموسيقى، والغيبة والنميمة، والكلام السيئ، والخوض في أعراض الناس، ولسانك يخوض في الأعراض، ويسب ويلعن، وقلبك لست قادراً على أن تسيطر عليه من الحسد والكبر والحقد والضغينة، ويدك ليست قادرة على أن تتوب عن الاختلاس والرشوة، والامتداد إلى ما حرم الله، ومصافحة النساء، ورجلك لا تقدر أن تقصرها عن الذهاب إلى أماكن اللهو واللعب وأماكن البعد عن الله سبحانه وتعالى، يعني: تخيل الناس الذين يقعدون في الأستاد ينفعلون مع الكرة، تجده يأتي منفعلاً، ويذهب منفعلاً، ويضرب على دماغه، وربما تأتي له سكتة قلبية، ولو مات في الأستاد فإنه يسمى: شهيد الكرة، فأين يذهب من الله؟! سوف يبعث يوم القيامة يحيي، يحيي من؟! ويهتف لمن؟! لذلك عرفنا التقوى في كلمة: وهي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، مثاله: روى الترمذي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل له ثلاثمائة نظرة إلى العبد المؤمن كل يوم، ومن نظر الله إليه نظرة فلن يعذبه يوم القيامة، إلا صاحب الشاة)، وصاحب الشاة هو الذي يلعب الشطرنج، سبحان الله! تخيل رجلاً يظل يلعب: كش ملك كش ملك، لمدة ثلاث أو أربع أو خمس ساعات في اليوم، يقول لك: هي تنمي الذكاء، لا إله إلا الله! لا تضيع وقتك في ما لا يرضي الله؛ ولذلك: (لاعب الشطرنج كمن يأكل لحم الخنزير والناظر إليه كالغامس يده في دم الخنزير) هذا كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهناك مصيبة ثانية وهي لعب النرد، والنرد حرام، فربنا سبحانه وتعالى عندما ينظر إلي نظرة وأنا جالس ألعب شطرنج وألعب النرد وأعصي الله، وجالس أمام التلفاز أخوض في أعراض الناس، وأتحدث عن هذا، وأخوض في عرض هذا، فكيف تكون النظرة؟! إن الله عز وجل خبأ رضاه في طاعته، وخبأ سخطه في معصيته، فربما في لحظة من لحظات الطاعة ينظر إليك الله نظرة، فيقول: إني قد رضيت عنه فلن أسخط عليه بعد ذلك، فتحصل لك السعادة في الدارين، اللهم اجعلنا منهم يا رب!

السرور بالمدح

السرور بالمدح السبب الثالث: أن تسر بالمدح: (احثوا في وجوه المداحين التراب)، (ومدح رجل رجلاً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصمت ظهر أخيك) أي: كسرته؛ لأن العبد منا يريد المدح والثناء، وبعض المسئولين في الدول المتخلفة عندما يلتقي بعضهم مع بعض كل واحد يقول للآخر: أنت ليس أحد مثلك! وبدونك سنضيع! فيقول في نفسه: أنا عمر بن الخطاب أنا علي بن أبي طالب أنا ليس أحد أفضل مني، ويبدأ يمدح نفسه. فيقول صلى الله عليه وسلم: (احثوا في وجوه المداحين التراب)، ولذلك إذا أردت أن تمدح أخاك المسلم فقل: أحسبه كذلك، ولا أزكيه على الله، كان سيدنا أبو بكر يمدحه سيدنا عمر نفسه ويقول: يا ليت لي يوم وليلة من أيام وليالي أبي بكر! قالوا: ما هي الليلة وما هو اليوم؟ قال: أما اليوم فيوم الردة، حيث وقف وحده وقال: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة. والليلة الثانية: يوم أن بات مع الرسول في الغار أيام الهجرة. ولذلك عندما كان يصله المدح رضي الله عنه يقول: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون. وهذا تواضع منه، فهذه عظمة الصديق تلميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما نأتي لنذكر مثل هذه القصص وإن كانت معادة لكنها تشرح الصدور، نحن أتينا من بيوتنا ومن شغلنا فمنا من صدره ضيق، ومنا من أغضبته امرأته، ومنا من رفع عليه قضية، نسأل الله أن يجعل شرح صدورنا في بيته، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. قال عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين: يا معشر صحابة رسول الله! ليتمن كل واحد منكم أمنية، قال أولهم: أما أنا فأتمنى جبلاً مثل جبل أحد من الذهب والفضة كي أنفقه في سبيل الله تعالى! وقال الثاني: أتمنى وادياً كوادي عوف مليئاً بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى. وأنت يا أمير المؤمنين ما هي أمنيتك؟ قال: أمنية عزيزة! حيث قال: أتمنى مسجداً مثل هذا المسجد مليئاً برجال من أمثال أبي بكر الصديق. يتمنى أماني عظيمة، يتمنى مسجداً مليئاً رجال أمثال صديق الأمة هذا! فالمسلم يستطيع أن يقترب من الله عز وجل بأن يمنع الموانع التي تحجبه عن الله، فتحجب القلوب عن هذه الثلاثة: الفرح بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح.

أهمية مراقبة الله سبحانه وتعالى

أهمية مراقبة الله سبحانه وتعالى كذلك مراقبة العبد لله؛ ولذلك ربنا يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] جنة لأنه رجا رحمة الله، وجنة لأنه خاف من عقاب الله: (ولمن خاف مقام ربه)، مقام الله هل هو مثل مقام سيدنا الولي؟ لا، مقام الله: كل ما أقامك الله فيه فإن الله مطلع عليك، فأنت تخاف في كل مقام أن يراك الله على معصية، فهو ناظر إليك في كل وقت وحين، لا يراك على معصية؟ لأن أعمالنا تعرض على الله عرضين في اليوم، وعرض أسبوعي، وعرض سنوي، كيف؟ سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وجده الصحابة يكثر من صيام يومي الإثنين والخميس، فقالوا له: لماذا يا رسول الله؟ الدراويش الذين لا يعرفون علم الحديث يقولون لك: يوم الإثنين هذا يوم ولد فيه المصطفى، فالدرويش يقول لك: هذا دليل على أنه كان يحتفل بيوم ميلاده. قيل لـ عمر بن الخطاب: مالك تلبس ثياباً مقطعة؟ ومالك تأكل العيش والملح؟ قال: لقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمه وجلوازه -الجلواز: العسكري- إن شاء أرسلني أرسلني، وإن شاء غمدني غمدني، جاعله مثل السيف، حتى قبض وهو عني راضٍ وأنا بذلك أرضى، ثم جاء من بعده أبو بكر فكنت خادمه وجلوازه إن شاء أرسلني أرسلني، وإن شاء أغمدني أغمدني، حتى قبض وهو عني راضٍ، وأنا بذلك أرضى، وأخاف إن بدلت أو غيرت ألا ألحق بهما في الجنة! دخل عمر الشام فلقيه الأمراء وأخبروه بطاعون عمواس، بلد اسمها عمواس والطاعون منتشر فيها، فاستشارهم عمر: هل نمكث أو نخرج؟ فانقسم الصحابة إلى قسمين، فبعضهم قال: توكل على الله، فما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وبعضهم قالوا: لا ندخل، يقول تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين! سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كان بأرض ولستم بها فلا تدخلوها)، قال: صدق رسول الله، وعاد من فوره استناداً لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا فلا داعي للفلسفة يأتي قول: هل الحديث صحيح أم أنه ضعيف؟ يا أخي! العالم هو الذي يقف ويتحمل وزرك ووزر الذين وراءك، يعني: يتحمل الوزر على قنطرة تعبر بها أنت إلى الجنة ويسقط هو في قعر جهنم، العلم أمانة، ويجب أن من تولى أمر العلم وتولى تعليم الناس أن يتقي الله رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل التقوى يا أكرم الأكرمين! فلما سئل رسول الله عن صيام يوم الإثنين والخميس قال: (هذان يومان يعرض عملي على الله فيهما، وأنا أحب أن يعرض عملي على الله وأنا صائم)، وهذا هو العرض الأسبوعي. وهناك عرضان للأعمال في اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، فملائكة الليل تسلم أعمال النهار وقت صلاة العصر بعد انصراف الإمام ثم يسأل الله الملائكة: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، وفي صلاة الفجر: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، قال: أشهدكم يا ملائكتي أني قبلت عبادتهم، وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم). هذا هو العرض اليومي. فلا بد أن تعلم أن هناك عرضين: في اليوم، وفي الأسبوع كذلك يوم الإثنين ويوم الخميس يعرض العمل على الله سبحانه وتعالى وهو العمل الإجمالي، أما التفاصيل فإن الله يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، يراك نائماً ويقظان، وجالساً ومضطجعاً، ومتحركاً وساكناً، ومحبوساً وطليقاً، وحزيناً وفرحاً، في كل حالة وفي كل حين، لا تخفى عليه خافية. كذلك في كل شهر أيام مفضلة عند الله، وهي الأيام البيض: ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، ففي نصف الشهر كذلك عرض للعمل فتصوم هذه الأيام، فيكون هذا عرضاً آخر، كذلك شعبان شهر يغفل عنه الناس -بين رجب ورمضان- تعرض فيه أعمال الأمة، وهذا عرض سنوي! إذاً: من أصبح وأمسى ولسانه رطب بذكر الله أصبح وأمسى وليس عليه خطيئة قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]؛ لأنك متقلب في نعم الله الثلاث التي قلنا عليها قبل ذلك، نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد. فاللهم اشحن قلوبنا بالخير والطاعة يا رب العالمين.

صفات عباد الرحمن

صفات عباد الرحمن في يوم الإثنين الماضي قلنا: إننا قمنا بزيارة إلى عباد الرحمن، وقلنا: إن لعباد الرحمن ثلاث عشرة صفة، شرحنا منها خمس صفات.

من صفات عباد الرحمن التواضع

من صفات عباد الرحمن التواضع أول صفة لهم: التواضع. قال تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63] وعرفنا ما معنى كلمة: (هوناً) وأنه المشي بالهداوة: سر إن استطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد رب قبر قد صار قبراً مراراً ضاحكٍ من تزاحم الأضداد فعجباً من الأخوة الذين يرفعون قضية على بعض، ومن الرجل الغاضب من أخيه، كلهم يوضع إلى جنب الآخر، وهذا مثل ما قال الرجل الشعبي لنفسه عندما ذهب يزور المقابر قال: ولقد قلت لنفسي وأنا بين الحفائر هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر؟ فأشارت فإذا للدود عقد في المحاجر ثم قالت: أيها السائل إني لست أدري انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان وتساوى العبد مع رب الصولجان والتقى العاشق والقالي فما يفترقان ثم قالت: أيها السائل إني لست أدري! ما أعرف الحقيقة لكن يعلمها الله سبحانه وتعالى، كلهم التقوا هنا العاشق والقالي، والكاره والمحب، والفقير والغني، سبحان الله! كلهم يدفنون إلى جوار بعض، حتى الحانوتي الذي يدفن الناس فإنه سيأتي عليه يوم يدفن فيه. كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول فإذا حملت إلى شفير جثة فاعلم بأنك بعدها محمول يبقى الإنسان منا وهو متعظ بالله؛ لأنه سوف يأتي اليوم يحمل فيه، لذلك قال: أنا أمشي خلف الجنازة وأنا ساكت أتأمل، أقول: انظروا الرجل! كان من قبل يقفز يميناً وشمالاً، ويجمع المال من هنا ومن هنا، ويعادي من أجله، على ماذا هذا كله؟! فجأة يموت فيستريح (مستريح ومستراح منه)، انتهى الموضوع، قال تعالى: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:41]، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.

من صفات عباد الرحمن الصفح عن الجاهلين

من صفات عباد الرحمن الصفح عن الجاهلين قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]. قلنا: إن العظمة لله سبحانه وتعالى، ثم العزة لله ولرسوله وللمؤمنين من بعد ذلك بطاعة الله، كيف؟ إن قضية التقوى والإيمان ليست أن أصلك وتصلني، فهناك أمر أكبر من هذا: أن تقطعني فأصلك، وأن تحرمني فأعطيك، وأن تغضبني فأرضيك، وأن تجازيني فأحبك، فقد قيل للحسن البصري: يا بصري! لو قلت لي كلمة لقلت لك عشراً، والبصري نظر إليه هكذا، فقال: وأنت لو قلت لي مائة كلمة ما قلت لك كلمة! فهذه الكلمة كانت مصنوعة من لا إله إلا الله، ومن إيمان وتقوى، وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ربى الصحابة على الرمل والحصير فخرجوا رجالاً، الواحد منهم يزن أمة بأسرها، ولذلك قال أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما علم الصحابة المصحف، فإنما كتبه بمداد من نور على صحائف قلوبهم البيضاء، فكانوا جميعاً كأستاذهم قرآناً يمشي على الأرض، وكانوا كلهم عبارة عن: قال الله قال الرسول وكان عندهم حب عجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ينظر سيدنا الحبيب إلى واحد من الصحابة حديث عهد بالإسلام في يده خاتم ذهب، قال: أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار يسور بها إصبعه؟! فأخذ هذا الصحابي الخاتم ورماه في الأرض، قال له الصحابة: خذه وانتفع به، قال: والله لا آخذ شيئاً ألقيته أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه هي الطاعة الصحيحة، قال الله: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. وهذا ليس كلاماً يقال فقط، وإنما سمعنا كلاماً، وأطعنا عملاً، الولد كلما تقول له: يا ولد! ذاكر، يقول لك: حاضر، يا ولد! ذاكر، يقول: حاضر، وأخيراً تغضب فتضربه لأنه لم يترجم (حاضر) إلى واقع عملي، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.

من صفات عباد الرحمن كثرة السجود والقيام

من صفات عباد الرحمن كثرة السجود والقيام قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]. هذه حالة من حالات الصلاة، كان سيدنا الحبيب إذا استيقظ من الليل يذكر الله، لا يضيع ثانية واحدة، الواحد منا عندما يتقلب يقول: آه آه يا ظهري! يا أخي! يا حبيبي! تتألم حتى في الليل، اجعل الليل لله، قل: لا إله إلا الله، بدلاً من أن تقول: آه! قل: الله، أما: آه فقد تأثم بسببها، اصبر يا أخي، دخل رجل على عبد الله بن عباس يريد أن يعزيه في أبيه العباس، عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقعد الناس يعزون ابن عباس في أبيه، فقال أحدهم: اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الرأس خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس يعني: أنت عندما تصبر تأخذ ثواباً يكون أحسن لك من العباس؛ وقوله: (خير من العباس أجرك بعده، والله خير منك للعباس) يعني: ربنا أرحم العباس منك، أنت سوف تحزن عليه سبحان الله، فهكذا المؤمنون: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64] فلا تضيع وقتك، صل لله، بعض الإخوة أول ما يولد لهم ولد يقولون: نضع له خمسة جنيهات في الشهر حلال بدون فوائد، فيأتي الوقت الذي يتزوج فيه عنده ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه على بعض، وهي شيء قليل وضع أولاً بأول سبحان الله! أنت بالله عليك عندما تعمل كل ليلة عشرين حسنة على مدى عشرين سنة، تأتي يوم القيامة ومعك كذا مليون حسنة، لأن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40] والسيئة بالعكس، قال صلى الله عليه وسلم: (من هم بسيئة وحجزه إيمانه عن فعلها كتبت له حسنة)، بعدما هم امتنع مخافة الله، فكتبت له حسنة، مع أنه هم بالسيئة، لكنه رجع فيها عن قصد وعزيمة. لو أن شخصاً ذهب يشتري زجاجة خمر فلما ذهب وجد المحل مقفلاً، أو وجدوه يغش في الخمر، فرجع، كتب عليه سيئة؛ لأن الأعمال بالنيات، لكن من ذهب يشتري فإذا به يعاتب نفسه قائلاً: بعد هذا السن تصلي وتصوم، وتعرف الله، وتحضر دروس العلم، ثم تشرب بيرة؟ لا، لا أستغفر الله، فهذا يأخذ حسنة، فإذا هم بالحسنة وما عملها كتبت له حسنة، فإن هم بها فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، اللهم ضاعف لنا حسناتنا، وتقبلها منا يا رب العالمين! قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] وقلنا: إن الدعاء ليس بقول نظري، وإنما لا بد أن نحول هذا الدعاء إلى عمل.

من صفات عباد الرحمن التوسط في النفقة

من صفات عباد الرحمن التوسط في النفقة قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67] سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل سيدنا عمر: (يا عمر! ما نفقتك؟) لو سألت شخصاً سؤالاً: يا محمود! كم نفقتك؟ يا إبراهيم! كم نفقتك؟ يا أحمد! كم نفقتك؟ يقول: كل يوم ثلاثة جنيهات تقريباً أما سيدنا عمر فيقول: (يا رسول الله! إنما نفقتي الحسنة بين السيئتين) يعني: إذا عمل سيئة يعمل بعدها حسنة، ثم يأتي بعدها بسيئة فيعمل بعدها حسنة: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] سيدنا عمر ناصح، هذا هو الناصح! ولذلك أبشر سوف تجد في كتاب حسناتك يوم القيامة وستجد حسنات أنت لم تعملها، يقول ملك من قبل العلي الأعلى: يا عبد الله! هذه حسناتك، تقول: يا رب! أنا ما عملت شيئاً، وقد تجد قدر ألف حسنة من غيبة الذين اغتابوك، وظلم الذين ظلموك، وخيانة الذين خانوك: (لو يدري الظالم ما للمظلوم لضن عليه بظلمه) يعني: لو يعرف الظالم ما سيأخذه المظلوم من الحسنات لبخل عليه بالظلم. وإذا ظلمت فلا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، وكذلك أنت عندما تدعو عليه تمحو حسناتك بالدعاء عليه؛ لأن الله يستجيب دعاءك وينتقم منه لك فهذا مقابل الحسنات؛ لأن المظلوم يقول الله له: (وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين) النصر آتٍ فما دام أن الله نصره فقد أعطاه حقه: (وأثقل شيء يوضع في الميزان جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها). انظر الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جرعة) كأنها دواء؛ لأنها صعبة ليست سهلة، جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر أن ينفذها، سبحان الله؛ ولذلك العفو عند المقدرة ممدوح، جاء أعرابي من اليمن، فقعد في خطبة الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا الحبيب أحياناً يقرأ سورة ق، تخيل أنت عندما تسمع سورة ق من فم الحبيب كيف يكون أثرها؟! فبعدما انتهى النبي من الصلاة وقف الأعرابي وقال: (يا رسول الله! من سوف يحاسبنا يوم القيامة؟ قال له: الله الكريم)، انظر الإجابة! لم يقل له: الله القهار، الله الجبار، الله المنتقم، مع أن هذه صفاته وأسماؤه، قال: (الله الكريم، قال: لقد أرحتني يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح) الكريم عندما يقدر يعفو، وعندما يحاسب يسامح، لكن انظر إلى المسرف على نفسه، الذي ليس معه ولا حسنة، يقول: تعالوا فاسحبوه إلى النار، وهو ذاهب إلى النار سيدنا جبريل يوقفه ويقول: (يا رب! هذا عبد من عبادك كان يداين الناس فيقول لغلمانه: أيسروا على المعسر) يعني: فتح الله عليه بمال وغنى فجعل يداين الناس ديون، فكان إذا أتى موعد سداد الدين يقول للموظفين: الذي لا يستطيع الدفع فاتركوه قليلاً، قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، فيقول الله: أرجعوه إلي، فيقول: عبدي! أأنت أكرم منا؟! أدخلوه إلى الجنة. فلا أحد أكرم من الله، لا كريم إلا الله، ومن كرمه أنه قال لسيدنا إبراهيم عندما كان عنده ضيف كافر فرفض أن يضيفه: يا إبراهيم! رفضت أن تضيفه في ملكك ساعة، وأنا أضيفه في ملكي رغم كفره بي منذ خمسين عاماً.

من صفات عباد الرحمن أنهم لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق

من صفات عباد الرحمن أنهم لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:68] أي: عندهم التوحيد الخالص، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] قلنا: إن القتل نوعان: نوع مادي، ونوع معنوي. والقتل العمد لا جزاء له إلا النار: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:93] والعياذ بالله! والذي يقتل مسلماً خطأ عليه دية، والدية مائة ألف جنيه، كشخص صدم شخصاً بسيارة فمات، يدفع لأهله مائة ألف جنيه، فإذا لم يستطع دفع أهله معه، الذين سوف يرثون منه إلا أن يعفو أهل القتيل، فإذا لم يجد مائة ألف جنيه دية يصوم شهرين متتابعين. وهذا الكلام للمرأة التي أجهضت سواء بأمر زوجها أو برأيها أو برأي الطبيب الذي ليس بمسلم لمجرد أنها ذهبت إليه وقالت له: عندي ثلاثة عيال، وعندي غرفة وصالة ومرتب قدر ستين جنيهاً فتأتي بالمقدمة من أجل أن تعمل إجهاضاً، فهذا حرام، وقتل للنفس المحرمة، السادة العلماء الذين علمونا الفقه أفتوا ألا نقدم على هذا الفعل إلا بفتوى من طبيب مسلم ماهر، يعني: يكون معروفاً ومشهوداً له بالكفاءة والأمانة، بأن يكون دكتوراً ناصحاً مسلماً يتقي الله، فتعرض عليه الحالة، فإذا كان فيها ما يسبب هلاكاً على الأم، أو هلاكاً على الجنين، أو خطراً على الاثنين فهذا لا بأس فيه بإسقاط الجنين فنعمل في ساعتها بفتوى الطبيب المسلم. قال تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي} [الفرقان:68] فالآيات في السورة أتت أولاً بصفات الإيجاب التي هي: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:63 - 65]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]. ثم قال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:68] فبدأ بأول النهي وهو: {لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:68] فأهل العلم يقولون بدأت الآيات أولاً بصفات التحلي، ثم ختمت بصفات التخلي، ما معنى صفات التحلي، وصفات التخلي؟ أي: التحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن سيئ الأخلاق، والتحلي يكون بالصفات الطيبة: الأول: (يمشون على الأرض هوناً) (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) و (يبيتون لربهم سجداً وقياماً) تأتي بعدها صفات التخلي: (لا يدعون مع الله إلهاً آخر) (لا يقتلون النفس) (لا يزنون) إلى آخر الآيات الباقية. فالقتل نوعان: قتل مادي، وقتل معنوي، فأنت عندما تدخل الكآبة والحزن على أخيك المسلم أو على زوجتك أو على عيالك والعياذ بالله فقد قتلتهم، ويحاسبك الله يوم القيامة على أنك قاتل؛ ولذلك الصراعات الموجودة على العمل وعلى المناصب يحصل فيها ذلك، هذا يريد أن يبقى مديراً، والثاني يريد أن يبقى عضو مجلس الإدارة، وهكذا فيطعن هذا في هذا، وهذا ينزل على هذا، فهذا قتل معنوي، والله عز وجل ينهانا أن نقتل أنفسنا، وقتل النفس هنا بإماتتها عن طاعة الله، وبإقبالها على معصية الله والعياذ بالله رب العالمين! قوله: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] ولذلك يجب على المسلم أن يدرس تاريخ الإسلام وأن يدرس الفقه الإسلامي من أجل أن يعرف الصحيح من الخطأ. سبعة من أهل اليمن قتلوا شخصاً في زمن سيدنا عمر؛ فقتل سيدنا عمر السبعة، فقالوا له: لماذا يا أمير المؤمنين تقتل سبعة بواحد؟! قال: لو اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلت أهل صنعاء جميعاً، والقانون الوضعي يقول لك: هذا عبارة عن محرض وهذا مساعد إلخ، فيكون عقابه خمس سنين، وهذا سبع سنين، وهذا عشر، وهذا سجن تأبيد، وهذا ثلاثة عشر عاماً، مع أن الكل شاركوا في القتل والعياذ بالله رب العالمين؛ ولذلك أين يذهب الذين قتلوا علماء المسلمين من الله يوم القيامة؟! سبحان الله، فمن قتل أهل العلم، ومن يحملون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قتل الضعفاء والمساكين الذين لا ناصر لهم إلا الله عز وجل، أين سيذهبون يوم القيامة؟ يقول لك: هذا مات منتحراً، وهذا مات فجأة كيف؟! أيعقل أن حافظ القرآن يموت منتحراً؟! هذا ليس ممكناً، أكبر نعمة ينعم الله بها على العبد أن يعرفه كتابه، الذي يحفظ كتاب الله ليس من الممكن أن يتهموه بالانتحار، ولذلك ما عذب إنسان ظالم مسلماً أو عالماً أو ملتزماً فإنه يموت فيرى العذاب أكثر. والله الذي لا إله إلا هو لقد كان هناك رجل مدير أحد السجون، وكان يجعل المسلمين الملتزمين والعلماء في الستينات يمشون أمامه منحنين لأظهرهم وواضعين أيديهم وراءهم، مكبلة في الأغلال، وربنا رزقه بولد والله أراه في الشارع فأرى آية الله عز وجل، وقد بلغ عمر الولد هذا ثلاثين سنة اليوم، هذا الولد عنده مرض عصبي لا يتزن إلا إذا انحنى ووضع يديه خلفه، والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان، مثل ما تعمل بالناس يعمل بك في أي شيء، في النظرة إلى الحرام أو إلى محارم الناس يأتي ربنا بمن ينظر إلى محارمك أنت، الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم من يزن في قوم بألفي درهم في أهله يزنى بربع الدرهم من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم إن الزنا دين فإن أقرضته كان القضا من أهل بيتك فاعلم

من صفات عباد الرحمن ترك الزنا

من صفات عباد الرحمن ترك الزنا قال تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] والعياذ بالله! فساعة ارتكاب المعصية والزنا يغادرك الإيمان، ويبتعد عنك؛ لأنه (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، فوقت ما يزني العبد ولو كان مؤمناً ما كان ليعمل هكذا؛ ولذلك الجوارح تأتي بالمقدمات: (إن العين لتزني وزناها النظر، وإن الأذن لتزني وزناها السمع، وإن اللسان ليزني وزناه السلام، وإن اليد لتزني وزناها اللمس، وإن الرجل لتزني وزناها المشي إلى ما حرم الله، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، فيا مرتكب الفاحشة إلى أين ستذهب من الله؟ مما أعجب له مسائل الاغتصاب التي انتشرت في السنوات الأخيرة في مصر، وكانت جديدة على مجتمع المسلمين المصري؛ لأننا أولاً صعبنا أمر الحلال، فصار أمر الحرام ميسوراً. والسبب الآخر: أنه خرجت بناتنا ونساؤنا عرايا إلى الشوارع، فكان هذا المنظر مدعاة للشباب المستهتر والمنحرف، والرجال الفسقة أن يعتدوا عليهن، والذئب يأكل من الغنم الشاردة؛ لذلك أنا ثائر وغضبان جداً من أولياء الأمور الذين يخرجون بناتهم وأولادهم بالليل، لا ينبغي أن تخرج حتى ولو إلى المسجد إلا أن تكون مع محرم، قلت لكم يوم الجمعة: ذهاب البنت إلى الجامعة ليس بحرام، ولكن اذهب بها محتجبة، وعندما تطلع بالليل انتظرها على الباب، وإلا فأنت راع ومسئول عن رعيتك، وإن حدث لابنتك سوء فأنت السبب، فهي معلقة في رقبتك يوم القيامة، اتق الله يا عبد الله، ربنا يحفظ بناتنا ونساءنا وأهلينا وذوينا من كل سوء، ويطرد عن هذا المجتمع كل شر وفسق وفجور، ويجعله مجتمعاً آمناً مطمئناً بكتابه سبحانه وبسنة حبيبه! قوله: (ولا يزنون) ولذلك لما كانت الحدود تقام كانت المسألة مريحة؛ لأنه عندما يقام عليه الحد يغفر له ما قد سلف، فالمحصن يرجم، وغير المحصن يجلد مائة جلدة، وبعدها ربنا يقول: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]، لماذا نحفر حفرة ونوقع الزاني أو الزانية فيها ثم نرجم؟ لأنه لا يضرب الله بالحجارة إلا أسوأ الناس عند الله وأعدى أعداء الله يموتون بالحجارة، وذلك مثل أصحاب الفيل، والزاني عنده نفس القضية يرجم بكومة حجارة ويأتي إمام المنطقة أو الحاكم فيقول: ابدءوا الرجم، فيرجمونه حتى يموت، ولو هرب الزاني من ميدان الرجم لا يعاد إلى الميدان مرة أخرى، لأن الأمر انتهى: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، ولذلك سيدنا خالد لما جيء بـ الغامدية مع ماعز ليرجما وضعوهما في الحفرة وبقوا يرمونهما بالحجارة، فطارت قطرة دم من الغامدية إلى فم سيدنا خالد فتأفف، فقال: (يا خالد! لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم)، والرواية الثانية: (لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم)، والرواية الثالثة: (لو تابها صاحب مكس لغفر له)، صاحب مكس: هم أصحاب الضرائب. وأريد أن أقول: لحد واحد يقام في الأرض خير من مطر أربعين سنة، فالمسلم يتقي الله، فمن واجب الناس أن يتوبوا، ولكن ترك الذنوب أوجب. فنحن نحجب نساءنا وبناتنا وأخواتنا من أجل العيون الشاردة، والذئاب الجائعة، والنفوس المريضة الضعيفة التي تفعل ما حرم الله سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها)، في الجامعة، البنت والولد اللذان يقعدان داخل السيارة أليست هذه خلوة؟ هذه خلوة مؤكدة، وحتى ولو كانت مخطوبة له فلا يجوز أن يقعد معها، ولا أن يسلم عليها، ولا أن يوصلها البيت؛ لأنه ما زال أجنبياً عنها، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها إلا أصابهم الله بأمراض لم تكن في أسلافهم). اليوم أتى للمجتمعات: مرض الإيدز، وفقد المناعة، والفشل الكلوي، وتصلب الشرايين، وأمراض ما أنزل الله بها من سلطان، كان آباؤنا وأجدادنا يعيشون بالرضا وبالتقوى، وكان الواحد منهم يأخذ كوب شاي مع الليمون ثم يدلك في ظهره فيقوم وهو نشيط من فضل الله سبحانه وتعالى، كانوا يقولون: اقرءوا الفاتحة، فيقوم ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لكن لكثرة معاصينا كثرت الأمراض، والشفاء صار صعباً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي أمراضنا الظاهرة والباطنة، إن ربنا على ما يشاء قدير. قال تعالى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68]، (أثاماً): واد في جهنم فيه حيات وعقارب، تلدغه الحية يسري سمها في عروقه سبعين سنة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، المعذرة نحن في الجنة ونتكلم عن هذا الكلام، لكن المسألة مسألة أمر ونهي، والقرآن مثاني رحمة وعذاب، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في كل حية أو عقرب سبعون قلة من قلال هجر) قلة هجر: هذه عبارة عن آنية مثل الصوامع، القلال والصاع والمد والمكاييل القديمة، وترجمتها إلى المكاييل الحديثة، لقيت أن كل عقرب أو كل حية والعياذ بالله فيها كمية من السم مقدار ثلاثة آلاف وخمسمائة كيلو، يعني: قدر ثلاثة طن ونصف في الحية الواحدة، تسلط على الذي يدعو مع الله إلهاً آخر، والذي يقتل النفس بغير حق، والذي يرتكب الفواحش، والذي لا يصلي، هذا هو الوادي الذي يستقبل هؤلاء. قال تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم:59 - 60]. أي: إلا من تاب عن كل الذي فات، (وآمن) أي: بكل ما أنزل الله، (وعمل عملاً صالحاً)، فهم يتوبون إلى الله متاباً، ربنا تاب عليهم فكفر عنهم الذنوب التي ارتكبوها.

من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور

من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72]. وشهادة الزور ليست هي الشهادة في المحكمة أمام القاضي فقط، فلا تشهد إلا بالحق ولو على نفسك، تقول: أنا مخطئ، ابني مخطئ، امرأتي مخطئة، أخي مخطئ، فتقول الحق ولا تخاف في الله لومة لائم. دخل يهودي على شريح القاضي في زمن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، فقال: يا قاضي المسلمين! هذا سيف ورثته عن آبائي وأجدادي، ويدعيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويقول: إنه له، قال: ائتوني بـ علي، فدعي سيدنا علي فأتى وقال: السلام عليكم، وهو أمير المؤمنين، ثم جلس سيدنا علي بجوار شريح؛ فقال له: قم يا أبا الحسن! واجلس بجوار خصمك، فقعد سيدنا علي رضي الله عنه بجواره، ثم قال له شريح: أهذا السيف سيفك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، هذا السيف سيفي، فقال اليهودي: إنه سيفي، فـ شريح نظر إلى السيف وإذا بالسيف سيف سيدنا رسول الله، ما الذي أتى به لليهودي؟! فقال شريح: أمعك شهود يا أمير المؤمنين؟ قال له: نعم، فذهب وأتى بـ الحسن والحسين، فقال له: لا تصلح شهادتهما، أنتم علمتمونا أن الفرع لا يشهد لأصله، ولا الأصل لفرعه، ثم قال: معك شهود أخر؟ قال له: لا، قال له: السيف سيف اليهودي، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قال له: فلما وصل علي إلى الباب دعاه اليهودي: يا أمير المؤمنين! تعال، وقال: هكذا يقام الأمان، وهكذا تعيش الدول، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، السيف سيف علي. ثم قال شريح: يا أمير المؤمنين! أغضبت؟ رأيت وجهك قد اكفهر عندما أمرتك أن تجلس بجوار خصمك، قال: لا، ما اكفهر وجهي من هذا، وإنما لأنك كنيتني وقلت: يا أبا الحسن! فقد فضلتني في مجلس الصلح. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] يقولون الحق في أي وقت، انظر إلى سيدنا عمر وانظر أيضاً إلى تلاميذ الحبيب، كان هناك شخص يشهد مع آخر، فقال له سيدنا عمر: أأنت تعرفه؟ قال: لا، قال له: أأنت جاره الأدنى؟ قال له: لا، قال له: أرافقته في سفر؟ قال له: لا، قال له: أعاملته بالدرهم والدينار؟ وسمي المال مالاً لأنه يميل بالناس عن الحق، ويقول الشاعر: رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة انظروا إلى هذا الكلام الجميل من أين أتى به هؤلاء الرجال؟! هذا يدل على أن عندهم صلة بالله حتى تجري الحكمة على ألسنتهم، اللهم ألحقنا بهم يا رب. قال له: هل أنت جاره؟ أو عاملته بالدرهم والدينار؟ هل سافرت معه؟ هل رأيته في الركوع والسجود في المسجد ونظرت إليه يصلي؟ قال له: نعم، قال له: إذاً إنك لا تعرفه، ائتني بمن يعرفه، لا تكفي الصلاة والصوم هذا بينك وبين ربنا، لكن المحك هو التعامل، انظر الحديث: (إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر، ورفقاؤه في السفر، ومعاملوه في الأسواق، فقل له: إنه من أهل الجنة)، هؤلاء ثلاثة: جارك في البلد الذي تعيش معه، ورفيقك في السفر، والمتعاملون معك في السوق. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] أي: يقولون الحق، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه رجل يشهد، قال له: أتشهد؟ قال له: نعم يا رسول الله أشهد، قال له: انظر إلى الشمس أتراها؟ قال: نعم، قال له: على مثلها فاشهد، فقال له: اعفني يا رسول الله!

من صفات عباد الرحمن الإعراض عن اللغو

من صفات عباد الرحمن الإعراض عن اللغو قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]؛ لأن المسلم كبير له قيمة واحترام، فالإنسان الذي يتقي الله الناس يعملون له حساباً حتى عندما يذهب إلى المسجد يلاقي الذين يسلكون وراء الشيطان، أول ما ينظر إليه أحدهم يخبئ يده التي فيها خاتم الذهب وراءه فتقول له: كيفك؟ وكيف صحتك؟ تجده أبداً مكسوف منه، فنقول له: لا تخجل منه واخجل من الله سبحانه!

من صفات عباد الرحمن الدعوة للذرية والأزواج بالصلاح

من صفات عباد الرحمن الدعوة للذرية والأزواج بالصلاح قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]. فهذه دعوة عظيمة! (ربنا هب لنا من أزواجنا) أي: الزوجات أو الأزواج، (وذرياتنا) أي: الأولاد (قرة أعين) يعني: ما تقر به عيني في طاعة زوجتي، وتقر به عين زوجتي بأدبي معها، فزوجتك تكون راضية عنك، وأنت راضٍ عنها، سبحان الله، وأريد أن أقول نقطة مهمة: الزوجة تستطيع أن تجامل زوجها، والزوج يستطيع أن يجامل زوجته، ولنفرض جدلاً أنك تريد أن ترتاح، لكن لو أنك أوصلت حماتك وأخت امرأتك وأخا امرأتك إلى بيوتهم مثلاً، فإن امرأتك تحبك كثيراً، فيا أخي جاملهم، تحبب إلى امرأتك في هذه النقطة، والمثل يقول: (حب يد حماتك ولا تحب يد امرأتك)؛ لأنه إذا أرضيت حماتك أطاعتك امرأتك، وإذا عاديت فإنك تعادي حلف شمال الأطلنطي فتدخل في دوامة! طرق رجل الباب على معاوية رضي الله عنه، فخرج الحاجب وقال له: من أنت؟ قال له: أنا أخو أمير المؤمنين، فدخل وقال لـ معاوية: معك أخ لا أعرفه يا أمير المؤمنين! قال له: ائذن له بالدخول، فلما دخل قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: أنا أخوك، نظر فيه معاوية فلم يعرفه، قال له: من لدن من؟ قال له: من لدن آدم، قال: هاه رحم مقطوعة يكون أول من يصلها إن شاء الله أنا، وإنما المؤمنون إخوة فبالعكس، الأخوة في الدين أقوى من أخوة النسب والدم. قال تعالى: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، تقول: يا رب! اجعلني إماماً في الخير، واجعل امرأتي قدوة في الخير، واجعل أولادي قدوة في الخير، وكما قال لسيدنا موسى وسيدنا هارون: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87]، أي: قبلة ليأتم الناس بها ويقتدون بها، فيكون البيت كله بركة ونعمة: (إن الله إذا أحب قوماً) أي: أهل بيت، (أنزل عليهم الرفق واللين، وإذا غضب الله على أهل بيت نزع منهم الرفق واللين)، تسمع ضجة وصياحاً طوال اليوم فالرجل يشتم، والمرأة تسب، والعيال يصيحون، وبجوارهم بيوت تقول: هؤلاء الجيران ما عندهم أولاد، فتنظر وإذا عندهم أربعة أو خمسة، لكن عندهم أدب وأخلاق، اللهم اهدنا وذرياتنا يا رب العالمين. قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] أي: الذين اتصفوا بصفات عباد الرحمن من قوله: (يمشون على الأرض هوناً) إلى آخره، فهم في الغرفات آمنون. يعوضهم الله جزاء ما صبروا في الدنيا واتقوا الله عز وجل. قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان:75] تحية من الله وسلاماً من الله والملائكة، ومن الحور العين ومن الغلمان الذين: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]. {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:76] الله عز وجل جعل هذا هو المستقر وهو المقام في هذا المكان العظيم. أنت في الدنيا أحياناً تحث على عمل المعروف، فتقول: كيف نعمل معروفاً والناس يردون علينا بالغلط، نقول لك: لا، لماذا؟ لأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، يعني: الذين يعملون المعروف في الدنيا ربنا يعمل فيهم معروفاً يوم القيامة، وهل يوجد معروف أكثر من الذي يدخلك الجنة؟ قعد أبو بكر وعمر والعباس على عتبة باب رسول الله فخرج عليهم رسول الله فقال: (فيم تتحدثون؟ قال أبو بكر: نتحدث في المعروف يا رسول الله، فقال رسول الله: وماذا قلتم؟ أبو بكر قال: أنا قلت: خير المعروف ستره) يعني: لا أقوم أفضح في الجرائد وأقول: عملت كذا ثم قال: (وأنت يا عمر؟ قال: وأنا قلت: خير المعروف تصغيره، ثم قال: وأنت يا عباس؟ فقال: أنا قلت: خير المعروف تعجيله) يعني: الذي يريد أن يعمل خيراً يعمله دون تأخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المعروف فيه الثلاثة: إن سترته جملته، وإن صغرته عظمته، وإن عجلته هنأته)، عندما تستر المعروف تجمله، هذا جميل، وعندما تصغر المعروف تكون أنت عظمته، وعندما تعجل بالمعروف تكون أنت تشعر بالهناءة لمن صنعت فيه معروفاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل المعروف فقال: قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي، فهبوه اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في الدنيا وأهل المعروف في الآخرة)، أي: فالذي تريدون أن تدخلوه الجنة فأدخلوه، فيكون المعروف هو الذي بقي هنا حتى إن صاحب المعروف يقول له: أنا عملت فيك معروفاً مرة، أتيت إلي فسقيتك! لذلك قال سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه قطعة حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة)، ليس هناك شيء يضيع عند الله، والدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله: (ومن سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على المعسر أو ليدعو له؛ فإن الله يحب إغاثة اللهفان). وصلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وعباد الرحمن [2]

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وعباد الرحمن [2] أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، فينبغي للمسلم أن يكون من أهل المعروف، وأن يأمر بالمعروف، وأن يعين المسلمين في حوائجهم ويظهر حسناتهم ويكظم غيظه ويعفو عمن ظلمه، فإن عند الله للمؤمن جنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهي معدة لعباد الرحمن.

أهمية فعل المعروف

أهمية فعل المعروف أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد: نعود مرة ثانية إلى ما كنا قد توقفنا عنده، ونحن اليوم بمشيئة الرحمن مع الحلقة التاسعة والعشرين، وهي الحلقة الثامنة في الجنة. فاللهم اجعل الجنة مآلنا ومكاننا ومنزلنا يا رب العالمين! ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، لا تجعل لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، وإلا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مسافراً إلا أرجعته غانماً سالماً لأهله. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، اللهم زين الإيمان في قلوبنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا يا رب الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم تب على العصاة والمذنبين، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: توقفنا في الحلقة الثامنة والعشرين عند الحديث عن أهل المعروف جعلنا الله وإياكم من أهل المعروف في الدنيا والآخرة. اتفقنا من قبل أنك تستطيع بمقياس إن أعطيناه لك أن تعرف هل هذا المعروف الذي تصنعه خالص لله أم أنه ابتغاء الشهرة؟! مثلاً: فلان من الناس صنعت له معروفاً عند إنسان وكررت معه المعروف، كأن وظفت ابنه، أو زوجت له ابنته، وعينته في منطقة جيدة، ووقفت معه في وقت الضيق؛ وقفت معه في مرض امرأته وتعب أولاده ونقل ابنه من المدرسة وو إلى آخره، ثم رد عليك هذا الإنسان في عمل ما برد سيئ، بأن قال لك: إنك مكلف أن تعمل هذا الفعل! فأنت غضبت، وأخذت في قلبك عليه، لك أن تغضب، لك أن تتغير، لكن ليس لك أن تمن عليه، فعندما تقول لك نفسك: ما هذا الرجل؟ أيعض اليد التي امتدت له؟! إن لحم كتفيه من خيري، ألسنا كلنا نقول ذلك؟! إذا قلت ذلك فثق تماماً أن كل ما صنعت ليس لله؛ لأنك لو عملت الشيء لله فإن رد عليك بخير أو رد عليك بشر أو لم يرد فالكل عندك سواء، كيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس؟ كان يحسن إليهم ويراعيهم، فهاهم أخرجوه من مكة، ثم بعد ذلك أرادوا أن يدبروا له مكيدة للقتل مع الترصد والتعمد وسبق الإصرار؛ وقفوا على بابه صفين حتى صلاة الصبح يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد، ويضيع دمه في القبائل، وقبل ذلك كانوا يأتون بسلى الجزور - التي هي كرشة الجمل المنتنة - ويضعونها على ظهره الشريف وهو يصلي في المسجد الحرام. ثم بعد ذلك آذوا أصحابه؛ فكانوا يجرون بلالاً على الرمضاء في شدة الظهيرة في مكة، ويضعون عليه الصخر ويجرونه على الأرض ويضربونه بالسياط، وهو لا يمتنع عن قوله: أحد أحد، وأبو بكر الصديق ضربته قريش حتى كان عقبة بن أبي معيط يحرف نعله ويميل بكعبها من أجل أن يأتي الكعب في وجه أبي بكر أو في عينه، حتى استوى وجه أبي بكر بجسمه من شدة الضرب، حتى إنه عندما عاد إلى البيت لم تعرفه امرأته ولا أمه! وقتلوا سمية أم عمار من شدة التعذيب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صبراً آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة). ثم جاء يوم الفتح فوقفوا أذلاء بين يديه صلى الله عليه وسلم، قال: (ما تظنون أني فاعل بكم؟) أي: ماذا سأفعل بكم؟ آلمتمونا وضربتمونا وطردتمونا، وذهب أصحابي إلى الحبشة ورجعوا منها، وبعدها ذهبوا المدينة ذهبتم وراءهم، ورصدتم مائة ناقة مكافأة للذي يأتي بمحمد حياً أو ميتاً: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا أقول لكم إلا ما قاله يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء). هل لنا في رسول الله الأسوة الحسنة؟ هل لنا أن نتعامل هذه المعاملة الطيبة مع الناس؟! تعامل هكذا مع امرأتك يا أخي! مع أقاربك، مع إخوانك الذين أكلوا ميراثك، إنهم أخرجوه بسبب أنه يقول لا إله إلا الله، وأنه ينشر دعوة الله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] لا أقول: أعطوني، ولكن الغرض أن تسمعوا أنتم وتقولوها، وإذا نطقتم بها أفلحتم، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا دنيا وأخرى. ذهب إليه الوليد بن المغيرة وكان من علية القوم وقال له: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد من قبلك؛ فرقت بين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخيه، إن كان هذا الذي يأتيك رئيٌ من الجن جئنا لك بالأطباء، فسعوا في شفائك، وإن كانت هذه الحالة حالة مرضية نبحث لك عن العلاج، وإن كنت تريد المال جمعنا لك المال فصرت أغنانا، وإن أردت أن تكون ملكاً علينا ملكناك، فكان سيدنا الحبيب عنده سعة صبر، فقال له بأدب النبوة: (أفرغت يا عم؟) لأنه في سن والده، يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا) قال: نعم، فتلا عليه الرسول سورة السجدة وبعد أن انتهى ووصل إلى آية السجدة سجد، والوليد كان من أعرف الناس باللغة، فمن شدة إعجابه بالقرآن وضع يديه خلفه وأنصت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى درجة أنه كان من شدة التركيز مقطباً عن جبينه، يريد أن يتأكد ويستجمع كل فكره وأعصابه وعقله، وبعد أن انتهى رجع والتقى بعظماء قريش كـ أبي جهل وأبي لهب قالوا: والله لقد عاد إليكم الوليد بوجه غير الذي ذهب به عنكم، يعني: وجهه غير الوجه الذي عهدتموه فقال: يا معشر قريش! أتقولون: إنه كاهن والله ما هو بكاهن، فأنا أعرفكم بسجع الكهان، أتقولون هو شاعر؟! والله ما هو بشاعر، أنا أعرفكم بالشعر، أتقولون مجنون؟ والله ما هو بالمجنون، إن لكلام محمد لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول البشر، قالوا له: إنك صبأت بهذا القول وإنك تريد أن تقول لك قريش: دخلت مع محمد وأصحابه، وإنك لن تخرج من هذا الموقف حتى تقول كلمة سيئة لمحمد، فقال: إن كلامه لسحر مستمر؛ فينزل جبريل بآيات من كتاب الله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:11] كان يسمى الوليد بالوحيد؛ لأن قريشاً تكسو الكعبة سنة، والوليد وحده يكسو الكعبة السنة التي تليها، قال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا} [المدثر:11 - 13] أعطاه الله أحد عشر ولداً من مثل خالد بن الوليد، كان يمشي في المواكب والأحد عشر يمشون وراءه وهو أمامهم مفتخراً! قال تعالى: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا} [المدثر:15 - 16]. ثم يصف القرآن الجلسة قال تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر:18] إنه قدر الكلام وفكر فيه. قال تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر:17] الصعود: جبل في جهنم يوضع فيه كل جبار عنيد كان يتجبر على عباد الله في الدنيا، يظل الوليد وأمثاله يتسلق الجبل حتى إن يديه ورجليه تحترق وتذوب من شدة النار، فإذا وصل إلى رأس الجبل من فوق انهار به الجبل في قعر جهنم! وهكذا أبد الآبدين! إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم كان واسع الصدر، وكان يصنع المعروف في الناس ولا ينتظر خيراً، جاءه رجل ولمح حب الرجل للمال، والرجل كان زعيماً في قومه، وهو يمشي في غزوة حنين بعدما انتهت الغزوة نظر إلى غنم بين جبلين عددها بالآلاف، فقال: ما أكثر هذه الغنم يا محمد! قال له: هي لك خذها، فرجع إلى قومه وقال لهم: اذهبوا فآمنوا بمحمد؛ فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، إنه يعطي ولا يخاف ما يحصل غداً، يعطي وهو متوكل على الله، فأسلم وراءه عشرون ألفاً. إذاً: كان يصنع المعروف ولا ينتظر رد الجميل، فأنت إن صنعت المعروف في إنسان ورد عليك رداً سيئاً فحزنت، فأنت ما صنعت المعروف ابتغاء مرضاة الله، إن عملت المعروف لأقرب الناس كزوجتك تحسن إليها فتقطب الجبين في وجهك وأنت تبتسم، أو ترميك بالكلام وأنت تقول: بارك الله فيك ربنا يكرمك إن شاء الله ويشرح صدرك، وهي تغاظ؛ فهذه المرأة تشتكي تقول: زوجي يا أستاذ أعصابه باردة جداً، نقول: يا أختي! احمدي الله على ذلك، تقول لك: لكنه يغيظني، لا إله إلا الله إنه لو كان مثلك حاداً لاشتعلت بينكم النار، لكن من فضل الله أنه وضع على النار الماء، لكن ليس من تحت التبن. إن الرجل مسكين يأتي البيت يريد أن يستريح ويريد أن ينام؛ ليرتاح من عناء العمل فيريد منها أن تسنده وتوصله إلى فراشه، وهي تريد أن تفتح معه موضوعاً عاماً، وموضوع الولد والبنت، والرجل يتغابى: ليس الغبي بسيد في قومه بل إن سيد قومه يتغابى هل هذا يعقل؟! تقول له: يا رجل! إنني كلما أفتح لك موضوعاً تقفله! هو متعب لا يريد أن يستجيب لكلامها، رأسه يؤلمه يريد أن ينام يقول لها: نعم، إن شاء الله ربنا يسهل، فالمرأة تكون سريعة الغضب، ومن فضل الله أن زوجها طباعه باردة، وهي مثل القط الذي يحب خناقه - تريد أن تثير المسائل والخلافات. فمن فضل الله ع

أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة

أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة توقفنا في الحلقات السابقة عند أصحاب المعروف، فاللهم اجعلنا من أهل المعروف يا رب العالمين! قال صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟) كيف يكون أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؟ أنا ممكن أن أعطي مالاً في الدنيا أو أقول كلمة طيبة، أو أستغل جاهي أو منصبي في خدمة مسلم، لكن ما هو المعروف الذي يقدم في الآخرة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى أهل المعروف، فقال: قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي فهبوها اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في الدنيا وأهل المعروف في الآخرة) يعني: العباد الذين لهم مظالم عندكم أنا أرضيتهم، ولن يطالبوكم بحسناتكم مقابل مظالمهم التي ظلمتموهم بها، والمعنى أن صاحب المعروف يمسح الله ذنوبه، ثم بعد ذلك يرضي له خصومه، ثم بعد ذلك يعوض السيئات التي كانت ستؤخذ منه بأنه يشفع لمن شاء من أهل بيته أو من أصحابه. فالإنسان الذي صنع المعروف في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى سيصنع فيه معروفاً في الآخرة، لكن شتان بين المعروفين؛ معروف الدنيا أن يفرج عن المسلم كرباً في الدنيا، لكن في الآخرة يفرج الله عنك كرب القيامة فأيهما أعظم ثواباً وخيراً؟ عندما يزحزحك الله عن النار ويدخلك الجنة هل يقاس هذا بجنيه الدنيا؟ هل يقاس هذا بأنك سامحت شخصاً؟ كلا، إن معروف الآخرة لا يعوض، اللهم اجعلنا من أهل المعروف في الدنيا والآخرة يا رب! إن الدال على الخير كفاعله، الذي يدل على الخير مثل الذي يفعله تماماً، والله تعالى يحب إغاثة الملهوف، وفي الحديث قال: (من سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على معسر، أو فليدع له، فإن الله يحب إغاثة الملهوف) يعني: إما أن تنفس عن صاحب الكربة فتفرج عنه كربته، أو على الأقل تدعو له، فمثلاً: بلغك أن شخصاً له بنت ارتفعت حرارتها أربعين درجة لم تنزل عن هذا المستوى، وأنت لا يوجد لديك عشرة جنيهات في جيبك تعطيها له ليحضر بها الدواء أو يذهب إلى الدكتور، تقول: يا رب! يا رب! اجعل جسدها برداً وسلاماً من عندك، فإذا كانت دعوتك خالصة فإنها تصل إليها بإذن الله، يعني: هناك أناس سبحان الله العظيم دعوتهم عند الله مستجابة، فاللهم اجعلنا من الذين تستجاب دعواتهم. آمين يا رب العالمين!

من موجبات المغفرة إدخال السرور على المسلم

من موجبات المغفرة إدخال السرور على المسلم وعن أنس رضي الله عنه قال: (قمت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أنس! أما علمت أنه من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؟!) يعني: يغفر الله لك الذنوب بأن تدخل السرور على أخيك المسلم، لقد قلت من قبل إن الحبيب يدلنا على شيء جميل جداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة). سيدنا الحسن البصري تلاميذه يريدون أن ينظروا إليه وهو يحج، يا ترى ماذا سيعمل؟ فعندما بدأ بالطواف وصلى ركعتين في مقام إبراهيم، وشرب من زمزم، دخلوا عليه وقالوا: يا إمام! إننا نشرب ماء زمزم بنية الشفاء، ومنا من يشرب بنية تفريج الكربات ومنا من يشرب بنية كذا وأنت شربت بنية ماذا؟ قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني الله يوم العطش، يشرب من زمزم بنية أن الله عز وجل يرويه يوم أن يعطش الناس! إذاً: أما علمت أن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؛ تنفس عنه كربة، وإذا كان فيه ضيق نفسي بأن تحضر له طبيباً نفسياً فتنفس عنه كربة، أو تفرج عنه غماً، أو تقيم له صنعة، كل ذلك من المعروف. ولو أن أصحاب الصنعة يتقون الله، فإن الله سيكرمهم، عندما يعلم المعلم الصبي العلم، وصاحب الحرفة يعلمه الحرفة، ولكن بدون سب أو لعن أو ضرب فإن الولد سيكون كامل الصنعة، وينشأ أحسن من الذي علمه؛ ولذا لا بد أن تعلمه اليقين والثقة وتعلمه مراقبة الله عز وجل. كذلك أهل البناء الذين يحملون الأسمنت ويصعدون الأدوار العليا، والذين يتعبون ويشتغلون في مصانع الحديد والصلب، هؤلاء لو اتقوا الله لغفر لهم جميع الذنوب التي كانوا قد عملوها أول اليوم، وهذا بتقوى الله فقط. يقول صلى الله عليه وسلم: (من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له) الذي ينام وهو متعب من العمل فإن الله سبحانه وتعالى يمسح له ذنوب النهار كلها، لكن ليتقي الله في عمله، والمسلم لابد أن يكون صادقاً صابراً. كذلك أن تقضي عنه ديناً، وما أحسن عندما تسدد الدين عن أخيك المسلم! (أو تقضي عنه ديناً، أو تخلفه في أهله) يعني: أسافر فهو يرعى بيتي ويأتي إلى البيت من خارج ولا يدخل ويقول: السلام عليكم أتريدون شيئاً من السوق؟ وإذا كان أحد الأولاد في المدرسة عنده مشكلة يذهب معه لينهيها له ويسأل: هل هناك مشكلة؟ هل هناك جار من الجيران يتعبكم؟! سيدنا عمر عندما كان يبعث الناس في السرايا والحروب يأتي إلى جانب الباب ومعه ورقة وقلم، وكان يقرأ ويكتب من فضل الله، فكان يضرب على الباب: يا بيت فلان! يا آل فلان! ألا تحتاجون شيئاً؟ فالمرأة التي بداخل البيت تقول له: نريد من السوق كذا وكذا وكذا يا أمير المؤمنين، فيأخذ الشيء الذي يضعون فيه حاجاتهم بداخله من السوق، فيضعها في حجره ويكتب عليها: هذه لبيت فلان ابن فلان! وهم يريدون كذا وكذا وكذا ثم يذهب إلى البيت الآخر فيقول: أتريدون شيئاً؟ وهكذا يحمل ويحمل، فيأتي له عبد الرحمن بن عوف فيقول: يا أمير المؤمنين! أتحمل هذا كله، دعني أحمل عنك، يقول: أتحمل وزري يوم القيامة؟! ويقول: أنا أبو العيال حتى يرجع المجاهدون؛ ولذلك عندما يموت الإنسان ويكون الأولاد يتامى فإن المجتمع كله يصير أباً لهؤلاء اليتامى، وليس أن يكون وقت الجنازة متفاعلاً فيقول: يا بني! لو احتجت شيئاً فإن بيتي مفتوح لك، وبعد فترة بسيطة جاء يطلب من هذا الرجل شيئاً، فإذا به قد تغير، فلا إله إلا الله! يا أخي! ألم تقل ذلك قبل؟! فنريد أن نتعامل بما يرضي الله في سلوكنا وحياتنا، وليس الإسلام عبارة عن كلام يقال، أو أننا نأتي المسجد ونرجع منه فقط، هأنت في الدرس، فما الذي استفدت منه؟ ثم هل عملت بالذي استفدت من الدرس؟! اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا يا رب العالمين! قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب العباد إلى الله؟ قال: أنفعهم للناس) الذي يؤدي منفعة للناس. يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن؛ تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من المكث شهرين في مسجدي هذا). لأن أمشي مع أخي المسلم أقضي له حاجته خير لي من أن أعتكف شهرين في المسجد؛ لأن الاعتكاف عبادة خاصة بي، لكن عندما أفرج عن مسلم كربة، يقول الله: أتقف بجانب عبدي المؤمن تفرج عنه كربة؟ فأنا سأفرج عنك كربات، وأقضي لك مصالحك، مادام أنك فرغت وقتك وحياتك من أجل هذا الرجل، فسوف أفرج عنك كربتك، وأقضي عنك ديونك وحوائجك، ولكن كن أنت عبداً ربانياً.

فضل من كظم غيظه عن أخيه المسلم

فضل من كظم غيظه عن أخيه المسلم ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن كف غضبه ستر الله عورته). الجنس العربي - وهو مادة الإسلام - يبدو أنه من تراب ساخن قليلاً؛ لأن أصلنا من الأرض التي أتينا منها، يعني: الله عز وجل لما خلق أبانا آدم أمر جبريل أن يجمع له قبضة من تراب الأرض كلها، فجاء الناس على قدر الأرض التي جاءوا منها بنص الحديث. فمنهم سريع الغضب سريع الفيء، أي أنه يغضب بسرعة، ويرضى بسرعة ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء، أحياناً والعياذ بالله تغضب زوجتك مباشرة ولا ترضى إلا بعد مدة، وكذلك بعض الرجال فبمجرد أن يحصل خلاف بينه وبين أحد يظل عشر سنين وهو على هذه الحال غاضباً. ومنهم من هو بطيء الغضب سريع الفيء، هناك أناس أعصابهم هادئة، والله عز وجل يعطيهم شرح صدر. الحسن البصري رحمه الله كان عنده خادم بذيء اللسان، وقليل الأدب، والحسن يسكت عنه ويصبر عليه، فقالوا: يا إمام! أتجعل هذا الخادم معك هل هذا يعقل؟ قال: أتعلم على يديه الصبر! انظر يا أخي إلى هذا الصبر العجيب. شخص آخر يقول له: والله لو كنت في مكانه لأدبته وضربته ضرباً مبرحاً. فيبدو أن المصريين يغضبون بشدة، ولكن جل المصريين سريعي الفيء، يعني: تركب (الأوتوبيس) فتسمعه يتضجر من الزحام ويسب الدولة قائلاً: انظر إلى الضيق والزحمة! ولو نزل ولقي أحد المسئولين لرأيته يسلم عليه كيف حالك يا أستاذ فلان؟ لماذا لا نراك؟ هذه الحكومة طيبة جداً! سبحان الله! إن أثقل ما يوضع للعبد في ميزان الحسنات غيظ يكظمه وهو قادر على أن ينفذه، إنك أحياناً تكون عصبياً، يا أخي! أمسك نفسك قليلاً؛ لأنك إذا تملكت نفسك عند الغضب فقد سترت على نفسك، وستفرح بنفسك جداً. ولذلك قال سيدنا موسى لإبليس: يا لعين! متى تتحكم في بني آدم؟ قال: عندما يغضب ابن آدم يصير في أيدينا كالكرة في يد الصبي يقلبها كيف يشاء. فعندما يغضب العبد يصير في يد الشيطان كالكرة في يد الولد الصغير، والشياطين يجعلون بأسنا بيننا، ولذلك أريد منك ألا تجيب امرأتك إذا أتيت من عملك متعباً وهي غاضبة، فهناك شيطان من أولاد إبليس عمله أن يزرع الخلاف بينك وبين زوجتك، يأتي إلى المرأة فيقول: ردي عليه، فترد على زوجها، ثم يأتي إليك أنت ويقول: ألا تسمع ما تقول؟! رد عليها ولا تسكت، فيرد عليها، فترد المرأة عليه أشد مما رد، فيأتي إليك ويقول: إنك يا رجل صاحب البيت، مد يدك عليها واضربها، فتضربها وتلصقها في الجدار، فيأتي إليها كذلك، ويقول لها: قولي له: إن كنت رجلاً فطلقني، ويأتي إليك، فيقول لك: بالطبع أنت رجل وابن رجل، ولكن إذا كنت رجلاً حقيقياً فطلقها فيقول الرجل: إنني رجل وابن رجل، وسأطلقك، أنت طالق. ثم بعد ذلك يأتي إلى الشيخ: يا شيخ! إنني كنت مغضباً، وقرأت في الكتاب أن الشخص إذا كان غاضباً لا تقع طلقة نقول له: في ساعة الغضب عندما أوقعت الطلاق على زوجتك لماذا لا توقعه على أمك؟ يقول: لا إنها أمي، فنقول له: إذاً أنت تفهم وتعلم أن هذه زوجتك، وأن هذه هي محل الطلاق فطلاقك إذاً وقع، ولا تمزح في دين الله، أمسك عليك لسانك، فأنت تملك الكلمة قبل النطق، فإذا نطقت بها ملكتك. قال صلى الله عليه وسلم: (تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً، ومن كف غضبه ستر الله عورته)، يعني: نحن لنا عورات والله عز وجل عندما نكف غضبنا يستر عوراتنا، اللهم استر عوراتنا في الدنيا والآخرة يا رب العالمين! قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا) يجعلك الله راضياً، لأنك ماذا ستكسب إن أنفذت غيظك؟ افرض أن شخصاً ظلمك فدعوت عليه، ودعوة المظلوم مستجابة، فإن الله يقول لك: إنك تدعو على الظالم وأنت قد ظلمت، وإن المظلوم يدعو عليك، فإن شئت أجبنا لك وأجبنا عليك، وإن شئت أخرتكما حتى يسعكما عفوي يوم القيامة، إذاً: أتحب أن يكون لك وعليك؟ فانتظر حتى يكرمك الله عز وجل. ولا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، الظالم تصل إليه العقوبة قبل أن تدعو عليه أنت.

فضل من مشى في حاجة أخيه المسلم

فضل من مشى في حاجة أخيه المسلم وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن مشى في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل). سوء الخلق مصيبة، العصبية والحماقة مصيبة، لكن الإنسان يتعلم الحلم، يقول الشاعر: كاد الحليم أن يكون نبياً ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإن سألك فأعطيته، فإنما تعطيه ثمن ماء وجهه الذي أراقه). يعني: أفضل المسألة أن تعطيه قبل أن يسأل هو؛ لأنه إذا سأل فأعطيته فإنما تعطيه ثمن ذل المسألة. جاء رجل إلى سيدنا علي وهو جالس مع أصحابه، فجاء على رمل عنده وكتب عليه كلمتين يسأله، فسيدنا علي مسح الكلمتين قبل أن ينتبه لها أحد، ثم كتب الإمام علي للرجل كلمتين، فلما نظر الرجل إلى الكلمتين مسح سيدنا علي على الكلام وقال له: إلى بيتك كأنك ما سألت وسوف يأتيك ما رزقك الله به، لا يريد أن يفضحه على صفحات الجرائد، فهؤلاء هم الناس القدوة!

حديث علي بن أبي طالب في فضل إسداء المعروف

حديث علي بن أبي طالب في فضل إسداء المعروف يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي: (يا علي كن سخياً؛ فإن الله يحب السخاء) وقلنا: إن الكريم قريب من الله وقريب من الناس، والبخيل بعيد عن الله، وبعيد عن الناس، وبعيد عن الجنة، وقريب من النار. يقول صلى الله عليه وسلم: (يا علي! كن سخياً؛ فإن الله يحب السخاء، وكن شجاعاً؛ فإن الله يحب الشجاعة) الشجاع: الذي يقول الكلمة ولا يخاف في الله لومة لائم؛ لأنك لو قلت كلمة الحق حوسبت عليها فمت بسببها فإنما تموت بقضاء الله، لا تظن أنك مت من أجل أنك قلت هذه الكلمة. قال صلى الله عليه وسلم: (وكن غيوراً فإن الله يحب الغيور) ولذلك أي شخص امرأته وابنته وأخته ليست محجبات ليس بغيور، وإنما هو ديوث ومكتوب على باب الجنة: (لن يدخل الجنة ديوث) والديوث: الذي يرى القبح في أهله ويسكت عليه. يا أخي! قل لزوجتك: لا تخرجي من البيت إلا بحجاب، فإن قالت: أنا لن أتحجب، فقل لها: لن تخرجي من البيت وإن خرجت فسوف أصنع وأصنع هددها، لا خروج إلا بحجاب، هي تريد أن تأتي إلى خالتها أو عمتها أو أمها وهي لابسة لبساً جميلاً لا يظهر منها شيء إلا رجلاها وذراعاها وشعرها ورقبتها!! بالله عليك ماذا تقول في هذا المجتمع الذين نعيش فيه؟! تأمر بالمعروف تجد الكل يهاجمك ويقول: أنت المخطئ، تقول لك أمك: أنت لم تلق إلا هذه، إنها تمشي في ما يرضي الله! فأنت إن كنت رجلاً فقل لها: لا تخرجي بدون حجاب، فأهل العلم يقولون: المرأة لا تخرج من بيتها إلا محجبة، وأنت زوجتي ويوم القيامة أنا مسئول عنك. قال صلى الله عليه وسلم: (وكن غيوراً فإن الله يحب الغيور، وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها، فإن لم يكن لها أهلاً كنت أنت لها أهلاً) يقول الناس: لا تصنع المعروف في غير أهله فتندم، وأنا قد قلت: إن هذه المقولة خاطئة، هذه ليست حكمة، هذا كلام خطأ، اسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صنعت المعروف في أهله فقد أصبت أهله، وإن لم تصنع المعروف في أهله فأنت أهله) إن صنعت المعروف في غير أهله فأنت أهل للمعروف. فأدخل السرور على امرأتك واجعلها دائماً راضية، وأدخل السرور على بنتك لا تنكد عليها، واجعلها تصاحبك، من أجل ألا تفضل صاحبتها عليك، قل لها: ما بك يا ابنتي! لماذا أنت حزينة؟ ما لك متضايقة؟ عندما تريدين شيئاً فاطلبيه مني، فالبنت بطبيعة الحال تشعر بالأمان، لكن عندما تقول لها: أنا مشغول، والأم مشغولة، فإلى أين تذهب البنت؟! لذلك أهيب بالمسئولين على التعليم أن يتقوا الله في بناتنا، ولا داعي للدراسة بعد الظهر، البنت تخرج من مدرستها المغرب الساعة السابعة وعمرها سبعة عشر عاماً، والمدارس بعيدة، فتأتي البنت من باب السوق، والشارع مظلم، أنا بنفسي أخاف أن أمشي وحيداً منه! فعندما تخرج البنات يتعرض لهن الأولاد الذين هم في غاية من الوقاحة، والذين يفتخرون بوقاحتهم ويقول القائل منهم: هذا الولد الصايع هو هو! أما صاحب المسجد فسوف يدخلنا في داهية، هم يقولون عليكم هذا القول! يقولون: الشاب الذي هو في المساجد هذا متطرف، وهذا هو الذي سيدخل البلاد في داهية، وأنا مشيت بنفسي على رصيف الشارع فوجدت مجموعة من شباب الأندية، وإذا بهم يقولون: هذا الذي سيعمر البلد! بل هو هذا الذي سوف يخربها. يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليبعث المعروف يوم القيامة في صورة الرجل المسلم، فيأتي صاحبه إذا انشق عنه قبره فيمسح عن وجهه التراب) المعروف يمسح عن وجهك التراب أول ما يلتقي بك! يقول صلى الله عليه وسلم: (ويقول: أبشر يا ولي الله، لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة فلا يزال يقول له: احذر هذا، اتق هذا، يسكن بهذا روعه حتى يجاوز به الصراط، فإذا جاوز به الصراط عدل به إلى منازل الله عز وجل في الجنة، ثم ينثني عنه المعروف فيتعلق به يقول: يا عبد الله! من أنت؟ خذلني الخلائق يوم القيامة وما خذلتني، يقول: أما تعرفني؟ أنا المعروف الذي عملته أنت في الدنيا بعثني الله خلقاً ليجازيك به يوم القيامة). إذاً: لا تقصر في عمل المعروف ما دمت تقدر على ذلك، وإذا لم تستطع فادع له بالتيسير وستفرج إن شاء الله.

وصف الجنة وأهلها

وصف الجنة وأهلها قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود:106]. الأصل أننا نتكلم عن الجنة، ولكن قبلها نتكلم عن هذه الآيات التي تكلمت عن النار والعياذ بالله! قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107]. قوله: (ما شاء ربك) هل الكافر سيخرج من النار؟ A لا، العربي كان إذا أراد أن يعبر عن ديمومة الشيء يقول: إن هذا الشيء دائم لا ينتهي ما دامت السماوات والأرض؛ لأن العربي عندما نشأ في الجزيرة فوقه سماء، وتحته الأرض، وعاش أجداده وآباؤه ولم تنته إذاً: كان هذا دليلاً على أن الشيء دائم فأصبحوا يقولون: ما دامت السماوات والأرض، إذاً: الذين شقوا والعياذ بالله في النار ما دامت السماوات والأرض. قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] المستثنى هنا: من قال لا إله إلا الله، حيث قال: (أخرجوا من النار كل من قال لا إله إلا الله)، ولكن الكارثة أن بعض النساء اللائي لسن بمحجبات يقول لهن بعض الناس: ألم يقل لكن الشيخ: كل من قال لا إله إلا الله سيخرج من النار؟ الأمر سهل ستدخلينها مدةً ولكن هذه المدة كم مقدارها؟! اليوم عند الله عز وجل كخمسين ألف سنة، فخمسة أيام بربع مليون سنة، وعشرة أيام بنصف مليون سنة، والشهر أكثر، وهذه مصيبة! يقول تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12]. والعبد لا ينظر إلى صغر الذنب، ولكن لينظر إلى عظمة من عصى، كان أحد الصالحين يقول: لو أوعدني -لو هددني- الله عز وجل بأن يحبسني في حديقة، لكنت من الخائفين، فما بالكم وهو يهددنا أن يحبسنا في النار؟! ثم يقول تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] فالعطاء غير منقطع ولا منته، إذاً: الذين في الجنة هؤلاء هم أهل السعادة.

صفة الجنة في سورة الرعد

صفة الجنة في سورة الرعد ويقول تعالى في سورة الرعد: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد:35] والمقصود من الآية أن الأكل والظل دائم، لكن في الدنيا الأكل قد ينتهي؛ ولذلك الناس الذين في روسيا لا يجدون اليوم ما يأكلون، وقد تحصل مجاعة في أي بلد، لكن في الجنة لا توجد مجاعة. الله عز وجل عنده خير، وعنده خزائن لا تنفد، ولذلك يؤتى بك يا أيها الفقير الذي لم تذق طعم الراحة فيقال لك: كل يا من لم تأكل ولم تشرب، تنعم يا من لم يتنعم في الدنيا، لذلك قلنا إنه يؤتى بأبأس أهل الأرض ويغمس في الجنة غمسة ثم يقال له: (يا عبدي! أرأيت بؤساً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك، أنا في النعيم منذ أن خلقتني)، يعني: مجرد أن غمس غمسة واحدة في الجنة نسي كل شيء، نسي امرأته، ونسي هم أولاده وجاره الذي كان يؤذيه، فكيف إذا مكث فيها باستمرار؟ قال صلى الله عليه وسلم: (ويؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في جهنم غمسة فيخرج كالفحمة السوداء، فيقال: عبدي هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك، لأنا في الشقاء منذ أن خلقتني). وجاء في الأثر: إن أول شربة يشربها المؤمن من حوض الكوثر تجري في وجهه نضرة النعيم، ثم الشربة الثانية تنزع الحقد والهم والغل الذي في قلبه وعندما يدخل الجنة لا يمن على أحد.

صفة الجنة في سورة محمد

صفة الجنة في سورة محمد وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] ومعنى (ماء غير آسن) أي: غير راكد وإنما هو ماء متجدد وجار. قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] فاللبن في الجنة ليس مثل لبن الدنيا، وإنما هو أنهار من لبن، وليس طعمه ولونه كلبن الدنيا، وإنما سماه الله لبناً لكي يقربه إلى الأفهام. قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] أي: ليس فيها كحول، ولا تسكر العقول، لأنك حرمت على نفسك خمر الدنيا فعوضك الله عنه خمر الجنة. قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15] أي: لا يوجد فيه شمع، وهذا الشمع يأتي من النحل، لكن العسل الذي من عند الله عبارة عن أنهار في الجنة! كل هذا النعيم للناس المساكين في الدنيا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. قال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [محمد:15] بعد كل هذا النعيم الثمرات التي تعرفها والتي لا تعرفها من الفواكه الغريبة التي لا توجد في الدنيا. قال تعالى: {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:15] هذا أكبر وأجمل شيء. قال تعالى: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} [محمد:15] أيعقل أن يكون هذا المؤمن الذي له كل هذا كمن هو خالد في النار؟ هل يستوون عند الله؟ لا يستوون. قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] أي: أهل النار، ولا داعي للتطرق لهم الآن، نحن في صفة الجنة وأهلها.

وصف الجنة وأهلها في سورة الفرقان

وصف الجنة وأهلها في سورة الفرقان لنأت إلى الفرقان أولها ونصفها وآخرها، في أول الفرقان يقول تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} [الفرقان:11] أي: ينكر الساعة بالمرة يقول لك: لا، يا أستاذ! المشايخ يضحكون عليكم فقط في الجامع من أجل أن يأتوا بكم إلى المساجد. قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان:11] والعياذ بالله رب العالمين. {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان:12] كما قلنا في حلقات النار: إنه ستخرج منها أعناق تلتقط أصحابها كما يلتقط الطير الحب، تشم رائحة صاحبها المتكبر والمتجبر والمغتاب والنمام والحسود والحقود، كل هؤلاء تأخذهم والعياذ بالله! قال تعالى: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12] تأكل بعضها! ولذلك كان الحسد من الكبائر لأنه صفة من صفات أهل النار؛ ولأن الحسود يأكل نفسه، حاله مثل حال النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، والعياذ بالله! قال تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ} [الفرقان:13] أي: عندما يقدمون فيها مكبلين بالأغلال والسلاسل والعياذ بالله! قال تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان:13] الثبور: هو الهلاك والدمار والعياذ بالله رب العالمين! قال تعالى: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} [الفرقان:14] إنه ليس هلاكاً واحداً، وإنما هو عدة هلاكات وراء بعضها، ولذا قال: {وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:14]. ثم بعد ذلك قال: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ} [الفرقان:15] الله عز وجل يقول لسيدنا محمد: قل يا محمد لهم: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا} [الفرقان:15]، أيعقل أن تستوي جهنم التي تنادي على أصحابها وهم يسمعون لها تغيظاً وزفيراً، وعندما يلقون فيها يلقون مقرنين بالأصفاد ويقولون: يا هلاكنا! يا ويلنا! يا شقاءنا! أهذا خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون؟! اللهم اجعلنا من أهل التقوى لابد أن ندعو ربنا سبحانه وتعالى. ثم يقول تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] (مقيلاً) أي: يقيل فيها وهو مستقر في القيلولة. ثم يقول تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:75 - 76].

وصف الجنة وأهلها في سورة (ق)

وصف الجنة وأهلها في سورة (ق) ويقول تعالى في سورة (ق): {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:31] يعني: قربت من أجل ألا يتعبوا، وكذلك غير بعيد في الدنيا، الذي يريد أن يدخل الجنة فإنها قريبة منه؛ لأن لها أبواباً وأماكن، فهذه المنطقة التي نجلس عليها الآن قطعة من الجنة: (إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس العلم) يقول: إنك جالس في روضة من رياض الجنة، أتريد أن تذهب إلى أين تذهب؟ يقول لك: أريد أن أجلس حتى الصباح، إلى أين أذهب؟ أول ما أخرج من المسجد لا أسمع إلا البلاء والمشاكل؛ فالجنة قريبة بالصبر، إذا أردت أن تقرب من الجنة فاصبر، ونحن في الدنيا في دار ابتلاء، وهنيئاً للذي يبتلى ويصبر، ومن أصعب أنواع الابتلاءات موت الابن العزيز عليك، أو البنت، فلو صبرت أجرت، يقول الله عز وجل: (أقبضتم روح ولد عبدي؟ يقولون: نعم يا رب، أخذتم فلذة كبده؟ يقولون: نعم يا رب، يقول: وماذا صنع عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد، ولا تكتبوا عليه سيئة حتى يموت). إذاً: هذه هي الجنة، الأولاد الذين ماتوا صغاراً، الذين نزلوا إلى الدنيا ولم يعمل أحدهم إلا صوتاً أو مكث قليلاً ومات، هؤلاء يحدثون ضوضاء على باب الجنة والحساب لم يبدأ بعد، فيقول الله: ما هذا الذي أسمع يا جبريل؟ فيقول: يا رب! هؤلاء أبناء المسلمين الذين ماتوا صغاراً، رفضوا دخول الجنة إلا بصحبة آبائهم وأمهاتهم، فيقول: يا جبريل! من صبر من آبائهم وأمهاتهم فأدخلوهم معهم! الذين غرقوا في البحر كأصحاب الباخرة هؤلاء شهداء عند الله، والمرأة إذا ماتت وهي تضع شهيدة عند الله سبحانه وتعالى، وشخص صدم بحادث سيارة فمات هو شهيد عند الله، وشخص سقط من مكان عال فمات هو شهيد عند الله، لكن المهم أن يكون عبداً لله عز وجل، والحمد لله شهداء أمة محمد كثيرون! فكل هذه أبواب من أبواب الجنة، لكن الذي يراد منك هو الصبر، قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:31 - 32]. ما معنى الأواب؟ الرجاع إلى الله، يعني: أنه يخطئ ويرجع مرة أخرى، ويخطئ ثم يرجع مرة أخرى، مثلما حكينا عن الحسين رضي الله عنه أنه جاء إليه رجل وحاله كحالنا فقال: يا إمام! عندي مرض، قال له: ما مرضك؟ قال له: مرضي أني كلما أريد أن أتوب أرجع إلى الذنوب مرة أخرى! بالله عليك أليس حال هذا الرجل كحالنا؟ قال له: سأدلك على حلول خمسة: قال له: هات الأول، قال: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال له: وهل يعقل أن أعصي في مكان لا يراني فيه؟! بل يرى ويسمع دبيب النملة السوداء، فوق الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، فلا ورقة من شجرة تسقط إلا وهي مكتوبة عنده في كتاب، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس إلا مكتوب كله عنده! ثم قال: أعطني الدواء الثاني قال له: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملكه، فكيف تعصيه في ملكه؟ هل يعقل أن أدخل بيتكم وأقل أدبي؟! سأكون قليل أدب. ثم قال له: هات الثالثة، قال له: إن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله، يعني: كيف تأكل من رزق الله وتعصيه؟ إن الرجل ينفق على ابنه ومجرد أن الولد لا يحترم أباه إذا به يقول له: إنني قد أنفقت عليك كذا وكذا، فقال له الرجل: لا لا، إن هذه أصعب من الأولى. ثم قال له: إن أردت أن تعصي الله وجاءك ملك الموت فقل له: أخرني حتى أتوب، قال له: هذا لا يعقل. الخامسة قال له: إن أردت أن تعصي الله ووقفت بين يديه يوم القيامة وقال لك: عبدي لم عصيتني؟ فقل له: أنا لم أعصك يا رب، قال: أكون كذاباً في الدنيا وأكذب على الله يوم القيامة! أشهد الله أني قد تبت إليه توبة نصوحاً. إذاً عندما تقترف الذنب جرب هذه الخمسة؛ أعصه في مكان لا يراك فيه، وفي ملك غير ملكه، ولا تأكل من رزقه، وعندما يأتيك ملك الموت قل له: انتظر حتى أتوب، وعندما تقف بين يدي الله قل له: أنا لم أذنب، لا يصح هذا كله، إذاً: تب أفضل لك. قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:31 - 32]. الحفيظ هو الذي يحافظ على حدود الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه) فلكل ملك حمى، تأتي إلى منطقة معينة تجدها مقفلة ممنوع الدخول فيها؛ لأن هذه المنطقة تبع للوزير الفلاني، وهذه المنطقة تبع لفلان، وهذه تبع الهيئة الفلانية، لا تدخل إن هذا حمى، والدخول في الحمى غلط، كذلك في حمى الله عز وجل. قوله: (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ) أي: محافظ على كتاب الله، محافظ على سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، محافظ على أوامر الله، يحافظ على أنه لا يدخل فيما حرم الله، من هو هذا؟ قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:33] أي: الذي يحفظ الله ويخشاه بالغيب، قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] أي: قلبه منيب إلى الله، قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] لابد أن ترجع، ورجعتك تكون لله رب العالمين. قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34] الذي يعيش مع الناس بسلام سوف يدخل في دار السلام، والذي يعيش مع الناس في حروب وصراعات ومشاجرات ومحاكم لن يدخل بسلام. وهذا حبيب النجار صاحب (يس) عندما جاء رسولان من قبل الله عز وجل، فأصحاب جنوب فلسطين كذبوهم، قال الله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:14] أتى برسول ثالث ولكن لا فائدة، أتى حبيب النجار ومكث ينصحهم ويدعوهم: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس:21] فلم يعجبهم كلام حبيب النجار؛ لأن هناك أناساً يضيقون ذرعاً بكلام المصلحين؛ فأضجعوا حبيب النجار ووقفوا على بطنه فخرجت أمعاؤه من دبره، فمات شهيداً. فأول ما مات أحياه الله حياة برزخية {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 - 27] فأول ما مات قال الله عز وجل له: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26] ومثل عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، عندما أسلم وأراد أن يرجع إلى قومه قال: يا رسول الله إني أسلمت وسأعود لأدعو قومي إلى هذا الدين القويم، قال له: يا عروة سيؤذونك، قال: لا تخف يا رسول الله! إن قومي لو وجدوني نائماً لما أيقظوني، فلما رجع إليهم دعاهم إلى الله وإلى الإسلام فرفضوا دعوته وأسمعوه من الأذى، فلما كان وقت الفجر قام ليؤذن فرماه رجل بسهم فقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عروة إنما هو كـ حبيب النجار) فهو شبيه بـ حبيب النجار صاحب يس، يسمى بصاحب يس، كمثل صاحب غافر التي هي سورة المؤمن، الذي هو مؤمن آل فرعون، رضي الله عن الجميع، وحشرنا الله وإياكم في زمرة الصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_الجنة ومؤمن آل فرعون

سلسلة الدار الآخرة_الجنة ومؤمن آل فرعون الجنة دار النعيم المقيم والنار دار العذاب الأليم، ومن المؤمنين الذين ذكروا في القرآن واستحقوا الجنة مؤمن آل فرعون الذي جهر بالحق ونصح قومه ودعاهم إلى الجنة وحذرهم من النار.

التمسك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله

التمسك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين! اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم قربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم فرج كرب المكروبين، اللهم فرج كرب المكروبين، اللهم فرج كرب المكروبين، ولا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً. اللهم حبب الإيمان إلينا وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب! أحوالنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، إنك يا مولانا! على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم على البشير النذير، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب! تسليماً كثيراً. وبعد: فقد عشنا حلقات ثمانياً في الجنة، وهذه هي التاسعة بإذن الله رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين! والمسلم يعيش على الأمل، ويعبد الله عز وجل والأمل يحدوه إلى رحمة الله، فلولا الأمل لما استمرت الحياة، ولولا أن يحيا الإنسان على الأمل لضاقت السبل بين يديه، ولكن المؤمن دائماً يجب أن يكون مؤملاً في رحمة الله عز وجل، بعد أن يسلك الأسباب التي قدرها الله له، بأن يتجنب المحارم ويستقيم على طريق الله، ويتوكل على الله حق التوكل، وأن يكون بما في يد الله أوثق مما في يده هو، وأن يزهد في الدنيا، وألا يزهد في مجالس العلم. وهناك أناس كثيرون جداً عندهم زهد لكن ليس في الدنيا، وإنما زهده في مجالس العلم، وربما هذه النصف الساعة التي نجلسها في مجالس العلم يكون بيننا فيها رجل صالح أو امرأة صالحة فينظر الله إليه نظرة رضا فيرضى عن الجميع من أجله. ولذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه عندما يجد صغاراً يلعبون في الشارع يدخل وسطهم، ويقول: السلام عليكم، فيردون: وعليك السلام يا أمير المؤمنين! فيقول: ادعوا لي، فيفهم الأولاد، فهم أولاد الصحابة، ويقولون: أندعو لك يا أمير المؤمنين؟! فيقول: إنه لم يجر عليكم القلم بعد، ولم تزل دعوتكم غضة طرية مقبولة. وكان ابن عمر يختم القرآن كل ليلة جمعة، ويرتب أموره هكذا، فيختم القرآن أربع مرات في الشهر، ونحن نريد أن نعمل مثل ابن عمر إن شاء الله، ومن أحب قوماً حشر معهم. اللهم اجعلنا من أهل القرآن يا رب، ومن المحبين لأهل القرآن يا رب! فـ ابن عمر كانت تأتي ليلة الجمعة فيجمع أولاده وأطفال الحي ويدعو في ختام القرآن والأطفال يؤمنون على الدعاء. ولم يكن يعمل مثل المصريين اليوم يوزعون الثلاثين جزءاً على ثلاثين شخصاً ويقولون لك: نحن ختمنا القرآن. ويريدون أن يعملوها بالحساب مع الله، وهذا استهبال، وكل واحد إنما قرأ جزءاً، وأنا لا أقول لك: حرام ولا بدعة، لكن لا أقول لك إنك أخذت ما أخذه من قرأ القرآن كله. وهذا الأمر انتشر بين الناس كلهم، ونحن نريد أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمصريون اخترعوا شيئاً لم يعرفه الصحابة وكأنهم أنصح من أبي بكر في الإيمان، وأقوى ديناً من عمر، وأنصح يقيناً من عثمان، وأقرب إلى الله من علي، وأعلم بسنة رسول الله من عمار ومن بلال! فهؤلاء لم يعملوا هذه الحكاية، وهذه لم تظهر إلا في عصور التكاسل عن العبادة، فنقعد كلنا قعدة واحدة وكل واحد يقرأ جزءاً، وما أسهلها من طريقة، فهي سهلة جداً. ويقول لك: جاء في الحديث: (سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن). ويقول لك: الذي يقرؤها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كله. ونعم هي تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية، وفيه تقريباً ألف آية تتحدث عن التوحيد، فثلث القرآن يتحدث عن التوحيد؟ وسورة الإخلاص كلها عبارة عن توحيد، وفيها المعايير التي في الألفين آية التي في التوحيد، وليس معنى هذا: أن من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات كان كمن ختم القرآن. وقد ورد في الحديث أن: (من صلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة، وصلاة في مسجدي هذا تعدل عشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة)، يعني: الذي يصلي ركعتين في المسجد الحرام يثاب ثواب مائة ألف ركعة، ويأخذ ثواب مائة ألف ركعة، وهذا خطاب جميل جداً، فلو صليت في أسبوع ثلاثمائة ركعة، فاضرب ثلاثمائة في مائة ألف يصبح لنا عند ربنا صلاة ثلاثين سنة، وهذا استهبال واستهزاء، وإذا قيل هذا الكلام للناس فإنهم يتلكئون في العبادة. والعبادة لها قانون، كما أن للكرة قانوناً، حتى المخرج يقعد أمام الكاميرا ويقول لك: هذا غير مضبوط، أعد المشهد مرة أخرى. سبحان الله! المخرج عنده قانون في التسجيل وفي الإخراج، وأنت في دين الله تريد أن تمشي من غير قانون؟! ونحن لنا كتاب وسنة، ولنا علماء، وما زالت والحمد لله مصر مليئة بالخير بفضل الله عز وجل، وأهل العلم الصادقون فيهم، والمزيفون موجودون أيضاً في كل مكان، ونحن لا نريد أن ننحرف بعيداً عن كتاب الله، فاللهم اجعلنا من العاملين بكتابك وسنة رسولك صلى الله عليه وسلم يا رب العالمين!

الاتباع هو طريق الجنة

الاتباع هو طريق الجنة ما زلنا في آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الجنة، وسنطوف في الجنة ونقطف أزهاراً ووروداً جميلة زكية عظيمة كريمة من كتاب الله الكريم ونحن نتحدث عن الجنة؛ لأن حديثنا عن الدار الآخرة قد اقتبسناه من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يوجد حديث عن الدار الآخرة موضوع بالقياس ولا بالاجتهاد ولا بالمخ، وإنما قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم. آخر الآيات التي توقفنا عندها في الحلقة السابقة كانت مع سورة يس، وكانت مع صاحب يس حبيب النجار، فإن حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20 - 21]، يعني: إذا كنت تريد أن تدخل الجنة فاتبع المرسلين.

صكوك الغفران

صكوك الغفران وهناك في الأديان الأخرى يوجد صك الغفران في الكنيسة، يذهب ويقعد الزبون المذنب على الكرسي -كرسي الاعتراف- أمام أبوه، ثم يعترف له، ويقول له: يا أبت! أنا عملت وفعلت والأب يسمع، إذاً: ستدفع كم للكنيسة. وعلى قدر ما يدفع تكون المغفرة. فيقول: أدفع مثلاً خمسة آلاف جنيه. فيقول: لا، هذه لا تنفع، ولا تخرجك من جهنم، ويقول له: زد قليلاً. فيقول له: سبعة. فيقول: أيضاً زد قليلاً. فيقول له: عشرة آلاف. فيقول له: نعم، عشرة آلاف جيدة. ثم يقول له: أنا أبشرك، بعدما تدفع عشرة آلاف اذهب فقد غفر يسوع الرب لك، وأنت لن تدخل النار، فقد انتهى موضوعك. والإسلام أعظم من هذا بفضل الله، هذا اسمه ضحك على الدقون، أناس مجانين يقودون أهل العمى.

كيفية التوبة في الإسلام

كيفية التوبة في الإسلام ونحن في دين الله عز وجل الإسلام الدين الصحيح لا يوجد كلام التهريج، فالذي يذنب ذنباً صغيراً أو كبيراً لا يوجد شيء اسمه اعتراف أو أي كلام من هذا، وإنما يجب إذا أذنبت أن تستر ذنبك، وربنا من أسمائه الستير، فإذا أذنبت فلا تخبر أحداً، وتب بينك وبين ربنا، فقم وتوضأ وصل ركعتين، ركعة تقرأ فيها الفاتحة والكافرون، وركعة تقرأ فيها الفاتحة والإخلاص بنية التوبة، فإذا صليت هاتين الركعتين بنية التوبة ولم تحدث نفسك فيهما بشيء يعني: حاولت تركز فيهما، فقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. فلا تعترف أمام أحد، فأنت عملت الذنب بينك وبين نفسك وربنا هو الذي رآك، إذاً: فارجع إلى الله وأنب إليه حيث لا يراك أحد، وإنما يراك السميع البصير، فتقول: تبت يا رب! فيقول: قبلت يا عبد! وكأن العبد يقول: يا رب! إني قد أذنبت، فيقول: يا عبدي! وأنا قد رأيت، فيقول: يا رب! أنا قد أجرمت، فيقول: يا عبدي! وأنا قد علمت، فيقول: يا رب! إني قد انحرفت، فيقول الله عز وجل: وأنا قد أمهلت، فيقول: يا رب! لقد عدت، فيقول الله له: وأنا قد قبلت. وأفضل ما يحب أن يسمعه الرب من عبده كلمة: يا رب! والرب مشتق من التربية، والذي رباني هو الله، فهو الرب، والمرأة تسمى باسم لطيف جداً: ربة البيت، والمرأة قد تغضب جداً إذا كانت موظفة كبيرة أو أستاذة في الجامعة أو مهندسة، ثم تترك العمل وتخرج جواز سفرها أو البطاقة الشخصية الجديدة وفيها أنها ربة منزل، وتراها أعظم مهنة، ونحن عندنا الأم المثالية هي أن تكون ربة منزل.

بيان حب الله لعباده وحب عباده له

بيان حب الله لعباده وحب عباده له أعظم شيء أهداه الله إلينا وهدانا إليه هو الإسلام الدين الصحيح، وما دام أنه قد حبب إليك الإسلام وحبب إليك مجالس العلم فاعلم أن الله قد اختارك، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]. فربنا اختارك لأجل أن تقعد هذه القعدة، فإذاً: هو يحبك، لكن المهم أنك تحبه، وكلنا نحب ربنا، ولكن درجاتنا في الحب مختلفة، أو تعبيراتنا في الحب أو عن الحب متباينة، فشخص يعبر عن الحب بكثرة البكاء، وشخص يحب ربنا بأن يقوم الليل، وآخر يصوم ويكثر من الصيام، وشخص يتصدق، وشخص يستخدم جاهه في خدمات الناس، وشخص يفرج الكربات عن الناس. فكل يعبر عن حبه لله عز وجل والتقرب منه بالعمل الذي يسره الله له. اللهم يسر لنا حبك يا رب العالمين! قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وأحب العباد إلى الله كما قال: من أحبني وحببني إلى عبادي وحبب العباد إلي، وكونه يحبب العباد إلى الله ويحبه هذه واضحة، أما كيف يحببه للعباد فقال الله: يذكرهم بنعمائي، فيحبني عبادي، فأحبهم، فأرضى عنهم، فأنعمهم في الجنة، فيبدأ العبد يذكر الناس بنعم الله عليهم، وأنت حين تعد نعم الله لا تستطيع أن تعد، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] ولا يستطيع إنسان أن يحصي نعم الله أبداً.

بعض السور التي ورد لها اسمان

بعض السور التي ورد لها اسمان سورة المؤمن هي سورة غافر، فلو وجدت في مصحف من المصاحف سورة المؤمن فلا تقل: هذا المصحف محرف، وهي مثل سورة الإسراء تسمى سورة بني إسرائيل، وسورة التوبة تسمى سورة براءة. اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين.

أقسام الخوف

أقسام الخوف الحديث عن مؤمن آل فرعون هو حديث عن كل مؤمن يقول الحق، ولا يخاف في الله لومة لائم، والمؤمن لا يخاف إلا من الله، ولذلك روي في الأثر: خف من الله، وخف من ذنوبك، وخف ممن لا يخاف الله. والخوف من الله معروف، والخوف من الذنوب حتى لا تلقيك إلى الهاوية، ويختم لك بها، اللهم اختم لنا بخير يا رب! وخف ممن لا يخاف الله، وهذه مقولة ذات وجهين. فمثلاً: شخص لا يخاف من ربنا، ويفطر عمداً في رمضان، وتجده يشرب الدخان في نهار رمضان، فتقول له: عيب يا أستاذ فلان! فيقول لك: نحن لم نخف من ربنا، نخاف منك أنت؟! فهذه بدعة، ولو كان هناك دولة إسلامية فإنها تأخذه وتضعه في السجن وتمنع عنه الأكل، ولا تعطيه الأكل إلا في ساعة المغرب؛ لأنه يفطر في رمضان، فيجب أن يشهر به؛ لأنه مجاهر بالمعصية.

تردي الأخلاق وانتشار المعاصي، وواجبنا تجاهها

تردي الأخلاق وانتشار المعاصي، وواجبنا تجاهها والفلاسفة يقولون: حرية الرأي، وليس عندنا في الإسلام حرية رأي في هذه المسألة، وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يغضبون، وعملهم مثل رجال المرور الذين ينظمون المرور في الشارع وشرطة المرافق وأصحاب الآداب، والمصيبة أن أصحاب الآداب لا يشتغلون إلا في قلة الأدب. ونحن عندنا فرع من الآداب الذي يخرج عن الآداب الإسلامية، فتجد الواحد يسب الدين في الشارع، وآخر يضرب ولداً صغيراً، وثالثاً لا يصلي، ورابعاً يفطر رمضان عمداً، وامرأة تمشي بلباس خليع في الشارع وكل الناس تنظر إليها وترتكب المحرمات، وما دام لا يوجد حكم إسلامي فالذي نستطيع أن نعمله أن كل واحد يربط ويضبط بيته، لا أن نتركها غنماً بلا راع، فما لا يدرك كله لا يترك كله، والذي لا نستطيع أن نعمله كله لا نتركه كله، فنعمل على قدر ما نستطيع، وكل واحد في بيته، أنا في بيتي، وأنت في بيتك، وهذا في بيته، وهذه في بيتها، فينضبط المجتمع، وهذا الكم الذي معنا لو أن كل أحد استقام في بيته فكم أسرة ستستقيم، وهكذا المسجد الثاني والثالث والرابع، فستجد الخير ينتشر، ولا تيأس أبداً حين تلقى الشر ينتشر، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17] فإن شاء الله الخير سيأتي.

لكل حاكم بطانتان

لكل حاكم بطانتان سيدنا موسى ذهب هو وأخوه هارون إلى فرعون وملئه، فقام يدعوهم، وجلس فرعون يستشير حاشية السوء، وأي حاكم على مستوى التاريخ كله له بطانتان، بطانة خير تحضه على الخير والحق، وبطانة شر تحضه على الشر والسوء، فأيهما غلب غلب، فلو كانوا أهل خير فسيدلونه على الخير، ولو كانوا أهل شر فسيأخذونه دائماً ويزينون له المعصية. والمرأة لما دخلت على الحجاج بن يوسف فوعظته وأغلظت في الموعظة، فقال الذين حول الحجاج: اقتلها يا أمير! تتجرأ وتكلم الرأس الكبير بلا أدب، فتبسمت المسلمة وقالت: أصحاب أخيك فرعون كانوا أفضل من أصحابك. فقال: لماذا؟ قالت: حاشية فرعون قالوا لـ فرعون: {أَرْجِه وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء:36 - 37]، يعني: أنظره قليلاً، واعرض الوجه الآخر والرأي الآخر. ونحن نقول دائماً: إن كثيراً من حكام عصرنا في البلاد التي تقول: إنها إسلامية لا يوجد عندهم ربع ديمقراطية فرعون، فإن فرعون المتجبر كان عنده ديمقراطية، فقد أراد أن ينتظر قليلاً؛ لكي يعرضوا وجه النظر الآخر.

عصمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم

عصمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الناس يؤخذ منهم ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أي أحد قد تأخذ من كلامه وقد لا تقتنع به، إلا سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ينطق عن الهوى. وأنا أخاف وأشعر برعب عندما أجلس في مجلس أحد يناقشني ويقول لي: يا سيدنا الشيخ! نحن جئنا زيارة خمس دقائق وسنقوم، هل الحجاب فرض؟ فأقول: نعم فرض يا أستاذ! فيقول: من الذي فرضه؟ فأقول: ربنا. وترد المرأة وتقول: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هكذا. وسبحان الله! فكأنما تنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، يعني: تنكر أمراً من أوامر الله. فالمصيبة أن يكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقول. ويقول: إنه لم يقله. فلا تقعد تتجادل مع شخص لا يفهم في الدين، فتقول له: الرسول صلى الله عليه وسلم قال، ويقول لك: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل، فتخرجه من ملة الإسلام من غير أن تشعر. وقد تقول له: هذا في البخاري، فيقول لك: البخاري كم فيه من حديث ضعيف!

الفرج بعد الشدة

الفرج بعد الشدة في الأخير قرروا قتل موسى وأخيه، وهذه حجة الضعيف دائماً، وكما يقال: ارميه في السكة. ثم يطلع من بين السواد نور، ويطلع في حلكة الليل ضياء القمر. وإذا ادلهمت الظلماء وأحلولك عليك ظلام الظلم من حولك فثق أن الفرج قريب، وإذا ضاقت واستحكمت وظننت أنه لا مخرج ولا فرج منها فاعلم أن فرج الله آت، فإذا ضاقت عليك جداً جداً وقلت: إنها أقفلت فاعرف أنها ستفتح الآن ما دام أنها اشتدت جداً، فالله يترك العبد يأخذ كل أسبابه حتى يقول: يا رب! انتهيت من الذي عندي، فيقول له: نحن نخلص لك الموضوع، ويقول للشيء: كن فيكون. فعندما تضيق بك الأحداث وتشعر أن كل الدنيا ضدك وأنك مظلوم وتقول: قد أقفلت ولا يوجد نتيجة فاعلم أن للكون مدبراً، وأن لله يداً تعمل في الخفاء، فدعها تعمل ولا تتعجلها، فإن الله لا يعجل لعجلة عبده، وإنما يقضي الأمر في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وبالطريقة التي يريد لا بالطريقة التي تريد.

ثمرة التوكل على الله

ثمرة التوكل على الله وسيدنا أبو حمزة الكسائي رحمه الله أحد التابعين سمع حديثاً عن أبي هريرة يبين أن الله أقرب إليك من حبل الوريد، وأن من سلك طريق الله فتح الله له الأبواب، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (كنت سابع سبعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يبايعني؟ قال: فمددنا أيدينا) ولم يسألوه على ماذا؟ فقال: (ألا تسألون علام تبايعونني؟ قالوا: بايعناك يا رسول الله! -وهذا من الأدب- قال: بايعونني على ألا تشركوا بالله شيئاً، وأن تقيموا الصلاة، وأن تؤتوا الزكاة، وأن تنصفوا المظلوم، وألا تسألوا أحداً شيئاً إلا الله، قال: فكان الواحد يسقط سوطه من يده وهو على ظهر ناقته، فينزل عن ظهر الناقة ليأخذه قبل أن يسأل أحداً)؛ لكي يتم العهد والبيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكي تبقى المعاهدة مثل ما هي. وأبو حمزة رحمه الله تابعي والتابعون لم يروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما رأوا الصحابة، فقال: وأنا يا رب أي: عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما عاهد عليه السبعة، فذهب يحج قادماً من الشام إلى مكة، وبينما هو يمشي تخلف عن الركب يقضي حاجته، فرجع وقد مشي الركب، فمشى وحده، فسقط في بئر ليس فيها ماء، قال: فقلت: أستغيث؛ لعل أحداً ينقذني، فتذكرت بيعتي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أسأل أحداً شيئاً -والفلسفة الكذابة في زماننا هذا تقول: قل: يا سيدنا الشيخ! فسيجيبك، وهذا نظام لا ينفع- فسمع أصواتاً خارج البئر، والعربي كان يعرف البئر الذي فيه ماء والبئر التي ليست فيها ماء بالصوت، فقالوا: هذه البئر ليس فيها ماء، فحتى لا يقع فيه أحد نسده، وأبو حمزة تحته، فأتوا بخشب سدوه بالتراب، قال: فكدت أن أستغيث لولا أني تذكرت بيعتي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أسأل أحداً إلا الله، قال: فجلست راضياً. قال: فإذا بيد تمتد وتقول: هات يدك يا متوكل! يا مؤمن! قال: فأعطيته يدي فانتشلت من البئر، فرأيت نفسي على وجه الأرض، فلم أر أحداً، فسمعت صوتاً يقول: أرأيت ثمرة التوكل يا عبد الوكيل! والقصة هذه تصديقها أقرب إلى قلبي من تكذيبها؛ لأن هذا كلام تابعي من التابعين، ولكننا نحن نقيس بمقاييس المادة والنجاة وعدم النجاة، وكلما ازداد بالله يقينك كلما قلت أسبابك، وخطوتان وتصل: خطوة عن الدنيا، وخطوة إلى الآخرة، لأن اليقين يعوض السبب. قال ابن عطاء الله: سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار. يعني: كأن القدر له سور، فمهما تكن عندك من همة، فإن العمل لا يتم إلا بمرضاة الله، ففي حلكة الليل البهيم يظهر النور المضيء.

مؤمن آل فرعون ومدافعته عن موسى عليه السلام

مؤمن آل فرعون ومدافعته عن موسى عليه السلام فلما أراد فرعون وملؤه قتل موسى وهارون، إذا بصوت مليء بالإيمان هو صوت مؤمن آل فرعون، ومؤمن آل فرعون هو ابن عم فرعون. وتخيل فرعون وهامان وجنودهما حاشيتهما وكل هؤلاء كفرة والعياذ بالله، وفيهم واحد كان يكتم إيمانه، فلما سمع أنهم يريدون أن يقتلوا موسى، وسيدنا موسى عليه السلام كلمه الله أن فرعون يريد قتله. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما المؤمنون ثلاثة: حبيب النجار، ومؤمن آل فرعون، ومؤمن آل محمد) ومؤمن آل محمد هو أبو بكر الصديق؛ لأن الفرق بين مؤمن آل فرعون ومؤمن آل محمد: أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، لكن الصديق حين كان أبو جهل وأبو لهب يؤذيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله)، كان في ذلك الوقت أبو بكر مظهراً لإيمانه، فهناك فرق.

إنكار مؤمن آل فرعون على قومه في قتل المؤمنين

إنكار مؤمن آل فرعون على قومه في قتل المؤمنين قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] أيعقل أن يكون هذا سبباً للقتل؟ يا ويل من قتل عالماً من العلماء، يا ويل من قتل من قال: لا إله إلا الله. وأسامة رضي الله عنه وعن أبيه زيد لما رأى كافراً في إحدى الغزوات ورفع السيف عليه قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله فقتله أسامة، فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال: (يا أسامة كيف تقتله وقد قال لا إله إلا الله، قال: قالها لما رأى بريق سيفي يا رسول الله) يعني: هو نطقها خوفاً، قال: (وماذا تصنع يوم القيامة بلا إله إلا الله، اللهم إني لم آمر ولم أرض). ولكن هناك نواقض لها، وعليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله آمنين، ونحن لو قطعنا إرباً لما كان يثنينا ذلك عن قول: لا إله إلا الله ونشر كلمة لا إله إلا الله، وهذا قدرنا، ونحن كتب علينا جميعاً أن نسبح ضد التيار. قال تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28]، أيعقل هذا؟ وهل هذا يكون سبباً لقتله؟

معجزات موسى عليه السلام

معجزات موسى عليه السلام قال تعالى: {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر:28]. أتى لكم بالبينات الواضحة، فالعصا بيده يلقيها فتصبح حية، ويضع يده في جيبه فتخرج بيضاء، وهذه بينات. وربنا ابتلى فرعون بالجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات، فقد امتلأت البلاد جراداً، والسماء غيمت من الجراد الذي ملأ السماء المصرية، وأكل الزرع، فقال فرعون: يا موسى! ادع لنا ربك، فإن كشف عنا هذا آمنا بك، فقال: يا رب! سيؤمنون فاصرف عنهم الجراد، فجعل الله الجراد يذهب إلى البحر، فرجع فرعون عن كلامه. فابتلاهم بالحشرات في الثياب وفي البيوت فكانوا ينظفون البيوت ثم يجدونها ممتلئة؛ ابتلاء من الله، فقال: يا موسى! ادع لنا ربك يكشف عنا ما نحن فيه، ويأخذ القمل والحشرات التي تؤذينا وتمتص دمنا وسنؤمن، فقال: يا رب! فزالت من غير مبيد ولا غيره، فرجع فرعون عن كلامه. ثم ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالضفادع، فإذا كان الواحد منهم قاعداً كانت الضفادع من حوله تتقافز، فعندما يتكلم إذا بالضفدعة تدخل في فمه، برغوث واحد لا يتركك تنام إلى الصباح، فما بالك بالضفادع؟ وفي عام أربعة وثمانين وخمسة وثمانين لما أتى الإسرائيليون أتوا لنا بالفيران كانت تأكل آذان العيال ومناخيرهم في الريف، فهذه ابتلاءات من الله؛ لعصيان العباد لله عز وجل. ثم ابتلاهم الله بابتلاء شديد جداً، وهو الدم، فقد كانوا يطبخون الطبيخ -حتى في قصر فرعون- ثم يغرفونه في الأطباق، ويضعونه أمام فرعون، فتتحول إلى دم، فحرص على الأكل وعلى المطابخ وعلى الطباخين وعلى القصر، ومنع الدخول عليهم، ومع ذلك كانوا يغرفون دماً، فاستغاثوا بموسى، فدعا ربه، فكشف ربنا عنهم.

مدافعة مؤمن آل فرعون لقومه عن موسى

مدافعة مؤمن آل فرعون لقومه عن موسى فإذا بهم يدبرون مكيدة القتل لسيدنا موسى وأخيه هارون، فإذا بالله عز وجل يقص علينا هذه القصة في سورة غافر، قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر:28] فبدأ بالكذب؛ لكي يطمئن من أمامه؛ لأن الذين أمامه أناس مكذبون، كما إذا جاءك شخص يشكو امرأته وأنها تعمل وتعمل، فلا تقل له: أنت غلطان، وإنما اسمع منه أولاً، ودعه يعبر عن وجهة نظره، ثم هدئه وريحه، وليس أول ما يأتي يكلمك تصده مباشرة، فهو أتى يشتكي لك، ويستشيرك، فاسمع منه أولاً، لأنه يريد من هذا كله عبارة عن أذن فقط، ولا يريد منك شيئاً آخر، فاسمعه، فإنه بعد أن يفرغ ما عنده سيهدأ، ثم اعمل له أنت عملية تفريغ نفسي، ففرغ الشحنة التي عنده، ثم بعد أن يهدأ ازرع فيه الخير، وقل له: يا رجل! امرأتك ما شاء الله، هذه صاحبتك يا شيخ! كل النساء يشكرنها، وأولادها هي حريصة عليهم ومنتبهة لهم، وتذكر له محاسنها. وقد كان الجاحظ دميم الخلقة، وكانت امرأته عمشاء -يعني: نظرها ضعيف قليلاً- وكانت ساخطة عليه وازدادت سخطاً، فأتى بصديق له لكي ينصح لها، فقال له: تعال وقل كلمتين طيبتين في حقي، وأنني رجل كبير في الأدب وفي الشعر وفي البلاغة والناس كلها تأتيني من أقاصي البلاد، ما عدا امرأتي ليست مقتنعة بي، فقال: حسناً، فدخل عليها، فقال لها: ما الذي لا يرضيك في الجاحظ؟ لا يغرنك منه جحوظ عينيه، ولا كبر أنفه، ولا تعريش أذنيه، ولا تهطيل شفتيه، فقال له: عرفتها ما لم تكن تعرفه، أنا أتيت بك تقول خيراً، فشوهتني عندها. وكان سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه يقنع العالم كله ما عدا امرأته، ولما كانت تستفتيه بفتوى ويجيبها تقول له: أنا لست مقتنعة بهذه الفتوى، فيقول لها: من تريدين أن تستفتي، فتقول له: أبو يوسف تلميذه، فيقول لها: إن شاء الله حين نصلي العصر سآتي بـ أبي يوسف، فيذهب إلى أبي يوسف ويقول له: امرأتي تريد أن تستفتيك فتوى والسؤال كذا، فيقول له: وما هي الإجابة؟ فيقول له: الإجابة كذا، فيقول له: حسناً، فيأتي إليها فتقول له: والله أنا سألت أبا حنيفة سؤالاً ولست مقتنعة برأيه، فيقول لها: وما هو السؤال؟ ثم يقول لها: نفس الإجابة، فتقول له: هكذا الإجابة. فمؤمن آل فرعون قال لهم: إن كان كذاباً فأنتم لم تخسروا شيئاً، فبدأ بقضية الكذب؛ لكي يعمل لهم تفريغاً نفسياً واستمالة قلبية له، فقال لهم: أنا معكم إنه إن كان كذاباً فالكذب سيرجع إليه، ونحن لن نخسر شيئاً، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28]، إن كان هذا الرجل صادقاً وقد وعدكم بالخير إذا أحسنتم، وبالشر إذا أسأتم، فسنذهب إلى الهاوية.

بيان عدم هداية الله للمسرف والكذاب

بيان عدم هداية الله للمسرف والكذاب قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28] أي: مسرف على نفسه لم يتق الله، وكذاب أي: كذب ما جاء به كتاب الله، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسرف على نفسه. والله لا يحب المسرفين، وليس الإسراف في المال فقط، بل أسوأ أنواع الإسراف أنك تسرف في تضييع حسناتك بالسيئات. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون السارق فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! السارق الذي يأخذ شيئاً ليس من حقه، قال: ما ذنبه عند الله؟ قالوا: كبيرة من الكبائر يا رسول الله! قال: ألا أنبئكم بأسوأ السرقات عند الله؟ قالوا: ماذا يا رسول الله؟! قال: الذي يسرق في صلاته)، يعني: الذي يصلي بسرعة، وهذا حرام، ويكتب عند الله لصاً؛ لأنه يسرق الصلاة؛ لأن الصلاة لها قواعد وقوانين، فهو يسرق هذه القوانين والقواعد ويعطلها، فهو لص، فإذا صليت فصل بتأن، اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلاتنا يا رب! وأبو حنيفة رضي الله عنه، قيل له: يا أبا حنيفة! في كم تختم القرآن؟ قال لهم: في الصلاة أم في خارج الصلاة؟ يعني: السؤال ناقص هكذا، وسبحان الله! له ختم هنا وختم هنا، وأحدهم يقول لك: أنا مرة يا أستاذ! من سبع سنين ختمت القرآن في رمضان مرة، وهذا يقول لهم: في الصلاة أو في خارج الصلاة، فقالوا: لا، في الصلاة في كم تختم القرآن؟ فقال: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟ اللهم ربنا احشرنا في زمرة الصالحين.

تخويف مؤمن آل فرعون لقومه من بطش الله

تخويف مؤمن آل فرعون لقومه من بطش الله ثم قال لهم: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} [غافر:29] أي: هذا النهار أنتم أصحاب ملك، وعندكم ملك وجاه ومنصب، ومتبوئين مكانة عظيمة تأمرون وتنهون، فلكم الملك اليوم ظاهرين، وهذا الملك ملككم، ويوم القيامة يضل هذا الملك ويزول، ويكون الملك لله، {فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:29] فمن سينصرنا حين تأتي اللحظة التي فيها بأس الله سبحانه وتعالى وبطشه، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12] وما بالك ببطش الله عز وجل، فالعبد منا يتق الله استعداداً لهذا اليوم. قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] ففرعون رأيه بصراحة أنه لا يوجد شيئاً صحيحاً ولا شيئاً مضبوطاً إلا الذي يراه فقط، وقد قال عن سيدنا موسى عليه السلام: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] ومن الذي يظهر الفساد في الأرض غير فرعون؟! ولكنه يقول عن سيدنا موسى: أنا أخاف أنه يغير دينكم ويفسد المسائل، وفي هذه الأيام يقول بعضهم: أنت تعرف أن الذي يضيع البلد هؤلاء أصحاب المساجد وأصحاب اللحى والجلاليب وما الذي يغضبك من صاحب الجلابية البيضاء؟ فهو مثل الملك يمشي، فما الذي يغضبك منه؟ والذي يصلح البلد إما أصحاب الجامع، أو غير أصحاب الجامع، ولن يصلحه إلا الذي بينه وبين ربنا تواصل، وينزل ربنا الرحمة من أجله. قال تعالى: {يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:30] وهؤلاء الأحزاب هم الأمم السابقة التي حقت عليها كلمة الله عز وجل، وأين الاتحاد السوفيتي اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ والمذيع الفرنسي يقول في النشرة: الاتحاد السوفيتي سابقاً. فربنا قال للاتحاد السوفيتي: زل فزال. وأمريكا لو أرادت أن تنهي الاتحاد السوفيتي ففي كم من السنوات كانت ستنهيه؟ أفي مائة سنة؟ فقد كانت مغلوبة منه ومن القنابل النووية التي عنده، وبين غمضة عين وانتباهتها لا يوجد اتحاد سوفيتي. فانظر إلى الأحداث نظرة إيمانية، وانظر إليها بمنطق البصيرة لا بمنطق البصر، وإعلامنا ليس له دعوة بهذا المنطق، فلا يدخل في هذه القضية. ولما استعمرت فرنسا الجزائر يقول لي أستاذي: إننا حين كنا نعلم الفاتحة كانت المديرة الفرنسية تسأل: ماذا تقول لهم؟ فيقول: أنا أعلمهم نشيد العلم؛ لكي لا تطرده. فقد كان الحس الإسلامي موجوداً عند شعب الجزائر، فالشعوب الإسلامية مبرمجة على الإسلام، وفطرتها مع الإسلام، والبعد عن الإسلام هذه مسألة مرحلية، ولن تكون العودة إلا إلى كتاب الله، وهذا يقين عندي ثابت منذ سنوات طويلة، والذين يسمعون خطبنا من السبعينات والثمانينات يسمعون مني هذه المقولة، وإن شاء الله لن ينتهي هذا القرن، ويبدأ القرن الواحد والعشرون إلا والإسلام هو الذي على الساحة في كل البلاد إن شاء الله. قال تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} [غافر:31] وقوم نوح قد عاثوا فساداً في الأرض، فأغرقهم ربنا، وكذلك عاد وثمود، وكل هذه الأمم المتجبرة. قال تعالى: {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [غافر:31]. ويذكرهم لينتبهوا أن يحصل لكم مثل ما حصل للأمم السابقة، وقد صدق كلام الرجل، سبحان الله! قال تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:31]؛ وربنا يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو يتركه ثم يتركه ثم يتركه ويرفعه عالياً ثم حين يقع لا يستطيع القيام.

تحذير مؤمن آل فرعون لقومه من يوم القيامة

تحذير مؤمن آل فرعون لقومه من يوم القيامة قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32]، أي: يوم القيامة، ونحن رأينا النداءات المتعددة يوم القيامة، ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة، ونادوا على أصحاب الأعراف، وكل رسول ينادي على أمته، وكل أناس ينادون رسولهم، والخليل ينادي على خليله، والحبيب ينادي على حبيبه، والشيطان يهرب من أتباعه الذين ينادونه، ويقول: ليس لي من الأمر شيء، ويقول: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22]. فيقوم القيامة كله نداءات متعددة، حتى أمك تناديك وتأتي تقول لك: يا بني! كان بطني لك وعاء، وثدي لك سقاء، وحجري لك وطاء، فهل من حسنة عندك تنفعني في مثل هذا اليوم؟ فيقول لها: يا أماه! أنا أشكو مما تشكي أنت، أليس أنتِ عندك من حسنة واحدة؟ والابن يقول لأبيه: يا أبت! قد كنت باراً ورحيماً وشفيقاً بك، فهل عندك حسنة؟ فيقول له يا بني! أنا أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ وأنت نفسك حين ترى ابنك ستهرب منه، وتهرب من امرأتك، كما قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف:67]. وسنرى وضع المتقين هناك إن شاء الله، اللهم اجعلنا من المتقين يا رب العالمين! قال تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32] فينادون كل واحد فلا يسمع أحد، وعملك هو الذي ينجيك، اللهم حسن أعمالنا يا رب! قال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر:33] تولين مدبرين من النار لما تأتي عليكم، والعياذ بالله رب العالمين، قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23 - 24]، أي ليتني كنت عملت خيراً، وقدمت خيراً. و (يا ليت) هذه لا تنفع، وأنت الآن في الأمنية فافعل، فبدلاً من أن تقول: (يا ليت)، فالأمنية موجودة، والعمل موجود، والمساجد موجودة، ومجالس العلم موجودة، وكتاب الله موجود، وأهل العلم موجودون، والخير موجود، والمال الذي تقدر تزكيه منه موجود، فأنت في الأمنية، ولن ينفعك أحد يوم القيامة. قال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:33] فليس هناك أحد يعصمك من الله إلا رحمته، وعملك هو الذي ينصرك يوم القيامة، اللهم حسن أعمالنا يا رب! قال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر:33] نعم، ربنا يضله -والعياذ بالله رب العالمين- بعمله. قال الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:31] فربنا لا يظلم أحداً، ولكن الناس كانوا أنفسهم يظلمون.

بيان رسالة يوسف عليه السلام إلى أهل مصر

بيان رسالة يوسف عليه السلام إلى أهل مصر قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:34]. يذكرهم بسيدنا يوسف، ورسالته كانت في مصر، فقعد يذكرهم وقال: لما هلك ومات {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر:34]، وأن الرسالة انتهت، وهذه رسالة جاءت، وهذا أخو يوسف، وقد أتى برسالة، فذكرهم بالتاريخ. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:34]. مرتاب يعني: عنده شك وريبة وقلق، فهو يقول: هذا طريق السلامة، وهذه طريق الندامة، وهذا طريق يذهب ولا يرجع، فمن أين تريد أن تمشي؟ فامش في طريق السلامة.

بيان كون الدين صراطا مستقيما

بيان كون الدين صراطاً مستقيماً وأصحاب الهندسة يقولون: أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم، والمصيبة أننا حافظون وعارفون في الهندسة، وخبراء فيها، وما شاء الله، ولكننا نريد الهندسة التطبيقية لا النظرية. فأقرب الخطوط الموصلة بين نقطتين هو الخط المستقيم، وربنا يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] فإذاً هو أقصر الطرق، فلا تتخبط وتنحرف وتبعد بعيداً، فطريق الله واضح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). وهي الطريق الواضح، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة جالسين فخط لهم خطاً على الأرض، وقال: (هذا طريق الله المستقيم)، ثم خط خطوطاً متعرجة منه وقال: هذه طرق الشيطان حولها، فالذي يبعد عن الطريق يأخذه الشيطان الذي على مفترق الطريق، فإن لم يستطع الرجوع يوصله إلى الشيطان الذي بعده، ثم إلى الذي بعده، ثم إلى الذي بعده فيجد نفسه تائهاً في الصحراء.

ثمرة الاتباع

ثمرة الاتباع ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم خرجوا في مفازة، فلما أيقنوا الهلكة بعد أن فرغ منهم الطعام والشراب، خرج عليهم رجل، قالوا: إن هذا رجل قريب عهد بريف)، يعني: شكله يقول: إنه ليس من أهل السفر؛ لأن المسافر في الصحراء أو في السفر يظهر عليه الرمل والغبار والتراب، ولكن هذا شكله يظهر أنه قادم من ريف، (قال: يا قوم! أئن دللتكم على طعام وشراب ومسكن أتعطوني مواثيقكم على الطاعة؟ فأعطوه مواثيقهم، فلما ذهبوا واستقر بهم المقام)، أي: قعدوا وأكلوا وشربوا وارتاحوا. (قال لهم: يا قوم عند الصباح سوف يغير علينا جيش، فما علينا إلا أن نرحل الساعة، فمنهم من أطاع، ومنهم من قال: أنا لا أرحل عن هذا النعيم، فلما أصبح الصباح - أخذ الذي معه وأطاعوه- غار عليهم الجيش فما بين قتيل وأسير). ومن الذي أتى لهم من الريف؟ سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يمثل نفسه بهذا الرجل الذي جاء من الريف؛ ليريحك من الدنيا ويجعلك راضياً قانعاً، ذكر الله طعامك، والتوكل على الله سقاؤك، والرضا عن الله مسكنك، ثم قال لك: أطعني، فإن أطعتني دخلت الجنة، وإن عصيتني دخلت النار، والذين سلكوا خلف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نجوا، والذين انحرفوا عنه هجمت عليهم شياطين الدنيا فما بين قتيل وأسير. وانظر ما أحلى كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما أجمل تشبيهاته، اللهم اجعلنا من أتباع رسولك يا رب العالمين!

نصح مؤمن آل فرعون لقومه

نصح مؤمن آل فرعون لقومه قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:38]. هنا يرد على فرعون في قوله: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] فمؤمن آل فرعون يرد عليه ويقول: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:38]. ثم قال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر:39] فالقلم الذي في جيبي متاع، والبساط الذي أجلس عليه متاع، وهذا الكرسي متاع يزول، فالحياة الدنيا متاع تزول، سبحان الله! قال تعالى: {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] القرار يعني: الاستمرارية والاستقرار فيها. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى} [غافر:40]. الذي يعمل سيئة يأخذ سيئة، ومن عمل شراً فلن يجني من الشوك العنب، ومن زرع بطيخاً خرج بطيخاً. قال تعالى: {فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40] هنا جاء لذكر الجنة، فالذي يعمل صالحاً وهو مؤمن، وهل هناك من يعمل صالحاً وهو غير مؤمن، مثل أديسون صاحب الكهرباء عمله هذا صالح، ولكنه ليس مؤمناً، فسيؤتى به يوم القيامة ويقال له: أنت من؟ فيقول: أنا أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي، فيقال له: أنت عملته لماذا؟ فيقول: عملته من أجل الإنسانية المعذبة، فيقال له: والإنسانية المعذبة ذكرتك بالخير أو لا؟ فيقول: نعم ذكرتني بالخير، فيقال له: إذاً: أخذت نصيبك، وإنما صنعت ليقال: عالم. ولو كان مسلماً لحسب له على كل نور صدقة جارية. قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40]؛ وفي الدنيا تأخذ مرتبك على قدر السلم الوظيفي الذي لك، فواحد يأخذ ثلاثين جنيه، وآخر يأخذ مائة جنيه، وثالث يأخذ ألف دولار، والرابع يأخذ خمسة آلاف. ولكن في الجنة تأخذ بغير حساب. قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:41]. وما أجمل هذا الكلام! فهو يقول لهم: أنا أقول لكم تعالوا، فإن تبعتموني واتبعتم هذا الرجل دخلتم الجنة، وسمى الجنة نجاة، قال: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:41] وهم لم يقولوا له: تعال ادخل النار؟ لا، وإنما قالوا له: ابق معنا، كما لو دعاك أخوك؛ لأن بنته ستتزوج في الهيلتون في قاعة سبعة آلاف لليوم والليلة، فهؤلاء لا يدعونك لعرس، وإنما يدعونك دعوة إلى النار. قال تعالى: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ} [غافر:42] وهم لم يقولوا له: تعال اكفر بالله، وإنما قالوا له: تعال اعمل معنا مثل ما نعمل. وهذه هي دعوة الكفر والعياذ بالله، وهي تبتدئ هكذا، فتجد المسلم الشاب يكون ولداً صالحاً وبعيداً، وولد يقول له: اشرب الدخان، حتى تبقى رجلاً، وخذ من أنفك، فيبدأ الولد تدريجياً حتى يبتلى، فيقال له: أنا لم أضربك على يدك، وكذلك يبتلى من الملصقات التي يجدها في البسكويتات وفي الشوكلاتات وغيرها ويصلقها على يده، وهذه الملصقات فيها أشياء معينة تصنعها مؤسسة يهودية عالمية، وتعمل الصمغ الذي في هذه الملصقات، وتضع فيه شيء من المخدر الذي يؤثر على الجلد، الذي بعد مدة تجعل الولد مدمناً على المخدرات. وما الفائدة إذا كنت تبني وغيرك يهدم، فأنت تبني الولد في المسجد وتقول له الكلام والمبادئ والمثل، وهو يعرف أن الراقصة في نصف ساعة تأخذ عشرة آلاف جنيه، ولو أن أباه وعائلته لا يأتون بعشرة آلاف مليم فإنه يصبح غلبان. فلا راحة لهذا الشعب ولا أي شعب مسلم إلا بالعودة إلى كتاب الله والسير على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر:41 - 42]، أي: أنا أقول لكم: تعالوا إلى العزة؛ لأن العز كل العز في طاعة الله، والذل كل الذل في معصية الله، وسبحان من أعز الذليل بطاعته! وأذل العزيز بمعصيته! سبحان الله! قال تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} [غافر:43]. فهذا الكلام الذي تقولونه لي ليس له وجه من الصحة لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالانحراف والفسق والفجور والبعد عن طريق الله ليس له دعوة لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال تعالى: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} [غافر:43] فمرجعنا كلنا إلى الدار الآخرة. قال تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} [غافر:43 - 44] فعندما تأتي الآخرة ستعرفون أن هذا الكلام حق. ثم قال بعد ذلك: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]، لأنهم قرروا قتله، فقال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:44]. قال تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:45] فنجاه الله بقوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} بصدق، وكان الله معه، وجربها وسترى، وأنت كمسلم تيقن بالله عز وجل وتوكل عليه حق التوكل.

بيان كون الساعة تأتي بغتة

بيان كون الساعة تأتي بغتة ونكمل الوقت الباقي في سورة الزخرف، ونقطف هذه الزهرات اليانعة والمعاني الطيبة من كتاب الله عز وجل؛ لكي تكمل الفائدة، وأنا كنت أود أن الحلقات نكملها ثلاثين، ولكن القضية ليست مسألة إنتاج، وليس هناك أحد يجري وراءنا، وإنما الزمن والعمر يجريان وراءنا، ولكن المهم نسأل الله أن يقضي أعمارنا في طاعته بعيداً عن معصيته. قال تعالى سورة الزخرف: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الزخرف:66]. فهم ينتظرون الساعة وستأتيهم بغتة. والساعة أو القيامة قيامتان: قيامة صغرى وقيامة كبرى، فإذا مات العبد قامت قيامته الصغرى، ويقول لك بعضهم: يا سيدنا الشيخ! لا يزال الوقت طويلاً، ألم تقل: إن الشمس ستطلع من المغرب، والمسيح الدجال يظهر، والدابة والدخان؟ نقول: نعم، ولكن لو مت هذه الليلة ولم تر هذا كله فقد قامت قيامتك. قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الزخرف:66]، وقال تعالى في سورة محمد: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] يعني: ظهر.

فضل صحبة الصالحين

فضل صحبة الصالحين ثم في الآية التي بعدها يقول: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. فكل خليل يمسك بيد خليله يوم القيامة؛ ولذلك روي في الأثر: (أكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة). فتكثر من الأصحاب، فإن لم يأخذك هذا يأخذك هذا. والخليل ينكر خليله يوم القيامة، فأصحاب القهاوي والانحرافات والنوادي لا يعرف بضعهم بعضاً، {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] فأنا وأنت عبدان مأموران؛ لأن العبودية عبوديتان: عبد عبادة، وعبد عبودة. فعبد العبادة: أن يعبد الله رب العالمين. وعبد العبودة: أن يعبد المال والزوجة والجاه والمنصب والمسئولين. والعبودية هذه عبودية وذل، والمؤمن لا يذل إلا لله، ويذل للمؤمنين، ويصبح عزيزاً على الكافر. قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] المتقي يقال له وهو خارج من القبر: أكان لك خليل في الدنيا تحبه؟ قال: أنا كنت أحبه؛ لأنه الذي أخذ بيدي إلى الخير وهو الذي علمني الصلاة، وهو الذي صنع في كذا، قال: تحب أن تراه؟ قال: أتمنى؟ فيذهب إلى الثاني فيقول: هل كان لك خليل في الدنيا تحب أن تراه؟ فيقول: نعم، أنا أتيت أزرع فيه خيراً فوجدت عنده خيراً كبيراً جداً، وأتيت أعلمه فأصبحت أتعلم منه لما وجدته استقام على الطريق، فيقال: خذوا بأيدي بعض وادخلوا الجنة.

أمن المسلمين يوم القيامة

أمن المسلمين يوم القيامة قال تعالى: {يَا عِبَادِ} [الزخرف:68] الله سبحانه وتعالى يخاطب المتقين فقط، {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68]. فلا خوف من المستقبل ولا حزن على الماضي، ولا خوف من غدٍ ولا حزن على الذي فات، والحزن هذا والأسى والألم والابتلاءات كانت في الدنيا. وعندما ينادي الله عز وجل يوم القيامة (يا عباد) فكل العباد يرفعون رءوسهم أبو لهب وأبو جهل وأبو بكر كلهم، فكل من هو عبد في أرض المحشر يرفع رأسه. وعندما يقول: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] يفرح الكفرة والفجرة، ويقولون للمؤمنين: انظروا تساوينا معكم، أنتم تصومون وتصلون، ولا تنظرون ولا تسمعون، ونحن تساوينا معكم، وقد أذللتم أرواحكم. ثم يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69]. فيطأطئ الكفار والفجار رءوسهم، ويرفع المؤمنون رءوسهم فرحين بهذا النصر الحقيقي، وفي الحديث: (إنما الأعمال بخواتيمها).

نعيم المؤمنين في الجنة

نعيم المؤمنين في الجنة قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70]. تحبرون يعني: تسرون من الحبرة والسرور والحبور. اللهم اجعلنا من أهل الحبور يا رب! فيزينك وأنت تدخل الجنة ما دمت قد زينت نفسك بزينة الإيمان والتقوى ولباس التقوى في الدنيا، فربنا يزينك في الجنة بزينة أكبر، اللهم زينا بالإيمان في الدنيا وبالجنة في الآخرة يا رب العالمين! قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:71]، أي: وأكواب أيضاً من ذهب. والصحفة هي: الطبق الواسع الذي يكفي عشرة يأكلون فيه. وأنت ما دمت حرمت على نفسك في الدنيا ما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم عليك من الأكل في الذهب والفضة فإن ربنا يوم القيامة سيؤكلك في الأطباق والصحاف والأكواب والأباريق من الفضة والذهب، وإن أكلت منهما في الدنيا فلن تأكل منهما في الآخرة. {وَفِيهَا} [الزخرف:71]، أي: في الصحاف والأكواب، {مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف:71]، يعني: عينك ليست كالعين التي تنظر إلى الفول وتتحسر، وإنما تنظر إلى أنواع الأكل وتنبسط، فلها كل ما تشتهيه، سبحان الله! ومن كرم الله عليك قوله: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]، يعني: من النعمة، فوجه المسلم يقابل وجه المسلم، ولذلك كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا كلم أحداً أعطاه وجهه، وكان يوزع وجهه على الجالسين، لدرجة أن كل أحد يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مهتماً إلا به، فانظر حلاوة أخلاق الحبيب. قال تعالى: {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] في نعمة الخلد هنا، فلا يأس ولا قلق. قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]. والعبد يولد وله مكانان: مكان في الجنة، ومكان والعياذ بالله في النار، فيؤتى للمؤمن في الجنة ويقال له: هذه الجنة لك؛ لأن هذا نصيبك في الجنة، والجنة الثانية كانت لفلان الكافر الفاجر الذي دخل النار وأنت ورثت مكانه، فلك جنتان، جنتك أنت، والجنة التي ورثتها، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون:10 - 11]. والكافر يقال له: خذ، هذه قطعتك والعياذ بالله في النار، والقطعة الثانية قطعة المؤمن الذي نجاه ربنا وأنت ورثت قطعته، فيا نعم ميراث المؤمن! ويا بؤس ميراث الكافر! وبالله عليك الكلام الجميل الحلو هذا والنعمة التي هي من الله ألا تستوجب منا الصبر والعمل الصالح والتوكل على الله؟ وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

كفارة النذر

كفارة النذر السؤال الأول: أخت تسأل وتقول: مرض ابنها الوحيد فنذرت صيام شهري رجب وشعبان كاملين كل سنة إذا شفي ابنها، واستمرت في الصيام حتى هذا العام، فإذا أصبح الصيام المتواصل خلال هذين الشهرين مشقة بالنسبة لها فماذا تفعل؟ A تخرج عن كل يوم لا تستطيع أن تصومه ما تطعم به مسكيناً.

حكم تمزيق المصحف

حكم تمزيق المصحف السؤال الثاني: أحدهم يسأل ويقول: أخت مسلمة في لحظة من غضب شديد والعياذ بالله مزقت المصحف؟ A الحقيقة الإنسان عندما يسمع هذا الكلام يقشعر جلده وبدنه، وعلى المرأة أن تكثر من الاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله قبل أن يهبط غضب الله عليها. ونسأل الله أن يهديها ويهدينا ويهدي عصاة المسلمين. شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_أول من يدخل الجنة

سلسلة الدار الآخرة_أول من يدخل الجنة ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم صفات أهل الجنة ومراتبهم وأصنافهم؛ فعلى المؤمنين عقد العزائم للعمل بأعمالهم، وللمنافسة في مضمارهم، فمن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.

الحالات الأربع التي يتقلب فيها المسلم

الحالات الأربع التي يتقلب فيها المسلم أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الحادية والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة العاشرة في الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة، وزحزحنا وإياكم عن النار. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم لا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا. اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، أوقع الكافرين في الكافرين، وأخرجنا من بينهم سالمين، ولا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم اطرد عن مجتمعاتنا شياطين الإنس والجن، ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. نكرر دائماً ونقول: إن المسلم يتقلب في حالات أربع: إما في طاعة أو في معصية، وإما في نعمة أو في بلية، هذه هي الحالات الأربع التي يحياها كل واحد منا، وكل حالة تستوجب شيئاً، فالطاعة تستوجب الاستمرارية، فإذا فتح الله عليك باباً من أبواب الطاعة فلا تتكاسل، فإنك لا تعرف متى يرضى ربنا، وقد يرضى ربنا علينا في مجلس من مجالس العلم؛ لأن رضا الله عز وجل مخبأ في طاعته، وإن سخط الله عز وجل مخبأ في معصيته، فأنت عندما تكثر من الطاعات لا تعرف أي طاعة يقبلها رب العباد سبحانه، ولا تعرف متى ينظر الله إليك؛ لأن الذي سينظر الله إليه نظرة لن يعذبه يوم القيامة. والمهم أن ينظر الله إليك وأنت تطيعه، فاحذر أن ينظر إليك وأنت تعصيه؛ لأنه إذا نظر إليك وأنت تعصيه فربما مقتك فطردك من رحمته، ولكن العبد المؤمن أواب، أي: رجاع إلى ربه كثير التوبة والاستغفار، كثير الرجوع إلى الله، وقال أهل العلم: لو نزل عذاب من السماء لما نجا إلا أهل المساجد. ولقد حفظتم الحديث القدسي: (أكاد أهم عذاباً بأهل الأرض فأنظر إلى المتزاورين في، وإلى المتجالسين في، وإلى المتحابين في، وإلى عمار بيتي فأرفع عذابي عن أهل الأرض). إذاً: رحمة الله عز وجل أكثر ما تنزل في بيوته؛ لأن أطهر وأفضل وأعظم وأقرب الأماكن إلى الله عز وجل هي بيوته، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق، وقد قلنا من قبل أنه جاء أعرابي عندما نزل جبريل فقال: (يا محمد! ما هي خير البقاع وشر البقاع؟ قال له: انتظر حتى أسأل من هو أعلم مني) وهذا من تواضع سيدنا رسول الله، ولنا فيه الأسوة الحسنة، ليس كل واحد منا يعرف كل شيء، وما أوتينا من العلم إلا قليلاً، والرجل الصالح قال لسيدنا موسى بعد رحلته الطويلة التي علمه فيها العلم الكثير وذلك عندما رأى العصفور واقفاً على حافة المركب أو السفينة ونقر في البحر نقرتين- فقال: يا موسى، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق كلهم بالنسبة إلى علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من ذاك البحر، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27]، {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف:109] أي: مداد حبر لكلمات الله عز وجل. وقلنا: إن كلمات الله عز وجل نوعان: كلمات شرعية وكلمات كونية، فالكلمات الشرعية هي التكاليف والأوامر والنواهي، اعمل كذا لا تعمل كذا، صل وصم، ولا تشرب الخمر لا ترتكب كذا لا تفتر لا تظلم ونحوها وكلماته الكونية هي الكون وما فيه بكلمة (كن)، كوني سماء فكانت، كوني أرضاً فكانت، وقلنا: إن الكون عند الله عز وجل نوعان: كون مستور، وكون منشور، الكون المستور: هو كلام الله في كتابه، كل العالم موجود في كتاب الله عز وجل، كل أحوالك: حالة الإيمان، وحالة الكفر، وحالة الطغيان، وحالة العدل، وحالة النصر، وحالة الهزيمة، وحالة الغنى، وحالة الفقر، الطاعة والمعصية، الجنة والنار هذه كلها موجودة في كون الله المستور والمقروء وهو القرآن. وكون الله المنشور الذي هو: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، الذين يتفكرون ويتذكرون، وماذا يقولون؟ يقولون: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] إذاً: الدعوة بالنجاة من عذاب النار في مسألة التفكر؛ لأن من تفكر تقرب، ومن تقرب هطلت عليه رحمة الله عز وجل. إذاً: عندما سأل الأعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (انتظر حتى أسأل من هو أعلم مني، فنزل جبريل فقال: يا رسول الله! خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق) لكن أنت عندما تدخل السوق تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أكسب فيها يميناً فاجرة، أو صفقة خاسرة، هذا دعاء السوق. ومن دخل إلى السوق وقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كتب له عند الله مائة حسنة؛ لأن الذين في السوق مشتغلون بالبيع والشراء، فإذا ذكر الله شخص في الغافلين كان كالمقاتل بين الفارين، وكالشجرة الخضراء وسط الهشيم، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يدخل السوق ويخرج ولم يبع ولم يشتر ويقول: أنا أتيت فقط لأذكر الله في الغافلين! فلو دخل أحد اليوم السوق ليذكر الله عز وجل لربما ضحكوا عليه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] يا أخي! دعه يضحك قليلاً لا بأس، تريد حسنات بدون أن يضحك عليك أحد، لعل عملك كان ينقصه الإخلاص، فأكثر من الحسنات سواء ضحك الناس أو سخروا؛ لأنك استقمت على طريق الله أنت وزوجتك وبناتك وأهلك. فإما أنت في طاعة تستوجب الزيادة والاستمرار، وعندما يفتح لك الله باب طاعة فلا تكسل؛ لأن للقلوب إقبالاً وإدباراً كما أخبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فأدوا الفريضة. وكما قلنا إن الدول والأمم والعباد يهلكون بالطغيان، وهو الذي ينهي الأمم من الوجود وليس الكفر؛ ولذلك قال الله لموسى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أما الكفر فهذه مسألة بينه وبين ربه، ولكن أن يطغى إنسان على إنسان فهذا هلاك. قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [القصص:76]، مع أنه لم يعمل لهم شيئاً، والبغي: هو عدم تنفيذ أحكام الله عز وجل. فالإنسان الغني الذي لا يخرج زكاة ماله يكون باغياً؛ لأنه تكاسل أو قصر في تنفيذ أوامر الله سبحانه. ذهب إليه رجل من عند سيدنا موسى فقال له: يا قارون أعطنا زكاة المال، قال: من الذي بعثك؟ قال له: موسى، قال له: أنا لا أعرف موسى ولا رب موسى، وقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، وكأنه يقول: إنه يوجد عندي ما يحول المعادن الخفيفة إلى معادن نفيسة، وما يحول الزئبق إلى ذهب، كما تحصل الآن في المفاعلات النووية والأفران الذرية، وهي مكلفة جداً، فهو وصل إلى هذه الحقيقة وقال: أنا أحضرته من عرقي وذكائي يعني: أنا واصلت الليل بالنهار، وكنت أعمل خلال الأربع والعشرين ساعة، ولقد رأيت الويل، وبعد ذلك تسألوني حق الله؟ فيقال لمثل هذا: من الذي أعطاك الصحة حتى تعمل وتكد؟ أين حق الله عليك؟ وأصحاب الدنيا يهمهم المنظر الخارجي قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص:79] وتخيل أن مفاتيح خزائن قارون يحملها الجماعة من الناس! قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76] العصبة: ما يقارب الأربعين أو الخمسين شخصاً يحملون مفاتيح الخزائن، إذاً: الخزائن كم حجمها؟ والذي بداخلها كم حجمه؟! فالذي يريد الدنيا يقول: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:79]. ولذلك كان هناك قارئ من حفظة كتاب الله نام وهو مهموم، فأتى له شخص في الرؤيا وقال له: ما لك؟ قال له: أنا مهموم عندي ضائقة مالية، فقال له: الأمر سهل، نأخذ منك سورة البقرة ونعطيك مائة ألف؟ فرفض، قال له: نأخذ منك آل عمران ونعطيك مائة ألف؟! فرفض قال له: نأخذ منك النساء؟! نأخذ منك الواقعة؟! ثم قال له: اضرب إذاً مائة ألف في مائة وأربع عشر سورة كم عندك؟! فمن حفظ كتاب الله وظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد ازدرى نعمة الله عليه، اللهم ثبت علينا حفظ كتابك يا رب العالمين! واجعلنا من العاملين به آناء الليل وأطراف النهار، فالإنسان لا يستقل نعمة ربه عليه، فصاحب الدنيا يقول: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]، فأنت إذا نظرت إلى الناس بعين البصر وجدت غنياً وف

فوائد حضور مجالس العلم في المساجد

فوائد حضور مجالس العلم في المساجد إذاً لك في مجلس العلم والإتيان إلى المسجد فوائد سبع: منها: أن تجد أخاً في الله، وهناك أخوة حصلت وأسر تصاهرت وحصل نسب بين الناس، وهذا بمجرد تعارف الناس مع بعض، وتجد الواحد وجهه منشرح لأخيه ومبتسم، ويأخذه حاضناً له قائلاً: كيف حالك وكيف حال ابنك وبنتك؟ وكيف عيالك وامرأتك وشغلك؟ إذاً يشعر أنه قريب منه. ولذلك ما نظر مسلم إلى أخيه نظرة رحمة إلا نظر الله إليهما، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه أبداً، فينظر إلى أخيه نظرة ليس فيها غل ولا حقد ولا ضغينة، قلبك عليه أبيض، كما روي في الحديث الصحيح: (المؤمن مرآة أخيه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً). وقلنا من قبل: أكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، اللهم شفعنا في بعض يا رب العالمين. ومنها أن تجد علماً مستغرقاً أو رحمة مستنزلة؛ ولذلك كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذهب الناس لشغلهم يقول للصحابة: تقاربوا، فيقرب الصحابة من بعضهم البعض؛ فإن رحمة الله سوف تهبط عليهم مثل الثوب الذي يتغطى به إذاً: أو رحمة مستنزلة. الفائدة التي بعدها: أو كلمة تدلك على هدى، أو تمنعك من ردى، أي: من هلاك؛ فإتيانك إلى المسجد يزيد في علمك، ويمنعك من أن تقول للواحد: يا كافر، إلا إذا قال لك: أنا غير مؤمن بوجود الله والعياذ بالله! تقول له: أنت كافر، لكن شخص يقول: لا إله إلا الله كيف تكفره؟ لا يكفر من قال: لا إله إلا الله. وقال رجل: يا أبا حنيفة! هل سيجمع الله هؤلاء كلهم في مكان واحد؟ قال له: نعم، قال له: هل يقدر على أن يجمعهم في خرم إبرة؟ قال له أبو حنيفة: نعم، فقال: كيف؟ قال له: إما أن يصغر الناس أو يوسع خرم الإبرة! وهذه الفلسفة والجدل صارت سمة وعلامة للمسملين هل يشك أحد في قدرة الله؟! ولذلك قال رجل لـ علي كرم الله وجهه: كيف يحاسب الله الناس على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرة عددهم، أي: سوف يحاسبهم مثلما يرزقهم، وهذه مسألة لا تشغل فكرك بها واشغل فكرك في الذي ينجيك؟ والذي يضيعك؟ كذلك من الفوائد: أو تترك الذنوب خشية أو حياء، فعندما تحضر مجلس العلم ثم تخرج فترى منظراً في الشارع فتغض بصرك مباشرة؛ لأن النظرة سهم من سهام إبليس، فهو يغض بصره ويترك الذنوب خشية أو حياء من الله ومن نفسه ومن الملائكة ومن الناس.

صفات أهل الجنة والبصيرة

صفات أهل الجنة والبصيرة يقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19]. هذه الآية وما بعدها تقسم الناس إلى مبصر وأعمى، والأعمى ليس أعمى البصر، فإن العمى عمى البصيرة والقلب، فمن كان يرى ببصيرته فليس بأعمى وإن عمي بصره، والإنسان قد يسلب منه نعمة معينة قال الله عز وجل: (لا أجد لعبدي إذا سلبت حبيبتيه جزاء يوم القيامة إلا أن أبيح له وجهي ينظر إليه بكرة وعشياً)، فالذي يسلبه الله نعمة البصر يعوضه الله فيعطيه ما أعطى أبا بكر الصديق وأقل ملك في الجنة رجل يسير في ملكه ألفي سنة، وتخيل أن ملكك في الجنة تظل تمشي فيه ألفي سنة، قال الصحابة: يا رسول الله! فمن أعلاهم؟ قال: (من ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً) وأبو بكر قاعد فقال: (أمثال من يا رسول الله؟! قال: كمثلك أنت يا صديق) اللهم لا تحرمنا هذا الفضل يا رب! إذاً: سورة الرعد تقسم الناس إلى مبصر يرى بقلبه نور الحق، وأعمى لا يرى نور الحق، مع أن الحق واضح أبلج.

الوفاء بالعهد والميثاق

الوفاء بالعهد والميثاق إذاً: ربنا سبحانه وتعالى يقول: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:19]، وأولو الألباب الذين هم من أصحاب العقول النيرة، الذين يوفون بعهد الله قال أهل اللغة: كلمة (عهد) هنا اسم جنس، أي: الذين يوفون بكل عهود الله عز وجل، ولذلك الدراويش يقول أحدهم: هل دخلت الطريقة أم لا؟ يقول: لا. فيقول له: تعالى أنا أجعل الشيخ يعطيك عهداً، فيذهب إلى عند الشيخ والشيخ متقمص شخصية المشيخة فيقول له: مد يدك الكريمة، فيمد يده ويصافحه فيكون ذلك عهداً، فتراه يعظم هذا العهد ويراه مثل عهد الله يعني: أنت خائف على العهد الزائف الذي بينك وبين العبد! وقطعت العهد الذي بينك وبين الله، ألم تعاهد الله عز وجل وأنت في صلب أبيك آدم؟ حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، أي: يا رب! أنت ربنا، إذاً هذا هو عهد التوحيد الذي أخذه الله عليك، والتوحيد الخالص يجعلك لا تخاف من اليوم القادم، ويجعلك واثقاً في رحمة الله، لو كان عند المسلمين يقين مثلما قلنا فبدلاً من أن يقعوا في الشبهات وأرباح البنوك يذهب يفتح حساباً جارياً، وربنا يرزقه وييسر له الرزق الحلال. قال تعالى: {يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [الرعد:20] أول عهد عهد التوحيد، ثم عهد الأوامر والنواهي، فهذا عهد آخر قال تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:29]، فنولي وجوهنا للمساجد فنصلي الصلوات في الجماعة، ثم بعدها إيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، وفعل الخيرات، والكلمة الطيبة، وتبسمك في وجه أخيك كل هذه عهود بينك وبين الله، وعهود مكتوبة، ولذلك ربنا أخذ العهد على النبيين أنه لو جاء رسول في آخر الزمن أن يؤمنوا ويصدقوه قال تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران:81] أي: على العقد الموثق (قالوا أقررنا) انتهى الأمر. ولذلك أنا أريد أن تقرأ القرآن بتمعن وتفكر، إن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن وحيه إلى رسله الكرام يتحدث عن التوصية في جانب نوح والنبيين من بعده، ولا تأتي كلمة التوصية في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:13]، فالتوصية تأتي عند الأنبياء وتأتي عند سيدنا رسول الله كوحي فقط، لأن العبودية ما تحققت فعلاً في أكمل مراحلها إلا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:20] أي: الميثاق الذي بينك وبين ربنا من عبادته وتوحيده، وعدم عصيانه، والميثاق الذي بينك وبين الناس ألا تخلف الوعد كأن تعد بإنجاز موضوع وفي نيتك أنك لن تعمل له شيئاً، فهذه من صفات المنافق، لكن الذي يعد وهو ينوي أن يفي بوعده ولكن الظروف ما سمحت له، فهذا هو الممدوح.

من صفات أهل الجنة صلة الرحم

من صفات أهل الجنة صلة الرحم قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد:21]، الله أمر بصلة الرحم، فيجب أن توصل، وما الرحم التي يجب أن توصل؟ هي كل من كان مسلماً قريباً لك، وستسأل عنه يوم القيامة، فأنت مأمور بصلته. ولذلك قلنا من قبل: إن الله عز وجل يقبل توبة كل تائب ما عدا ثلاثة: (العاق لوالديه، ومدمن الخمر، وقاطع الرحم) وفي حديث آخر: (والمخاصم لأخيه، والديوث) المخاصم لأخيه المسلم سواء بسبب أو بدون سبب، يقول الله لملك الحسنات: لا تكتب له حسنة إلا إذا ذهب يصالح أخاه. ولذلك كان الصالحون إذا ضاقت الدنيا عليهم وكثرت المصائب والمشاكل يذهبون إلى ثلاثة أماكن: إلى السجون ليسمعوا أنين المساجين، فيتشعروا نعمة الله عليهم، ويذهبون إلى المستشفيات فينظرون إلى المرضى وأصحاب المصائب فيحمدون الله على العافية، ويذهبون إلى المقابر ليعرف العبد نهايته وقدومه على الله! فالمسلم عندما تضيق به الأمور عليه أن يزور بيوت الله عز وجل، وأن ينظر في الدنيا إلى من هو أقل منه؛ لكي لا يستقل نعمة الله عليه.

من صفات أهل الجنة الخشية من الله عز وجل

من صفات أهل الجنة الخشية من الله عز وجل قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الرعد:21]، وقد عرفنا خشية الله عز وجل قبل ذلك، وهي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، أمرك بالتواجد في أماكن الطاعة، ونهاك أن تتواجد في أماكن المعصية، إذاً: عندما ينظر إليك فيجدك في مكان الطاعة ولا يجدك في مكان المعصية يحل عليك رضوانه. وقد تدعى إلى حفلة زواج لقريب لك، لكن هذه الحفلة قد استدعيت إليها راقصة وفرقة غنائية، فهل تجيب هذه الدعوة وقد اشتلمت على ما يغضب الله، مع العلم أنك إذا لم تذهب للحضور سيغضب منك صاحب الحفلة؟ والجواب أنه يحرم الذهاب؛ لأن الله قد ينظر إليك في مكان المعصية فيغضب عليك، وربما نزل عليك ملك الموت في هذه الحالة فتكون ممن ختم له بسوء الخاتمة! إذاً: هنا هم يخشون ولذلك ذكر من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

من صفات أهل الجنة الخوف من سوء الحساب

من صفات أهل الجنة الخوف من سوء الحساب قال تعالى: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21] يعني: سوء الحساب ما يقع في المحشر كأن تخف الموازين أو يطرد عن الحوض أو لا يظله الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، أو لا يحشر في زمن الصالحين إلخ. فهو يقول: أنا خائف من سوء الحساب وأخاف من الله سبحانه وتعالى أن يخرج لي الأعمال السيئة التي عملتها، فنسأل الله عز وجل أن يختم لنا ولكم بخير، وأن يجيرنا وإياكم من سوء الحساب.

من صفات أهل الجنة الصبر

من صفات أهل الجنة الصبر قال تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [الرعد:22] كأن تصبر على زوجتك تبتغي بذلك وجه الله؛ لأن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة جرعة غيظ تجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). يحكى أن أحد المريدين دعا شيخه إلى بيته فأجابه، ففرح المريد وأعد له طعاماً فجاءت الدجاجة فقفزت على الطعام فصرفوها عنه، ثم إن الشيخ دعا المريد إلى بيته، وعندما ذهب المريد إلى بيت الشيخ ذهب وفي قلبه للشيخ هيبة وإجلال، وبينما هو جالس في بيت الشيخ ينتظر الطعام إذا به يسمع زوجة الشيخ ترفع صوتها عليه وتكلمه كلاماً لا يتناسب مع مقامه وتغضب عليه وهو صابر، فاستنكر المريد وعظم ذلك عليه، إذ كيف تهين المرأة الشيخ الذي يجله الناس ويكرمونه ويتبعونه. ودخل عليه الشيخ فوجد وجهه متغيراً فعرف ما في نفسه فقال له: يا بني، لقد كنا عندكم الجمعة الماضية فقفزت الدجاجة إلى وسط الطعام فماذا صنعنا بها؟ قال: لا شيء. قال: فإني أنزلت زوجتي منزلة الدجاجة! وهذا هو الصبر الحقيقي. جلس الحسن البصري رحمه الله وسط المريدين، وكان أهل العراق يحبونه، فأحد الحاضرين جاء وداس على رجل الحسن، والحسن البصري يبتسم، ثم قال لهم: إن أحدكم إذا ضرب رجله في حجر؛ فسقط على وجهه فهل يضرب الحجر؟ قالوا له: لا، قال لهم: فأنا أنزلته منزلة الحجر! انتهت القضية بسهولة، فأنت تصبر ابتغاء مرضاة الله إذا آذاك أحد لأن الصبر يشعرك بأمرين: أنك انتصرت على نفسك وعلى الشيطان، وأخذت ثواباً لا يعلمه إلا الله، اللهم اجعلنا من الصابرين يا رب!

من صفات أهل الجنة إقامة الصلاة

من صفات أهل الجنة إقامة الصلاة قال تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [الرعد:22]. أي: صلوا كما يجب وينبغي: {وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [الرعد:22]. سراً: الصدقة. وعلانية: الزكاة، كما قال أهل العلم. {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] كان الإمام الشافعي رحمه الله إذا اغتابه أحد يبحث عنه، حتى إذا وجده قال له: بلغنا أنك أعطيتني هدية بالأمس -فمسى الغيبة هدية؛ لأن المغتاب يهدي حسنات للغير-، فـ الشافعي رضي الله عنه يقول: أهديتنا من أمور الآخرة ونحن نهديك من حطام الدنيا، خذ هذه الهداية. ولذلك كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قاعداً مع السيدة عائشة فقال لها: (يا عائش أعلم متى تكوني عني راضية ومتى تكوني علي غضبانة)، السيدة عائشة عندما كانت تغضب من الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكشر في وجهه، ولا بتغير وجهها، قالت عائشة: (وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كنت راضية تقولين: لا ورب محمد، وعندما تكونين غاضبة تقولين: لا ورب إبراهيم)، مع أنه رب واحد وقسم واحد! (تقول: يا رسول الله! والله لا أهجرك إلا اسمك، ولكنك في قلبي). انظر الأدب والتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم! لما كان السيدة حفصة تعرف أن عائشة تتضايق من أكل الحزير -العصيدة- تصنع حزيراً وهي تعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عائشة ثم ترسل له إلى الرسول ليأكل منه، فالسيدة عائشة رضي الله عنها أخذت الصحفة يوماً وكسرتها فجعل الرسول يصلح الصحفة ويقول: (غارت أمكم! غارت أمكم) ويصبر صلى الله عليه وسلم ابتغاء مرضاة الله. الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه عندما كان يؤذيه أحد الناس كان يقول: يا فلان! أبيت إلا أن تعصي الله فينا ونحن نأبى إلا أن نطيع الله فيك. يعني: أنت عزمت إلا أن تعصي الله فينا، ونحن عازمون أن نطيع ربنا فيك {وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الرعد:22]، عقبى الدار والله إنها جنات عدن، وقلنا: عدن الإنسان في المكان أي: أقام فيه ولم يبرحه قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23] يدخلون عليهم من كل باب بالهدايا تخيل أنت عندما يؤتى لك بهدية من واحد صاحب قدر وقيمة، فما بالك بالهدايا من رب الهدايا؟! {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]، وأنت في الجنة لا تسمع إلا هذا الكلام {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26]، أي: السلامة من كل شيء، فلا يوجد مرض، ولا أذى، ولا حزن، ولا خوف، ولا أحد ينكد عليك.

ذكر أهل الجنة في سورة ص

ذكر أهل الجنة في سورة ص يذكر الله طائفة من الصالحين يقول تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:45]. بدأ بأبي الأنبياء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يقولون: إنه بنى أعظم بناء في التاريخ، وهي الكعبة، فالآمر ببنائها هو الرب الجليل، والمبلغ والمساعد هو الأمين جبريل، والمنفذ لما أمر هو إبراهيم الخليل، والذي يساعده هو الصديق إسماعيل، قال له: كيف أبنيها يا رب؟! فأرسل الله سحابة فظللت ما تحتها، فقال الله له: على حدود ظل السحابة ارفع القواعد من البيت، فرفع القواعد سيدنا إبراهيم، وقال الله فيه: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، فماذا وفى؟ قدم جسده للنيران، وابنه للقربان، وطعامه للضيفان، دائماً كان سيدنا إبراهيم لا يأكل إلا إذا أتى ضيف، يخرج عبيده ليأتوا بالضيفان، والشاعر العربي يقول: وإني لعبد الضيف مادام ثاوياً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا يعني: عندما يحل عنده الضيف يكون هو عبداً للضيف، وليس فيه من صفات العبد إلا هذه الصفة! ولذلك الكريم قريب من الله، وقريب من الجنة، وقريب من الناس، وبعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، وبعيد عن الجنة، وبعيد عن الناس، وقريب من النار، اللهم اجعلنا من أهل الكرم يا رب! فسيدنا إبراهيم مشهور في التاريخ بالكرم، وعندما كان يأكل لم يكن ينظر إلى الذي أمامه، هكذا كانت شريعته، ولم يكن يتكلم على الأكل، والسنة عندنا أن تكلم على الأكل: (تحدثوا على الطعام ولو بثمن الطعام) فلابد من الكلام على الأكل، ألست تعلم ابنك فتقول: عيب يا ولد انتبه تسقط الأكل؟! فالسنة أن نتحدث على الطعام من أجل أن نؤنس الضيف، ولو كنت سريع الأكل يا صاحب البيت فكل ببطء من أجل ألا يحرج الضيف، ولا تقل له: إنني آكل سريعاً كل براحتك! كيف سيأكل براحته مادام أنه يأكل بسرعة، كن أنت آخر من يقوم. قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:45] الأبصار هنا ليس معناها البصر المعروف، فقوله: ((أُوْلِي الأَيْدِي)) يعني: الكرام، ((وَالأَبْصَارِ)) جمع بصيرة والمراد: البصائر {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:46] أي: عندما تذكر اسم سيدنا إبراهيم تقول: عليه السلام، وهكذا سيدنا يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وسيدنا إسحاق وهكذا فكل هذه نعمة من الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص:47]. ثم قال الله: {هَذَا ذِكْرٌ} [ص:49] أي: هذا ذكر حسن، ولكن عندما تذكر قارون تقول: أعوذ بالله! قال تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:49] يعني: الذكر الحسن في الدنيا، أما في الآخرة فإن للمتقين لحسن مآب. قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} [ص:50]، وهناك فرق بين (مفتحة) و (مفتوحة)، فالمفتوحة هي التي تفتحها بمفتاح أو بالدفع فيكون الفتح بفعل فاعل، لكن لفظ (مفتحة) أي: بالأمر، يعني: الله عز وجل أمر أبواب الجنة أن تفتح، ففتحت؛ ولذلك لا تفتح أبواب الجنة لأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضوان واقف على باب الجنة، ونبينا هو أول من سيفتح له باب الجنة: (أول من يقعقع حلقتها نبيكم ولا فخر، فأجد امرأة تريد أن تسبقني إليها، فأقول: من أنت يا أمة الله؟ قالت: أنا امرأة مات زوجها وترك لها يتامى، فقعدت عليهم فربتهم، فيأخذ الرسول بيدها إلى الجنة). قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} [ص:51] الاتكاء نعمة من النعم، وليس مثل أن تتكئ في بيتك من كثرة الألم، بل الاتكاء هناك {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] أي: حشوها من الداخل حرير، فكيف تكون من خارجها؟ ألست أنت محروماً من هذه الأشياء في الدنيا؟ سيعوضك الله إياها في الآخرة، ولكن اصبر! قال تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص:51 - 52] يعني: ليست صاحبة عيون جريئة، بل {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [ص:52] أي: قصرت نظرها إلى زوجها، ومن النعمة أن تكون مطمئن القلب أن امرأتك لا تنظر إلا إليك فقط، يعني: في زمن جدتي وجدتك لم يكن عند المرأة إلا زوجها في الدنيا، ولكن الموظفة اليوم تقارن بين الأستاذ درويش الذي بجانبها وهو مسرح شعره وشكله كيف يكون؟! والكرفتا كيف هي؟! والملاية التي عليه هل هي من الكساء الشعبي؟ وتقارن كيف شكله أمام زوجها، وهذا صحيح ووراد، لكن قاصرة الطَّرْفِ لم تكن تخرج؛ لذلك مدح الله البنتين اللتين رآهما سيدنا موسى حيث حصل له ذعر عندما نظرهما، وقال: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ثم قال: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [القصص:24]. ثم بعد ذلك قال: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25] أنا أريد أن يعلم هذا الحياء في المدارس، نريد من مدرسي التربية الدينية واللغة والعربية في المدارس وبالذات في مدارس البنات أن يعلموهن ما معنى المشي على استحياء، قال سيدنا عمر: (غير ولاجة ولا خراجة)، يعني: أنها لا يعرفها الناس بسبب قلة خروجها من بيتها إلى الشارع فليست داخلة خارجة كل يوم، وليس هناك اجتماع بعد الظهر، وجمعية عمومية، وداخلة في النقابة. قال تعالى: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [ص:52] يعني: في سن واحدة، والترب هو الند والمشابه والمثيل، يعني: من أجل ألا يقول أحد لأحد في الجنة: زوجتي أحسن من زوجتك. قال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:53 - 54] فهذه نعم عظيمة!

أقسام الناس في سورة الواقعة

أقسام الناس في سورة الواقعة وهذه سورة الواقعة كلها تتحدث عن الدارة الآخرة قال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] أي: خافضة لأهل الكبر، ورافعة لأهل التواضع، خافضة لأهل الفسق، ورافعة لأهل الإيمان، خافضة لأهل الانحراف، ورافعة لأهل الاستقامة. ثم بعد ذلك قال: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة:4] ها هي مشاهد يوم القيامة! {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} الأرض ترج كما ترج زجاجة الدواء قبل أن تستخدمه، يقول لك: رج الزجاجة رجاً جيداً، هذا هو المعنى، الأرض ترتج بما فيها وما عليها! قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] فهو زلزال حقيقي! قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة:4 - 5] البسيس: هو الدقيق مع قليل من الماء أو التراب مع الرمل يسميه العرب بسة، إذاً: هذه الجبال تكون كالتراب الذي وضع عليه كأس من الماء، فكيف يكون الشكل؟! قال تعالى: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:6] (هباء) أي: متناثراً! {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً} [الواقعة:7] قسمنا ربنا في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقسام قال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8] اللهم اجعلنا منهم يا رب! {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة:9] والعياذ بالله! {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:10 - 14]. إذاً: الأقسام ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون. سيدنا الحسن البصري رحمه الله ربيب أم سلمة عندما كان يقرأ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] يقول: يا رب! لقد ذهب السابقون فاجعلنا من أهل اليمين. أي يقول: إن السابقين قد ذهبوا مع سيدنا رسول الله، ومنهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو ذر وخالد وأبو عبيدة وعمار وبلال كل هؤلاء هم السابقون. وأصحاب الميمنة هم: كل إنسان يذنب فيتوب، ويواظب على توبته، فهو من أصحاب الميمنة يقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بأناس يخطئون، فيستغفرون فيغفر الله لهم)، فكيف وهو الغفور الرحيم؟! إذاً: لابد أن يخطئ العبد منا، لكن المهم أن خير الخطائين التوابون. قال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة:8 - 9] وهم أهل النار.

ما أعد الله للسابقين من نعيم

ما أعد الله للسابقين من نعيم قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10 - 11] أي: المقربون في الدنيا من الكتاب والسنة، ومقربون في الآخرة من الله ومن رسول الله. قال تعالى: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ} [الواقعة:12 - 13]، أي: مجموعة ضخمة من أوائل الصحابة: {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:14]، يعني: في آخر الأمة. أول أهل الجنة دخولاً بعد رسول الله هم أمة الحبيب المصطفى، فنحن آخر الأمم وأول الأمم دخولاً إلى الجنة، حتى يقول رضوان: والله ما أمرت أن أفتح لأحد إلا لأتباع محمد، ثم لمن بعدهم، اللهم اجعلنا من أتباع محمد يا رب! قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:13 - 15] أي: مدثرة بحرير مغلف بماء الذهب! قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:16] يا أخي! هذا التقابل نعمة من النعم، لابد أن أرى وجهك وأنت تتكلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تحدث للصحابة أعطاهم وجهه، وأعطى كل واحد وجهه، حتى يظن كل جالس أن الرسول لا يهتم إلا به، انظر إلى أدب الحديث! وكأن الذي هو جالس يقول في نفسه: كأن الرسول ليس مهتماً بأحد غيري. قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:16 - 17] الذين هم أولاد المسلمين الذين ماتوا صغاراً، وصبر عليهم آباؤهم، هؤلاء هم خدم أهل الجنة، مخلدون لا يموتون أبداً. قال تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} [الواقعة:18] قلنا: إن الكوب الذي ليس له ممسك في الوسط، والإبريق: الشيء الذي له أذن وخرطوم يخرج منه الماء وغيره. قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:17 - 18] العرب لا تقول كلمة (كأس) إلا عند أن تكون مليئة بالخمر، ولكن خمر الآخرة غير خمر الدنيا، لا يحصل له في رأسه صداع أو سكر، ولا يحصل له أن رأسه يهتز، فخمر الجنة تشربه من كأس فقط؛ ولذلك الذي يشرب الخمر في الدنيا لن يشرب الخمر في الآخرة، بل بالعكس، من أدمن الخمر في الدنيا ولم يتب قال: (سقي من طينة الخبال يوم القيامة في النار، قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: عصارة أهل جهنم وحيضهم وصديدهم). قال تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] يا رسول الله! كيف يكون شكل هذه الطيور؟ قال: طيور لها أعناق كأعناق البخت، واقفة أمام العبد وشكلها جميل، ويخطر ببال العبد أنه يريد طيراً جميلاً مشوياً؛ فينزل الطير مباشرة في الطبق مشوياً، تقول: لو أنه كان محشياً؛ فينزل محشياً مثلما تريد، كل هذا سوف تلقاه، إذاً بالله عليك اصبر على طاعة الله، وواظب على دروس العلم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. اللهم اجعل الجنة مآلنا اللهم اجعل الجنة مآلنا اللهم اجعل الجنة مآلنا اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب. اللهم اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. أكرمنا يا رب ولا تهنا أعطنا ولا تحرمنا زدنا ولا تنقصنا كن لنا ولا تكن علينا آثرنا ولا تؤثر علينا انصرنا ولا تنصر علينا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النار، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وزحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية توبة من ارتكب الذنوب والمعاصي

كيفية توبة من ارتكب الذنوب والمعاصي Q شخص ارتكب كثيراً من الفواحش ويريد أن يتوب الله عليه؟ A الله عز وجل يغفر كل الذنوب إلا الشرك به سبحانه وتعالى، طالما أيقنت أنك قد أخطأت في حق الله، وتجرأت على الله سبحانه وتعالى في حدوده، وتبت وندمت، وأكثرت من الحسنات، فإن الله عز وجل يقبل التوبة.

شؤم معصية العاق لوالديه

شؤم معصية العاق لوالديه Q أرجو النصيحة لإخوة زوجي، حيث يسبون أمهم ويضربونها وقد نصحتهم في ذلك ولم يمتنعوا؟ A أولاً: من نظر إلى أبيه أو إلى أمه نظرة فيها كبر أو سخرية أو استهزاء، أمسكت الملائكة عرش الرحمة خشية أن يسقط من غضب الجبار سبحانه، واحذر أن تزوج ابنتك من عاق والديه، اسأل عن خطيب ابنتك فإذا عرفت أنه عاق لوالديه فلا تزوجه ابنتك؛ لأن هذا إنسان لن يبارك الله له في حياته، فبالتالي لن يبارك لابنتك، فنسأل الله الهداية لكل من لا يتقي الله عز وجل.

حكم من أقسم على زوجته بالطلاق ثلاث مرات

حكم من أقسم على زوجته بالطلاق ثلاث مرات Q رجل أقسم على ابنته الراسبة دراسياً بالطلاق ألا تذهب إلى المدرسة مرة أخرى، ولكن عند بداية العام الدراسي تركها تذهب، ثم تكرر ذلك في العام الذي يليه، وأقسم مرة أخرى، ثم تركها تذهب، وبعد ذلك تقدم لها شخص يريد زواجها، فحدثت بعض المشاكل فأقسم بالطلاق ألا تتزوجه، والآن يريد هذا الشخص أن يرجع مرة أخرى ويلح في السؤال، هل تكون الزوجة طالقاً؟ A الزوجة طالق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جدن وهزلهن جد) يعني: لم تجد في قسمك إلا الحلف بالطلاق، فمن أقسم بالطلاق فزوجته طالق، ويحرم أن تعيش معه، ولا يصح أن تعيش معه، ولا ينفع المحلل، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلل والمحلل له).

حكم من ساعد امرأة على الإجهاض من الزنا

حكم من ساعد امرأة على الإجهاض من الزنا Q ساعدت بنتاً من الجيران في الإجهاض من الزنا بالمال، هل أنا مشترك معها؟ A الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله، عند أن تأتي لك مشكلة مثل هذه فلا تتعاون معهم، قل لا أعرف؛ لأنه احتمال أن تكون قد سترت شيئاً الله عز وجل لم يكن يريد ستره، لا تعرض نفسك لهذا الموقف، إن الإخوة الأطباء والأخوات الطبيبات يأتون فيسألوننا، يقولون: امرأة أتت بابنتها وتقول: يا دكتور! استر علي ربنا يستر عليك بنتي وهكذا سبحان الله، فالحقيقة نقول لهم: كأنك ما رأيت، لماذا تريد أن تضع نفسك في هذه المشكلة؟!

حكم إهداء هدية لشخص مقابل توفير فرصة عمل

حكم إهداء هدية لشخص مقابل توفير فرصة عمل Q أنا لا أعمل وأمامي فرصة عمل بشرط أن أعطي للرجل الذي سيوفر لي فرصة العمل هدية قيمة، فهل تعتبر رشوة؟ A هذه رشوة، فهي رشوة من وقت ما تعامل في هذا العمل حتى تبدأ العمل، وما أقيم على الباطل فهو باطل، وما أقيم على الحرام فهو حرام، رزقنا الله وإياكم من الحلال. وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وآخر منازلها

سلسلة الدار الآخرة_الجنة وآخر منازلها الحديث عن الدار الآخرة -وخصوصاً عن الجنة- حديث ذو شجون، فإن الجنة هي الغاية الأسمى والأمنية العليا والمبتغى الأرفع لكل مسلم موحد، فيها ما لم تره عين، وما لم تسمعه أذن، وما لم يخطر ببال رجل من قبل، فيا فوز كل من وفقه الله لدخولها، وجعله من السائرين على الطريق الموصل إليها، ويا ندامة من مشى في طريق غير طريقها.

أهمية الحديث عن الجنة والآخرة

أهمية الحديث عن الجنة والآخرة الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الحادية عشرة في الحديث عن الجنة. اللهم! اجعل الجنة مآلنا، ومصيرنا، ومكاننا يا رب العالمين، بدون سابقة عذاب. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم تب على كل عاصٍ واهد كل ضال، واشف كل مريض، واشرح صدر كل ذي صدر ضيق، وارحم أمواتنا، وأموات المسلمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل كيده في نحره، وأوقع الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين. اجعل هذه الجلسات خالصة لوجهك الكريم، ثقل بها موازيننا يوم القيامة. اللهم أظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم أبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إن الحديث عن الجنة يشرح الصدور الضيقة، وصدورنا تضيق بالدنيا وما فيها ومن فيها، ومن لم يحزن على نفسه فليحزن على دين الله عز وجل الذي يُستهزأ به عند الكبير وعند الصغير. فالمسلم يغار على دين الله، والمؤمن القوي هو الذي يغار عندما يرى حرمة من حرمات الله تنتهك، ويحدث في قلبه ثورة، وما عليه عند ذلك إلا أن يحسن المعاملة بينه وبين ربه، وأن يدعو الله مخلصاً له الدين، {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، بقلب تقي نقي، من الشيطان بريء، ولله ولي، نسأل الله أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. قلنا من قبل ونكرر كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عجبت للجنة كيف نام طالبها، وعجبت للنار كيف نام هاربها)، فمن يريد الجنة قد نام، ومن يهرب من النار قد نام، مع أن الإنسان لو طلب شيئاً لحث في سبيل الوصول إلى هذا الشيء، ولو خاف من شيء لرفع المحاذير أمامه كي لا يقع ولا يتورط في هذا الشيء، على سبيل المثال: لكي تصل بابنك إلى بر السلامة لغرض المؤهل فإنك تتعب من أجله، وتقوم بتدريسه دروساً خصوصية، وتأتي له بمدرسين جيدين، وتختار له المدرسة الجيدة، وتظل تواصل الليل بالنهار حتى يكبر الابن ويتخرج ويصبح في يده عمل يستطيع أن يأكل منه لقمة العيش، وفي المقابل تحمي نفسك، وابنك، وزوجتك عن كل سوء قد يقع فيه، فهناك محاذير تضعها نصب عينيك لكي لا تقع في المحظور، فهل يا ترى في مسألة الجنة والنار نصنع هذا؟ هل المسلم يصنع ما يرضي الله عنه حتى يدخل الجنة، ويبعد عن كل ما يغضب الله حتى يبتعد أيضاً عن النار؛ لأننا قلنا: إن الله عز وجل لن يدخل أحداً الجنة بعمله ولكن دخول الجنة برحمة الله عز وجل، فكلنا تحت عنوان: {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:149].

الحث على إطابة المطعم

الحث على إطابة المطعم فالمسألة كلها مسألة رحمة؛ لأن ربنا لو يحاسبنا على الذنوب التي نعملها فنحن لسنا بجيدين حقيقة، سواء الكبير منا أو الصغير أو الرجال أو النساء أو المدعي الإيمان أو غيره، كلنا أعمالنا عندما تزنها بميزان الشرع تجد أن معظم الوقت الذي سيحاسبنا ربنا عليه ضائع فيما لا يرضي الله عز وجل، فأغلب الناس وقته ضائع في لقمة العيش، ولقمة العيش أكثر ما تحصل في زماننا تحصل بالشبهات، نسأل الله السلامة لنا ولكم وللمسلمين، فإن لقمة العيش تحصل بوسائل غريبة. والناس صارت لا تستحي من الله فلو كان عنده حياء من الله لم يكن ليأخذ منك خمسة جنيهات كي يمشي لك المصلحة، وما كان لأصحاب المهن الذي يأتي ليصلح لك الآلة ألّا يقوم بإصلاحها بشكل تام لكي تستدعيه مرة ثانية، وهذا كله مال حرام، والأموال الحرام لا تُصرف إلا في الحرام، فإنه لا يوجد مال يؤخذ بالحرام فيُصرف بالحلال. وإن أنفقها في حلال كانت زاده إلى النار يوم القيامة، فقليل من يحصل اليوم على مال ويتحرى مصدره، وعلى سبيل المثال: استخدام تلفون المصلحة من قبل الموظفين فيتصل للبيت ولخالته ولعمته، ولو كان التلفون فيه اشتراك دولي وإلا اشتراك محلي فإنه يتصل بعمته في أسيوط، وبخالته في الإسكندرية، وبأخيه الذي في الكويت، وابن أخته التي في أمريكا وكل هذا على حساب المصلحة، وفي يوم القيامة يقال: من أخذ من حق أخيه دانقاً -والدانق جزء من الدرهم كالفلس أو المليم- أي أنك لا تستطيع أن تشتري به شيئاً. من أخذ من أخيه دانقاً بغير وجه حق لكن هذا الدانق لا يُعلم كم من الحسنات سيأخذ، فهل تكون بمقدار الحسنات الناتجة عن قول: سبحان الله، أم أنه يساوي سبعمائة صلاة مكتوبة مقبولة، فلا يتهاون الإنسان في حقوق العباد، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: إن الله يقول يوم القيامة: (يا عبادي! ما بيني وبينكم قد غفرته لكم فتغافروا)، وفي رواية الإمام الترمذي قال: (فتصالحوا). وإن الإنسان لن يرفض حسنة تأتيه يوم القيامة، وخصوصاً إذا كان ذاهباً إلى النار والعياذ بالله، فإذا كان يذهب إلى النار وقيل له: إن فلاناً من الناس عليه لك مئات أو ملايين من الحسنات فإنه سيأخذ ذلك. فإن الإنسان يوم القيامة يهرب من ابنه ومن زوجته ومن صديقه ومن جاره ومن أبيه ومن أمه، وتقول الأم مذكرة ابنها: يا بني! كانت بطني لك وعاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء، هل من حسنة عندك تنفعني في مثل هذا اليوم؟ فيقول: يا أماه! أنا لا أنكر شيئاً من ذلك، ولكني أشكو مما تشكين منه، أوَ ليس عندك أنت من حسنة؟ فالأمومة في مثل هذا الموقف والبنوة انتهت، والأب يقول للابن: أعطني، فيقول الابن: أعطني أنت يا أبي! أتذكر كم كنت شفيقاً عليك، وباراً بك، وقد خدمتك لغاية ما مت، فيقول له: يا بني! أنا لم أنسَ ولكني أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ يوم يقول فيه عيسى: يا رب! لا أسألك عن مريم بنت عمران وإنما نفسي نفسي، سيدنا إبراهيم الخليل، وسيدنا موسى الكليم وهم من أولي العزم وسيدنا موسى آخذ بإحدى قوائم العرش، ودعوة الأنبياء جميعاً والملائكة في ذلك اليوم: يا رب سلم! يا ربِ سلم.

أهمية وضع اليوم الآخر وأهواله نصب العينين

أهمية وضع اليوم الآخر وأهواله نصب العينين وأقسم بالله! لو أن كل مسلم في مصر وفي غير مصر حاكماً كان أو محكوماً وضع هذا الأمر -وهو اليوم الآخر- نصب عينيه لصلح حال المسلمين؛ لأن الإنسان عندما يضع في ذهنه أن المظالم يوم القيامة لن يدافع أحد عن أحد فيها فلن يأكل أحد حق أحد. فـ أبو بكر لم تحتمل بطنه -التي لا تتعود إلا على الحلال- جرعة لبن شك في مصدرها، فبعد ما شرب قال له خادمه: يا خليفة رسول الله! ألا تسألني من أين أتيت به؟ فسأله عن ذلك فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية، أي: كنت أعمل كعراف يقرأ الحظ أو كعبقري الفلك أو شيئاً من هذا القبيل فلما مررت عليهم وكان عندهم عرس أعطوني قليلاً من اللبن، فوضع أبو بكر أصبعه في فمه فتقيأ ما شرب ثم نظر إلى السماء وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما علق باللحم والعروق. فكيف الحال بمن يأخذ مال أخته، أو يغتصب أرض أخيه، فيجب أن يُسمع مثل هذا الكلام بأذن القلب لا بأذن الرأس، ويجب أن ينفتح القلب لمثل هذا الكلام. والله! لو أدرك المسلمون مسألة هول المطلع يوم القيامة لصلح حالهم كما قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: ثلاث أحزنتني حتى أبكتني: فراق الأحبة محمد عليه الصلاة والسلام وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الله عز وجل. ويروى أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه عندما يرى امرأته قد أشعلت النار يقرب إصبعه من النار ويقول: يا ابن الخطاب! ألك صبر على مثل هذا؟ ويبكي حتى تظن زوجته أنه لن يسكت. والإنسان الذي يدمن شرب الدخان قد يشعر بالحرارة على أصبعه أفلا يتذكر مثل هذا الشخص دخان النار يوم القيامة؟! فالنار أمام فيه ولو نسي نفسه بالكلام ستحرق السيجارة يديه، فهو بذلك يحرق جسمه ويحرق فلوسه ويحرق صحته ويحرق نعمة الله عز وجل، ويدعي أن الشيخ يقول: إنها مكروهة، وهذا خطأ فادح فهي حرام؛ لأن أصل التدخين يلوث الأخلاق ويلوث هواء البيئة الخلقي، فضلاً عن تلويث الهواء النقي على الآخرين، وبعضهم يقول: إن التدخين حرام لكن الشيشة ليست حراماً؛ لأن الشيخ الفلاني أفتى بذلك، فيقتطع ما أعجبه من الفتوى. ومن الغريب أن نجد في أوساط المسلمين أعداداً كثيرة ممن يدعون الفقه ويتصدرون الفتوى وهم لا يجيدون ولا يتقنون ما يتكلمون فيه، فإن الإنسان -لا قدر الله- إذا أراد أن يؤلف قطعة موسيقى فإنه لا يستطيع إلا إذا أتقن فن الموسيقى، وكذلك في اللعب وفي غيرها. فالعبد لو وضع الآخرة نصب عينيه لما ظلم الظالم ولما ارتشى المرتشي، ولما اختلس المختلس، ولما كذب الكذاب، فالكذاب يكذب لأنه ظن أن ربنا ما سمعه، والعبد يعصي لأنه يظن أن الله لا يراه، وهذا بسبب انعدام المراقبة التي كانت موجودة في قلوب الصحابة ومنهم أبو بكر الذي سئل: كيف خوفك من الله؟ قال: ما خطوت خطوة إلا ورأيت الله أمامي، وكان رضي الله عنه لا يتحلل من ثيابه بمفرده في الحجرة، فسئل: لماذا تفعل هذا يا خليفة رسول الله؟! قال: أستحي إن ربي معي. وبهذا تحقق معنى الإحسان الذي هو: (أن تعبد الله كأنك تراك فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، والمصيبة أن يحفظ الإنسان هذا الكلام دون العمل به. وقد يهتم الناس بالمظاهر فلا يراقبون الله، ومثال ذلك: إذا جاء ولد صغير مع أبيه فإن الناس يمدحون الولد ويمسحون رأسه، بينما لو جاء ولد فدخل الصف الأول ووالده لم يكن معه فإنه سيُنهر ويُزجر. وكذلك قد يأتي صاحب سيارة أجرة يريد البنزين فيصادف أن يكون العامل مشغولاً، فلا يُجيب صاحب السيارة، وإن أتى صاحب سيارة فخمة فإن العامل سينتفض من عمله ويرحب فيه، وهذا بسبب التلوث الأخلاقي الذي أصابنا، فنحن لا نعاني من تلوث في الهواء فإن هذا قد حمانا الله من عواقبه بأن منحنا مناعات قوية، لكننا نعاني من تلوث خلقي نسأل الله أن يعافينا. رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا يجب أن نضع الدار الآخرة نصب أعيننا، ونضع مسألة مظالم العباد نصب أعيننا، ويجب على الإنسان أن يذكر نفسه بهول المطلع والوقوف بين يدي الله بين الآونة والأخرى، ويوم ينادي المنادي: تعال هذا فلان ابن فلان من كان له عنده مظلمة فليأتِ يأخذها منه، سواءًَ كانت هذه المظلمة غيبة أو نميمة أو غيرها، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا انتهت حسناته يؤخذ من سيئات المظلومين وتوضع على سيئات الظالم، وهذا هو المفلس الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، ثم يطرح على وجهه في النار والعياذ بالله رب العالمين. فلهذا يجب أن ينتبه الإنسان فقد يتقبل الله منه في الدنيا عملاً عمله كالصلاة مثلاً فهو يصليها بإتقان وبخشوع وفي جماعة ويحاول ألا يسهو ويبكي فيتقبلها الله، وتكتب في ميزان حسناته، فيأتي شخص يأخذ أجرها بسبب أنه ظلمه، فإن المظلوم يبحث عن الحسنة الخالصة للظالم، وعندما يأخذ حسناتك المظلومون فإنك تصبح مفلساً، فالمسألة تريد مراجعة، فليس المقصود من هذه الحلقات مجرد الاستماع فقط وإنما العمل مطلوب. نسأل الله أن يكون هذا العلم لنا لا علينا.

أقسام الناس يوم القيامة حسب تقسيم سورة الواقعة

أقسام الناس يوم القيامة حسب تقسيم سورة الواقعة

السابقون الأولون

السابقون الأولون كنا قد توقفنا في الحديث عن الجنة في سورة الواقعة عند كلام الله عز وجل عن السابقين وعن المقربين، وقد قسمت السورة الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام، وقلنا: إن السابقين كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسيرون على الأرض ولكن قلوبهم معلقة بالله وبالدار الآخرة، فهم مثلنا يأكلون ويشربون ويبتسمون لكن قلوبهم مع الله، ثم جاء من بعدهم جيل وهو جيل التابعين وتابعي التابعين، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين! وبسبب التباعد عن عصر النبوة تغيرت بعض الأمور، فقد قال سيدنا علي رضي الله عنه في سنة ستة وثلاثين هجرية: كان الرجل يأتي -أي في أيام سيدنا رسول الله- فيدخل إلى السوق فيقول: من أعامل؟ فيقال له: عامل من شئت. وهذا يدل على أن كل التجار في السوق يتصفون بالأمانة! ثم جاء زمن فيسأل الرجل: من أعامل؟ فيقال: عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً! والبعض قد يقول لك: هذه غيبة، وهذا خطأ ففرق بين الغيبة والنصيحة فعندما أراك تمشي مع واحد ليس بجيد فليس لي أن أسكت، بل من الواجب أن أنصحك، (الدين النصيحة)، فإذاً: هذه ليست غيبة. فالسوق كله فيه مئات التجار الصالحين ولكن فيهم من هو ليس كذلك، ثم جاء زمن فيسأل الرجل: من أعامل؟ فيقال له: لا تعامل أحداً إلا فلاناً أو فلاناً! فصار معظم تجار السوق من السيئين، هذا سيدنا علي في سنة ستة وثلاثين هجرية فكيف لو جاء سنة 1412هـ فماذا سيقول؟! وأبو حنيفة رضي الله عليه كان أكبر تاجر حرير في أرض العراق، عندما باع ابن أخيه ثوباً بأكثر من ثمنه، فرجع أبو حنيفة من الصلاة فلقي الرجل معه الثوب الذي اشتراه من ابن أخيه فقال له: من أين هذا؟ قال له: أتيت به من متجر أبي حنيفة -وما يعرف أن الذي يملكه هو أبو حنيفة - قال له: بكم هذا؟ قال له: بأربعمائة، فقال أبو حنيفة: هذا غالٍ فهو لا يساوي إلا مائتين؛ قال هذا لأنه عارف بضاعته، قال: في بلدتنا يساوي ستمائة، فهو الرابح. فالبعض يقول: ما هي المشلكة، فإنه يذهب في الليل إلى البقال المسكين الذي يشكو نظره ويعطيه جنيهاً شبه ممزق، ويبقى الجنيه السليم في جيبه، وهذا قد آثر نفسه وترك الشر لأخيه، ولن يكمل إيمان أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. فذهب أبو حنيفة وقال لابن أخيه: الثوب هذا لا يساوي إلا مائتين، فكيف تبيعه بأربعمائة، فقال: يا عم هو راضٍ وأنا راضٍ، قال: إذا كان هو قد رضي فإن الله لم يرضَ. ولهذا قال سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم -والكلام هذا لإخواننا التجار-: (الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون) والجالب هو الذي يجلب السلعة لكي يبعيها بالحلال فإن ربنا يوسع عليه، والمحتكر هو الذي يسمع خبر الغلاء فيخبئ السلع، سواء كانت دواء أو غيره، فإذا جاء المريض إلى صاحب الصيدلية فإنه يكذب بأن الدواء غير موجود بل وقد يحلف، ولكن عندما يقول له: أنا من طرف فلان من الناس ويخرج البطاقة فإنه يقول: كانت آخر واحدة وسأعطيها لك. فالمحتكر ملعون ومحتكر السلعة كإبليس مطرود من رحمة الله. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التناجش فقال: (لا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض)، والتناجش هو أن يأتي البائع بمن يزيد له في السلعة وهو لا يريد الشراء بغرض أن يزيد في سعر السلعة على المشتري. فالسابقون وهم جيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا رهبان الليل، فرسان النهار رضي الله عنهم، والواحد منهم تكون الآخرة أمامه دائماً ولا تغيب عنه أبداً. سيدنا أبو بكر في يوم أن مات نادى عائشة، فقالت: نعم يا أبتي! قال لها: خذي إلى بيت المال الأشياء التي كنت أملكها، فوجدوا عنده زيراً يضع فيه ماء، ورحى يُطحن فيها، وسجادة قديمة من الصوف كان يفرش نصفها ويتغطى هو وزوجته بنصفها، فقال: يا عائشة! عندما أموت قومي بإرجاع هذا لبيت المال لكي أعود إلى الله كما خرجت إلى الدنيا. وعمر رضي الله عنه يقول وهو ينازع سكرات الموت: وددت أن كنت قد عشت كفافاً لا عليَّ ولا لي ولا ألي أمر المسلمين يوماً واحداً، وكان يمسك تبنة ويقول: ليتني كنت تبنة، ليت أم عمر لم تلد عمر، يا ليتني كنت نسياً منسياً. وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه في حجرته في الدور العلوي وكان يقرأ من أواخر سورة التوبة فدخلوا عليه وهو يقرأ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:128 - 129]، فقتلوه وسالت دماؤه الزكية على المصحف، وذهب إلى الله عز وجل شهيداً. ثم جاء علي كرم الله وجهه في ليلة السابع عشر من رمضان وهو ذاهب يصلي الفجر فطعنه ابن ملجم. وغيرهم أمثال: عمار بن ياسر وبلال وأبو ذر وعبد الرحمن بن عوف فهؤلاء طبقة السابقين.

أصحاب اليمين

أصحاب اليمين القسم الثاني: هم أهل اليمين وهؤلاء أناس كانت الدار الآخرة أمامهم وهم لا يرتكبون ما حرم الله ولكن الدنيا قد تشغلهم قليلاً، ولكنهم أوابون إلى الله عز وجل في كل وقت فقد يعمل أحدهم خطأ ثم يتوب، لكن الغلطات درجات فـ أبو ذر نسي مرة فوضع رجله اليسرى في نعله قبل الرجل اليمين فتصدق بدينار، قال: خالفت سنة رسول الله. وسهل بن عبد الله رضي الله عنه قعد مع جماعة أتوا ببطيخ فقالوا له: كل يا سهل، فامتنع عن الأكل، فسئل إذا ما كان البطيخ فيه شيء فقال: لا أدري كيف كان يأكله رسول الله، أي: لا أعرف الطريقة التي كان يأكل بها. وكان أنس لا يأكل هو وأمه من إناء واحد، فذهبت تشتكيه إلى رسول الله، فسأله رسول الله عن ذلك فقال: يا رسول الله! أخاف أن تمتد يدي إلى جزء في الصحفة قد وقعت عليه عين أمي فأكون عاقاً لها. يقول أبو حنيفة: رأينا هذا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فمن رأى غير ما رأينا فله ما رأى ولنا ما رأينا. ويقول: مذهبي هو الحديث الصحيح، فإن رأيت مذهبي يخالف الحديث الصحيح فقل بالحديث الصحيح ودع مذهبي. وكان الإمام الشافعي يقول: ما حاججت أحداً إلا ودعوت الله عز وجل أن يجعل الحجة على لسانه. يقول الله عز وجل: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:27 - 28]، والسدر نوع من الشجر الخالي من الشوك وليس كسدر الدنيا. ونحن قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في أخراكم من دنياكم إلا الأسماء)، يعني: مجرد مسميات وسأضرب لك مثالاً أوضح: عندما يصعد رواد الفضاء إلى الفضاء فإنهم يريدون تغذية وتغذيتهم ليست كأهل الأرض وإنما يعطونهم مادة فيها بروتين، وكربوهيدرات، وفيتامينات مختلفة، وهذه تغني عن الطعام، فإذا كنا في الدنيا قد عرفنا أشياء بالشكل هذا، فما بالك بما يصنعه الملك سبحانه لأهل الجنة، يقول تعالى عن ثمار أهل الجنة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، ويقال: كل يا ولي الرحمن! إن اللون واحد ولكن الطعم مختلف. في الجنة ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. و (المنضود) معناه أنه خالٍ من الشوك، فهو أصلاً فيه شوك في الدنيا، لكنه في الجنة منزوع شوكه، لأنه لا يوجد أي نوع من الألم في الجنة. حتى امرأتك في الجنة لن تسمع منها إلا كل كلام سوي طيب. {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29]، الطلح هو الموز المنتظم في شكله، حلو لا تراب فيه ولا أي شيء من شوائب موز الدنيا. {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30]، وقد يقول قائل: من أين يأتي الله به. وربنا يوم القيامة يبدل الأرض غير الأرض والسماوات، والشمس تترك مدارها الدنيوي ولكن الظل في الجنة نوع من النعيم في الجنة يعني: ربنا جعل من آياته في الدنيا الظل، وجعل الشمس عليه دليلاً، فيبدأ الظل يكبر ثم يصغر منذ طلوع الشمس إلى غروبها {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس:5]، {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40]، لكن ظل الجنة نعيم من نعيمها. {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:31]، سبحان الذي سكبه وسبحان من حده، هو مسكوب يجري في مجرى لا يعكر صفو طعمه، قال الله عنه في سورة محمد: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15]. {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} [الواقعة:32]، وربنا عندما يقول: كثيرة فلا يمكن للإنسان أن يتصور كميتها {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33]، أي: أن الفاكهة التي لا يجدها الإنسان في الشتاء موجودة بشكل دائم في الجنة، فأي فاكهة تتخيلها موجودة في جنة الرحمن، اللهم لا تحرمنا منها يا رب العالمين. {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:34]، الفرش هنا كناية عن الزوجات لكن القرآن يتحدث بأدب رفيع، وليس مثل جماعة الأدب الذين ما عندهم أدب في الدنيا الذين يكتبون القصة وغيرها. {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} [الواقعة:35]، وهذا يدل على أن الله يغير خلقة زوجتك، (فلو بصقت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتاً). (لو خرج أنملها يعني: طرف سبابتها إلى الناس في ليلة داجية لحولته نهاراً مضيئاً)، ترى بياض وجهك في صفحة وجهها، كلامها طيب، وشكلها طيب. ربنا يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:35 - 38]، عرب: جمع عروب، والعروب هي المتحببة لزوجها، وليست صاحبة شك في زوجها، فلا وجود للشك في الجنة وإنما اطمئنان؛ لأن الله يقول: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49]، مكنون لا يحل إلا لصاحبه، وهذا جزاء تستر النساء المسلمات في الدنيا. {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:35 - 40]، لكن في السابقين قال: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:13 - 14]. وفي آخر السورة تحدث حالة نزع الروح وهي أصعب اللحظات عند المؤمن. قال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83]، أي: الروح {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84]، أي: الميت والناس حوله ينظرون إليه كيف تنفس بصعوبة، وكيف أنه لا يستطيع الكلام {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85]، فنحن مجتمعون حوله وأقرب ما نكون إلى جسمه، ولكن الله أقرب منا إليه. {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:86 - 87]، فلا يستطيع أحد أن يرجع الروح إلى صاحبها بعد إخراجها منة. عجز الطب والطبيب الحكيمُ وخطى الموت أسرعت لا تريمُ فما دام الله عز وجل أقرب إليه منا والملائكة قد نزلت لقبض روحه فقد أصبح في عالم غير عالمنا، ويمكن أن يكون مفتوح العينين لكنه ليس قادراً على أن يتكلم، ولو نطق لقال لنا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]. فهذه هي أصعب اللحظات، ولكن رسول الله يقول: (من أحب لقاء الله أحب لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، ويحب لقاء الله بأن يقدم سابقة أعمال طيبة، ومن كان هذا حاله فإنه يقول للملكين: ألدار الهموم والأحزان تريدان أن ترجعاني؟ قدماني إلى ربي قدماني، فقد تركت الدنيا والمال والعيال، وجئت هنا برحمة الله، أما من كان عاصياً لا يعرف الله في الدنيا فإنه يقول: أرجعوني لعلي أعمال صالحاً فيما تركت، وقد كان في مهلة ثلاثين سنة وأربعين سنة وستين سنة، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]، فالله يعلم ما توسوس به نفسك، قال تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة:85 - 89]، الروح: هو الراحة. وكان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عندما يزور المقابر يقول: (يا خالق هذه الأجسام البالية! أدخل عليها روحاً من عندك وسلاماً من عندي) وكان يقول هذا عليه الصلاة والسلام: (إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر وإن كان عسيراً فما بعده أشد)، أي: أن الكتاب يقرأ من عنوانه، فأما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة:89]، أي: أنه يفتح له باب يرى مقعده من الجنة فيقول: يا رب! عجل بالساعة. {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:90 - 91]، سلم أصحاب اليمين من كل سوء؛ لأن حسناتهم غلبت سيئاتهم والله سبحانه وتعالى قد تولاهم بفضله وبرحمته. {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} [الواقعة:92]، أي: مكذبين بالآخرة، ومكذبين للعلماء، ومكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكذبين لكل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (الضالين) أي: البعيدين عن طريق الصواب وطريق الهداية. {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة:93]، وفي بعض البلاد العربية يسمى الفندق: نزلاً، فالنزل هو المكان الذي سيبيت ويقعد ويعيش فيه. {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:94 - 96]، ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم)، ولما نزل قول الله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الحاقة

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الحاقة وفي سورة الحاقة آيات تتحدث عن الجنة، وهي قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، أي: يوم القيامة لن يختفي شيء، فلو أن أحدنا اقترف ذنباً وربنا ستره وهو لم يتكلم عن هذا الذنب فإن الله أكرم من أن يفضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، فإنه لو سترك في الدنيا فهذا دليل ستر الآخرة. لكن يوجد نوع آخر: كأن تعمل معاصي وأنت تعجب بستر الله عليك فهذا اسمه استدراج، فيتركك مرة ومرتين وعشراً وعشرين، فإما أنك تستهزئ بمقام الله عز وجل والعياذ بالله، وإما أنك لست موقناً أن عذاب ربك لشديد، ففي هذه الحالة تفضح على رءوس الأشهاد يوم القيامة. وقوله: {لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، كقوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]، مكتوبة سواء كانت كبيرة أو صغيرة. {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19]، وقد ضربنا المثل بأن هذا مثل الولد الذي أخذ الشهادة وفيها الدرجات النهائية فكلما يقابل أحداً يخبره بالنتيجة الرائعة. {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20]، أي: أني أيقنت وليس ظن شك وريبة. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21]، فالعيشة نفسها راضية فكيف بصاحبها؟! {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23]، يعني على سبيل المثال: أنك نمت على سريرك في الجنة، والتفاحة بعيدة عنك فتقول: أنا أريد التفاحة تلك، فيميل الغصن إلى فمك، لكي لا تتعب وتمد يدك. {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]، أي: من صيام رمضان؟ وصيام كل إثنين وخميس؟ وقيام الليل، أي فقد تعبتم وتعذبتم والناس لا يشعرون بشيء مما تتعبون فيه بل وقد يسخرون منكم، ولكنكم اليوم في الراحة الأبدية، يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت.

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة المطففين

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة المطففين يقول تعالى في سورة المطففين: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22]، الأبرار جمع بار، والبار هو الذي يعمل كل بر، ولا يعمل الفجور. {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:22 - 24]، أي: عندما تنظر في وجهه فإن البشر والنضارة ينطق في الوجه وقد جاءته هذه النضارة منذ دخوله الجنة، فقد سقوه شربة من حوض الكوثر فحصل له أشياء منها أنه: نزع الغل والحقد والحسد من القلب فما يحقد على أحد في الجنة، وأن وجهه يصبح نضراً، ويرضى عن الله ويرضى الله عنه. {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين:25]، الرحيق هو صفوة الخمر، من الخمر التي لا تختل العقول ولا يسكر ولا يهذي ولا يخرف صاحبها. {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين:26]، أي: طعم فمه مسك في آخر ما يشرب. ومن ذهب إلى مكة وقبل الحجر الأسود فإنه يشم رائحة زكية هي رائحة المسك، والجرام من هذا المسك الدنيوي بسبعة آلاف ريال، فما بالك بمسك الجنة؟!! وفي الجنة عندما يمطر السحاب فوقك فإنها تمطر مسكاً، والجدران يوم القيامة مبنية من لبنة من فضة ولبنة من ذهب. {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26]، هو التنافس الحقيقي. {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:27 - 28]، أي: يشرب منها المقربون، وتسنيم من سنام الجمل أي أنها عين منتفخة مثل سنام الجمل، والله أعلم برزقه وفضله سبحانه وتعالى، أي: أن الرحيق الذي آخره مسك ممزوج بعين التسنيم.

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الذاريات

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الذاريات قال تعالى في سورة الذاريات: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15]، وثبت علمياً أن النظر إلى الماء وإلى الخضرة يجلو البصر والبصيرة فيريح الإنسان. {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:16]، وإليك صفات المحسنين عسى أن نكون مثلهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17]. فالعجب ممن يقول: أنا أنام ثمان ساعات في اليوم وهذا ضروري، ومثل هذا لو عاش ستين سنة فإنه قد نام من عمره عشرين سنة، فيبقى من الستين أربعين سنة منها خمس عشرة سنة مع عيالك، فتبقى خمس وعشرون وهكذا يضيع العمر. {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17]، فالاستثناء هو النوم، والقاعدة هي القيام. {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]، أول الليل ينادي المنادي: ألا ليحكم العابدون. وفي آخر الليل ينادي: ألا ليحكم المستغفرون بالأسحار، وبعد أن يأذن الفجر ينادي: ألا ليحكم الغافلون. {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، أي: حق له سبحانه لا يأتي به الإنسان من نفسه وإنما هو حق واجب السداد. وفي سورة السجدة ما يعضد الآيات السابقة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، تتجافى جاءت من الفعل جفى ومعناه: عدم القبول والبعد. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، فهم قاموا بمثل هذا العمل بسبب خوفهم، فحاول أن تجعل خوفك أكبر من الرجاء؛ لأنك عندما تخاف اليوم تأمن غداً بإذن الله، ولو أمنت الله اليوم فستخاف غداً، قال تعالى في الحديث القدسي: (لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين). {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:16 - 17]، فلا أحد يعرف كم مقدار الخير الذي أعده للمؤمنين في الآخرة {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17].

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الطور

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة الطور قال تعالى في سورة الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطور:17 - 18]، أي: مرتاحين بنعمة الله عليهم، {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:18 - 19]، وكلمة (هنيئاً) أتى بها في هذه الآية لبيان أنه ليس في الأكل منغص أبداً، فإن الأكل لن ينفد ولن يسبب لصاحبه مغصاً أو أي نوع من أنواع التنغيص. {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور:20]، أي: موصولة ببعضها البعض؛ لأن الاجتماع مع الإخوان فيه سرور وفرح، ولذلك قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (المسافر شيطان)؛ لأنه لوحده فيمكن أن يضله الشيطان في الطريق، لكن عندما يكون معه شخص آخر فإنه سيدله على الخير ويعينه على الصلاة. {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:20 - 21]، فنفرض أن الأسرة كلها صالحة ودخلت الجنة فكان الأب والأم في درجة عالية عن الأولاد أو العكس فالأولاد كانت أعمالهم طيبة لدرجة أنهم أخذوا درجة عالية أعلى من الأب والأم، وهذا قد يحصل في الدنيا. ويريد أفراد الأسرة أن يأتلفوا ويجلسوا مع بعض كما كانوا في الدنيا، فيأذن الله للذين في الدرجة الأقل إلى الدرجة الأعلى، فيرفع الدني إلى العلي وليس فيها دني. ولهذا يسأل أبو ذر الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! كل من قال: لا إله إلا الله يدخل الجنة؟ فقال: نعم، قال: وإن سرق وإن زنى -فأعادها أبو ذر ثلاثاً- وفي الثالثة قال له رسول الله: وإن سرق وإن زنى رغم أنف أبي ذر). {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21]، أي ما أنقصنا من أجور أعمالهم شيئاً {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور:22]، فليست ميتة، وهي طرية لم تمر عليها فترة كبيرة بعد ما ذبحت. {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور:23]، أي: لا تجعلهم آثمين، فالكأس لا يقال في اللغة العربية إلا عندما يكون مليئاً بالخمر، وليس المقصود بقوله: {يَتَنَازَعُونَ} [الطور:23]، أن في الجنة نزاعاً ومضاربات، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتنازعون البطيخ، أي يقومون بتناقلها من واحد إلى واحد والذي تسقط منه هو الذي يدفع ثمنها، وهذا نوع من الترفيه المشروع، ولكنهم كانوا رجالاً في الوغى وأي رجال. {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24]، يا سلام، الغلمان هم الخدم الذين في الجنة مثل: اللؤلؤ، فكيف يكون المخدوم؟! {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:25]، أي: أهل النعيم، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26]، أي: أنهم كانوا خائفين في الدنيا من الله. {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27]، أبعدنا عن نار جهنم، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28]، وفي قراءة: {أَنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28]، يعني: هو اللطيف الرحيم، اللهم كن براً بنا يا رب العالمين ورحيماً بنا.

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة النبأ

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة النبأ قال تعالى في سورة النبأ: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ:31]، أي: أن أهل التقوى لهم فوز عند الله {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ:32 - 33]، كواعب جمع كاعب، أتراباً أي في سن واحد، فالرجل الذي عمره تسعين سنة يتكأ على العصا في الدنيا فيوم القيامة يكون سنه ثلاثاً وثلاثين سنة في الجنة، والمرأة التي تأتي معها مائة سنة سيكون عمرها ثلاثاً وثلاثين سنة. {أَتْرَابًا} [النبأ:33]، وجاءت امرأة عجوز إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! ادع الله أن أكون معك في الجنة، قال لها: لن يدخل الجنة عجوز)، فجلست تبكي فقال: ألم تقرئي قول الله عز وجل: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ:33] أي: الكل في سن واحد. {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ:34]، الكأس الدهاق هو المعبأ، الذي يتعبأ على قدر حاجته، ويشرب أهل الجنة لا عن عطش لكن عن تلذذ، ويأكل أهل الجنة لا عن جوع بل عن تلذذ، ولو ظل أهل الجنة يأكلون ألف سنة فإن ذلك بقدرتهم. {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا} [النبأ:35]، أي: لا يوجد فيها لغو وهو الكلام الفارغ، ولا كذب، والكذب صعب أعاذنا الله. {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ:36]، كل هذا رحمة من الله عز وجل، {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ} [النبأ:37 - 38]، الروح: هو سيدنا جبريل، والملائكة صف لا يصدرون أي كلمة {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} [النبأ:38 - 39]، الذي يريد أن ينجو يتخذ مرجعاً إلى الله عز وجل في كل عمله في الدنيا، {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]، وهو يقول ذلك عندما يرى الحيوانات قد قضى الله بينها فيأمرها أن تكون تراباً، فيتمنى الكافر ذلك.

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة المدثر

الآيات التي تتحدث عن الجنة في سورة المدثر يقول تعالى في سورة المدثر: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، أي: كل نفس مرتهنة بعملها. {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:39 - 42]، ما الذي أدخلكم سقر؟ وما الذي وضعكم في المكان السيئ هذا؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43]، يعني: أن أي واحد كان لا يصلي في الدنيا فلازم يوضع في مثل هذا المكان وسميت سقر بهذا الاسم؛ لأنها تسلط على لحوم المعذبين في النار حتى لا تبقي إلا العظم، يعني: أنها تشوي اللحم وتنضجه ويتساقط وبعد ذلك يعود اللحم مرة أخرى فيكسو العظم وهكذا، هذا هو العذاب في سقر والعياذ بالله. فالصلاة أمرها عظيم وكل شيء يتأجل إلا الصلاة، ما عدا حالات الضرورة الماسة كأن يكون طبيباً قد فتح بطن المريض لعمل عملية له ففات وقت الصلاة وهو يعمل العملية فلا بأس، وكذلك مراقب الطائرات في برج المراقبة الذي إن قام للصلاة قد تتعرض الطائرات للتصادم فلا بأس. {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:44]، أي: كنا نمنع الزكاة ولا نتصدق، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:45]، فكل من جاء برأي أو فتوى باطلة سمعه، وإن كان فيها تحليل لما حرم الله. {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:46 - 47]، وهو الموت، {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، صدق الله، وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم.

سلسلة الدار الآخرة_رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم

سلسلة الدار الآخرة_رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم أعد الله لعباده المؤمنين في جنته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وآيات كتاب الله سبحانه تعبر عن ذلك النعيم المقيم بصورة يعجز المتمكن في بلاغته عن الإتيان بمثلها، وهل هناك أعظم نعمة من رضوان الله عليهم الذي لا سخط بعده، وهل هناك أعظم من النظر إلى وجهه الكريم سبحانه؟!

يمن صحبة الأخيار وشؤم صحبة الأشرار

يمن صحبة الأخيار وشؤم صحبة الأشرار أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثانية عشرة في الحديث عن الجنة، جعل الله الجنة مآلنا ومكاننا ومنزلنا ومستقرنا والمسلمين والمسلمات. وهذه بمشيئة الله أيضاً هي الحلقة الأخيرة في الدار الآخرة. نعم يبقى لنا حلقتان سوف نوجز لكم فيهما ما قلناه منذ الحلقة الأولى منذ ما يربو على تسعة أشهر. فاللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً. اللهم ثقل بمجالس العلم موازيننا يوم القيامة، ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام. اللهم اجعلنا نشرب من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، قربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك. اللهم أحسن لنا الختام في الأمور كلها واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أقول: بفضل الله عز وجل أولاً وأخيراً كان لبعض الإخوة وبعض الجنود المجهولين في الدعوة الإسلامية، والله لا أعلم كثيراً منهم، قاموا بترجمة هذه الحلقات إلى عدة لغات، نسأل الله أن يبارك في أهل الخير، وبفضل الله عز وجل جاءتني هذا الأسبوع رسالتان وعدة مكالمات تلفونية من مدريد ومن بعض الدول الإسكندنافية أن بعض الإخوة عندما قاموا بترجمة هذه الأشرطة دخل في دول من الدول الاسكندنافية ومن أسبانيا علاوة على أمريكا الجنوبية ما يربو على ألف شخص في دين الله عز وجل بين رجل وامرأة، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى، ولسماحة أو يسر هذا الدين وقربه من الفطرة، ولا يصح إلا الصحيح. فاللهم أعز دينك وانصره في بقاع الأرض يا رب العالمين! ومما أسعدني أكثر وأكثر أن بعض الدول مثل السويد وسويسرا هناك أسرة كاملة دخلت في دين الله عز وجل وهذا من فضل الله أولاً وأخيراً. وأقول ما قلته في الحلقة الأولى أيضاً: إن كنت قلت خيراً أو صواباً فمن الله وحده، وإن قلت سيئاً أو خطأً فمن الشيطان ومن نفسي. فاللهم اغفر لنا وارحمنا ووفقنا وسددنا وقربنا منك يا رب العالمين! لكي لا ندخل في مقدمات؛ لأن الحلقة طويلة، سوف نكمل نصين أو ثلاثة نصوص من كتاب الله عز وجل؛ لندخل بعد ذلك في الحديثين اللذين أخرتهما حتى نختم بهما هذه الحلقات في رضا الله عز وجل على أهل الجنة. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ثم كما قلنا في رؤية وجه الله الكريم سبحانه وهي أعظم نعمة ينعم الله بها على عباده. فاللهم لا تحرمنا من رؤية وجهك الكريم يا رب العالمين! في الأسبوع الماضي كنا نقرأ نصاً من سورة الصافات، ووصلنا إلى قول الله عز وجل: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51]، مؤمن من أهل الجنة مكث مدة في الجنة، ثم قال: إنني كان لي صاحب في الدنيا، يمشي معي ويجلس معي ويزورني وأزوره. ولكن أريد أن أوضح نقطة هامة، يجب ألا تصاحب إلا من تذكرك بالله رؤيته، ويدلك على الله حاله، ويزيد في علمك منطقه، لا تصاحب إلا من يصير مرآة لك ترى فيها عيوبك، فصديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك، وقلنا من قبل: إن الطفل قد يكره أباه عندما يأتي له بالطبيب ليعطيه إبرة مؤلمة أو دواءً مؤلماً، ويحب أمه لأنها تدافع وتقول: لا داعي أبداً للطبيب ولا داعي أبداً للإبرة التي تؤلم الولد، وللأسف الشديد لو كان هذا الطفل بالغاً عاقلاً واعياً لأحب أباه في هذه النقطة أكثر من حبه لأمه لأن أباه صديق له وصادق معه، فإنه قد يؤلمه ولكن هذا الألم له هدف وهو النتيجة، ولله المثل الأعلى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

الابتلاء على قدر الإيمان واليقين

الابتلاء على قدر الإيمان واليقين الله عز وجل قد يبتلي الإنسان منا في الدنيا بمرض أو مشكلة أو بزوجة بذيئة اللسان، أو بزوج سليط متطاول أو بجار سيئ أو مدير في العمل يؤذيه، أو عامل عندك أو موظف يخونك في مالك وفي عملك، وقد تكون هذه الابتلاءات ليست لأن الله عز وجل يكره هذا العبد، فإنما أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، إذْ يصاب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان إيمانه قوياً قال: يا جبريل! صب البلاء على عبدي فلان صباً، فيصبه، ثم يقول: ماذا صنع عبدي؟ فيقول: يا رب حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: أعد عليه، صب البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته، والإنسان المسلم لو مر عليه -كما قلنا- أربعون يوماً لا يبتلى بمشكلة ولا مصيبة ولا بلية رغم سيره في طريق الله عز وجل، يجب -كما قلنا- أن يعيد حساباته مرة أخرى وأن يحدد المسار؛ لأنه بعيد عن رب العباد سبحانه. (ودخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً يقول: يا رسول الله! أصابتني أم ملدم)، وأم ملدم: الحمى، (فقال الأعرابي: وما أم ملدم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أصابتك حمى من قبل؟ قال الأعرابي: كلا، أما صدعت رأسك، قال: كلا)، أي: لم يصب بحرارة ولم يصب بالصداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبتلَ فهو شيطان). وقلنا: إن الابتلاء ثلاثة أنواع، فأنت تمشي في طريق الله عز وجل وتتدرج في طاعة الله عز وجل وتحاول أن تتجنب محارم الله سبحانه، ورغم ذلك تبتلى، فهذا اسمه رفع درجات. فالله عز وجل يرفع المبتلى درجات؛ وقد كانت السيدة عائشة تقول: وارأساه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأنا وارأساه يا عائشة!) أي: أنا كذلك رأسي يؤلمني، قالت: (أتوعك أنت يا رسول الله؟! قال: أوعك كما يوعك رجلان من أمتي ليضاعف لي الثواب عند الله يوم القيامة)، يعني: إن كنت تحس بالألم ثلاثين درجة فالحبيب يحس ستين درجة، وإذا كنت تحس بالألم مائة درجة فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينازع، فكانت الروح توشك أن تغادر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالسيدة عائشة رأته وهو يتمتم بكلمات، علمت أنه يقرأ الفلق والناس حتى طلع الفجر، ولم يكن ينم أبداً حتى يقرأ بهن ثلاث مرات ويمسح بها وجهه وما استقبل من جسده، فأراد أن يرفع يديه ليمسح وجهه فلم يستطع من شدة سكرات الموت، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (إن للموت لسكرات)، فمسحت عائشة بيديها على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى سواك في يدها، فعلمت أنه يريد أن يستاك، ولكن يده لا تستطيع أن تأخذ السواك وتضعه في فمه صلى الله عليه وسلم، فأخذت السواك ولينته بفمها، ثم أعطته وأمسكت بيده فاستاك صلى الله عليه وسلم، ثم نزل جبريل وقال: يا رسول الله! هذه هي آخرة مرة أنزل فيها إلى الأرض. وسيدنا جبريل مهمته تبليغ وحي السماء إلى من اختارهم الله سبحانه لتبليغ دعوته إلى عباده، فقد نزل على آدم، ثم نزل على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهكذا نزل على كل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- هذا ملك الموت يستأذن بالباب! ملك الموت لا يستأذن على أحد لا من قبل رسول الله ولا من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استأذن على رسول الله لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه. وبعد ذلك إذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له جبريل: أتحب أن تكون في الدنيا ملكاً مخلداً أم إلى جوار الرفيق الأعلى؟ قال: بل أختار الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى، أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبده ورسوله، ثم فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلمنا كيف عاد أنس رضي الله عنه بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعزي السيدة فاطمة، فقالت له فاطمة: يا أنس! هل هانت عليكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله، أي: هل هذا معقول أنكم تضعون التراب بأيديكم على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف؟ فقال: هو الذي أمرنا بهذا يا بنت رسول الله! فهو الذي نزل عليه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، ونزل عليه قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]. {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. إذاً: أنت في الدنيا تختار الصديق الذي يذكرك بالله؛ لأنك في الجنة ستبحث عن صديقك وستقول: أين فلان الذي كان يذهب معي إلى المكان الفلاني؟ قال تعالى: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] أي: صاحب.

إطعام الصالحين وضيافتهم

إطعام الصالحين وضيافتهم في الحديث: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن) لماذا؟ من أجل أن يحافظ على حرمتك، فعندما يدخل المؤمن بيتك يحافظ على حرمته، (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لماذا؟ لأن التقي عندما يأكل يدعو لك، وكان ابن مسعود رضي الله عنه كما يقول: أرق إنسان على قلبي -أخف إنسان على قلب ابن مسعود - الضيف، قالوا له: لماذا؟ قال ابن مسعود: لأن رزقه على الله، فلا تظن أنك تطعم الضيف من مالك، بل الضيف رزقه على الله. قال: لأن رزقه على الله وثوابه لي. فحتى لو كان الضيف غنياً لابد أن يأخذ ثواباً في إطعامه. إذاً: الأول: رزقه على الله والثاني: ثوابه لي، والثالث: قوله: ويأخذ ذنوب أهل البيت وهو خارج معه، وقد كان سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل لابد أن يخرج من بيته ويمشي مسافة طويلة إلى أن يلقى ضيفاً فيأتي به. جاء أعرابي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: أنا ضيفك الليلة يا رسول الله! يفرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً (دخل الحبيب إلى بيوت نسائه فقال: أعندكن طعام؟ قلن: ما عندنا إلا الماء يا رسول الله! فخرج وقال للصحابة: من يضيف ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة؟ فقال أحد الأنصار رضي الله عنهم: أنا يا رسول الله!) وأخذ الضيف وهو فرح به، ليس مثل من يدخل على امرأته بضيف فتشعر امرأته بتفكك كتفكك الاتحاد السوفيتي، إن المسألة سهلة جداً ونحن لا نتكلف وإنما نعطي الموجود، قالت زوجة الأنصاري لزوجها: ليس عندنا طعام إلا الطعام الذي كنت قد أبقيته لك، يعني: طعام يكفي نفراً، والنفر الذي كان يأكله الصحابي كان ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، يعني: يأكل بضع لقيمات. قال لها: نطفئ النور ونضع الطبق الذي فيه الأكل أمام الضيف، ونوهمه أننا نأكل من أطباق أمامنا، فنضرب عليها من أجل أن تصدر صوتاً فيظن أننا نأكل معه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن كيس فطن). وهكذا أكل الضيف وأنهى الذي أمامه وشبع، ولم يأكلوا هم، بل قام الأنصاري وأخذ الضيف وذهب به إلى صلاة الفجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد شكر الله صنيعك الليلة أنت وزوجك بضيف رسول الله). إذاً: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، لماذا؟ لأن المؤمن عندما يدخل بيتك يجلس فإن كان عنده كلمة طيبة يقولها. فمثلاً: تأتي إلى رجل جلس هو وزوجته في أمان الله فتقول: لقد رأيت البارحة شخصاً يشبهك وهو راكب سيارة وبجانبه امرأة، فما هذا البلاء الذي أتيت به؟ فأنت لو سترته بثوبك لكان خيراً لك، وانصحه بينك وبينه، لأنك مرآة أخيك.

محاورة أهل الجنة لقرنائهم من أهل النار

محاورة أهل الجنة لقرنائهم من أهل النار قال تعالى: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51]، أي: كان لي صاحب في الدنيا، {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:52] أي: يقول: حقاً لقد فزت بالجنة، فقد كنت مصدقاً بالبعث، ومصدقاً بالنشور، ومصدقاً بالحساب، وكان فعلاً لك هذا القرين وهذا الصاحب. وأريد أن أعرج إلى مسألة القرين، يقول كثير من الناس: كل واحد له قرين من الجن وله قرين تحت الأرض؟! وهذه فرية ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن موضوع القرين أنك إن كنت مؤمناً سائراً على طريق الله فقرينك الملك، وإن كنت رجلاً -والعياذ بالله- منحرفاً فقرينك الشيطان، إنه يقف على بابك في كل يوم ملك وشيطان، وكل واحد معه راية، فإن خرجت في سبيل الله ذاهباً إلى عملك، أو ذاهباً لتصلح بين اثنين، أو لتزور أخاً لك مسلماً أو لتصل رحماً أو لتتصدق؛ أظلتك راية الملك حتى تعود، فالملك يلازمك حتى في وقت الأذان وأنت في الطريق، ويقول: ادخل صل العصر أولاً وهكذا. وإن خرجت في غير سبيل الله أظلك الشيطان برايته حتى تعود. والعجيب عندما تذهب إلى مكان فيه جماعة من الكرويين كأن يكون هذا المكان ملعباً، ونفرض جدلاً -لا قدر الله- أن المدرجات ستنهدم على المتفرجين، إذا بهم يقولون: شهداء الكرة، شهداء الكرة؟! وهل موتى الكرة شهداء؟! ومن الناس من يقول: هذا الفنان رحمه الله وقع على المسرح، وقع وهو ويؤدي رسالته في محراب الفن، فهو سيد الفن! وتسمع كلاماً يضيق به صدرك. فأنت إن كنت في طريق الله فإن الملك يظلك برايته حتى ترجع قال تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] أي: هل هذا يعقل؟ بعدما نموت ونكون تراباً ونكون شيئاً بالياً هل من المعقول أن نخرج مدينين في الحسنات والسيئات؟!

حقيقة البعث والنشور بعد الموت

حقيقة البعث والنشور بعد الموت جاء أمية بن خلف -والعياذ بالله- ببعض عظام من مقابر في مكة قد بليت، وأخذها بيده وطحنها ونفخ بها في الهواء، وقال: (يا محمد! هل يستطيع ربك أن يعيد هذه مرة أخرى؟)، فينزل جبريل الأمين بآخر سورة ياسين، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]، ثم بعد ذلك التنظير يقول سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:80]، فالشجر الأخضر يحمل أوراقاً فيها التمثيل الضوئي وفيها مادة البلاستيد الخضراء وفيها ما نستخدمه من طاقة، قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:80 - 83]. فانظر إلى بساطه هذه الآيات وسهولتها وكيف يضرب الله مثلاً على مسألة الخلقة. وهذا عزير تزوج بامرأة، وبعد يومين خرج ذاهباً إلى مزرعته، كان فلاحاً مزارعاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وكان أحد الأنبياء والرسل، فمر عزير عليه السلام على مقابر وأشواك عظام بالية، فقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]، ولا يقول ذلك من باب التعجيز، وإنما يريد أن يعرف الكيفية، قال تعالى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة:259]، أي: قبض ملك الموت روحه مائة سنة، وكانت امرأته حاملاً، فنام مائة سنة ثم أفاق وبجانبه ملك، فقال له الملك: {كَمْ لَبِثْتُ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259]، قال: هل هذا معقول؟ هل أنا نمت مائة سنة؟ قال: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:259]، ويقال: إنه أخذ معه تيناً ولبناً وماءً، ومكث معه هذا الطعام مائة سنة فنظر إلى طعامه هذا فوجده لم يتغير. قال: {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} [البقرة:259]، فنظر إلى عظام الحمار منثوراً، فركب الله الهيكل، وإذا بالعظم يكسى باللحم، ثم جرت فيه الدورة الدموية، فأوقف الله الحمار على أربع ينفض أذنه، {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259]، لكنه لم ير سر الصنعة. كذلك سيدنا إبراهيم قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، وليس من سمع كمن رأى، وهكذا سيدنا موسى الكليم قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، فأراد أن ينعم الله عليه برؤيته فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143]. إذاً: قال الخليل إبراهيم عليه السلام: أريد يا رب! أن أنظر كيف تحيِ الموتى، {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260] هات مثلاً حمامة ويمامة ودجاجة وعصفورة يعني: أربعة من الطير مختلفة، واذبحها واقطعها قطعاً واخلطها ثم انثرها فوق الجبل، قال تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ} [البقرة:260] أي قل لهن: تعالين بإذن الله، {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة:260]، فدعاهن فأتين طائرات إليه بإذنه سبحانه. دخل رجل على الشافعي فقال له: يا إمام! ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة التوت، تأكلها الشاة فتخرجها بعراً، وتأكلها البقرة فتخرجها روثاً، وتأكلها النحلة فتخرجها شهداً، وتأكلها الدودة -دودة القز- فتخرجها حريراً، وتأكلها الغزالة فتخرجها مسكاً، من الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟ فانظر ما هو المدخل وما هو المخرج، فقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة. ويذكر أن أعرابياً جلس تحت ظل شجرة، فنظر إلى جمله وقد بعر بعراً ورجلاه على الرمال، ونظر إلى البحر من بعيد فقال: البعرة تدل على البعير وأقدام السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهل يعقل المرء هذا كله ويقول: أين الله؟ قال الشاعر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فقوله تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] أي: هل يعقل أننا بعد أن نكون تراباً وعظاماً نبعث مرة أخرى ونسأل؟ ولذلك قال: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47]. إذاً: سوف يفنى من ابن آدم كل شيء إلا عجب الذنب، وهي ذرة من العصعص آخر فقرة من العمود الفقري الموجود في الظهر، ومازالت الأبحاث العلمية لم تصل إلى هذه النقطة، لكن هناك بوادر في أمريكا إذ بدءوا يصلون إلى أن كل شيء يفنى من ابن آدم إلا الجزئية الأخيرة من العصعص، لماذا؟ لأن هذا حديث رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

ذكر اطلاع أهل الجنة على أهل النار

ذكر اطلاع أهل الجنة على أهل النار قال تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54]، أي: هل تنظرون نظرة، ومعلوم أن بين أهل الجنة وأهل النار سوراً باطنه فيه الرحمة من جهة أهل النعيم وظاهره من ناحية أهل الجحيم عذاب، قال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعراف:46] يمنع النعيم عن أهل الجحيم ويمنع العذاب عن الأحباب، فهذا الحجاب لا يوصل النعيم لأصحاب الجحيم؛ لأن الشقي -والعياذ بالله- من ساءت خاتمته، والسعيد من حسنت خاتمته. اللهم أسعد ختامنا يا رب العالمين! قال تعالى: {فَاطَّلَعَ} [الصافات:55] أي: نظر ذلك الرجل الذي كان يسأل: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51]، أي: كان لي صديق في الدنيا أبحث عنه في الجنة ولم أره، قال تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] انظر عندما رآه لم يحزن عليه؛ لأن العواطف منزوعة هنالك، نفرض أن رجلاً صالحاً لديه ابن منحرف، الأب الصالح دخل الجنة والابن المنحرف دخل النار، فلو كان هنالك عواطف في الجنة، هل سيحزن الأب على الابن أو لا؟ نعم سيحزن، ولكن الجنة هل فيها حزن أو ليس فيها حزن؟ A لا يوجد حزن، الحزن في الدنيا فقط، إذاً لا تخف من هذه النقطة، يعني: عندما ترى ابنك لم يستقم أو امرأتك، أو المرأة ترى أن زوجها لا يريد الاستقامة فلا أحد يحزن، لأن الله عز وجل يدبر الأمر من قبل ومن بعد. قال تعالى: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] أي: إنك كنت ستوقعني في مصيبة ومهلكة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله) فلابد أن تنظر إلى ابنك من يصاحب في المدرسة، وابنتك من تصاحب في الجامعة، لابد من أنك ترى، أليست هي مسئولة، وأنت مسئول؟ أم أننا ننجب أبناء ويكفي؟! انظر أولاً: الولد من هو صاحبه؟ من هو أبوه؟ فقد يكون أبوه تاجر مخدرات، وقد تكون أمه كذا وكذا، مثلاً، لابد أن تدقق النظر؛ لأنها مسئولية، وعندما ينحرف الولد ويحمل ذنوباً يأتي يوم القيامة يتعلق برقبتك ويقول: أبي رآني على الخطأ فما نهاني، خذوا ذنوبي له، ورغم ذلك لا ينجو هو يوم القيامة. قال تعالى: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] أي: في النار والعياذ بالله، والمعنى: لولا أن الله أكرمني بالتقوى والإيمان والهداية وأكرمني بأهل الخير الذين أخذوا بيدي، لكنا كلنا ضالين والعياذ بالله. قال تعالى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات:58 - 59] هؤلاء الكفار والعياذ الله. قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:60 - 61]. فانتبه أن تظن أن الفوز العظيم الذي يأخذ شهادة استثمار بمائة ألف جنيه، فهذا ليس فوزاً بل هذا أكبر خسارة، لكن الفوز: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] هذا هو الفوز الحقيقي. ذكر أن الحجاج قال لرجل: إن هذا اليوم حار فلا داعي للصيام فيه؟ قال: صمت ليوم هو أشد منه حراً، فقال له: كل هذا اليوم وصم غداً، قال له: هل يضمن لي الأمير أن أعيش إلى الغد، إذاً: لا يضمن، ومادام لا يضمن فلابد أن أعمل في هذا الوقت خيراً، فأنا لا أضمن أن أعيش إلى الصباح، ومن يضمن منا لنفسه أن يعيش إلى الإثنين القادم؟ فسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

الاستقامة بعد التوحيد طريق الفلاح

الاستقامة بعد التوحيد طريق الفلاح قال الله سبحانه في سورة فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]. قد يقول بعض الناس: إن المحتال يقول: ربنا الله، والسارق عندما يسرق يقول: يا رب! استر، إذاً: الكل يقول: ربنا الله باللسان، لكن لو عمل بمقتضى هذا الكلام، فإنه لن يعمل الخطأ. قالوا للإمام البصري: كم تخاف من الله؟ قال: لو ركبت أنت البحر فتحطمت سفينتك فلم يبق منها إلا لوح واحد فقط فأمسكت به بين الموج العاتي كيف حالك؟ قال له: في خوف شديد، قال له: أنا هكذا مع الله ليل نهار، لذلك انظر كم مقدار خوفه من الله. جاء رجل إلى المدينة يريد أن يبشر عمر بن الخطاب بفتح المدائن، فقال: لا يعقل أن أدق على بيت أمير المؤمنين الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟! سأذهب إلى المسجد النبوي أزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصلي في الروضة وأنتظره حتى يأتي. فدخل الرجل المسجد فوجد رجلاً في القبلة ساجداً ينتحب ويبكي، وصوت نحيبه أصبح عالياً فاقترب الرجل منه، فسمعه يقول: يا رب! لائذ ببابك عائذ بجنابك لا تطردني من رحابك، فقال: يا إلهي! كم عمل هذا الرجل من ذنوب حتى يقول هذا الكلام الذي يحرق القلب؟ سوف أنتظره حتى ينتهي وأحدثه بحديثين عن الرحمة، لعله يجعله يشعر بالأمل قليلاً، فاقترب منه فإذا به أمير المؤمنين عمر، فقال له أمير المؤمنين: يا أخا الإسلام! إن نمت النهار كله أضعت رعيتي، وإن نمت الليل كله أضعت نفسي. إذاً: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت:30] هذا هو القول: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] هذا هو العمل. إذاً: ((رَبُّنَا اللَّهُ)) هو القول اللساني واليقين القلبي، ((ثُمَّ اسْتَقَامُوا))، هو الترجمة العملية، أي: العمل بالأركان. إذاً: أركان الإيمان ثلاثة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.

سعة رحمة الله وتوبته على من تاب إليه

سعة رحمة الله وتوبته على من تاب إليه ورحمة الله واسعة، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم. روي أن رجلاً من بني إسرائيل قال لحبر يهودي: يا سيدي! لا يوجد ذنب نهى الله عنه إلا وارتكبته، ولم أعمل خيراً قط، فقال له: قتلت؟ قال: نعم، قال: شربت الخمر؟ قال: نعم، قال له: ارتكبت كل الذنوب، قال: نعم، فقال له الحبر: خذ عرجوناً قديماً من النخل وضعه أمامك وأكثر من الصالحات فإن اخضر العرجون فسيكون الله قد تاب عليك، فأخذ الرجل الكلام بصدق، قال: نجرب، فوضع العرجون وأكثر من الحسنات، فكان يقوم الليل ويصوم النهار ويعمل الخير، واستمر شهرين وثلاثة أشهر والعود لم يخضر، وأصبح الصباح مرة وإذا بالعود كله أخضر، فذهب إلى الحبر يقبل يده ورجله ويقول له: بارك الله فيك، أنت الذي هديتني أنت الذي عرفتني، قال: خيراً إن شاء الله، قال: العود اخضر، قال له: دلني كيف تبت حتى أتعلم منك؟ ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع)، فالمهم تأخذ الكلام بمنطق اليقين. قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30]، وتنزل الملائكة في ثلاثة أماكن: في الدنيا بالتثبيت، وهو الملك القرين الذي يكون معك باستمرار، يوفقك، فيقول لك: لا تقل هذا، ولا داعي لهذا، حتى عندما تقع في الخطأ وملك السيئات يريد أن يسجل، فالله عز وجل من رحمته يجعل الحسنات فوق السيئات، إذ إن ملك الحسنات يقول لملك السيئات: انتظر عسى أن يتوب، لماذا أنت مستعجل عليه؟ لماذا لا تحبه؟ كذلك ملك الحسنات يدعو له، ويقول: اللهم تب عليه، وهنيئاً لمن تدعو له الملائكة. اللهم اجعلنا من الذين تدعو لهم الملائكة وتؤمن على دعائهم. وعندما يدعو ملك الحسنات يؤمن ملك السيئات. فإذا تاب العبد من سيئاته لم يكتبها الله عليه، مع أن الذنب وقع في الأرض، والأرض تشهد عليه يوم القيامة، فالله عز وجل ينسي الحفظة وينسي الأرض، فيجعل الأرض لا تذكر هذا الذنب، حتى لا تكون عليه شاهد إثبات، أليس الله رحيماً؟ كذلك إذا تاب العبد تقول الملائكة: اللهم فرحه كما فرحنا، إذاً: الملائكة تفرح بتوبتك، ويقولون: مادام أنه أدخل علينا الفرح وتاب فيا رب! أفرحه؟ ويفرح الله عبده بالجنة. هذا هو التنزل الأول في الدنيا، والتنزل الثاني لحظة خروج الروح يثبتونه بالقول الثابت، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، إذاً: في الدنيا -أي: في الحياة- ولحظة خروج الروح تثبيت. واقرأ سورة البروج لتعرف من هم أصحاب الأخدود، فقد حفروا أخدوداً وكان يؤتى بالرجل فيقال له: أتؤمن أن الملك هو الإله؟ يقول: لا، ربي الذي في السماء، وهو خالق السماوات والأرض، فيرمونه في النار، فأتوا بامرأة لها من الأولاد سبعة، فأمسكوا واحداً واحداً من أولادها، وقالوا لها: أتكفرين بالله وتؤمنين بأن الملك هو الله؟ فقالت لهم: لا، فيرمون أول ولد، ثم الولد الثاني ثم الثالث وكان السابع رضيعاً له ثلاثة شهور، فقالوا لها: ستؤمنين بالملك أنه هو الله، أو أنت مصرة على أن الله هو خالق السماوات والأرض؟ فالمرأة تلجلجت، فنطق الرضيع وقال: يا أماه اثبتي إنك على الحق، فهؤلاء أربعة تكلموا في المهد أولهم سيدنا عيسى وآخرهم هذا الولد، فلما قال الرضيع: اثبتي على الحق رمت المرأة نفسها ومعها ابنها في تلك النار من دون أن يقوم بدفعها أي شخص إلى تلك النار. وهذه السيدة آسية امرأة فرعون، استمر فرعون في تعذيبها إلى أن وصل إلى لسانها فقالت: يا رب! هذا الذي يؤنسني بذكرك، أي: هذا الذي بقي لي لذكرك، فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]، فإذا بملك الموت ينزل ليقبض روحها وهي تبتسم، وكما يقال: جسدها في الفرش وروحها في العرش، فجسمها أمامهم مسجى، لكن كرم الله واسع. إذاً: التنزل يكون في الدنيا ولحظة الموت، ثم بعد ذلك يكون التنزل عند الخروج من القبر، إذ يمشي الملك أمام المؤمن فيدله على مكانه في الجنة. تقول الملائكة: ستصلك رسالة من الله من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت، صحيح أنه مات في الدنيا، لكن في الآخرة خلود بلا موت، والله يقول: عبدي! اشتقت إليك فزرني، ما هذا الكرم؟! إذاً: سنصبر ونصبر ونتمسك بالدين وننصر الإسلام ونتوكل على الله ونوقن بنصر الله عز وجل مهما يحدث من أذى ومصاعب. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ} [فصلت:30 - 31]. إن الواحد منا لو رأى رؤيا صالحة لفرح بها، فكيف يكون فرحه لو أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا؟ أنت تقول: أنا أريد أن أسمع منك القرآن، فما بالك إذا سمعت القرآن ممن نزل عليه القرآن؟! فلا شيء يضيع في الآخرة أبداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون هم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، وقارئ القرآن الذي يتقي الله عز وجل يقال له: (اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)، فلو كان يحفظ القرآن كله ويعمل به لكان بجانب الحبيب المصطفى. قال تعالى: {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:32] والنزل هو المكان المعد للضيافة، إذاً: الجنة هي نزل، وهذا النزل من غفور رحيم، وهذه الآية دليل على أن العبد مهما كان صالحاً فله ذنوب، ولكن يغفرها الغفور سبحانه، بل أكبر الكبائر يغفرها الله سبحانه، فلا تظن أن ذنبك أعظم من عفو الله، بل إن عفو الله أعظم. قيل لـ أبي الحسن: مات أبو نواس فهل تصلي عليه؟ قال: لا، قالوا: لماذا؟ قال: لأنه كان مجاهراً بالمعصية، فليصل عليه واحد منكم، فلن أصلي عليه. وهذا فرض كفاية وليس فرض عين، إن صنعه البعض سقط عن الآخرين. وقد كان أبو نواس عجيباً، فقد قال له أمير المؤمنين: إن رأيتك عند الجواري سأفصل رأسك عن جسدك، وكان يريد أن يتزوج امرأة اسمها أم طوق، وهي لم ترض به في قصر أمير المؤمنين، ففجأة دخل أمير المؤمنين القصر فوجد أبا نواس فوق، فقال: ماذا تصنع؟ قال: يا أمير المؤمنين! قد هزني الشوق إلى أم طوق فتدحرجت من تحت إلى فوق. وقبل أن يصلوا صلاة الجنازة على أبي نواس لقي صديقه ورقة في جيبه، فأخرج الورقة وإذا بها آخر ما كتب: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم ما لي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم فعندما سمع أبو الحسن هذه الكلمات قال: يرحم الله أبا نواس، هيا لنصلي عليه، فصلى عليه لأنه ميت يحسن الظن بالله، ومن أحسن الظن بالله سيختم الله له بالخير إن شاء. اللهم اجعلنا من محسني الظن بك يا رب العالمين!

ذكر ما أعد الله للمؤمنين من رضوان كما في سورة الإنسان

ذكر ما أعد الله للمؤمنين من رضوان كما في سورة الإنسان تعالوا بنا إلى السورة التي كنا نسمعها في الركعة الثانية مع أخينا إمام المسجد، كان يقرأ من سورة الإنسان قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان:1]، إلى قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان:5]. الأبرار: جمع بر أو بار، والبار هو البار بدينه، والبار بوالديه والبار بولده والبار بالمسلمين عامة، والبر: كلمة تجمع الخلق الحسن، فكل ذي خلق حسن بار، وهي صفة من صفات الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28]. وبر الوالدين معروف، لكن كيف أبر ولدي؟ A بأن أعلمه القرآن وأجعله يستقيم على طريق الله وأبعده عن الأولاد السيئين، وأبر بابنتي فأول ما تصل إلى سن البلوغ أعلمها الحجاب، وأبر بزوجتي فأحسن إليها وأراعيها في أيامها التي لا تصلي فيها للعذر الشرعي في كل شهر، وأعاملها معاملة الأطفال، وذلك لأن تركيبها مختلف عن تركيب الذكر، هذه هي طبيعتها والله عز وجل خلقها هكذا، فالأيام التي لا تصلي فيها زوجتك تعاملها معاملة الأطفال؛ لكي لا نجعل للشيطان مكاناً فيدخل ويفرق، فهذا الشيطان ولد من أبناء إبليس عمله التفرقة بين الزوجين وخلق المشاكل بينهما، ولذلك كان يدرسنا أستاذ رحمة الله عليه، فكان أول ما تقول له امرأته: اسمع يا هذا! يقول: يا إلهي! هل اشتغل الشيطان الذي يفرق؟ قال تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان:5]. والمزاج هنا ليس معناه المزاج الذي في الدماغ، بل هو ماء طعمه ممزوج بالكافور، وقلنا: إن هذا مجرد اسم فقط. قال تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6] كيف هذا؟ إن ساكن الجنة وهو يمشي في ملكه في الجنة، إذ يقول الله للجنة: طوبى لك منزل الملوك، فكل واحد في الجنة ملك، ولذلك فإن الملائكة تعطيك قضيباً من زبرجد، فأنت في الدنيا تعتمد على عصاً فيها شوك وحالتها سيئة، من أجل أن تنهض لصلاة الصبح والكلاب تنبح وأنت تمشي وتضرب وتعكز عليها، لكن في الجنة قضيب ليس له مثيل، قال: ويمشي بها على الأرض، فيخط خطاً ويخرج له نهر من عسل مصفى، ويخط ثانية فيخرج له نهر من لبن، ويخط ثالثة يخرج له عين وهكذا قال: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6] فهو الذي فجرها وهو يمشي، ثم إنها تتفجر ولا تغرقه، (قال: يا رسول الله! هل يعقل أن تمشي من دون مجرى؟ قال: سبحان الذي سكبه وسبحان الذي حده) فلا نهر النيل، ولا الذي يرمون فيه حميراً ميتة وجاموساً ولا بقايا مصانع، بل هو ماء غير آسن، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل مصفى، كل هذا نعيم أهل الجنة، قال تعالى: ((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)) أي: منها: ((عِبَادُ اللَّهِ)) اللهم اجعلنا منهم يا رب! ((يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا)). قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7] فهذه أول صفة، والنذر ما فرضه الله عليك، قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] إذاً: النذر: الفرائض التي فرضها الله، لأن الذي يزحزحك عن النار إقامة الفرائض، ثم الذي يدخلك الجنة إقامة النوافل، يعني: الذي يزحزحك عن جهنم هي الفرائض، والذي يقربك ويرفعك إلى الجنة هي النوافل، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). اللهم اجعلنا منهم يا رب! والمعنى الآخر للنذر: ما نذرته أنت على نفسك في الطاعات، فتقول: إذا نجح الولد أو دخلت البنت الهندسة فإنني سأصوم خمسة عشر يوماً. ولكن أنا سأوصيك كأخ مخلص أن تصدق في الوفاء بالنذر؛ لأن المصري متردد، في وقت الضيق يقول: أصوم شهرين، وأذبح خروفين وجاموسة وبقرة، ثم بعد أن يحقق الله له ما طلب يقول: يا شيخ! ألا تنفع الدجاجة؟! تنذر بالجاموسة ثم تقول: دجاجة؟! ألست كنت وقت النذر سخياً بالطاعات. قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7]، المستطير أصلها: من تطاير الشرر، ولا تقال إلا في الخطر، يقال: استطار الشر يعني: تطاير وبدأ، فشر يوم القيامة مستطير، لأن الله عز وجل يقول: يا جبريل! ائتني بجهنم، قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك) لها فحيح كفحيح الأفاعي، انظروا وتأملوا إلى صوت جهنم والعياذ بالله، فأول ما أن يراها عباد الله الصالحون والطالحون يهربون من أرض المحشر، فيجدون الملائكة محيطة بهم، قال تعالى: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25]، يعني: محيطين بأرض المحشر. وأرض المحشر ليس فيها حفرة تختبئ فيها، وليس فيها تل تختبئ وراءه، قال تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:106 - 107]، ولذلك دائماً نقول: الدار الآخرة ليس فيها كلام من عندنا، بل كله من كتاب الله ومن السنة الصحيحة، فلا نستطيع أن نأتي بكلام من عندنا. إذاً: الملائكة تقوم بشد زمامها وتقوم بتوقيفهم، وتخرج من جهنم أعناق والعياذ بالله! فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا عبد صالح إلا ويجثو على ركبتيه، قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28]، أي: جثا الإنسان على ركبتيه فوقع بأكمله على الأرض، والذكي جداً الذي يرفع نظره قليلاً وينظر من طرف خفي هل هي آتية أم أنها وقفت؟ فإذا اطمأن أن الملائكة أمسكوا بأزمتها، يبلغ الذي وراءه ويقول: وقفت، قم ارفع رأسك. ولجهنم زفرة ثالثة، والزفرة الثالثة أصعب، فيأخذ سيدنا موسى بقوائم العرش، وينسى الخليل إبراهيم إسماعيل وينسى موسى هارون، وينسى عيسى مريم، وكل يقول: يا رب سلم! يا رب سلم! فيوم القيامة شره مستطير. فالمرة الثالثة الملائكة تمسك أبداً، فيقوم لها الحبيب المصطفى، كما قال الشاعر: إن العظائم كفؤها العظماء. فيقول: عودي يا نار الجبار إلى مكانك، فتقول النار: إليك عني يا محمد! فما وكلت بك ولا بأصحابك، فيقول الله عز وجل: يا نار! اسمعي لمحمد وأطيعي، فتخرج منها أعناق تلتقط بنيها كما يلتقط الطير الحب؛ ولذلك يقال: ذهب إلى أمه الهاوية: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:10 - 11]، ومعلوم أن الأم في الدنيا تأخذ ولدها في حجرها بحنان، فتخيل أن شخصاً أمه جهنم، ألا يكون شره مستطيراً؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. إذاً: أول صفة من صفات عباد الله أنهم يوفون بالنذر، ثم يخافون من الله يوم القيامة، فأنت عند أن تأتي إلى شخص منحرف فتقول له: اتق الله، فيقول: قلبي أبيض، ويقول: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة). قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:8]، فهم ينفقون الأكل في سبيل الله، لذلك قلت قبل ذلك: لا تتصدق بالأكل بعد أن يتلف، أي: بعد سبعة أيام، ولكن تصدق يوم أن تطبخ، واغرف للمسكين عندما تغرف لنفسك، وعندما تشتري قميصاً لك اشتر قميصاً للمسكين، ولا تكن كمن قال الله تعالى فيهم: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62]. إذاً: أخرج من أفاضل ما لك من الشيء الجيد؛ كي يقع ما أخرجته في كف الله عز وجل، فهؤلاء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8]، ولا يمنون عليهم قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9]. كان رجل ثري جالساً بجانب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فمر به فقير فلم إليه العباءة، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أخفت أن يعدو عليه غناك، أم خفت أن يؤذيك فقره، فقال الرجل الثري: نزلت له عن نصف مالي يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تأخذ نصف ماله؟ قال: لا يا رسول الله! فقال: لماذا؟ قال: أخاف أن يدخلني من الغرور ما دخله. فالمال سمي مالاً لأنه مال بالناس عن الحق، فاحذر أن ترى لنفسك فضلاً، فالفضل لله وحده. قال تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:10]، يقال: العبوس يكون في الشفتين، والقمطرير يكون في الجبهة، فإنه يكون مكشراً جداً. ذكر أن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج كان كلما مر على ملك من الملائكة يقول: السلام عليكم، فيرد الملك السلام ويتهلل فرحاً بمحمد صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه ملك الموت وهو مكشر، فقال صلى الله عليه وسلم: من هذا يا جبريل؟! قال: هذا ملك الموت ما ابتسم منذ أن خلق. قال تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان:11]. النضرة الأولى: غاية النور، ثم نقاء السريرة، ثم الحسن والبهاء. قال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:12]، لماذا؟ لأنه حرمه عليه في الدنيا، فقال له: انتبه أن تلبس في الدنيا، ومادام أنك لم تلبس في الدنيا فسنلبسك في الجنة، وقد وصلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هدايا مناديل من الحرير اليماني، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يلبسون لبساً خشناً، فعندما لمسوا الحرير قالوا: سبحان الله! ما أنعم ملمس هذا الحرير يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أنعم ملمساً من هذا الحرير. قال تعالى

سبق كتاب الله سبحانه بإدخال المؤمنين الجنة وإبعادهم عن النار

سبق كتاب الله سبحانه بإدخال المؤمنين الجنة وإبعادهم عن النار قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101]. فقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى))، أي: الجنة، ((أُوْلَئِكَ عَنْهَا))، أي: عن النار: ((مُبْعَدُونَ)). قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء:102] فالعربي عندما كان يتضرر يقول: حس، حس، فكلمة التأوه العربية: حس، حس. فالله عز وجل يقول: ((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا))، دليل على أن النار والعياذ بالله لها تأوه. قال تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] أي: يأكل بعضها بعضاً والعياذ بالله، فقد قيل: لو وجد أهل النار ناراً من نيران الدنيا لاستراحوا فيها وناموا، فالمسألة ليست فوضى، إنما المسألة مسألة حساب. قال تعالى: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:102 - 103]. يقول أهل العلم: كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده، يعني: كيف نقدر شيئاً الله هو الذي غرسه بيده؟ ليس خبير زراعة غرسها، بل الذي غرس أشجار الجنة خالق السماوات والأرض. وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، وعطف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب. فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فعرش الرحمن، فالله سبحانه يقول: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:48] فعندما تبدل فليس هناك سماء ولا سقف؛ وإنما سقف الجنة عرش الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فالمسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فاللؤلؤ والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، فهي طوبة من فضة وطوبة من ذهب والفواصل زعفران ومسك. وإن سألت عن أشجارها؛ فما من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من حطب وخشب. وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنها من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وعن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور، آنيتهم الفضة والذهب، في صفاء القوارير، وسعة أبوابها مسيرة أربعين سنة، وأبواب الجنة ثمانية، وأما حلق الباب فبين أن يصل راكب فرس من حلق إلى حلق سبعون سنة، وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي كظيظ على أبواب الجنة، وكأنهم يزدحمون على أبواب المساجد. يسير الراكب بالجواد المضمر مائة سنة في ظل الشجرة الواحدة لا يقطعه. وأما عن سعتها فإن أقل ملك في الدنيا من يسير في ملكه ألفي سنة. وعن لباسها فالحرير والذهب، وعن وجوه أهلها فكالقمر ليلة التمام، وعن أعمار أهلها فثلاثون سنة، وعن سماعهم؛ فاسمعوا الحور العين ماذا يقلن لأزواجهن: نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، الراضيات فلا نسخط أبداً، الخالدات فلا نموت أبداً، المقيمات فلا نظعن أبداً، فطوبى لمن كان لنا وطوبى لمن كنا له. فلا تسمع كلمة سيئة حين تدخل عليهن فأنت في قصورهن وهن يقلن: أهلاً بحبيبنا.

النظر إلى وجه الله الكريم

النظر إلى وجه الله الكريم ينادي المنادي في أهل الجنة: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، يقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ هل هناك شيء أكثر من هذا؟ فبينا هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم يقول: يا أهل الجنة! سلام عليكم، {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58]. فيقولون: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام! ويسجد الجميع، فيقول: يا عبادي ارفعوا رءوسكم هنا دار جزاء لا دار عمل. يا عبادي! لأسمعنكم صوتاً ما سمعتموه من قبل، قم يا داود! رتل مزامير الزبور، فقد كان سيدنا داود من جمال صوته يتوقف الماء عن الجريان عندما كان يرتل، وكان الجبال والطير تسبح وتؤوب مع داود عليه السلام، قال تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10]، ومن شدة حلاوة صوت داود يقولون: لا يوجد أجمل من هذا ولم يحصل مثله. فيقول الله تعالى: أسمعتم صوتاً أجمل من هذا؟ يقولون: وعزتك وجلالك ما سمعنا، يقول: وعزتي وجلالي لأسمعنكم أجمل منه، قم يا حبيبي يا محمد! عليه الصلاة والسلام رتل عليهم سورة طه، فتسمع طه من فم طه وما أحلاها، وإذا بالله عز وجل يكشف عن وجهه الكريم ويقرأ عليهم سورة الرحمن، فيتجلى الرب لهم ويضحك إليهم، ويقول: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب؟ أين الذين لم يروني ولكن كانوا يعبدونني؟ والله إنا نراك يا رب! في كل وقت وحين، وفي كل حركة وسكنة، وفي النبات وفي الحشرة وفي جريان الماء وفي قوة الجبال وقوة الرياح وفي السماوات وما فيها، وفي الأجرام وفي الأرض وفي اليابسة وفي المحيطات وفي عالم البحار وفي الجو العادي وفي الأكسجين. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد يقول الله تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد؟ فيقولون مجتمعين على كلمة واحدة: يا رب! قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا عبادي! إني رضيت عنكم، فهل رضيتم عني؟ ويقول تعالى: يا أهل الجنة! لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة، فيقولون: أرنا وجهك الكريم ننظر إليك. فيكشف الله لهم الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لو قضى أن يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في المجلس أحد إلا وحاضره الله محاضرة. يعني: حتى يقول كل واحد منهم: إن الله يكلمني أنا لوحدي فقط، فيذكر الله العبد ببعض غدراته في الدنيا، ويقول له: أتذكر يوم كذا، عملت كذا وكذا، وتذكر يوم كذا، أخطأت في كذا وكذا، فيقول العبد: يا رب! ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وعندئذ يقول الله عز وجل: يا ملائكتي هؤلاء هم عبادي وجيراني وأهلي ووفدي أطعموهم واكسوهم واسقوهم وطيبوهم. فتأتي السحاب فوقك وتمطر عليك ريح المسك، وترجع إلى أهل بيتك من الحور العين، فيقلن لك: لقد جئت إلينا بوجه أجمل من الوجه الذي تركتنا به، فتقول: وكيف لا أكون كذلك وقد جالسنا ربنا الملك سبحانه؟ فعندئذ يقول: يا عبادي! قد أسبغت عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً، قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]. اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، إنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت يا ربنا! وتعاليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك. نؤمن بك ونتوكل عليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك. ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، واسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً. متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم. اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

§1/1