الخصال المكفرة للذنوب

الخطيب الشربيني

الخِصالُ المُكَفِّرَةُ للذنوب يتضمن تحقيق مخطوط صغير للخطيب الشربيني فيه سؤال وجواب حول تكفير الحج للذنوب دراسة وتعليق وتحقيق الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

الطبعة الأولى القدس / فلسطين 1423هـ 2002م حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء الآية 1. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71. وبعد فإنه أثناء قيامي بفهرسة مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي في بيت المقدس، التابعة لوزارة الأوقاف الفلسطينية، عثرت على مخطوطة صغيرة، ضمن مجموعة مخطوطات، وهذه المخطوطة

الصغيرة، عبارة عن سؤال وُجِهَ إلى العلامة الخطيب الشربيني حول تكفير الحج للذنوب، فأجاب عنه إجابة موجزة. فرغبت في نشر هذه المخطوطة، ليُنتفعَ بها، وقد دعاني هذا إلى توضيح بعض القضايا المتعلقة بموضوع السؤال والجواب، فتحدثت بإيجاز في التمهيد، عن تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر، ثم بينت المراد بحقوق الله وحقوق العباد، ووضحت أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد. وفي المبحث الأول ذكرت طائفة عطرة من الأحاديث النبوية الواردة في الخصال المكفرة للذنوب. وفي المبحث الثاني ذكرت كلام أهل العلم على الأحاديث السابقة الذكر، وماهية الذنوب التي تكفرها الأعمال الصالحة، وهل يدخل في ذلك الكبائر أم لا؟ وفي المبحث الثالث تكلمت على تكفير الحج للذنوب، وذكرت كلام أهل العلم في ذلك، وخصصت الحج بالكلام لأنه موضوع المخطوطة. وفي المبحث الرابع ذكرت كلام أهل العلم على قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود الآية 114، حيث إن كثيراً من أهل العلم، قد استدلوا بهذه الآية الكريمة على غفران الذنوب صغيرها وكبيرها.

وفي المبحث الخامس: تحدثت بإيجاز عن العلامة الخطيب الشربيني، فذكرت اسمه ونسبه وثناء العلماء عليه ومؤلفاته. وفي المبحث السادس: قدَّمت نص المخطوطة محققاً ومعلقاً عليه. ثم أتبعت ذلك بفهرس المصادر وفهرس المحتويات. وفي الختام، فإني أرجو أن ينتفع العبد الفقير المذنب، بهذا الكتاب وأن يحافظ على الخصال المكفرة للذنوب، وكذا إخواني المسلمين، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يغفر لي ولكم ولجميع المسلمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه د. حسام الدين بن موسى عفانه القدس - أبوديس ضحى يوم الجمعة السابع من صفر الخير 1423هـ وفق التاسع عشر من نيسان 2002 م

تمهيد

تمهيد ويشمل ما يلي: 1 - تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر. 2 - توضيح المراد بحقوق الله وحقوق العباد. 3 - أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد. أولاً: تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر: اعلم أن جماهير العلماء قد قالوا إن المعاصي والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة أذكر بعضها: قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) سورة الشورى الآية 37. وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) سورة النجم الآية 32.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) رواه البخاري. وعن نعيم المجمر أن صهيباً مولى العتواريين حدثه أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهما يخبران عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنه جلس على المنبر ثم قال والذي نفسي بيده ثلاث مرات، ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزناً ليمين رسول الله، ثم قال: ما من

عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصطفق ثم تلى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ) رواه النسائي وابن حبان وابن خزيمة. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وغير ذلك من النصوص. ولكن أهل العلم اختلفوا في حقيقة الكبيرة، وهذه بعض أقوالهم: فمنهم من يرى أن الكبيرة هي ما لحق صاحبها بخصوصها وعيد شديد بنص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب] تفسير القرطبي 5/ 159. ومن العلماء من يرى أن الكبيرة هي كل معصية أوجبت الحد. ومنهم من يرى أن الكبيرة هي كل محرم لعينه، منهيٌ عنه لمعنى في نفسه، فإن فُعل على وجهٍ يجمع وجهين أو وجوهاً من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة، وأن يزني الرجل بزوجة جاره فاحشة.

وقال الواحدي المفسر: [الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله عز وجل أخفى ذلك عن العباد، ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاء أن تجتنب الكبائر، ونظائره إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 16. وقد لخَّص الشيخ ابن حجر المكي تعريفات العلماء للكبيرة فذكر ما يلي: أحدها: أنها ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيدٌ شديدٌ بنص كتاب أو سنة. ثانيها: أنها كل معصية أوجبت الحد. ثالثها: أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حدٌ وترك فريضة تجب فوراً. رابعها: كل جريمة تعلم بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. خامسها: أنها ما أوجبت الحد، أو توجه إليه الوعيد. سادسها: أنها كل محرم لعينه منهيٌ عنه لمعنى في نفسه. سابعها: أنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه، أي بلفظ التحريم وهو أربعة أشياء: أكل لحم الميتة والخنزير ومال اليتيم ونحوه والفرار من الزحف، ورُدَّ بمنع الحصر في الأربعة.

ثامنها: أنه لا حدَّ لها يحصرها يعرفه العباد. وغير ذلك من الأقوال الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 14 - 16. ثم ذكر ابن حجر المكي طائفةً من أقوال العلماء في الكبيرة: قول ابن عباس: [الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب أو لعنة أو عذاب]. قول الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: [كل ذنب أوعد فاعله بالنار]. قول الغزالي: [كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف ووجدان ندم تهاوناً واستجراءً عليها فهي كبيرة، وما يحمل على فلتات النفس ولا ينفك عن ندم يمتزج بها وينغص التلذذ بها فليس بكبيرة]. وقال الغزالي في موضع آخر: [ولا مطمع في معرفة الكبائر مع الحصر، إذ لا يعرف ذلك إلا بالسمع ولم يرد]. قول العز بن عبد السلام: [الأولى ضبط الكبيرة بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعار صغر الكبائر المنصوص عليها قال: وإذ أردت الفرق بين الصغيرة والكبيرة، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل الكبائر فهي صغيرة وإلا فكبيرة]

قول ابن صلاح في فتاويه: [الكبيرة كل ذنب عظم عظماً يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيماً على الإطلاق، ولها أمارات منها: إيجاب الحد. ومنها: الإيعاد عليه بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة. ومنها: وصف فاعلها بالفسق. ومنها: اللعن]. وقال البارزي: [والتحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد، أو حد أو لعن أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها]. واعلم أن كل ما سبق من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه] الزواجر 1/ 17 - 19. والذي عليه أكثر أهل العلم أن كبائر الذنوب كثيرة، وليست محصورة في عدد معين، وإن ذكر في بعض الأحاديث عددها، فليس المراد الحصر، فمن ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو

قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي: [وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الكبائر سبع) فالمراد به من الكبائر سبع، فإن هذه الصيغة وإن كانت للعموم، فهي مخصوصة بلا شك، وإنما وقع الاقتصار على هذه السبع وفي الأخرى ثلاث، وفي الرواية الأخرى أربع، لكونها من أفحش الكبائر مع كثرة وقوعها لا سيما فيما كانت عليه الجاهلية ولم يذكر في بعضها ما ذكر في الأخرى، وهذا مصرح بما ذكرته من أن المراد البعض] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 264.

ويؤيد عدم انحصار الكبائر في سبع، أو ثلاث، أو أربع، ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه -، أنه لما سئل عن الكبائر أسبعٌ هي؟ فقال: هي إلى سبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير: [قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار]. انظر تفسير القرطبي 5/ 159. وهذا هو الراجح إن شاء الله، وهو أن الكبائر ليست محصورة في عدد معين، وقد ذكر الإمام ابن حجر المكي يرحمه الله عدداً كبيراً من الذنوب التي تعد من الكبائر وساق الأدلة على ذلك فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتابه القيم الزواجر عن اقتراف الكبائر.

ثانيا: توضيح المراد بحقوق الله وحقوق العباد:

ثانياً: توضيح المراد بحقوق الله وحقوق العباد: قسم جمهور الفقهاء والأصوليين الحق باعتبار صاحب الحق إلى أربعة أقسام وهي: أولاً: حق الله تعالى ويسمى الحق العام: وهو ما قصد به التقرب إلى الله تعالى وتعظيمه وإقامة شعائر دينه، أو قصد به تحقيق النفع العام دون اختصاص بأحد، ونسب هذا الحق لله تعالى لعظم خطره وشمول نفعه كما قاله ابن نجيم الحنفي في فتح الغفار 3/ 59. وحق الله تعالى يشمل الإيمان به جلَّ جلاله، والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وإقامة الحدود والكفارات وغير ذلك. انظر الفروق 1/ 140 - 141، أصول الفقه لأبي زهرة ص 323 - 326، نظرية الحكم القضائي ص 239 - 242، الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 13 - 15، الموسوعة الفقهية 18/ 14 - 19. ثانياً: حق العبد المحض: وهو ما كان متعلقاً بمصالح الإنسان الخالصة، قال القرافي: [وحق العبد مصالحه] الفروق 1/ 140. وحق العبد المحض يشمل الحقوق المالية، قال الشيخ محمد أبو زهرة: [حقوق العباد الخالصة وذلك كالديون والأملاك وحق الوراثة وغير

ذلك مما يتعلق بالأموال نقلاً وبقاءً، فهذه كلها حقوق العباد خالصة والاعتداء على حقوق العباد ظلم، ولا يقبل الله تعالى توبة عبد قد أكل حقاً من حقوق العباد إلا إذا أداه أو أسقطه صاحبه وعفا] أصول الفقه ص324. وحق العبد يقبل الإسقاط، فإذا أسقط إنسان حقاً له على غيره فله ذلك، قال القرافي: [ونعني بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط] الفروق 1/ 141. ثالثاً: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد وحق الله غالب: ومثاله حد القذف فهو من جهة أن فيه مساً بأعراض الناس علناً فهو حق لله تعالى، ومن جهة أن المقذوف بالزنى قد اتهم في عرضه فهو حق له ولكن حق الله غالب فيه. وكذلك حد السرقة بعد أن يبلغ الإمام، وكذلك عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها، فحق الله فيها صيانة الأنساب عن الاختلاط وحماية المجتمع من الفوضى، وأما حق العبد فيها فهو المحافظة على نسب أولاد الزوج وحق الله غالب. نظرية الحكم القضائي ص 242، أصول أبو زهرة ص 324 - 325 الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 15 الموسوعة الفقهية 18/ 18. رابعاً: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد وحق العبد الغالب:

ومثاله القصاص وعقوبات الدماء بشكل عام كالديات. [فالقصاص لله فيه حق لأنه اعتداء على المجتمع واعتداء على مخلوق الله وعبده، الذي حرم دمه إلا بحق، ولله في نفس العبد حق الاستعباد حيث قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات الآية 56. وللعبد في القصاص حق، لأن القتل العمد اعتداء على شخصه لأن للعبد المقتول في نفسه حق الحياة وحق الاستمتاع بها فحرمه القاتل من حقه وهو اعتداء على أولياء المقتول لأنه حرمهم من رعاية مورثهم واستمتاعهم بحياته فكان القتل العمد اعتداء على حق الله وحق العبد ولذلك كان في شرعية القصاص إبقاء للحقين وإخلاء للعالم من الفساد، تصديقاً لقول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة الآية 179. وغلب حق العبد لأن ولي المقتول يملك رفع دعوى القصاص أو عدم رفعها وبعد المطالبة بالقصاص والحكم على الجاني القاتل يملك التنازل عنه والصلح على مال أو الصلح بغير عوض كما يملك تنفيذ حكم القصاص على القاتل إن أراد ذلك وكان يتقن التنفيذ ولا يجوز ذلك إلا بإذن الحاكم لئلا يفتات عليه فلو فعل وقع القصاص موقعه واستحق التعزير] الموسوعة الفقهية 18/ 18 - 19.

ثالثا: أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد:

ثالثاً: أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد: اعلم أن المعصية إذا كانت متعلقة بحقوق الله المالية فلا بد للتائب منها أن يؤدي حقوق الله تعالى، ولا يكفي مجرد الإقلاع عن المعصية. قال الإمام النووي: [ ... ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله تعالى ولا للعباد، كقبلة الأجنبية ومباشرتها فيما دون الفرج فلا شيء عليه سوى ذلك، وإن تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه] روضة الطالبين 11/ 245 - 246. وذكر الخطيب الشربيني أن حق الله تعالى كالزكاة والكفارات لابد من أدائها. مغني المحتاج 4/ 440. وقال الإمام النووي أيضاً: [وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي، فإن كان حداً لله تعالى بأن زنى أو شرب الخمر، فإن لم يظهر عليه فله أن يظهره ويقر به ليقام عليه الحد، ويجوز أن يستر على نفسه وهو الأفضل، فإن ظهر فقد فات الستر فيأتي الإمام ليقيم عليه الحد] روضة الطالبين 11/ 246 - 247. وكلام النووي يدل على أن الحدود المختصة بالله تعالى كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر لا تسقط بمجرد التوبة، ولا بد من إقامة الحد وهذا مذهب جمهور الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية 18/ 18 - 19.

وكذلك فإنه من المقرر عند العلماء أن من شروط التوبة من المعصية المتعلقة بالناس رَدُّ الحقوق لأصحابها قال الإمام النووي: [وإن تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس، وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق فيبرئه، ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به، وأن يوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره، دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرتهُ وديانته، فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ... وإن كان معسراً نوى الغرامة إذا قدر، فإن مات قبل القدرة فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة. قلت - أي النووي - ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة، وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها، فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات، أو أتلف شيئاً خطأً وعجز عن غرامته حتى مات، فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة، إذ لا معصية منه والمرجو أن الله تعالى يعوض صاحب الحق]. روضة الطالبين 11/ 245 - 246.

وقال النووي أيضاً: [وإن كان حقاً للعباد كالقصاص وحد القذف فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يعلمه فيقول أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص، فإن شئت فاقتص وإن شئت فاعف وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار وإن بلغته ... فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة استغفر الله تعالى ولا اعتبار بتحليل الورثة هكذا ذكره الحناطي]. روضة الطالبين11/ 247. وذكر الشيخ أحمد النفراوي المالكي أن الإسنوي والسنوسي قالا: [التوبة من الغصب والسرقة والحرابة ونحو ذلك يشترط في صحتها رد المغصوب]. الفواكه الدواني 1/ 76. وقال النفراوي أيضاً: [وإن تعلقت - المعصية - بحقوق العباد لزم مع الندم رضا العبد أو بذله إليه إن كان الذنب ظلماً كما في الغصب وقتل العمد] الفواكه الدواني 1/ 76. وقال النفراوي أيضاً: [ومن واجبات التوبة رد المظالم إلى أهلها بأن يدفعها إليهم إن كانت أموالاً ولو أتى ذلك على جميع ما عنده أو يردها إلى الوارث فإن لم يجد له وارثاً تصدق به على المظلوم.

وإن كانت أعراضاً كقذف أو غيبة استحلل المقذوف أو المغتاب إن كان حياً وإن وجده مات فيكثر من فعل الحسنات ليعطي منها المظلوم] الفواكه الدواني 2/ 301. وقال الشيخ أحمد النفراوي المالكي: [وأما تبعات العباد فلا يكفرها التوبة، بل لا بد من استحلال أربابها، لأن حقوق العباد لا يقال لها ذنوب] الفواكه الدواني 2/ 302. وقال الخطيب الشربيني: [يشترط في التوبة منها إقلاع عنها وندم عليها وعزم أن لا يعود لها وردُّ ظلامة آدمي من مال وغيره وقصاص وحد قذف إن تعلقت به والله أعلم، فيؤدي الزكاة لمستحقها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه أو يستحق منه أو من ورائه ويعلمه إن لم يعلم فإن لم يوجد مستحق أو انقطع خبره سلمها إلى قاض أمين فإن تعذر تصدق بها ويؤدي الغرم أو يتركها عنده]. مغني المحتاج 4/ 439.

المبحث الأول الخصال المكفرة للذنوب

المبحث الأول الخصال المكفرة للذنوب ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب وتمحها ومن هذه الأعمال ما يلي: أولاً: الوضوء وقد جاء فيه أحاديث كثيرة منها: عن حمران أنه قال: فلما توضأ عثمان قال والله لأحدثنكم حديثاً والله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها) قال عروة الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ... اللَّاعِنُونَ). رواه مسلم وعن عثمان - رضي الله عنهم - أنه دعا بطهور ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله) رواه مسلم. وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنهم - أنه دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح

رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. وعن حمران مولى عثمان قال أتيت عثمان بن عفان بوضوء فتوضأ ثم قال إن ناساً يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث لا أدري ما هي إلا أني رأيت رسول الله توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: (من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يبقي من درنه، قالوا لا يبقي من درنه شيئاً، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا) رواه البخاري. وعن مسعر عن جامع بن شداد أبي صخرة قال سمعت حمران بن أبان قال كنت أضع لعثمان طهوره فما أتى عليه يوم إلا وهو يفيض عليه نطفة وقال عثمان حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا هذه قال مسعر أراها العصر فقال ما أدري أحدثكم بشيء أو أسكت فقلنا: يا رسول الله إن كان خيراً فحدثنا وإن كان غير ذلك

فالله ورسوله أعلم قال: (ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينها) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب). رواه مسلم. وعن عبد الله الصنابجي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة). رواه مالك والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال:

صحيح على شرطهما ولا علة له، والصنابجي صحابي مشهور. وقال الألباني: صحيح. وعن عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل في مكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث إلى أن قال: فقلت: يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: (ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل رجليه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه) رواه مسلم. وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه نزلت كل خطيئة من كفيه مع أول قطرة فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة فإذا غسل وجهه نزلت كل خطيئة من سمعه وبصره مع أول

قطرة فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب كهيئته يوم ولدته أمه قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع درجته وإن قعد، قعد سالماً) رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسنها الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به وقال الألباني: صحيح. وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إسباغ الوضوء على المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وقال الألباني: صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة بمعناه وقال الألباني: صحيح. ورواه ابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري إلا أنهما قالا فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا

ثانيا: الصلوات الخمس:

إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) رواه ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عنه. وقال الألباني: صحيح. وعن أبي أيوب قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: (غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال الألباني: صحيح. وعن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان - رضي الله عنه - تحت شجرة فأخذ غصناً منها يابساً فهزه حتى تحات ورقه ثم قال: يا أبا عثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه تحت الشجرة فأخذ منها غصناً يابساً فهزه حتى تحات ورقه فقال: (يا سلمان ألا سألتني لماذا أفعل ذلك؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق وقال: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) رواه أحمد والنسائي والطبراني، وقال الألباني: حسن. ثانياً: الصلوات الخمس: عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن) رواه مسلم. وعن أبي وائل عن حذيفة - رضي الله عنهم - قال: قال عمر - رضي الله عنهم -: من يحفظ حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة قال حذيفة - رضي الله عنهم - أنا سمعته يقول: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ... ) رواه البخاري ومسلم. وقد سبق في إحدى روايات حديث عثمان - رضي الله عنهم - قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينها) رواه مسلم. وفي رواية أخرى لحديث عثمان قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. وفي رواية أخرى لحديث عثمان قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) رواه مسلم. وعن أبي أيوب - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: (غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال الألباني: صحيح.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الصلوات الخمس كفارة لما بينها) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت لو أن رجلاً كان يعتمل وكان بين منزله وبين معتمله خمسة أنهار فإذا أتى معتمله عمل فيه ما شاء الله فأصابه الوسخ أو العرق فكلما مر بنهر اغتسل ما كان ذلك يبقي من درنه؟ فكذلك الصلاة كلما عمل خطيئة فدعا واستغفر غفر له ما كان قبلها) رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بإسناد لا بأس به وشواهده كثيرة وقال الألباني: حسن. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ جارٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات) رواه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يبعث مناد عند حضرة كل صلاة فيقول: بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتم على أنفسكم فيقومون، فتسقط خطاياهم من أعينهم ويصلون فيغفر لهم ما بينهما ثم توقدون فيما بين ذلك فإذا كان عند الصلاة الأولى نادى: يا بني آدم! قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم فيقومون فيتطهرون ويصلون الظهر فيغفر لهم ما بينهما فإذا حضرت العصر فمثل ذلك فإذا حضرت للمغرب فمثل ذلك فإذا حضرت العتمة

ثالثا: موافقة تأمين المأموم لتأمين الملائكة:

فمثل ذلك فينامون وقد غفر لهم فمدلجٌ في خيرٍ ومدلجٌ في شر) رواه الطبراني في الكبير وقال الألباني حسن. وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة) رواه أحمد، وقال الألباني: حسن. ثالثاً: موافقة تأمين المأموم لتأمين الملائكة: عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أمَّن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال ابن شهاب: [وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول آمين] رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قال القارئ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الإمام جُنَّة فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإذا وافق قول أهل الأرض قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم.

رابعا: المشي إلى المساجد:

رابعاً: المشي إلى المساجد: وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني: صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) رواه مسلم. ورواه ابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري إلا أنهما قالا فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) رواه ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عنه. وقال الألباني: صحيح. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتاني الليلة آت من ربي قال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في

خامسا: المحافظة على صلاة الجمعة:

الكفارات والدرجات ونقل الأقدام للجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح. خامساً: المحافظة على صلاة الجمعة: عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجْتَنبَ الكبائر) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع فأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا) رواه مسلم. وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله عز وجل قال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه الطبراني في الكبير وقال الألباني: صحيح. وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له ولم يؤذ أحداً ثم

أنصت حتى يصلي كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى) رواه أحمد والطبراني وابن حزيمة في صحيحه ورواة أحمد ثقات. وقال الألباني: صحيح. وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري. وفي رواية للنسائي: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة). ورواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن نحو رواية النسائي وقال في آخره: (إلا كان كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى ما اجتنبت المقتلة وذلك الدهر كله) قال الألباني: صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن) رواه مسلم.

سادسا: صيام نهار رمضان وقيام ليله وقيام ليلة القدر:

سادساً: صيام نهار رمضان وقيام ليله وقيام ليلة القدر: عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر على ذلك) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم. سابعاً: صيام عاشوراء: عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صومه قال: فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر - رضي الله عنهم -: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً وببيعتنا بيعةً، قال فسئل عن صيام الدهر فقال: لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر، قال فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم، قال: ومن يطيق ذلك، قال وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين

ثامنا: صيام يوم عرفه:

قال: ليت أن الله قوَّانا لذلك قال، وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم، قال: ذاك صوم أخي داود عليه السلام، قال وسئل عن صوم يوم الإثنين، قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه، قال فقال صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر، قال وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال: يكفر السنة الماضية والباقية قال وسئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية) رواه مسلم. ثامناً: صيام يوم عرفه: وقد سبق في أبي قتادة - رضي الله عنهم - قوله - صلى الله عليه وسلم - صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكَفِّرَ السنة التي قبله والسنة التي بعده) رواه مسلم. تاسعاً: الحج والعمرة: عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) رواه البخاري ومسلم.

عاشرا: الصدقة:

وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الترمذي ثم قال: حديث حسن صحيح. عاشراً: الصدقة: وقد سبق في حديث حذيفة - رضي الله عنهم - قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة) رواه البخاري ومسلم. أحد عشر: الحمدُ بعد الطعام: عن أنس - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أكل طعاماً ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب.

ثاني عشر: المرض والتعب:

ثاني عشر: المرض والتعب: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه) رواه البخاري. هذه هي أهم الخصال المكفرة للذنوب، وهنالك خصال أخرى ذكرت في السنة النبوية.

المبحث الثاني كلام أهل العلم على الأحاديث السابقة

المبحث الثاني كلام أهل العلم على الأحاديث السابقة يؤخذ من هذه الأحاديث أن الأعمال الصالحة المذكورة تكفر الذنوب والخطايا، إلا أن أهل العلم قد اختلفوا في دخول الكبائر ضمن ما تكفره الأعمال الصالحة على قولين: القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب، وأما الكبائر فلا تُكَفَّر بمجرد فعل الأعمال الصالحة، بل لا بد من التوبة بشروطها حتى تُكَفَّر. نيل الأوطار 3/ 57. قال القاضي عياض: [هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله] شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 446. وانظر نيل الأوطار 3/ 57. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى) عارضة الأحوذي 1/ 13.

وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقال بعض المنتمين إلى العلم من أهل عصرنا: إن الكبائر والصغائر يكفرها الصلاة والطهارة واحتج بظاهر حديث الصنابجي هذا وبمثله من الآثار وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فما ترون ذلك يبقى من ذنوبه)، وما أشبه ذلك. هذا جهل بيِّن ومواقفه للمرجئة فيما ذهبوا إليه من ذلك، وكيف يجوز لذي لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها، وهو يسمع قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) سورة التحريم الآية 8، وقوله تبارك وتعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31 في آي كثير من كتابه. ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرة للكبائر والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه الموبق ولا قاصد إليه ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى، ولكان كل من توضأ وصلى يُشهَدُ له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح. وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح أداء شيء منها إلا بقصد ونية واعتقاد أن لا عودة، فأما أن يصلي وهو

غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك فمحال وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الندم توبة)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن من الخطايا ما لم تغش الكبائر). وعن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما لمن اجتنب الكبائر). وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: [الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر]. عن طارق بن شهاب سمع سلمان الفارسي - رضي الله عنهم - يقول: [حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارة هذه الجراح ما لم تصب المقتلة]. عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أحدثكم عن يوم الجمعة؟ لا يتطهر رجل ثم يأتي يوم الجمعة فيجلس وينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت له كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة ما اجتنبت الكبائر). عن سلمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أحدثك عن يوم الجمعة؟ من تطهر وأتى الجمعة حتى يقضي الإمام صلاته كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها ما اجتنبت المقتلة).

وهذا يبين لك ما ذكرنا ويوضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات الخمس لمن اجتنب الكبائر فيكون على هذا معنى قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31 الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض وأعمال البر، وإن لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا منها لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات والله أعلم. وهذا كله قبل الموت فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فبجرمه وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة وإن تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب، وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين، ولو تدبر هذا القائل الحديث الذي فيه ذكر خروج الخطايا من فمه وأنفه ويديه ورجليه ورأسه، لعلم أنها الصغائر في الأغلب ولعلم أنها معفو عنها بترك الكبائر دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (العينان تزنيان واليدان تزنيان والفم يزني ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه) يريد والله أعلم أن الفرج بعمله يوجب المهلكة وما لم يكن ذلك فأعمال البر يغسلن ذلك كله وقد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل وخشيت أن يغتر به جاهل فينهمك في الموبقات اتكالاً على

أنها تكفرها الصلوات الخمس ودون الندم عليها والاستغفار والتوبة منها والله أعلم ونسأله العصمة والتوفيق] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام مالك 1/ 354 - 357. وقال ابن رجب الحنبلي: [وقد اختلف الناس في مسألتين: إحداهما هل تكفر الأعمال الصالحة الكبائر والصغائر؟ أم لا تكفر سوى الصغائر؟ منهم من قال: لا تكفر سوى الصغائر. وقد روي هذا عن عطاء وغيره من السلف في الوضوء أنه يكفر الصغائر. وقال سلمان الفارسي في الوضوء: [إنه يكفر الجراحات الصغار والمشي إلى المسجد يكفر أكبر من ذلك والصلاة تكفر أكبر من ذلك] خرَّجه محمد بن نصر المروزي. وأما الكبائر فلا بد لها من التوبة، لأن الله أمر العباد بالتوبة، وجعل من لم يتب ظالماً، واتفقت الأمة على أن التوبة فرض، والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد، ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة وأداء بقية أركان الإسلام، لم يحتج إلى التوبة، وهذا باطل بالإجماع. وأيضاً فلو كفرت الكبائر بفعل الفرائض، لم يبق لأحدٍ ذنبٌ يدخل به النار إذا أتى بالفرائض، وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل، هذا ما ذكره ابن عبد البر في كتابه التمهيد، وحكى إجماع المسلمين على

ذلك، واستدل عليه بأحاديث: منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وهو مخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن الكبائر لا تكفرها هذه الفرائض. وقد حكى ابن عطية في تفسيره في معنى هذا الحديث قولين: أحدهما عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر، فإن لم يجتنب لم تكفر هذه الفرائض شيئاً بالكلية، والثاني: أنها تكفر الصغائر مطلقاً ولا تكفر الكبائر إن وجدت، لكن يشترط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها. ورجَّح هذا القول وحكاه عن الحذَّاق. وقوله: بشرط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها، مراده أنه إذا أصر عليها صارت كبيرة فلم تكفرها الأعمال. والقول الأول الذي حكاه غريب مع أنه قد حُكي عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا مثله. وفي صحيح مسلم عن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله). وفي مسند الإمام أحمد عن سلمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يتطهر

الرجل - يعني يوم الجمعة - فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كان كفارة ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت الكبائر المقتلة). وخرَّج النسائي وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له ادخل بسلام). وخرَّج الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه أيضاً. وخرَّج الحاكم معناه من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويروى من حديث ابن عمر مرفوعاً: (يقول الله عز وجل: ابن آدم اذكرني من أول النهار ساعة ومن آخر النهار ساعة أغفر لك ما بين ذلك إلا الكبائر أو تتوب منها). وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: [الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر]. وقال سلمان - رضي الله عنه -: [حافظوا على الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجوارح ما لم تصب المقتلة]. وقال ابن عمر - رضي الله عنه - لرجل:

[أتخاف النار أن تدخلها وتحب الجنة أن تدخلها؟ قال: نعم. قال: برَّ أمك فوالله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر]. وقال قتادة: [إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر وذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا)] جامع العلوم والحكم ص214 - 215. وقال الزركشي: [وأما ما ورد من إطلاق غفران الذنوب جميعها على فعل بعض الطاعات من غير توبة لحديث (الوضوء يكفر الذنوب) وحديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) (ومن صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) (ومن حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ونحوه، فحملوه على الصغائر، فان الكبائر لا يكفرها غير التوبة]. المنثور 1/ 415 - 416. وقال ابن مفلح: [وتكفر طهارة وصلاة ورمضان وعرفة وعاشوراء الصغائر فقط، قال شيخنا وكذا حج، لأن الصلاة ورمضان أعظم منه ... ] الفروع 6/ 183 - 184.

وقال أبو الحسن المالكي: [والمراد بالذنوب التي يكفرها القيام الصغائر التي بينه وبين ربه، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة] كفاية الطالب 1/ 579. وقال الزرقاني: [ثم هذا مخصوص بالصغائر كما صرح به في أحاديث أخر، قال الحافظ ظاهره يعم الكبائر والصغائر، لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيداً باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا الكبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك] شرح الزرقاني 1/ 99. وقال الزرقاني أيضاً: [وخص العلماء هذا ونحوه من الأحاديث التي فيها غفران الذنوب بالصغائر، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، لحديث الصحيحين (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر) فجعلوا التقييد في هذا الحديث مقيداً للإطلاق في غيره] شرح الزرقاني 1/ 104. وقال الشيخ أحمد النفراوي المالكي: [في الصحيحين وفي الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيماناً واحتساباً

غفر له ما تقدم من ذنبه) والمراد ذنوبه الصغائر، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله]. الفواكه الدواني 1/ 317. وقال الشيخ أحمد النفراوي المالكي أيضاً: [وأما الكبائر المفعولة في تلك المدة، فلا يكفرها إلا التوبة أو محض العفو] الفواكه الدواني 1/ 77. وجاء في المعيار المعرب: [وسئل بما نصه سيدنا الشيخ حجة الإسلام أبو محمد عبد العزيز الفضل في أن يبين ما جهله بعض الفقهاء من جوابه للسائل: هل تسقط عن الحاج حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين أم لا؟ فأجاب: بأن ذلك لا يسقط فقال المعترض: أما حقوق الآدميين فلا تسقط وأما حقوق الله تعالى فالله يغفرها فإن هذا سدَّ بابَ الرحمة عن العباد وذلك يؤدي إلى أن لا يحج أحد. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وذكر حديث يوم عرفة وتجاوز الله فيه عن الذنوب العظام، وأن الله يسامح عباده في حقوقه بخلاف حقوق العباد وقال: بدليل أنه أسقط عن العبد الجمعة، لأنه في خدمة سيده. وبدليل الحديث: (إن الظلم ثلاث: ظلم لا يغفره الله تعالى، وظلم لا يتركه الله، وظلم لا يعبأ به. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فهو الشرك وأما الظلم الذي لا

يتركه الله فهو ظلم العباد بعضهم لبعض وأما الظلم الذي لا يعبأ به فظلم العبد بينه وبين الله تعالى). فأجاب: هذا المعترض جاهلٌ لا يفرق بين حقوق الله تعالى المقربة إليه الموجبة لثوابه وبين معصية الله المبعدة منه الموجبة لعقابه فإن حقوق الله تعالى هي الإيمان والإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والصدقات والكفارات وأنواع العبادات قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (حق الله عز وجل على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة). وأما الذنوب فهي مخالفة الله تعالى ومعصيته فالحج يسقط ذنوب المخالفة ولا يسقط حقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة وأشباههما. فما أجهل من جعل طاعة الله وإجابته ذنوباً تغفر وإنما المغفور المخالفة لا عين الحقوق فمن ترك الصلاة أو الزكاة أو غيرهما من الحقوق فالحج يكفر عنه إثم التأخير لأنه هو الذنب وأما إسقاطه لما استقر في الذمة من صلاة أو زكاة أو نذر فهذا خلاف إجماع المسلمين وحسبه بجهل من يخالف إجماع المسلمين. ثم يزعم أن ذكر ما أجمعوا عليه سد لباب رحمة الله تعالى عن عباده منفر عن الحج ولو عرف هذا الغبي أن ذكر ما أجمع عليه المسلمون ليس بمنفر بل هو موجب للمحافظ على حقوق الله تعالى والخوف

والوجل اللازم عن معصية الله تعالى ما زعم أنه تنفير ولو أفتى أحد من أهل الفتيا بأن الحج يسقط شيئاً من حقوق الله تعالى ثم يحج إسقاطاً لجميع حقوق الله تعالى فالذي يوجبه الحج الذي اجتنب فيه الرفث والفسوق، إنما هو إسقاط المعاصي والمخالفات وليست حقوق الله تعالى معصية ولا مخالفة حتى تندرج في الحديث فيخرج من هذا وجوب تعزير هذا الجاهل المحرف لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صريحه وما افتراه على ذلك حتى قال من زعم أن الحقوق لا تسقط بالحج كان مؤيساً للناس من الرحمة ويلزمها أن يكون المسلمون قد سدوا باب الرحمة لإجماعهم أن الحج لا يسقط حقوق الله تعالى فمن أخر الكفارات أو النذر أو الصلاة أو الزكاة أو الصوم على أوقاتها التي أوجبها الله تعالى فيها كان عاصياً بمجرد التأخير فتلك المعصية هي التي يكفرها الحج المبرور. وأما إسقاط تلك الحقوق بالحج فهذا شيء لم ينقله أحد من أهل العلم وأضرها على المسلمين جاهل مثل هذا يقول ما لم يقله أحد من أهل الإسلام ثم يفتي أن ذكر ما أجمع عليه المسلمون سد لباب رحمة الله تعالى: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) سورة المجادلة الآية 18] المعيار المعرب 11/ 87 - 89.

وقال الزركشي: [وقال المحب الطبري في أحكامه اختلف العلماء في أن تكفير الصغائر بالعبادات هل هو مشروط باجتناب الكبائر على قولين: أحدهما نعم وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - ما اجتنب الكبائر وظاهرة الشرطية فإذا اجتنت كانت مكفرات لها وإلا فلا]. وذكر ابن عطية في تفسيره أن هذا قول الجمهور وقال بعضهم لا يشترط والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء والتقدير مكفرات ما بينهن الا الكبائر قال وهذا أظهر لمطلق حديث خروج الخطايا من أعضاء الوضوء مع قطر الماء. واختلفوا في أن التكفير هل يشترط في التوبة ولعل الخلاف مبني على التأويلين فمن جعل اجتناب الكبائر شرطاً في تكفير الصغائر لم يشترط التوبة وجعل هذه خصوصية لمجتنب الكبائر ومن لم يشترطه اشترط التوبة وعدم الإصرار ويدل عليه حديث الذي قبل المرأة ثم ندم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة العصر كفرت عنه وكان الندم قد تقدم منه والندم توبة لكن ظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن التكفير كان بنفس الصلاة فان التوبة بمجردها تجب ما قبلها فلو اشترطناها مع العبادات لم تكن العبادات مكفرة وقد ثبت أنها مكفرات فسقط اعتبار التوبة معها.

والحاصل أن قوله ما اجتنبت الكبائر هل هو قيد في التكفير حتى لو كان مصراً على الكبائر لم يغفر له شيء من الصغائر أو هو قيد التعميم أي تعميم المغفرة فعلى هذا تغفر الصغائر وإن ارتكب الكبائر والأقرب الثاني وإلا لم يكن لذلك تأثير في التكفير لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر بدليل قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ). قال صاحب الإحياء: واجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والإرادة ... ] المنثور 1/ 418 - 420. القول الثاني: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب مطلقاً أي الصغائر والكبائر وهو قول ابن المنذر وابن حزم وجماعة من أهل العلم المتقدمين وبه قال العلامة الألباني والشيخ أحمد البنا من المتأخرين. قال ابن رجب الحنبلي: [وذهب قوم من أهل الحديث وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر ومنهم ابن حزم الظاهري وإياه عنى ابن عبد البر في كتاب التمهيد بالرد عليه وقال: قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل وخشيت أن يغتر به

جاهل فينهمك في الموبقات اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة والله أسأله العصمة والتوفيق. قلت: وقد وقع مثل هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه ووقع مثله في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر قال: يرجى لمن قامها أن يغفر له جميع ذنوبه كبيرها وصغيرها] جامع العلوم والحكم ص 215. وقال الحافظ ابن حجر: [قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رجع كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري] فتح الباري 3/ 482. وقال الزركشي: [ونازع في ذلك صاحب الذخائر: وقال فضل الله أوسع وكذلك قال ابن المنذر في الإشراف في كتاب الاعتكاف في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) قال: يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها. وحكاه ابن عبد البر في التمهيد عن بعض المعاصرين له، قيل يريد به أبا محمد الأصيلي المحدث إن الصغائر والكبائر يكفرها الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث] المنثور 1/ 417 - 418

وقال ابن مفلح: [ ... ونقل المروزي: بر الوالدين كفارة للكبائر، وفي الصحيحين أو الصحيح (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، قال ابن هبيرة: [فيه إشارة إلى أن كبار الطاعات يكفر الله ما بينهما لأنه لم يقل كفارة لصغار ذنوبه بل إطلاقه يتناول الصغائر والكبائر قال: وقوله (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أي زادت قيمته فلم يقاومه شيء من الدنيا. وقوله (فلم يرفث ولم يفسق) أي أيام الحج فيرجع ولا ذنب له وبقي حجه فاضلاً له لأن الحسنات يذهبن السيئات] الفروع 6/ 183 - 184. وقال الشوكاني: [إن الحسنات يذهبن السيئات، أي إن الحسنات على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم، وقيل المراد بالسيئات الصغائر، ومعنى يذهبن السيئات يكفرنها حتى كأنها لم تكن] تفسير فتح القدير 2/ 532. وقال المباركفوري: [وتمسك بظاهر قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) المرجئة وقالوا إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة]. تحفة الأحوذي 8/ 425. وقال الشيخ الألباني: [قال الإمام النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن

كبيرة فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الحديث يأباه. قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله والله أعلم. قلت - أي الألباني -: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله (هل يبقى من درنه شيء؟) كما هو ظاهر، فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرن الصغير فلا يبقى منه شيء وأما الدرن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر كما لا يخفى. وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وسيأتي إن شاء الله تعالى. فالذي يبدو لي والله أعلم أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعاً وفيها الكبائر بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر ولعله مما يؤيد هذا قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31. فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بها

على فضيلة اجتناب الكبائر ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكفر الكبائر والله تعالى أعلم. ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا فإن الفضيلة المذكورة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة وأتمها وأحسن أدائها كما أمر وهذا صريح في حديث عقبة المتقدم: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل). وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته وليس بما نستحقه من أعمالنا] صحيح الترغيب والترهيب ص140 - 141. وقال الشيخ أحمد البنا: [قلت ظاهر الحديث يدل على غفران الذنوب التي قبل الحج كلها صغيرها وكبيرها مطلقاً وفضل الله واسع ويؤيد ذلك ما جاء في صحيح مسلم في كتاب الإيمان في (باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والهجرة) من حديث عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله الحديث) ومعنى يهدم ما كان قبله أي يسقطه ويمحو أثره] الفتح الرباني 11/ 7.

وقال الشيخ أحمد البنا أيضاً: [أحاديث الباب مع الزوائد تدل على فضل الحج والعمرة وأنهما يمحوان الذنوب كلها صغيرها وكبيرها إذا حسنت النية وتمحض الإخلاص لله عز وجل وتقدم الكلام في الشرح على ما قاله العلماء في ذلك. وحديث العباس بن مرداس الذي أشار إليه الحافظ (في الكلام على قوله في حديث أبي هريرة رجع كهيئته يوم ولدته أمه) رواه ابن ماجة عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لأمته عشية عرفة، فأجيب أني قد غفرت لهم ما خلا الظالم فإني آخذ للمظلوم منه قال: أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم، فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل، قال فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك؟ أضحك الله سنك. قال: إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه) وأورده المنذري أيضاً وقال رواه البيهقي من حديث ابن كنانة بن العباس بن مرداس ولم يسمه عن أبيه عن جده عباس ثم قال: وهذا الحديث له

شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث. فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإن لم يصح فقد قال تعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وظلم بعضهم بعضاً دون الشرك] الفتح الرباني 11/ 13 - 14. قلت: وحديث عباس بن مرداس السابق رواه ابن ماجة 2/ 1002 والبيهقي في شعب الإيمان حديث رقم 346 وذكره المنذري في الترغيب والترهيب. وهو حديث ضعيف، قال في الزوائد: في إسناده عبد الله بن كنانة، قال البخاري: لم يصح حديثه ولم أرَ من تكلم فيه بجرح ولا توثيق. الزوائد بهامش سنن ابن ماجة 2/ 1002. وقال الشيخ الألباني: إنه حديث ضعيف، انظر ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 368. القول الراجح: وبعد هذا العرض لكلام أهل العلم في هذه المسألة يظهر لي رجحان قول من قال إن الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب دون كبائرها وأنه لا بد من التوبة بشروطها من الكبيرة حتى تكفر. قال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم

خمساً ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا). قال الحافظ ابن حجر: [وظاهره أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعمّ من الصغيرة والكبيرة، لكن قال ابن بطال: يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة، لأنه شبه الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخراجات انتهى. وهو مبني على أن المراد بالدرن في الحديث الحب والظاهر أن المراد به الوسخ لأنه هو الذي يناسبه الاغتسال والتنظف. وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري التصريح بذلك وهو فيما أخرجه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أرأيت لو أن رجلاً كان له معتمل وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق فكلما مرَّ بنهر اغتسل منه) الحديث. ولهذا قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب وهو مشكل لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: (الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر) فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره] فتح الباري 2/ 17.

وقال الحافظ أيضاً في شرحه لحديث سلمان - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى). ما نصه: [ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد وذلك أن معنى قوله: (ما لم تغش الكبائر) أي فإنها إذا غشيت لا تكفر وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر. إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفر رجي له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر وإلا أعطي من الثواب بمقدار ذلك وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك والله أعلم] فتح الباري 2/ 479. وقال الحافظ ابن حجر أيضاً: [وتمسك بظاهر قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود الآية 114 المرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح: (إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر) فقال طائفة: إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات

كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئاً] فتح الباري 8/ 453. وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المحدث: [(وقوله إذا اجتنبت الكبائر) يدل على أن الكبائر إنما تغفر بالتوبة المعبر عنها بالاجتناب في قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) سورة النساء الآية 31. وقد تقدم القول في الكبائر ما هي فقوله: (حتى يخرج نقياً من الذنوب) يعني به: الصغائر ولا بُعدَ في أن يكون بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص بالقلب ويراعيه من الإحسان والأدب وذلك فضل له يؤتيه من يشاء] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 1/ 492. وقال الإمام ابن العربي المالكي: [الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)] عارضة الأحوذي 1/ 13. وقال ابن رجب الحنبلي: [والأظهر والله أعلم في هذه المسألة: أعني مسألة تكفير الكبائر بالأعمال إن أريد أن الكبائر تمحى بمجرد الإتيان بالفرائض وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تكفر الصغائر باجتناب الكبائر فهذا باطل وإن أريد أنه قد يوازن يوم القيامة بين الكبائر وبين بعض

الأعمال فتمحى الكبيرة بما يقابلها من العمل ويسقط العمل فلا يبقى له ثواب فهذا قد يقع. وقد تقدم عن ابن عمر أنه لما أعتق مملوكه الذي ضربه قال: ليس لي فيه من الأجر شيء، حيث كان كفارة لذنبه ولم يكن ذنبه من الكبائر فكيف بما كان من الأعمال مكفراً للكبائر. وسبق أيضاً قول من قال من السلف: إن السيئة تمحى ويسقط نظيرها حسنة من الحسنات التي هي ثواب العمل، فإذا كان هذا في الصغائر فكيف بالكبائر؟ فإن بعض الكبائر قد يحبط بعض الأعمال المنافية لها كما يبطل المن والأذى الصدقة، وتبطل المعاملة بالربى الجهاد كما قالت عائشة. وقال حذيفة: قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. وروي عنه مرفوعاً، خرَّجه البزار في مسنده والحاكم من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يؤتى بحسنات العبد وسيئاته يوم القيامة فيقص ويقضى بها بعضها من بعض فإن بقيت له حسنة وسع له بها في الجنة). وخرَّج ابن أبي حاتم من حديث ابن لهيعة قال: حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله عز وجل: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) سورة الزلزلة آية 7. قال: كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه فيجيء المسكين فيستقلون أن

يعطوه تمرة وكسرة وجوزة ونحو ذلك فيردونه ويقولون: ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما يعطى ونحن نحبه وكانوا يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير مثل الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون إنما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم الله في القليل من الخير أن يعمله فإنه يوشك أن يكثر وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر فنزلت: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) يعني ذرة أصغر النمل (خَيْرًا يَرَهُ) يعني في كتابه ويسره ذلك قال يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة واحدة سيئة وبكل حسنة عشر حسنات فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمن أيضاً بكل واحدة عشراً فيمحو عنهم بكل حسنة عشر سيئات فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة. وظاهر هذا أنه يقع المقاصة بين الحسنات والسيئات ثم يسقط الحسنات المقابلة للسيئات وينظر إلى ما يفضل منها بعد المقاصة. وهذا يوافق قول من قال: بأن من رجحت حسناته على سيئاته بحسنة واحدة أثيب بتلك الحسنة خاصة وتسقط باقي حسناته في مقابلة سيئاته خلافاً لمن قال: يثاب بالجميع وتسقط سيئاته كأنها لم تكن وهذا في الكبائر. أما الصغائر فإنه قد تمحى بالأعمال الصالحة مع بقاء ثوابها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أدلكم على ما يمحق الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟

إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة) فأثبت لهذه الأعمال تكفير الخطايا ورفع الدرجات. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له مائة مرة كتب الله له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له عدل عشر رقاب) فهذا يدل على أن الذكر يمحو السيئات ويبقى ثوابه لعامله ومضاعفاً وكذلك سيئات التائب توبة نصوحاً تكفر عنه وتبقى له حسناته كما قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) سورة الأحقاف الآيات 15 - 16. وقال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الزمر الآيات 33 - 35. فلما وصف هؤلاء بالتقوى والإحسان دل على

أنهم ليسوا بمصرين على الذنوب بل تائبون منها. وقوله: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) يدخل فيه الكبائر لأنها أسوأ الأعمال. وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) سورة الطلاق آية 5، فرتب على التقوى المتضمنة لفعل الواجبات وترك المحرمات تكفير السيئات وتعظيم الأجر وأخبر الله عن المؤمنين المتفكرين في خلق السموات والأرض أنهم قالوا: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) سورة آل عمران الآية 193، فأخبر أنه استجاب لهم ذلك وأنه كفر عنهم سيئاتهم وأدخلهم الجنات. وقوله: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) فخص الله الذنوب بالمغفرة والسيئات بالتكفير فقد يقال: السيئات تخص الصغائر والذنوب يراد بها الكبائر فالسيئات تكفر لأن الله جعل لها كفارات في الدنيا شرعية وقدرية والذنوب تحتاج إلى مغفرة تقي صاحبها من شرها أو المغفرة والتكفير يتقاربان فإن المغفرة قد قيل إنها ستر الذنوب وقيل: وقاية شر الذنوب مع سترها. ولهذا يسمى ما ستر الرأس ووقاه في الحرب مِغفراً ولا يسمى كل ساتر للرأس مِغفراً وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم يدعون للمؤمنين التائبين

بالمغفرة ووقاية السيئات والتكفير من هذا الجنس لأن أصل الكفر الستر والتغطية أيضاً] جامع العلوم والحكم ص221 - 223.

المبحث الثالث تكفير الحج للذنوب وكلام أهل العلم في ذلك

المبحث الثالث تكفير الحج للذنوب وكلام أهل العلم في ذلك بعد أن استعرضت أقوال أهل العلم في بيان المراد بالذنوب التي تكفرها الأعمال الصالحة أذكر ما قالوه على وجه الخصوص في تكفير الحج للذنوب حيث إن هذه المسألة هي موضوع السؤال والجواب المذكورين في المخطوطة للخطيب الشربيني كما سيأتي: فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري. وعنه أيضاً قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الترمذي ثم قال: حديث حسن صحيح. وغير ذلك من الأحاديث. فهل الحج يكفر كل الذنوب الصغائر والكبائر؟ وهل يدخل في ذلك حقوق العباد؟ هذه الأحاديث ونحوها من العام المخصوص على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن الحج وغيره من الطاعات كالوضوء والصلاة والعمرة تكفر صغائر الذنوب دون كبائرها ولا أثر للطاعات في إسقاط حقوق العباد

فلا بد من رد الحقوق لأصحابها ولا بد للمسلم من التوبة الصادقة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) سورة التحريم الآية 8. وقال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة النور الآية 31. قال الخطيب الشربيني: [إنه يكفر الصغائر مطلقاً، وأما الكبائر المتعلقة بالآدمي فإن كانت مالية كدين فلا يكفر بل لا بد من وفاء دينه لما ورد (أن نفس المؤمن تحبس عن مقامها حتى يوفى في دينه) نعم: إن كان معسراً وكان في عزمه أن يوفيه إذا قدر عليه ومات كذلك فإن هذا يكفر ويرضي الله تعالى عنه خصمه. وأما ما يتعلق بغيبته ولم تبلغ صاحبها ولم يتب فإنها تكفر بذلك. وأما إذا بلغت صاحبها فلا تكفر إلا بتحليله. وأما الكبائر المتعلقة بحق الله تعالى فإن كان صلاة أو صوماً، فإنه يجب عليه قضاؤه ولا يكفر وإذا كان كتأخير لصلاة عن وقتها بغير عذر والصوم فهذا يكفر. وأما الزنى واللواط، فإن ثبت عند حاكم بالشهادة فلا يكفر إلا بإقامة الحد عليه.

والحديث المذكور عام مخصوص فلا يمنع ما ذكر والله تعالى أعلم]. النص من المخطوطة وستأتي. وقال ابن نجيم الحنفي: [فالحاصل أن المسألة ظنية وأن الحج لا يقطع فيه بتكفير الكبائر من حقوق الله تعالى فضلا عن حقوق العباد وإن قلنا بالتكفير للكل فليس معناه كما يتوهمه كثير من الناس أن الدين يسقط عنه، وكذا قضاء الصلوات والصيامات والزكاة، إذ لم يقل أحد بذلك، وإنما المراد أن إثم مطل الدين وتأخيره يسقط ثم بعد الوقوف بعرفة إذا مطل صار آثما الآن، وكذا إثم تأخير الصلاة عن أوقاتها يرتفع بالحج لا القضاء ثم بعد الوقوف بعرفة يطالب بالقضاء فإن لم يفعل كان آثما على القول بفوريته، وكذا البقية على هذا القياس، وبالجملة فلم يقل أحد بمقتضى عموم الأحاديث الواردة في الحج كما لا يخفى]. البحر الرائق 2/ 364. وقال ابن نجيم أيضاً: [فإن الهجرة والحج لا يكفران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر وإنما يكفران الصغائر]. المصدر السابق. وقال الشيخ أحمد النفراوي المالكي: [ ... ما ورد في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) والرفث الجماع، وقيل الفحش من القول والفسوق المعاصي وفي الصحيحين أيضاً عنه عليه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). قال الحافظ: الحج المبرور الذي لم يتعمد فيه صاحبه معصية وقال عياض هو الذي لم يخالطه شيء من المأثم ... ومن علامات القبول أن يزداد الشخص بعد فعله خيراً. وقوله (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، قال الحافظ ابن حجر: أي صار بلا ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات. وقال الأبي قال القرطبي: أما الحج والعمرة فلا يهدمان إلا الصغائر وفي هدمهما للكبائر نظر، قال الأبي قلت: الأظهر هدمها ذلك. وذكر القرافي أن الذي يسقطه الحج إثم مخالفة الله تعالى، فإن التشبيه بيوم الولادة يقتضي سقوط تبعات العباد وقضاء الصلوات والكفارت وليس كذلك. وأجاب بأن لفظ الذنوب لا يتناولها لأن حقوق الله وحقوق عباده في الذمة ليست ذنباً وإنما الذنب المطل فيه فيتوقف حق الآدمي على إسقاط صاحبه فالذي يسقطه الحج إثم مخالفة الله فقط وإيضاح ذلك أن الأعيان المغصوبة ليست ذنباً وإنما الذنب أخذها من مالكها بغير اختياره وحبسها عنه وكذا أعيان الصلوات والزكوات ليست ذنوباً وإنما الذنب تأخيرها عن وقتها والحاصل أن الحج يسقط الصغائر اتفاقاً وكذا الكبائر على ما قاله

الحافظ والأبي. وأما التبعات كالغيبة والقذف والقتل فعند الحافظ تسقط وعند القرافي لا تسقط. وأما الصلوات المترتبة في الذمة والكفارات والديون والودائع ونحوها من الأعيان المستحقة للغير فلا تسقط بالحج ولا غيره بإجماع الشيوخ نعم إذا عجز عن استحلال المستحق لموته أو للخوف منه فليلجأ إلى الله تعالى فإنه يرجى من كرمه أن يرضى خصمه عنه يوم القيامة] الفواكه الدواني 1/ 375. وانظر حاشية العدوي 1/ 709. وجاء في فتاوى الرملي: [سئل عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الحج: (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) هل المراد به غفران كل الذنوب حتى التبعات أم غير ذلك؟ أفتونا في ذلك بأقوال العلماء معزوة، وهل ما في فتاوى الشيخ زكريا في ذلك معتمد أم لا؟ فأجاب: بأن المراد غفران الذنوب صغائرها وكبائرها حتى التبعات ففي خبر رواه الطبراني في الكبير والبزار وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر: (وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة فيقول عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها أفيضوا مغفوراً لكم وأما رميك الجمار فلك بكل

حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات وأما طوافك بالبيت فإن تطوف ولا ذنب عليك يأتي ملك فيضع يديه بين كتفيك فيقول اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك فيما مضى) ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: (وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل يقول لملائكته يا ملائكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاءوك يلتمسون رضوانك والجنة فيقول الله عز وجل: فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد رمل عالج) ورواه أبو القاسم الأصبهاني بلفظ: (وأما وقوفك بعرفات فإن الله تعالى يطلع على أهل عرفات فيقول: عبادي أتوني شعثاً غبراً أتوني من كل فج عميق فيباهي بكم الملائكة فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج ونجوم السماء وقطر البحر والمطر لغفر الله لك). وقال الزركشي والدماميني بعد ذلك الحديث هذا يقتضي أنه تغفر الصغائر والكبائر. وقال شيخ الإسلام ابن حجر: وقوله (رجع كيوم ولدته أمه) أي بغير ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث عباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري أهـ.

وحديث عباس بن مرداس أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأجابه الله عز وجل: أن قد فعلت وغفرت لأمتك إلا من ظلم بعضهم بعضاً فقال: يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب المظلوم خيراً من مظلمته فلم يكن تلك العشية فلما كان من الغد دعا غداة المزدلفة فعاد يدعو لأمته فلم يلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تبسم فقال بعض أصحابه: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ضحكت في ساعة لم تكن تضحك فيها فما أضحكك أضحك الله سنك؟ قال: تبسمت من عدو الله إبليس حين علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي وغفر المظالم أهوى يدعو بالثبور والويل ويحثو التراب على رأسه فتبسمت مما يصنع من جزعه) وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في السنن الكبرى وأخرجه ابن عدي وفيه: (أنك قادر أن تثيب المظلوم وتغفر لهذا الظالم فأجابه الله عز وجل: أن قد فعلت) وأخرجه أبو داود في السنن وسكت عليه فهو صالح عنده وأخرجه ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين من طرق وقال البيهقي هذا الحديث له شواهد كثيرة قد ذكرناها في كتاب البعث أهـ.

وجاء أيضاً عن عبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وزيد جد عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد. وقال الكرماني بعد ذلك الحديث فإن قلت: هل هو عام في جميع الذنوب؟ قلت: هو عام في جميع ما يتعلق بحق الله تعالى لأن مظالم الناس تحتاج إلى استرضاء الخصوم أهـ. ويمكن رجوعه إلى ما قدمناه بمعنى أن حقوق الناس لا تسقط به بل يعوضهم الله عز وجل من الجنة. وقال شيخنا شيخ الإسلام زكريا في فتاويه: ظاهر الحديث أنه يغفر له بذلك الصغائر والكبائر وقد جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث، لكن الأوجه حمله على غير الكبائر المتعلقة بالآدمي وحاصله أن الراجح أن المكفر بهذه الأمور الصغائر دون الكبائر وهو وإن كان عاماً فيها مخصوص بغير الحج المذكور لما تقدم فيه من الأدلة أو أنه حكم على مجموعها فلا ينافي ما قررناه من تكفير الحج المذكور لجميع الذنوب صغائرها وكبائرها حتى التبعات] فتاوى الرملي 2/ 81 - 86. وجاء في فتوى صادرة عن مركز الفتوى في موقع وزارة الأوقاف القطرية على شبكة الإنترنت ما يلي:

[وكذلك جاء في الأحاديث الصحيحة أن إسباغ الوضوء على المكاره، ونقل الخطا إلى المساجد، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان وقيامه، وقيام ليلة القدر، وصيام عاشوراء وغيرها من الطاعات أنها كفارات للسيئات والخطايا، وأكثر تلك الأحاديث فيها تقييد ذلك باجتناب الكبائر وعليه يحمل المطلق منها فيكون اجتناب الكبائر شرطاً في تكفير الصغائر بالحسنات وبدونها]. وقال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: [يجب العلم أن الحج لا يكفر الذنوب التي لم يتب منها صاحبها فالمقيم على ذنب ما لم يتب منه، وهو مستمر فيه، فإن الحج لا يكفر ذنبه، وإنما الحج كفارة وأجر للعبد التائب إلى الله الراجع إليه، الراجي رحمته وعفوه، والذي أقلع عن ذنوبه الكبار إقلاعاً لا رجعة بعده. والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم رحمه الله بإسناده إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - قال: قال أناس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟! قال - صلى الله عليه وسلم -: أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام.

وفي رواية أخرى: قلنا يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر. هذا مع بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإسلام يهدم ما قبله كما في حديث مسلم أيضاً أن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - قال: [ ... فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك فبسط - صلى الله عليه وسلم - يمينه. قال: فقبضت يدي. قال - صلى الله عليه وسلم -: ما بالك يا عمر قال قلت: أردت أن اشترط. قال - صلى الله عليه وسلم -: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغْفر لي. قال - صلى الله عليه وسلم -: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله. انتهى فمع أن الإسلام يهدم ما كان قبله إلا أن من أساء في الإسلام جوزي بعمله السيئ في الإسلام، وما كان قبل الإسلام. فمن كان يشرب الخمر مثلاً ويزني في جاهليته، وحال كفره، فإنه إن دخل في الإسلام حط الله عنه وغفر له ما كان قد سلف منه من هذه المعاصي، ولكنه إن عاد إلى الزنا وشرب الخمر في الإسلام جوزي بعمله الأول والآخر، وكذلك الحال فيمن له معاصٍ لم يتب منها قبل الحج فإن الحج يهدم ما كان من هذه المعاصي إلا أن يكون هذا الحاج مقيماً على معاصيه مستمراً فيها فإن الحج لا يهدم ما كان قبله في هذه الحالة، وهذا

يعني أن الحج لا يفيد إلا التائب من الذنب، والعائد إلى الله، الراجع إليه المقلع عن ذنوبه، وأما المقيم على معاصيه وذنوبه المستمر فيها فإن الحج لا يهدم ما كان قبله في هذه الحالة. هل يكفر الحج الكبائر دون توبة منها؟ ثم إن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، والصغائر قد جاء أن الله سبحانه وتعالى يغفرها إذا اجتنبت الكبائر كما قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). فمجرد ترك الكبائر خوفاً من الله وطاعة مكفر لصغائر الذنوب، وكذلك يكفر الله السيئات والصغائر بموالاة العبد على الطاعة، كما في الحديث الصحيح: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). وفي رواية أخرى: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم عن أبي هريرة. وفي هذا دليل على أن ما بين الطاعة ومثلها يكفر الله عنه ما بينهما من الذنوب الصغائر إذا ترك العبد الكبائر.

وفي الحديث الصحيح أيضاً: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه أحمد وانظر الصحيحة لشيخنا الألباني 1200. وفي هذا دليل على أن الموالاة بين طاعتين يكفر الله ما بينهما من الذنوب الصغائر. لكن هل يكفر الحج إثم الذنوب الكبائر لمن لم يترك هذه الكبائر ولم يحصل منه توبة عنها؟ لا شك أن ظاهر الحديث: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) يدل على أن الحج يكفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ولكنه يستفاد من الآيات والأحاديث الأخرى أن ذلك إذا كان الحاج تائباً عن الكبائر كلها مقلع عنها عازماً على عدم العودة إليها، وأما إن كان من أهل السرقة وهو مستمر في سرقته، أو من أهل الزنا وهو مستمر في زناه، أو ممن يشرب الخمر وهو مستمر في شربها، فإن الحج لا يكفر خطيئة من لم يتب منها فاعلها ولم يقلع عنها. ومن ظن أن الحج يكفر الكبائر المقيم عليها صاحبها فقد أخطأ خطئاً بليغاً، وفهم الحديث على غير معناه. ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى في نهاية آيات الحج من سورة البقرة: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ

تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) سورة البقرة الآية 203. فقوله سبحانه وتعالى: (لِمَنِ اتَّقَى) يدل على أن المتقي لله الخائف منه هو الذي تغفر له ذنوبه بعد تمام الحج متعجلاً في يومين أو متأخراً لليوم الثالث، فقوله تعالى:: (لِمَنِ اتَّقَى) راجع للمتعجل والمتأخر ومعلوم أن المقيم على الذنب ليس من اتقى الله وخافه. وأما هل يكفر الحج الكبائر التي لم يتب عنها صاحبها، وإن كان قد تركها، فالصحيح - إن شاء الله - أنها إن كانت مما يتعلق بحقوق العباد فإن الحج لا يغفرها كما جاء في الحديث أن الشهادة في سبيل الله تكفر الذنوب كلها إلا الدّين، وذلك أنه من حقوق العباد، وهكذا الأمر هنا، فإن الحج لا يكفر حقوق العباد، فمن كان عليه دين لم يؤده، أو في ذمته عهد أو مال أو أمانة لغيره فإن الحج شأنه شأن كل الطاعات التي يكفر الله بها السيئات، لا يكفر الله بها حقوق الآدميين، لأن حقوق العباد لا بد من ردها، أو تنازل أهل الحقوق عنها في الدنيا أو في الآخرة، أو المقاضاة فيها يوم القيامة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس من كان له عند أخيه مظلمة من عرض أو مال فليتحلل منه الآن قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات،

فإن كان له حسنات أخذ منه بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار). فلا يجوز الظن أن تكفير الحج للذنوب مسقط لحقوق الآدميين والله تعالى أعلم. وأما ما يتعلق بحق الله تعالى فهل يسقط إثم الكبائر دون توبة منها إذا قام العبد بهذه الأعمال العظيمة التي جاء أنه تكفر كل الذنوب كالحج والشهادة، وصلاة ركعتين لا يحدث المصلي فيهما نفسه كما في الحديث الصحيح: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر الله ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وكذلك صيام رمضان، وأنه عتق من النار، وكذلك التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات وأنه: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمده ثلاثاً وثلاثين وكبره ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر). فلا شك أن ظاهر هذه الأحاديث يدل على أن هذه الأعمال الشريفة العظيمة يسقط كل الذنوب صغيرها وكبيرها، لكن عند النظر والتأمل والجمع بين النصوص المختلفة يتبين أن هذه المغفرة للذنوب لا تكون إلا للتائب من الكبائر.

ومن أجل ذلك يوصي الحاج عند عزمه على الحج، أن يخرج عما في يديه من حقوق الآدميين ليكون حجه مبروراً، وأن يتوب إلى الله من جميع ذنوبه ليكون وذنبه مغفوراً. ومما يدل أن الحج لا يسقط ذنوب الكبائر إلا للتائب منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ولا يكون الحج مبروراً إلا إذا كان صاحبه تائباً إلى الله من معاصيه راجعاً إليه، أما إن كان مصراً على المعاصي، مقيماً عليها ناوياً أن يعود إليها بعد حجه فهذا لا يكون حجه مبروراً] عن شبكة الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الحج يكفر صغائر الذنوب وكبائرها التي تاب منها صاحبها، ما لم تكن متعلقة بحقوق العباد. وأما ما كان متعلقاً بحقوق العباد فلا يسقط بالحج، بل لا بد من ردِّ الحقوق لأصحابها، وكذلك فإن الحج لا يسقط كبائر الذنوب التي لم يتب منها صاحبها، بل استمر مقيماً عليها، والعياذ بالله.

المبحث الرابع كلام أهل العلم في قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات)

المبحث الرابع كلام أهل العلم في قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) ومن الأدلة العامة التي تدل على أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب قوله تعالى: (الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود الآية وقد احتج أهل العلم بالعموم الوارد في الآية (الحسنات) فكل الحسنات تذهب كل السيئات قال القرطبي: [قوله تعالى: (الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) ذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس]. وقال مجاهد: [الحسنات قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر]. قال ابن عطية: [وهذا على جهة المثال في الحسنات، والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما اجتنبت الكبائر).

قلت: سبب النزول يعضد قول الجمهور، نزلت في رجل من الأنصار قيل هو أبو اليسر بن عمرو وقيل اسمه عباد خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج. روى الترمذي عن عبد الله قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها مادون أن أمسها وأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت، فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فدعاه فتلى عليه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم هذا له خاصة، قال: لا بل للناس كافة) قال الترمذي حديث حسن صحيح. وخرَّج أيضا عن ابن مسعود - رضي الله عنهم - (أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة حرام فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن كفارتها فنزلت: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ فقال لك ولمن عمل بها من أمتي) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

وروى عن أبي اليسر قال: (أتتني امرأة تبتاع تمراً فقلت إن في البيت تمرا أطيب من هذا فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً، فلم أصبر فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً، فلم أصبر فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار، قال وأطرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أوحى الله إليه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) قال أبو اليسر فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال بل للناس عامة) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب) تفسير القرطبي 9/ 110 - 112. وقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له قال فنزلت: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) قال فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال لمن عمل بها من أمتي).

وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - قال جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في ما شئت فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت نفسك قال فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً دعاه وتلى عليه هذه الآية: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) فقال رجل من القوم يا نبي الله هذا له خاصة، قال بل للناس كافة. وحديث ابن مسعود - رضي الله عنهم - يؤكد ما ذكره القرطبي في سبب نزول الآية الكريمة. وقال الإمام النووي: [باب قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) قوله في الذي أصاب من امرأة قبلة فأنزل الله فيه: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) إلى آخر الحديث، هذا تصريح بأن الحسنات تكفر السيئات واختلفوا في المراد بالحسنات هنا فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس واختاره ابن جرير وغيره من الأئمة.

وقال مجاهد: [هي قول العبد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويحتمل أن المراد الحسنات مطلقاً] شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 79 - 81. وقال المناوي: [قال القاضي صغائر الذنوب مكفرات بما يتبعها من الحسنات، وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم فلا يسقط إلا بالتوبة، وأقره الطيبي، قال الغزالي: والأولى إتباعها بحسنة من جنسها لكي تضادها، قال فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر والقعود في المسجد جنباً بالاعتكاف فيه ومس المصحف بإكرامه وكثرة القراءة فيه وبأن يكتب مصحفاً ويقفه وشرب الخمر بالتصدق بكل شراب حلال طيب وقس عليه. والقصد سلوك طريق المضادة فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية لا يمحوها إلا نور يرتفع إليه بحسنة تضاده والمتضادات هي المتناسبات فإن البياض يزال بالسواد لا بالحرارة مثلا]. فيض القدير 1/ 406.

المبحث الخامس ترجمة الخطيب الشربيني

المبحث الخامس ترجمة الخطيب الشربيني اسمه ونسبه: هو شمس الدين محمد بن محمد الشربيني الخطيب، الإمام العلامة المعروف بالخطيب الشربيني. وذكر الزركلي وكحالة في نسبه أنه محمد بن أحمد. الأعلام 6/ 6، معجم المؤلفين 3/ 69. ولم تذكر المصادر سنة ميلاده. شيوخه وثناء العلماء عليه: ذكر ابن العماد الحنبلي أنه أخذ العلم عن الشيخ أحمد البرلسي، الملقب بـ (عميرة)، والنور المحلي، والنور الطهواني، والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشكي الكردي، والبدر المشهدي، والشهاب الرملي والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، وغيرهم وأجاوزه بالإفتاء والتدريس، فدرس، وأفتى في حياة أشياخه وانتفع به خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر على صلاحه، ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وكثرة النسك والعبادة. شذرات الذهب 4/ 384.

مصنفاته

وقال ابن العماد الحنبلي: [وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد، وكان إذا حج لا يركب إلا بعد تعب شديد يمشي كثيراً عن الدابة، وكان إذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلم الناس المناسك وآداب السفر، ويحثهم على الصلاة، ويعلمهم كيف القصر والجمع، وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق وغيره، وإذا كان بمكة أكثر من الطواف ومع ذلك فكان يصوم بمكة والسفر أكثر أيامه ويؤثر على نفسه وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بأشغال الدنيا وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى وحجة من حججه على خلقه]. شذرات الذهب 4/ 384. وقال كحالة: [فقيه شافعي مفسر متكلم نحوي صرفي]. معجم المؤلفين 3/ 69. مصنفاته: له مجموعة من المصنفات والذي وقفت عليه ما يلي: 1. (السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير) وهو في تفسير القرآن الكريم وهو مطبوع. 2. (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع) في الفقه الشافعي وهو شرح على (متن غاية الاختصار) للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسين بن

أحمد الأصفهاني، وذكر في مقدمته أنه ألفه بعد شرحه للمنهاج وشرحه للتنبيه، وهو مطبوع في مجلد. 3. (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) وهو في فقه الشافعية شرح فيه منهاج الطالبين للإمام النووي، والمنهاج وشرحه المغني من الكتب المعتمدة عند الشافعية. وهو مطبوع. 4. (شرح التنبيه) وهو في فقه الشافعية شرح فيه كتاب التنبيه لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي وهو مطبوع. 5. (شرح البهجة الوردية) وهو شرح لمنظومة زين الدين عمر بن مظفر الوردي الشافعي للحاوي الصغير في فروع الشافعية لنجم الدين القزويني وهي في خمسة آلاف بيت. كشف الظنون 1/ 489. 6. شرح (شواهد قطر الندى وبل الصدى) لابن هشام النحوي وهو مطبوع. 7. تقريرات على المطول في البلاغة للتفازاني وهو مطبوع. 8. مناسك الحج. 9. الفتح الرباني في حل ألفاظ تصريف عز الدين الزنجاني. 10. فتح المالك في حل ألفاظ كتاب ألفية ابن مالك. 11. شرح منهاج الدين للجرجاني في شعب الإيمان. 12. نور السجية في حل ألفاظ الأجرومية. معجم المؤلفين 3/ 69.

وفاته:

وفاته: توفي في الثاني من شهر شعبان سنة سبع وسبعين وتسعمائة هجرية ودفن بالقاهرة، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء. مصادر ترجمته: شذرات الذهب 4/ 384 هدية العارفين 2/ 198 الأعلام 6/ 6 معجم المؤلفين 3/ 69 مقدمة مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج 1/ 64 - 67.

المبحث السادس وصف المخطوطة

المبحث السادس وصف المخطوطة هذه المخطوطة الصغيرة الحجم تقع ضمن مجموعة مخطوطات محفوظة لدى مكتبة ابن جماعة الكناني تحت رقم 36 ويوجد صورة منها لدى مؤسسة إحياء التراث الإسلامي التابعة لوزارة الأوقاف الفلسطينية في مدينة القدس تحت الرقم 573/ 2 - م4، وتقع المخطوطة في صفحة وثلث وهي مكتوبة بخط النسخ، ولم يذكر اسم ناسخها ولا تاريخ النسخ، ومجموع سطورها 27 سطراً

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة

صورة الصفحة الثانية من المخطوطة

الخصال المكفرة للذنوب

الخِصالُ المُكَفِّرَةُ للذنوب يتضمن تحقيق مخطوط صغير للخطيب الشربيني فيه سؤال وجواب حول تكفير الحج للذنوب دراسة وتعليق وتحقيق الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه الأستاذ المشارك في الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل خلقه، سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وآل كلٍ وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فهذا سؤال نفيس، رفع إلى الشيخ الإمام العالم العلامة، شمس الدنيا والدين، محمد الخطيب الشربيني الشافعي، تغمده الله تعالى برحمته،

وأسكنه بحبوحة جنته، وأعاد علينا من بركات علومه الباهرة في الدنيا والآخرة آمين. وصورته: فإن قيل في الحج هل يُكَفِّر الصغائر والكبائر من حقوق الله تعالى والآدميين، كالزنى والسرقة وترك الصلاة وقتل النفس وغير ذلك؟ وإذا قلتم إنه يُكَفِّر، فيسقط عنه الطلب في الآخرة، ولا يلزمه قضاء ما فاته من الصلاة قبل الحج، أم لا بد من قضاء الصلاة بعد الحج؟

وما الحكم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)؟ (¬1) فأجاب رحمه الملك الوهاب: إنه يُكَفِّر الصغائر مطلقاً، وأما الكبائر المتعلقة بالآدمي، فإن كانت مالية كدَين، فلا يُكَفِّر، بل لا بدَّ من وفاءِ دَينه، لما ورد أن (نَفْسَ المؤمن تُحبَسُ عن مقامها حتى يوفى في دينه) (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) لم أقف عليه بهذا اللفظ ولكن ورد بلفظ: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وبلفظ: (نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن، ورواه البيهقي وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر الفتح الرباني 15/ 91، سنن ابن ماجة 2/ 806، سنن الترمذي 3/ 389، السنن الكبرى 6/ 76، صحيح ابن حبان 7/ 331، المستدرك 2/ 324، صحيح سنن الترمذي 1/ 313. ومعنى الحديث: أن نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا؟ وهذا مقيد بمن ترك مالاً. وأما من لم يترك مالاً فحكمه ما ذكره الشربيني. انظر تحفة الأحوذي 4/ 164، نيل الأوطار 4/ 53.

نعم: إن كان معسراً، وكان في عزمه أن يوفيه إذا قدر عليه ومات كذلك، فإن هذا يُكَفَّر ويُرضي اللهُ تعالى عنه خصمَه (¬1) ¬

_ (¬1) وقد ورد في ذلك أحاديث منها: حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم) رواه الطبراني وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص 5، وورد في معناه أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار 4/ 53 - 54.

وأمَّا ما يتعلق بغيبةٍ (¬1) ولم تبلغ صاحبَها ولم يتب، فإنها تُكَفَّر بذلك (¬2). وأما إذا بلغت صاحبها فلا تُكَفَّر إلا بتحليله (¬3). وأما الكبائر المتعلقة بحق الله تعالى، فإن كان صلاةً أو صوماً ¬

_ (¬1) الغيبة هي: ذكر الإنسان بما فيه، فإن ذُكر بما ليس فيه فهو البهتان وأشار إلى هذا المعنى حديث أبي هريرة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) رواه مسلم، وانظر تفسير القرطبي 16/ 334 - 335. (¬2) انظر روضة الطالبين 11/ 247. (¬3) ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري، وانظر تفسير القرطبي 16/ 338.

فإنه يجب عليه قضاؤه (¬1) ولا يُكَفَّر، وإذا كان كتأخير لصلاة عن وقتها بغير عذر والصوم فهذا يُكَفَّر (¬2). وأما الزنى واللواط، فإن ثبت عند حاكم بالشهادة فلا يُكَفَّر إلا بإقامة الحدِّ عليه (¬3). ¬

_ (¬1) ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب قضاء ما فات من الصلاة أو الصيام عمداً، انظر المجموع 3/ 75 حاشية الدسوقي 1/ 263، المغني 2/ 446، البحر الرائق 2/ 364. (¬2) انظر روضة الطالبين 11/ 247. (¬3) انظر المصدر السابق.

والحديث المذكور (¬1) عامٌ مخصوص (¬2)، فلا يمنع ما ذُكِرَ، والله تعالى أعلم. انتهى والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ¬

_ (¬1) يشير إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). (¬2) العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له. شرح الكوكب المنير 3/ 102، وأما العام المخصوص فهو: ما أريد به الأكثر وما ليس بمراد هو الأقل. المصدر السابق 3/ 166.

قائمة المصادر

قائمة المصادر القرآن الكريم الأعلام / خير الدين الزركلي / دار العلم للملايين / الطبعة الثانية عشرة. البحر الرائق شرح كنز الدقائق / ابن نجيم الحنفي / دار الكتب العربية. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف / الحافظ عبد العظيم المنذري / تحقيق إبراهيم شمس الدين / ط 1 / دار الكتب العلمية. الزواجر عن اقتراف الكبائر / ابن حجر الهيتمي / ط 2 / دار الحديث أصول الفقه / محمد أبو زهرة / دار الفكر العربي. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني / أحمد عبد الرحمن البنا / دار إحياء التراث العربي. الفروع / شمس الدين محمد بن مفلح / عالم الكتب. الفروق / شهاب الدين أحمد القرافي / دار المعرفة. الفقه الإسلامي وأدلته / محمد الزحيلي / ط 1 / دار الفكر. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني / أحمد بن غنيم النفراوي المالكي / دار الفكر.

المستدرك على الصحيحين / أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم / دار المعرفة / الطبعة الأولى. المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب / أحمد الونشريسي / دار الغرب الإسلامي. المغني على مختصر الخرقي / عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي / مطبعة الفجالة الجديدة. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم / أبو العباس القرطبي / ط 1 / دار ابن كثير، دار الكلم الطيب. المنثور في القواعد / محمد بن عبد الله الزركشي / ط 2. الموسوعة الفقهية / وزارة الأوقاف الكويتية / طباعة ذات السلاسل / الطبعة الثانية. تحفة الأحوذي / محمد عبد الرحمن المباركفوري / ط 1 / دار الكتب العلمية. تفسير القرطبي / أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي / دار القلم / الطبعة الثالثة. تفسير فتح القدير / محمد بن علي الشوكاني / مطبعة مصطفى الحلبي / الطبعة الثانية. جامع العلوم والحكم / ابن رجب الحنبلي/ دار الكتب العلمية.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير / شمس الدين محمد عرفه الدسوقي / دار إحياء الكتب العربية. روضة الطالبين / أبو زكريا النووي / دار الكتب العلمية. سنن أبي داود / سليمان بن الأشعث السجستاني / دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى / مطبوع مع عون المعبود. سنن ابن ماجة / أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي / دار الكتب العلمية. سنن البيهقي (السنن الكبرى) / أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي / دار الفكر. سنن الترمذي / أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة / تحقيق أحمد محمد شاكر / دار الكتب العلمية سنن النسائي / أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي / دار الكتب العلمية. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك / محمد بن عبد الباقي الزرقاني شرح الكوكب المنير / محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النّجار / تحقيق د. محمد الزحيلي ود. نزيه حماد / دار الفكر. شرح النووي على صحيح مسلم / أبو زكريا محيي الدين النووي / دار الخير.

صحيح ابن حبان (الإحسان) / علاء الدين علي بن بلبان / تحقيق شعيب الأرناؤوط / مؤسسة الرسالة / الطبعة الأولى. صحيح البخاري / محمد بن إسماعيل البخاري / تحقيق مصطفى البغا / دار ابن كثير، اليمامة / ط 3. صحيح الترغيب والترهيب / محمد ناصر الدين الألباني / مكتبة المعارف / الرياض. صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج النيسبابوري / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي / دار إحياء التراث العربي. ضعيف الترغيب والترهيب / محمد ناصر الدين الألباني / مكتبة المعارف / الرياض. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي / أبو بكر ابن العربي المالكي / ط 1 / دار الكتب العلمية. عون المعبود شرح سنن أبي داود / محمد أشرف بن أمير الصديقي العظيم أبادي / دار الكتب العلمية الطبعة الأولى. فتاوى الرملي / محمد بن أحمد الرملي / دار صادر. فتح الباري بشرح البخاري / الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني / دار السلام / الرياض.

فتح المالك بتويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ الإمام مالك / ترتيب مصطفى صميدة / ط 1 / دار الكتب العلمية. فيض القدير شرح الجامع الصغير / محمد عبد الرؤوف المناوي / ط 1 / دار الكتب العلمية. كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني / أبو الحسن المالكي / دار الفكر. مسند الإمام أحمد بن حنبل معجم المؤلفين / عمر رضا كحالة / مؤسسة الرسالة / الطبعة الأولى. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج / محمد الخطيب الشربيني / دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى. نظرية الحكم القضائي في الشريعة والقانون / عبد الناصر أبو البصل / دار النفائس. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار / محمد بن علي الشوكاني / مطبعة الحلبي. هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين / إسماعيل باشا البغدادي / دار الفكر.

فهرس المحتويات الموضوع ... الصفحة المقدمة ... 5 التمهيد ... 8 تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر ... 8 توضيح المراد بحقوق الله وحقوق العباد ... 16 أثر التوبة على حقوق الله وحقوق العباد ... 19 المبحث الأول: الخصال المكفرة للذنوب ... 23 المبحث الثاني: كلام أهل العلم على الأحاديث السابقة ... 39 المبحث الثالث: تكفير الحج للذنوب ... 67 المبحث الرابع: كلام أهل العلم في قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) ... 82 المبحث الخامس: ترجمة الخطيب الشربيني ... 87 مصنفاته ... 88 المبحث السادس: وصف المخطوطة ... 91

نص المخطوط محققاً ... 94 قائمة المصادر ... 103 قائمة المحتويات ... 108

الأعمال العلمية للمؤلف الدكتور. حسام الدين عفانه 1. الأدلة الشرعية على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية (كتاب) 2. أحكام العقيقة في الشريعة الإسلامية (كتاب) 3. يسألونك الجزء الأول (كتاب) 4. يسألونك الجزء الثاني (كتاب) 5. بيع المرابحة للآمر بالشراء على ضوء تجربة شركة بيت المال الفلسطيني العربي (كتاب) 6. صلاة الغائب دراسة فقهية مقارنة (كتاب) 7. يسألونك الجزء الثالث (كتاب) 8. يسألونك الجزء الرابع (كتاب) 9. يسألونك الجزء الخامس (كتاب) 10. المفصل في أحكام الأضحية (كتاب) 11. شرح الورقات في أصول الفقه (دراسة وتعليق وتحقيق) 12. فهارس مخطوطات مؤسسة إحياء التراث الإسلامي 12 جزءً بالاشتراك (صدر الأول منها) 13. الفتاوى الشرعية (1) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 14. الفتاوى الشرعية (2) بالاشتراك (هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني العربي) 15. الشيخ العلامة مرعي الكرمي وكتابه دليل الطالب (بحث) 16. الزواج المبكر (بحث) 17. الإجهاض (بحث) 18. مسائل مهمات في فقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات (كتاب) 19. مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة (كتاب) 20. اتباع لا ابتداع (كتاب) 21. بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود (دراسة وتعليق وتحقيق) 22. يسألونك الجزء السادس (كتاب) 23. رسالة إنقاذ الهالكين للعلامة محمد البركوي (دراسة وتعليق وتحقيق) 24. الخصال المكفرة للذنوب (يتضمن تحقيق مخطوط للخطيب الشربيني) (كتاب) 25. أحاديث الطائفة الظاهرة وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (كتاب) 26. التنجيم (بحث بالاشتراك) 27. الحسابات الفلكية (بحث بالاشتراك)

§1/1