الخصائص

ابن جني

المجلد الاول

المجلد الاول المقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل القديم، وصلى الله على صفوته محمد وآله المنتخبين 1. وعليه وعليهم السلام أجمعين. هذا -أطال الله بقاء مولانا السيد المنصور "المؤيد"2 بهاء الدولة وضياء الملة وغياث الأمة, وأدام ملكه ونصره، وسلطانه ومجده وتأييده وسموه, وكبت شانئه وعدوه- كتاب لم أزل على فارط الحال وتقادم الوقت ملاحظاً له, عاكف الفكر عليه, منجذب الرأي والروية إليه وادًّا أن أجد مهملاً3 أصله به أو خللاً أرتقه4 بعمله والوقت يزداد بنواديه5 ضيقًا ولا ينهج لي إلى الابتداء طريقًا. هذا مع إعظامي له وإعصامي6 بالأسباب المنتاطة به واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب وأذهبه في طريق القياس والنظر وأعوده عليه بالحيطة والصون وآخذه له من حصة التوقير7 والأون, وأجمعه8 للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة من خصائص الحكمة ونيطت به من علائق الإتقان والصنعة،

_ 1 في ب: "المنتجبين"، والمنتجب والمنتخب بمعنى واحد. 2 زيادة في ج. 3 في ج: "موصلا". 4 في ج: "أربقه بعلمه"، أي أقيده. 5 نوادي الكلام: ما يخرج منه وقتًا بعد وقت، ونوادي الإبل: شواردها" فالمعنى أن الوقت لا يتسع لشوارد هذا الكتاب ولا يسمح بجمعها وإبلاغها. 6 في المطبوعة، د: "اعتصامي". وما أثبته موافق للأصول الأخرى، وهو يجانس "إعظامي". 7 التوقير مصدر وقر الدابة سكنها، ويراد به الإراحة؛ فالمراد حصة الراحة والتخفيف من حركة العمل. والأون: الدعة والسكون؛ والتوقير هو كذا في ش، ج، هـ. وفي أ، ب "التوفير". ويعبر في هذا العصر عن هذا المعنى بأوقات الفراغ. 8 في ج بدل "وأجمعه للأدلة على": "وأجله على".

فكانت مسافر وجوهه ومحاسر أذرعه وسوقه تصف لي ما اشتملت عليه مشاعره وتحي1 إلي بما خيطت عليه أقرابه2 وشواكله وتريني أن تعريد3 كل من الفريقين: البصريين والكوفيين عنه وتحاميهم طريق الإلمام به والخوض في أدنى أوشاله وخُلُجه فضلاً عن اقتحام غماره ولُجَجه إنما كان لامتناع جانبه، وانتشار شعاعه، وبادي تهاجر قوانينه وأوضاعه. وذلك أنا لم نر أحدًا من علماء البلدين4 تعرض لعمل أصول النحو، على مذهب أصول الكلام والفقه. فأما كتاب أصول أبي بكر5 فلم يلمم فيه بما نحن عليه، إلا حرفًا أو حرفين في أولهن وقد تعلق عليه به. وسنقول في معناه. على أن أبا الحسن6 قد كان صنف في شيء من المقاييس كتيبا، إذا أنت قرنته بكتابنا هذا علمت بذاك أنا نبنا عنه فيه7، وكفيناه كلفة التعب به، وكافأناه على لطيف ما أولاناه من علومه المسوقة إلينا، المفيضة ماء البشر8 والبشاشة9 علينا، حتى

_ 1 مضارع وحى، وهو كأرحى. يقال: رحى إليه بكذا: أشار إليه به وأومأ. وهو كذلك "تحي" في أ، ب، ج، وفي ش، د، هـ: "تجيء". 2- الأقراب جمع قرب كقفل وهي من الفرس خاصرته، والشواكل واحدها شاكلة وهي من الفرس الجلد بين عرض الخاصرة والثفنة، وهي الركبة. 3 التعريد: الهرب والفرار. 4 البلدان: البصرة والكوفة. 5 هو ابن السراج محمد بن السري. كانت وفاته سنة 316هـ وهو المعني بأبي بكر حيث أطلق. وكتاب الأصول له يقول فيه صاحب كشف الظنون: "كتاب مرجوع إليه عند اضطراب النقل". وينقل عنه صاحب الخزانة كثيرًا. 6 هو الأخفش سعيد بن مسعدة مات سنة 210هـ. وهو الأخفش الأوسط، وحيث أطلق أبو الحسن في هذا الكتاب فهو الأخفش هذا. ويزعم ابن الطيب في شرح الاقتراح أن هذه الكنية خاصة بالأصفر علي بن سليمان؛ وهو وهم. 7 سقط في ألفظ "فيه". 8 تبعت في هذا نسخة ج، وفي المطبوع وأ, ب "البر". 9 في ج: "البشارة". والظاهر أن يقرأ بفتح الباء وهي الحال.

دعا ذلك أقوامًا نُزرت من معرفة حقائق هذا العلم حظوظهم، وتأخرت عن إدراكه أقدامهم، إلى الطعن عليه، والقدح في احتياجاته وعلله. وسترى ذلك مشروحًا في الفصول بإذن الله تعالى. "ثم إن بعض من يعتادني1، ويُلم لقراءة هذا العلم بي، ممن آنس بصحبته لي، وأرتضي حالى أخذه عني، سأل فأطال المسألة، وأكثر الحفاوة والملاينة، أن أمضي الرأي في إنشاء هذا الكتاب، وأوليه طرفًا من العناية والانصباب2. فجمعت بين ما أعتقده: من وجوب ذلك علي، إلى ما أوثره3 من إجابة هذا السائل4لي. فبدأت به، ووضعت يدي فيه، واستعنت الله على عمله، واستمددته سبحانه من إرشاده وتوفيقه", وهو -عز اسمه- مؤتِي ذاك بقدرته، وطَوله ومشيئته.

_ 1 اتبعنا في إثبات هذا النص المكنوف بالقوسين ما في ج. وليس في باقي النسخ إلا النص الآتي "وأنا بادئ به، ومستعين الله على عمله، ومستمده سبحانه إرشاده وتوفيقه". 2 أي الاجتهاد فيه، من قولهم: انصب البازي على الصيد. 3 الواجب في العربية أن يقال: وما إلخ. ولكنه راعى في الجمع معنى الضم. 4 كذا ولو كان "إليّ" لكان أرفق بالسجع، ولكن هذا يحتاج إلى تضمين السائل معنى الطالب.

هذا باب القول على الفصل بين الكلام والقول

هذا باب القول على الفصل بين الكلام والقول: "ولنقدم أمام القول على فرق1 بينهما طرفًا من ذكر أحوال تصاريفهما واشتقاقهما مع تقلب حروفهما فإن هذا وضع يتجاوز قدر الاشتقاق ويعلوه إلى ما فوقه. وستراه فتجده طريقًا غريبًا ومسلكًا من هذه اللغة الشريفة عجيبًا "2. فأقول: إن معنى " ق ول " أين وجدت وكيف وقعت3، من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه, إنما هو للخفوف والحركة 4, وجهات تراكيبها الست مستعملة كلها لم يهمل شيء منها , وهي: " ق ول", "ق ل و ", " وق ل " , "ول ق " , " ل ق و ", "ل وق ". الأصل الأول "ق ول " وهو القول. وذلك أن الفم واللسان يخفان له ويقلقان ويمذلان به5. وهو بضد السكوت الذي هو داعية إلى السكون ألا ترى أن الابتداء لما كان أخذًا في القول لم يكن الحرف المبدوء به إلا متحركًا ولما كان الانتهاء أخذًا في السكوت لم يكن الحرف الموقوف عليه إلا ساكنًا. الأصل الثاني "ق ل و " منه القلو: حمار الوحش وذلك لخفته وإسراعه قال العجاج:

_ 1 في ش: "الفرق" وهنا تقرأ بإضافة فرق إلى "بينهما" والبين هنا الوصل والاجتماع، وهو اسم متمكن وقرئ لقد "تقطع بينكم" بالرفع. 2 سقط ما بين القوسين في ج. 3 في ج: "تصرفت". 4 كذا في النسخ. والأنسب بالسياق: "الخفوف". وهو معرفة قولهم: خف القوم إذا ارتحلوا مسرعين. 5 من قولهم: مذل المريض من باب فرح إذا لم يتقاتر من الضجر، ويقال أيضًا: مذل: فتن.

#تواضخ التقريب قلوا مغلجا1:# ومنه قولهم: "قلوت البسر والسويق, فهما مقلوان ", وذلك لأن الشيء إذا قلي جفّ وخفّ, وكان أسرع إلى الحركة وألطف ومنه قولهم: "اقلوليت يا رجل " قال2: قد عجبت مني ومن بعيليا ... لما رأتني خلقا مقلوليا أي خفيفا للكبر3, "و" طائشا, "و"5 قال 6: وسرب كعين الرمل عوج إلى الصبا ... رواعف بالجادي حور المدامع7 سمعن غناء بعد ما نمن نومة ... من الليل فاقلولين فوق المضاجع8 أي خففن لذكره وقلقن فزال عنهن نومهن واستثقالهن على الأرض. وبهذا يعلم أن لام اقلوليت واو لا ياء. فأما لام اذلوليت9 فمشكوك فيها.

_ 1 بعده: #جأبا ترى تليله مسحجا# وهذا في وصف أتان الوحش. وقوله تواضخ التقريب أي تجتهد مع فحلها في الجري، وأصل المواضخة المباراة في الاستقاء بالدلاء، والمفلج: الشديد المدمج أو هر الذي يطرد أنه، يعني الفحل. والجأب: الغليظ. والتليل: العنق، ومسحج أي معضوض من طراده الحمر، والسحج: القشر. وانظر الأرجوزة بتمامها في ديوان العجاج ص9. 2 نسب الرجز: "قد عجبت مني ومن بعيليا" إلى الفرزدق وقد أورد السيرافي في "باب ما يحتمل الشعر من الضرورة" بيت الفرزدق: فلو كان عبد الله مولى هجرته ... ولكن عبد الله مولى مواليا ثم قال: وقال آخر: "قد عجبت مني ومن بعيليا" ويقضي هذا أن قائل الرجز ليس للفرزدق. 3 في أ: "للكيرة" وانظر في هذا الرجز الأعلم في ذيل سيبويه ص59 ج2، وهو للفرزدق. 4 زيادة ب، د. 5 زيادة في ج. 6 البيتان من مقطوعة تنسب إلى يزيد بن معاوية في صدر ذيل ثمرات الأوراق، وورد البيتان في حماسة ابن الشجري ص187 غير منسوبين. 7 يصف نساء حسانًا، وقوله: كعين الرمل يريد كبقر الوحش، وعوج: ميل، والجادي -بالجيم وكتب خطأ في المطبوعة بالحاء: الزعفران، يريد أن الزعفران يظهر في أنوفهن, فكأنما هو أثر الرعاف، وهو خروج الدم من الأنف. 8 في الأساس في فلو: "غنائي" في مكان "غناء". 9 اذلولى: ذل وانقاد.

ومن هذا الأصل أيضًا قوله: #أقب كمقلاء الوليد خميص1# فهو مفعال2 من قلوت بالقلة, ومذكرها القال؛ قال الراجز: #وأنا في الضراب قيلان القلة# فكأن القال مقلوب قلوت وياء القيلان مقلوبة عن واو وهي لام قلوت ومثال3 الكلمة فلعان. ونحوها عندي في القلب قولهم "باز " ومثاله فلع واللام منه واو لقولهم في تكسيره: ثلاثة أبواز ومثالها أفلاع. ويدل على صحة ما ذهبنا إليه: من قلب هذه الكلمة قولهم فيها "البازي", وقالوا في تكسيرها "بُزاة" و"بوازٍ " أنشدنا أبو علي4 لذي الرمة: كأن على أنيابها كل سدفة ... صياح البوازي من صريف اللوائك5

_ 1 قائله امرؤ القيس، وصدره: #فأصدرها تعلو النجاد عشية# وأقب أي ضامر البطن، وكذلك خميص. وهذا البيت في أبيات في وصف الحمار الوحشي يطارد أتنه، منها قوله: أذلك أم جاب يطارد آتنا ... حملن فأدنى حملهن دروص فالضمير "ها" في "فأصدرها" للأتن، وأقب خميص من وصف الحمار، انظر اللسان في "د ر ص". 2 المقلاء: القال، وهي لعبة للصبيان: يأخذون عودين، أحدهما نحو ذراع والآخر قصير فيضربون الأصغر بالأكبر، فالمقلاء. والقال: العود الكبير الذي يضرب به، والقلة: الصغير. وهذه اللعبة تعرف عند العوام بالعقلة. وانظر شفاء الغليل في حرف القاف. 3 يريد ميزانها الصرفي. 4 هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، الإمام في العربية؛ أخذ من الزجاج وابن السراج؛ وهو أستاذ ابن جني ومخرجه، وله الآثار الجليلة. توفي ببغداد سنة 377هـ. انظر البغية 216. 5 السدفة: الظلمة. واللوائك يريد المواضع من الأسنان، وهو في وصف إبل. والبيت في أسرار البلاغة ص72 وفيه: سحرة مكان سدفة، وهو أيضًا في الكامل 19/ 7 طبعة المرصفي. ويقول المرصفي: إن الصواب: "أنيابه" إذ هو في وصف بعير. وكذلك هو في الديوان طبعة أوروبا 418.

وقال جرير: إذا اجتمعوا عليّ فخل عنهم ... وعن باز يصك حباريات1 فهذا فاعل؛ لاطراد الإمالة في ألفه, وهي في فاعل أكثر منها في نحو مال وباب. وحدثنا أبو علي سنة إحدى وأربعين2 قال: قال أبو سعيد3 الحسن بن الحسين "بازٌ " وثلاثة "أبواز " فإن كثرت فهي "البيزان" فهذا فلع وثلاثة أفلاع وهي الفلعان. ويدل على أن تركيب هذه الكلمة من "ب ز و " أن الفعل منها عليه تصرف, وهو قولهم " بزا يبزو " إذا غلب وعلا ومنه البازي -وهو في الأصل اسم الفاعل ثم استعمل استعمال الأسماء كصاحب ووالد- وبُزاة وبواز يؤكد ذلك وعليه بقية الباب من أبزى وبزواء وقوله: #فتبازت فتبازختُ لها4#

_ 1 حباريات واحده حبارى، وهو طائر يصيده البازي، كني بالبازي عن نفسه وبالحباريات عن بني نمير المذكورين في قوله قبل: أنا البازي المطل على ثمير ... على رغم الأنوف الراغمات وهذا من إحدى نقائض جرير مع الفرزدق. وانظر النقائض 775 طبعة أوروبا. 2 أي بعد الثلاثمائة. وكانت وفاة أبي علي سنة 377هـ. 3 هو السكري الإمام في النحو واللغة، الراوية المكثر الثقة. كانت وفاته سنة 275، وانظر البغية 219, وقد أورد المؤلف هذا الحديث في المحتسب في الكلام على سورة الفاتحة. 4 هذا صدر بيت لعبد الرحمن بن حسان وتمامه: #جلسة الجازر يستنجي الوتر# وقبله: سائلا مية هل نبهتها ... آخر الليل بعرد ذي عجر والعرد: الذكر المنتشر وقوله: تبازت أي رفعت مؤخرها، وتبازخ: مشى مشية العجوز أقامت صلبها فأخر كاهلها، وقوله يستنجي الوتر أي يقطعه، ويروى: جلسة الأعسر. وانظر اللسان في بخا وبزا.

والبزا1 لأن ذلك كله شدة ومقاولة2 فاعرفه. فمقلاء من قلوت وذلك أن القال -وهو المقلاء- هو العصا التي يضرب بها القلة وهي الصغيرة، وذلك لاستعمالها في الضرب بها. "الثالث" "وق ل " منه الوقل3 للوعل, وذلك لحركته, وقالوا: توقل في الجبل: إذا صعد فيه, وذلك لا يكون إلا مع الحركة والاعتمال. قال ابن مقبل: عودا أحم القرا إزمولة وقلا ... يأتي تراث أبيه يتبع القُذَفا4 "الرابع" "ول ق " قالوا: ولق يلق: إذا أسرع. قال: #جاءت به عنس من الشام تلق5# أي تخِف وتسرع. وقرئ6 "إذ تِلقونه بألسنتكم " أي تخفون7 وتسرعون. وعلى

_ 1 البزا: أن يستقدم الظهر ويتأخر العجز. والوصف أبزى وبزواء؛ وكان الأنسب قرنه بهما. 2 كذا في الأصول. ويبدو لي أن هذا تحريف مصاولة. 3 الوقل كضرب وسبب وكنف. 4 العود: المسن وفيه بقية، و"أحم القرا": أسود الظهر، و"إزمولة": خفيفًا، وقوله: "يأتي تراث أبيه" أي يفعل فعل أبيه في التصعيد في الجبال، و"القذف" واحده قذفة كغرفة وغرف وهي ما أشرف من الجبال. وانظر كتابة الأعلم على شواهد سيبويه ص316 ج2. 5 قائله القلاخ بن حزن المنقري يهجو جليدًا الكلابي، وقبله: إن الجليد زالق وزملق ... كذنب العقرب شوال غلق هذا ما في اللسان في زلق، وفي المخصص 9/ 7: "عيس" في مكان "عنس". وفي اللسان في أنق: إن الزبير زلق وزملق ... جاءت به عنس من الشام تلق لا أمن جليسه ولا أنق 6 نسب هذه القراءة أبو حيان في البحر، 438/ 6 إلى عائشة وابن عباس وعيسى بن عمر وزيد بن علي. 7 وكأن الأصل: تخفون فيه فحذف الجار والمجرور، وفي ج "تخفونه".

هذا فقد يمكن أن يكون الأولق1 فوعلا من هذا اللفظ وأن يكون أيضا أفعل منه. فإذا كان أفعل فأمره ظاهر وإن سميت به لم تصرفه معرفة وإن كان فوعلا فأصله وولق فلما التقت الواوان في أول الكلمة أبدلت الأولى همزة لاستثقالها أولا كقولك في تحقير واصل: أويصل. ولو سميت بأولق على هذا لصرفته. والذي حملته الجماعة عليه أنه فوعل من تألق البرق إذا خفق وذلك لأن الخفوق مما يصحبه الانزعاج والاضطراب. على أن أبا إسحاق2 قد كان يجيز فيه أن يكون أفعل من ولق يلق. والوجه فيه ما عليه الكافة: من كونه فوعلا من " أل ق " وهو قولهم "ألق الرجل فهو مألوق " ألا ترى إلى إنشاد أبي زيد فيه: تراقب عيناها القطيع كأنما ... يخالطها من مسه مس أولق3 وقد قالوا منه 4: ناقة مسعورة أي مجنونة وقيل5 في قول الله سبحانه {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} : إن السعر هو الجنون وشاهد هذا القول قول القطامي 6:

_ 1 هو الجنون. 2 يريد الزجاج، وكانت وفاته سنة 315هـ. وانظر في أولق الكتاب 344/ 2. 3 روى "يخامرها" بدل "يخالطها" والقطيع: السوط. 4 أي من معنى هذا البيت، وهو وصف الناقة بالأولق الذي هو الجنون. 5 قائله كما في اللسان في "سعر" الفارسي. ويرى غيره أن "سعرا" جمع سعير النار. 6 هو عمير بن شييم -بالتصغير فيها- الشاعر التغلبي الأموي، والقطامي -بضم القاف وفتحها- في الأصل الصقر.

يتبعن سامية العينين تحسبها ... مسعورة أو ترى ما لا ترى الإبل1 "الخامس" "ل وق " جاء في الحديث2: "لا آكل من الطعام إلا ما لوّق لي " , أي ما خُدِم وأعملت اليد في تحريكه وتلبِيقه3، حتى يطمئن وتتضامّ جهاته. ومنه اللوقة للزُبْدة وذلك لخفتها وإسراع حركتها وأنها ليست لها مسكة الجبن وثقل المصل ونحوهما. وتوهم قوم أن الألوقة -لما كانت هي اللوقة في المعنى, وتقاربت حروفهما- من لفظها4 وذلك باطل؛ لأنه لو كانت من هذا اللفظ لوجب تصحيح عينها إذ كانت الزيادة في أولها من زيادة الفعل والمثال مثاله فكان يجب على هذا أن تكون ألوقة كما قالوا في5 أثوب وأسوق وأعين وأنيب بالصحة ليفرق بذلك بين الاسم والفعل وهذا واضح. وإنما الألوقة فعولة من تألق البرق إذا لمع وبرق واضطرب وذلك لبريق الزبدة واضطرابها. "السادس" "ل ق و " منه اللقوة للعقاب قيل لها ذلك لخفتها وسرعة طيرانها قال6: كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... دفوف من العقبان طأطأت شملال7

_ 1 "مسعورة" روي مجنونة، وسامية العينين: رافعتهما، أو ترى ما لا ترى الإبل فهي تفزع منه لنشاطها. يصف ناقة يتبعها الإبل في السير، وهو في لاميته: #إنا محبوك فأسلم أيها الطلل# 2 يريد حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وقد خرج هذا الحديث أبو عيد. وانظر البلوى 77/ 2. 3 يقال: لبق الزبد إذا خلطه بالسمن ولينه. 4 هذا خير "أن الألوقة"، والضمير في "لفظها" بعود إلى "اللوقة". 5 يريد: في باب أثوب وما بعده. ولو حذفت "في" لكان أعذب في الأسلوب. 6 هو امرؤ القيس بصف فوسا. انظر اللسان في "دف". 7 يروي صيود، وفتخاء الجناحين لينتهما، ودفوف أي تدنو من الأرض في طيرانها، وشملال: خفيفة. وهذا في وصف فرس من قصيدته التي مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي

ومنه اللقوة1 في الوجه. والتقاؤهما أن الوجه اضطرب شكله فكأنه خفة فيه وطيش منه، وليست له مسكة الصحيح، ووفور المستقيم. ومنه قوله: #وكانت لقوة لاقت قبيسا2# واللقوة: الناقة السريعة اللقاح وذلك أنها أسرعت إلى ماء الفحل فقبلته ولم تنب عنه نبو العاقر. فهذه الطرائق التي نحن فيها حزنة المذاهب, والتورد لها وعر المسلك, ولا يجب مع هذا أن تستنكر, ولا تستبعد فقد كان أبو علي رحمه الله يراها ويأخذ بها ألا تراه غلب كون لام أثفية3 -فيمن جعلها أفعولة- واوا على كونها ياء -وإن كانوا قد قالوا: "جاء يثفوه ويثفيه "4 - بقولهم: " جاء يثفه " , قال: فيثفه لا يكون إلا من الواو, ولم يحفل بالحرف الشاذ من هذا وهو قولهم "يئس " مثل يعس5؛ لقلته. فلما وجد فاء وثف واوا قوي عنده في أثفية كون لامها واوا فتأنس للام بموضع الفاء على بعد بينهما 6. وشاهدته غير مرة إذا أشكل عليه الحرف: الفاء, أو العين، أو اللام، استعان على علمه ومعرفته بتقليب أصول المثال الذي ذلك الحرف فيه. فهذ

_ 1 هي عرض يعرض الوجه فيميله إلى أحد جانبيه. 2 هذا مثل يضرب للرجلين يكونان متفقين على رأي ومذهب فلا يلبثان أن يصطحبا ويتصافيا. واللقوة -كما فسر الكتاب- السريعة اللقاح، والقبيس الفحل السريع الإلقاح أي لا إبطاء عندهما في الإنتاج. وانظر اللسان في "لقو". 3 هي الحجرة تنصب ويجعل عليها القدر، وهن ثلاث أثافي. 4 أي يتبعه ويأتي على أثره. 5 لما كانت الهمزة في بعض وجوه الرسم لا صورة فها ظاهرة جروا على أن يقابلوها بالعين كما هنا، ويئس هنا مضارع يئس بحذف فاء الكلمة وهي ياء، وهذا شاذ، وإنما ينقاس ذلك في الواوي. وانظر الكتاب 333/ 2. 6 في ج: "بعد ما بينهما".

أغرب مأخذًا مما تقتضيه صناعة الاشتقاق؛ لأن ذلك إنما يلتزم فيه شرْج1 واحد من تتالي الحروف, من غير تقليب لها ولا تحريف. وقد كان الناس: أبو بكر رحمه الله وغيره من تلك الطبقة, استسرفوا2 أبا إسحاق رحمه الله, فيما تجشمه من قوة حشده, وضمه شعاع ما انتشر من المثل المتباينة إلى أصله. فأما أن يتكلف تقليب الأصل ووضع كل واحد من أحنائه3 موضع صاحبه فشيء لم يعرض له ولا تضمن عهدته. وقد قال أبو بكر: "من عرف أنس ومن جهل استوحش " وإذا قام الشاهد والدليل وضح المنهج والسبيل. وبعد فقد ترى ما قدمنا في هذا أنفًا4 وفيه كاف من غيره؛ علي أن هذا وإن لم يطرد وينقد في كل أصل, فالعذر على كل حال فيه أبين منه في الأصل الواحد من غير تقليب لشيء من حروفه فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد من أن تنظمه قضية الاشتقاق له كان فيما تقلبت أصوله: فاؤه وعينه ولامه أسهل والمعذرة فيه أوضح. وعلى أنك إن أنعمت النظر ولاطفته وتركت الضجر وتحاميته, لم تكد تعدم قرب بعض من بعض وإذا تأملت ذاك وجدته بإذن الله.

_ 1 الشرح: الضرب، يقال، هما شرج واحد وعلى شرج واحد أي ضرب واحد. وفي المطبوعة والأصول: "شرح" ولا معنى له هنا. 2 أي عدوه مسرفا، وهو كذلك بالسين في أ. وفي المطبوعة: "استشرفوا" ولا معنى له. وانظر في استشراف النحويين للزجاج في طرده الاشتقاق ترجمته في معجم الأدباء 144/ 1 طبعة الحلبي. 3 أحناء الأمور: أطرافها ونواحيها، واحدها حنو كعلم، وأحناء الأصل اللغوي: تصاريفه، فإن كل تصريف طرف له وناحية منه وأظهر من هذا أن أحناء الأصل اللغوي حروفه. 4 أنفا كعنق أي لم يسبق به، من قولهم: روضة أنف: لم ترع، وقد ضبط في المطبوعة وبعض الأصول: "آنفا"، وهذا غير مناسب.

وأما "ك ل م " فهذه أيضًا حالها, وذلك أنها حيث تقلبت فمعناها الدلالة على القوة والشدة. والمستعمل منها أصول خمسة, وهي: "ك ل م " "ك م ل " "ل ك م " "م ك ل " "م ل ك ", وأهملت1 منه2 "ل م ك ", فلم تأت في ثبت. فمن ذلك الأصل الأول "ك ل م " منه الكلم للجرح. وذلك للشدة التي فيه وقالوا في قول الله سبحانه: {دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} قولين: أحدهما من الكَلام والآخر من الكِلام أي تجرحهم وتأكلهم وقالوا: الكُلام: ما غلظ من الأرض وذلك لشدته وقوته وقالوا: رجل كليم أي مجروح وجريح قال: عليها الشيخ كالأسد الكليم3 ويجوز الكليم بالجر والرفع, فالرفع على قولك: عليها الشيخ الكليم كالأسد والجر على قولك: عليها الشيخ كالأسد "الكليم"4, إذا جرح فحمي أنفًا وغضب فلا يقوم له شيء, كما قال:

_ 1 كأنه لم يصح عنده ما رواه المفضل: أن التلمك تحرك اللحيين بالكلام أو الطعام، وقالوا: ما ذقت لماكا أي شيئًا. وانظر اللسان. 2 مقتضى السياق أن يقول: "منها" وهو يعود على "ك ل م" باعتبارها مادة وقد راعى في التذكير أنها أصل. 3 هذا عجز بيت للكلحية اليربوعي يصف فرسه العرادة. وصدره: هي الفرس التي كرت عليهم وقبله مطلع القصيدة وهو: تسائلني بنو جشم بن بكر ... أغراء العرادة أم بهيم ويتبين هذا أن القصيدة مرفوعة الروي، فتجويز الجر في الكليم من أبي الفتح لأنه لم يطلع على عمود القصيدة. وانظرها في المفضليات. 4 زيادة من ش ومن اللسان، خلت منها سائر الأصول.

كأن محربا من أسد ترج ... ينازلهم لنابيه قبيب1 ومنه الكلام وذلك أنه سبب لكل شر "وشدة"2 في أكثر الأمر؛ ألا ترى إلى قول3 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كفي مئونة لقلقه وقبقبه وذبذبه دخل الجنة" , فاللقلق: اللسان, والقبقب: البطن, والذبذب: الفرج. ومنه قول4 أبي بكر -رضي الله عنه- في لسانه: "هذا أوردني الموارد". وقال: وجرح اللسان كجرح اليد5 وقال طرفة: فإن القوافي يتلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولجها الإبر6

_ 1 قائله أبو ذؤيب الهذلي. والمحرب: المغضب, وترج: جبل بالحجاز كثير الأسد، وقيل قرية بين مكة واليمن مأسدة، وقبيب: تصويت وقعقعة، وهذا من قصيدة يرثي بها حبيبا الهذلي. وانظر ديوان الهذليين 98/ 1 طبعة الدار. 2 زيادة من ج. 3 رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بلفظ: "من وقي شر لقلقه ... " , وانظر الجامع الصغير في حرف الميم. 4 رواه مالك وبن أبي الدنيا والبيهقي. انظر الترغيب والترهيب في "باب الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام". 5 قبله -وفيه مطلع القصيدة: تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخلى ولم ترقد وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد لقلت من القول ما لا يزا ... له يؤثر عني يد المسند وهذه القصيدة يختلف الرواة فيها فينسبها بعضهم إلى امرئ القيس بن حجر وهي في ديوانه، وينسبها آخرون إلى امرئ القيس بن عابس، وانظر معاهد التنصيص. 6 رواية ديوانه طبعة فازان ص5: "رأيت القوافي".

وامتثله الأخطل وأبر عليه، فقال: حتى اتقوني وهم مني على حذر ... والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر1 وجاء به الطائي2 الصغير, فقال: عتاب بأطراف القوافي كأنه ... طعان بأطراف القنا المنكعر وهو باب واسع. فلما كان الكلام أكثره إلى الشر, اشتق له من هذا الموضع. فهذا أصل. الثاني "ك م ل " من ذلك كمَل الشيء وكمُل وكمِل فهو كامل وكميل. وعليه بقية تصرفه. والتقاؤهما أن الشيء إذا تم وكمل كان حينئذ أقوى وأشد منه إذا كان ناقصًا غير كامل. الثالث "ل ك م " منه اللكم إذا وجأت الرجل ونحوه, ولا شك في شدة ما هذه سبيله؛ أنشد الأصمعي:

_ 1 من قصيدته الطويلة التي يمدح فيها بني أمية، ومطلعها: خف القطين فراجوا منك وابتكروا ... وأزعجتهم نوى في صرفها غِر وقبل البيت من المن على بني أمية بهجو من لم يكن من حزبهم من الأنصار: بني أمية قد ناضلت دونكم ... أبناء قوم هم آووا وهم نصروا أفحمت عنكم بني النجار قد علمت ... عليا معد وكانوا طالما هذروا ورواية الديوان بدل "اتقوني": "استكانوا" وانظر الديوان 105 طبعة بيروت. 2 هو أبو عبادة البحتري. والطائي الكبير هو أبو تمام. والبيت من قصيدة في إبراهيم بن الحسن بن سهل، وكان قد اشترى غلام البحتري نسيمًا ثم رده إليه، وانظر الديوان 181.

كان صوت جرعها تساجل ... هاتيك هاتا حتنى تكايل1 لدم العجى تلكمها الجنادل وقال: وخفان لكامان للقلع الكبد2 الرابع "م ك ل " منه بئر مكول, إذا قل ماؤها, قال القطامي: كأنها قلب عادية مكل3 والتقاؤهما أن البئر موضوعة الأمر على جمتها بالماء, فإذا قل ماؤها4 كره موردها, وجفا جانبها. وتلك شدة ظاهرة.

_ 1 في لسان العرب: ضرعها تشاجل، "حتنى" أي مستوية، فعلى من الحتن, وهو المثل والنظير، ولدم العجى: ضربها، والعجى: أعصاب قوائم الإبل والخيل. وعلى رواية اللسان يصف صوت ضرع الإبل وقت الحلب، وقوله: تساجل أي تتبارى، وكذلك تكايل، وأصل المكايلة المباراة في السير. يقول: كأن صوت ضرعها حين تباري هذه تلك وهن متقاربات أو متماثلات صوت ضرب قوائم الإبل حين تلكمها الجنادل. وقد ورد وصف الضرع وقت الحلب في قوله: كأن صوت شخبها المحتان ... تحت الصقيع جرش أفعوان فأما على ما هنا فهو وصف لجرعها حين تشرب. 2 صدره: ستأتيك منها إن عمرت عصابة وقائل هذا لص يهزأ بمسروقه، والقلع: الحجارة الضخمة، والكبد جمع أكبد وكبداء من الكبد وهو عظم الوسط. وانظر اللسان في "لكم". 3 هذا عجز بيت من قصيدة له مطلعها: إنا محبوك وسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل وصدره: لراغب الطرف منقوبا محاجرها وقبله في وصف الإبل: خوصا تدير عيونا ماؤها سرب ... على الخدود إذا ما أغرورق المقل فقوله: كأنها قلب يريد محاجر العين يصفها بغثور العين وسعة موضعها، والمحاجر جمع محجر، وهو ما دار بالعين، والقلب جمع قليب وهو البئر، والعادية: القديمة منسوبة إلى عاد، والمكل جمع مكول. وانظر جمهرة العرب للقرشي، وديوان القطامي المطبوع في ليدن. 4 جمة البئر: ما اجتمع من مائها وارتفع.

الخامس "م ل ك " من ذلك ملكت العجين, إذا أنعمت عجنه فاشتد وقوي. ومنه ملك الإنسان ألا تراهم يقولون: قد اشتملت عليه يدي, وذلك قوة وقدرة من المالك على ملكه ومنه الملك, لما يعطى1 صاحبه من القوة والغلبة, وأملكت الجارية؛ لأن يد بعلها تقتدر عليها. فكذلك بقية الباب كله. فهذه أحكام هذين الأصلين على تصرفهما وتقلب حروفهما. فهذا أمر قدمناه أمام القول على الفرق بين الكلام والقول؛ ليرى منه غور هذه اللغة الشريفة, الكريمة اللطيفة, ويعجب من وسيع مذاهبها, وبديع ما أمد به واضعها ومبتدئها. وهذا أوان القول على الفصل. أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه, مفيد لمعناه. وهو الذي2 يسميه النحويين الجمل, نحو زيد أخوك, وقام محمد وضرب سعيد, وفي الدار أبوك, وصه, ومه, ورويد, وحاء وعاء في الأصوات, وحس, ولب3، وأف, وأوه, فكل لفظ استقل بنفسه, وجنيت منه ثمرة معناه فهو كلام. وأما القول فأصله أنه كل لفظ مذل به اللسان, تامًّا كان أو ناقصًا. فالتام هو المفيد, أعني الجملة وما كان في معناها, من نحو صهٍ وإيهٍ. والناقص ما كان بضد ذلك, نحو زيد, ومحمد, وإن, وكان أخوك, إذا كانت الزمانية لا الحدثية 4. فكل كلام قول, وليس كل قول كلامًا. هذا أصله. ثم يتسع فيه؛ فيوضع

_ 1 كذا في ب، ش. وفي أ: "يعطيه" وفي ج: "أعطى". 2 نسخة بحذف "وهو". 3 لب: في معنى لبيك في لغة بعض العرب، وهو في هذه الحالة يجري مجرى أمس وغاق. انظر اللسان. 4 يريد بالزمانية الناقصة، وبالحدثية التامة.

القول على الاعتقادات والآراء؛ وذلك نحو قولك: فلان يقول بقول أبي حنيفة, ويذهب إلى قول مالك ونحو ذلك, أي يعتقد ما كانا يريانه, ويقولان به, لا أنه يحكي لفظهما عينه, من غير تغيير لشيء من حروفه؛ ألا ترى أنك لو سألت رجلًا عن علة رفع زيد, من نحو قولنا: زيد قام أخوه فقال لك: ارتفع بالابتداء لقلت: هذا قول البصريين. ولو قال: ارتفع بما يعود عليه من ذكره1 لقلت: هذا قول الكوفيين, أي هذا رأي هؤلاء, وهذا اعتقاد هؤلاء. ولا تقول: كلام البصريين, ولا كلام الكوفيين, إلا أن تضع الكلام موضع القول, متجوزًا بذلك. وكذلك لو قلت: ارتفع لأن عليه عائدًا من بعده, أو ارتفع لأن عائدًا عاد عليه أو لعود ما عاد من ذكره, أو لأن ذكره أعيد عليه أو لأن ذكرًا له عاد من بعده, أو نحو ذلك, لقلت في جميعه: هذا قول الكوفيين, ولم تحفل باختلاف ألفاظه؛ لأنك إنما تريد اعتقادهم لا نفس حروفهم. وكذلك يقول القائل: لأبي الحسن في هذه المسئلة قول حسن, أو قول قبيح, وهو كذا, غير أني لا أضبط كلامه بعينه. ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله, ولا يقال: القرآن قول الله؛ وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر, لا يمكن تحريفه, ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه. فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتًا تامة مفيدة, وعدل به عن القول الذي قد يكون أصواتًا غير مفيدة, وآراء معتقدة. قال سيبويه 2: " واعلم أن "قلت " في كلام العرب إنما وقعت على أن

_ 1 يراد بالذكر الضمير العائد على المبتدأ، كأنه سبب في تذكره واستحضاره. وما ذكر من مذهب الكوفيين رأي لهم، ومنهم من يرى أن المبتدأ والخبر يترافعان في نحو: زيد منطلق. وانظرالإنصاف 21 وشرح الرضى على الكافية 88/ 1. 2 انظر الكتاب ص62 ج1.

يحكى بها, وإنما يحكى بعد القول ما كان كلامًا لا قولًا". ففرق بين الكلام والقول كما ترى. نعم وأخرج الكلام هنا مخرج ما قد استقر في النفوس, وزالت عنه عوارض الشكوك. ثم قال في التمثيل: "نحو قلت زيد منطلق, ألا ترى أنه يحسن أن تقول: زيد منطلق" فتمثيله بهذا يعلم منه أن الكلام عنده ما كان من الألفاظ قائمًا برأسه مستقلًا معناه وأن القول عنده بخلاف ذلك إذ لو كانت حال القول عنده حال الكلام لما قدم الفصل بينهما ولما أراك فيه أن الكلام هو الجمل المستقلة بأنفسها الغانية عن غيرها وأن القول لا يستحق هذه الصفة من حيث كانت الكلمة الواحدة قولًا وإن لم تكن كلامًا ومن حيث كان الاعتقاد والرأي قولًا وإن لم يكن كلامًا. فعلى هذا يكون قولنا قام زيد كلامًا فإن قلت شارطًا: إن قام زيد, فزدت عليه "إن " رجع بالزيادة إلى النقصان فصار قولًا لا كلامًا ألا تراه ناقصًا ومنتظرًا للتمام بجواب الشرط. وكذلك لو قلت في حكاية القسم: حلفت بالله أي كان قسمي هذا لكان كلامًا لكونه مستقلًا ولو أردت به صريح القسم لكان قولًا من حيث كان ناقصًا لاحتياجه إلى جوابه. فهذا ونحوه من البيان ما تراه. فأما تجوزهم في تسميتهم الاعتقادات والآراء قولًا؛ فلأن الاعتقاد يخفى, فلا يعرف إلا بالقول, أو بما يقوم مقام القول: من شاهد الحال فلما كانت لا تظهر إلا بالقول سميت قولًا إذ كانت سببًا له, وكان القول دليلًا عليها كما يسمى الشيء باسم غيره إذا كان ملابسًا له. ومثله في الملابسة قول الله سبحانه: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} ومعناه -والله أعلم- أسباب الموت؛

إذ لو جاءه الموت نفسه لمات به لا محالة. ومنه تسمية المزادة1 الراوية1 والنجو2 نفسه الغائط, وهو كثير. فإن قيل: فكيف عبروا عن الاعتقادات والآراء بالقول, ولم يعبروا عنها بالكلام, ولو سووا بينهما أو قلبوا الاستعمال، كان ماذا؟ 3. فالجواب أنهم إنما فعلوا ذلك من حيث كان القول بالاعتقاد أشبه منه بالكلام وذلك أن الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره, وهو العبارة عنه كما أن القول قد لا يتم معناه إلا بغيره ألا ترى أنك إذا قلت: قام وأخليته من ضمير فإنه لا يتم معناه الذي وضع الكلام عليه وله؛ لأنه إنما وضع على أن يفاد معناه مقترنًا بما يسند إليه من الفاعل, وقام هذه نفسها قول, وهي ناقصة محتاجة إلى الفاعل كاحتياج الاعتقاد إلى العبارة عنه. فلما اشتبها من هنا عبر عن أحدهما بصاحبه. وليس كذلك الكلام؛ لأنه وضع على الاستقلال, والاستغناء عما سواه. والقول قد يكون من الفقر4 إلى غيره على ما قدمناه فكان إلى الاعتقاد المحتاج إلى البيان أقرب وبأن يعبر به عنه أليق. فاعرف ذلك.

_ 1 المزادة: وعاء الماء كالقربة، والراوية في الأصل: البعير يستقى عليه ويحمل المزادة، وتقال الراوية للمزادة نفمها لأن الراوية -وهو البعير- يحملها، فكانت بسبب منه. 2 النجو: البراز الخارج من الدبر. والغائط في الأصل: المنخفض من الأرض، وكانت العادة عندهم قضاء الحاجة في الغائط، إذ هو أستر لصاحبها، فسمى النجو بالغائط لهذه الملابسة. 3 ترى أنه أخرج "ماذا" عن الصدر؛ إذ أعمل فيها "كان" وهذا لا شيء فيه. وكلام العرب على ذلك. وقد ذكر ابن مالك هذا في توضيحه الموضوع على مشكلات الجامع الصحيح، وقد طبع في الهند، واستشهد على هذا الحكم بقول عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: أقول ماذا؟ أفعل ماذا؟ وانظر حاشية الشيخ يس على التصريح في مبحث الموصول. 4 في عبارة اللسان: "المفتقر".

فإن قيل: ولم وضع الكلام على ما كان مستقلًا بنفسه البتة والقول على ما قد يستقل بنفسه, وقد يحتاج إلى غيره ألاشتقاق قضى بذلك أم لغيره من سماع متلقى بالقبول والاتباع قيل: لا؛ بل لاشتقاق1 قضى بذلك2 دون مجرد السماع. وذلك أنا قد قدمنا في أول القول من هذا الفصل أن الكلام إنما هو من الكَلم والكَلام والكُلوم وهي الجراح؛ لما يدعو إليه, ولما يجنيه في أكثر الأمر على المتكلمة3, وأنشدنا في ذلك قوله: وجرح اللسان كجرح اليد ومنه قوله 4: قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم ونحو ذلك من الأبيات التي جئنا بها هناك وغيرها مما يطول به الكتاب، وإنما ينقم من القول ويحقر5, ما ينثى6 ويؤثر, وذلك ما كان منه تامًّا غير ناقص ,ومفهومًا غير مستبهم وهذه صورة الجمل وهو ما كان من الألفاظ قائمًا برأسه غير محتاج إلى متمم له, فلهذا سموا ما كان من الألفاظ تامًا مفيدًا كلامًا؛ لأنه

_ 1 كذا في ج. وفي غيرها من الأصول: "الاشتقاق". 2 كذا في ب، ش، د، هـ. وفي أ: "به". 3 يريد الطائفة المتكلمة، وفي ش، د: "المتكلم" وقد يكون "المتكلمة" تحريفًا عن "المتكلمه": أي المتكلم الكلام. 4 هو الفرزدق. والقوارص جمع القارصة وهي الكلمة المؤذية؛ وقيل هذا البيت: تصرم مني ود بكر بن وائل ... وما كان مني ودهم يتصرم وانظر الكامل طبعة المرصفي 127/ 1. وانظر ديوانه طبعة أوروبا 60؛ وفيه "عني" بدل "مني" في الموضعين "فيحنقرونها" بدل "ويحتقرونها". 5 في الأصول والمطبوعة: "يحقد" وما أثبته هو الموافق لقوله في الشعر: "ويحتقرونها"، ولأن حقد لا يعرف متعديًا. 6 يقال: ثنا الحديث: أذاعه وحدث به.

في غالب الأمر وأكثر الحال مضر بصاحبه وكالجارح له. فهو إذًا من الكلوم التي هي الجروح. وأما القول فليس في أصل اشتقاقه ما هذه سبيله؛ ألا ترى أنا قد عقدنا تصرف " ق ول" وما كان أيضًا من تقاليبها الستة, فأرينا أن جميعها إنما هو للإسراع والخفة, فلذلك سموا كل ما مذل به اللسان من الأصوات قولًا, ناقصًا كان ذلك أو تامًّا. وهذا واضح مع أدنى تأمل. واعلم أنه قد يوقع1 كل واحد من الكلام والقول موقع صاحبه, وإن كان أصلهما قبل ما ذكرته؛ ألا ترى إلى رؤبة كيف قال: لو أنني أوتيت علم الحكل2 ... علم سليمان كلام النمل يريد قول3 الله عز وجل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} وعلى هذا اتسع فيهما جميعًا اتساعًا واحدًا فقال أبو النجم: قالت له الطير تقدم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا وقال الآخر: وقالت له العينان سمعًا وطاعة ... وأبدت كمثل الدر لما يثقب4

_ 1 في ش: "يوضع ... موضع"، وفي ج: "واعلم أنه قد يتسع فيهما فيوضع كل واحد منها موضع الآخر". 2 الحكل ما لا يسمع صوته. وبين الشطرين شطر ثالث هو: علمت منه مسنسر الدخل وانظر ديوانه. 3 كأنه يريد أن حديث النمل أشبه بالاعتقاد, فكان الأجدر به القول الذي يستعمل في الرأي والاعتقاد لخفائه، فاستعمال الكلام فيه من إيقاع الكلام موقع القول. 4 في اللسان في "قول" بدل "وأبدت كمثل الدر": "وحدرتا كالدر", وهذا يناسب التثنية في العينين. وقد جاء الإفراد في "أبدت" في رواية الكتاب؛ لأن العينين لتلازمهما في حكم الفرد كما قال الراجز: لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل أو لأن الضمير في أبدت لمحبوبته.

وقال الراجز: امتلأ الحوض وقال قطني1 وقال الآخر: بينما نحن مرتعون2 بفلج ... قالت الدلح الرواء إنيه إنيه: صوت رزمة السحاب وحنين الرعد وأنشدوا: قد قالت الأنساع للبطن الحق3 فهذا كله اتساع في القول. ومما جاء منه في الكلام قول الآخر: فصبحت والطير لم تكلم ... جابية طمت بسيل مفعم4 وكأن الأصل في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول ألا ترى إلى قلة الكلام هنا وكثرة القول وسبب ذلك وعلته عندي ما قدمناه من سعة مذاهب القول, وضيق مذاهب الكلام. وإذا جاز أن نسمي الرأي والاعتقاد قولًا, وإن لم يكن صوتًا, كانت تسمية ما هو أصوات قولًا أجدر بالجواز. ألا ترى أن الطير لها هدير والحوض له غطيط, والأنساع لها أطيط, والسحاب له دوي. فأما

_ 1 بعده: مهلا رويدا قد ملأت بطني وانظر العيني 361/ 1 والكامل 246/ 4 وحمل العيني هنا على دلالة الحال. 2 مرتعون وصف من أرتع القوم إذا رعوا أي نازلون بهذا المكان. وفلج: واد بين البصرة وحي ضربة، والدلح وصف للسحب واحده دالحة أي مثقلة بالماء، وإنيه بكسر الهمزة كما نص عليه صاحب التاج في "أنه". 3 بعده: قدما فآضت كالفنيق المحنق وهو لأبي النجم، وانظر تفسير الطبري 1/ 405. 4 الجابهة: الحوض العظيم، وطمت: غمرت، يقال: جاء السيل فطم كل شيء أي علاه وغمره، وفي أ: "حفت". وكتب في هامشها "وطمت معا" وهو إشارة إلى الرواية الأخرى. ومفعم ورد هكذا بصيغة المفعول، وهو على الإسناد الهبازي، ولو جاء على وجهه لقيل: مفعِم بكسر العين.

قوله: وقالت له العينان سمعًا وطاعة فإنه وإن لم يكن منهما صوت فإن الحال آذنت بأن لو كان لهما جارحة نطق لقالتا: سمعًا وطاعة. وقد حرر هذا الموضع وأوضحه عنترة بقوله: لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي وامتثله شاعرنا1 آخرًا فقال: فلو قدر السنان على لسان ... لقال لك السنان كما أقول وقال أيضًا: لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدت محيية إليك الأغصنا ولا تستنكر ذكر هذا الرجل -وإن كان مولدًا- في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المولدون كما يتناهبها المتقدمون. وقد كان أبو العباس2 -وهو الكثير التعقب لجلة الناس- احتج بشيء من شعر حبيب3 بن أوس الطائي في كتابه في الاشتقاق, لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه, فأنشد فيه له 4: لو رأينا التوكيد خطة عجز ... ما شفعنا الأذان بالتثويب5

_ 1 يريد بقوله شاعرنا المتنبي وكان ابن جني يحضر عند المتنبي الكثير، يناظره في شيء من النحو، وكان المتنبي يعجب به وبذكائه وحذقه. ويقول: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، ويقول ابن جني في المحتسب وقد استشهد ببيت المتنبي: "ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيرته، وركت طريقته: هذا شاعر محدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز! فإن المعاني لا يرفعها تقدم، ولا يزري بها تأخر"، ولابن جني شرحان على ديوان المتنبي. انظر البغية ومعجم الأدباء. 2 يريد المبرد محمد بن يزيد الإمام في النحو واللغة والأخبار. كانت وفاته سنة 385هـ. 3 هو أبو تمام. وتوفي بالموصل سنة 231. 4 كذا في أوفي ب، ش. "قوله". 5 في أ: "إليك في التثويب" بعد شفعنا.

وإياك والحنبلية بحتًا؛ فإنها خلق ذميم, ومطعم على علاته وخيم 1. وقال سيبويه 2: "هذا باب علم ما الكلم من العربية " فاختار الكلم على الكلام وذلك أن الكلام اسم من كلم بمنزلة السلام من سلم, وهما بمعنى التكليم والتسليم, وهما المصدران الجاريان على كلم وسلم قال الله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وقال -عز اسمه: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فلما كان الكلام مصدرًا, يصلح لما يصلح له الجنس, ولا يختص بالعدد دون غيره3, عدل عنه إلى الكلم, الذي هو جمع كلمة, بمنزلة4 سلمة5 وسلم, ونبقة ونبق, وثفنة6 وثفن. وذلك أنه أراد تفسير ثلاثة أشياء مخصوصة, وهي الاسم, والفعل, والحرف, فجاء بما يخص الجمع, وهو الكلم, وترك ما لا يخص الجمع, وهو الكلام, فكان ذلك أليق بمعناه, وأوفق لمراده. فأما قول مزاحم العقيلي: لظل رهينًا خاشع الطرف حطه ... تخلب جدوى والكلام الطرائف7

_ 1 أي على كل حال. 2 في أول الكتاب. 3 كذا في الأصول، والأسوغ "بعدد". 4 في ج. "مثل". 5 هي الحجرة. 6 الثفنة من البعير والناقة: الركبة. 7 "الطرائف" كذا في أ. وفي ش، ب. "الطوائف" والبيت من قصيدته التي يقول فيها: نقالا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من وافى مني أنا عارف وقد أورد منها العيني في شواهده الكبرى بضعة أبيات، والبغدادي في شرح شواهد المغني بعضا، وصاحب فرحة الأديب بعضا، ولم أقف فيها على البيت الشاهد ولا سابقه. وأورد صاحب اللسان في "زغرف" منها بيتين أرجح أن الثاني منهما هو سابق هذا البيت وهو: ولو بذلت أنسا الأعصم عاقل ... برأس الشرى قد طردته المخاوف وقوله: بذلت هكذا أصلحته. وفي اللسان والتاج: أبدلت. والأعصم العاقل يريد الوعل، والعاقل من عقل إذا صعد. "ورهينا" ثابتا في مكانه لا يريمه من الطرب لما سمع، "جدوى": المرأة التي يتغزل بها، وقد ذكرها في بيت آخر من القصيدة إذ يقول: تذكرني جدوى على النأي والعاي ... طوال الليالي والحام الهواتف وتخليها: دلها وحسن حديثها وسلبها عقل من يقع في حبالة هواها.

فوصفه بالجمع, فإنما ذلك وصف على المعنى, كما حكى أبو الحسن عنهم, من قولهم: "ذهب به الدينار1 الحمر والدرهم البيض " وكما قال: تراها2 الضبع أعظمهن رأسا فأعاد الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد, لما كانت الضبع هنا جنسًا. وبنو تميم يقولون: كِلمة وكِلَم, ككِسرة وكِسَر. فإن قلت: قدمت في أول كلامك أن الكلام واقع على الجمل دون الآحاد, وأعطيت ههنا أنه اسم الجنس؛ لأن المصدر كذلك حاله؛ والمصدر يتناول الجنس وآحاده تناولًا واحدًا. فقد أراك انصرفت عما عقدته على نفسك: من كون الكلام مختصًا بالجمل المركبة, وأنه لا يقع على الآحاد المجردة وأن ذلك إنما هو القول لأنه فيما زعمت يصلح للآحاد, والمفردات, وللجمل المركبات. قيل: ما قدمناه صحيح وهذا الاعتراض ساقط عنه, وذلك أنا نقول: لا محالة أن الكلام مختص بالجمل, ونقول مع هذا: إنه جنس أي جنس للجمل, كما أن الإنسان من قول الله سبحانه: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} جنس للناس, فكذلك الكلام, جنس للجمل, فإذا قال: قام محمد فهو كلام, وإذا قال: قام محمد, وأخوك جعفر فهو أيضًا كلام؛ كما كان لما وقع على الجملة الواحدة كلامًا؛ وإذا قال:

_ 1 كذا في أ. وسقط "به" في ش، ب، د، هـ. 2 كذا في اللسان في كلم وجرهم، والمخصص 8/ 71 وفي أصول الخصائص "تراه". وعجز هذا البيت: جراهمة لها حرة وثيل وهو في وصف ضبع تحفر قبور الموتى، والجراهمة: العظيمة الرأس الجافية، والحرة: الحر، والثيل قضيب البعير وذكره وقد استعاره للضبع، وتزعم العرب أن الضبع خنثى لها ما للرجال والنساء. يقول: إن هذه الضبع تراها الضباع أعظمهن رأسًا أي أنها أعظم الضباع. والبيت لحبيب الأعلم الهذلي "2/ 87 من ديوان الهذليين طبع الدار". وورد في المخصص 8/ 71 من غير عزو. وقد عزاه صاحب اللسان في "جرهم" لساعدة بن جؤية، وهو اشتباه سببه أن لساعدة قصيدة على هذا الروي، وفيها أيضًا وصف الضبع.

قام محمد وأخوك جعفر, وفي الدار سعيد, فهو أيضًا كلام؛ كما كان لما وقع على الجملتين كلامًا. وهذا طريق المصدر لما كان جنسًا لفعله؛ ألا ترى أنه إذا قام قومة واحدة فقد كان منه قيام, وإذا قام قومتين فقد كان منه قيام, وإذا قام مائة قومة فقد كان منه قيام. فالكلام إذًا إنما هو جنس للجمل التوام: مفردها, ومثناها, ومجموعها؛ كما أن القيام جنس للقومات: مفردها ومثناها ومجموعها. فنظير القومة الواحدة من القيام الجملة الواحدة من الكلام. وهذا جلي. ومما يؤنسك بأن الكلام إنما هو للجمل التوام دون الآحاد أن العرب لما أرادت الواحد من ذلك خصته باسم له لا يقع إلا على الواحد, وهو قولهم: "كلِمة ", وهي حجازية, و "كِلمة " وهي تميمية. ويزيدك في بيان ذلك قول كثير: لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة ركعا وسجودا1 ومعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجو2, ولا تحزن, ولا تتملك قلب السامع، إنما ذلك فيما طال من الكلام, وأمتع سامعيه, بعذوبة مستمعه, ورقة حواشيه؛ وقد قال سيبويه 3: "هذا باب أقل ما يكون عليه الكلم " فذكر هنالك حرف العطف, وفاءه, وهمزة الاستفهام, ولام الابتداء, وغير ذلك مما هو على حرف واحد, وسمى كل واحد4 من ذلك كلمة. فليت شعري: كيف يستعذب قول القائل, وإنما نطق

_ 1 من مقطوعة له مطلعها: ولقد لقيت على الدريجة ليلة ... كانت عليك أيامنا وسعودا وقبل البيت: رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذو العذاب قعودا وانظر شرح الديوان 1/ 65 والعيني في الشواهد 4/ 460. 2 في عبارة ابن سيده في اللسان في "كلم": "تشجيه"، وأشجاه وشجاه معناهما واحد. 3 انظر الكتاب ص304 ج2، وترجمة الباب فيه: "هذا باب عدة ما يكون عليه الكلام". 4 في عبارة ابن سيده في اللسان في "كلم": "واحدة".

بحرف واحد! لا بل كيف يمكنه أن يجرد للنطق حرفًا واحدًا؛ ألا تراه أن لو كان ساكنًا لزمه أن يدخل عليه مكن أوله همزة الوصل, ليجد سبيلًا إلى النطق به, نحو "أِب أِص أِق " وكذلك إن كان متحركًا فأراد الابتداء به والوقوف عليه قال في النطق بالباء من بكر: بَه وفي الصاد من صلة: صِه وفي القاف من قدرة: قُه؛ فقد علمت بذلك أن لاسبيل إلى النطق بالحرف الواحد مجردًا من غيره ساكنًا كان, أو متحركًا. فالكلام إذًا من بيت كثير إنما يعني به المفيد من هذه الألفاظ, القائم برأسه المتجاوز لما لا يفيد ولا يقوم برأسه من جنسه، ألا ترى إلى قول الآخر 1: ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت2 بأعناق المطي الأباطح فقوله بأطراف الأحاديث يعلم منه أنه لا يكون إلا جملًا كثيرة, فضلًا عن الجملة الواحدة, فإن قلت: فقد قال الشنفرى: كأن لها في الأرض نسيًا نقصه ... على أمها وإن تخاطبك تبلت3

_ 1 نسب البيتين غير واحد لكثير عزة، وهما في ديوانه المطبوع نقلا عن معاهد التنصيص، ونسبهما المرزباني للمضرب بن كعب بن زهير. وانظر نوادر القالي 166 والسمط على النوادر، واللسان في "طرف". 2 "سالت"، كذا في ش، ب، وفي أ: "مالت". 3 النسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر، وتقعه: تتبع آثره لتجده، وعلى أمها "بفتح الهمزة" أي على سمتها وجهة قصدها، وقوله إن تخاطبك، يروى: إن تحدثك، وتبلت -بكسر اللام- أي تقطع الكلام من الحياء، وروي تبلت -بفتح اللام- أي تنقطع وتسكت، يريد شدة استحيائها فهي لا ترفع رأسها كأنها تطلب شيئًا في الأرض، والبيت من قصيدة مفضلية، وانظر شرح المفضليات لابن الأنباري 201، وانظر الكامل 10/ 7.

أي تقطع كلامها, ولا تكثره, كما قال ذو الرمة: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر1 فقوله: رخيم الحواشي: أي مختصر2 الأطراف وهذا ضد الهذر والإكثار وذاهب في التخفيف والإختصار قيل: فقد قال أيضًا: ولا نزر, وأيضًا فلسنا ندفع أن الخفر يقل معه الكلام, ويحذف فيه أحناء المقال إلا أنه على حال لا يكون ما يجري منه وإن قل ونزر أقل من الجمل التي هي قواعد الحديث, الذي يشوق موقعه ويروق مستمعه. وقد أكثرت الشعراء في هذا الموضع, حتى صار الدال عليه كالدال على المشاهد غير المشكوك فيه؛ ألا ترى إلى قوله: وحديثها كالغيث يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا! فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا 3 -يعني حنين السحاب وسجره4, وهذا لا يكون عن نبرة واحدة, ولا رزمة مختلسة, إنما يكون مع البدء فيه والرجع, وتثنى الحنين على صفحات السمع- وقول ابن الرومي 5:

_ 1 من قصيدته التي مطلعها: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلا ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر 2 كذا فسر ابن جني "رخيم الحواشي" وكأنه ذهب بالترخيم إلى معناه في النحو، وهو حذف آخر الكلمة ففهم الكلمة ففهم منه معنى الاختصار. والمعروف في رخامة الصوت لينه. ويقول شارح الديوان: "رخيم الحواشي: أي لين نواحي الكلام" وانظر الديوان المطبوع في أوروبا 213. 3 البيت الثاني غير مذكور في أ: وهذا البيت أورده صاحب اللسان في هيا، وفيه: "من طرب" في مكان "من فرح". والبيتان في أمالي القالي 84/ 1 وعنده: تتايعت، قال في السمط 275: "وهي رواية جيدة؛ لأن التتايع أخص بالشر، ونسب البيتين البلوي في "ألف باء" 478/ 2 إلى الراعي, وهو يقول في التقدمة لهما: "ألم تسمع أيها الواعي، قول الراعي". 4 السجر في الأصل: صوت الناقة إذا مدت حنينها في إثر ولدها. وقد يستعمل في صوت الرعد، وهو المراد هنا. 5 نسب ابن الشجري في حماسته ص195 الأبيات إلى البحتري.

وحديثها السحر الحلال لو انه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز شرك القلوب وفتنة ما مثلها ... للمطمين وعقلة المستوفز1 فذكر أنها تطيل تارة وتوجز أخرى, والإطالة والإيجاز جميعًا إنما هما في كل كلام مفيد مستقل2 بنفسه ولو بلغ بها الإيجاز غايته لم يكن له3 بد من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنه لا بد فيه من تركيب الجملة, فإن نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب؛ ألا ترى إلى قوله 4: قنا لها قفي لنا قالت قاف وأن هذا القدر من النطق لا يعذب, ولا يجفو, ولا يرق, ولا ينبو, وأنه إنما يكون استحسان القول واستقباحه فيما يحتمل5 ذينك, ويؤديهما إلى السمع, وهو أقل ما يكون جملة مركبة. وكذلك قول الآخر -فيما حكاه سيبويه6: "ألا تا " فيقول مجيبه:

_ 1 سقط هذا البيت في أ. 2 "مقل" في أ. 3 في أبإسقاط "له". 4 هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وكان عاملا لعثمان رضي الله عنه على الكوفة، فاتهم بشرب الخمر فأمر الخليفة بشخوصه إلى المدينة، وخرج في ركب، فنزل الوليد يسوق بهم، فقال: قلت لها قفي فقالت قاف ... لا تحسبينا قد نسبنا الإيجاف والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف وانظر شواهد الشافية 271 والأغاني 131/ 5 وترى في الشطر الشاهد بعض المخالفة وقوله: قالت قاف, أي إني واقفة أو وقفت، فاستغنى بالحرف عن الجملة. 5 "يحمل" في أ. 6 انظر الكتاب ص62 ج2 والنص فيه: "وسمعت من العب من يقول: ألا تا، بلى فا, فإنما أرادوا: ألا تفعل، وبلى فافعل. ولكنه قطع، وفي الكامل 127/ 4 عن الأصمعي: "كان أخوان متجاوران لا يكلم كل واحد منهما صاحبه سائر سنته حتى يأتي وقت الرعي؛ فيقول أحدهما لصاحبه: ألاتا، فيقول الآخر: بلى فا. يريد ألا تنهض، فيقول الآخر: بلى فانهض، وانظر نوادر أبي زيد 127 وشرح الشافية 366.

"بلى فا ". فهذا ونحوه مما يقل لفظه, فلا يحمل حسنًا ولا قبحًا, ولا طيبًا ولا خبثًا. لكن قول الآخر "مالك بن أسماء "1: أذكر من جارتي ومجلسها ... طرائفًا من حديثها الحسن ومن حديث يزيدني مقة ... ما لحديث الموموق من ثمن أدل شيء على أن هناك إطالة وتمامًا2, وإن كان بغير حشو ولا خطل؛ ألا ترى إلى قوله: " طرائفًا من حديثها الحسن " فذا لا يكون مع الحرف الواحد, ولا الكلمة الواحدة, بل لا يكون مع الجملة الواحدة, دون أن يتردد الكلام, وتتكرر فيه الجمل فيبين ما ضمنه من العذوبة وما في أعطافه من النعمة واللدونة؛ وقد قال بشار: وحوراء المدامع من معد ... كأن حديثها ثمر الجنان3 ومعلوم أن4 من حرف واحد, بل كلمة واحدة, بل جملة واحدة لا يجنى ثمر جنة واحدة, فضلًا عن جنان كثيرة. وأيضًا فكما أن المرأة قد توصف بالحياء والخفر فكذلك أيضًا قد توصف بتغزلها ودماثة حديثها ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {عُرُبًا أَتْرَابًا، لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} وأن العروب في التفسير هي المتحببة إلى زوجها المظهرة له ذلك؛ بذلك فسره أبو عبيدة. وهذا لا يكون مع الصمت5, وحذف أطراف القول, بل إنما يكون مع الفكاهة والمداعبة وعليه بيت الشماخ:

_ 1 انظر ذيل الأمالي 90 واللسان في "طرف". 2 كذا في ش، وفي أ: "إتماما". 3 بعده: إذا قامت لمشيشتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران وانظر المختار من شعر بشار 34. 4 يريد أنه، وهذا ضمير الشأن حذفه هنا. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "الضمير".

ولو أني أشاء كننت جسمي ... إلى بيضاء بهكنة شموع1 قيل فيه: الشماعة هي المزح والمداعبة. وهذا باب طويل جدًا وإنما أفضى بنا إليه ذرو2 من القول أحببنا استيفاءه تأنسًا به وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجر والجزم لأن هذا أمر قد فرغ في أكثر الكتب المصنفة فيه منه. وإنما هذا الكتاب مبني على إثارة معادن المعاني وتقرير حال الأوضاع والمبادي, وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي. فقد ثبت بما3 شرحناه وأوضحناه أن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها المستغنية عن غيرها وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل على اختلاف تركيبها. وثبت أن القول عندها أوسع من الكلام تصرفًا وأنه قد يقع على الجزء الواحد وعلى الجملة وعلى ما هو اعتقاد ورأي لا لفظ وجرس. وقد علمت بذلك تعسف المتكلمين في هذا الموضع وضيق القول فيه عليهم حتى لم يكادوا يفصلون بينهما. والعجب ذهابهم عن نص سيبويه فيه، وفصله بين الكلام والقول. ولكل قوم سنة وإمامها4

_ 1 البهكنة: المرأة الغضة الخفيفة الروح. والشموع: المزاحة اللعوب، وقوله: كنت، يوافق ما في ش، وما في المخصص ص2 ج4، وفي المطبوعة وأ: "كتبت". وفي ديوانه: "كنئت نفسي". 2 أي طرف. 3 كذا في أ، وفي ش: "لما". 4 هذا عجز بيت من معلقة لبيد صدره: من معشر سنت لهم آباؤهم

باب القول على اللغة وما هي

باب القول على اللغة وما هي1: أما حدها "فإنها أصوات"2 يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. هذا حدها. وأما اختلافها فلما سنذكره في باب القول عليها: أمواضعة هي أم إلهام. وأما تصريفها ومعرفة حروفها فإنها فعلة من لغوت. أي تكلمت وأصلها لغوة3 ككرة وقلة وثبة كلها لاماتها واوات لقولهم. كروت بالكرة, وقلوت بالقلة؛ ولأن ثبة كأنها من مقلوب ثاب يثوب. وقد دللت على ذلك وغيره من نحوه في كتابي في " سر الصناعة "4. وقالوا فيها: لغات ولغون ككرات وكرون5 وقيل منها لغى يلغى إذا هذى؛ "ومصدره اللغا"6 قال: ورب أسراب حجيج كظم ... عن اللغا ورفث التكلم7 وكذلك اللغو قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} أي بالباطل وفي الحديث: " من8 قال في الجمعة: صه فقد لغا " أي تكلم 9. وفي هذا كاف.

_ 1 سقط الواو في ج. 2 في أ: "فأصوات". 3 في المطبوعة وأ، ج: "لفة" ولا يناسب السياق. وما هنا يوافق ما في ش، ب. 4 ذكر هذا في حرف الواو. 5 كذا بالواو التي تكون في الرفع لتبدو المضاهاة لـ"يلغون" وفي المخصص ج1 ص7 "كرين" وهي ظاهرة. 6 زيادة من ج. 7 سقط صدر البيت في أ. هو لرؤبة، ونسبه ابن يرى للعجاج وهو الصواب، انظر اللسان في "لغو" وديوان العجاج. و"رب"، تبعت في هذا الضبط ش، واللسان في كظم ولغا، وفي المطبوعة، وب: "رب" بضم الراء وأسراب جمع سرب وهو في الأصل القطيع من الوحش والظباء، استعير للطائفة من الحجيج، وقد ضبطتها من غير تنوين مضافة تبعا لما في اللسان، وكظم أي سكوت. 8 لفظ الحديث في البخاري في أبواب الجمعة: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" , وانظر الجامع الصغير في حرف الألف. 9 كذا في الأصول وفي اللسان، ويفسر شراح الحديث هنا اللغو بالكلام بما لا ينبغي.

باب القول على النحو

باب القول على النحو: هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإن لم يكن منهم وإن شذ1 بعضهم عنها رد به إليها. وهو في الأصل مصدر شائع أي نحوت نحوًا كقولك: قصدت قصدًا ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم كما أن الفقه في الأصل مصدر فقهت الشيء أي عرفته ثم خص به علم الشريعة من التحليل والتحريم وكما أن بيت الله خص به الكعبة وإن كانت البيوت كلها لله. وله نظائر في قصر ما كان شائعًا في جنسه على أحد أنواعه. وقد استعملته العرب ظرفًا وأصله المصدر. أنشد أبو الحسن: ترمي الأماعيز مجمرات ... بأرجل روح مجنبات2 يحدو بها كل فتى هيهات ... وهن نحو البيت عامدات3

_ 1 في المطبوعة: "أو" وهو يخالف ما في الأصول. 2 الأماعيز واحدها أمعز، هو ما غلظ من الأرض، والوجه فيها الأماعز، ولكنه زاد الباء للشعر، و"مجمرات" يريد خفافا صلبة، يقال: خف مجمر، وقوله: "بأرجل" إبدال من قوله: "بمجمرات"، وقد جاء هكذا في ش، وأ، وفي اللسان في "نحو"، و"هبت": وأرجل". وروح جمع أروح وروحاء، يقال: رجل روحاء إذا كان في القدم انبساط واتساع، و"مجنبات" كذا في أ. وفي ش، ب: "محنبات". وتجنيب الرجل انحناء فيها وتوتير، وتحنيبها أيضًا بهذا المعنى. وهذا في وصف إبل. وانظر شواهد العيني في مبحث المعرب والمبني. 3 هيات أي يهيت بها، يصيح بها ويدعو: هيت هيت أي أقبلي، وقوله: "وهن نحو البيت عامدات", فنحو البيت هو الخبر أي قاصدات جهة البيت، و"عامدات" حال من الضمير المستكن في الظرف. وانظر اللسان في "وحى" ففيه بعد الشطر الثالث: تنقاه بعد الوهن ذا وحاة

باب القول على الإعراب

باب القول على الإعراب: هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ ألا ترى أنك إذا سمعت أكرم سعيد أباه وشكر سعيدًا أبوه علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول ولو كان الكلام شرجًا1 واحدًا لاستبهم أحدهما من صاحبه. فإن قلت: فقد تقول ضرب يحيى بشرى فلا تجد هناك إعرابًا فاصلًا وكذلك نحوه قيل: إذا اتفق ما هذه سبيله مما يخفى في اللفظ حاله ألزم الكلام من تقديم الفاعل وتأخير المفعول ما يقوم مقام بيان الإعراب. فإن كانت هناك دلالة أخرى من قبل المعنى وقع التصرف فيه بالتقديم والتأخير نحو أكل يحيى كمثرى: لك أن تقدم وأن تؤخر كيف شئت وكذلك ضربت هذا هذه وكلم هذه هذا وكذلك إن وضح الغرض بالتثينة أو الجمع جاز لك التصرف نحو قولك أكرم اليحييان البشريين وضرب البشريين اليحيون2 وكذلك لو أومأت إلى رجل وفرس فقلت 3: كلم هذا هذا فلم يجبه لجعلت الفاعل والمفعول أيهما شئت لأن في الحال بيانًا لما تعني. وكذلك قولك ولدت هذه هذه من حيث كانت حال الأم من البنت معروفة غير منكورة. وكذلك إن ألحقت الكلام ضربًا من الإتباع جاز لك التصرف لما تعقب4 من البيان نحو ضرب يحيى نفسه بشرى أو كلم بشرى العاقل معلى أو كلم هذا وزيدًا يحيى. ومن أجاز قام وزيد عمرو لم يجز ذلك في نحو "كلم هذا وزيد يحيى " وهو يريد كلم هذا يحيى وزيد كما يجيز "ضرب زيدًا وعمرو جعفر ".

_ 1 أي نوعًا، وفي ج: "شرعًا"، يقال: هما في هذا الأمر شرع واحد أي سواء. وقد أثبت "شرجا" بالجيم وفقا لما في د، هـ. وفي بقية الأصول: "شرحا". 2 في الأصول: "البشرين". والصواب ما أثبته. 3 كذا في ج. وفي سائر الأصول: "قلت. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "يعقب".

فهذا طرف من القول1 أدى إليه ذكر الإعراب. وأما لفظه فإنه مصدر أعربت عن الشيء إذا أوضحت عنه؛ وفلان معرب عما في نفسه أي مبين له, وموضح عنه؛ ومنه عربت الفرس تعريبًا إذا بزغته, وذلك أن تنسف أسفل حافره, ومعناه أنه قد بان بذلك ما كان خفيًا من أمره لظهوره إلى مرآة العين بعد ما كان مستورًا وبذلك تعرف حاله: أصلب هو أم رخو؟ و"أصحيح"2 هو أم سقيم وغير ذلك. وأصل هذا كله قولهم "العرب " وذلك لما يعزى إليها3 من الفصاحة, والإعراب والبيان. ومنه قوله4 في الحديث " الثيب تُعرِب عن نفسها " والمعرب: صاحب الخيل العراب وعليه قول الشاعر: يصهل في مثل جوف الطوى ... صهيلًا يبين للمعرب5

_ 1 في المطبوعة تبعا لما في ش وب: "من القرآن الذي أدى إليه ذكر الإعرب" وقد سقطنا "الذي" إذ لا وجه لها في هذا التركيب. 2 كذا في الأصول بتقديم العاطف على أداة الاستفهام والاستفهام له الصدر، والاستعمال الصحيح: "أو صحيح". 3 تبعت في هذا ما في ج، والضمير في "إليها" يرجع إلى العرب وفي المطبوعة، أ، ب: "إليه"، وكأن المراد: إلى الإعراب. وفي ابن يعيش على المفصل 72/ 1: "إليهم" وهي ظاهرة. 4 في المطبوعة، أ، ب. "قولهم"، ولا وجه له. وفي اللسان أنه يروي عن الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي ج: "ومنه الحديث: الثيب ... " والحديث في مسند أحمد وابن ماجه. انظر الجامع الصغير. 5 "في مثل جوف الطوى" -ويروى الركي؛ وكلاهما البئر- يصف سمة جوفه، كأن جوفه بئر، أو أنه يصف شدة صهيله لأن الصوت يبين في البئر، ويذكر أنه مجفر: عظيم الجنبين، "يبين" كذا في ش، أ، واللسان في "عرب" والمخصص ص177 ج6. وفي المطبوعة وب "تبين". وهذا من قصيدة للنابغة الجعدي ذكرت في كتاب الخبل لأبي عبيدة. وانظر سمط اللآلي 414/ 1 والكامل 168/ 6

أي إذا سمع صاحب الخيل العراب صوته علم أنه عربي. ومنه عندي عروبة والعروبة للجمعة1 وذلك أن يوم الجمعة أظهر أمرًا من بقية أيام الأسبوع لما فيه من التأهب لها والتوجه إليها وقوة الإشعار بها؛ قال: بوائم رهطًا للعروبة صيمًا2 ولما كانت معاني المسمين مختلفة كان الإعراب الدال عليها مختلفًا أيضًا وكأنه من قولهم: عربت معدته أي فسدت كأنها استحالت من حال إلى حال كاستحالة الإعراب من صورة إلى صورة. وفي هذا كاف بإذن الله.

_ 1 يريد أن عروبة -ممنوعة الصرف- والعروبة معناهما الجمعة. وعبارة اللسان: وعروبة والعروبة كلتاهما الجمعة. وقد تبعت في هذا الرسم أ، وفي المطبوعة وب: "الجمعة". والجمعة بيان لهما. 2 صدره كما في شرح المفصل 93/ 10 فبات عذوبا للسماء كأنما وقوله: عذوبا أي لم يذق شيئًا، وقوله للسماء أي باد للسماء ليس بينه وبينها ستر. وقوله: يوائم أي يوافق ويفعل ما يفعلون، وصيما: قياما: يريد قوما يصلون الجمعة. وهذا في وصف بعير ظل قائما لا يضع رأسه للرعي. وانظر خلق الإبل للأصمعي في مجموعة الكنز اللغوي 132.

باب القول على البناء

باب القول على البناء: وهو لزوم آخر الكلمة ضربًا واحدًا: من السكون أو الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل. وكأنهم إنما سموه بناء لأنه لما لزم ضربًا واحدًا فلم يتغير تغير الإعراب سمي بناء من حيث كان البناء لازمًا موضعه لا يزول من مكان إلى غيره وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المبتذلة1 كالخيمة والمظلة والفسطاط والسرادق ونحو ذلك. وعلى أنه قد أوقع على هذا الضرب من المستعملات المزالة من مكان إلى مكان لفظ البناء تشبيهًا لذلك2 -من حيث

_ 1 أي التي دون الأبنية الثانية. وهذا الرسم يوافق ما في المطبوعة، ب، واللسان. وفي ش وأ: "المبتدلة"، وقد تكون إن صحت "المتبدلة". أي التي تبدل وتنقل. 2 تبعت في هذا نسخة أ، وفي المطبوعة وب: "بذلك"، ولا وجه له.

كان مسكونًا, وحاجزًا ومظلًا -بالبناء من الآجر والطين والجص؛ ألا ترى إلى قول أبي مارد الشيباني: لو وصل الغيث أبنين امرأ ... كانت له قبة سحق بجاد1 أي لو اتصل الغيث لأكلأت الأرض وأعشبت فركب الناس خيلهم للغارات فأبدلت الخيل الغني الذي كان له قبة من قبته سحق بجاد فبناه بيتًا له بعد ما كان يبني لنفسه قبة. فنسب ذلك البناء2 إلى الخيل لما كانت هي الحاملة للغزاة الذين أغاروا على الملوك فأبدلوهم من قبابهم ونظير معنى هذا البيت ما أخبرنا به أبو بكر محمد3 بن الحسن عن أحمد4 بن يحيى من قول الشاعر: قد كنت تأمنني والجدب دونكم ... فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا5 ومثله أيضًا ما رويناه عنه "عنه"6 أيضًا من قول الآخر: قوم إذا اخضرت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر7

_ 1 البجاد: الكساء المخطط، والسحق: البالي. والبيت في تنبيه البكري على أوهام القالي 19 وفي اللآلي له 123/ 1 والذي في اللآلي: "أبنينا" بإسناد هذا الفعل إلى الشاعر وقومه في الحيوان للجاحظ طبعه "الساسي" 5/ 137، وفي معاني ابن قتيبة 895. 2 كذا في الأصول. والمناسب: "الإبناء". 3 هو المعروف بابن مقسم، وهو أبو بكر العطار المقرئ النحوى، كان من أعرف الناس بالقراءات ونحو الكوفيين مات 355، وهو رواية لثعلب. 4 هو أبو العباس ثعلب من أئمة الكوفيين مات 291. 5 قوله: "نزا" كان ينبغي تأنيث الفعل فيقول: نزت، ولكنه نظر إلى المضاف إليه وهو الجراد، ونزو الجواد كناية عن الخصب وكثرة المزدرع. 6 زيادة من أ، يريد عن أبي بكر عن أحمد بن يحيى. 7 انظر المخصص ص179 ج1 وفيه بعد البيت: "واخضرار النعل من اخضرار الأرض" وفي هذا ميل إلى أن النعل: ما يلبس في الرجل، والكلام كناية عن الخصب.

قالوا في تفسيره: إن النعال جمع نعل وهي الحرة أي إذا اخضرت الأرض بطروا وأشروا1 فنزا بعضهم على بعض. وبنحو من هذا فسر أيضًا قول النبي2 صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" أي إذا ابتلت الحرار. ومن هذا اللفظ والمعنى ما حكاه أبو زيد من قولهم: "المعزى تبهى ولا تبنى". ف "تبهى " تفعل من البهو أي تتقافز على البيوت من الصوف فتخرقها فتتسع الفواصل من الشعر فيتباعد ما بينها حتى يكون في سعة البهو 3. "ولا تبنى " أي لا ثلة لها وهي الصوف فهي لا يجز منها الصوف ثم ينسجونه ثم يبنون منه بيتًا. هكذا فسره أبو زيد. قال: ويقال أبنيت الرجل بيتًا إذا أعطيته ما يبني منه بيتًا. ومن هذا قولهم: قد بنى فلان بأهله وذلك أن الرجل كان إذا أراد الدخول بأهله بنى بيتًا من أدم أو قبة أو نحو ذلك من غير الحجر والمدر ثم دخل بها فيه فقيل لكل داخل بأهله: هو بان بأهله وقد بنى بأهله. وابتنى بالمرأة هو افتعل من هذا اللفظ وأصل المعنى منه. فهذا كله على التشبيه لبيوت الأعراب ببيوت ذوي الأمصار. ونحو من هذه الاستعارة في هذه الصناعة استعارتهم ذلك في الشرف والمجد قال لبيد: فبنى لنا بيتًا رفيعًا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها

_ 1 في أ: "فأشروا"، وما هنا أجود؛ فإن الأشر هو البطر. 2 لم أقف على لفظ هذا الحديث. وفي الصحاح معناه. فقد روى مالك والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن في الليلة الباردة أو ذات المطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في رحالكم. انظر تيسير الوصول للزبيدي في باب الجماعة. 3 هكذا "يكون" كما في ش، وفي المطبوعة وأ: "تكون"، وما هنا أجود.

وقال غيره 1: بنى البناة لنا مجدًا ومأثرة ... لا كالبناء من الآجر والطين وقال الآخر 2: لسنا وإن كرمت أوائلنا ... يومًا على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا ومن الضرب3 الأول قول المولد: وبيت قد بنينا فا ... رد كالكوكب الفرد بنيناه على أعم ... دة من قضب الهند وهذا واسع4 غير أن الأصل فيه ما قدمناه.

_ 1 البيت لان كدراء العجلي كما في الفاضل: 38، وانظر الحماسة بشرح التبريزي 4/ 119. 2 هو بعد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، انظر كامل المبرد بشرح المرصفي ص175 ج2. وفي معجم الشعراء للمرزباني 400 نسبتهما إلى معن بن أوس. 3 يبدو أن قول المولد من الضرب الثاني، وهو استعارة البناء لبيت الشرف والمجد، فهو يريد أنهم بنوا بيت شرفهم بحد السيوف ومصاولة الأعداء، وذلك ما عناه بقوله: بنيناه على أعمدة من قضب الهند، وقضب الهند هي السيوف. 4 في ش: أوسع.

باب القول على اصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح

باب القول على أصل اللغة أإلهام1 هي أم اصطلاح: هذا موضع محوج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظرعلى أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي "وتوقيف "2. إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يومًا: هي من عند الله واحتج بقوله سبحانه: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} وهذا لا يتناول موضع الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله: أقدر

_ 1 جعلتها هكذا "أإلهام" إذ المقام للاستفهام، ويؤنس لهذا ما في أ: "ا. لهام" وفي ش, ب، والمطبوعة "إلهام". ويمكن تخريج هذا على حذف همزة الاستفهام، وهذا يجيزه الأخفش في الاختيار إذا كان في الكلام ما يدل عليه كما هما، وفي المزهر 7/ 1 حيث ساق عبارة ابن جني: "باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح". 2 كذا في أ، وفي ش، ب "ولا توقيف".

آدم على أن واضع عليها وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة. فإذا كان ذلك محتملًا غير مستنكر سقط الاستدلال به. وقد كان أبو علي رحمه الله أيضًا قال1 به في بعض كلامه. وهذا أيضًا رأي أبي الحسن على أنه2 لم يمنع قول من قال: إنها تواضع منه 3. على أنه قد فسر هذا بأن قيل: إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات: العربية والفارسية والسريانية والعبرية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهدهم بها. وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به. فإن قيل: فاللغة فيها أسماء وأفعال وحروف وليس يجوز أن يكلم المعلم من ذلك الأسماء دون غيرها: مما ليس بأسماء فكيف خص الأسماء وحدها؟ قيل: اعتمد4 ذلك من حيث كانت الأسماء أقوى القبل5 الثلاثة ولا بد لكل كلام مفيد من الاسم وقد تستغني الجملة المستقلة عن كل واحد من الحرف

_ 1 أي بالقول بالتواضع والاصطلاح. 2 أي أبا الحسن، هو الأخفش، وحاصل هذا أن أبا علي وأبا الحسن قالا بالرايين، وقد صرح بهذا في ج ففيها بعد ذكر القولين: "وكلا الأمرين أجازه أبو الحسن وأبو علي". والتوقيف رأي الأشعري، والاصطلاح رأي المعتزلة. 3 كأن الضمير يعود على آدم، وقد سبق ذكره في قوله "أقدر آدم على أن وضاع عليها". 4 ضبط بالبناء للفاعل، أي اعتمد ذلك الله تعالى، وقد اعتمدت في هذا الضبط على ما في المخصص ص4 ج1. 5 واحده قبيل، وهو الجماعة، كأن كل نوع من أنواع الكلمة جماعة وطائفة. وفي عبارة المخصص: "الأنواع".

والفعل فلما كانت الأسماء من القوة والأولية في النفس والرتبة على ما لا خفاء به جاز أن يكتفى بها مما هو تال لها ومحمول في الحاجة إليه عليها 1. وهذا كقول المخزومي 2: الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد أي فإذا كان الله يعلمه فلا أبالي بغيره سبحانه أذكرته واستشهدته3 أم لم4 أذكره ولم أستشهده. ولا يريد بذلك أن هذا أمر خفي فلا يعلمه إلا الله وحده بل إنما يحيل فيه على أمر واضح وحال مشهورة5 حينئذ متعالمة. وكذلك قول الآخر: الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور6

_ 1 بنى ابن جني هذا الجواب على أن المعنى بالأسماء في الآية الكريمة مصطلح النحاة فيها. وهذا اصطلاح حادث. والاسم في اللغة ما كان علامة على مسمى، وهذا يشمل الأنواع الثلاثة، وبهذا يسقط السؤال. وانظر المزهر 11/ 1. 2 هو الحارث بن هشام، عيره صيدنا حسان بفراره يوم بدر من المسلمين، فقال هذا في قصيدة يعتذر بها عن فراره. ويعني بالأصقر المزبد الدم، وهو مزبد أي علاه الزبد، وفي رواية سيرة ابن هشام: "الله أعلم". انظر هذه السيرة في غزوة بدر. 3 هكذا في الأصول ما عدا المطبوعة وب، ففيهما: "استشهدت به". 4 كذا في ج "أم" وفي سائر الأصول "أو" وهذا لا يصح في العربية. 5 هكذا في أ. وفي المطبوعة وب: "مشهودة". 6 صور واحده أصور، وصف من الصور، وهو إمالة العنق. وبعده: ونسب الزوزني عند قول عنترة في معلقته. ينباع من ذفرى غضوب جسرة الشطر الأخير إلى ابن هرمة. وهذا اشتباه، فإن لابن هرمة بيتا ينشد في هذا المقام -وهو إشباع الحركة فيتولد الحرف- وهو: وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح وانظر اللسان في "نزح" وقد تابع الزوزني ابن جماعة في حاشيته على شرح الجاربردي للشافية ص40. والبيتان في الخزانة في الشاهد الحادي عشر ولم يعزهما.

وليس بمدع أن هذا باب مستور ولا حديث غير مشهور حتى إنه لا يعرفه أحد إلا الله وحده وإنما العادة في أمثاله عموم معرفة الناس به لفشوه فيهم وكثرة جريانه على ألسنتهم. فإن قيل: فقد جاء عنهم في كتمان الحب وطيه وستره والبجح1 بذلك والادعاء له ما لا خفاء به؛ فقد ترى إلى اعتدال الحالين فيما ذكرت. قيل: هذا وإن جاء عنهم فإن إظهاره أنسب2 عندهم وأعذب على مستمعهم ألا ترى أن فيه إيذانًا من صاحبه بعجزه عنه وعن ستر مثله ولو أمكنه إخفاؤه والتحامل3 به لكان مطيقًا له مقتدرًا عليه وليس في هذا من التغزل ما في الاعتراف بالبعل4 به وخور الطبيعة عن الاستقلال بمثله ألا ترى إلى قول عمر "بن أبي ربيعة"5: فقلت لها ما بي من ترقب ... ولكن سري ليس يحمله مثلي6 وكذلك قول الأعشى: وهل تطيق وداعًا أيها الرجل7 وكذلك قول الآخر: ودعته بدموعي يوم فارقني ... ولم أطق جزعًا للبين مد يدي8

_ 1 البجح بالشيء: الفرح به. 2 أي أرق نسيبا واغزل. 3 مصدر تحامل في الأمر وبه: تكلفه على مشقة. 4 البعل -بالتحريك: الضجر. 5 زيادة من ج. 6 من قصيدة له مطلعها: جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتل وقبله: فقال وأرخت جانب الستر بيننا ... معي فتحدث غير ذي رقبة أهلي وانظر الديوان. والحصاب -بزنة كتاب- موضع رمي الجمار بمنى. 7 صدره: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهو مطلع معلقته 8 هذا البيت أول ثلاثة أبيات في المختار من شعر بشار 348 ويه "صالحته" بدل "ودعته".

والأمر في هذا أظهر وشواهده أسير وأكثر. ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيًا. وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد "منها"1 سمة ولفظًا إذا ذكر عرف به ما مسماه2، ليمتاز من غيره وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله. بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني3 وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد كيف4 يكون ذلك لو جاز وغير هذا مما هو جار في الاستحالة والبعد مجراه فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومئوا إليه وقالوا: إنسان إنسان إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا: يد عين رأس قدم أو نحو ذلك. فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيها5 وهلم جرا فيما سوى هذا من الأسماء والأفعال والحروف. ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول: الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد6 والذي اسمه رأس فليجعل مكانه سر6 وعلى هذا بقية الكلام. وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها لجاز أن تنقل ويولد

_ 1 زيادة من ش. 2 العبارة في المزهر ص8 ج1: "عرف به مسماه". 3 في عبارة الخصائص التي ساقها ابن علان في شرح الاقتراح: "كالمعاني". 4 في المزهر: "وكيف". 5 في ش: "معناها". 6 مرد: هو الإنسان، وسر: الرأس في الفارسية. والمرد -في العربية- النضيج من ممر الأراك.

منها لغات كثيرة: من الرومية والزنجية وغيرهما. وعلى هذا ما نشاهده الآن من اختراعات الصناع لآلات صنائعهم من الأسماء: كالنجار والصائغ والحائك والبناء وكذلك الملاح. قالوا: ولكن لا بد لأولها من أن يكون متواضعًا1 بالمشاهدة والإيماء. قالوا: والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحدًا من عباده على شيء إذ قد ثبت أن المواضعة لا بد معها من إيماء وإشارة بالجارحة نحو المومأ إليه والمشار نحوه والقديم سبحانه لا جارحة له فيصح الإيماء والإشارة بها منه فبطل عنهم أن تصح المواضعة على اللغة منه تقست أسماؤه قالوا: ولكن يجوز أن ينقل الله اللغة التي قد وقع التواضع بين عباده عليها بأن يقول: الذي كنتم تعبرون عنه بكذا عبروا عنه بكذا والذي "كنتم تسمونه"2 كذا ينبغي أن تسموه كذا3 وجواز هذا منه -سبحانه- كجوازه من عباده. ومن هذا الذي في الأصوات ما يتعاطاه الناس الآن4 من مخالفة الأشكال في حروف المعجم كالصورة5 التي توضع للمعميات6 والتراجم6 وعلى ذلك أيضًا اختلفت أقلام ذوي

_ 1 كذا في الأصول. والواجب أن يقال: "متواضعًا عليه"، وفي المزهر 5/ 1: "متواضعها" وكأنه مصدر ميمي. 2 كذا في الأصول عداش ففيها "والذي سميتموه". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "بكذا". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "في". 5 كذا في الأصول. وفي المزهر 9/ 1: "كالصور". 6 يريد بالمعميات ما عمى وألغز في الرسم والكتابة. وذلك ما يكتب بصورة مصطلح عليها غير الاصطلاح المألوف، ومن أمثلة ذلك أن يكتب الكاف بدل الميم، والطاء بدل الحاء، والراء بدل الدال، فيكتب محمد: كطكر. وهو ما يعرف في اصطلاح العصر بالشفرة. والتراجم جميع الترجمة وهو المعمى نفسه" ويقال له المترجم؛ فكأنه سمي بذلك لما أنه يحتاج إلى الترجمة والكشف عنه، وقد كان المتقدمون يعرفون هذا، وعقد له في صبح الأعشى بابا طويلا -ص231 ج9، وذكر أن لابن الدريهم كتابا فيه، وقد نقل عنه قدرا صالحا في هذا العلم. وانظر في فن المعمى بوجه عام الخزانة 113/ 3. وفي نقد النثر: 26 و"من الظن العيافة والقيافة والزجر والكهانة واستخراج المعمى والمترجم من الكتب، وفيه في ص28: "ألا ترى أنك تظن بالترجمة أنها حروف ما، فإذا أدرتها في سائر المواضع التي تثبت صورها فيها امتحنتها فوجدتها مصدقة لظنك حكمت بحصتها، وإذا خالفت علمت أن ظنك لم يقع موقعه، فأوقعته على غير تلك الحروف إلى أن تصح لك".

اللغات؛ كما اختلفت أنفس الأصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات. وهذا قول من الظهور على ما تراه. إلا أنني سألت يومًا بعض أهله1 فقلت: ما تنكر أن تصح المواضعة من الله تعالى وإن لم يكن ذا جارحة بأن يحدث في جسم من الأجسام خشبة أو غيرها إقبالًا على شخص من الأشخاص وتحريكًا لها نحوه ويسمع في نفس تحريك الخشبة نحو ذلك الشخص صوتًا يضعه اسمًا له2 ويعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشخص دفعات مع أنه -عز اسمه- قادر على أن يقنع في تعريفه ذلك بالمرة الواحدة فتقوم الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المواضعة وكما أن الإنسان أيضًا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المراد المتواضع عليه فيقيمها في ذلك مقام يده لو أراد الإيماء بها نحوه فلم يجب عن هذا بأكثر من الاعتراف بوجوبه ولم يخرج من جهته شيء أصلًا فأحكيه عنه وهو عندي3 وعلى ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع مواضعة القديم تعالى لغة مرتجلة4 غير ناقلة لسانًا إلى لسان. فاعرف ذلك. وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب،

_ 1 هم المعتزلة. انظر المزهر ص12 ج1، وينسب هذا المذهب إلى أبي هاشم الجبائي عبد السلام بن محمد من رءوس المعتزلة. وكانت وفاته سنة 321. وانظر المزهر 10/ 1. 2 أي الشخص المراد وضع الاسم له. والشخص: سواد الإنسان وغيره، والذي يفهم التسمية بالضرورة غير الشخص المسمى. 3 العبارة في المزهر "وهذا عندي على ما تراه الآن لازم" 4 قيد بهذا لأن هذا موضع المنع عند القائلين به، فهم إنما ينكرون أن يواضع الباري لغة مرتجلة، فأما أن يواضع لغة ثابتة من قبل بأن ينقلها إلى لغة أخرى فيقول: ما تعبرون عنه بكذا عبروا بكذا فلا شيء فيه ما سبق له.

وصهيل الفرس ونزيب1 الظبي ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل. واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول2 على فكري. وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علي جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة3 السحر. فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله ومنه ما حذوته على أمثلتهم فعرفت بتتابعه وانقياده وبعد مراميه وآماده صحة ما وفقوا لتقديمه منه. ولطف ما أسعدوا به وفرق لهم عنه. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله عز وجل فقوى في نفسي اعتقاد كونها توفيقًا من الله سبحانه وأنها وحي. ثم أقول في ضد هذا: كما وقع لأصحابنا ولنا وتنبهوا وتنبهنا على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا -وإن بعد مداه عنا- من كان ألطف منا أذهانًا وأسرع خواطر وأجرأ جنانًا. فأقف4 بين تين الخلتين حسيرًا وأكاثرهما فأنكفيء مكثورًا. وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها5 عن صاحبتها قلنا به وبالله التوفيق.

_ 1 التزيب: صوت تيس الظباء عند السفاد. 2 تغول الأمور: اشتباهها وتناكرها. 3 الغلوة: الغاية في سياق الخيل، يريد أنه يدنو من غاية السحر. 4 يبدو من هذا أن مذهب ابن جني في هذا المبحث للوقف، فتراه لا يجزم بأحد الرأيين: الاصطلاح والتوقيف. وقد صرح بهذا ابن الطيب في شرح الاقتراح. 5 كذا في ش والمزهر 10/ 1. وفي أ: "يفكها". أي يفصلها عنها. وهذا يرجع، إلى المعنى الأول.

باب ذكر علل العربية أكلامية هي أم فقهية؟

باب ذكر علل العربية أكلامية هي أم فقهية؟ 1 اعلم أن علل2 النحويين -وأعني بذلك حذاقهم المتقنين لا ألفافهم3 المستضعفين- أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين. وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك حديث علل الفقه. وذلك أنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام ووجوه الحكمة فيها خفية عنا غير بادية الصفحة4 لنا؛ ألا ترى أن ترتيب مناسك الحج وفرائض الطهور والصلاة والطلاق وغير ذلك إنما يرجع في وجوبه إلى ورود الأمر بعمله ولا تعرف علة جعل الصلوات في اليوم والليلة خمسًا دون غيرها من العدد ولا يعلم أيضًا حال الحكمة والمصلحة في عدد الركعات ولا في اختلاف ما فيها من التسبيح والتلاوات إلى غير ذلك مما يطول ذكره ولا تحلى النفس بمعرفة السبب الذي كان له ومن أجله وليس كذلك علل النحويين. وسأذكر طرفًا من ذلك لتصح الحال به.

_ 1 لما كان هم أبي الفتح في هذا الكتاب إبداء حكمة العرب وسداد مقاصدهم فيما أتوا في لغتهم، كان ذلك بإبداء العلل لسننهم وخططهم في تأليف لسانهم أخذ نفسه في تقوية العلل التي تنسب إلى أفعالهم وتحمل عليهم؛ وهو ما يقوم به النحويون. وكان من دواعي ذلك أن اشتهر بين الناس ضعف علل النحاة؛ فهذا ابن فارس يقول: مرت بنا هيفاء مجدولة ... تركت تنمي لتركي ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي انظر وفيات ابن خلكان ص36 ج1 في ترجمة ابن فارس. 2 كذا في ش، ب. وفي أ "علل جلل النحو بين". وفي المطبوعة "علل جل النحو بين". 3 الألفاف: القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدًا، والواحد لف أو لفيف، وشأن هؤلاء الأخلاط الضعف وعدم استحكام القوة. 4 كذا في الأصول ما عدا ج ففيها "الصفح". والصفح والصفحة: الجانب. 5 أي لا تظفر، يقال: حليت من فلان بخير: أصبته وأدركته، من ذلك قولهم: ما حليت من هذا الأمر بطائل، وهو من باب علم.

قال أبو إسحاق1 في رفع الفاعل ونصب المفعول: إنما فعل ذلك للفرق بينهما ثم سأل نفسه فقال: فإن قيل: فهلا عكست الحال فكانت فرقًا أيضًا؟ قيل: الذي فعلوه أحزم وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد وقد يكون له مفعولات كثيرة فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته وذلك ليقل في كلامهم ما يسثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون 2. فجرى ذلك في وجوبه ووضوح أمره مجرى شكر المنعم وذم المسيء في انطواء الأنفس عليه وزوال اختلافها فيه ومجرى وجوب طاعة القديم سبحانه لما يعقبه3 من إنعامه وغفرانه. ومن ذلك قولهم: إن ياء نحو ميزان وميعاد انقلبت عن واو ساكنة لثقل الواو الساكنة بعد الكسرة. وهذا أمر لا لبس في معرفته ولا شك في قوة الكلفة في النطق به. وكذلك قلب الياء في موسر وموقن واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها. ولا توقف في ثقل الياء الساكنة بعد الضمة لأن حالها في ذلك حال الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا -كما تراه- أمر يدعو الحس إليه ويحدو4 طلب الاستخفاف عليه. وإذا كانت الحال المأخوذ بها المصير بالقياس إليها حسية طبيعية5، فناهيك بها ولا معدل بك عنها. ومن ذلك قولهم في سيد وميت وطويت طيًّا وشويت شيًّا: إن الواو قلبت ياء لوقوع الياء الساكنة قبلها في سيد وميت ووقوع الواو الساكنة قبل الياء في شيا وطيا. فهذا

_ 1 هو الزجاج. 2 يبدو لي أن هذا آخر كلام الزجاج. 3 كذا في الأصول. والظاهر أن هذا حديث عن طاعة القديم، فكان الواجب أن يقال: لما تعقبه إذا جعل من أعقب، أو لما يعقبها إذا جعل من عقب، وكأنه ذهب بالطاعة مذهب الامتثال فذكر ضميرها. 4 كما في أ، ج. وفي المطبوعة وب: "يحلو" ولا معنى لها. 5 كذا في الأصول. والقياس طبيعة، وقد جاء الشذوذ في السليقية، ولم يعرف في الطبيعية.

أمر هذه سبيله أيضًا ألا ترى إلى ثقل اللفظ بسيود وميوت وطويا وشويا وأن سيدا وميتا وطيا وشيا أخف على ألسنتهم من اجتماع الياء والواو مع سكون الأول منهما. فإن قلت: فقد جاء عنهم نحو حيوة1 وضيون وعوى الكلب عوية فسنقول في هذا ونظائره في باب بلى هذا، باسم الله. وأشباه هذا كثيرة جدًا. فإن قلت: فقد نجد أيضًا في علل الفقه ما يضح2 أمره وتعرف علته نحو رجم الزاني إذا كان محصنًا وحده إذا كان غير محصن وذلك لتحصين الفروج وارتفاع الشك في الأولاد والنسل. وزيد في حد المحصن على غيره لتعاظم جرمه وجريرته على نفسه. وكذلك إفادة القاتل بمن قتله لحقن الدماء وكذلك إيجاب الله الحج على مستطيعه لما في ذلك من تكليف المشقة ليستحق عليها المثوبة وليكون أيضًا دربة للناس على الطاعة وليشتهر3 به أيضًا حال الإسلام ويدل به على ثباتها واستمرار العمل بها فيكون أرسخ له وأدعى إلى ضم نشر4 الدين وفثء5 كيد المشركين. وكذلك نظائر هذا كثيرة جدًا. فقد ترى إلى معرفة أسبابه كمعرفة أسباب ما اشتملت عليه علل الإعراب فلم جعلت علل الفقه أخفض رتبة من علل النحو قيل له: ما كانت هذه حاله من علل الفقه فأمر لم يستفد من طريق الفقه ولا يخص حديث الفرض والشرع،

_ 1 حيوة من الأعلام، والضبون: السنور الذكر. 2 هكذا في ش، أ. وفي ب، ج والمطبوعة: "يصح". 3 كذا في ش، م. وفي أ: "لتشهر". 4 النشر: في المنتشر، يقال: ضم الله نشرك. 5 كذا في أ. والفثء: الكسر، ويقال: فثأ الله عنك الشر؛ كفه. وفي ب: "فت" ويقال: فث الماء المار بالبارد: كسره وسكنه، فهو قريب من الأتاء.

بل هو قائم في النفوس قبل ورود الشريعة به ألا ترى أن الجاهلية الجهلاء كانت تحصن فروج مفارشها وإذا شك الرجل منهم في بعض ولده لم يلحقه به خلقًا قادت إليه الأنفة والطبيعة ولم يقتضه نص ولا شريعة. وكذلك قول الله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} قد كان هذا من أظهر شيء معهم وأكثره في استعمالهم أعني حفظهم للجار ومدافعتهم عن الذمار1 فكأن الشريعة إنما وردت فيما هذه حاله بما كان معلومًا معمولًا به حتى إنها لو لم ترد بإيجابه لما أخل ذلك بحاله لاستمرار الكافة على فعاله. فما هذه صورته من عللهم جار مجرى علل النحويين. ولكن ليت شعري من أين يعلم وجه المصلحة في جعل الفجر ركعتين والظهر والعصر أربعًا أربعًا والمغرب ثلاثًا والعشاء الآخرة أربعًا ومن أين يعلم علة ترتيب الأذان على ما هو عليه وكيف تعرف علة تنزيل مناسك الحج على صورتها ومطرد العمل بها ونحو هذا كثير جدًّا. ولست تجد شيئًا مما علل به القوم وجوه الإعراب إلا والنفس تقبله والحس منطو على الاعتراف به ألا ترى أن عوارض ما يوجد في هذه اللغة شيء سبق وقت الشرع وفزع إلى التحاكم فيه إلى بديهة الطبع فجميع علل النحو إذًا مواطئة للطباع وعلل الفقه لا ينقاد جميعها هذا الانقياد. فهذا فرق. سؤال "قوي"2: فإن قلت: فقد نجد في اللغة أشياء كثيرة غير محصاة ولا محصلة لا نعرف لها سببًا ولا نجد إلى الإحاطة بعللها مذهبًا. فمن ذلك إهمال ما أهمل وليس في القياس ما يدعو إلى إهماله وهذا أوسع من أن يحوج إلى ذكر طرف

_ 1 الذمار -بزنة كتاب- ما لزمك حفظه مما يتعلق بك. 2 زيادة في أ. وقد جاء هذا الوصف في المطبوعة، ش، ب بجانب "فرق" وسقط فيما في هذا الموضع.

منه ومنه الاقتصار في بعض الأصول على بعض المثل ولا نعلم قياسا يدعو إلى تركه نحو امتناعهم أن يأتوا في الرباعي بمثال فَعلُل أو فُعلِل أو فَعَل أو فِعِل أو فُعُل ونحو ذلك. وكذلك اقتصارهم في الخماسي على الأمثلة الأربعة دون غيرها مما تجوزه القسمة. ومنه أن عدلوا فُعَلا عن فاعل في أحرف محفوظة. وهي ثعل وزحل وغدر وعمر وزفر وجشم وقثم وما يقل تعداده. ولم يعدلوا في نحو مالك وحاتم وخالد وغير ذلك فيقولوا: مُلك ولا حُتم ولا خُلد. ولسنا نعرف سببًا أوجب هذا العدل في هذه الأسماء التي أريناكها دون غيرها فإن كنت تعرفه فهاته. فإن قلت: إن العدل ضرب من التصرف وفيه إخراج للأصل عن بابه إلى الفرع وما كانت هذه حاله أقنع منه البعض ولم يجب أن يشيع في الكل. قيل: فهبنا سلمنا ذلك لك تسليم نظر فمن لك بالإجابة عن قولنا: فهلا جاء هذا العدل في حاتم ومالك وخالد وصالح ونحوها؛ دون ثاعل, وزاحل, وغادر, وعامر, وزافر, وجاشم, وقاثم؟ ألك ههنا نفق فتسلكه, أو مرتفق1 فتتوركه؟ وهل غير أن تخلد إلى حيرة الإجبال2, وتخمد نار الفكر حالًا! على حال! ولهذا ألف نظير, بل ألوف كثيرة ندع الإطالة بأيسر اليسير منها. وبعد فقد صح ووضح أن الشريعة إنما جاءت من عند الله تعالى؛ ومعلوم أنه سبحانه لا يفعل شيئًا إلا ووجه المصلحة والحكمة قائم فيه, وإن خفيت عنا

_ 1 المرتفق: المنكأ، "فتتوركه" تعتمد عليه، والأصل في هذا أن يقال: تورك عليه؛ وضع وركه عليه. 2 الإجبال: الانقطاع، يقال: أجيل الشاعر؛ صعب عليه القول، لا يتهيأ له سبيله. وأصل هذا أنه يقال: أجبل الحافر؛ انتهى إلى صلابة وجبل فلا يصيب ماء. وقد ضبط في المطبوعة: "الأجيال" بفتح الهمزة، ولا معنى لهذا هنا.

أغراضه ومعانيه, وليست كذلك حال هذه اللغة؛ ألا ترى إلى قوة تنازع أهل الشريعة1 فيها, وكثرة الخلاف في مباديها, ولا تقطع فيها بيقين, ولا من الواضع لها ولا كيف وجه الحكمة في كثير مما أريناه آنفًا من حالها وما هذه سبيله لا يبلغ شأو ما عرف الآمر به -سبحانه وجل جلاله- وشهدت النفوس واطردت المقاييس على أنه أحكم الحاكمين سبحانه. انقضى السؤال. قيل: لعمري إن هذه أسئلة2 تلزم من نصب نفسه لما نصبنا أنفسنا من هذا الموقف له. وههنا أيضًا من السؤالات أضعاف هذه الموردة، وأكثر من أضعاف ذلك، ومن أضعاف أضعافه غير أنه لا ينبغي أن يعطى3 فيها باليد. بل يجب أن ينعم الفكر فيها ويكاس4 في الإجابة عنها. فأول ذلك أنا لسنا ندعي أن علل أهل العربية في سمت العلل الكلامية البتة بل ندعي أنها أقرب إليها من العلل الفقهية وإذا5 حكمنا بديهة العقل وترافعنا إلى الطبيعة والحس فقد وفينا الصنعة حقها وربأنا6 بها أفرع مشارفها. وقد قال سيبويه 7: وليس شيء8 مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا. وهذا أصل يدعو إلى البحث9 عن

_ 1 كذا في الأصول والمناسب للسياق: أهل العربية. وقد أبقيته لأنه قد يريد أن مباحث أصول العربية تولاها أهل الشريعة، فقد تكلم الشافعي في سعة العربية وأنه لا يحيط بها إلا نبي، وكذا غيره من الفقهاء. 2 تبعت في هذا الرسم ش؛ وفي أ، ب: "أسولة" وهو حمع سوال، لغة في سؤال كما في اللسان. 3 يقال: أعطى بيده إذا انقاد؛ كما في الأساس. وفي اللسان: أعطى البعير إذا انقاد ولم يستصعب. 4 أي يتحرى الكيس، وهو الخفة والتوقد والفطنة, وقد كاس الرجل، يكيس، وهو كيس وكيس؛ بتشديد الياء وتخفيفها. 5 كذا في الأصول ما عدا ج ففيها: "إذ". 6 المشارف: الأعالي، وأفرع: أعلى، وربأ الجبل: علاه. 7 انظر الكتاب ص13 ج1، والعبارة فيه: "وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها". 8 كذا في أ، ج، وفي المطبوعة، ب، ش: "فيما". 9 هكذا في الأصول ما عدا ج ففيها "على". وفيه تضمين "يدعو" معنى يحث.

علل ما استكرهوا عليه نعم ويأخذ بيدك إلى ما وراء ذلك فتستضيء به وتستمد التنبه1 على الأسباب المطلوبات منه. ونحن نجيب عما مضى ونورد معه وفي أثنائه ما يستعان به ويفزع فيما يدخل من الشبه إليه بمشيئة الله وتوفيقه. أما إهمال ما أهمل مما تحتمله قسمة التركيب في بعض الأصول المتصورة أو المستعملة2 فأكثره متروك للاسثتقال وبقيته ملحقة به ومقفاة على إثره. فمن ذلك ما رفض استعماله لتقارب حروفه نحو سص3 وطس وظث وثظ وضش وشض وهذا حديث واضح لنفور الحس عنه والمشقة4 على النفس لتكلفه. وكذلك نحو قج وجق وكق وقك وكج وجك. وكذلك حروف الحلق: هي من الائتلاف أبعد لتقارب مخارجها5 عن معظم الحروف أعني حروف الفم. فإن جمع بين اثنين منها قدم الأقوى على الأضعف نحو أهل وأحد وأخ وعهد وعهر وكذلك متى تقارب الحرفان لم يجمع بينهما إلا بتقديم الأقوى منهما نحو أرل6, ووتد, ووطد. يدل على أن الراء أقوى من اللام أن القطع عليها أقوى من القطع على اللام. وكأن ضعف اللام إنما أتاها لما تشربه من الغنة عند الوقوف عليها, ولذلك7 لا تكاد تعتاص8 اللام, وقد ترى إلى كثرة اللثغة في الراء في الكلام, وكذلك الطاء, والتاء: هما أقوى من الدال؛ وذاك لأن

_ 1 كذا في معظم الأصول. وفي ش، "التنبيه". 2 في ش: "والمستعملة". 3 كذا وردت هذه الكلمات في نسخة ب ساكنة الحرف للثاني. وفي ش بالفتح. 4 في ج: "ومشقة النفس في تكلفه". 5 كأنه ضمن "تقارب" معنى الامتياز والتياعد فعدا بعن. 6 أر -بضمنين- جبل بأرض غطفان. وفي ج: "ورل" وهو حيوان كالضب. 7 كذا في ج. وفي بقية الأصول: "كذلك"، وما أثبته أجود. 8 كذا في أ، ب. وهو الصواب. وفي بقية الأصول: "تعتاض": وهو تحريف.

جرس الصوت بالتاء والطاء عند الوقوف عليهما أقوى منه وأظهر عند الوقوف على الدال. وأنا أرى1 أنهم إنما2 يقدمون الأقوى من المتقاربين من قبل أن جمع المتقاربين يثقل على النفس فلما اعتزموا النطق بهما قدموا أقواهما لأمرين: أحدهما أن رتبة الأقوى أبدا أسبق وأعلى والآخر أنهم إنما يقدمون الأثقل ويؤخرون الأخف من قبل أن المتكلم في أول نطقه أقوى نفسًا3 وأظهر نشاطًا فقدم أثقل الحرفين وهو على أجمل الحالين كما رفعوا المبتدأ لتقدمه فأعربوه بأثقل الحركات وهي الضمة وكما رفعوا الفاعل لتقدمه ونصبوا المفعول لتأخره فإن هذا أحد ما يحتج به في المبتدأ والفاعل. فهذا واضح كما تراه. وأما ما رفض أن يستعمل وليس فيه إلا ما استعمل من أصله فعنه السؤال وبه الاشتغال. وإن أنصفت نفسك فيما يرد عليك فيه حليت به وأنقت4 له وإن تحاميت الإنصاف وسلكت سبيل الانحراف فذاك إليك ولكن جنايته عليك. " جواب5 قوي ": اعلم أن الجواب عن هذا الباب تابع لما قبله, وكالمحمول على حكمه. وذلك أن الأصول ثلاثة: ثلاثي, ورباعي, وخماسي. فأكثرها استعمالا, وأعدلها تركيبًا الثلاثي. وذلك لأنه حرف يبتدأ به وحرف يحشى به وحرف يوقف عليه. وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه؛ لأنه أقل حروفًا, وليس الأمر كذلك؛ ألا ترى أن جميع ما جاء من ذوات الحرفين جزء لا قدر له فيما جاء من ذوات الثلاثة؛ نحو من, وفي, وعن, وهل, وقد, وبل, وكم, ومن, وإذ, وصه, ومه. ولو شئت

_ 1 هذا الضبط بالبناء للمفعول عن أ، ومعناه: أظن. 2 سقط هذا اللفظ في ش. 3 ضبط في ج: "نفسا"، بفتح الفاء، وما أثبته أجود. 4 أنق الشيء، وبه: أعجب به وسر. 5 سقط هذان اللفظان "جاب صوي" في ش وب، وأثبت في أ.

لأثبت جميع ذلك في هذه الورقة. والثلاثي عاريًا من الزيادة, وملتبسًا بها, مما يبعد تداركه وتتعب الإحاطة به. فإذا ثبت ذلك عرفت منه, وبه أن ذوات الثلاثة لم تتمكن في الاستعمال لقلة عددها حسب ألا ترى إلى قلة الثنائي, وأقل منه ما جاء على حرف واحد كحرف العطف وفائه وهمزة الاستفهام, ولام الابتداء والجر, والأمر, وكاف رأيتك, وهاء رأيته. وجميع ذلك دون باب كم وعن وصه. فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه, لعمري, ولشيء آخر وهو حجز الحشو الذي هو عينه, بين فائه, ولامه, وذلك لتباينهما, ولتعادي1 حاليهما, ألا ترى أن المبتدأ2 لا يكون إلا متحركًا, وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنًا, فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزًا بينهما لئلا يفجئوا الحس بضد ما كان آخذًا فيه ومنصبًا3 إليه. فإن قلت: فإن ذلك الحرف الفاصل لما ذكرت بين الأول والآخر -وهو العين- لا يخلو أن يكون ساكنًا أو متحركًا. فإن كان ساكنًا فقد فصلت4 عن حركة الفاء إلى سكونه وهذا هو الذي قدمت ذكر الكراهة له وإن كان متحركًا فقد فصلت عن حركته إلى سكون اللام الموقوف عليها وتلك حال ما قبله في انتفاض حال الأول بما يليه من بعده. فالجواب أن عين الثلاثي إذا كانت متحركة, والفاء قبلها كذلك فتوالت الحركتان, حدث هناك لتواليهما ضرب من الملال لهما, فاستروح حينئذ إلى السكون, فصار ما في الثنائي من سرعة الانتفاض "معيفًا مأبيًّا"5 في الثلاثي خفيفًا مرضيًا, وأيضًا

_ 1 يقال: تعادى ما بين الرجلين: اختلف. 2 يريد الحرف الأول المبدوء به. 3 في ش: "منتصبا". وفي ج: "منصبا نحوه". 4 أي خرجت، يقال: فصل عن البلد، ومن البلد: خرج منه. 5 حالان من قوله: "ما في الثنائي" فأما خبر صار فهو قوله: "خفيفا مرضيا" ولو كانت العبارة: فصار ما كان في الثنائي ... إلخ لكانت أدنى إلى الإفهام وأنأى عن اللبس.

فإن المتحرك حشوا ليس كالمتحرك أولًا أولا ترى إلى صحة جواز تخفيف الهمزة حشوًا وامتناع جواز تخفيفها أولًا وإذا اختلفت أحوال الحروف حسن التأليف وأما إن كانت عين الثلاثي ساكنة فحديثها غير هذا. وذلك أن العين إذا كانت ساكنة فليس سكونها كسكون اللام. وسأوضح لك حقيقة ذلك لتعجب من لطف غموضه. وذلك أن الحرف الساكن ليست حاله إذا أدرجته1 إلى ما بعده كحاله لو وقفت عليه. وذلك لأن من الحروف حروفًا2 إذا وقفت عليها لحقها صويت ما من بعدها فإذا أدرجتها إلى ما بعدها ضعف ذلك الصويت وتضاءل للحس نحو قولك: اِح3 اِص اِث اِف اِخ4 اِك. فإذا قلت: يحرد ويصبر ويسلم5 ويثرد ويفتح ويخرج خفى ذلك الصويت وقل وخف ما كان له من الجرس عند الوقوف عليه. وقد تقدم6 سيبويه في هذا المعنى بما هو معلوم واضح. وسبب ذلك عندي أنك إذا وقفت عليه ولم تتطاول إلى النطق بحرف آخر من بعده تلبثت عليه ولم تسرع الانتقال عنه فقدرت بتلك اللبثة7 على إتباع ذلك الصوت إياه. فأما إذا تأهبت للنطق بما بعده وتهيأت له ونشمت8 فيه فقد

_ 1 أي وصلته، وإدراج الحرف وصله؛ من الإدراج وهو الطي واللف، فكأنك إذا وصلت الحرف فقد طويته ولم تنشره وتبرزه. والدرج في ذلك كالإدراج. 2 يريد حروف الهمس، ويقول ابن جني في "أغلاط العرب" من هذا الكتاب في الحديث عن الحاء: "فضلا عن أن يعلم أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها في حال سكونها والوقف عليها ما لا يلحقها في حال حركتها أو إدراجها في حال سكونها في نحو بحر وحر". 3 كذا جعلتها مهملة وفي بعض الأصول: "اج" بالمعجمة. وفي بعضها الحرف غير واضح وهو لا يوافق التمثيل الآتي، والجيم حرف مجهور شديد لا يلحقه صويت. 4 كذا في ب، ش، وفي أ: "اح". 5 يلاحظ في التمثيل أنه أتى بيسلم ولم يذكر "اس"، ولم يمثل لما فيه الكاف. 6 أي سبق. وفي المطبوعة: "قول سيبويه". 7 هي التوقف. 8 نشم في الشيء: ابتدأ فمه.

حال ذلك بينك وبين الوقفة التي يتمكن فيها من إشباع ذلك الصويت فيستهلك إدراجك إياه طرفًا من الصوت الذي كان الوقف يقره عليه ويسوغك إمدادك إياه به. ونحو من هذا ما يحكى أن رجلًا من العرب بايع1 أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح فلما شرب بعضه كده الأمر فقال: كبش أملح. فقيل له: ما هذا تنحنحت. فقال: من تنحنح فلا أفلح. فنطق بالحاءات كلها سواكن غير متحركة ليكون ما يتبعها من ذلك الصويت عونًا له على ما كده وتكاءده 2. فإذا ثبت بذلك أن الحرف الساكن حاله في إدراجه مخالفة لحاله في الوقوف عليه ضارع ذلك الساكن المحشو به المتحرك لما ذكرناه من إدراجه لأن أصل الإدراج للمتحرك إذ كانت الحركة سببًا له وعونًا عليه ألا ترى أن حركته تنتقصه ما يتبعه من ذلك الصويت نحو قولك صبر وسلم. فحركة الحرف تسلبه الصوت الذي يسعفه الوقف به كما أن تأهبك للنطق بما بعده يستهلك بعضه. فأقوى أحوال ذلك الصويت عندك3 أن تقف عليه فتقول: اص. فإن أنت أدرجته انتقصته بعضه فقلت: اصبر فإن أنت حركته اخترمت الصوت البتة وذلك قولك صبر. فحركة ذلك الحرف تسلبه ذلك الصوت البتة والوقوف عليه يمكنه فيه وإدراج الساكن يبقي عليه بعضه. فعلمت بذلك مفارقة حال الساكن المحشو به لحال أول الحرف وآخره فصار الساكن المتوسط لما ذكرنا كأنه لا ساكن ولا متحرك وتلك حال تخالف حالي ما قبله وما بعده،

_ 1 أي عاهد وعاقد، والقصة في أذكياء ابن الجوزي في باب المنقول عن العرب وعلماء العربية، وفي سر الصناعة في حرف العين. 2 يقال: تكاءده الأمر: شق عليه. 3 في ش: "عند أن تقف".

وهو الغرض الذي أريد منه وجيء به من أجله لأنه1 لا يبلغ حركة ما قبله فيجفو تتابع المتحركين ولا سكون ما بعده فيفجأ2 بسكونه المتحرك الذي قبله فينقض عليه جهته وسمته. فتلك إذًا ثلاث أحوال متعادية لثلاثة أحرف متتالية؛ فكما يحسن تألف الحروف المتفاوتة كذلك يحسن تتابع الأحوال المتغايرة على اعتدال وقرب لا على إيغال في البعد. لذلك3 كان مثال فعل أعدل الأبنية حتى كثر وشاع وانتشر. وذلك أن فتحة الفاء وسكون العين وإسكان اللام4 أحوال مع اختلافها متقاربة ألا ترى إلى مضارعة الفتحة للسكون في أشياء. منها أن كل واحد منهما يهرب إليه مما هو أثقل منه نحو قولك في جمع فُعلة وفِعلة: فُعُلات بضم العين نحو غرفات وفعلات بكسرها نحو كسرات ثم يسثقل توالي الضمتين والكسرتين فيهرب عنهما تارة إلى الفتح فتقول: غرَفات وكسَرات, وأخرى إلى السكون5 فتقول: غُرفات وكِسرات. أفلا تراهم كيف سووا بين الفتحة والسكون في العدول6 عن الضمة والكسرة إليهما. ومنها أنهم يقولون في تكسير ما كان من فعل ساكن العين وهي واو على فعال بقلب الواو ياء نحو: حوض, وحياض, وثوب, وثياب. فإذا كانت واو واحده متحركة صحت في هذا المثال

_ 1 في الأصول: "إلا أنه"، وهو لا يتفق مع السياق. 2 كذا في الأصول الخطية، وفي المطبوعة: "فيجقأ"، وهو تحريف. 3 كذا في ج. وفي بقية الأصول: "كذلك". 4 يريد إسكان اللام في حال الوقف. والعبارة في ج: "لأن فتحة الفاء وسكون العين في الدرج واللام في الوقف أحوال مع اختلافها متقاربة". 5 المعروف أن السكون في غرفات وكسرات هو الأصل، والضم والكسر جاءا من إتباع العين حركة الفاء، فليس السكون معدولا إليه حتى يكون كالفتح في هذا الباب، ولكن أبا الفتح قد يكون له وجه مقبول في هذه النظرة؛ فإن الضم والكسر هما الكثير في هذا الباب حتى عاد كأنهما الأصل. وانظر في هذا المبحث الكتاب ج2 ص181. 6 في ش: العدل.

من التكسير نحو: طويل وطوال. فإذا كانت العين من الواحد مفتوحة اعتلت1 في هذا المثال كاعتلال الساكن نحو: جواد وجياد. فجرت واو جواد مجرى واو ثوب. فقد ترى إلى مضارعة الساكن للمفتوح. وإذا كان الساكن من حيث أرينا كالمفتوح كان بالمسكن أشبه2. فلذلك كان مثال فعل أخف وأكثر من غيره لأنه إذا كان مع تقارب أحواله مختلفها كان أمثل من التقارب بغير خلاف أو الاتفاق البتة والاشتباه. ومما يدلك على أن الساكن إذا أدرج ليست له حال الموقوف عليه أنك قد تجمع في الوقف بين الساكنين نحو: بكر وعمرو فلو كانت حال سكون كاف بكر كحال سكون رائه لما جاز أن تجمع بينهما من حيث كان الوقف للسكون على الكاف كحاله لو لم يكن بعده شيء. فكان يلزمك حينئذ أن تبتدئ بالراء ساكنة والابتداء بالساكن ليس في هذه اللغة العربية. لا بل دل ذلك على أن كاف بكر لم تتمكن في السكون تمكن ما يوقف عليه ولا يتطاول3 إلى ما وراءه. ويزيد في بيان ذلك أنك تقول في الوقف النفس فتجد السين أتم صوتًا من الفاء فإن قلبت فقلت: النسف وجدت الفاء أتم صوتًا وليس هنا أمر يصرف هذا إليه ولا يجوز4 حمله عليه إلا زيادة الصوت عند الوقوف على الحرف البتة. وهذا برهان ملحق بالهندسي في الوضوح والبيان.

_ 1 لا يريد أبو الفتح أن هذا الاعتلال مذهبه القياس والاطراد، إذ كان لا يجري إلا على شذوذ؛ فجياد من الشاذ الذي يوقف عنده، وإنما هم ابن جني تعليل هذا الشاذ وذكر ما أتاه في العربية. ويرى بعض النحويين أن جيادا جمع جيد ليخرج من الشذوذ. 2 أي إن الساكن المدرج تجاذبه الشبه بالمفتوح وبالمسكن الموقوف عليه، ولكنه أقرب بالضرورة إلى الأخير من الأول. 3 هذا عطف على قوله: "يوقف عليه" فإن الموقوف عليه ينحبس ولا يتطلع إلى ما بعده. 4 "لا" هنا زائدة: ما تزاد في قولك: ما جاء زيد ولا عمرو.

فقد وضح إذًا بما أوردناه وجه خفة الثلاثي من الكلام وإذا كان كذلك فذوات الأربعة مستثقلة غير متمكنة تمكن الثلاثي لأنه إذا كان الثلاثي أخف وأمكن من الثنائي -على قلة حروفه- فلا محالة أنه أخف وأمكن من الرباعي لكثرة حروفه. ثم لا شك فيما بعد في ثقل الخماسي وقوة الكلفة به. فإذا كان كذلك ثقل عليهم مع تناهيه وطوله أن يستعملوا في الأصل الواحد جميع ما ينقسم إليه به1 جهات تركيبه. ذلك أن الثلاثي يتركب منه ستة أصول؛ نحو: جعل2 جلع عجل علج لجع لعج. والرباعي يتركب منه أربعة وعشرون أصلًا وذلك أنك تضرب الأربعة في التراكيب التي خرجت3 عن الثلاثي وهي ستة فيكون ذلك أربعة وعشرين تركيبًا المستعمل منها قليل وهي 4: عقرب, وبرقع, وعرقب, وعبقر, وإن جاء منه غير هذه الأحرف فعسى أن يكون ذلك, والباقي كله مهمل. وإذا كان الرباعي مع قربه من الثلاثي إنما استعمل منه الأقل النزر فما ظنك بالخماسي على طوله وتقاصر الفعل الذي هو مئنة5 من التصريف والتنقل عنه. فلذلك قل الخماسي أصلًا. نعم ثم لا تجد أصلًا مما ركب منه قد تصرف فيه بتغيير نظمه ونضده كما تصرف6 في باب عقرب "وبِرقِع"7، وبُرقُع ألا ترى أنك لا تجد شيئًا من نحو سفرجل قالوا فيه سرفجل ولا نحو ذلك مع أن تقليبه يبلغ به مائة وعشرين أصلًا, ثم لم يستعمل من جميع ذلك

_ 1 في ش: "عليه". 2 ضبطت هذه الكلمات بالتحريك على ما تضبط المواد اللغوية. وضبطت في الأصول بفتح الفاء وسكون العين على حد المصادر. 3 أي نشأت منه وتحققت فيه. 4 ذكر هذا على أنه مثال، كما لا يخفى. 5 أي مكان للتصريف وخليق به. وفي حديث ابن مسعود:"إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل": وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له. 6 العبارة في المزهر ج1 ص145 بعد "باب عقرب": "بعبقر وعرقب وبرقع". ويرقع -بكسر الأول والثالث: السماء السابعة. 7 زيادة من أ.

إلا سفرجل وحده. فأما قول بعضهم زبردج1 فقلب لحق الكلمة ضرورة في بعض الشعر ولا يقاس. فدل ذلك على استكراههم ذوات الخمسة لإفراط طولها, فأوجبت الحال الإقلال منها وقبض اللسان عن النطق بها إلا فيما قل ونزر؛ ولما كانت ذوات الأربعة تليها وتتجاوز أعدل الأصول - وهو الثلاثي - إليها, مسها بقرباها منها قلة التصرف فيها غير أنها في ذلك أحسن حالًا من ذوات الخمسة لأنها أدنى إلى الثلاثة منها. فكان التصرف فيها دون تصرف الثلاثي, وفوق تصرف الخماسي. ثم إنهم لما أمسوا الرباعي طرفًا صالحًا من إهمال أصوله, وإعدام حال التمكن في تصرفه تخطوا بذلك إلى إهمال بعض الثلاثي, لا من أجل إجفاء2 تركبه بتقاربه نحو سص وصس ولكن من قبل أنهم حذوه على الرباعي كما حذوا الرباعي على الخماسي ألا ترى أن لجع لم يترك استعماله لثقله من حيث كانت اللام أخت الراء والنون وقد قالوا نجع فيه ورجع عنه, واللام أخت الحرفين وقد أهملت في باب اللجع فدل على أن ذلك ليس للاستثقال, وثبت أنه لما ذكرناه من إخلالهم ببعض أصول الثلاثي لئلا يخلو هذا الأصل من ضرب من الإجماد3 له مع شياعه واطراده في الأصلين اللذين فوقه, كما أنهم لم يخلو ذوات الخمسة من بعض التصرف فيها وذلك ما استعملوه من تحقيرها, وتكسيرها, وترخيمها نحو قولك في تحقير سفرجل: سفيرج, وفي تكسيره:

_ 1 أي في زبرجد، وفي شعر محدث لأحد أدباء شنقيط: عليها سموط من محال ملوب ... من التبر أو من لؤلؤ وزبردح وانظر الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط 97. 2 كذا في أ. وفي ش وب، والمطبوعة: "خفاء" وما هنا أجود. 3 أي جعله جامدا غير منصرف. وفي القاموس: "وجمد حق رجب وأجمدته" فأخذه ابن جني واستعمله هذا الاستعمال.

سفارج وفي ترخيمه -علما1- يا سفرج أقبل، وكما2 أنهم لما أعربوا المضارع لشبهه باسم الفاعل تخطوا ذاك أيضًا إلى أن شبهوا الماضي بالمضارع فبنوه على الحركة لتكون له مزية على ما لا نسبة بينه وبين المضارع أعني مثال أمر المواجه 3. فاسم الفاعل في هذه القضية كالخماسي والمضارع كالرباعي والماضي كالثلاثي. وكذلك أيضًا الحرف في استحقاقه البناء كالخماسي في استكرارهم إياه, والمضمر في إلحاقهم إياه ببنائه كالرباعي في إقلالهم تصرفه والمنادي المفرد المعرفة في إلحاقه في البناء بالمضمر كالثلاثي في منع بعضه التصرف وإهماله البتة, ولهذا التنزيل نظائر كثيرة. فأما4 قوله: مال إلى أرطاة حقف فالطجع فإنه ليس بأصل إنما أبدلت الضاد من اضطجع لامًا فاعرفه. فقد عرفت إذًا أن ما أهمل من الثلاثي لغير قبح التأليف5 نحو ضث6, وثض, وثذ وذث إنما هو لأن محله من الرباعي محل الرباعي من الخماسي فأتاه ذلك القدر من الجمود من حيث ذكرنا كما أتى الخماسي ما فيه من التصرف في التكسير, والتحقير, والترخيم من حيث كان محله من الرباعي محل الرباعي من الثلاثي. وهذا عادة للعرب مألوفة وسنة مسلوكة: إذا أعطوا شيئًا من شيء حكمًا ما قابلوا ذلك بأن يعطوا المأخوذ منه حكمًا من أحكام صاحبه عمارة لبينهما وتتميمًا للشبه الجامع لهما. وعليه باب ما لا ينصرف ألا تراهم لما شبهوا الاسم بالفعل فلم يصرفوه؛ كذلك شبهوا الفعل بالاسم فأعربوه.

_ 1 هذه الكلمة ساقطة في أ. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "فكما". 3 ضبطت هذه الكلمة في نسخة أبكسر الجيم؛ وهو تحريف. لأن المراد: أمر المخاطب الذي يواجه الخطاب. 4 هذا متصل بإهمال "لجمع" المفهوم مما سبق، فقد يتوهم أن "الطجع" في البيت هي "لجع" مع الطاء المبدلة من تاء الافتعال، فدفع هذا بما ذكر، وسيرد هذا الرجز بعده. 5 في ش، د، هـ: "التألف". 6 هكذا وردت هذه الكلمات في نسخة ش بالتشديد وفي نسخة أبالإسكان.

وإذ قد ثبت ما أردناه: من أن الثلاثي في الإهمال محمول على حكم الرباعي فيه لقربه من الخماسي بقي علينا أن نورد العلة التي لها استعمل بعض الأصول من الثلاثي والرباعي والخماسي دون بعض وقد كانت الحال في الجميع متساوية. والجواب عنه ما أذكره. اعلم أن واضع اللغة لما أراد صوغها وترتيب أحوالها هجم بفكره على جميعها ورأى بعين تصوره وجوه جملها1 وتفاصيلها وعلم أنه لا بد من رفض ما شنع تألفه منها نحو هع وقج وكق فنفاه عن نفسه ولم يمرره بشيء من لفظه وعلم أيضًا أن ما طال وأمل بكثرة حروفه لا يمكن فيه من التصرف ما أمكن في أعدل الأصول وأخفها وهو الثلاثي. وذلك أن التصرف في الأصل وإن دعا إليه قياس -وهو الاتساع به في الأسماء والأفعال والحروف- فإن هناك من وجه آخر ناهيًا عنه وموحشًا منه وهو أن في نقل الأصل إلى أصل آخر نحو صبر، وبصر، وصرب2، وربص2، صورة الإعلال نحو قولهم " ما أطيبه وأيطبه" "واضمحل وامضحل" "وقسي وأينق " وقوله: مروان مروان أخو اليوم اليمى3 وهذا كله إعلال لهذه الكلم وما جرى مجراها. فلما كان انتقالهم من أصل إلى أصل, نحو صبر، وبصر، مشابهًا للإعلال, من حيث ذكرنا, كان من هذا الوجه كالعاذر لهم في الامتناع من استيفاء جميع ما تحتمله قسمة التركيب في الأصول. فلما كان الأمر كذلك واقتضت الصورة رفض البعض، واستعمال

_ 1 ضبط في أ: جملها -بفتح فسكون- وهو مصدر جمل الشيء: جمعه. 2 كذا في أ؛ وفي سائر الأصول "ضرب وربط"، والعبارة في المزهر 1/ 146 كما في أ. 3 "فاليمي" قلب اليوم، وسيشرح أبو الفتح هذا الرجز ما فيه في أواخر هذا الجزء في "باب في الأصلين يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير". وانظر الكتاب: ج1 ص379.

البعض, وكانت الأصول ومواد الكلم1 معرضة لهم وعارضة أنفسها على تخيرهم, جرت لذلك "عندهم"2 مجرى مال ملقى بين يدي صاحبه, وقد أجمع إنفاق3 بعضه دون بعضه, فميز رديئه وزائفه فنفاه البتة كما نفوا عنهم تركيب ما قبح تأليفه, ثم ضرب بيده إلى ما أطف4 له من عرض جيدة فتناوله للحاجة إليه, وترك البعض لأنه لم يرد استيعاب جميع ما بين يديه منه لما قدمنا ذكره وهو يرى أنه لو أخذ ما ترك مكان أخذ5 ما أخذ لأغنى عن صاحبه ولأدى في الحاجة إليه تأديته ألا ترى أنهم لو استعملوا لجع6 مكان نجع لقام مقامه, وأغنى مغناه. ثم لا أدفع أيضًا أن تكون في بعض ذلك أغراض لهم عدلوا إليه لها, ومن أجلها فإن كثيرًا من هذه اللغة وجدته مضاهيًا بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها7؛ ألا تراهم قالوا قضم في اليابس وخضم في الرطب؛ ذلك لقوة القاف وضعف الخاء فجعلوا الصوت الأقوى للفعل الأقوى, والصوت الأضعف للقعل الأضعف. وكذلك قالوا: صر الجندب, فكرروا الراء لما هناك من استطالة صوته, وقالوا: صرصر البازي فقطعوه لما هناك من تقطيع صوته وسموا الغراب غاق حكاية لصوته والبط بطًا حكاية لأصواتها،

_ 1 أي ظاهرة لهم ميسرة، يقال: أعرض لك الظبي: أمكنك من عرضه وجانبه تصيده، وفي المطبوعة وأ ضبط معرضة بتشديد الراء على صيغة المفعول، وما أئيته أجود. 2 زيادة في ش، د، هـ. 3 كذا في ش، ب. وفي المطبوعة، أ: "اتفاق" وهو لا يناسب السياق. 4 أطف: دنا وقرب. 5 العبارة في المزهر 1/ 146: "مكان ما أخذ". 6 كذا في ش، د، هـ. وفي أ، ب: "اللجع" بسكون الجيم، وفي ج: "اللجع" بفتح الجيم. 7 كذا في ج: والضمير في "بها" لأجراس الحروف أو للكثير من اللغة باعتبار وقوعه على كلمات والضمير في عنها للأفعال، وفي أ، ب، ش: "بها عنه"، والعبارة مقلوب؛ والوجه: "به عنها"، والضمير المذكر للكثير من اللغة، وضمير المؤنث للأفعال.

وقالوا: "قط الشيء " إذا قطعه عرضًا "وقده " إذا قطعه طولًا؛ وذلك لأن منقطع الطاء أقصر مدة من منقطع الدال. وكذلك قالوا: "مد الحبل " "ومت إليه بقرابة " فجعلوا الدال -لأنها مهجورة- لما فيه علاج وجعلوا التاء -لأنها مهموسة- لما لا علاج فيه وقالوا: الخذأ -بالهمزة- في ضعف النفس والخذا -غير مهموز- في استرخاء الأذن "يقال"1: أذن خذواء وآذان خذو ومعلوم أن الواو لا تبلغ قوة الهمزة. فجعلوا الواو -لضعفها- للعيب في الأذن والهمزة -لقوتها- للعيب في النفس من حيث كان عيب النفس أفحش من عيب الأذن. وسنستقصي هذا الموضع -فإنه عظيم شريف- في باب نفرده به. نعم وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها في الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه: "أو لعل2 الأول وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر"؛ يعني أن يكون الأول الحاضر شاهد الحال فعرف السبب الذي له ومن أجله3 ما وقعت عليه التسمية والآخر -لبعده عن الحال- لم يعرف السبب للتسمية؛ ألا ترى إلى قولهم للإنسان إذا رفع صوته: قد رفع عقيرته فلو ذهبت تشتق هذا بأن تجمع بين معنى الصوت وبين معنى "ع ق ر " لبعد عنك وتعسفت. وأصله أن رجلًا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها الأخرى ثم صرخ بأرفع صوته فقال الناس: رفع عقيرته. وهذا مما ألزمه أبو بكر4 أبا إسحاق4

_ 1 زيادة في ج. 2 كذا في ش، ب وفي أ: "لأن". 3 ما هنا زائدة، ويجوز أن تكون مصدرية. 4 أبو بكر هو ابن سراج، وأبو إسحق هو الزجاج، وكلاهما تلميذ المبرد، وكان الزجاج مسرفا في الاشتقاق وابن السراج مقتصدا فيه.

فقبله منه ولم يردده. والكلام هنا أطول من هذا لكن هذا مقاده1, فأعلق يدك بما ذكرناه: من أن سبب إهمال ما أهمل إنما هو لضرب من ضروب الاستخفاف؛ لكن كيف؟ ومن أين؟ فقد تراه على ما أوضحناه. فهذا الجواب عن إهمالهم ما أهملوه من محتمل القسمة لوجوه التراكيب فاعرفه ولا تستطله؛ فإن هذا الكتاب ليس مبنيًا على حديث وجوه الإعراب وإنما هو مقام القول على أوائل أصول هذا الكلام وكيف بديء وإلام نحي. وهو كتاب يتساهم ذوو النظر: من المتكلمين والفقهاء والمتفلسفين والنحاة والكتاب والمتأدّبين التأمل له والبحث عن مستودعه فقد وجب أن يخاطب كل إنسان منهم بما يعتاده ويأنس به ليكون له سهم منه وحصة فيه! وأما ما أورده السائل في أول هذا السؤال الذي نحن منه على سمت الجواب من علة امتناعهم من تحميل2 الأصل الذي استعلموا بعض مثله ورفضهم3 بعضًا نحو امتناعهم أن يأتوا في الرباعي بمثال فَعلُل وفَعلِل وفُعلَل -في غير قول4 أبي الحسن- فجوابه نحو من الذي قدمناه: من تحاميهم فيه الاستثقال وذلك أنهم كما حموا أنفسهم من استيعاب جميع ما تحتمله قسمة تراكيب الأصول من حيث قدمنا وأرينا كذلك أيضًا توقفوا عن استيفاء جميع تراكيب الأصول من حيث كان انتقالك في الأصل الواحد رباعيًا كان أو خماسيًا من مثال إلى مثال في النقص والاختلال كانتقالك في المادة الواحدة من تركيب إلى تركيب أعني به حال التقديم والتأخير لكن

_ 1 أي وجه قوده والسير به، يريد أن هذا مذهبه وسبيله. وهو هكذا في أ، ب. وفي ش: "مفاده". 2 كذا في الأصول، وأظهر من هذا في المقام: "تكميل"، وكأنه يريد تحميله كل الوجوه المحتملة فيه باستعمالها. 3 كذا في الأصول، وأصرح من هذا لو قال: "رفضوا". 4 يثبت أبو الحسن الأخفش من أبنية الرباعي فعللا كجخدب، ولا يرى ذلك جمهرة النحاة.

الثلاثي جاء1 فيه لخفته جميع ما تحتمله القسمة وهي الاثنا عشر مثالًا إلا مثالًا واحدًا فإنه رفض أيضًا لما نحن عليه من حديث الاستثقال وهو فِعُل وذلك لخروجهم فيه من كسر إلى ضم. وكذلك ما امتنعوا من بنائه في الرباعي -وهو فِعلُل- هو لاستكراههم الخروج من كسر إلى ضم وإن كان بينهما حاجز لأنه ساكن فضعف لسكونه عن الاعتداد به حاجزًا على أن بعضهم حكى زئبر2، وضئبل2، وخرفع2، وحكيت عن بعض البصريين "إصبع " وهذه ألفاظ شاذة لا تعقد بابًا ولا يتخذ مثلها قياسًا. وحكى بعض الكوفيين ما رأيته مذست وهذا أسهل -وإن كان لا حاجز بين الكسر والضم- من حيث كانت الضمة غير لازمة لأن الوقف يستهلكها ولأنها أيضًا من الشذوذ بحيث لا يعقد عليها باب 3. فإن قلت: فما بالهم كثر عنهم باب فُعُل نحو عنق وطنب وقل عنهم باب فِعِل نحو إبل وإطل مع أن الضمة أثقل من الكسرة فالجواب عنه من موضعين: أحدهما أن سيبويه قال: "واعلم4 أنه قد يقل الشيء في كلامهم وغيره

_ 1 هكذا في أ. وفي ش، وب: "جار"، وقد يكون الأصل: "جاز". 2 الزئبر: هو ما يعلو الثوب الجديد، ويقال له: شوك الثوب، والضئيل: الداهية، والخرفع: القطن. والألفاظ الثلاثة اللغة الشائعة فيها أن تكون على فعال "بكسر الأول والثالث" كزبرج، وورد في الخرفع أن جاءت على خرفع "بضم الأول والثالث" كبرئن. 3 ثبت لفظ "باب" في ش وج. وسقط في أ، ب. 4 اعتمدت في هذا على ما في ج. وفي أ: "واعلم أنه قد ... ويقل الشيء إلخ"، وفي ش، ب: "واعلم أنه ... ويقل الشيء إلخ". والسبب في هذا الاختلاف أن عبارة الكتاب طويلة ولو ساقها كلها لأورد ما ليس من قصده، ففي ج أورد ما يعنيه من عبارة سيبويه بالمعنى، وفي النسخ الأخرى أورد صدر عبارة سيبويه "واعلم أنه قد" أو "واعلم أنه" وترك بياضا لما ليس من همه ثم أورد ما يعنيه. على أنه أورده أيضا بمعناه. وعبارة الكتاب التي تنفق مع مراده هي: "وقد يقل ما هو أخف مما يستعملون كراهية ذلك أيضًا", وهو يريد بقوله كراهية ذلك كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون، وقد سبقت في كلامه. وانظر الكتاب ج2 ص404.

أثقل منه كل ذلك لئلا يكثر في كلامهم ما يستثقلون " فهذا قول والآخر أن الضمة وإن كانت أثقل من الكسرة فإنها أقوى منها وقد يحتمل للقوة ما لا يحتمل للضعف ألا ترى إلى احتمال الهمزة مع ثقلها للحركات وعجز الألف عن احتمالهن وإن كانت خفيفة لضعفها وقوة الهمزة. وإنما ضعفت الكسرة عن الضمة لقرب الياء من الألف وبعد الواو عنها. ومن حديث الاستثقال والاستخفاف أنك لا تجد في الثنائي -على قلة حروفه- ما أوله مضموم إلا القليل وإنما عامته على الفتح نحو هل وبل وقد وأن وعن وكم ومن وفي المعتل أو ولو وكي وأي أو على الكسر نحو إن, ومن وإذ. وفي المعتل إي وفي وهي. ولا يعرف الضم في هذا النحو إلا قليلًا؛ قالوا: هو وأما هم فمحذوفة من همو كما أن مذ محذوفة من منذ. وأما هو من نحو قولك: رأيتهو وكلمتهو فليس شيئًا؛ لأن هذه ضمة مشبعة في الوصل؛ ألا تراها يستهلكها الوقف وواو هو في الضمير المنفصل ثابتة في الوقف والوصل. فأما قوله: فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رِخو الملاط نجيب1 فللضرورة والتشبيه للضمير المنفصل بالضمير المتصل في عصاه وقناه. فإن قلت: فقد قال2: أعني على برق أريك وميضهو فوقف بالواو وليست اللفظة قافية وقد قدمت أن هذه المدة مستهلكة في حال الوقف قيل: هذه اللفظة وإن لم تكن قافية فيكون البيت بها مقفى, أو مصرعًا,

_ 1 انظر البيت في الخزانة ص396 ج2 طبعة بولاق. 2 هو امرؤ القيس في المعلقة.

فإن العرب قد تقف على العروض نحوًا من وقوفها على الضرب, أعني مخالفة ذلك لوقف1 الكلام المنثور غير الموزون؛ ألا ترى إلى قوله أيضًا: فأضحى يسح الماء حول كتيفتن فوقف بالتنوين خلافًا على الوقف2 في غير الشعر. فإن قلت: فأقصى3 حال قوله "كتيفتن " -إذ ليست قافية- أن تجري مجرى القافية في الوقف عليها وأنت ترى الرواة أكثرهم على إطلاق هذه القصيدة ونحوها بحرف اللين للوصل, نحو قوله: ومنزلي, وحوملي, وشمألي, ومحملي, فقوله " كتيفتن " ليس على وقف الكلام ولا وقف القافية قيل: الأمر على ما ذكرت من خلافه له؛ غير أن هذا أيضًا أمر يخص المنظوم دون المنثور؛ لاستمرار ذلك عنهم؛ ألا ترى إلى قوله4: أني اهتديت لتسليم على دِمنن ... بالغمز غيرهن الأعصر الأولو5 وقوله 6: كأن حدوج المالكية غُدوتن ... خلايا سفين بالنواصف من دَدي وقوله: فمضى وقدمها وكان عادتن ... منه إذا هي عردت إقدامها7

_ 1 كذا في ش وب، وفي أ: "لوقوف". 2 كذا في ش وب، وفي أ: "الوقوف". 3 كذا في أ، ج. وفي ش وب: "فأقضى". 4 هو القطامي في قصيدته التي مطلعها: إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل والبيت الشاهد بلى هذا البيت، وهو يخاطب فيه نفسه، فجائز أن يكون بكسر التاء في "اهتديت" وبالضم والفتح، وضبط في أبفتح التاء، وفي ش بكسرها، والغمر: اسم موضع. 5 كتب العروض والضرب في هذه الأبيات على مقتضى الرسم العروضي، فرسم التنوين نونًا، ورسم الوصل، وهذا على ما في أ، وفي ش وب: جرى الرسم فيها على المألوف. 6 هو طرفة في معلقته. 7 هذا البيت قائله لبيد في معلقته. وهو ساقط في أ.

وقوله 1: فوالله لا أنسى قتيلًا رزئتهو ... بجانب قوسي ما مشيت على الأرضي2 وفيها: ولم أدر من ألقى عليه رداء هو ... على3 أنه قد سل عن ماجد محضي وأمثاله كثير. كل ذلك الوقوف على عروضه مخالف للوقوف على ضربه ومخالف أيضًا لوقوف الكلام غير الشعر. ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا الموضع في علم القوافي. وقد كان يجب أن يذكر ولا يهمل. "رجع" وكذلك جميع ما جاء من الكلم على حرف واحد: عامته على الفتح إلا الأقل وذلك نحو همزة الاستفهام وواو العطف وفائه ولام الابتداء وكاف التشبيه وغير ذلك. وقليل منه مكسور كباء الإضافة4 ولامها4 ولام الأمر ولو عرى ذلك من المعنى الذي اضطره إلى الكسر لما كان مفتوحًا ولا نجد في الحروف المنفردة ذوات المعاني ما جاء مضمومًا هربًا من ثقل الضمة. فأما نحو قولك5: اقتل ادخل استقصي عليه فأمره6 غير معتد إذ كانت هذه الهمزة إنما يتبلغ بها في حال الابتداء ثم يسقطها الإدراج الذي عليه مدار الكلام ومتصرفه 7.

_ 1 هو أبو خراش الهذلي. والقتيل أخوه عروة، وانظر في القصة معجم البلدان في "قوسي". 2 ضبط في الأصول "قوسي" بضم القاف، والذي في المعاجم فتحها وهو اسم موضع بالسراة. 3 في أوياقوت: "سوى" ومعنى هذا أن في البيت روايتين. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "لامه". ولام الإضافة هي لام الجر وكذا باء الإضافة، وحروف الجر يقال لها حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء وانظر الكتاب 209/ 1. 5 سقط في ش، ب. 6 في ش، ب: "فأمر". 7 في ش: "منصرفة".

فإن قلت: ومن أين يعلم أن العرب قد راعت هذا الأمر واستشفته1 وعنيت بأحواله وتتبعته حتى تحامت هذه المواضع التحامي الذي نسبته إليها وزعمته مرادًا لها وما أنكرت أن يكون القوم أجفى طباعًا وأيبس طينًا من أن يصلوا من النظر إلى هذا القدر اللطيف الدقيق الذي لا يصح لذي الرقة والدقة منا أن يتصوره إلا بعد أن توضح له أنحاؤه بل أن تشرح له أعضاؤه؟ قيل له: هيهات! ما أبعدك عن تصور أحوالهم, وبعد أغراضهم ولطف أسرارهم, حتى كأنك لم ترهم وقد ضايقوا أنفسهم, وخففوا عن ألسنتهم, بأن اختلسوا الحركات اختلاسًا وأخفوها فلم يمكنوها في أماكن كثيرة ولم يشبعوها؛ ألا ترى إلى قراءة أبي عمرو " مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ " مختلسًا لا محققًا3؛ وكذلك قوله عز وجل: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} مخفي لا مستوفي, وكذلك قوله عز وجل: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} مختلسًا غير ممكن كسر الهمزة, حتى دعا ذلك من لطف عليه تحصيل اللفظ إلى أن ادعى أن أبا عمرو كان يسكن الهمزة والذي رواه صاحب3 الكتاب اختلاس هذه الحركة لاحذفها البتة, وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكنًا. ولم يؤت القوم في ذلك

_ 1 استشف الشيء: نظر ما وراءه. واستشف الكتاب تأمله. 2 كذا في أبقافين، وفي ش كما في المطبوعة: "مخففا"، بفاءين، وما في ب أقرب إلى ما في ش. 3 يريد سيبويه. وانظر كتابه ص297 ج2، وهذا الذي رواه صاحب الكتاب رواه القراء أيضًا، ورووا مع هذا الإسكان. وممن روى الإسكان أبو محمد اليزيدي، وهو من هو في القراءة والبصر بالعربية. ومثل أبي محمد ما كان ليرمى بإساءة السمع، وقد روى أدق من هذا وأصنع عن أبي عمرو؛ فقد ذكر أن أبا عمرو كان يشم الهاء من يهدي والخاء من يخصمون شيئًا من الفتح، وهذا من اللطف بمكان. وانظر النشر 216/ 2.

من ضعف أمانة، لكن أتوا1 من ضعف دراية. وأبلغ من هذا في المعنى ما رواه2 من قول الراجز: متى أنام لا يؤرقني الكري ... ليلًا ولا أسمع أجراس المطي بإشمام القاف من يؤرقني ومعلوم أن هذا الإشمام إنما هو للعين لا للأذن وليست هناك حركة البتة ولو كانت فيه حركة لكسرت الوزن ألا ترى أن الوزن من الرجز ولو اعتدت القاف متحركة لصار من الكامل 3. فإذا قنعوا من الحركة بأن يومئوا إليها بالآلة التي من عاداتها أن تستعمل في النطق بها من غير أن يخرجوا إلى حس السمع شيئًا من الحركة مشبعة ولا مختلسة أعني إعمالهم الشفتين للإشمام في المرفوع بغير صوت يسمع هناك لم يبق وراء ذلك شيء يستدل به على عنايتهم بهذا الأمر ألا ترى4 إلى مصارفتهم5 أنفسهم في الحركة على قلتها ولطفها, حتى يخرجوها تارة مختلسة غير مشبعة وأخرى مشمة للعين لا للأذن. ومما أسكنوا فيه الحرف إسكانًا صريحًا ما أنشده6 من قوله 7:

_ 1 يريد أن الإسكان لا وجه له في العربية، ولو كان القراء على دراية بذلك لترددوا في رواية الإسكان. وقد أفاض العلماء في بيان أن العرب قد تعمد للإسكان تخفيفا، وأن تسكين المرفوع في نحو يشعركم لغة لتميم وأسد، فلا وجه للإنكار من جهة الدراية. وابن جني في الطعن على القراء في هذا الموطن تابع للمبرد قبله، وهذه نزعة جانبهما فيها الإنصاف، وانظر المرجع السابق. 2 أي صاحب الكتاب. انظر كتابه ص450 ج1؛ والكري بكسر الراء وهو الكريّ بشد الياء خففها للضرورة وكذلك المطيّ. والكريّ: مؤخر الدابة للركوب. وضبط في المطبوعة: "الكرى" بفتح الراء وهو خطأ. 3 أي وتوافق الروي في الشطرين آية أنه من الرجز، فإن هذا غير مألوف في الكامل. 4 سقطت هذه العبارة: "ألا ترى" في ش وب وهو مثبتة في أ. 5 يقال: صارف نفسه: صرفها. يريد انصرافهم عن استيفاء الحركة. 6 أي سيبويه وانظر الكتاب ص297 ج2. 7 أي الأقيشر الأسدي -وهو المغيرة بن عبد الله- وكان قد سكر فبدت عورته فضحكت منه امرأته فقال ثلاثة أبيات: هذا البيت، وقبله: تقول يا شيخ أما تستحي ... من شر بك الخمر على المكبر فقلت لو باكرت مشمولة ... صفرا كلون الفرس الأشقر وانظر العيني 416/ 4، والخزانة 279/ 2.

رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر بسكون النون البتة من "هنك ". وأنشدنا أبو علي رحمه الله لجرير: سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب1 بسكون فاء تعرفكم أنشدنا هذا بالموصل سنة إحدى وأربعين2 وقد سئل عن قول الشاعر: فلما تبين غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز الأمور صدور3 وقال الراعي: تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد وعلى هذا حملوا بيت لبيد: تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها وبيت الكتاب: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثمًا من الله ولا واغل4

_ 1 "فلا" كذا في ش وب. وفي أ: "ولا" وانظر المخصص 188 ج15، وفي ياقوت في "نهر تيرى": "ولم". وانظر في بني العم الأغاني 3/ 257 طبعة الدار، والسمط 527. 2 أي بعد الثلاثمائة. 3 هذا البيت لنهشل بن حري، "بفتح الحاء وتشديد الراء مكسورة فياء مشددة". ورواه صاحب اللسان في "غيب": "فلما رأى أن غب" إلخ. وغب في هذه الرواية فعل. وفي اللسان في "نأش"، "أنشد يعقوب لنهشل بن حري": ومولى عصاني واستبد بأمره ... كما لم يطع فيما أشار قصير فلما رأى ما غب أمري وأمره ... وباءت بأعجاز الأمور صدور تمنى نئيشًا أن يكون أطاعني ... ويحدث من بعد الأمور أمور قوله: "تمنى نئيشًا" أي تمنى في الأخير وبعد الفوت أن لو أطاعني وقد حدثت أمور لا يستدرك بها ما فات, أي أطاعني في وقت لا تنفعه فيه الطاعة, والبيت من شواهد الكشاف. وانظر حماسة البحتري 274. 4 قائله امرؤ القيس وقد أورده في الكتاب ص297 ج2.

وعليه ما أنشده1 من قوله: إذا اعوججن قلت صاحب قوم2 واعتراض أبي العباس في هذا الموضع3 إنما هو رد للرواية وتحكم على السماع بالشهوة مجردة4 من النصفة ونفسه ظلم لا من جعله خصمه. وهذا واضح. ومنه إسكانهم نحو رسل, وعجز, وعضد, وظرف, وكرم, وعلم, وكتف, وكبد وعصر. واستمرار ذلك في المضموم والمكسور, دون المفتوح, أدل دليل -بفصلهم بين الفتحة وأختيها- على ذوقهم الحركات واستثقالهم بعضها5 واستخفافهم الآخر 5. فهل هذا ونحو إلا لإنعامهم النظر في هذا القدر اليسير, المحتقر من الأصوات فكيف بما فوقه من الحروف التوام, بل الكلمة من جملة الكلام. وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرميسيني6 عن أبي بكر محمد بن هارون الروياني عن أبي حاتم سهل7 بن محمد السجستاني في كتابه الكبير في القراءات قال:

_ 1 أنشده، أي صاحب الكتاب وانظر كتابه ص297 ج2، وقد اعتمدت في إثبات هذه الصيغة على ج. وفي بقية الأصول: "أنشدوه". 2 عجزه: بالدو أمثال السفين العوم وانظر المرجع السابق. ونسب هذا الرجز السيرافي في "باب ما يحتمل الشعر" إلى أبي نخيلة. 3 كذا في الأصول الخطية، وفي المطبوعة: "الموضوع". 4 كذا في الأصول الخطية، وفي المطبوعة: "مجردا". 5 كذا في ش وب. وفي أ: "بعضا ... آخر". 6 نسبة إلى قرميسين: بلد بالعجم. وقد ضبطها صاحب القاموس بكسر القاف، وصاحب معجم البلدان بفتحها. وإبراهيم هذا قد يكون الذي في طبقات الفراء لابن الجزري. ففيها: "إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن مهران أبو إسحاق القرماسيني" انظر الطبقات ص7 ج1. ويقول ابن جني في مقدمة كتابه المحتسب عن كتاب أبي حاتم السجستاني في القراءات: "أخبرنا به أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرميسيني عن أبي بكر محمد بن هارون الروياني عن أبي حاتم" ومن هذا يبين أن هذين الرجلين كانا من القراء. 7 هو إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، قال ابن الجزري: "وأحسبه أول من صنف في القراءات". كانت وفاته سنة 255 وانظر طبقات ابن الجزري، رقم 1403.

قرأ علي أعرابي بالحرم: " طيبي لهم وحسن مآب " فقلت: طوبى فقال: طيبي, فأعدت فقلت: طوبى فقال: طيبي فلما طال علي قلت: طوطو قال: "طي طي"1. أفلا ترى إلى هذا الأعرابي وأنت تعتقده جافيًا كزّا لا دمثًا ولا طيعًا؛ كيف نبا طبعه عن ثقل الواو إلى الياء فلم يؤثر فيه التلقين, ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هز ولا تمرين, وما ظنك به إذا خلي مع سومه2 وتساند إلى سليقيته3 ونجره. وسألت يومًا أبا عبد الله محمد بن العساف العقيلي الجوثي التميمي -تميم4 جوثة- فقلت له: كيف تقول: ضربت أخوك؟ فقال: أقول: ضربت أخاك. فأدرته5 على الرفع فأبى, وقال: لا أقول: أخوك أبدًا. قلت: فكيف تقول ضربني أخوك فرفع. فقلت: ألست زعمت أنك لا تقول: أخوك أبدًا, فقال: أيش هذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا إلا أدل شيء على تأملهم مواقع الكلام وإعطائهم إياه في كل موضع حقه, وحصته من الإعراب, عن ميزة6 وعلى بصيرة, وأنه ليس استرسالًا ولا ترجيمًا. ولو كان كما توهمه هذا

_ 1 كتب هكذا بفصل الكلمتين فإنه لا يريد تكوين كلمة من هذين المقطعين، وفي هامش أ: "طيطي". 2 أي ترك يفعل كيف يشاء وأصل ذلك في الماشية وهي ترسل المرعى ترعى حيث شاءت؛ فيقال: خلاها وسومها. 3 كذا في أ. وفي ش وب: "سليقته". وكلاهما صحيح. يقال فلان يقرأ بالسليقية إذا كان يقرأ بطبعه لا عن تعلم. والتجر: الأصل والطبيعة. 4 جوثة بضم الجيم وسكون الواو: اسم حي أو موضع نسبت إليه تميم. وتميم تقرأ بالنصب أي أعني، وسمع جرها على حذف المضاف وإبقاء جر المضاف إليه أي صاحب تميم، وللكوفيين في الجر توجيه آخر، وانظر الصبان في أول النسب. 5 يقال: أدرت فلانا على الأمر إذا حاولت إلزامه إياه. 6 هذا الضبط عن أ. وفي اللسان: ماز الشيء ميزًا وميزة -بكسر الميم- وميّزه: فصل بعضه من بعض.

السائل لكثر اختلافه وانتشرت جهاته ولم تنقد مقاييسه. وهذا موضع نفرد له بابًا بإذن الله تعالى فيما بعد. وإنما أزيد في إيضاح هذه الفصول من هذا الكتاب لأنه موضع الغرض: فيه تقرير الأصول وإحكام معاقدها والتنبيه على شرف هذه اللغة وسداد مصادرها ومواردها وبه وبأمثاله تخرج أضغانها وتبعج أحضانها ولا سيما هذا السمت الذي نحن عليه ومرزون1 إليه؛ فاعرفه, فإن أحدًا لم يتكلف الكلام على علة إهمال ما أهمل واستعمال ما استعمل. وجماع أمر القول فيه والاستعانة على إصابة غروره2 ومطاويه لزومك محجة القول بالاستثقال والاستخفاف ولكن كيف وعلام ومن أين فإنه باب يحتاج منك إلى تأن, وفضل بيان وتأت. وقد دققت لك بابه بل خرقت بك حجابه. ولا تستطل كلامي في هذا الفصل أو ترين أن المقنع فيه كان دون هذا القدر فإنك إذا راجعته وأنعمت تأمله علمت أنه منبهة للحس مشجعة للنفس. وأما السؤال عن علة عدل عامر وجاشم وثاعل وتلك الأسماء المحفوظة, إلى فُعل: عمر وجشم وثعل وزحل وغدر دون أن يكون هذا العدل في مالك وحاتم وخالد نحو ذلك فقد تقدم الجواب عنه فيما فرط: أنهم لم يخصوا ما هذه سبيله بالحكم دون غيره إلا لاعتراضهم طرفًا مما أطف لهم من جملة لغتهم كما عن وعلى ما اتجه لا لأمر خص هذا دون غيره مما هذه سبيله؛ وعلى هذه الطريقة ينبغي أن يكون العمل فيما يرد عليك من السؤال عما هذه حاله؛ ولكن لا ينبغي أن تخلد إليها إلا بعد السبر والتأمل, والإنعام والتصفح؛ فإن

_ 1 مرزون: مستندون، من أرزيت إلى الله: استندت. 2 جمع غر، وهو موضع تكسر الثوب أو الجلد، وهو هنا يرادف "مطاويه" وقد ثبت في رسم هذه الكلمة أ، وفي ش وب: "غرره". وفي المطبوعة: "غيره".

وجدت غدرًا مقطوعًا به صرت إليه واعتمدته وإن تعذر ذلك, جنحت إلى طريق الاستخفاف والاستثقال فإنك لا تعدم هناك مذهبًا تسلكه ومأمًّا تتورّده. فقد أريتك في ذلك أشياء: أحدها استثقالهم الحركة التي هي أقل من الحرف حتى أفضوا في ذلك إلى أن أضعفوها واختلسوها ثم تجاوزوا ذلك إلى أن انتهكوا حرمتها فحذفوها ثم ميلوا1 بين الحركات فأنحو على الضمة والكسرة لثقلهما، وأجموا2 الفتحة في غالب الأمر لخفتها فهل هذا إلا لقوة نظرهم ولطف استشفافهم وتصفحهم. أنشدنا مرة أبو عبد الله الشجري شعرًا لنفسه, فيه بنو عوف, فقال له بعض الحاضرين: أتقول: بنو عوف أم بني عوف شكًا من السائل في بني وبنو فلم يفهم الشجري ما أراده وكان في ثنايا السائل فضل فرق3، فأشبع الصويت الذي يتبع الفاء في الوقف فقال الشجري مستنكرًا لذلك: لا أقوى في الكلام على هذا النفخ. وسألت غلامًا من آل المهيا فصيحًا عن لفظة من كلامه لا يحضرني الآن ذكرها فقلت: أكذا أم كذا فقال: " كذا بالنصب لأنه أخف " فجنح إلى الخفة وعجبت من هذا مع ذكره النصب بهذا اللفظ. وأظنه استعمل هذه اللفظة لأنها مذكورة عندهم في الإنشاد الذي يقال له النصب مما يتغنى به الركبان. وسنذكر فيما بعد بابًا نفصل فيه بين ما يجوز السؤال عنه مما4 لا يجوز ذلك فيه بإذن الله.

_ 1 يقال: ميل بين الأمرين: تردد فيهما أيهما يأخذ. 2 كذا في أ، ب. وفي ش والمطبوعة: "أحموا"، وإجمام الفتحة: تركها؛ يقال: أجم البئر، تركها يجتمع ماؤها، فلا يستقي منها. وأحمى لغة في حمى، يقال: أحمى عرضه: جماه. 3 القرق -بالتحريك- تباعد ما بين الشينين؛ كالفلج. 4 كذا في الأصول، والأسلوب المعروف في هذا أن يقال: وما لا يجوز.

ومما يدلك على لطف القوم ورقتهم مع تبذلهم وبذاذة ظواهرهم؛ مدحهم بالسباطة والرشاقة، وذمهم بضدها من الغلظة والغباوة1، ألا ترى إلى قولها2: فتى قد قد السيف لا متآزف ... ولا رهل لباته وبآدله وقول جميل في خبر3 له: وقد رابني من جعفر أن جعفرًا ... يبث هوى ليلى ويشكو هوى جمل فلو كنت عذري الصبابة لم تكن ... بطينًا وأنساك الهوى كثرة الأكل وقول عمر: قليلًا على ظهر المطية ظله ... سوى ما نفى عنه الرداء المحبر4 وإلى الأبيات المحفوظة في ذلك وهي قوله 5: ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مثقل وأظن هذا الموضع لو جمع لجاء مجلدًا عظيمًا.

_ 1 في ش: "القساوة". 2 يريد زينب أخت يزيد بن الطثرية -بفتح الطاء والمثلثة- من كلمة هلا ترثيه بها، ويقال: البيت للعجير السلولي، يرثي رجلا من بني عمه, وهو في الحماسة في شعر العجير ببعض تغيير، والمتآزف من الرجال: القصير، أو الضعيف الجبان، وضبط في أ، ب، متآزف على متفعل. وهو خطأ. وانظر في المرئية الأمالي 99/ 2. 3 وهو أنه أضاف رجلا وقدم له طعامًا شهيًّا، فجعل الرجل يحدث جميلا عن بنت عم له يحبها ويأكل حتى أتى على الطعام، فقال هذا الشعر، وقد أورد القالي في الذيل 207 البيتين ببعض تغيير من غير عزو. وانظر السمط 96 وأورد في الكامل 91-6: "وأنشدت لأعرابي": وقد رابني من زهدم أن زهدما ... يشد على خبزي ويبكي على جمل فلو كنت عذري العلاقة لم تكن ... سمينا وأنساك الهوى كثرة الأكل 4 من قصيدته التي مطلعها: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائج فمهجو وقوله: "قليلا" كذا في ج، والأغاني 1/ 82 طبعة الدار، وفي سائر الأصول: "قليل"، هو وصف لـ"رجلا" في البيت قبله، وهو: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشي فيحضر 5 يريد أبا كبير الهذلي، والبيت من قصيدة له في الحماسة.

وحدثني أبو الحسن علي بن عمرو عقيب منصرفه من مصر هاربًا متعسفًا قال: أذم1 لنا غلام -أحسبه قال من طيء- من بادية الشام, وكان نجيبًا متيقظًا, يكنى أبا الحسين ويخاطب بالأمير فبعدنا عن الماء في بعض الوقت فأضر ذلك بنا قال: فقال لنا ذلك الغلام: على رسلكم فإني أشم رائحة الماء. فأوقفنا2 بحيث كنا وأجرى فرسه فتشرف3 ههنا مستشفًا4 ثم عدل عن ذلك الموضع إلى آخر مستروحًا للماء ففعل ذلك دفعات ثم غاب عنا شيئًا وعاد إلينا فقال: النجاة والغنيمة سيروا على اسم الله تعالى فسرنا معه قدرًا من الأرض صالحًا فأشرف بنا على بئر فاستقينا وأروينا. ويكفي من ذلك ما حكاه5 من قول بعضهم لصاحبه: ألا تا فيقول الآخر مجيبًا له: بلى فا وقول الآخر: قلنا لها قفي لنا قالت قاف ثم تجاوزوا ذلك إلى أن قالوا: " رب إشارة أبلغ من عبارة " نعم وقد يحذفون بعض الكلم استخفافًا حذفًا يخل بالبقية ويعرض لها الشبه6؛ ألا ترى إلى قول علقمة: كأن إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم7

_ 1 أي أخذ له الذمة والأمان. وهو هكذا في أ. وفي بقية الأصول: "إذ مر"، ولا معنى له في هذا الموضع. 2 في ش: "فوقفنا". 3 فتشرف: فتطلع. 4 مستشفا: متأملا. 5 أي سيبويه، وانظر ما تقدم في ص31. 6 كذا في ب. وفي أ: "الشبهة". 7 المفدم: الذي على فمه خرقة، وملثوم متلفف بها من تلثم بعمامته إذا شدها على فمه. و"ملثوم" كذا في اللسان وهو رواية في البيت. والرواية الأخرى: "مرثوم". والمرثوم: الذي قد رثم أنفه وكسر، والبيت من قصيدة مفضلية.

أراد: بسبائب 1. وقول لبيد: درس المنا بمتالع فأبان أراد المنازل. وقول الآخر 2: حين ألقت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل3 يريد عبد الأشهل من الأنصار, وقول أبي داود: يذرين جندل حائر لجنوبها ... فكأنما تذكى سنابكها الحبا أي تصيب بالحصى في جريها جنوبها وأراد الحباحب4 وقال الأخطل: أمست مناها بأرض ما يبلغها ... بصاحب الهم إلا الجسرة الأجد5 قالوا: يريد منازلها ويجوز أن يكون مناها قصدها 6.

_ 1 واحدها سبيبة، وهي الشقة البيضاء من الثوب. ويقول ابن سيده في المخصص ج15 ص167 بعد أن أورد عجز بيت علقمة: "قيل: إنه أراد السبائب فحذف، وهو من شاذ الحذف. وقيل إن السبا هي السبائب، وليس على الحذف". 2 هو ابن الزبعرى، كما في اللسان مادة "برك"، وانظر ترجمته في الأغاني ج14 ص11. 3 من قصيدة قالها في غزوة أحد, وهو يومئذ مشرك يفتخر فيها بهزيمة المسلمين وانتصار قريش. وقبله: ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج عن وقع الأسل وقوله: "حين ألقت" يروى "حين حكت" والضمير فيهما للحرب، والبرك: وسط الصدر أي حين أناخت الحرب فيهم. وانظر السمط 387 وسيرة ابن هشام في غزوة أحد. 4 وهو يريد فار الحباحب، وهي نار ضعيفة، والحباحب دويبة تطير كالشرارة أضيف إليه النار، وقيل فيه غير ذلك. 5 من قصيدته التي مطلعها: حلت ضبيرة أمواه العداد وقد ... كانت تحل وأدنى دارها ثكد وقبل البيت: يا ليت أخت بين دب يريع بها ... صرف النوى فينام العائر السهد وانظر الديوان 169. 6 وأنت الفعل لأن المنى اكتسب التأنيث من المضاف إليه، على حد قولهم: قطعت بعض أصابعه، أو أن في "أمست" ضمير من يتحدث عنها، وجملة "مناها بأرض ... " هي الخبر. وانظر اللسان في "منا".

ودع هذا كله, ألم تسمع إلى ما جاءوا به من الأسماء المستفهم بها, والأسماء المشروط بها كيف أغنى الحرف الواحد عن الكلام الكثير المتناهي في الأبعاد والطول فمن ذلك قولك: كم مالك ألا ترى أنه قد أغناك ذلك عن قولك: أعشرة مالك أم عشرون أم ثلاثون أم مائة أم ألف فلو ذهبت تستوعب الأعداد لم تبلغ ذلك أبدًا لأنه غير متناه فلما قلت: " كم " أغنتك هذه اللفظة الواحدة عن تلك الإطالة غير المحاط بآخرها ولا المستدركة. وكذلك أين بيتك؛ قد أغنتك "أين " عن ذكر الأماكن كلها. وكذلك من عندك قد أغناك هذا عن ذكر الناس كلهم. وكذلك متى تقوم قد غنيت بذلك عن ذكر الأزمنة على بعدها. وعلى هذا بقية الأسماء من نحو: كيف وأي وأيان وأنى. وكذلك الشرط في قولك: من يقم أقم معه فقد كفاك ذلك من ذكر جميع الناس ولولا هو لاحتجت أن تقول: إن يقم زيد أو عمرو أو جعفر أو قاسم ونحو ذلك, ثم تقف حسيرًا مبهورًا ولما1 تجد إلى غرضك سبيلًا. وكذلك بقية أسماء العموم في غير الإيجاب: نحو أحد وديار وكتيع وأرم وبقية الباب. فإذا قلت: هل عندك أحد أغناك ذلك عن أن تقول: هل عندك زيد أو عمرو أو جعفر, أو سعيد أو صالح فتطيل ثم تقصر إقصار المعترف الكليل وهذا وغيره أظهر أمرًا وأبدى صفحة وعنوانًا. فجميع ما مضى وما نحن بسبيله مما أحضرناه, أو نبهنا عليه فتركناه شاهد بإيثار القوم قوة إيجازهم وحذف فضول كلامهم. هذا مع أنهم في بعض الأحوال قد يمكنون ويحتاطون وينحطون في الشق2 الذي

_ 1 كذا في أ. وفي ش وب: "لم". 2 في ج: "الشيء". وقوله: "ينحطون في الشق الذي يؤمون" أي يجتهدون فيه ويبذلون فيه وسعهم؛ من قولهم: انحطت الناقة في سيرها: أسرعت، وانحط في هوى فلان: سارع إلى إرضائه.

يؤمون, وذلك في التوكيد نحو جاء القوم أجمعون, أكتعون, أبصعون, أبتعون1؛ وقد قال جرير: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا2 فزاد الزاد في آخر البيت توكيدًا لا غير. وقيل لأبي عمرو: أكانت العرب تطيل؟ فقال: نعم لتبلغ 3. قيل: أفكانت توجز؟ قال: نعم ليحفظ4 عنها. واعلم أن العرب -مع ما ذكرنا- إلى الإيجاز أميل, وعن الإكثار أبعد. ألا ترى أنها في حال إطالتها وتكريرها مؤذنة باستكراه تلك الحال وملالها, ودالة على أنها إنما تجشمتها لما عناها هناك وأهمها؛ فجعلوا تحمل ما في ذلك على العلم بقوة الكلفة فيه دليلا على إحكام الأمر فيما هم عليه. ووجه ما ذكرناه من ملالتها الإطالة -مع مجيئها بها للضرورة الداعية إليها- أنهم لما أكدوا فقالوا: أجمعون, أكتعون, أبصعون, أبتعون, لم يعيدوا أجمعون البتة فيكرروها فيقولوا: أجمعون, أجمعون, أجمعون, أجمعون, فعدلوا عن إعادة جميع الحروف إلى البعض تحاميًا -مع الإطالة- لتكرير الحروف كلها. فإن قيل: فلم اقتصروا على إعادة العين وحدها, دون سائر حروف الكلمة قيل: لأنها أقوى في السجعة من الحرفين اللذين قبلها وذلك أنها لام فهي قافية لأنها آخر حروف الأصل فجيء بها؛ لأنها مقطع الأصول والعمل في المبالغة والتكرير إنما هو على المقطع لا على المبدأ, ولا المحشى 4.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب، ج سقط هذا اللفظ. 2 من قصيدة له في مدح عمر بن عبد العزيز. وانظر الخزانة 4/ 110 والديوان 1/ 53. 3 كذا في ج. وفي أ: "لتبليغ"، وكتب فوقه "لتؤكد" ويبدو أن هذا تفسير لتبلغ أو إشارة لنسخة أخرى. وفي ش، ب: "لتؤكد". 4 في ش: "ليخفف". 5 "المحشى": مكان الحشو. ويراد به وسط الكلمة.

ألا ترى أن العناية في الشعر إنما هي بالقوافي لأنها المقاطع وفي السجع كمثل ذلك. نعم, وآخر السجعة والقافية أشرف عندهم من أولها والعناية بها أمس والحشد عليها أوفى وأهم. وكذلك كلما تطرف الحرف في القافية ازدادوا عناية به ومحافظة على حكمه. ألا تعلم كيف استجاوزا الجمع بين الياء والواو ردفين نحو: سعيد, وعمود. وكيف استكرهوا اجتماعهما وصلين نحو قوله: "الغراب1 الأسودو" مع قوله أو "مغتدى" 1 وقوله في "غدى "1 وبقية قوافيها وعلة جواز اختلاف الردف وقبح اختلاف الوصل هو حديث التقدم والتأخر لا غير. وقد أحكمنا هذا الموضع في كتابنا المعرب -وهو تفسير قوافي أبي الحسن- بما أغنى عن إعادته هنا. فلذلك جاءوا لما كرهوا إعادة جميع حروف أجمعين بقافيتها؛ وهي العين لأنها أشهر حروفها إذ كانت مقطعًا لها. فأما الواو والنون فزائدتان لا يعتدان2 لحذفهما في أجمع وجمع وأيضًا فلأن الواو قد تترك فيه إلى الياء، نحو أجمعون وأجمعين. وأيضا لثبات النون وحذفها أخرى، في غير هذا الموضع، فلذلك لم يعتدا مقطعا.

_ 1 من قصيدة النابغة التي أولها: أمن آل مية رائح أو مغند ... عجلان ذا زاد وغير مزود ويقوله فيها: زعم البوارح أن رحلتنا غدا ... وبذاك خبرنا الغراب الأسود لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبة في غد 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "لا يعتد بحذفهما" وهذا غير ظاهر المعنى، وما أثبته هو الصحيح، ويقرأ يعتدان بالبناء للمفعول، أي لا يحسبان؛ يقال: عده واعتده في معنى واحد. ويقرأ أيضًا بالبناء للفاعل؛ يقال: عده فاعتد. وفي ج: "ولم يعتدوا بالواو والنون لزيادتهما وسقوطهما في أجمع وجمع" وهي ظاهرة.

فإن قلت: إن هذه النون إنما تحذف مع الإضافة وهذه الأسماء التوابع نحو "أجمعين وبابه " مما لم تسمع إضافته فالنون فيها ثابتة على كل حال فهلا اقتصر عليها, وقفيت الكلم كلها بها. قيل: إنها1 وإن لم يضف هذا الضرب من الأسماء فإن إضافة هذا القبيل من الكلم في غير هذا الموضع مطردة منقادة نحو: مسلموك وضاربو زيد وشاتمو جعفر, فلما كان الأكثر فيما جمع بالواو والنون إنما هو جواز إضافته حمل الأقل في ذلك عليه وألحق في الحكم به. فأما قولهم: أخذ المال بأجمعه فليس أجمع هذا هو أجمع من قولهم: جاء الجيش أجمع وأكلت الرغيف أجمع من قبل أن أجمع هذا الذي يؤكد به لا يتنكر2 هو ولا ما يتبعه أبدًا نحو أكتع, وجميع هذا الباب, وإذا لم يجز تنكيره كان من الإضافة أبعد إذ لا سبيل إلى إضافة اسم إلا بعد تنكيره وتصوره كذلك. ولهذا لم يأت عنهم شيء من إضافة أسماء الإشارة ولا الأسماء المضمرة إذ ليس فيها ما ينكر. ويؤكد ذلك عندك أنهم قد قالوا في هذا المعنى: جاء القوم بأجمعهم بضم الميم فكما أن هذه غير تلك لا محالة فكذلك المفتوحة الميم هي غير تلك. وهذا واضح. وينبغي أن تكون "أجمع " هذه المضمومة العين3 جمعًا مكسرًا لا واحدًا مفردًا من حيث كان هذا المثال مما يخص التكسير دون الإفراد وإذا كان كذلك فيجب أن يعرف خبر واحده ما هو. فأقرب ذلك إليه أن يكون جمع "جمع" من قول

_ 1 الضمير للقصة؛ على حد قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} . 2 كذا في الأصول الخطية. وفي المطبوعة: "ينكر". 3 وهي الميم في هذه الكلمة.

الله سبحانه {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . ويجوز عندي أيضًا أن يكون جمع أجمع على حذف الزيادة وعليه حمل أبو عبيدة قول الله تعالى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أنه جمع أشد, على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على حذف هذه الزيادة في الواحد, وأنشد بيت عنترة 1: عهدي به شد النهار ... أي أشد النهار, ويعني أعلاه وأمتعه وذهب سيبويه في أشد هذه إلى أنها جمع شدة كنعمة وأنعم. وذهب أبو عثمان2 فيما رويناه عن أحمد2 بن يحيى عنه إلى أنه جمع لا واحد له. ثم لنعد فنقول: إنهم إذا كانوا في حال إكثارهم وتوكيدهم مستوحشين منه مصانعين3 عنه علم أنهم إلى الإيجاز أميل, وبه أعنى وفيه أرغب؛ ألا ترى إلى ما في القرآن وفصيح الكلام: من كثرة الحذوف كحذف المضاف وحذف الموصوف والاكتفاء بالقليل من الكثير كالواحد من الجماعة وكالتلويح من التصريح. فهذا ونحوه -مما يطول إيراده وشرحه- مما يزيل الشك عنك في رغبتهم فيما خف وأوجز عما طال وأملّ, وأنهم متى اضطروا إلى الإطالة لداعي حاجة أبانوا عن ثقلها عليهم, واعتدوا بما كلفوه من ذلك أنفسهم وجعلوه كالمنبهة على فرط عنايتهم وتمكن الموضع عندهم, وأنه ليس كغيره مما ليست له حرمته ولا النفس معنية به.

_ 1 في المعلقة، وتتمته: ... ... ... كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم 2 أبو عثمان المازني، كانت وفاته سنة 249هـ وأحمد بن يحيى ثعلب وكانت وفاته 291، ويقضي هذا النص أن ثعلبًا أخذ عن المازني. وجاء في سر الصناعة في حرف الباء: "أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى، قال: قال أبو عثمان يعني المازني ... ", وأحمد بن يحيى الذي يروي عنه محمد بن الحسن هو ثعلب بلا ريب. 3 المصانعة: المداراة. وقد ضمن "مصانعين" معنى النفور والبعد فعداه بعن.

نعم, ولو لم يكن في الإطالة في بعض الأحوال إلا الخروج إليها عما قد ألف ومل من الإيجاز لكان مقنعًا. ألا ترى إلى كثرة غلبة الياء على الواو في عام الحال ثم مع هذا فقد ملوا ذلك إلى أن قلبوا الياء واوًا قلبًا ساذجًا أو كالساذج لا لشيء أكثر من الانتقال من حال إلى حال فإن المحبوب إذا كثر مُلّ, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم 1: "يا أبا هريرة زر غبًّا تزدد حبًّا" , والطريق في هذا بحمد الله واضحة مهيع. وذلك الموضع الذي قلبت فيه الياء واوًا على ما ذكرنا لام فَعْلى إذا كانت اسمًا من نحو: الفتوى والرعوى2 والثنوى2 والبقوى2 والتقوى والشروى2 والعوى "لهذا النجم ". وعلى ذلك أو قريب منه قالوا: عوى الكلب عوة. وقالوا: الفتُوّة وهي من الياء وكذلك النَّدُوّة3. وقالوا: هذا أمر ممضُوّ عليه وهي المضواء4, وإنما هي من مضيت لا غير. وقد جاء عنهم: رجل مهوب وبُرّ مكول5 ورجل مسور به6. فقياس هذا كله على قول الخليل أن يكون مما قلبت فيه الياء واوًا؛ لأنه يعتقد أن المحذوف من هذا ونحوه إنما هو واو مفعول لا عينه وأنسه بذلك قولهم: قد هوب, وسور به وكول. واعلم أنا -مع ما شرحنا وعنينا به فأوضحناه من ترجيح علل النحو على علل الفقه, وإلحاقها بعلل الكلام- لا ندعي أنها تبلغ قدر علل المتكلمين ولا عليها

_ 1 رواه الطبراني وغيره. وله أسانيد حسان، انظر شرح الجامع الصغير، وقوله: "غبًّا" أي وقتا بعد وقت، وانتصابه على الظرف، وانتصاب "حبًّا" على التمييز والتفسير، وانظر البلوي 151/ 2. 2 الرعوى: بمعنى المراعاة والحفظ. والثنوي: اسم من الاستثناء، والبقوى: اسم بمعنى الإبقاء، والشروى: المثل. وقد جعل المؤلف الإبدال في هذا الباب ساذجا أو كالساذج وإن كان للفرق بين الاسم والصفة لما كان غير مبني على الاستثقال والاستخفاف الذي هو الأصل في حديث الإعلال. 3 من الندى، وهو ما يسقط بالليل من البلل. 4 المضواء "بضم الميم": التقدم. 5 هذه لغة بني أسد. ومكول مفعول من الكيل. 6 رجل مسور به. وكذا طريق مسور فيه، وهما من السير.

براهين المهندسين غير أنا نقول: إن علل النحويين على ضربين: أحدهما واجب لا بد منه؛ لأن النفس لا تطيق في معناه غيره. والآخر ما يمكن تحمله إلا أنه على تجشم واستكراه له. الأول -وهو ما لا بد للطبع منه: قلب الألف واوًا للضمة قبلها, وياء للكسرة قبلها. أما الواو فنحو قولك في سائر: سويئر وفي ضارب: ضويرب. وأما الياء فنحو قولك في نحو تحقير قرطاس وتكسيره: قريطيس وقراطيس. فهذا ونحوه مما لا بد منه؛ من قبل أنه ليس في القوة ولا احتمال الطبيعة وقوع الألف المدة1 الساكنة بعد الكسرة ولا الضمة. فقلب الألف على هذا الحد علته الكسرة والضمة قبلها. فهذه علة برهانية ولا لبس فيها ولا توقف للنفس عنها. وليس كذلك قلب واو عصفور ونحوه ياء إذا انكسر ما قبلها نحو: عصيفير وعصافير؛ ألا ترى أنه قد يمكنك تحمل المشقة في تصحيح هذه الواو بعد الكسرة؛ وذلك بأن تقول عصيفور وعصافور. وكذلك نحو: موسر وموقن وميزان وميعاد لو أكرهت نفسك على تصحيح أصلها لأطاعتك عليه وأمكنتك منه وذلك قولك: موزان وموعاد وميسر وميقن. وكذلك ريح وقيل قد كنت قادرًا أن تقول: قول وروح لكن مجيء الألف بعد الضمة أو الكسرة أو السكون محال ومثله لا يكون. ومن المستحيل جمعك2 بين الألفين المدتين نحو ما صار إليه قلب لام

_ 1 هذا القيد للاحتراز عن الألف اليابسة، وهي الهمزة، وقد يعبر عن الألف المدة بالألف اللينة. 2 بعد أن ساق سيبويه مذهب يونس وناس من النحويين في توكيد المسند إلى الاثنين أو نون النسوة بنون التوكيد الخفيفة فيقال عندهم: اضربان زيدا واضربنان زيدا قال: "ويقولون في الوقف اضربا واضربنا فيمدون، وهو قياس قولهم؛ لأنهما تصير ألفا فإذا اجتمعت ألفان مد الحرف، وترى سيبويه يتصور اجتماع ألفين: وفي السيرافي أن الزجاج كان ينكر هذا. وسيشير المؤلف إلى هذا في ص94، وانظر الكتاب 157/ 2.

كساء ونحوه قبل إبدال الألف همزة وهو خطا كساا, أو قضاا, فهذا تتوهمه تقديرًا ولا تلفظ به البتة. قال أبو إسحاق يومًا لخصم نازعه في جواز اجتماع الألفين المدتين -ومد الرجل الألف في نحو هذا, وأطال- فقال له أبو إسحاق: لو مددتها إلى العصر ما كانت إلا ألفًا واحدة. وعلة امتناع ذلك عندي أنه قد ثبت أن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا فلو التقت ألفان مدتان لانتقضت القضية في ذلك؛ ألا ترى أن الألف الأولى قبل الثانية ساكنة وإذا كان ما قبل الثانية ساكنًا كان ذلك نقضًا في الشرط لا محالة. فأما قول أبي العباس في إنشاد سيبويه 1: دار لسعدى إذه من هواكا إنه خرج من باب الخطأ إلى باب الإحالة؛ لأن الحرف الواحد لا يكون ساكنًا متحركًا في حال2، فخطأ عندنا. وذلك أن الذي قال: " إذه من هواك " هو الذي يقول في الوصل: هي قامت, فيسكن الياء، وهي لغة3 معروفة, فإذا حذفها في الوصل اضطرارًا واحتاج إلى الوقف ردها حينئذ فقال: هي, فصار الحرف المبدوء به غير الموقوف عليه فلم يجب من هذا أن يكون ساكنًا متحركًا في حال وإنما كان قوله: " إذه" على لغة من أسكن الياء لا لغة من حركها من قبل أن الحذف ضرب من الإعلال. والإعلال إلى السواكن لضعفها أسبق منه إلى المتحركات لقوتها. وعلى هذا قبح قوله:

_ 1 انظر الكتاب 1/ 9. 2 يريد أن بقاء الضمير المنفصل على حرف واحد يعرضه للسكون عند الوقف عليه والتحريك عند البدء به، وهو عرضة للبدء مع الوقف دائمًا؛ فمن هنا جاءت الاستحالة التي زعمها المبرد. ويرد ابن جني على المبرد بأن الوقف يقضي برد المحذوف؛ فيكون الوقف عليه وتسكينه، فأما الحرف الباقي فلا يعرض له السكون. 3 هي لغة بعض بني أسد وقيس يقولون: هي فعلت؛ بإسكان الباء.

لم يك الحق سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفى بالسرر1 لأنه موضع يتحرك فيه الحرف في نحو قولك: لم يكن الحق. وعلة جواز هذا البيت ونحوه مما حذف فيه ما يقوى بالحركة, هي أن هذه الحركة إنما هي لالتقاء2 الساكنين وأحداث التقائهما ملغاة غير معتدة فكأن النون ساكنة وإن كانت لو أقرت لحركت, فإن لم تقل بهذا لزمك أن تمتنع من إجماع العرب الحجازيين على قولهم: اردد الباب واصبب الماء واسلل السيف. وأن تحتج3 في دفع ذلك بأن تقول: لا أجمع بين مثلين متحركين. وهذا واضح. ومن طريف حديث اجتماع السواكن شيء وإن كان في لغة العجم, فإن طريق الحس موضع تتلاقى عليه طباع البشر, ويتحاكم إليه الأسود والأحمر, وذلك قولهم: "آرد " للدقيق4 و "ماست " للبن4؛ فيجمعون بين ثلاثة سواكن. إلا أنني لم أر ذلك إلا فيما كان ساكنه الأول5 ألفًا, وذلك أن الألف لما قاربت بضعفها وخفائها الحركة صارت " ماستْ" كأنها مَسْت.

_ 1 هذا البيت لشاعر جاهلي، اسمه حسيل -بضم الحاء وفتح السين- بن عرفطة وضمير "هاجه" عائد إلى العاشق في بيت قبله. و"وتعفى" أي الرسم، وفي أكتب فوقه "تعفت" أي الدار، وهي رواية. والسرر -بفتحتين- اسم واد يدفع من اليمامة إلى حضرموت. وانظر الخزانة ص72 ج4 ونوادر أبي زيد الأنصاري ص77. وفيها "على" بدل "سوى". وبعد هذا البيت في ج: غير الجدة من عرفانه ... خرق الريح وطوقان المطر 2 كذا في أ، ج، وفي ش: "لانتفاء". 3 في الأصول: "تجنح" وما أثبته أنسب لقوله: "بأن تقول". 4 سقطت هاتان العبارتان: "للدقيق" و"اللبن" في أ، وأثبتتا في ش، ب. 5 أورد الجاربردي في شرحه للشافية 151 مما اجتمع فيه ثلاث سواكن في كلام العجم "كوشت وبيست", والساكن الأول فيهما ليس ألفا. وكرشت -بكاف فارسية- اللحم، وبيست يقابل في العربية اسم العدد عشرين.

فإن قلت: فأجز على هذا الجمع بين الألفين المدتين واعتقد أن الأولى منهما كالفتحة قبل الثانية. قيل: هذا فاسد؛ وذلك أن الألف قبل السين في "ماست " إذا أنت استوفيتها أدتك إلى شيء آخر غيرها مخالف لها, وتلك حال الحركة قبل الحرف: أن يكون بينهما فرق ما1، ولو تجشمت نحو ذلك في جمعك في اللفظ بين ألفين مدتين, نحو كساا, وحمراا, لكان مضافًا إلى اجتماع ساكنين أنك خرجت من الألف إلى ألف مثلها وعلى سمتها, والحركة لا بد لها أن تكون مخالفة للحرف بعدها, هذا مع انتقاض القضية في سكون ما قبل الألف الثانية. ورأيت مع هذا أبا علي -رحمه الله- كغير المستوحش من الابتداء بالساكن في كلام العجم. ولعمري إنه لم يصرح بإجازته لكنه لم يتشدد فيه تشدده في إفساد إجازة ابتداء العرب بالساكن. قال: وذلك أن العرب قد امتنعت من الابتداء بما يقارب حال الساكن, وإن كان في الحقيقة متحركًا يعني همزة بين بين. قال: فإذا كان بعض المتحرك لمضارعته الساكن لا يمكن الابتداء به فما الظن بالساكن نفسه! قال: وإنما خفي حال هذا في اللغة العجمية لما فيها من الزمزمة2، يريد أنها لما كثر ذلك فيها ضعفت حركاتها وخفيت. وأما أنا فأسمعهم3 كثيرًا إذا أرادوا المفتاح قالوا: "كليد " فإن لم تبلغ الكاف أن تكون

_ 1 ثبت هذا اللفظ في أ، ج، وسقط في ش، ب. 2 الزمزمة: كلام المجوس عند أكلهم، يتراطنون وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشقة إنما هو صوت يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم فيفهم بعضهم عن بعض, وفي الحديث أن عمر -رضي الله عنه- كتب إلى أحد عماله في أمر المجوس أن ينهاهم عن الزمزمة. 3 أي الفرس ومن يتكلم بلسانهم.

ساكنة, فإن حركتها جد مضعفة, حتى إنها ليخفى حالها عليّ, فلا أدري أفتحة هي أم كسرة, وقد تأملت ذلك طويلا فلم أحل1 منه بطائل. وحدثني أبو علي رحمه الله قال: دخلت "هيتا "2 وأنا أريد الانحدار منها إلى بغداد فسمعت أهلها ينطقون بفتحة غريبة لم أسمعها قبل؛ فعجبت منها وأقمنا هناك أيامًا, إلى أن صلح الطريق للمسير, فإذا أنني قد تكلمت مع القوم بها, وأظنه قال لي: إنني لما بعدت عنهم أنسيتها. ومما نحن بسبيله مذهب3 يونس في إلحاقه النون الخفيفة للتوكيد في التثنية, وجماعة النساء, وجمعه بين ساكنين في الوصل, نحو قوله: اضربان زيدًا, واضربنان عمرًا, وليس ذلك -وإن كان في الإدراج- بالممتنع في الحس, وإن كان غيره أسوغ فيه منه4، من قبل أن الألف إذا أشبع مدها صار ذلك كالحركة فيها ألا ترى إلى اطراد نحو: شابة, ودابة, وادهامت, والضالين. فإن قلت: فإن الحرف لما كان مدغمًا خفى, فنبا اللسان عنه وعن الآخر بعده نبوة واحدة, فجريا لذلك مجرى الحرف الواحد وليست كذلك نون اضربان زيدًا, وأكرمنان جعفرًا, قيل: فالنون الساكنة أيضًا حرف خفي فجرت لذلك نحوًا من الحرف المدغم وقد قرأ نافع: "مَحْيَايْ وَمَمَاتِي" بسكون الياء من "مَحْيَايَ" وذلك لما نحن عليه من حديث الخفاء والياء المتحركة إذا وقعت بعد الألف احتيج لها إلى فضل اعتماد وإبانة وذلك قول الله تعالى {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ولذلك يحض المبتدئون والمتلقنون على إبانة هذه الياء لوقوعها بعد الألف، فإذا

_ 1 لم أحل منه بطائل: لم أظفر ولم أستفد منه كبير فائدة. 2 هي بلدة على الفرات من نواحي بغداد، ذات نخل كثير وخيرات واسعة. 3 انظر الكتاب 157 ج2. 4 كذا في أ، ب، وفي ش: "منه فيه".

كانت من الخفاء على ما ذكرنا وهي متحركة ازدادت خفاء بالسكون نحو محياي فأشبهت حينئذ الحرف المدغم. ونحو من ذلك ما يحكى عنهم من قولهم: "التقت حلقتا البطان " بإثبات الألف ساكنة في اللفظ قبل اللام, وكأن ذلك إنما جاز ههنا لمضارعة اللام1 النون؛ ألا ترى أن في مقطع اللام غنة كالنون وهي أيضًا تقرب من الياء حتى يجعلها بعضهم في اللفظ ياء, فحملت اللام في هذا على النون كما حملت أيضًا عليها في لعلي, ألا تراهم كيف كرهوا النون من لعلني مع اللام, كما كرهوا النون في إنني وعلى ذلك قالوا: هذا بِلْوُسَفَر وبِلْىُ سفرٍ2, فأبدلوا الواو ياء لضعف حجز اللام كما أبدلوها "في قِنْية " ياء لضعف حجز النون, وكأن "قنية " -وهي عندنا من "قنوت " - و "بِلْيًا " أشبه من عِذى3 وصبيان, لأنه لا غنة في الذال والباء 4. ومثل "بِلى " قولهم: فلان من عِلْيَه الناس, وناقة عِلْيَان 5. فأما إبدال يونس هذه النون في الوقف ألفًا وجمعه بين ألفين في اضرباا, واضربناا, فهو الضعيف المستكره الذي أباه أبو إسحاق وقال فيه ما قال6. ومن الأمر الطبيعي الذي لا بد منه ولا وَعْىَ7 عنه, أن يلتقي الحرفان الصحيحان فيسكن الأول منهما في الإدراج فلا يكون حينئذ بد من الإدغام،

_ 1 أي فأشبه اجتماع الساكنين في "حلقتا البطان" اجتماعهما في اضربان على رأي يونس. 2 هكذا بتقديم الواوي على اليائي في أ، ج. وفي ش، ب بتقديم اليائي. وبلو سفر، وبلى سفر: بلاء السفر والتجارب وحنكته مداورة الشئون. 3 العذى: الزرع لا يسقى إلا من ماء المطر لبعده عن الياء والعيون، وقد جعل ابن جني الياء فيه مبدلة من الواو، وهذا رأي في اللغة، ويرى بعضهم كصاحب القاموس أن الياء أصلية فيه. 4 هكذا بالياء الموحدة كما في أ، ب. وفي ش والمطبوعة "بالياء" وهو تصحيف، والمراد الذال في عذى والباء في صبيان. 5 يقال: ناقة عليان أي مشرفة، وصوت عليان: جهير. 6 انظر ص90 من هذا الكتاب. 7 يقال: لا وعى لي عن هذا الأمر؛ أي لا بد لي منه.

متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو قولك: شد وصب وحل فالادّغام واجب لا محالة ولا يوجدك اللفظ به بدًّا منه. والمنفصلان نحو قولك: خذ ذاك ودع عامرا. فإن قلت: فقد أقدر أن أقول: شدد وحلل فلا أدغم, قيل: متى تجشمت ذلك وقفت على الحرف الأول وقفة ما وكلامنا إنما هو على الوصل. فأما قراءة عاصم: "وقيل من راق " ببيان النون من "من " فمعيب في الإعراب, معيف في الأسماع وذلك أن النون الساكنة لا توقف في وجوب ادّغامها في الراء نحو: من رأيت ومن رآك فإن كان ارتكب ذلك ووقف على النون صحيحة غير مدّغمة, لينبه به على انفصال المبتدأ من خبره فغير مرضي أيضًا ألا ترى إلى قول عدي 2: من رأيت المنون عرين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير3 بإدغام نون "من " في راء رأيت. ويكفي من هذا إجماع الجماعة على ادّغام {مَنْ رَاقٍ} وغيره مما تلك سبيله. وعاصم في هذا مناقض لمن قرأ: "فإذا هيتلقف " 4, بإدغام تاء تلقف. وهذا عندي يدل على شدة اتصال المبتدأ بخبره فإذا صارا معًا ههنا كالجزء الواحد فجرى " هيت " في اللفظ مجرى خدب وهجف ولولا أن الأمر كذلك للزمك أن تقدر الابتداء بالساكن, أعني تاء المضارعة من " تتلقف ". فاعرف ذلك. وأما المعتلان فإن كانا مدين منفصلين فالبيان لا غير, نحو: في يده وذو وفرة،

_ 1 كذا في ش. وفي أ، ب: "الاستماع"، وقد كان خيرا لابن جني أن ينزه لسانه عن الوقوع في القراءة الصحيحة المتواترة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وغاب عنه أن عاصمًا -وتبعه حفص- يسكت على "من" سكتة لطيفة ثم يبتدئ "راق" وعلى ذلك فلا سبيل إلى الإدغام، وهذه السكتة قصد بها دفع اللبس وألا يتوهم أن "من راق" هي مرّاق فعال من مرق, وانظر النشر 1/ 419 طبعة دمشق، والآلوسي والقرطبي في تفسير سورة القيامة. 2 يريد عدي بن زيد، وانظر القصيدة في الأغاني ص128 ج2 طبعة الدار. 3 عرين: أي تركن وأهملن؛ تقول: عربت الشيء خليته وأهملته. وفي اللسان في "منن": "عزين" في مكان "عرين"، وفي رواية الأغاني مكانهما: خلدن. 4 هو البزي كما في البحر المحيط ص363 ج4. ويريد قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} آية 117 سورة الأعراف.

وإن كانا متصلين ادّغما نحو: مرضية ومدعوة فإن كان الأول غير لازم فك في المتصل أيضًا نحو قوله: بان الخليط ولو طووعت ما بانا1 وقول العجاج: وفاحم دووى حتى اعلنكسا2 ألا ترى أن الأصل داويت وطاوعت فالحرف الأول إذًا ليس لازمًا. فإن كانا بعد الفتحة ادغما لا غير متصلين ومنفصلين وذلك نحو: قو وجو وحي وعي ومصطفو واقد وغلامي ياسر؛ وهذا ظاهر. فهذا ونحوه طريق ما لا بد منه؛ "وما لا يجري مجرى التحيز إليه والتخير له"3. وما منه بد هو الأكثر وعليه اعتماد القول وفيه يطول السؤال والخوض وقد تقدم صدر منه ونحن نغترق4 في آتي الأبواب جميعه ولا قوة إلا بالله فأما إن استوفينا في الباب الواحد كل ما يتصل به -على تزاحم هذا الشأن وتقاود بعضه مع بعض- اضطرت الحال إلى إعادة كثير منه وتكريره في الأبواب المضاهية لبابه وسترى ذلك مشروحًا بحسب ما يعين الله عليه وينهض به.

_ 1 هذا مطلع قصيدة لجرير. وبقية البيت: وقطعوا من حبال الوصل أقرانا 2 الذي في ديوان العجاج 31: "يفاحم". وهو متعلق بقوله قبل: أزمان غراء تروق العنسا 3 زيادة في ش، ج. 4 أي نستوعب. والاغتراق والاستغراق معناهما واحد.

باب القول على الاطراد والشذوذ

باب القول على الاطراد والشذوذ: أصل مواضع "ط ر د " في كلامهم التتابع والاستمرار. من ذلك طردت الطريدة إذ اتبعتها واستمرت بين يديك ومنه مطاردة الفرسان بعضهم بعضًا ألا ترى أن هناك كرًّا وفرًّا فكل يطرد صاحبه. ومنه المطرد: رمح قصير يطرد به الوحش واطرد الجدول إذا تتابع ماؤه بالريح. أنشدني بعض أصحابنا لأعرابي: مالك لا تذكر أو تزور ... بيضاء بين حاجبيها نور تمشي كما يطرد الغدير ومنه بيت الأنصاري 1: أتعرف رسمًا كاطراد المذاهب أي كتتابع المذاهب وهي جمع مذهب وعليه قول الآخر 2: سيكفيك الإله ومسنمات ... كجندل لبن تطرد الصلالا أي تتابع إلى الأرضين الممطورة لتشرب منها, فهي تسرع وتستمر إليها. وعليه بقية الباب. وأما مواضع "ش ذ ذ" في كلامهم فهو التفرق التفرد؛ من ذلك قوله: يتركن شذان3 الحصى جوافلا

_ 1 الأنصاري: هو قيس بن الخطيم. والمذاهب. جلود مذهبة بخطوط يرى بعضها في أثر بعض. وبقية البيت: لعمرة وحشا غير موقف راكب وانظر اللسان في ذهب وطرد، والديوان 10، وجمهرة أشعار العرب في المذهبات. 2 هو الراعي يصف الإبل واتباعها مواضع المطر. فالمسمات، الإبل ولين: يريد لبنى، وهو واد حوله هضب كثير شبه به الإبل. وقوله تطرد الصلال أي تتابع إليها فحذف الجار وأوصل الفعل والصلال جمع صلة وهي مواقع المطر فيها نبات فالأبل ترعاها، انظر اللسان في طرد وصلل، والمخصص 209/ 10. 3 شذان "بفتح الشين", وهو وصف على فعلان على أنسب بقوله "جوافلا" أن يقرأ: شذان بضم الشين جمعًا.

أي ما تطاير وتهافت منه. وشذ الشيء يشِذ ويشُذ شذوذًا وشذًّا وأشذذته أنا, وشذذته أيضًا أشذه "بالضم لا غير" وأباها الأصمعي وقال: لا أعرف إلا شاذًّا أي متفرقًا. وجمع شاذّ شذّاذ قال: كبعض من مر من الشذاذ هذا أصل هذين الأصلين في اللغة. ثم قيل ذلك في الكلام والأصوات على سمته وطريقه في غيرهما فجعل أهل علم العرب ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردًا وجعلوا ما فارق ما عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذًا حملًا لهذين الموضعين على أحكام غيرهما. ثم اعلم من بعد هذا أن الكلام في الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب: مطرد في القياس والاستعمال جميعًا وهذا هو الغاية المطلوبة والمثابة المنوبة وذلك نحو: قام زيد وضربت عمرًا ومررت بسعيد. ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال. وذلك نحو الماضي من: يدر ويدع. وكذلك قولهم "مكان مبقل " هذا هو القياس, والأكثر في السماع باقل, والأول مسموع أيضًا؛ قال أبو داود لابنه داود:"يا بني ما أعاشك بعدي؟ " فقال دواد: أعاشني بعدك واد مبقل ... آكل من حوذانه2 وأنسل وقد حكى أيضًا أبو زيد في كتاب "حيلة ومحالة"3: مكان مبقل. ومما يقوى في القياس يضعف في الاستعمال مفعول4 عسى اسمًا صريحًا نحو قولك: عسى زيد

_ 1 يريد أنه أنكر "شذ" متعديا ولا يعرفها إلا فعلا لازما في معنى تفرق لا في معنى فرق. 2 الحوذان. اسم ثبت. وأنسل. يروى بفتح الهمزة؛ ومعناه أسمن حتى يسقط الشعر. ويروى بضمها؛ ومعناه تنسل إبلي وغنمي. وانظر اللسان في "نسل وبقل". 3 انظر معجم الأدباء 1/ 216 طبع مطبعة الحلبي. 4 في ش: "استعمال مفعول", وكذا العبارة في المزهر. وهو يريد بمفعول عسى خبرها.

قائمًا أو قيامًا1 هذا هو القياس غير أن السماع ورد بحظره والاقتصار على ترك استعمال الاسم ههنا وذلك قولهم: عسى زيد أن يقوم و {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} . وقد جاء عنهم شيء من الأول أنشدنا أبو علي: أكثرت في العذل ملحًا دائما ... لا تعذلا إني عسيت صائما2 ومنه المثل السائر: " عسى الغوير أبؤسًا ". والثالث المطرد في الاستعمال الشاذ في القياس نحو قولهم: أخوص3 الرمث, واستصوبت الأمر. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال: يقال استصوبت الشيء ولا يقال: استصبت الشيء. ومنه استحوذ وأغيلت4 المرأة واستنوق الجمل واستتيست الشاة وقول زهير: هنالك إن يستخولوا المال يخولوا5 ومنه استفيل6 الجمل؛ قال أبو النجم: يدير عيني مصعب مستقيل7 والرابع الشاذ في القياس والاستعمال جميعًا. وهو كتتميم مفعول فيما عينه واو نحو: ثوب مصوون, ومسك مدووف 8. وحكى البغداديون: فرس مقوود،

_ 1 كذا، ولا يعرف هذا، فإن المعنى لا يخبر به من الذات إلا يتأول. 2 رسم "تعذلا" بألف في مكان نون التوكيد الخفيفة وفقا لما في أ، وفي بقية الأصول بالنون. 3 الرمث: شجر ترعاه الإبل، وإخواصه أن يبدو فيه ودق ناعم كأنه خوصة. 4 يقال: أغيلت المرأة ولدها إذا أرضعته وهي حامل. 5 عجز هذا البيت: وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا واستخوال المال أن يسأل ناقة عارية للبنها وأوبارها أو فرسًا للغزو عليها، وإخواله: إعطاؤه. ويروى يستخبلوا ... يخبلوا. وانظر اللسان "خبل". 6 استفيل الجمل: صار كالفيل. 7 هذا في وصف فحل إبل. والمصعب: الذي لم يذلل. وهذا من أرجوزته الطويلة التي أولها: الحمد لله الوهوب المجزل وانظرها بتمامها في الطرائف الأدبية. 8 أي مخلوط أو مبلول، ومن شواهد ذلك قوله: والمسك في عنبره مدووف. وانظر اللسان "داف".

ورجل معوود من مرضه. وكل ذلك شاذ في القياس والاستعمال. فلا يسوغ القياس عليه ولا رد غيره إليه. "ولا يحسن أيضًا استعماله فيما استعملته فيه إلا على وجه الحكاية "1. واعلم أن الشيء إذا اطرد في الاستعمال وشذ عن القياس فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه لكنه لا يتخذ أصلًا يقاس عليه غيره. ألا ترى أنك إذا سمعت: استحوذ واستصوب أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما. ألا تراك لا تقول في استقام: استقوم ولا في استساغ: استسوغ ولا في استباع: استبيع ولا في أعاد: أعود لو لم تسمع شيئًا من ذلك قياسًا على قولهم: أخوص الرمث. فإن كان الشيء شاذًا في السماع مطردًا في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله. من ذلك امتناعك من: وذر وودع لأنهم لم يقولوهما ولا غرو "عليك"2 أن تستعمل نظيرهما نحو: وزن ووعد لو لم تسمعهما. فأما قول أبي الأسود: ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه فشاذ. وكذلك قراءة بعضهم {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . فأما قولهم: ودع الشيء يدع -إذا سكن- فاتدع، فمسموع متبه، وعيه أنشد بيت الفرزدق: وعض زمان يابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحت أو مجلف3 فمعنى "لم يدع " -بكسر الدال- أي لم يتدع ولم يثبت والجملة بعد "زمان " في موضع جر لكونها صفة له والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه وتقديره: لم يدع فيه

_ 1 ما بين القوسين زيادة من ج. 2 زيادة من أ. 3 انظر الخزانة ص349 ج2، والرواية التي أوردها ابن جني هنا رواها أبو عبيدة، ورواها ابن الأنباري في شرح المفضليات في قصيدة سويد بن أبي كاهل اليشكري. انظر الشرح 396.

أو لأجله من المال إلا مسحت أو مجلف فيرتفع "مسحت " بفعله و "مجلف " عطف عليه وهذا أمر ظاهر ليس فيه من الاعتذار والاعتلال ما في الرواية الأخرى 1. ويحكى عن معاوية2 أنه قال: خير المجالس ما سافر فيه البصر واتدع فيه البدن. ومن ذلك استعمالك " أن" بعد كاد نحو: كاد زيد أن يقوم هو قليل شاذ في الاستعمال وإن لم يكن قبيحًا ولا مأبيًا في القياس. ومن ذلك قول العرب: أقائم أخواك أم قاعدان هذا كلامها. قال أبو عثمان: والقياس يوجب أن تقول: أقائم أخواك أم قاعدهما؟ 3 إلا أن العرب لا تقوله إلا قاعدان فتصل4 الضمير والقياس يوجب فصله ليعادل الجملة الأولى

_ 1 هي "يدع مسحتا" بفتح دال يدع، ونصب مسحتا، وخرجت على أن المراد: أو هو مجلف. 2 في نوادر القالي 215 عزو هذا إلى الأحنف بن قيس، وقد قيل له: أي المجالس أطيب؟ 3 لأنه معطوف على الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر، وإنما يكون مرفوعه اسما ظاهرًا، أو ضميرًا منفصلا وابن هشام يرى أنه ليس له فاعل ظاهر ولا ضمير منفصل بل استغنى بالمستتر على خلاف القياس، وكأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في غيرها، ويرى غيره أن "أم" هنا منقطعة، والتقدير: أم هما قاعدان راجع الصبان على الأشموني في مبحث الابتداء. 4 يريد الضمير المستتر في قاعدان، فإنه نوع من المتصل. 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "الأخرى".

باب في تقاود السماع وتقارع الانتزاع

باب في تقاود1 السماع وتقارع الانتزاع: هذا الموضع كأنه أصل الخلاف الشاجر بين النحويين. وسنفرد له بابًا. غير أنا نقدم2 ها هنا ما كان لائقًا به ومقدمة للقول من بعده. وذلك على أضرب: فمنها أن يكثر الشيء فيسئل عن علته كرفع الفاعل ونصب المفعول, فيذهب قوم إلى شيء ويذهب آخرون إلى غيره. فقد وجب إذًا تأمل القولين

_ 1 تفاود السماع: اطراده في شيء، وعدم اختلافه فيه، كرفع الفاعل: اتفق السماع فيه وتقارع الانتزاع تخالفه وتعايره، من قولهم: تقارع القوم: تضاربوا بالسيوف والانتزاع الاستنباط. 2 كذا في ب، ج، وفي أ: "أننا".

واعتماد أقواهما, ورفض صاحبه 1. فإن تساويا في القوة لم ينكر اعتقادهما جميعًا, فقد يكون الحكم الواحد معلولا بعلتين. وستفرد لذلك بابًا. وعلى هذا معظم قوانين العربية. وأمره واضح, فلا حاجة بنا إلى الإطالة فيه 2. ومنها أن يسمح الشيء, فيستدل به من وجه على تصحيح شيء أو إفساد3 غيره، ويستدل به من وجه آخر على شيء غير الأول. وذلك كقولك: ضربتك وأكرمته ونحو ذلك مما يتصل فيه الضمير المنصوب بالضمير قبله المرفوع. فهذا موضع يمكن أن يستدل اتصال الفعل بفاعله. ووجه الدلالة منه على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن الكاف في نحو ضربتك من الضمير المتصل كما أن الكاف في نحو ضربك زيد كذلك ونحن نرى الكاف في ضربتك لم تباشر نفس الفعل كما باشرته في نحو ضربك زيد وإنما باشرت الفاعل الذي هو التاء فلولا أن الفاعل قد مزج بالفعل وصيغ معه حتى صار جزأ من جملته لما كانت الكاف من الضمير المتصل ولاعتدت لذلك منفصلة لا متصلة. لكنهم أجروا التاء التي هي ضمير الفاعل في نحو ضربتك -وإن لم تكن من نفس حروف الفعل- مجرى نون التوكيد التي يبنى الفعل عليها ويضم إليها في نحو لأضربنك. فكما أن الكاف في نحو هذا معتدة من الضمير المتصل وإن لم تل نفس الفعل كذلك الكاف في نحو ضربتك ضمير متصل وإن لم تل نفس الفعل. فهذا وجه الاستدلال بهذه المسألة ونحوها على شدة اتصال الفعل بفاعله وتصحيح القول بذلك.

_ 1 يريد بصاحبه الرأي الأضعف جعله صاحب الأقوى؛ لأنه يقرن معه: إذ كان ضده ومقابله, وفي ج: "رفض الآخر". 2 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب، والمطبوعة: "فساد".

وأما وجه إفساده شيئًا آخر فمن قبل أن فيه ردًّا على من قال: إن المفعول إنما نصبه الفاعل1 وحده لا الفعل1 وحده ولا الفعل1 والفاعل جميعًا. وطريق الاستدلال بذلك أنا قد علمنا أنهم إنما يعنون بقولهم: الضمير المتصل: أنه متصل بالعامل2 فيه لا محالة ألا تراهم يقولون: إن الهاء في نحو مررت به ونزلت عليه ضمير متصل أي متصل بما عمل فيه وهو الجار وليس لك أن تقول: إنه متصل بالفعل لأن الباء3 كأنها جزء من الفعل من حيث كانت معاقبة لأحد أجزائه المصوغة فيه وهي همزة أفعل وذلك نحو أنزلته ونزلت به وأدخلته ودخلت به وأخرجته وخرجت به لأمرين 4: أحدهما أنك إن اعتددت الباء لما ذكرت كأنها بعض الفعل فإن هنا دليلًا آخر يدل على أنها كبعض الاسم ألا ترى أنك تحكم عليها وعلى ما جرته بأنهما جميعًا في موضع نصب بالفعل حتى إنك لتجيز5 العطف عليهما جميعًا بالنصب نحو قولك: مررت بك وزيدًا ونزلت عليه وجعفرًا فإذا كان هنا أمران أحدهما6 على حكم والآخر على ضده وتعارضا هذا التعارض ترافعا7 أحكامهما وثبت أن الكاف في نحو

_ 1 الذي قال: إن المفعول نصبه الفاعل وحده هو هشام بن معاوية من أعيان أصحاب الكسائي، وكانت وفاته سنة 209هـ: وانظر البغية 409. وذهب جمهور الكوفيين إلى أن العامل فيه الفعل والفاعل جميعًا، ويرى البصريون أن العامل فيه الفعل أو ما حمل عليه، وانظر الإنصاف. وشرح الرضي على الكافية 1/ 21، والهمع 1/ 165. 2 في أ: "بالفاعل". 3 متعلق بقوله، "متصل" وهو المنفي. 4 متعلق بقوله: "ليس لك ... " فهو متعلق بالنفي. 5 هذا رأي ابن جني، ومحققو النحاة لا يجيزون ذلك؛ فإن من شرط العطف على المحل عندهم ظهور الإعراب المحل في الفصيح، نحو: ليس زيد بقائم ولا قاعدا. وانظر المغني في أقسام العطف في الباب الرابع. 6 أي أحدهما يدل على حكم، فالخبر محذوف وهو يدل. ويبدو أن "يدل" سقطت من النساخ. 7 أي رفع كل منهما حكم الآخر وأزاله. وهذا كما يقول الجدليون: إذا تعارض الشيئان تساقطا وفي ج: "وإذا تعارض الدليلان تمانعا"، وانظر فما يجيء الباب المعقود لترافع الأحكام.

مررت بك متصلة بنفس الباء, لأنها هي العاملة فيها. وكذلك الهاء في نحو إنه أخوك وكأنه صاحبك, وكأنه جعفر: هي1 ضمير متصل, أي متصل بالعامل فيه وهذا واضح. والآخر إطباق النحويين على أن يقولوا في نحو هذا: إن الضمير قد خرج عن الفعل وانفصل من الفعل وهذا تصريح منهم بأنه متصل أي متصل بالباء العاملة فيه فلو كانت التاء في ضربتك هي العاملة في الكاف لفسد ذلك من قبل أن أصل عمل النصب إنما هو للفعل وغيره من النواصب مشبه في ذلك بالفعل والضمير بالإجماع أبعد شيء عن الفعل من حيث كان الفعل موغلا في التنكير والاسم المضمر متناه في التعريف. بل إذا لم يعمل الضمير في الظرف ولا في الحال -وهما مما تعمل فيه المعاني2- كان الضمير من نصب المفعول به أبعد وفي التقصير عن الوصول إليه أفعد. وأيضًا فإنك تقول: زيد ضرب عمرًا والفاعل مضمر في نفسك لا موجود في لفظك، فإذا لم يعمل المضمر ملفوظًا به كان ألا يعمل غير ملفوظ به أحرى وأجدر. وأما الاستدلال بنحو ضربتك على شيء غير الموضعين المتقدمين فأن يقول قائل: إن الكاف في نحو ضربتك منصوبة بالفعل والفاعل جميعًا ويقول: إنه متصل بهما كاتصاله بالعامل فيه في نحو إنك قائم ونظيره. وهذا أيضًا وإن كان قد ذهب إليه هشام3 فإنه عندنا فاسد من أوجه 4:

_ 1 سقط هذا اللفظ في ش. 2 يراد بالمعنى ما فيه معنى الفعل، وهو ما يستنبط منه معنى الفعل ولا يكون من صيغته؛ كحرف التنبيه واسم الإشارة. انظر شرح الرضى للكافية 2/ 201، والكتاب 1/ 247. 3 ما نسبه إلى هشام نسبه غيره إلى الكوفيين، وينسبه بعضهم إلى الفراء منهم، فأما هشام فهو صاحب القول بأن العامل هو للفاعل وحده، وانظر ما كتبته آنفا. 4 انظر في إفساد هذا القول الإنصاف 40.

أحدها أنه قد صح ووضح أن الفعل والفاعل قد تنزلا باثني عشر دليلًا منزلة الجزء الواحد فالعمل إذًا إنما هو للفعل وحده واتصل به الفاعل فصار جزأ منه كما صارت النون في نحو لتضربن زيدًا كالجزء منه حتى خلط بها وبني معها. ومنها أن الفعل والفاعل إنما هو معنى والمعاني لا تعمل في المفعول به إنما تعمل في الظروف. ومن ذلك أن تستدل بقول ضيغم1 الأسدي: إذا هو لم يخفني في ابن عمي ... وإن لم ألقه الرجل الظلوم على جواز ارتفاع الاسم بعد إذا الزمانية بالابتداء ألا ترى أن "هو " من قوله "إذا هو لم يخفني " ضمير2 الشأن والحديث وأنه مرفوع لا محالة. فلا يخلو رفعه من أن يكون بالابتداء كما قلنا أو بفعل مضمر. فيفسد أن يكون مرفوعًا بفعل مضمر لأن ذلك المضمر لا دليل عليه ولا تفسير له وما كانت هذه سبيله3 لم يجز إضماره. فإن قلت: فلم لا يكون قوله "لم يخفني في ابن عمي الرجل الظلوم " تفسيرًا للفعل الرافع لـ "هو " كقولك: إذا زيد لم يلقني غلامه فعلت كذا فترفع زيدًا بفعل مضمر يكون ما بعده تفسيرًا له. قيل: هذا فاسد من موضعين: أحدهما أنا لم نر هذا الضمير4 على شريطة التفسير عاملا فيه فعل محتاج إلى تفسير. فإذا أدى هذا القول إلى ما لا نظير له،

_ 1 في مستدرك التاج "ضغم": "وضيغم الأسدي شاعر، قاله ابن جني". 2 بنى ابن جني هذا الكلام على أن الضمير ضمير الشأن والحديث، كما ترى ولا يلزم المصير إلى ما رأى فقد يجوز أن يكون الضمير "هو" راجعا إلى محدث عنه في الكلام السابق، وأبدل منه "الرجل الظلوم", و"هو" فاعل لفعل يغمره "لم يخفني" أي أمن. 3 في ش "حاله". 4 يريد ضمير الشأن والحديث.

وجب رفضه واطراح الذهاب إليه. والآخر أن قولك "لم يخفني الرجل الظلوم " إنما هو تفسير لـ "هو " من حيث كان ضمير الشأن والقصة لا بد له أن تفسره الجملة نحو قول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقولنا {اللَّهُ أَحَدٌ} تفسير لـ"هو ". وكذلك قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} فقولك: {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} تفسير لـ "ها " من قولك: فإنها من حيث كانت ضمير القصة. فكذلك قوله: "لم يخفني الرجل الظلوم " إنما هذه الجملة تفسير لـ "هو ". فإذا ثبت أن هذه الجملة إنما هي تفسير لنفس الاسم المضمر بقي ذلك الفعل المضمر لا دليل عليه وإذا لم يقم عليه دليل بطل إضماره لما في ذلك من تكليف علم الغيب. وليس كذلك " إذا زيد قام أكرمتك" ونحوه من قبل أن زيدًا تام1 غير محتاج إلى تفسير. فإذا لم يكن محتاجًا إليه صارت الجملة بعده تفسيرًا للفعل الرافع له لا له نفسه. فإذا ثبت بما أوردناه ما أردناه علمت وتحققت أن "هو " من قوله "إذا هو لم يخفني الرجل الظلوم " مرفوع بالابتداء لا بفعل مضمر. وفي هذا البيت تقوية لمذهب أبي الحسن في إجازته الرفع2 بعد إذا الزمانية بالابتداء في نحو قوله تعالى {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} . ومعنا3 ما يشهد لقوله هذا: شيء غير هذا غير أنه ليس ذلك غرضنا هنا إنما الغرض إعلامنا أن في البيت دلالة على صحة مذهب أبي الحسن هذا. فهذا وجه صحيح يمكن أن يستنبط من بيت ضيغم الذي أنشدناه.

_ 1 كذا في ش، ب وهو الصواب. وفي أوالمطبوعة: قام. وهو تحريف. وفي ج: "من قبل أن زيدا غير محتاج إلى تفسير". 2 كذا في ج، وفي سائر الأصول: "رفع زيد". 3 كذا في أ، ب. وفي ش والمطبوعة: "معنى".

وفيه دليل آخر على جواز خلو1 الجملة الجارية خبرًا عن المبتدأ من ضمير يعود إليه منها ألا ترى أن قوله "لم يخفني الرجل الظلوم " ليس فيه عائد على هو وكيف يكون الأمر إلا هكذا ألا تعلم أن هذا المضمر على شريطة التفسير لا يوصف2 ولا يؤكد ولا يعطف عليه ولا يبدل منه ولا يعود عائد ذكر عليه وذلك لضعفه من حيث كان مفتقرًا إلى تفسيره. وعلى هذا ونحوه عامة ما يرد عليك من هذا الضرب؛ ألا ترى أن قول الله عز وجل {اللَّهُ أَحَدٌ} لا ضمير فيه يعود على "هو " من قبله. واعلم أن اللفظ قد يرد شيء منه فيجوز جوازًا صحيحًا أن يستدل به على أمر ما وأن يستدل به على ضده البتة. وذلك نحو مررت بزيد ورغبت في عمرو وعجبت من محمد وغير ذلك من الأفعال الواصلة بحروف الجر. فأحد ما يدل عليه هذا الضرب من القول أن الجار معتد من جملة الفعل الواصل به ألا ترى أن الباء في نحو مررت بزيد معاقبة الهمزة النقل في نحو أمررت زيدًا وكذلك قولك أخرجته وخرجت به وأنزلته ونزلت به. فكما أن همزة أفعل مصوغة3 فيه كائنة من جملته فكذلك ما عاقبها من حروف الجر ينبغي أن يعتد أيضًا من جملة الفعل لمعاقبته ما هو من جملته. فهذا وجه. والآخر أن يدل ذلك على أن حرف الجر جار مجرى بعض ما جره ألا ترى أنك تحكم لموضع الجار والمجرور بالنصب فيعطف4 عليه فينصب4 لذلك فنقول: مررت بزيد وعمرًا وكذلك أيضًا لا يفصل بين الجار والمجرور لكونهما في كثير

_ 1 وذلك أن الخبر عين المبتدأ في المعنى؛ إذ كان تفسيرا له، فاستغني عن العائد. 2 انظر في هذا المغني في الباب الرابع "المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة". 3 كذا في أ، وفي ش، ب، "موضوعة". 4 هذا في أ. وفي ش، ب، "فتعطف ... فتنصب".

من المواضع بمنزلة الجزء1 الواحد. أفلا تراك كيف تقدر اللفظ الواحد2 تقديرين مختلفين وكل واحد منهما مقبول في القياس متلقى بالبشر والإيناس. ومن ذلك قول الآخر 3: زمان علي غراب غداف ... فطيره الشيب عني فطارا فهذا موضع يمكن أن يذهب ذاهب فيه إلى سقوط حكم ما تعلق به الظرف4 من الفعل ويمكن أيضًا أن يستدل به على ثباته وبقاء حكمه. وذلك أن الظرف الذي هو " علي" متعلق بمحذوف وتقديره غداة5 ثبت علي أو استقر علي غراب ثم حذف الفعل وأقيم الظرف مقامه. وقوله فطيره -كما ترى- معطوف. فأما من أثبت به حكم الفعل المحذوف فله أن يقول: إن طيره معطوف على ثبت6 أو استقر وجواز العطف عليه أدل دليل على اعتداده وبقاء حكمه وأن العقد عليه والمعاملة في هذا ونحوه إنما هي معه ألا ترى أن العطف نظير التثنية ومحال أن يثنى الشيء فيصير مع صاحبه شيئين إلا وحالهما في الثبات والاعتداد واحدة. فهذا وجه جواز الاستدلال به على بقاء حكم ما تعلق به الظرف وأنه ليس أصلا متروكًا ولا شرعًا منسوخًا.

_ 1 كذا في أ، ب، ش وفي ج: "الحرف". 2 سقط في ش هذا اللفظ. 3 هو أبو حية النميري. وقبل البيت: زمان الصبا ليت أيامنا ... رجعن لنا الصالحات القصارا وبعده: فلا يبعد الله ذاك الغراب ... وإن هو لم يبق إلا ادّكارا وقوله: "على غراب غداف" أراد به الشباب والشعر الأسود، وانظر الحيوان بتحقيق الأستاذ هارون 3/ 429 وأمالي المرتضى 2/ 100. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "الظروف". 5 المناسب لما هنا: زمان. وكأن هناك رواية أخرى: "غداة علي ... " "فذهب ذكر المؤلف إليها". 6 هذا من ابن جني على أن "عليّ غراب" جملة فعلية فاعلها "غراب" وليس يجب هذا؛ فـ"غراب" مبتدأ لا فاعل، وخبره "عليّ" وليس في الكلام ما يختص بالفعل أو يغلب فيه حتى يقدر الفعل كما يريد. وعلى هذا فقوله "فطيره" عطف على الجملة الاسمية لا على متعلق الظرف.

وأما جواز اعتقاد سقوط حكم ما تعلق به الظرف من هذا البيت فلأنه قد عطف قوله " فطيره" على قوله " علي " وإذا جاز عطف الفعل على الظرف قوي حكم الظرف في قيامه مقام الفعل المتعلق هو به وإسقاطه حكمه وتوليه من العمل ما كان الفعل يتولاه وتناوله به ما كان متناولا له. فهذان وجهان من الاستدلال بالشيء الواحد على الحكمين الضدين, وإن كان وجه الدلالة به على قوة حكم الظرف وضعف حكم الفعل في هذا وما يجري مجراه هو الصواب عندنا وعليه اعتمادنا وعقدنا. وليس هذا موضع الانتصار لما نعتقده فيه وإنما الغرض منه أن نرى1 وجه ابتداء تفرع القول وكيف يأخذ بصاحبه ومن أين يقتاد الناظر فيه إلى أنحائه ومصارفه. ونظير هذا البيت في حديث الظرف والفعل من طريق العطف قول الله عز اسمه {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} أفلا تراه كيف عطف الظرف2 الذي هو {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} على قوله: {تُبْلَى} وهو فعل فالآية نظيرة البيت في العطف وإن اختلفا في تقدم الظرف تارة وتأخره أخرى. وهذا أمر فيه انتشار وامتداد وإنما أفرض منه ومما يجري مجراه ما يستدل به ويجعل عيارًا على غيره. والأمر أوسع شقة وأظهر كلفة ومشقة؛ ولكن إن طبنت3 له ورفقت به, أولاك جانبه وأمطاك كاهله وغاربه وإن خبطته4 وتورطته5 كدك مهله6, وأوعرت بك سبله فرفقًا وتأملًا.

_ 1 كذا في ش وفي غيرها: "ترى". 2 إن المعطوف جملة: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} ، لا الظرف. فترى كلام ابن جني هنا غير دقيق. 3 أي فطنت. 4 يريد: عالجته بغير رفق وتهدّ إلى وجهه. يقال: خبط الشيء: وطئه شديدًا. 5 أي سرت فيه على غير بصيرة. وأصل ذلك أن يقال: تورط في الأمر: أرتبك فيه فلم يسهل له المخرج منه. فاستعمله في سبب هذا وهو أخذه بغير وفق والوارد أن يقال: تورط في الأمر؛ كما رأيت، وكأنه ضمنه معنى ساءه، مثلا. 6 يريد أنه يبطئ عليك تعرفه، فيسوءك ذلك.

باب في مقاييس العربية

باب في مقاييس العربية: وهي ضربان: أحدهما معنوي والآخر لفظي. وهذان الضربان وإن عمّا وفشوا في هذه اللغة فإن أقواهما وأوسعهما هو القياس المعنوي ألا ترى1 أن الأسباب المانعة من الصرف تسعة: واحد منها2 لفظي وهو شبه الفعل لفظًا, نحو أحمد ويرمع3 وتنضب3 وإثمد وأبلم3 وبقم3 وإستبرق والثمانية الباقية كلها معنوية كالتعريف والوصف والعدل والتأنيث وغير ذلك. فهذا دليل. ومثله اعتبارك باب الفاعل والمفعول به بأن تقول: رفعت هذا لأنه فاعل ونصبت هذا لأنه مفعول. فهذا اعتبار معنوي لا لفظي. ولأجله ما كانت4 العوامل اللفظية راجعة في الحقيقة إلى أنها معنوية؛ ألا تراك إذا قلت: ضرب سعيد جعفرًا فإن " ضرب" لم تعمل في الحقيقة شيئًا وهل تحصل من قولك ضرب إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء على صورة فعل فهذا هو الصوت والصوت مما لا يجوز أن يكون منسوبًا إليه الفعل. وإنما قال النحويون: عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أن بعض العمل يأتي مسببًا عن لفظ يصحبه كمررت بزيد وليت عمرًا قائم وبعضه يأتي عاريًا من مصاحبة لفظ يتعلق به كرفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما6 في الحقيقة

_ 1 كذا في ش، ب، وفي أ: "ألا ترى إلى أن ... ". 2 المعروف في كتب المتأخرين أن المعنوي منها العلمية والوصفية والبقية أسباب لفظية، ومنها العدل والتأنيث. 3 اليرمع: حجارة رخوة، والتنضب: شجرة حجازي، والأبلم، خوص المقل، وهو شجر الدوم، والبقم: شجر له ورق يتخذ منه صيغ. 4 ما هنا زائدة. 5 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "هذا الصوت". 6 كذا في أ، ج، وفي ش، ب: "فأما ما في الحقيقة".

ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره. وإنما قالوا: لفظي ومعنوي لما ظهرت آثار فعل المتكلم بمضامة اللفظ للفظ أو باشتمال المعنى على اللفظ. وهذا واضح. واعلم أن القياس اللفظي إذا تأملته لم تجده عاريًا من اشتمال المعنى عليه؛ ألا ترى أنك إذا سئلت عن "إن " من قوله 1: ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرًا لا يزال يزيد فإنك قائل: دخلت على " ما" -وإن كانت "ما " ههنا مصدرية- لشبهها لفظًا بما النافية التي تؤكد بإن من قوله2: ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم ... تخالج الأمر إن الأمر مشترك وشبه اللفظ بينهما يصير "ما " المصدرية إلى أنها كأنها " ما " التي معناها النفي أفلا ترى أنك لو لم تجذب إحداهما إلى أنها كأنها بمعنى الأخرى لم يجز لك إلحاق "إن" بها.

_ 1 أي المعلوط بن بدل -بزنة سبب- القريعي؛ كما ذكره السيرافي في شرح الكتاب، نقل ذلك البغدادي في شرح شواهد المغني في مبحث "إن" وفي اللسان في "أنن": "المعلوط بن بذل" وبذل محرف من بدل. وفي الحماسة أبيات على هذا الروي لرجل من قريع منها: متى ماير الناس الغني وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد وفي الخزانة 1/ 536 أن ابن جني في إعراب الحماسة عينه فقال: هو المعلوط بن بدل القريعي، وانظر السمط 434 وشرح شواهد المغني البغدادي والكتاب 2/ 306. 2 أي زهير من قصيدة مطلعها: بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا ... وزودرك اشتياقا أية سلكوا وانظر الديوان. وتخالج الأمر: اختلافهم في الرأي: يقول هذا: نصنع كذا، وذاك نصنع كذا، وقوله: إن الأمر مشترك، أي لا يجتمعون على رأي واحد: هذا له رأي، وهذا له رأي، وهذا الاختلاف يبطئ بسيرهم وارتحالهم.

فالمعنى إذًا أشيع وأسير حكمًا من اللفظ؛ لأنك في اللفظي متصور لحال المعنوي ولست في المعنوي بمحتاج إلى تصور حكم اللفظي. فاعرف ذلك. واعلم أن العرب تؤثر من التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل ما إذا تأملته عرفت منه قوة عنايتها بهذا الشأن وأنه منها على أقوى بال ألا ترى أنهم لما أعربوا بالحروف في التثنية والجمع الذي على حده فأعطوا الرفع في التثنية الألف والرفع في الجمع الواو والجر فيهما الياء وبقي النصب لا حرف له فيماز به, جذبوه إلى الجر فحملوه عليه دون الرفع لتلك الأسباب1 المعروفة هناك فلا حاجة بنا هنا إلى الإطالة بذكرها ففعلوا ذلك ضرورة ثم لما صاروا إلى جمع التأنيث حملوا النصب أيضًا على الجر فقالوا ضربت الهندات " كما قالوا مررت بالهندات "2 ولا ضرورة هنا لأنهم قد كانوا قادرين على أن يفتحوا التاء فيقولوا: رأيت الهندات فلم يفعلوا ذلك مع إمكانه وزوال الضرورة التي عارضت في المذكر عنه, فدل دخولهم تحت هذا -مع أن الحال لا تضطر إليه- على إيثارهم واستحبابهم حمل الفرع على الأصل وإن عرى من ضرورة الأصل. وهذا جلي كما ترى. ومن ذلك حملهم حروف المضارعة بعضها على حكم بعض في نحو حذفهم الهمزة في نكرم وتكرم ويكرم لحذفهم إياها في أكرم لما كان يكون هناك من الاستثقال لاجتماع الهمزتين في نحو أؤكرم وإن عريت بقية حروف المضارعة -لو لم تحذف- من اجتماع همزتين وحذفهم أيضًا الفاء من نحو وعد, وورد, في يعد ويرد لما كان يلزم -لو لم تحذف- من وقوع الواوين ياء وكسرة،

_ 1 قال الأشموني في مبحث إعراب المثنى في باب المعرب والمبني. "وحمل النصب على الجر فيهما -يريد التثنية وجمع المذكر السالم- لمناسبة النصب للجر دون الرفع؛ لأن كلا منهما فضلة، ومن حيث المخرج؛ لأن الفتح من أقصى الحلق، والكسر من وسط الفم، والضم من الشفتين". 2 سقط ما بين القوسين في ش، ب وثبت في أ.

ثم حملوا على ذلك ما لو لم يحذفوه لم يقع بين ياء وكسرة نحو أعد وتعد ونعد؛ لا للاستثقال، بل لتتساوى أحوال حروف المضارعة في حذف الفاء معها. فإذا جاز أن يحمل حروف المضارعة بعضها على بعض -ومراتبها متساوية وليس بعضها أصلًا لبعض- كان حمل المؤنث على المذكر1 لأن المذكر أسبق رتبة من المؤنث أولى وأجدر. ومن ذلك مراعاتهم في الجمع حال الواحد؛ لأنه أسبق من الجمع؛ ألا تراهم لما أعلت الواو في الواحد أعلوها أيضًا في الجمع في نحو قيمة وقيم وديمة وديم, ولما صحت في الواحد صححوها في الجمع, فقالوا: زوج وزوجة, وثور وثورة. فأما ثيرة ففي إعلال واوه ثلاثة أقوال: أما صاحب الكتاب2 فحمله على الشذوذ وأما العباس3 فذكر أنهم أعلوه ليفصلوا بذلك بين الثور من الحيوان وبين الثور وهو القطعة من الأقط؛ لأنهم لا يقولون فيه إلا ثِوَرة بالتصحيح لا غير. وأما أبو بكر3 فذهب في إعلال ثيَرة إلى أن ذلك لأنها منقوصة من ثيارة, فتركوا الإعلال في العين أمارة لما نووه من الألف كما جعلوا تصحيح نحو اجتوروا واعتونوا, دليلا على أنه في معنى ما لا بد من صحته وهو تجاوروا وتعاونوا. وقد قالوا أيضًا: ثيرة؛ قال 4:

_ 1 يريد حمل جمع المؤنث في النصب على جمع المذكر على ما سبق. 2 انظر الكتاب 2/ 369. ولفظه: "وقد قالوا: ثورة, وثيرة. قلبوها حيث كانت بعد كسرة، واستثقلوا ذلك، كما استثقلوا أن تثبت في ديم. وهذا ليس بمطرد، يعني ثيرة". 3 يريد المبرد، وأبو بكر هو ابن السراج. 4 أي الأعشى ميمون. وانظر ديوانه بشرح ثعلب طبعة أوروبا ص84.

صدر النهار يراعي ثيرةً رتعا1 وهذا لا نكير2 له3 في وجوبه لسكونه عينه. نعم وقد دعاهم إيثارهم لتشبيه الأشياء بعضها ببعض أن حملوا الأصل على الفرع؛ ألا تراهم يعلون المصدر لإعلال فعله ويصححونه لصحته. وذلك نحو قولك: قمت قيامًا وقاومت قوامًا. فإذا حملوا الأصل الذي هو المصدر على الفرع الذي هو الفعل فهل بقي في4 وضوح الدلالة على إيثارهم تشبيه الأشياء المتقاربة بعضها ببعض شبهة! وعلى ذلك أيضًا عوضوا في المصدر ما حذفوه في الفعل فقالوا: أكرم يكرم, فلما حذفوا الهمزة في المضارع أثبتوها في المصدر فقالوا: الإكرام فدل هذا5

_ 1 صدره: فظل يأكل منهم وهي رائعة وهو من قصيدة طويلة. وهذا في وصف مهاة -بقرة وحشية- أكل السبع ولدها شبه بها ناقته، وقبله: كأنها بعد ما أفضى النجاد بها ... بالشيطين مهأة تبتغي ذرعا أهوى لها ضابئ في الأرض مفتحص ... للحم قدما خفي الشخص قد خشعا فظل يخدعها عن نفس واحدها ... في أرض في بفعل مثله خدعا حانت ليفجها بابن وتطعمه ... لحما فقد أطعمت لحما وقد فجعا وبعد البيت: حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت ... جاءت لترضع شق النفس لو رضعا عجلى إلى المعهد الأدنى ففاجأها ... أقطاع مسك وسافت من دم دفعا وقوله: فظل يأكل منها أي من ابنها الذي افترسه لا منها نفسها؛ إذ كيف يكون هذا مع قوله: "وهي رائعة" وقد غر هذا ابن دريد في الجمهرة، فجعله في وصف بقرة مسبوعة. وانظر اللآلي 312. 2 في الأصول: "نظير" والأنسب ما أثبته. ولما في الأصول وجه بعيد. وهو أنه بلغ الغاية في داعي وجوب الإعلال فلا نظير له في هذا، وهو كلام خرج مخرج المبالغة. 3 سقط "له" في أ. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "من". 5 سقط لفظ "هذا" في ش، ب وثبت في أ.

على أن هذه المثل كلها جارية مجرى المثال الواحد؛ ألا تراهم لما حذفوا ياء فرازين1، عوضوا منها الهاء في نفس المثال فقالوا فرازنة. وكذلك لما حذفوا فاء عدة2، عوضوا منها نفسها التاء. وكذلك أينق في أحد3 قولي سيبويه فيها: لما حذفوا عينها عوضوا منها الياء في نفس المثال. فدل هذا وغيره مما يطول تعداده على أن المثال والمصدر واسم الفاعل كل واحد منها يجري عندهم وفي محصول اعتدادهم مجرى الصورة الواحدة حتى إنه4 إذا لزم في بعضها شيء لعلة ما أوجبوه في الآخر وإن عرى في الظاهر من تلك العلة فأما في الحقيقة فكأنها فيه نفسه ألا ترى أنه إذا صح أن جميع هذه الأشياء على اختلاف أحوالها تجري عندهم مجرى المثال الواحد فإذا وجب في شيء منها حكم فإنه لذلك5 كأنه أمر لا يخصه من بقية الباب بل هو6 جار في الجميع مجرى واحدًا لما قدمنا ذكره من الحال آنفًا. واعلم أن من قوة القياس عندهم اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب فهو عندهم من كلام العرب نحو قولك في قوله: كيف تبني من ضرب مثل جعفر: ضربب هذا من كلام العرب, ولو بنيت مثله ضيرب, أو ضورب, أو ضروب, أو نحو ذلك, لم يعتقد من كلام العرب؛ لأنه قياس على الأقل استعمالا والأضعف قياسًا. وسنفرد لهذا الفصل7 بابًا فإن فيه نظرًا صالحًا 8.

_ 1 الواحد فرزان. وهو في الشطرنج بمنزلة الوزير للسلطان. وهو معرب فرزين في الفارسية. والوارد في اللسان والقاموس جمعه على فرازين. 2 كذا في أ، ب. وسقط في ش. 3 في الكتاب 1/ 317: "كما قالوا: أينق لما حذفوا العين جعلوا الياء عوضًا" والرأي الآخر ذكره في الكتاب 2/ 129 إذ يقول: "ومثل ذلك أينق: إنما هو أنوق في الأصل، فأبدلوا الياء مكان الواو، وقلبوا". 4 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 5 كذا في ش، ب. وفي المطبوعة: "كذلك". 6 كذا في أ، ب، وسقط في هذا اللفظ في ش. 7 سقط في ش، ب. 8 كذا في ش، ب. وسقط في أ.

باب في جواز القياس على ما يقل، ورفضه فيما هو أكثر منه

باب في جواز القياس على ما يقل ورفضه فيما هو أكثر منه: هذا باب ظاهره -إلى أن تعرف صورته- ظاهر التناقض؛ إلا أنه مع تأمله صحيح. وذلك أن يقل الشيء وهو قياس ويكون غيره أكثر منه إلا أنه ليس بقياس. الأول قولهم في النسب إلى شنوءة: شنئي؛ فلك -من بعد- أن تقول في الإضافة إلى قتوبة 1: قتبي1 وإلى ركوبة: ركبي وإلى حلوبة: حلبي قياسًا على شنئي. وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة؛ لمشابهتها إياها من عدة أوجه: أحدها أن كل واحدة2 من فعولة وفعيلة ثلاثي3 ثم إن ثالث كل واحدة منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه ألا ترى إلى اجتماع الواو والياء ردفين وامتناع ذلك في الألف وإلى جواز حركة كل واحدة2 من الياء والواو مع امتناع ذلك في الألف إلى غير ذلك. ومنها أن في كل واحدة من فعولة وفعيلة تاء التأنيث. ومنها اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد نحو أثيم وأثوم ورحيم ورحوم ومشي4 ومشو4 ونهي عن الشيء ونهو. فلما استمرت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة فكما قالوا: حنفي قياسا قالوا: شنئي أيضا قياسا.

_ 1 كذا في أ، ش، ب. وفي ج: شوفة: تنفي". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "واحد". 3 أي دون اعتداد المدة. 4 المشي والمشو: الجواء المسهل.

قال أبو الحسن: فإن قلت: إنما جاء هذا في حرف واحد -يعني شنوءة- قال 1: فإنه جميع ما جاء. وما ألطف هذا من القول من أبي الحسن! وتفسيره أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف والقياس قابله ولم يأت فيه شيء ينقضه. فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء, وكان أيضًا صحيحًا في القياس مقبولا, فلا غرو ولا ملام. وأما ما هو أكثر من باب شنئي, ولا يجوز القياس عليه لأنه لم يكن هو على قياس, فقولهم في ثقيف: ثقفي, وفي قريش: قرشي, وفي سليم: سلمي. فهذا وإن كان أكثر من شنئي فإنه عند سيبويه ضعيف في القياس. فلا يجيز على هذا في سعيد سعدي, ولا في كريم كرمي. فقد برد2 في اليد من هذا الموضع قانون يحمل عليه ويرد غيره إليه. وإنما أذكر من هذا ونحوه رسومًا لتقتدى3, وأفرض منه آثارًا لتقتفى ولو التزمت4 الاستكثار منه لطال الكتاب به, وأمل قارئه. واعلم أن من قال في حلوبة: حلبي قياسًا على قولك في حنيفة: حنفي فإنه لا يجيز في النسب إلى حرورة5 حرري5 ولا في صرورة6 صرري6 ولا في قوولة7 قولي.

_ 1 أي أبو الحسن، وإنما ذكر "قال" لينص على أن هذا كلام أبي الحسن، ويريد به الأخفش سعيد بن مسعدة. وقد حذف هذا اللفظ في عبارة ابن جني التي ساقها صاحب الاقتراح، وهذا أجود. 2 كذا في أ، ب. وفي ش والمطبوعة: "يرد" وهو تصحيف. 3 تراه استعمل هذا الفعل متعديا بنفسه، والمعروف تعديه بالحرف؛ يقال: اقتدى به. وكأنه ضمنه معنى "تتبع". 4 كذا في أ، ب. وفي ش والمطبوعة: "ألزمت". 5 كذا بالحاء المهملة في ش، وفي أ، ب. "جزورة: جزري" وهذا تحريف هنا. والحرورة: الحرية. 6 كذ في أ. وفي ش، ب: "ضرورة: ضروي" بالضاد المعجمة. والصرورة: الذي لا يأتي النساء. 7 كذا في أ، ش. وفي ب: "قئولة" والمناسب ما أثبت.

وذلك أن فعولة في هذا محمولة الحكم على فعيلة, وأنت لا تقول في الإضافة إلى فعيلة إذا كانت مضعفة أو معتلة العين إلا بالتصحيح؛ نحو قولهم في شديد: شديدي, وفي طويلة: طويلي؛ استثقالا لقولك: شددي وطولي. فإذا كانت فعولة محمولة على فعيلة, وفعيلة لا تقول فيها مع التضعيف واعتلال العين إلا بالإتمام فما كان محمولا عليها أولى بأن يصح ولا يعل. ومن قال في شنوءة: شنئي فأعل1 فإنه لا يقول في نحو جرادة وسعادة إلا بالإتمام: جرادي وسعادي. وذلك لبعد الألف عن الياء " و"2 لما فيها من الخفة. ولو جاز أن يقول3 في نحو جرادة: جردي, لم يجز ذلك في نحو حمامة وعجاجة: حممي ولا عججي استكراهًا للتضعيف إلا أن يأنس4 بإظهار تضعيف فعل, ولا في نحو سيابة5 وحوالة: سيبي ولا حولي استكراهًا لحركة المعتل في هذا الموضع. وعلة ذلك ثابتة في التصريف فغنينا عن ذكرها الآن.

_ 1 كذا في أ، ب. وسقط هذا في ش، وهو يعني الإعلال بحذف المدة وتغير حركة ما قبلها. 2 زيادة في ج. والعبارة فيها: "ولخفتها". 3 في د، هـ: "تقول". 4 في د، هـ: "تأنس". 5 هي البلحة.

باب في تعارض السماع والقياس

باب في تعارض السماع والقياس: إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ولم تقسه في غيره وذلك نحو قول الله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} فهذا ليس بقياس لكنه لا بد من قبوله لأنك إنما تنطق بلغتهم وتحتذي في جميع ذلك أمثلتهم1. ثم إنك من بعد لا تقيس عليه غيره ألا تراك لا تقول في استقام: استقوم ولا في استباع: استبيع. فأما قولهم " استنوق الجمل " و "استتيست الشاة " و "استفيل الجمل " فكأنه أسهل من استحوذ وذلك أن استحوذ قد تقدمه الثلاثي معتلا؛ نحو قوله2: يحوذهن وله حوذي ... كما يحوذ الفئة الكمي -يروى بالذال والزاي3: يحوذهن ويحوزهن- فلما كان استحوذ خارجًا عن معتل: أعني حاذ يحوذ وجب إعلاله إلحاقًا في الإعلال به. وكذلك باب أقام وأطال واستعاذ4 واستزاد مما يسكن ما قبل عينه في الأصل ألا ترى أن أصل أقام أقوم وأصل استعاذ استعوذ فلو أخلينا وهذا اللفظ لاقتضت الصورة تصحيح العين لسكون ما قبلها غير أنه لما كان منقولًا ومخرجًا من معتل -هو قام, وعاذ- أجرى أيضًا في الإعلال عليه. وليس كذلك " استنوق الجمل" و "استتيست الشاة " لأن هذا ليس منه فعل معتل ألا تراك لا تقول: ناق ولا تاس؛ إنما الناقة والتيس اسمان لجوهر لم يصرف منهما فعل معتل. فكان خروجهما على الصحة أمثل منه في باب استقام واستعاذ. وكذلك استفيل. ومع هذا أيضًا فإن استنوق, واستتيس شاذ؛ ألا تراك لو تكلفت أن تأتي باستفعل من الطود لما قلت: استطود, ولا من الحوت استحوت5، ولا من6 الخوط استخوط ولكان القياس أن تقول: استطاد واستحات واستخاط.

_ 1 كذا في أ، ب، وفي ش: "مثلهم". 2 هو العجاج. يصف ثورا وكلابا. و"حوذيّ" كذا في أ، ج، وفي ش، ب: "حاذي". "الفئة" كذا في الأصول ما عدا ج ففيها: "المائة". والحوز: السوق الشديد، والحوذي والحوزي: السائق المجد المستحث على السير. وانظر ديوان العجاج 7. 3 في ش: "الزاء" وهي لغة في الزاي. 4 في ش: "استعان". 5 في تاريخ بغداد 11/ 405 استحاث الرجل أي كثر أكله، لأن الحوت يأكل كثيرا. 6 كذا في أ. وفي ش، ب والمطبوعة: "ومن الخوط" والخوط: الغصن الناعم.

والعلة في وجوب إعلاله1 وإعلال استنوق, واستفيل, واستتيست أنا قد أحطنا علمًا بأن الفعل إنما يشق من الحدث لا من الجوهر؛ ألا ترى إلى قوله2 "وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء " فإذا كان كذلك وجب أن يكون استنوق مشتقًا من المصدر. وكان قياس مصدره أن يكون معتلا فيقال: استناقة كاستعانة واستشارة. وذلك أنه وإن لم يكن تحته ثلاثي معتل كقام وباع فيلزم إجراؤه في الإعلال عليه فإن باب الفعل إذا كانت عينه أحد الحرفين أن يجيء معتلًا إلا ما يستثنى من ذلك نحو طاول وبايع وحول وعور واجتوروا واعتونوا لتلك العلل المذكورة هناك. وليس باب أفعل ولا استفعل منه. فلما كان الباب في الفعل ما ذكرناه من وجوب إعلاله وجب أيضًا3 أن يجيء استنوق ونحوه بالإعلال لاطراد ذلك في الفعل؛ كما أن الاسم إذا كان على فاعل كالكاهل والغارب إلا أن عينه حرف علة لم يأت عنهم إلا مهموزًا وإن لم يجر على فعل ألا تراهم همزوا الحائش4, وهو اسم لا صفة ولا هو جار على فعل فأعلوا عينه وهي في الأصل واو من الحوش 5. فإن قلت: فلعله جار على حاش جريان قائم على قام؛ قيل: لم نرهم أجروه صفة, ولا أعملوه عمل الفعل؛ وإنما الحائش: البستان بمنزلة الصور6, وبمنزلة الحديقة. فإن قلت: فإن فيه معنى الفعل؛ لأنه يحوش ما فيه من النخل وغيره وهذا يؤكد كونه في الأصل صفة, وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء؛ كصاحب ووالد،

_ 1 أي إعلال استحوذ. 2 يريد سيبويه في صدر كتابه. 3 سقط في ش. 4 هو جماعة النخل، والبستان. 5 الحوش: الجمع. 6 كذا في أ، ب. والصور: جماعة النخل. وفي ش "السور".

قيل: ما فيه من معنى الفعلية لا يوجب كونه صفة؛ ألا ترى إلى قولهم: الكاهل1 والغارب1 وهما وإن كان فيهما معنى الاكتهال والغروب فإنهما اسمان. ولا يستنكر أن يكون في الأسماء غير الجارية على الأفعال معاني الأفعال. من ذلك قولهم: مفتاح ومنسج ومسعط ومنديل ودار ونحو ذلك تجد في كل واحد منها معنى الفعل وإن لم تكن جارية عليه. فمفتاح من الفتح ومنسج من النسج ومسعط من الإسعاط ومنديل من الندل وهو التناول قال الشاعر2: على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب وكذلك دار: من دار يدور لكثرة حركة الناس فيها وكذلك كثير من هذه المشتقات تجد فيها معاني3 الأفعال وإن لم تكن جارية عليها. فكذلك الحائش جاء مهموزًا وإن لم يكن اسم فاعل لا لشيء غير مجيئه على ما يلزم اعتلال عينه, نحو قائم وبائع وصائم. فاعرف ذلك. وهو رأي أبي علي رحمه الله وعنه أخذته لفظًا ومراجعة وبحثًا. ومثله سواء الحائط: هو اسم بمنزلة الركن والسقف وإن كان فيه معنى الحوط. ومثله أيضًا العائر للرمد4، هو اسم مصدر5 بمنزلة الفالج6, والباطل, والباغز7, وليس اسم فاعل ولا جاريًا على معتل وهو كما تراه معتل.

_ 1 الكاهل أعلى الظهر مما يلي العنق والغارب من البعير ما بين السنام والعنق. وكأن معنى الاكتمال في الكاهل القوة والاجتماع، والكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين. ولا مرية في قوته ونضجه، ومعنى الغروب في الغارب انخفاضه عن السنام كالكواكب حين يقرب وتنخفض. 2 هو -فيما زعم صاحب فرحة الأديب- رجل من الأنصار، قال ذلك في النعمان بن العجلان الزرقي -وزريق من الخروج- وكان ولاه علي رضي الله عنه البحرين وفي هذا الشعر آراء أخرى. وانظر سيبويه ص59 ج1، وشواهد العيني على هامش الخزانة ص48 ج3، واللسان في "ندل"، وفرحة الأديب رقم 40. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "من معاني". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: الرمد. 5 ضبط في أبتنوين اسم، وفي ب بالإضافة. 6 هو من الأمراض. ومن مظاهره استرخاء لأحد شقي البدن. 7 الباغز: النشاط أو هو في الإبل خاصة.

فإن قلت: فما تقول في استعان وقد أعل وليس تحته ثلاثي معتل؛ ألا تراك لا تقول: عان يعون كقام يقوم؟ قيل: هو وإن لم ينطق بثلاثيه فإنه في حكم المنطوق به وعليه جاء أعان يعين. وقد شاع الإعلال في هذا الأصل ألا تراهم قالوا: المعونة -فأعلوها كالمثوبة والمعوضة1- والإعانة والاستعانة. فأما المعاونة فكالمعاودة: صحت لوقوع الألف قبلها. فلما اطرد الإعلال في جميع ذلك دل أن ثلاثيه وإن لم يكن مستعملا فإنه في حكم ذلك. وليس هذا بأبعد من اعتقاد موضع "أن " لنصب الأفعال في تلك الأجوبة وهي الأمر والنهي وبقية ذلك وإن لم تستعمل قط. فإذا جاز اعتقاد ذلك وطرد المسائل عليه لدلالة الحال2 على ثبوته في النفس كان إعلال نحو أعان واستعان ومعين ومستعين والإعانة والاستعانة -لاعتقاد كون الثلاثي من ذلك في حكم الملفوظ به- أحرى وأولى. وأيضًا فقد نطقوا من ثلاثيه بالعون وهو مصدر وإذا ثبت أمر المصدر الذي هو الأصل لم يتخالج شك في الفعل الذي هو الفرع؛ قال لي أبو عليّ بالشام: إذا صحت الصفة فالفعل في الكف. وإذا كان هذا حكم الصفة كان في المصدر أجدر؛ لأن المصدر أشد ملابسة للفعل من الصفة؛ ألا ترى أن في الصفة " ما ليس بمشتق" نحو قولك: مررت بإبل مائة ومررت برجل

_ 1 هو العوض. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "على ما ثبوته"، وقد ضبط فيها "ثبوته" بالجر على زيادة "ما". ويصح قراءته بالرفع، أي على الذي ثبوته في النفس لا في اللفظ. 3 زيادة من ج.

أبي عشرة أبوه ومررت بقاع1 عرفج كله ومررت بصحيفة طين خاتمها ومررت بحية2 ذراع طولها وليس هذا مما يشاب به المصدر وإنما هو ذلك الحدث الصافي كالضرب والقتل والأكل والشرب. فإن3 قلت: ألا تعلم أن في الناقة معنى الفعل. وذلك أنها من التنوق في الشيء وتحسينه قال ذو الرمة: ... ... ... تنوقت ... به حضرميات الأكف الحوائك4 والتقاؤهما أن الناقة عندهم مما يتحسن5 به ويزدان5 بملكه وبالإبل يتباهون وعليها يحملون ويتحملون, ولذلك قالوا لمذكرها: الجمل, لأنه فَعَل من الجمال كما أن الناقة فعلة من التنوق. وعلى هذا قالوا: قد كثر عليه المشاء والفشاء والوشاء إذا تناسل عليه المال. فالوشاء فَعَال من الوشي كأن المال عندهم زينة وجمال لهم, كما يلبس من الوشي للتحسن به. وعلى ذلك قالوا: ما بالدار دبيج6 فهو فِعيل من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس هم الذين يشون الأرض, وبهم تحسن وعلى أيديهم وبعمارتهم تجمل. وعليه قالوا: إنسان لأنه فعلان من الأنس.

_ 1 انظر في بعض هذه الأمثلة سيبويه ص229 ج1 والعرفج: نبت طيب الريح ينبت في السهل، واحده عرفجة. 2 كذا في أ، ب، ش وفي ج: "بحبة" 3 هذا وارد على قوله فيما سبق ص119: "ليس لاستنوق فعل معتل" 4 صدره: كأن عليها سحق لفق تتوقت وهو في وصف نوق ذكرها قبل في قوله: أنخنا بها خوصا برى النص بدنها ... وألصق منها باقيات العرانك والخوص: الغائرات العيون من الإبل، والعرانك: الأسنمة، واللفق: أحد شقي الملاءة، والسحق: البالي، والحضرميات منسوبات إلى حضرموت يريد ناسجات حوائك وانظر الديوان 416 5 كذا في أ، ج. وفي ب: "مما يتحسن بملكه ويزدان به". وفي ش: "مما يتحسن تملكه ويزدان به", وظاهر تصحيف "تملكه" من "بملكه" 6 أي ما بها أحد، ولا يستعمل إلا بالنفي كما ترى, ويرى الأزهري أن أصل دبيج في هذا الموطن دبيّ، فأبدلت الياء الثانية جيمًا، كما يقال في مريّ مرج. وعلى هذا لا يتم لابن جني ما يبغي.

فقد ترى إلى توافي هذه الأشياء وتباين شعاعها وكونها1 عائدة إلى موضع واحد, لأن التنوق والجمال والأنس والوشي والديباج مما يؤثر ويستحسن -وكنت عرضت هذا الموضع على أبي علي رحمه الله فرضيه وأحسن تقبله-فكذلك2 يكون استنوق من باب استحوذ من حاذ يحوذ من حيث كان في الناقة معنى الفعل من التنوق دون أن يكون بعيدًا عنه كما رمت أنت في أول الفصل. انقضى السؤال. فالجواب أن استنوق أبعد عن الفعل من استحوذ على ما قدمنا. فأما ما في الناقة من معنى الفعلية والتنوق فليس بأكثر مما في الحجر من معنى الاستحجار والصلابة, فكما أن استحجر الطين واستنسر البغاث من لفظ الحجر والنسر فكذلك استنوق من لفظ الناقة والجميع ناء عن الفعل وما فيه من معنى الفعلية إنما هو كما في مفتاح ومدق ومنديل ونحو ذلك منه. ومما ورد شاذًّا عن القياس ومطردًا في الاستعمال قولهم: الحوكة والخونة. فهذا من الشذوذ عن القياس على ما ترى وهو في الاستعمال منقاد غير متأب ولا تقول على هذا في جمع قائم: قومة ولا في صائم: صومة ولو جاء على فعلة ما كان إلا معلا. وقد قالوا على القياس: خانة. ولا تكاد تجد شيئًا من تصحيح نحو مثل3 هذا في الياء: لم يأت عنهم في نحو بائع وسائر بيعة ولا سيرة. وإنما شذ من هذا مما عينه واو لا ياء نحو الحوكة والخونة والخول والدول 4. وعلته عندي قرب الألف من الياء

_ 1 عطف على "توافي". 2 كذا في ش، ب. وفي أما يقرب أن يكون: "فذلك". 3 سقط لفظ "مثل" في ش، ب. 4 هو التبل المتداول.

وبعدها عن الواو فإذا صحت نحو الحوكة كان أسهل من تصحيح نحو البيعة. وذلك أن الألف لما قربت من الياء أسرع انقلاب الياء إليها, فكان ذلك أسوغ من انقلاب الواو إليها لبعد الواو عنها ألا ترى إلى كثرة قلب الياء ألفًا استحسانًا لا وجوبًا, نحو قولهم في طيئ: طائي, وفي الحيرة: حاريّ, وقولهم في حيحيت, وعيعيت, وهيهيت: حاحيت, وعاعيت, وهاهيت. وقلما ترى في الواو مثل هذا. فإذا كان بين الألف والياء هذه الوصل والقرب كان تصحيح نحو بيعة, وسيرة, أشق عليهم من تصحيح نحو الحوكة والخونة لبعد الواو من الألف, وبقدر بعدها عنها1 ما يقل انقلابها إليها. ولأجل هذا الذي ذكرناه عندي ما كثر عنهم نحو اجتوروا, واعتونوا, واهتوشوا. ولم يأت عنهم من هذا التصحيح شيء في الياء, ألا تراهم لا يقولون: ابتيعوا ولا استيروا ولا نحو ذلك وإن كان في معنى تبايعوا وتسايروا. وعلى أنه قد جاء حرف واحد من الياء في هذا فلم يأت إلا معلا وهو قولهم: استافوا, في معنى تسايفوا ولم يقولوا: استيفوا لما ذكرناه من جفاء ترك قلب الياء ألفًا في هذا الموضع الذي قد قويت2 فيه داعية القلب. وقد ذكرنا هذا في "كتابنا في شعر هذيل " بمقتضى الحال فيه 3. وإن شذ الشيء في الاستعمال وقوي في القياس كان استعمال ما كثر استعماله أولى وإن لم ينته قياسه إلى ما انتهى إليه استعماله.

_ 1 ما زائدة أو مصدرية. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "قربت". 3 كذا في أ، ب، وسقط هذا اللفظ "فيه" في ش.

من ذلك اللغة التميمية في "ما " هي أقوى قياسًا وإن كانت الحجازية أسير استعمالا. وإنما كانت التميمية أقوى قياسًا من حيث كانت عندهم كـ " هل " في دخولها على الكلام مباشرة كل واحد من صدري الجملتين: الفعل والمبتدأ كما أن " هل" كذلك. إلا أنك إذا استعملت أنت شيئًا من ذلك فالوجه أن تحمله على ما كثر استعماله وهو اللغة الحجازية؛ ألا ترى أن القرآن بها نزل. وأيضًا1 فمتى رابك في الحجازية ريب من تقديم خبر, أو نقض النفي فزعت إذ ذاك إلى التميمية فكأنك من الحجازية على حرد2، وإن كثرت في النظم والنثر. ويدلك على أن الفصيح من العرب قد يتكلم باللغة غيرها أقوى في القياس عنده منها ما حدثنا به أبو علي رحمه الله قال: عن أبي بكر3 عن أبي العباس3 أن عمارة3 كان يقرأ {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بالنصب قال أبو العباس: فقلت له: ما أردت؟ فقال: أردت {سَابِقُ النَّهَارِ} قال: فقلت له: فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن. فقوله: أوزن أي أقوى وأمكن في النفس. أفلا تراه كيف جنح إلى لغة وغيرها أقوى في نفسه منها. ولهذا موضع نذكره فيه. واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء ما ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره فدع ما كنت عليه إلى ما هم عليه. فإن سمعت من آخر مثل ما أجزته فأنت فيه مخير: تستعمل أيهما شئت. فإن صح عندك أن العرب

_ 1 هذا دليل آخر على أن التميمية في "ما" أقوى قياسا من الحجازية. 2 الحرد: المنع أو الغضب. يريد: كأنه غاضب على الحجاز غير مطمئن إليها يخرج منها ما تهيأت له الفرصة، أو أنه على المنع لها والتحرج منها. وقد يكون الأصل: "على حرف". 3 أبو بكر هو ابن السراج. وأبو العباس: المبرد. وعمارة هو ابن عقيل بن بلال بن جرير. وانظر غرائز الآلوسي 114.

لم تنطق بقياسك أنت كنت على ما أجمعوا عليه البتة وأعددت ما كان قياسك أداك إليه لشاعر مولد, أو لساجع, أو لضرورة؛ لأنه على قياس كلامهم. بذلك وصى أبو الحسن. وإذا فشا الشيء في الاستعمال وقوي في القياس فذلك ما لا غاية وراءه نحو منقاد اللغة من النصب بحروف النصب والجر بحروف الجر والجزم بحروف الجزم وغير ذلك مما هو فاش في الاستعمال, قوي في القياس. وأما ضعف الشيء في القياس, وقلته في الاستعمال فمرذول1 مطرح؛ غير أنه قد يجيء منه الشيء إلا أنه قليل. وذلك نحو ما أنشده2 أبو زيد من قول الشاعر3: اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسيف قونس الفرس4 قالوا أراد: "اضربن عنك " فحذف نون التوكيد وهذا من الشذوذ في الاستعمال على ما تراه ومن الضعف في القياس على ما أذكره لك. وذلك أن الغرض في التوكيد إنما هو التحقيق والتسديد5، وهذا مما يليق به الإطناب والإسهاب وينتفي عنه الإيجاز والاختصار. ففي حذف هذه النون نقض الغرض. فجرى وجوب استقباح هذا في القياس مجرى امتناعهم من ادّغام الملحق؛ نحو مهدد وقردد،

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "فردود". 2 كذا في ج. وفي أ، ب، ش: "أنشدناه". ولم يدرك أبو الفتح أبا زيد. فإن صح هذا فإن المراد: أنشدناه في كتابه، كأنما يخاطبنا فيه، ولا يريد: أنشدنا شفاها. 3 قال ابن بري: "البيت لطرفة؛ ويقال: إنه مصنوع عليه" وانظر اللسان في "قنس". وفي نوادر أبي زيد 13: "قال أبو حاتم: أنشدني الأخفش بيتا مصنوعا لطرفة: اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسيف قونس الفرس وقال: أراد النون الخفيفة. 4 قونس الفرس: ما بين أذنيه، وقيل مقدم رأسه وقوله "بالسيف" في اللسان بدله "بالسوط انظر اللسان في قنس. 5 كذا في أ، وفي ش: "التشديد" وفي ب احتمال هذا وذاك؛ فإن النقط غير ظاهر.

وجلبب وشملل وسبهلل1 وقفعدد2، في تسليمه وترك التعرض لما اجتمع فيه من توالي المثلين متحركين ليبلغ المثال الغرض المطلوب في حركاته وسكونه ولو ادّغمت لنقضت الغرض الذي اعتزمت. ومثل امتناعهم من نقض الغرض امتناع أبي الحسن من توكيد الضمير المحذوف المنصوب في نحو الذي ضربت زيد؛ ألا ترى أنه منع أن تقول: الذي ضربت نفسه زيد على أن " نفسه" توكيد للهاء المحذوفة من الصلة. ومما ضعف في القياس والاستعمال جميعًا بيت الكتاب: له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير3 فقوله: "كأنه " -بحذف الواو وتبقية الضمة- ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال. ووجه ضعف قياسه أنه ليس على حد الوصل ولا على حد الوقف. وذلك أن الوصل يجب أن تتمكن فيه واوه كما تمكنت في قوله في أول البيت "لهو زجل " والوقف يجب أن تحذف الواو والضمة فيه جميعًا وتسكن الهاء فيقال: "كأنه "

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "سهلل" وكأنه محرف عما أثبته أو أصله: ثبلل. والسبهلل: الفارغ، يقال: جاء سبهللا أي لا شيء معه، وثهلل يقال: هو الضلال بن ثهلل: أي لا يعرف. 2 القفعدد: القصير. 3 بيت الكتاب قائله الشماخ بن ضرار، يصف حمارا وحشيا. والوسيقة: أنثاه. والزمير، الغناء في القصبة. وهي الزمارة، بفتح الزاي وتشديد الميم. شبه تطريبه إذا طلب أنثاه بصوت الحادي أو الغناء, والبيت في الكتاب ص11 ج1، وديوان الشماخ 36. وفي فرحة الأديب إنكار هذه النسبة. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "كأنه خلس بحذف الواو". وهذه الكلمة "خلس" وضعت أفوق "كأنه" في البيت وضبطت "خلس" بفتح الأول وسكون الثاني وهو الصواب في وضعها؛ يراد أن هذه الكلمة فيها خلس لا مد. ونقل في الخزانة 2/ 402 نص ابن جني من قوله: "مما ضعف في القياس والاستعمال جميعا" إلى قوله: "وروينا أيضا عن غيره: إن لنا لكنة" لكن ببعض حذف.

فضم الهاء بغير واو منزلة بين منزلتي الوصل والوقف. وهذا موضع ضيق ومقام زلخ1 لا يتقيك بإيناس, ولا ترسو فيه قدم قياس. وقال أبو إسحاق في نحو هذا: إنه أجرى الوصل مجرى الوقف وليس الأمر كذلك لما أريتك من أنه لا على حد الوصل ولا على حد الوقف. لكن ما أجري من نحو هذا في الوصل على حد الوقف قول الآخر 2: فظلت لدى البيت العتيق أخيله ... ومطواي مشتاقان له أرقان على أن أبا الحسن حكى أن سكون الهاء في هذا النحو لغة لأزد السراة. ومثل هذا البيت ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر: وأشرب الماء ما بي نحوه عطش ... إلا لأن عيونه سيل واديها ورويناه أيضًا عن غيره: إن لنا لكنة ... مبقة مفنة3 متيحة معنة ... سمعنة نظرنة4 كالذئب وسط القنة ... إلا تره تظنه5

_ 1 كذا في أ. وفي ب: "زلح" وفي ش: "زلج" وزلخ -بسكون اللام وكسرها- مزلة تزل فيها الأقدام. 2 ينسب ليعلى الأحول الأزدى. ومطواى: صاحباي. وضمير أخيله، وله عائد إلى البرق في بيت قبله وهو: أوقت لبرق دونه شدران ... يمان وأهوى البرق كل يمان وانظر الخزانة 2/ 401. 3 الكنة امرأة الابن أو الأخ "مبقة" كثيرة الكلام "مفنة" نادرة على فنون الكلام. 4 متيحة: تعرض في كل شيء. والرجل متيح، وكذلك معنة. و"سمعنة نظرنة": إذا تسمعت شيئًا أو تنظرت فلم تر شيئًا تظنت وعملت بظنها. وانظر اللسان في "سمع". 5 ذكر في اللسان في سمع روايتين في البيت: "كالذئب وسط العنة"، و"كالريح حول القنة" وما هنا تلفيق من الروايتين، و"العنة" في الرواية الأولى: الحظيرة تحبس فيها الغنم والإبل، و"القنة" في الرواية الثانية الأكمة أو الجبل المستطيل.

فقوله "تره " مما أجري في الوصل مجراه في الوقف أراد: إلا تر, ثم بين الحركة في الوقف بالهاء, فقال: "تره " ثم وصل ما كان وقف عليه. فأما قوله 1: أتوا ناري فقلت منون أنتم ... فقالوا الجن قلت عموا ظلاما2 ويروي: . . . ... . . . . . . منون قالوا ... سراة الجن قلت عموا ظلاما فمن رواه هكذا فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف. فإن قلت: فإنه في الوقف إنما يكون " منون " ساكن النون وأنت في البيت قد حركته فهذا إذًا ليس على نية الوقف ولا على نية الوصل فالجواب أنه لما أجراه في الوصل على حده في الوقف فأثبت الواو والنون التقيا ساكنين فاضطر حينئذ إلى أن حرك النون لإقامة الوزن. فهذه الحركة إذًا إنما هي حركة مستحدثة لم تكن في الوقف وإنما اضطر إليها الوصل.

_ 1 هو عند أبي زيد في نوادره 124 شمير بن الحارث الضبي، وفي العيني 4- 498 "ينسب إلى شمر بن الحارث الضبي، وينسب إلى تأبط شرًّا" وهناك أبيات على روي الحاء تنسب إلى جذع بن سنان الغساني، وانظر الخزانة ج3 ص2 وما بعدها: 2 قبله كما في النوادر: ونار قد حضأت بعيد وهن ... بدار لا أريد بها مقاما سوى تحليل راحلة وعين ... أكالئها مخافة أن تناما وبعده: فقلت إلى الطعام فقال مئهم ... زعيم نحسد الأنس الطعاما قال في الخزانة: "ذكر في أبياته أن الجن طرقته وقد أوقد نارا لطعامه، فدعاهم إلى الأكل منه، فلم يجيبوه وزعموا أنهم يحسدون الأنس في الأكل، وأنهم فضلوا عليهم بأكل الطعام". 3 كذا في أ، ب. وسقط هذا اللفظ في ش.

وأما من رواه "منسون أنتم " فأمره مشكل. وذلك أنه شبه من بأي فقال: "منون أنتم " على قوله: أيون أنتم1، وكما حمل ههنا أحدهما على الآخر كذلك جمع بينهما في أن جرد من الاستفهام كل منهما ألا ترى إلى حكاية يونس2 عنهم: ضرب من منا, كقولك: ضرب رجل رجلا. فنظير هذا في التجريد له من معنى الاستفهام ما أنشدناه من قول الآخر3: وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إلي وأصحابي بأي وأينما4 فجعل "أي " اسمًا للجهة, فلما اجتمع فيها التعريف والتأنيث منعها الصرف.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "فكما". 2 انظر الكتاب ص402 ج1. 3 نسبة في اللسان في "أين" إلى حميد بن ثور الهلالي، ولحميد هذا قصيدة طويلة على روي البيت ليس فيها هذا البيت، مطلعها: سل الربع أني يممت أم سالم ... وهل عادة الربع أن يتكلما وذكر الشنقيطي في "الوسيط في أدباء شنقيط" أنه وقف على هذه القصيدة، أرسلها إليه أحمد تيمور باشا طيب الله ثراه. وقال: "وقد سقط من نسخته بيتان من أولها بقيا في حفظي. وما أدري هل سقط منها غيرهما أم لا: ألا هيما مما لقيت وهيما ... وويحا لمن لم ألق منهن ويحما أأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إلي وأصحابي بأي وأينما هيما كلمة تحسر". وفي اللسان: "هيي" نسبة الأولى من هذين البيتين إلى حميد الأرقط، والظاهر على هذا أن يكون هو أيضا صاحب البيت الثاني، وعلى هذا لا يكون لحميد بن ثور شيء منهما، وأن الشنقيطي واهم في حفظه، كذلك لا يعول على ما في اللسان في أين؛ فإن نسخة الديوان طبعة الدار خالية منه. 4 "أدلجت" كذا في اللسان وفي بعض نسخ الخصائص في "خلع الأدلة" وهي الرواية الجيدة. وفي الأصول هنا: "أدلجوا". وقوله: "وأصحابي بأي وأينما" أي بمكان مجهول يسأل عنه بأي المكان هو، وأين يقع. وقوله: "ليلة أدلجت" فالإدلاج: السير في آخر الليل على خلاف في ذلك بين علماء اللغة. يريد أن طيفها سرى إليه وهو في سفره مع أصحابه. وانظر الوسيط 128.

وأما قوله: "وأينما " ففيه نظر. وذلك أنه جرده أيضًا من الاستفهام كما جرد أي فإذا هو فعل ذلك احتمل هنا من بعد أمرين: أحدهما أن يكون جعل "أين " علمًا أيضًا للبقعة فمنعها الصرف للتعريف والتأنيث كأي فتكون الفتحة في آخر " أين " على هذا فتحة الجر1 وإعرابًا مثلها في مررت بأحمد. فتكون " ما " على هذا زائدة و" أين " وحدها هي الاسم كما كانت " أي " وحدها هي الاسم. والآخر أن يكون ركب " أين " مع " ما " فلما فعل ذلك فتح الأول منهما كفتحة الياء من حيهل لما ضم حي إلى هل فالفتحة في النون على هذا حادثة للتركيب وليست بالتي كانت في أين وهي استفهام لأن حركة التركيب خلفتها ونابت عنها. وإذا كانت فتحة التركيب تؤثر في حركة الإعراب فتزيلها إليها نحو قولك: هذه خمسة معرب2، ثم تقول في التركيب: هذه خمسة عشر فتخلف فتحة التركيب ضمة الإعراب على قوة حركة الإعراب كان إبدال حركة البناء من حركة البناء أحرى بالجواز وأقرب في القياس. وإن شئت قلت: إن فتحة النون في قوله: " بأي وأينما ", هي الفتحة التي كانت في أين وهي استفهام من قبل تجريدها أقرها بحالها بعد التركيب على ما كانت عليه ولم يحدث خالفًا لها من فتحة التركيب, واستدللت على ذلك بقولهم: قمت إذ قمت فالذال كما ترى ساكنة ثم لما ضم إليها " ما " وركبها معها أقرها على سكونها فقال: إذ ما أتيت على الرسول فقل له3

_ 1 كذا بواو العطف في أ، وفي عبارة اللسان، وسقط في ش، ب. 2 في عبارة اللسان: "فتعرب". 3 عجزه: حقا عليك إذا اطمأن المجلس وقبله: يأيها الرجل الذي تهوى به ... وجناء محمرة المناسم عرمس

فكما لا يشك في أن هذا السكون في " إذ ما " هو السكون في ذال إذ, فكذلك ينبغي أن تكون فتحة النون من " أينما " هي فتحة النون من " أين " وهي استفهام. والعلة في جواز بقاء الحال بعد التركيب على ما كانت عليه قبله عندي هي أن ما يحدثه التركيب من الحركة ليس بأقوى مما يحدثه العامل فيها ونحن نرى العامل غير مؤثر في المبني نحو " من أين أقبلت " و " إلى أين تذهب" فإذا كان حرف الجر على قوته لا يؤثر في حركة البناء فحدث التركيب -على تقصيره عن حدث الجار- أحرى بألا يؤثر في حركة البناء. فاعرف ذلك فرقًا, وقس عليه تصب إن شاء الله. وفي ألف " ما " من " أينما " -على هذا القول- تقدير حركة إعراب: فتحة في موضع الجر, لأنه لا ينصرف. وإن1 شئت كان تقديره " منون " كالقول الأول ثم قال: " أنتم "، أي أنتم المقصودون بهذا الاستثبات؛ كقوله 2: أنت فانظر لأي حال تصير3

_ = وبعده: يا خير من ركب المطي ومن مشى ... فوق التراب إذا تعد الأنفس إنا وقينا بالذي عاهدتنا ... والخيل تقدع بالكماة وتضرس وهذا الشعر من قصيدة للعباس بن مرداس السلمي قالها في غزوة حنين. وانظر سيرة ابن هشام على هامش الروض 2/ 298، والكامل 3/ 158، والكتاب 1/ 432. 1 راجع الكلام على "منون أنتم". 3 أي عدي بن زيد. وانظر الأغاني 2/ 152 طبعة الدار، والكتاب 1/ 70، والمغني في "الفاء المفردة" وأمالي ابن الشجري 1/ 89. 3 صدره: أرواح مودع أم بكور أي أتروح مودعا أم تبكر، أي لا بد لك من الرحيل في البكور أو الرواح -يريد ترك الدنيا والمصير إلى الموت- فانظر لأمر آخرتك. وقوله: "مودع" هو بكسر الدال على حد عيشة راضية أي مودع صاحبه, =

إذا أراد: أنت1 الهالك. وما يرد في هذه اللغة مما يضعف في القياس, ويقل في الاستعمال كثير جدًّا, وإن تقصيت بعضه طال, ولكن أضع لك منه ومن غيره من أغراض كلامهم ما تستدل به وتستغني ببعضه من كله بإذن الله وطَوله.

_ = وإنما الرواح يودع فيه، وهو كقوله تعالى: {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} أي يبصر فيه، فالإسناد فيه على جهة التجوز، ويرى السيرافي بأنه من قبيل النسب، أي رواح ذو توديع، قال: "فبنى له من المصدر الذي يقع فيه اسم فاعل، وإن لم يكن جاريا على القمل؛ كما قالوا: رامح وناشب، على معنى ذو رمح وذو نشاب" وقد ضبط في الأغاني "مودع" بفتح الدال، وقد علمت أن الرواية الكسر، وقد أورد أبو علي الفارسي الفتح على أنه وجه جائز في العربية. وانظر أهالي ابن الشجري. 1 أي أن أنت مبتدأ محذوف الخبر. ويجوز عكس هذا على التقدير: الهالك أنت، ومن الأوجه الجائزة فيه أن يكون "أنت" مبتدأ خبره "رواح" على المبالغة أو على حذف مضاف أي أنت رواح أو صاحب رواح. وقد بسط السيرافي في الكلام على البيت وأبدى فيه ستة أوجه.

باب في الاستحسان

باب في الاستحسان1: وجماعه أن علته ضعيفة غير مستحكمة إلا أن فيه ضربًا من الاتساع والتصرف. من ذلك تركك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة نحو قولهم: الفتوى والبقوى والتقوى والشروى ونحو ذلك ألا ترى أنهم قلبوا الياء هنا

_ 1 الاستحسان من مصطلح أصول الفقه. وهو أحد الأدلة عند الحنفية. وفي تحديده اختلاف كثير. ويقول السعد في حاشيته على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/ 289: "اعلم أن الذي استقر عليه رأي المتأخرين هو أن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل للقياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام" ومن أمثلته السلم، فإن المتبادر إلى الفهم ألا يجوز، لما فيه من انعدام المعقود عليه، لكنه جوز للحاجة إليه، وهذا المعنى للاستحسان ينقاد مع ما أراده ابن جني هنا، فمثل الفتوى كان المتبادر ألا يجري فيها إعلال. فيقال: الفتيا، ولكن عارض هذا الأمر الجلي القاضي بالتصحيح أمر يدعو إلى الإعلال، وهو الفرق بين الاسم والصفة، وعمل العرب بهذا المعارض، ولما كان الاعتماد في الاستحسان على ما يقابل الجلي من القياس كان جماع أمره أن علته ضعيفة غير مستحكمة، كما ذكر المؤلف. وقد عرض السيوطي في الاقتراح للاستحسان، ونقل فيه بحث ابن جني في هذا الكتاب، ونقل عن ابن الأنباري الخلاف في الأخذ به في العربية.

واوًا من1 غير استحكام2 علة أكثر من أنهم أرادوا الفرق بين الاسم والصفة. وهذه ليست علة معتدة ألا تعلم كيف يشارك الاسم الصفة في أشياء كثيرة لا يوجبون على أنفسهم الفرق بينهما فيها. من ذلك قولهم في تكسير حسن: حِسان فهذا كجبل وجبال وقالوا: فرس وَرد3 وخيل وُرد4 فهذا كسَقف وسُقف 4. وقالوا: رجل غفور وقوم غُفُر وفخور وفخر فهذا كعمود وعمد. وقالوا: جمل بازل وإبل بوازل وشغل شاغل وأشغال شواغل فهذا كغارب وغوارب وكاهل وكواهل. ولسنا ندفع أن يكونوا قد فصلوا بين الاسم والصفة في أشياء غير هذه إلا أن جميع ذلك إنما هو استحسان لا عن ضرورة علة وليس بجار مجرى رفع الفاعل ونصب المفعول ألا ترى أنه لو كان الفرق بينهما واجبًا لجاء في جميع الباب؛ كما أن رفع الفاعل ونصب المفعول منقاد في جميع الباب. فإن قلت: فقد قال الجعدي: حتى لحقنا بهم تعدي فوارسنا ... كأننا رعن قف يرفع الآلا5

_ 1 كذا في ش، ب، وفي أ: "عن". 2 انظر ص88 من هذا الجزء في إعلال الأمثلة المذكورة. 3 أي ذو لون أحمر يضرب إلى صفرة، وكان ما فيه هذا اللون فهو ورد. 4 ضبط في أ، ب، ج "ورد وسقف" بسكون العين كقفل، والوارد في ورد السكون. وأما سقف فالوارد فيه الضم كعنق، ويظهر أن أبا الفتح وهم في هذا فظن سقفا كققل أو أنه رأى فيه التخفيف كما يقال في كتب: كتب, وفي رسل: رسل بتسكين العين فيهما. 5 بعده: فلم نوقف مشلين الرماح ولم ... نوجد عواوير يوم الروع عزالا والبيت في الأمالي 2/ 228، وفي المختار من شعر بشار 262 وفيه بعد أن أورده: "وقال العلماء: هذا من المقلوب، وإنما أراد الشاعر: كأننا رعن قف يرفعه الآل، والرعن: أول كل شيء والقف: ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا" والآل: السراب، وهو ما يراه الإنسان في الصحراء نصف النهار كأنه ماء. وترى ابن جني يذهب فيه مذهبا غير القلب الذي ذهب إليه غيره، وقد تبعه البكري في اللآلي.

فرفع المفعول ونصب الفاعل, قيل لو لم يحتمل1 هذا البيت إلا ما ذكرته لقد كان على سمت من القياس ومطرب2 متورد بين الناس؛ ألا ترى أنه على كل حال قد فرق فيه بين الفاعل والمفعول, وإن اختلفت جهتا الفرق. كيف ووجهه في أن يكون الفاعل فيه مرفوعًا, والمفعول منصوبًا قائم صحيح مقول به. وذلك أن رعن هذا القف لما رفعه الآل فرئي فيه, ظهر به الآل إلى مرآة العين ظهورًا لولا هذا الرعن لم يبن للعين فيه3 بيانه إذا كان فيه؛ ألا تعلم أن الآل إذا برق للبصر رافعًا شخصًا كان أبدى للناظر إليه منه لو لم يلاق شخصًا يزهاه فيزداد بالصورة التي حملها سفورًا وفي مسرح الطرف تجليًا وظهورًا. فإن قلت: فقد قال الأعشى: إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا4 فجعل الآل هو الفاعل والشخص هو المفعول قيل ليس في هذا أكثر من أن هذا جائز وليس فيه دليل على أن غيره غير جائز؛ ألا ترى أنك إذا قلت ما جاءني غير زيد فإنما في هذا دليل على أن الذي هو غيره لم يأتك فأما زيد نفسه فلم تعرض للإخبار5 بإثبات مجيء له أو نفيه عنه فقد يجوز6 أن يكون قد جاء وأن يكون أيضًا لم يجئ.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "يحصل". 2 المطرب، وكذا المطربة: الطريق. 3 كذا في أ، ب، ش وسقط هذا اللفظ في عبارة اللسان. 4 صدره: إذ نظرت نظرة ليست بكاذبة وقبله: ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا وهو في الحديث عن عنز اليمامة، والذئبي: سطيح الكاهن، ورأس الكلب: جبل باليمامة. وانظر الديوان 74. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "في الإخبار"، وكأنه ضمن تعرض معنى تدخل فعداه بفي. وفي عبارة اللسان: "فلم يعرض للإخبار". 6 كأنه جرى في هذا على اصطلاح المناطقة. فأما في العربية فإن قولك: ما جاءني غير زيد استثناء مفرغ، كقولك: ما جاءني إلا زيد، وهذا يفيد البتة مجيء زيد.

فإن قلت: فهل تجد لبيت الجعدي على تفسيرك الذي حكيته ورأيته نظيرًا؟ قيل: لا ينكر وجود ذلك مع الاستقراء واعمل فيما بعد على أن لا نظير له, ألا تعلم أن القياس إذا أجاز شيئًا وسمع ذلك الشيء عينه فقد ثبت1 قدمه, وأخذ من الصحة والقوة مأخذه, ثم لا يقدح فيه ألا يوجد له نظير لأن إيجاد النظير وإن كان مأنوسًا به فليس في واجب النظر إيجاده؛ ألا ترى أن قولهم: في شنوءة شنَئي لما قبله القياس لم يقدح فيه عدم نظيره نعم ولم يرض له أبو الحسن بهذا القدر من القوة حتى جعله أصلا يرد إليه ويحمل غيره عليه. وسنورد فيما بعد بابًا لما يسوغه القياس وإن لم يرد به السماع بإذن الله وحوله. ومن ذلك -أعني الاستحسان- أيضًا قول الشاعر: أريت إن جئت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا3 أقائلن أحضروا الشهودا فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع. فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة؛ ألا تراك لا تقول: أقائمنَّ يا زيدون ولا أمنطلقنَّ يا رجال إنما تقوله بحيث سمعته وتعتذر له, وتنسبه إلى أنه استحسان منهم على ضعف منه واحتمال بالشبهة له.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ثبتت"، وكلاهما جائز؛ فإن القدم مؤنث مجازي. 2 انظر ص117 من هذا الجزء. 3 "جئت" بضم التاء كما نص عليه صاحب الخزانة، وإن ضبط في أبفتحها. وكان من قصة هذا الرجز أن رجلا من العرب أتى أمة له، فلما حبلت جحدها وزعم أنه لم يقربها، فقالت هذا الرجز تريد: أخبرني إن ولدت ولدا هذه صفته أتقول لي ولمن يشايعني: أحضروا الشهود على أن هذا الولد منك. إنك لن تقول ذلك وإنما ترضى بالولد، فاصبر فعسى أن أجيء، بما يقر عينك، وفي بعض الروايات "جاءت" بدل "جئت"، و"أحضري" بدل "أحضروا". وانظر الخزانة 574 ج4، وشرح الكامل للمرصفي 1/ 97.

ومن الاستحسان قولهم: صبية وقِنية وعِذيُ وبِليُ سفر, وناقة عليان, ودبة1 مهيار. فهذا كله استحسان2 لا عن استحكام علة. وذلك أنهم لم يعتدوا الساكن حائلا بين الكسرة والواو لضعفه وكله من الواو. وذلك أن " قنية" من قنوت ولم يثبت أصحابنا قنيت وإن كان البغداديون قد حكوها و" صبية" من صبوت و" علية" من علوت و " عذي " من قولهم أرضون عذوات و" بلي " سفر من قولهم في معناه: بِلوٌ أيضًا ومنه البلوى, وإن لم يكن فيها دليل3، إلا أن الواو مطردة في هذا الأصل قال 4: فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو5 وهو راجع إلى معنى بلو سفر وقالوا: فلان مبلو بمحنة وغير ذلك والأمر فيه واضح وناقة " عليان" من علوت أيضًا كما قيل لها: ناقة سناد, أي أعلاها متساند إلى أسفلها ومنه سندنا إلى الجبل أي علونا وقال الأصمعي: قيل لأعرابي: ما الناقة القرواح فقال: التي كأنها تمشي على أرماح. ودبة " مهيار" من قولهم هار يهور وتهور الليل على أن أبا الحسن قد حكى فيه هار يهير وجعل الياء فيه لغة وعلى قياس قول6 الخليل في طاح يطيح وتاه يتيه لا يكون في يهير دليل، لأنه قد يمكن أن يكون: فَعِل يَفعِل مثلهما. وكله لا يقاس؛ ألا تراك لا تقول في جرو: جِرى ولا في عِدوة الوادي: عِدية ولا نحو ذلك. ولا يجوز في قياس قول من

_ 1 الدبة: الكثيب من الرمل. 2 انظر في هذه الكلمات ص97 وما بعدها من هذا الجزء. 3 وذلك أن البلوى يحتمل أن تكون الواو فيها بدلا من الياء كالفتوى والتقوى. 4 هو زهير وانظر الديوان 109. 5 صدره: جزى الله الإحسان ما فعلا بكم 6 انظر كتاب سيبويه ص361 ج2.

قال عليان, ومهيار, أن تقول في قرواح1, ودرواس2: قرياح ودرياس3، وذلك لئلا يلتبس مثال فعوال بفعيال فيصير قرياح ودرياس كسرياح وكرياس. وإنما يجوز هذا فيما كانت واوه أصلية لا زائدة وذلك أن الأصلي يحفظ نفسه بظهوره في تصرف أصله ألا تراك إذا قلت: علية ثم قلت: علوت وعلو وعلوة4 وعلاوة ويعلو5 ونحو ذلك, دلك وجود الواو في تصرف هذا الأصل على أنها هي الأصلية وأن الياء في علية بدل منها وأن الكسرة هي التي عذرت بعض العذر في قلبها وليس كذلك الزائد ألا تراه لا يستمر في تصرف الأصل استمرار الأصلي فإذا عرض له عارض من بدل أو حذف لم يبق هناك في أكثر الأمر ما يدل عليه وما يشهد به؛ ألا تراك لو حقرت قرياحًا بعد أن أبدلت واوه ياء على حذف زوائده لقلت 6: قريح فلم تجد للواو أثرًا يدلك على أن ياء قرياح بدل من الواو7، كما دلك علوت وعلو ورجل معلو بالحجة ونحو ذلك على أن ياء " علية" بدل من الواو. فإن قلت: فقد قالوا في قرواح: قرياح أيضًا سمعًا جميعًا فإن هذا ليس على إبدال الياء من الواو لا بل كل واحد منها مثال برأسه مقصود قصده.

_ 1 القرواح من النوق: الطويلة القوائم، والقرواح أيضا المزرعة ليس بها نبات ولا شجر، ويقال فيها أيضا قرياح. 2 الدرواس: الغليظ العنق من الناس والكلاب. 3 هو الكلب العقور. 4 يقال: أخذ مالي علوة أي عنوة وقهرا كما في اللسان. وقد يكون "علوه" بهاء الضمير. 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "يعلوه". 6 كذا في أ، وفي ش، ب: "قلت". 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "واو".

فقرواح كقرواش1 وجلواخ2، وقرياح ككرياس3 وسرياح4؛ ألا ترى أن أحدًا لا يقول: كرواس ولا سرواح ولا يقول أحد أيضًا في شرواط4 وهلواع 5: شرياط ولا هلياع. وهذا أحد ما يدلك على ضعف القلب فيما هذه صورته؛ لأن القلب للكسرة مع الحاجز لو كان قويًّا في القياس لجاء في الزائد مجيئه في الأصلي كأشياء كثيرة من ذلك. ومثل امتناعهم من قلب الواو في نحو هذا ياء من حيث كانت زائدة فلا عصمة لها ولا تلزم لزوم الأصلي فيعرف بذلك أصلها أن ترى الواو الزائدة مضمومة ضمًّا لازمًا ثم لا ترى العرب أبدلتها همزة كما أبدلت الواو الأصلية نحو أجوه وأُقتت. وذلك نحو الترهوك7، والتدهور والتسهوك 8: لا يقلب أحد هذه الواو -وإن انضمت ضمًّا لازمًا- همزة من قبل أنها زائدة فلو قلبت فقيل: الترهؤك لم يؤمن أن يظن أنها همزة أصلية غير مبدلة من واو. فإن قلت: ما تنكر أن يكون تركهم قلب هذه الواو همزة مخافة أن تقع الهمزة بعد الهاء وهما حلقيان وشديدا التجاور, قيل: يفسد هذا أن هذين الحرفين قد تجاورا والهاء مقدمة على الهمزة نحو قولهم: هأهأت في الدعاء 9.

_ 1 هو الطفيل، والعظيم الرأس. 2 هو الوادي الواسع الممتلئ. 3 الكرياس: الكنيف يكون مشرفا على سطح القناة إلى الأرض. 4 يقال: فرس سرياح سريع، والسرياح أيضا الجراد. 5 هو الطويل. 6 هي السريعة من النوق. 7 يقال مر يترهوك أي يموج في مشيه من استرخاء مفاصله. 8 يقال تسهوك: مشى رويدا. 9 يقال: هأهأ بالإبل: دعاها للعلف.

فإن قلت: هذا إنما جاء في التكرير, والتكرير قد يجوز فيه ما لولاه لم يجز؛ ألا ترى أن الواو لا توجد منفردة في ذوات الأربعة إلا في ذلك الحرف وحده وهو "وَرَنْتَل "1 ثم إنها قد جاءت مع التكرير مجيئًا متعالمًا نحو وَحْوَحَ2 ووَزْوَزَ3 ووكواك4 ووُزاوِزة3 وقوقيت وضوضيت وزوزيت5 وموماة ودَوْداة6 وشَوْشاة7 قيل: قد جاء امتناعهم من همز نظير هذه الواوات بحيث لا هاء. ألا تراهم قالوا: زحْولته8 فتزحول تَزَحْولا وليس أحد يقول تزحؤلا. وقد جمعوا بينهما متقدمة الحاء على الهمزة: نحو قولهم في الدعاء: حُؤْ حُؤْ 9. فإن قيل: فهذا أيضًا إنما جاء في الأصوات المكررة كما جاء في الأول أيضًا في الأصوات المكررة نحو هُؤْ هُؤْ وقد ثبت أن التكرير محتمل فيه ما لا يكون في غيره. قيل: هذه مطاولة نحن فتحنا لك بابها وشرعنا منهجها, ثم إنها مع ذلك لا تصحبك ولا تستمر بك؛ ألا تراهم قد قالوا في " عنونت الكتاب ": إنه يجوز

_ 1 هي الداهية، والأمر العظيم. 2 الوحوحة: النفخ من شدة البرد. 3 الوزوزة الوثب، والوزاوزة: الرجل الطائش الخفيف. 4 هو الجبان. 5 زوزى الرجل: نصب ظهره وقارب الخطر. 6 هي أثر الأرجوحة. 7 هي الناقة السريعة. 8 في الأصول: "رحولته فترحول ترحولا" بالراء المهملة ولم أقف على هذا في اللغة، فأصلحته إلى ما ترى. يقال: زحوله عن مكانه، فتزحول: أزاله عنه فزال. 9 كذا في الأصول. والذي في اللسان: "حئ حئ: دعاء الحمار إلى الماء ... والحأحأة -وزن الجعجعة- بالكبش: أن تقول له: حأحأ زجرًا".

أن يكون فعولت من عنّ يعنّ ومطاوعه تَعَنْوَن ومصدره التَّعَنْوُن وهذه الواو لا يجوز همزها لما قدمنا ذكره, وأيضًا فقد قالوا في عَلْونته: يجوز أن يكون فَعْولت من العلانية وحاله في ذلك حال عنونته على ما مضى. وقد قالوا أيضًا: سرولته تسرولا ولم يهمزوا هذه الواو لما ذكرنا. فإن قيل: فلو همزوا فقالوا: التسرؤل لما خافوا لبسًا لقولهم مع زوال الضمة عنها: تسرول وسرولته ومسرول كما أنهم لما قالوا: وقت وأوقات وموقت ووقّته أعلمهم ذلك أن همزة "أقتت " إنما هي بدل من واو. فقد ترى الأصل والزائد1 جميعًا متساويين متساوقين في دلالة الحال بما يصحب كل واحد منهما من تصريفه وتحريفه وفي هذا نقض لما رُمْت به الفصل بين الزائد والأصل. قيل كيف تصرَّفت الحال فالأصل أحفظ لنفسه, وأدلُّ عليها من الزائد؛ ألا ترى أنك لو حقرت تسرولا -وقد همزته- تحقير الترخيم لقلت " سريل" فحذفت الزائد2 ولم يبق معك دليل عليه ولو حقرت نحو "أقتت " -وقد نقلتها إلى التسمية فصارت "أقتة " - تحقير الترخيم لقلت: وقيتة وظهرت الواو التي هي فاء. فإن قلت: فقد تجيز ههنا أيضًا "أقيتة " قيل الهمز ههنا جائز لا واجب وحذف الزوائد من "تسرؤل " في تحقير الترخيم واجب لا جائز. فإن قلت: وكذلك همز الواو في "تسرؤل " إنما يكون جائزًا أيضًا لا واجبًا قيل: همز الواو حشوًا أثبت قدمًا من همزها مبتدأة أعني في بقائها وإن زالت الضمة عنها؛ ألا ترى إلى قوله3 في تحقير قائم: قويئم وثبات الهمزة وإن زالت الألف الموجبة

_ 1 كذا في ش، ب، وفي أ: "الزوائد". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "الزوائد" ويريد بالزائد الجنس. 3 يريد سيبويه في الكتاب 2/ 127.

لها, فجرت لذلك مجرى الهمزة الأصلية في نحو سائل وثائر1 من سأل وثأر، -كذا2 قال- فلذلك اجتنبوا أن يهمزوا واو "تسرول " لئلا تثبت قدم الهمزة فيرى أنها ليست بدلا وليس كذلك همزة " أقتت", ألا تراها متى زالت الضمة عنها عادت واوًا نحو موقت ومويقت. فإن قلت: فهلا أجازوا همز واو " تسرول " وأمنوا اللبس وإن قالوا في تحقير ترخيمه " سريل " من حيث كان وسط الكلمة ليس بموضع لزيادة الهمزة إنما هو موضع زيادة الواو نحو جدول وخِروع2 وعجوز وعمود. فإذا رأوا الهمزة موجودة في " تسرؤل" محذوفة من " سريل" علموا -بما فيها مكن الضمة- أنها بدل من واو زائدة فكان ذلك يكون أمنًا من اللبس؟ قيل: قد زادوا الهمزة وسطًا في أحرف صالحة. وهي شمأل3 وشأمل3، وجرائض4، وحطائط بطائط5، ونِئدلان6، وتأبل7، وخأتم, وعألم, وتأبلت القدر, والرئبال 8، فلما جاء ذلك كرهوا أن يقربوا باب لبس. فإن قلت: فإن همزة تأبل, وخأتم, والعألم إنما هي بدل من الألف قيل: هي وإن كانت بدلا فإنها بدل من الزائد والبدل من الزائد زائد وليس البدل من الأصل بأصل.

_ 1 في كتاب سيبويه ص128 ج2: "وشاء من شأوت". 2 هو الشجر الذي يتخذ من حبه الزيت المسهل المعروف، وكل نبات بان من شجر أو عشب خروع. 3 هذه لغات في الشمال. وهي من الرياح ما تهب من ناحية القطب الشمالي. 4 يقال: جمل جرائض: إذا كان أكولا. 5 حطائط: الصغير من الناس وغيرهم. وبطائط: اتباع. 6 التئدلان: الكابوس. 7 التأبل: لغة في التابل. والجمع التوابل. وهي الأبزار تضاف إلى الطعام؛ كالفلفل والكمون. 8 الرئبال: الأسد.

فقد ترى أن حال البدل من الزائد أذهب به1 في حكم ما هو بدل منه من الأصل في ذلك. فاعرف هذا. ومن الاستحسان قولهم: رجل غديان وعشيان وقياسه: غدوان وعشوان لأنهما من غدوت وعشوت أنشدنا أبو عليّ: بات ابن أسماء يعشوه ويصبحه ... من هجمة كأشاء النخل درار2 ومثله أيضًا دامت3 السماء تديم ديمًا, وهو من الواو, لاجتماع العرب طرًّا على " الدوام " و "هو أدوم من كذا ". ومن ذلك ما يخرج تنبيهًا على أصل بابه نحو استحوذ وأَغْيَلَتِ المرأة، و: صددتَ فأطوَلْتَ الصدود 4 ...

_ 1 الضمير في "به" يعود على البدل. 2 قائله قرط بن التوأم اليشكري ولم أقف لهذا الشاعر على ترجمة. وفي العمدة ذكر التوأم اليشكري مع امرئ القيس في إجازة أبيات. والبيت في إصلاح المنطق طبعة المعارف 222 وفي شواهد ابن السيرافي عليه "الورقة 138 ب". وفيهما: "كان" بدل "بات"، ويقول ابن السيرافي: "ويروي "كان ابن شماء" يذكر تله لبني مطر، وإغارته عليهم. وميار: اسم فرس. يقول: افتدوا مني بهذا الفرس. وكان ابن أسماء يعشو هذا الفرس: أي يعشيه: يسقيه اللبن بالعشي، ويصبحه: يسقيه في الصباح اللبن ... وإذا سقي الفرس اللبن وربي عليه كان أنفع له، وأسرع في عدوه، ويقول الصاغاني في التكملة "صبح" بعد أن أورد عن الصحاح البيت كما ورد في الإصلاح، "وإنما هو" "كان ابن شماء" واسمه شرسفة بن خليف فارس ميار. قتله قرط بن التوأم اليشكري، والبيت لقرط"، والهجمة: القطعة من الإبل، ما بين الثلاثين والمائة. والأشاء: صغار النخل. ويروى "كفسيل النخل". "ودرار" نعت هجمة: كثيرة الدر: وهو اللبن. 3 أي كان مطرها ديمة، وهو مطر خفيف لا برق فيه ولا رعد، تدوم به السماء. 4 هذا بعض البيت: صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم وقد نسب هذا البيت في الكتاب 1/ 12 إلى عمر بن أبي ربيعة ونسبه الأعلم إلى المزار الفقعسي، وهو ما في شرح المغني للبغدادي في مبحث "ما" وفي كناية الأسير على المغني في هذا المبحث، وما في الخزانة 4/ 289. وهذا البيت أحد أبيات أربعة، وقبله: صرمت ولم يصرم وأنت صروم ... وكيف تصابي من يقال حليم

وقالوا1: هذا شراب مبولة2، وهو مطيبة للنفس، وقالوا: فإنه3 أهل لأن يؤكرما ونظائره كثيرة غير أن ذلك يخرج ليعلم به أن أصل استقام استقوم وأصل مقامة مقومة وأصل يحسن يؤحسن. ولا يقاس هذا ولا ما قبله لأنه لم تستحكم علته وإنما خرج تنبيهًا وتصرفًا واتساعًا.

_ = وبعده: وليس الغواني للجفاء ولا الذي ... له عن تقاضي دينهن هموم ولكنما يستنجز الوعد تابع ... هواهن حلاف لهن أثيم قال أبو محمد الأعرابي: "يقول: صرمت، ولم تصرم صرم بنات، ولكن صرم دلال؛ يخاطب نفسه ويلومها على طول الصدود. أي لا يدوم وصال الغواني إلا لمن يلازمهن ويخضع لهن، فسر ذلك بالبيتين بعدهما". انظر الخزانة في الموطن السابق. ومنه يعلم أن التاء في "صددت" وقوله: "فأطولت" مفتوحة؛ لقوله قبل: "صرمت ولم تصرم". 1 سقط في ش, ب، د، هـ. 2 في اللسان: "كثرة الشراب مبولة" وقد أنكر الشيخ سيد المرصفي لهذا على ابن جني ما أورده، وقال: "هذا ما يقول ابن جني. وكلام العرب: كثرة الشراب مبولة"، وفي ابن يعيش على المفصل "مبحث الواو والياء عينين": "وحكى أبو زيد: هذا شيء مطيبة للنفس، وهذا شراب مبولة". 3 هذا شطر بيت من الرجز. قال البغدادي في شرح شواهد الشافية 58: "وقد بالغت في مراجعة المواد والمظان فلم أجد قائله ولا تتمته".

باب في تخصيص العلل

باب في تخصيص العلل1: اعلم أن محصول مذهب أصحابنا ومتصرف2 أقوالهم مبني على جواز تخصيص العلل. وذلك أنها وإن تقدمت علل الفقه فإنها أو أكثرها إنما تجري مجرى

_ 1 هذا البحث مستعار في العربية من أصول الفقه، ومحل تخصيص العلة أن يتخلف الحكم مع وجود العلة. ومن أمثلة هذا في الفقه أن يعلل الربا بالطعم، فيورد على هذا العرايا، وهي بيع الرطب بالتمر، والعنب بالزبيب، ففيها الطعم، والتعاوض فيها مع جهل التماثل ليس بحرام في مقدار معين مبين في الفروع. فقد وجدت العلة وتخلف الحكم. ويختلف الفقهاء في هذا: فمنهم من يراه قدحا في العلة، ويسميه نقضا, ومنهم من لا يراه نقضا، ويعود به على العلة بالتخصيص. وقد ذكر السيوطي في الاقتراح هذا البحث في باب "القوادح في العلة". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "تصرف".

التخفيف والفرق, ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنًا -وإن كان على غير قياس- ومستثقلا؛ ألا تراك لو تكلفت تصحيح فاء ميزان وميعاد لقدرت على ذلك1، فقلت: مِوزان ومِوعاد. وكذلك لو آثرت تصحيح فاء موسر, ومُوقن, لقدرت على ذلك فقلت: ميسر, وميقن. وكذلك لو نصبت الفاعل ورفعت المفعول أو ألغيت العوامل: من الجوار والنواصب والجوازم لكنت مقتدرًا على النطق بذلك2، وإن نفى القياس تلك الحال. وليست كذلك علل المتكلمين لأنها لا قدرة على غيرها ألا ترى أن اجتماع السواد والبياض في محل واحد ممتنع لا مستكره وكون الجسم متحركًا ساكنًا في حال واحدة فاسد. لا طريق إلى ظهوره ولا إلى تصوره. وكذلك ما كان من هذا القبيل. فقد ثبت بذلك تأخر علل النحويين عن علل المتكلمين وإن تقدمت علل المتفقهين. ثم اعلم من بعد هذا أن علل النحويين على ضربين: أحدهما ما لا بد منه فهو لاحق بعلل المتكلمين وهو قلب الألف واوًا لانضمام ما قبلها وياء لانكسار ما قبلها نحو ضورب وقراطيس وقد تقدم ذكره. ومن ذلك امتناع الابتداء بالساكن وقد تقدم ما فيه. ثم يبقى النظر فيما بعد فنقول: إن هذه العلل التي يجوز تخصيصها كصحة الواو إذا اجتمعت مع الياء وسبقت الأولى منهما بالسكون؛ نحو حيوة وعوى الكلب عوية, ونحو صحة الواو, والياء في نحو غزوا ورميا, والنزوان, والغليان, وصحة الواو في نحو اجتوروا, واعتونوا, واهتوشوا3،

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ذاك". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "بذاك". 3 يقال تهوش القوم، وتهاوشوا: اختلطوا. ولم أنف في اللسان والقاموس على "اهتوش".

إنما اضطر القائل بتخصيص العلة فيها وفي أشباهها؛ لأنه لم يحتط في وصف العلة ولو قدم الاحتياط فيها لأمن الاعتذار بتخصيصها. وذلك أنه إذا عقد هذا الموضع قال في علة قلب الواو والياء ألفًا: إن الواو والياء متى تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين1، نحو قام وباع, وغزا, ورمى, وباب, وعاب, وعصا, ورحى, فإذا أدخل2 عليه فقيل له: قد صحتا في نحو غزوا, ورميا, وغزوان, وصميان3, وصحت الواو خاصة في نحو اعتونوا, واهتوشوا أخذ يتطلب ويتعذر فيقول: إنما صحتا في نحو رميا, وغزوا مخافة أن تقلبا ألفين فتحذف إحداهما فيصير اللفظ بهما: غزا ورمى فتلتبس التثنية بالواحد. وكذلك لو قلبوهما ألفين في نحو نفيان ونزوان لحذفت إحداهما فصار اللفظ بهما نفان ونزان فالتبس فعلان مما لامه حرف علة بفعال مما لامه نون. وكذلك يقولون 4: صحت الواو في نحو اعتونوا واهتوشوا لأنهما في معنى ما لا بد من صحته أعني تعاونوا وتهاوشوا. وكذلك يقولون: صحتا في نحو عور وصيد لأنهما في معنى اعور واصيد وكذلك يقولون في نحو بيت5 الكتاب: وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "ألقا". 2 أي أورد عليه دخل، وهو الفساد والعيب. وهذا التعبير كقول المتأخرين، اعترض عليه. 3 الصميان من الرجال: الشديد. وفي ش زيادة: "ورميان" وتأخير" غزوان". 4 كذا في أ. وسقط لفظ "يقولون" في ش، ب. 5 لم أقف على هذا البيت في الكتاب. وهو ينسب إلى الفرزدق، ولكن لم أقف له على صلة في ديوانه. وقد نسبه إليه مفردا المبرد في الكامل 1/ 127 طبعة المرصفي، وابن رشيق في العمدة في "باب الوحشي المتكلف, والركيك المستضعف" وأبو الفرج في الأغاني ج19 ص15 طبعة بولاق ببعض مخالفة في الشطر الأول. وهو من شواهد البلاغة، يذكر شاهدا التعقيد اللفظي، وقد أورده صاحب معاهد التنصيص، ولم يذكر صلته مع إطنابه في ترجمة الفرزدق.

إنما جاز ما فيه من الفصل " بين ما لا يحسن"1 فصله لضرورة الشعر. وكذلك ما جاء من قصر الممدود ومد المقصور وتذكير المؤنث وتأنيث المذكر ومن وضع الكلام في غير موضعه يحتجون في ذلك وغيره بضرورة الشعر ويجنحون2 إليها مرسلة غير متحجرة وكذلك ما عدا هذا: يسوون بينه ولا يحتاطون فيه فيحرسوا أوائل التعليل له. وهذا هو الذي نتق3 عليهم هذا الموضع حتى اضطرهم إلى القول بتخصيص العلل وأصارهم إلى حيز التعذر والتمحل. وسأضع في ذلك رسمًا يقتاس فينتفع به بإذن الله ومشيئته. وذلك أن نقول في علة قلب الواو والياء ألفًا: إنهما متى تحركتا حركة لازمة وانفتح ما قبلهما وعرى الموضع من اللبس أو أن يكون في معنى ما لا بد من صحة الواو والياء فيه, أو أن يخرج على الصحة منبهة على أصل بابه, فإنهما يقلبان ألفًا. ألا ترى أنك إذا احتطت في وصف العلة بما ذكرناه سقط عنك الاعتراض عليك بصحة الواو والياء في حوبة وجيل إذ كانت الحركة فيهما عارضة غير لازمة، إنما هي منقولة إليهما من الهمزة المحذوفة للتخفيف في حوأبة4 وجيأل5. وكذلك يسقط عنك الإلزام لك بصحة الواو والياء في نحو قوله تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} وفي قولك في تفسير قوله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "مما لا يحسن". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "يحنجون" وهو تصحيف. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فتسق" وننسق الشيء: حركه، وجذبه. وفتقه: فتحه وأبدى عنه وقد كان مستورا. 4 يقال. دلو حوأبة: ضخمة. وهو تركيب "ح أب" فوزنه فوعلة. 5 الجيأل: الضبع.

وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ} : معناه: أي امشوا. فتصح الياء والواو متحركتين مفتوحًا ما قبلهما من حيث كانت الحركة فيهما لالتقاء الساكنين فلم يعتد لذلك. وكذلك يسقط عنك الاعتراض بصحة الواو والياء في عور وصيد, بأنهما في معنى ما لا بد فيه من صحة الواو والياء وهما اعور واصيد. وكذلك صحت في نحو اعتونوا وازدوجوا لما كان1 في معنى ما لا بد فيه من صحتها وهو تعاونوا وتزاوجوا. وكذلك صحتا في كروان وصميان مخافة أن يصيرا من مثال فعلان واللام معتلة إلى فعال واللام صحيحة وكذلك صحتا في رجل سميته بكروان, وصميان ثم رخمته ترخيم قولك يا حار فقلت: يا كرو ويا صمى لأنك2 لو قلبتهما فيه فقلت: يا كرا ويا صما لالتبس فعلان بفعل ولأن الألف والنون فيهما مقدرتان أيضًا فصحتا كما صحتا وهما موجودتان. وكذلك صحت أيضًا الواو والياء في قوله عز اسمه: {وَعَصَوُا الرَّسُولَ} وقوله تعالى {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} من حيث كانت الحركة عارضة لالتقاء الساكنين غير لازمة. وكذلك صحتا في القود والحوكة والغيب تنبيهًا على أصل باب ودار وعاب. أفلا ترى إلى احتياطك في العلة كيف أسقط عنك هذه الالتزامات كلها ولو لم تقدم الأخذ بالحزم لاضطررت إلى تخصيص العلة وأن تقول: هذا من أمره ... ، وهذا من حاله ... ، والعذر في كذا وكذا ... ، وفي كذا وكذا ... ،

_ 1 أي نحو اعتونوا وازدوجوا. 2 كان من الخير له أن يحذف هذا الوجه من التعليل ويقتصر على ما بعده؛ فإن ما ذكر يقضي بألا يقال: باكرا، وياصما، عند الترخيم على لغة الاستقلال؛ لئلا يلتبس فعلان بفعل وهذا لم يمنع في النحو. وانظر الأشموني في مبحث "الترخيم".

وأنت إذا قدمت ذلك الاحتياط لم يتوجه عليك سؤال؛ لأنه متى قال لك: فقد صحت الياء والواو في جيل وحوبة, قلت: هذا سؤال يسقطه ما تقدم, إذ كانت الحركة عارضة لا لازمة ولو لم تحتط بما قدمت لأجاءتك الحال إلى تمحل الاعتذار. وهذا عينه موجود في العلل الكلامية ألا ترى أنك تقول في إفساد اجتماع الحركة والسكون على المحل الواحد: لو اجتمعا لوجب أن يكون المحل الواحد ساكنًا متحركًا في حال واحدة ولولا قولك: في حال واحدة لفسدت العلة ألا ترى أن المحل الواحد قد يكون ساكنًا متحركًا في حالين اثنين. فقد علمت بهذا وغيره مما هو جار مجراه قوة الحاجة إلى الاحتياط في تخصيص العلة. فإن قلت: فأنت إذا حصل عليك هذا الموضع لم1 تلجأ في قلب الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما ألفين إلا إلى الهرب من اجتماع الأشباه وهي حرف العلة والحركتان اللتان اكتنفتاه وقد علم مضارعة الحركات لحروف, اللين وهذا أمر موجود في قام, وخاف, وهاب كوجوده في حوِل, وعوِر, وصيِد, وعيِن؛ ألا ترى أن أصل خاف وهاب: خوِف وهَيِب فهما في الأصل كحول وصيد, وقد تجشمت في حول وصيد من الصحة ما تحاميته في خوف وهيب. فأما احتياطك بزعمك في العلة بقولك: إذا عري الموضع من اللبس، وقولك: إذا2

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ولم". 2 كذا في الأصول، ولو جرى على نسق ما قبله في ذكر شروط القلب لقال: إذا لم يكن في معنى ما لا بد من صحته، ولم تكن الحركة لازمة. وكأنه يريد: وقولك: إذا كان في معنى ما لا بد من صحته فلا قلب، وقولك وكانت الحركة غير لازمة فلا قلب. فحذف الجواب وهو مراد.

كان في معنى ما لا بد من صحته وقولك: وكانت الحركة غير لازمة فلم نرك أوردته إلا لتستثنى به ما يورده الخصم عليك: مما صح من الياء والواو وهو متحرك وقبله فتحة. وكأنك إنما جئت إلى هذه الشواذ التي تضطرك إلى القول بتخصيص العلل فحشوت بها حديث علتك لا غير, وإلا فالذي أوجب القلب في خاف وهاب من استثقال حرفي اللين متحركين مفتوحًا ما قبلهما موجود البتة في حول وصيد وإذا كان الأمر كذلك دل على انتقاض العلة وفسادها. قيل: لعمري إن صورة حول وصيد لفظًا هي صورة خوف وهيب إلا أن هناك من بعد هذا فرقًا وإن صغر في نفسك وقل في تصورك وحسك فإنه معنى عند العرب مكين في أنفسها متقدم في إيجابه التأثير الظاهر عندها. وهو ما أوردناه وشرطناه: من كون الحركة غير لازمة وكون الكلمة في معنى ما لا بد من صحة حرف لينه ومن تخوفهم التباسه بغيره فإن العرب -فيما أخذناه عنها وعرفناه من تصرف مذاهبها- عنايتها بمعانيها أقوى من عنايتها بألفاظها. وسنفرد لهذا بابًا نتقصاه فيه بمعونة الله. أولا تعلم عاجلا إلى أن تصير إلى ذلك الباب آجلا أن سبب إصلاحها ألفاظها وطردها إياها على المثل والأحذية1 التي قننتها لها وقصرتها عليها إنما هو لتحصين2 المعنى وتشريفه والإبانة عنه وتصويره, ألا ترى أن استمرار رفع الفاعل ونصب المفعول إنما هو للفرق بين الفاعل والمفعول وهذا الفرق أمر معنوي أصلح اللفظ له وقيد مقادة الأوفق من أجله. فقد علم بهذا أن زينة الألفاظ وحليتها لم يقصد بها إلا تحصين المعاني وحياطتها. فالمعنى إذًا هو المكرم المخدوم, واللفظ هو المبتذل الخادم.

_ 1 جمع الحذاء ككتاب. وهو في الأصل مصدر حذا الشيء: قدره. وأريد به ما يقدر عليه الشيء كالقالب، فيراد به هنا المثل والموازين التي قدرت عليها الألفاظ. 2 كذا في الأصول. والأسوغ: "تحصين".

وبعد فإذا جرت العادة في1 معلولها، واستتبت على منهجها وأمها قوي حكمها واحتمى جانبها, ولم يسع أحدًا أن يعرض لها إلا بإخراجه2 شيئًا إن قدر على إخراجه منها. فأما أن يفصلها ويقول: بعضها هكذا, وبعضها هكذا فمردود عليه, ومرذول عند أهل النظر فيما جاء به. وذلك أن مجموع ما يورده المعتل بها هو حدها ووصفها فإذا انقادت وأثرت وجرت في معلولاتها فاستمرت لم يبق على بادئها, وناصب نفسه للمراماة عنها, بقية فيطالب بها, ولا قصمة3 سواك4 فيفك يد ذمته عنها. فإن قلت: فقد قال الهذلي:.... .... ...."5. فقد كنت قلت في هذه اللفظة6 في كتابي في ديوان هذيل: إنه إنما أعلت7 هذه العين هناك ولم تصح كما صحت عين اجتوروا واعتونوا من حيث كان ترك قلب الياء ألفًا أثقل عليهم من ترك قلب الواو ألفًا لبعد ما بين الألف والواو وقربها من الياء وكلما تدانى الحرفان أسرع انقلاب أحدهما إلى صاحبه وانجذابه نحوه وإذا تباعدا كانا بالصحة والظهور قمنًا 8. وهذا -لعمري- جواب جرى هناك

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "على". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "بإخراجه منها شيئًا". 3 قصمة السواك: الكسرة منه. 4 كذا في أ، وفي ب: "سؤال" وفي ش: "سوال". 5 بياض بالأصل، وفي نسخة المتحف البريطاني "فإن قلت: فقد قال الهذلي: استافوا في معنى استيفوا". وفي بيت الهذلي الذي سقط فما بين أيدينا من الأصول فيه "استاف" في معنى "تسايفوا" ولم أعثر على البيت بعد طول البحث وسبب ذلك أن شعر الهذليين لم يصلنا كله. وفي ج: "فإن قيل: فقد قلت في كتابك من ديوان هذيل إنه إنما أعلت عين "استاف" ولم تصح ... " ويبدو لي أن ابن جني لم يورد البيت بتمامه وإنما أورد موضع الشاهد وهو "استافوا" كما في نسخة المتحف البريطاني، وأن بعض النساخ ظن أنه أورد البيت فبيض له. 6 يريد استاف. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "اعتلت". 8 أي حربين، وأفرد لأنه في الأصل مصدر.

على مألوف العرف في تخصيص العلة. فأما هذا الموضع فمظنة من استمرار المحجة واحتماء العلة. وذلك أن يقال: إن استاف هنا لا يراد به تسايفوا أي تضاربوا بالسيوف فتلزم صحته كصحة عين تسايفوا كما لزمت صحة اجتوروا لما كان في معنى ما لا بد من صحة عينه وهو تجاوروا بل تكون استافوا هنا: تناولوا سيوفهم وجردوها. ثم يعلم أنهم تضاربوا مما دل عليه قولهم: استافوا فكأنه من باب الاكتفاء بالسبب عن المسبب كقوله: ذر الآكلين الماء ظلمًا فما أرى ... ينالون خيرًا بعد أكلهم الماء1 يريد قومًا كانوا يبيعون الماء فيشترون بثمنه ما يأكلونه فاكتفى بذكر الماء الذي هو سبب المأكول2 من ذكر المأكول. فأما تفسير أهل اللغة أن استاف القوم في معنى تسايفوا فتفسير على المعنى كعادتهم في أمثال ذلك ألا تراهم قالوا في قول الله عز وجل: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} : إنه بمعنى مدفوق, فهذا -لعمري- معناه غير أن طريق الصنعة فيه أنه ذو دفق كما حكاه الأصمعي عنهم من قولهم: ناقة ضارب إذا ضربت3 وتفسيره أنها ذات ضرب أي ضربت. وكذلك قوله تعالى {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي لا ذا عصمة وذو العصمة يكون مفعولا كما يكون فاعلا فمن هنا قيل: إن معناه: لا معصوم. وكذلك قوله: لقد عيل الأيتام طعنة ناشره ... أناشر لا زالت يمينك آشره4

_ 1 في اللسان "أكل": "من الآكلين" بدل "ذر الآكلين". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "من المأكول". وفي عبارة اللسان في أكل: "عن ذكر المأكول". 3 أي ضربها الفحل، وذلك أن ينزو عليها. 4 قال ابن السيرافي في شرح شواهد إصلاح المنطق 1/ 33: "ناشرة هذا من بين تغلب، وكان في بني شيبان مقامه، فكان همام بن مرة بن ذهل بن شيبان رباه. ووقعت حرب البسوس بين بكر وتغلب وناشرة هذا مع همام بن مرة. =

أي ذات أشر, والأشر: الحز والقطع, وذو الشيء قد يكون مفعولا كما يكون فاعلا وعلى ذلك عامة باب طاهر وطالق وحائض وطامث ألا ترى أن معناه: ذات طهر وذات طلاق وذات حيض وذات طمث. فهذه ألفاظ1 ليست جارية على الفعل, لأنها لو جرت عليه للزم إلحاقها تاء التأنيث كما لحقت نفس الفعل. وعلى هذا قول الله تعالى {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي ذات رضا فمن هنا صارت بمعنى مرضية. ولو جاءت مذكرة لكانت كضارب وبازل, كباب حائض وطاهر, إذ الجميع غير جار على الفعل لكن قوله تعالى {رَاضِيَةٍ} كقوله: "لا زالت يمينك آشرة ". وينبغي أن يعلم أن هذه التاء في "راضية " و "آشرة " ليست التاء التي يخرج بها اسم الفاعل على التأنيث لتأنيث الفعل2 من لفظه لأنها لو كانت تلك لفسد القول ألا ترى أنه لا يقال: ضربت الناقة ولا رضيت العيشة. وإذا لم تكن إياها وجب3 أن تكون التي للمبالغة كفروقة, وصرورة, وداهية, وراوية, مما لحقته التاء للمبالغة والغاية. وحسن ذلك أيضًا شيء آخر. وهو جريانها صفة

_ = فلما كان يوم واردات -وهو أحد الأيام التي كانت بين بكر وتغلب فيها حرب- قاتل همام بن مرة قتالا شديدًا، وأبلى وأثخن في بني تغلب ثم عطش فجاء إلى رحله يستسقي وناشرة في رحله. فلما رأى ناشرة غفلته طعنه بحربة فقتله وهرب إلى بني تغلب فقالت نائحة همام تبكيه: لقد عيل الأيتام طعنة ناشرة. ويقال إن أم همام قالت ذلك، وانظر أيضًا اللسان "أشر". 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "الألفاظ". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "ذلك الفعل". 3 الحق أن التاء اللاحقة للوصف إذا كان موضوفه مؤنثا للتأنيث، ولو كان على جهة النسب، وإرادة النسب إنما تجيز التعرية من التأنيث ولا تحتم ذلك, ويقول الشهاب في حواشي البيضاوي 8/ 228. "والحق -كما يفهم من شراح الكتاب- أن ما قصد به النسبة لا يلزم تأنيثه؛ وإن جاء فيه على خلاف الأصل الغالب أحيانا".

على مؤنث, وهي بلفظ الجاري على الفعل, فزاد ذلك فيما ذكرنا, ألا ترى إلى همز حائض وإن لم يجر على الفعل إنما سببه أنه شابه في اللفظ ما اطرد همزه من الجاري على الفعل؛ نحو قائم وصائم وأشباه ذلك. ويدلك على أن عين حائض همزة, وليست ياء خالصة -كما لعله يظنه كذلك ظان- قولهم: امرأة زائر من زيارة النساء وهذا واضح ألا ترى أنه لو كانت العين صحيحة لوجب ظهورها واوًا وأن يقال: زاور. وعليه قالوا: الحائش1، والعائر للرمد, وإن لم يجريا على الفعل لما جاءا مجيء ما يجب همزه وإعلاله في غالب الأمر. نعم وإذا كانوا قد أنثوا المصدر لما جرى وصفًا على المؤنث نحو امرأة عدلة, وفرس طوعة القياد, وقول أمية 2: والحية الحتفة الرقشاء أخرجها ... من جحرها آمنات الله والكلم3 وإذا جاز دخول التاء على المصادر وليست على صورة اسم الفاعل ولا هي الفاعل في الحقيقة, وإنما استهوى لذلك جريها وصفًا على المؤنث كان باب "عيشة راضية " و"يد آشرة " أحرى بجواز ذلك فيه وجريه عليه.

_ 1 انظر ص120 من هذا الجزء. 2 في ج: "ذي الرمة" وهو خطأ. وهو أمية بن أبي الصلت. 3 "جحرها" في هامش أ "وبيتها" ومعنى ذلك أن هناك رواية: "بيتها" بدل "جحرها"، وفي اللسان في "حتف" ضبط "أمنات" جمع أمنة محركا وهي الأمن. وفيه في "عدل" ضبط كما ضبط هنا ويريد بأمنات الله التي تخرج الحية من جحرها القسم الذي يذكره الحاوي ويعزم عليها به لتخرجن والحتف في الأصل الهلاك، وهو مصدر لفعل مهمل ثم يطلق على ما يكون منه الهلاك، فيقال: هذا السبع حتف لمن يلقاه، وهذه العقرب حتف كذلك بالتذكير نظرا لأصله، ولما كثر استعماله وصفا ساغ لأمية أن يلحق به التاء التي تلحق الوصف. وانظر الديوان لأمية المطبوع في بيروت، والحيوان 4/ 187 بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون.

فإن قلت: فقد قالوا في يوجل: ياجل وفي ييأس: ياءس وفي طيئي طائي, وقالوا: حاحيت, وعاعيت, وهاهيت, فقلبوا الياء والواو هنا ألفين وهما ساكنتان وفي هذا نقض لقولك؛ ألا تراك إنما جعلت علة قلب الواو والياء ألفين تلك الأسباب التي أحدها كونهما متحركتين, وأنت تجدهما ساكنتين, ومع ذلك فقد تراهما منقلبتين. قيل: ليس1 هذا نقضًا ولا يراه أهل النظر قدحًا. وذلك أن الحكم الواحد قد يكون معلولا بعلتين ثنتين, وفي وقت واحد تارة وفي وقتين اثنين. وسنذكر ذلك في باب المعلول بعلتين. فإن قلت: فما شرطك واحتياطك في باب قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء في نحو سيد, وهين, وجيد, وشويت شيًّا, ولويت يده ليًّا, وقد تراهم قالوا: حيوة, وضيون, وقالوا عوى الكلب عوية, وقالوا في تحقير أسود وجدول: جديول, وأسيود, وأجازوا قياس ذلك فيما كان مثله: مما واوه عين متحركة أو زائدة قبل الطرف؟ فالذي نقول في هذا ونحوه: أن الياء والواو متى اجتمعتا وسبقت الأولى بالسكون منهما ولم تكن الكلمة2 علمًا، ولا مرادًا بصحة واوها التنبيه على أصول أمثالها ولا كانت تحقيرًا محمولا على تكسير فإن الواو منه تقلب ياء. فإذا فعلت هذا واحتطت للعلة به أسقطت تلك الإلزامات عنك ألا ترى أن " حيوة " علم والأعلام تأتي مخالفة للأجناس في كثير من الأحكام وأن " ضيون" إنما صح لأنه

_ 1 خير من هذا أن يحيل ما أورده السائل على الشذوذ، فلا يرد على التعليل. 2 التعليل القياس في هذا القلب، وحسب العلة أن تكون وافية به. والقلب في العلم وما قصد به التنبيه على الأصل شذوذ فلا يجب أن يراعى في العلة.

خرج على الصحة تنبيهًا على أن أصل سيّد وميّت: سيّود وميّوت. وكذلك "عوية " خرجت سالمة؛ ليعلم بذلك أن أصل لية لوية وأن أصل طية طوية وليعلم أن هذا الضرب من التركيب وإن قل في الاستعمال فإنه مراد على كل حال. وكذلك أجازوا تصحيح نحو أسيود وجديول إرادة للتنبيه على أن التحقير والتكسير في هذا النحو من المُثُل من قبين واحد. فإن قلت: فقد قالوا في العلم أسيد, فأعلوا كما أعلوا في الجنس؛ نحو قوله 1: أسيد ذو خريطة نهارا ... من المتلقطي قرد القمام2 فعن ذلك3 أجوبة. منها أن القلب الذي في أسيد قد كان سبق إليه وهو جنس كقولك: غليم أسيد, ثم نقل إلى العلمية بعد أن أسرع فيه القلب فبقي بحاله،

_ 1 أي الفرزدق. وانظر اللسان "سود" والنقائض طبعة أوروبا 1006، والكتاب 1/ 95. 2 من قصيدته التي مطلعها: ألستم عائجين بنا لعنا ... نرى العرصات أو أثر الخيام وقبله: سيبلغهن وحي القول مني ... ويدخل رأسه تحت القرام فقوله: "أسيد" فاعل "سيبلغهن أي يبلغ اللائي يتحدث عنهن وله هوى فيهن. "وحي القول" ما يحمله من رسالة أو كلام. والقوام: الستر الذي يحجبهن. وقوله "أسيد" يريد "غلام أسود". الخريطة تصغير الخريطة: وهي كالمخلاة يضع فيها ما يلتقط، والقمام، الكناسة، والقرد: ما تليد من الكناسة. يصف أن الغلام الأسود الرسول إلى من يحب لا يؤبه له، فهو قمئ يقم الكناسة، وبذلك يصل إلى هوى الشاعر دون أن يثير انتباه أحد. وانظر في اللسان "سود" رأيا آخر في تفسير البيت يخالف ما أسلفت، وهو غير مرضي. 3 أنت ترى أن ابن جني بنى الاعتراض بأسيد على أنه في البيت علم، وقد أبان عن هذا بما لا يحتمل الشك في عبارته في ج إذ يقول "فإن قلت: فقد قالوا في العلم أسيد، كما قال: أسيد...."، وقد علمت أن "أسيد" في بيت الفرزدق ليس من العلم في شيء، كيف وقد ولد وصفه بقوله: "ذو خريطة" وهذا نكرة لا يوصف به العلم، كما لا يخفى، وبهذا تعلم أن لا وجه لإيراد السؤال، ولا الجواب، بله الأجوبة.

لا أن القلب إنما وجب فيه بعد العلمية وقد كان قبلها -وهو جنس نكرة- صحيحًا. ويؤنس بهذا أيضًا أن الإعلال في هذا النحو هو الاختيار في الأجناس. فلما سبق القلب الذي هو أقوى وأقيس القولين سمي به معلا فبقي بعد النقل على صورته. ومثل ذلك ما نقوله في " عيينة" أنه إنما سمي به مصغرًا فبقي بعد بحاله قبل, ولو كان إنما حقر بعد أن سمي به لوجب ترك إلحاق علامة التأنيث به كما أنك لو سميت رجلًا هندًا ثم حقرت قلت: هنيد: ولو سميته بها محقرة قبل التسمية لوجب أن تقر التاء بحالها فتقول: هذا هنيدة مقبلًا. هذا مذهب الكتاب1، وإن كان يونس يقول بضده. ومنها أنا لسنا نقول: إن كل علم فلا بد من صحة واوه إذا اجتمعت مع الياء ساكنة أولاهما فيلزمنا ما رمت إلزامنا وإنما قلنا: إذا اجتمعت الياء والواو وسبقت الأولى منهما بالسكون ولم يكن الاسم علمًا ولا على تلك الأوصاف التي ذكرنا فإن الواو تقلب ياء وتدغم الياء في الياء. فهذه علة من علل قلب الواو ياء. فأما ألا تعتل الواو إذا اجتمعت مع الياء ساكنة أولاهما إلا من هذا الوجه فلم نقل به. وكيف يمكن أن نقول به وقد قدمنا أن الحكم الواحد قد يكون معلولا بعلتين وأكثر من ذلك وتضمنا أن نفرد لهذا الفصل بابًا! فإن قلت: ألسنا إذا رافعناك في صحة " حيوة " إنما نفزع إلى أن نقول: إنما صحت لكونهما علمًا والأعلام تأتي كثيرًا أحكامها تخالف2 أحكام الأجناس وأنت تروم في اعتلالك هذا الثاني أن تسوي بين أحكامهما وتطرد على سمت واحد كلا منهما.

_ 1 انظر كتاب سيبويه ص137 ج7. 2 كذا في ب، ش. وفي أ: "مخالف" ولا تستقيم هذه الصيغة مع الإخبار عن "أحكامها" فقد كان يجب أن يقال: "مخالفة".

قيل: الجواب الأول قد استمر ولم تعرض1 له، ولا سوغتك الحال الطعن فيه وإنما هذا الاعتراض على الجواب الثاني. والخطب فيه أيسر. وذلك أن لنا مذهبًا سنوضحه في باب يلي هذا وهو حديث الفرق بين علة الجواز وعلة الوجوب. ومن ذلك أن يقال لك: ما علة قلب واو سوط, وثوب, إذا كسرت فقلت: ثياب, وسياط؟. وهذا حكم لا بد في تعليله من جمع خمسة أغراض فإن نقصت واحدًا فسد الجواب, وتوجه عليه الإلزام 2. والخمسة: أن ثيابًا وسياطًا وحياضًا وبابه جمع والجمع أثقل من الواحد وأن عين واحده ضعيفة بالسكون وقد يراعى في الجمع حكم الوحد وأن قبل عينه كسرة وهي مجلبة في كثير من الأمر لقلب الواو ياء وأن بعدها ألفًا والألف شبيهة بالياء وأن لام سوط وثوب صحيحة. فتلك خمسة أوصاف لا غنى3 بك عن واحد منها. ألا ترى إلى صحة خوان, وبوان4, وصوان, لما كان مفردًا لا جمعًا. فهذا باب. ثم5 ألا ترى إلى صحة واو زوجة وعودة, وهي جمع واحد ساكن العين, وهو زوج وعود6، ولامه أيضًا صحيحه وقبلها في الجمع كسرة. ولكن بقي من مجموع العلة أنه لا ألف بعد عينه كألف حياض ورياض. وهذا باب أيضًا

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب، "يعرض". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الكسر بالإلزام". 3 في أ: "غناء" وهو خطأ. 4 البوان: عمود للخباء. 5 انظر في هذا الأسلوب الصفحة 37 من هذا الجزء رقم 2 في التعليقة. 6 هو المسن من الإبل.

ثم ألا ترى إلى صحة طوال وقوام وهما جمعان وقبل عينهما كسرة وبعدهما ألف ولاماهما صحيحتان. لكن بقي من مجموع العلة أن عينه في الواحد متحركة وهي في طويل وقويم. وهذا أيضًا باب. ثم ألا ترى إلى صحة طواء ورواء جمع طيان وريان فيه الجمعية وأن عين واحده ساكنة بل معتلة وقبل عينه كسرة وبعدها ألف. لكن بقي عليك أن لامه معتلة فكرهوا إعلال عينه لئلا يجمعوا بين إعلالين. وهذا الموضع مما يسترسل1 فيه المعتل لاعتلاله فلعله أن يذكر من الأوصاف الخمسة التي ذكرناها وصفين " أو أكثره "2 ثلاثة ويغفل الباقي فيدخل عليه الدخل3 منه فيرى أن ذلك نقض للعلة ويفزع إلى ما يفزع إليه من لا عصمة له ولا مسكة عنده. ولعمري إنه كسر لعلته هو لاعتلالها في نفسها. فأما مع إحكام علة الحكم فإن هذا ونحوه ساقط عنه. ومن ذلك ما يعتقده4 في علة الادّغام. وهو أن يقال: إن الحرفين المثلين إذا كانا لازمين متحركين حركة لازمة, ولم يكن هناك إلحاق ولا كانت الكلمة مخالفة لمثال فعِل وفعُل أو كانت فعَل فعلا5 ولا خرجت منبهة6 على بقية بابها, فإن الأول منها يسكن ويدغم في الثاني. وذلك نحو شد وشلت يده وحبذا

_ 1 أي لا يحتاط، ويلقى في الكلام فيه على عواهنه، من قولهم: استرسل إليه، انبسط إليه واستأنس. 2 كذا في الأصول. وقد يكون الأصل: "أو إن أكثر". 3 الدخل -بتسكين الخاء ويحرك- العيب، ويراد به القدح والنقص. 4 كذا في أ، ش، ب: "يعقده". 5 هو حال من "فعل"، وهو يحترز به عن فعل اسما؛ نحو سبب. 6 هذا الضبط عن أ، وفي ب: "منبهة"، بفتح الأول والثالث وسكون الثاني.

زيد, وما كان عاريًا مما استثنيناه؛ ألا ترى أن شد وإن كان فعَل فإنه فِعل, وليس كطلل, وشرر, وجدد1، فيظهر. وكذلك شلت يده: فَعِلَت. وحبذا زيد أصله حبب ككرم, وقضو الرجل. ومثله شر الرجل من الشر: هو2 فعل لقولهم: شررت يا رجل وعليه جاء رجل شرير كرديء. وعلى ذلك قالوا أجد في الأمر وأسر الحديث واستعد لخلوة مما شرطناه 3. فلو عارضك معارض بقولهم: اصبب الماء, وامدد الحبل, لقلت: ليست الحركتان لازمتين, لأن الثانية لالتقاء الساكنين. وكذلك إن ألزمك ظهور نحو جلبب وشملل: وقعدد، ورمدد4، قلت: هذا كله ملحق، فلذلك ظهر. وكذلك إن أدخل على قولك هما يضربانني, ويكرمانني, ويدخلاننا قلت: سبب ظهوره أن الحرفين ليسا لازمين ألا ترى أن الثاني من الحرفين ليس ملازمًا لقولك: هما يضربان زيدًا ويكرمانك ونحو ذلك. وكذلك إن ألزمك ظهور نحو جُدَد5، وقِدَد6، وسُرُر, قلت: هذا مخالف لمثال فَعُل وفَعِل. فإن ألزمك نحو قول قعنب 7: مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا8

_ 1 هي الأرض الغليظة، أو الأرض الصلبة. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "وهو". 3 أي لعدم الإدغام، كالإلحاق ومخالفة الكلمة لمثال الفعل. 4 يقال: وماد ومدد: إذا كان دقيقا غير متماسك. 5 واحده الجدة، وهي الخطة في ظهر الحمار تخالف لونه. 6 واحده فدة، وهي الفرقة من الناس. 7 هو ابن أم صاحب الغطفاني، من شعراء الدولة الأموية، وانظر اللآلي 362. 8 من قصيدة في مختارات ابن الشجري 8 طبع مصر 1306هـ. وقبله: هل للعواذل من ناه فيزجرها ... إن العواذل منها الجور واللسن اللائمات الفتى في أمره سفها ... وهن بعد ضعيفات القوى وهن وانظر اللسان "ضنن" والكتاب 1/ 11.

وقول العجاج: تشكو الوجى من أظلل وأظلل1 وقول الآخر: وإن رأيت الحجج الرواددا ... قواصرًا بالعمر أو مواددا2 قلت: هذا ظهر على أصله منبهة على بقية بابه فتعلم به أن أصل الأصم أصمم, وأصل صب صبِب, وأصل الدواب والشواب الدوابب والشوابب على ما نقوله في نحو استصوب وبابه: إنما خرج على أصله إيذانًا بأصول ما كان مثله. فإن قيل: فكيف اختصت هذه الألفاظ ونحوها بإخراجها على أصولها3 دون غيرها قيل: رجع الكلام بنا وبك إلى ما كنا فرغنا منه معك في باب استعمال بعض الأصول وإهمال بعضها فارجع إليه4 تره إن شاء الله. وهذا الذي قدمناه آنفًا هو الذي عناه أبو بكر5 رحمه الله بقوله: قد تكون علة الشيء الواحد أشياء كثيرة فمتى عدم بعضها لم تكن علة. قال: ويكون أيضًا عكس هذا وهو أن تكون علة واحدة لأشياء كثيرة. أما الأول فإنه ما نحن بصدده من اجتماع أشياء تكون كلها علة وأما الثاني فمعظمه الجنوح إلى

_ 1 بعده: من طول إملال وظهر أملل وقبله: وكم حسرنا من علاة عنسل ... حرف كقوس الشوحط المعطل وأظلل مفكوك أظل، والأظل ما تحت منسم البعير. وانظر اللسان في "ظلل"، والديوان 47. 2 انظر نوادر أبي زيد 164. وكأن ابن جني يشتق "الروادد" من "ردد" أي من مضعف الثلاثي. ويشتقها الصاغاني في التكملة "رود" من "رود" ويجعل واحد الروادد الرودد، ويفسره بالعاطف، وينشد الرجز. وأياما كان الأمر فالاستشهاد بـ"موادد" لا ريب فيه. 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "أصلها". 4 انظر ص66 من هذا الجزء. 5 هو ابن السراج. والظاهر أن هذا في كتابه "الأصول".

المستخف, والعدول عن المستثقل. وهو أصل الأصول في هذا الحديث وقد مضى صدر منه. وسترى بإذن الله بقيته. واعلم أن هذه المواضع التي ضممتها وعقدت العلة على مجموعها قد أرادها أصحابنا وعنوها, وإن لم يكونوا جاءوا بها مقدمة محروسة فإنهم لها أرادوا وإياها نووا؛ ألا ترى أنهم إذا استرسلوا في وصف العلة وتحديدها قالوا: إن علة شد ومد ونحو ذلك في الادّغام إنما هي اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد. فإذا قيل لهم: فقد قالوا: قعدد وجلبب واسحنكك قالوا: هذا ملحق فلذلك ظهر. وإذا ألزموا نحو اردد الباب واصبب الماء قالوا: الحركة الثانية عارضة لالتقاء الساكنين وليست بلازمة. وإذا أدخل عليهم نحو جدد وقدد وخلل1 قالوا: هذا مخالف لبناء الفعل. وإذا عورضوا بنحو طلل ومدد فقيل لهم: هذا على وزن الفعل قالوا: هو كذلك إلا أن الفتحة خفيفة والاسم أخف من الفعل فظهر التضعيف في الاسم لخفته ولم يظهر في الفعل -نحو قص ونص- لثقله. وإذا قيل لهم: قالوا هما يضربانني وهم يحاجوننا قالوا: المثل الثاني ليس بلازم. وإذا أوجب2 عليهم نحو قوله "وإن ضننوا " ولححت عينه وضبب البلد وألل السقاء قالوا: خرج هذا شاذًّا ليدل على أن أصل قرت عينه قررت وأن أصل حل الحبل ونحوه حلل. فهذا الذي يرجعون إليه فيما بعد متفرقًا قدمناه نحن مجتمعًا.

_ 1 كذا في ش. وفي أ: "حلل". والخلل جمع الخلة. وهو من النبات والمرعى ما كان فيه خلاوة. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "وجب".

وكذلك كتب محمد1 بن الحسن رحمه الله إنما ينتزع2 أصحابنا3 منها العلل4، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه, فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفة والرفق. ولا تجد له علة في شيء من كلامه مستوفاة محررة. وهذا معروف من هذا الحديث عند الجماعة غير منكور. الآن قد أريتك بما مثلته لك من الاحتياط في وضع العلة كيف حاله, والطريق إلى استعمال مثله فيما عدا ما أوردته وأن تستشف5 ذلك الموضع فتنظر إلى آخر ما يلزمك إياه الخصم فتدخل الاستظهار بذكره في أضعاف ما تنصبه من علته لتسقط عنك فيما بعد الأسولة6 والإلزامات التي يروم مراسلك الاعتراض بها عليك والإفساد لما قررته من عقد علتك. ولا سبيل إلى ذكر جميع ذلك لطوله ومخافة الإملال ببعضه. وإنما تراد المثل ليكفي قليلها من كثير غيرها, ولا قوة إلا بالله.

_ 1 هو صاحب أبي حنيفة، وصاحب الكتب النادرة في الفقه، منها الجامع الكبير، والجامع الصغير. وهو ابن خالة الفراء، ويروي عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: ما رأيت سمينا ذكيا إلا محمد بن الحسن. مات بالري سنة 198 في اليوم الذي مات فيه الكسائي. وقيل إن الرشيد قال: دفعت الفقه والعربية بالري. انظر ابن خلكان. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "ينزع". 3 يريد الحنفية، وكان ابن جني حنفيا، وكان ينصر الحنفية على الشافعية. وانظر من أمثلة هذا كلامه في الترتيب في الوضوء في حرف الواو من سر الصناعة؛ وكلامه في إفادة الهاء للتبعيض، في الكتاب السابق. 4 يريد علل الفقه، وقد ساق في الاقتراح هذا النص عن ابن جني، وزاد شارحه ابن علان بعد "العلل" كلمة "النحوية" وهي زيادة لا وجه لها ولا يعني هذا ابن جني. إنما يعني أنه جمع عناصر العلة فيما ذكر من كلام أصحابه النحويين وقد كانت منثورة فيه، كما كان أصحاب محمد بن الحسن مجمعون العلل الفقهية من كلامه. فله في النحو أسوة بأصحابه في الفقه. 5 استشف الشيء: نظر ما وراءه. 6 كذا في الأصول الثلاثة. وهي لغة صحيحة. وانظر ص94 من هذا الجزء.

باب ذكر الفرق بيت العلة الموجبة، وبين العلة المجوزة

باب ذكر الفرق بيت العلة الموجبة، وبين العلة المجوزة ... باب ذكر الفرق بين العلة الموجبة، وبين العلة المجوزة: اعلم أن أكثر العلل عندنا مبناها على الإيجاب بها كنصب الفضلة أو ما شابه1 في اللفظ الفضلة, ورفع المبتدأ؛ والخبر, والفاعل, وجر المضاف إليه, وغير ذلك. فعلل هذه الداعية إليها موجبة لها, غير مقتصر بها على تجويزها2؛ وعلى هذا مقاد كلام العرب. وضرب آخر يسمى علة, وإنما هو في الحقيقة سبب يجوز ولا يوجب 4. من ذلك الأسباب الستة الداعية إلى الإمالة هي علة الجواز لا علة الوجوب ألا ترى أنه ليس في الدنيا أمر يوجب الإمالة لا بد منها وأن كل ممال لعلة من تلك الأسباب5 الستة لك أن تترك إمالته مع وجودها فيه. فهذه إذًا علة الجواز لا علة الوجوب. ومن ذلك أن يقال لك: ما علة قلب واو " أقتت " همزة؟ فتقول: علة ذلك أن الواو انضمت ضمًّا لازمًا. وأنت مع هذا تجيز ظهورها واوًا غير

_ 1 وذلك كخير كان ومفعولي ظن. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تجوزها". 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "مفاد" بالفاء، وكذا ورد في العبارة المنقولة في الاقتراح، وقال ابن علان في شرحه: "بضم الميم أي إفادة". 4 قال في الاقتراح عقب هذا الكلام: "فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب، وأن ما كان موجبا يسمى علة، وما كان مجوزا يسمى سببا" قال ابن علان في شرح الافتراح: "ما كان موجبا للحكم يسمى علة؛ لأن ذلك شأنها: أنه يجب مطولها عند وجودها إن لم يوجد مانع. وما كان مجوزا يسمى سببا؛ لأن المسبب قد يتخلف عن السبب لفقد سبب عند تعدد الأسباب أو لوجود مانع" وفي هامشه: "لأن السبب قد يعارضه ما يمنع الوجوب؛ كوجود الراحلة: من أسباب جواز الحج لا وجوبه". 5 هي انقلاب الألف عن الياء، وصيرورتها إلى الياء، وكونها بدلا عن مكسور من واو أو ياء، ووجود يا. قبلها أو بعدها، ووجود كسرة قبلها أو بعدها، والتناسب. وانظر الأشموني مبحث الإمالة، وشرح ابن يعيش 9/ 55.

مبدلة, فتقول: وقتت. فهذه علة الجواز إذًا لا علة الوجوب. وهذا وإن كان في ظاهر ما تراه1 فإنه معنى صحيح وذلك أن الجواز معنى تعقله النفس؛ كما أن الوجوب كذلك فكما أن هنا علة للوجوب فكذلك هنا علة للجواز. هذا أمر لا ينكر، ومعنى مفهوم لا يتدافع. ومن علل الجواز أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم2 الكلام بها وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى فتكون حينئذ مخيرًا في جعلك تلك النكرة -إن شئت- حالا -وإن شئت- بدلا؛ فتقول على هذا: مررت بزيد رجل صالح على البدل وإن شئت قلت: مررت بزيد رجلا صالحًا على الحال. أفلا ترى كيف كان وقوع النكرة عقيب المعرفة على هذا الوصف علة لجواز كل واحد من الأمرين لا علة لوجوبه. وكذلك كل ما جاز لك فيه من المسائل الجوابان, والثلاثة, وأكثر من ذلك على هذا الحد فوقوعه عليه علة لجواز ما جاز منه لا علة لوجوبه. فلا تستنكر هذا الموضع. فإن قلت: فهل تجيز أن يحل السواد محلًا ما فيكون ذلك علة لجواز اسوداده لا لوجوبه؟ قيل: هذا في هذا ونحوه لا يجوز بل لا بد من اسوداده3 البتة، وكذلك البياض والحركة والسكون ونحو ذلك متى حل شيء منها في محل لم يكن له بد من وجود حكمه فيه ووجوبه البتة له لأن هناك أمرًا لا بد من ظهور أثره. وإذا تأملت ما قدمناه رأيته عائدًا إلى هذا الموضع غير مخالف له ولا بعيد عنه وذلك أن وقوع النكرة4 تلية المعرفة -على ما شرحناه من تلك الصفة- سبب لجواز

_ 1 كذا في الأصول. ويبدوا أن هنا سقطا، والأصل: "وإن كان ظاهر ما تراه شنيعا". ويدل عليه قوله في الصفحة التالية: "فقد زالت عنك إذًا شناعة هذا الظاهر". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تم". 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "اسوداد به". 4 أي تابعة لها، من تلاه: تبعه. ويقال: وقع كذا تليه كذا أي عقبه.

الحكمين اللذين جازا فيه فصار مجموع الأمرين في وجوب جوازهما كالمعنى المفرد الذي استبد به ما أريتناه: من تمسكك1 بكل واحد من السواد والبياض والحركة والسكون. فقد زالت عنك إذًا شناعة هذا الظاهر وآلت بك الحال إلى صحة معنى ما قدمته: من كون الشيء علة للجواز لا للوجوب. فاعرف ذلك وقسه فإنه2 باب واسع.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "تمثيلك". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "وإنه".

باب في تعارض العلل

باب في تعارض العلل: الكلام في هذا المعنى من موضعين: أحدهما الحكم الواحد تتجاذب1كونه2 العلتان أو أكثر منهما. والآخر الحكمان في الشيء الواحد المختلفان دعت إليهما علتان مختلفتان. الأول منهما كرفع المبتدأ فإننا نحن نعتل لرفعه بالابتداء على ما قد بيناه وأوضحناه من شرحه وتلخيص معناه. والكوفيون يرفعونه إما بالجزء الثاني الذي هو مرافعه3عندهم: وإما بما يعود عليه من ذكره على حسب مواقعه 4. وكذلك رفع الخبر ورفع الفاعل, ورفع ما أقيم مقامه ورفع خبر إن وأخواتها. وكذلك نصب ما انتصب وجر ما انجر وجزم ما انجزم مما يتجاذب الخلاف في علله. فكل واحد من هذه الأشياء له حكم واحد تتنازعه العلل على ما هو مشروح من حاله في أماكنه.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "تجاذب". 2 أي وجوده وحصوله. 3 يريد بذلك أن الخبر والمبتدأ يترافعان، فالمبتدأ برفع الخبر؛ والخبر يرفع المبتدأ. 4 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "مرافعه".

وإنما غرضنا أن نرى هنا جملة1، لا أن نشرحه ولا أن نتكلم على تقوية ما قوي منه وإضعاف ما ضعف منه. الثاني منهما الحكمان في الشيء الواحد المختلفان دعت إليهما علتان مختلفتان؛ وذلك كإعمال أهل الحجاز ما النافية للحال, وترك بني تميم إعمالها وإجرائهم إياها مجرى "هل " ونحوها مما لا يعمل فكأن أهل الحجاز لما رأوها داخلة على المبتدأ والخبر دخول ليس عليهما ونافية للحال نفيها إياها أجروها في الرفع والنصب مجراها إذا اجتمع فيها الشبهان بها 2. وكأن بني تميم لما رأوها حرفًا داخلا بمعناه على الجملة المستقلة بنفسها ومباشرة لكل واحد من جزأيها كقولك: ما زيد أخوك, وما قام زيد, أجروها مجرى " هل " ألا تراها داخلة على الجملة لمعنى النفي دخول " هل"؛ عليها للاستفهام ولذلك كانت عند سيبويه3 لغة التميميين أقوى قياسًا من لغة الحجازيين. ومن ذلك "ليتما "؛ ألا ترى أن بعضهم يركبهما4 جميعًا فيسلب بذلك "ليت " عملها وبعضهم يلغي5 "ما " عنها, فيقر عملها عليها: فمن ضم "ما " إلى "ليت " وكفها بها عن عملها ألحقها بأخواتها: من "كأن " و "لعل " و "لكن " وقال أيضًا: لا تكون "ليت " في وجوب العمل بها أقوى من الفعل "و "6 قد نراه إذا كف بـ"ما " زال عنه عمله وذلك كقولهم: قلما يقوم زيد فـ"ما "

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "جملة". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "منها". 3 إذ يقول في الكتاب 1/ 28 في الحديث عن "ما": "وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، وهو القياس، لأها ليست بفعل، وليس ما كليس، ولا يكون فيها إضمار. 4 أي يركب "ليت" و"ما". 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "يلقى". 6 زيادة في أ.

دخلت على "قل " كافة لها عن عملها, ومثله كَثُر ما, وطالما, فكما دخلت "ما " على الفعل نفسه فكفته عن عمله وهيأته لغير ما كان قبلها متقاضيًا له كذلك تكون ما كافة ل" ليت" عن عملها ومصيرة لها إلى جواز وقوع الجملتين جميعًا بعدها ومن ألغى "ما " عنها وأقر عملها جعلها كحرف الجر في إلغاء "ما " معه نحو قول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} وقوله: {عَمَّا قَلِيلٍ} و {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} ونحو ذلك, وفصل بينها1 وبين "كأن " , و "لعل " بأنها أشبه بالفعل منهما2؛ ألا تراها مفردة وهما مركبتان؛ لأن الكاف زائدة واللام زائدة. هذا طريق اختلاف العلل لاختلاف الأحكام في الشيء الواحد, فأما أيها أقوى, وبأيها يجب أن يؤخذ؟ فشيء آخر ليس هذا موضعه, ولا وضع هذا الكتاب3 له. ومن ذلك اختلاف أهل الحجاز وبني تميم في هلم. فأهل الحجاز يجرونها مجرى صه, ومه, ورويد, ونحو ذلك مما سمي به الفعل, وألزم طريقًا واحدًا. وبنو تميم يلحقونها علم التثينة والتأنيث والجمع, ويراعون أصل ما كانت عليه لم. وعلى هذا مساق جميع ما اختلفت العرب فيه. فالخلاف إذًا بين العلماء أعم منه بين العرب. وذلك أن العلماء اختلفوا في الاعتلال لما اتفقت العرب عليه كما اختلفوا4 أيضًا فيما اختفلت العرب فيه وكل ذهب مذهبًا وإن كان بعضه قويًا وبعضه ضعيفًا.

_ 1 كذا في أ، ب، وفي ش: "بينهما" وما أثبته هو الصواب، يريد: بين ليت ... 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "منها" والصواب ما أثبته، يريد: من كأن ولعل. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "الباب". 4 كذا في أ. وفي ش, ب: "اتفقوا" وما أثبتناه هو الصواب.

باب في أن العلة إذا لم تتعد لم تصح

باب في أن العلة إذا لم تتعد1 لم تصح: من ذلك قولهم من اعتل لبناء نحو: كم, ومن, وما, وإذ, ونحو ذلك بأن هذه الأسماء لما كانت على حرفين شابهت بذلك ما جاء من الحروف على حرفين؛ نحو: هل, وبل, وقد. قال: فلما شابهت الحرف من هذا الموضع وجب بناؤها, كما أن الحروف مبنية. وهذه علة غير متعدية, وذلك أنه كان يجب على هذا أن يبنى ما كان من الأسماء أيضًا على حرفين نحو يد, وأخ, وأب, ودم, وفم, وحِر, وهَن, ونحو ذلك. فإن قيل: هذه الأسماء لها أصل في الثلاثة, وإنما حذف منها حرف, فهو لذلك معتد, فالجواب أن هذه زيادة2 في وصف العلة, لم تأت بها في أول اعتلالك. وهبنا سامحناك بذلك, قد كان يجب على هذا أن يبني باب يد, وأخ, وأب, ونحو ذلك؛ لأنه لما حذف فنقص شابه الحرف, وإن كان أصله الثلاثة, ألا ترى أن المنادى المفرد المعرفة قد كان أصله أن يعرب, فلما دخله شبه الحرف لوقوعه موقع المضمر بني, ولم يمنع من بنائه جريه معربًا قبل حال البناء. وهذا شبه

_ 1 يعبر عن العلة إذا لم تتعد بالقاصرة. وقد عقد لها بحثا في الاقتراح، ونقل عن ابن الأنباري خلافا في الأخذ بها. 2 يراد بالزيادة في وصف العلة التي تخرج نحو يد أن يكون الاسم على حرفين أصالة أي في أصل وضعه، فلا يدخل في هذا نحو أخ فإنه ليس على حرفين في وضعه. وهذه الزيادة مرادة لمن اعتل بهذه العلة لبناء كم ومن، وهو تعليل صحيح، ولا يرد علي ما أورده المؤلف من بناء المفرد المعرفة لوقوعه موقع المضمر مع إعرابه قبل حال البناء، فإن العلة في حال النداء موجودة صحيحة، وأخ, ونحو لا يوجد فيه الشبه بهل كاملا، لأنه لم يوضع على حرفين بل على ثلاثة. ويرى بعض النحويين أن وضع الاسم على حرفين لا يقتضي البناء إلا إذا كان الثاني حرف لين كالضمير "نا" ويعتل لبناء كم ومن ونحوهما بغير الشبه الوضعي. وعلى هذا الرأي المؤلف، كما يؤخذ من كلامه في هذا الكتاب في "باب في هذه اللغة؛ أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط؟ ", وانظر الأشموني على الألفية في مبحث المعرب والمبني.

معنوي1 كما ترى مؤثر داع إلى البناء والشبه اللفظي أقوى من الشبه المعنوي فقد كان يجب على هذا أن يبني ما جاء من الأسماء على حرفين وله أصل في الثلاثة وألا يمنع من بنائه كونه في الأصل ثلاثيًا كما لم يمنع من بناء زيد في النداء كونه في الأصل معربًا بل إذا كانت صورة إعراب زيد قبل ندائه معلومة مشاهدة, ثم لم يمنع ذاك من بنائه كان أن يبنى باب يد ودم وهن لنقصه ولأنه لم يأت تامًا على أصله إلا في أماكن شاذة أجدر. وعلى أن منها ما لم يأت على أصله البتة وهو معرب. وهو حر، وسه، وفم. فأما قوله: يا حبذا عينا سليمى والفما2 وقول الآخر 3: هما نفثا في فِيَّ من فمويهما4 فإنه على كل حال لم يأت على أصله وإن كان قد زيد5 فيه ما ليس منه.

_ 1 يريد بالشبه المعنوي ما لا يرجع إلى اللفظ، وإن كان به ما اصطلح عليه المتأخرون، وهو أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف. 2 عجزه: والجيد والنحو وثدى قد نما وانظر اللسان في "فوه"، والجمهرة 3/ 484. 3 هو الفرزدق. وانظر الخزانة 2/ 269، 3/ 346, والكتاب 2/ 83 والديوان طبعة أوروبا 111. 4 عجزه: على الناتج العاوي أشد رجام وقبله: وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا ... لهم بعذاب الناس كل غلام وهما من قصيدة يتوب فيها من الهجاء وقذف المحصنات. وقوله: "هما نفثا" يريد إبليس وابنه يريد أنهما ألقيا على لسانه ما لا يحل من القول. ثم استأنف فقال: على النابح، يريد من يهجو الفرزدق، ورجام، فهو مصدر راجم بالحجارة، رمى بها، يريد الإجابة بأسوأ الجواب. 5 يريد أن "الفما" في بيت الرجز، وفي بيت الفرزدق نقص العين واللام؛ إذ أصله فوه، بدليل جمعه على أفواه وزيد فيه الميم والألف، وهما ليسا في أصل تركيبه، ويذكر النحويون في بيت الفرزدق أن فيه جمعا بين البدل -هو الميم- والمبدل عنه، وهو الواو. وقد أورد ابن جني في سر الصناعة "حرف النون" الرجز وبيت الفرزدق وأورد في "الفما" بضعة أوجه، ثم قال: ويجوز أن يكون "الفما" في موضع رفع، إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا، وعليه بيت الفرزدق: هما نفثا في في من فمويهما

فإن قلت: فقد ظهرت اللام في تكسير ذلك نحو أفواه وأستاه وأحراخ قيل: قد ظهر أيضًا الإعراب في زيد نفسه لا في جمعه ولم يمنع ذلك من بنائه. وكذلك القول في تحقيره وتصريفه نحو فويه, وأسته1, وحرح 2. ومن ذلك قول أبي إسحاق في التنوين اللاحق في مثال الجمع الأكبر نحو جوار وغواش: إنه عوض من ضمة الياء وهذه علة غير جارية3، ألا ترى أنها لو كانت متعدية لوجب أن تعوض من ضمة ياء يرمي، فتقول: هذا يرم، ويقض، ويستفض. فإن قيل: الأفعال لا يدخلها التنوين، ففي هذا جوابان: أحدهما أن يقال له: علتك ألزمتك إياه فلا تلم إلا نفسك والآخر أن يقال له: إن الأفعال إنما يمتنع منها التنوين اللاحق للصرف فأما التنوين غير ذاك فلا مانع له ألا ترى إلى تنوينهم الأفعال في القوافي لما لم يكن ذلك الذي هو علم للصرف كقول العجاج: من طلل كالأتحمي أنهجَن4 وقول جرير: وقولي إن أصبت لقد أصابن5 ومع هذا فهل التنوين إلا نون وقد ألحقوا الفعل النونين: الخفيفة والثقيلة. وههنا إفساد لقول أبي إسحاق آخر وهو أن يقال له: إن هذه الأسماء قد عاقبت

_ 1 الأسته: عظيم الاست. 2 هو المولع بالحر. 3 يريد أنها قاصرة غير متعدية، فكأنها واقفة غير جارية. 4 صدره: ما هاج أشجانا وشجوا قد شجن وشجن أصله شجا فألحقه تنوين الترنم. وانظر الديوان 7. وقوله: "أنهجن" كذا رسم بالنون وفقا لما في أ. وفي ش، ب: "أنها". 5 صدره: أقل اللوم هاذل والعتا بن وهو مطلع قصيدة له طويلة يهجو فيها الراعي النميري. وانظر الديوان 2/ 30 والخزانة 1/ 34، وقوله: "أصابن" كذا رسم بالنون وفقًا لما في أ، وفي ش، ب: "أصابا".

ياءاتها ضماتها؛ ألا تراها لا تجتمع معها فلما عاقبتها جرت لذلك مجراها فكما أنك لا تعوض من الشيء وهو موجود, فكذلك أيضًا يجب ألا تعوض منه وهناك ما يعاقبه ويجري مجراه. غير أن الغرض في هذا الكتاب إنما هو الإلزام الأول؛ لأن به ما1 يصح تصور العلة, وأنها غير متعدية. ومن ذلك قول الفراء في نحو لغة, وثُبة, ورئة, ومئة: إن كان من ذلك المحذوف منه الواو فإنه يأتي مضموم الأول نحو لغة وبرة, وثبة, وكرة, وقلة؛ وما كان من الياء فإنه يأتي مكسور الأول؛ نحو مئة, ورئة. وهذا يفسده قولهم: سنة فيمن قال: سنوات2 وهي من الواو كما ترى وليست مضمومة الأول. وكذلك قولهم: عِضة محذوفها الواو لقولهم فيها: عضوات, قال: هذا طريق يأزم المآزما ... وعضوات تقطع اللهازما3 وقالوا أيضًا: ضَعَة, وهي من الواو مفتوحة الأول, ألا تراه قال 4: متخذًا من ضَعَوات تَوْلَجا فهذا وجه فساد العلل إذا كانت واقفة5 غير متعدية. وهو كثير, فطالب فيه بواجبه, وتأمل ما يرد عليك من أمثاله.

_ 1 ما هنا زائدة أو مصدرية. 2 أي لا فيمن قال في الجمع سنهات. وانظر الكامل 6/ 202. 3 يروى تمشق بدل "تقطع" وتمشق: تضرب. والمآزم جمع المأزم، وهو المضيق بين جبلين، يريد أن المضايق بالنسبة إلى ضيقه لا تذكر. وانظر الكامل بشرح الموصفي 6/ 206 وهذا البيت رواه الأصمعي عن أبي مهدية. وانظر اللسان في "أزم"، وسيبويه ص81 ج2. 4 أي جرير يهجو البعيث. وقبله: كأنه ذيخ إذا تنفجا والذيخ -بزنة ديك: الذكر من الضباع وتنفج: وثب وعدا. وفي اللسان "ولج": "ما معجا" والمعج: سرعة المر والتولج: كناس الظبي والوحش. والضعة: شجر بالبادية مثل التمام. وانظر اللسان في "ضعو" و"ولج" و"تلج"، والديوان 1/ 34. 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "واقعة". وما أثبت هو الصواب. يريد بالموافقة غير الجارية، وهي القاصرة.

باب في العلة وعلة العلة

باب في العلة وعلة العلة: ذكر أبو بكر1 في أول أصوله هذا ومثل منه برفع الفاعل. قال: فإذا سئلنا عن علة رفعه قلنا: ارتفع بفعله فإذا قيل: ولم صار الفاعل مرفوعًا فهذا سؤال عن علة العلة. وهذا موضع ينبغي أن تعلم2 منه أن هذا الذي سماه علة العلة إنما هو تجوز في اللفظ فأما في الحقيقة فإنه شرح وتفسير وتتميم للعلة ألا ترى أنه إذا قيل له: فلم ارتفع الفاعل قال: لإسناد الفعل إليه ولو شاء لابتدأ هذا فقال في جواب رفع زيد من قولنا قام زيد: إنما ارتفع لإسناد الفعل إليه فكان مغنيًا عن قوله: إنما ارتفع بفعله حتى تسأله فيما بعد عن العلة التي ارتفع لها الفاعل. وهذا هو الذي أراده المجيب بقوله: ارتفع بفعله أي بإسناد الفعل إليه. نعم ولو شاء لماطله فقال له: ولم صار المسند إليه الفعل مرفوعًا؟ فكان جوابه أن يقول: إن صاحب الحديث أقوى الأسماء والضمة أقوى الحركات فجعل الأقوى للأقوى. وكان يجب على ما رتبه أبو بكر أن تكون هنا علة وعلة العلة وعلة علة العلة. وأيضًا فقد كان له أن يتجاوز هذا الموضع إلى ما وراءه فيقول: وهلا عكسوا الأمر فأعطوا الاسم الأقوى الحركة الضعيفة لئلا يجمعوا بين ثقيلين. فإن تكلف متكلف جوابًا عن هذا تصاعدت عدة3 العلل وأدى ذاك إلى هجنة القول وضعفة4 القائل به وكذلك لو قال لك قائل في قولك: قام القوم إلا زيدًا: لم نصبت زيدًا لقلت: لأنه مستثنى وله من بعد أن يقول:

_ 1 هو ابن السراج. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "يعلم". 3 كذا في أ. وفي ش، ب "علة". 4 الضعفة: قلة الفطنة وضعف الرأي.

ولم نصبت المستثنى فيكون من جوابه لأنه فضلة ولو شئت أجبت مبتدئًا بهذا فقلت: إنما نصبت زيدًا في قولك: قام القوم إلا زيدًا لأنه فضلة. والباب واحد والمسائل كثيرة. فتأمل وقس. فقد ثبت بذلك أن هذا موضع تسمح " فيه أبو بكر "1 أو لم2 ينعم تأمله. ومن بعد فالعلة الحقيقية عند أهل النظر لا تكون معلولة ألا ترى أن السواد الذي هو علة لتسويد ما يحله إنما صار كذلك لنفسه لا لأن جاعلًا جعله على هذه القضية. وفي هذا بيان. فقد ثبت إذًا أن قوله: علة العلة إنما غرضه فيه أنه تتميم وشرح لهذه العلة المقدمة عليه. وإنما ذكرناه في جملة هذه الأبواب لأن أبا بكر -رحمه الله- ذكره فأحببنا أن نذكر ما عندنا فيه. وبالله التوفيق.

_ 1كذا في ش، ب. وفي أ: "أبو بكربه" مكان "فيه أبو بكر". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "و".

باب في حكم المعلول بعلتين

باب في حكم المعلول بعلتين: وهو على ضربين: أحدهما ما لا نظر فيه والآخر محتاج إلى النظر. الأول منهما نحو قولك: هذه عشري وهؤلاء مسلمي. فقياس هذا على قولك: عشروك ومسلموك أن يكون أصله عشروي ومسلموي, فقلبت الواو ياء لأمرين كل واحد منهما موجب للقلب غير محتاج إلى صاحبه للاستعانة به على قلبه: أحدهما اجتماع الواو والياء وسبق الأولى منهما بالسكون والآخر أن ياء المتكلم أبدًا تكسر الحرف الذي قبلها إذا كان صحيحًا نحو هذا غلامي ورأيت صاحبي وقد ثبت1 فيما قبل أن نظير الكسر في الصحيح الياء في هذه الأسماء؛

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "قبل"، وهو تحريف.

نحو مررت بزيد ومررت بالزيدين ونظرت إلى العشرين. فقد وجب إذًا ألا يقال: هذه عشروي بالواو كما لا يقال: هذا غلامي بضم الميم. فهذه علة غير الأولى في وجوب قلب الواو ياء في عشروي وصالحوي ونحو ذلك وأن يقال عشري بالياء البتة كما يقال هذا غلامي بكسر الميم البتة. ويدل على وجوب قلب هذه الواو إلى الياء في هذا الموضع من هذا الوجه ولهذه العلة لا للطريق الأول -من استكراههم إظهار الواو ساكنة قبل الياء- أنهم لم يقولوا: رأيت فاي وإنما يقولون: رأيت في. هذا مع أن هذه الياء لا ينكر أن تأتي بعد الألف نحو رحاي وعصاي لخفة الألف فدل امتناعهم من إيقاع الألف قبل هذه الياء على أنه ليس طريقه طريق الاستخفاف والاستثقال, وإنما هو لاعتزامهم ترك الألف والواو قبلها كتركهم الفتحة والضمة قبل الياء في الصحيح؛ نحو غلامي وداري. فإن قيل: فأصل هذا إنما هو لاستثقالهم الياء بعد الضمة لو قالوا: هذا غلامي قيل: لو كان لهذا الموضع البتة لفتحوا ما قبلها لأن الفتحة على كل حال أخف قبل الياء من الكسرة فقالوا: رأيت غلامي. فإن قيل: لما تركوا الضمة هنا وهي علم للرفع أتبعوها الفتحة ليكون العمل من موضع واحد كما أنهم لما استكرهوا الواو بعد الياء نحو يعد حذفوها أيضًا بعد الهمزة والنون والتاء في نحو أعد ونعد وتعد قيل: يفسد هذا من أوجه. وذلك أن حروف المضارعة تجري مجرى الحرف الواحد من حيث كانت كلها متساوية في جعلها الفعل صالحًا لزمانين: الحال والاستقبال فإذا وجب في أحدها شيء أتبعوه سائرها وليس كذلك علم الإعراب؛ ألا ترى أن موضوع1 الإعراب على مخالفة بعضه بعضًا من حيث كان إنما جيء به دالا على اختلاف المعاني.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "موضع".

فإن قلت: فحروف المضارعة أيضًا موضوعة على اختلاف معانيها؛ لأن الهمزة للمتكلم, والنون للمتكلم إذا كان معه غيره وكذلك بقيتها قيل: أجل إلا أنها كلها مع ذلك مجتمعة على معنى واحد وهو جعلها الفعل صالحًا للزمانين على ما مضى. فإن قلت: فالإعراب أيضًا كله مجتمع على جريانه على حرفه قيل: هذا عمل لفظي, والمعاني أشرف من الألفاظ. وأيضًا فتركهم إظهار الألف قبل هذه الياء مع ما يعتقد من خفة الألف حتى إنه لم يسمع منهم نحو فاى ولا أباى ولا أخاى وإنما المسموع عنهم رأيت أبي وأخي وحكى سيبويه كَسَرت فِيَ أدل دليل على أنهم لم يراعوا حديث الاستخفاف والاستثقال حسب وأنه أمر غيرهما. وهو اعتزامهم ألا تجيء هذه الياء إلا بعد كسرة أو ياء أو ألف لا تكون علمًا للنصب: نحو هذه عصاي وهذا مصلاي. وعلى أن بعضهم راعى هذا الموضع أيضًا فقلب هذه الألف ياء فقال: عصي ورحي, ويا بشرَيَّ "هذا غلام "1 وقال أبو داود 2: فأبلوني بليتكم لعلي ... أصالحكم وأستدرج نويا

_ 1 زيادة في أ. وهي قراءة أبي الطفيل والحسن والجحدري. انظر البحر 5/ 290. 2 هذا هو الصواب، ونسبه في المغني في مباحث أقسام العطف 2/ 97 إلى الهذلي. وقبله: ألم تر أنني جاورت كعبا ... وكان جوار بعض الناس غيا وكان أبو داود جاور هلال بن كعب من تميم، فلعب غلام له مع غلمان الحي في غدير، فغطسوه في الماء، ومات، فعزم أبو دواد على مفارقتهم وذم جوارهم، وأحسن منهم أنهم يحاولون إرضاءه، فقال هذين البيتين. وقد أعطاه هلال فوق الرضا، حتى ضرب به المثل في الوفاء فقيل: جار كجار أبي داود. وقوله: "فأبلوني" يقال: أبلاه إذا صنع به صنعًا جميلا، واليلية اسم منه. و"نويا" يريد نواي والنوي: النية، وهو الوجه الذي يقصد، و"أستدرج": أرجع أدراجي من حيث كنت. يقول: أحسنوا إليَّ فإن أحسنتم فلعلي أصالحكم وأرجع حيث كنت جارا لكم. وقد أحسنوا إليه، وظل على جوارهم. وانظر شرح شواهد المغني البغدادي في الشاهد 669.

وروينا أيضًا عن قطرب 1: يطوف بي عكب في معد ... ويطعن بالصملة في قفيا2 فإن لم تثأراني من عكب ... فلا أرويتما أبدا صديا3 وهو كثير. ومن قال هذا لم يقل في هذان غلاماي: "غلامَي"4 بقلب الألف ياء لئلا يذهب علم الرفع. ومن المعلول بعلتين قولهم: سيّ, ُ وريُّ. وأصله سوي وروي, فانقلبت الواو ياء -إن شئت- لأنها ساكنة غير مدغمة وبعد كسرة -وإن شئت- لأنها ساكنة قبل الياء. فهاتان علتان إحداهما كعلة قلب ميزان والأخرى كعلة طيا وليا مصدري طويت ولويت وكل واحدة منهما مؤثرة. فهذا ونحوه أحد ضربي الحكم المعلول بعلتين الذي لا نظر فيه. والآخر منهما ما فيه النظر وهو باب ما لا ينصرف. وذلك أن علة امتناعه من الصرف إنما هي لاجتماع شبهين فيه من أشباه الفعل. فأما السبب الواحد فيقل عن أن يتم5 علة بنفسه حتى ينضم إليه الشبه الآخر من الفعل.

_ 1 نسبه في اللسان في "عكب" للنخل اليشكري؛ وكان يتهم بالمتجردة امرأة النعمان بن المنذر، ووقف النعمان على ذلك فدفعه إلى عكب، وهذا قيده وعذبه. وانظر شرح الحماسة للتبريزي 2/ 48 طبعة بولاق، والإصلاح 444. 2 عكب صاحب سجن النعمان بن المنذر. والصملة: العصا؛ كما في التاج في صمل. وفي الجمهرة أنها حربة. 3 "تثأراني" في ش، ب. وفي أ "تثأرابي"، وكلاهما وارد مسموع، يقال: ثأرت القتيل، وثأرت به وفي ج: "تثأرالي". "وصدي" يريد صداي. والصدى -في زعم الجاهلية- طائر يصبح إذا لم يثأر بالمقتول. 4 زيادة اقتضاها السياق وظهرت لي من اختلاف الأصول. ففي أ "غلاماي"، وفي ش، ب: "غلامي"، وقد بدا لي أن العبارتين "غلاماي" و"لامي" في النسخة الأصلية، وحذف النساخ إحدهما لما لم يفهموا المراد. 5 ضبط هكذا في ب. وفي أ: "بتم"، بفتح الباء من الثلاثي, وكلاهما صحيح.

فإن قيل: فإذا كان في الاسم شبه واحد من أشباه الفعل أله فيه تأثير أم لا؟ فإن كان له فيه تأثير فماذا التأثير؟ وهل صرف زيد1 إلا كصرف كلب وكعب؟ وإن لم يكن للسبب الواحد إذا حل الاسم تأثير فيه فما باله إذا انضم إليه سبب آخر أثرا فيه فمعناه الصرف؟ وهلا إذا كان السبب الواحد لا تأثير له فيه لم يؤثر فيه الآخر كما لم يؤثر فيه الأول؟ وما الفرق بين الأول والآخر؟ فكما لم يؤثر الأول هلا لم يؤثر الآخر؟ فالجواب أن السبب الواحد وإن لم يقو حكمه إلى2 أن يمنع الصرف فإنه لا بد في حال انفراده من تأثير فيما حله وذلك التأثير الذي نوميء إليه وندعي حصوله هو تصويره3 الاسم الذي حله على صورة ما إذا انضم إليه سبب آخر اعتونا معًا على منع الصرف ألا ترى أن الأول لو لم تجعله4 على هذه الصفة التي قدمنا ذكرها لكان مجيء الثاني مضمومًا إليه لايؤثر أيضًا كما لم يؤثر الأول ثم كذلك إلى أن تفنى أسباب منع الصرف فتجتمع كلها فيه وهو مع ذلك منصرف. لا بل دل تأثير الثاني على أن الأول قد كان شكل الاسم على صورة إذا انضم إليه سبب آخر انضم إليها مثلها وكان من مجموع الصورتين ما يوجب ترك الصرف. فإن قلت: ما تقول في اسم أعجمي علم في بابه مذكر متجاوز للثلاثة نحو يوسف وإبراهيم ونحن نعلم أنه الآن غير مصروف لاجتماع التعريف والعجمة عليه فلو سميت به من بعد مؤثنًا ألست قد جمعت فيه بعد ما كان عليه -من التعريف والعجمة- التأنيث فليت شعري أبالأسباب الثلاثة منعته الصرف أم باثنتين منها؟

_ 1 أي وفيه العلمية. وبها يتحقق أحد الشبهين. وقوله كلب وكعب أي غير علمين. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "في". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "بصورة". 4 كذا في أ. وفي ش: "يجعله".

فإن كان بالثلاثة كلها فما الذي زاد فيه التأنيث الطاريء عليه فإن كان لم يزد فيه شيئًا فقد رأيت أحد أشباه الفعل غير مؤثر وليس هذا من قولك. وإن كان أثر فيه التأنيث الطارئ عليه شيئًا فعرفنا ما ذلك المعنى. فالجواب هو أنه جعله على صورة ما إذا حذف منه سبب من أسباب الفعل بقي بعد ذلك غير مصروف أيضًا ألا تراك لو حذفت من يوسف اسم امرأةٍ التأنيث فأعدته إلى التذكير لأقررته أيضًا على ما كان عليه من ترك الصرف وليس كذلك امرأة سميتها بجعفر ومالك ألا تراك لو نزعت عن الاسم تأنيثه لصرفته لأنك لم تبق فيه بعد إلا شبهًا واحدًا من أشباه الفعل. فقد صار إذًا المعنى الثالث مؤثرًا أثرًا ما كما كان السبب الواحد مؤثرًا أثرًا ما على ما قدمنا ذكره فاعرف ذلك. وأيضًا فإن "يوسف " اسم امرأة أثقل منه اسم رجل كما أن "عقرب " اسم امرأة أثقل من "هند " ألا تراك تجيز صرفها ولا تجيز صرف "عقرب " علمًا. فهذا إذًا معنى حصل ليوسف عند تسمية المؤنث به وهو معنى زائد بالشبه الثالث. فأما قول من قال: إن الاسم الذي اجتمع فيه سببان من أسباب منع الصرف فمنعه إذا انضم إلى ذلك ثالث امتنع من الإعراب أصلًا ففاسد عندنا من أوجه: أحدها أن سبب البناء في الاسم ليس طريقه طريق حديث الصرف وترك الصرف إنما سببه مشابهة الاسم للحرف لا غير. وأما تمثيله ذلك بمنع إعراب حذام وقطام وبقوله فيه: إنه لما كان معدولًا عن حاذمة وقاطمة وقد كانتا معرفتين لا ينصرفان1، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب البتة فلاحق في الفساد بما قبله لأنه منه وعليه حذاه. وذلك أن علة منع هذه

_ 1 كذا في الأصول. والوجه أن يقال: تنصرفان، وكأنه ذكر نظرا لتأولهما باللفظين.

الإعراب إنما هو شيء أتاها من باب دراك، ونزال، ثم شبهت1 حذام وقطام ورقاش بالمثال2 والتعريف، والتأنيث بباب دراك ونزال على " ما بيناه"3 هناك. فأما أنه لأنه ليس بعد منع الصرف إلا رفع الإعراب أصلا فلا. ومما يفسد قول من قال: إن الاسم إذا منعه السببان الصرف فإن اجتماع الثلاثة فيه ترفع4 عنه الإعراب أنا نجد في كلامهم من الأسماء ما يجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف وهو مع ذلك معرب غير مبني. وذلك كامرأة سميتها " بأذربيجان " فهذا اسم قد اجتمعت فيه خمسة5 موانع: وهو التعريف والتأنيث، والعجمة، والتركيب6، والألف والنون وكذلك إن عنيت "بأذربيجان " البلدة والمدينة لأن البلد فيه الأسباب الخمسة وهو مع ذلك معرب7 كما ترى. فإذا كانت الأسباب الخمسة لا ترفع الإعراب فالثلاثة أحجى بألا ترفعه وهذا بيان. ولتحامي الإطالة ما أحذف أطرافًا من القول على أن فيما يخرج إلى الظاهر كافيًا بإذن الله.

_ 1 كذا. والأسوغ حذف هذا الحرف. وكأن "ثم" فيه للترتيب الذكري، يراد فيه التعليل للجملة السابقة. 2 يراد بالمثال الوزن. والياء فيه للسببية. والغرض ذكر وجه الشبه بين باب حذام وباب دراك. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "ما قد بيناه". 4 كذا في جميع الأصول والتأنيث لاكتساب المضاف "اجتماع" التثبت من المضاف إليه. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "خمس". 6 من أذر للنار، وبيحان أي حافظ وخازن، ومعنى ذلك بيت النار أو خازن النار، وقد كانت بيوت النار المعدة لعبادة الفرس كثيرة في هذه الناحية. انظر معجم البلدان. 7 يجيب ابن قاسم العبادي عن هذا بأن توالي العلل المانعة من الصرف مجوز للياء لا موجب. فأخذ به في حذام. ولم يؤخذ به في أذربيجان؛ للتنبيه على هذا، وانظر حاشية الصبان في مبحث "ما لا ينصرف".

باب في إدراج العلة واختصارها

باب في إدراج 1 العلة واختصارها: هذا موضع يستمر "النحويون عليه 2" فيفتق عليهم ما يتعبون3 بتداركه والتعذر منه. وذلك كسائل سأل عن قولهم: آسيت الرجل فأنا أواسيه وآخيته فأنا أواخيه فقال: وما أصله فقلت: أؤاسيه وأؤاخيه -وكذلك نقول- فيقول لك: فما4 علته في التغيير فنقول: اجتمعت الهمزتان فقلبت الثانية واوًا لانضمام ما قبلها. وفي ذلك شيئان: أحدهما أنك لم تستوف ذكر الأصل والآخر أنك لم تتقص شرح العلة. أما إخلالك بذكر حقيقية الأصل فلأن أصله "أؤاسوك " لأنه أفاعلك من الأسوة فقلبت الواو ياء لوقوعها طرفًا بعد الكسرة وكذلك أؤاخيك أصله "أؤاخوك " لأنه من الأخوة5 فانقلبت اللام لما ذكرنا كما تنقلب في نحو أعطِى واستقصِى. وأما تقصي علة تغيير الهمزة بقلبها واوًا فالقول فيه أنه اجتمع في كلمة واحدة همزتان غير عينين " الأولى منهما مضمومة والثانية مفتوحة "6 و " هي"7 حشو غير طرف فاستثقل ذلك فقلبت الثانية على حركة ما قبلها -وهي الضمة-

_ 1 إدراج العلة: طيها وترك بسطها والإسراع في إيرادها بحذف بعض مقوماتها والإدراج في اللغة: الطي؛ تقول: أدرجت الكتاب إذا طويته وفيه معنى السرعة، ومن ذلك مدرجة الطريق: التي يسرع الناس فيها وانظر اللسان "درج" وأدب الكتاب للصولي 136. 2 كذا في ش، ب وفي أ: "النحويون فيه عليه". 3 كذا في أ، ب وفي ش: "يتبعون" 4 كذا في ش، ب وفي أ: "ما". 5 كذا في ش، ب وفي أزيادة: "والإخوة" بكسر الهمزة وتشديد الخاء. 6 سقط ما بين القوسين في أ. 7 كذا أثبت هذه الكلمة، وبها يستقيم الكلم، وفي أ: "وكلتاهما متأخر غير طرف" وفي غيرها من الأصول: "وكلتاهما حشو غير طرف".

واوًا. ولا بد من ذكر جميع ذلك وإلا أخللت ألا ترى أنك قد تجمع في الكلمة الواحدة بين همزتين فتكونان عينين فلا تغير ذلك وذلك نحو سآل ورآس, وكبنائك من سألت نحو تبع، فتقول 1: "سؤل " فتصحان لأنهما عينان ألا ترى أن لو بنيت من قرأت مثل " جرشع" 2 لقلت "قرء " وأصله قرؤؤ فقلبت الثانية ياء وإن كانت قبلها همزة مضمومة وكانتا في كلمة واحدة لما كانت الثانية منهما طرفًا لا حشوًا. وكذلك أيضًا ذكرك كونهما في كلمة واحدة ألا ترى أن من العرب من يحقق الهمزتين إذا كانتا من كلمتين نحو قول الله تعالى3 {السُّفَهَاءُ أَلا} فإذا كانتا في كلمة واحدة فكلهم يقلب نحو جاء وشاء ونحو خطايا وزوايا4، في قول الكافة غير الخليل. فأما ما يحكى عن بعضهم من تحقيقهما في الكلمة الواحدة نحو أئمة وخطائئ "مثل خطا عع "5، وجائئ فشاذ لا يجوز أن يعقد عليه باب. ولو اقتصرت في تعليل التغيير في " أؤاسيك" ونحوه على أن تقول: اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة فقلبت الثانية واوًا لوجب عليك أن تقلب الهمزة الثانية في نحو سأآل ورأآس واوًا, وأن تقلب همزة أأدم وأأمن واوًا وأن تقلب الهمزة الثانية في خطائئ واوًا. ونحو ذلك كثير لا يحصى وإنما أذكر من كل نبذًا لئلا يطول الكتاب جدًّا.

_ 1 كذا في ب وفي أ: "فيقال". وفي ش: "فيقول". 2 هو العظيم من الإبل والخيل. 3 من الآية 13 من سورة البقرة. 4 كذا في معظم الأصول: "ورزايا" جمع رزيئة وفي أ، "روايا" وجمع رويئة، والأكثر فيها ترك الهمز: روية. 5 زيادة في ش، ب وإن كان فيهما "خطا عج" وهو تحريف.

باب في دور الاعتلال

باب في دور 1 الاعتلال: هذا موضع طريف 2. ذهب محمد بن يزيد في وجوب إسكان اللام في نحو ضربْن وضربْت إلى أنه لحركة ما بعده من الضمير: يعني مع الحركتين قبل. وذهب أيضًا في حركة الضمير من نحو هذا أنها إنما وجبت لسكون ما قبله. فتارة اعتل لهذا بهذا ثم دار تارة أخرى فاعتل لهذا بهذا. وفي ظاهر ذلك اعتراف بأن كل واحد منهما ليست له حال مستحقة تخصه في نفسه وإنما استقر على ما استقر عليه لأمر راجع إلى صاحبه. ومثله ما أجازه سيبويه في جر " الوجه" من قولك: هذا الحسن الوجه. وذلك أنه أجاز فيه الجر من وجهين: أحدهما طريق الإضافة الظاهرة والآخر تشبيهه بالضارب الرجل. "وقد أحطنا علمًا بأن الجر إنما جاز في الضارب الرجل "3 ونحوه مما كان الثاني منهما منصوبًا لتشبيههم إياه بالحسن الوجه أفلا ترى كيف صار كل واحد من الموضعين علة لصاحبه في الحكم الواحد الجاري عليهما جميعًا. وهذا من طريف أمر هذه اللغة وشدة تداخلها وتزاحم الألفاظ والأغراض على جهاتها. والعذر أن الجر لما فشا واتسع في نحو الضارب الرجل والشاتم الغلام والقاتل البطل صار -لتمكنه فيه وشياعه في استعماله- كأنه أصل في بابه وإن كان إنما سرى إليه لتشبيهه بالحسن الوجه. فلما كان كذلك قوي في بابه حتى صار لقوته

_ 1 يريد بدور الأعتلال أن يطل الشيء بعلة معللة بذلك الشيء. والدرر بين شيئين توقف كل منهما على الآخر. وهذا من مصطلحات المتكلمين، ولهم فيه تقسيم وبحوث. وليس الدرر في هذا المقام هو الدوران كما ذهب إليه شارحا الاقتراح: ابن الطيب ابن علان؛ فإن الدوران هو حدوث الحكم بحدوث العلة، وانعدامه بعدمها كما في حرمة النبيذ تدور مع الإسكار وجودا وعدمًا، والدوران من مسالك العلة، والدور أدنى إلى أن يكون من قوادحها. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "ظريف". 3 ثبت ما بين القوسين في ش، ب. وسقط من أ.

قياسًا وسماعًا كأنه أصل للحر في "هذا الحسن الوجه " وسنأتي على بقية هذا الموضع في باب نفرده له1 بإذن الله. لكن ما أجازه أبو العباس وذهب إليه في باب ضربن وضربت من تسكين اللام لحركة الضمير, وتحريك الضمير لسكون اللام شنيع الظاهر, والعذر فيه أضعف منه في مسئلة الكتاب ألا ترى أن الشيء لا يكون علة نفسه وإذا لم يكن كذلك كان من أن يكون علة علته أبعد وليس كذلك قول سيبويه وذلك أن الفروع إذا تمكنت " قويت قوة تسوغ"3 حمل الأصول عليها. وذلك لإرادتهم تثبيت الفرع والشهادة له بقوة الحكم.

_ 1 كذا في أ. وسقط هذا اللفظ في ش، ب. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "أوضح" وما أثبت هو الصواب. 3 كذا في أ. وفي بقية الأصول: "وقويت قوة تسرع".

باب في ارد على من اعتقد فساد علل النحويين لضعفه هو نفسه عن أحكام العلة

باب في ارد على من اعتقد فساد علل النحويين لضعفه هو نفسه عن أحكام العلة ... باب في الرد على من اعتقد فساد علل النحويين لضعفه هو في نفسه عن إحكام العلة: اعلم أن هذا الموضع هو الذي يتعسف بأكثر من ترى. وذلك أنه لا يعرف أغراض القوم فيرى لذلك أن ما أوردوه من العلة ضعيف واه ساقط غير متعال. وهذا كقولهم: يقول النحويون إن الفاعل رفع والمفعول به نصب وقد ترى الأمر بضد ذلك ألا ترانا نقول: ضرب زيد فنرفعه وإن كان مفعولا به, ونقول: إن زيدًا قام فننصبه وإن كان فاعلًا ونقول: عجبت من قيام زيد فنجره وإن كان فاعلًا ونقول أيضًا: قد قال الله عز وجل {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} فرفع "حيث " وإن كان بعد حرف الخفض. ومثله عندهم في الشناعة قوله -عز وجل: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} وما يجري هذا المجرى. ومثل هذا يتعب مع هذه الطائفة لا سيما إذا كان السائل "عنه"1 من يلزم الصبر عليه. ولو بدأ الأمر بإحكام الأصل لسقط عنه هذا الهوس وذا اللغو ألا ترى أنه لو عرف أن الفاعل عند أهل العربية ليس كل من كان فاعلًا في المعنى وأن الفاعل عندهم إنما هو كل اسم ذكرته بعد الفعل وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم وأن الفعل الواجب وغير الواجب في ذلك سواء لسقط صداع2 هذا المضعوف السؤال. وكذلك القول على المفعول أنه إنما ينصب3 إذا أسند الفعل إلى الفاعل فجاء هو فضلة وكذلك لو4 عرف أن الضمة في نحو حيث وقبل وبعد ليست إعرابًا وإنما هي بناء. وإنما ذكرت هذا الظاهر الواضح ليقع الاحتياط في المشكل الغامض. وكذلك ما يحكى عن الجاحظ من أنه قال: قال النحويون: إن أفعل الذي5 مؤنثه فُعلى لا يجتمع فيه الألف واللام ومن وإنما هو بمن أو بالألف واللام؛ نحو قولك: الأفضل وأفضل منك, والأحسن وأحسن من جعفر, ثم قال: وقد قال الأعشى: فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر6 ورحم الله أبا عثمان أما إنه لو علم أن "من " في هذا البيت ليست التي تصحب أفعل للمبالغة نحو أحسن منك وأكرم منك، لضرب عن هذا القول إلى غيره مما يعلو فيه قوله ويعنو لسداده وصحته خصمه. وذلك أن "من " في بيت الأعشى إنما هي كالتي في قولنا: أنت من الناس حر وهذا الفرس من الخيل كريم. فكأنه قال: لست من بينهم بالكثير الحصى ولست فيهم بالأكثر حصى. فاعرف ذلك.

_ 1 زيادة في أ، ج. 2 كذا في أ. ويوافقه ما في ج: "لسقط صداعه". وفي ش، ب: "سؤال". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "انتصب". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "أو" وما أثبت هو الصواب. 5 يريد أفعل التفضيل، احترازًا عن أفعل الذي مؤنثه فعلاء. فهو صفة مشبهة. 6 هذا البيت هو السابع والعشرون من قصيدته التي مطلعها: شافك من قتله أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر وانظر الصبح المنير 104-108، والخزانة 3/ 489.

باب في الاعتلال لهم بأفعالهم

باب في الاعتلال لهم بأفعالهم: ظاهر هذا الحديث طريف1، ومحصوله صحيح وذلك إذا كان الأول المردود إليه الثاني جاريًا على "صحة علة "2. من ذلك أن يقول قائل: إذا كان الفعل قد حذف في الموضع الذي لو ظهر فيه لما أفسد معنى كان ترك إظهاره في الموضع الذي لو ظهر فيه لأحال المعنى وأفسده أولى وأحجى ألا ترى أنهم يقولون: الذي في الدار زيد وأصله الذي استقر أو ثبت في الدار زيد ولو أظهروا هذا الفعل هنا لما أحال معنى ولا أزال غرضًا فكيف بهم في ترك إظهاره في النداء ألا ترى أنه لو تجشم إظهاره فقيل: أدعو زيدًا وأنادي زيدًا لاستحال أمر النداء فصار إلى لفظ الخبر المحتمل للصدق والكذب والنداء مما3 لا يصح فيه تصديق ولا تكذيب. ومن الاعتلال بأفعالهم أن تقول: إذا كان اسم الفاعل -على قوة تحمله للضمير- متى جرى على غير من هو له -صفة أو صلة أو حالا أو خبرًا- لم يحتمل الضمير كما يحتمله4 الفعل، فما ظنك بالصفة المشبهة باسم الفاعل، نحو

_ 1 كذا في أ، ب. وسقط هذا الحرف في ش. 2 كذا في أ، ب. وفي ش، ج: "علة صحيحة". 3 كذا في أ. وسقط هذا اللفظ في ش، ب. 4 مقتضى هذا الكلام أن الضمير مع الفعل إذا جرى على غير من هو له يجوز استتاره، وهو ما في الإنصاف "المسألة الثامنة". وفي الهمع 1/ 96: "والفعل كالمشتق فيما ذكر أيضا؛ نحو زيد عمرو بضربه هو، وزيد هند يضربها، ويضربها هو، على الخلاف، وقد نقل ذلك الصبان في حاشيته على الأشموني عند قول ابن مالك في "الابتداء": وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا

قولك: زيد هند شديد عليها هو, إذا أجريت1 " شديدًا " خبرًا عن "هند " وكذلك قولك: أخواك زيد حسن في عينه هما, والزيدون هند ظريف في نفسها هم, وما ظنك أيضًا بالشفة المشبهة "بالصفة المشبهة "2 باسم الفاعل نحو قولك: أخوك جاريتك أكرم عليها من عمرو هو وغلاماك أبوك أحسن عنده من جعفر هما والحجر الحية أشد عليها من العصا هو. ومن قال: مررت برجل أبي عشرة أبوه قال: أخواك جاريتهما أبو عشرة عندها هما فأظهرت الضمير. وكان ذلك أحسن من رفعه الظاهر لأن هذا الضمير وإن كان منفصلا ومشبهًا للظاهر بانفصاله فإنه على كل حال ضمير. وإنما وحدت فقلت: أبو عشرة عندها هما ولم تثنه فتقول: أبوا عشرة من قبل أنه قد رفع ضميرًا منفصلا مشابهًا للظاهر فجرى مجرى قولك: مررت برجل أبي عشرة أبواه. فلما رفع الظاهر وما يجري مجرى الظاهر شبهه بالفعل فوحد البتة. ومن قال: مررت برجل قائمين أخواه فأجراه مجرى قاما أخواه فإنه يقول: مررت برجل أبوي عشرة أبواه. والتثنية في "أبوي عشرة " من وجه تقوى ومن آخر تضعف. أما وجه القوة فلأنها بعيدة عن اسم الفاعل الجاري مجرى الفعل فالتثنية فيه -لأنه اسم- حسنة وأما وجه الضعف فلأنه على كل حال قد أعمل في الظاهر ولم يعمل إلا لشبهه بالفعل وإذا كان كذلك وجب له أن يقوى شبه الفعل ليقوم العذر بذلك في إعماله عمله ألا ترى أنهم لما شبهوا الفعل باسم الفاعل فأعربوه كنفوا هذا المعنى بينهما وأيدوه بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه. وهذا في معناه واضح سديد كما تراه. وأمثال هذا في الاحتجاج لهم بأفعالهم كثيرة وإنما أضع من كل شيء رسمًا ما ليحتذى. فأما الإطالة والاستيعاب فلا.

_ 1 يحترز بهذا عن أن تجعل "شديد" خبرا عن "هو" مقدما. 2 زيادة اقتضاها السياق خلت منها الأصول أ، ب، ش. وفي ج ما يفيدها وهو: "فما ظنك أيضا بالصفة المشبهة بهذه الصفة".

باب في الاحتجاج بقول المخالف

باب في الاحتجاج بقول المخالف: اعلم أن هذا -على "ما في"1 ظاهره- صحيح ومستقيم. وذلك أن ينبغ من2 أصحابه نابغ فينشئ خلافًا ما على أهل مذهبه, فإذا سمع3 خصمه به, وأجلب عليه قال: هذا لا يقول به أحد من الفريقين, فيخرجه مخرج التقبيح له, والتشنيع عليه. وذلك كإنكار أبي العباس4 جواز تقديم خبر "ليس" عليها, فأحد ما يحتج به عليه أن يقال له: إجازة هذا مذهب سيبويه5 وأبي الحسن وكافة أصحابنا5، والكوفيون5 أيضًا معنا. فإذا كانت إجازة ذلك مذهبًا للكافة من البلدين6 وجب عليك

_ 1 زيادة في أ، وقد خلت منها ش، ب. 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "في أصحابه". وفي ج: "من أصحابنا". و"ينبغ" أي يخرج ويظهر، والضمير في "أصحابه يعود على "نابغ". 3 يقال: سمع بالرجل: أذاع عنه عيبا وندد به ونصحه. 4 أبو العباس هو المبرد. 5 عبارة ابن عقيل عند قول ابن مالك: ومنع سبق خبر ليس اصطفى "اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها، فذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين -ومنهم المصنف- إلى المنع، وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز، فتقول: قائما ليس زيد. واختلف النقل عن سيبويه، فنسب قوم إليه الجواز وقوم المنع. وفي الإنصاف في المسألة 18 ص73: "ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر ليس عليها. وإليه ذهب أبو العباس المبرد من البصريين؛ وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه. وليس بصحيح. والصحيح أنه ليس له في ذلك نص. وذهب البصريون إلى أنه يجوز تقديم خبر ليس عليها" وفي الارتشاف نسخة الدار رقم 1106 نحو في الورقة 167أ: "وأما تقديم خبر ليس عليها فذهب جمهور الكوفيين والمبرد وابن السراج والسيرافي وأبو علي في الحلبيات وابن عبد الوارث والجرجاني والسبيلي وأكثر المتأخرين إلى أنه لا يجوز. وذهب قدماء البصريين والفراء وأبو علي في المشهور وابن برهان والزمخشري والأستاذ أبو علي إلى جواز ذلك، واختاره ابن عصفور، وروي أيضًا عن السيرافي. واختلف النقل في ذلك عن سيبويه، فنسب الجواز والمنع إليه. وقال ابن جني في الخصائص عن المبرد: خالف في ذلك البصريين والكوفيين". 6 يريد البصرة والكوفة.

-يا أبا العباس- أن تنفر عن خلافه, وتستوحش منه, ولا تأنس بأول خاطر يبدو لك فيه. ولعمري إن هذا ليس بموضع قطع على الخصم إلا أن فيه تشنيعًا عليه وإهابة به إلى تركه وإضافة1 لعذره في استمراره عليه وتهالكه فيه، من غير إحكامه وإنعام الفحص عنه. وإنما لم يكن فيه قطع لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس ما لم يلو2 بنص أو ينتهك حرمة شرع. فقس على ما ترى؛ فإنني إنما أضع من كل شيء مثالا موجزًا.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "إضافة". وما أثبت هو الصواب. والإضافة: التضييق. 2 يقال: ألوى بالكلام: خلاف به عن جهته، وانحرف عن قصده.

باب القول على إجمال أهل العربية متى يكون حجة

باب القول على إجمال أهل العربية متى يكون حجة ... باب القول على إجماع أهل العربية متى يكون حجة: اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف1 المنصوص. والمقيس على النصوص فأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه. وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره في قرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله2: "أمتي لا تجتمع على ضلالة" وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش: "تخالف". وهو تحريف. وفي ب لم ينقط الحرف الأول. 2 روي هذا الحديث بعدة طرق، وفي بعضها: "لا تجتمع أمتي على خطأ" , ويستدل بهذا الأصوليون على حجية الإجماع. وفي أسانيده بعض المقال، غير أنه قيل: إن معناه روى من طرق عدة بلغت مبلغ التواتر المعنوي، فصار كجود حاتم وشجاعة عنترة، وانظر شرح ابن السبكي لمنهاج البيضاوي في مبحث الإجماع.

فكل من فرق له عن علة صحيحة وطريق نهجة1 كان خليل2 نفسه، وأبا عمرو فكره 3. إلا أننا -مع هذا الذي رأيناه وسوغناه مرتكبة- لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التي قد طال بحثها وتقدم نظرها4، وتتالت أواخر على أوائل وأعجازًا على كلاكل والقوم الذين لا نشك في أن الله -سبحانه وتقدست أسماؤه- قد هداهم لهذا العلم الكريم وأراهم وجه الحكمة في الترجيب5 له والتعظيم وجعله ببركاتهم وعلى أيدي طاعاتهم خادمًا للكتاب المنزل وكلام نبيه المرسل وعونًا على فهمهما ومعرفة ما أمر به أو نهي عنه الثقلان منهما إلا بعد أن يناهضه6 إتقانًا ويثابته عرفانًا ولا يخلد إلى سانح خاطره ولا إلى نزوة من نزوات تفكره. فإذا هو حذا على هذا المثال وباشر بإنعام تصفحه أحناء الحال أمضى الرأي فيما يريه الله منه غير معاز7 به، ولا غاض من السلف -رحمهم الله- في شيء منه. فإنه إذا فعل ذلك سدد رأيه. وشيع خاطره وكان بالصواب8 مئنة ومن التوفيق مظنة وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ 9: ما على الناس شيء أضر من قولهم:

_ 1 أي بينة واضحة، وفيما نقله الشاطبي عن ابن جني: "طريق نهج" وهو صحيح؛ فإن الطريق يذكر ويؤنث. انظر حواشي يس على الألفية ص254 ج2. 2 يريد إمام نفسه كالخليل إمام الناس، وكأبي عمرو بن العلاء في ذلك. 3 عقب الشاطبي على هذا القول بقوله: "فهو قول مردود، سبيله في ذلك سبيل النظام وبعض الخوارج والشيعة، بل نقطع بأن الإجماع في كل فن حجة شرعية". انظر المرجع السابق. 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "نظيرها" وهو خطأ. 5 كذا في ب بالجيم. وش، أ: "الترحيب" وهو تحريف. 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "يفاهمه". 7 المعازة: المغالبة. وهو هكذا في أ، ج. وفي ش، ب: "معان". وهو تحريف. 8 كذا في أ، ب. وفي ش: "الصواب". 9 كذا في ش، ب. وفي أسقط كلمة "الجاحظ".

ما ترك الأول للآخر شيئًا. وقال أبو عثمان المازني 1: "وإذا قال العالم قولا متقدمًا فللمتعلم الاقتداء به "والانتصار له"2 "والاحتجاج"3 لخلافه4 إن5 وجد إلى ذلك سبيلا" وقال الطائي الكبير: يقول من تطرق أسماعه ... كم ترك الأول للآخر 6 فمما جاز خلاف الإجماع الواقع فيه منذ بدئ هذا العلم وإلى آخر هذا الوقت ما رأيته7 أنا في قولهم: هذا حجر ضب خرب. فهذا يتناوله آخر عن أول، وتال

_ 1 كذا في أوسقط هذا اللفظ في ش، ب. وانظر قول أبي عثمان في تصريفه في "باب ما ليس من المعتل ولم يجئ على مثاله إلا من الصحيح، ص610 نسخة التيمورية. 2 في المازني: "والاحتجاج لقوله". 3 في المازني: "والاختيار". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "بخلافه"، وفي ج: "على خلافه". وهذا موطن الاستشهاد من كلام المازني. 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "إذا". 6 هو من قصيدة له في مدح أبي سعيد، أولها: قل للأمير الأريحي الذي ... كفاه للبادي وللحاضر وقبله: لا زلت من شكري في حلة ... لابسها ذو سلب فاخر فالحديث في البيت الشاهد عن حلة الثناء في البيت قبله. وانظر الديوان 143. 7 أورد السيرافي في هذا الرأي وعزاه لبعض النحويين، فهل يعني ابن جني؟ وكانت وفاة السيرافي سنة 368، ووفاة ابن جني سنة 392، والسيرافي في درجة أبي علي أستاذ ابن جني. وعلى كل حال فقد تعاصر ابن جني والسيرافي دهرا، فلا ضير أن يكون رأي ابن جني عرف في حياة السيرافي، واستحق منه العناية بذكره، وبهذا يتم لابن جني دعواه انفراده بهذا الرأي وأنه لم يسبق به. وهاك عبارة السيرافي: "ورأيت بعض النحويين قال في "هذا حجر ضب خرب" قولا شرحته وقويته بما يحتمله. زعم النحوي أن المعنى: هذا جحر ضب خرب الجحر. والذي يقوي هذا أنا إذا قلنا: خرب الجحر صار من باب حسن الوجه، وفي خرب ضمير الجحر مرفوع؛ لأن التقدير كان خرب جحر ... " ويقول ابن هشام في المغني، في القاعدة الثانية من الكتاب الثامن: "أنكر السيرافي وابن جني الخفض على الجوار، وتأولا قولهم: "خرب" على أنه صفة "ضب" ... ". وقد علمت أن نسبة هذا الرأي السيرافي من قبل أنه قواه وأيده، وليس بابن بجدته، وإذا صح أن الرأي لابن جني في الأصل كان تقديم السيرافي على ابن جني في عبارة المغني لتقدم وفاته. وانظر السيرافي في شرح الكتاب، في "هذا باب مجرى النعت على المنعوت، والشريك على الشريك، والبدل على المبدل منه، وما أشبه ذلك".

عن ماض على أنه غلط من العرب لا يختلفون فيه ولا يتوقفون عنه وأنه من الشاذ الذي لا يحمل عليه ولا يجوز رد غيره إليه. وأما أنا فعندي أن في القرآن مثل هذا الموضع نيفًا على ألف موضع. وذلك أنه على حذف المضاف لا غير. فإذا حملته على هذا الذي هو حشو الكلام من القرآن والشعر ساغ وسلس وشاع وقبل. وتلخيص هذا أن أصله: هذا جحر ضب خربٍ جحره فيجري "خرب " وصفًا على "ضب " وإن كان في الحقيقة للجحر. كما تقول مررت برجل قائم أبوه فتجري "قائمًا وصفًا على " رجل "وإن كان القيام للأب لا للرجل لما ضمن من ذكره 1. والأمر في هذا أظهر من أن يؤتى بمثال له أو شاهد2 عليه. فلما كان أصله كذلك حذف الجحر المضاف إلى الهاء وأقيمت الهاء مقامه فارتفعت لأن المضاف المحذوف كان مرفوعًا فلما ارتفعت استتر الضمير المرفوع في نفس " خرب" فجرى وصفًا على ضب -وإن كان الخراب للجحر لا للضب- على تقدير حذف المضاف على ما أرينا. وقلت آية تخلو من حذف المضاف نعم وربما كان في الآية الواحدة من ذلك عدة مواضع. وعلى نحو من هذا حمل أبو علي رحمه الله: كبير أناس في بجاد مزمل3

_ 1 أي ضميره. يريد أن المسوغ لمجيء قائم وصفا للرجل وهو ليس بوصف له في الحقيقة، بل الموصوف حقيقة الأب، هو تضمن الأب ذكر الرجل. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "وشاهد". 3 من معلقة امرئ القيس، وصدره: كأن ثبيرا في عرانين وبله وثبير -بوزن كريم- جبل. والبجاد: كساء مخطط.

ولم يحمله على الغلط قال: لأنه أراد: مزمل فيه ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول. فإذا أمكن ما قلنا ولم يكن أكثر من حذف المضاف الذي قد شاع واطرد, كان حمله عليه أولى من حمله على الغلط الذي لا يحمل غيره عليه ولا يقاس به. ومثله قول لبيد: أو مذهب جدد على ألواحه ... الناطق المبروز والمختوم1 أي المبروز به, ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول. وعليه قول الآخر: إلى1 غير موثوق من الأرض تذهب أي موثوق به ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول.

_ 1 قبله: طلل لخولة بالرسيس قديم ... فبعاقل فالأنعمين رسوم فكأن معروف الديار بقادم ... فبراق غول فالرجام وشوم فقوله: "مذهب" عطف على "وشوم". والمذهب. اللوح المطلي بالذهب فيه الكتابة. وجعل له ألواحا كأنه جعل كل جانب منه لوحا. و"جدد" جمع جدة، وهي الطريقة، والخط، كأنه يريد أسطار الكتابة. ويريد بالناطق الخط الواضح، ووصفه بـ"المبروز" أي المظهر المنشور، و"المختوم" أي غير الواضح والغامض. شبه المعروف من الديار -وهو ما بقي من آثارها ودل عليها- بالوشوم وباللوح الذي فيه كتابة، بعضها واضح وبعضها خفي. وانظر الديوان طبع أوروبا 92، وشرح الأعلم لشواهد الكتاب في حواشيه 2/ 274، وشرح السيرافي الكتاب 5/ 387 نسخة التيمورية، واللسان "برز". 2 ورد هذا الشطر مع اختلاف في ثلاثة أبيات لبشر بن أبي خازم، وهاكها: حلفت برب الداميات نحورها ... وما ضم أجياد المصلي ومذهب لئن شبت الحرب العوان التي أرى ... وقد طال إبعاد بها وترهب لتحتملن بالليل منكم ظعينة ... إلى غير موثوق من العز تهرب وانظر معجم البلدان "أجياد".

باب في الزيادة في صفة العلة لضرب من الاحتياط

باب في الزيادة في صفة العلة لضرب من الاحتياط: قد يفعل أصحابنا ذلك إذا كانت الزيادة مثبتة لحال المزيد عليه. وذلك كقولك في همز "أوائل ": أصله "أواول " فلما اكتنفت الألف واوان وقربت الثانية منهما من الطرف ولم يؤثر إخراج ذلك على الأصل تنبيهًا على غيره من المغيرات في معناه1، ولا هناك ياء قبل الطرف منوية مقدرة وكانت الكلمة جمعًا ثقل ذلك فأبدلت الواو همزة فصار أوائل. فجميع ما أوردته محتاج إليه إلا ما استظهرت به من قولك: وكانت الكلمة جمعًا فإنك لو لم تذكره لم يخلل ذلك بالعلة ألا ترى أنك لو بنيت من قلت وبعت واحدًا على فواعل كعوارض2 أو أفاعل "من أول أو يوم أو ويح "3 كأباتر4 لهمزت كما تهمز في الجمع. فذكرك "الجمع" في أثناء الحديث إنما زدت الحال به أنسًا من حيث كان الجمع في غير هذا مما يدعو إلى قلب الواو ياء في نحو حقي5 ودلي فذكرته هنا تأكيدًا لا وجوبًا. وذكراك أنهم لم يؤثروا في هذا إخراج الحرف على أصله دلالة على أصل ما غير من غيره في نحوه لئلا يدخل عليك أن يقال لك: قد قال الراجز: تسمع من شدانها عواولا6

_ 1 كذا في ج. وفي سواها: "لا لأن". 2 عوارض: جبل ببلاد طيئ, وعليه قبر حاتم. انظر اللسان في "عرض". 3 كذا في ش، ب، ج. وسقط هذا في أ. وقد كان في النسخ الثلاثة: "ريح" وأصلحتها: "ويح". 4 الأباتر: الذي يقطع رحمه: وقيل: الأباتر: الذي لا نسل له. 5 جمع حقو -بفتح الأول وسكون الثاني- وهو الخصر. 6 الشذان جمع شاذ. والعواول جمع عؤال -بكسر العين وتشديد الواو-مصدر عول أي صاح كما يقال كذب كذابا، وكأنه يصف دلوا يتناثر منها الماء أو منجنيقا يتناثر منها الحجارة. وهذا الضبط من اللسان "عول". وفي ب، ش: "شذاتها"، بفتح الشين وهو بالمعنى السابق. وفي أ، ج: "شذاتها".

وذكرت أيضًا قولك: ولم يكن هناك ياء قبل الطرف مقدرة لئلا يلزمك قوله: وكحل العينين بالعواور1 ألا ترى أن أصله عواوير من حيث كان جمع عوار. والاستظهار في هذين الموضعين أعني حديث عواول وعواور أسهل احتمالًا من دخولك تحت الإفساد عليك بهما واعتذارك من بعد بما قدمته في صدر العلة. فإذا كان لا بد من إيراده فيما بعد إذا لم تحتط بذكره "فيما قبل"2 كان الرأي تقديم ذكره والاستراحة من التعقب عليك به. فهذا ضرب. ولو استظهرت بذكر ما لا يؤثر في الحكم لكان ذلك منك خطلًا ولغوًا من القول ألا ترى أنك لو سئلت عن رفع طلحة من قولك: جاءني طلحة فقلت: ارتفع لإسناد الفعل إليه3، ولأنه مؤنث، أو لأنه علم لم يكن ذكرك التأنيث والعلمية إلا كقولك: ولأنه مفتوح الطاء أو لأنه ساكن عين الفعل ونحو ذلك مما لا يؤثر في الحال. فاعرف بذلك موضع ما يمكن الاحتياط به للحكم مما يعوى من ذلك، فلا يكون له فيه4 حجم5. وإنما المراعي من ذلك كله كونه مسندًا إليه الفعل.

_ 1 من رجز لجندل بن المثنى الطهوي وهو: غرك أن تقاربت أبا عرى ... وأن رأيت الدهر ذا الدرائر حتى عظامي وأراء ثاغري ... وكحل......................... والعوار: الرمد. يريد أن الدهر أصابه بضعف البصر من المشيب والهرم وانظر شرح شواهد الشافية للبغدادي 374. 2 زيادة في أ. وسقطت في ش، ب. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "أو". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "في ذلك". 5 أي قدر، يريد التهوين من أمره. وحجم الشيء ما يبدو منه ناتئا، فيلمس.

فإن قيل: هلا كان ذكرك أنت أيضًا هنا الفعل لا وجه له ألا ترى أنه إنما ارتفع بإسناد غيره إليه فاعلًا كان أو مبتدأ. والعلة في رفع الفاعل هي العلة في رفع المبتدأ وإن اختلفا من جهة التقديم والتأخير؟ قلنا: لا1 لسنا نقول هكذا مجردًا وإنما نقول في رفع المبتدأ: إنه إنما وجب ذلك له من حيث كان مسندًا إليه عاريًا من العوامل اللفظية قبله فيه وليس كذلك الفاعل لأنه وإن كان مسندًا إليه فإن قبله عاملًا لفظيًا قد عمل فيه وهو الفعل وليس كذلك قولنا: زيد قام لأن هذا لم يرتفع لإسناد الفعل2 إليه حسب دون أن انضم إلى ذلك تعريه من العوامل اللفظية من قبله. فلهذا قلنا: ارتفع الفاعل بإسناد الفعل إليه ولم نحتج3 فيما بعد إلى شيء نذكره كما احتجنا إلى ذلك في باب المبتدأ ألا تراك تقول: إن زيدًا قام فتنصبه -وإن كان الفعل مسندًا إليه- لما لم يعر من العامل اللفظي الناصبه. فقد وضح بذلك فرق ما بين حالي المبتدأ والفاعل في وصف تعليل ارتفاعهما وأنهما وإن اشتركا في كون كل واحد منهما مسندًا إليه فإن هناك فرقًا من حيث أرينا. ومن ذلك قولك في جواب من سألك عن علة انتصاب زيد من قولك: ضربت زيدًا: إنه إنما انتصب لأنه فضلة ومفعول به فالجواب قد استقل بقولك: لأنه فضلة وقولك من بعد: "ومفعول به " تأنيس وتأييد لا ضرورة بك إليه ألا ترى أنك تقول في نصب "نفس " من قولك: طبت به نفسًا: إنما انتصب لأنه فضلة وإن كانت النفس هنا فاعلة في المعنى. فقد علمت بذلك أن قولك: ومفعول به

_ 1 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 2 هذا في ظاهر الأمر، وإلا فالفعل مسند إلى ضميره، والمسند إلى "زيد" جملة الفعل والفاعل. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "يحتج".

زيادة على العلة تطوعت بها. غير أنه في ذكرك كونه مفعولًا معنى ما وإن كان صغيرًا. وذلك أنه قد ثبت وشاع في الكلام أن الفاعل رفع والمفعول به نصب وكأنك أنست بذلك شيئًا. وأيضًا فإن فيه ضربًا من الشرح. وذلك أن كون الشيء فضلة لا يدل على أنه لا بد من أن يكون مفعولًا1 به ألا ترى أن الفضلات كثيرة كالمفعول به والظرف والمفعول له والمفعول معه والمصدر والحال والتمييز والاستثناء. فلما قلت: "ومفعول به"2 ميزت أي الفضلات هو. فاعرف ذلك وقسه.

_ 1 كذا في أ. وسقط لفظ "به" في ش، ب. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "المفعول".

باب في عدم النظير

باب في عدم النظير: أما إذا دل الدليل فإنه لا يجب إيجاد النظير. وذلك مذهب الكتاب1 فإنه حكى فيما جاء على فِعِلٍ "إبلا " وحدها ولم يمنع الحكم بها عنده أن لم يكن لها نظير لأن إيجاد النظير بعد قيام الدليل إنما هو للأنس به لا للحاجة إليه. فأما إن لم يقم دليل فإنك محتاج إلى إيجاد النظير ألا ترى إلى عِزويت2، لما لم يقم الدليل على أن واوه وتاءه أصلان احتجت إلى التعلل3 بالنظير فمنعت من أن يكون "فِعويلا" لما لم تجد له نظيرًا وحملته على "فِعليت" لوجود النظير وهو عفريت ونفريت. وكذلك قال أبو عثمان في الرد على من4 ادعى أن "السين" و"سوف" ترفعان الأفعال المضارعة: لم نر عاملًا في الفعل تدخل عليه اللام وقد قال سبحانه {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} . فجعل عدم النظير ردًّا على من أنكر قوله.

_ 1 يرد كتاب سيبويه. وانظر ص315 ج2 إذ يقول: "ويكون فعلا في الاسم نحو إبل. وهو قليل لا نعلم في الأسماء والصفات غيره". 2 ذكره سيبويه في الكتاب 2/ 348 وفسره ثعلب بالقصير، وقال ابن دريد: اسم موضع. وانظر معجم البلدان. 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "التعليل". 4 في ابن علان "وهذا القائل لم أر من سماه". وانظر الأشباه 266.

وأما1 إن لم يقم الدليل ولم يوجد النظير فإنك تحكم مع عدم النظير. وذلك كقولك في الهمزة والنون من أندلس 2: إنهما زائدتان, وإن وزن الكلمة بهما "أنفعُل " وإن كان مثالا لا نظير له. وذلك أن النون لا محالة زائدة؛ لأنه ليس في ذوات الخمسة شيء على " فعلَلُل" فتكون النون فيه أصلا لوقوعها موقع العين, وإذا ثبت أن النون زائدة فقد برد في يدك ثلاثة أحرف أصول وهي الدال واللام والسين, وفي3 أول الكلمة همزة, ومتى وقع ذلك حكمت بكون الهمزة زائدة, ولا تكون النون أصلا والهمزة زائدة؛ لأن ذوات الأربعة لا تلحقها الزوائد من أوائلها إلا في الأسماء الجارية على أفعالها؛ نحو مدحرج وبابه. فقد وجب إذًا أن الهمزة والنون زائدتان وأن الكلمة بهما على أنفعل وإن كان هذا مثالا لا نظير له. فإن4 ضام الدليل النظير فلا مذهب بك عن ذلك؛ وهذا كنون عنتر 5. فالدليل يقضي بكونها أصلا, لأنها مقابلة لعين جعفر, والمثال أيضًا معك وهو " فعلَل" وكذلك القول على بابه. فاعرف ذلك وقس.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "فأما". 2 ضبطها شارح القاموس بضم الهمزة، وفي معجم البلدان بفتحها. ويقول ابن الطيب في شرح الاقتراح 79 نسخة التيمورية في الكلام على الأندلس: "ومن ضبطه بضم الهمزة أو الدال أو بضمهما فقد حرفه، وإن حكى شيخ شيوخنا الشهاب الخفاجي في شرح الشفا أن ضم الدال لغة، وأما ضم الهمزة فلا قائل به". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "ففي". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "وإن". 5 من معانيه الشجاع والذباب.

باب في إسقاط الدليل

باب في إسقاط الدليل: وذلك كقول أبي عثمان: لا تكون الصفة غير مفيدة فلذلك قلت: مررت برجل أفعل 1. فصرف أفعل هذه لما لم تكن الصفة مفيدة. وإسقاط هذا أن يقال له: قد جاءت الصفة غير مفيدة. وذلك كقولك في جواب من قال رأيت زيدًا: آلمنيّ2 يا فتى فالمنيّ صفة, وغير مفيدة. ومن ذلك قول البغداديين 3: إن الاسم يرتفع بما يعود عليه من ذكره؛ نحو زيد مررت به, وأخوك أكرمته. فارتفاعه عندهم إنما هو لأن عائدًا عاد عليه, فارتفع بذلك العائد. وإسقاط هذا الدليل أن يقال لهم: فنحن نقول: زيد هل ضربته, وأخوك متى كلمته ومعلوم أن ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله فكما اعتبر أبو عثمان أن كل صفة فينبغي أن تكون مفيدة فأوجد4 أن من الصفات ما لا يفيد وكان ذلك كسرًا لقوله؛ كذلك قول هؤلاء: إن كل عائد على اسم عار من العوامل يرفعه يفسده وجود عائد على اسم عار من العوامل وهو غير رافع له, فهذا5 طريق هذا.

_ 1 أي تكنى به عن صفة زنتها أفعل كأحمق. يرى سيبويه منع صرف هذا، ويخالف أبو عثمان المازني. وانظر الكتاب ص6 ج2، وشرح الكافية للرضي ص135 ج2، والهمع 1/ 73. 2 تريد السؤال عن نسبه، والمني منسوب إلى من. وكأنك قلت آلقرشي؟ أو البكري؟ والأكثر في هذا قراءته بهمزة الاستفهام كما أثبته. وانظر الكتاب 1/ 404، وشرح الرضي للكافية 2/ 64، والهمع 2/ 153. 3 سبق له نسبة هذا إلى الكوفيين في ص19. 4 من قولهم: أوجدته مطلوبه: أظفرته به، أي حصل له هذا الأمر، وهو يرد عليه. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "فهذه".

باب في اللفظين على المعنى الواحد يردان عن العالم متضادين

باب في اللفظين على المعنى الواحد يردان عن العالم متضادين: وذلك عندنا على أوجه: أحدها أن يكون أحدهما مرسلا والآخر معللا. فإذا اتفق ذلك كان المذهب الأخذ بالمعلل, ووجب مع ذلك أن يتأول المرسل. وذلك كقول صاحب الكتاب -في غير موضع- في التاء من "بنت وأخت ": إنها للتأنيث1، وقال أيضًا مع ذلك في باب2 ما ينصرف وما لا ينصرف: إنها ليست للتأنيث. واعتل لهذا القول بأن ما قبلها ساكن وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكنًا, إلا أن يكون ألفًا كقناة, وفتاة, وحصاة, والباقي كله مفتوح كرطبة وعنبة وعلامة ونسابة. قال 3: ولو سميت رجلا ببنت وأخت لصرفته 4. وهذا واضح. فإذا ثبت هذا القول الثاني بما ذكرناه, وكانت التاء فيه إنما هي عنده على ما قاله بمنزلة تاء "عفريت " و "ملكوت " وجب أن يحمل قوله فيها: إنها للتأنيث على المجاز وأن يتأول ولا يحمل القولان على التضاد. ووجه الجمع بين القولين أن هذه التاء وإن لم تكن عنده للتأنيث فإنها لما لم توجد في الكلمة إلا في حال التأنيث استجاز أن يقول فيها: إنها للتأنيث ألا ترى أنك إذا ذكرت قلت " ابن" فزالت التاء كما تزول التاء من قولك: ابنة. فلما ساوقت تاء بنت تاء ابنة وكانت تاء ابنة للتأنيث قال في تاء بنت ما قال في تاء ابنة. وهذا من أقرب ما يتسمح به في هذه الصناعة ألا ترى أنه قال5 في عدة مواضع في نحو "حمراء "

_ 1 كقوله في ص82 ج2: "وأما بنت فإنك تقول: بنوي من قبل أن هذه التاء التي للتأنيث لا تثبت في الإضافة". وانظر أيضًا ص348 ج2. 2 انظر ص13 ج2. 3 أي في الموطن السابق. 4 كذا في أ. وفي ش، ب زيادة "معرفة" وهذه زيادة لا حاجة إليها، وليست في عبارة سيبويه. 5 كقوله في ص10 ج2: "واعلم أن الألفين لا تزادان أبدا إلا للتأنيث".

و "أصدقاء " و "عشراء " 1 وبابها: إن الألفين للتأنيث وإنما صاحبة التأنيث منهما الأخيرة التي قلبت همزة لا الأولى, وإنما الأولى زيادة لحقت قبل الثانية التي هي كألف "سكرى " و "عطشى " فلما التقت الألفان وتحركت الثانية قلبت همزة. ويدل على أن الثانية للتأنيث وأن الأولى ليست له أنك لو2 اعتزمت إزالة العلامة للتأنيث في هذا الضرب من الأسماء غيرت الثانية وحدها ولم تعرض للأولى. وذلك قولهم "حمراوان " و "عشراوات " و "صحراوي ". وهذا واضح. قال أبو علي رحمه الله: ليس بنت من ابن كصعبة من صعب, إنما تأنيث ابن على لفظه2 ابنة. والأمر على ما ذكر. فإن قلت: فهل في بنت وأخت علم تأنيث أو لا؟ قيل: بل فيهما علم تأنيث. فإن قيل: وما ذلك العلم قيل: الصيغة "فيهما علامة تأنيثهما "4، وذلك أن أصل هذين الاسمين عندنا فعل: بنو وأخو بدلالة تكسيرهم إياهما على أفعال في قولهم: أبناء وآخاء. قال بشر5 بن المهلب: وجدتم بنيكم دوننا إذ نسيتم ... وأي بنى الآخاء تنبو مناسبه فلما عدلا عن فَعل إلى فِعل وفُعل وأبدلت لاماهما تاء فصارتا بنتا وأختا كان هذا العمل وهذه الصيغة علمًا لتأنيثهما ألا تراك إذا فارقت هذا الموضع من التأنيث رفضت هذه الصيغة البتة فقلت في الإضافة إليهما: بنوي وأخوي كما أنك إذا أضفت إلى ما فيه علامة تأنيث أزلتها البتة نحو حمراوي وطلحي وحبلوي. فأما قول يونس: بنتي وأختي فمردود عند سيبويه. وليس هذا الموضع موضوعًا للحكم بينهما وإن كان لقول يونس أصول تجتذبه وتسوغه.

_ 1 يقال ناقة عشراء: مضى لحملها عشرة أشهر. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "إذا". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "لفظ". وقوله: "لفظه" أي لفظ "ابن" فكأن "بنتا" تأنيث "ابن" على معناه لا على لفظه. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "فيها علامة تأنيثها". 5 كذا في ش، ج. وفي أ: "يسر".

وكذلك1 إن قلت: إذا كان سيبويه لا يجمع بين ياءي2 الإضافة وبين صيغة بنت, وأخت, من حيث كانت الصيغة علمًا لتأنيثهما فلم صرفهما3 علمين لمذكر, وقد أثبت فيهما علامة تأنيث بفكها ونقضها مع ما لا يجامع علامة التأنيث: من4 ياءي الإضافة في بنوي وأخوي؟ فإذا أثبت5 في6 الاسمين بها7 علامة للتأنيث فهلا8 منع الاسمين الصرف بها مع التعريف كما تمنع الصرف باجتماع التأنيث إلى التعريف في نحو طلحة وحمزة وبابهما فإن هذا أيضًا مما قد أجبنا عنه في موضع آخر. وكذلك القول في تاء ثنتان, وتاء ذيت, وكيت, وكلتى: التاء في جميع ذلك بدل من حرف علة, كتاء بنت وأخت, وليست للتأنيث. إنما التاء في ذية, وكية, واثنتان وابنتان, للتأنيث. فإن قلت: فمن أين لنا في علامات التأنيث ما يكون معنى9 لا لفظًا؟ قيل: إذا قام الدليل لم يلزم النظير. وأيضًا فإن التاء في هذا وإن لم تكن للتأنيث فإنها بدل خص التأنيث والبدل وإن كان كالأصل لأنه بدل منه فإن له أيضًا شبهًا بالزائد من موضع آخر, وهو كونه غير أصل, كما أن الزائد غير أصل؛ ألا ترى إلى ما حكاه10 عن أبي الخطاب من قول بعضهم في راية: راءة بالهمز, كيف شبه ألف

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "إذا". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "ياء". 3 في الأصول: "صرفتهما"، وما أثبته أوفق للسياق. أي فلم صرفهما سيبويه. 4 بيان لما لا يجامع علامة التأنيث. 5 في الأصول: "ثبت" وما أثبته أوفق للسياق، والحديث في هذا كله عن سيبويه. 6 كذا في أوفي ش، ب: "مع". 7 يريد الصيغة في بنت وأخت وقد قامت مقام علامة التأنيث. وقد اعتمدت في إثبات "بها" على أوفي ش، ب: "بهاء" وهو خطأ. 8 أي سيبويه. 9 يريد الصيغة هي علم تأنيث بنت وأخت، والصيغة ليست بلفظ. 10 أي سيبويه. انظر الكتاب 2/ 130.

راية -وإن كانت بدلا من العين- بالألف الزائدة, فهمز اللام بعدها كما يهمزها بعد الزائدة في نحو سقاء وقضاء. وأما قول أبي عمر 1: إن التاء في كلتى زائدة, وإن مثال الكلمة بها "فِعتل " فمردود عند أصحابنا؛ لما قد ذكر في معناه من قولهم: إن التاء لا تزاد حشوًا إلا في "افتعل " وما تصرف منه, "و "2 لغير ذلك، غير أني قد وجدت لهذا القول نحوًا ونظيرًا. وذلك فيما حكاه الأصمعي من قولهم للرجل القواد: الكلتبان وقال مع ذلك: هو من الكَلَب وهو القيادة. فقد ترى التاء على هذا زائدة حشوًا ووزنه فعتلان. ففي هذا شيئان: أحدهما التسديد من قول أبي عمر والآخر إثبات مثال فائت للكتاب. وأمثل ما يصرف إليه ذلك أن يكون الكلب ثلاثيًا والكلتبان رباعيًا؛ كزرم3 وازرأم3 وضفد4، واضفأد4، وكزغَّب5 الفرخ وازلَغب5، ونحو ذلك من الأصلين الثلاثي والرباعي المتداخلين. وهذا غور عرض, فقلنا فيه ولنعد. ومن ذلك أن يرد اللفظان عن العالم متضادين على غير هذا الوجه. وهو أن يحكم في شيء بحكم ما ثم يحكم فيه نفسه بضده غير أنه لم يعلل أحد القولين. فينبغي حينئذ أن ينظر إلى الأليق بالمذهب والأجرى على قوانينه فيجعل هو المراد المعتزم منهما ويتأول الآخر إن أمكن.

_ 1 يريد الجرمي صالح بن إسحاق. أخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عبيدة، ومات سنة 225، انظر اللسان في "كلو". 2 كذا في أ، ب. وفي ش سقطت الواو. 3 يقال: زرم دمعه وازرأم: انقطع. 4 يقال ضفد الرجل واضفأد: كان ثقيل اللحم رخوا أحمق. وفي الأصول: "ضفندد" وهو الوصف من ضفد بزيادة الإلحاق. وما أثبته أوفق بالسياق. 5 زغب الفرخ وازلغب: طلع ريشه.

وذلك كقوله 1: حتى الناصبة للفعل وقد تكرر من قوله أنها حرف من حروف الجر وهذا ناف لكونها ناصبة له, من حيث كانت عوامل الأسماء لا تباشر الأفعال فضلًا عن أن تعمل فيها. وقد استقر من قوله في غير مكان ذكر عدة الحروف الناصبة للفعل وليست فيها حتى. فعلم بذلك وبنصه2 عليه في غير هذا الموضع أن "أن " مضمرة عنده بعد حتى كما تضمر مع اللام الجارة في نحو قوله سبحانه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} ونحو ذلك. فالمذهب إذًا هو هذا. ووجه القول في الجمع بين القولين بالتأويل أن الفعل لما انتصب بعد حتى ولم تظهر هناك "أن " وصارت3 حتى عوضًا منها ونائبة عنها نسب4 النصب إلى "حتى " وإن كان في الحقيقة لـ "أن ". ومثله معنى لا إعرابًا قول الله سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} . فظاهر هذا تناف بين الحالتين؛ لأنه أثبت في أحد القولين ما نفاه قبله 5: وهو قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} . ووجه الجمع بينهما أنه لما كان الله أقدره على الرمي ومكنه منه وسدده له وأمره به فأطاعه في فعله نسب الرمي إلى الله وإن كان مكتسبًا للنبي صلى الله عليه وسلم مشاهدًا منه 6. ومثله معنى قولهم: أذن ولم يؤذن, وصلى ولم يصل؛ ليس أن الثاني ناف للأول لكنه لما لم يعتقد الأول مجزئًا لم يثبته صلاة ولا أذانًا.

_ 1 يريد سيبويه. يقول في ص413 ج1: "اعلم أن حتى تنصب على وجهين". 2 انظر ص407 ج1 من الكتاب. 3 كذا بواو العطف في ج. وسقطت في سائر الأصول. 4 كذا في ش، ب. وفي أ. "نسبت". 5 كذا في ش، ب، وفي أ: "قبيلة". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "منه وله".

وكلام العرب لمن عرفه وتدرب بطريقها فيه جار مجرى السحر لطفًا, وإن جسا1 عنه أكثر من ترى وجفا. ومن ذلك أن يرد اللفظان عن العالم متضادين, غير أنه قد نص في أحدهما على الرجوع عن القول الآخر فيعلم بذلك أن رأيه مستقر على ما أثبته ولم ينفه وأن القول الآخر مطرح من رأيه. فإن تعارض القولان مرسلين غير مبان أحدهما من صاحبه بقاطع يحكم عليه به بحث عن تاريخهما, فعلم أن الثاني هو ما اعتزمه, وأن قوله به انصراف منه عن القول الأول إذ2 لم يوجد في أحدهما ما يماز به عن صاحبه. فإن استبهم الأمر فلم يعرف التاريخ وجب سبر المذهبين, وإنعام الفحص عن حال القولين , فإن كان أحدهما أقوى من صاحبه وجب إحسان الظن بذلك العالم وأن ينسب إليه أن3 الأقوى منهما هو قوله الثاني الذي به يقول وله يعتقد وأن الأضعف منهما هو الأول منهما الذي تركه إلى الثاني. فإن تساوى القولان في القوة وجب أن يعتقد فيهما أنهما رأيان له؛ فإن الدواعي إلى تساويهما فيهما عند الباحث عنهما هي الدواعي التي دعت القائل بهما إلى أن أعتقد كلا منهما. هذا بمقتضى العرف وعلى إحسان الظن فأما القطع البات فعند الله علمه. وعليه طريق الشافعي في قوله بالقولين فصاعدًا. وقد كان أبو الحسن ركابًا4 لهذا الثبج5 آخذًا به, غير محتشم منه, وأكثر كلامه في عامة كتبه عليه. "وكنت6 إذا

_ 1 جسا ضد لطف. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "إذا". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "بأن". 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "راكبا". 5 ثبج البحر: وسطه ومعظمه. 6 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "وكنت إذا ألزمت أبا الحسن شيئا في بعض أقواله يقول أبو علي: مذاهب أبي الحسن كثيرة" وأبو الحسن هو الأخفش سعيد بن مسعدة.

ألزمت عند أبي علي -رحمه الله- قولا لأبي الحسن شيئًا لا بد للنظر من إلزامه إياه يقول لي: مذاهب أبي الحسن كثيرة ". ومن الشائع في الرجوع عنه من المذاهب ما كان أبو العباس تتبع1 به كلام سيبويه وسماه مسائل الغلط. فحدثني أبو علي عن أبي بكر2 أن أبا العباس كان يعتذر منه ويقول 3: هذا شيء كنا رأيناه في أيام الحداثة, فأما الآن فلا. وحدثنا أبو علي قال: كان أبو يوسف4 إذا أفتى بشيء5 أو أمل6 شيئًا فقيل له: قد قلت في موضع كذا غير هذا يقول: هذا يعرفه من يعرفه أي إذا أنعم النظر في القولين وجدا مذهبًا واحدًا. وكان أبو علي -رحمه الله- يقول في هيهات: أنا أفتي مرة بكونها اسمًا سمي به الفعل كصه ومه وأفتي مرة أخرى بكونها ظرفًا7، على قدر ما يحضرني في الحال. وقال مرة أخرى: إنها وإن كانت ظرفًا فغير ممتنع أن تكون8 مع ذلك اسمًا سمي به الفعل كعندك ودونك. وكان إذا سمع شيئًا من كلام أبي الحسن يخالف قوله يقول: عكر9 الشيخ. وهذا ونحوه من خلاج الخاطر وتعادي المناظر هو الذي دعا أقوامًا إلى أن قالوا بتكافؤ الأدلة10، واحتملوا أثقال الصغار والذلة.

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "يتبع". 2 هو ابن السراج، وأبو العباس هو المبرد. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "يقول فيه". 4 يريد صاحب أبي حنيفة يعقوب بن إبراهيم. مات سنة 183 في خلافة هارون الرشيد. 5 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "شيئا". 6 كذا في أوهذا ونحوه، ب. وفي ش: "أملى" وهما لغتان. 7 فإذا قلت: هيهات ما تقول فالمعنى: في البعد ما تقول، كما تقول: الحق أنك عالم أي في الحق وهذا الرأي سبق به المبرد في المقتضب في باب الاسم الذي تلحقه صوتا أعجميًا، يقول فيه: "فأما هيهات فتأويلها: في البعد، وهي ظرف غير متمكن، لإبهامها، ولأنها بمنزلة الأصوات". 8 كذا في ج وفي عبارة اللسان "هيه". وفي سائر الأصول: "يكون". 9 أي أخرج كلامه عن الوضوح والصفا، من قولهم: عكر الشراب: جعل فيه ما يكدره ويجعله عكرا. 10 تكافؤ الأدلة: تساويها. فلا ينصر مذهب على مذهب، ودلائل كل مقالة عند القائلين به مكافئة لدلائل سائر المقالات، وانظر الملل والنحل لابن حزم 4/ 119.

وحدثني أبو علي؛ قال: قلت لأبي عبد الله البصري: أنا أعجب من هذا الخاطر في حضوره تارة ومغيبه أخرى. وهذا يدل على أنه من عند الله. فقال: نعم هو من عند الله إلا أنه لا بد من تقديم النظر ألا ترى أن حامدًا البقال لا يخطر له. ومن طريف1 حديث هذا الخاطر أنني كنت منذ زمان طويل رأيت رأيًا جمعت فيه بين معنى آية ومعنى قول الشاعر 2: وكنت أمشي على رجلين معتدلا ... فصرت أمشي على أخرى من الشجر ولم أثبت حينئذ شرح حال الجمع بينهما ثقة بحضوره متى استحضرته ثم إني الآن -وقد مضى له سنون- أعان3 الخاطر وأستثمده4، وأفانيه5 وأتودده على أن يسمح لي بما كان أرانيه من الجمع بين معنى الآية والبيت وهو معتاص متأب وضنين به غير معط. وكنت وأنا أنسخ التذكرة لأبي علي إذا مر بي شيء قد كنت رأيت طرفًا منه أو ألممت به فيما قبل أقول له: قد كنت شارفت هذا الموضع وتلوح لي بعضه ولم أنته إلى آخره وأراك أنت قد جئت به واستوفيته وتمكنت فيه فيبتسم -رحمه الله- له ويتطلق6 إليه؛ سرورًا باستماعه، ومعرفة بقدر نعمة الله عنده فيه، وفي أمثاله.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "ظريف". 2 نسبه البغدادي في شرح شواهد الشافية 360 إلى أبي حية، ونسبه في الأمالي 2/ 163 في أربعة أبيات إلى عبد من عبيد بجيلة أسود، وانظر السمط 785. ويريد بـ"أخرى من الشجر" العصا يعتمد عليها حين أدركه الهرم. 3 أي أعارض. 4 أي أتخذه ثمدا -وهو الماء القليل- أرده وأرتوي منه. 5 أي أصانعه وأداريه. 6 كذا في أ، وفي غيرها: "ينطلق".

وقلت مرة لأبي1 بكر أحمد بن علي الرازي -رحمه الله- وقد أفضنا في ذكر أبي علي ونبل قدره ونباوة2 محله: أحسب أن أبا علي قد خطر له وانتزع من علل هذا العلم ثلث3 ما وقع لجميع أصحابنا, فأصغى أبو بكر إليه ولم يتبشع هذا القول عليه. وإنما تبسطت في هذا الحديث ليكون باعثًا على إرهاف الفكر واستحضار الخاطر والتطاول إلى ما أوفى نهده, وأوعر سمته وبالله سبحانه الثقة. باب في الدور4 والوقوف منه على أول رتبة هذا موضع كان أبو حنيفة -رحمه الله- يراه ويأخذ به. وذلك أن تؤدي الصنعة إلى حكم ما مثله مما يقتضي التغيير؛ فإن أنت غيرت صرت5 أيضًا إلى مراجعة مثل ما منه هربت. فإذا حصلت على هذا وجب أن تقيم على أول رتبة،

_ 1 في هامش ب: "أبو بكر الرازي هو المشهور من أصحابنا بالجصاص" والجصاص هو شيخ الحنفية ببغداد، التصانيف الكثيرة، منها شرح مختصر الكرخي، وكتاب في أصول الفقه. وقد طبع له في القسطنطينية سنة 1335هـ كتاب أحكام القرآن في ثلاثة مجلدات. وكانت وفاته سنة 370هـ. وانظر الشذرات 3/ 71، والنجوم الزاهرة 4/ 138، والفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي. 2 النباوة: الارتفاع والشرف. 3 تنازعه خطر وانتزع، وقد أعمل الثاني. 4 المقصود بهذا المبحث "الدور في الفقه" وهو أن يعتق السيد أمته في مرض الموت ويعقد النكاح عليها فإنها لا ترث للزوم الدور وذلك أنها لو ورثت لكان عتقها تبرعا على وارث في مرض الموت، وهو يتوقف على إجازة الورثة وهي منهم. وإنما تصح إجازتها إذا عتقت. فتوقف عتقها على إجازتها، وتوقف إجازتها على عتقها، والخلوص من الدور بعتقها دون إرثها، وانظر كتابة الباجوري على الرحبية في الفرائض: 62. وهو غير المبحث السابق فيه "دور الاعتلال ص184"؛ فإن ذاك في الدور يقع في العلة لحكم في العربية يقول بها النحوي، فيعود على العلة بالفساد، وهنا يراد أن القياس على النظائر في بعض الأمور يقتضي بحكم، فتكف العرب عنه؛ لأنه يفضي إلى الدور ومن أمثلة الدور أنك لو نسبت إلى العصا تقلب الألف واوا فتقول: عصوي، فإذا قلت هذا فإن الواو تدخل في باب الواو المتحركة المفتوح ما قبلها، وهذا يقضي بقلبها ألفا، ولكن تجنب هذا فرارا من الدور؛ فإنك لو قلبت الواو ألفا لعدت فقلبت الألف واوا؛ لوقوعها قبل ياءي الإضافة، فترجع إلى الواو. وانظر شرح الرضي للشافية 3/ 109. 5 في و"عرت" وهو محرف من "عدت".

ولا تتكلف عناء ولا مشقة. وأنشدنا أبو علي -رحمه الله- غير دفعة1 بيتًا مبني معناه على هذا وهو: رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا2 وذلك كأن تبني من قويت مثل رسالة فتقول على التذكير3: قواءة وعلى التأنيث: قواوة, ثم تكسرها على حد قول الشاعر 4: موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطينا يحلبون الأتاويا5 جمع إتاوة؛ فيلزمك أن تقول حينئذ: قواوٍ فتجمع بين واوين مكتنفتي ألف التكسير, ولا حاجز بين الأخيرة منهما وبين الطرف. ووجه ذلك أن الذي قال "الأتاويا " إنما أراد جمع إتاوة, وكان قياسه أن يقول: أتاوى؛ كقوله في علاوة وهراوة: علاوى وهراوى غير أن هذا الشاعر سلك طريقًا أخرى غير هذه. وذلك أنه لما كسر إتاوة حدث في مثال التكسير همزة بعد ألفه بدلا من ألف فعالة كهمزة رسائل وكنائن فصار التقدير به إلى أتاء، ثم تبدل6 من كسرة الهمزة فتحة؛ لأنها عارضة في الجمع, واللام معتلة

_ 1 كذا في أ. وفي غيرها: "مرة". 2 البيت في عيون الأخبار 3/ 54 منسوب إلى محمود الوراق، وفيه: رأى الهم. 3 كأنه يريد: على اعتبار التاء عارضة على قواو في حكم المنفصلة فتكون الواو في حكم الطرف، فتستحق الإعلال: وأما على التأنيث فإن الكلمة تكون كشقاوة، فلا تكون الواو في الطرف فتصح؛ إذ كانت الكلمة بنيت على التاء. 4 هو النابغة الجعدي: انظر اللسان في "أتو". 5 قبله: فلا تنتهي أضغان قومي بينهم ... وسوأتهم حتى يصيروا مواليا وقوله: "يحلبون الأتاويا" أي يعطونها، وذلك أئهم خدم فهم يأخذون الخراج والأجر على خدمتهم. ورواية اللسان في "أتو": "يسألون الأتاويا". وانظر اللسان في "حلب" ويبدو أن من هذه القصيدة ما أورده له ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 252 تحقيق الأستاذ أحمد شاكر؛ يذكر قومه: ولو أن قومي لم تخف صدورهم ... وأحلامهم أصبحت للفنق آسيا ولكن قومي أصبحوا هثل خيبر ... بها داؤها ولا تضر الأعاديا 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "يبدل".

كباب مطايا, وعطايا, فتصير حينئذ إلى أتاءيَ ثم تبدل من الياء ألفًا فتصير إلى أتاءا ثم تبدل من الهمزة واوًا؛ لظهورها لامًا في الواحد؛ فتقول: أتاوى كعلاوى. وكذا تقول العرب في تكسير إتاوة: أتاوى. غير أن هذا الشاعر لو فعل ذلك لأفسد قافيته فاحتاج إلى قرار الكسرة بحالها لتصح بعدها الياء التي هي روي القافية كما معها من القوافي التي هي "الروابيا " و "الأدانيا" ونحو ذلك فلم يستجز أن يقر الهمزة العارضة في الجمع بحالها إذ كانت العادة في هذه الهمزة أن تعل وتغير إذا كانت اللام معتلة فرأى إبدال همزة أتاء واوًا ليزول لفظ الهمزة التي من عادتها في هذا الموضع أن تعل ولا تصح لما ذكرنا فصار "الأتاويا ". وكذلك قياس فعالة من القوة إذا كسرت أن تصير بها الصنعة إلى قواء ثم تبدل من الهمزة الواو كما فعل من قال "الأتلويا " فيصير اللفظ إلى قواو. فإن أنت استوحشت من اكتناف الواوين لألف التكسير على هذا الحد وقلت: أهمز كما همزت1 في أوائل لزمك أن تقول: قواء؛ ثم يلزمك ثانيًا أن تبدل من هذه الهمزة الواو على ما مضى من حديث " الأتاويا " فتعاود أيضًا قواو ثم لا تزال بك قوانين الصنعة إلى أن تبدل من الهمزة الواو ثم من الواو الهمزة ثم كذلك ثم كذلك إلى ما لا غاية2. فإن أدت الصنعة إلى هذا ونحوه وجبت الإقامة3 على أول رتبة منه وألا تتجاوز إلى أمر ترد4 بعد إليها, ولا توجد5 سبيلا ولا منصرفًا عنها.

_ 1 كذا في أ. وفي ش, ب: "أهمز". 2 كذا في الأصول. والخبر محذوف أي لا غاية له. 3 أي لا تعدل عنها إلى غيرها، لئلا يلزم الدور، أو قصر للمسافة وإراحة من التعب والعنت والعبث، انظر شرحي الاقتراح. 4 كذا في أ. وفي غيرها: "يرد". 5 هو من أوجدتك المال: أمكنتك منه وأظفرتك به. وما أثبته "توجد" في أوفي ش، ب: "يوجد".

فإن قلت: إن بين المسألتين فرقًا. وذلك أن الذي قال "الأتاويا " إنما دخل تحت هذه الكلفة والتزم ما فيها من المشقة وهي ضرورة واحدة وأنت إذا قلت في تكسير مثال فعالة من القوة: قواو قد التزمت ضرورتين: إحداهما إبدالك1 الهمزة الحادثة في هذا المثال واوًا على ضرورة " الأتاويا" والأخرى كنفك الألف بالواوين مجاورًا آخرهما الطرف فتانك ضرورتان, وإنما هي في "الأتاويا " واحدة. وهذا فرق, يقود إلى اعتذار وترك. قيل: هذا ساقط وذلك أن نفس السؤال قد كان ضمن ما يلغي هذا الاعتراض؛ ألا ترى أنه كان: كيف2 يكسر مثال فعالة من القوة على قول من قال "الأتاويا "؟ والذي قال ذلك كان قد أبدل من الهمزة العارضة في الجمع واوًا فكذلك فأبدلها أنت أيضًا في مسألتك. فأما كون ما قبل الألف واوًا أو غير ذلك من الحروف فلم يتضمن السؤال ذكرًا له ولا عيجًا3, فلا يغني إذًا ذكره ولا الاعتراض على ما مضى بحديثه أفلا ترى أن هذا الشاعر لو كان يسمح نفسًا بأن يقر هذه الهمزة العارضة في أتاء مكسورة بحالها كما أقرها الآخر في قوله 5: له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا6

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "إبدال". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "كيف كان". وما أثبت أقرب، يريد أن السؤال الذي وقع هو: كيف يكسر إلخ، أي صيغة السؤال هكذا. 3 أي اكتراثا، يقال: ما عاج بالشيء، أي ما عبأ به وما بالى. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "أولا ترى". 5 أي أمية بن أبي الصلت كما في اللسان في "سمو"، والخزانة 1/ 119. 6 من قصيدة في توحيد الله وذكر بعض قصص الأنبياء، وقبله: وإن يك شيء خالدا ومعمرا ... تأمل تجد من فوقه الله باقيا وقوله "له" أي لله، يريد أن لله ما تقع الأعين عليه، وقوله "وفوقه" فالضمير يرجع إلى ما رأت عين البصير، وقوله: "فوق سبع سمائيا، حال من الضمير في الخبر "فوقه". وانظر المرجع السابق.

وكان أبو علي ينشدنا1: . .. فوق ست سمائيا لقال " الأتائيا" كقوله "سمائيا ". فقد علمت بذلك شدة نفوره عن إقرار الهمزة العارضة في هذا الجمع مكسورة. وإنما اشتد ذلك عليه ونبا عنه لأمر ليس موجودًا في واحد "سمائيا " الذي هو2 سماء. وذلك أن في إتاوة واوًا ظاهرة, فكما أبدل غيره منها الواو مفتوحة في قوله " الأتاوى" كالعلاوى والهراوى؛ تنبيهًا على كون الواو ظاهرة في واحدة -أعني إتاوة- كوجودها في هراوة وعلاوة كذلك أبدل منها الواو في أتاو وإن كانت مكسورة شحًا على الدلالة على حال الواحد وليس كذلك قوله: ... فوق سبع سمائيا ألا ترى أن لام واحده ليست واوًا في اللفظ فتراعى في تكسيره؛ كما روعيت في تكسير هراوة وعلاوة. فهذا فرق -كما تراه- واضح. نعم، وقد يلتزم الشاعر لإصلاح البيت ما تتجمع فيه أشياء مستكرهة لا شيئان اثنان: وذلك أكثر من أن يحاط به. فإذا كان كذلك لزم ما رمناه وصح به ما قدمناه. فهذا طريق ما يجيء عليه؛ فقس ما يرد عليك به.

_ 1 وذلك أن السماء السابعة هي "سماء الإله" ويريد بها العرش. وانظر الكتاب 2/ 59 والمرجع السابق. 2 كذا في ش، ب وسقط "هو" في أ.

باب في الحمل عل أحسن الأقبحين

باب في الحمل عل أحسن الأقبحين ... باب في الحمل 1 على أحسن الأقبحين: اعلم أن هذا موضع من مواضع الضرورة المميلة 2. وذلك أن تحضرك الحال ضرورتين لا بد من ارتكاب إحداهما فينبغي حينئذ أن تتحمل الأمر على أقربهما وأقلهما فحشًا. وذلك كواو "ورنتل "3 أنت فيها بين ضرورتين: إحداهما أن تدعي كونها أصلا في ذوات الأربعة غير مكررة والواو لا توجد في ذوات الأربعة إلا مع

_ 1 هذه الترجمة في أشباه السيوطي 1/ 199. 2 يقال ميل بين الأمرين: رجع بينهما. فقوله: المميلة -على صيغة المفعول- يريد المميل فيها والمرجح. 3 هو الشر والأمر العظيم.

التكرير؛ نحو الوصوصة, والوحوحة, وضوضيت, وقوقيت. والآخر أن تجعلها زائدة أولا والواو لا تزاد أولا. فإذا كان كذلك كان أن تجعلها أصلا أولى من أن تجعلها زائدة وذلك أن الواو قد تكون أصلا في ذوات الأربعة على وجه من الوجوه أعني في حال التضعيف. فأما أن تزاد أولا فإن هذا أمر لم يوجد على حال. فإذا كان كذلك رفضته ولم تحمل الكلمة عليه. ومثل ذلك قولك: فيها قائمًا1 رجل. لما كنت بين أن ترفع قائمًا فتقدم الصفة على الموصوف -وهذا لا يكون- وبين أن تنصب الحال من النكرة -وهذا على قلته جائز- حملت المسئلة على الحال فنصبت. وكذلك ما قام إلا زيدًا أحد, عدلت إلى النصب؛ لأنك إن رفعت لم تجد قبله ما تبدله منه, وإن نصبت دخلت تحت تقديم المستثنى على ما استثني منه. وهذا وإن كان ليس في قوة تأخيره عنه فقد جاء على كل حال. فاعرف ذلك أصلا في العربية تحمل عليه غيره. باب2 في حمل الشيء على الشيء من غير الوجه الذي أعطى الأول ذلك الحكم: علم أن هذا باب طريقه الشبه اللفظي؛ وذلك كقولنا في الإضافة3 إلى ما فيه التأنيث بالواو وذلك نحو حمراوي وصفراوي وعشراوي. وإنما قلبت الهمزة فيه ولم تقر بحالها لئلا تقع علامة التأنيث حشوًا. فمضى هذا على هذا لا يختلف.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "قائم". 2 كتب بازاه هذه الترجمة في هامش ب: "يعطون كلمة حكم كلمة وإن لم يوجد فيها سبب الحكم؛ المشابهة بينهما". والحمل الفرع على الأصل لضرب من الشبه غير العلة التي علق عليها الحكم في الأصل. ومقابل هذا الحمل قياس العلة، وذلك أن يشترك الأصل والفرع في علة الحكم. وانظر في الاقتراح المسلك السادس من مسالك العلة، وانظر في أشياء السيوطي 1/ 201 هذه الترجمة. 3 يريد النسب.

ثم إنهم قالوا في الإضافة إلى عِلباء: علباوي, وإلى حِرباء: حرباوي؛ فأبدلوا هذه الهمزة وإن لم تكن للتأنيث, لكنها لما شابهت همزة حمراء وبابها بالزيادة حملوا عليها همزة علباء. ونحن نعلم أن همزة حمراء لم تقلب في حمراوي لكونها زائدة فتشبه بها همزة علباء من حيث كانت زائدة مثلها لكن لما اتفقتا في الزيادة حملت همزة علباء على همزة حمراء. ثم إنهم تجاوزوا هذا إلى أن قالوا في كساء وقضاء: كساوي وقضاوي فأبدلوا الهمزة واوًا حملا لها على همزة علباء من حيث كانت همزة كساء وقضاء مبدلة من حرف ليس للتأنيث فهذه علة غير الأولى ألا تراك لم تبدل همزة علباء واوًا في علباوي لأنها ليست للتأنيث فتحمل عليها همزة كساء وقضاء من حيث كانتا لغير التأنيث. ثم إنهم قالوا من بعد في قراء: قراوي فشبهوا همزة قراء بهمزة كساء من حيث كانتا أصلا غير زائدة كما أن همزة كساء غير زائدة. وأنت لم تكن أبدلت همزة كساء في كساوي من حيث كانت غير زائدة لكن هذه أشباه لفظية يحمل أحدها على ما قبله تشبثًا به وتصورًا له. وإليه وإلى نحوه أومأ سيبويه بقوله: وليس شيء يضطرون1 إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا. وعلى ذلك قالوا: صحراوات فأبدلوا الهمزة واوًا لئلا يجمعوا بين علمي تأنيث ثم حملوا التثنية عليه من حيث كان هذا الجمع على طريق التثنية ثم قالوا: علباوان حملا بالزيادة على حمراوان ثم قالوا: كساوان تشبيهًا له بعلباوان ثم قالوا: قُرّاوان حملا له على كساوان على ما تقدم.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "مما يضطرون" بزيادة "مما". وفي الكتاب ص13 ج1 ما يوافق المثبت.

وسبب هذه الحمول والإضافات والإلحاقات كثرة هذه اللغة وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها والتركح1 في أثنائها2 لما يلابسونه ويكثرون استعماله من الكلام المنثور والشعر الموزون والخطب والسجوع ولقوة إحساسهم في كل شيء شيئًا وتخيلهم ما لا يكاد يشعر به من لم يألف مذاهبهم. وعلى هذا ما منع الصرف من الأسماء للشبه اللفظي نحو أحمر وأصفر وأصرم وأحمد وتألب وتنضب علمين3؛ لما في ذلك من شبه لفظ الفعل فحذفوا التنوين من الاسم لمشابهته ما لا حصة له في التنوين وهو الفعل. والشبه اللفظي كثير. وهذا كاف.

_ 1 أي التصرف فيها والتوسع. يقال: تركح في ساحة الدار، وتركح في المعيشة: تصرف. 2 أي نواحيها ووجوهها. وأثناء الثوب: تضاعيفه ومطاويه، واحدها ثني، يكسر الثاء وسكون النون. 3 هذا راجع لـ"سنألب" و"تنضب". ويراد به التحرز عن أن يكون تألب وتنضب في معناهما الأصل في اللغة، فالنألب: شجرة تتخذ منها القسي، والتنضب: شجر له شوك قصار.

باب في الرد على من ادعى على العرب

باب في الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني: اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها وأعلاها وأنزهها. وإذا تأملته عرفت منه وبه ما يؤنقك ويذهب1 في الاستحسان له كل مذهب بك. وذلك أن العرب كما تعنى بألفاظها فتصلحها وتهذبها وتراعيها2، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة وبالخطب أخرى وبالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأفخم قدرًا في نفوسها. فأول ذلك عنايتها بألفاظها. فإنها لما كانت عنوان معانيها وطريقًا إلى إظهار أغراضها ومراميها أصلحوها ورتبوها3، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها؛ ليكون

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "تذهب". 2 كذا في أ. وفي ب: "تداعبها"، وفي ش: "تداعيها". 3 في د: "زينوها".

ذلك أوقع لها في السمع وأذهب بها في الدلالة على القصد ألا ترى أن المثل إذا كان مسجوعا لذ لسامعه فحفظه فإذا هو حفظه كان جديرًا باستعماله ولو لم يكن مسجوعًا لم تأنس النفس به1، ولا أنقت لمستمعه2، وإذا كان كذلك لم تحفظه وإذا لم تحفظه لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له وجيء به من أجله. وقال لنا أبو علي يومًا: قال لنا أبو بكر 3: إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه. وكذلك الشعر: النفس له أحفظ وإليه أسرع ألا ترى أن الشاعر قد يكون راعيًا جلفًا أو عبدًا عسيفًا تنبو صورته وتمج جملته4، فيقول ما يقوله من الشعر فلأجل قبوله وما يورده عليه من طلاوته5، وعذوبة مستمعه6 ما يصير قوله حكمًا يرجع إليه ويقتاس7 به ألا ترى إلى قول العبد الأسود 8: إن كنت عبدًا فنفسي حرة كرمًا ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق وقول نصيب 9: سودت فلم10 أملك سوادي وتحته ... قميص من القوهي بيض بنائقه11

_ 1 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "له". 2 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "يستمعه". وضبط في ب بفتح الميم في معنى المصدر أي لاستماعه. وفي أبكسر الميم. 3 هو ابن السراج. 4 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "خلقته". 5 الطلاوة -مثلثة الطاء: الحسن والبهجة. 6 في ش: "مسمعه". 7 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "يقاس". 8 هو سحيم عبد بني الحسحاس، وانظر الأغاني ص2 ج20 طبعة بولاق، والديوان. 9 هذا يوافق ما في الأمالي 2/ 88 وذيلها 127, والأغاني طبعة الدار 1/ 354. وقد نسب صاحب الأغاني 20/ 2 طبعة بولاق إلى سحيم، وليس في ديوانه، ونسبه صاحب اللسان في "فوه" إلى نصيب. 10 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "ولم". 11 القوهي: ضرب من الثياب البيض ينتسب إلى قوهستان، وهو إقليم في فارس. وقوهستان معناه في الأصل موضع الجبال. وانظر معجم ياقوت. والبنائق جمع بنيقة، وبنائق القميص: العرا التي تدخل فيها الأزرار، ويريد بالقميص الذي تحت سواده قلبه وخلقه.

وقول الآخر 1: إني وإن كنت صغيرًا2 سني ... وكان في العين نبوٌ عني فإن شيطاني أمير الجن ... يذهب بي في الشعر كل فن حتى يزيل عني التظني فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها وحموا حواشيها وهذبوها وصقلوا غروبها3 وأرهفوها فلا ترين أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه "بها"4 وتشريف منها. ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه وتزكيته5، وتقديسه وإنما المبغي6 بذلك منه7 الاحتياط للموعى عليه8 وجواره بما يعطر بشره9 ولا10 يعر جوهره كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يهجنه11 ويغض منه كدرة12 لفظه وسوء العبارة عنه. فإن قلت: فإنا نجد من ألفاظهم ما قد نمقوه وزخرفوه ووشوه ودبجوه ولسنا نجد مع ذلك تحته معنى شريفًا بل لا نجد قصدًا13 ولا مقاربًا؛ ألا ترى إلى قوله 14:

_ 1 هو مالك بن أمية كما في الوحشيات، ووردت الأشطار الثلاثة الأول في الحيوان 1/ 200 غير معزوة. 2 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "صغير السن". وفي الوحشيات: "حديث السن". 3 هو استعارة من غروب الأسنان؛ أي أطرافها، واحدها غرب بفتح الأول وسكون الثاني. 4 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ. 5 كذا في أ. وفي ب: "توكينه". وفي ش: "تكوينه". 6 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "المعنى". 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "ومنه". 8 ثبتت هذه الصلة في أ، ب، ش. وسقطت في ج، وهذا أجود. والموعى -بضم الميم وفتح العين- أو الموعي ما وضع في الوعاء. يقال: أوعيت الشيء ووعيته. وكأنه ضمن الموعى معنى المحافظ فعداه بعلى. 9 كذا في أ. والبشر: ظاهر الجلد. وفي غيرها: "نشره" والنشر -بفتح النون وسكون الشين -الرائحة الطيبة. 10 كذا في أ. وفي ش، ب: "فلا". ويعر: "يعيب". 11 كذا في ش، ب. وفي أ: "تهجنه". 12 تنازعه في العمل يهجيه ويغض. 13 القصد: الوسط. والمقارب: غير الجيد. 14 جاء هذان البيتان في أسرار البلاغة مع ثالث بينهما ص16، وفي الوساطة 8، ونسبا فيها ليزيد بن الطثرية، والبيتان نسبا في معاهد التنصيص إلى كثير عزة، وانظر ص29 من هذا الجزء.

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح فقد ترى إلى علو هذا اللفظ ومائه, وصقاله وتلامح1 أنحائه, ومعناه مع هذا ما تحسه وتراه: إنما هو: لما فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين, وتحدثنا على ظهور الإبل. ولهذا نظائر كثيرة شريفة الألفاظ رفيعتها مشروفة المعاني خفيضتها. قيل: هذا الموضع قد سبق إلى التعلق به من لم ينعم النظر فيه, ولا رأى ما أراه2 القوم منه, وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر, وخفاء غرض الناطق. وذلك أن في قوله " كل حاجة" "ما"3 يفيد منه أهل النسيب والرقة، وذوو4 الأهواء والمقة ما لا يفيده غيرهم, ولا يشاركهم فيه من ليس منهم ألا ترى أن من حوائج "منى" أشياء كثيرة غير ما الظاهر عليه والمعتاد فيه سواها5؛ لأن منها التلاقي، ومنها التشاكي6، ومنها التخلي8، إلى غير ذلك مما هو تال له ومعقود الكون به. وكأنه صانع عن هذا الموضع الذي أومأ إليه وعقد غرضه عليه بقوله في آخر البيت: ومسح بالأركان من هو ماسح

_ 1 أي ظهورها ولمعانها. 2 كذا في أ. وفي ش، ب، "رآه". 3 ثبت هذا اللفظ في أ، وسقط في ش، ب. وفي ج: "أن قوله كل حاجة يفيد". وهي عبارة مستقيمة بخلاف ما في ب، ش. 4 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "ذر". 5 في الأصول: "سواء" ولا يستقيم عليه المعنى، وجملة "والمعتاد فيه سواها" عطف على "غير ما الظاهر عليه" فهو من وصف "أشياء". والضمير في "فيه" يعود إلى "الظاهر". 6 كذا في أ، ج، وفي ب، ش: "التشكي". 7 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "التحلي" وكأن التخلي طلب الحلوة بالحبيب. 8 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "لقوله".

أي إنما كانت حوائجنا التي قضيناها, وآرابنا التي أنضيناها1، من هذا النحو الذي هو مسح الأركان وما هو لاحق به وجار في القربة من الله مجراه أي لم يتعد هذا القدر المذكور إلى ما يحتمله أول البيت من التعريض الجاري مجرى التصريح. وأما البيت الثاني فإن فيه: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وفي هذا ما أذكره لتراه فتعجب ممن عجب منه ووضع من معناه. وذلك أنه لو قال: أخذنا في أحاديثنا ونحو ذلك لكان فيه معنى يكبره أهل النسيب وتعنو له ميعة2 الماضي الصليب. وذلك أنهم قد شاع عنهم واتسع في محاوراتهم علو قدر الحديث بين الأليفين والفكاهة بجمع شمل المتواصلين؛ ألا ترى إلى قول الهذلي 3: وإن حديثًا منك لو تعلمينه ... جنى النخل في ألبان عوذ مطافل4 وقال آخر: وحديثها كالغيث يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا فأصاخ يرجو أن يكون حيًّا ... ويقول من فرح هيا ربا5 وقال الآخر 6: وحدثتني يا سعد عنها فزدتني ... جنونًا فزدني من حديثك يا سعد

_ 1 أي فرغنا منها، من قولهم، أنضى الثوب: أبلاه. وقد نقل ابن الأثير في المثل السائر "المقالة الثانية" معظم كلام ابن جني على البيتين، ولما بلغ هذا الموضع قال: "وآرابنا التي بلغناها". 2 يريد قوته. وميعة الشباب: نشاطه وأوله. والماضي: نافذ الأمر، الصليب: الشديد ذو الصلابة. 3 هو أبو ذؤيب: وانظر ديوان الهذليين طبعة الدار 1/ 140. 4 رواية ديوان الهذليين واللسان في "طفل": "تبذلينه" بدل "تعلمينه"، والضمير في "تبذلينه" يعود إلى "حديثا" وفي "تعليمنه" للخبر والحكم. 5 انظر ص30 من هذا الجزء. 6 هو العباس بن الأحنف. وانظر الديوان المطبوع في استامبول ص58، ومعاهد التنصيص 1/ 57.

وقال المولد 1: وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز الأبيات الثلاثة. فإذا كان قدر الحديث -مرسلا- عندهم هذا, على ما ترى فكيف به إذا قيده بقوله "بأطراف الأحاديث ". وذلك أن قوله2: "أطراف الأحاديث " وحيًا خفيًّا ورمزًا حلوًا ألا ترى أنه يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه3 ذوو الصبابة المتيمون من التعريض والتلويح والإيماء دون التصريح وذلك أحلى وأدمث وأغزل وأنسب من أن يكون مشافهة وكشفًا, ومصارحة وجهرًا وإذا كان كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندهم وأشد تقدمًا في نفوسهم من لفظهما وإن عذب موقعه وأنق له مستمعه. نعم، وفي قوله: وسالت بأعناق المطي الأباطح من الفصاحة ما لا خفاء به. والأمر في هذا أسير، وأعرف وأشهر. فكأن العرب إنما تحلى ألفاظها وتدبجها وتشيها وتزخرفها عناية بالمعاني التي وراءها وتوصلا بها إلى إدراك مطالبها وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمًا وإن من البيان لسحرًا" 4. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقد هذا في ألفاظ هؤلاء القوم التي جعلت مصايد وأشراكًا للقلوب وسببًا وسلمًا إلى تحصيل المطلوب عرف بذلك أن الألفاظ خدم للمعاني والمخدوم -لا شك- أشرف من الخادم.

_ 1 هو ابن الرومي والبيت في ديوانه ص1164. وانظر ص30 من هذا الجزء. 2 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "ذكره". 3 كذا في ش، ج. وفي أ، ب: "يتقارضه". 4 رواه أحمد في مسنده، وأبو داود. قال شارح الجامع الصغير: وإسناده صحيح. انظر هذا الكتاب. وقوله "حكما" يضبط كقفل مصدرا، وكعنب جمع حكمة.

والأخبار في التلطف بعذوبة الألفاظ إلى قضاء الحوائج أكثر من أن يؤتى عليها أو يتجشم للحال "نعت لها"1، ألا ترى إلى قول بعضهم وقد سأل آخر حاجة فقال المسئول: إن علي يمينًا ألا أفعل هذا. فقال له السائل: إن كنت -أيدك الله- لم تحلف يمينًا قط على أمر فرأيت غيره خيرًا منه فكفرت عنها له وأمضيته فما أحب أن أحنثك وإن كان ذلك قد كان منك فلا تجعلني أدون الرجلين عندك. فقال له: سحرتني, وقضى حاجته. وندع هذا ونحوه لوضوحه, ولنأخذ لما كنا عليه فتقول: مما يدل على اهتمام العرب بمعانيها وتقدمها2 في أنفسها على3 ألفاظها أنهم قالوا في شمللت4, وصعررت5، وبيطرت، وحوقلت6، ودهورت7، وسلقيت8، وجعبيت 9: إنها ملحقة بباب دحرجت. وذلك أنهم وجدوها على سمتها10: عدد حروف وموافقة بالحركة والسكون, فكانت هذه صناعة لفظية, ليس فيها أكثر من إلحاقها ببنائها, واتساع العرب بها في محاوراتها, وطرق كلامها. والدليل على أن فعللت وفعيلت وفوعلت وفعليت ملحقة بباب دحرجت مجيء مصادرها على مثل مصادر باب دحرجت. وذلك قولهم: الشمللة والبيطرة والحوقلة والدهورة والسلقاة والجعباة. فهذا "ونحوه"11 كالدحرجة والهملجة12،

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "تعب بها". 2 كذا في ش، ب. وسقط في أهذا الحرف. 3 سقط لفظ "على" في أ. فالعبارة فيها: "تقدمها أنفسها ألفاظها". وعليه يكون ألفاظها مقبول التقدم. وهو قد يتعدى بنفسه. 4 شملل: أسرع وشمر. 5 يقال: صعورالشيء: درجه. 6 حوقل: ضعف. 7 يقال: دهور الشيء: جمعه وقذف في مهول. 8 يقال: سلقاه إذا طعنه فألقاء على جنبه. 9 جعباه إذا سرعة. 10 السمت: الطريق والهيئة. 11 هذه الزيادة في أ. وسقطت في ش، ب. 12 الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة.

والقوقاة والزوزاة. فلما جاءت مصادرها1 الرباعية والمصادر أصول للأفعال حكم بإلحاقها بها ولذلك استمرت في تصريفها استمرار ذوات الأربعة. فقولك: بيطر يبيطر بيطرة كدحرج يدحرج دحرجة ومبيطر كمدحرج. وكذلك شملل يشملل شمللة وهو مشملل. فظهور2 تضعيفه على هذا الوجه أوضح دليل على إرادة إلحاقه. ثم إنهم قالوا: قاتل يقاتل قتالًا ومقاتلة وأكرم يكرم إكرامًا وقطع يقطع تقطيعًا فجاءوا بأفعل وفاعل وفعل غير ملحقة بدحرج وإن كانت على سمته وبوزنه كما كانت فعلل وفيعل وفوعل وفعول وفعلى على سمته ووزنه ملحقة 3. والدليل على أن فاعل وأفعل وفعل غير ملحقة بدحرج وبابه امتناع مصادرها أن تأتي على مثال الفعللة ألا تراهم لا يقولون: ضارب ضاربة ولا أكرم أكرمة ولا قطع قطعة فلما امتنع فيها هذا -وهو العبرة في صحة الإلحاق- علم أنها ليست ملحقة بباب دحرج. فإذا قيل: فقد تجيء مصادرها من غير هذا الوجه على مثال مصادر ذوات الأربعة ألا تراهم يقولون: قاتل قيتالا4، وأكرم إكرامًا {وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا} فهذا بوزن الدحراج, والسرهاف, والزلزال, والقلقال؛ قال 5: سرهفته ما شئت من سرهاف

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "مصادرها". 2 كذا في ش، ب، وفي أ "وظهور". 3 في الأصول "غير ملحقة" وزيادة "غير" مفسدة وقد جريت على ما في المطبوعة، وهو الصواب. 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "قتالا". والأوفق بالسياق ما أثبتناه، ألا تراه يقول: "فهذا بوزن الدحراج" وإنما يظهر هذا في القتال،. والقيتال والقتال كلاهما يقال مصدر قاتل، وإن كان الأغلب الاستعمال الثاني، وهو مخفف من الأول وانظر شرح المفصل 6/ 48. 5 هو العجاج، وهو من أرجوزة يعاتب فيها ابنه رؤية. وبعده: حتى إذا ما آض ذا أعراف ... كالكودن المشدود بالإكاف قال الذي جمعت لي صوافي ... من غير ما عصف ولا اصطراف

قيل: الاعتبار بالإلحاق بها ليس إلا من جهة الفعللة, دون الفعلال, وبه كان يعتبر سيبويه. ويدل على صحة ذلك أن مثال الفعللة لا زيادة فيه فهو بفعلل أشبه من مثال الفعلال والاعتبار1 بأصول أشبه منه وأوكد منه بالفروع. فإن قلت: ففي الفعللة الهاء زائدة قيل: الهاء في غالب أمرها وأكثر أحوالها غير معتدة من حيث كانت في تقدير المنفصلة. فإن قيل: فقد صح إذًا أن فاعل وأفعل وفعّل -وإن كانت بوزن دحرج- غير ملحقة به, فلم لم تلحق به؟ قيل: العلة في ذلك أن كل واحد من هذه المثل جاء بمعنى. فأفعل للنقل وجعل الفاعل مفعولا؛ نحو دخل وأدخلته, وخرج, وأخرجته. ويكون أيضًا للبلوغ نحو أحصد الزرع, وأركب المهر, وأقطف الزرع, ولغير ذلك من المعاني. وأما فاعل فلكونه من اثنين فصاعدًا نحو ضارب زيد عمرًا وشاتم جعفر بشرًا 2. وأما فعّل فللتكثير نحو غلّق الأبواب وقطّع الحبال وكسّر الجرار. فلما كانت هذه الزوائد في هذه المثل إنما جيء بها للمعاني خشوا إن هم جعلوها ملحقة بذوات الأربعة أن يقدر أن غرضهم فيها إنما هو إلحاق اللفظ باللفظ؛ نحو شملل, وجهور, وبيطر, فتنكبوا إلحاقها بها؛ صونًا للمعنى وذبًّا عنه أن يستهلك ويسقط حكمه, فأخلوا بالإلحاق لما كان صناعة لفظية، ووقروا3 المعنى

_ = "سرهفته": أحسنت غذاءه، يريد جهده في تربيته. و"أعراف" جمع عرف -بضم فسكون- وهو الشعر من العنق. و"الكودن" من الخيل ما لم ينتج من العراب، وقوله: "صوافي" جمع صاف أي خالص لي، "والعصف": الكسب، و"الاصطراف"، التصرف في كسب المال، يقول: أحسنت تربيته حتى إذا شب وترعرع وصار كالبرذون طمع في مالي وزعم أنه خالص له. وذلك مع أنه لم يتعب في كسب هذا المال وجمعه. وانظر الجزء الثاني من مجموع أشعار العرب طبعة أوروبا ص40. 1 كذا في أ. وفي ش، ب زيادة بعد "الاعتبار" هي: "والمراعاة". 2 كذا في أ. وفي، ب: "بكرا". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "وفروا".

ورجبوه؛ لشرفه عندهم وتقدمه في أنفسهم. فرأوا الإخلال باللفظ في جنب الإخلال بالمعنى يسيرًا سهلا وحجمًا محتقرًا. وهذا الشمس إنارة مع أدنى تأمل. ومن ذلك أيضًا أنهم لا يلحقون الكلمة من أولها إلا أن يكون مع الحرف الأول غيره ألا ترى أن "مَفعلًا " لما كانت زيادته في أوله لم يكن ملحقًا بها1، نحو: مَضرب ومَقتل. وكذلك "مِفعل " نحو: مِقطع ومِنسج وإن كان مَفعل بوزن جعفر ومِفعل بوزن هِجرع 2. يدل على أنهما ليسا ملحقين بهما ما نشاهده من ادغامهما3 نحو مسد ومرد ومتل4 ومشل 5. ولو كانا ملحقين لكانا حري أن يخرجا على أصولهما كما خرج شملل وصعرر على أصله. فأما محبب فعلم خرج شاذًا كتهلل ومكوزة ونحو ذلك مما احتمل لعلميته. وسبب امتناع مَفعل ومِفعل أن يكونا ملحقين -وإن كانا على وزن جعفر, وهجرع- أن الحرف الزائد في أولهما6، وهو لمعنى؛ وذلك أن مَفعلا يأتي للمصادر نحو ذهب مذهبًا ودخل مدخلا وخرج مخرجًا. ومِفعلا يأتي للآلات7، والمستعملات؛ نحو مِطرق ومِروح8 ومِخصف9 ومئزر. فلما كانت الميمان ذواتي معنى خشوا إن هم ألحقوا بهما أن يتوهم أن الغرض فيهما إنما هو الإلحاق حسب فيستهلك المعنى المقصود بهما فتحاموا الإلحاق بهما ليكون ذلك موفرًا على المعنى لهما. ويدلك على تمكن المعنى في أنفسهم وتقدمه للفظ عندهم تقديمهم لحرف المعنى في أول الكلمة, وذلك لقوة العناية به فقدموا دليله ليكون ذلك أمارة لتمكنه عندهم.

_ 1 أي بهذه الزيادة، أي بسببها. 2 من معانيه الأحمق، والمجنون. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "إدغامها". 4 التل: الصرع، ويقال رمح متل؛ أي يتل به ويصرع. ورجل مثل: قوى. 5 الشل: الطرد، والمشل المطرد، وهو رمح قصير. 6 كذا في أ، وفي ش، ب سقطت الواو. 7 تثبتت الواو في أ، وسقطت في ش، ب. 8 هي المروحة يتروح بها. 9 هو المخرز.

وعلى ذلك تقدمت حروف المضارعة في أول الفعل إذ كن دلائل على الفاعلين: من هم وما هم وكم عدتهم نحو أفعل ونفعل وتفعل ويفعل وحكموا بضد " هذا لِلّفظ"1؛ ألا ترى إلى2 ما قاله أبو عثمان3 في الإلحاق: إن أقيَسه أن يكون بتكرير اللام فقال: باب شمللت وصعررت أقيس من باب حوقلت وبيطرت وجهورت. أفلا ترى إلى حروف المعاني: كيف بابها التقدم وإلى حروف الإلحاق والصناعة: كيف بابها التأخر. فلو لم يعرف سبق المعنى عندهم وعلوه في تصورهم إلا بتقديم دليله وتأخر دليل نقيضه لكان مغنيًا من غيره كافيًا. وعلى هذا حشوا بحروف المعاني فحصنوها بكونها حشوًا وأمنوا عليها ما لا يؤمن على الأطراف المعرضة للحذف والإجحاف. وذلك كألف التكسير وياء التصغير نحو دارهم ودريهم وقماطر وقميطر. فجرت في ذلك -لكونها حشوًا- مجرى عين الفعل المحصنة في غالب الأمر المرفوعة عن حال الطرفين من الحذف ألا ترى إلى كثرة باب عدة وزنة وناس4، والله في أظهر5 قولي سيبويه، وما حكاه أبو زيد من قولهم لاب6 لك وويلِمّهِ7،

_ 1 هذا عن أوإن كان فيها، "هذا اللفظ"، وهو خطأ في الرسم. وفي ش، ب: "هذه الصناعة اللفظية"، وهي غير مستقيمة، وكأن الأصل: "هذا للصناعة اللفظية". وفي ج: "ذلك لصناعة اللفظ"، وهي عبارة صحيحة. 2 ثبت لفظ "إلى" في ش، ب: وسقط في أ. 3 يريد المازني. وقد جاء في تصريفه في الباب الأول "باب الأسماء والأفعال: كم يكون عددهما في الأصل وما يزاد فيهما": "وهذا الإلحاق بالواو والياء والألف لا يقدم عليه إلا أن يسمع. فإذا سمع قيل: ألحق ذا بكذا بالواو والياء؛ وليس بمطرد. فأما المطرد الذى لا ينكسر فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للإلحاق؛ مثل مهدد وقردد وعندد وسردد، والأفعال: جلبب، يجلبب، جلببة". 4 فأصل ناس أناس. وانظر سيبويه 1/ 9 203/ 125. 5 هذا القول في الكتاب 1/ 309 يقول فيه: "وكأن الاسم -والله أعلم- إله، فلما أدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف وصارت الألف واللام خلقا منها". 6 أي في لا أب لك. 7 أصله: ويل أمه. يقال ذلك لمن يستجاد.

ويا با1 المغيرة وكثرة باب يد ودم وأخ وأب وغَد وهَن وحِر واست وباب ثُبة وقُلة وعِزَة وقلة باب2 مُذ وسَه: إنما هما هذان الحرفان بلا خلاف. وأما ثُبة3 ولِثة فعلى الخلاف. فهذا يدلك على ضنهم بحروف المعاني وشحهم عليها: حتى قدموها عناية بها أو وسطوها تحصينًا لها. فإن قلت: فقد نجد حرف المعنى آخرًا كما نجده أولا ووسطًا. وذلك تاء التأنيث وألف التثنية وواو الجمع على حده والألف والتاء في المؤنث4، وألفا التأنيث في حمراء وبابها وسكرى وبابها وياء الإضافة كهني5، فما ذلك؟ قيل: ليس شيء مما تأخرت فيه علامة معناه إلا لعاذر مقنع. وذلك أن تاء التأنيث إنما جاءت في طلحة6 وبابها آخرًا من قبل أنهم أرادوا أن يعرفونا تأنيث ما هو وما مذكره فجاءوا بصورة المذكر كاملة مصححة ثم ألحقوها تاء التأنيث ليعلموا حال صورة التذكير وأنه قد استحال بما لحقه إلى التأنيث فجمعوا بين الأمرين ودلوا على الغرضين. ولو جاءوا بعلم التأنيث حشوًا لانكسر المثال ولم يعلم تأنيث أي شيء هو.

_ 1 ورد هكذا في وقوله: يا بالمغيرة رب أمر معضل ... فزجته بالنكر مني والدها يريد: يا أبا المغيرة، وانظر الخزانة 4/ 335. 2 يريد بباب: مذ، وسه ما حذف منه الحشو؛ فإن أصل مذ منذ، وسه سته. 3 الثبة يراد بها وسط الحوض، وقد قيل إنها من ثاب الماء إذا اجتمع، فالمحذوف منها العين. وقيل إن المحذوف منها اللام، وهي واو أو ياء على الخلاف. وانظر اللسان في "ثبو". واللثة ما حول الأسنان. ويقول بعض اللغويين: أصلها التي حذفت لامها الياء، ويقول ابن جني: إنها محذوفة العين -وهي الواو- من لثت العمامة أي أدرتها على رأسي، واللثة محيطة بالأسنان دائرة بها. 4 أي في جمع المؤنث. 5 أي في النسبة إلى الهن. 6 الطلحة هنا: الواحدة من شجر الطلح، ولا يراد به العلم.

فإن قلت: فإن ألف التكسير وياء التحقير قد تكسران مثال الواحد والمكبر وتخترمان صورتيهما لأنهما حشو لا آخر. وذلك قولك دفاتر ودفيتر وكذلك كليب وحجير ونحو ذلك قيل: أما التحقير فإنه أحفظ للصورة من التكسير ألا تراك تقول في تحقير حبلى: حبيلى وفي صحراء: صحيراء فتقر ألف التأنيث بحالها فإذا كسرت قلت: حبالى وصحارى وأصل حبالى حبال كدعاو وتكسير دعوى فتغير علم التأنيث. وإنما كان الأمر كذلك من حيث كان تحقير الاسم لا يخرجه عن رتبته الأولى -أعني الإفراد- فأقر "بعض لفظه"1 لذلك وأما التكسير فيبعده عن الواحد الذي هو الأصل فيحتمل التغيير لا سيما مع اختلاف معاني الجمع فوجب اختلاف اللفظ. وأما ألف2 التأنيث المقصورة والممدودة فمحمولتان على تاء التأنيث وكذلك علم التثنية والجمع على حده لاحق بالهاء أيضًا. وكذلك ياء النسب. وإذا كان الزائد غير ذي المعنى قد قوي سببه حتى لحق بالأصول عندهم فما ظنك بالزائد ذي المعنى وذلك قولهم في اشتقاق الفعل من قلنسوة تارة: تقلنس وأخرى: تقلسى فأقروا النون وإن كانت زائدة وأقروا أيضًا الواو حتى قلبوها ياء في تقلسيت. وكذلك قالوا: قَرنُوة3 فلما اشتقوا الفعل منها قالوا قرنيت السقاء فأثبتوا الواو كما أثبتوا بقية حروف الأصل: من القاف والراء والنون ثم قلبوها ياء في قرنيت. هذا مع أن الواو في قرنوة زائدة للتكثير والصيغة لا للإلحاق ولا للمعنى وكذلك الواو في قلنسوة للزيادة غير الإلحاق وغير المعنى. وقالوا في نحوه: تعفرت الرجل إذا

_ 1 كذا في أوفي ش، ب: "لفظ بعضه". 2 كذا في أ، ب، ش. وعليه فقوله: "الممدود" عطف على "ألف التأنيث المقصورة" حتى يصح تثنيته الخبر. وفي ج: "وألفا التأنيث محمولتان". وهي واضحة. 3 هي عشب بنبت في الرسل يدبغ به الأساقي.

صار عفريتًا فهذا تفعلت؛ وعليه جاء تمسكن وتمدرع1، وتمنطق وتمندل2، ومخرق3، وكان يسمى محمدًا ثم تمسلم أي صار يسمى مسلمًا و "مرحبك الله ومسهلك "4 فتحملوا ما فيه تبقية الزائد مع الأصل في حال الاشتقاق كل ذلك توفية5 للمعنى وحراسة له ودلالة عليه. ألا تراهم إذ قالوا: تدرع وتسكن وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا فقد عرضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم: أمن الدرع والسكون أم من المدرعة والمسكنة وكذلك بقية الباب. ففي هذا شيئان: أحدهما حرمة الزائد في الكلمة عندهم حتى أقروه إقرار الأصول. والآخر ما يوجبه ويقضى به: من ضعف تحقير الترخيم وتكسيره عندهم لما يقضى به ويفضي بك إليه: من حذف الزوائد على معرفتك بحرمتها عندهم. فإن قلت: فإذا كان الزائد إذا وقع أولا للإلحاق فكيف ألحقوا بالهمزة في ألَندد6 وألَنجج7 والياء في يلَندد6 ويلَنجج7 والدليل على الإلحاق ظهور التضعيف؟ قيل: قد قلنا قبل: إنهم لا يلحقون الزائد من أول الكلمة إلا أن يكون معه زائد آخر فلذلك جاز الإلحاق بالهمزة والياء في ألندد ويلندد لما انضم إلى الهمزة والياء والنون.

_ 1 أي لبس المدرعة -كمكنسة- وهي ضرب من الثياب، ولا يكون من الصوف. 2 أي مسح بالمنديل. 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "تمخرق" ويقول ابن جني في سر الصناعة في آخر حرف الميم: "وقالوا: يخرق الرجل، وضعفها ابن كيسان". وفي المنصف للمصنف في الباب الثاني: "فأما قول العامة تمخرق فينبغي أن يكون لا أصل له. أو إن كان قد جاء عن العرب فهو بمنزلة تمسكن في الشذوذ: والجيد تخرق لأنهم يقولون: تخرق فلان بالمعروف، ولم نسمعهم يقولون مخرق، فإنما هو من الخرق وهو الكريم من الرجال إلا أن بعض أصحابنا حكى مخرق وليس بالقوي". 4 أي حبك الله بهذه التحية: مرحبا ومهلا. 5 كذا في أوفي اللسان في "درع"، وفي ش، ب: "وتوقية". 6 الألندد واليلندد: الشديد الخصومة الجدل. 7 الألنجج واليلنجج: عود من الطيب يتبخر به.

وكذلك ما جاء عنهم1 من إنقحل2 -في قول صاحب3 الكتاب- ينبغي أن تكون الهمزة في أوله للإلحاق -بما اقترن بها من النون- بباب جِردَحل. ومثله ما رويناه عنهم من قولهم: رجل إنزَهوٌ، وامرأة إنزَهوة، ورجال إنزهوون، ونساء إنزهوات إذا كان4 ذا زهو فهذا إذًا إنفعل. ولم يحك سيبويه من هذا الوزن إلا إنقحلا وحده وأنشد الأصمعي5 -رحمه الله: لما رأتني خَلَقًا إنقَحلا ويجوز عندي في إنزهوٍ غير هذا, وهو أن تكون همزته بدلا من عين, فيكون أصله عِنزَهو: فِنعلو من العزهاة وهو الذي لا يقرب النساء. والتقاؤهما أن فيه انقباضًا وإعراضًا وذلك طرف من أطراف الزهو؛ قال 6: إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبا ... فكن حجرًا من يابس الصخر جلمدا وإذا حملته على هذا لحق بباب أوسع من إنقحل وهو باب7 قِندأو8، وسِندأو9، وحِنطأو10، وكِنتأو 11. فإن قيل: ولم لما كان مع الحرف الزائد إذا وقع أولًا زائد ثان غيره صارا جميعًا للإلحاق وإذا انفرد الأول لم يكن له قيل: لما كنا عليه من غلبة المعاني للألفاظ على ما تقدم.

_ 1 كذا في أ. وسقط هذا اللفظ في ش، ب. 2 يقال رجل إنقحل إذا كان يابسا من الهرم. 3 انظر سيبويه 2/ 317. 4 هذا راجع للوصف الأول وهو إنزهو. وعبارة اللسان بعد سياقة ما سبق هنا: "وذلك إذا كانوا ذوي زهو". وفي ج: "إذا كن ذا زهو" والصواب: "ذوات" وهو راجع للأخير. 5 انظر كتاب خلق الإنسان في مجموعة الكنز اللغوي ص161. 6 هو الأحوص بن محمد الأنصاري. وانظر الأغاني 13/ 159. وانظر في ترجمته الخزانة 1/ 233. 7 وهو باب فعلو، والأول باب إنفعل. وانظر في هذا الباب الكتاب 2/ 351. 8 الفندأو: الجريء المقدم. 9 والسندأو: القصير أو الخفيف. 10 والحنطأو: العظيم البطن أو القصير. 11 والكستأو: الجمل الشديد.

وذلك أن أصل الزيادة في أول الكلمة إنما هو للفعل. وتلك حروف المضارعة في أفعلُ ونفعلُ وتفعلُ ويفعلُ وكل واحد من أدلة المضارعة إنما هو حرف واحد فلما انضم إليه حرف آخر فارق بذلك طريقه في باب الدلالة على المعنى فلم ينكر أن يصار به حينئذ إلى صنعة اللفظ وهي الإلحاق. ويدلك على تمكن الزيادة إذا وقعت أولًا في الدلالة على المعنى تركهم صرف أحمد وأرمل، وأزمل1، وتنضب ونرجس معرفة لأن هذه الزوائد في أوائل الأسماء وقعت موقع ما هو أقعد منها في ذلك الموضع وهي حروف المضارعة. فضارع أحمد أركب وتنضب تقتل ونرجس نضرب فحمل زوائد الأسماء في هذا على أحكام زوائد الأفعال دلالة على أن الزيادة في أوئل الكلم إنما بابها الفعل 2. فإن قلت: فقد نجدها3 للمعنى ومعها زائد آخر غيرها وذلك نحو ينطلق, وأنطلق وأحرنجم ويخرنطم ويقعنسس. قيل: المزيد للمضارعة هو حرفها وحده فأما النون فمصوغة في حشو الكلمة في الماضي نحو احرنجم ولم تجتمع مع حرف المضارعة في وقت واحد, كما التقت الهمزة والياء مع النون في ألنجج ويلندد في وقت واحد. فإن قلت: فقد تقول: رجل ألد ثم تلحق النون فيما بعد فتقول: ألندد, فقد رأيت الهمزة والنون غير مصطحبتين. قيل: هاتان حالان متعاديتان؛ وذلك أن ألد ليس من صيغة ألندد في شيء، إنما ألد مذكر لفداء؛ كما أن أصم تذكير صماء. وأما ألندد فهمزته مرتجلة مع النون في حال واحدة, ولا يمكنك أن تدعي أن احرنجم لما صرت إلى مضارعه فككت يده عما كان فيها من الزوائد ثم ارتجلت

_ 1 هو في الأصل الصوت المختلط. 2 كذا في أ. وفي غيرها: "للفعل". 3 كذا في ب وفي أ: "تجدها" وفي ش: غير منقوطة الأول.

له زوائد غيرها؛ ألا ترى أن المضارع مبناه على أن ينتظم جميع حروف الماضي من أصل أو زائد كبيطر ويبيطر وحوقل ويحوقل وجهور ويجهور وسلقى ويسلقي وقطع ويقطع، و"تكسر ويتكسر"1 وضارب ويضارب. فأما أكرم يكرم فلولا ما كره من التقاء الهمزتين في أؤكرم لو جيء به على أصله للزم أن يؤتى بزيادته فيه كما جيء بالزيادة في نحو يتدحرج وينطلق. وأما همزة انطلق فإنما حذفت في ينطلق للاستغناء عنها بل قد كانت في حال ثباتها في حكم الساقط أصلًا فهذا واضح. ولأجل ما قلناه: من أن الحرف المفرد في أول الكلمة لا يكون للإلحاق ما حمل أصحابنا تهلل2 على أن ظهور تضعيفه إنما جاز لأنه عَلَم والأعلام تغير كثيرًا. ومثله عندهم3 محبب لما ذكرناه. وسألت يومًا أبا علي -رحمه الله- عن تجفاف 4: أتاؤه للإلحاق بباب قرطاس؟ فقال: نعم واحتج في ذلك بما انضاف إليها من زيادة الألف معها. فعلى هذا يجوز أن يكون ما جاء عنهم من باب أُملود5 وأُظفور ملحقًا بباب عُسلوج6 ودُملوج7، وأن يكون إطريح8 وإسليح9 ملحقًا بباب شِنظيز10 وخنزير. ويبعد هذا عندي لأنه يلزم منه أن

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "كسر ويكسر". ويلاحظ أن الراو بين الفعلين في هذا وما بعده ساقطة في أ. 2 بالتاء والثاء قرية بالريف. وفي معجم البكري، والقاموس أن ثهلل -بالمثلثة- موضع قريب من سيف كاظمة، وكاظمة ماء في الطريق بين البصرة ومكة: وما أثبت أولا هو ما في معجم البلدان لياقوت. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "عنده". وما أثبت هو الصواب. 4 هو ما يوضع على الخيل من الحديد وغيره في الحرب؛ ليقيها الجراح. 5 يقال: غصن أملود: ناعم لين. 6 العسلوج: ما اخضر ولان من القضبان. 7 الدملوج من الحلي ما يلبسه العضد. 8 كأن الأصل: باب الريح: على نسق ما قبله، وبذلك يتوجه إفراد الخبر، وفي ج: "ملحقين"، ويقال سنام إطريح إذا طال ثم مال في أحد شقيه. 9 الإسليح شجرة ترهاها الإبل فيغزر لبنها. 10 الشنظيز: السيء الخلق، والسخيف العقل.

يكون باب إعصار وإسنام1 ملحقًا بباب حِدبار2 وهِلقام3 وباب إفعال لا يكون ملحقًا ألا ترى أنه في الأصل للمصدر نحو إكرام وإحسان وإجمال وإنعام وهذا مصدر فعل غير ملحق فيجب أن يكون المصدر في ذلك على سمت فعله غير مخالف له. وكأن هذا ونحوه إنما لا يجوز أن يكون ملحقًا من قبل أن ما زيد على الزيادة الأولى في أوله إنما هو حرف لين وحرف5 اللين لا يكون للإلحاق إنما جيء به لمعنى وهو امتداد الصوت به وهذا حديث غير حديث الإلحاق ألا ترى أنك إنما تقابل بالملحق الأصل وباب المد إنما هو الزيادة أبدًا فالأمران على ما ترى في البعد غايتان. فإن قلت على هذا: فما6 تقول في باب إزمَول7، وإدرَون8، أملحق هو أم غير ملحق وفيه -كما ترى- مع الهمزة الزائدة؟ الواو زائدة قيل: لا بل هو ملحق بباب جردحل وحنزقر 9. وذلك أن الواو التي فيه ليست مدًا لأنها مفتوح ما قبلها فشابهت الأصول بذلك فألحقت بها. فإن قلت: فقد قال10 في طومار: إنه ملحق بقسطاس والواو كما ترى بعد الضمة أفلا تراه كيف ألحق بها مضمومًا ما قبلها. قيل: الأمر كذلك؛ وذلك

_ 1 الإسنام: ضرب من الشجر. 2 الحدبار: الناقة الضامرة. 3 الهلقام: الضخم الطويل. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "الزائدة". 5 كذا في أ: "حرف" بالإفراد، ويتذكر الفعل والضمائر بعد، وهو الموافق لعبارة اللسان في "سلح". وفي ش، ب: "حروف" مع تأنيث ما بعدها من الفعل والضمائر. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "ما". 7 هو المصوت من الوعول. 8 الإدرون: معلف الدابة، والأصل. 9 هو القصير الدميم من الناس. 10 أي أبو علي؛ فإنه هو الذي سلف الحديث عنه, وإن كانت عبارة ابن سيده في اللسان "طمر" تقضي أن قائل هذا سيبويه، ولم أقف في كتابه على هذا الحكم. والطومار: الصحيفة.

أن موضع المد إنما هو قبيل الطرف مجاورًا له كألف عماد وياء سعيد وواو عمود. فأما واو طومار وياء ديماس1 فيمن قال دياميس فليستا للمد لأنهما لم تجاورا الطرف. وعلى ذلك قال في طومار: إنه ملحق لما تقدمت الواو فيه، فلم تجاور طرفه. فلو بنيت على هذا من "سألت " مثل طومار وديماس لقلت: سوءال وسيئال. فإن خففت الهمزة ألقيت حركتها على الحرفين قبلها ولم تحتشم ذلك2، فقلت: سوال وسيال ولم تجرهما3 مجرى واو مقروءة وياء خطيئة في إبدالك الهمزة بعدهما إلى لفظهما وادغامك إياهما فيها في نحو مقروة وخطية. فلذلك لم يقل في تخفيف سوءال وسيئال: سُوّال ولا سِيّال. فاعرفه. فإن قيل: ولم لم يتمكن حال المد إلا أن يجاور الطرف قيل: إنما جيء بالمد في هذه المواضع لنعمته4 وللين الصوت به. وذلك أن آخر الكلمة موضع الوقف, ومكان الاستراحة والأون5؛ فقدموا أمام الحرف الموقوف عليه ما يؤذن بسكونه, وما يخفض من غلواء6 الناطق واستمراره على سنن جريه7، وتتابع نطقه. ولذلك كثرت

_ 1 أي لا فيمن قال: دماميس في الجمع؛ لظهور أن الياء عند هؤلاء بدل من التضعيف، وانظر سيبويه 2/ 127. هذا، والديماس: الحمام. 2 الأصل: "من ذلك"، فإن الاحتشام يتعدى بمن، فحذف الحرف وأوصل الفعل. وانظر اللسان "حشم". 3 وذلك لأن واو مقروءة وياء خطيئة مدتان لا تقبلان الحركة، فلا سبيل إلى نفل حركة الهمزة إليهما؛ لأن ذلك ينقض الغرض منهما، فكان تخفيف الهمزة في مثل ذلك يغلب الهمزة حرفا من جنس المدة والادّغام. فأما واو سوءال وياء سيئال على الإلحاق فهما شبيهان بالحروف الأصلية يقبلان نقل الحركة إليهما فحذف الهمزة. 4 النعمة -بفتح النون- في الأصل الترفه، ويراد به هنا رقة الصوت. 5 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "السكون". والأون: الدعة والسكون. 6 كذا في ج: وفي غيرها: "علو" وكأنها محرفة عن "غلو" وهو كالغلواء. والغلواء: النشاط والسرعة. 7 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "غربه".

حروف المد قبل حرف الرويّ -كالتأسيس والردف- ليكون ذلك مؤذنًا بالوقوف ومؤديًا إلى الراحة والسكون. وكلما جاور حرف المد الروي كان آنس به وأشد إنعامًا لمستمعه. نعم وقد نجد1 حرف اللين في القافية عوضًا عن حرف متحرك أوزنة حرف متحرك حذف من آخر البيت في أتم أبيات ذلك البحر؛ كثالث الطويل وثاني البسيط والكامل. فلذلك كان موضع حرف اللين إنما هو لما جاور الطرف. فأما ألف فاعل وفاعال وفاعول ونحو ذلك فإنها وإن كانت راسخة في اللين وعريقة في المد فليس ذلك لاعتزامهم المد بها بل المد فيها -أين وقعت- شيء يرجع إليها في ذوقها وحسن النطق بها ألا تراها دخولها2 في " فاعل" لتجعل الفعل من اثنين فصاعدًا نحو ضارب وشاتم فهذا معنى غير معنى المد وحديث غير حديثه. وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي في شرح تصريف أبي عثمان وغيره من كتبي وما خرج من كلامي. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذا فهلا زيدت المدات في أواخر الكلم للمد, فإن ذلك أنأى لهن وأشد تماديًا بهن؟ قيل: يفسد ذاك من حيث كان مؤديًا إلى نقض الغرض وذلك أنهن لو تطرفن لتسلط الحذف عليهن فكان يكون ما أرادوه من زيادة الصوت بهن داعيًا إلى استهلاكه بحذفهن ألا ترى أن ما جاء في آخره الياء والواو قد حفظن3 عليه، وارتبطن له بما زيد عليهن من التاء من بعدهن وذلك كعفرية، وحدرية4، وعفارية وقراسية5، وعلانية، ورفاهية،

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "تجد". 2 بالنصب بدل من الضمير المنصوب في تراها. 3 حفظن أي الواو والياء وجمع باعتبار أفرادهما، وقوله: "عليه" أي على ما جاء في آخره الواو والياء. 4 الحذرية: الأرض الخشنة. 5 هو الضخم الشديد من الإبل.

وبُلهنية وسُحفنية1، وكذلك عرقوة، وترقوة وقلنسوة وقمحدوة 2. فأما رباع3 وثمان وشناح4 فإنما احتمل ذلك فيه للفرق بين المذكر والمؤنث في رباعية وثمانية وشناحية. وأيضًا فلو زادوا الواو طرفًا لوجب قلبها ياء ألا تراها لما حذفت التاء عنها في الجمع قلبوها ياء قال: أهل الرباط البيض والقلنسي5 وقال المجنون: وبيض القلنسي من رجال أطاول وقال: حتى تقُضّي6 عرقي الدُلي وأيضًا فلو زيدت هذه الحروف طرفًا للمد بها لانتقض الغرض من موضع آخر. وذلك أن الوقف على حرف اللين ينقصه ويستهلك بعض مده ولذلك احتاجوا لهن إلى الهاء في الوقف ليبين بها حرف المد. وذلك قولك: وازيداه7، وواغلامهموه، وواغلام غلامهيه. وهذا شيء اعترض فقلنا فيه ولنعد.

_ 1 هو المحلوق الرأس. 2 هي الهنة الناشزة فوق القفا. 3 هو الذي يلقي الرباعية من الأسنان. 4 هو الجسيم الطويل من الإبل. 5 صدره: لا مهل حتى تلحقي بعنس وعنس قبيلة من اليمن. والراجز يخاطب ناقته. يقول: لا أرفق بك في السير حتى تلحقي بهؤلاء القوم. والرجز في سيبويه 2/ 60. ويقول صاحب تاج العروس في "فلس": إنه رأي هذا الرجز في هامش الجمهرة على هذا الوجه: لا ري حتى تلحقي بعبس ... أولي الملاء البيض والقلنسي 6 كذا في ش، ب. وهو يوافق ما في اللسان في "عرق". وقد اعتمدت في الضبط عليه. والقض: الكسر، أي حتى تكسري. وفي أ: "نقضي". والشطر في سيبويه 2/ 56، وفيه: "تفضي" بالفاء، والفض: الكسر كالقض، ويقول الأعلم في شرحه: "أي لا تزالي ساقية للإبل حتى تكسري عراقي الدلاء". 7 ثبت في أ، ب. وسقط في غيرها، فقيها: "قولك: واغلامهموه".

فإن قيل زيادة على ما مضى: إذا كان موضع زيادة الفعل أوله؛ بما قدمته, وبدلالة اجتماع ثلاث زوائد فيه, نحو استفعل؛ وباب زيادة الاسم آخرًا بدلالة اجتماع ثلاث زوائد فيه؛ نحو عِنظيان1 وخِنذيان2، وخُنزوان3، وعُنفوان، فما بالهم جعلوا الميم -وهي من زوائد الأسماء- مخصوصًا بها أول المثال نحو مفعل ومفعول ومِفعال ومُفعِل وذلك الباب على طوله؟ قيل: لما جاءت لمعنى ضارعت بذلك حروف المضارعة فقدمت وجعل ذلك عوضًا من غلبة زيادة الفعل على أول الجزء كما جعل قلب الياء واوًا في التقوى والبقوى عوضًا من كثرة دخول الواو على الياء. وعلى الجملة فالاسم أحمل للزيادة في آخره من الفعل وذلك لقوة الاسم وخفته فاحتمل سحب الزيادة من آخره. والفعل -لضعفه وثقله- لا يتحامل بما يتحامل به الاسم من ذلك لقوته. ويدلك على ثقل الزيادة في آخر الكلمة أنك لا تجد في ذوات الخمسة ما زيد4 فيه5 من آخره إلا الألف لخفتها وذلك قبعثرى6 وضبغطرى7 وإنما ذلك لطول ذوات الخمسة فلا ينتهي8 إلى آخرها إلا وقد ملت لطولها. فلم يجمعوا على آخرها تماديه وتحميله الزيادة عليه. فإنما زيادتها في حشوها؛ نحو عضرفوط9، وقرطبوس10، ويستعور11، وصهصليق12، وجعفليق13، وعندليب، وحنبريت 14. وذلك أنهم لما أرادوا ألا يخلوا ذوات الخمسة

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "غنظيان"، وهما البذيء الفحاش. 2 هو الكثير الشر. 3 هو الكبر. 4 كذا في ج. وفي أ، ب، ش: "زيدت". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "عليه". 6 هو الجمل الضخم. 7 هو الأحمق. 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "تنتهي". 9 هو دويبة بيضاء ناعمة تشبه بها أصابع الجواري. 10 القرطبوس -بفتح القاف- الداهية، وبكسرها الناقة العظيمة الشديدة. 11 هو شجر تصنع منه المساويك، وقيل هو موضع. 12 هي العجوز الصخابة. 13 هي العظيمة من النساء. 14 يقال ماء حنبريت: خالص.

من الزيادة كما لم يخلوا منها الأصلين اللذين قبلها حشوا بالزيادة تقديمًا لها كراهية أن ينتهي إلى آخر الكلمة على طولها ثم يتجشموا حينئذ زيادة هناك فيثقل أمرها ويتشنع1 عليهم تحملها. فقد رأيت -بما أوردناه- غلبة المعنى للفظ وكون اللفظ خادمًا له مشيدًا2 به وأنه3 إنما جيء به له ومن أجله. وأما غير هذه الطريق: من الحمل على المعنى وترك اللفظ كتذكير المؤنث, وتأنيث المذكر, وإضمار الفاعل لدلالة المعنى عليه وإضمار المصدر لدلالة الفعل عليه وحذف الحروف والأجزاء التوام والجمل وغير ذلك حملا عليه وتصورًا له وغير ذلك مما يطول ذكره ويمل أيسره فأمر مستقر, ومذهب مستنكر. باب في أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض ما نسبناه إليها، وحملناه عليها: اعلم أن هذا موضع في تثبيته وتمكينه منفعة ظاهرة وللنفس به مسكة وعصمة؛ لأن فيه تصحيح ما ندعيه على العرب: من أنها أرادت كذا لكذا وفعلت كذا لكذا. وهو أحزم لها وأجمل بها وأدل على الحكمة المنسوبة إليها، من4 أن تكون تكلفت ما تكلفته: من استمرارها على وتيرة واحدة وتقريها منهجًا واحدًا، تراعيه

_ 1 كذا في ش: ب وفي أ: "يتبشع" ولم أقف على التبشع في دواوين اللغة، واستعمل المؤلف التبشع متعديا في ص201 من هذا السفر. و"يتشنع": يقبح، يقال: تشنع القوم: قبح أمرهم باختلافهم واضطرابهم. 2 يقال: أشاد بالشيء: رفع صوته به ونوه به. وضبط "مشيدا" في أبفتح الميم. والوجه ما أثبت. 3 كذا في ش، ب. وسقط في ألفظ: "أنه". 4 الذي يبدو أن "من" هذه ليست داخلة على المفضل عليه، فليست متعلقة بأدل، وإنما هي التعليل متعلقة بقوله: "المنسوبة".

وتلاحظه وتتحمل لذلك مشاقه وكلفه وتعتذر من تقصير إن جرى وقتًا منها في شيء منه. وليس يجوز أن يكون ذلك كله في كل لغة لهم، و1عند كل قوم منهم حتى2 لا يختلف ولا ينتقض ولا يتهاجر على كثرتهم وسعة بلادهم وطول عهد زمان هذه اللغة لهم وتصرفها على ألسنتهم اتفاقًا3 وقع حتى لم يختلف فيه اثنان, ولا تنازعه فريقان إلا وهم له مريدون وبسياقه4 على أوضاعهم فيه معنيون؛ ألا ترى إلى اطراد رفع الفاعل ونصب المفعول والجر بحروف الجر والنصب بحروفه والجزم بحروفه وغير ذلك من حديث التثنية والجمع والإضافة والنسب والتحقير وما يطول شرحه فهل يحسن بذي لب أن يعتقد أن هذا كله اتفاق وقع, وتوارد اتجه. فإن قلت "فما تنكر "5 أن يكون ذلك شيئًا طبعوا عليه وأجيئوا إليه من غير اعتقاد منهم لعلله6، ولا لقصد من القصود التي تنسبها إليهم في قوانينه وأغراضه بل لأن آخرًا منهم حذا على ما نهج الأول فقال به وقام الأول للثاني في كونه إمامًا له فيه مقام من هدى الأول إليه وبعثه عليه ملكًا كان أو خاطرًا؟ قيل: لن يخلو ذلك أن يكون خبرًا روسلوا به أو تيقظًا نبهوا على وجه الحكمة فيه. فإن كان وحيًا أو ما يجري مجراه فهو أنبه له وأذهب في شرف الحال

_ 1 بنت هذا الحرف في أ، ب. وسقط في س. 2 ثبت هذا الحرف في أ، وسقط في ش، ب. 3 هو خبر "يكون" في قوله: "وليس يجوز أن يكون ... ". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "لسياقه". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "ما تنكر". 6 كذا في أ، وفي ش، ب: "للعلة".

به؛ لأن الله سبحانه إنما هداهم لذلك ووقفهم عليه لأن في طباعهم قبولًا له وانطواء على صحة الوضع فيه لأنهم مع ما قدمناه من ذكر كونهم عليه في أول الكتاب من لطف الحس وصفائه ونصاعة جوهر الفكر ونقائه لم يؤتوا هذه اللغة الشريفة المنقادة الكريمة إلا ونفوسهم قابلة لها محسة لقوة الصنعة فيها معترفة بقدر1 النعمة عليهم بما وهب لهم منها ألا ترى إلى قول أبي مهدية 2: يقولون لي شنبِذ ولست مشنبِذا ... طوال الليالي ما أقام ثبير3 ولا قائلا زوذا ليعجل صاحبي ... وبستان في صدري على كبير4 ولا تاركًا لحني لأحسن لحنهم ... ولو دار صرف الدهر حيث يدور وحدثني المتنبي شاعرنا -وما عرفته إلا صادقًا- قال: كنت عند منصرفي من مصر في جماعة من العرب وأحدهم يتحدث. فذكر في كلامه فلاة واسعة فقال: يحير فيها الطرف قال: وآخر5 منهم يلقنه سرًا من الجماعة بينه وبينه فيقول له: يحار يحار. أفلا ترى إلى هداية بعضهم لبعض وتنبيهه إياه على الصواب. وقال عمار6 الكلبي -وقد عيب عليه بيت من شعره فامتعض لذلك: ماذا لقينا من المستعربين ومن ... قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا7

_ 1 كذا في أ، ج. وفي غيرها: "بقدم". 2 في المعرب للجواليقي ص9 نسبته لأبي المهدي، وكذا هو في مجالس ابن حنزابة ونصه: "كان أبو مهدي هذا -وهو من باهلة- يضرب حنكبه يمينا وشمالا ... " وكذا هو "أبو مهدي" في ذبل الأمالي 39. وفي السمط 21 أن الصواب: "أبو مهدية" كما في فهرست ابن النديم 49 والمرزباني 185. وهو صاحب قصة في اللسان "خسا" باسم أبي مهدية. 3 شنبذ أي قل: شون بوذ، وهي عبارة فارسية معناها كيف؟ يعنون الاستفهام؛ انظر التقريب لأصول التقريب الشيخ طاهر الجزائري ص79. وقوله ... "ما أقام ثبير" في ابن حنزابة: "أو يزول ثبير". 4 يقال: زود بالفارسية أي عجل. وبستان -بكسر الباء كما في المرجع السابق- أي خذ. وقوله: "ليعجل" في ابن حنزابة: "لأعجل". 5 ثبتت الواو في أ، وسقطت في ش, ب. 6 هذا الشعر في معجم الأدباء في ترجمة ابن جني 12/ 103، وفيه: "عمرو" بدل "عمار" وفي شرح الواحدي لديوان المتنبي 533 بأوسع مما أورده ابن جني هنا. 7 "نحوهم" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "شعرهم".

إن قلت قافية بكرًا يكون بها ... بيت خلاف الذي قاسوه أو ذرعوا قالوا لحنت وهذا ليس منتصبًا ... وذاك خفض وهذا ليس يرتفع وحرضوا بين عبد الله من حمق ... وبين زيد فطال الضرب والوجع كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم ... وبين قوم على إعرابهم طبعوا ما كل قولي مشروحًا لكم فخذوا ... ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا لأن أرضي أرض لا تشب بها ... نار المجوس ولا تبنى بها البيع والخبر المشهور في هذا للنابغة وقد عيب عليه قوله في الدالية المجرورة: وبذاك خبرنا الغراب الأسود فلما لم يفهمه أتى بمغنية فغنته: من آل مية رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزود ومدت الوصل وأشبعته ثم قالت: وبذاك خبرنا الغراب الأسود ومطلت واو الوصل فلما أحسه عرفه واعتذر منه وغيره -فيما يقال- إلى قوله: وبذاك تنعاب الغراب الأسود وقال دخلت يثرب وفي شعري صنعة ثم خرجت منها وأنا أشعر العرب. كذا الرواية. وأما أبو الحسن فكان يرى ويعتقد أن العرب لا تستنكر الإقواء. ويقول: قلت قصيدة إلا وفيها الإقواء. ويعتل لذلك بأن يقول: إن كل بيت منها شعر قائم برأسه. وهذا الاعتلال منه يضعف ويقبح التضمين في الشعر. وأنشدنا أبو عبد الله الشجري يومًا لنفسه شعرًا مرفوعًا وهو قوله: نظرت بسنجار كنظرة ذي هوى ... رأى وطنًا فانهل بالماء غالبه

لأونس من أبناء سعد ظعائنا ... يزن الذي من نحوهن مناسبه1 يقول فيها يصف البعير: فقامت إليه خدلة الساق أعلقت ... به منه مسموما دوينة حاجبه2 فقلت: يا أبا عبد الله: أتقول " دوينة حاجبه " مع قولك "مناسبه " و "أشانبه "! فلم يفهم ما أردت فقال: فكيف3 أصنع؟ أليس ههنا تضع الجرير4 على القِرمة5، على الجِرفة6؟ وأمأ إلى أنفه فقلت: صدقت غير أنك قلت "أشانبه " و "غالبه " فلم يفهم وأعاد اعتذاره الأول. فلما طال هذا قلت له: أيحسن أن يقول الشاعر 7: آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاوٍ يُمَل منه الثواء ومطلت الصوت ومكنته ثم يقول مع ذلك: ملك المنذر بن ماء السمائي8

_ 1 "لأونس" أي لأبصر، يقال: آنس الشيء: أبصره. 2 "خدلة الساق": ممتلئتها، وكأنه يريد بالمسموم الخطام تشده في أنفه، يقال: سمه: شده. و"دوينة" تصغير دون، والمعروف في تصغيره دوين، وانظر الكتاب 2/ 138، وقد استرعى هذا نظر ابن سيده وقال: "فلا أدري ما الذي صغره هذا الشاعر؟ " وانظر اللسان "دون". وكأنه حمل "دون" على "وراء وقدام" في تصغيرهما بالتاء نظرا إلى الذهاب بهما مذهب الجهة. 3 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "كيف". 4 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "الحرير" وهو تحريف. والجرير: سير من جلد مضفور، يلوى عليه وتر، ويعلم على أنف البعير لبلله. وانظر المنصف 712 نسخة التيمورية. 5 القرمة -بفتح القاف وكسرها- من سمات الإبل تكون فوق الأنف. 6 الجرفة -بفتح الجيم وكسرها- من سمات الإبل أيضًا تكون دون الأنف. 7 هو الحارث بن حلزة اليشكري. والبيت مطلع معلقته. 8 هو من المعلقة السابقة. وصدره: فملكنا بذلك الناس حتى

فأحس حينئذ وقال: أهذا! أين هذا من ذاك! إن هذا طويل وذاك قصير. فاستروح إلى قصر الحركة في "حاجبه " وأنها أقل من الحرف في "أسماء " و"السماء ". وسألته يومًا فقلت له: كيف تجمع "دكانًا "؟ فقال: دكاكين قلت: فسرحانًا؟ قال: سراحين قلت: فقرطانًا1؟ قال: قراطين قلت: فعثمان قال: عثمانون. فقلت له: هلا قلت أيضًا عثامين قال: أيش عثامين! أرأيت إنسانًا يتكلم بما ليس من لغته والله لا أقولها أبدًا 2. والمروي عنهم في شغفهم3 بلغتهم وتعظيمهم لها واعتقادهم أجمل الجميل فيها أكثر من أن يورد أو جزء من أجزاء كثيرة منه. فإن قلت: فإن العجم أيضًا بلغتهم مشغوفون ولها مؤثرون ولأن يدخلها شيء من العربي كارهون ألا ترى أنهم إذا أورد الشاعر منهم شعرًا فيه ألفاظ من العربي عيب به4، وطعن لأجل ذلك عليه. فقد تساوت حال اللغتين في ذلك. فأية فضيلة للعربية على العجمية؟ قيل: لو أحست العجم بلطف صناعة العرب في هذه اللغة وما فيها من الغموض والرقة والدقة لاعتذرت من اعترافها بلغتها فضلا عن التقديم لها والتنويه منها. فإن قيل: لا, بل لو عرفت العرب مذاهب العجم في حسن لغتها, وسداد تصرفها وعذوبة طرائقها لم تبء5 بلغتها ولا رفعت من رءوسها باستحسانها وتقديمها.

_ 1 هو ما يكون تحت السرج. وفي ج: "فقرطاسا؟ قال: قراطيس". 2 انظر هذه القصة مع أخريات عن هذا الأعرابي في معجم الأدباء في ترجمة ابن جني 12/ 108. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "شعفهم" والشغف والشعف واحد. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "عليه". 5 من بأى يبأى -كسعى يسعى- بأوا، وبأبا: فخر. وفي و: "ثعبأ".

قيل: قد اعتبرنا ما تقوله فوجدنا الأمر فيه بضده. وذلك أنا نسأل علماء العربية مما أصله عجمي وقد تدرب بلغته قبل استعرابه عن حال اللغتين فلا يجمع بينهما بل لا يكاد يقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه وتقدم لطف العربية في رأيه وحسه. سألت غير مرة أبا علي -رضي الله عنه- عن ذلك فكان جوابه عنه نحوًا مما حكيته. فإن قلت: ما تنكر أن يكون ذلك لأنه كان عالمًا بالعربية ولم يكن عالمًا باللغة العجمية ولعله لو كان عالمًا بها لأجاب بغير ما أجاب به. قيل: نحن قد قطعنا بيقين وأنت إنما عارضت بشك ولعل هذا ليس قطعًا كقطعنا, ولا يقينًا كيقيننا. وأيضًا فإن العجم العلماء بلغة العرب وإن لم يكونوا علماء بلغة العجم فإن قواهم في العربية تؤيد معرفتهم بالعجمية وتؤنسهم بها وتزيد في تنبيههم على أحوالها لاشتراك العلوم اللغوية واشتباكها وتراميها إلى الغاية الجامعة لمعانيها. ولم نر أحدًا من أشياخنا فيها1 -كأبي حاتم2، وبندار3، وأبي علي, وفلان وفلان- يسوون بينهما ولا يقربون بين حاليهما. وكأن هذا موضع ليس للخلاف فيه مجال لوضوحه عند الكافة. وإنما أوردنا منه هذا القدر احتياطًا به واستظهارًا على مورد له عسى أن يورده. فإن قلت: زعمت أن العرب تجتمع على لغتها فلا تختلف فيها وقد نراها ظاهرة الخلاف ألا ترى إلى الخلاف في "ما " الحجازية، والتميمية وإلى الحكاية في الاستفهام

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب ذكر هذه العبارة بعد "أحدا". 2 هو سهل بن محمد السجستاني البصري، أستاذ المبرد. مات سنة 255هـ وانظر البغية. 3 هو ابن عبد الحميد الكرخي. وانظر البغية، وفهرست ابن النديم 123.

عن الأعلام1 في الحجازية وترك ذلك في التميمية إلى غير ذلك قيل: هذا القدر من2 الخلاف لقلته ونزارته محتقر غير محتفل به ولا معيج3 عليه وإنما هو في شيء من الفروع يسير. فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور فلا خلاف فيه ولا مذهب للطاعن به. وأيضًا فإن أهل كل واحدة من اللغتين عدد كثير وخلق "من الله "4 عظيم وكل واحد منهم محافظ على لغته لا يخالف شيئًا منها ولا يوجد عنده تعاد فيها. فهل ذلك إلا لأنهم يحتاطون ويقتاسون ولا يفرطون ولا يخلطون. ومع هذا فليس شيء مما يختلفون فيه -على قلته وخفته- إلا له من القياس وجه يؤخذ به. ولو كانت هذه اللغة حشوًا5 مكيلا، وحثوًا6 مهيلا لكثر خلافها وتعادت أوصافها: فجاء عنهم جر الفاعل ورفع المضاف إليه والمفعول به والجزم بحروف النصب والنصب بحروف الجزم بل جاء عنهم الكلام سدى غير محصل وغفلا من الإعراب ولاستغنى بإرساله وإهماله عن إقامة إعرابه والكلف الظاهرة بالمحاماة على طرد أحكامه. هذا كله وما أكني عنه من مثله -تحاميًا للإطالة به- إن كانت هذه اللغة شيئًا خوطبوا به7، وأخذوا باستعماله. وإن كانت شيئًا اصطلحوا عليه، وترافدوا8

_ 1 فإذا قال قائل: رأيت عليا فأهل الحجاز يقولون: من عليا؟ بالحكاية، وبنو تميم يقولون: من علي؟ ولا يحكون. وانظر الكتاب 1/ 403، وشرح الرضي على الكافية 2/ 63. 2 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "والخلاف". 3 كذا في الأصول: أي خلق ناشئ من فعل الله وإيجاده، وقد يكون الأصل: "من خلق الله". 5 الحشو: الرذال والرديء، ووصفه بالمكيل أنه ليس مما يدق ويتنافر فيه فبوزن كالذهب. 6 أراد به ما يجنى ويثار كالتراب والرمل. وهو هكذا في أ، ب، ش. وفي ج: "حثيا" وهو بمعنى حثوا، فالمادة واوية ويائية. و"مهيلا" أي ينهال وينصب عند سقوطه بلا مقدار ولا ضبط. 7 يريد بذلك أنها توفيقية. 8 كذا في أ، ب، وفي ش: "ترادفوا" وفي ج: "توافروا".

بخواطرهم ومواد حكمهم على عمله وترتيبه وقسمة أنحائه وتقديمهم أصوله وإتباعهم إياها فروعه -وكذا ينبغي أن يعتقد ذلك منهم لما نذكره آنفًا- فهو مفخر لهم ومعلم من معالم السداد دل على فضيلتهم. والذي يدل على أنهم قد أحسوا ما أحسسنا، وأرادوا "وقصدوا"1 ما نسبنا إليهم إرادته وقصده شيئان: أحدهما حاضر معنا والآخر غائب عنا إلا أنه مع أدنى تأمل في حكم الحاضر معنا. فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده من احوال العرب "ووجوهها"2، وتضطر إلى معرفته من أغراضها وقصودها: من استخفافها شيئًا أو استثقاله وتقبله أو إنكاره والأنس به أو الاستيحاش منه والرضا به أو التعجب من قائله وغير ذلك من الأحوال الشاهدة بالقصود بل الحالفة على ما في النفوس ألا ترى إلى قوله 3: تقول وصكت وجهها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس 4 فلو قال حاكيًا عنها: أبعلي هذا بالرحى المتقاعس -من غير أن يذكر صك الوجه- لأعلمنا بذلك أنها كانت متعجبة منكرة لكنه لما حكى الحال فقال: "وصكت وجهها " علم بذلك قوة إنكارها وتعاظم الصورة لها. هذا مع أنك سامع لحكاية الحال غير مشاهد لها ولو شاهدتها لكنت بها أعرف ولعظم الحال في نفس تلك

_ 1 زيادة في ش، ب، د، وخلت منها أ. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "في وجوهها". 3 هو نعيم بن الحارث بن يزيد السعدي. انظر اللسان في "ودع"، وشرح المرصفي للكامل 1/ 142. 4 من أبيات أوردها في الكامل "الموضع السابق". كان الشاعر قد عقد له النكاح على امرأة لم يدخل بها بعد، فمرت به في نسوة وهو يطحن بالرحى لضيف نزلوا به، فقالت: أبعلي هذا! تعجبا واحتقارا له، فقال الأبيات. والمتقاعس: الذي يخرج صدره ويدخل ظهره، وذلك شكل من يطحن بالرحى.

المرأة أبين, وقد قيل "ليس المخبر كالمعاين "1 ولو لم ينقل إلينا هذا الشاعر حال هذه المرأة بقوله: وصكت وجهها لم نعرف به حقيقة تعاظم الأمر لها. وليست كل حكاية تروى لنا ولا كل خبر ينقل إلينا يشفع به شرح الأحوال التابعة له, المقترنة -كانت- به. نعم ولو نقلت إلينا لم نفد بسماعها ما كنا نفيده لو حضرناها. وكذلك قول الآخر: قلنا لها قفي لنا قالت قاف2 لو نقل إلينا هذا الشاعر شيئًا آخر من جملة الحال فقال مع قوله "قالت قاف ": "وأمسكت بزمام بعيرها" أو " وعاجته علينا" لكان أبين لما كانوا عليه وأدل على أنها أرادت: وقفت أو توقفت دون أن يظن أنها أرادت: قفي لنا! أي يقول لي: قفي لنا! متعجبة منه. وهو إذا شاهدها وقد وقفت علم3 أن قولها "قاف" إجابة له لا رد لقوله وتعجب منه في قوله "قفي لنا ". وبعد فالحمالون والحماميون والساسة4، والوقادون ومن يليهم ويعتد منهم يستوضحون من مشاهدة الأحوال ما لا يحصله أبو عمرو من شعر الفرزدق إذا أخبر به عنه ولم يحضره ينشده. أولا تعلم أن الإنسان إذا عناه أمر فأراد أن يخاطب به صاحبه وينعم تصويره له في نفسه استعطفه ليقبل عليه فيقول له:

_ 1 كذا في الأصول ما عدا و، ففيها: "ليس الخبر كالمعاينة" ويضبط ما هنا "المخبر" على صيغة اسم المفعول، فإن أريد به الذي يلقى إليه الخبر ضبط, "المعاين" بكسر الياء على صيغة اسم الفاعل، وإن أريد "بالمخبر" النبأ يخبر به ضبط المعاين" بفتح الياء على صيغة اسم المفعول. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: قلت لها قفي قالت قاف وانظر في الرجز ص31 من هذا الجزء. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "علمت". 4 يريد ساسة الذراب القائمين عليها، والخادمين لها.

يا فلان أين أنت أرني وجهك أقبل علي أحدثك أما أنت حاضر يا هناه. فإذا أقبل عليه وأصغى إليه اندفع يحدثه أو يأمره أو ينهاه أو نحو ذلك. فلو كان استماع الأذن مغنيًا عن مقابلة العين مجزئًا عنه لما تكلف القائل ولا كلف1 صاحبه الإقبال عليه والإصغاء إليه. وعلى ذلك قال: العين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من العداوة أو ود إذا كانا2 وقال الهذلي 3: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم4 أفلا ترى إلى اعتباره بمشاهدة الوجوه وجعلها دليلا على ما في النفوس. وعلى ذلك قالوا: "رب إشارة أبلغ من عبارة " وحكاية5 الكتاب من هذا الحديث, وهي قوله: "ألا تا " و"بلى فا ". وقال لي بعض مشايخنا رحمه الله: أنا لا أحسن أن أكلم إنسانًا في الظلمة.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "تكلف". 2 كذا في أ: "ود" -بالجر- وفي ش، ب، ج: "ودا". والبيت في بيان الجاحظ بتحقيق الأستاذ هارون 1/ 79. وقبله. والعين تنطق والأفواه صامتة ... حتى ترى من ضمير القلب تبيانا 3 هو أبو خراش خويلد بن مرة، أدرك الإسلام شيخا كبيرا، ووفد على عمر وقد أسلم، ومات في خلافته كما في الإصابة رقم 2341، وانظر الأغاني 21/ 54 طبعة ليدن، والخزانة 1/ 211. وانظر شعر الهذليين 144 من القسم الثاني طبعة دار الكتب المصرية. 4 "رفوني": سكنوني، وقالوا: لا بأس عليك. وقوله: "هم هم" أي هم الذين أخاف، وانظر اللسان في "رفأ" و"رفو". هو مطلع قصيدة في المرجع السابق. كان الشاعر وقع في قوم من أعدائه فأظهروا له الملاينة حتى يتمكنوا منه. ولكنه عرف منهم الشر على الرغم مما أبدوه مقر منهم، وانظر أيضًا معاني ابن قتيبة 902. 5 انظر ص31 من هذا الجزء.

ولهذا الموضع نفسه ما توقف1 أبو بكر عن كثير مما أسرع إليه أبو إسحاق من ارتكاب طريق الاشتقاق واحتج أبو بكر عليه بأنه لا يؤمن أن تكون هذه الألفاظ المنقولة إلينا قد كانت لها أسباب لم نشاهدها ولم ندر ما حديثها ومثل له بقولهم " رفع عقيرته " إذا رفع صوته. قال له أبو بكر: فلو ذهبنا نشتق لقولهم "ع ق ر " من معنى الصوت لبعد الأمر جدًا وإنما هو أن رجلًا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى ثم نادى وصرخ بأعلى صوته فقال الناس: رفع عقيرته أي رجله المعقورة. قال أبو بكر: فقال أبو إسحاق: لست أدفع هذا. ولذلك قال سيبويه في نحو من هذا: أو لأن الأول وصل إليه علم لم يصل إلى الآخر يعني ما نحن عليه من مشاهدة الأحوال والأوائل. فليت شعري إذا شاهد أبو عمرو وابن أبي إسحاق ويونس, وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه وأبو الحسن وأبو زيد وخلف الأحمر والأصمعي, ومن في الطبقة والوقت من علماء البلدين وجوه العرب فيما تتعاطاه2 من كلامها وتقصد له من أغراضها ألا تستفيد3 بتلك المشاهدة وذلك الحضور ما لا تؤديه الحكايات ولا تضبطه الروايات فتضطر إلى قصود العرب وغوامض ما في أنفسها حتى لو حلف منهم حالف على غرض دلته عليه إشارة لا عبارة لكان عند نفسه وعند جميع من يحضر حاله صادقًا فيه غير متهم الرأي والنحيزة والعقل. فهذا حديث ما غاب عنا فلم ينقل إلينا وكأنه حاضر معنا، مناج4 لنا.

_ 1 انظر ص67 من هذا الجزء. 2 كذا أثبتناه. وفي أ، ب، ج: "يتعاطاه". وفي ش: "نتعاطاه". 3 كذا في ش، ب. أي ألا تستفيد تلك الطبقة أو جماعة علماء البلدين وفي أ: "ألا يستفيد" أي من في الطبقة والوقت. 4 كذا في أوفي غيرها: "مباح".

وأما ما روي لنا فكثير. منه ما حكى الأصمعي عن أبي عمرو قال: سمعت رجلا من اليمن يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت له: أتقول جاءته كتابي! قال: نعم أليس بصحيفة. أفتراك تريد من أبي عمرو وطبقته وقد نظروا وتدربوا وقاسوا وتصرفوا أن يسمعوا أعرابيًّا جافيًا غفلا يعلل هذا الموضع بهذه العلة ويحتج لتأنيث المذكر بما ذكره فلا " يهتاجواهم "1 لمثله, ولا يسلكوا فيه طريقته فيقولوا: فعلوا كذا لكذا وصنعوا كذا لكذا وقد شرع لهم العربي ذلك ووقفهم على سمته وأمه. وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس أنه قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} فقلت له ما تريد؟ قال: أردت: سابقٌ النهار. فقلت له: فهلا قلته فقال: لو قلته لكان أوزن 2. ففي هذه الحكاية لنا ثلاثة أغراض مستنبطة منها: أحدها تصحيح قولنا: إن أصل كذا كذا والآخر قولنا: إنها فعلت3 كذا لكذا ألا تراه إنما طلب الخفة يدل عليه قوله: لكان أوزن: أي أثقل في النفس وأقوى من قولهم: هذا درهم وازن: أي ثقيل له وزن. والثالث أنها قد تنطق بالشيء غيره في أنفسها4 أقوى منه لإيثارها التخفيف. وقال سيبويه5 حدثنا من نثق به أن بعض العرب قيل له أما بمكان كذا وكذا وجذ6؟ فقال: بلى وِجاذًا أي أعرف7 بها وِجاذًا، وقال أيضًا: وسمعنا8 بعضهم

_ 1 في ج: "يهتاجهم" ولم يعرف في "اهتاج" التعدي. 2 سلفت هذه القصة في ص126 من هذا الجزء. 3 أي العرب. 4 كذا في أ، ج. وفي غيرها: "نفسها". 5 انظر الكتاب 1/ 129. 6 هو موضع يمسك الماء؛ كما فسر سيبويه. 7 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "فاعرف". وهذا الأخير هو الموافق لنسخة الكتاب المطبوعة. 8 في الكتاب أن هذا مثل من أمثالهم، وقد أورده على هذا الوجه، وأسلف قبيل هذا أن هذه حجج سمعت من العرب وممن يوثق به يزعم أنه سمعها عن العرب، وترى من هذا أن ابن جني اعتمد في نقل ما في الكتاب على المعنى.

يدعو على غنم رجل فقال: اللهم ضبعًا وذئبًا فقلنا 1 له: ما أردت؟ فقال: أردت: اللهم اجمع فيها ضبعًا وذئبًا كلهم يفسر ما ينوي. فهذا تصريح منهم بما ندعيه عليهم وننسبه إليهم. وسألت الشجري2 يومًا فقلت: يا أبا عبد الله كيف تقول ضربت أخاك؟ فقال: كذاك. فقلت: أفتقول: ضربت أخوك فقال: لا أقول: أخوك أبدًا. قلت: فكيف تقول ضربني أخوك فقال: كذاك. فقلت: ألست زعمت أنك لا تقول: أخوك أبدًا؟ فقال أيش ذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا في معناه إلا كقولنا نحن: صار المفعول فاعلا وإن لم يكن بهذا اللفظ البتة, فإنه هو لا محالة. ومن ذلك ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا من العرب أتوه فقال لهم: "من أنتم" , فقالوا: نحن بنو غيان3، فقال: "بل أنتم بنو رشدان" 4. فهل هذا إلا كقول أهل الصناعة: إن الألف والنون زائدتان وإن كان -عليه السلام- لم يتفوه بذلك غير أن اشتقاقه إياه من الغي بمنزلة قولنا نحن: إن الألف

_ 1 في الكتاب: "وإذا سألتهم ما يعنون قالوا: اللهم اجمع أو اجعل فيها ضبعا وذئبا". وترى من هذا أن ابن جني لم يكن أمامه الكتاب إذ ينقل هذا، وإنما ينقل على حفظه، أو أن الكتاب منه عدة نسخ مختلفة. 2 سبق له في ص77 نسبة هذه القصة إلى أبي عبد الله محمد بن العساف العقيلي. فهل هما واحد؟ أم تكررت القصة معهما؟ 3 هؤلاء حي من جهينة، منهم بسبس بن عمرو، وكعب بن حمار ممن شهدوا بدرا. وفي الإصابة في ترجمة بسبسة بن عمرو -وهو بسبس- إذ ساق نسبه ترى في آبائه رشدان، وهو غيان هذا. وقد غير الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- سوى هذا مما فيه لفظ الغي إلى ما فيه الرشد. ففي سنن أبي داود: "وسمى بني مغوية بني رشدة", وانظر القاموس وشرحه والإصابة، وسنن أبي داود في "باب في تغيير الأسماء" من كتاب الأدب. 4 هكذا بفتح الراء وهو المناسب لغيان، قال في اللسان "وضبطه قوم بكسر الراء"، وقد جاء هذا الضبط في أ.

والنون فيه زائدتان. وهذا واضح. وكذلك قولهم 1: إنما سميت هانئًا لتهنأ قد عرفنا منه أنهم كأنهم قد قالوا: إن الألف في هانيء زائدة وكذلك قولهم: فجاء2 يدرم من تحتها -أي يقارب خطاه, لثقل الخريطة بما فيها, فسمى دارمًا- قد أفادنا اعتقادهم زيادة الألف في دارم عندهم. باب في الحمل على الظاهر، وإن أمكن أن يكون المراد غيره اعلم أن المذهب هو هذا الذي ذكرناه والعمل عليه والوصية به. فإذا شاهدت ظاهرًا يكون مثله أصلا أمضيت الحكم على ما شاهدته من حاله, وإن أمكن أن تكون الحال في باطنه بخلافه؛ ألا ترى أن سيبويه حمل3 سيدًا على أنه مما عينه ياء فقال في تحقيره: سييد4، كديك ودييك وفيل وفييل. وذلك أن عين الفعل5 لا ينكر أن تكون ياء وقد وجدت في سيد ياء فهي في6 ظاهر أمرها إلى أن يرد ما يستنزل عن بادي حالها.

_ 1 هذا من أمثالهم. وقوله: "لتهنأ" أي لتعطي. راجع اللسان في "هنأ". 2 هو بحر بن مالك بن حنظلة أبو حي من تميم. كان أبوه قد أتاه قوم في تحمل بعض الديات، فقال له: يا بحر ائتني بخريطة -يريد ما استحفظ فيه المال- فجاء يحملها وهو يدوم تحتها أي يقارب خطاه من ثقلها -وأصل ذلك في الأرنب والقنفذ، يقال: درمت الأرنب- فغلب عليه اسم دارم من حينئذ. وانظر اللسان والقاموس في "درم". 3 انظر الكتاب 2/ 136. والسيد: الأسد، والذئب "وذكر الجوهري في الصحاح، والمجد في القاموس "سيدا" في تركيب "س ود"، ويقول في التاج: "وهو قول أكثر أئمة الصرف" وكأنهم راعوا الحمل على الأكثر، وهو وجه صحيح. 4 ضبط في أبضم السين وكسرها، والوجهان جائزان لمكان الياء، تقول في شيخ: شُييخ وشِييخ بضم الشين وكسرها. 5 أي موازن الفعل، بكسر الأول وسكون الثاني. 6 في عبارة اللسان في "سيد": "علي".

فإن قلت: فإنا لا نعرف في الكلام تركيب "س ي د " فهلا لما لم يجد1 ذلك، حمل الكلمة على ما في الكلام مثله وهو ما عينه من هذا اللفظ واو, وهو السواد، والسودد2, ونحو ذلك؟ قيل: هذا يدلك على قوة الظاهر عندهم وأنه إذا كان مما تحتمله القسمة, وتنتظمه القضية, حكم به وصار أصلًا على بابه. وليس يلزم إذا قاد الظاهر إلى إثبات حكم تقبله الأصول ولا تستنكره ألا3 يحكم به حتى يوجد له نظير. وذلك أن النظير -لعمري- مما يؤنس به فأما ألا تثبت الأحكام إلا به فلا ألا ترى أنه4 قد أثبت في الكلام فعُلت تفعَل وهو كدت5 تكاد وإن لم يوجدنا6 غيره وأثبت بإنقحل7 باب "إنفعل " وإن لم يحك هو غيره وأثبت بسخاخين8 "فُعاعِيلا" وإن لم يأت بغيره. فإن قلت: فإن "سيدًا " مما يمكن أن يكون من باب ريح وديمة فهلا توقف9 عن الحكم بكون عينه ياء لأنه لا يأمن أن تكون واوًا قيل: هذا الذي تقوله إنما تدعي فيه ألا10 يؤمن أن يكون من الواو وأما الظاهر فهو ما تراه. ولسنا ندع حاضرًا له وجه من القياس لغائب مجوز ليس عليه دليل. فإن قيل: كثرة عين الفعل واوًا تقود11 إلى الحكم بذاك قيل: إنما يحكم بذاك مع عدم الظاهر فأما والظاهر معك فلا معدل عنه بك. لكن -لعمري-

_ 1 أي سيبويه، وكذلك قوله "حمل" يريده أيضًا. 2 في اللسان: "السود". 3 المصدر المؤول فاعل "يلزم". 4 أي سيبويه، وكذا فيما بعده. 5 الكتاب 2/ 227. 6 كذا في أ، ب، وفي ش، ج: "يوجد"، وفاعل "يوجد" هو سيبويه. 7 الكتاب 2/ 317. 8 الكتاب 2/ 320. ويقال: ماء شخاخين: حازه. 9 أي سيبويه أيضًا. 10 كذا في ش، ب. وفي أ: "أنه لا". 11 كذا في عبارة اللسان، وفي أ، ب، ش: "يقود". والوجه ما أثبت.

إن لم يكن معك ظاهرًا احتجت إلى التعديل والحكم بالأليق, والحمل على الأكثر. وذلك إذا كانت العين ألفًا مجهولة فحينئذ ما تحتاج إلى تعديل الأمر فتحمل على الأكثر. فلذلك قال1 في ألف "آءة": إنها بدل من واو. وكذلك ينبغي أن تكون ألف "الراء " لضرب من النبت وكذلك ألف " الصاب " لضرب من الشجر. فأما ألا2 يجيء من ذلك اللفظ نظير فتعلل بغير نافع ولا مجد؛ ألا ترى أنك تجد من الأصول ما لم يتجاوز3 به موضع واحد كثيرًا. من ذلك في الثلاثي حوشب4، وكوكب، ودودري5، وأبنبم6. فهذه ونحوها لا تفارق موضعًا واحدًا ومع ذلك فالزوائد فيها لا تفارقها. وعلى نحو مما جئنا به في "سيد " حمل سيبويه عيَّنًا7، فأثبت به8 "فيعلا " مما عينه ياء وقد كان يمكن أن يكون "فوعلا " و "فعولا " من لفظ العين ومعناها ولو حكم بأحد هذين المثالين لحمل على مألوف غير منكور "ألا ترى أن فوعلا وفعولا"9

_ 1 كأنه يريد ما ورد في الكتاب 2/ 376، فقد ذكر الآية في كلمات لا يصاغ منها فعل لثقله. وذكر أن الفعل الذي كان يصاغ هو أؤت، كفلت، وهذا يقضي بأن ألف آءة في الأصل واوه والآءة واحدة الآ, وهو ثمر شجر بعينه. 2 كذا في أ. وفي غيرها "ما لا". 3 أي لا توجد تلك الأصول في كلمة أخرى، فدودرّى لا يوجد أصولها وهي "ددر" في سوى هذا الكلمة؛ إذ لم يصغ العرب منها سواها. وقد سلك المؤلف في عداد هذا الضرب "حوشبا"؛ وكأنه لم يبلغ علمه "الحشيب" للثوب الغليظ، ولا "احتشب" القوم: تجمعوا ولا "أحشبه": أغضبه. 4 من معانيه العظيم البطن، وقد سمي به. 5 هو الذي يذهب ويجيء في غير حاجة. وألفه للتأنيث. فهو غير مصروف، وانظر الأشموني في مبحث ألف التأنيث. 6 هو اسم موضع، وقد ذكره سيبويه في أبنية المزيد من الأسماء 2/ 317، وانظر اللسان ومعجم ياقوت. 7 يقال: سقاء عين وعين -بفتح الياء المشددة وكسرها- إذا رق فلم يمسك الماء. الكتاب 1/ 372. 8 كذا في أ. وفي ب: "فيه" وسقط هذا في ش. 9 ما بين القوسين في ش، ب. وفي أبعد "منكور": "لأنه لا مانع ... إلخ".

لا مانع لكل واحد منهما أن يكون في المعتل كما يكون في الصحيح، وأما "فيعل " -بفتح العين- مما عينه معتلة فعزيز ثم لم يمنعه عزه ذلك أن حكم به على "عين " وعدل عن أن يحمله على أحد المثالين اللذين كل واحد منهما لا مانع له من كونه في المعتل العين كونه في الصحيحها 1. وهذا أيضًا مما يبصرك بقوة الأخذ بالظاهر عندهم وأنه مكين القدم راسيها في أنفسهم. وكذلك يوجب القياس فيما جاء من الممدود2 لا يعرف له تصرف ولا مانع من الحكم بجعل همزته أصلًا فينبغي حينئذ أن يعتقد فيها أنها أصلية. وكذلك همزة "قساء "3 فالقياس يقتضي اعتقاد كونها أصلًا اللهم إلا أن يكون "قساء " هو " قسى"4 في قوله 5: بجو من قسى ذفر الخزامى ... تداعى الجربياء به الحنينا6

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "الصحيح". 2 كذا في أ. وفي غيرها: "الممدودة" يريد الأسماء الممدودة. 3 هو اسم جبل. وتراه مضموما. وفي المقصور والممدود لابن ولاد 91: "وقال الفراء: قساء يضم أوله ويكسر. فإذا صممت لم تصرفه، وإذا كسرته صرفته". 4 هو موضع بالعالية كما في ياقوت. وقيل: هو حبل رمل من رمال الدهناء, كما في اللسان. 5 هو ابن أحمر كما في اللسان في "قسأ" و"قسا"، وياقوت. 6 "بجو" يروى "بهجل". والهجلي: المطمئن من الأرض؛ والجربياء من الرياح: النكباء التي تجري بين الشمال والدبور، والخزامى نبت طيب الريح، وذفر الخزامي: ذكى رائحة هذا النبت. وقوله "تداعى". في اللسان في أكثر من موضع: "تهادى" وقوله "الحنينا" كذا في أ، وفي ش, ب: "حنينا". وفي ج: "الحبينا" وكتب في هامشه: "الحبين: شجر الدفلى"، وكأن المراد أن الجربياء تدعو الحنين، والحنين يدعوها، يصف طيب هذا الموضع ورقة هوائه. وانظر الكامل 6/ 190، والبيان 3/ 164.

فإن كان كذلك وجب أن يحكم بكون همزة "قساء " أنها بدل من حرف العلة الذي1 أبدلت منه ألف "قسى ". وأن يكون ياء2 أولى من أن يكون واوًا لما ذكرناه في كتابنا في شرح المقصور والممدود ليعقوب بن السكيت. فإن قلت: فلعل "قسى " هذا مبدل من "قساء " والهمزة فيه هي الأصل. قيل: هذا حمل على الشذوذ لأن إبدال الهمز شاذ والأول أقوى لأن إبدال حرف العلة همزة إذا وقع طرفًا بعد ألف زائدة هو الباب. وذكر محمد بن الحسن3 " أروى" في باب "أرو "4 فقلت لأبي علي: من أين له أن اللام واو وما يؤمنه أن تكون ياء فتكون من باب التقوى والرعوى؟ فجنح إلى ما نحن عليه: من الأخذ بالظاهر وهو القول. فاعرف بما ذكرته قوة اعتقاد العرب في الحمل على الظاهر ما لم يمنع منه مانع. وأما حيوة والحيوان فيمنع من حمله على الظاهر أنا لا نعرف في الكلام ما عينه

_ 1 كذا في ج. وفي بقية الأصول: "التي" وهو غير مناسب؛ إذ هو وصف لـ"حرف"، وكأنه روعي اكتسابه التأنيث من المضاف إليه، أو أن الحرف يذكر ويؤنث، فروعي تأنيثه في وصفه، وروعي تذكيره في ضميره في "منه". وهو تكلف، فالوجه ما أثبت. 2 والوجه إذا أن يكتب بالياء كما أثبتناه وكما في اللسان "قسا"، وفي هامشه في التعليق على بيت ابن أحمر: "أورده ابن سيده في الباني بهذا اللفظ"، وقد جعله ياقوت في معجم البلدان منقولا من الفعل "قسا" من القسوة، فيكتب بالألف. وفي المقصور والممدود لابن ولاد 88: "قسا مقصور بكتب بالألف"، وأنشد بيت ابن أحمر، ثم قال: "ويروى "قسا" بالكسر، وحكاه الفراء". 3 هو ابن دريد صاحب الجمهرة. وقد ذكر المؤلف في "باب سقطات العلماء" من هذا الكتاب أن أستاذه أبا علي هم بقراءة الجمهرة على مؤلفها محمد بن الحسن. ويقول: "وكان أبو علي يقول: لما هممت بقراءة رسالة في هذا الكتاب على محمد بن الحسن قال لي: يا أبا علي لا تقرأ هذا الموضوع علي، فأنت أعلم به مني" وانظر اللسان "روى". وتذكر الأروى في المعاجم في "روى". 4 في أ، ج: "ءرو"، وما أثبتناه هو الموافق لما يقضي به الرسم. وفي ش، ب: "عرو". وهو تحريف منشؤه الرسم "ءرو" فظن أن الهمزة عين فوصلت بالراء.

ياء ولامه واو فلا بد أن تكون الواو بدلا من ياء لضرب من الاتساع مع استثقال التضعيف في الياء, ولمعنى العلمية في حيوة. وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير في حاحيت وهاهيت وعاعيت كان إبدال اللام في الحيوان -ليختلف الحرفان- أولى وأحجى. فإن قلت: فهلا حملت الحيوان على ظاهره وإن لم يكن له نظير كما حملت سيدًا على ظاهره وإن لم تعرف تركيب "س ي د " قيل: ما عينه ياء كثر وما عينه ياء ولامه واو مفقود أصلًا من الكلام. فلهذا أثبتنا سيدًا1 ونفينا " ظاهر أمر"2 الحيوان. وكذلك القول في نون عنتر وعنبر: ينبغي أن تكون أصلا وإن كان قد جاء عنهم نحو عنبس وعنسل لأن أذنيك أخرجهما الاشتقاق. وأما عنتر وعنبر, وخَنشَلت وحِنزَقر3، وحِنبَتر3، ونحو ذلك فلا اشتقاق يحكم له بكون شيء منه زائدًا فلا بد من القضية بكونه كله أصلا. فاعرف ذلك واكتف به بإذن الله تعالى. باب في مراتب الأشياء وتنزيلها تقديرًا وحكمًا لا زمانًا ووقتًا: هذا الموضع كثير الإيهام4 لأكثر من يسمعه لا5 حقيقة تحته. وذلك كقولنا: الأصل في قام قوم وفي باع بيع وفي طال طول وفي خاف ونام وهاب: خوف ونوم وهيب وفي شد شدد وفي استقام استقوم وفي يستعين يستعون،

_ 1 كذا والمناسب: "س ي د". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "ظاهرا من". 3 "خنشلت" في أ، ويقال: خنشل الرجل: أسن وضعف، والحنزقر: القصير. والحنبر: الشدة. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "الإيهام" وما أثبته هو الصواب. ومن كلامه بعد: "فهذا يوهم ... ". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "مالا".

وفي يستعد يستعدد. فهذا يوهم أن هذه الألفاظ وما كان نحوها -مما يدعي أن له أصلًا يخالف ظاهر لفظه- قد كان مرة يقال حتى إنهم كانوا يقولون في موضع قام زيد: قوَم زيد وكذلك نوِم جعفر وطَوُلَ محمد وشدَد أخوك يده واستعدد الأمير لعدوه وليس الأمر كذلك بل بضده. وذلك أنه لم يكن قط مع اللفظ به إلا على ما تراه وتسمعه. وإنما معنى قولنا: إنه كان أصله كذا: أنه لو جاء مجيء الصحيح1 ولم يعلل لوجب أن يكون مجيئه "على ما ذكرنا "2. فأما أن يكون استعمل وقتًا من الزمان كذلك ثم انصرف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر. ويدل على أن ذلك عند العرب معتقد "كما أنه عندنا مراد معتقد"3 إخراجها بعض ذلك مع الضرورة، على الحد الذي نتصوره نحن فيه. وذلك قوله: صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم4 هذا يدلك على أن أصل أقام أقوم وهو الذي نوميء نحن إليه ونتخيله فرب حرف يخرج هكذا منبهة على أصل بابه ولعله إنما أخرج على أصله فتُجشم ذلك فيه لما يعقب من الدلالة على أولية أحوال أمثاله. وكذلك قوله 5: أني أجود لأقوام وإن ضننوا

_ 1 يريد بالصحيح ما لم يحدث فيه تغيير، وبمقابله ما حدث فيه تغيير، أو ما يدعى أن له أصلا يخالف ظاهر لفظه كما في عبارته. فشد ليس من الصحيح في هذا الموطن. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "كذلك". 3 هذه الزيادة في أ، ج. وقد سقطت في ش، ب. 4 انظر الكلام على هذا البيت في ص149 من هذا الجزء. 5 انظر ص17 من هذا الجزء.

فأنت تعلم بهذا أن أصل شلت يده شلِلَت: أي لو جاء مجيء الصحيح لوجب فيه إظهار تضعيفه. وقد قال الفرزدق: ولو رضيت يداي بها وضنت ... لكان علي في القدر الخيار1 "فأصل ضنت إذًا ضنِنَت بدلالة قوله: ضِننوا ". وكذلك قوله 2: تراه وقد فات الرماة كأنه ... أمام الكلاب مُصغِي الخد أصلم3 تعلم منه أن أصل قولك: هذا معطي زيد. معطيُ زيد.

_ 1 يقول ذلك في امرأته نوار وكان طلقها ثم تبعتها نفسه وندم على طلاقها، وأفرد الضمير في ضنت وهو يعود على اليدين لما كانتا متلازمتين. يقول: لو بقيت نوار مدى لظللت الكا أمرها فكان علي أن أختار في المقدر لها عن الإمساك أو التسريح، ولكنها أفلتت من يدي، فليس لي عليها خيار. وقد أورد أبو العباس في الكامل قصة الفرزدق، وذكر أبياتا فيها هذا البيت برواية أخرى وهي: ولو أني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار وكذا أورده بهذه الرواية المرزوقي في الأزمنة والأمكنة وقال: المعنى: لو ملكت أمري لكان علي أن أختار للقدر، ولم يكن علي القدر أن يختار لي. وانظر الكامل 2/ 84 ومعجم الأدباء في ترجمة المازني 7/ 126 طبعة الحلبي. 2 هو أبو خراش. وهو من قصيدة مطلعها البيت: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع وانظر ص58، من هذا الجزء. 3 الضمير في "تراه" يرجع إلى تيس الربل -وهو الظبي- المذكور في قوله قبل: فوالله ما ربداء أو علج عانة ... أنب وما إن تيس ربل مصمم وأصلم: مقطوع الأذنين. يقول: إن هذا الظبي في عدوه الشديد يميل خده ويصغيه، ويخفض أذنيه فكأنه أصلم: قطعت أذناه. وقد قرأ ابن جني "مصغى الخد" برفع "مصغى" خبرا لـ"كأنه". والذي في تعليقات ديوان الهذليين 4/ 143 أنه بالنصب على الحالية. وعلى ذلك لا يأتي ما يريد ابن جني الاستشهاد به.

ومن أدل الدليل على أن هذه الأشياء التي ندعي1 أنها أصول مرفوضة لا يعتقد2 أنها قد كانت مرة مستعملة ثم صارت من بعد مهملة ما تعرضه الصنعة فيها من تقدير ما لا يطوع النطق به لتعذره. وذلك كقولنا في شرح حال الممدود غير المهموز الأصل نحو سماء وقضاء. ألا ترى أن الأصل سماوٌ وقضايٌ, فلما وقعت الواو والياء طرفًا بعد ألف زائدة قلبتا ألفين فصار التقدير بهما إلى سماا وقضاا فلما التقت الألفان تحركت الثانية "منهما"3 فانقلبت همزة, فصار ذلك إلى سماء وقضاء. أفلا تعلم أن أحد ما قدرته -وهو التقاء الألفين- لا قدرة لأحد على النطق به. " وكذلك"4 ما نتصوره وننبه عليه أبدًا من تقدير "مفعول" مما عينه أحد حرفي العلة وذلك نحو مبيع ومكيل ومقول ومصوغ ألا تعلم أن الأصل مبيوع, ومكيول ومقوول ومصووغ فنقلت الضمة من العين إلى الفاء فسكنت, وواو5 مفعول بعدها ساكنة فحذفت إحداهما -على الخلاف فيهما- لالتقاء الساكنين. فهذا جمع لهما تقديرًا وحكمًا. فأما أن يمكن النطق بهما على حال فلا. واعلم مع هذا أن بعض ما ندعي أصليته من هذا الفن قد ينطق به على ما ندعيه من حاله -وهو أقوى الأدلة على صحة ما نعتقده من تصور الأحوال الأول- وذلك اللغتان تختلف فيهما القبيلتان كالحجازية والتميمية ألا ترى أنا نقول في الأمر من المضاعف في التميمية - نحو شُدّ وضَنّ وفِرّ واستَعِدّ واصطبّ6

_ 1 كذا بالنون في أ، ب. وفي ش: "تدعى" بالتاء. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "نعتقد". 3 زيادة في ش، ب خلت منها أ. 4 كذا في أ، ج: وفي ش، ب: "فكذلك". 5 كذا في أ. وفي ش، ب سقطت الواو. 6 يقال: اصطب من القربة ماء: صبه منها ليشربه.

يا رجل, واطمئنّ يا غلام: إن الأصل اشدُد, واضنَن, وافرِر, واستعدِد, واصطبِب واطمأنِن ومع هذا فهكذا1 لغة أهل الحجاز وهي اللغة الفصحى القدمى. ويؤكد ذلك قول الله سبحانه: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} أصله2 استطاعوا فحذفت التاء لكثرة الاستعمال ولقرب التاء من الطاء وهذا الأصل مستعمل ألا ترى أن عقيبه قوله تعالى {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} . وفيه لغة أخرى؛ وهي: استعت بحذف الطاء كحذف التاء ولغة ثالثة: أسطعت بقطع الهمزة مفتوحة ولغة رابعة: أستعت مقطوعة الهمزة مفتوحة أيضًا. فتلك خمس لغات: استطعت واسطعت واستعت وأسطعت وأستعت. وروينا بيت الجران3: وفيك إذا لاقيتنا عجرفية ... مرارًا فما نستيع من يتعجرف4 بضم حرف المضارعة وبالتاء. ومن ذلك اسم المفعول من الثلاثي المعتل العين نحو مبيع ومخيط ورجل مدين من الدين. فهذا كله مغير. وأصله مبيوع ومديون ومخيوط, فغير على ما مضى. ومع ذلك فبنو تميم -على ما حكاه أبو عثمان5 عن الأصمعي- يتمون مفعولا من الياء فيقولون: مخيوط ومكيول؛ قال6:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "فكذا". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "وأصله". 3 هو جران العود النميري، وهذا لقبه. واسمه عامر بن الحارث بن كلفة. 4 هذا من قول من يتغزل فيها له. تقول: إنك تلقانا بالجفاء، وهذا شديد علينا يصف مكانته عندها، والعجرفية: الجفوة في الكلام. والبيت من قصيدة له طويلة. وانظر الديوان 17. 5 عبارة المازني في تصريفه 260 نسخة التيمورية: "وبنو تميم -فيما زعم علماؤنا- يتمون مفعولا من الياء، فيقولون: مبيوع ومسيور به، وفي ص263 بعد أن أورد من الشواهد "مطيوبة" و"مغيوم" يقول: "أخبرني أبو زيد أن تميما تقول ذلك، ورواه الخليل وسيبويه، ترى أن أبا عثمان لم يرو هذه اللغة عن الأصمعي. بلى روى الشاهد الآتي عن الأصمعي، وهو الذي فيه "مطبوبة" على ما يأتي في الكلام على الشواهد الآتية. 6 هو العباس بن مرداس السلمي يخاطب كليب بن عييمة السلمي في قصة جرت بينهما. وانظر شرح شواهد الشافية للبغدادي 387.

قد كان قومك يزعمونك سيدًا ... وإخال أنك سيد معيون1 وأنشد أبو عمرو بن العلاء 2: وكأنها تفاحة مطيوبة وقال علقمة بن عبدة: يوم رذاذٍ عليه الدجن مغيوم3 ويروى: يومٌ رذاذٌ. وربما تخطوا الياء في هذه إلى الواو وأخرجوا مفعولا منها على أصله وإن كان "أثقل منه من"4 الياء. وذلك قول بعضهم: ثوب مصوون وفرس مقوود ورجل معوود من مرضه. وأنشدوا فيه: والمسك في5 عنبره مدووف ولهذا نظائر كثيرة؛ إلا أن هذا سمتها وطريقها 6. فقد ثبت بذلك أن هذه الأصول المومأ إليها على أضرب: منها ما لا يمكن النطق به أصلا؛ نحو ما اجتمع فيه ساكنان؛ كسماء, ومبيع, ومصوغ, ونحو ذلك.

_ 1 معيون: مصاب بالعين. ويروى: مغبون من قولهم: غبن على قلبه أي غطي عليه؛ فيكون الأصل: مغبون عليه؛ وجرى فيه الحذف والإيصال. وانظر المصدر السابق. 2 في تصريف المازني مع شرحه المنصف 1/ 263 نسخة تيمور: قال أبو عثمان: وسمعت الأصمعي يقول: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: سمعت في شعر العرب: وكأنها تفاحة مطيوبة 3 صدره: حتى تذكر بيضات وهيجه وهو في وصف الظليم. وهو من قصيدة طويلة مفضلية. 4 كذا في أ. وفي ب: "يقل منه في" وفي ش: "يقل في" وفي ج: "أنقل من". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "من". وانظر ص99 من هذا الجزء في التعليقة 8. 6 كذا في أ. وفي ش: "طريقتها".

ومنها ما يمكن النطق به غير أن فيه من الاستثقال ما دعا إلى رفضه واطراحه إلا أن يشذ الشيء القليل منه فيخرج على أصله منبهة ودليلًا على أولية حاله كقولهم: لححت عينه وألِل السقاء إذا تغيرت ريحه وكقوله 1: لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطَّلب ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الياء في نحو موسر وموقن والواو في نحو ميزان وميعاد وامتناعهم من إخراج افتعل وما تصرف منه إذا كانت فاؤه صادًا أو ضادًا أو طاء أو ظاء أو دالًا أو ذالًا أو زايًا على أصله وامتناعهم من تصحيح الياء والواو إذا وقعتا طرفين بعد ألف زائدة وامتناعهم من جمع الهمزتين في كلمة واحدة ملتقيتين غير عينين 2. فكل هذا وغيره مما يكثر تعداده يمتنع منه استكراهًا للكلفة فيه وإن كان النطق به ممكنًا غير متعذر. وحدثنا أبو علي رحمه الله فيما حكاه -أظنه-3 عن خلف الأحمر: قال: يقال التقطت النوى، واشتقطته4، واضتقطته 5. فصحح تاء افتعل وفاؤه ضاد ونظائره -مما يمكن النطق به إلا أنه رفض استثقالًا له- كثيرة. قال أبو الفتح: ينبغي

_ 1 هو ابن قيس الرقيات. وانظر المفصل في مبحث "الواو والياء لا مين" في أواخر الكتاب، والكتاب 2/ 59، والمحتسب في سورة البقرة، والديوان 68. ورواية الديوان: "في الغواني قما" بسكون الياء، ولا شاهد فيه. وفي شرح السكري: "روى الخليل: "في الغواني هل" جعل مثل الضوارب، أخرج ذوات الياء مخرج التمام فأعربه". 2 يقصد بذلك الاحتراز عن نحو ساَّل وراَّس. 3 جزم بأنه عن خلف في مواطن أخرى من هذا الكتاب. وانظر "باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع" فيما يأتي. 4 كذا في أوج. وفي ش، ب: "استقطته". وهو تحريف. 5 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "اصطفته". وهو تحريف.

أن تكون الضاد في اضتقطت بدلا من شين اشتقطت فلذلك ظهرت كما تصح التاء مع الشين. ونظيره قوله 1: مال إلى أرطاة حقف فالطجع2 اللام بدل من الضاد، فلذلك أقرت الطاء بدلا من التاء، وجعل ذلك دليلا على البدل. ومنها ما يمكن النطق به إلا أنه لم يستعمل لا لثقله لكن لغير ذلك: من التعويض منه أو لأن الصنعة أدت إلى رفضه. وذلك نحو "أن " مع الفعل إذا كان جوابًا للأمر والنهي وتلك الأماكن السبعة نحو اذهب فيذهب معك {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} وذلك أنهم عوضوا من "أن " الناصبة حرف العطف "وكذلك"3 قولهم: لا يسعني شيء ويعجز عنك وقوله 4: ............................ إنما ... نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا5

_ 1 ينسب هذا الرجز إلى منظور بن حبة الأسدي. انظر شواهد الشافية للبغدادي 216. 2 قبله: يا رب أباز من المفر صدع ... تقبض الذئب إليه واجتمع لما رأى أن لا دعه ولا شبع والأباز يريد به الظبي، والأباز: الوثاب، والصدع: الخفيف اللحم، والعفر من الظباء: التي تعطو ألوانها حمرة. وقوله: "لما رأى" أي الذئب. وقوله "تقبض" أي جمع قوائمه ليثب على الظبي، يريد أنه لما رأى أنه لا يدرك الظبي فيشبع من لحمه، وأنه قد تعب في طلبه عمد إلى أرطاة فاضطجع عندها. والرجز في شواهد الإصلاح، وفي شرح ابن السيرافي لشواهده في الورقة 90 ب. وانظر ص64 من هذا الجزء. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فكذلك". 4 هو امرؤ القيس بن حجر. 5 صدره: فقلت له لا تبك عينك ... وانظر الديوان.

صارت أو "والواو"1 فيه عوضًا من "أن " وكذلك الواو التي تحذف "معها رب"2 في أكثر الأمر نحو قوله 3: وقاتم الأعماق خاوي المخترق4 غير أن الجر لرب لا للواو, كما أن النصب في الفعل إنما هو لأن المضمرة, لا للفاء ولا للواو ولا " لأو". ومن ذلك ما حذف من الأفعال وأنيب عنه غيره مصدرًا كان أو غيره؛ نحو ضربًا زيدًا وشتمًا عمرًا. وكذلك دونك زيدًا وعندك جعفرًا, ونحو ذلك: من الأسماء المسمى بها الفعل. فالعمل الآن إنما هو لهذه الظواهر المقامات مقام الفعل الناصب. ومن ذلك ما أقيم من الأحوال المشاهدة مقام الأفعال الناصبة نحو قولك إذا رأيت قادمًا: خير مقدم أي قدمت خير مقدم. فنابت5 الحال المشاهدة مناب الفعل الناصب. وكذلك قولك للرجل يهوي بالسيف ليضرب به: عمرًا وللرامي للهدف إذا أرسل النزع فسمعت صوتًا القرطاس والله: أي اضرب عمرًا, وأصاب القرطاس. فهذا ونحوه لم يرفض ناصبه لثقله بل لأن ما ناب عنه جار عندهم مجراه ومؤد تأديته. وقد ذكرنا في كتابنا الموسوم "بالتعاقب " من هذا النحو ما فيه كاف بإذن الله تعالى.

_ 1 كذا في ش، وب. وفي أ "صارت الواو فيه عوضا" وفي ج: "صارت هذه الحروف". 2 كذا في ج. وفي أ، ب، ش: "مع رب" ولا يستقيم الكلام مع هذا. 3 هو رؤبة بن العجاج. 4 هو مطلع أرجوزة. وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق وانظر الخزانة 1/ 38. 5 كذلك في ج. وفي أ، ب، ش: "ونابت".

باب في فرق بين البدل والعوض

باب في فرق 1 بين البدل 2 والعوض 3: جماع ما في هذا أن البدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوض منه " وإنما يقع البدل في موضع المبدل منه والعوض لا يلزم فيه ذلك ألا تراك تقول في الألف من قام: إنها بدل من الواو التي هي عين الفعل ولا تقول فيها: إنها عوض منها وكذلك يقال في واو جُوَن وياء مِيَر: إنها بدل للتخفيف من همزة جؤن3 ومئر ولا تقول: إنها عوض منها. وكذلك تقول في لام غاز وداع: إنها بدل من الواو ولا تقول: إنها عوض منها. وتقول في العوض: إن التاء في عدة, وزنة عوض من فاء الفعل ولا تقول: إنها بدل من منها. فإن قلت: ذاك فما أقله! وهو تجوز في العبارة. وسنذكر لم ذلك. وتقول في ميم " اللهم": إنها عوض من " يا" في أوله ولا تقول: بدل. وتقول في تاء زنادقة: إنها عوض4 من ياء زناديق ولا تقول: بدل. وتقول في ياء "أينق ": إنها عوض من عين "أنوق " فيمن جعلها أيفل ومن جعلها عينًا مقدمة مغيرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو. فالبدل أعم تصرفًا من العوض. فكل عوض بدل وليس كل بدل عوضًا. وينبغي أن تعلم أن العوض من لفظ " عَوضُ " -وهو الدهر- ومعناه؛ قال الأعشى 5: رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نتفرق6 والتقؤهما أن الدهر إنما هو مرور الليل والنهار وتصرم أجزائهما فكلما مضى جزء منه خلفه جزء آخر يكون عوضًا منه. فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأول. فلهذا كان العوض أشد مخالفة للمعوض منه من البدل. وقد ذكرت في موضع من كلامي مفرد اشتقاق أسماء الدهر والزمان وتقصيته هناك. وأتيت أيضًا في كتابي الموسوم ب "التعاقب " على كثير من هذا الباب ونهجت الطريق إلى ما أذكره بما نبهت به عليه.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "الفرق". 2 كذا في أ. وفي ب، ش: "البدل والمبدل منه والعوض المعوض منه". 3 "جؤن" جمع جؤنة بالضم. وهي سلة مستديرة مغشاة أدما. تكون مع العطارين. و"سئر" جمع سرة. بالكسر وهي الذحل والعداوة. 4 قال ابن جني في كتاب التعاقب "فإن قلت: فلعل الهاء في "زنادقة" و"جحاجحة" لتأنيث الجمع، كهاء ملائكة وصياقلة، فلا تكون عوضا، قلنا: لم تأت الهاء لتأنيث الجمع في مثال مفاعيل؛ إنما جاءت في مثال مفاعلة، نحو ملائكة" من أشباه السيوطي 1/ 136. 5 كذا في ش، ب. وسقط "الأعشى" في أ. 6 قبله: لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق وهو من قصيدته التي مطلعها: أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق انظر ديوان الأعشى طبع أوروبا 145 والخزانة 3/ 209 و"ليان" بالتنوين، و"ثدي" روي بالجر على البدلية، والنصب على تقدير "أعني"، أو غيره. وانظر الخزانة في الموطن السابق.

باب في الاستغناء بالشيء عن الشيء

باب في 1 الاستغناء بالشيء عن الشيء: قال سيبويه: واعلم2 أن العرب قد تستغني بالشيء "عن الشيء"3 حتى يصير المستغنى عنه مسقطًا من كلامهم البتة. فمن ذلك استغناؤهم بترك عن "ودع " و "وذر ". فأما قراءة بعضهم "ما ودَعك ربك وما قلى " وقول أبي الأسود4 " حتى وَدَعه " فلغة شاذة وقد تقدم القول5 عليها.

_ 1 كذا في أ. وسقط هذا الحرف في ش، ب. 2 كذا في ش، ب. وسقط حرف العطف في أ. 3 كذا في أ، ب. وسقط هذا في ش. وانظر في هذا 2/ 191، 251 من الكتاب. 4 الصواب أنه قول أنيس بن زنيم في عبيد الله بن زياد. وهاك البيت بتمامه: سل أميري ما الذي غيره ... عن وصالي اليوم حتى ودعه وفي الحماسة البصرية نسبته إلى عبد الله بن كريز. وانظر الخزانة 3/ 121. 5 انظر ص100 من هذا الجزء.

ومن ذلك استغناؤهم بلمحة عن ملمحة وعليها كسرت ملامح وبشبه عن مشبه وعليه جاء مشابه وبليلة عن ليلاة وعليها جاءت ليال وعلى أن ابن الأعرابي قد أنشد: في كل يوم ما وكل ليلاه ... حتى يقول كل راء إذ1 راه يا ويحه من جمل ما أشقاه وهذا شاذ لم يسمع إلا من هذه الجهة. وكذلك استغنوا بذكر عن مذكار أو مذكير وعليه جاء مذاكير. وكذلك استغنوا بـ"أينق " عن أن يأتوا به والعين في موضعها فألزموه القلب أو الإبدال فلم يقولوا " أنوق" إلا في شيء شاذ حكاه الفراء. وكذلك1 استغنوا بقسي عن قووس فلم يأت إلا مقلوبًا. ومن ذلك استغناؤهم بجمع القلة عن جمع الكثرة نحو قولهم أرجل لم يأتوا فيه بجمع الكثرة. وكذلك شسوع: لم يأتوا فيه بجمع القلة. وكذلك أيام: لم يستعملوا فيه جمع الكثرة. فأما جيران فقد أتوا فيه بمثال القلة أنشد الأصمعي: مذمة الأجوار والحقوق3 وذكره أيضًا ابن الأعرابي فيما أحسب. فأما دراهم, ودنانير, ونحو ذلك -من الرباعي وما ألحق به- فلا سبيل فيه إلى جمع القلة. وكذلك4 اليد التي هي العضو قالوا فيها أيد البتة. فأما أياد فتكسير أيد لا تكسير يد وعلى أن "أياد " أكثر ما تستعمل في النعم لا في الأعضاء. وقد جاءت أيضًا فيها أنشد أبو الخطاب: ساءها ما تأملت في أياديـ ... ـنا وإشناقُها إلى الأعناق5

_ 1 ثبت لفظ "إذ" في أ، ج. وسقط في ش، ب. 2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "فكذلك". 3 "مذمة" كذا بالمعجمة في ش، ج. وفي أ: "مدمة" بالمهملة. 4 كذا في أ، وفي ش، ب: "فكذلك". 5 نسبة في اللسان في "شنق" إلى عدي -وهو عدي بن زيد كما في التاج والسيرافي في شرح سيبويه- وكان يبدو لي أنه عدي المهلهل من قصيدته التي يقول فيها: طفلة ما أبنة المحلل هيفا ... ء لعوب لذيذة في العناق وانظر الأغاني 5/ 54 طبع الدار، حتى رأيته في قصيدة عدي بن زيد في الأغاني 2/ 116. وإشتاقها إلى الأعناق رفعها إلى العنق بالغل. يذكر أنه كان الغل في يده مرفوعة إلى عنقه وكان كذلك في جمع من أصحابه فساءها ذلك. وانظر الخزانة 3/ 348.

وأنشد أبو زيد 1: أما واحدًا فكفاك مثلي ... فمن ليد تطاوحها الأيادي2 ومن أبيات3 المعاني في ذلك "قوله"4: ومستامة تستام وهي رخيصة ... تباع بساحات الأيادي وتمسح5 "مستامة " يعني أرضًا تسوم فيها الإبل، من السير6 لا من السوم الذي هو البيع و "تباع " أي تمد فيها الإبل أبواعها وأيديها و " تمسح " من المسح وهو القطع من قول الله تبارك وتعالى: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} وقال العجاج: وخطرت فيه الأيادي وخطر ... رايٌ إذا أورده الطعن صدر7

_ 1 انظر نوادره ص56، وقد نسبه إلى نفيع: رجل من عبد شمس جاهلي. 2 ورد في اللسان في طوح وفي "يدي". وفيه: "أيادي" وما هنا في النوادر. وتطارحها: تراميها يقول: إني أكفيك واحدا يعدو عليك. فأما إذا رامتك أياد فلا طاقة لي بذلك. 3 أبيات المعافى: ما يخالف ظاهره باطنه، فهي ما فيها تعمية وإلغاز عن المراد. وانظر شفاء الغليل "حرف الألف". وقد ألف في أبيات المعاني كتب, أشهر ما طبع منها كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة. وقد طبع في الهند. وانظر أيضًا الخزانة 3/ 81. 4 زيادة في أ. 5 نسب هذا البيت في اللسان "مسح، وباع، وسام" إلى ذي الرمة، ويبدو أن هذا اشتباه، سببه أنه على روي قصيدة لذي الرمة أولها: أمنزلي ميّ سلام عليكما ... على النأي والنائي يود وينصح وليس هذا البيت في القصيدة. وقد أورده جامع الديوان المطبوع في أوروبا في ذيل الديوان في المفردات التي حملت على ذي الرمة. 6 كذا في اللسان "بوع"، وهو يريد: من السوم الذي هو السير، يقال: سامت الناقة: مرت سريعة، وكذا الريح. وفي اللسان "سوم": "من السوم الذي هو الرعي". 7 جاء هذا في الكتاب 1/ 189 والرواية فيه: وخطرت أيدي الكملة وخطر وهو من أرجوزة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر. وقبله. أليس يمشي قدما إذا ادكر ... ما وعد الصابر في اليوم اصطبر إذ لقح اليوم العماس واقمطر واليوم العماس: الشديد، يريد يوم الحرب. واقمطر: صعب واشتد. والراي: جمع راية. يقول إنه يدخل الحرب قدما غير هياب، يبتغي ما وعد الله الصابرين في الجهاد. وقوله: خطرت أيدي الكماة أي تحركت أيديهم في القتال، وخطرت الرايات يوردها الطعن فتصدر راويات بدم الأعداء. وقد جاء الشاهد في ديوان الأعشى المطبوع في أوروبا فيما حمل على الأعشى ميمون بن قيس.

وقال الراجز 1: كأنه بالصحصحان الأنجل ... قطنٌ سخامٌ بأيادي غُزَّل2 ومن ذلك استغناؤهم بقولهم: ما أجود جوابه عن "هو أفعل منك 3" من الجواب. فأما قولهم: ما أشد سواده وبياضه وعوره وحوله فما لا بد منه. ومنه أيضًا استغناؤهم باشتد وافتقر عن قولهم: فقر وشد. وعليه جاء فقير. فأما شد فحكاها أبو زيد في المصادر ولم يحكها سيبويه. ومن ذلك استغناؤهم عن الأصل مجردًا من الزيادة بما استعمل منه حاملًا للزيادة وهو صدر صالح من اللغة. وذلك قولهم " حوشب "4 هذا لم يستعمل منه "حشب " عارية من الواو الزائدة ومثله "كوكب " ألا ترى أنك لا تعرف في الكلام " حشب " عاريًا من الزيادة ولا "ككب " ومنه قولهم "دَودَرَّي " لأنا لا نعرف "ددر " ومثله كثير في ذوات الأربعة 5. وهو في الخمسة أكثر منه في الأربعة. فمن الأربعة فلنقس6، وصرنفخ7، وسميدع8، وعميثل9، وسرومط10، وجحجبي11، وقسقبّ12، وقسحبّ13، وهرشفّ14. ومن

_ 1 هو جندل بن المثنى الطهوي كما في اللسان في "سحم". 2 هذا في وصف سراب ذكره في قوله قبله: والآل في كل مراد هو جل فقوله "كأنه" أي الآل. والصحصحان: ما استوى من الأرض. والأنجل: الواسع. والسخام من القطن: اللين. 3 يبدو أن الكلام سقطا والأصل فيه: "استغناؤهم بقولهم: ما أجود جوابه عن قولهم: ما أجوبه، وبقولهم: أنت أجود جوابا عن هو أفعل منك من الجواب". 4 انظر في حوشب وما بعده ص254 من هذا الجزء. 5 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "الأربع". 6 هو البخيل الرديء. 7 هو الصياح. 8 هو السيد الكريم. 9 من معانيه النشيط. 10 هو الجمل الطويل. 11 حي من الأنصار. 12 هو الضخم. 13 وهو الضحم أيضا. 14 من معانيه الكبير المهزول والعجوز المسنة.

ذوات الخمسة جعفليق1، وحنبريت1، ودردبيس، وعضرفوط1، وقرطبوس1، وقرعبلانة2، وفنجليس 3. فأما عرطليل4 -وهو رباعي- فقد استعمل بغير زيادة قال أبو النجم: في سرطم هادٍ وعنقٍ عرطل5 وكذلك خنشليل ألا ترى إلى قولهم: خنشلت المرأة والفرس إذا أسنت وكذلك عنتريس ألا ترى أنه من العترسة وهي الشدة. فأما قِنفَخر6 فإن النون فيه زائدة. وقد حذفت -لعمري- في قولهم: امرأة قفاخرية إذا كانت فائقة في معناها غير أنك وإن كنت قد حذفت النون فإنك قد صرت إلى زيادة أخرى خلفتها وشغلت الأصل شغلها وهي الألف وياء الإضافة. فأما تاء التأنيث فغير معتدة. وأما حيزبون7 فرباعي لزمته زيادة الواو. فإن قلت: فهلا جعلته ثلاثيًا من لفظ "الحزب"؟ قيل يفسد هذا أن النون في موضع زاي عيضموز7، فيجب لذلك أن تكون أصلًا كجيم "خيسفوج "8 وأما "عريقصان "9 فتناوبته زيادتان وهما الياء في عريقصان والنون في "عرنقصان " كلاهما يقال10 بالنون

_ 1 انظر ص237 من هذا الجزء. 2 هي دويبة عريضة عظيمة البطن. 3 هي الكمرة العظيمة. 4 هو الطويل. 5 قبله: يأوي إلى ملط له وكلكل وهو في وصف بعير السانية الذي يستقي عليه. والملط جمع ملاط وهو الجنب، والسرطم: الطويل، والهادي "العنق، ويكون قوله: "وعنق هرطل" من عطف المرادف. والرواية في الظرائف الأدبية: وكاهل ضخم وعنق عرطل 6 هو التار الناعم الضخم الجثة. 7 هي العجوز. 8 هو حب القطن والخشب البالي. 9 هو من النبات. 10 كذا في ش، ب. وفي أ: "يقالان".

والياء. وأما "عِزويت "1 فمن لفظ "عزوت " لأنه "فِعليت " والواو لام. وأما " قنديل" فكذلك أيضًا ألا ترى إلى قول العجلي 2: رُكب في ضخم الذفاري قندل3 وأما عَلَندى4 فتناهبته الزوائد. وذلك أنهم قد قالوا فيه: عِلوَدٌ وعُلادى وعُلَندًى وعَلَندًى ألا تراه غير منفك من الزيادة. ولزوم الزيادة لما لزمته من الأصول يضعف5 تحقير الترخيم؛ لأن فيه حذفًا للزوائد. وبإزاء ذلك ما حذف من الأصول كلام يد ودم وأب وأخ وعين سهٍ ومذ وفاء عدة وزنة وناس والله في أقوى قولي6 سيبويه. فإذا جاز حذف الأصول فيما أرينا وغيره كان حذف الزوائد التي ليست لها حرمة الأصول أحجى وأحرى. وأجاز أبو الحسن أظننت زيدًا عمرًا عاقلا ونحو ذلك وامتنع منه أبو عثمان وقال: استغنت العرب عن ذلك بقولهم: جعلته يظنه عاقلا. ومن ذلك استغناؤهم بواحد عن اثنٍ وباثنين عن واحدين وبستة عن ثلاثتين وبعشرة عن خمستين وبعشرين عن عشرتين ونحو ذلك.

_ 1 انظر ص198 من هذا الجزء. 2 هو أبو النجم. 3 صدره كما في اللسان "فندل": هدي بنا كل نياف عندل يهدي: يتقدم. والنياف يريد جملا طويلا في ارتفاع، والعندل: الطويل، والقندل: العظيم الرأس. وفي الطرائف الأدبية ركب الشطر الشاهد مع غير الشطر السابق. 4 هو البعير الضخم الشديد. 5 انظر ص237 من هذا الجزء. 6 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "قول" وانظر في هذا ص237 من هذا الجزء.

باب في عكس التقدير

باب في عكس التقدير: هذا موضع من العربية غريب. وذلك أن تعتقد في أمر من الأمور حكمًا ما وقتامًا ثم تحور1 في ذلك الشيء عينه في وقت آخر فتعتقد فيه حكمًا آخر. من ذلك الحكاية عن أبي عبيدة 2. وهو قوله: ما رأيت أطرف3 من أمر النحويين؛ يقولون: إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث وهم يقولون "علقاة " وقد قال العجاج: فكر في علقي وفي مكور4 يريد أبو عبيدة أنه قال: "في علقي " فلم يصرف التأنيث ثم قالوا مع هذا "علقاة " أي فألحقوا تاء التأنيث ألفه. قال أبو عثمان 5: كان أبو عبيدة أجفى من أن يعرف هذا. وذلك أن من قال "علقاة " فالألف عنده للإلحاق بباب جعفر كألف "أرطى " فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه وجعل الألف للتأنيث فيما بعد فيجعلها للإلحاق مع تاء التأنيث وللتأنيث إذا فقد التاء. ولهذا نظائر. هي قولهم 6: بُهمي7 وبُهماة وشكاعى8 وشكاعاة، وباقلى وباقلاة ونقاوى9، ونقاواة،

_ 1 أي ترجع. وهو هكذا في أ، ب. وفي ج: "تجوز" وكذا هو في ش فيما يبدو للقارئ، وهو تحريف. 2 كذا في الأصول ما عدا ش ففيها: "عبيد" وهو خطأه وما أثبت هو الصواب. 3 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أظرف". 4 هذا في وصف الثور الوحشي الذي شبه به ناقته. ويروى: "فحط" بدل "فكر" ويروى أيضا بدلهما "يستن" أي يرعى في العلقى وفي المكور، وهي جمع مكر -كضرب- وهو ضرب من النبات، كالعلقى. وانظر أراجيز العرب 92 وديوان العجاج والكتاب 2/ 9 وشرح شاهد الشافية للبغدادي 417. 5 انظر الكشاف في سورة المؤمن عند قوله تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} والجار بردي على الشافية 315. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "هو". 7 هو ضرب من النبات من خير المراعي. ولا يثبت سيبويه بهماة ألف بهمى عنده للتأنيث وانظر الكتاب 2/ 9. 8 من دق النبات يتداوى بها. 9 ضرب من النبات له زهر أحمر. وقوله: "نقاوى ونقاواة" بالنون كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "تفاوى وتقاواة". وهو تحريف.

وسمانى1 وسماناة. ومثل ذلك من الممدود قولهم: طرفاء وطرفاءة وقصباء وقصباءة وحلفاء وحلفاءة وباقلاء وباقلاءة. فمن قال: "طرفاء " فالهمزة عنده للتأنيث ومن قال: "طرفاءة " فالتاء عنده للتأنيث وأما الهمزة على قوله فزيادة لغير التأنيث. وأقوى القولين فيها عندي أن تكون همزة مرتجلة غير منقلبة لأنها إذا كانت منقلبة في هذا المثال فإنها عن ألف التأنيث لا غير نحو صحراء وصلفاء2، وخبراء3، والحرشاء4. وقد يجوز أن تكون منقلبة عن حرف لغير الإلحاق فتكون -في الانقلاب لا في الإلحاق- كألف علباء وحرباء. وهذا مما يؤكد عندك حال الهاء ألا ترى أنها إذا لحقت اعتقدت فيما قبلها حكمًا ما فإن لم تلحق حار5 الحكم إلى غيره. ونحو6 منه قولهم: الصفنة7، والصفن، والرضاع8، والرضاعة وهو صفو الشيء وصفوته9، وله نظائر قد ذكرت ومنه البرك10، والبركة للصدر. ومن ذلك قولنا: كان11 يقوم زيد ونحن نعتقد رفع "زيد " بـ "كان " ويكون "يقوم " خبرًا مقدمًا عليه. فإن قيل: ألا تعلم أن "كان " إنما تدخل على الكلام الذي كان قبلها

_ 1 هو ضرب من الطيور. 2 هي المكان الغليظ الجلد. 3 هو القاع ينبت السدر. 4 يقال أفعى حرشاء: خشنة الجلد. 5 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "جاز". 6 يريد أن هذه الكلمات فيها مذكر ومؤنث ومدلولهما واحد. فالصفنة مؤنث والصفن مذكر، فهذا كعلقى: يكون مؤنثا فيمنع الصرف، ومذكرا فيصرف، والمعنى واحد. 7 هي وءاء الخصية، وكذلك الصفن بسكون الفاء وفتحها. وقد ضبط "الصفن" في أبفتح الفاء. 8 بفتح الراء وكسرها في الرضاع والرضاعة. 9 بتثليث الصاد. 10 البرك بالفتح والبركة بالكسر. وكلاهما صدر البعير. 11 من النحو بين لا يجيز هذه المسألة ويجعل المنع عاما ويقول أبو حيان في البحر 5/ 109: "مسألة كان يقوم زيد على أن زيد اسم كان فيها خلاف والصحيح المنع" وقد حمل المجيز لها قوله تعالى في آخر سورة التوبة "من بعدما كاد تزيغ قلوب فريق منهم"، بقراءة تزيغ بالتاء على أن "قلوب" اسم كاد وجملة "تزيغ" الخبر، ويرى من يمنع ذلك أن في كاد ضمير الشأن. وانظر الهمع 1/ 118.

مبتدأ وخبرًا, وأنت إذا قلت: يقوم زيد فإنما الكلام من فعل وفاعل فكيف ذلك فالجواب أنه لا يمتنع أن يعتقد مع "كان " في قولنا: كان يقوم زيد أن زيدًا مرتفع بـ "كان " , وأن "يقوم " مقدم عن موضعه فإذا حذفت "كان " زال الاتساع وتأخر الخبر الذي هو "يقوم " فصار بعد "زيد " كما أن ألف "علقاة " للإلحاق, فإذا حذفت الهاء استحال التقدير فصارت للتأنيث حتى قال: فكر في علقى وفي مكور على ذا تأوله أبو عثمان: ولم يحمله على أنهما لغتان. وأظنه إنما ذهب إلى ذلك لما رآه قد كثرت نظائره؛ نحو سمانى وسماناة وشكاعى وشكاعاة وبهمى وبهماة. فألف "بهمى " للتأنيث وألف "بهماة " زيادة لغير الإلحاق كألف قبعثرى وضبغطرى. ويجوز أن تكون للإلحاق بجخدب على قياس قول أبي الحسن الأخفش إلا أنه إلحاق اختص مع التأنيث ألا ترى أن أحدًا لا ينون " بهمى" فعلى ذلك يكون الحكم على قولنا: كان يقوم زيد ونحن نعتقد أن زيدًا مرفوع بكان. ومن ذلك ما نعتقده في همزاء حمراء وصفراء ونحوهما أنهما1 للتأنيث، فإن ركبت الاسم مع آخر قبله، حرت2 عن ذلك الاستشعار والتقدير فيها واعتقدت غيره. وذلك أن تركب3 مع " حمراء " اسمًا قبلها فتجعلهما جميعًا كاسم واحد فتصرف4 "حمراء " حينئذ. وذلك قولك: هذا دار حمراء ورأيت دار حمراء ومررت

_ 1 يريد همزة حمراء وصفراء، وهمزة نحوهما، ولو أفرد لكان أجود. 2 أي رجعت. 3 يريد التركيب المزجي. 4 يريد أنها لا تلزم منع الصرف كما في أمرها الأول، بل قد تصرف، على التفصيل الآتي. وذلك أنك إن أردت التعريف منعت الصرف وإلا صرفت. والعبارة في ج: "ومن ذلك حمراء وصفراء؛ همزته للتأنيث؛ فإن ركبته مع اسم آخر قبله ثم سميت به صرفته في النكرة؛ لأنك لا تترك صرفه للتأنيث، إنما تنزعه للتعريف والتركيب ... " وهي ظاهرة.

بدار حمراء وكذلك هذا كلبصفراء1، ورأيت كلبصفراء ومررت بكلبصفراء, "فلا تصرف الاسم للتعريف والتركيب كحضرموت. فإن نكرت صرفت فقلت: رب كلبصفراءٍ مررت به"2، وكلبصفراء آخر. فتصرف في النكرة وتعتقد في هذه الهمزة مع التركيب أنها لغير التأنيث وقد كانت قبل التركيب له. ونحو من ذلك ما نعتقده في الألفات إذا كن في الحروف والأصوات أنها غير منقلبة, وذلك نحو ألف لا وما وألف قاف وكاف ودال وأخواتها وألف على, وإلى, ولدى3، وإذا فإن نقلتها فجعلتها أسماء أو اشتققت منها فعلًا استحال ذلك التقدير واعتقدت فيها ما تعتقده في المنقلب. وذلك قولك: مويت إذا كتبت "ما " ولويت إذا كتبت " لا " وكوفت كافًا حسنة ودولت دالًا جيدة, وزويت زايًا قوية. ولو سميت رجلًا بـ "على " أو "إلى " أو " لدى " أو "ألا " أو "إذا " 4، لقلت في التثنية: عَلَوان وإلَوان ولَدَوان وأَلَوان وإذَوَان فاعتقدت في هذه الألفات مع التسمية بها وعند الاشتقاق منها الانقلاب وقد كانت قبل ذلك عندك غير منقلبة. وأغرب من ذلك قولك: بأبي أنت! . فالباء في أول الاسم حرف جر بمنزلة اللام في قولك: لله أنت! فإذا اشتققت منه فعلًا اشتقاقًا صوتيًّا استحال ذلك التقدير فقلت: بأبأت5 به بئباء وقد أكثرت من البأبأة. فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كنا قد أحطنا علمًا بأنها فيما اشتقت منه زائدة للجر. ومثال

_ 1 تبعب في رسم كلبصفراء بالوصل ما في أ. وهذا قياس التركيب المزجي كمعد يكرب. وهو مركب من كلب وصفراء. 2 ما بين القوسين زيادة في ش، ب، خلت منها أ. 3 في أكتبت هذه الحروف بالألف: علا، وإلا، ولدا. 4 هذه الزيادة من ج. 5 أي قلت له: بأبي أنت. وهذا معنى الاشتقاق الصوتي؛ كما تقول: حوقل, قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وسبحل, قال: سبحان الله. وانظر الكتاب 1/ 177.

البِئباء على هذا الفعلال كالزلزال, والقلقال, والبأبأة1 الفعللة, كالقلقلة, والزلزلة, وعلى هذا اشتقوا منهما "البئب " فصار فعلا من باب سلس, وقلق؛ قال 2: يا بأبي أنت ويا فوق البئب 3 فالبئب الآن بمنزلة الضلع, والعنب, والقمع, "والقرب"4. ومن ذلك قولهم: القرنوة5 للنبت وقالوا: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقرنوة فالياء في قرنيت الآن للإلحاق, بمنزلة ياء سلقيت وجعبيت وإنما هي بدل من واو "قرنوة " التي هي لغير الإلحاق. وسألني أبو علي -رحمه الله- عن ألف "يا " من قوله -فيما أنشده أبو زيد6: فخيرٌ نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يا لا7 فقال: أمنقلبة هي؟ قلت: لا؛ لأنها في حرف أعني " يا " فقال: بل هي منقلبة. فاستدللته على ذلك فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف عليها فصارت اللام كأنها جزء منها فصارت "يال " بمنزلة قال والألف في موضع العين وهي مجهولة فينبغي أن يحكم عليها بالانقلاب عن الواو. هذا8 جمل ما قاله ولله هو وعليه رحمته،

_ 1 هو بالجر عطف على "البئباء". وفيه العطف على معمولين. ويقرأ بالرفع على حذف المضاف وهو "مثال" أي ومثال البأبأة. 2 هو آدم مولى بلعنبر كما في اللسان في "أبو". وهو من رجز البيان والتبيين للجاحظ 1/ 163، يقول في ابن له. 3 "يا فوق البئب" -ويروى البيب- أي أتت فوق أن يقال له: بأبي أنت. 4 زيادة في أخلت منها ش، ب. 5 انظر ص228. 6 انظر ص21 من نوادر أبي زيد، والخزانة ص4 ج2 من السلفية. وهذا من بيتين لزهير بن مسعود الضبي. 7 يعده: ولم يثق العوائق من غيور ... بغيرته وخلين الحجالا المثوب: الذي يدعو الناس للحرب يستنصرهم، وقوله "يالا" يريد يا لبني فلان. والعواتق جمع عاتق وهي التي لم تتزوج، وقوله "خلين الحجالا" أي من الفزع يخرجن من المجال فلا يثقن بأن يمنعهن الأزواج والآباء والإخوة، يقول: نحن عندهن أوثق منكن. 8 كذا في أ، وفي ش، ب: "وهذا".

فما كان أقوى قياسه وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقًا له. وكيف كان لا يكون كذلك وقد أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحة علله ساقطة عنه كلفه, وجعله همه وسدمه1، لا يعتاقه عنه ولد ولا يعارضه فيه متجر ولا يسوم به مطلبًا ولا يخدم به رئيسًا إلا بأخرة2 وقد حط من أثقاله وألقى عصا ترحاله! ثم إني -ولا أقول إلا حقًا- لأعجب من نفسي في وقتي هذا كيف تطوع لي بمسئلة أم كيف تطمح بي إلى انتزاع علة! مع ما الحال عليه من علق الوقت وأشجانه وتذاؤبه3 وخلج4 أشطانه، ولولا معازة5 الخاطر واعتناقه6، ومساورة الفكر واكتداده7، لكنت عن هذا الشأن بمعزل وبأمر سواه على شغل. وقال لي مرة رحمه الله بهذه الانتقالات: كما جاز إذا سميت بـ "ضرب " أن تخرجه من البناء إلى الإعراب كذلك يجوز أيضًا أن تخرجه من جنس إلى جنس إذا أنت نقلته من موضعه إلى غيره. ومن طريف ما ألقاه -رضي الله تعالى عنه- علي أنه سألني يومًا عن قولهم هات لا هاتيت فقال "ما هاتيت "؟ فقلت: فاعلت فهات من هاتيت كعاط من عاطيت فقال: أشيء آخر فلم يحضر إذ ذاك فقال أنا أرى فيه غير هذا. فسألته عنه, فقال: يكون فعليت, قلت: ممه؟ قال: من الهوتة8،

_ 1 السدم: الهم. 2 يريد خدمته عضد الدولة بن بويه. وقد صنف له الإيضاح والتكملة. 3 أي اضطرابه واختلافه كتذاؤب الرياح. وقد أثبت "تذاؤبه" بالمعجمة، وفي أ: "تداؤبه" بالمهملة. وفي ش، ب: "تداويه"، وكلاهما تحريف. 4 الأشطان جمع شطن وهو الحبل، وخلج الأشطان جذبها وانتزاعها. وضبط في أ "خلج" بالتحريك. والخلج: الفساد فالمعنى: فساد أشطانه وأسبابه. 5 المعازة: المغالبة. 6 يقال: اعتنف الأمر: أخذه بعنف. يريد أنه يأخذ خاطره بالشدة. 7 أي جهده والإلحاح عليه. وقوله: "اكتداده" كذا في أ، ب. وفي ش: "اكتداره". وهو تحريف. 8 بفتح الهاء وضمها.

وهي المنخفض من الأرض -قال: وكذلك " هيت " لهذا البلد1، لأنه منخفض من الأرض- فأصله2 هوتيت، ثم أبدلت الواو التي هي عين فعليت وإن كانت ساكنة؛ كما أبدلت في ياجل3 وياحل3، فصار هاتيت وهذا لطيف حسن. على أن صاحب العين قد قال: إن الهاء فيه بدل من همزة كهرقت ونحوه. والذي يجمع بين هاتيت وبين الهوتة حتى دعا ذلك أبا علي إلى ما قال به أن الأرض المنخفضة تجذب إلى نفسها بانخفاضها. وكذلك قولك: هات إنما هو استدعاء منك للشيء واجتذابه إليك. وكذلك صاحب العين إنما حمله على اعتقاد بدل الهاء من الهمزة أنه أخذه من أتيت الشيء والإتيان ضرب من الانجذاب إلى الشيء. والذي ذهب إليه أبو علي في "هاتيت " غريب لطيف. ومما يستحيل فيه التقدير لانتقاله من صورة إلى أخرى قولهم "هلممت" إذا قلت: هلم. فهلممت الآن كصعررت وشمللت وأصله قبل غير هذا إنما هو أول4 "ها " للتنبيه لحقت مثال الأمر للمواجه توكيدًا. وأصلها5 ها لُمَّ فكثر استعمالها وخلطت "ها " بـ "لم " توكيدًا للمعنى لشدة الاتصال فحذفت الألف لذلك ولأن لام " لم " في الأصل ساكنة ألا ترى أن تقديرها أول "المم " وكذلك يقولها أهل الحجاز ثم زال هذا كله بقولهم "هلممت " فصارت كأنها فعللت من لفظ "الهلمام "6 وتنوسيت حال التركيب. وكأن الذي صرفهما جميعًا عن ظاهر حاله حتى دعا أبا علي إلى أن جعله من "الهوتة " وغيره من لفظ أتيت عدم تركيب7 ظاهره،

_ 1 هو بلد على شاطئ الفرات، وعلى هذا فالياء في هيت أصلها الواو. 2 أي أصل هاتيت. 3 والأصل: يوجل ويوحل. 4 هو هنا ظرف. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فأصلها". 6 كذا في ج. وفي أ، ب، ش: "الهلمان". وكذا في عبارة اللسان في "هلم". 7 يريد أن تأليفه غير موجود في اللغة، فلذلك اعتمد تخريجه على غير ظاهره. وهو عود إلى الكلام على هاتيت.

ألا ترى أنه ليس في كلامهم تركيب "هـ ت و " ولا "هـ ت ي " فنزلا جميعًا عن بادي أمره إلى لفظ غيره. فهذه طريق اختلاف التقدير وهي واسعة غير أني قد نبهت عليها فأمض الرأي والصنعة فيما يأتي منها. ومن لفظ "الهوتة " ومعناها قولهم مضى1 هيتاء2 من الليل؛ وهو فعلاء منه ألا تراهم قالوا: قد تهور3 الليل، ولو كسرت "هيتاء " لقلت "هواتي " وقريب من لفظه ومعناه قول الله سبحانه: {هَيْتَ لَكَ} إنما معناه هلم لك وهذا اجتذاب واستدعاء له؛ قال: أن العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا4

_ 1 كأن الليل بذهاب وقت منه ينخفض وتذهب قمته. 2 أي وقت منه. 3 أي ذهب أكثره. وفي ذلك معنى الانخفاض. وتراه "تهور" بالراء وهو هكذا في أ، ب، ش. وفي ج: "تهوت". ولعمري لو جاءت هذه الصيغة في اللغة لكانت هي الجودي، ولكنها لم تجئ. 4 هذا ثاني بيتين أنشدهما الفراء لشاعر في علي -رضي الله عنه- أولهما: أبلغ أمير المؤمنيـ ... ـن أخا العراق إذا أتينا وترى أن السياق يقضي بفتح أن. وقد روي كسرها على قطعه عما قبله أو على تأويل أبلغ بقل. وقوله: عنق أي مائلون. وانظر اللسان "هيت" وشرح المفصل 4/ 32.

باب في الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى

باب في الفرق 1 بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى: هذا الموضع كثيرًا ما يستهوي من يضعف نظره إلى أن يقوده إلى إفساد الصنعة. وذلك كقولهم في تفسير قولنا "أهلَكَ والليلَ " معناه الحق أهلك قبل الليل، فربما دعا ذاك من لا دربة له إلى أن يقول "أهلك والليل " فيجره وإنما تقديره الحق أهلك وسابق الليل. وكذلك قولنا زيد قام: ربما ظن بعضهم أن زيدًا هنا فاعل في الصنعة، كما أنه فاعل في المعنى. وكذلك تفسير معنى قولنا: سرني قيام هذا وقعود ذاك، بأنه سرني أن قام هذا وأن قعد ذاك، ربما2 اعتقد في هذا وذاك أنهما في موضع3 رفع لأنهما فاعلان في المعنى. ولا تستصغر هذا الموضع؛ فإن العرب أيضًا قد مرت به وشمت روائحه وراعته. وذلك أن الأصمعي أنشد في جملة أراجيزه شعرًا من مشطور السريع طويلًا ممدودًا مقيدًا التزم الشاعر فيه أن جعل قوافيه كلها في موضع جر إلا بيتًا واحدًا من الشعر 4: يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كجذوع الصيصاء5 رِدِي رِدِي وِردَ قطاة صماء ... كدرية أعجبها برد الماء6 تطرد قوافيها كلها على الجر إلا بيتا واحدا، وهو قوله: كأنها وقد رآها الرؤاء7 والذي سوغه8 ذاك -على ما التزمه في جميع القوافي- ما كنا على سمته من القول. وذلك أنه لما كان معناه: كأنها في وقت رؤية الرؤاء تصور معنى الجر من هذا الموضع فجاز أن يخلط هذا البيت بسائر الأبيات وكأنه لذلك لم يخالف.

_ 1 كذا في ش. وفي أ، ب: "فرق". وفي ج: "فرق تقدير". 2 كذا في أ، وفي ب، ش: "وربما". 3 هما في موضع رفع زيادة عن مكان الجر الإضافة. ويظهر هذا في التابع. فلا غرابة فيه وإنما الوهم الذي يحذر منه ابن جني أن يعتقد أنه ليس إلا مرفوعا، حتى لو قيل يعجبني قيام زيد رفع زيد. وانظر فيما يأتي ص283. 4 في أبعد "الشعر": "قوله". وما هنا في ش، ب. 5 نسبه في اللسان في "تلع" إلى غيلان الربعي. وذكر ابن جني في الجزء الثاني من هذا الكتاب "باب التطوع بما لا يلزم" قصيدة لغيلان على هذا الروي، وليس فيها ما أورد هنا إلا: كأنها وقد رآها الرؤاء وهو يصف قوما في سفينة. يقول: إنهم يمسكون بسكانات السفينة -وسكانها ذنبها الذي به تعدل وهو المعروف بالدفة- وهي طويلة تلعات كجذوع الصيصاء؛ وهو ثمر نخله طويل، وقد كني بالنلعات عن السكانات لطولها، وإنما يمسكون بها خشية أن تلقيهم في البحر فيهلكوا. والشعر في إصلاح المنطق. 6 يخاطب السفينة فيقول، ردي حتى تصلي المرفأ كما ترد قطاة صماء؛ وصممها ضيق أذنيها. 7 انظر تكملة هذا الشطر في الجزء الثاني من الخصائص "باب التطوع بما لا يلزم". 8 كذا في أ. وفي ب: "سوغ له".

ونظير هذا عندي قول طرفة: في جفان تعتري نادينا ... وسديف حين هاج الصِنَّبِر1 يريد الصِنَّبر فاحتاج للقافية إلى تحريك الباء فتطرق إلى ذلك بنقل حركة الإعراب إليها تشبيهًا بباب قولهم: هذا بكر ومررت ببكر وكان يجب على هذا أن يضم الباء فيقول: الصَنَّبُر لأن الراء مضمومة إلا أنه تصور معنى إضافة الظرف إلى الفعل فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنبر فلما احتاج إلى حركة الباء تصور معنى الجر فكسر الباء وكأنه قد نقل الكسرة عن الراء إليها. ولولا ما أوردته في هذا لكان الضم مكان الكسر 2. وهذا أقرب مأخذًا من أن تقول: إنه حرّف القافية للضرورة كما حرفها الآخر في قوله 3: هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسَّى عبقُر4 في قول من قال: أراد عبقر5، ثم حرف الكلمة. ونحوه في التحريف قول العبد6:

_ 1 الصنبر: الريح الباردة. والسديف: السنام أو شحمه. والبيت من قصيدة له في الديوان 63 مطلعها: أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر 2 ألف البدر الدماميني في قول طرفة هذا: "حين هاج الصنبر" بفاعل للفعل مجرور، وأجاب عنه الشيخ السجاعي بمضمون كلام ابن جني، ولم ينسب هذا إلى ابن جني فعابه عليه الجبرتي. انظر هذا في تاريخ الجبرتي في ترجمة السجاعي في الجزء الثاني ص80 وانظر كتابه الأمير على المغني في مبحث الجملة الرابعة من الجمل التي لها محل من الإعراب في الباب الثاني. 3 أي المرار العدوي كما في معجم البلدان في عبقر. 4 تراك وعبقر موضعان و"شسي" تثنية شس، هو المكان الغليظ. 5 ومن اللغويين من يقول: أراد: عيقر. انظر اللسان في "عبقر". 6 هو سحيم عبد بني الحسحاس. وهو من قصيدة له في الديوان المطبوع في دار الكتب المصرية ص42 وما بعدها.

وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرًا واتصافا1 أراد -فيما قيل- ميسان2، فزاد النون ضرورة، فهذا -لعمري- تحريف بتعجرف عار من الصنعة. والذي ذهبت أنا إليه هناك في "الصنبِر " ليس عاريًا من الصنعة. فإن قلت: فإن الإضافة في قوله "حين هاج الصنبر " إنما هي إلى الفعل لا إلى الفاعل فكيف حرفت غير المضاف إليه؟ قيل الفعل مع الفاعل3 كالجزء الواحد وأقوى الجزأين منهما هو الفاعل فكأن الإضافة إنما هي إليه لا إلى الفعل فلذلك جاز أن يتصور فيه معنى الجر. فإن قيل: فأنت إذا أضفت المصدر إلى الفاعل جررته في اللفظ واعتقدت مع هذا أنه في المعنى مرفوع فإذا كان في اللفظ أيضًا مرفوعًا فكيف يسوغ لك بعد حصوله في موضعه من استحقاقه الرفع لفظًا ومعنى أن تحور به فتتوهمه مجرورًا؟ قيل هذا الذي أردناه وتصورناه هو مؤكد للمعنى الأول لأنك كما تصورت في المجرور معنى الرفع كذلك تممت حال الشبه بينهما فتصورت في المرفوع معنى الجر. ألا ترى أن سيبويه لما شبه الضارب الرجل بالحسن الوجه وتمثل ذلك في نفسه ورسا في تصوره زاد في تمكين هذه الحال له وتثبيتها عليه, بأن عاد فشبه الحسن الوجه بالضارب الرجل في الجر كل ذلك تفعله العرب, وتعتقده العلماء في الأمرين ليقوى تشابههما4 وتعمر ذات بينهما، ولا يكونا على

_ 1 قبله -وهو مطلع القصيدة: ألم خيال عشاء فطأفا ... ولم يك إذ طاف إلا اختطافا لمية إذ طرقت موهنا ... فأضحى بها دنفا مستجافا وبعده: بأحسن منها غداة الرحيـ ... ـل قامت ترائيك وحفا غدافا 2 هي كورة بين البصرة وواسط كما في ياقوت. والبيت في اللسان "ميس ووصف". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "الفاعل مع الفعل". 4 بالبناء للفاعل كما ضبط في أ. يقال: عمر الشيء, كنصر وكرم وسمع: صار عامرا كما في القاموس.

حرد1، وتناظر غير مجد، فاعرف هذا من مذهب القوم واقتفه تصب بإذن الله تعالى. ومن ذلك قولهم في قول العرب: كل رجل وصنعته2، وأنت وشأنك: معناه أنت مع شأنك وكل رجل مع صنعته فهذا يوهم من أمم أن الثاني خبر عن الأول كما أنه إذا قال أنت مع شأنك فإن قوله "مع شأنك " خبر عن أنت. وليس الأمر كذلك بل لعمري إن المعنى عليه غير أن تقدير الأعراب على غيره. وإنما " شأنك" معطوف على "أنت " والخبر محذوف للحمل على المعنى, فكأنه قال: كل رجل وصنعته مقرونان وأنت وشأنك مصطحبان. وعليه جاء العطف بالنصب مع أن؛ قال: أغار على معزاي لم يدر أنني ... وصفراء منها عبلة الصفوات3 ومن ذلك قولهم أنت ظالم إن فعلت ألا تراهم يقولون في معناه: إن فعلت فأنت ظالم فهذا ربما أوهم أن "أنت ظالم" جواب مقدم ومعاذ الله أن يقدم جواب الشرط عليه وإنما قوله "أنت ظالم " دال على الجواب وساد مسده فأما أن يكون هو الجواب فلا. ومن ذلك قولهم في عليك زيدًا: إن معناه خذ زيدًا وهو -لعمري- كذلك, إلا أن "زيدًا " الآن إنما هو منصوب بنفس " عليك " من حيث كان اسمًا لفعل متعد لا أنه منصوب بـ "خذ ". ألا ترى إلى فرق ما4 بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى فإذا مر بك شيء من هذا عن أصحابنا فاحفظ نفسك منه ولا تسترسل إليه فإن أمكنك أن يكون

_ 1 أي على غضب واغتياظ، يقال: حرد الرجل إذا اغتاظ فتحرش بالذي غاظه. 2 كذا في أ. وفي ب، ش، ج: "ضيعته". والضيعة هنا: حرفة الرجل وتجارته وصناعته. 3 أورده في اللسان "معز". و"صفراء" يريد قوسا. والصفوات حجارة ملس مسواة، وكأنها كان يرمى بها مكان السهام. وقوله "أغار" أي الذئب أو السبع. 4 كذا في ش، ب. وفي سقط هذا اللفظ "ما" في أ.

تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى فهو ما لا غاية وراءه وإن كان تقدير الإعراب مخالفًا لتفسير المعنى تقبلت1 تفسير المعنى على ما هو عليه، صححت طريق تقدير الإعراب حتى لا يشذ شيء منها عليك وإياك أن تسترسل فتفسد ما تؤثر إصلاحه ألا تراك تفسر نحو قولهم: ضربت زيدًا سوطًا أن معناه ضربت زيدًا ضربة بسوط. وهو -لا شك- كذلك ولكن طريق إعرابه أنه على حذف المضاف, أي ضربته ضربة سوط ثم حذفت الضربة على عبرة حذف المضاف. ولو ذهبت تتأول ضربته سوطًا على أن تقدير إعرابه: ضربة بسوط كما أن معناه كذلك للزمك أن تقدر أنك حذفت الباء كما تحذف حرف الجر في نحو قوله: أمرتك الخير2، وأستغفر3 الله ذنبًا فتحتاج إلى اعتذار من حذف حرف الجر وقد غنيت عن ذلك كله بقولك 4: إنه على حذف المضاف أي ضربة سوط ومعناه ضربة بسوط فهذا -لعمري- معناه، فأما طريق إعرابه وتقديره فحذف المضاف. باب في أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به، إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه: من ذلك أن ترى رجلا قد سدد سهمًا نحو الغرض ثم أرسله فتسمع صوتًا فتقول: القرطاس والله أي أصاب القرطاس. فـ "أصاب " الآن في حكم الملفوظ به

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "تركت". وهو بخط مغاير ويبدو أنه إصلاح من الشنقيطي أو كتابة في موضع ترك بياضا. 2 يريد قول الشاعر: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب وانظر الكتاب 1/ 17، والخزانة 1/ 164. 3 يريد قول الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل وانظر الخزانة 1/ 486. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "بقوله". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "فأما على طريق".

البتة، وإن لم يوجد في اللفظ، غير أن دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به. وكذلك قولهم لرجل مهو بسيف في يده: زيدًا, أي اضرب زيدًا. فصارت شهادة الحال بالفعل بدلا من اللفظ به. وكذلك قولك للقادم من سفر: خير مقدم أي قدمت خير مقدم وقولك: قد مررت برجل إن زيدًا1 وإن عمرًا أي إن كان زيدًا وإن كان عمرًا وقولك للقادم من حجه: مبرور مأجور أي أنت مبرور مأجور, ومبرورًا مأجورًا2 أي قدمت مبرورًا مأجورًا وكذلك قوله 3: رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله4 أي رب رسم دار. وكان رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: خير عافاك الله -أي بخير- يحذف5 الباء لدلالة الحال عليها بجري العادة والعرف بها. وكذلك قولهم: الذي ضربت زيد تريد الهاء وتحذفها لأن في الموضع دليلا عليها. وعلى نحو من هذا تتوجه عندنا قراءة حمزة وهي قوله سبحانه: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ " ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رآه فيها وذهب إليه أبو العباس6، بل الأمر فيها دون ذلك وأقرب وأخف وألطف وذلك أن لحمزة أن يقول لأبي العباس: إنني لم أحمل " الأرحام " على العطف على المجرور المضمر بل اعتقدت أن تكون فيه باء ثانية حتى كأني7 قلت: "وبالأرحام " ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها؛ كما حذفت لتقدم

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أر". 2 انظر مجالس ثعلب 91. 3 هو جميل بن عبد الله بن معمر، صاحب بثينة. وانظر الأمالي 1/ 346 والسمط 557 والخزانة 4/ 199 والعيني 3/ 339، والسيوطي 126. 4 هذا البيت من شواهد النحو في مباحث حرف الجر، وهو مطلع القصيدة، وبعده: موحشا ما ترى به أحدا ... تنسج الريح ترب معتدله واقفا في رباع أم جبير ... من ضحا يومه إلى أصله 5 كذا في ج وفي أ، ب، ش: "ويحذف". 6 يريد المبرد. وانظر الكامل 6/ 155، وشرح المفصل 3/ 78. 7 كذا في أ، ب. وفي ب: "كأن".

ذكرها في نحو قولك: بمن تمرر أمرر وعلى من تنزل أنزل ولم تقل: أمرر به ولا أنزل عليه لكن حذفت الحرفين لتقدم ذكرهما. وإذا جاز للفرزدق أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه "مع مخالفته له في الحكم "1 في قوله: وإني من قوم بهم يتقى العدا ... ورأب الثأى والجانب المتخوف2 أراد: وبهم رأب الثأى فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله: بهم يتقى العدا وإن كانت حالاهما مختلفتين 3. ألا ترى أن4 الباء في قوله5: "بهم يتقى العدا " منصوبة الموضع لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو يتقى كقولك: بالسيف يضرب زيد والباء في قوله: "وبهم رأب الثأى " مرفوعة الموضع عند6 قوم، وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعه7 الرأب -ونظائر هذا كثيرة- كان8 حذف الباء من قوله "والأرحام " لمشابهتها الباء في "به " موضعًا وحكمًا أجدر وقد أجازوا تبًّا له وويل على تقدير وويل له فحذفوها وإن كانت اللام في "تبًّا له " لا ضمير فيها وهي

_ 1 كذا في ب، ش. وفي أ: "مع مخالفته في الحكم له". 2 من نقيضة الفرزدق التي مطلعها: عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف وانظر النقائض 64 طبعة أوروبا، واللسان "رأب". 3 كذا في أ، ب، وفي ش: "مختلفين". 4 كذا في أ، ب. وقد سقط هذا الحرف في ش. 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "قولهم". 6 كأنه يريد أن يجعل خبرا، وهذا وجه الآخران أن يكون "بهم" صفة "قوم"، و"رأب" فاعل به، وعلى هذا فقوله "بهم" مجرور الموضع. وهذا الوجه لا يريده هنا إذ هو قريب من "بالسيف يضرب زيد". 7 كذا في ب. والمعنى عليه صحيح. أي "بهم" خبر والرأب مبتدأ والخبر رافعه المبتدأ عند البصريين. وفي أ، ش: "رافعة الرأب" وهو لا يستقيم على رأي البصريين. 8 جواب "إذا جاز للفرزدق".

متعلقة بنفس1 "تبًا " مثلها في هلم لك وكانت اللام في "ويل له " خبرًا ومتعلقة بمحذوف وفيها ضمير فهذا عروض2 بيت الفرزدق. فإن قلت: فإذا كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز توكيد الهاء المحذوفة في نحو قولك: الذي ضربت زيد فتقول: الذي ضربت نفسه زيد كما تقول: الذي ضربته نفسه زيد قيل: هذا عندنا غير جائز؛ وليس ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت بل لأمر آخر وهو أن الحذف هنا إنما الغرض به3 التخفيف لطول الاسم فلو ذهبت تؤكده لنقضت4 الغرض. وذلك أن التوكيد والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز فلما كان الأمر كذلك تدافع الحكمان فلم يجز أن يجتمعا كما لا يجوز ادغام الملحق لما فيه من نقض الغرض. وكذلك قولهم لمن سدد سهمًا ثم أرسله نحو الغرض فسمعت صوتًا فقلت: القرطاس والله أي أصاب القرطاس: لا يجوز توكيد الفعل الذي نصب "القرطاس ". لو قلت: إصابةً القرطاس فجعلت "إصابة " مصدرًا للفعل الناصب للقرطاس لم يجز من قبل أن الفعل هنا قد حذفته العرب وجعلت الحال المشاهدة دالة عليه, ونائبة عنه فلو أكدته لنقضت الغرض لأن في توكيده تثبيتًا للفظه المختزل, ورجوعًا عن المعتزم من حذفه واطراحه والاكتفاء بغيره منه. وكذلك قولك للمهوي

_ 1 المعروف أن اللام في مثل هذا للتبيين. وتقدير الكلام "له أعني" أو "إرادتي له"، وليست متعلقة بنفس "تبا"، نعم يجيز الصبان إذا كان المجرور غير المخاطب كما هنا أن يتعلق بالمصدر، ولكن ابن جني لا يرى هذا التفصيل، يدل على ذلك تنظيره بهلم لك. واللام في المثال الأخير للتبيين عند الصبان أيضا. انظر صبان الأشموني في مبحث المفعول المطلق. 2 أي مثيله. يقال: هذه المسألة عروض تلك أي نظيرها، وقد يقال لابن جني: إن في بيت الفرزدق وفي،"تبا له وويل" حذف الجار والمجرور، وهو خبر، وحذف الخبر سنن مألوف، ومنهج معروف، فأما قراءة حمزة ففيها حذف الجار وإبقاء جزء، وهذا موضع القول والمؤاخذة. 3 كذا في ش، وفي أ: "فيه". 4 انظر ص128 من هذا الجزء.

بالسيف في يده: زيدًا أي اضرب زيدًا لم يجز أن تؤكد ذلك الفعل الناصب لزيد ألا تراك لا تقول: ضربًا زيدًا وأنت تجعل "ضربًا " توكيدًا لاضرب المقدرة من قبل أن تلك اللفظة قد أنيبت عنها الحال الدالة عليها وحذفت هي اختصارًا فلو أكدتها لنقضت القضية التي كنت حكمت بها لها لكن لك أن تقول: ضربًا زيدًا لا على أن تجعل ضربًا توكيدًا للفعل الناصب لزيد بل على أن تبدله منه فتقيمه مقامه فتنصب به زيدًا فأما على التوكيد به لفعله وأن يكون زيد منصوبًا بالفعل الذي هذا1 توكيد له فلا. فهذه الأشياء لولا ما عرض من صناعة اللفظ -أعني الاقتصار على شيء2 دون شيء- لكان توكيدها جائزًا حسنًا لكن "عارض ما منع "3 فلذلك لم يجز؛ لا لأن المحذوف ليس في تقدير الملفوظ به. ومما يؤكد لك أن المحذوف للدلالة عليه بمنزلة الملفوظ به إنشادهم قول الشاعر 4: قاتلي القوم يا خزاع ولا ... يأخذكم من قتالهم فشل5 فتمام الوزن أن يقال: فقاتلي القوم فلولا أن المحذوف إذا دل الدليل عليه بمنزلة المثبت لكان هذا كسرًا لا زخافًا. وهذا من أقوى وأعلى ما يحتج به لأن المحذوف للدلالة عليه بمنزلة الملفوظ به البتة فاعرفه واشدد يدك به.

_ 1 في د، هـ: "هو". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الشيء". 3 كذا في أ. وفي ش. ب: "لكن عارض عرض ما منع". 4 هو الشداخ بن يعمر الكناني من شعراء الحماسة، وهو جاهلي. وليس الشماخ، كما في شرح الدماميني للخزرجية 40، فهو تحريف. 5 البيت من المنسرح وقد دخله الخرم، ولو قال: "فقاتلي" نجا من ذلك. وقد ذكره أبو رياش كاملا هكذا. وانظر التبريزي في شرح الحماسة. ونهاية الشطر الأول "لا" وانظر الدماميني في الموطن السابق.

وعلى الجملة فكل ما حذف تخفيفًا فلا يجوز توكيده لتدافع حاليه به من حيث1 التوكيد للإسهاب والإطناب والحذف للاختصار والإيجاز. فاعرف ذلك مذهبًا للعرب. ومما يدلك على صحة ذلك قول العرب -فيما رويناه عن محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: "راكب الناقة طليحان " كذا رويناه هكذا وهو يحتمل2 عندي وجهين: أحدهما ما نحن عليه من الحذف فكأنه قال: راكب الناقة والناقة طليحان فحذف المعطوف لأمرين: أحدهما تقدم ذكر الناقة والشيء إذا تقدم ذكره دل3 على ما هو مثله. ومثله من حذف المعطوف قول الله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} أي فضرب فانفجرت. فحذف " فضرب " لأنه معطوف على قوله: "فقلنا ". وكذلك قول التغلبي 4: إذا ما الماء خالطها سخينا5 أي شربنا6 فسخينا. فكذلك قوله: راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة والناقة طليحان. فإن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أي الناقة وراكب الناقة طليحان قيل يبعد ذلك من وجهين:

_ 1 كذا في الأصول. والأحسن في التعبير: من حيث إن. 2 انظر في تخريجه أيضًا التصريح على التوضيح، والأشموني في آخر مباحث عطف النسق. 3 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 4 يريد عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة التي أولها: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا 5 صدره في وصف الخمر: مشعشعة كأن الحص فيها 6 هذا وجه في فهم البيت، ويرى بعضهم أن "سخينا" وصف من السخونة وهو حال من الضمير في خالطها، وذلك مزج الخمر بالماء الساخن.

أحدهما أن الحذف اتساع والاتساع بابه آخر الكلام وأوسطه لا صدره وأوله ألا ترى أن من اتسع بزيادة " كان" حشوًا أو آخرًا لا يجيز زيادتها أولا, وأن من اتسع بزيادة " ما " حشوًا وغير أول لم يستجز زيادتها أولًا إلا في شاذ من القول نحو قوله: وقد ما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تجاوبان فيمن رواه " وقدما " بزيادة " ما " على أنه يريد: وقد هاجني لا فيمن رواه فقال: "وقدمًا هاجني " أي وقديمًا هاجني. والآخر أنه لو كان تقديره: الناقة وراكب الناقة طليحان لكان قد حذف حرف العطف وبقي المعطوف به وهذا شاذ إنما حكى منه أبو عثمان عن أبي زيد: أكلت لحمًا سمكًا تمرًا، وأنشد أبو الحسن: كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم2 وأنشد ابن الأعرابي 3: وكيف لا أبكي على علاتي ... صبائحي غبائقي قيلاتي4

_ 1 لجحدر اللص قصيدة طويلة فيها هذا البيت، لكن بلفظ: "ومما هاجني" في موضع: "وقد ما هاجني" وانظر الأمالي 1/ 281، والخزانة 4/ 483 ومعجم البلدان "حجر" وشواهد المغني للسيوطي 139. 2 حذف فيه حرف العطف والأصل: كيف أصبحت، وكيف أمسيت، أي إبداء التحية يعمل على الود والمحبة. والبيت في ديوان المعاني 2/ 225 عن أبي زيد. وفيه: "يثبت" في مكان "يزرع". 3 في اللسان في "قيل": "الأزهري: أنشدني أعرابي: ما لي لا أسقي حبيباتي ... وهن يوم الورد أمهاتي صبائحي غبائق قيلاتي أراد بحبيباته إبله التي يشرب ألبانها جعلهن كأمهاته، فهل ترى ما هنا محرقا في اللسان، والظاهر أن هذه رواية أخرى عن ابن الأعرابي. 4 العلات جمع علة وكأنه يريد هنا ما يتعلل به، وفسرها بالصبائح والغبائق والقيلات. يريد نوقا يحلبها صباحا وبعد المغرب وفي القائلة. فالصبائح جمع صبوح، والغبائق جمع غبوق، والقيلات جمع قيلة.

وهذا كله شاذ ولعله جميع ما جاء منه. وأما على القول الآخر فإنه -لعمري- قد حذف حرف العطف مع1 المعطوف به وهذا ما لا بد منه؛ ألا ترى أنه إذا حذف المعطوف لم يجز أن يبقى الحرف العاطفه قبله بحاله؛ لأن حرف العطف لا يجوز تعليقه2. فإن قلت فقد قال3: قد وعدتني أم عمرو أن تا ... تدهن رأسي وتفليني وا4 وتمسح القنفاء حتى تنتا فإنما جاز هذا لضرورة الشعر, ولأنه أيضًا قد أعاد الحرف في أول البيت الثاني فجاز تعليق الأول بعد أن دعمه بحرف الإطلاق وأعاده فعرف ما أراد بالأول فجرى مجرى قوله 5: عجل لنا هذا وألحقنا بذا ال ... الشحم إنا قد مللناه بجل6 فكما7 علق حرف التعريف مدعومًا بألف الوصل وأعاده فيما بعد فكذلك علق حرف العطف مدعومًا بحرف الإطلاق وأعاده فيما بعد. فإن قلت: فألف قوله " وا "8 ملفوظ بها وألف الوصل في قوله "بذا ال " غير ملفوظ بها قيل: لو ابتدأت اللام لم يكن من الهمزة بد. فإن قلت: أفيجوز على هذا "قام زيدوه, وعمرو " فتجري

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "من". 2 يريد بذلك ألا يكون له تأثير ظاهر يحذف المعطوف. 3 أي حكم بن معية التميمي. انظر الموشح20. 4 "تفليني" في أ، ب: "تفديني" وقوله: "وا" كذا في أ، ب. وفي اللسان في "تتأ" و"قنف" و"فلى". وقد أصلحت في ش: "واتا" وهو إفساد للشعر ومجافاة للرواية "والقنفاء" الكمرة، و"تنتا" أي تنتأ وتبدو، وضبط في الموشح "تنتا" بكسر التاء وهي لغة. 5 نسب في سيبويه 2/ 273 إلى غيلان وهو غيلان بن حريث الربعي الراجز كما في العيني 1/ 510 على هامش الخزانة. 6 "الشحم" في سيبويه والعيني "بالشحم" و"بجل" أي حسب، وقوله "بذا ال" رسم في أ، والكتاب "بذل". 7 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما". 8 كذا في أ، ب. وفي ش: "تا".

هاء1 بيان الحركة ألف الإطلاق؟ فإنه2 أضعف القياسين. وذلك أن ألف الإطلاق أشبه بما صيغ في الكلمة من هاء بيان الحركة ألا ترى إلى ما جاء من قوله 3: ولاعب بالعشي بني بنينه ... كفعل الهر يحترش العظايا4 فأبعده الإله ولا يؤبى ... ولا يسقى من المرض الشفايا5 وقرأته على أبي علي: ولا يشفى. ألا ترى أن أبا6 عثمان قال: شبه ألف الإطلاق بتاء التأنيث أي فصحح اللام لها كما يصححها للهاء وليست كذلك هاء بيان الحركة لأنها لم تقو قوة تاء التأنيث أولا ترى أن ياء الإطلاق في قوله: ... .. . كله لم أصنعي7 قد نابت عن الضمير العائد حتى كأنه قال: لم أصنعه فلذلك كان "وا " من قوله " وتفليني وا " كأنه لاتصاله بالألف غير معلق. فإذا كان في اللفظ كأنه غير معلق وعاد من بعد معطوفًا به لم يكن هناك كبير مكروه فيعتذر منه.

_ 1 يريد هاء السكت. 2 هذا جواب قوله: "فإن قلت أفيجوز". 3 هو أعصر ابن سعد بن قيس عيلان كما اللسان في "حما". وفي حماسة البحتري 324 هذه الأبيات ببعض تغيير عما في اللسان منسوبة إلى المستوغر بن ربيعة، وكذا في طبقات ابن سلام طبعة أوروبا 12. 4 قبله: إذا ما المرء صم فلم يكلم ... وأعيا سمعه إلا ندايا والعظاء واحدها عظاية وهي دويبة. واحتراشها: صيدها. 5 "يؤبى" كذا في أ. وفي ش، ب: "تؤبى" و"الشفايا" كذا في ش، ب. وهو الصواب. وفي أ: "الشفأ ا" يراد الشفاءا وهو خطأ. 6 يريد المازني. وقد جاء هذا في تصريف المازني ص459 تيمور والعبارة فيه: "فإن الشاعر شبه ألف النصب بها التأنيث حين قال عظاية وصلاية وما أشبهه". 7 هذا جزء من بيت تمامه: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع وهو من أرجوزة لأبي النجم العجلي. وانظر الكتاب 1/ 44، والخزانة في الشاهد 56.

فإن قلت: فإن هاء بيان الحركة قد عاقبت لام الفعل؛ نحو ارمه, واغزه, واخشه, فهذا يقويها, فإنه موضع لا يجوز1 أن يسوى به بينها وبين ألف الإطلاق. والوجه الآخر الذي لأجله حسن حذف المعطوف أن الخبر جاء بلفظ التثنية2، فكان ذلك دليلا على أن المخبر عنه اثنان. فدل الخبر على حال المخبر عنه. إذ كان الثاني هو الأول. فهذا أحد وجهي3 ما تحتمله الحكاية. والآخر4 أن يكون الكلام محمولا على حذف المضاف أي راكب الناقة أحد طليحين, كما يحتمل ذلك قوله سبحانه: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} أي من أحدهما وقد ذهب5 فيه إليه فيما حكاه أبو الحسن. فالوجه6 الأول وهو ما كنا عليه: من أن المحذوف من اللفظ إذا دلت الدلالة عليه كان بمنزلة الملفوظ به, ألا ترى أن الخبر لما جاء مثنى دل على أن المخبر عنه مثنى كذلك أيضًا، وفي هذا القول7 دليل على ما يرد من نحوه بمشيئة الله "وحوله"8.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ما". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "التنبيه". وهو تصحيف، يريد قوله: "طليحان". 3 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ. 4 هذا مقابل قوله في ص290: "أحدهما ما نحن عليه من الحذف". 5 في الحجة بعد أن أورد ما ذكره المؤلف: "وقال أبو الحسن: زعم قوم أنه يخرج من العذب أيضًا" ويخطر في خلدي لهذا أنه سقط هنا بعد "أحدهما": "لا منهما". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالأوجه". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "القدر". 8 زيادة في ش، ب. وقد خلت منها أ.

باب في نقض المراتب إذا عرض هناك عارض

باب في نقض المراتب إذا عرض هناك عارض: من ذلك امتناعهم من تقديم الفاعل في نحو ضرب غلامه زيدًا. فهذا1 لم يمتنع من حيث كان الفاعل ليس رتبته التقديم وإنما امتنع لقرينة انضمت إليه، وهي إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول وفساد تقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. فلهذا وجب2 إذا أردت تصحيح المسئلة أن تؤخر الفاعل فتقول: ضرب زيدًا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} وأجمعوا3 على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدًا لتقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. وقالوا في قول النابغة 4: جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل إن الهاء عائدة على5 مذكور متقدم كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول عليه مضافًا " إلى الفاعل"6 فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنى. وأما أنا فأجيز7 أن تكون الهاء في قوله: جزى ربه عني عدي بن حاتم عائدة على "عدي" خلافًا على الجماعة. فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدم، والمفعول رتبته التأخر8، فقد وقع كل9 منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل وقد وقع مقدمًا أن

_ 1 كذا في أ. وقد سقطت "لم" في ش، ب. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "أوجب". 3 من القائلين بالجواز أبو عبد الله الطوال محمد بن أحمد. وهو من أصحاب الكسائي، وكانت وفاته سنة 243، فكأن ابن جني لم يطلع على خلافه. وانظر كتب النحو في مبحث الفاعل. 4 أي الذبياني. والذي عليه الرواة أن قائل هذا أبو الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم. وإنما وهم من وهم في نسبته إلى النابغة أن للنابغة شعرًا شبيها بهذا وهو: جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاريات وقد فعل ويقول العيني: "عزاه بعضهم إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود. وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولدا مصنوعا، والبيت من شواهد النحو في باب الفاعل، وانظر الخزانة طبعة السلفية 1/ 253, والعيني 2/ 487 على هامش الخزانة. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى". 6 كذا في الأصول، والمناسب، "إليه". 7 كذا في أ. وفي ب، ش: "فإني أجيز". 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "التأخير". 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "كل واحدة".

إضافة الفاعل إلى ضمير المفعول وفساد تقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. فلهذا وجب1 إذا أردت تصحيح المسئلة أن تؤخر الفاعل فتقول: ضرب زيدًا غلامه، وعليه قول الله سبحانه: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} وأجمعوا2 على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدًا لتقدم المضمر على مظهره لفظًا ومعنى. وقالوا في قول النابغة 3: جزى ربه عني عدي بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل إن الهاء عائدة على4 مذكور متقدم كل ذلك لئلا يتقدم ضمير المفعول عليه مضافًا " إلى الفاعل"5 فيكون مقدمًا عليه لفظًا ومعنى. وأما أنا فأجيز6 أن تكون الهاء في قوله: جزى ربه عني عدي بن حاتم عائدة على "عدي" خلافًا على الجماعة. فإن قيل: ألا تعلم أن الفاعل رتبته التقدم، والمفعول رتبته التأخر7، فقد وقع كل8 منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل وقد وقع مقدمًا أن

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أوجب". 2 من القائلين بالجواز أبو عبد الله الطوال محمد بن أحمد. وهو من أصحاب الكسائي، وكانت وفاته سنة 243، فكأن ابن جني لم يطلع على خلافه. وانظر كتب النحو في مبحث الفاعل. 3 أي الذبياني. والذي عليه الرواة أن قائل هذا أبو الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم. وإنما وهم من وهم في نسبته إلى النابغة أن للنابغة شعرًا شبيها بهذا وهو: جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاريات وقد فعل ويقول العيني: "عزاه بعضهم إلى النابغة الذبياني، وأبو عبيدة إلى عبد الله بن همارق، والأعلم لأبي الأسود. وقيل: لم يدر قائله، حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولدا مصنوعا، والبيت من شواهد النحو في باب الفاعل، وانظر الخزانة طبعة السلفية 1/ 253, والعيني 2/ 487 على هامش الخزانة. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى". 5 كذا في الأصول، والمناسب، "إليه". 6 كذا في أ. وفي ب، ش: "فإني أجيز". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "التأخير". 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "كل واحدة".

إذا هبطا الأرض المخوف بها الردى ... يخفض من جاشيهما منصلاهما1 وقول لبيد: فمدافع الريان عُرِّيَ رسمها ... خلقًا كما ضمن الوُحِيَّ سِلامها2 ومن أبيات الكتاب 3: اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل فقدم المفعول في المصراعين جميعًا وللبيد أيضًا: رزقت مرابيع النجوم وصابها ... ودق الرواعد جودها فرهامها وله أيضًا: لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها4 وقال الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وقال الآخر: أبعدك الله من قلب نصحت له ... في حب جمل ويأبى غير عصياني وقال المرقش الأكبر: لم يشج قلبي مِلحوادث إلـ ... ـلا صاحبي المتروك في تغلم5

_ 1 تقول ذلك في أخويها ترثيهما. وفي الحماسة أن هذا لعمرة في ابنيها ترثيهما. ومن هذه المرثية ما يستشهد به النحويون في باب الإضافة: هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما وانظر العيني في شواهد الإضافة، والأعلم في المرجع السابق، واللسان في "أبو". 2 من معلقته التي أولها: عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها 3 1/ 142، وفي شواهد المغني للبغدادي 2/ 926: "قال ابن خلف: الشعر لعمر بن أبي ربيعة" ولم أره في الديوان. 4 يصف بقرة وحشية تضطرب لولدها الذي أكلته السباع، وهو المعني بالمعفر القهد. والمعفر: الذي قطعت عنه الرضاعة أياما يراد فطامه. والقهد: الأبيض في كدرة. ويعني بالغبس الكواسب السباع، وجعلها لا يمن طعامها لأنهن يكسبنه بأنفسهن فلا يد عليهن لأحد. وقوله: "غبس" كذا في أ. وفي ش: "غبش". 5 هذا من قصيدة مفضلية، يرثي صاحبًا له دفن في تغلم وهو موضع. وانظر شرح ابن الأنباري للمفضليات 487.

وفيها: في باذخات من عماية أو ... يرفعه دون السماء خيم1 والأمر في كثرة تقديم المفعول على الفاعل في القرآن وفصيح الكلام متعالم غير مستنكر فلما كثر وشاع تقديم المفعول "على الفاعل"2 كان الموضع له، حتى إنه إذا أخر فموضعه التقديم فعلى ذلك كأنه قال: جزى عديَّ بن حاتم ربُّه ثم قدم الفاعل على أنه قد قدره مقدمًا عليه مفعوله فجاز ذلك3، ولا تستنكر هذا الذي صورته لك ولا يجف عليك فإنه مما تقبله هذه اللغة ولا تعافه ولا تتبشعه ألا ترى أن سيبويه أجاز في جر "الوجه" من قولك: هذا الحسن الوجهِ أن يكون من موضعين: أحدهما بإضافة الحسن إليه، والآخر تشبيه4 له بالضارب الرجل هذا مع أنا قد أحطنا علمًا بأن الجر في "الرجل" من قولك: هذا الضارب الرجل إنما جاءه وأتاه من جهة تشبيههم إياه بالحسن الوجه لكن لما اطرد الجر في نحو هذا الضارب الرجل والشاتم الغلام صار كأنه أصل في بابه حتى دع ذاك سيبويه إلى أن عاد "فشبه الحسن الوجه "5 بالضارب الرجل، "من الجهة التي إنما صحت للضارب الرجل تشبيهًا بالحسن الوجه"6 وهذا يدلك على تمكن الفروع عندهم حتى إن أصولها

_ 1 قبله: لو كان حي ناجيا لنجا ... من يومه المزلم الأعصم والمزلم الأعصم: الوعل. وعماية جبل، وكذا خيم. يقول: هذا الوعل معتصم بأعالى الجبال ومع ذلك يدركه الموت. وقوله "في باذخات" كذا في أ. وهو الصواب. وفي ش، ب: "باذخ". 2 زيادة في ش خلت منها أ، ب. 3 كذا في أ, ش، وفي ب: "لذلك". 4 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "تشبيه". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "فشبه به الحسن الوجه". 6 ما بين القوسين زيادة في ش، ب، د، هـ، خلت منها أ.

التي أعطتها حكمًا من أحكامها قد حارت فاستعادت1 من فروعها ما كانت هي أدته إليها وجعلته عطية منها لها فكذلك أيضًا يصير تقديم المفعول لما استمر وكثر كأنه هو الأصل وتأخير الفاعل كأنه أيضًا هو الأصل. فإن قلت إن هذا ليس مرفوعًا إلى العرب ولا محكيًا عنها أنها رأته مذهبًا وإنما هو شيء رآه سيبويه واعتقده قولًا ولسنا نقلد سيبويه ولا غيره في هذه العلة ولا غيرها، فإن2 الجواب عن هذا حاضر عتيد والخطب فيه أيسر وسنذكره في باب يلي هذا بإذن الله. ويؤكد أن الهاء في " ربه " لعدي3 بن حاتم من جهة المعنى عادة العرب في الدعاء ألا تراك لا تكاد تقول: جزى رب زيد عمرًا وإنما يقال: جزاك ربك خيرًا أو شرًا. وذلك أوفق لأنه إذا كان مجازيه ربه كان أقدر على جزائه وأملأ4 به. ولذلك جرى العرف بذلك فاعرفه. ومما نقضت مرتبته المفعول في الاستفهام والشرط فإنهما5 يجيئان مقدمين6 على الفعلين الناصبين لهما وإن كانت رتبة المعمول أن يكون بعد العامل فيه. وذلك قوله سبحانه وتعالى {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فـ " أي منقلب " منصوب على المصدر بـ "ينقلبون " لا بـ "سيعلم " وكذلك قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "واستعادت". وفي الخزانة في شواهد الفاعل: "فاستعارت". 2 جواب قوله: "فإن قلت إن هذا ... ". 3 عرض ابن يعيش في شرح المفصل 1/ 72 لمذهب ابن جني في مسألة "ضرب غلامه زيدا" ورأيه في مرجع الضمير في البيت، ثم قال: "وذلك خلاف ما عليه الجمهور" والصواب أن تكون الهاء عائدة إلى المصدر، والتقدير: جزى رب الجزاء، وصار ذكر الفعل كتقديم المصدر؛ إذ كان دالا عليه". وترى مثل هذا في أمالي ابن الشجري 1/ 102. 4 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "إملائه" وفي عبارة الخزانة: "إيلامه". والوجه ما أثبتنا. و"أملأ به" أي أوثق بأدائه، يقال: ملؤ فهو مليء إذا كان ثقة غنيا. 5 أي المفعول في الاستفهام والمفعول في الشرط، وقد ثنى الضمير نظرا لهذا التعدد. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "متقدمين". 7 كذا في ب، ش. وفي أ: "بيعلم".

قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} وقال: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهذا ونحوه لم يلزم تقديمه من حيث كان مفعولًا. وكيف يكون ذلك وقد قال عز اسمه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} وقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وهو ملء الدنيا كثرة وسعة لكن إنما وجب تقديمه لقرينة انضمت إلى ذلك وهي وجوب تقدم الأسماء المستفهم بها والأسماء المشروط بها. فهذا من النقض العارض. ومن ذلك وجوب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة وكان الخبر عنه ظرفًا نحو قولهم: عندك مال وعليك دين وتحتك بساطان ومعك ألفان. فهذه الأسماء كلها مرفوعة بالابتداء ومواضعها التقديم على الظروف قبلها التي هي أخبار عنها إلا أن مانعًا منع من ذلك حتى لا تقدمها1 عليها، ألا "ترى أنك"2 لو قلت: غلام لك أو بساطان تحتك ونحو ذلك لم يحسن3، لا لأن المبتدأ ليس "موضعه التقديم"4 لكن لأمر حدث وهو كون المبتدأ هنا نكرة ألا تراه لو كان معرفة لاستمر وتوجه تقديمه فتقول: البساطان تحتك والغلام لك. أفلا ترى أن ذلك إنما فسد تقديمه لما ذكرناه: من قبح تقديم المبتدأ نكرة في الواجب ولكن لو أزلت الكلام إلى غير الواجب لجاز تقديم النكرة كقولك: هل غلام عندك وما بساط تحتك فجنيت الفائدة من حيث كنت قد أفدت بنفيك عنه كون البساط تحته واستفهامك عن الغلام: أهو عنده أم لا؟ إذ كان هذا معنى جليًا مفهومًا. ولو أخبرت عن النكرة في الإيجاب مقدمة فقلت: رجل عندك كنت قد أخبرت عن منكور لا يعرف وإنما ينبغي أن تقدم المعرفة ثم تخبر عنها بخبر يستفاد منه معنى منكور نحو زيد عندك ومحمد منطلق وهذا واضح. فإن قلت: فلم وجب مع هذا تأخير النكرة في الإخبار عنها بالواجب قيل لما قبح ابتداؤها نكرة لما ذكرناه رأوا تأخيرها وإيقاعها في موقع الخبر الذي بابه أن يكون نكرة فكان ذلك إصلاحًا للفظ كما أخروا اللام لام الابتداء مع "إن " في قولهم: إن زيدًا لقائم لإصلاح اللفظ. وسترى ذلك في بابه بعون الله وقدرته. فاعلم إذًا أنه لا تنقض مرتبة إلا لأمر حادث فتأمله وابحث عنه.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "يقدمها". 2 كذا في ش، ب وفي أ: "تراك". 3 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "يجز". 4 كذا في أ. وفي ش، د، هـ، ب: "موضعه يحسن التقديم".

باب في غلبة الفروع على الأصول

باب في غلبة الفروع على الأصول ... باب من غلبة الفروع على الأصول: هذا فصل من فصول العربية طريف1؛ تجده في معاني العرب، كما تجده في معاني الإعراب 2. ولا تكاد تجد شيئًا من ذلك إلا والغرض فيه المبالغة. فمما جاء فيه ذلك للعرب قول ذي الرمة: ورمل كأوراك العذارى قطعته ... إذا ألبسته المظلمات الحنادس3 أفلا ترى ذا الرمة كيف جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا. وذلك أن العادة والعرف في نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء ألا ترى إلى قوله: ليلى قضيب تحته كثيب ... وفي القلاد رَشَأٌ ربيب4

_ 1 كذا في ب وفي ش، ج: "ظريف" وسقط هذا اللفظ في أ. 2 يريد ما يرجع إلى الإعراب في الكلام، ويجعل ذلك مقابلا لمعاني العرب التي تعالجها وأغراضها من الكلام. وسيعرض لهذا في قوله: "وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون". 3 "ألبسته": غطته. والحنادس جمع حندس "الحندس: اشتداد الظلمة، وقد ذهب بها مذهب الوصف" وانظر الديوان 318، والبيت من قصيدته التي مطعلها. ألم تسأل اليوم الطلول الدوارس ... بحزوى وهل تدري القفار البسابس وانظر أيضًا كامل المبرد ص2 ج7. 4 القلاد واحدها قلادة. والرشأ: الظبي إذا تحرك وقوي ومشى مع أمه. والبيت في اللسان في "قلد".

وإلى قول ذي الرمة أيضًا -وهو من أبيات الكتاب1: ترى خلفها نصفًا قناة قويمة ... ونصفًا نقًا يرتج أو يتمرمر2 وإلى قول الآخر: خلقت غير خلقة النسوان ... إن قمت فالأعلى قضيب بان وإن توليت فدعصتان ... وكل إد تفعل العينان3 وإلى قوله 4: كدِعص النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مس وتسهال وما أحسن ما ساق الصنعة فيه الطائي الكبير: كم أحرزت قضب الهندي مصلتةً ... تهتز من قضب تهتز في كثب5

_ 1 ص223 ج1. 2 قال الأعلم: "وصف امرأة فجعل أعلاها في الإرهاف واللطافة كالقناة، وأسفلها في امتلائه وكثافته كالنقا المرتج، والنقا: الكثيب من الرمل. وارتجاجه اضطرابه وانهيال بعضه على بعض للينه. والتمرمر أن يجري بعضه على بعض". وهو من قصيدة في الغزل بمية أولها: خليلي لا ربع بوهبين مخبر ... ولا ذو حجي يستنطق الدار يعذر وانظر الديوان. 3 "دعصتان" تثنية دعصة، وهي قطعة من الرمل. والإد: العجب والأمر العظيم. والشعر في اللسان في "دعص". 4 هو لامرئ القيس. وقد وقعت النسبة في ج. 5 من قصيدته التي أولها: السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب و"قضب الهندي" أي الحديد أو الصنع الهندي يريد السيوف، و"مصلته تهتز" حالان من القضب، و"من قضب" تمييز "كم" ويريد بهذه القضب القدود القويمة فوق الأعجاز اللينة كالكثب من الرمال. يريد أن السيوف تظفر المصاولين بها بحسان النساء إذ يقعن في السبي، ومثله ما قبله: كم كان في قطع أسباب الرقاب بها ... إلى المخدرة العذراء من سبب و"تهتز" كذا في ج. وفي ش، ب: "تهز". وقد سقط "تهتز" في الموضع الثاني في أ.

"ولله البحتري"1 فما أعذب وأظرف وأدمث قوله: أين الغزال المستعير من التقا ... كفلا ومن نور الأقاحي مبسما2 فقلب ذو الرمة العادة والعرف في هذا فشبه كثبان الأنقاء بأعجاز النساء. وهذا كأنه يخرج مخرج المبالغة أي قد ثبت هذا الموضع وهذا3 المعنى لأعجاز النساء وصار4 كأنه الأصل فيه حتى شبه به كثبان الأنقاء. ومثله للطائي الصغير: في طلعة البدر شيء من ملاحتها ... وللقضيب نصيب من تثنيها5 وآخر من6 جاء به شاعرنا، فقال: نحن ركب مِلجِنِّ في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال7 فجعل كونهم جنًّا أصلا وجعل كونهم ناسًا فرعًا وجعل كون مطاياه طيرًا أصلًا وكونها جمالا فرعًا فشبه الحقيقة بالمجاز في المعنى الذي منه أفاد المجاز من الحقيقة

_ 1 كذا في ب، ج. وفي ش: "ولله در البحتري" وفي أ: "والبحتري" وهو عطف على الطائي. 2 من قصيدة يمدح فيها أحمد وإبراهيم ابني المدبر أولها: أمحلي سلمى بكاظمة أسلما ... وتعلما أن الجوى ما هجما وانظر الديوان. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "فهذا". 4 كذا في ب، ش. وفي أ: "فصار". 5 "من تثنيها". كذا في ج، وفي ب، ش: "في تثنيها". وهو من قصيدة في مدح المتوكل أولها: أنافعي عند ليلى فرط حبيها ... ولوعة لي أبديها وأخفيها 6 كذا في أ. وفي ب، ج. ش: "ما". 7 من قصيدة في مدح عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي، أولها: صلة الهجري وهجر الوصال ... نكسائي في السقم نكس الهلال وبعده: من بنات الجديل تمشى بنا في الـ ... ـبيد مشي الأيام في الآجال وقوله: "فوق طير" أي فوق ركائب كالطير.

ما أفاد. وعلى نحو من هذا قالوا "جمالية" لأنهم شبهوها بالجمل في شدته وعلو خلقه؛ قال الأعشى: جمالية تغتلي بالردف ... إذا كذب الآثمات الهجيرا1 وقال الراعي: على جمالية كالفحل هملاج وهو كثير. فلما شاع ذلك واطرد صار كأنه أصل في بابه، حتى عادوا فشبهوا الجمل بالناقة في ذلك؛ فقال2: وقربوا كل جُمالي عَضِه ... قريبةٍ ندوتُه من مَحمَضِه فهذا من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع أفاده من الأصل، ونظائره في هذه اللغة كثيرة. وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون في صناعتهم فشبهوا الأصل بالفرع في المعنى الذي أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل ألا ترى أن سيبويه أجاز في قولك: هذا الحسن الوجه أن يكون الجر في الوجه من موضعين، أحدهما

_ 1 "تغتلي": تسرع، والرداف جمع الرديف وهو -كالردف: من يركب خلف الراكب، يريد أنها تقوى على السير وفوقها أكثر من راكب، والآثمات من النوق: المبطئات، وكذب البعير الهجير: أساء السير فيه ولم يصدقه. وهو من قصيدة له في الديوان وقبله: وبيداء يلعب فيها السرا ... ب لا يهتدي القوم فيها مسيرا قطعت إذا سمع السامعو ... ن للجندب الجون فيها صريرا ناجية كأتان التميل ... توفي السرى بعد أين عسيرا 2 هو هميان بن قحافة كما في اللسان في "جمل وعضه وحمض". وعضه: يرعى العضاء من الأشجار. والندوة موضع شرب الإبل. والمحمض: حيث يرعى الحمض وهو من النبات ما فيه ملوحة، وهو ما تشتهيه الإبل. يقول: موضع شربه قريب لا يتعب في طلب الماء. وانظر نوادر أبي زيد 114 والأمالي 2/ 252 والسمط 283.

الإضافة والآخر تشبيهه بالضارب الرجل الذي إنما جاز فيه الجر تشبيهًا له بالحسن الوجه على ما تقدم في الباب قبل هذا. فإن قيل: وما الذي سوغ سيبويه هذا وليس مما يرويه عن العرب رواية وإنما هو شيء رآه واعتقده لنفسه وعلل به قيل يدل على صحة ما رآه من هذا وذهب إليه ما عرفه وعرفناه معه: من أن العرب إذا شبهت شيئًا بشيء مكنت ذلك الشبه لهما، وعمرت1 به الحال بينهما؛ ألا تراهم لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم فأعربوه تمموا ذلك المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه. وكذلك لما شبهوا الوقف بالوصل في نحو3 قولهم "عليه السلام والرحمت " وقوله 4: بل جوزتيهاء كظهر الحجفت5 وقوله 6: آلله نجاك بكفي مَسلمت ... من بعدما وبعدما وبعدمت7 صارت نفوس القوم عند الغلصمت ... وكادت الحرة أن تدعى أمت

_ 1 في اللسان "جمل": "عمت" ويبدو أنه تحريف عما هنا. 2 كذا في أ، ج، ش، ب: "فكذلك". 3 سقط لفظ "نحو" في ش، ب. وثبت في أ، ج. 4 أي سؤر الذئب كما في اللسان في "حجف"، وشواهد الشافية 200. 5 بعده: قطعتها إذا المها تجوفت ... مآرنا إلى ذراها أهدفت جوز التيهاء: وسطها والحجفة: الترس من جلد، وتجوفت: دخلت في جوفها. والمآرن أصلها المآرين جمع المئران وهو كناس الوحش، وذراها: ظلها، وأهدفت: لجأت. وقوله: "بل جوزتيهاء" أي رب جوزتيهاء. وقوله: كظهر الحجفة أي في الاستواء، وقوله: قطعتها إذا المها تجوفت مآرنا أي في وقت الظهيرة حين يدخل بقر الوحش كنسه من الحر وتلجأ إلى ظل المآرين. 6 هو أبو النجم كما في اللسان في "ما" وانظر شواهد الشافية 218، والخزانة 2/ 148. 7 "بعدمت" أراد: بعدما، فأبدل الألف هاء، ثم أبدل الهاء تاء تشبيها لهما بهاء التأنيث. انظر اللسان "ما".

كذلك شبهوا أيضًا الوصل بالوقف في قولهم: ثلاثهَ اربعه يريد ثلاثه أربعه ثم تخفف الهمزة فتقول: ثلاثهَ اربَعَه وفي قولهم: " سبسبَّا وكلكلاّ"1. وكما أجروا غير اللازم مجرى اللازم في قولهم: "لَحمر2 ورُيا 3" وقولهم: وَهْوَ4 الله وَهْيَ4 التي فعلتْ وقوله 5: فقمت للطيف مرتاعًا وأرقني ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم6

_ 1 أي لو جربا في الشعر. ومن الأول قوله: إن الدبي فوق المتون دبا ... وهبت الريح بمور هبا تترك ما أبقى الدبي سبسبا والدبي: الجراد. والمتون جمع المتن، وهو ما صلب من الأرض. والمور -بضم الميم- الغبار. والسبسب: القفر والمفازة. ومن الثاني قوله: كأن مهواها على الكلكل ... وموقعا من ثفنات زل موقع كفى راهب يصلي ... في غبش الصبح وفي التجلي وهو في وصف ناقته. والكلكل: الصدر. والثفنات جمع الثفنة، وهو ما يقع على الأرض من أعضاء الإبل. وزل: خفاف. وانظر شرط شواهد الشافية للبغدادي في الشاهدين، وفي الشاهد الثاني الخزانة 2/ 551. 2 يريد أن "الأحمر" إذا خفف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام يجوز حذف همزة الوصل في غير الوصل لتحريك اللام. وهو وإن كان عارضا فقد أجري مجرى اللازم على هذا الوجه. 3 يريد أن "رؤيا" إذا خففت همزتها بإبدالها واوا فإن بعض العرب يرى إبدال الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وهو يجعل العارض كالأصل اللازم، وعامة العرب على خلافه فيقولون: الرؤيا من غير إبدال. 4 أجرى واو العطف وهي ليست لازمة مجرى اللازمة التي هي جزء من الكلمة فخفف بتسكين ما هو في حكم الوسط. 5 هو زياد بن حمل من قصيدة طويلة في الحماسة، وقبله: زارت رويقة شعثا بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها خدم يريد أن خيال رويقة -وهو اسم محبوبته- زارهم وقد عرسوا في السفر. وأراد بالنواحل الرواحل، والخدم واحدها خدمة وهي السير يشد عليها. وانظر الخزانة 2/ 391، وشرح الحماسة للتبريزي طبعة بن 608. 6 "للطيف" كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "للضيف"، "وأرقني" كذا هو في أ، ب، ش. والمعروف في الرواية: "فأرقني".

وقولهم ها1 الله ذا, أجروه مجرى دابة وقوله: ومن يتق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتابٌ وغادي2 أجرى "تَقِ فَ "3 مجرى علم حتى صار "تَقْفَ " كعَلْمَ, كذلك4 أيضًا أجروا اللازم مجرى غير اللازم في قول الله سبحانه: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 5 فأجرى النصب مجرى الرفع الذي لا تلزم فيه الحركة6 ومجرى7 الجزم الذي لا يلزم فيه الحرف أصلا وكما حمل النصب على الجر في التثنية والجمع الذي على حد التثينة, كذلك حمل الجر على النصب فيما لا ينصرف وكما شبهت الياء بالألف في قوله: كأن أيديهن بالقاع القَرِق8

_ 1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "هاء"، وهو خطأ. و"ها" للتنبيه، وهي من تمام "ذا" وانظر شرح الرضي للكافية 2/ 336 وما بعدها. ويقرأ "ها الله" بإثبات ألف "ها" كما هي في الرسم. 2 "رزق الله" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "رزق المرء" والبيت أورده اللسان في "أوب ووقى" غير معزو: وانظر شواهد الشافية 228، وقد ورد في السيرافي غير معزو أيضًا، في 1/ 270، 5/ 402، 6/ 333 من نسخة التيمورية، والصاحبي 19. 3 عبارة ابن سيده: "أراد: يتق. فأجرى تق ف، من "يتق فإن" مجرى علم، فخفف كقولهم هلم في علم وانظر اللسان "وقى". وقوله: "تق ف" كذا في ش، ب، ج. وسقط في أ "ف". 4 موصول بقوله آنفا: "كما أجروا غير اللازم مجرى اللازم". 5 أي بالاقتصار على ياء واحدة. وهذا في قراءة طلحة بن سليمان والفيض بن غزوان، أما قراءة الجمهور فنصب يحيى وإظهار الياء الثانية. وانظر البحر المحيط 8/ 391. 6 كذا في أ، ب، ش. والمناسب: "أز". 7 ثبت لفظ "مجرى" في ش، ب، ج وسقط في أ. 8 بعده: أيدي نساء يتعاطين الورق وهو في وصف إبل بسرعة السير. والفرق: المكان المستوي لا حجارة فيه. والورق: الدراهم. وانظر اللسان في "فرق"، وهو مما نسب إلى رؤبة في الديوان 179 وانظر الخزانة 3/ 529، وأمالي ابن الشجري 1/ 105.

وقوله 1: يا دار هند عفت إلا أثافيها كذلك حملت الألف على الياء في قوله -فيما أنشد أبو زيد: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضّاها ولا تملَّق2 وكما وضع الضمير المنفصل موضع المتصل في قوله: إليك حتى بلغت إياكا ومنه قول أمية 3: بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير كذلك وضع أيضا المتصل موضع المنفصل في قوله: فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار4 وكما قلبت الواو ياء استحسانًا, لا عن قوة علة في نحو غديان5، وعشيان5، وأبيض لياح5، كذلك أيضًا "قلبت الياء واوًا"6 في نحو الفتوى والرعوى والتقوى،

_ 1 أورد سيبويه في الكتاب 2/ 55 هذا الشطر ونسبه إلى بعض السعديين. 2 نسبه العيني إلى رؤبة. انظر شواهد المعرب والمبني، وهو في ديوان رؤبة 179 فيما نسب إليه. 3 قال العيني في شواهد الضمير: "قاله الفرزدق، وما قيل أنه لأمية بن أبي الصلت غير صحيح". وقبله: إني حلفت ولم أحلف على فند ... فناء بيت من الساعين معمور وبعده بيت: لو لم يبشر به عيسى وبينه ... كنت النبي الذي يدعو إلى النور وهو من قصيدة للفرزدق مدح يزيد بن عبد الملك وهجاء يزيد بن المهلب، وانظر الديوان 102 طبع أوروبا؛ ومختصر الشواهد للعيني 28، وقوله: "بالوارث" في الأصول: "الوارث" وهو تحريف. 4 قال: العيني: "أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد". 5 غديان وصف من غدي -بكسر الدال- تغدى وعشيان وصف من عشي -بكسر الشين- تعشى، وأبيض لياح: شديد البياض. ويقال فيه أيضا لِياح بالكسر. 6 أثبتت هذه الجملة هنا وفقا لما في أ، ج. وفي ش، ب: أخرت هذه الجملة عن "الشروي".

والبقوى, والثنوى, والشروى -وقد ذكر1 ذلك- وقولهم عوى الكلب عوة. وكما أتبعوا الثاني الأول في نحو شد وفر وعض ومنذ كذلك أتبعوا الأول الثاني في نحو: اقتل اخرج ادخل وأشباه هذا كثير2، فلما رأى سيبويه العرب إذا شبهت شيئًا بشيء فحملته على حكمه عادت أيضًا فحملت الآخر على حكم صاحبه, تثبيتًا لهما وتتميمًا لمعنى الشبه بينهما حكم أيضًا لجر الوجه من قوله " هذا الحسن الوجه " أن يكون محمولًا على جر الرجل في قولهم " هذا الضارب الرجل " كما أجازوا أيضًا النصب في قولهم "هذا الحسن الوجهَ " حملًا له منهم على " هذا الضارب الرجل " ونظيره قولهم: يا أميمة3، ألا تراهم حذفوا الهاء فقالوا: أميم فلما أعادوا الهاء أقروا الفتحة بحالها اعتيادًا للفتحة في الميم وإن كان الحذف فرعًا. وكذلك قولهم "اجتمعت أهل اليمامة"4 أصله "اجتمع أهل اليمامة " ثم حذف المضاف فأنث الفعل فصار "اجتمعت اليمامة" ثم أعيد المحذوف فأقر التأنيث الذي هو الفرع بحاله فقيل اجتمعت أهل اليمامة "نعم " وأيد ذلك ما قدمنا ذكره؛ من عكسهم التشبيه وجعلهم فيه الأصول محمولة على الفروع، في تشبيههم كشبان الأنقاء بأعجاز النساء، وغير ذلك مما قدمنا ذكره. ولما كان النحويون بالعرب لاحقين, وعلى سمتهم آخذين, وبألفاظهم متحلين ولمعانيهم وقصودهم آمين، جاز لصاحب5 هذا العلم الذي جمع شعاعه وشرع أوضاعه ورسم أشكاله ووسم أغفاله7، وخلج أشطانه،

_ 1 انظر 88 من هذا الجزء. 2 كذا في ش، ب وفي أ: "كثيرة". 3 من هذا قول النابغة: كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب فقد روي بفتح الفاء وخرجه سيبويه على ما ذكره المؤلف. وانظر الكتاب 1/ 315. 4 كذا في أ. وقد سقط هذا اللفظ في ش، وأثبت في ب ولكن ضرب عليه. وانظر في هذا سيبويه 1/ 26. 5 ثناء على سيبويه. وهو به حقيق. 6 أي ما تفرق منه. 7 واحده غفل -كقفل- وهو ما لا سمة.

وبعج أحضانه، وزم شوارده, وأفاء1 فوارده، أن يرى فيه نحوًا مما رأوا ويحذوه على أمثلتهم التي حذوا وأن يعتقد في هذا الموضع نحوًا مما اعتقدوا في أمثاله لا سيما والقياس إليه مصغ وله قابل وعنه غير متثاقل. فاعرف إذًا ما نحن عليه للعرب مذهبًا ولمن شرح لغاتها مضطربًا وأن سيبويه لاحق بهم وغير بعيد فيه عنهم. ولذلك عندنا لم يتعقب هذا الموضع عليه أحد من أصحابه2 ولا غيرهم، ولا أضافوه إلى ما نعوه عليه وإن كان بحمد الله ساقطًا عنه وحرىً بالاعتذار هم منه. وأجاز سيبويه أيضًا نحو هذا وهو قوله "زيدًا إذا يأتيني أضرب "3 فنصبه بـ "أضرب " ونوى تقديمه حتى كأنه قال "زيدًا أضرب إذا يأتيني" ألا ترى إلى نيته بما يكون جوابًا ل "إذا " -وقد وقع في موقعه- أن يكون التقدير فيه تقديمه عن موضعه. ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم في الآحاد بالحركات نحو زيدٌ وزيدًا, وزيدٍ وهو يقوم وإذا تجووزت رتبة الآحاد4 أعربوا بالحروف نحو الزيدان، والزيدين، والزيدون والعمرين وهما يقومان وهم ينطلقون. فأما ما جاء في الواحد من ذلك نحو أخوك وأباك وهنيك فإن أبا بكر ذهب فيه إلى أن العرب قدمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوه من الإعراب في التثنية والجمع بالحروف. وهذا أيضًا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع ألا تراهم أعربوا بعض الآحاد بالحروف حملًا لهم على ذلك في التثنية والجمع. فأما قولهم " أنت تفعلين "

_ 1 الفوارد واحدها فارد وفاردة، وهو المنقطع من الحيوان عن القطيع، وأفاء الفوارد: رجعها وأعادها إلى جماعتها. 2 كذا في ش، أ، ج. وفي ب: "أصحابنا". 3 هذا جار في الجواب المرفوع أن يجوز تقديم معموله على أداة الشرط بلا خلاف. وإنما يجري الخلاف في تقديم معمول الجواب المجزوم. وانظر الهمع 2/ 61، والكتاب 1/ 68. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "الأعداد".

فإنهم إنما أعربوه بالحرف1 وإن كان في رتبة الآحاد -وهي الأول- من حيث كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعية ومعلوم أن الحرف أقوى من الحركة فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظًا من إعراب ما فوقه فصار -لذلك- الأقوى كأنه الأصل والأضعف كأنه الفرع. ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع ألا تراهم لما حذفوا الحركات -ونحن نعلم أنها زوائد في نحو لم يذهب ولم ينطلق- تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضًا الحروف الأصول فقالوا: لم يخش ولم ير ولم يغز. ومن ذلك "أيضًا"2 أنهم حذفوا ألف مغزىً3، ومدعىً في الإضافة فأجازوا مغزِيّ ومرمِيّ ومَدعِيّ فحملوا الألف هنا -وهي لام- على الألف الزائدة في نحو4 حبلىّ وسكرىّ. ومن ذلك حذفهم ياء تحية وإن كانت أصلًا حملًا لها على ياء شقية وإن كانت زائدة فلذلك قالوا تحويّ كما قالوا سقويّ وغنويّ في شقية وغنية. وحذفوا أيضًا النون الأصلية في قوله 5: ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل وفي قوله6: كأنهما ملآن لم يتغيرا

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بالحروف". 2 زيادة في أ، ب. 3 كذا في أ. وفي ب، ج. "معزى". 4 ثبت لفظ "نحو" في أ، وسقط في ش، ب. 5 هو النجاشي الحارثي. وانظر شرح شواهد المغني للسيوطي 229 والكتاب 1/ 9. والشطر الذي أورده من أبيات فيها حديث عن ذئب لقيه على ماء ورده، وقبله: فقلت له يا ذئب هل لك في أخ ... يواسي بلا من عليك ولا بخل فقال هداك الله للرشد إنما ... دعوت لما لم يأته سبع قبلي فلست بآنيه ولا أستطيعه ... ولاك استقنى إن كان ماؤك ذا فضل 6 عجزه: وقد مر للدارين من بعدنا عصر وانظر اللسان في "أين" وهو من قصيدة لأبي صخر الهذلي في الأمالي 1/ 148، وبقية أشعار الهذليين 93 وقيل هذا البيت: لليلى بذات الجيش دار عرفتها ... وأخرى بذات البين آياتها سطر

وقوله 1: أبلغ أبا دختنوس مألكةً ... غير الذي قد يقال مِلكذب2 كما حذفوا الزائدة3 في قوله 4: وحاتم الطائي وهاب المئي وقوله 5: ولا ذاكر الله إلا قليلا ومن ذلك حملهم التثنية -وهي أقرب إلى الواحد- على الجمع وهو أنأى عنه؛ ألا تراهم قلبوا همزة التأنيث فيها فقالوا: حمراوان وأربعاوان كما قلبوها فيه واوًا فقالوا: حمراوات علمًا وصحراوات وأربعاوات. ومن ذلك حملهم الاسم -وهو الأصل- على الفعل -وهو الفرع- في باب ما لا ينصرف "نعم " وتجاوزوا بالاسم رتبة الفعل إلى أن شبهوه بما ورءاه -وهو الحرف- فبنوه نحو أمس وأين وكيف وكم وإذا. وعلى ذلك ذهب بعضهم في ترك تصرف " ليس" إلى أنها ألحقت بـ "ما " فيه كما ألحقت "ما " 6 بها في العمل في اللغة الحجازية. وكذلك قال أيضًا في " عسى ": "إنها"7 منعت التصرف لحملهم إياها على لعل. فهذا ونحوه يدلك على قوة تداخل هذه اللغة وتلامحها8، واتصال أجزائها وتلاحقها وتناسب أوضاعها وأنها لم تقتعث9 اقتعاثًا ولا هيلت هيلا, وأن واضعها عني بها وأحسن جوارها10، وأمد بالإصابة والأصالة فيها.

_ 1 انظر البيت في اللسان في "ألك". 2 أبو دختنوس لقيط بن زرارة. ودختنوس سماها باسم بنت كسرى ويقال: دختنوش. وهي منقولة عن الفارسية أصلها دخت نوش، ومعناه: بنت الهنيء. وانظر اللسان، والمعرب للجواليقي 142. وقوله: "ملكذب". يريد: من الكذب. وانظر أمالي ابن الشجري 1/ 97. 3 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "الزوائد". 4 عزاه في اللسان في "مأى" إلى امرأة من عقيل تفخر بأخوالها من اليمن وكذا في النوادر 91 والخزانة 3/ 304 وقبله: حيدة خالي ولقيط وعلي 5 هو أبو الأسود الدؤلي. وانظر الخزانة طبعة السلفية، 1/ 258 والشطر الذي أورده صدره: فألقيته غير مستعتب 6 كذا في أ. وفي ب: "فيه". 7 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "إنها المراد وسقط ما". 8 كذا في أ. وفي ش: "تحاملها" وفي ب: "تلاحمها". 9 كأنه يريد أنها ليست جزافا، بل هي مقدرة بمقياس، يقال: قعث له إذا حقن له بيده وأعطاء، واقتعث العطية إذا أكثرها وفي هذا معنى الخروج عن التقدير والحساب. 10 كذا في أ، ب. وفي ش: "جوازها".

باب في إصلاح اللفظ

باب في إصلاح 1 اللفظ: اعلم أنه لما كانت الألفاظ للمعاني أزمة وعليها أدلة وإليها موصلة، وعلى2 المراد منها محصلة عنيت العرب بها فأولتها صدرًا3 صالحًا من تثقيفها وإصلاحها. فمن ذلك قولهم: أما زيد فمنطلق ألا ترى أن تحرير هذا القول إذا صرحت بلفظ الشرط فيه صرت إلى أنك كأنك قلت: مهما يكن من شيء فزيد منطلق قتجد الفاء في جواب الشرط في صدر الجزأين مقدمة عليهما. وأنت في قولك: أما زيد فمنطلق إنما تجد الفاء واسطة بين الجزأين ولا تقول: أما فزيد منطلق كما تقول فيما هو "في معناه "4: مهما يكن من شيء فزيد منطلق. وإنما فعل ذلك لإصلاح اللفظ. ووجه إصلاحه أن هذه الفاء وإن كانت جوابًا ولم تكن عاطفة فإنها على مذهب5 لفظ العاطفة وبصورتها فلو قالوا: أما فزيد منطلق كما يقولون: مهما يكن من شيء فزيد منطلق لوقعت الفاء الجارية مجرى فاء العطف بعدها اسم

_ 1 كذا في أ، ش، ج. وفي ب: "اصطلاح". 2 كأنه ضمن "محصلة" معنى موفقة، فعداه بـ"على". 3 كذا في ب، ش، ج. وقد سقط هذا اللفظ في أ. 4 كذا في ش، ب، د، هـ. وفي أ: "بمعناه". 5 ثبت هذا اللفظ في أ. وسقط في ش، ب، ج.

وليس قبلها اسم، إنما قبلها في اللفظ حرف, وهو أما. فتنكبوا ذلك لما ذكرنا, ووسطوها بين الحرفين ليكون قبلها اسم وبعدها آخر فتأتي على صورة العاطفة؛ فقالوا: أما زيد فمنطلق كما تأتي عاطفة بين الاسمين في نحو قام زيد فعمرو. وهذا تفسير أبي علي رحمه الله تعالى. وهو الصواب. ومثله امتناعهم أن يقولوا: انتظرتك وطلوع الشمس أي مع طلوع الشمس, فينصبوه1 على أنه مفعول معه؛ كما ينصبون نحو قمت وزيدًا, أي مع زيد. قال أبو الحسن: وإنما ذلك لأن الواو التي بمعنى مع لا تستعمل إلا في الموضع الذي لو استعملت فيه عاطفة لجاز. ولو قلت: انتظرتك وطلوع الشمس أي و "انتظرك2 طلوع الشمس" لم يجز. أفلا ترى إلى إجرائهم الواو غير العاطفة في هذا مجرى العاطفة فكذلك أيضًا تجري الفاء غير العاطفة في نحو أما زيد فمنطلق مجرى العاطفة, فلا يؤتى بعدها بما لا شبيه له في جواز العطف عليه3 قبلها. ومن ذلك قولهم في جمع تمرة وبسرة ونحو ذلك: تمرات وبسرات فكرهوا إقرار التاء تناكرًا لاجتماع علامتي تأنيث في لفظ اسم واحد فحذفت وهي في النية -مرادة البتة4- لا لشيء5 إلا لإصلاح اللفظ لأنها في المعنى مقدرة منوية6

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "فنصبوه". 2 كذا في أ. وفي ب: "انتظرتك وطلوع الشمس". يريد أنه لا يصح تسليط الانتظار على طلوع الشمس لأن الشمس لا يقع منها انتظار، فلا يصح عطفه على التاء، ومن ثم لا يصح نصبه على المفعول معه. وهذا رأي الأخفش. وجمهور النحاة لا يلتزمون هذا، ومن الجائز عندهم سرت والنيل، والنيل لا يسير وانظر سر الصناعة في حرف الباء. وشرح الرضي للكافية في المفعول معه 1/ 195. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "عليها". 4 ثبت ما بين القوسين. وفي ش، ب: وسقط في أ. 5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بشيء". 6 كذا في ش، ب. وفي أ: منونة". وهو تحريف.

لا غير ألا تراك إذا قلت "تمرات" لم يعترض شك في أن الواحدة منها تمرة, وهذا واضح. " والعناية" 1 إذًا في الحذف إنما هي بإصلاح2 اللفظ إذ المعنى ناطق بالتاء مقتض لها حاكم بموضعها 3. ومن ذلك قولهم: إن زيدًا لقائم فهذه لام الابتداء وموضعها أول الجملة وصدرها لا آخرها وعجزها فتقديرها4 أول: لَئنّ زيدًا منطلق فلما كره تلاقي حرفين لمعنى واحد -وهو التوكيد- أخرت اللام إلى الخبر فصار إن زيدًا لمنطلق. فإن قيل: هلا أخرت "إن " وقدمت اللام قيل: لفساد ذلك من أوجه: أحدها أن اللام لو تقدمت وتأخرت " إن " لم يجز أن تنصب "إن " اسمها الذي5 من عادتها نصبه من قبل أن لام الابتداء إذا لقيت الاسم المبتدأ قوت سببه وحمت من العوامل جانبه فكان يلزمك أن ترفعه فتقول: لَزيدٌ إنَّ قائم ولم يكن إلى نصب "زيد " -وفيه لام الابتداء- سبيل. ومنها أنك لو تكلفت نصب زيد -وقد أخرت عنه "إن " - لأعملت " إن " فيما قبلها وإن لا تعمل أبدًا إلا فيما بعدها. ومنها أن "إن " عاملة واللام غير عاملة والمبتدأ لا يكون إلا اسمًا وخبره قد يكون جملة وفعلا وظرفًا وحرفًا فجعلت اللام فيه لأنها غير عاملة ومنعت منه " إن" لأنها لا تعمل في الفعل ولا في الجملة كلها النصب إنما تعمله في أحد جزأيها ولا تعمل أيضًا في الظرف, ولا في حرف الجر. ويدل على أن موضع اللام في خبر "إن " أول الجملة قبل " إن " أن العرب لما جفا عليها اجتماع هذين الحرفين قبلوا الهمزة هاء ليزول لفظ " إن "

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالعناية". 2 كذا في أ. وفي ش: "لإصلاح". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "بموجبها". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "فتقدرها". 5 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "التي".

فيزول أيضًا ما كان مستكرهًا من ذلك فقالوا "لهِنّك قائم " 1 أي لئنك قائم. وعليه قوله -فيما رويناه عن محمد بن سلمة عن أبي العباس2: ألا ياسنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق على كريم3 فإن قلت: فما تصنع بقول الآخر 4: ثمانين حولا لا أرى منك راحة ... لهنك في الدنيا لباقية العمر5 وما6 هاتان اللامان؟ قيل: أما الأولى فلام الابتداء, على ما تقدم. وأما الثانية في قوله: "لباقية العمر " فزائدة كزيادتها في قراءة سعيد بن جبير {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} . ونحوه ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر: ألم تكن حلفت بالله العلي ... أن مطاياك لمن خير المطي7 بفتح أن في الآية وفي البيت. وروينا عن أحمد بن يحيى -وأنشدناه أبو علي رحمه الله تعالى:

_ 1 كتب في أفوق لهنك "مثل لعنك" وسقط هذا في ش، ب. ويبدو أنها قصد بها توضيح ما في النص على أن تكون خارجة عنه، ومن ثم لم أثبتها. وهذا الرأي في "لهنك" وهو رأي سيبويه في الكتاب 1/ 474. 2 هو المبرد. وانظر سر الصناعة في حرف اللام. 3 من أربعة أبيات في الأمالي 1/ 220 والسمط 511 والخزانة 4/ 239 وديوان المعاني 2/ 192، وانظر نوادر أبي زيد 28. 4 هو عروة الرحال. وانظر الأمالي 2/ 36 والسمط 671 وشرح الحماسة 4/ 176 بولاق. 5 وبعده: فإن أنقلب من عمر صعبة سالما ... تكن من نساء الناس لي بيضة العقر وقد ثبت الشطر الأول من الشاهد في ش، ب، وسقط في أ، ج. 6 في ب، ش، ب، د، هـ قبل هذا زيادة: "مثل لعنك" وهو راجع لقوله في الشعر "لهنك". 7 "خير" كذا في ج وفي أ، ب: "شر". وما أثبته موافق لما نقله في الخزانة 4/ 328 عن سر الصناعة. وهو في سر الصناعة في حرف اللام.

مروا عجالا وقالوا كيف صاحبكم ... قال الذي سألوا أمسى لمجهودا1 فزاد اللام. وكذلك اللام عندنا في "لعل" زائدة ألا ترى أن العرب قد تحذفها قال: عل صروف الدهر أو دولاتها ... يدلننا اللمة من لماتها2 فتستريح النفس من زفراتها وكذلك3 ما أنشده4 ابن الأعرابي من قول الراجز: ثمت يغدو لكأن لم يشعر ... رخو الإزار زمح التبختر5 أي كأن لم يشعر، فكذلك تكون اللام الثانية في قوله: لهنك في الدنيا لباقية العمر زائدة. فإن قلت: فلم لا تكون الأولى هي الزائدة والأخرى غير زائدة قيل: يفسد ذلك من جهتين: إحداهما أنها قد ثبتت في قوله "لهنك من برق علي كريم " هي لام الابتداء لا زائدة فكذلك ينبغي أن تكون في هذا الموضع أيضًا هي لام الابتداء. والأخرى أنك لو جعلت الأولى هي الزائدة لكنت قد قدمت الحرف الزائد والحروف إنما تزاد لضرب من ضروب الاتساع فإذا كانت للاتساع كان آخر الكلام أولى بها من أوله ألا تراك لا تزيد "كان " مبتدأة وإنما تزيدها حشوًا أو آخرًا وقد تقدم ذكر ذلك.

_ 1 أنشده ثعلب غير معزو: المجالس 153 وما بعدها، مع بيت بعده: يا ويح نفسي من غبراء مظلمة ... قيست على أطول الأقوام ممدودا وانظر الخزانة 4/ 330. 2 "يدلننا" كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "تدني لنا" وفي اللسان في "لمم" "تديلنا"؛ وترى في هذا الموطن من اللسان أن الفراء أنشد هذا الرجز من غير عزو. 3 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "فكذلك". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "أشدناه" وفي ج: "أنشدنا" ولم يلق أبو الفتح ابن الأعرابي؛ فإن صح ما في أ، ج، فالمراد: أنشدنا في كتبه وما روي عنه لا شفاها. 5 "زمح التبختر": ثقيله بغيضه. والزمح: السيئ الخلق وقد أصلحتها هكذا وفي أ، ب: "رمح". وفي ج: "زمج".

فأما قول1 من قال: إن قولهم "لهنك " إن أصله "لله إنك " فقد "تقدم ذكرنا"2 ذلك مع ما عليه فيه في موضع آخر وعلى أن أبا علي قد كان قواه بأَخَرةٍ وفيه تعسف 3. ومن إصلاح اللفظ قولهم: كأن زيدًا عمرو. اعلم أن أصل هذا الكلام: زيد كعمرو ثم أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه "إن " فقالوا: إن زيدًا كعمرو ثم إنهم بالغوا في توكيد التشبيه فقدموا حرفه إلى أول الكلام عناية به وإعلامًا أن عقد الكلام عليه فلما تقدمت الكاف وهي جارّة لم يجز أن تباشر "إن " لأنها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل فوجب لذلك فتحها فقالوا: كأن زيدا عمرو. ومن ذلك أيضًا قولهم: لك مال وعليك دين فالمال والدين هنا مبتدآن, وما قبلهما خبر عنهما إلا أنك لو رمت تقديمهما إلى المكان المقدر لهما لم يجز, لقبح الابتداء بالنكرة في الواجب فلما جفا ذلك في اللفظ أخروا المبتدأ وقدموا الخبر وكان ذلك سهلا عليهم ومصلحًا لما فسد عندهم. وإنما كان تأخره مستحسنًا من قبل أنه لما تأخر وقع موقع الخبر ومن شرط الخبر أن يكون نكرة, فلذلك صلح به اللفظ وإن كنا قد أحطنا علمًا بأنه في المعنى مبتدأ. فأما4 من رفع الاسم في نحو هذا بالظرفية فقد كفي مئونة هذا الاعتذار لأنه ليس مبتدأ عنده.

_ 1 في شرح السيرافي 4/ 107 تيمورية أن هذا الرأي حكاه المفضل بن سلمة لغير الفراء ونسبه في الإنصاف 94 إلى المفضل بن سلمة. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "ذكرنا" ولا يريد أنه ذكره في هذا الكتاب. 3 انظر بسط الكلام في هذا البحث في الخزانة 4/ 334 وما بعدها، وانظر نوادر أبي زيد 28. 4 هم الأخفش والكوفيون. انظر شرح الرضي للكافية 1/ 87.

فإن قلت: فقد حكى1 عن العرب "أمتٌ في حجر لا فيك" وقولهم: "شر أهرَّ ذا ناب " وقولهم: " سَلَامٌ عَلَيْكَ", قال الله سبحانه وتعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} , وقال: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ونحو ذلك. والمبتدأ2 في جميع هذا نكرة مقدمة. قيل: أما قوله سلام عليك وويل له وأمت في حجر لا فيك فإنه جاز لأنه ليس في المعنى خبرًا إنما هو دعاء ومسألة أي ليسلم الله عليك وليلزمه الويل وليكن الأمت في الحجارة لا فيك. والأمت: الانخفاض والارتفاع والاختلاف قال الله عز وجل: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} أي اختلافًا. ومعناه: أبقاك الله بعد فناء الحجارة وهي مما توصف بالخلود والبقاء ألا تراه كيف قال 3: ما أطيب العيش لو أن التى حجر ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم4 وقال: بقاء الوحي في الصم الصلاب

_ 1 ضبطتها بالبناء للمعلوم على ما في أفقد رسمت: "حكا", وهو يريد سيبويه. وانظر الكتاب 1/ 166 وضبط في ب: "حكى" بالبناء للمفعول. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالمبتدأ". 3 أن تميم بن أبي مقبل كما في شواهد المغني للبغدادي 2/ 256. 4 بعده: لا تنفع المرء أحجاء البلاد ولا ... تبني له في السموات السلاليم لا ينفع المرء أنصار ورابية ... يأبى الهوان إذا عد الجراثيم أحجاء البلاد: نواحيها. والرابية: ما ارتفع من الأرض، وأراد به القلعة المرتفعة، والجراثيم جمع جرثومة وهي الأصل، بقوله إنه في جرثومة من قومه.

وأما قولهم "شر أهر ذا ناب " فإنما جاز الابتداء فيه بالنكرة من حيث كان الكلام عائدًا إلى معنى النفي أي ما أهر ذا ناب إلا شر وإنما كان المعنى هذا لأن الخبرية عليه أقوى ألا ترى أنك لو قلت: أهر ذا ناب شر لكنت على طرف من الإخبار غير مؤكد فإذا قلت: ما أهر ذا ناب إلا شر كان ذلك أوكد؛ ألا ترى أن قولك: ما قام إلا زيد أوكد من قولك: قام زيد. وإنما احتيج إلى التوكيد في هذا الموضع من حيث كان أمرًا عانيًا مهمًا. وذلك أن قائل هذا القول سمع هرير كلب فأضاف منه وأشفق1 لاستماعه أن يكون لطارق شر فقال: شر أهر ذا ناب؛ أي ما أهر ذا ناب إلا شر تعظيمًا عند نفسه أو عند مستمعه. وليس هذا في نفسه كأن يطرق بابه ضيف أو يلم به مسترشد. " فلما عناه وأهمه, وكد الإخبار عنه "2، وأخرج القول مخرج الإغلاظ به والتأهيب3 لما دعا إليه. ومن ذلك امتناعهم من الإلحاق بالألف إلا أن تقع آخرًا نحو أرطىً, ومعزىً, وحبنطىً, وسرندىً, وزبعرىً, وصلخدىً, وذلك أنها إذا وقعت طرفًا وقعت موقع حرف متحرك فدل ذلك على قوتها عندهم وإذا وقعت حشوًا وقعت موقع الساكن فضعفت لذلك فلم تقو فيعلم بذلك إلحاقها بما هي على سمت متحركه4؛ ألا ترى أنك لو ألحقت بها ثانية فقلت: خاتم ملحق بجعفر لكانت مقابلة لعينه وهي ساكنة فاحتاطوا للفظ بأن قابلوا5 بالألف فيه الحرف المتحرك ليكون أقوى لها وأدل على شدة تمكنها وليعلم بتنوينها أيضًا وكون ما هي في على "وزن أصل من الأصول له"6 أنها للإلحاق به. وليست كذلك ألف قبعثرى, وضبغطرى؛

_ 1 "وأشقق" عطف تفسير. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "فإنما عناه وأهمه وكذا الإخبار عنه". 3 يقال أهب للأمر: استعد له. 4 كذا في ب. وفي أ، ش: "متحركة". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "قابلوه". 6 كذا في أ. ولا يبدو عليها الحاجة إلى عبارة "له". وفي ش، ب: "وزن من الأصول له".

لأنها وإن كانت طرفًا ومنونة فإن المثال الذي فيه "لا"1 مصعد للأصول إليه فيلحق هذا به لأنه لا أصل لها2 سداسيًا، فإنما3 ألف قبعثرى قسم من الألفات الزوائد في أواخر الكلم ثالث لا للتأنيث ولا للإلحاق. فاعرف ذلك. ومن ذلك أنهم لما "أجمعوا الزيادة"4 في آخر بنات الخمسة -كما زادوا في آخر بنات الأربعة- خصوا بالزيادة فيه الألف استخفافًا لها ورغبة فيها هناك دون أختيها: الياء والواو. وذلك أن بنات الخمسة لطولها لا ينتهي إلى آخرها إلا وقد ملت, فلما5 تحملوا الزيادة في آخرها طلبوا أخف الثلاث -وهي الألف- فخصوها بها, وجعلوا الواو والياء حشوًا في نحو عضرفوط وجعفليق لأنهم لو جاءوا بهما طرفًا6 وسداسيين مع ثقلهما لظهرت الكلفة في تجشمهما وكدت في احتمال النطق بهما كل ذلك لإصلاح اللفظ. ومن ذلك باب الادّغام في المتقارب نحو ود في وتد, ومن الناس "ميقول " في "من يقول " ومنه جميع باب التقريب؛ نحو اصطبر، وازدان، وجمع باب المضارعة، نحو مصدر7 وبابه. ومن ذلك تسكينهم لام الفعل إذا اتصل بها علم الضمير المرفوع نحو ضربت وضربن وضربنا. وذلك أنهم أجروا الفاعل هنا مجرى جزء من الفعل فكره

_ 1 زدت هذا الحرف ليستقيم الكلام, وقد خلت منه الأصول والزيادة "لا" في الأشباه للسيوطي 1/ 73. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "له" وكأن الضمير في "لها" يرجع إلى الأسماء. وفي الأشباه "لنا" وهو أجود. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "وإنما". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "أجمعوا على الزيادة". وكلاهما صحيح؛ يقال: أجمع الأمر وأجمع عليه: عزم عليه. 5 كذا في ش، ب. وفي أ "فإنما". 6 كذا في الأشباه. وفي الأصول: "أو". وقوله: "سداسيين كذا في الأصول، والأجود: سادسين". 7 في أكتب الحرف "ز" فوق "مصدر"، وهذا علامة على نطق الصاد قريبة من الزاي تحقيقًا للمضارعة.

اجتماع الحركات "الذي لا يوجد "1 في الواحد. فأسكنوا اللام2، إصلاحًا للفظ فقالوا: ضربت ودخلنا وخرجتم. نعم وقد كان يجتمع فيه أيضًا خمس متحركات نحو: خرجتما فالإسكان إذًا أشد وجوبًا. وطريق إصلاح اللفظ كثير واسع فتفطن له. ومن ذلك أنهم لما أرادوا أن يصفوا المعرفة بالجملة كما وصفوا بها النكرة "ولم "3 يجز أن يجروها عليها لكونها نكرة أصلحوا اللفظ بإدخال "الذي " لتباشر بلفظ حرف التعريف المعرفة فقالوا: مررت بزيد الذي قام أخوه ونحوه.

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "التي لا توجد". 2 في الأصول: "ما قبل اللام" وهذا لا يستقيم به الكلام ولا يصح، فإن التسكين للام كما سبق له. وقد يكون الأصل: "الآخر". فحرفت إلى "اللام". 3 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "فلم".

باب في تلاقي اللغة

باب في تلاقي اللغة: هذا موضع لم أسمع فيه لأحد شيئًا إلا لأبي علي رحمه الله. وذلك أنه كان يقول في باب أجمع وجمعاء وما يتبع ذلك من أكتع وكتعاء وبقيته: إن هذا اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في وزنه منها. قال: لأن باب أفعل وفعلاء إنما هو للصفات وجميعها تجيء1 على "هذا الوضع"2 نكرات نحو أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأسود وسوداء وأبلق وبلقاء وأخرق وخرقاء. هذا كله صفات نكرات فأما أجمع وجمعاء فاسمان معرفتان وليسا بصفتين فإنما ذلك اتفاق وقع بين3 هذه الكلم المؤكد بها. قال: ومثله ليلة طلقة وليال طوالق قال: فليس طوالق4 تكسير "طلقة", لأن فعلة لا تكسر على فواعل, وإنما طوالق جمع طالقة وقعت موقع جمع طلقة.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "يجيء". وقد راعى اكتساب المبتدأ التأنيث من المضاف إليه فأنث الخبر. 2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "غير هذا الموضع". 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "من". 4 زيادة في أوج.

وهذا الذي قاله وجه صحيح. وأبين منه عندي وأوضح قولهم في العلم: سلمان, وسلمى فليس سلمان إذًا من سلمى كسكران من سكرى. ألا ترى أن فعلان الذي يقاوده1 فعلى إنما بابه الصفة كغضبان وغضبى وعطشان وعطشى وخزيان وخزيا وصديان وصديا وليس سلمان ولا سلمى بصفتين ولا نكرتين, وإنما سلمان من سلمى كقحطان من ليلى غير أنهما كانا من لفظ واحد فتلاقيا في عرض اللغة من غير قصد لجمعهما ولا إيثار لتقاودهما. ألا تراك لا تقول: هذا رجل سلمان ولا امرأة سلمى كما تقول: هذا سكران وهذه سكرى وهذا غضبان, وهذه غضبى. وكذلك لو جاء في العلم " ليلان " لكان ليلان من ليلى كسلمان من سلمى. وكذلك لو وجد في العلم "قحطى " لكان من قحطان كسلمى من سلمان. وأقرب إلى ذلك من سلمان وسلمى قولهم في العلم: عدوان, والعدوى, مصدر أعداه الجرب ونحوه. ومن ذلك قولهم: "أسعد " لبطن من العرب؛ ليس2 هذا من سعدى كالأكبر من الكبرى والأصغر من الصغرى. وذلك أن هذا إنما هو تقاود الصفة وأنت لا تقول: مررت بالمرأة السعدى ولا بالرجل الأسعد. فينبغي -على هذا- أن يكون أسعد من سعدى كأسلم من بشرى. وذهب بعضهم إلى أن أسعد تذكير سعدى ولو كان كذلك لكان حرىً أن يجيء به سماع, ولم نسمعهم قط وصفوا بسعدى وإنما هذا تلاق وقع بين هذين الحرفين3 المتفقي اللفظ كما يقع هذان المثالان في المختلفية4؛ نحو أسلم وبشرى.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "قد تقاوده". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "فليس". 3 كذا في أ، ب. وسقط في ش. 4 كذا في اللسان والتاج "مادة سعد". وفي الأصول: "المختلفة" ولها وجه أي الألفاظ المختلفة وما أثبته أجود.

وكذلك أيهم ويهماء ليسا1 كأدهم ودهماء لأمرين: أحدهما أن الأيهم الجمل الهائج "أو السيل "2 واليهماء الفلاة فهما مختلفان. والآخر أن أيهم لو كان مذكر يهماء لوجب أن يأتي فيهما "يهم " كدهم ولم نسمع ذلك فعلمت بذلك أن هذا تلاق بين3 اللغة وأن أيهم لا مؤنث له ويهماء لا مذكر لها. ومن التلاقي قولهم في العلم: أسلم وسلمى. وليس هذا كالأكبر والكبرى لأنه ليس وصفًا. فتأمل أمثاله في اللغة. ومثله شتان وشتى إنما هما كسرعان وسكرى. وإنما وضعت من هذا الحديث رسمًا4 لتتنبه على ما يجيء من مثله فتعلم به أنه توارد وتلاق وقع في أثناء هذه اللغة عن غير قصد له ولا مراسلة بين بعضه وبعض. وليس من هذا الباب سعد وسعدة؛ من قبل أن هاتين صفتان مسوقتان على منهاج واستمرار. فسعد من سعدة كجلد من جلدة وندب5 من ندبة. ألا تراك تقول: هذا يوم سعد وهذه ليلة سعدة كما تقول: هذا شعر جعد وهذه جمة6 جعدة. فاعرف ذلك إلى ما يليه وقسه بما7 قررته عليه بإذن الله تعالى.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "وليستا". 2 كذا في ج واللسان "يهم" وسقط هذا في سائر الأصول وفي القاموس "يهم": "والأيهمان عند أهل البادية والسيل والجمل الهائج الصئول". 3 كذا في أ. وفي ش, ب: "من". 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "رسما". 5 هو الخفيف في الحاجة، والظريف النجيب، وأنثاه ندبه. 6 الجمة: مجتمع شعر الرأس. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "على ما".

باب في هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أولا

باب في هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أو 1 لا؟: سألت أبا علي رحمه الله عن هذا فقال: كما جاز أن نقيس منثورنا على منثورهم فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم. فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا وما حظرته عليهم حظرته علينا. وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم, فليكن من أحسن ضروراتنا, وما كان من أقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا. وما بين ذلك بين ذلك. فإن قيل: هلا لم يجز لنا متابعتهم على الضرورة من حيث كان القوم لا يترسلون2 في عمل أشعارهم ترسل المولدين ولا يتأنون فيه ولا يتلومون3 على حوكه "وعمله"4، وإنما كان أكثره ارتجالا قصيدًا كان أو رجزًا أو رملا. فضرورتهم إذًا أقوى من ضرورة المحدثين. فعلى هذا ينبغي أن يكون عذرهم فيه أوسع وعذر المولدين أضيق. قيل: يسقط هذا من أوجه: أحدها أنه ليس جميع الشعر القديم مرتجلا, بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه, والملاطفة له, والتلوم على رياضته وإحكام صنعته نحو مما يعرض لكثير من المولدين. ألا ترى إلى ما يروى عن زهير: من أنه عمل سبع قصائد في سبع سنين فكانت تسمى حوليات زهير, لأنه كان يحوك القصيدة في سنة. والحكاية في ذلك عن ابن5 أبي حفصة أنه قال: كنت أعمل القصيدة في أربعة أشهر، وأحككها6 في أربعة أشهر, وأعرضها في أربعة أشهر، ثم أخرج بها إلى الناس.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "أم". 2 الترسل في الأمر: التمهل فيه والرفق. 3 التلوم: الانتظار والتلبث. 4 كذا في أ، وفي ش، ب: "وعلى عمله". 5 هو مروان الأكبر مات سنة 182 وانظر معجم الشعراء للمرزباني 396. 6 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أحكامها". وهو كذلك في ضرائر الألوسي 11. والتحكيك مبالغة في الحك, وحك الشيء: قشره ومعالجته. ويريد بتحكيك الشعر تنقيحه ونفي الرديء. عنه. وفي الأغاني 3/ 25: "وكان الأصمعي يعجب بشعر بشار لكثرة فنونه، وسعة تصرفه ويقول: كان مطبوعا لا يكلف طبيعته شيئًا متعذرا، لا كمن يقول البيت ويحككه أياما".

فقيل له 1: فهذا هو2 الحولي المنقح. وكذلك الحكاية عن ذي الرمة: أنه قال3: لما قال: بيضاء في نعج صفراء في برج أجبل4 حولا لا يدري ما يقول إلى أن مرت به صينية فضة "قد"5 أشربت ذهبًا فقال: كأنها فضة قد مسها6 ذهب وقد وردت أيضًا بذلك أشعارهم قال ذو الرمة: أجنبه المساند والمحالا7 ألا تراه كيف اعترف بتأنيه8 فيه وصنعته إياه. وقال عدي بن الرقاع العاملي: وقصيدة قد بت أجمع بينها ... حتى أقوم ميلها وسنادها9 نظر المثقف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافة منآدها

_ 1 كذا في أ، ج. وسقط هذا في ب، ش. 2 كذا في أ، ب، ش. وسقط هذا اللفظ في ج. 3 كذا في ب، ش. وكان ينبغي أن يكون يعد هذا: لما قلت ... أجبلت. ولكن المؤلف لم يحك قوله, يحدث عنه كالغائب، وهو طريق مسلوك. وقد سقط هذا اللفظ في ج، وهو أسوغ وأقرب متناولا. 4 أجبل: انقطع عن القول. 5 زيادة في أ. 6 كذا في أ، ب، ش وفي ج: "شابها" والبيت خامس أبيات القصيدة التي مطلعها: ما بال عينك منها الدمع ينسكب ... كأنه من كلى مفرية سرب وانظر الديوان ص. والبيان والتبيين 1/ 126؛ "نشر محب الدين الخطيب". 7 في ج أثبت صدره: وشعر قد أرقت له طريف وسقط هذا في أ، ب، ش. وقوله: "أجنبه" كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "أجانبه" وما أثبت يوافق ما في الموشح 12 وانظر الديوان 440. والمساند: ما فيه السناد، وهو من عيوب القافية، والمحال عند الخليل: الكلام لغير شيء، كما في اللسان. ويقول سيبويه في الكتاب 1/ 18: "وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس". 8 كذا في ش. وغيرها: "بتأنيه" ويقال: تأتى للأمر: ترفق فيه وكأنه استعمل "في" بدل اللام لتضمنه معنى الترفق. 9 انظر الموشح 13.

وقال سويد بن كراع 1: أبيت بأبواب القوافي كإنما ... أذود بها سربا2 من الوحش نزعا وإنما يبيت عليها لخلوه بها ومراجعته النظر فيها. وقال: أعددت للحرب التي أعنى بها ... قوافيًا لم أعي3 باجتلابها حتى إذا أذللت4 من صعابها ... واستوسقت لي صحت في أعقابها فهذا -كما ترى- مزاولة ومطالبة واغتصاب5 لها ومعاناة كلفة بها. ومن ذلك الحكاية عن الكميت وقد افتتح قصيدته التي أولها: ألا حييت عنا يا مدينا ثم أقام برهة لا يدري بماذا يعجز6 على هذا الصدر إلى أن دخل حمامًا وسمع إنسانًا دخله فسلم على آخر فيه فأنكر عليه، فانتصر بعض الحاضرين له فقال: وهل بأس يقول المسلمين؛ فأهتبلها كيت7 فقال: وهل بأس بقول مسلّمينا

_ 1 انظر البيان والتبيين 2/ 12 بتحقيق الأستاذ هارون وشعراء ابن قتيبة 616. 2 كذا في أ. وفي ب، ش: "عن الوحش". وبعده: أكالئها حتى أعرس بعدما ... يكون سحيرا أو بعيدا فأهجعا وانظر شعراء ابن قتيبة 33، 616 من طبعة الأستاذ أحمد شاكر. 3 "لم أعي"، كذا في ب، أي لم تعجزني. وفي أ: "لم أعن" وهي رواية جيدة. وفي ش: "لم أعني". 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "ذللت". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "اغتصاب". 6 أي يأتي بعجز البيت. والقصة في اللسان في "عجز". 7 من قبيل ما وقع للكميت ما وقع لموارد أحد أدباء شنقيط إذ أراد إنشاء قصيدة فنظم الشطر الأول، وهو: أمربع الغصن ذا أمتلك أعلامه ثم أرتج عليه سنة لا يستقيم له تكملته وورد يومًا منهلا ليسقي جملا له، فتخاصمت جاريتان في المنهل، فقالت إحداهما للأخرى: والله ما ذلك كذلك، ولا كانت أيامه كما تقولين، أو ما هو قريب من ذلك، فضرب جمله من غير أن يسقيه ودخل الحي وهو يجري، فظن الناس أنه رأى ما يذعره، فسألوه فأخبرهم أنه وجد شطرا يتم به مطلع قصيدته، فقال: أمربع الغصن ذا أم ذاك أعلامه ... لا هو هو ولا الأيام أيامه وانظر الوسيط 197.

ومثل هذا في أشعارهم الدالة على الاهتمام بها، والتعلب في إحكامها كثير معروف. فهذا وجه. وثان: أن من المحدثين أيضًا من يسرع العمل ولا يعتاقه بطء ولا يستوقف فكره، ولا يتعتع1 خاطره. فمن ذلك ما حدثني به من شاهد المتنبي وقد حضر عند أبي علي الأوارجي2، وقد وصف له طردًا3 كان فيه وأراده على وصفه فأخذ الكاغد والدواة واستند إلى جانب المجلس -وأبو علي يكتب كتابا- فسبقه المتنبي في كتبه الكتاب فقطعه عليه ثم أنشده: ومنزل ليس لنا بمنزل وهي طويلة مشهورة "في شعره "4. وحضرت أنا مجلسًا لبعض الرؤساء ليلة5 وقد جرى ذكر السرعة وتقدم البديهة وهنالك حدث من غير شعراء بغداد, فتكفل أن يعمل في ليلته تلك مائتي بيت في ثلاث قصائد على أوزان اخترناها6 عليه ومعان حددناها له فلما كان الغد في آخر النهار أنشدنا القصائد الثلاث على الشرط والاقتراح وقد صنعها وظاهر إحكامها وأكثر من البديع المستحسن فيها. وثالث: كثرة ما ورد في أشعار المحدثين من الضرورات؛ كقصر الممدود, وصرف ما لا ينصرف, وتذكير المؤنث ونحوه. وقد حضر ذلك وشاهده جلة أصحابنا

_ 1 يقال: تعنعه: أقلقه وأزعجه. 2 كذا في أ، ج. والأوارجي منسوب إلى الأوارجة وهو من دفاتر أصحاب الخراج، وهو لفظ فارسي، وفي ب: "الأوراجي" وفي ش: "الأدراجي". وأبو علي الأوارجي هو هارون بن عبد العزيز الكاتب. وقد مدحه المتنبي بالقصيدة التي مطلعها: أمن ازديارك في الدجى المرقباء ... إذ حيث أنت من الظلام ضياء 3 الطرد: مزاولة الصيد. 4 كذا في ش، ب وسقط هذا في أ. والأرجوزة في الديوان. انظر معاهد التنصيص 2/ 48. 5 كذا في ش، ب، وفي أ، ج: "ليلا". 6 كذا في أ، ب. وفي ش: "اخترعناها" وهذه ظاهر أنها محرفة عن: "اقترحناها".

من أبي عمرو إلى آخر وقت, والشعراء من بشار إلى فلان وفلان ولم نر أحدًا من هؤلاء العلماء أنكر على أحد من المولدين ما ورد في شعره من هذه الضرورات التي ذكرناها وما كان نحوها فدل ذلك على رضاهم به وترك تناكرهم إياه. فإن قلت: فقد عيب بعضهم كأبي نواس وغيره في أحرف أخذت عليهم قيل: هذا كما عيب الفرزدق وغيره في أشياء استنكرها أصحابنا. فإذا جاز عيب أرباب اللغة وفصحاء شعرائنا كان مثل ذلك في أشعار المولدين أحرى بالجواز. فإذا كانوا قد عابوا بعض ما جاء به القدماء في غير الشعر بل في حال السعة وموقف الدعة كان يرد من المولدين في الشعر -وهو موقف فسحة وعذر- أولى بجواز مثله. فمن ذلك استنكارهم همز مصائب وقالوا: منارة ومنائر ومزادة ومزائد فهمزوا ذلك في الشعر وغيره وعليه قال الطرماح: مزائد خرقاء اليدين مسيفة ... يخب بها مستخلف غير آئن1

_ 1 قبله: كأن العيون المرسلات عشية ... شآيب دمع العبرة المتحائن المتحائن: المتتابع. وشآبيب الدمع: دفعاته، واحدها شؤبوب، وقوله: "مزائد" خبر "كأن" واحدها المزادة، وهي ضرب من القرب يجعل فيه الماء. والمسيفة: وصف من أساف الخارز: أفسد الخرز. والمستخلف: من يستقي الماء. والآئن: البطيء من الأون وهو الراحة. وفي شرح ديوان الطرماح: "من الأين وهو الأعياء" وقوله: "يخب" ضبط بضم الياء من الإخباب وفقا لما في الديوان، وهذا ليوافق قول الراعي: مزائد خرقاء اليدين مسيفة ... أخب بهن المخلفان وأحفدا وفي أ: "يخب" بفتح الياء وضم الحاء من الخبيب. انظر شعراء ابن قتيبة في ترجمة الراعي 378 طبعة الأستاذ أحمد شاكر، وديوان الطرماح 165.

وإنما الصواب مزاود, ومصاوب, ومناور؛ قال: يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذيٌّ1 جمةٌ مصاوبه ومن ذلك قولهم في غير الضرورة: ضبب البلد: كثرة ضبابه 2. وألل السقاء: تغيرت ريحه. ولححت عينه: التصقت, ومششت3 الدابة. وقالوا: إن الفكاهة مقودة إلى الأذى. وقرأ بعضهم4 {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} وقالوا: كثرة الشراب مبولة وكثرة الأكل منومة وهذا شيء مطيبة للنفس وهذا طريق مهيع إلى غير ذلك مما جاء في السعة ومع غير الضرورة. وإنما صوابه: لحت عينه وضب البلد وألَّ السقاء ومشَّت الدابة ومقادة إلى الأذى, ومثابة, ومبالة, ومنامة, ومطابة, ومهاع. فإذا جاز هذا للعرب عن غير حصر5 ولا ضرورة قول كان استعمال الضرورة في الشعر للمولدين أسهل، وهم فيه أعذر. فأما ما يأتي عن العرب لحنًا فلا نعذر في مثله مولدًا. فمن ذلك بيت الكتاب 6: وما مثله في الناس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

_ 1 الأذي: الشديد التأذي، وقيل: هو المؤذي، وقوله: "جمة" جاء في اللسان في "أذي": حمة، بالحاء المهملة. 2 الضباب جمع الضب: الحيوان المعروف. وفي اللسان: "كثرت ضبابه". 3 من المشش، وهو ورم يكون في ساق الدابة. 4 تنسب هذه القراءة إلى أبي السمال وقتادة. وانظر شهاب البيضاوي 2/ 812 وهذا في الآية 103 من البقرة. 5 كذا في و. وفي أ، ب: "حفر" وفي د: "حقر". والحصر بالشيء: الضبق به. 6 كثر هذا البيت منسوبا للفرزدق في الكتب. ويذكر الكتاب أنه من قصيدة في مدح إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان. وليس في ديوان الفرزدق هذه القصيدة. ولم أر هذا البيت في الكتاب والبيت في اللسان في "ملك"، وفي الإيضاح للقزويني 1/ 5 طبعة مطبعة السنة المحمدية.

ومراده فيه معروف وهو فيه غير معذور. ومثله في الفصل قول الآخر -"فيما"1 أنشده ابن الأعرابي: فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفرًا رسومها قلما أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كأن قلمًا خط رسومها فأوقع من الفصل والتقديم والتأخير ما تراه. وأنشدنا2 أيضًا: فقد والشك بين لي عناءٌ ... بوشك فراقهم صرد يصيح3 أراد: فقد بين لي صرد يصيح بوشك فراقهم والشك عناء. فقد ترى إلى ما فيه من الفصول التي لا وجه "لها ولا لشيء منها "4. وأغرب من ذلك وأفحش وأذهب في القبح قول الآخر: لها مقلتا حوراء طل خميلة ... من الوحش ما تنفك ترعى عرارها أراد: لها مقلتا حوراء من الوحش ما تنفك ترعى خميلة طل عرارها. فمثل هذا لا نجيزه للعربي أصلا فضلا عن أن نتخذه للمولدين رسمًا. وأما قول الآخر: معاوي لم ترع الأمانة فارعها ... وكن حافظًا لله والدين شاكر فحسن جميل؛ وذلك أن "شاكر " هذه قبيلة5، وتقديره: معاوي لم ترع الأمانة شاكر، فارعها أنت وكن حافظًا لله والدين. فأكثر ما في هذا الاعتراض بين الفعل والفاعل،

_ 1 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "أنشد". والظاهر أنه يريد أبا علي. 3 أورده في المغني في مبحث "قد" وتكلم عليه البغدادي في شرح شواهده "1/ 965" ولم يعزه. 4 كذا في أ. وفي ب، ش: "لشيء منها". 5 من همدان في اليمن؛ كما في اللسان في "شكر".

والاعتراض للتسديد1 قد جاء بين الفعل والفاعل وبين المبتدأ والخبر وبين الموصول والصلة وغير ذلك مجيئًا كثيرًا في القرآن وفصيح الكلام. ومثله من الاعتراض بين الفعل والفاعل قوله 2: وقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل والاعتراض في هذه اللغة كثير حسن. ونحن نفرد له بابًا يلي هذا الباب. بإذن الله سبحانه وتعالى. ومن طريف الضرورات وغريبها ووحشيها وعجيبها ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: هل تعرف الدار ببيدا إنه ... دار لخود قد تعفت إنَّه فانهلت العينان تسفحنه ... مثل الجمان جال في سلكنَّه لا تعجبي منا سليمي إنه ... إنا لحلالون بالثغرنه وهذه الأبيات قد شرحها أبو علي رحمه الله في البغداديات3، فلا وجه لإعادة ذلك هنا. فإذا آثرت معرفة ما فيها فالتمسه منها.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "للتشديد". 2 في شرحي شواهد المغني للسيوطي 273 والبغدادي 2/ 605 أن هذا الرجل من بني دارم يمدح بني عجل وقد أسروه، وقد أطلقوه جزاء لمدحه. وقبله: وقائلة ما باله لا يزورنا ... وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل وبعده: لعلهم أن يمطروني بنعمة ... كما صاب ماء المزن في البلد المحل فقد ينعش الله الفتى بعد عثرة ... وتصطنع الحسنى سراة بني عجل 3 انظر شرح البيت الأول في اللسان في "بيد". وبيدا يريد البيداء، وهي أرض بين مكة والمدينة.

وكذلك ما أنشده أيضًا أبو زيد1 للزفيان السعدي: يا إبلي ما ذامه فتأبَيَه ... ماء رواء ونصيٌّ حولَيَه هدا بأفواهك حتى تأبَيَه ... حتى تروحي أصلا تباريه تباري العانة فوق الزازيه هكذا روينا عن أبي زيد وأما الكوفيون فرووه على خلاف هذا يقولون: فتأبَيْه, ونصي حولَيْه, وحتى تأبَيْه, وفوق الزازيْه. فينشدونه من السريع لا من الرجز كما أنشده أبو زيد. وقد ذكرت هذه الأبيات بما يجب فيها في كتابي " في النوادر الممتعة " ومقداره ألف ورقة. وفيه من كلتا الروايتين صنعة طريفة. وأخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى -أحسبه عن ابن الأعرابي- يقول الشاعر: وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم ... من الناس ذنبًا جاءه وهو مسلما وقال في تفسيره معناه: ما كنت أخشى الدهر إحلاس2 مسلم مسلمًا ذنبًا جاءه وهو, ولو وكد الضمير في جاء فقال: جاءه هو وهو لكان أحسن 3. وغير التوكيد أيضًا جائز.

_ 1 انظر النوادر ص97. وهذا الشعر في اللسان في "زبز" و"أبي"، وفي ديوان الزفيان 100 وقوله: هذّا فالهذ سرعة القطع. ويروى "هذا" اسم إشارة. والعانة: القطيع من حمر الوحش. والزازية: المكان المرتفع، والنصي نبت من أفضل المرعى. 2 في مجالس ثعلب: "إلزام" وهذا بعد أن فسر الإحلاس بالإلزام. 3 قال ثعلب: "يقول: ما كنت أظن أن إنسانًا ركب ذنبا هو وآخر ثم نسبه إليه دونه" وانظر اللسان في "حلس"، ومجالس ثعلب 96. وجاء البيت في الأمالي 1/ 206 وقال أبو علي: "أراد: وما كنت أخشى الدهر إلزام مسلم مسلما "ذنبا جاءه وهو" أي جاءاه معًا.

وأبيات الإعراب1 كثيرة وليس على ذكرها وضعنا هذا الباب. ولكن اعلم أن البيت إذا تجاذبه أمران: زيغ الإعراب وقبح الزحاف فإن الجفاة الفصحاء لا يحفلون بقبح الزحاف إذا أدى إلى صحة الإعراب. كذلك قال2 أبو عثمان وهو كما ذكر. وإذا كان الأمر كذلك فلو قال في قوله 3: ألم يأتيك والأنباء تنمي لكان أقوى قياسًا على ما رتبه أبو عثمان؛ ألا ترى أن الجزء كان يصير منقوصا لأنه يرجع إلى مفاعيل: ألم يأت مفاعيل. وكذلك بيت الأخطل: كلمع أيدي مثاكيل مسلبة ... يندبن ضرس بنات الدهر والخطب4 أقوى القياسين على ما مضى أن ينشد "مثاكيل " غير مصروف لأنه يصير الجزء فيه من مستفعلن إلى مفتعلن وهو مطوي والذي روى " مثاكيل " بالصرف. وكذلك بقية هذا. فإن كان ترك زيغ الإعراب يكسر البيت كسرًا لا يزاحفه زحافًا فإنه لا بد من ضعف زيغ الإعراب واحتمال ضرورته وذلك كقوله 5: سماء الإله فوق سبع سمائيا

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش بخط غير الخط الدائم: "الاعتراض" وكأنه إصلاح. والوجه ما أثبت. وكأنه يريد بأبيات الإعراب الأبيات التي الإعرب فيها مشكل يحتاج إلى تأمل، وهي ما تعرف بأبيات الألغاز والأحاجي. وقد صنف فيها. 2 انظر تصريف المازني، الباب 10 "باب ما يكسر عليه الواحد". 3 أي قيس بن زهير العبسي في إبل للربيع بن زياد العبسي استاقها وباعها بمكة، وذلك أن الربيع كأن قد أخذ منه درعا ولم يردها عليه, وتتمة البيت: بما لاقت لبون بني زياد وبعده: ومحبسها على القرشي تشرى ... بأدراع وأسياف حداد وانظر شواهد المغني للسيوطي 113. 4 "مسلبة": لابسة السلاب -وهي الثياب السود- حدادا، وحزنا، والخطب: يريد الخطوب جمع الخطب فحذف تخفيفا، يشبه الإبل في رميها الحصى بهؤلاء النساء، وانظر ديوان الأخطل 188. 5 انظر ص212 من هذا الجزء.

فهذا لا بد من التزام ضرورته لأنه لو قال: سمايا لصار من الضرب الثاني إلى الثالث وإنما مبنى هذا الشعر على الضرب الثاني1 لا الثالث. وليس كذلك قوله 2: أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط لأنه لو قال: معار3 لما كسر الوزن؛ لأنه يصير من مفاعلتن إلى مفاعيلن وهو العصب. لكن مما لا بد من التزام ضرورته مخافة كسر وزنه قول الآخر: خريع4 دوادي في ملعب ... تأزر طورًا وترخي الإزارا فهذا لا بد من تصحيح معتله؛ ألا ترى أنه لو أعل اللام وحذفها5 فقال دواد, لكسر البيت البتة. فاعرف إذًا حال ضعف الإعراب الذي لا بد من التزامه مخافة كسر البيت من الزحاف الذي يرتكبه الجفاة الفصحاء إذا أمنوا كسر البيت, ويدعه من حافظ على صحة الوزن من غير زحاف وهو كثير. فإن أمنت كسر البيت اجتنبت ضعف الإعراب وإن أشفقت من كسره ألبتة دخلت تحت كسر الإعراب.

_ 1 الشعر من الطويل. والضرب الثاني فيه ما كان عروضه وضربه مقبوضين. والضرب الثالث ما كان الضرب فيه محذوفا. 2 هو المتنخل الهذلي. والبيت في الكتاب 2/ 58، وديوان الهذليين 2/ 20 في قصيدة طويلة. 3 قال ابن قتيبة: "ولو قال: أبيت على معار فاخرات كان الشعر موزونا، والإعراب صحيحا ... وهكذا قرأته على أصحاب الأصمعي، انظر الشعراء له 46. 4 الخريع: الناعمة مع فجور. والدوادي: الأراجيح. والبيت للكميت. ويظهر لي أنه من القصيدة الرائية التي منها أبيات في الخزانة 1/ 82. ويذكر صاحب الخزانة أنها في مدح أبان بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. والذي في الأغاني 15/ 129 أن الكميت كان مداحا لأبان بن الوليد البجلي. وانظر الكتاب 2/ 60، وتصريف المازني، في الموطن السابق. 5 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "صرفها".

باب في الاعتراض

باب في الاعتراض: اعلم أن هذا القبيل من هذا العلم كثير قد جاء في القرآن وفصيح الشعر ومنثور الكلام. وهو جار عند العرب مجرى التأكيد، فلذلك لا يشنع1 عليهم ولا يستنكر عندهم أن يعترض به بين الفعل وفاعله والمبتدأ وخبره وغير ذلك مما لا يجوز الفصل "فيه"2 بغيره3، إلا شاذًّا أو متأولا. قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} 4, فهذا فيه اعتراضان: أحدهما قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لأنه اعترض به بين القسم الذي هو قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} وبين جوابه الذي هو قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} وفي نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر بين الموصوف الذي هو "قسم " وبين صفته التي هي "عظيم " وهو قوله: {لَوْ تَعْلَمُونَ} . فذانك5 اعتراضان كما ترى. ولو جاء6 الكلام غير معترض فيه لوجب أن يكون: فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم وإنه لقسم عظيم لو تعلمون7. ومن ذلك "قول8 امرئ القيس ": ألا هل أتاها والحوادث جمةٌ ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا9

_ 1 كذا في ش. وفي ب: "ينشع"، وفي أ: "يتبشع". 2 ثبت هذا في ش، ب. وسقط في أ. 3 أي بغير الاعتراض. 4 الآيات 75-77 من سورة الواقعة. 5 كذا في أ، ب، د، هـ. وفي ش: "فذان" وكأنها مصلحة عن: "فذانك". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "جاز". 7 ثبت هذا في أ، ب. وسقط في ش. 8 كذا في ش، ب. وفي أ: "قوله". 9 "تملك": هي أمه؛ والمشهور في اسمها فاطمة. وانظر شرح الوزير أبي بكر بن عاصم ص2. و"بيقر": وترك البادية ونزل العراق، أو نزل الضر أو أعبا. وانظر معاني ابن قتيبة 875. انظر أيضا الخزانة 4/ 162.

فقوله: "والحوادث جمة" اعتراض بين الفعل وفاعله. ومثله قوله: ألا هل أتاها والحوادث كالحصى وأنشدنا أبو علي: وقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل1 فهذا كله اعتراض بين الفعل وفاعله. وأنشدنا2 أيضًا: ذاك الذي وأبيك تعرف مالك3 ... والحق يدفع ترهات الباطل فقوله: "وأبيك " اعتراض بين الموصول والصلة. وروينا لعبيد الله بن الحر: تعلم ولو كاتمته الناس أنني ... عليك ولم أظلم بذلك عاتب فقوله: "ولو كاتمته الناس " اعتراض بين الفعل ومفعوله وقوله: "ولم أظلم بذلك" اعتراض بين اسم أن وخبرها. ومن ذلك قول أبي النجم -أنشدناه4: وبدلت والدهر ذو تبدل ... هيفًا دبورًا بالصبا والشمأل5 فقوله: "والدهر ذو تبدل " اعتراض بين المفعول6 الأول والثاني. ومن الاعتراض قوله: ألم يأتك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد7

_ 1 انظر ص332 من هذا الجزء. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "أنشد". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "يعرف". والبيت من مقطوعة لجرير يهجو يحيى بن عقبة الطهوي، ويريد بمالك قبيلة مالك بن حنظلة من تميم. والنظر شرح شواهد المغني للسيوطي 276 وديوان جرير طبعة الصاوي 430. 4 الظاهر أنه يريد أبا علي. وهذا إن قرئ بالبناء للفاعل. 5 الهيف: ري حارة تأتي من قبل اليمن. وقوله: "بدلت" أي الإبل. وفي شرح شواهد المغني للبغدادي أن هذا في الريح. وليس الأمر كما ظن. وانظر الأرجوزة في الطرائف الأدبية 58. 6 وهو هنا نائب الفاعل. 7 انظر ص334 من هذا الجزء.

فقوله: "والأنباء تنمي " اعتراض بين الفعل وفاعله. وهذا أحسن مأخذًا في الشعر من أن يكون في "يأتيك " ضمير "من متقدم مذكور "1. فأما ما أنشده2 أبو علي من قول الشاعر 3: أتنسى لا هداك الله ليلى ... وعهد شبابها الحسن الجميل كأن وقد أتى حول جديد ... أثا فيها حمامات مثول فإنه لا اعتراض فيه. وذلك أن الاعتراض لا موضع له من الإعراب ولا يعمل فيه شيء من الكلام المعترض به بين بعضه وبعض على ما تقدم. فأما قوله: "وقد أتى حول جديد " فذو موضع من الإعراب وموضعه النصب بما في "كأن " من معنى التشبيه؛ ألا ترى أن معناه: أشبهت وقد أتى حول جديد حمامات مثولا أو أشبهها وقد مضى حول جديد بحمامات مثول أي أشبهها في هذا الوقت وعلى هذه الحال بكذا. وأنشدنا: أراني ولا كفران لله أية ... لنفسي لقد طالبت غير منيل4

_ 1 كذا في الأصول. وهذا البيت أول القصيدة؛ كما في الخزانة وغيرها. وفي أمالي ابن الشجري 1/ 87: "قيل إنه مضمر مقدر، كما حكى سيبويه إذا كان غدا فأتني؛ أي إذا كان ما نحن فيه من الرخاء أو البلاء غدا فأتني. وتقديره: ألم يأتك النبأ. ودل على ذلك قوله: "والأنباء تنمي". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "أنشدناه". 3 هو أبو الغول الطهوي، وانظر شواهد المغني للسيوطي 277 والنوادر لأبي زيد 51. وقوله: "وعهد شبابها الحسن الجميل" جملة حالية؛ كما في شواهد المغني للبغدادي 2/ 621 وضبط في النوادر: وعهد شبابها الحسن الجميل بنصب "عهد" وجر "الجميل" وفيه إقواء. 4 أورده ابن الأنباري في شرح المفضليات 805 ولم ينسبه، ونقل كلامه البغدادي في شرح شواهد المغني. وقوله: "أية" بفتح الهمزة؛ كما في اللسان "أوي" وأ من الخصائص. وفي ابن الأنباري: "إية" بكسر الهمزة؛ وكأنه يريد الهيئة.

ففي هذا اعتراضان 1: أحدهما - "ولا كفران لله ". والآخر- قوله: "أية " أي أوَيت لنفسي أيَّة؛ معناه رحمتها ورققت2 لها. فقوله: أويت لها لا موضع له من الإعراب. وسألنا الشجري أبا عبد الله يومًا عن فرس كانت له فقال: هي بالبادية. قلنا لم قال: إنها وجية3 فأنا آوي لها أي أرحمها وأرق لها. وكذلك قول الآخر 4: أراني ولا كفران لله إنما ... أواخي من الأقوام كل بخيل ومن الاعتراض قولهم: زيد -ولا أقول إلا حقًّا- كريم. وعلى ذلك مسألة5 الكتاب: إنه -المسكين- أحمق6؛ ألا ترى أن تقديره: إنه أحمق وقوله " المسكين" أي هو المسكين وذلك اعتراض بين اسم إن وخبرها. ومن ذلك مسألته 7: "لا أخا -فاعلم- لك ". فقوله: "فاعلم " اعتراض بين المضاف والمضاف إليه كذا الظاهر. وأجاز أبو علي رحمه الله أن يكون " لك" خبرًا ويكون " أخا " اسمًا مقصورًا تامًّا غير مضاف كقولك: لا عصا لك. ويدل على صحة هذا القول أنهم قد كسروه على أفعال وفاؤه مفتوحة فهو إذًا فعل وذلك قولهم: أخ وآخاء فيما حكاه يونس. وقال بعض آل المهلب: وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم ... وأي بني الآخاء تنبو مناسبه 8

_ 1 ذكر ابن هشام في المغني في مبحث الجملة المعترضة أن أبا علي لا يجيز الاعتراض بأكثر من جملة، وأول هذا البيت، وترى ابن جني هنا على خلافه، ولم ينبه عليه. 2 كذا في أ، وفي ش: "أرفقت بها". وفي ب: "رفقت لها". 3 من الوجى. وهو الحفا؛ أي رقة قدم الدابة من كثرة المشي. 4 هو كثير عزة وانظر الكتاب 1/ 466. ولم أرني قصيدته اللامية في الأمالي 2/ 62 وفي الديوان 2/ 248. 5 الكتاب 1/ 256. 6 في ج: "لأحمق". 7 أي مسألة الكتاب أيضًا. وانظر سيبويه 1/ 347. 8 انظر ص202 من هذا الجزء. وضبط "نسبتم" هنا بالبناء للفاعل على ما في أ. وضبط فيما سلف بالبناء للمفعول.

فغير منكر أن يخرج1 واحدها أصله, كما خرج واحد الآباء على أصله، وذلك قولهم: هذا أبًا ورأيت أبًا ومررت بأبًا. وروينا عن محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال 2: يقال هذا أبوك وهذا أباك وهذا أبُك؛ فمن قال: هذا أبوك أو أباك فتثنيته أبوان ومن قال هذا أبك فتثنيته أبان وأبوان. وأنشد: سوى أبك الأدنى وإن محمدا ... على كل عال يابن عم محمد وأنشد أبو علي عن أبي الحسن: تقول ابنتي لما رأتني شاحبا ... كأنك فينا يا أبات غريب3 قال: فهذا تأنيث أبا وإذا كان كذلك جاز جوازًا حسنًا أن يكون قولهم: لا أبا لك "أبا " منه اسم مقصور كما كان ذلك في "أخالك " ويحسنه أنك إذا حملت الكلام عليه جعلت له خبرًا ولم يكن في الكلام فصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر؛ غير أنه يؤنس بمعنى إرادة الإضافة قول الفرزدق: ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم4 فلهذا جوزناهما جميعًا. وروينا لمعن بن أوس: وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادب لا يمللنه ونوائح5

_ 1 كذا في ش، ب، د، هـ. وفي أ: "خرج". 2 انظر مجالس ثعلب 468، وينتهي ما في المجالس بعد البيت الآتي. وهو في اللسان "أبو". 3 "يا أبات" كذا بالتاء المفتوحة في ش، ب، وفي أ: "أباة"، وفي ج: "أباء". وفي اللسان في "أبو" كما أثبت. والبيت نسبه أبو زيد في النوادر 239 إلى أبي أُبي الحدرجان. 4 قبله في بيتين يخاطب بهما عمر بن لجأ: ما أنت إن قرما تميم تسامها ... أخا التيم إلا كالشظية في العظم ولو كانت مولى العز أو في ظلاله ... ......................................... يريد بقرمي تميم: نفسه وجريرا، وكان عمر دخل لهما في الهجاء وانظر ديوان الفرزدق طبعة الصاوي 825. 5 قبله: رأيت رجالا يكرهون بناتهم ... وفيهن لا تكذب نساء صوالح والبيتان في الأمالي 2/ 190، واللآلي، 804, والخزانة 3/ 258، والأغاني "بولاق" 10/ 165.

ففصل بقوله: "والأيام يعثرن بالفتى" بين المبتدأ وخبره. وأنشدنا: لعلك والموعود صدق لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء1 وسألته عن بيت كثير: وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت2 فأجاز أن يكون قوله: "وتهيامي بعزة " جملة من مبتدأ وخبر اعترض بها بين اسم إن وخبرها الذي هو قوله: لكالمرتجي ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت فقلت له: أيجوز أن يكون "وتهيامي "3 بعزة قسمًا؟ فأجاز ذلك ولم يدفعه. وقال الله عز وجل: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} 4. فقوله تعالى: {فَلْيَذُوقُوهُ} اعتراض بين المبتدأ وخبره. وقال رؤبة 5: إني وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصرٌ نصرا6 فاعترض بالقسم بين اسم إن وخبرها. والاعتراض في شعر العرب ومنثورها كثير وحسن ودال على فصاحة المتكلم وقوة نفسه وامتداد نفسه وقد رأيته في أشعار المحدثين وهو في شعر إبراهيم بن المهدي أكثر منه في شعر غيره من المولدين 7.

_ 1 كان رجل وعد محمد بن بشير الخارجي قلوصا -وهي الناقة الفتية- فمطله؛ فقال ذلك يذمه. وانظر الأغاني 4/ 157 والأمالي 2/ 71 وشرح شواهد المغني للسيوطي 274، وللبغدادي 2/ 612. 2 من قصيدته الطويلة التي أولها: خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت انظر الأمالي 2/ 107، والخزانة 2/ 379، وشواهد المغني للبغدادي 2/ 621. 3 كذا في ج. وفي سائر الأصول: "تهيامي". 4 آية 57 سورة ص. 5 تبع في هذا ما في سيبويه 1/ 304، ورده الصاغاني وأنكر نسبته إلى رؤبة ويقول البغدادي في الخزانة: "والعجب من الصاغاني حيث رد على سيبويه في أن هذا الشاهد ليس لرؤبة. ولم يبين قائله". ويقول البغدادي في شواهد المغني 2/ 619: "وهذا الرجز لرؤبة، ولم أره في ديوانه". وقد أورده طابع ديوان رؤبة فيما نسب إليه ص174. 6 بعده: بلغك الله فبلغ نصرا ... نصر بن سيارة يثبني وفرا ونصر في البيت الأول حاجب نصر بن سيار أحد ولاة الأمويين، وهو المراد بنصر في البيت الثاني ويرى صاحب القاموس أن الصواب في اسم الحاجب نضر "بالمعجمة". وقد أبان في الخزانة أن المجد تبع في هذا الصاغاني في العباب. وانظر الخزانة 1/ 325 وشواهد المغني لصاحب الخزانة 2/ 619، والقاموس "نصر"، وسيبويه في الموطن السابق. 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "المحدثين".

باب في التقديرات المختلفين لمعنيين مختلفين

باب في التقديرات المختلفين لمعنيين مختلفين ... باب في التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين: هذا في كلام العرب كثير فاش والقياس له قابل مسوغ. فمن ذلك قولهم: مررت بزيد وما كان نحوه مما يلحق من حروف الجر معونة لتعدي الفعل. فمن وجه يعتقد في الباء أنها بعض الفعل من حيث كانت معدية وموصلة له. كما أن همزة النقل في " أفعلت " وتكرير العين في "فعلت " يأتيان لنقل الفعل وتعديته نحو قام وأقمته وقومته وسار وأسرته وسيرته. فلما كان حرف الجر الموصل للفعل معاقبًا لأحد شيئين1 كل واحد منهما مصوغ2 في نفس المثال جرى مجراهما في كونه جزءًا من الفعل أو3 كالجزء منه. فهذا وجه اعتداده كبعض الفعل. وأما وجه اعتداده كجزء من الاسم فمن حيث كان مع ما جره في موضع نصب، وهذا يقضي4 له بكونه جزءًا مما بعده أو كالجزء منه ألا تراك تعطف على مجموعهما5 بالنصب كما تعطف على الجزء الواحد في نحو قولك: ضربت6 زيدًا وعمرًا؛ وذلك

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب، "الشيئين". 2 كذا في أوفي ش، ب: "موضوع". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "و". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "يقتضي". 5 كذا في ب، ش، ج. وفي أ: "مجموعها". 6 انظر ص108 من هذا الجزء.

قولك: مررت بزيد وعمرًا ورغبت فيك وجعفرًا ونظرت إليك وسعيدًا أفلا ترى إلى حرف الجر الموصل للفعل كيف ووجه جوازه من قبل القياس أنك إنما تستنكر اجتماع تقديرين مختلفين "لمعنيين مختلفين"1. ووجه جوازه من قبل2 القياس أنك إنما تستنكر اجتماع تقديرين مختلفين لمعنيين متفقين؛ وذلك كأن تروم أن تدل على قوة اتصال حرف الجر بالفعل فتعتده تارة كالبعض له والأخرى كالبعض للاسم. فهذا ما لا يجوز مثله لأنه لا يكون كونه كبعض الاسم دليلا على شدة امتزاجه بالفعل لكن لما اختلف المعنيان جاز أن يختلف التقديران فاعرف ذلك فإنه مما يقبله القياس ولا يدفعه. ومثل ذلك قولهم: "لا أبا لك " فههنا تقديران مختلفان لمعنيين مختلفين. وذلك أن ثبات3 الألف في "أبا " من "لا أبا لك " دليل الإضافة فهذا وجه. ووجه آخر أن ثبات اللام وعمل "لا " في هذا الاسم يوجب التنكير والفصل. فثبات الألف دليل الإضافة والتعريف ووجود اللام دليل الفصل والتنكير. وليس هذا في الفساد والاستحالة بمنزلة فساد تحقير مثال الكثرة الذي جاء فساده من قبل تدافع حاليه. وذلك أن وجود ياء التحقير يقتضي4 كونه دليلا على القلة وكونه مثالا موضوعًا للكثرة دليل على الكثرة وهذا يجب منه أن يكون الشيء الواحد في الوقت الواحد قليلا كثيرًا. وهذا ما لا يجوز لأحد اعتقاده. وليس كذلك تقديرك الباء في نحو: مررت بزيد تارة كبعض الاسم وأخرى كبعض الفعل من قبل أن هذه إنما هي صناعة لفظية يسوغ معها تنقل

_ 1 كذا في أ، وسقط هذا في ش، ب. 2 ثبت هذا اللفظ في ش، ب. وسقط في أ. 3 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "إثبات". 4 في ش، ب: "تقتضي". وفي أمن غير نقط الحرف الأول.

الحال وتغيرها فأما المعاني فأمر ضيق ومذهب مستصعب ألا تراك إذا سئلت عن زيد من قولنا: قام زيد سميته فاعلا وإن سئلت عن زيد من قولنا: زيد قام سميته مبتدأ لا فاعلا وإن كان فاعلا في المعنى. وذلك أنك سلكت1 طريق صنعة اللفظ فاختلفت السمة فأما المعنى فواحد. فقد ترى إلى سعة طريق2 اللفظ وضيق طريق المعنى. فإن قلت: فأنت إذا قلت في " لا أبا لك" إن الألف تؤذن بالإضافة والتعريف واللام تؤذن بالفصل والتنكير فقد جمعت على الشيء الواحد في الوقت الواحد معنيين ضدين وهما التعريف والتنكير وهذان -كما ترى- متدافعان. قيل: الفرق بين الموضعين واضح وذلك أن قولهم: "لا أبا لك " كلام جرى مجرى المثل وذلك أنك إذا قلت هذا فإنك لا تنفي في الحقيقة أباه وإنما تخرجه مخرج الدعاء أي أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه. كذا فسره أبو علي وكذلك هو لمتأمله؛ ألا ترى أنه قد أنشد توكيدًا لما رآه من هذا المعنى فيه قوله: وتترك أخرى فردة لا أخا لها ولم يقل: لا أخت لها، ولكن لما جرى هذا الكلام على أفواههم " لا أبا لك " , "ولا أخا لك " قيل مع المؤنث على حد ما يكون عليه مع المذكر فجرى هذا نحوًا من قولهم لكل أحد من ذكر وأنثى واثنين وجماعة "الصيف ضيعت اللبن " على التأنيث لأنه كذا جرى أوله وإذا كان الأمر كذلك علم أن قولهم "لا أبا لك " إنما فيه تعادي ظاهره "واجتماع"3 صورتي الفصل والوصل والتعريف والتنكير لفظًا لا معنى. وإذا آل الأمر إلى ذلك عدنا إلى مثل ما كنا عليه؛

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "إذا سلكت ... اختلفت". 2 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "تقدير". 3 كذا في أب، ش. وفي ج "من اجتماع".

من تنافر قضيتي اللفظ في نحو: مررت بزيد وإذا أردت بذلك أن تدل على شدة اتصال حرف الجر بالفعل وحده دون الاسم ونحن إنما عقدنا فساد الأمر وصلاحه على المعنى كأن يكون الشيء الواحد في الوقت الواحد قليلا كثيرًا. " وهذا"1 ما لا يدعيه مدع ولا يرضاه -مذهبًا لنفسه- راض. ويؤكد عندك خروج هذا الكلام مخرج المثل كثرته في الشعر وأنه يقال لمن له أب ولمن ليس له أب. فهذا2 الكلام دعاء في المعنى لا محالة وإن كان في اللفظ خبرًا. ولو كان دعاء مصرحًا وأمرًا معنيًّا3 لما جاز أن يقال لمن لا أب له لأنه إذا كان لا أب له لم يجز أن يدعى عليه بما هو فيه لا محالة؛ ألا ترى أنك لا تقول للأعمى: أعماه الله. ولا للفقير: أفقره الله وهذا ظاهر باد. وقد "مر به"4 الطائي الكبير فقال: نعمة الله فيك لا أسال اللـ ... ـه إليها نُعْمَى سوى أن تدوما ولو أني فعلت كنت كمن يسـ ... ـأله وهو قائم أن يقوما فكما5 لا تقول لمن لا أب له: أفقدك الله أباك كذلك يعلم أن قولهم لمن لا أب له: "لا أبا لك " لا حقيقة لمعناه مطابقة للفظه وإنما هي خارجة مخرج المثل على ما فسره أبو علي. قال عنترة: فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل6

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 كذا في أ. وفي ش، ب "وهذا". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "معينا". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "فريه". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "وكما". 6 من قصيدته التي أولها: طال الثراء على رسوم المنزل ... بين اللكيك وبين ذات الحرمل وانظر الديوان 10.

وقال1: ألق الصحيفة لا أبا لك إنه ... يخشى عليك من الحباء النقرس وقال2: أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني أراد: لا أبا لك فحذف اللام من جاري عرف الكلام. وقال جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوأة عمر3 وهذا أقوى دليل على كون هذا القول مثلا لا حقيقة؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون للتيم كلها أب واحد ولكن معناه: كلكم أهل للدعاء عليه والإغلاظ له. وقال الحطيئة: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا4 فإن قلت: فقد أثبت الحطيئة في هذا البيت ما نفيته أنت في البيت الذي قبله وذلك أنه قال " لأبيكم" فجعل للجماعة أبًا واحدًا وأنت قلت هناك: إنه لا يكون لجماعة تيم أب واحد فالجواب5 عن هذا من موضعين: أحدهما ما قدمناه من أنه لا يريد حقيقة الأب وإنما غرضه الدعاء مرسلا ففحش بذكر الأب على ما مضى. والآخر أنه قد يجوز أن يكون أراد بقوله "لأبيكم " الجمع أي لا أبا لآبائكم. يريد

_ 1 أي المتلمس يخاطب طرفة بن العبد. وانظر اللسان في "نقرس". والنقرس هنا: الهلاك. وقوله: "إنه يخشى" في أ، ب، ش: "إنني أخشى". والوجه ما أثبت، وهو من أبيات أولها كما في الشعر والشعراء لابن قتيبة: من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... خبرا فتصدقهم بذاك الأنفس 2 هو أبو حية النميري. وانظر الخزانة في شواهد لا الناقة للجنس، وكامل المبرد 5/ 85، واللسان في "أبي". 3 عمر هو ابن لجأ التيمي، كانت بينه وبين جرير مهاجاة. وانظر الخزانة 1/ 360 والنقائض 488. 4 انظر الديوان والكامل 5/ 154. 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "قيل فالجواب".

الدعاء على آبائهم من حيث ذكرها فجاء به جمعًا مصححًا على قولك: أب وأبون وأبين قال: فلما تبين أصواتنا ... بكين وفدَّيننا بالأبينا1 وعليه قول الآخر -أنشدناه: فمن يك سائلا عني فإني ... بمكة مولدي وبها ربيت2 وقد شنئت بها الآباء قبلي ... فما شنئت أبي ولا شنيت أي ما شنئت3 آبائي. فهذا شيء عرض, ولنعد. ومن ذلك قولهم: مختار ومعتاد ونحو ذلك فهذا يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين. وذلك أنه إن كان اسم الفاعل فأصله مختير ومعتوِد كمقتطع "بكسر العين ". وإن كان مفعولا فأصله مختيَر ومعتوَد كمقتطَع. فـ "مختار " من قولك: أنت مختار للثياب أي مستجيد لها أصله مختير. ومختار من قولك: هذا ثوب مختار أصله مختير. فهذان تقديران مختلفان لمعنيين. وإنما كان يكون هذا منكرًا لو كان تقدير فتح العين وكسرها لمعنى واحد فأما وهما لمعنيين فسائغ حسن. وكذلك ما كان من المضعف في هذا الشرج4 من الكلام5 نحو قولك: هذا رجل معتد للمجد ونحوه فهذا هو اسم الفاعل وأصله معتدد "بكسر العين"، وهذا رجل معتد أي منظور إليه فهذا مفتعل "بفتح العين" وأصله معتدد كقولك: هذا معنىً معنىٌ معتبر أي ليس؛

_ 1 أورده سيبويه في الكتاب 2/ 101، وقال: "أنشدناه من نثق به وزعم أنه جاهلي" وهو زياد بن واصل السلمي. وانظر الخزانة 2/ 275. 2 البيتان نسبهما ابن دريد في الجمهرة 3/ 488 إلى قصي بن كلاب. وفيها: "شئيت" في الموضعين في مكان "شئت" و"شنيت"، وفسر ذلك ابن دريد: "شئيت: سبقت، من قولهم: شأوت الرجل إذا سبقته، وهذا أيضا في ج، أ. و"ربيت": نشأت، يقال: ربي في حجر فلان يربى ربا، نشأ عنده. وانظر اللسان "ربا" ففيها البيت الأول غير معزو. 3 في ج، أ: "سبقت". 4 الشرج "بالجيم": الضرب والنوع. 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "في".

بصغير متحقر. وكذلك هذا جوز1 معتد فهذا أيضًا اسم المفعول وأصله معتدد كمقتسم ومقتطع. ونظائر هذا وما قبله كثيرة فاشية. ومن ذلك قولهم: كساء وقضاء ونحوه أعللت2 اللام لأنك لم تعتد بالألف حاجزًا لسكونها وقلبتها3 أيضًا لسكونها وسكون الألف قبلها فاعتددتها من وجه ولم تعتددها من آخر. ومن ذلك أيضًا قولهم: أيهم تضرب يقم زيد. فـ "أيهم " من حيث كانت جازمة لـ"تضرب " يجب أن تكون مقدمة عليها ومن حيث كانت منصوبة بـ" تضرب" يجب أن تكون في الرتبة مؤخرة عنها فلم يمتنع أن يقع هذان التقديران على اختلافهما من حيث كان هذا إنما هو عمل صناعي لفظي. لو كان التعادي والتخالف في المعنى لفسد " ولم "4 يجز. وأيضًا فإن حقيقة الجزم إنما هو لحرف الجزاء المقدر المراد لا ل " أي" "فإذا "5 كان كذلك كان الأمر أقرب مأخذًا وألين ملمسًا.

_ 1 كذا في أ، ب، وفي غيرهما: "جون". والجوز هو الذي يؤكل كالبندق، واحده جوزة. 2 أي بقلبها ألفا لكونها واوا أو ياء تحركت وانفتح ما قبلها، على اعتداد الألف غير حاجز. 3 أي قلبت همزة فرارا من اجتماع ساكنين، وقد قلبت لأقرب الحروف إليها، وهي الهمزة. 4 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "فلم". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "وإذا".

باب في تدريج اللغة

باب في تدريج اللغة: وذلك أن يشبه شيء شيئًا من موضع فيمضى حكمه على حكم الأول ثم يرقى منه إلى غيره. فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين "ولو "1 جالسهما جميعًا لكان مصيبًا مطيعًا لا مخالفًا وإن كانت "أو " إنما هي في أصل وضعها لأحد الشيئين. وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس "أو " بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى "أو ". وذلك لإنه قد عرف أنه إنما رغب في مجالسة الحسن لما لمجالسه في ذلك من الحظ وهذه الحال موجودة في مجالسة ابن سيرين أيضًا وكأنه قال: جالس2 هذا الضرب من الناس. وعلى ذلك جرى النهي في هذا الطرز من القول في قول الله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} 3 وكأنه -والله أعلم- قال: لا تطع هذا الضرب من الناس. ثم إنه لما رأى "أو " في هذا الموضع قد جرت مجرى الواو تدرج من ذلك إلى غيره فأجراها مجرى الواو في موضع عار من هذه القرينة التي سوغته استعمال "أو " في معنى الواو ألا تراه كيف قال 4: وكان سيان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح5 وسواء وسيان لا يستعمل6 إلا بالواو. وعليه قول الآخر: فسيَّان حرب أو تبوءوا بمثله ... وقد يقبل الضيم الذليل المسير

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "فلو". 2 انظر الكتاب 1/ 489. 3 آية 24 سورة الإنسان. 4 هو أبو ذؤيب الهذلي. وانظر اللسان في "سوا"، وشرح شواهد المغني للسيوطي 72، وديوان الهذليين طبعة دار الكتب 1/ 158. 5 هذا بيت مركب من بيتين. وهما مع بيتين قبلهما في الرثاء: المانح الأدم كالمرو الصلاب إذا ... ما حارد الحر واجتث المحاليج وزفت الشول من برد العشي كما ... زف النعام إلى حفائه الروح وقال ما شيهم سيان سيركم ... وأن تقيموا به واغبرت المسوح وكان مثلين ألا يسرحوا غنما ... حيث استرادت مواشيهم وتسريح فترى أن لا شاهد في البيت في روايته، وأن ما أورده النحويون بيتا أصله بيتان. وقوله: "وكان سيان ... " كان هنا على هذا الوجه شأنية، وسيان خبر المصدر المؤول بعده. قال ابن هشام في المغني في مبحث أو: "أي وكان الشأن ألا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان لوجود القحط. وإنما قدرنا كان شأنية لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وفي أمالي ابن الشجري 1/ 61: "هكذا أنشده الرواة "سيان" مرفوعا على إضمار الشأن في كان". 6 كذا في أصول الخصائص. وفي عبارة اللسان: "يستعملان". وما هنا تأويله "لا يستعمل كلاهما".

أي فسيَّان حرب وبواؤكم بمثله1، كما أن معنى الأول: فكان سيان ألا يسرحوا نعما وأن يسرحوه بها. وهذا واضح. ومن ذلك قولهم: صبية وصبيان قلبت الواو من صبوان وصبوة في التقدير -لأنه من صبوت- لانكسار الصاد قبلها وضعف الباء أن تعتد حاجزًا لسكونه. وقد ذكرنا ذلك. فلما ألف هذا واستمر تدرجوا منه إلى أن أقروا قلب الواو ياء بحاله وإن زالت الكسرة وذلك قولهم أيضًا: صبيان وصبية "وقد "2 كان يجب -لما زالت الكسرة- أن تعود الياء واوًا إلى أصلها لكنهم أقروا الياء بحالها لاعتيادهم إياها حتى3 صارت كأنها كانت أصلًا. وحسن ذلك لهم شيء آخر وهو أن القلب في صبية وصبيان إنما كان استحسانًا وإيثارًا لا عن وجوب علة ولا قوة قياس؛ فلما لم تتمكن علة القلب ورأوا اللفظ بياء قوي عندهم إقرار الياء بحالها لأن السبب الأول إلى قلبها لم يكن قويًا ولا مما يعتاد في مثله أن يكون مؤثرًا. ومن ذلك قولهم في الاستثبات عمن قال ضربت رجلًا: منا؟ ومررت برجل مني؟ وعندي رجل: منو؟ فلما شاع هذا ونحوه عنهم تدرجوا منه إلى أن قالوا: ضرب منٌ منا كقولك: ضرب رجل رجلا. ومن ذلك قولهم: أبيض لياح وهو من الواو لأنه ببياضه ما يلوح للناظر. فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وليس ذلك عن قوة علة إنما هو للجنوح إلى خفة الياء مع أدنى سبب وهو التطرق إليها بالكسرة طلبًا للاستخفاف لا عن وجوب قياس ألا ترى أن هذا الضرب من "الأسماء التي ليست"4 جمعًا كرباض وحياض ولا مصدرًا جاريًا على فعل معتل كقيام وصيام إنما يأتي مصححًا

_ 1 ثبت في ش، ب. وسقط في أ. وقد ثبت أيضا في عبارة اللسان. 2 كذا في ش. وفي أ، ب: "فقه". 3 كذا في أ، ب، د، هـ. وفي ش: "حيث". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأسماء ليست".

نحو: خوان وصوان غير أنهم لميلهم عن الواو إلى الياء ما أقنعوا أنفسهم في لياح في قلبهم إياه إلى الياء بتلك الكسرة قبلها وإن كانت ليس مما يؤثر حقيقة التأثير مثلها ولأنهم شبهوه لفظًا إما بالمصدر كحيال وصيال وإما بالجمع كسوط وسياط ونوط ونياط. نعم وقد فعلوا مثل هذا سواء في موضع آخر. وذلك قول بعضهم في صوان: صيان وفي صوار: صيار فلما ساغ ذلك من حيث أرينا أو كاد تدرجوا منه إلى أن فتحوا فاء لياح ثم أقروا الياء بحالها وإن كانت الكسرة قبلها قد زايلتها, وذلك قولهم فيه: لياح. وشجعه1 على ذلك شيئًا أن قلب الواو ياء في لياح لم يكن عن قوة ولا استحكام علة وإنما هو لإيثار الأخف على الأثقل فاستمر على2 ذلك وتدرج منه إلى أن أقر الياء بحالها مع الفتح إذ كان قلبها مع الكسر أيضًا ليس بحقيقة موجب. قال 3: وكما أن القلب مع الكسر لم يكن عن صحة عمل وإنما هو لتخفيف مؤثر فكذلك أقلب4 أيضًا مع الفتح وإن لم يكن موجبًا غير أن الكسر هنا على ضعفه أدعى إلى القلب من الفتح فلذلك جعلنا ذاك تدرجًا عنه إليه5 ولم نسو6 بينهما فيه. فاعرف ذلك. وقريب من ذلك قول الشاعر 7: ولقد رأيتك بالقوادم مرة ... وعلي من سدف العشي رياح8

_ 1 كذا في أ، ب، ش. وهو المناسب لقوله بعد: "فاستمر على ذلك وتدرج منه" يريد واضع العربية. وفي ج: "وشجعهم" وهو المناسب للكلام السابق. 2 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 3 كأنه يريد واضع العربية. 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "قلب". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "إلى غيره". 6 كذا في أ. وفي ش, ب: "يسو". 7 ورد البيت في مقطوعة لرفيع الوالبي في أمالي المرتضى تحقيق الأستاذ أبي الفضل إبراهيم 1/ 370 وما بعدها وهو خطاب امرأة. 8 القوادم موضع في بلاد غطفان. وجاء البيت في اللسان في "روح" وفيه "نظرة" بدل "مرة" وضبط فيه رياح بكسر الراء، وجاء في "سدف" وفيه "لياح" بدل "رواح" وكأن الرياح وقت الرواح وأصله الكسر. وفي اللسان: "خرجوا برياح من العشي -بكسر الراء- ورواح وأرواح أي بأول" يريد: بأول العشي ويريد أنه رآه وقد آن له أن يروح إذ حل سدف العشي وظلمته وقد يكون في الكلام قلب؛ أي وعلى سدف العشي من الرياح.

قياسه رواح؛ لأنه فعال من راح يروح لكنه لما كثر قلب هذه الواو في تصريف هذه الكلمة ياء -نحو ريح ورياح ومريح ومستريح- وكانت الياء أيضًا عليهم أخف وإليهم أحب تدرجوا من ذلك إلى أن قلبوها في رياح وإن زالت الكسرة التي كانت قلبتها في تلك الأماكن. ومن ذلك قلبهم الذال دالا في "ادكر " وما تصرف منه نحو يدكر ومدكر وادكار وغير ذلك: تدرجوا من هذا إلى غيره بأن قلبوها دالًا في غير بناء افتعل فقال ابن مقبل: من بعض ما يعتري قلبي من الدكر1 ومن ذلك قولهم: الطنة2 -بالطاء- في الظنة وذلك في اعتيادهم اطن ومطن واطنان, كما جاءت الدكر على الأكثر. ومن ذلك حذفهم الفاء -على القياس- من ضغة وقحة؛ كما حذفت من عدة وزنة ثم إنهم عدلوا بها3 عن فِعلة إلى فَعلة فأقروا الحذف بحاله وإن زالت الكسرة التي كانت موجبة له فقالوا: الضعة والقحة فتدرجوا بالضعة والقحة إلى الضعة والقحة وهي عندنا فعلة كقصعة وجفنة " لا أن "4 فتحت لأجل الحرف الحلقي فيما ذهب5 إليه محمد بن يزيد.

_ 1 صدره: يا ليت لي سلوة يشقى الفؤاد بها وهو من قصيدته التي مطلعها: يا حر أمسيت شيخا قد وهى بصري ... والتاث ما دون يوم الوعد من عمري انظر ديوانه 72 تحقيق الدكتور عزة حسن. دمشق، 1962. وابن قتيبة الشعر والشعراء: 426. وانظر المصنف "نسخة التميورية" 761. 2 أي التهمة. 3 كذا في أوفي ش، ب: "من". 4 في ش، ب: "إلا أن". وفي أ: "لأن"، وقد رأيت أن الأنسب بالسياق ما أثبت. 5 انظر الكامل 5/ 189، 196 بشرح المرصفي.

ومن ذلك قولهم: بأيهم تمرر أمرر1؛ فقدموا حرف الجر على الشرط فأعملوه فيه وإن كان الشرط لا يعمل فيه ما قبله لكنهم لما لم يجدوا طريقًا إلى تعليق2 حرف الجر استجازوا إعماله في الشرط. فلما ساغ لهم ذلك تدرجوا منه إلى أن أضافوا إليه الاسم فقالوا: غلام من تضرب أضربه وجارية من تلق ألقها. فالاسم في هذا إنما جاز عمله في الشرط من حيث كان محمولًا في ذلك على حرف الجر. وجميع هذا حكمه في الاستفهام حكمه في الشرط من حيث كان الاستفهام له صدر الكلام كما أن الشرط كذلك. فعلى هذه جاز بأيهم تمر؟ وغلام من تضرب فأما قولهم: أتذكر إذ من يأتنا نأته3 فلا يجوز إلا في ضرورة الشعر وإنما يجوز على تقدير حذف المبتدأ أي أتذكر إذ الناس من يأتنا نأته فلما باشر المضاف غير المضاف إليه في اللفظ أشبه الفصل بين4 المضاف والمضاف إليه فلذلك أجازوه في الضرورة. فإن قيل: فما الذي يمنع من إضافته إلى الشرط وهو ضرب من الخبر؟ قيل: لأن الشرط له صدر الكلام فلو أضفت إليه لعلقته بما قبله وتانك5 حالتان6 متدافعتان. فأما بأيهم تمرر أمرر ونحوه فإن حرف الجر متعلق بالفعل بعد الاسم, والظرف في قولك: أتذكر إذ من يأتنا نأته متعلق بقولك أتذكر وإذا خرج ما يتعلق به حرف الجر من حيز الاستفهام لم يعمل في الاسم المستفهم به ولا المشروط به.

_ 1 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب. 2 أي عدم عمله لفظا. 3 هذا صورة شطر بيت من الشعر، ولم يأت في شعر والصواب أنه نثر لا شعر ولكنه أجيز إذا فرض أن أدخله شاعر في شعره. وانظر الكتاب 1/ 440، والهمع 2/ 62. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "من". 5 في الأصول: "تلك" ويبدو أنه تحريف عما أثبت. 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "حالان".

ومن التدريج في اللغة أن يكتسي المضاف من المضاف إليه كثيرًا من أحكامه: من التعريف والتنكير والاستفهام والشياع وغيره ألا ترى أن ما لا يستعمل من الأسماء في الواجب إذا أضيف إليه شيء منها1 صار2 في ذلك إلى حكمه 3. وذلك قولك: ما قرعت حلقة باب دار أحد قط فسرى ما في "أحد " من العموم والشياع إلى " الحلقة ". ولو قلت: قرعت حلقة باب دار أحد أو نحو ذلك لم يجز. ومن التدريج في اللغة: إجراؤهم الهمزة المنقلبة عن حرفي4 العلة عينا مجرى الهمزة الأصلية. وذلك نحو قولهم في تحقير قائم وبائع: قويئم وبويئع فألحقوا الهمزة المنقلبة بالهمزة الأصلية في سائل وثائر من سأل وثأر إذا قلت: سويئل وثويئر. وليست كذلك اللام5 إذا انقلبت همزة عن أحد6 الحرفين نحو كساء وقضاء ألا تراك تقول في التحقير: كسيٌ وقضيّ فترد حرف العلة وتحذفه لاجتماع الياءات. وليست كذلك الهمزة الأصلية ألا تراك تقول في تحقير سلاء7 وخلاء7 بإقرار الهمزة لكونها أصلية وذلك سُليِّء وخُليِّء. وتقول أيضًا في تكسير كساء وقضاء بترك الهمزة البتة وذلك قولك: أكسية وأقضية. وتقول في سلاء وخلاء: أسلئة وأخلئة؛ فاعرف ذلك. لكنك لو بنيت من قائم وبائع شيئًا مرتجلا أعدت الحرفين البتة. وذلك كأن تبني منهما مثل جعفر فتقول: قومم وبيعع. ولم تقل: قأمم ولا بأعع؛ لأنك إنما تبني من أصل المثال لا من حروفه المغيرة ألا تراك لو بنيت من قيل وديمة مثال " فعل" لقلت: دوم وقول لا غير.

_ 1 أي من الأسماء. 2 أي الشيء من الأسماء الذي يضاف إلى ملازم النفي. 3 وهو ملازمة النفي. 4 يريد الواو والياء. 5 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "على". 7 السلاء: السمن. والخلاء في الناقة أن تحرن أو تبرك فلا تنهض لغير علة، وقد خلأت الناقة، تخلأ خلأ وخلاء، وخلوءا.

فإن قلت: ولم لم تقرر الهمزة في قائم وبائع فيما تبنيه منهما, كما أقررتها في تحقيرهما؟ قيل: البناء من الشيء أن تعمد لأصوله فتصوغ منها زوائده فلا تحفل بها. وليس كذلك التحقير. وذلك أن صورة المحقر معك ومعنى التكبير1 والتحقير في أن كل واحد منهما واحد واحد وإنما بينهما أن أحدهما كبير والآخر صغير فأما الإفراد والتوحيد فيهما كليهما فلا نظر فيه 2. قال أبو علي -رحمه الله- في ضحة الواو في نحو أسيود وجديول: مما أعان على ذلك وسوغه أنه في معنى جدول صغير فكما تصح الواو في جدول صغير فكذلك أنس بصحة الواو في جديول. وليس كذلك الجمع؛ لأنه رتبة غير رتبة الآحاد فهو شيء آخر فلذلك سقطت في الجمع حرمة الواحد, ألا تراك تقول في تكسير قائم: قوام وقوم فتطرح الهمزة وتراجع لفظ الأصل، ولا تقول: قؤام، ولا قؤم، كما قلت في التحقير: قوئم، بالهمز. وسألت مرة أبا علي -رحمه الله- عن رد سيبويه كثيرًا من أحكام التحقير إلى أحكام التكسير وحمله إياها عليها ألا تراه "قال تقول "3: سريحين لقولك: سراحين, ولا تقول 4: عثيمين لأنك لا تقول: عثامين ونحو ذلك. فقال: إنما حمل التحقير في هذا على التكسير من حيث كان التكسير بعيدًا عن رتبة الآحاد. فاعتد ما يعرض فيه لاعتداده بمعناه والمحقر هو المكبر والتحقير فيه جار مجرى الصفة, فكأن لم يحدث بالتحقير5 أمر يحمل عليه غيره كما حدث بالتكسير حكم يحمل عليه الإفراد: هذا معقد معناه وما أحسنه وأعلاه!

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "التكثير". 2 أي هو باق على حاله لا يتغير بالتحقير. 3 كذا في ج. وفي ش، ب: "قال يقول". وفي أ: "ألا تراه يقول. 4 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "تقل" وانظر سيبويه 2/ 108. 5 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "بالتصغير".

ومن التدريج قولهم: هذا حضرُموت بالإضافة على منهاج اقتران الاسمين أحدهما بصاحبه. ثم تدرجوا من هذا إلى التركيب فقالوا: هذا حضرَموت. ثم تدرجوا من هذا إلى أن صاغوهما جميعًا صياغة المفرد فقالوا: هذا حضرَمُوت فجرى لذلك مجرى عضرفوط ويستعور. ومن التدريج في اللغة قولهم: ديمة1 وديم؛ واستمرار القلب في العين للكسرة قبلها, ثم تجاوزوا ذلك لما كثر وشاع إلى أن قالوا: ديمت السماء ودومت؛ فأما دومت فعلى القياس وأما ديمت فلاستمرار القلب في ديمة وديم. أنشد أبو زيد: هو الجواد ابن الجواد ابن سبل ... إن دوموا جاد وإن جادوا وبل2 ورواه أيضًا "ديموا " بالياء. نعم ثم قالوا: دامت السماء تديم؛ فظاهر هذا أنه أجري مجرى باع يبيع, وإن كان من الواو. فإن قلت: فلعله فعل يفعل من الواو؛ كما ذهب الخليل في طاح يطيح, وتاه يتيه؛ قيل: حمله على الإبدال أقوى؛ ألا ترى أنه قد حكي في مصدره ديمًا, فهذا مجتذب إلى التاء مدرج3 إليها مأخوذ به نحوها. فإن قلت: فلعل4 الياء لغة5 في هذا الأصل كالواو, بمنزلة ضاره يضيره ضيرًا وضاره يضوره ضورًا. قيل: يبعد ذلك هنا ألا ترى إلى اجتماع6

_ 1 هي المطر الدائم في سكون. 2 قيل إن هذا في وصف فرس. وسبل فرس نجيبة في العرب. ولهذه الفرس ذكر في أنساب الخيل لابن الكلبي 16، 27، وهي أم أعوج. ويقول الجعدي: وعناجيج جياد نجب ... نجل فياض ومن آل سبل ويقول ابن بري: إن سيلا والد الراجز جهم بن سبل، وإن الرواية: أنا الجواد ابن الجواد ابن سبل وانظر اللسان في "سبل" وانظر أيضًا التاج في المادة هذه. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "ومدرج". 4 كذا في أ، ب. وفي ش "فعل". 5 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "لعلة". 6 في أ: "إجماع".

الكافة على قولهم: الدوام, وليس أحد1 يقول: الديام فعلمت بذلك أن العارض في هذا الموضع إنما هو من جهة الصنعة لا من جهة اللغة. ومثل ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: "ما هت الركية تميه ميهًا "2, مع إجماعهم على أمواه, وأنه لا أحد يقول: أمياه. ونحو من ذلك ما يحكى عن عمارة بن عقيل من أنه قال في جمع ريح: أرياح؛ حتى نبه عليه فعاد إلى أرواح. وكأن أرياحًا أسهل قليلا؛ لأنه قد جاء عنهم قوله: وعلي من سدف العشي رياح3 فهو بالياء لهذا آنس. وجماع هذا الباب غلبة الياء على الواو لخفتها؛ فهم لا يزالون4 تسببًا إليها, ونجشًا عنها, واستثارة لها, وتقربًا ما استطاعوا منها. ونحو هذه الطريق في التدريج , حملهم علباوان على حمراوان, ثم حملهم رداوان على علباوان, ثم حملهم قراوان على رداوان, وقد تقدم ذكره 5. وفي هذا كاف مما يرد في معناه بإذن الله تعالى. ومن ذلك أنه لما اطردت إضافة أسماء الزمان إلى الفعل نحو , قمت يوم قمت, وأجلس حين تجلس, شبهوا ظرف المكان في "حيث " فتدرجوا من "حين " إلى "حيث " فقالوا: قمت حيث قمت. ونظائره كثيرة.

_ 1 في أ: "لأحد". 2 أي ظهر ماؤها وكثر. والركية: البئر. 3 انظر ص351 من هذا الجزء. 4 كذا في أ. وفي ب: "تشبيا" بإعجام الشين. وفي ش: "تشبثا بها وبحثا عنها واستثارة لها". وفي ج: "لا يألون" في موضع "لا يزالون" وتوافق بعدما في أ، وهي جيدة، وقوله "لا يزالون تسيبا إليها"، أي يتسيبون إليها تسيبا، وكذا قوله: "نجشا" أي ينجشون. وقوله: "استثارة" أي يستثيرون، فهي مفاعيل على المصدر" ويجوز أن تكون على الحذف، أي ذوي تسبب إلخ، أو أنه حمل هذه المعاق عليهم على قصد المبالغة. والنجش: البحث عن الشيء واستخراجه. 5 انظر ص214 وما بعدها من هذا الجزء.

باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب

باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب ... باب في أن ما قيس على كلام العرب: هذا موضع شريف. وأكثر الناس يضعف عن احتماله لغموضه ولطفه. والمنفعة به عامة, والتساند إليه مقو مجد. وقد نص1 أبو عثمان عليه فقال: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب؛ ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول وإنما سمعت البعض فقست عليه غيره. فإذا سمعت "قام زيد " أجزت ظرف بشر, وكرم خالد. قال أبو علي: إذا قلت: "طاب الخشكنان "2 فهذا من كلام العرب لأنك بإعرابك إياه قد أدخلته كلام العرب. ويؤكد هذا عندك أن ما أعرب من أجناس الأعجمية قد أجرته العرب مجرى أصول كلامها ألا تراهم يصرفون في العلم نحو آجر وإبريسيم وفِرِند وفيروزج وجميع ما تدخله لام التعريف. وذلك أنه لما دخلته اللام في نحو الديباج, والفرند والسهريز3، والآجر؛ أشبه أصول كلام العرب, أعني النكرات. فجرى في الصرف ومنعه مجراها.

_ 1 انظر الباب الثاني من تصريف المازني بشرح ابن جني 170 نسخة التيمورية. 2 فسره داود الأنطاكي في التذكرة 1/ 129 بأنه "خالص دقيق الحنطة إذا عجن بشيرج وبسط وملئ بالسكر واللوز والفستق وماء الورد، وجمع وخبز. وأهل الشام تسميه المكف". وانظر المعرب للجواليقي 134. ويقابله في هذا العصر البسكويت. وانظر محاضر جلسات المجمع اللغوي: دور الانعقاد الأول 433. 3 السهريز -بكسر السين وتضم- ضرب من التمر، يقال: تمر سهريز؛ بالوصف والإضافة. ويقال: شهريز؛ بالشين أيضا. وانظر معرب الجواليقي "طبعة الدار" 199.

قال أبو علي: ويؤكد ذلك أن العرب اشتقت من الأعجمي النكرة, كما تشتق من أصول كلامها، قال رؤبة: هل ينجيني حلف سختيت ... أو فضة أو ذهب كبريت1 قال: فـ "سختيت " من السخت2؛ كـ " زحليل "3 من الزحل. وحكى لنا أبو علي عن ابن الأعرابي أظنه قال: يقال درهمت الخبازى؛ أي صارت كالدراهم فاشتق من الدرهم وهو اسم أعجمي. وحكى أبو زيد: رجل مدرهم 4. قال ولم يقولوا منه: دُرهِم إلا أنه إذا5 جاء اسم المفعول فالفعل نفسه حاصل في الكف. ولهذا أشباه. وقال أبو عثمان في الإلحاق المطرد: إن موضعه من جهة اللام نحو قُعدُد, ورِمدِد, وشَملَل, وصَعرَر. وجعل الإلحاق بغير اللام شاذًّا لا يقاس عليه. وذلك نحو جوهر, وبيطر, وجدول, وحذيم، ورهوك6، وأرطىً, ومعزىً وسلقىً وجعبى. قال أبو علي وقت القراءة عليه كتاب أبي عثمان: لو شاء شاعر أو ساجع, أو متسع, أن يبنى بإلحاق اللام اسمًا, وفعلا, وصفة لجاز له ولكان ذلك من كلام العرب. وذلك نحو قولك: خرججٌ أكرم من دخللٍ وضربب زيد عمرًا ومررت برجل ضرببٍ وكرممٍ

_ 1 حلف سختيت: موثق قوى. يقال كذب سختيت: جالس. والكبريت أراد به رؤية الذهب، وخطئ فيه، والعرب تخطئ في المعاني دون الألفاظ. وانظر شفاء الغليل واللسان. وانظر الديوان 25، والتقريب لأصول التعريب 11. 2 السخت: الشديد. 3 هو السريع. 4 أي كثير الدراهم. 5 كذا في ش، ب، وفي أ، ج4، "إلا أنه جاء". 6 يقال: رهوك في مشيه: مشى في ضعف كأنه يموج في سيره.

ونحو ذلك. قلت له: أفترتجل اللغة ارتجالا قال: ليس بارتجال لكنه مقيس على كلامهم, فهو إذًا من كلامهم. قال: ألا ترى أنك تقول: طاب الخشكنان, فتجعله من كلام العرب وإن لم تكن العرب تكلمت به. هكذا قال فبرفعك إياه كرفعها ما صار لذلك محولا على كلامها ومنسوبًا إلى لغتها. ومما اشتقته العب من كلام العجم ما أنشدناه "من قول الراجز"1: هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظلت اليوم كالمزرج أي الذي شرب الزرجون2، وهي الخمر. فاشتق المزرج من الزرجون وكان قياسه: كالمزرجن من حيث كانت النون في زرجون قياسها أن تكون أصلا إذ كانت بمنزلة السين من قربوس. قال أبو علي: ولكن العرب إذا اشتقت من الأعجمي خلطت فيه. قال: والصحيح من نحو هذا الاشتقاق قول رؤبة 3: في خدر مياس الدمى معرجن وأنشدناه "المعرجن "4 باللام. فقوله "المعرجن " يشهد بكون النون من عرجون أصلا وإن كان من معنى الانعراج ألا تراهم فسروا قول الله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 5 فقالوا: هي الكباسة6 إذا قدمت فانحنت؛ فقد "كان على هذا القياس يجب "7 أن يكون نون "عرجون " زائدة كزيادتها في "زيتون " , غير أن بيت رؤبة الذي يقول فيه " المعرجن" منع هذا, وأعلمنا أنه أصل رباعي قريب من لفظ

_ 1 ثبت في أ: وسقط في ش، ب. 2 وهو لفظ فارسي مركب من "زر" بمعنى الذهب، و"كون" بالكاف الفارسية ومعناه لون. فمعنى التركيب: لون الذهب. وانظر التقريب 9. 3 من أرجوزة في ديوانه 56. 4 سقط في أ. 5 آية 39 سورة يس. 6 الكباسة: العذق بشماريخه. وهو ما عليه الرطب ويقال له السباطة. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "كان القياس على هذا أن يكون".

الثلاثي؛ كسبطر من سبط ودمثر من دمث؛ ألا ترى أنه ليس في الأفعال "فعلن " وإنما ذلك في الأسماء نحو علجن1، وخلبن. ومما يدلك على أن ما قيس على2 كلام العرب فإنه من كلامها أنك لو مررت على قوم "يتلاقون بينهم مسائل "3 أبنية التصريف نحو قولهم في مثال "صمحمح " من الضرب: "ضربرب " ومن القتل "قتلتل " ومن الأكل "أكلكل " ومن الشرب "شربرب " ومن الخروج "خرجرج " ومن الدخول "دخلخل ". وفي مثل "سفرجل " من جعفر: "جعفرر " ومن صقعب4 "صقعبب " ومن زبرج "زبرجج " ومن ثرتم5 "ثرتمم" ونحو ذلك. فقال لك قائل: بأي لغة كان هؤلاء يتكلمون لم تجد بدًا من أن تقول: بالعربية وإن كانت العرب لم تنطق بواحد من هذه6 الحروف. فإن قلت: فما تصنع بما حدثكم به أبو صالح السليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني7 قال: قرأت على الأصمعي هذه الأرجوزة للعجاج: يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا فلما بلغت: تقاعس العز بنا فاقعنسسا قال لي الأصمعي: قال لي الخليل: أنشدنا رجل: رافع العز بنا8 فارفنعع

_ 1 العلجن: الناقة الكناز اللحم، والمرأة الماجنة. والخلبن: الخرفاء. 2 كذا في أ. ج. وفي غيرهما: "من". 3 أي يلقى بعضهم على بعض أسئلة. 4 الصقعب: الطويل، والمصوت من الأنياب الأبواب. 5 الثرتم: ما فضل من الطعام، أو الإدام في الإناء. 6 كذا في أ، ب: وفي ش: "هؤلاء". 7 نسبة للنوشجان "بضم النون" بلد في فارس. 8 كذا في ش، ب، وفي أ: "به".

فقلت: هذا لا يكون. فقال 1: كيف جاز للعجاج أن يقول: تقاعس العز بنا فقعنسا2 فهذا يدل على امتناع القوم من أن يقيسوا على كلامهم ما كان من3 هذا النحو من الأبنية على أنه من كلامهم ألا ترى إلى قول الخليل وهو سيد قومه وكاشف قناع القياس في علمه كيف منع4 من هذا ولو كان ما قاله أبو عثمان صحيحًا ومذهبًا مرضيًّا لما أباه الخليل ولا منع منه! فالجواب عن هذا من أوجه عدة: أحدها -أن الأصمعي لم يحك عن الخليل أنه انقطع هنا ولا أنه تكلم بشيء بعده فقد يجوز أن يكون الخليل لما احتج عليه منشده ذلك البيت ببيت العجاج عرف الخليل حجته فترك مراجعته وقطع الحكاية على هذا الموضع يكاد يقطع بانقطاع الخليل عنده ولا ينكر أن يسبق الخليل إلى القول بشيء فيكون فيه تعقب له فينبه عليه فينتبه. وقد يجوز أيضًا أن يكون الأصمعي سمع من الخليل في هذا من قبوله أورده على المحتج به ما لم يحكه للخليل بن أسد لا سيما والأصمعي ليس ممن ينشط للمقاييس, ولا لحكاية التعليل. نعم, وقد يجوز أن يكون الخليل أيضًا أمسك عن شرح الحال في ذلك وما قاله لمنشده البيت من تصحيح قوله أو إفساده للأصمعي5 لمعرفته بقلة انبعاثه6 في النظر وتوفره على ما يروى ويحفظ. وتؤكد7 هذا عندك الحكاية عنه وعن

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "فقلت" وانظر لهذه القصة شعراء ابن قتيبة 23. 2 بعد هذا في ابن قتيبة: "ولا يجوز لي". 3 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 4 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 5 متعلق بقوله: "شرح". 6 كذا في أ، ب. وفي ش: "ابتعاثه". 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "يؤكد".

الأصمعي, وقد كان أراده الأصمعي على أن يعلمه العروض فتعذر ذلك على الأصمعي وبعد عنه؛ فيئس الخليل منه فقال له يومًا: يا أبا سعيد كيف تقطع قول الشاعر 1: إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع قال: فعلم الأصمعي أن الخليل قد تأذى ببعده عن علم العروض فلم يعاوده فيه. ووجه غير هذا وهو ألطف من جميع ما جرى2 وأصنعه وأغمضه؛ وذلك أن يكون الخليل إنما أنكر ذلك لأنه بناه " مما"3 لامه حرف حلقي والعرب لم تبن هذا المثال مما لامه أحد حروف الحلق إنما هو مما لامه حرف فموي وذلك نحو اقعنسس واسحنكك واكلندد4، واعفنجج 5. فلما قال الرجل للخليل "فارفنععا " أنكر ذلك من حيث أرينا. فإن قيل: وليس6 ترك العرب أن تبني هذا المثال مما لامه حرف حلقي بمانع أحدًا من بنائه من ذلك؛ ألا ترى أنه ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع فإذا حذا إنسان على مثلهم, وأم مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا, ولا أن يرويه رواية. قيل: إذا تركت العرب أمرًا من الأمور لعلة داعية إلى تركه وجب اتباعها عليه ولم يسع أحدًا بعد ذلك العدول عنه. وعلة امتناع ذلك عندي ما أذكره لتتأمله فتعجب منه، وتأنق لحسن الصنعة فيه.

_ 1 البيت لعمرو بن معد يكرب من قصيدته في ريحانة أخته، وكانت أسرت، ولم يستطع أن يستنقذها؛ أولها: أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع وانظر الخزانة 3/ 460، والأصمعيات 43-45، والأغاني بولاق 14/ 33، وابن قتيبة 23، ومعاهد التنصيص 2/ 236. 2 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "مضى". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "فيما". 4 أي غلظ واشتد. 5 اعفنجج: أي أسرع. 6 ثبت هذا الحرف في أصول الكتاب ما عدا ج فقد سقط فيها، وهو أسوغ.

وذلك أن العرب زادت هذه النون الثالثة الساكنة في موضع حروف اللين أحق به وأكثر من النون فيه ألا ترى أنك إذا وجدت النون ثالثة ساكنة فيما عدته خمسة أحرف قطعت بزيادتها1؛ نحو نون جحنفل2، وعبنقس3، وجرنفس4، وفلنقس5، وعرندس6، عرفت الاشتقاق أو لم تعرفه حتى يأتيك ثبت بضده. قال أصحابنا: وإنما كان ذلك لأن هذا الموضع إنما هو للحروف الثلاثة الزوائد نحو واو فدوكس7 وسرومط8، وياء سميدع9، وعميثل10، وألف جرافس11، وعذافر. والنون حرف من حروف الزيادة أغن ومضارع لحروف اللين وبينه وبينها من القرب والمشابهات ما قد شاع وذاع. فألحقوا النون في ذلك بالحروف اللينة الزائدة. وإذا كان كذلك فيجب أن تكون هذه النون -إذا وقعت ثالثة في هذه المواضع- قوية الشبه بحروف المد وإنما يقوى شبهها بها متى كانت ذات غنة لتضارع بها حروف المد للينها وإنما تكون فيها الغنة متى كانت من الأنف وإنما تكون من الأنف متى وقعت ساكنة وبعدها حرف فموي لا حلقي نحو جحنفل وبابه. وكذلك أيضًا طريقها وحديثها في الفعل ألا ترى أن النون في باب احرنجم وادلنظى12، إنما هي محمولة من حيث كانت ثالثة ساكنة على الألف نحو13 اشهاببت، وادهاممت وابياضضت واسواددت والواو في نحو اغدودن واعشوشب،

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "بأنها زائدة". 2 هو الغليظ الشفة. 3 من معانيه السيئ الخلق. 4 هو الضخم الشديد من الرجال. 5 هو الذي في إحدى جداته رق. 6 الأسد الشديد. 7 هو الشديد من الأسود والرجال. 8 هو الجمل الطويل. 9 هو السيد الشريف. 10 هو البطيء والنشيط. 11 هو الجرنفس. 12 كذا في ب. وفي أ، ش: "ادلنطى" بالمهملة. وادلنظى الرجل: مر فأسرع. 13 كذا في أ. وفي ش، ب: "في نحو".

واخلولق واعروريت واذلوليت1، واقطوطيت2، واحلوليت. وإذا كانت النون في باب احرنجم واقعنسس إنما هي أيضًا محمولة على الواو والألف في هذه الألفاظ التي ذكرناها "وغيرها"3 وجب أن تضارعها وهي أقوى شبهًا بها. وإنما يقوى شبهها بها إذا كانت غناء وإنما تكون كذلك إذا وقعت قبل حروف الفم نحوها في اسحنكك4 واقعنسس واحرنجم واخرنطم 5. وإذا كان كذلك لم يجز أن يقع بعدها حرف حلقي لأنها إذا كانت كذلك كانت من الفم6 وإذا كانت من الفم سقطت غنتها وإذا سقطت غنتها زال شبهها بحرفي المد: الواو والألف. فلذلك أنكره الخليل وقال: هذا لا يكون. وذلك أنه رأى نون "ارفنعع " في موضع لا تستعملها العرب فيه إلا غناء غير مبينة7، فأنكره وليست كذلك في اقعنسس لأنها قبل السين وهذا موضع تكون فيه مغنة مشابهة لحرفي اللين ولهذا ما كانت النون في "عجنس "8 و "هجنع "9 كباء "عدبس "10 ولامي "شلعلع "11 ولم يقطع على أن الأولى منهما الزائدة كما قطع على نون "جحنفل " بذلك من حيث كانت مدعمة وادغامها يخرجها من الألف12؛ لأنها تصير إلى لفظ المتحركة بعدها وهي من الفم. وهذا أقوى ما يمكن أن يحتج به في هذا الموضع.

_ 1 اذلولى: انطلق في استخفاء وذل. 2 اقطوطى: قارب في مشيه. 3 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 4 يقال: اسحنكك الليل: أظلم. 5 أي رفع آنفه وغضب واستكبر. 6 أما إذا كان بعدها حرف فموي وكانت غناء فإن مخرجها الخيشوم، وهو أقصى الأنف. وفي مقدمة الجزرية: وغنة مخرجها الخيشوم 7 كذا في ب، وفي ش: "مبتنية". 8 هو الجمل الضخم. 9 هو الطويل الضخم. 10 هو الجمل الضخم. 11 كذا في أ. وفي ش، ب: "شعلع". والشلعلع والشعلع: الطويل. وقد جاء الأول في مستدرك التاج، والثاني في اللسان والقاموس. 12 كذا في ش، وفي أ، ب: "الألف" وما أثبت هو الصواب. وفي ج: فيزول شبهها بالألف".

وعلى ما نحن عليه فلو قال لك قائل: كيف تبني من ضرب مثل "حبنطىً " لقلت فيه: "ضربنىً ". ولو قال: كيف تبني مثله من قرأ لقلت: هذا لا يجوز لأنه يلزمني أن أقول: "قرنأى " فأبين النون لوقوعها قبل الهمزة وإذا بانت ذهبت عنها غنتها وإذا ذهبت غنتها1 زال شبهها بحروف اللين في نحو عثوثل2 وخفيدد3، وسرومط وفدوكس وزرارق4، وسلالم وعذافر وقراقر5 -على ما تقدم- ولا يجوز أن تذهب عنها الغنة في هذا الموضع الذي هي محمولة فيه على حروف اللين بما فيها من الغنة التي ضارعتها بها وكذلك جميع حروف الحلق. فلا6 يجوز أيضًا أن تبنى من صرع ولا من جبه ولا من سنح ولا من سلخ ولا من فرغ لأنه كان يلزمك أن تقول: صرنعى وجبنهى وسننحى وسلنخى وفرنغى فتبين النون في هذا الموضع. وهذا "لا يجوز"7؛ لما قدمنا ذكره. ولكن من أخفى النون عند الخاء والغين في نحو منخل ومنغل8، يجوز على مذهبه أن يبني نحو حبنطى من سلخ وفرغ لأنه قد يكون هناك في لغته من الغنة ما يكون مع حروف الفم. وقلت مرة لأبي علي -رحمه الله- قد حضرني شيء في علة الإتباع في " نقيذ "9 وإن عري أن تكون عينه حلقية وهو قرب القاف من الخاء والغين فكما10 جاء11 عنهم النخير والرغيف كذلك جاء عنهم "النقيذ " فجاز أن تشبه القاف لقربها من حروف الحلق بها كما شبه من أخفى النون عند الخاء والغين إياهما بحروف الفم، فالنقيذ في الإتباع

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "عنها". 2 هو الأحمق. 3 هو السريع، والظليم. 4 جمع زرق "كسكر" هو طائر صياد. 5 اسم موضع من نواحي المدينة. 6 كذا في أ. وفي ب، ش: "ولا يجوز". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "ما لا يجوز". 8 وصف من أنغل القوم حديثا سمعة: نم به إليهم. 9 كذا في ش، ب. وفي أ. ج: "نقيد". والصواب ما أثبت. والنقيد ما يستنفذ من العدو. 10 كذا في أ. وفي ش، ب، "وكما". 11 كذا ش، ب وفي أ: "جاز".

كالمنخل والمنغل فيمن أخفى النون فرضيه وتقبله. ثم رأيته وقد أثبته فيما بعد بخطه في تذكرته ولم أر أحدًا من أصحابنا ذكر " امتناع1 فعنلى " وبابه فيما لامه حرف حلقي لما يعقب ذلك من ظهور النون وزوال شبهها بحروف اللين والقياس يوجبه فلنكن عليه. ويؤكده عنك أنك لا تجد شيئًا من باب فعنلى ولا فعنلل2 ولا فعنعل بعد نونه حرف حلقي. وقد يجوز أن يكون إنكار الخليل قوله "فارفنععا " إنما هو لتكرر الحرف الحلقي مع استنكارهم ذلك. ألا ترى إلى قلة التضعيف في باب المهه3، والرخخ4، والبعاع5، والبحح والضغيغة6، والرغيغة7؛ هذا مع ما قدمناه من ظهور النون في هذا الموضع. ومن ذلك قول أصحابنا: إن اسم المكان والمصدر على وزن المفعول في الرباعي قليل إلا أن تقيسه. وذلك نحو المدحرج تقول: دحرجته مدحرجًا وهذا مدحرجنا وقلقلته مقلقلا8، وهذا مقلقلنا وكذلك أكرمته مكرمًا وهذا مكرمك أي موضع إكرامك وعليه قول الله تعالى: {مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} 9 أي تمزيق وهذا ممزق الثياب أي الموضع الذي تمزق فيه. قال أبو حاتم: قرأت على الأصمعي في جيمية العجاج: جأبًا ترى بليته مسحجًا10

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "امتناع بناء فعنلى". 2 كذا في ش، ب. وسقط هذا الحرف في أ. 3 هو اليسير السهل. 4 هو السهولة واللبن. 5 هو المناع ونقل السحاب من الماء. 6 من معانيها الروضة. 7 طعام مثل الحساء يصنع بالتمر. ويقول فيها في تهذيب الألفاظ 637: "والرغيغة: حسو رقيق" وهو مصحفة فيه إلى "الرغيفة" ويستظهر الناشر أنها "الرقيقة" وهذا خطأ. 8 ثبت في أ، وسقط في ش، ب. 9 آية 19 سورة سبأ. 10 الجأب: حمار الوحش الغليظ، والليث: صفحة العنق، والنسحيج: الخدش. وهو من أرجوزته التي أولها: ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا وانظر الديوان.

فقال: تليله1 فقلت: بليته فقال: هذا لا يكون فقلت: أخبرني به من سمعه من فِلق2 في رؤبة أعني أبا زيد الأنصاري3 فقال: هذا لا يكون فقلت: جعله مصدرًا أي تسحيجًا فقال: هذا لا يكون فقلت: فقد قال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي ... فلا عيا بهن ولا اجتلابا4 أي تسريحي. فكأنه أراد أن يدفعه فقلت له: فقد قال الله عز وجل: {مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} فأمسك. وتقول على ما مضى: تألفته متألفًا وهذا متألفنا وتدهورت متدهورًا وهذا متدهورك وتقاضيتك متقاضىً وهذا متقاضانا. وتقول: اخروَّط5 مخروَّطًا وهذا مخروَّطنا واغدودن6 مغدودنا وهذا مغدودننا وتقول: اذلوليت مذلولىً وهذا مذلولانا ومذلولاكن يا نسوة وتقول: اكوهدَّ7 مكوهدًا وهذا مكوهدكما. فهذا كله من كلام العرب ولم يسمع منهم ولكنك سمعت ما هو مثله وقياسه قياسه8؛ ألا ترى إلى قوله 9: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب وقوله 10: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس

_ 1 التليل: العنق. 2 فلق الفم: شقه ومنفرجه. 3 ثبت في أ، وسقط في ش، ب. 4 انظر الكتاب 1/ 119، والبيت من قصيدة يجهو بها العباس بن يزيد الكندي، وانظر الديوان 62 والكامل 2/ 259. ولفظ الشطر الأول في الديوان: ألم تخبر بمسرحي القوافي 5 يقال اخروط بهم السير: امتد. 6 اعدودن الشجر: انثنى وكان ناعمًا. ويقال كذلك في الشاب. 7 اكوهد الشيخ والفرخ: ارتعد. 8 كذا في أ، ب. وسقط في ش. 9 هو مالك بن أبي كعب أبو كعب بن مالك. وانظر الكتاب 2/ 250 وحماسة البحتري 53، وحماسة الخالد بين الورقة 6أمن نسخة الدار 587 أدب. 10 هو زيد الخيل. وهو من أربعة أبيات في النوادر 79، وانظر سيبويه 2/ 250 واللسان "قتل"، واللآلي.

وقوله: كأن صوت الصنج في مصلصله فقوله "مصلصله " يجوز أن يكون مصدرًا أي في صلصلته, ويجوز أن يكون موضعًا للصلصلة. وأما قوله: ... حتى لا أرى لي مقاتلا فمصدر ويبعد أن يكون موضعًا أي حتى لا أرى لي موضعًا للقتال: المصدر هنا أقوى وأعلى. وقال1: تراد على دمن الحياض فإن تعف ... فإن المندَّى رحلة فركوب2 أي مكان تنديتنا3 إياها أن نرحلها فنركبها. وهذا كقوله 4: تحية بينهم ضرب وجيع أي ليست هناك تحية بل مكان التحية ضرب. فهذا كقول الله سبحانه {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . وقال رؤبة 5: جدب المندى شئِز المُعَوَّهِ6 فهذا اسم لموضع التندية أي جدب هذا المكان. وكذلك " المعوه " مكان أيضًا والقول فيهما واحد.

_ 1 هو علقمة بن عبدة. والقصيدة في المفضليات. 2 الحديث عن ناقته المذكورة في البيت: إليك أبيت اللعن أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب والدمن دمنة وهي بقية الماء في الحوض وقوله: "تراد" كذا في المفضليات وأصول الخصائص وفي اللسان في "دمن وندى": ترادى. وانظر ابن الأنباري 778. 3 التندية إن تورد الإبل لتشرب قليلا، ثم تترك ترعى، ثم ترد إلى الماء. 4 نسب في الكتاب 1/ 365 إلى عمرو بن معد يكرب، وكذا نسبه ابن رشيق في العمدة في باب السرقات. انظر الخزانة 4/ 53 والشطر الذي أورد عجز صدره: وخيل قد دلفت لها بخيل 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "قول". 6 "شئز": غليظ، "والمعوه": من التعويه، وهو نزول آخر الليل. يصف مهمها قطعه في سفره. وانظر الأرجوزة في ديوانه.

وهذا باب مطرد متقاود. وقد كنت ذكرت طرفًا منه في كتابي "شرح تصريف أبي عثمان "؛ غير أن الطريق ما ذكرت لك. فكل ما قيس على كلامهم فهو من كلامهم. ولهذا قال من قال في العجاج ورؤبة: إنهما قاسا اللغة وتصرفا فيها وأقدما على ما لم يأت به من قبلهما. وقد كان الفرزدق يلغز بالأبيات، ويأمر بإلقائها على ابن أبي إسحاق 1. وحكى الكسائي2 أنه سأل بعض العرب عن أحد مطايب الجزور, فقال: مطيب3؛ وضحك الأعرابي من نفسه كيف تكلف لهم ذلك من كلامه. فهذا ضرب من القياس ركبه الأعرابي، حتى دعاه إلى الضحك من نفسه، في تعاطيه إياه. وذكر أبو بكر أن منفعة الاشتقاق لصاحبه أن يسمع الرجل اللفظة فيشك فيها, فإذا رأى الاشتقاق قابلًا لها أنس بها وزال استيحاشه منها. فهل هذا إلا اعتماد في تثبيت اللغة على القياس. ومع هذا أنك لو سمعت ظرف؛ ولم تسمع يظرف؛ هل كنت تتوقف عن4 أن تقول يظرف راكبًا له غير مستحيٍ منه. وكذلك لو سمعت سلم ولم تسمع مضارعه أكنت ترع5 أو ترتدع أن تقول يسلم, قياسًا أقوى من كثير من سماع غيره. ونظائر ذلك فاشية6 كثيرة.

_ 1 هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، من أوائل من وضع النحو. مات سنة 117هـ. وانظر طبقات القراء 100. 2 في اللسان في "طيب" نسبة هذه القصة للسيرافي. 3 هذا الضبط عن أ. وضبط في اللسان والقاموس: "مطيب" بسكون الطاء وفتح الياء. وفي ش، ب بعد "مطيب": "واحد" وسقط هذا اللفظ في أ. ومطايب الجزور: خيار لحمه وأطيبه. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "على". 5 أي تكف، وهو من باب ورث. 6 ثبت في أ. وسقط في ش، ب.

باب في الفصيح يجتمع في كلامه لغتان فصاعدا

باب في الفصيح يجتمع في كلامه لغتان فصاعدا: من ذلك قول لبيد: سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرًا والقبائل من هلال1 وقال 2: أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها3 وقال 4: فظلت لدى البيت العتيق أُخيلُهو ... ومطواي مشتاقان له أرقان5 فهاتان6 لغتان: أعني إثبات الواو في "أخيلهو " وتسكين الهاء في قوله "له "، لأن أبا الحسن زعم أنها لغة لأزد السراة وإذا كان كذلك فهما لغتان. وليس إسكان الهاء في "له " عن حذف لحق بالصنعة الكلمة لكن ذاك لغة.

_ 1 قبله: أقول وصوبه مني بعيد ... يحط السيب من فلل الجبال وهو في وصف سحاب من قصيدة أولها: ألم تلمم على الدمن الخوالي ... لسلمى بالمذانب فالقفال وانظر الديوان طبعة قيينا 127، و"مجد": أم كلب وكلاب ابني ربيعة بن عامر بن صعصعة. 2 هو طفيل الغنوي، كما في اللسان في "وفى". وقد ذكر في ديوانه 65 فيما نسب إليه. وفي الكامل 5/ 156: "ابن بيض" بدل "بن طوق". 3 قلاص النجم في زعم العرب عشرون نجما ساقها الديران في خطبة الثريا. 4 هو يعلى الأزدي، وكان لصًّا. وانظر اللسان في "مطا"، وفي "ها" في الألف اللينة، وانظر ص129 من هذا الجزء. 5 يتحدث عن برق شافه وهاجه إلى وطنه، و"أخيله": أنظر إلى مخيلته ودنو مطره. و"مطواي": تثنية مطو. وهو الصاحب والنظير. 6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "فهذان".

ومثله ما رويناه عن قطرب: وأشرب الماء ما بي نحوهو عطش ... إلا لأن عيونهْ سيل واديها فقال: "نحو هو" بالواو، وقال "عيونه" ساكن الهاء. وأما قول الشماخ: له زجل كأنه صوت حا ... إذا طلب الوسيقة أو زمير1 فليس هذا لغتين لأنا لا نعلم رواية2 حذف هذه الواو وإبقاء الضمة قبلها لغة3، فينبغي أن يكون ذلك ضرورة "وصنعة"3، لا مذهبًا ولغة. وكذلك يجب عندي وينبغي ألا يكون لغة لضعفه في القياس. ووجه ضعفه أنه ليس على مذهب الوصل ولا مذهب الوقف. أما الوصل فيوجب إثبات واوه كلقيتهو أمس. وأما الوقف فيوجب الإسكان كلقيته وكلمته فيجب أن يكون ذلك ضرورة للوزن لا لغة. وأنشدني الشجري لنفسه: وإنا ليرعى في المخوف سوامنا ... كأنه لم يشعر به من يحاربه4 فاختلس ما بعد هاء "كأنه "، ومطل ما بعد هاء "بِهىِ "، واختلاس ذلك ضرورة "وصنعة"5 على ما تقدم به القول.

_ 1 الزجل: صوت فيه حنين وترنم. والوسيقة هنا القطيع من الأتن. والزمير: الزمر. يصف حمار وحش هائجا. انظر كتابة الأعلم علم شواهد الكتاب 1/ 11 وانظر له الديوان. وانظر أيضًا ص128 من هذا الجزء. 2 كذا في ش، ب. وهو يوافق ما في اللسان في "ها" في حرف الألف اللينة. وفي أ: "رواية". 3 ثبت هذا في أوسقط في ش، ب. 4 "كأنه" كتب في أفوقه: "خلس". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "ضعيفة".

ومن ذلك قولهم: بغداد, وبغدان. وقالوا أيضًا: مغدان, وطبرزل1، وطبرزن. وقالوا للحية: أيم, وأين. وأعصر, ويعصر: أبو باهلة. والطِنفِسة, والطُنفُسة. "وما اجتمعت"2 فيه لغتان أو ثلاث أكثر من أن يحاط به. فإذا ورد شيء من ذلك -كأن يجتمع في لغة رجل واحد لغتان فصيحتان3- فينبغي أن تتأمل حال كلامه فإن كانت اللفظتان في كلامه متساويتين في الاستعمال, كثرتهما واحدة فإن أخلق الأمر به أن تكون قبيلته تواضعت في ذلك المعنى على "ذينك اللفظين"4؛ لأن العرب قد تفعل ذلك للحاجة إليه في أوزان أشعارها وسعة تصرف أقوالها. وقد يجوز أن تكون لغته في الأصل إحداهما ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى وطال بها5 عهده وكثر "استعماله لها"6، فلحقت -لطول7 المدة واتصال استعمالها- بلغته الأولى 8. وإن كانت إحدى اللفظتين9 أكثر في كلامه من صاحبتها فأخلق الحالين به في ذلك أن تكون القليلة في الاستعمال هي المفادة والكثيرته10 هي الأولى الأصلية. نعم وقد يمكن في هذا أيضًا أن تكون القلي منهما إنما قلت في استعماله لضعفها في نفسه وشذوذها عن قياسه وإن كانتا جميعًا لغتين له ولقبيلته. وذلك

_ 1 يقال: سكر طبرزل. وهو السكر الأبيض الصلب. واللفظ معرب عن الفارسية. وانظر معرب الجواليقي 288. 2 كذا في أوفي ش "أما ما اجتمعت". 3 كذا في أوفي ش، ب: "فصاعدا". 4 كذا في أ، ج والمزهر 1/ 155، وفي ش، ب: "ذينك اللفظتين". 5 كذا في أ، ب والمزهر 1/ 155، وفي ش: "به". 6 كذا في المزهر 1/ 155، وفي أصول الخصائص: "لها استعماله". 7 كذا في أ، ب. وفي ش: "أطول". 8 كذا في أوالمزهر. وفي سائر الأصول: "الأخرى". 9 كذا في أوفي ش، ب: "اللغتين". 10 كذا في أ. وفي ش، ب والمزهر 1/ 156: "الكثرة".

أن من مذهبهم أن يستعملوا من اللغة ما غيره أقوى في القياس منه؛ ألا ترى إلى حكاية أبي العباس عن عمارة قراءته {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} 1 بنصب النهار وأن أبا العباس قال له 2: ما أردت؟ فقال: أردت "سابقٌ النهار " قال أبو العباس فقلت له: فهلا قلته فقال: لو قلته لكان أوزن أي أقوى. فهذا يدلك3 على أنهم قد يتكلمون بما غيره عندهم4 أقوى منه، "وذلك"5 لاستخفافهم الأضعف إذ لولا ذلك لكان الأقوى أحق وأحرى كما أنهم لا يستعملون المجاز إلا لضرب من المبالغة إذ لولا ذلك لكانت الحقيقة أولى من المسامحة. "6وإذا كثر على المعنى الواحد ألفاظ مختلفة فسمعت في لغة إنسان واحد فإن أخرى ذلك أن يكون قد أفاد أكثرها أو طرفًا منها من حيث كانت القبيلة الواحدة لا تتواطأ في المعنى الواحد على ذلك كله. هذا غالب الأمر وإن كان الآخر في وجه من القياس جائزًا. وذلك كما جاء عنهم في أسماء الأسد والسيف والخمر وغير ذلك وكما تنحرف الصيغة7 واللفظ واحد نحو قولهم: هي رَغوة اللبن, ورُغوته, ورِغوته, ورُغاوته ورِغاوته ورُغايته. وكقولهم: الذَرُوح8، والذُرُّوح، والذِّرِّيح، والذُرَّاح، والذُرَّح، والذُرنوح، والذُرحرح، والذُرَّحرح، روينا ذلك كله. وكقولهم: جئته من علُ،

_ 1 آية 40 سورة يس. 2 ثبت في ش، ب وسقط في أ. 3 كذا في أ. وفي ش, ب: "يدل". 4 ثبت في ش، ب. وسقط في أ. 5 ثبت في ش، ب وسقط في أ. 6 ما بين التنصيص في أ، وسقط في ش، ب، ج. وهو من هذا الموضع إلى قوله في الصفحة التالية: "كلما كثرت الألفاظ". 7 في أ: "الصنعة"، وقد تبعت هنا ما في المزهر 1/ 156 وما يؤخذ من ج. 8 هو دويبة أعظم من الذباب شيئًا.

ومن عِل, ومن علا, ومن عَلوُ, ومن عَلوَ, ومن عَلو, ومن عُلُوّ, ومن عال, ومن معال. فإذا أرادوا النكرة قالوا: من علٍ. وههنا من هذا ونحوه أشباه له كثيرة "1. وكلما2 كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات لجماعات اجتمعت لإنسان واحد من هَنَّا ومن هَنَّا. ورويت عن الأصمعي قال: اختلف رجلان في الصقر فقال أحدهما: الصقر " بالصاد"، وقال الآخر: السقر "بالسين "؛ فتراضيا بأول وارد عليهما فحكيا له ما هما فيه. فقال: لا أقول كما قلتما؛ إنما هو الزقر. أفلا ترى إلى كل واحد من الثلاثة كيف أفاد في هذه الحال إلى لغته لغتين أخريين معها. وهكذا تتداخل اللغات. وسنفرد لذلك بابًا بإذن الله عز وجل. فقد وضح ما أوردنا بيانه من حال اجتماع اللغتين أو اللغات في كلام الواحد من العرب.

_ 1 انظر هامش "6" من الصفحة السابقة. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "إذا كثر ذلك على".

باب في تركيب اللغات

باب في تركيب اللغات ... باب في تركب 1 اللغات 2: اعلم أن هذا موضع قد دعا أقوامًا ضعف نظرهم وخفت إلى تلقي ظاهر3 هذه اللغة أفهامهم أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم وادعوا أنها موضوعة في أصل اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها وأنسوا ما كان ينبغي أن يذكروه وأضاعوا ما كان واجبًا أن يحفظوه. ألا تراهم كيف ذكروا في الشذوذ ما جاء على فعل يفعل؛ نعم ينعم ودمت تدوم ومت تموت. وقالوا أيضًا فيما جاء من فعل يفعل وليس عينه ولا لامه حرفًا حلقيًّا نحو قلى يقلى وسلا يسلى وجبى يجبى وركن يركن وقنط يقنط. ومما عدوه شاذًّا ما ذكروه من فعل فهو فاعل؛ نحو طهر فهو طاهر, وشعر, فهو شاعر وحمض فهو حامض وعقرت المرأة فهي عاقر ولذلك نظائر كثيرة. واعلم3 أن أكثر ذلك وعامته إنما هو لغات تداخلت فتركبت4، على ما قدمناه في الباب الذي هذا الباب يليه. هكذا ينبغي أن يعتقد وهو أشبه بحكمة العرب. وذلك أنه قد دلت الدلالة على وجوب مخالفة صيغة الماضي لصيغة المضارع, إذ الغرض في صيغ هذه المثل إنما هو لإفادة الأزمنة فجعل لكل زمان مثال مخالف لصاحبه وكلما ازداد الخلاف كانت في ذلك قوة الدلالة على الزمان. فمن ذلك أن جعلوا بإزاء حركة فاء الماضي سكون فاء المضارع وخالفوا بين عينيهما فقالوا: ضرب يضرب وقتل يقتل وعلم يعلم. فإن قلت: فقد قالوا: دحرج يدحرج فحركوا فاء المضارع والماضي جميعًا وسكنوا عينيهما أيضًا قيل: لما فعلوا ذلك في الثلاثي الذي هو أكثر استعمالا وأعم تصرفًا وهو كالأصل للرباعي لم يبالوا ما فوق ذلك مما جاوز الثلاثة. وكذلك أيضًا قالوا: تقطع يتقطع وتقاعس يتقاعس وتدهور يتدهور ونحو ذلك لأنهم أحكموا الأصل الأول الذي هو الثلاثي. فقل حفلهم بما وراءه؛ كما أنهم لما أحكموا أمر المذكر في التثنية، فصاغوها على ألفها, لم يحفلوا بما عرض

_ 1 كذا في أ. وفي شن ب: "تركيب". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "اللغة". 3 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 4 كذا في أ. وفي، ب: "فاعلم". 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "تركت".

في المؤنث من اعتراض علم التأنيث بين الاسم وبين ما هو مصوغ عليه من علمها نحو قائمتان وقاعدتان. فإن قلت: فقد نجد في الثلاثي ما تكون حركة عينيه في الماضي والمضارع, سواء وهو باب فعل؛ نحو كرم يكرم, وظرف يظرف. قيل: على كل حال فاؤه في المضارع ساكنة وأما موافقة حركة عينيه1 فلأنه ضرب قائم في الثلاثي؛ برأسه ألا تراه غير متعد البتة وأكثر باب فعَل وفعِل متعد. فلما جاء هذا مخالفًا لهما -وهما أقوى وأكثر منه- خولف بينهما وبينه, فووفق بين حركتي عينيه وخولف بين حركتي عينيهما. وإذا ثبت وجوب خلاف صيغة الماضي صيغة المضارع وجب أن يكون ما جاء من نحو سلا يسلى وقلى يقلى "ونحو ذلك"2، مما التقت فيه حركتا عينيه منظورًا في أمره ومحكومًا عليه بواجبه. فنقول: إنهم قد قالوا: قليت الرجل وقليته. فمن قال: قلَيته فإنه يقول أقليه ومن قال قلِيته قال: أقلاه. وكذلك من قال: سلوته قال: أسلوه ومن قال سليته قال: أسلاه ثم تلاقى أصحاب اللغتين فسمع هذا لغة هذا وهذا لغة هذا فأخذ كل واحد منهما من صاحبه ما ضمه إلى لغته فتركبت هناك لغة ثالثة كأن من يقول سلا أخذ مضارع من يقول سلى, فصار في لغته سلا يسلى. فإن قلت: فكان3 يجب على هذا أن يأخذ من يقول سلِى مضارع من يقول سلا فيجيء من هذا أن يقال: سلى يسلو.

_ 1 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "عينه". 2 ثبت هذا في أ، وسقط في ش، ب. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "وكان".

قيل: منع من ذلك أن الفعل إذا أزيل ماضيه عن أصله سرى ذلك في مضارعه وإذا اعتل مضارعه سرى ذلك في ماضيه إذ كانت هذه المثل تجري عندهم مجرى المثال الواحد ألا تراهم1 لما أعلوا "شقي " أعلوا أيضًا مضارعه فقالوا يشقيان: ولما أعلوا "يغزي " أعلوا أيضًا أغزيت ولما أعلوا "قام " أعلوا أيضًا يقوم. فلذلك لم يقولوا: سليت تسلو فيعلوا الماضي ويصححوا المضارع. فإن قيل: فقد قالوا: محوت تمحى وبأوت تبأى وسعيت تسعى ونأيت تنأى فصححوا الماضي وأعلوا المستقبل. قيل: إعلال الحرفين إلى الألف لا يخرجهما كل الإخراج عن أصلهما؛ ألا ترى أن الألف حرف ينصرف إليه عن الياء والواو جميعًا فليس للألف خصوص بأحد حرفي العلة فإذا قلب واحد منهما إليه فكأنه مقر على بابه2؛ ألا ترى أن الألف لا تكون أصلا في الأسماء ولا الأفعال وإنما هي مؤذنة بما هي بدل منه وكأنها هي هو وليست كذلك الواو والياء لأن كل واحدة منهما قد تكون2 أصلا كما تكون3 بدلا. فإذا أخرجت الواو إلى الياء اعتد ذلك؛ لأنك أخرجتها إلى صورة تكون الأصول عليها والألف لا تكون أصلا أبدًا فيهما4، فكأنها هي ما قلبت عنه البتة فاعرف ذلك فإن أحدًا من أصحابنا لم يذكره. ومما يدلك5 على صحة الحال في ذلك أنهم قالوا: غزا يغزو ورمى يرمي، فأعلوا الماضي بالقلب ولم يقلبوا المضارع لما كان اعتلال لام الماضي إنما هو بقلبها ألفًا والألف لدلالتها على ما قلبت عنه كأنها6 هي هو، فكأن لا قلب هناك: فاعرف ذلك.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "ترى". 2 كذا في أوفي غيرها: "بابه الأول". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "يكون". 4 أي في الأسماء والأفعال. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "يدل". 6 الضمير للقصة.

ويدلك على استنكارهم أن يقولوا: سليت تسلو لئلا يقلبوا في الماضي ولا يقلبوا في المضارع أنهم قد جاءوا في الصحيح بذلك لما لم يكن فيه من قلب الحرف في الماضي وترك قلبه في المضارع ما جفا عليهم وهو قولهم: نعِم ينعُم, وفضِل يفضُل. وقالوا في المعتل: مِت تموت ودِمت تدوم وحكي في الصحيح أيضًا حضِر القاضي يحضُره. فنعِم في الأصل ينعَم وينعم في الأصل مضارع نعُم ثم تداخلت اللغتان فاستضاف من يقول نعِم لغة من يقول ينعُم فحدثت هناك لغة ثالثة. فإن قلت: فكان يجب على هذا أن يستضيف من يقول: نعُم مضارع من يقول نعِم فتركب من هذا أيضًا لغة ثالثة وهي نعُم ينعَم. قيل: منع من هذا أن فعُل لا يختلف مضارعه أبدًا وليس كذلك نعِم؛ لأن نعِم قد يأتي فيه ينعِم وينعَم جميعًا فاحتمل خلاف مضارعه, وفعُل لا يحتمل مضارعه الخلاف ألا تراك كيف تحذف فاء وعد في يعد لوقوعها بين ياء وكسرة وأنت مع ذلك تصحح نحو وضؤ ووطؤ إذا قلت: يوضؤ ويوطؤ, وإن وقعت الواو بين ياء وضمة ومعلوم أن الضمة أثقل من الكسرة لكنه لما كان مضارع فعُل لا يجيء مختلفًا لم يحذفوا فاء وضؤ ولا وطؤ ولا وَضُع لئلا يختلف بابٌ ليس من عادته أن يجيء مختلفًا. فإن قلت: فما بالهم كسروا عين ينعِم, وليس في ماضيه إلا نعِم, ونعُم, وكل واحد من فعِل وفعُل ليس له حظ من باب يفعِل. قيل: هذا طريقه غير طريق ما قبله. فإما أن يكون ينعم -بكسر العين- جاء على ماض وزنه فعَل غير أنهم لم ينطقوا به استغناء عنه بنعِم ونعُم كما استغنوا بتَرك عن وَذر وودع وكما استغنوا بملامح عن تكسير لمحة وغير ذلك. أو يكون

فعِل في هذا داخلا على فعُل؛ فكما1 أن فعُل بابه يفعل كذلك شبهوا بعض فعِل به فكسروا عين مضارعه كما ضموا في ظرف عين ماضيه ومضارعه. فنعِم ينعِم في هذا محمول على كرم يكرم كما دخل يفعل فيما ماضيه فعَل نحو قتل يقتل على باب يشرف ويظرف. وكأن باب يفعل إنما هو لما ماضيه فعُل ثم دخلت يفعُل في فعَل على يفعِل لأن ضرب يضرب أقيس من قتل يقتل. ألا ترى أن ما ماضيه فعِل إنما بابه فتح عين مضارعه نحو ركب يركب وشرب يشرب. فكما2 فتح المضارع لكسر الماضي فكذلك أيضًا ينبغي أن يكسر المضارع لفتح الماضي. وإنما دخلت يفعُل في باب فعَل على يفعِل من حيث كانت كل واحدة من الضمة والكسرة مخالفة للفتحة ولما آثروا خلاف حركة عين المضارع لحركة عين الماضي ووجدوا الضمة مخالفة للفتحة خلاف الكسرة لها عدلوا في بعض ذاك إليها فقالوا: قتل يقتل ودخل يدخل وخرج يخرج. وأنا أرى أن يفعل فيما ماضيه3 فَعَل في غير المتعدي أقيس من يفعِل4، فضرب يضرب إذًا أقيس من قتل يقتل وقعد يقعد أقيس من جلس يجلس. وذلك أن يفعل إنما هي في الأصل لما لا يتعدى؛ نحو كرم يكرم, على ما شرحنا من حالها. فإذا5 كان كذلك كان أن يكون في غير المتعدي فيما ماضيه فعَل أولى وأقيس. فإن قيل: فكيف6 ذلك ونحن نعلم أن يفعُل في المضاعف المتعدي أكثر من يفعِل نحو شده يُشدُّه, ومده يمده, وقده يقده, وجزه يجزه, وعزه يعزه،

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما". 3 ثبت هذا اللفظ في ش، ب وسقط في أ. 4 في ش، ب: "يفعل المتعدي". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "وإذا". 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "وكيف".

وأزه يؤزه, وعمه يعمه, وأمه يؤمه, وضمه يضمه, وحله يحله, وسله يسله، وتله يتله. ويفعِل في المضاعف قليل محفوظ، نحو هره1 يهِره، وعله يعِله، وأحرف قليلة. وجميعها يجوز فيه "أفعُله " نحو عله يعله, وهره1 يهره؛ إلا حبه يحبه فإنه مكسور المضارع لا غير. قيل: إنما جاز2 هذا في المضاعف لاعتلاله، والمعتل كثيرًا ما يأتي مخالفًا للصحيح؛ نحو سيد، وميت, وقضاة, وغزاة, ودام ديمومة, وسار سيرورة. فهذا شيء عرض قلنا فيه, ولنعد. وكذلك حالُ قولهم قنط يقنط, إنما هو لغتان تداخلتا. وذلك أن قنَط يقنِط لغة وقنِط يقنَط أخرى, ثم تداخلتا فتركبت لغة ثالثة. فقال من قال قنَط: يقنَط, ولم يقولوا: قنِط يقنِط؛ لأن آخذًا إلى لغته لغة غيره قد يجوز أن يقتصر على بعض اللغة التي أضافها إلى لغته دون بعض. وأما حسب يحسب ويئس ييئس، ويبس ييبس فمشبه3 بباب كرم يكرم على ما قلنا في نعِم ينعِم. وكذلك مِت تموت ودِمت تدوم وإنما تدوم وتموت على من قال مُت ودُمت وأما مِت ودِمت فمضارعهما تمات وتدام قال: يا ميّ4 لا غرو ولا ملاما ... في الحب إن الحب لن يداما

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "هزه يهزه" وما أثبت هو الصواب. 2 كذا في أ، ب، ش، وفي ج: "جاء". 3 كذا في أوفي ش، ب: "فشبه". 4 كذا في أ. وفي ش, ب: "من" وفي الجمهرة 3/ 485 بدل الشطر الأول: ياليل لا عذل ولا ملاما

وقال: بنيَّ1 يا سيدة البنات ... عيشي ولا يؤمن أن تماتي ثم تلاقى صاحبا اللغتين فاستضاف هذا بعض لغة هذا، وهذا بعض لغة هذا، فتركبت لغة ثالثة. قال الكسائي: سمعت من أخوين من بني سليم 2 نما ينمو, ثم سألت بني سليم عنه فلم يعرفوه. وأنشد أبو زيد لرجل من بني عقيل: ألم تعلمي ما ظلت بالقوم واقفا ... على طلل أضحت معارفه قفرا3 فكسروا الظاء في إنشادهم وليس من لغتهم. وكذلك القول فيمن قال: شعر فهو شاعر, وحمض فهو حامض, وخثر فهو خاثر: إنما هي على نحو من هذا. وذلك أنه يقال: خَثُر وخَثَر, وحمُض وحمَض, وشعُر وشعَر وطهُر وطهَر فجاء شاعر وحامض وخاثر وطاهر على حمَض, وشعَر وخثَر وطهَر ثم استغني بفاعل عن "فعيل " وهو في أنفسهم وعلى بال من تصورهم. يدل على ذلك تكسيرهم لشاعر: شعراء لما كان فاعل هنا واقعًا موقع " فعيل " كسر تكسيره ليكون ذلك أمارة ودليلا على إرادته وأنه مغن عنه, وبدل منه كما صحح العواور4 ليكون دليلا على إرادة الياء في العواوير، ونحو ذلك.

_ 1 كذا في أ، ب. وهو ما في اللسان "موت"، وما في الجمهرة 3/ 485، وقال ابن دريد يعد إنشاده: "أراد بنبتي". وفي ش: ينبتي سيدة البنات ويبدو كأنها مصلحة وهو يوافق ما في الصحاح. 2 كذا في أ. وفي ب، ش: "من بني سليم يقولان". 3 هذه رواية البيت كما في أ. وقد ورد في ب، ش: ألم تعلما ما ظلت بالقوم واقفا ... على طلل أضحت معالمه قفرا 4 أي في قوله: وكحل العينين بالعواور وانظر ص196 من هذا الجزء.

وعلى ذلك قالوا: عالم وعلماء -قال سيبويه 1: يقولها من لا يقول عليم- لكنه2 لما كان العلم إنما يكون الوصف به بعد المزاولة له وطول الملابسة صار كأنه غريزة, ولم يكن على أول دخوله فيه ولو كان كذلك لكان متعلمًا لا عالمًا فلما خرج بالغريزة إلى باب فعُل صار عالم في المعنى كعليم فكسر تكسيره ثم حملوا عليه ضده فقالوا: جهلاء كعلماء وصار علماء كحلماء لأنه العلم محلمة لصاحبه, وعلى ذلك جاء عنهم فاحش وفحشاء لما كان الفحش ضربًا من ضروب الجهل, ونقيضًا للحلم أنشد الأصمعي -فيما روينا عنه: وهل علمت فحشاء جهله3 وأما4 غسا5 يفسى, وجبى يجبى, فإنه كأبى يأبى. وذلك أنهم شبهوا الألف في آخره بالهمزة في قرأ يقرأ وهدأ يهدأ. وقد قالوا غسى يغسى فقد يجوز أن يكون غسا يغسى من التركب6 الذي تقدم ذكره. وقالوا أيضًا جبى يجبى وقد أنشد أبو زيد: يا إبلي ماذا مه فتأبِيَهْ فجاء به على وجه القياس, كأتى يأتي. كذا رويناه عنه وقد تقدم7 ذكره، وأنني قد شرحت حال هذا الرجز في كتابي "في النوادر الممتعة".

_ 1 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "من يقولها لا يقول عليم". والذي في سيبويه 2/ 206: " ... وعلماء يقولها من لا يقول إلا عالم". 2 هذا من كلام ابن جني. 3 من رجز لصخير بن عمير في الأصمعيات 58 وبعده: ممغوثة أعراضهم ممرطلة وأورد اللسان هذا الشطر مع آخر في "مغث". 4 كذا في ش، ب، وفي أ: "فأما". 5 يقال: غسا الليل: أظلم. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "التركيب". 7 انظر ص333 من هذا الجزء.

واعلم أن العرب تختلف أحوالها في تلقي الواحد منها لغة غيره, فمنهم من يخف ويسرع1 قبول ما يسمعه، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتة, ومنهم من إذا طال تكرر لغة غيره عليه لصقت به, ووجدت في كلامه, ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل: يا نبيء الله! فقال: "لست بنبيء الله ولكنني نبيّ الله" , وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أنكر الهمز في اسمه فرده على قائله، لأنه2 لم يدر بم سماه, فأشفق أن يمسك على ذلك, وفيه شيء يتعلق بالشرع فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور, أو حاظر مباح. وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحي قال: اجتمع أبو عبد الله ابن الأعرابي وأبو زياد الكلابي على الجسر ببغداد فسأل أبو زياد أبا عبد الله عن قول النابغة الذبياني: على ظهر مبناةٍ3 ... فقال أبو عبد الله 4: النَّطع5, فقال أبو زياد: لا أعرفه, فقال: النطع فقال أبو زياد: نعم أفلا ترى كيف أنكر غير لغته على قرب بينهما.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "يسوغ". 2 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 3 هو من قوله: كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه حصير نمقنه الصوانع على ظهر مبناة جديد سيورها ... يطوف بها وسط اللطيمة بائع والميناة -بفتح الميم وكسرها- تتخذ من الجلد بضم بعضه إلى بعض ويضع عليه التاجر أمنعته، وكانوا يضعون الحصير عليها يطوفون بها لبيعها. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "ابن الأعرابي". 5 يريد أنه سأله عن المبناة ما هي فقال: النطع بفتح النون، فأنكر ذلك إذ كان من لغته النطع بكسر النون، وأورد اللسان القصة في "نطع". 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "تراه".

وحدثني1 أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد عن أبي بكر محمد بن هارون الروياني عن أبي حاتم قال: قرأ علي أعرابي بالحرم: "طيبى لهم وحسن مآب", فقلت: طوبى, فقال: طيبى, قلت: طوبى, قال: طيبى. فلما طال علي الوقت قلت: طوطو, فقال: طي طي. أفلا ترى إلى استعصام هذا الأعرابي بلغته وتركه متابعة أبي حاتم. والخبر المرفوع في ذلك وهو سؤال أبي عمرو أبا خيرة2 عن قولهم: استأصل الله عرقاتهم3, فنصب أبو خيرة التاء من "عِرقاتهم ", فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة لان جلدك 4. وذلك أن أبا عمرو استضعف النصب بعد ما كان سمعها منه بالجر قال: ثم رواها فيما بعد أبو عمرو بالنصب والجر فإما أن يكون سمع النصب من غير أبي خيرة ممن يرضى عربيته وإما أن يكون قوي في نفسه ما سمعه من أبي خيرة من نصبها. ويجوز أيضًا أن يكون قد أقام الضعف في نفسه فحكى النصب على اعتقاده ضعفه, وذلك أن الأعرابي قد ينطق بالكلمة يعتقد أن غيرها أقوى في نفسه منها ألا ترى أن أبا العباس حكى عن عمارة أنه كان يقرأ: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} بالنصب, قال أبو العباس: فقلت له ما أردت؟ فقال: سابقٌ النهارَ, فقلت له فهلا قلته فقال: لو قلته لكان أوزن أي أقوى. وقد ذكرنا هذه الحكاية للحاجة إليها في موضع آخر5، ولا تستنكر إعادة الحكاية, فربما كان في الواحدة عدة أماكن مختلفة يحتاج فيها إليها. فأما قولهم: عقرت فهي عاقر فليس "عاقر " عندنا بجار على الفعل جريان قائم وقاعد عليه، وإنما هو اسم بمعنى النسب بمنزلة امرأة طاهر، وحائض، وطالق.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "حدثنا". وسبقت هذه القصة في ص76 وما بعدها. 2 أبو عمرو: هو ابن العلاء. وأبو خيرة: نهشل بن زيد، "انظر فهرست ابن النديم". 3 جمع عرقة وهي الأصل. 4 يريد أنه طال عهده بالبادية حيث الخشونة والقشف, وأثر فيه الحضر فنال ذلك من فصاحته. وانظر هذه القصة في مجالس ابن حنزاية "المجلس الثاني". 5 انظر ص126، 250 من هذا الجزء.

المجلد الثاني

المجلد الثاني باب في ترك الأخذ عن أهل المدر ك ما أخذ عن أهل الوبر ... بسم الله الرحمن الرحيم باب في ترك الأخذ عن أهل المَدَرِ كما أُخِذَ عن أهل الوبر: علّة امتناع ذلك ما عَرَضَ للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل, ولو عُلِمَ أن أهل مدينةٍ باقون على فصاحتهم1، ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم, لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. وكذلك أيضًا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدَرِ من اضطراب الألسنة وخبالها وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها2، لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يَرِدُ عنها. وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا؛ لأنا لا نكاد نرى بدويًّا فصيحًا. وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغُضّ منه. وقد كان طرأ علينا أحد من يدَّعي الفصاحة البدوية ويتباعد عن الضعفة3 الحضرية فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له, وميزناه تمييزًا حَسُنَ4 في النفوس موقعه،

_ 1 ذكر صاحب القاموس في "عكد" أن باليمن قرب زبيد جبلًا يسمى: عكادا, أهله باقون على اللغة الفصيحة. ويقول السيد مرتضى الزبيدي شارح القاموس: إنهم لا يزالون على ذلك إلى زمنه، وإنهم لا يسمحون للغريب أن يقيم عندهم أكثر من ثلاث ليالٍ خوفًا على لسانهم. والسيد مرتضى كانت وفاته سنة 1205هـ، وله ترجمة واسعة في تاريخ الجبرتي، ويقول ياقوت في معجم البلدان في ترجمة "عكوتان": وجبلًا عكاد فوق مدينة الزرائب, وأهلها باقون على اللغة العربية من الجاهلية إلى اليوم, لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لا يختلطوا بغيرهم من الحاضرة في مناكحتهم، وهم أهل قرار لا يظعنون عنه ولا يخرجون منه. 2 كذا في ش، ب. وفي أ "انتقاص". 3 الضعفة هنا: قلة الفطنة. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "أحسن".

إلى أن أنشدني يومًا شعرًا لنفسه يقول في بعض قوافيه: أشئؤها1، وادأؤها2 "بوزن أشععها وأدععها"3 فجمع بين الهمزتين كما ترى, واستأنف من ذلك ما لا أصل له ولا قياس يسوغه. نعم وأبدل إلى الهمز حرفًا لا حظَّ في الهمز له بضد ما يجب؛ لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما, فكيف أن يقلب إلى الهمز قلبًا ساذجًا عن غير صنعة ما لا حظّ له في الهمز, ثم يحقق الهمزتين جميعًا! هذا ما لا يتيحه قياس ولا ورد بمثله سماع. فإن قلت: فقد جاء عنهم خطائئ ورزائئ, ودريئة4 ودرائئ، ولفيئة5 ولفائئ, وأنشدوا قوله: فإنك لا تدري متى الموت جائئ ... إليك ولا ما يحدث الله في غد6 قيل: أَجَلْ, قد جاء هذا, لكن الهمز الذي فيه عرض عن صحة صنعة, ألا ترى أن عين "فاعل" مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلّا مهموزة نحو: قائم وبائع, فاجتمعت همزة "فاعل" "وهمزة لامه"7 فصححها بعضهم في بعض الاستعمال, وكذلك8 خطائئ وبابها: عرضت همزة "فعائل" عن وجوب؛ كهمزة سفائن ورسائل،

_ 1 هومضارع شأى القوم: سبقهم، وصوابه: أشآها. 2 بالذال المهملة في معظم الأصول، وفي م: "أذاؤها", والأول من دأرت للصيد إذا ختلته، وكأنه حذف التيار، والثاني من ذأوت الإبل: طردتها وسقتها سوفًا شديدًا وصوابه، أدآها، وأذآها. 3 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ. 4 الدريئة: ما يستتر به عن الصيد ليختل: من بعير وغيره. 5 اللفيئة: البضعة من اللحم لا عظم فيها. 6 قوله: "إليك ولا ما يحدث" كذا في أ، ب. وفي ش: "إليك وماذا تحدث". 7 في الأصول: "ولامه همزة", وعلى هذا "همزة" حال من "لامه", وما أثبته أنسب. 8 كذا في أ، ب. وفي ش: "فكذلك".

واللام مهموزة, فصحَّت في بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين. فأما أشئؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين1, وكيف تكونان أصلين2 وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضًا عن وجوب. فالناطق بذلك بصورة من جرَّ الفاعل أو رفع المضاف إليه, في أنه لا أصل يسوِّغه, ولا قياس يحتمله, ولا سماع ورد به. وما كانت هذه سبيله وجب اطراحه والتوقف عن لغة من أورده. وأنشدني أيضًا شعرًا لنفسه يقول فيه: كأن فاي. . . فقوي في نفسي بذلك بعده عن الفصاحة وضعفه عن القياس الذي ركبه. وذلك أن ياء المتكلم تكسر3 أبدًا ما قبلها, ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستة بالياء نحو: مررت بأخيك وفيك. فكان قياسه أن يقول: "كأن فيَّ" بالياء كما يقول: "كأن غلامي". ومثله سواءً ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: كسرت فيّ، ولم يقل "فاي", وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} 4 ولم يقل: إن5 أباي. وكيف يجوز إن أباي بالألف وأنت لا تقول: إن غلامي قائم, وإنما تقول: كأن غلامي بالكسر. فكذلك تقول: "كأن فيّ" بالياء, وهذا واضح. ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله: "كأن فاي" على قوله: كأن فاه, وكأن فاك, وأَنْسى ما توجبه ياء المتكلم من كسر ما قبلها وجعله ياء. فإن قلت: فكان يجب على هذا أن تقول: هذان غلاميّ, فتبدل ألف التثنية ياء لأنك تقول: هذا غلامي فتكسر الميم, قيل: هذا قياس لعمري, غير أنه عارضه قياس أقوى منه فتُرِكَ إليه. وذلك أن التثنية ضرب من الكلام

_ 1 في م: "بأصليتين". 2 في م: "أصليتين". 3 كذا في أ. وفي ش، ب "يكسر". 4 آية: 25 سورة القصص. 5 ثبت هذا الحرف في أ، ب. وسقط في سائر الأصول.

قائم برأسه, مخالف للواحد والجميع1؛ ألا تراك تقول: هذا وهؤلاء, فتبني فيهما, فإذا صرت إلى التثنية جاء مجيء المعرب فقلت: هذان وهذين. وكذلك الذي والذين، فإذا صرت إلى التثنية قلت: اللذان، واللذين. وهذا واضح. وعلى أن هذا الرجل الذي أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن جاءنا مجيئه, وتحلَّى عندنا حليته. فأما ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجمًا وأنزل قدرًا أن يُحْكَى في جملة ما يُثْنَّى2. ومع هذا فإذا كانوا قد رووا3 أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يلحن في كلامه فقال: "أرشدوا أخاكم, فإنه قد ضل"، ورووا4 أيضًا أن أحد ولاة عمر -رضي الله تعالى- عنه كتب إليه كتابًا لحن فيه, فكتب إليه عمر: أن قنع كاتبك سوطًا, وروي من حديث علي5 -رضي الله عنه- مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ: {أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 6 حتى قال الأعرابي: برئت من رسول الله7، فأنكر ذلك عليُّ -رضي الله عنه- ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه: ما لا8 يجهل موضعه, فكان [ما] 9 يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "الجمع". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "ينثي" وما أثبت هو الصواب، ويثني من ثنا الحديث: أشاعه وأظهره. 3 انظر في هذا الحديث كنزل العمال 1/ 151. 4 انظر المزهر في النوع الرابع والأربعين 2/ 246. ويعني بأحد الولاة أبا موسى الأشعري. 5 في تفسير القرطبي 1/ 24، وفي البحر 5/ 6 أن هذه القصة كانت مع عمر -رضي الله عنه، وفي ابن خلكان في ترجمة أبي الأسود. وفي فهرست ابن النديم في صدر المقالة الثانية أن القصة مع أبي الأسود نفسه. 6 الآية: 3 سورة التوبة. 7 يجب أن يكون تتمة الكلام المتروكة، إن برئ الله منه، وفي القرطبي أن الأعرابي قال: أو قد برئ الله من رسوله! فإن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. 8 "ما لا يجهل موضعه" بدل من قوله: "ما رسمه". 9 زيادة يقتضيها السياق خلت منها الأصول.

واستمرَّ فساد هذا الشأن مشهورًا1 ظاهرًا, فينبغي2 أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد إلّا أن تقوى لغته وتشيع فصاحته. وقد قال الفرَّاء في بعض كلامه: إلّا أن تسمع شيئًا من بدوي فصيح فتقوله. وسمعت الشجري أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحلقي في نحو: "يعدو"3 و"هو محموم" ولم أسمعها4 من غيره من عُقَيل, فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته. وما أظن الشجري إلّا استهواه كثرة5 ما جاء عنهم من تحريك الحرف6 الحلقي بالفتح إذا انفتح ما قبله في الاسم على مذهب البغداديين؛ نحو قول كُثَيِّر: له نَعَل لا تطبّي الكلب ريحها ... وإن جُعِلَت وسط المجالس شُمَّتِ7 وقول أبي النجم: وجبلًا طال معدًا فاشمخرَّ ... أشمّ لا يسطِيعه الناس الدّهر8

_ 1 خبر كان في قوله: "فكان ما يروى". 2 جواب الشرط في قوله: "فإن كانوا قد رووا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا إلخ". 3 كذا في أ. وفي ب، ش، ج: "يغدر" وهو يوافق ما في اللسان في "نعل". وقد أورد القصة المؤلف في المحتسب عند الكلام على قوله تعالى في سورة آل عمران: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} قال: "وسمعت الشجري يقول في بعض كلامه: أنا محموم -بفتح الحاء. وقال مرة وقد رسم له الطبيب أن يمص التفاح ويرمي بثغله فقال: إني لأبغي مصَّه وعليته تغذو" فإن كان ما هنا "يغدو، أو يعدو" صحيحًا فقد يجوز أن يكون سمع منه ابن جني كل هذا. 4 في م: "اسمعهما". 5 في م: "أكثر". 6 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "حرف". 7 "جعلت" كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان "نعل": "وضعت" وأطباه: دعاه واستماله، يريد أنها من جلد مدبوغ، فلا يطمع فيها الكلب، وذلك أن الكلب إذا ظفربجلد غير مدبوغ أكله لما فيه من فضلة اللحم. والبيت من قصيدة في مرئية عبد العزيز بن مروان، يصفه برقة نعله وطيب ريحها. وانظر الديوان 2/ 112. 8 قبله: إن لبكر عدد إلّا يحتفر. وانظر المنصف نسخة التيمورية 59.

وهذا قد قاسه الكوفيون, وإن كنا نحن لا نراه قياسًا, لكن مثل "يعدو وهو محموم"1 لم يرو عنهم فيما علمت. فإياك أن تَخْلُد إلى كل ما تسمعه, بل تأمل حال مورده, وكيف موقعه من الفصاحة, فاحكم عليه وله2.

_ 1 ثبت حرف الواو في ش، ب. وسقط في أ. 2 في م: "وله باب" ويبدو أن كلمة "باب" انتقلت في قلم الناسخ من الترجمة الآتية.

باب اختلاف اللغات وكلها حجة

باب اختلاف اللغات وكلها حجة: اعلم أن سعة القياس تبيح1 لهم ذلك ولا تحظره عليهم, ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال "ما" يقبلها2 القياس, ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك؛ لأن لكل واحد من القومين ضربًا من القياس يؤخذ به ويخلد إلى مثله. وليس لك أن تردَّ إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحق بذلك من وسيلتها. لكن غاية مالك في ذلك أن تتخيّر إحداهما فتقويها على أختها, وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد أنسابها. فأما ردّ إحداهما بالأخرى فلا. أوَلا ترى إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "نزل القرآن بسبع لغات كلها كافٍ شافٍ" 3. هذا حكم اللغتين إذا كانتا في الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين أو كالمتراسلتين. فأمَّا أن تَقِلَّ إحداهما جدًّا وتكثر4 الأخرى جدًّا, فإنك تأخذ بأوسعهما رواية وأقواهما قياسًا, ألا تراك لا تقول: مررت بك ولا المال لك, قياسًا على قول قضاعة: المال له ومررت به, ولا تقول أكرمتُكِش ولا "أكرمتكس"7 قياسًا على لغة من قال: مررت بكش, وعجبت منكِس.

_ 1 في م: "تنيح". 2 في م: "يمليها". 3 ورد أصل هذا الحديث في حديث طويل في البخاري في كتاب فضائل القرآن. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "أو". 5 كذا في ب، ج. وسقط هذا في أ.

حدَّثنا أبو بكر محمد بن الحسن, عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال 1: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم, وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن, وتضجع قيس، وعجرفية ضبة, وتلتلة بهراء. فأما عنعنة تميم فإنَّ تميمًا تقول في موضع أن: عن, تقول 2: عنَّ عبد الله قائم. وأنشد3 ذو الرمة عبد الملك: أعَنْ ترسّمت من خرقاء منزلة4 قال الأصمعي: سمعت5 ابن هرمة6 ينشد هارون الرشيد 7: أعَنْ تغنَّت على ساقٍ مطوَّقةٌ ... وَرْقَاءُ تدعو هديلًا فوق أعوادِ وأما تلتلة بهراء فإنهم يقولون: تِعلمون وتِفعلون وتِصنعون -بكسر أوائل الحروف8. وأما9 كشكشة ربيعة فإنما يريد قولها مع كاف ضمير المؤنث: إنكش ورأيتكش وأعطيتكش؛ تفعل هذا في الوقف، فإذا وصلت أسقطت الشين.

_ 1 هذا الخبر في مجالس ثعلب 100. وانظر الخزانة 4/ 495. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "وتقول". 3 ثبت ما بين القوسين في ش، ب، ج. وسقط في أ. 4 عجزه: "ماء الصبابة من عينيك مسجوم" وهو مطلع قصيدة له في ديوانه 567، وانظر الخزانة 4/ 495. 5 كذا في أ. وفي ش, ب: "قال وسمعت" وما أثبت هو الصواب، فإ، ثعلبًا لم يدرك هارون، وما في ش، ب يوافق ما في المجالس. وقد تعقب هذا محققها الأستاذ عبد السلام هارون, وأورده المؤلف في سرّ الصناعة "حرف العين", وقال في نهاية السند عند "أحمد بن يحيى": "أحسبه عن الأصمعي". 6 في المجالس: "وكان ابن هرمة رُبِّيَ في ديار تميم". 7 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 8 ينتهي هنا ما في المجالس. 9 من قوله: "وأما كشكشة ربيعة" إلى قوله: "وهذا في الوقف دون الوصل". ثبت في أ، وسقط في سائر الأصول.

وأما كسكسة هوازن فقولهم أيضًا: أعطيتكس ومنكس وعنكس, وهذا في الوقف دون الوصل1. فإذا كان الأمر في اللغة المعوّل عليها هكذا, وعلى هذا فيجب أن يقل استعمالها, وأن يتخير ما هو أقوى "وأشيع"2 منها, إلّا أن إنسانًا لو استعملها لم يكن مخطئًا لكلام العرب، لكنه كان يكون مخطئًا لأجود اللغتين. فأمَّا إن احتاج إلى ذلك في شعر أو سجع فإنه مقبول منه، غير منعيّ عليه. وكذلك إن قال: يقول على قياس من لغته كذا كذا, ويقول على مذهب من قال كذا كذا. وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغةٍ من "لغات العرب"3 مصيب غير مخطئ, وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه.

_ 1 هذا من كلام ابن جني، وانظر الخزانة. 2 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 3 في م: "اللغات العربية".

باب في العربي الفصيح ينتقل لسانه

باب في العربي الفصيح ينتقل لسانه: اعلم أن المعمول عليه1 في نحو هذا أن تنظر حال ما انتقل إليه لسانه, فإن كان إنما انتقل من لغته2 إلى لغة أخرى مثلها فصيحة وجب أن يؤخذ بلغته التي انتقل إليها كما يؤخذ بها قبل انتقال لسانه إليها, حتى كأنه إنما3 حضر غائب من أهل اللغة التي صار إليها, أو نطق ساكت من أهلها. فإن4 كانت اللغة التي انتقل لسانه إليها فاسدة لم يؤخذ بها "ويؤخذ بالأولى"5، حتى كأنه لم يزل من أهلها. وهذا واضح.

_ 1 في م: "المعول". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "لغة". 3 الضمير للحال والشأن. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "وإن". 5 زيادة من المزهر 1/ 154, ومن الاقتراح 23 طبع الهند.

فإن قلت: فما يؤمنك أن تكون كما وجدت في لغته فسادًا بعد أن لم يكن فيها فيما علمت1، أن يكون فيها فساد آخر فيما لم تعلمه. فإن أخذت به كنت آخذًا بفاسد2 عَرُوض3 ما حدث فيها من الفساد فيما علمت, قيل: هذا يوحشك من كل لغة صحيحة؛ لأنه يتوجه4 منه أن تتوقف عن الأخذ بها؛ مخافة أن يكون فيها زيغ حادث لا تعلمه الآن، ويجوز أن تعلمه بعد زمان، كما علمت من حال غيرها فسادًا حادثًا لم يكن فيما قبل فيها. وإن اتجه هذا انخرط عليك منه ألّا تطيب نفسًا بلغة وإن كانت فصيحة مستحكمة. فإذا كان أخذك5 بهذا مؤدّيًا إلى هذا رفضته ولم تأخذ به، وعملت على تلقي كل لغة قوية معربة بقبولها واعتقاد صحتها. وألّا توجه ظِنَّة إليها, ولا تسوء رأيًا في المشهود تظاهره من اعتدال أمرها. ذلك كما يُحْكَى6 من أن أبا عمرو استضعف فصاحة أبي خَيْرة لما سأله فقال: كيف تقول: استأصل الله عِرْقَاتهم, ففتح أبو خيرة التاء, فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة؛ لان جلدك! فليس لأحد أن يقول: كما فسدت لغته في هذا ينبغي أن أتوقف عنها في غيره "لما حذرناه"7 قبل ووصفنا. فهذا هو القياس, وعليه يجب أن يكون العمل.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب، م زيادة "فكذلك يمكن" بعد "علمت". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "بفساد". 3 العروض الطريقة؛ تقول: خذ في عروض آخرين الكلام. وللعروض النظير، تقول: هذه المسألة عروض هذه, وكلا المعنيين سائغ هنا، وعلى الأول المعنى: شأن ما حدث، وعلى الثاني غير ما حدث. 4 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "يلزم". 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "بها". 6 انظر في هذه القصة ص 385 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "كما حددنا".

باب في العربي يسمع لغة غيره أيراعيها ويعتمدها أم يلغيها ويطرح حكمها

باب في العربي يسمع لغة غيره, أيراعيها ويعتمدها أم يلغيها ويطرح حكمها؟: أخبرنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان1 عن أبي زيد قال: سألت خليلًا2 عن الذين قالوا: مررت بأخواك, وضربت أخواك, فقال: هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا في ييأس: ياءس, أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها. قال -يعني الخليل-3: ومثله قول العرب من أهل الحجاز: "ياتزن4 وهم ياتعدون, فروا من يوتزن ويوتعدون". فقوله: أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون يريد: أبدلوا الياء في ييأس, والآخر: أبدلوا الياء في أخويك ألفًا, وكلاهما يحتمله القياس ههنا, ألا ترى أنه يجوز أن يريد أنهم أبدلوا ياء أخويك في لغة غيرهم ممن يقولها بالياء وهم أكثر العرب, فجعلوا مكانها ألفًا في لغتهم استخفافًا للألف, فأمَّا في لغتهم هم فلا. وذلك أنهم هم لم ينطقوا قط بالياء في لغتهم فيبدلوها ألفًا ولا غيرها, ويؤكد ذلك عندك أن أكثر العرب يجعلونها في النصب والجرِّ ياء. فلما كان الأكثر5 هذا شاع على أسماع بلحرث6، فراعوه, وصنعوا لغتهم فيه, ولم تكن الياء في التثنية شاذّة ولا دخيلة7 في كلام العرب فيقل الحفل بها, ولا ينسب بَلْحرِثِ إلى أنهم راعوها, أو تخيروا8 للغتهم9 عليها.

_ 1 انظر تصريف المازني، الباب4 "باب الباء والواو اللتين هما فاءان". 2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "الخليل" ويبدو أنها مصلحة من خليلًا. وهو يعني الخليل بن أحمد. 3 كذا في ب، ش، وسقط في أ، ج. 4 في م: "ياتزرون وياتعدون، فزرا من بوتزرون، "ويوتعدون". 5 في م: "الآمر". 6 يريد بني الحارث. وهذا كما يقال في بني العنبر: بلعنبر، وحذف نون "بني " إذا التقى بألف قمرية في أسماء القبائل، قال سيبويه 2/ 430: "وكذا يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، فأمَّا إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك", وبنو الحارث بن كعب قوم من اليمن. 7 في م: "دخيلا". 8 كذا في أ، وفي ش، ب: "ر". 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "لغتهم".

فإن قلت: فلعلَّ الخليل يريد أن من قال: مررت بأخواك, قد كان مرة يقول: مررت بأخويك "كالجماعة"1 ثم رأى "فيما"2 بعد أن قلب هذه2 الياء ألفًا للخفة أسهل عليه وأخف، كما قد2 تجد العربي ينتقل لسانه من لغته إلى لغة أخرى, قيل: إن الخليل إنما أخرج3 كلامه على ذلك مخرج التعليل للغة من نطق بالألف في موضع جرّ التثنية ونصبها, لا على الانتقال من لغة إلى أخرى. وإذا كان قولهم: مررت بأخواك, معللًا عندهم بالقياس, فكان ينبغي أن يكونوا قد سبقوا إلى ذلك منذ أول أمرهم؛ لأنهم لم يكونوا قبلها على ضعف قياس ثم تداركوا أمرهم فيما بعد فقوي قياسهم. وكيف كانوا يكونون في ذلك على ضعف من القياس والجماعة عليه! أفتُجمع كافَّة اللغات على ضعف ونقص حتى ينبغ نابغ منهم فيردَّ لسانه إلى قوة القياس دونهم! نعم ونحن أيضًا نعلم أن القياس مقتضٍ لصحة لغة الكافة, وهي الياء في موضع الجر والنصب, ألا ترى أن في ذلك فرقًا بين المرفوع وبينهما, وهذا هو القياس في التثنية, كما كان موجودًا في الواحد. ويؤكده لك أنَّا نعتذر لهم4 من مجيئهم بلفظ المنصوب في التثنية على لفظ المجرور. وكيف يكون القياس أن تجتمع أوجه الإعراب الثلاثة على صورة واحدة! وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي "سر الصناعة"5 بما هو لاحق بهذا الموضع ومقوله. فقد علمت بهذا أن صاحب لغة قد راعى6 لغة غيره, وذلك لأن العرب وإن كانوا كثيرًا منتشرين, وخلقًا عظيمًا في أرض الله غير متحجرين7

_ 1 كذا في ش، ب، وسقط في أ، وثبت في م بعد قوله: "ثم رأى". 2 كذا في أ. وسقط في ب، ش. 3 في م: "خرج". 4 ثبت في أ، وسقط في سائر الأصول. 5 انظر أواخر الكتاب في حرف الألف اللينة. 6 في م "يراعي". 7 كذا في ش. وفي أ: "متحجزين"، وفي ب غير واضحة.

ولا متضاغطين, فإنهم بتجاورهم1 وتلاقيهم وتزاورهم يجرون مجرى الجماعة في دار واحدة. فبعضهم يلاحظ "صاحبه"2 ويراعي أمر لغته, كما يراعي ذلك من مُهمّ أمره. فهذا هذا. وإن كان الخليل أراد بقوله: تقلب3 الياء ألفًا: أي في ييأس, فالأمر أيضًا عائد إلى ما قدمنا, ألا ترى أنه إذا شبَّه مررت بأخواك, بقولهم: ييأس وياءس, فقد راعى أيضًا في مررت بأخواك لغة من قال: مررت بأخويك. فالأمران4 إذًا صائران إلى موضع واحد. ولهذا نظائر في كلامهم, وإنما أضع منه رسمًا ليرى به غيره بإذن الله. وأجاز أبو الحسن أن يكون كانت العرب قِدْمًا تقول: مررت بأخويك وأخواك جميعًا, إلّا أن الياء كانت أقيس للفرق فكثر استعمالها, وأقام الآخرون على الألف, أو أن يكون الأصل قبله الياء في الجر والنصب, ثم قلبت للفتحة فيها ألفًا في لغة بلحرث بن كعب. وهذا تصريح بظاهر قول الخليل الذي قدمناه. ولغتهم عند أبي الحسن أضعف من "هذا جحر ضب خرب" قال: لأنه قد كثر عنهم الاتباع، نحو: شدّ5 وضرّ6 وبابه, فشبه هذا به. ومن هذا حذف بني تميم ألف "ها" من قولهم "هَلُمَّ" لسكون اللام في لغة أهل الحجاز إذا قالوا "المم", وإن لم يقل ذلك بنو تميم, أو أن يكونوا حذفوا الألف لأن أهل الحجاز حذفوها. " و"7أيًّا ما كان فقد نظر فيه بنو تميم إلى أهل الحجاز.

_ 1 كذا في أ، ج، وفي ش، ب: "بتحاورهم". 2 هذه الزيادة على وفق ما في ح. وقد خلت منها أ، ب، ش. 3 كذا في أ. وفي ب، ش، ج، "فقلب". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "فالأخوان". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "سد". 6 كذا في ج, وفي ش, ب: "ضن" وفي أغير واضحة. 7 زيادة اقتضاها السياق، وقد خلت منها الأصول.

ومن ذلك قول بعضهم في الوقف "رأيت رجلأ" بالهمزة. فهذه الهمزة بدل من الألف في الوقف في لغة من وقف بالألف لا في لغته هو؛ لأن من لغته هو أن يقف بالهمزة1. أفلا تراه كيف راعى لغة غيره فأبدل من الألف همزة.

_ 1 في م: "بالهمز" وانظر في هذه اللغة الكتاب 2/ 285.

باب في الامتناع من تركيب ما يخرج عن السماع

باب في الامتناع من تركيب ما يخرج عن السماع: سألت أبا علي -رحمه الله- فقلت: من أجرى المضمر مجرى المظهر في قوله: "أعطيتكمه"1 فأسكن الميم مستخِفًّا كما أسكنها في قوله: أعطيتكم درهمًا, كيف قياس قوله "على قول الجماعة "2: أعطيته درهمًا إذا اضمر الدرهم على قول الشاعر3: له زجَل كأنه صوت حادٍ ... إذا طلب الوَسِيقة أو زَمير إذا وقع ذلك قافية؟ فقال: "لا يجوز ذلك"5 في هذه المسألة, وإن جاز في غيرها, لا لشيء يرجع إلى نفس حذف الواو من قوله: "كأنه صوت حادٍ" لأن هذا أمر قد شاع عنهم, وتعولمت فيه لغتهم, بل لقرينة انضمّت إليه ليست4 مع ذلك, ألا ترى أنه كان يلزمك على ذلك أن تقول: أعطيتهه خلافًا على قول الجماعة: أعطيتهوه. فإن جعل الهاء الأولى رويًّا والأخرى وصلًا5، لم يجز ذلك؛ لأن الأولى ضمير والتاء متحركة قبلها, وهاء الضمير لا تكون رويًّا إذا تحرك ما قبلها.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 389. 2 هذه العبارة في الأصول، وهي قلقة في هذا المكان، ولو حذفت وضح المراد، وقد يكون الأصل: "على خلاف قول الجماعة". 3 انظر ص372 من الجزء الأول. 4 كذا في أ، وفي ش، ب بدل هذا: "هذا لا يجوز". 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "فصلًا".

فإن قلت: أجعل الثانية رويًّا, فكذلك أيضًا؛ لأن الأولى قبلها متحركة. فإن قلت: أجعل التاء رويًّا والهاء الأولى وصلًا1، قيل: فما تصنع بالهاء الثانية؟ أتجعلها خروجًا؟ هذا محال؛ لأن الخروج لا يكون إلّا أحد الأحرف الثلاثة: الألف والياء والواو. فإذا أدَّاك تركيب هذه المسألة في القافية إلى هذا الفساد وجب ألا يجوز ذلك أصلًا. فأما في غير القافية فشائعة جائزة3. هذا محصول معنى أبي عليّ, فأما نفس لفظه فلا يحضرني الآن حقيقة صورته. وإذا كان كذلك وجب إذا وقع, نحو: هذا قافية أن تراجع فيه اللغة الكبرى, فيقال: أعطيتهوه البتَّة فتكون الواو ردفًا، والهاء بعدها رويًّا "وجاز أن يكون بعد الواو رويًّا"3 لسكون ما قبلها. ومثل ذلك في الامتناع أن تضمر زيدًا من قولك: هذه عصا زيدٍ على قول من قال: وأشرب الماء ما بي نحوه عَطَشٌ ... إلّا لأن عيونه سيلُ واديها4 لأنه كان يلزمك على هذا أن تقول: هذه عصاه, فتجمع بين ساكنين في الوصل، فحينئذ ما تضطر إلى مراجعة لغة من حرَّك الهاء في نحو هذا بالضمة وحدها أو بالضمة والواو، بعدها فتقول: هذه عصاه فاعلم, أو عصا هو فاعلم، على قراءة من قرأ {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} 5 و {فَأَلْقَى عَصَاهُ} 6 ونحوه.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: فصلًا". 2 كذا في أ. وفي ش، ب "فسائغة، وفي ط "فتتابعه جائز". 3 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 4 انظر ص372 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 5 آية: 30 سورة الحاقة. 6 آية 107 سورة الأعراف، وآية 32 سورة الشعراء.

ونحو من ذلك أن يقال لك: كيف تضمر "زيدًا" من قولك: مررت بزيد وعمرو, فلا يمكنك أن تضمره هنا, والكلام على هذا النضد حتى تغيره فتقول: مررت به وبعمرو, فتزيد حرف الجر لما أعقب الإضمار من العطف على المضمر المجرور, بغير إعادة الجار1. وكذلك لو قيل لك: كيف تضمر اسم الله تعالى في قولك: والله لأقومنَّ ونحوه, لم يجز لك حتى تأتي بالباء التي هي الأصل فتقول: به لأقومنَّ, كما أنشده أبو زيد من قول الشاعر 2: ألا نادت أُمامةُ باحتمال ... لتِحزنني فلا بك ما أبالي وكإنشاده أيضًا: رأى برقًا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما3 وكذلك لو قيل لك: أضمر ضاربًا وحده من قولك: هذا ضارب زيدًا, لم يجز؛ لأنه كان يلزمك عليه أن تقول: هذا هو زيدًا, فتعمل المضمر وهذا مستحيل. فإن قلت فقد تقول: قيامك أمسِ حسن، وهو اليوم قبيح، فتعمل4 في اليوم "هو"،

_ 1 كذا في أ. وفي ش: "حرف الجر" وفي ب: "الجر". 2 هو غوية بن سلمى بن ربيعة, من كلمة له في الحماسة، وبعده: فسيرى ما بدالك أو أقيمي فأيا ما أتيت فعن تقال وانظر التبريزي طبعة بولاق 3/ 3. 3 نسبه: أبو زيد في النوادر 146 لعمرو بن يربوع بن حنظلة. وقد أورد فيه قصة مع زوجه الجنيه" السعلاة". وأورد هذا البكري في اللآلي 703, وقد أورد البيت معزوًا نقلًا عن أبي زيد بن دريد في الجمهرة 152، وترى القصة في الحيوان بتحقيق الأستاذ عبد السلام هرون 1/ 186. وقوله: "ولا أغاما" كذا في أصول الخصائص. وفي النوادر: "وما أغاما". 4 هذا على ما يراه المؤلف وشيخه الفارسي والرماني من البصريين, فأما سائر البصريين فيمنعون هذه المسألة؛ والكوفيون يجيزونها. وانظر الأشموني والتصريح في مبحث إعمال المصدر، والارتشاف الورقة 353أ.

قيل: في هذا أجوبة: أحدها أن الظرف يعمل فيه الوهم مثلًا, كذا عهد إلي أبو علي -رحمه الله- في هذا. وهذا لفظه لي فيه البتة. والآخر أنه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه. ولا تقول1 على هذا: ضربك زيدًا حسن وهو عمرًا قبيح؛ لأن الظرف يجوز فيه من الاتساع ما لا يجوز في غيره. وثالث: وهو أنه قد يجوز أن يكون "اليوم" من قولك: قيامك أمس حسن وهو اليوم قبيح, ظرفًا لنفس "قبيح" يتناوله فيعمل فيه. نعم وقد يجوز أن يكون أيضًا حالًا للضمير الذي في قبيح, فيتعلق حينئذ بمحذوف. نعم وقد يجوز أن يكون أيضًا حالًا من هو, وإن تعلق بما العامل فيه قبيح؛ لأنه قد يكون العامل في الحال غير العامل في ذي الحال. نحو قول الله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} 2 فالحال ههنا من الحق, والعامل فيه3 " هو " وحده أو "هو " والابتداء الرافع له. وكلًّا ذينك لا ينصب الحال, وإنما جاز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها, من حيث كانت ضربًا من الخبر, والخبر العامل فيه غير العامل في المخبر عنه. فقد عرفت بذلك فرق ما بين المسألتين4. وكذلك لو قيل لك: أضمر رجلًا من قولك: رب رجلٍ مررت به لم يحز "لأنك تصير"5 إلى أن تقول: ربه مررت به, فتعمل رب في المعرفة. فأما قولهم: ربه رجلًا وربها امرأة, فإنما جاز ذلك لمضارعة هذا المضمر للنكرة؛ إذ كان إضمارًا على غير تقدم ذكر, ومحتاجًا إلى التفسير, فجرى تفسيره مجرى الوصف له.

_ 1 حق هذا أن يربط بالوجه الأول. 2 آية: 91 سورة البقرة. 3 أي: في الحق. 4 هما قولك: هذا هو زيدًا, تريد: هذا ضارب زيدًا، وهي ممنوعة، وقياسك أمس حسن وهو اليوم قبيح، وهذه جائزة عند ابن جني. ومن النحويين من يمنعها كالأول، وانظر ما ذكر آنفًا. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "لأنه يصير".

فلما كان المضمر لا يوصف, ولحق هذا المضمر من التفسير ما يضارع الوصف, خرج بذلك عن حكم الضمير. وهذا واضح. نعم, ولو قلت: ربه مررت به, لوصفت المضمر, والمضمر لا يوصف. وأيضًا فإنك كنت تصفه بالجملة, وهي نكرة, والمعرفة لا توصف بالنكرة. أفلا ترى إلى ما كان يحدث هناك من خبال الكلام وانتقاض الأوضاع. فالزم هذه المحجَّة1. فمتى كان التصرف في الموضع ينقض عليك أصلًا, أو يخالف بك مسموعًا مقيسًا, فألغه ولا تَطُر بجنابه3، فالأمثال واسعة، وإنما أذكر من كل طرفًا يستدل به، وينقاد على وتيرته.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "الحجة". 2 "ولا تطر". يقال: طار بجنابه يطور: قرب ودنا. 3 كذا في ش، ب، وسقط في أ. وفي ج "سمي جبرًا".

باب في الشيء يسمع من العربي الفصيح لا يسمع من غيره

باب في الشيء يسمع من العربّي الفصيح، لا يسمع من غيره: ذلك ما جاء به ابن أحمر في تلك الأحرف المحفوظة عنه. قال أحمد بن يحيى: حدثني بعض أصحابي عن الأصمعي أنه ذكر حروفًا من الغريب فقال: لا أعلم أحدًا أتى بها إلّا ابن أحمر الباهلي. منها: الجَبْر وهو الملك, وإنما سُمِّيَ بذلك1 -أظن- لأنه يجبر بجوده, وهو قوله: اسلم براووقٍ حُبيت به ... وانعم صباحًا أيها الجبر2

_ 1 كذا في ش، ب، وسقط في أ. وفي ج "سمي جبرًا". 2 "أسلم" كذا في أ، ج، وفي ش، ب: "انعم"، وفي التكملة للصاغاني: "اشرب", وقوله: "حبيب" هو من الحباء. وهو كذلك في أ، ب، ج. وهو في ش غير منقوطة, وفي اللسان في جبر: "حبيت على البناء للمفعول. والضبط غير صحيح؛ وصوابه على ما في الج مهرة: حبيت بالبناء تفاعل.

ومنها قوله: "كأس رنوناة" أي: دائمة، وذلك قوله: بنّت عليه الملك أطنأبها ... كأس رنوناة وطِرْفٌ طِمِرّ1 ومنها "الديدبون"، وهو قوله: خلّوا طريق الديدبون وقد ... فات الصبا وتنوزع الفخر2 ومنها "ماريّة" أي: لؤلؤية3، لونها لون اللؤلؤ. ومنها قوله: "البابوس" وهو أعجمي، يعني: ولد ناقته, وذلك قوله: حنَّت قلوصي إلى بابوسها جزعًا ... فما حنينك أم ما أنت والذكر4

_ 1 هو في الحديث عن امرئ القيس بن حجر، وقبله: إن امرأ القيس على عهده ... في إرث ما كان أبوه حجر وبعده: يلهو بهند فوق أنماطها ... وفرتني تسبى إليه وهر وفاعل "بنت" هو "كأس"، و"الملك" مفعول، و"أطنابها" بدل منه، ويرى السيرافي أن "الملك" حال في تأويل مملكًا. وروى "الملك" بالرفع فاعلًَا، وأنت على التأويل بانملكة", وانظر اللسان "رنا"، والسيرافي في التيمورية 2/ 342, والحيوان طبعة السامي 5/ 105. 2 الديدبون، اللهو؛ ومنه قول المعري: كم قطعنا من حندس ونهار ... وكأن الزمان في ديدبون وانظر البلوى 2/ 72, وانظر في البيت اللسان "ددن". 2 كذا، وهذا التفسير أورده للؤلؤان اللون، فقد يكون الأصل: مارية لؤلؤان اللون، كما في البتين الآتيين عن أبي زيد. وفي تفسير المارية أنها البراقة اللون، فقد يجوز أن ينظر إلى هذا, ويفسرها بهذا التفسير إن لم يكن الأصل حذف. 4 هو من قصيدته المدونة في جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، ومطلعها: بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ... لله درك أي العيش تنتظر وانظر اللسان "بيس".

ومنها "الرُّبَّان" وهو العيش1، وذلك قوله: وإنما العيش بربَّانِهِ ... وأنت من أفنانه مقتفر2 ومنها "المأنوسة"3 وهي النار, وذلك قوله: كما تطاير عن مأنوسة الشرر4 قال أبو العباس أحمد بن يحيى أيضًا: وأخبرنا أبو نصر عن الأصمعي قال: من قول ابن أحمر "الحيرم" وهو البقر, ما جاء به غيره5. انتهت الحكاية. وقد6 أنشد أبو زيد: كأنها بنقا العزَّاف طاوية ... لما انطوى بطنُها واخروّط السفر7

_ 1 عبارة اللغة: أول العيش. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "مفتقر", وما أثبته يوافق ما في الأمالي 1/ 245، وقيل هذا البيت. قد بكرت عاذلتي بكرة ... تزعم أني بالصبا مشتهر ومقتفر: واجد ما طلبت, يقال: خرج في إبله فاقتفر آثارها, أي: وجد أثارها فأتبعها، وانظر اللآلي 555، والإصلاح 450. 3 عبارة اللسان "أنس": "ومأنوسة والمأنوسة جميعًا النار" وبه يظهر ما في البيت. 4 صدره. تطايح الطل عن أردافها صعدًا وهو من قصيدته المثبته في جمهرة أشعار العرب على ما أسلفت, وقد اقتصر في اللسان "أنس" على الشطر المستشهد به. 5 أي: في قوله على ما في اللسان "حرم": تبدل أدمًا من ظياء وحيرما 6 زيدت هذه الواو على ما في ج، وقد خلت منها سائر الأصول. 7 "بِنَقَا العزاف" في اللسان في بنس: "من نقا العزاف" والعزاف: رمل من جبال الدهنا, والنقا: القطعة من الرمل تنقاد محدود به، يكتب بالألف والياء، لأنه يقال في تثنيته نقيان ونقوان، وآخروّط السفر: امتدَّ.

مارية لؤلؤان اللون أوّدها ... طل وبنّس عنها فَرْقَد خَصِر1 وقال: الماريّة: البقرة الوحشية. وقوله: بنّس2 عنها, هو من النوم, غير أنه إنما يقال للبقرة. ولم يسند3 أبو زيد هذين البيتين إلى ابن أحمر, ولا هما أيضًا في ديوانه, ولا أنشدهما الأصمعي فيما أنشده من الأبيات التي أورد4 فيها كلماته. وينبغي أن يكون ذلك5 شيئًا جاء به غير ابن أحمر تابعًا له فيه ومتقيلًا أثره. هذا أوفق لقول الأصمعي: إنه لم يأت به غيره من أن يكون قد جاء به غير متّبع أثره. والظاهر أن يكون ما أنشده أبو زيد لم يصل إلى الأصمعي "لا"6 من متبع فيه ابن أحمر, ولا غير متبع. " وجاء في شعر أمية الثغرور, ولم يأت به غيره"7. والقول في هذه الكلم المقدَّم ذكرها وجوب قبولها. وذلك لما ثبتت به الشهادة من فصاحة ابن أحمر. فإمَّا أن يكون شيئًا أخذه عمَّن ينطق بلغة قديمة لم يشارك في سماع ذلك منه, على حد ما قلناه فيمن خالف الجماعة وهو فصيح, كقوله في الذرحرح: الذرّحْرَح ونحو ذلك, وإما أن يكون شيئًا ارتجله ابن أحمر؛

_ 1 لؤلؤان اللون: لونها لون اللؤلؤ، وأودَّها أي: عطفها ورجعها، وكأنه يريد: عطفها نحو كناسها، وروي في اللسان "مرا": "أوردها", وروي في "بنس" كما هنا، يريد أوردها كناسها. والفرقد: ولد البقرة. 2 الذي في الغة أن التبنيس التأخر. والمعنى الذي ذكره ابن جني لا يعرف لغيره كما ذكره ابن سيده. راجع اللسان. 3 في اللسان "بنس" نسبتهما إلى ابن أحمر، وهما في رائيته في جمهرة أشعار العرب, وقد ذكرت آنفًا مطلعها. 4 كذا في أ، وفي ش، ب: "أوردنا". 5 أي: ما ورد في البيتين السابقين. 6 زيادة في م. 7 ما بين القوسين في م، ج. والثغرور: الثغر. جاء في قوله: ... وأبدت الثغرورا. وجاء هذا اللفظ في النسختين: الشينغور, وهو تحريف عمَّا أثبت. وانظر شعراء ابن قتبية 431.

فإن الأعرابي إذا قويت فصاحته وسمت طبيعته تصرَّف وارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به, فقد حكي1 عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظًا لم يسمعاها ولا سُبِقَا إليها. وعلى نحو من هذا قال أبو عثمان: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب. وقد تقدَّم نحو ذلك2, وفي هذا الضرب3 غار أبو علي في إجازته أن تبنى اسمًا وفعلًا وصفة ونحو ذلك من ضرب, فتقول: ضربب زيد عمرًا, وهذا رجل ضربَب, وضرنبي4، ومررت برجل خَرَجَج, وهذا رجل خرجج ودخلخل, وخرجج أفضل من ضربب, ونحو ذلك. وقد سبق5 القول على مراجعتي إياه في هذا المعنى, وقولي له: أفترتجل اللغة ارتجالًا؟ وما كان من جوابه في ذلك. وكذلك إن جاء نحو هذا الذي رويناه عن ابن أحمر عن فصيح آخر غيره كانت حاله فيه حاله. لكن لو جاء شيء من ذلك عن ظنين أو متَّهم أو من لم ترقَ به فصاحته, ولا سبقت إلى الأنفس ثقته, كان مردودًا غير متقبَّل. فإن ورد عن بعضهم شيء يدفعه كلام العرب ويأباه القياس على كلامها, فإنه لا يقنع في قبوله أن تسمعه من الواحد ولا من العدَّة القليلة, إلّا أن يكثر من ينطق به منهم. فإن كثر قائلوه إلّا أنه مع هذا ضعيف الوجه

_ 1 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "يُحْكَى". 2 انظر ص358 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 3 "هذا الضرب" أي: النوع من خصائص العربية, وهو القياس على كلام العرب، ويخيل إليّ أن الأصل: الدرب، وهو الطريق. وقوله: غار هو, من قولهم: غار: أتي الغور، وهو ما انخفض من الأرض، يريد به التعمق في البحث، ويصلح أن يكون عار بالمهملة, أي: ذهب وجاء وتردد، وذهابه ومجيئه هنا ببحثه ونظره. 4 هذا الضبط من ب. وفي أضبطه بضم الأوّل والثالث كقنفذ. 5 انظر ص361 وما بعدها، من الجزء الأول من هذا الكتاب.

في القياس, فإن ذلك مجازه وجهان: أحدهما أن يكون من نطق به لم يُحْكِم قياسه على لغة آبائهم, وإما أن تكون أنت قصَّرت عن استدراك وجة صحته. ولا أدفع أيضًا مع هذا أن يسمع الفصيح لغة غيره مما ليس فصيحًا, وقد طالت عليه وكثر لها استماعه فسرت في كلامه1، ثم تسمعها أنت منه وقد قويت عندك في كل شيء من كلامه غيرها فصاحته, فيستهويك ذلك إلى أن تقبلها2 منه, على فساد أصلها2 الذي وصل إليه منه. وهذا موضع متعب مؤذٍ يشوب النفس، ويشري3 اللبس؛ إلّا أن هذا كأنه متعذر ولا يكاد يقع مثله. وذلك أن الأعرابي الفصيح إذا عدل به عن لغته الفصيحة إلى أخرى سقيمة عافها4 ولم يبهأ بها. سألت مرة الشجري أبا عبد الله ومعه ابن عمٍّ له دونه في فصاحته, وكان اسمع غصنا فقلت لهما: كيف تحقّران "حمراء"؟ فقالا: حميراء. قلت: فسوداء, قالا: سويداء. وواليت من ذلك أحرفًا وهما يجيئان بالصواب, ثم دسست في ذلك "عِلْبَاء" فقال غصن: "عليباء", وتبعه الشجري. فلما همَّ بفتح الباء تراجع كالمذعور ثم قال: آه! عليبيّ ورام الضمة5 في الياء. فكانت تلك عادة له إلّا أنهم أشد استنكارًا لزيغ الإعراب منهم6 لخلاف اللغة؛ لأن بعضهم قد ينطق بحضرته بكثير من اللغات فلا ينكرها7.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "كلامهم". 2 كذا في أ, وسقط هذا الحرف في ش، ب، وقوله: "تقيلها" كذا في ش، ب. وفي أ: "تقبله". وقوله: "على أصلها" كذا في ش. وفي أ، ب: "أصله". 3 أي: يجعله يشرى -بفتح الياء- أي: يلج ويكثر. 4 يقال: بهأ بالشئ: أنس به وأحب قربه. 5 روم الضمة: هو أن يأتي بها في الوقف على المضموم خفية، وهو من أنواع الوقف. 6 كذا في أ، ش، ب. وفي أ: "منه". 7 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "لا ينكرها".

إلا أن أهل الجفاء وقوة الفصاحة يتناكرون خلاف اللغة تناكرهم زيع الإعراب, ألا ترى أن أبا1 مهديّة سمع2 رجلًا من العجم يقول لصاحبه: زوذ, فسأل أبو مهديّة عنها فقيل له: يقول له: اعجَلْ, فقال أبو مهديّة: فهلَّا قال له: حيهلك. فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية. وحدَّثني المتنبي أنه حضرته جماعة من العرب منصرفَهُ من مصر, وأحدهم يصف بلدة واسعة فقال في كلامه: تحير فيها العيون3، قال: وآخر من الجماعة يحي4 إليه سرًّا ويقول له: تحار تحار, والحكايات في هذا المعنى كثيرة منبسطة. ومن بعد فأقوى القياسين أن يقبل ممن شُهِرَت فصاحته ما يورده5, ويحمل أمره على ما عرف من حاله لا على ما عسى أن يكون من غيره. وذلك كقبول القاضي شهادة من ظهرت عدالته, وإن كان يجوز أن يكون الأمر عند الله بخلاف ما شهد به, ألا تراه يمضي الشهادة ويقطع بها وإن لم يقع العلم بصحتها؛ لأنه لم يؤخذ بالعمل بما عند الله, إنما أمر بحمل الأمور على ما تبدو6, وإن كان في المغيب غيره. فإن لم تأخذ بها دخل عليك الشك في لغة من تستفصحه ولا تنكر شيئًا من لغته مخافة أن يكون فيها بعض

_ 1 انظر في هذه القصة وقصة المتنبي ص240 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 2 كذا في ش، ب وفي أ: "لما سمع". ويناسبه سقوط الفاء في "فسأل". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "منها". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "يجيء". والصواب ما أثبت. ويحي من الوحي وهو الرمز والإيماء. 5 كذا في أ: وفي ش، ب: "يورد". 6 كذا في ب، وفي أ، ش: "يبدو".

ما يخفى عليك فيعترض الشك على يقينك, وتسقط بكل اللغات ثقتك. ويكفي من هذا ما تعلمه من بعد لغة حمير من لغة ابني نزار. روينا عن الأصمعي أن رجلًا1 من العرب دخل على ملك "ظفار" -وهي مدينة لهم يجيء منها الجزع الظفاريّ- فقال له الملك: ثِبْ, وثب بالحميرة: اجلس, فوثب الرجل فاندقَّت رجلاه, فضحك الملك وقال: لست عندنا عَرَبيّت2، من دخل ظفار حمّر, أي: تكلّم بكلام حمير. فإذا كان كذلك جاز جوازًا قريبًا كثيرًا أن يدخل من هذه اللغة في لغتنا, وإن لم يكن لها فصاحتنا, غير أنها لغة عربية قديمة.

_ 1 هو زيد بن عبد الله بن دارم، كما في الصاحبي 22. 2 يريد العربية. فوقف على الهاء بالتاء, وكذلك لغتهم, ورواه بعضهم ليس عندنا عربية كعربيتكم, وقد صوبها بها ابن سيده وقال: لأن الملك لم يكن ليخرج نفسه من العرب، وقوله: "عربيت" كذا في أ، وفي ش، ب: "عربية".

باب في هذه اللغة: أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط

باب في هذه اللغة: أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منهابفارط: قد تقدَّم في أول1 الكتاب القول على2 اللغة: أتواضع هي أم إلهام. وحكينا وجوَّزنا فيها الأمرين جميعًا. وكيف تصرفت الحال, وعلى أي الأمرين كان ابتداؤها, فإنها لا بُدَّ أن يكون3 وقع في أول الأمر بعضها, ثم احتيج فيما بعد إلى الزيادة عليه لحضور الداعي إليه, فزيد فيها شيئًا فشيئًا, إلّا أنه على قياس ما كان سبق منها في حروفه وتأليفه وإعرابه المبين عن معانيه لا يخالف الثاني الأول،

_ 1 انظر ص41، من الجزء الأوّل من هذا الكتاب. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "في". 3 كذا في ش. وفي أ: "تكون"، وفي ب غير منقوطة.

ولا الثالث الثاني, كذلك متصلًا متتابعًا1. وليس أحد من العرب الفصحاء إلّا يقول: إنه يحكي كلام أبيه وسلفه, ويتوارثونه2 آخر عن أول, وتابع عن متَّبَع. وليس كذلك أهل الحضر؛ لأنهم يتظاهرون3 بينهم بأنهم قد تركوا وخالفوا كلام من ينتسب إلى اللغة العربية الفصيحة. غير أن كلام أهل الحضر مضاهٍ4 لكلام فصحاء العرب في حروفهم وتأليفهم, إلّا أنهم أخلّوا بأشياء من إعراب الكلام الفصيح. وهذا رأي أبي الحسن وهو الصواب. وذهب إلى أنَّ اختلاف لغات العرب إنما أتاها من قبل أنَّ أول ما وضع منها وضع على خلاف, وإن كان كله مسوقًا على صحة وقياس, ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة للحاجة إليها, غير أنها على قياس ما كان وضع في الأصل مختلفًا, وإن كان كل واحد آخذًا5 من صحة القياس حظًّا. ويجوز أيضًا أن يكون الموضوع الأول ضربًا واحدًا, ثم رأى مَنْ6 جاء مِنْ بعد أن خالف قياس الأوّل إلى قياس ثانٍ جار في الصحة مجرى الأول. ولا يبعد عندي ما قال من موضعين: أحدهما سعة القياس, وإذا كان كذلك جازت فيه أوجه لا وجهان اثنان. والآخر أنه كان يجوز أن يبدأ الأول بالقياس الذي عدل إليه الثاني, فلا عليك أيهما تقدَّم وأيهما تأخّر. فهذا طريق القول على ابتداء بعضها ولحاق بعضها به.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "تابعًا سائغًا". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "يتأرثونه". 3 كذا في أ، ج. وفي ب، ش: "لا يتظاهرون". 4 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "مضاف". 5 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أخذ". 6 كذا في ش، ب. وسقط هذا الحرف في أ، ج.

فأما أي الأجناس الثلاثة تقدَّم -أعني: الأسماء والأفعال والحروف- فليس مما نحن عليه في شيء, وإنما كلامنا هنا: هل وقع جميعها1 في وقت واحد، أم تتالت وتلاحقت قطعة قطعة, وشيئًا بعد شيء, وصدرًا بعد صدر. وإذ قد وصلنا من القول في هذا إلى ههنا, فلنذكر ما عندنا في مراتب الأسماء والأفعال والحروف, فإنه من أماكنه وأوقاته. اعلم أن أبا عليّ -رحمه الله- كان يذهب إلى أن هذه اللغة -أعني: ما سبق منها ثم لحق به ما بعده- إنما وقع كلّ صدر منها في زمان واحد, وإن كان تقدَّم شيء منها على صاحبه, فليس بواجب أن يكون المتقدّم على الفعل الاسم، ولا أن يكون المتقدم على الحرف الفعل؛ وإن كانت رتبة الاسم في النفس من حصة القوة والضعف أن يكون قبل الفعل, والفعل قبل الحرف. وإنما يعني القوم بقولهم: إن الاسم أسبق من الفعل أنه أقوى في النفس، وأسبق في الاعتقاد من الفعل لا في الزمان. فأمّا الزمان: فيجوز أن يكونوا عند التواضع قدّموا الاسم قبل الفعل. ويجوز أن يكونوا قدَّموا الفعل في الوضع2 قبل الاسم، وكذلك الحرف. وذلك أنهم وزنوا حينئذ أحوالهم وعرفوا مصاير أمورهم, فعلموا أنهم محتاجون إلى العبارات عن المعاني, وأنها لا بُدَّ لها من الأسماء والأفعال والحروف, فلا عليهم بأيّها بدءوا, أبالاسم أم بالفعل أم بالحرف؛ لأنهم قد أوجبوا على أنفسهم أن يأتوا بهنّ جُمَع, إذ المعاني لا تستغني عن واحد منهن. هذا مذهب أبي علي, وبه كان يأخذ ويفتي.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "جميعًا". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "الموضع".

وهذا يضيِّق الطريق على أبي إسحاق وأبي بكر في اختلافهما1 في رتبة الحاضر والمستقبل. وكان أبو الحسن يذهب إلى أنّ ما غيّر لكثرة استعماله إنما تصوَّرته العرب قبل وضعه, وعلمت أنه لا بُدَّ من كثرة استعمالها2 إياه فابتدءوا بتغييره، عِلْمًا بأن لا بُدَّ من كثرته الداعية إلى تغييره. وهذا في المعنى كقوله: رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصيَّر آخره أولًا3 وقد كان أيضًا أجاز أن يكون4 قد كانت قديمًا5 معربة, فلما كثرت غُيِّرَت فيما بعد. والقول عندي هو الأول؛ لأنه أدلّ على حكمتها واشهد لها6 بعلمها بمصاير

_ 1 فيرى أبو إسحق الزجاج أن المستقبل أول الأفعال، واحتج لذلك بأن الأفعال المستقبلة تقع بها العدادات ثم توجد فتكون حالًا ثم يمضي عليها الزمان فتكون في الماضي، وتبعه تلميذه الزجاجي، ويرى أبو بكر بن السراج أن الحاضر هو أوّل الأفعال، وقد ساق السيرافي حجة هذا القول، وإن لم ينسبه إلى أبي بكر، وقد نُسِبَ الأول إلى أبي إسحق. ويرى بعض النحاه أن الأصل في الأفعال هو الماضي. وانظر السيرافي 1/ 13 "تيمورية". وانظر في مذهب الزجاجي الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي 1/ 54 طبعة الهند الأولى، وفي المسألة بوجه عام الارتشاف، الورقة 314. 2 كذا في ش، ب. وفي ج: "استعمالهم". وفي أ: "استعماله". وهو خطأ. 3 "أخره"، كذا في أ، ب، ش. وفي ج "غايته". 4 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "تكون", والحديث عمَّا غير لكثرة الاستعمال، وعني به المبنيات وهي ضرب منه. 5 أي: لأن الإعراب وهو الأصل في الأسماء فبناؤها عارض في الرتبة والتقدير، وقد جعل علة بنائها كثرة استعمالها، وذلك أنها صارت لكثرة استعمالها قوالب الكلام, فاقتضى ذلك أن تبقى على صورة واحدة، فكانت مبنية. ولم يرض هذا الكلام ابن الطيب في شرح الاقتراح, فاعترض بأن هذا يقضي بأن يكون كثرة الاستعمال من أسباب البناء ولا قائل به، وابن جني لا يلتزم اصطلاح النحاة ويتكلم على أصل الوضع. 6 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب.

أمرها فتركوا بعض الكلام مبنيًّا غير معرب؛ نحو: أمس وهؤلاء وأين وكيف وكم وإذ, واحتملوا ما لا يؤمن معه من اللبس؛ لأنهم إذا خافوا ذلك زادوا كلمة أو كلمتين, فكان ذلك أخف عليهم من تجشمهم اختلاف الإعراب واتقائهم الزيغ والزلل فيه, ألا ترى أن من لا يعرب فيقول: ضرب أخوك لأبوك, قد يصل باللام إلى معرفة الفاعل من المفعول، ولا يتجشّم1 خلاف الإعراب ليفاد منه المعنى، فإن تخلل2 الإعراب من ضرب إلى ضرب يجري مجرى مناقلة3 الفرس، ولا يقوى على ذلك من الخيل إلّا الناهض الرجيل4، دون الكودن5 الثقيل, قال جرير: من كل مشترفٍ وإن بعد المدَى ... ضَرِمِ الرقاق مناقل الأجرال6 ويشهد للمعنى الأول أنهم قالوا: اُقْتُل, فضموا الأوَّل توقعًا للضمة تأتي من بعد7. وكذلك قالوا: عظاءة وصلاءة وعباءة, فهمزوا مع الهاء توقعًا لما سيصيرون إليه من طرح الهاء, ووجوب الهمز عند العظاء والصلاء والعباء. وعلى ذلك قالوا:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "لم". 2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "تحلل". يريد يتخلل الإعراب تتابعه. من قولهم: تخلله بالريح: طعنه به طعنة إثر أخرى. 3 هي سرعة نقل قوائمه, ويفسرها بعضهم بأن يضع الفرس يده ورجله على غير حجر لحسن نقله في الحجارة. 4 وهو القوي على المشي. 5 هو الهجين غير الأصيل. 6 المشترف: يريد به الفرس العالي الخلق. والرقاق: الأرض الليثة لا رمل فيها. وضرم: متوقد ملتهب، يريد أنه يتوقد نشاطًا وسرعة في الرقاق، ويناقل في الأجرال: يسرع السير فيها, فلا تقع قوائمه على الحجارة، والأجرال جمع الجرل -بالتحريك, وهو المكان الصلب الغليظ. وقوله: "ضرم الرقاق" كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "صرم الرقاق" وهو تحريف. وقبل البيت: إن الجياد بيتن حول خبائنا ... من آل أعوج أو لذي العقال وانظر الديوان نشر الصاوي 468, والنقائض طبع أوروبا 303، واللسان "جرل، نقل". 7 كذا في أ. وسقط في ش، ب.

الشيء منتن, فكسروا أوله لآخره, وهو مُنْحَدر من الجبل, فضموا الدال لضمة1 الراء. وعليه قالوا: هو يجوءك2، وينبؤك, فأثر3 المتوقع لأنه كأنه حاضر. وعلى ذلك قالوا: امرأة شمباء4، وقالوا: العمبر, ونساء شمب, فأبدلوا النون ميمًا مما يتوقّع من مجيء الباء بعدها. وعليه أيضًا أبدلوا الأول للآخر في الإدغام نحو: مرأيت5؟ واذهفّى ذلك5، واصحمطرا5. فهذا كله وما يجري مجراه -مما يطول ذكره- يشهد لأن كل ما يتوقع إذا ثبت في النفس كونه كان كأنه حاضر مشاهد. فعلى ذلك يكونون قدموا بناء نحوكم وكيف وحيث وقبل وبعد, علمًا بأنهم سيستكثرون فيما بعد منها فيجب لذلك تغييرها. فإن قلت: هلَّا ذهبت إلى أن الأسماء أسبق رتبة من الأفعال في الزمان, كما أنها أسبق رتبة منها في الاعتقاد, واستدللت على ذلك بأن الحكمة قادت إليه، إذ كان الواجب أن يبدءوا بالأسماء؛ لأنها عبارات عن الأشياء, ثم يأتوا بعدها بالأفعال التي بها تدخل الأسماء في المعاني والأحوال6، ثم جاءوا فيما بعد بالحروف؛ لأنك تراها لواحق بالجمل بعد تركبها7، واستقلالها بأنفسها نحو: إن زيدًا أخوك, وليت عمرًا عندك, وبحسبك أن تكون كذا؟ 8 قيل: يمنع9 من هذا أشياء: منها

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "بضمة". 2 انظر في هذا وما بعده الكتاب 2/ 255. 3 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "فآثروا". 4 وصف من الشنب, وهو رقة الأسنان وعذوبتها. 5 "مرأيت" يريد: من رأيت. "واذهفى ذلك" يريد: اذهب في ذلك. "واصحمطرا" يريد: اصحب مطرًا. وانظر في هذا الكتاب 2/ 412. 6 كذا في أ، وفي ش، ب "الأفعال". 7 كذا في أ، وفي ش، ب: "تراكبها". 8 كذا في ش، ب. وفي أ: "يكون". 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "تمنع".

وجودك أسماء مشتقة من الأفعال؛ نحو: قائم من قام, ومنطلق من انطلق, ألا تراه يصح لصحته، ويعتل لاعتلاله, نحو: ضرب فهو ضارب, وقام فهو قائم؛ "وناوم فهو مناوم"1. فإذا رأيت بعض الأسماء مشتقًا من الفعل, فكيف يجوز أن يعتقد سبق الاسم للفعل في الزمان, وقد رأيت الاسم مشتقًا منه, ورتبة المشتق منه أن يكون أسبق من المشتق نفسه. وأيضًا فإن المصدر مشتق من الجوهر؛ كالنبات من النبت, وكالاستحجار من الحجر, وكلاهما اسم. وأيضًا فإن المضارع يعتل لاعتلال الماضي, وإن كان أكثر الناس على أن المضارع أسبق من الماضي2، وأيضًا فإن كثيرًا من الأفعال مشتق من الحروف نحو قولهم: سألتك حاجة فلوليت لي, أي: قلت لي: لولا، وسألتك حاجة فلا ليت لي, أي: قلت لي: لا. واشتقوا أيضًا المصدر -وهو اسم- من الحرف, فقالوا: اللالاة واللولاة, وإن كان الحرف متأخرًا في الرتبة عن الأصلين قبله: الاسم والفعل. وكذلك قالوا: سوَّفت الرجل, أي: قلت له: سوف, وهذا فعل -كما ترى- مأخوذ من الحرف. ومن أبيات الكتاب 3: لو ساوفتنا بسوفٍ من تحيّتها ... سوف العيوف لراح الركب قد قنع4 انتصب "سوف العيوف" على المصدر المحذوف الزيادة، أي: مساوفة العيوف.

_ 1 كذا في الأصول. والأقرب: "قاوم فهو مقاوم". 2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب، د، هـ: "اشتق" وهو تحريف. 3 انظر الكتاب 2/ 301. 4 "ساوفتنا" في ج: "سوفتنا". "لراح" كذا في أ، ج. وفي ش، ب، "لكان". "قنع" كذا في أ. وكتب فوق العين: "هو"، وفي ب، ج، ش: "قنعوا". وما أثبت موافق لما في الكتاب، فقد جاء به في أبيات أخر شاهدًا لطريقة لهم في إشاد القوافي، يحذفون الواو والياء اللتين هما علامة المضمر، قال سيبويه بعد البيت: "يريد قنعوا" ولهذا الغرض أثبت في أفوق هذا "عوًا"، ومعنى "ساوفتنا": واعدتنا بسوف أفعل، والعيوف: الكاره والكارهة، يقول: لو وعدتنا بتحية في المستقبل لقنعنا، وإن كانت عازمة على المطل إذ كانت كارهة لذلك. والبيت في اللسان "سوف"، وفيه عزوه لابن مقبل.

وأنا أرى أن جميع تصرف "ن ع م " إنما هو من قولنا في الجواب: نعم. من ذلك النِّعْمة والنَّعْمة والنَّعيم والتَّنْعيم ونَعِمتُ به بالًا, وتنعم القوم والنعمى والنعماء وأنعمت1 به له، وكذلك البقية. وذلك أن "نعم" أشرف الجوابين, وأسرهما للنفس, وأجلبهما للحمد, و"لا" بضدها, ألا ترى إلى قوله: وإذا قلت نَعَم فاصبر لها ... بنجاح الوعد إنَّ الخلف ذمّ2 وقال الآخر: أنشدناه أبو علي: أبي جوده لا البخل واستعجلت به ... نَعَمْ مِن فتى لا يمنع الجوع قاتله3 يُرْوَى بنصب "البخل" وجره, فمن نصبه فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون بدلًا من "لا"؛ لأن "لا" موضوعة للبخل, فكأنه قال: أبي جوده البخل. والآخر: أن تكون "لا" زائدة، حتى كأنه قال: أبي جوده البخل، لا على البدل لكن على زيادة "لا". والوجه هو الأول؛ لأنه قد ذكر بعدها نعم, ونعم لا تزاد, فكذلك4 ينبغي أن تكون "لا" ههنا غير زائدة. والوجه الآخر على الزيادة صحيح أيضًا؛

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 "قلت" كذا في أ، ب، ج. وفي ش "قالت", وما أثبت موافق لما في اللسان في نَعَم. والبيت للمثقَّب العبدي من قصيدة مفضلية. وانظر ابن الأنباري 589. 3 هذا البيت من شواهد المغني في مبحث "لا" وفيه: "الجود" بدل الجوع, وقد نقل السيوطي في شرح شواهد المغني خلافًا في تفسيره, فانظره في ص217 من كتابه، وانظر اللسان في الألف اللينة, ففيه تفسير جيد لابن بري, حاصله أن هذا الرجل يمنح الجوع عند المحتاجين الطعام الذي يقتله، ولا يبخل على الجوع بهذا الذي يقتله. وظهر أن تفسر ابن بري لابن السكيت، نقله عنه البغدادي في شرح شواهد المغني. والبيت لا يعرف قائله. وانظر شواهد المغني المذكور 2/ 190. 4 كذا في ش، ب، وفي أ: "وكذلك".

لجرى ذكر "لا" في مقابلة نعم. وإذا جاز ل"لا" أن تعمل وهي زائدة فيما أنشده أبو الحسن من قوله 1: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إليّ لا مت ذوو أحسابها عُمَرَا2 كان الاكتفاء بلغظها من غير عمل له أولى بالجواز. ومن جره فقال: "لا البخل" فبإضافة "لا" إليه؛ لأن "لا" كما تكون للبخل3 قد تكون للجود أيضًا, ألا ترى أنه لو قال لك إنسان: لا تطعم الناس ولا تقر الضيف ولا تتحمل المكارم, فقلت أنت: "لا" لكانت هذه اللفظة هنا للجود لا للبخل, فلما كانت "لا" قد تصلح للأمرين جميعًا أضيفت إلى البخل لما في ذلك من التخصيص الفاصل بين المعنيين الضدين. فإن قلت: فكيف تضيفها وهي مبنية؟ ألا تراها على حرفين الثاني حرف لين, وهذا أدل شيء على البناء، قيل: الإضافة لا تنافي البناء، بل لو جعلها جاعل سببًا له لكان "أعذر من"4 أن يجعلها نافية له, ألا ترى أن المضاف5 بعض الاسم، وبعض الاسم صوت, والصوت واجب بناؤه. فهذا من طريق القياس, وأما من طريق السماع: فلأنهم قد قالوا: كم رجل "قد"6 رأيت, فكم مبنية وهي مضافة.

_ 1 أي: الفرزدق يهجو عمر بن هبيرة الفزاري, وانظر شرح شواهد العيني في مبحث لا النافية للجنس, والخزانة 2/ 87, والديوان طبع أوربا 180. 2 "إلي لا مت" كذا في أ، ب، ج، وش. وفي الخزانة: "إذا للام" ويريد بعمر ابن هبيرة الفزاري، وهو من عمال سليمان بن عبد الملك، وفزارة ترجع في النسب إلى غطفان. وانظر الخزانة 2/ 87، وديوان الفرزدق طبع أوربا ص180. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "فلقد", وكذا في نقل البغدادي في شواهد المغني. 4 "أعذر" في ج: "أجدر". "من" كذا، في ش، ب، ونقل البغدادي في شواهد المغني. وفي أ "ممن". 5 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "المضافة". 6 كذا في أ، ج. وسقط هذا في ش، ب, وما أثبت موافق لما في شواهد المغني للبغدادي، و"قد" في هذا المقام تبعدكم عن أن تكون استفهامية، بل خبرية.

وقالوا أيضًا: لأضربنَّ أيهم أفضل, وهي مبنية عند سيبويه. فهذا شيء عرض قلنا فيه. ثم لنعد إلى ما كنّا عليه من أن جميع باب "ن ع م " إنما هو مأخوذ من "نعم", لما فيها من المحبة للشيء والسرور به1. فنعمت الرجل, أي: قلت له "نعم", فنعم بذلك بالًا، كما قالوا: بجَّلته, أي: قلت له: "بجل" أي: حسبك حيث انتهيت فلا غاية من بعدك، ثم اشتقوا منه الشيخ البجال، والرجل البجيل. فنعم وبجل كما ترى حرفان, وقد اشتق منهما أحرف كثيرة. فإن قلت: فهلَّا كان نَعَمْ وبَجَلْ مشتقين من النعمة والنعيم, والبجال والبجيل, ونحو ذلك دون أن يكون كل ذلك مشتقًا منهما؟ قيل: الحروف يشتق منها ولا تشتق هي أبدًا. وذلك أنها لما جمدت فلم تتصرف شابهت بذلك أصول الكلام الأُوَل2 التي لا تكون مشتقة "من شيء"3؛ "لأنه ليس قبلها ما تكون فرعًا له ومشتقة منه"4، يؤكد ذلك عندك قولهم: سألتك حاجة فلوليت لي، أي: قلت لي "لولا", فاشتقوا الفعل من الحرف المركب من "لو" و"لا", فلا يخلو هذا أن يكون "لو" هو الأصل، أو "لولا"5 لا يجوز أن يكون "لولا"، لأنه لو كان "لو" محذوفًا منه, والأفعال لا تحذف, إنما تحذف الأسماء نحو: يدٍ ودمٍ وأخٍ وأب, وما جرى مجراه, وليس الفعل كذلك. فأمَّا خذ وكل ومر, فلا يعتدّ إن شئت لقلته, وإن شئت لأنه حذف تخفيفًا في موضع وهو ثابت في تصريف الفعل, نحو: أخذ يأخذ وأخذ وآخذ.

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 ضبطت هكذا وصفًا لأصول. وفي أ: "الأوّل" بزنة الأفعال وصفًا للكلام. 3 كذا في أ، وفي ش، ب: "منه". 4 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في ش، ب. 5 يريد الفعل لولي، والواجب على رسم البصريين كنايته بالياء. وفي ج: "ولا يجوز أن يكون لو ليت هو الأصل".

فإن قلت: فكذلك أيضًا يدٌ ودمٌ وأخٌ وأبٌ وغدٌ وفمٌ, ونحو ذلك, ألا ترى أن الجميع تجده متصرفًا1, وفيه ما حذف منه, وذلك نحو أيدٍ وأيادٍ ويدي2، ودماءٍ ودمي، وأدماءٍ3 والدما في قوله: "فإذا هي بعظام ودمًا"4 وإخوة وأخوة وآخاء وأخوان, وآباء وأبوة وأبوان, وغدوًا5 بلاقع وأفواه وفويه وأفوه وفوهاء وفوه, قيل: هذا كله إن كان قد عاد في كل تصرف منه ما حذف من الكلمة التي هي من أصله, فدل ذلك على محذوفه, فليست الحال فيه كحال خُذْ من أخذ ويأخذ. وذلك أن أمثلة الفعل وإن اختلفت في أزمنتها وصيغها6 فإنها تجري مجرى المثال الواحد، حتى إنه إذا حذف من بعضها شيء عوض منه في مثال آخر من أمثلته، ألا ترى أنهم لما حذفوا همزة يكرم ونحوه عوّضوه منها أن أوجدوها في مصدره, فقالوا: إكرامًا. وكذلك بقية الباب. وليس كذلك الجمع "والواحد"7، ولا التكبير والتصغير "من الواحد"؛ لأنه ليس كل واحد من هذه المُثُل جاريًا مجرى

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "منصرفًا". 2 هذا الضبط بفتح الياء عن ب. واليدى جمع اليد كالعبيد جمع العبد. 3 سقط هذا في ج، ولم أقف عليه في اللسان والقاموس. 4 قبله: كأطوم فقدت برغزها ... أعقبتها الغبس منه عدمًا غفلت ثم أتت ترقبه ... .............. الأطوم: البقرة الوحشية، والبرغز: ولدها، والغبس لذئاب. يشبه جزعه بجزع بقرة عدا الذئاب على ولدها في حين غفلتها. وانظر اللسان "برغز، وأطم", والجمهرة 3/ 484، والمنصف في التيمورية 451. 5 بعض بيت من قصيدة البيد، والبيت بتمامه: وما الناس إلّا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوها بلاقع وانظر اللسان في بلقع، وفي هذه القصيدة البيت المشهور: وما المرء إلّا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع 6 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "صيغتها". 7 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "من الواحد". 8 كذا في أ، ب، ش. وسقط هذا في ج.

صاحبه، فيكون إذا حذف من بعضها شيء ثم وجد ذلك المحذوف في صاحبه كان كأنه فيه, وأمثلة الفعل إذا حذف من أحدها شيء ثم وجد ذلك المحذوف في صاحبه صار كأنه في المحذوف منه نفسه، فكأن لم يحذف منه شيء. فإن قلت: فقد نجد بعض ما حذف في الأسماء موجودًا في الأفعال من معناها ولفظها, وذلك نحو قولهم في الخبر: أخوت عشرة, وأبوت عشرة, وأنشدنا أبو علي عن الرياشيّ: وبِشرةُ يأبونا كأنّ خباءنا ... جَنَاحُ سُمَاني في السماء تطير1 وقالوا أيضًا: يديت2 إليه يدًا وأيديت, ودميت تدمى دميّ, وغدوت عليه, وفهت بالشيء وتفوهت به. فقد استعملت الأفعال3 من هذه الكلم كما استعملت فيما أوردته. قيل: وهذا أيضًا ساقط عنَّا وذلك أنا إنما قلنا: إن هذه المثل من الأفعال تجري مجرى المثال الواحد؛ لقيام بعضها قيام4 بعض, واشتراكها في اللفظ. وليس كذلك أب وأخ ونحوهما, ألا ترى أن أب ليس بمثال من أمثلة الفعل, ولا باسم فاعل, ولا مصدر, ولا مفعول, فيكون رجوع المحذوف منه في أبوت كأنه موجود في أب, وإنما أب من أبوت كَمُدُقّ5 ومكحلة من دقَقَت وكَحَلت. وكذلك القول في أخٍ ويدٍ ودمٍ, وبقية تلك الأسماء. فهذا فرق.

_ 1 "يأبونا" كذا في ج، وهو يوافق ما جاء في اللسان "بشر". وفي أ: "تأتونا" وهو تحريف, وفي ب: "تأبونا" وهذا صحيح إذا كان "بشرة" من أعلام النساء، وفي القاموس "بشر": "وبشرة -بالكسر: جارية عون بن عبد الله، وفرس ماوية بن قيس". 2 أي: أسديت إليه نعمة. 3 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "الأمثال". 4 كذا في أ، ب، ش، وفي ج: "مقام". 5 يريد أنها أسماء صبغت لمعانيها ابتداءً ولم تؤخذ كما تؤخذ أسماء الآلة. وانظر الكتاب 2/ 248.

فقد علمت -بما قدَّمناه وهضبنا1 فيه- قوة تداخل الأصول الثلاثة: الاسم والفعل والحرف وتمازجها, وتقدم بعضها على بعض تارة, وتأخرها عنه أخرى. فلهذا ذهب أبو علي -رحمه الله- إلى أن هذه اللغة وقعت طبقة واحدة؛ كالرقم تضعه على المرقوم, والميسم يباشر به صفحة الموسوم, لا يحكم لشيء منه بتقدم في الزمان, وإن اختلفت بما فيه2 من الصنعة3 القوة والضعف في الأحوال. وقد كثر اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف نحو: هاهيت4، وحاحيت5، وعاعيت6، وجأجأت7، وحأحأت8، وسأسأت9، وشأشأت10. وهذا كثير في الزجر. وقد كانت حضرتني وقتًا فيه نشطة فكتبت تفسير كثير من هذه الحروف في كتاب ثابت في الزجر, فاطلبها في جملة ما أثبته عن نفسي في هذا وغيره.

_ 1 أي: أفضنا فيه وأكثرنا، يقال: هضب في الحديث وأهضب. 2 كذا في ش، ب، وفي أ: "مما". 3 كذا في أ. وفي أ. وفي ش، ب: "الصيغة". 4 أي: زجرت الإبل قائلًا: ها، ها. 5 وهو أيضًا زجر. 6 يقال: ما هي بالغنم زجرها. 7 أي: زجرت الإبل قائلًا: جؤجؤ. 8 حأحأ بالكبش: زجره. 9 يقال في زجر الحمار. 10 هو أيضًا زجر للحمار.

باب في اللغة المأخوذة قياسا

باب في اللغة المأخوذة قياسًا: هذا موضع كأنَّ في ظاهره تعجرفًا, وهو مع ذلك تحت أرجل الأحداث ممن تعلق بهذه الصناعة, فضلًا عن صدور الأشياخ. وهو أكثر من أن أحصيه في هذا الموضع لك, لكني أنبِّهك على كثير من ذلك لتكثر التعجب ممن تعجب منه, أو يستبعد1الأخذ به. وذلك أنك لا تجد مختصرًا من العربية إلّا وهذا المعنى منه في عدة مواضع, ألا ترى أنهم يقولون في وصايا الجمع: إن ما كان من الكلام

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "تستبعد".

على فعلٍ فتكسيره على أفعل, ككلب وأكلب, وكعب وأكعب, وفرخ وأفرخ. وما كان على غير ذلك من أبنية الثلاثي فتكسيره في القلة على أفعال نحو: جبل وأجبال, وعنق وأعناق, وإبل وآبال, وعجز وأعجاز، وربع وأرباع1، وضلع وأضلاع, وكبد وأكباد, وقفل وأقفال, وحمل وأحمال. فليت شعري هل قالوا هذا ليعرف وحده, أو ليعرف هو ويقاس عليه غيره, ألا تراك لو لم تسمع تكسير واحد من هذه الأمثلة بل سمعته منفردًا, أكنت تحتشم من تكسيره على ما كسر عليه نظيره. لا, بل كنت تحمله عليه للوصية التي تقدمت لك في بابه, وذلك كأن يحتاج إلى تكسير الرجز الذي هو العذاب, فكنت قائلًا لا محالة: أرجاز قياسًا على أحمال, وإن لم تسمع أرجازًا في هذا المعنى. وكذلك لو احتجت إلى تكسير عجر من قولهم: وظيف عجر2 لقلت: أعجار قياسًا على يقظ وأيقاظ, وإن لم تسمع أعجارًا. وكذلك لو احتجت إلى تكسير شبع بأن توقعه على النوع لقلت: أشباع, وإن لم تسمع ذلك, لكنك سمعت نطع وأنطاع, وضلع وأضلاع. وكذلك لو احتجت إلى تكسير دمثر لقلت: دماثر, قياسًا على سبطر وسباطر. وكذلك قولهم: إن كان الماضي على فَعَلَ فالمضارع منه على يَفْعُل, فلو أنك على هذا سمعت ماضيًا على فعل لقلت في مضارعه: يفعل, وإن لم تسمع ذلك؛ كأن يسمع3 سامع ضؤل ولا يسمع مضارعه فإنه يقول فيه: يضؤل, وإن لم يسمع ذلك, ولا يحتاج أن يتوقف إلى أن يسمعه؛ لأنه لو كان محتاجًا إلى ذلك لما كان لهذه الحدود

_ 1 هو ولد الناقة ينتج في أول الربيع. 2 أي: صلب شديد؛ ويقال فيه عجز -ككف- أيضًا. 3 كذا في أ، وفي ش، ب: "سمع".

والقوانين التي وضعها المتقدمون "وتقبلوها"1, وعمل بها المتأخرون معنى يفاد, ولا غرض2 ينتحيه الاعتماد, ولكان القوم قد جاءوا بجميع المواضي والمضارعات, وأسماء الفاعلين والمفعولين, والمصادر وأسماء الأزمنة والأمكنة, والآحاد والتثاني3 والجموع, والتكابير والتصاغير, ولما أقنعهم أن يقولوا: إذا كان الماضي كذا وجب أن يكون مضارعه كذا, واسم فاعله كذا, واسم مفعوله كذا, واسم مكانه كذا, واسم زمانه كذا, ولا قالوا: إذا كان المكبَّر كذا فتصغيره كذا, وإذا كان الواحد كذا فتكسيره كذا, دون أن يستوفوا كل شيء "من ذلك"4, فيوردوه لفظًا منصوصًا معينًا لا مقيسًا ولا مستنبطًا كغيره من اللغة التي لا5 تؤخذ قياسًا، ولا تنبيهًا, نحو: دار وباب وبستان وحجر وضبع وثعلب وخزز6؛ لكن القوم بحكمتهم وزنوا كلام العرب فوجدوه على7 ضربين: أحدهما ما لا بُدَّ من تقبله كهيئته لا بوصية فيه ولا تنبيه عليه, نحو: حجر ودار, وما تقدَّم, ومنه ما وجدوه يتدارك بالقياس وتخف الكلفة في علمه على الناس, فقننوه وفصلوه؛ إذ قدروا على تداركه من هذا الوجه القريب المغني عن المذهب الحزن8 البعيد. وعلى ذلك قدم الناس في أول المقصور والممدود ما يتدارك بالقياس والأمارات, ثم أتلوه ما لا بدله من السماع والروايات،

_ 1 كذا في ش، ب. وقد سقط هذا في أ. 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 كذا أثبتها. وفي الأصول: "الثنائي", ولم يظهر لها وجه عندي، والتثاني جمع التثنية. 4 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 5 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 6 هو ذكر الأرانب. 7 كذا في ش، ب. وسقط هذا الحرف في أ. 8 كذا في أ، ب. وفي ش: "الحرف" وهو تحريف.

فقالوا: المقصور من حاله كذا؛ "ومن صفته كذا, والممدود من أمره كذا, ومن سببه كذا, وقالوا في المذكر والمؤنث: علامات التأنيث كذا, وأوصافها كذا"1، ثم لما أنجزوا ذلك قالوا: ومن المؤنث الذي روي2 رواية كذا وكذا. فهذا من الوضوح على ما لا خفاء به. فلما رأى القوم كثيرًا من اللغة مقيسًا منقادًا, وسموه بمواسمه, وغنوا بذلك عن الإطالة والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز. ثم لما تجاوزوا ذلك إلى ما لا بُدَّ من إيراده, ونصَّ ألفاظه التزموا "وألزموا"3 كلفته؛ إذ لم يجدوا منها بدًّا ولا عنها منصرفًا. ومعاذ الله أن ندَّعي أن جميع اللغة تستدرك بالأدلة قياسًا4، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به ونبهنا عليه, كما فعله من قبلنا ممن نحن له متبعون, وعلى مثله5 وأوضاعه حاذون6، فأما هجنة الطبع وكدورة الفكر وخمود النفس7، وخيس8 الخاطر وضيق المضطرب فنحمد الله على أن حماناه, ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه, ويستعملنا به فيما يدني منه, ويوجب الزلفة لديه بمنِّه. فهذا مذهب العلماء بلغة العرب وما ينبغي أن يعمل عليه ويؤخذ به, فأمضه على ما أريناه وحددناه غير هائب له ولا مرتاب به. وهو كثير وفيما جئنا به منه كافٍ.

_ 1 هذا النص يوافق ما في ب، وفي أبدل ما بين القوسين "وعلامات التأنيث كذا, وأوصافها كذا" وتتفق نسختا ب، ش إلى قوله بين القوسين: "وقالوا", وفي ش بعد هذا: "ومن المؤنث الذي فيه علامات التأنيث كذا، أو أوصافه كذا". 2 كذا في أ، وفي ش، ب "يروى". 3 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 4 كذا في ش، ب وفي أ: "وقياسًا". 5 هذا الضبط عن ب. وفي أ "مثله" بكسر فسكون، وكل صحيح. 6 كذا في ش، ب، وفي أ "حادون". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "جمود". 8 أي: كساده ووقوفه.

باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية

باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية: ولنبدأ من ذلك بذكر الثلاثي منفردًا بنفسه ثم مداخلًا لما فوقه. اعلم أن الثلاثي على ضربين: أحدهما ما يصفو ذوقه، ويسقط عنك التشكك في حروف أصله؛ كضرب وقتل وما تصرَّف منهما. فهذا ما لا يرتاب به في جميع تصرفه نحو: ضارب ويضرب ومضروب, وقاتل وقتَّال واقتتل القوم واقتل ونحو ذلك. فما كان هكذا مجردًا1 واضح الحال من الأصول, فإنه يحمي نفسه وينفي الظِنَّة عنه. والآخر أن تجد الثلاثي على أصلين متقاربين والمعنى واحد, فههنا يتداخلان, ويوهم كل واحد منهما كثيرًا من الناس أنه من أصل صاحبه, وهو في الحقيقة من أصل غيره, وذلك كقولهم: شيء رخو ورِخْوَدّ2. فهما -كما ترى- شديدا التداخل لفظًا, وكذلك هما معنًى. وإنما تركيب "رخو" من رخ و3, وتركيب "رخود" من رخ د, وواو "رِخْوَدّ" زائدة, وهو فعول كعلود4 وعسود5، والفاء6، والعين من "رخو" و"رخود" متفقتان7، لكن لاماهما مختلفتان7. فلو قال لك قائل: كيف تحقر "رخودًا" على حذف الزيادة لقلت: رخيد -بحذف الواو وإحدى الدالين, ولو قال لك: كيف تبني من رخو مثل جعفر لقلت "رخوي" ومن "رخود ": رَخْدَدْ؛ أفلا ترى إلى ازدحام اللفظين مع تماس المعنيين؛ وذلك أن

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "مجردة". 2 الرخود اللين. وهو من الرجال: اللين العظام الرخوها. 3 كذا في أ، في ب، ش: "ر خ ود". 4 يقال رجل علود: غليظ الرغبة. 5 رجدل عسود: قوي شديد. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالفاء". 7 كذا في أ، وفي ش، ب "متفقان ... مختلفان" وكل صحيح.

الرخو الضعيف, والرخودّ المتثنيّ والتثني عائد إلى معنى الضعف, فلما كانا1 كذلك أوقعا الشك لمن ضعف2 نظره، وقلَّ3 من هذا الأمر ذات يده. ومن ذلك قولهم: رجل ضيَّاط3، وضيطار3. فقد ترى تشابه الحروف, والمعنى مع ذلك واحد, فهو أشد لإلباسه. وإنما "ضياط" من تركيب "ض ي ط ", وضيطار من تركيب "ض ط ر ". ومنه "قول جرير "4: تعدّون عَقْر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى! لولا الكميّ المقنعا5 فضيّاط يحتمل مثاله ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون فعَّالًا كخياط وربّاط, والآخر أن يكون فيعالًا كخيتام6 وغيداق7، والثالث أن يكون فوعالًا كتوراب. فإن قلت: إن فوعالًا لم يأت صفة, قيل: اللفظ يحتمله وإن كانت اللغة تمنعه. ومن ذلك لوقة8 وألوقة8، وصوص9 وأصوص9، وينجوج10 وألنجوج10 ويلنجوج10 وضيف وضيفن في قول11 أبي زيد. ومن ذلك حية وحواء, فليس حواء من لفظ حيّة كعطَّار من

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "كان". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تضعف" وهو محرف عن يضعف. وفيهما: "وتقل". 3 الضيّاط: العظيم الجنبين، والضيطار يقال لهذا، وللثيم. 4 كذا في ش، ب. وفي أ "قوله". 5 يقال للقوم إذ كانوا لا يغنون غناء: بنو ضوطري. وجريز يهجو بهذا الفرزدق بقومه، وكان غالب أبو الفرزدق باري سحيم بن وثيل الرايحي في عقر النوق تكرمًا في قصة معروفة, وانظر اللسان في ضطر, والنقائض 823، وهو البيت 58 من قصيدته التي أولها: أقمنا وربتنا الديار ولا أرى ... كمربعنا بين الحنيين مربعا 6 هو لغة في الخاتم. 7 من معانيه الكريم، ويقال: شباب غيداق: ناعم. 8 اللوقة والألوفة: طعام طيب يكون من الزيد والرطب. 9 الصوص: البخيل. والأصوص: الناقة الكريمة الموثقة الخلق. وتقول العرب: ناقة أصوص عليها صوص. وإذ كان معنياهما مختلفين كما رأيت لا يكونان من هذا الباب. 10 هو عود طيب الريح يتبخّر به. 11 أي أن يكون ضيفن من ضفن، يقال: ضفن إلى القوم إذا جاء إليهم حتى يجلس معهم، رخص هذا بأبي زيد؛ لأن أيا عبيد وغيره يرون أن الضيفن من مادة الضيف والنون زائدة، وعلى هذا لا يكون الضيف والضيفن متداخلين. وانظر اللسان في ضيف رضيفن.

العطر، وقطّان من القطن، بل حيّة من لفظ "ح ي ي " من مضاعف الياء، وحوّاء من تركيب "ح وى " كشواء وطواء. ويدل على أن الحية من مضاعف الياء ما حكاه صاحب الكتاب1 من قولهم في الإضافة إلى حيَّة بن بهدلة: حَيَويّ. فظهور الياء عينًا في حيوي قد علمنا منه كون العين ياء، وإذا كانت العين ياء واللام معتلة, فالكلمة من مضاعف الياء البتة, ألا ترى أنه ليس في كلامهم نحو حيوت. وهذا واضح. ولولا هذه الحكاية لوجب أن تكون الحية والحواء من لفظ2 واحد؛ لضربين من القياس: أما أحدهما فلأن فعالًا في المعاناة3 إنما يأتي من لفظ المعاني3؛ نحو عطّار من العطر, وعصَّاب من العصب. وأما الآخر فلأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان, ألا ترى أن باب طويت وشويت أكثر من باب حييت وعييت. وإذ كان الأمر كذلك علمت قوة السماع وغلبته للقياس, ألا ترى أن سماعًا واحدًا غلب قياسين اثنين. نعم, وقد يعرض هذا التداخل في صنعة الشاعر فيرى أو يُرِي أنه قد جنَّس4 وليس في الحقيقة تجنيسًا وذلك كقول القطامي: مستحقبين فؤادًا ما له فاد5

_ 1 انظر الكتاب 2/ 72. وحية بن بهدلة قبيلة عربية. 2 يريد من لفظ الحوّاء، وهو مادة حويت. 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "المعاباة ... المعابا"، والمعاناة الشيء: معالجته وملابسته ومباشرته، وترادف هنا النسب. 4 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جانس". 5 صدره: كنية الحي من ذي الغيضة احتملوا وهو من قصيدته التي مطلعها: ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقضي بواقي دينها الطادي يقول فيها: ما للكواعب ودَّعن الحياة كما ... ودعنني واتخذن الشيب ميعادي ثم يقول: كنية الحي....، وكنية الحي: بعده وتحوله عن منتجعه إلى آخر، يقول: ودعنني وبعدن عني كبعد هذا الحي إذ احتملوا من ذي الغيضة، وهو موضع، ويقول: إنهم استحقبوا معهم واحتملوا أسيرًا لا فداء له على الأسر، يعني نفسه وقع أسيرًا لمن سلبت فؤاده من الحي.

ففؤاد من لفظ "ف أد " وفادٍ من تركيب "ف د ى " , لكنهما لما تقاربا هذا التقارب دَنَوَا من التجنيس. وعليه قول الحمصي ّ1: وتسويف العدات من السوافي2 فظاهر هذا يكاد لا يشك أكثر الناس أنه مجنس, وليس هو كذلك. وذلك أن تركيب "تسويف" من "س وف " وتركيب السوافي من "س ف ي "3، لكن لما وجد في كل واحد من الكلمتين سين وفاء4 وواو, جرى في بادي السمع مجرى الجنس الواحد, وعليه قال الطائي الكبير: أَلْحَدٌ حوى حية الملحدين ... ولَدْنُ ثرىً حال دون الثراء 5 فيمن رواه6 هكذا "حوى حية الملحدين" أي: قاتل المشركين, وكذلك قال في آخر البيت أيضًا: ولدن ثرى حال دون الثراء

_ 1 هو عبد السلام بن رغان المعروف بديك الجن. وانظر رسالة الغفران طبع المعارف 383. 2 "العدات" كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "العذاب"؛ وفي رسالة الغفران "الظنون", و"السوافي" جمع السافي، وهو الريح التي تسفي التراب أو هو التراب نفسه، ضربه مثلًا لما يبعث الأذى. والسواف: الهلاك، وقد فسر بهذا في رسالة الغفران. 3 هذا على روايته "السوافي", وأما على رواية رسالة الغفران "السواف" وهو الهلاك, فالمادة للتسويف والسواف واحدة. 4 في غير أبعدها زيادة: "وياء". 5 هذا في مرئية لخالد بن زيد بن مزيد الشيباني, وترى "وألحد" و"لدن" مرفوعين، وهو ما في الديوان. وفي أصول الخصائص "ألحدا" ولدن بنصبهما والوجه ما أثبته، يقول: أيحوى لحد حية الملحدين! يعجب من هذا. والملحدون: الكافرون، وحيتهم: مهلكهم كما يهلك الحية مَنْ لدغه. و"لدن ثرى فاللدن الناعم, وهو من إضافة الصفة للموصوف, أي: أيحول الثري -وهو هنا تراب القبر- دون الغنى والوفر الحالين فيه بحلول المرثي. 6 أي لا فيمن روى: جثة الملحدين, والملحدون في هذه الرواية الذين ألحدوه في قبره ووضعوه في لحده. وهم المشيعون, يقول: هنا جئتنا جميعًا, فكيف يضمنا اللحد! ويقول التبريزي في شرحه: "والصواب هو الرواية الأولى.

فجاء به مجيء التجنيس, وليس على الحقيقة تجنيسًا صحيحًا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان؛ كالعقل والمعقل والعقلة والعقيلة ومعقلة1. وعلى ذلك وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ الثراء على الحقيقة, وذلك أن الثرى -وهو الندى- من تركيب "ث ر ي " لقولهم: التقى3 الثريان. وأما الثراء -لكثرة المال- فمن تركيب "ث ر و "؛ لأنه من الثروة ومنه الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها, فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. ومنه قولهم: ثَرَوْنا بني فلان, نثروهم ثروة, إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان -كما ترى- مختلفان, فلا تجنيس إذًا إلّا للظاهر. وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي في شرح المقصور والممدود عن ابن السكيت, وأنَّ الفراء تسمح3 في ذكر مثل هذا على اختلاف أصوله, وأن عذره في ذلك تشابه اللفظين بعد القلب. ومن ذلك قولهم: عدد طيس4، وطَيْسَل. فالياء في طيس أصل, وتركيبه من "ط ي س ", "وهي"5 في طيسل زائدة, وهو من تركيب "ط س ل ". ومثله الفيشة والفيشلة: حالهما في ذلك سواء. وذهب سيبويه6 في "عنسل" إلى زيادة النون, وأخذها من قوله 7: عسلان الذئب أمسى قاربًا ... برد الليل عليه فنسل

_ 1 المعلقة: "الدية". 2 يقال ذلك إذا جاء المطر فرسخ في الأرض حتى يلتقي هو وندى الأرض. 3 يريد أن القراءة ذكر الثرى والثراء في المقصور والممدود، فالثراء ممدود الثرى، وهما من مادتين مختلفتين، وشرط هذا اتحاد المادة. 4 أي: كثير. 5 زيادة في أ، سقط في ش, ب. 6 انظر الكتاب 2/ 350. وعبارته: "ومما جعلته زائدًا بثبت العنسل؛ لأنهم يريدون العسول، وتراه لم يرود البيت الذي أورده المؤلف، والعنسل الناقة السريعة. 7 أي: لبيد، وقيل: النابغة الجعدي، وانظر اللسان في عسل، وجزم في الجمهرة 1/ 252 بنسبته إلى لبيد، وليس هذا البيت في قصيدة لبيد التي على هذا الروي في الديوان.

وذهب محمد بن حبيب1 في ذلك إلى أنه من لفظ "العنس" وأن اللام زائدة, وذهب بها مذهب زيادتها في ذلك وأولالك, وعبدل وبابه. وقياس قول محمد بن حبيب هذا أن تكون اللام في فيشلة وطيسل زائدة. وما أراه إلّا أضعف القولين؛ لأن زيادة النون ثانية أكثر من زيادة اللام في كل موضع, فكيف بزيادة النون غير ثانية. وهو أكثر من أن أحصره2 لك. فهذه طريق تداخل الثلاثي "بعضه في بعض. فأما تداخل الثلاثي"3 والرباعي لتشابههما في أكثر الحروف فكثير؛ منه قولهم: سبط وسبطر, فهذان أصلان لا محالة, ألا ترى أن أحدًا لا يدعي زيادة الراء. ومثله سواء دمث ودمثر, وحبج4، وحبجر. وذهب أحمد بن يحيى في قوله 5: يردُّ6 قلخًا وهديرًا زغدبًا إلى أن الباء زائدة, وأخذه من زغد البعير يزغد زغدًا في هديره. وقوله: إن الباء زائدة, كلام تمجّه الآذان وتضيق عن احتماله المعاذير7. وأقوى ما يذهب إليه فيه أن يكون أراد أنهما أصلان مقتربان كسبط وسبطر. وإن أراد ذلك أيضًا فإنه قد تعجرف. ولكن قوله في أسكفة8 الباب: إنها من استكفَّ الشيء أي: انقبض أمر

_ 1 حبيب، اسم أمه، فلذلك لا يصرف. وانظر مراتب النحو بين ص157، والبغية 29. 2 كذا في ش، ب، وفي أ: "أحضره". 3 هذا على ما في ج، وقد خلا من هذه الزيادة أ، ب، ش. 4 الحبج: المنتفخ السمين. والحبجر أيضًا: الغليظ، يقال: وتر حبجر. 5 أي: العجاج؛ كما في اللسان في زغدب. وانظر ديوانه 74. 6 "يرد" كذا في أصول الخصائص, وفي اللسان: "يرج"، وفي سر الصناعة "حرف الباء": "يمد" و"قلخان" كذا في أ. وفي ب، ج، ش: "فلجا"، وهو تحريف, والقلخ والزغدب: هدير البعير. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "المعاذر". 8 الأسكفة: عتبة الباب.

لا ينادي1 وليده, وروينا ذلك عنه. وروينا عنه أيضًا أنه قال في "تنور": إنه تَفْعُول من النار, وروينا عنه أيضًا أنه قال: الطَّيْخ: الفساد "قال "2: فهو من تواطخ القوم. وسنذكر ذلك في باب سقطات العلماء بإذن الله. ولكن من الأصلين المتداخلين: الثلاثي والرباعي قولهم: زرم3، وازرأمّ3, وخضل4 واخضأل4، وأزهر وازهأرّ, وضفد5 واضفأد5ّ، وزلم6 القوم، وازلأمّوا6، وزغب الفرخ7 وازلغبّ7. ومنه قولهم: مبلع8 وبلعوم, وحلق وحلقوم, وشيء صلد وصلادم, وسرطم9 وسرواط9. وقالوا للأسد: هرماس, وحدثنا أبو علي عن الأصمعي أنه قال في هرماس: إنه "من الهرس"10. وحدثنا أيضًا أنهم يقولون: لبن قمارص11. وقالوا: دلاص12، ودلامص12، ودمالص12. وأنشد ابن الأعرابي: فباتت تشتوي والليل داج ضماريط آستها في غير نار13 ومن هذا أيضًا قولهم: بعير أشدق وشَدْقَم14.

_ 1 كذا في أ، ج وفي ش، ب: "يبادي". وقوله: أمر لا ينادي وليده, هذا مثل يضرب للشيء الذي ينادى فيه الجلة والعظماء لا الصغار. يريد استنكارًا. رأى ثعلب هذا وأنه ركب أمرًا إدّا. 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 زرم وازرأم: انقطع. 4 خضل واخضأل: ابتل وندي. 5 صفد واصفأد" وفي ج: "صفد واصفاد"، وفي ش: "ضغد واضغأد"، وكل هذا تحريف. 6 زلم القوم وازلأموا: أسرعوا وارتحلوا. 7 زغب وازلغب: طلع ريشه. 8 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بلعم", وما أثبت هو الصواب. 9 السرطم والسرواط: الذي يبتلع كل شيء. وما أثبته هو الصواب؛ إذ يظهر فيه التداخل المطلوب. وفي أ، ج "سرطم وسراطم"، وفي ش, ب: "سوطم وسواطي". وكل هذا تحريف. 10 كذا في أ، وفي ب: "أخذ من الهرس". 11 هو الحامض كالقارص, وكان ينبغي ذكره هذا الوصف ليبين التداخل. 12 الألفاظ الثلاثة في معنى البراق. 12 جاء في اللسان في ضرط البيت هكذا للقضم بن مسلم البكائي: وبيت أمه فأساغ نهسًا ... ضماريط آستها في غير نار وفيه أن ضماريط الآست ما حواليها، كأن الوحد ضمريط أو ضمراط أو ضمروط مشتق من الضرط. ومن هنا كان التداخل الذي يعنيه أبو الفتح. 14 أي: واسع الشدق.

وينبغي أن يكون جميع هذا من أصلين ثلاثي ورباعي, وهو قياس قول أبي عثمان, ألا تراه قال في دلامص: إنه رباعي وافق أكثره حروف الثلاثي؛ كسبط وسبطر, ولؤلؤ ولَّالٍ. فلؤلؤ رباعي ولّال ثلاثي. وقياس مذهب الخليل بزيادة الميم في دلامص أن تكون الميم في هذا كله زائدة, وتكون على مذهب أبي عثمان أصلًا, وتكون الكلم التي اعتقبت هذه الحروف عليها أصلين لا أصلًا واحدًا. نعم وإذا جاز للخليل أن يدَّعي زيادة الميم حشوًا -وهو موضع عزيز عليها- فزيادتها آخرًا أقرب مأخذًا؛ لأنها لما تأخَّرت شابهت بتطرفها أول الكلمة الذي هو معان1 لها ومظنة منها. فقياس قوله في دلامص: إنه فعامل أن يقول في دمالص: فماعل, وكذلك في قمارص, وأن يقول في بلعوم وحلقوم: إنه فعلوم؛ لأن زيادة الميم آخرًا أكثر منها أولًا, ألا ترى إلى تلفيهم2 كل واحد من دلقم3 ودردم4، ودقعم5، وفسحم6، وزرقم, وستهم, ونحو ذلك بزيادة الميم في آخره. ولم نر أبا عثمان خالف في هذا خلافه في دلامص. وينبغي أن يكون ذلك لأن آخر الكلمة مشابه لأولها, فكانت زيادة الميم فيه أمثل من زيادتها حشوًا. فأما ازرأمَّ واضفادّ ونحو ذلك, فلا تكون همزته إلّا أصلًا, ولا تحملها8 على باب شأمل وشمأل لقلة ذلك. وكذلك لام ازلغبَّ هي أحرى أن تكون أصلًا.

_ 1 كذا في أ، ج، وفي ب: "معاذ"، وفي ش: "معاد". والمعان: المباءة، والمنزل. 2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "تلقنهم". 3 من معانيه العجوز المسنة. 4 هي الناقة المسنة. 5 هو التراب، يقال: بفية الدقعم، كما يقال: بفيه التراب. 6 هو الواسع الصدر. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "بزيادة". 8 كذا في أ. وفي ش: "يحملها"، وفي ج: "تحملها". وفي ب غير منقوطة.

ومن الأصلين الثلاثي والرباعي المتداخلين قولهم: قاع قرق1، وقرقر1، وقرقوس1، وقولهم: سلس وسَلْسَلٌ وقَلِقٌ وقَلْقَل. وذهب أبو إسحاق في نحو: قلقل وصلصل وجرجر وقرقر إلى أنه فعفل, وأن الكلمة لذلك ثلاثية, حتى كأن أبا إسحاق لم يسمع في هذه اللغة الفاشية المنتشرة2 بزغد وزغدب, وسبط وسبطر, ودمث ودمثر, وإلى قول العجاج: ركبت أخشاه إذا ما أحبجا3 هذا مع قولهم وتر حبجر للقوي الممتلئ. نعم, وذهب إلى مذهب شاذ غريب في أصل منقاد عجيب, ألا ترى إلى كثرته في نحو زلز وزلزل, ومن أمثالهم: "توقري يازلزه"4 فهذا قريب من قولهم: قد5 تزلزلت أقدامهم إذا قلقت فلم تثبت. ومنه قلق وقلقل، وهوة6 وهوهاءة6، وغوغاءٌ وغوغاءُ؛ لأنه مصروف7 رباعي وغير مصروف ثلاثي. ومنه رجل أدرد8، وقالوا: عض على دردره9، ودردوره10. ومنه صلّ وصلصل, وعجّ وعجعج. ومنه عين ثرة وثرثارة. وقالوا: تكمكم من الكمة11، وحثحثت وحثثت, ورقرقت ورققت, قال الله تعالى:

_ 1 أي: أملس مستو. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: المنقشرة". 3 "أخشاء" أي: أخوفه، والحديث عن المهمة المذكور, قيل في قوله: ومهمه هالك من تعرّجا قوله: "أحبجا" أي: بدا واعترض في قوة وهول, وبهذا يتداخل مع حيجر، وانظر اللسان في حبج وخشي، والديوان 9. والاقتضاب 3، 4. 4 "زلزة" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: زلزلة" وهو خطأ. والزلزة: الطياشة الخفيفة من قولهم: زلز: قلق. 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "مصروف". يريد أنك إذا صرفت "غوغاء" كان أصله غوغا, ومن مضعف الفاء والغين, فأبدلت الواو الأخيرة همزة، فكان كالقمقام, والوجه الآخر أن تجعل الهمزة للتأنيث، فيكون غوغاء كحمراء. وانظر الكتاب 2/ 386. 8 وصف من الدرد، وهو ذهاب الأسنان. 9 الدردر: منبت الأسنان. 10 تراه يعني بالدردور: الدردر, والذي في اللسان والقاموس أن الدردور موضع في وسط البحر يجيش ماؤه، لا تكاد تسلم السفينة منه. 11 هي الفلتسوة المدورة؛ وتكمكم: لبسها.

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} 1 وهذا باب واسع جدًّا, ونظائره كثيرة: فارتكب أبو إسحاق مركبًا وعرًا, وسحب فيه عددًا جمًّا, وفي هذا إقدام وتعجرف. ولو قال ذلك في حرف أو حرفين كما قال الخليل في دلامص, بزيادة الميم؛ لكان أسهل؛ لأن هذا شيء إنما احتمل القول به في كلمة عنده شاذة أو عزيزة النظير. فأما الاقتحام بباب منقاد في مذهب متعاد2 ففيه ما قدمناه, ألا ترى أن تكرير3 الفاء لم يأت به ثبت إلّا في مرمريس, وحكى غير صاحب الكتاب أيضًا مرمريت, وليس بالبعيد أن تكون التاء بدلًا من السين, كما أبدلت منها في ست, وفيما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: يا قاتل الله بني السعلات ... عمرو بن يربوع شرار النات4 غير أعفَّاء ولا أكيات فأبدل السين تاء. فإن قلت: فإنا نجد للمرمريت أصلًا يحتازه إليه وهو المرت5، قيل: هذا هو الذي دعانا إلى أن قلنا: إنه قد يجوز أن تكون التاء في مرمريت بدلًا من سين مرمريس. ولولا أن معنا مَرْتا لقلنا فيه: إن التاء بدل من السين البتة, كما قلنا ذلك في ست والنات وأكيات. فإن قال قائل منتصرًا لأبى إسحاق: لا ينكر أن يأتي في المعتل من الأمثلة ما لا يأتي في الصحيح نحو: سيد وميت, وقضاة ودعاة, وقيدودة وصيرورة وكينونة, وكذلك يجيء في المضاعف ما لا يأتي

_ 1 آية: 94 سورة الشعراء. 2 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "معتاد". 3 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "تكثير". 4 السعلاة: الغول أو ساحرة الجن، جعل أمهم كالغول أو كالساحرة الجنية، وقد كتب "السلعاة" بالتاء المفتوحة مجانسة للغات، وكتب في اللسان في أنس: السعلاة. والنات والأكيات يريد الناس والأكياس. وقد كتب في أقبالة النات س، وتحت التاء في أكيات س للدلالة على أصل الحرف قبل الإبدال. والرجز لعلياء بن أرقم كما في النوادر 104، وزاد ابن دريد في الجمهرة 3/ 33: "أظنه اليشكري", وانظر اللآلي 703. 5 هو المكان لا نبت فيه. 6 كذا في أ، وفي ش، ب: "تنكر".

في غيره من تكرير الفاء. بل إذا كانوا قد كرروها في مرمريت ومرمريس، ولم نر في الصحيح فيعلا ولا فُعَلة في جمع فاعل, ولا فيعلولًا مصدرًا كان ما ذهب إليه أبو إسحاق من تكرير الفاء في المضاعف أولى بالجواز, وأجدر بالتقبل, فهو قول غير أن الأوّل أقوى, ألا ترى أن المضاعف "لا ينتهي"1 في الاعتلال إلى غاية الياء والواو, وأنَّ ما أعلّ منه في نحو: ظلت ومست و"ظنت في ظننت"2، وتقصيت, وتقضَّيت, وتفضَّيت من الفضة, وتسريت من السرية, ليس شيء من إعلال ذلك ونحوه بواجب, بل جميعه لو شئت لصححته, وليس كذلك حديث الياء والواو والألف في الاعتلال, بل ذلك فيها في عام أحوالها التي اعتلت فيها أمر واجب أو مستحسن في حكم الواجب, أعني: باب حاري وطائي وياجل وياءس, وآية في قول3 سيبويه. فإن قلت فقد قرأ الأعمش بعذاب بيئس4، فإنما ذاك لأن الهمزة وإن لم تكن حرف علة فإنها معرضة للعلة, وكثيرة الانقلاب عن حروف العلة5, فأجريت "بيئس" عنده مجرى سيّد وهيّن, كما أجريت التجزئة مجرى التعزية في باب الحذف والتعويض, وتابع أبو بكر البغداديين في أن الحاء الثانية في حثحثت بدل من ثاء, وان أصل حثثت. وكذلك قال في نحو: ثرة،

_ 1 كذا في ش، وفي أ، ب: "لم ينته". 2 كذا في أ، ب. وفي ج: "ظنيت وتظنيت". 3 انظر الكتاب 2/ 388. 4 يريد ابن جني أن بيئسا فيعل -بكسر العين- على هذه القراءة وهو مختص بالمعتل كسيد وميت، ولكن الذي سوّغ ذلك في المهموز وهو قريب من المعتل. وقد وافق الأعمش في هذه القراءة عيسى بن عمر، وعن الأعمش قراءة أخرى بيأس. راجع البحر المحيط 4/ 413. 5 كذا في ش، ب. أ: "حرف".

وثرثارة: إن الأصل فيها ثرّارة, فأبدل من الراء الثانية ثاء فقالوا: ثرثارة. وكذلك طرد هذا الطرد1. وهذا وإن كان عندنا غلطًا لإبدال الحرف مما ليس من مخرجه ولا مقاربًا في المخرج له, فإنه شق آخر من القول. ولم يدع أبو بكر فيه تكرير الفاء, وإنما هي عين أبدلت إلى لفظ الفاء, فأما أن يدعي أنها فاء مكررة فلا. فهذا طريق تزاحم الرباعي مع الثلاثي, وهو كثير جدًّا فاعرفه, وتوقّ حمله عليه أو خَلْطه به, ومِزْ كل واحد منهما عن صاحبه, ووالِهِ دونه, فإن فيه إشكالًا, وأنشدني الشجري لنفسه: أناف على باقي الجمال ودفّفت ... بأنوار عشبٍ مخضئلّ عوازبه2 وأما تزاحم الرباعي مع الخماسي فقليل, وسبب ذلك قلة الأصلين جميعًا, فلمَّا قلَّا قلَّ ما يعرض من هذا الضرب فيهما, إلّا أن منه قولهم: ضبغطى3، وضبغطرى3 وقوله أيضًا: قد دردبت والشيخ دردبيس4 ف"دردبت" رباعي و"دردبيس" خماسي, ولا أدفع أن يكون استكره نفسه على أن بنى من "دردبيس" فعلًا فحذف خامسه؛ كما أنه لو بنى من سفرجل فعلًا عن ضرورة لقال: سفرج.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "الطرز". 2 "مخضئل" كذا في ش، ب، أ. وتزيد أبأن كتب خاج البيت: "مزهرّ" على أنها رواية أخرى. 3 الضبغطي والضبغطري: كلمة يفزع بها الصبيان. 4 قبله: أم عيال قحمة تعوس. والقحمة: المتقدمة في السن. والعوس: الطوفان بالليل، أو إصلاح المعيشة. والدرجبة: الخضوع والذل والدردبيس هنا الفاني من الشيوخ، وانظر اللسان في دردبس.

باب في المثلين: كيف حالهما في الأصلية والزيادة وإذا كان أحدهما زائدا فأيهما هو

باب في "المثلين " 1: كيف حالهما في الأصلية والزيادة، وإذا كان أحدهما زائدًا فأيهما هو؟ : اعلم أنه متى اجتمع معك في الأسماء والأفعال حرف أصل2 ومعه حرفان مثلان لا غير فهما أصلان, متصلين كانا أو منفصلين؛ فالمتصلان نحو: الحفف3، والصدد، والقصص، وصببت وحللت وشددت وددن، ويين4. وأما5 المنفصلان فنحو: دَعْدٍ وتُوتٍ وطوط6، وقلق وسلس. وكذلك إن كان هناك زائد فالحال واحدة نحو: حمام وسمام7، وثالث وسالس؛ روينا عن الفراء قول الراجز: ممكورة غرثي الوشاح السالس ... تضحك عن ذي أشر غضارس8 وكذلك كوكب، ودودح9. وليس من ذلك دؤادم10؛ لأنه مهموز.

_ 1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "أن المثلين". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "أصلي". 3 الخفف: ضيق العيش وشدته. وهو بالمهملة في أ، ب. وفي ش: "الخفف". 4 بين -بالتحريك، ويسكن ثانية: عين أرواد بين ضاحك وضويحك، وقيل: في بلاد خزاعة، وقيل غير ذلك القاموس ومعجم البلدان. 5 كذا في ش، ب، وفي أ: "فأما". 6 من معانيه الحية والقطن. 7 جمع سم. 8 السالس: السلس اللين. و"غضارس" كذا بالغين المعجمة في ش، ب. وفي أ، ج: "مضارس" بالعين المهملة، وكلاهما معناه: بارد عذب، وجاء الشطر الأخير في اللسان "عطمس" مع شطر آخر. 9 في اللسان أن ابن جني ذكر هذا اللفظ ولم يفسره. 10 هكذا يجعل ابن جني هذا الحرف مهموزًا، والذي في اللغة ثاني حروفه واو، ولم يذكروا الهمز، وهو صمغ كالدم يخرج من السمر.

وكذلك إن كان هناك حرفان تسقطهما الصنعة جريًا في ذلك مجرى الحرف الواحد "كألف حمام وسمام وواو وكوكب ودودح"1 وذلك ألندد ويلندد, يوضح ذلك الاشتقاق في ألندد؛ لأنه هو الألدّ. وأما ألنجج فإن2 عدَّة حروفه خمسة، وثالثه نون ساكنة, فيجب أن يحكم بزيادتها فتبقى أربعة, فلا يخلو حينئذ أن يكون مكرر اللام كباب قعدد وشربب3، أو مزيدة في أوله الهمزة كأحمر وأصفر وإثمد. وزيادة الهمزة أولًا أكثر من تكرير4 اللام آخرًا. فعلى ذلك ينبغي أن يكون العمل, فتبقى الكلمة من تركيب "ل ج ج "، "فمثلاها إذن أصلان"5, وكذلك يلنجج؛ لأن الياء في ذلك كالهمزة كما قدمناه. فمثلًا ألنجج ويلنجج أصلان كمثلي ألندد ويلندد. فهذه أحكام المثلين إذا كان معهما أصل واحد في أنهما أصلان لا محالة. فأما إذا كان معك أصلان ومعهما حرفان مثلان, فعلى أضرب: منها أن يكون هناك تكرير على تساوي حال الحرفين. فإذا كانا6 كذلك كانت الكلمة كلها أصولًا, وذلك نحو: قلقل وصعصع7، وقرقر8. فالكلمة إذًا لذلك رباعية. وكذلك إن اتفق الأوّل والثالث واختلف الثاني والرابع, فالمثلان أيضًا أصلان. وذلك نحو: فرفخ9 وقرقل10 وزهزق11 وجرجم12, وكذلك إن اتفق الثاني13 والرابع واختلف

_ 1 كذا في ش، ب. وقد خلت من هذه الزيادة أ. 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "فلأن". 3 هو وادٍ في ديار بني سليم. انظر معجم ياقوت. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "تكثير". 5 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في سائر الأصول. 6 كذا في أ، ب. وفي ش: "كان". 7 كذا في أ، ب. ش وفي ج: "ضعضع", ويقال: صعصع القوم: فرقهم. 8 يقال: قرقر البعير: هدر. 9 هو نبات الرجلة. 10 هو قميص للنساء. 11 أي: أكثر من الضحك. 12 يقال: جرجم الشراب: شربه. 13 يريد الثاني والرابع، والأول والثالث, من الحروف الأصول دون نظر إلى الزوائد.

الأول والثالث نحو كربر1، وقسطاس، وهزنبزان2، وشعلع3، فالمثلان أيضًا أصلان. وكل ذلك أصل رباعي. وكذلك إن اتفق الأول والرابع واختلف الثاني والثالث, فالمثلان أصلان, والكلمة أيضًا من بنات الأربعة. وذلك نحو: قربق4، وصعفصة5، "وسلعوس". وكذلك إن اتفق الأول والثاني، واختلف الثالث والرابع, فالمثلان أصلان والكلمة أيضًا رباعية, وذلك نحو: ديدبون7، وزيزفون 8: هما رباعيان كباب ددن وكوكب في الثلاثة. ومثالهما "فيعلول" كخيسفوج9، وعيضموز10. فهذه حال الرباعي. وكذلك أيضًا إن حصل معك ثلاثة أحرف أصول, ومعها مثلان غير ملتقيين, فهما أيضًا أصلان, وذلك كقولهم: زبعبق11، وشمشليق12، وشفشلق13. فهذه هي الأصول التي يكون فيها المثلان أصلين. وما علمنا أن وراء ما حضرنا وأحضرناه منها مطلوبًا فيتعب بالتماسه وتطلبه. فأما متى يكون أحد المثلين زائدًا فهو أن يكون معك حرفان أصلان من بعدهما حرفان مثلان, فأحدهما زائد. وسنذكر أيهما هو الزائد عقيب الفراغ من تقسيم ذلك. وذلك كمهدد وسردد14، وجلبب، وشملل وصعرر، واسحنكك،

_ 1 في القاموس واللسان أن ابن جني ذكره ولم يفسره، ويقول صاحب القاموس: "وعندي أنه تصحيف , والصواب بالزاي آخره", وهو يريد الكريز وهو القثاء الكبار. وقوله: "كربر" كذا في أ. وفي ش، ب: "يطر". وهو تحريف. 2 هو الوثاب. 3 هو الطويل. 4 هو دكان البقال. 5 هو السكباج، وهو لحم يطبخ بخل. 6 زيادة في ش، ب، ج، وقد خلت منها أ. وسلعوس بلد وراء طرسوس. 7 هو اللهو أو الباطل. وانظر ص24 من هذا الجزء. 8 يقال: ناقة زيزفون: سريعة. 9 من معانية: حب القطن، والخشب البالي. 10 من معانيها: العجوز, والصخر العظيمة. 11 هو السيء الخلق. 12 هي العجوز المسترخية. 13 هي الشمشلبق. 14 هو واد في تهامة.

واقعنسس. وكذلك إن كان معك حرفان أصلان بينهما حرفان مثلان, فأحد المثلين أيضًا زائد. وذلك نحو: سلّم وقلّفٍ1 وكسَّر وقطَّع, وكذلك إن فصل بين المثلين المتأخرين عن الأصلين المتقدمين أو المتوسطين بينهما زائد فالحال واحدة, وذلك نحو: قردود2، وسحتيت3، وصهميم4, وقرطاط5، وصفتات6، "وعثوثل"7، "واعشوشب، واخلولق"8. فهذا حكم المثلين بجيئان مع الأصلين. وكذلك إن جاءا بعد الثلاثة الأصول, وذلك نحو: قفعدد9، وسبهلل، وسبحلل10 وهرشف وعربد11، وقسحب12، وقسقب13، وطرطب14. وكذلك إن التقى المثلان حشوًا وذلك نحو: علكد15، وهلقس16، ودبخس17، وشمخر18، وضمخر19، وهمقع20, وزملق21، وشعلّع، وهملّع22 وعدبّس23 وعجنّس24.

_ 1 هو الغرين إذا يبس. 2 هو ما ارتفع من الأرض وغلظ. 3 كذا في أبالمهملة، وفي ش، ب: "سخنيت"، وكل صحيح. والسحتيت: السويق القليل الدسم، والسختيت: الشديد. 4 من معانيه: السيد الشريف. 5 هو كالبرذعة يوضع تحت السراج. 6 هو الجسيم الشديد. 7 كذا في أ. وسقط في ش، ب. والعثوئل: الفدم العيي. 8 كذا ش، ب. وسقط في أ. 9 القفعدد: القصير. 10 يقال سقاء سبحلل: ضخم. 11 هو الشديد من كل شيء. 12 هو الضخم. 13 هو الضخم. 14 هو الشيء الضخم المسترخي. 15 هو الغليظ الشديد العنق. 16 من معانيه: الجوع الشديد. 17 هو الضخم العظيم الخلق. 18 هو المتكبر. 19 هو المتكبر أيضًا. 20 هو الأحمق. 21 هو من ينزل قبل أن يولج. 22 من معانيه: الذئب. 23 هو الشديد الموثق الخلق من الإبل وغيرها. 24 هو الجمل الضخم.

وكذلك إن حجز بين المثلين زائد. وذلك نحو جلفزيز1، وهلبسيس2، وخربصيص3، وحندقوق4. فهذه الكلم كلها رباعية الأصل, وأحد مثليها زائد. فأما همرّش5 فخماسي, وميمه الأولى نون, وأدغمت في الميم لمَّا لم يخف هناك لَبْس, ألا ترى أنه ليس في بنات الأربعة مثال "جَعْفِر" فيلتبس به همرش. ولو حقَّرت "همرشًا" لقلت "هنيمر" فأظهرت نونها لحركتها. وكذلك لو استكرهت على تكسيرها لقلت "هنامر". ونظير إدغام هذه النون إذا لم يخافوا لبسًا قولهم: امحّى وامّاز وامّاع. ولما لم يكن في الكلام "افَّعَل" علم أن هذا انفعل؛ قال أبو الحسن: ولو أردت مثال انفعل من رأيت ولحزت6 لقلت: ارّأى والَّحَزَ. فإن قلت: فما تقول في مثل عذوّر7، وسنوّر8، واعلوّط9، واخروّط، وهبيّخ10، وهبيغ11، وجبروة وسمعنة ونظرنة وزونك12، فيمن13 أخذه من زاك14 يزوك -وعليه حمله أبو زيد؛ لأنه صرف فعله عقيبه معه- فإن هذا سؤال ساقط عنا, وذلك أنا إنما كلامنا على ما أحد مثليه زائد ليذكر فيما بعد. فأما ما مثلاه جميعًا زائدان فليس فيه كلام ولا توقف في القطع (زائديه معًا) 15. فإن قيل: فهذا, ولكن ما تقول في صَمَحْمَح16، ودَمَكْمَك17، وبابهما؟ قيل: هذا في جملة ما عقدناه, ألا ترى أن معك في أوّل المثال الصاد والميم، وهما لفظ

_ 1 من معانيها: العجوز. 2 يقال: ما في الدار هلبسيس, أي: ما فيها أحد. 3 من معانيه: الجمل الصغير. 4 هي بقلة. 5 من معانيها: العجوز الكبيرة. 6 أي: بخلت. 7 من معانيه: السيء الخلق. 8 هو جملة السلاح. 9 يقال: اعلوّط البعير: ركبه بلا خطام. 10 من معانيه: الأحمق. 11 يقال: نهر هبيغ: عظيم. 12 هو المختال الرافع نفسه فوق قدرها. 13 أي: لا فيمن أخذه من زنك: وعليه الجوهري في الصحاح. وانظر اللسان "زنك". 11 أي: تبختر في مشيته. 15 كذا في أ. وفي ش. ب بدل هذا: "بزيادته". 16 من معانيه: الرجل الشديد. 17 هو الشديد القوي.

أصلين, ثم تكرر كل واحد من الثاني والثالث, فصار عَوْد الثاني ملحقًا له بباب "فعّل" وعود الثالث ملحقًا له بباب "فعلل", فقد ثبت أن كل واحد من الحرفين الثاني والثالث قد عاد عليه نفس لفظه, كما عاد على1 طاء "قطع" لفظها, وعلى دال "قعدد" أيضًا لفظها. فباب "فعلعل" ونحوه أيضًا ثلاثي, كما أن كل واحد من "سلّم" و"قطّع" و"قعدُد" و"شملل" ثلاثي. وهذا أيضًا جواب من سأل عن مرمريس ومرمريت سؤاله عن صمحمح ودمكمك؛ لأن هذين أولًا كذينك آخرًا. الآن قد أتينا على أحكام المثلين: متى يكونان أصلين, ومتى يكون أحدهما زائدًا بما لا تجده متقصي متحجرًا في غير كلامنا هذا. وهذا أوان القول على الزائد منهما إذا اتفق ذلك أيهما هو. فمذهب2 الخليل في ذلك أن الأوّل منهما هو الزائد, ومذهب2 يونس -وإياه كان يعتمد أبو بكر- أن الثاني منهما هو الزائد, وقد وجدنا لكلٍّ من القولين مذهبًا, واستوسعنا له بحمد الله مضطربًا. فجعل الخليل الطاء الأولى من قطع ونحوه كواو حوقل، وياء بيطر, وجعل يونس الثانية منه كواو جهور3، ودهور4. وجعل الخليل باء جلبب الأولى كواو جهور ودهور, وجعل يونس الثانية كياء سلقيت وجعبيت. وهذا قدر من الحجاج5 مختصر وليس بقاطع, وإنما فيه الأنس بالنظير لا القطع باليقين. ولكن من أحسن ما يقال في ذلك ما كان أبو علي -رحمه الله- يحتج به لكون الثاني هو الزائد, قولهم 6: اقعنسس واسحنكك, قال: ووجه الدلالة من ذلك أن نون افعنلل بابها إذا وقعت في ذوات الأربعة أن تكون بين

_ 1 كذا في أ. وفي ش، بك "إلى". 2 انظر الكتاب 2/ 354, فقد ساق سيبويه المذهبين ثم قال: "وكلا الوجهين صواب ومذهب". 3 هو اسم موضع. 4 يقال: دهورة: قذفة في مهواة. 5 كذا في أوفي ش، ب: "الاحتجاج". 6 هذا بدل من قوله: "ما كان أبو علي.....".

أصلين نحو: احرنجم واخرنطم, واقعنسس ملحق بذلك, فيجب أن يحتذى به طريق ما ألحق بمثاله. فلتكن السين الأولى أصلًا كما أن الطاء المقابلة لها من "اخرنطم" أصل, وإذا كانت السين الأولى من اقعنسس أصلًا كانت الثانية الزائدة من غير ارتياب ولا شبهة. وهذا في معناه سديد حسن جار على أحكام هذه الصناعة. ووجدت أنا أشياء في هذا المعنى يشهد بعضها لهذا المذهب وبعضها لهذا المذهب. فمما يشهد لقول يونس قول الراجز: بني عقيل ماذه الخنافق ... المال هدى والنساء طالق1 فالخنافق جمع خنفقيق وهي الداهية, ولن تخلو القاف المحذوفة أن تكون الأولى أو الثانية, فيبعد أن تكون الأولى؛ لأنه لو حذفها لصار التقدير "به"2 في الواحد إلى "خنفيق", ولو وصل إلى ذاك لوقعت الياء رابعة فيما عدته خمسة, وهذا موضع يثبت فيه حرف اللين, بل يجتلب إليه تعويضًا أو إشباعًا. فكان يجب على هذا خنافيق. فلمَّا لم يكن كذلك علمت أنه إنما حذف القاف الثانية فبقي "خنفقي", فلما وقعت الياء خامسة حذفت فبقي "خنفق" فقيل في تكسيره خنافق. فإن قلت: ما أنكرت أن يكون حذف القاف الأولى فبقي "خنفيق", وكان قياس تكسيره خنافيق, غير أنه اضطر إلى حذف الياء كضرورته إلى حذفها في قوله 3: والبكرات الفسَّج العطامسا4

_ 1 "والنساء طالق" كذا بإفراد الخبر، وكأنه ذهب إنه يريد: كل امرأة طالق, ولو قال: والنساء طوالق؛ لاستغنى عن هذا. 2 زيادة في ش، ب خلت منها أ. 3 أي: غيلان بن حريث الربعي، وانظر الكتاب: 2/ 119، وشرح شواهد الإيضاح لابن بري، الورقة: 94/ أ. 4 قبله: قد قربت ساداتها الروائسا الروائس جمع الرائسة وهي المتقدمة لسرعتها ونشاطها، والبكرات جمع البكرة وهي الناقة الفتية، والفسج جمع فاسج وهي هنا السمينة، والعطامس جمع العيطموس، وهي هنا الناقة الحسناء، وكان قياسه، العطاميس؛ فحذف الياء.

قيل: الظاهر غير هذا, وإنما العمل على الظاهر لا على المحتمل. فإذا صحَّ أنه إنما حذف الثانية علمت أنها هي الزائدة دون الأولى, ففي هذا بيان وتقوية لقول يونس. ويقوي قوله أيضًا أنهم لما ألحقوا الثلاثة بالأربعة فقالوا: مهدد وجلبب, وبدأوا باستعمال الأصلين وهما الميم والهاء, والجيم واللام, فهذان أصلان لا محالة. فكما تبعت الهاء الميم والهاء أصل, كما أن1 الميم أصل, فكذلك يجب أن تكون الدال الأولى أصلًا لتتبع الهاء التي هي أصل2. فكما لا يشك أن الهاء أصل تبع أصلًا, فكذلك ينبغي أن تكون الدال الأولى أصلًا تبعت أصلًا, من حيث تساوت أحوال الأصول الثلاثة وهي الفاء والعين واللام. فلما استوفيت3 الأصول الثلاثة المقابل بها من "جعفر" الأصول الأول الثلاثة, وبقيت هناك بقية من الأصل الممثل4 -وهي اللام الثانية التي هي الراء- استؤنفت5 لها لام ثانية مكررة وهي الدال الثانية. نعم, وإذا كانت اللام الثانية من الرباعي مشابهة بتجاوزها الثلاثة للزائد كان الحرف المكرر الذي هو أحد حرفين أحدهما زائدة لا محالة إذا وقع هناك هو الزائد لا محالة. فهذا كله -كما ترى- شاهد بقوة قول يونس. فأما6 ما يشهد للخليل فأشياء, منها: ما جاء من نحو: فَعَوْعَل وفَعَيْعَل وفَعَنْلَل وفَعَاعِل وفَعَاعَيل نحو غدودن7، وخفيدد8، وعقنقل وزرارق9،

_ 1 سقط هذا الحرف في أ. 2 كذا في أوفي ش، ب: "الأصل". 3 كذا في أ، ب، ج. وفي ش "استوفت". 4 كذا في أ، ب وفي ج: "الممتثل". 5 كذا في ش، ب، ج، وفي أ: "استوثقت". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "وأما". 7 يقال: شاب غدودن: ناعم. 8 هو السريع. 9 جمع زرق، ككر، وهو طائر.

وسخاخين1. وذلك أنك قد علمت أن هذه المثل التي تكررت فيها العينان إنما يتقدم على الثانية منهما الزائد لا محالة, أعني: واو فعوعل, وياء فعيعل, ونون فعنلل, وألف فعاعل وفعاعيل. فكما أنهما لما اجتمعا2 في هذه المثل ما3 قبل الثانية زائد4 لا محالة، فكذلك ينبغي أن يكونا إذا التقيا غير مفصول بينهما في نحو: فَعَّل وفُعّل وفَعَّال وفُعَّال وفعِّل, وما كان نحو ذلك: الزائدة منهما أيضًا هي الأولى لوقوعها موقع الزوائد مع التكرير فيهما لا محالة. فكما لا يشك في زيادة ما قبل العين الثانية في فعوعل وبابه, فكذلك ينبغي ألا يشك في زيادة ما قبل العين الثانية مما5 التقت عيناه نحو: فَعَّل وفُعّل, وبقية الباب. وهذا واضح. فإن عكس عاكس هذا فقال: إن كان هذا شاهدًا لقول الخليل عندك كان هو أيضًا نفسه شاهدًا لقول يونس عند غيرك. وذلك أن له أن يقول: قد رأينا6 العينين في بعض المثل إذا التقتا مفصولة إحداهما من الأخرى, فإن ما بعد الأولى منهما زائد لا محالة, ويورد هذه المثل عينها نحو: عثوثل وخفيدد وعقنقل وبقية الباب, فيقول7 لك: فكما أن ما بعد العين الأولى منها8 زائد9 لا محالة، فليكن أيضًا ما بعد العين الأولى في فعّل، وفُعّل، وبقية الباب هو الزائد لا محالة.

_ 1 يقال: ماء سخاخين: حار. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "اجتمعنا". 3 في الأصول: "وما"، والسياق مع الواو غير ظاهر. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيما". 6 كذا في أ، ب. وفي ش: "أرينا". 7 كذا في أ. وفي ش: "فتقول"، وفي ب غير منقوط. 8 كذا في أ. يريد: من المثل السابقة. وفي ش، ب: "منهما". 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة".

فالجواب أن هذه الأحرف الزوائد في فعوعل، وفعيعل "وفعنلل"1 وبقية الباب أشبه بالعين الأولى منها بالعين الآخرة, وذلك لسكونها, كما أن العينين إذا التقتا فالأولى منهما2 ساكنة لا غير, نحو: فَعّل وفُعّل وفِعِّيل وبقية الباب, ولا نعرف في الكلام3 عينين التقتا والأولى منهما متحركة, ألا ترى أنك لا تجد في الكلام نحو: فِعِعْل ولا فُعُعْل ولا فُعُعْل, ولا شيئًا من هذا الضرب4 لم نذكره5. فإذا كان كذلك علمت أن واو "فعوعل" لسكونها أشبه بعين "فعل" الأولى لسكونها أيضًا منها بعينها الثانية لحركتها فاعرف ذلك فرقًا ظاهرًا. ومنها أن أهل الحجاز يقولون للصواغ: الصياغ فيما رويناه عن الفراء6؛ وفي ذلك دلالة على ما نحن بسبيله. ووجه الاستدلال منه7 أنهم كرهوا التقاء الواوين -لا سيما فيما كثر استعماله- فأبدلوا الأولى8 من العينين ياء -كما قالوا في أما: "أيما" ونحو ذلك- فصار تقديره: الصيواغ, فلما التقت الواو والياء على هذا أبدلوا الواو للياء قبلها فقالوا "الصياغ". فإبدالهم العين الأولى من الصواغ دليل على أنها هي الزائدة؛ لأن الإعلال بالزائد أولى منه بالأصل. فإن قلت: فقد قلبت9 العين الثانية أيضًا, فقلت "صياغ", فلسنا نراك إلّا وقد أعللت العينين جميعًا, فمن جعلك بأن10 تجعل الأولى هي الزائدة دون الآخرة وقد انقلبتا جميعًا,

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 3 كذا في ش، ب وفي أ: "يعرف" بالبناء للمفعول, وهو لا يستقيم مع "عينين". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "النحو". 5 كذا أثبته، وفي أ، ب، ش: "يذكره". 6 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب. 7 كذا في ش، ب، وفي أ: "منهم" أي: من أهل الحجاز. 8 كذا في ش، ب. وفي أ: "الأول". 9 هذا الضبط عن ب وفي أ: "قلبت بالبناء للمفعول. 10 أي: تتمسك بأن تجعل.

قيل: قلب الثانية لا يستنكر؛ لأنه1 كان عن وجوب "وذلك"2 لوقوع الياء ساكنة قبلها, فهذا غير بعيد ولا معتذر منه, لكن قلب الأولى -وليس هناك علة تضطر إلى إبدالها أكثر من الاستخفاف مجردًا- هو المعتد المستنكر المعول3 عليه المحتج به, فلذلك اعتمدناه, وأنشأنا الاحتجاج للخليل عنه؛ إذ4 كان تلعبًا بالحرف من غير قوة سبب، ولا وجوب علة. فأما ما يقوي سببه ويتمكّن حال الداعي إليه فلا عجب منه, ولا عصمة للحرف -وإن كان أصليًا- دونه. وإذا5 كان الحرف زائدًا كان بالتلعب به قمنا. واذكر قول الخليل وسيبويه في باب: مقول ومبيع, و"أن"6 الزائد عندهما هو المحذوف, أعني: واو مفعول؛ من حيث كان الزائد أولى بالإعلال من الأصل. فإن قلت: فما أنكرت أن يكونوا إنما أبدلوا العين الثانية في صوّاغ دون الأولى, فصار التقدير به إلى صوياغ, ثم وقع التغيير فيما بعد؟ قيل: يمنع من ذلك أن العرب إذا غيّرت كلمة عن صورة إلى أخرى اختارت أن تكون الثانية مشابهة لأصول كلامهم ومعتاد أمثلتهم. وذلك أنك تحتاج إلى أن تنيب7 شيئًا عن8 شيء, فأولى أحوال الثاني بالصواب أن يشابه الأول. ومن

_ 1 في ش، ب: "وذلك لأنه". وما هنا في أ. 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 في أ، ب، ش: "المقول". وفي م: "المنقول". 4 كذا في م. وفي سائر الأصول: "إذا" والوجه ما أثبت. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "إن". 6 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 7 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "تثبت" والوجه ما أثبت لينفق مع قوله بعد: "المناب عنه". 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "من".

مشابهته له أن يوافق أمثلة القوم، كما كان المناب عنه مثالًا من مثلهم أيضًا، ألا ترى أن الخليل لما رتَّب أمر أجزاء العروض المزاحفة، فأوقع للزحاف مثالًا مكان مثالٍ عدل عن الأول المألوف الوزن إلى آخر مثله في كونه مألوفًا, وهجر ما كان بقَّتْه صنعة الزحاف من الجزء المزاحف مما1 كان خارجًا عن أمثلة لغتهم. وذلك أنه لما طوى2 "مُسْ تَفْ عِلُنْ " فصار إلى "مُسْ تَعِلُن " ثناه إلى مثال معروف وهو "مفتعلن" لما كره "مُسْتَعِلُنْ" إذ كان غير مألوف ولا مستعمل. وكذلك لما ثرم3 "فَعُولُنْ" فصار إلى "عُولُ" وهو مثال غير معروف عدله إلى "فَعْلُ"4. وكذلك لما خبل5 "مُسْتَفْعِلُنْ" فصار إلى "مُتَعِلُنْ" فاستنكر ما بقي منه جعل خالفة الجزء "فَعَلَتُنْ" ليكون ما صيِّر إليه مثالًا مألوفًا, كما كان ما انصرف عنه مثالًا مألوفًا. ويؤكد ذلك عندك أن الزحاف إذا عرض في موضع فكان ما يبقى بعد إيقاعه مثالًا معروفًا لم يستبدل به غيره. وذلك كقبضه6 "مفاعلين" إذا صار إلى "مفاعلن", وككفه7 أيضًا لما صار إلى "مفاعيل", فلما كان ما بقي عليه الجزء بعد زحافه مثالًا غير مستنكر أقرَّه على صورته ولم يتجشَّم تصوير مثال آخر "غيره"8 عوضًا منه, وإنما أخذ الخليل بهذا لأنه أحزم وبالصنعة أشبه.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "لما". 2 الطيّ من أضرب الزحاف. وهو حذف الساكن الرابع من التفعيلة، وهو هنا الفاء. 3 الترم في "فعولن": حذف فائه -ويسمى خرمًا- مع حذف نونه، ويسمى قبضًا. 4 كذا في أ. وفي ش، "فطن" والصواب ما أثبت. 5 الخبل في "مستفعلن": حذف تائه بالخبن، مع حذف سينه بالطي. 6 القبض: حذف الخامس الساكن، وهو في "مفاعيلن" حذف الياء. 7 الكف: سقوط السابع الساكن. وهو في "مفاعلين"، حذف النون. 8 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ.

فكذلك لما أريد التخفيف في صوّاغ أبدل الحرف الأول فصار من "صيواغ"1 إلى لفظ "فيعال" كفيداق وخيتام, ولو أبدل الثاني لصار1 "صوياغ" إلى لفظ "فعيال"، وفعْيال مثال مرفوض. فإن قلت "كان يصير من صوياغ إلى لفظ فوعال"3، قيل: قد ثبت أن عين هذه الكلمة واو, ف"صوياغ" إذًا لو صير إليه لكان "فعيالًا" لا محالة, فلذلك قلنا: إنهم أبدلوا العين الأولى ياء, ثم إنهم "أبدلوا لها"4 العين الثانية، وإذا كان المبدل هو الأول, لزم أن يكون هو الزائد؛ لأن حرمة الزائد أضعف من حرمة الأصل. فهذا أيضًا أحد ما يشهد بصحة قول الخليل. ومنها قولهم: صَمَحْمَح ودَمَكْمَك؛ فالحاء الأولى هي الزائدة, وكذلك الكاف الأولى, وذلك أنها فاصلة بين العينين, والعينان متى اجتمعتا في كلمة واحدة مفصولًا بينهما فلا يكون الحرف الفاصل بينهما إلّا زائدًا نحو: عثوثل وعقنقل وسلالم وخفيفد. وقد ثبت أيضًا بما قدمناه "قبيل"5 أن العين الأولى هي الزائدة. فثبت إذًا6 أن الميم والحاء الأوليين في "صمحمح" هما الزائدتان7، وأن الميم والحاء الأخريين هما الأصلان. فاعرف ذلك فإنه مما يحقق مذهب الخليل.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "صواغ". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "فصار". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "كان يصير من لفظ فوعال". 4 هذا على ما في أ، وإن كان الذي فيها: "أبدلوها"، وفي ش، ب: "ظهوها"، وهو محرَّف عن "قلبوا لها". 5 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "أيضًا". 7 كذا في أ. وفي س، ب "الزائدان".

ومنها أن التاء1 في "تفعيل" عوض2 من عين "فِعَّال" الأولى، والتاء زائدة, فينبغي أن تكون عوضًا من زائد أيضًا؛ من حيث كان الزائد بالزائد أشبه منه بالأصلي. فالعين الأولى إذًا من "قِطَّاع" هي الزائدة؛ لأن تاء تقطيع عوض منها, كما أن هاء تفعلة في المصدر عوض من ياء تفعيل, وكلتاهما زائدة. فليس واحد من المذهبين إلّا وله داعٍ إليه وحامل عليه. وهذا مما يستوقفك عن القطع على أحد المذهبين إلّا بعد تأمله وإنعام الفحص عنه. والتوفيق بالله عز وجل.

_ 1 كذا في ج. وفي ش، ب: "الياء" وكذا فيما بعد. وهو تصحيف. 2 وذلك أن الأصل في مصدر فعل المضعف هو الفعّال -بكسر الفاء وشد للعين- إذ كان فيه حروف فعله "فعل", وكان مكسور الأول كنظيره الأفعال, ولكن العرب عدلت من هذا الأصل إلى التفعيل، وانظر شرح الرضي للشافية 1/ 165. ويقول سيبويه في الكتاب 2/ 242: وأما فعلت فالمصدر منه على التفعيل, جعلوا التاء التي في أوله بدلًا من العين الزائدة في قعلت, وجعلوا الياء بمنزلة ألف الأفعال، فغيَّروا أوله كما غيَّروا آخره". وترى من كلام سيبويه أن التاء عوض عن العين الزائدة، سواء أكانت الأولى أم الثانية. فدعوى المؤلف أنها عِوَض من العين الأولى محل بحث. وانظر أيضًا صبان الأشموني في مبحث إعمال اسم المصدر.

باب في الأصلين يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير

باب في الأصلين "يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير" 1: اعلم أن كل لفظين وجد فيهما تقديم وتأخير فأمكن أن يكونا جميعًا2 أصلين ليس أحدهما مقلوبًا عن صابحه فهو3 القياس الذي لا يجوز غيره, وإن لم يمكن ذلك حكمت بأن4 أحدهما مقلوب عن صاحبه, ثم أريت أيهما الأصل وأيهما الفرع. وسنذكر وجوه ذلك. فمما تركيباه أصلان لا قلب فيهما قولهم5: جذب وجبذ, ليس أحدهما

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب بدل ما بين القوسين: "عاريتين في التركيب من التقديم والتأخير". 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فهذا هو". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "أن". 5 انظر في هذا الكتاب 3/ 380.

مقلوبًا عن صاحبه. وذلك أنهما جميعًا يتصرَّفان تصرفًا واحدًا نحو: جذب يجذب جذباَ فهو جاذب, والمفعول مجذوب, وجبذ يجبذ جبذًا فهو جابذ والمفعول مجبوذ. فإن جعلت مع هذا أحدهما أصلًا لصاحبه فسد ذلك؛ لأنك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر. فإذا وقفت الحال بينهما1 ولم يؤثر2 بالمزية أحدهما وجب أن يتوازيا3, وأن يمثلا بصفحتيهما معًا. وكذلك ما هذه سبيله. فإن قصر4 أجدهما عن تصرف صاحبه ولم5 يساوه فيه كان أوسعهما تصرفًا أصلًا لصاحبه. وذلك كقولهم: أنى الشيء يأني وآنٍ يئين, فآن مقلوب عن أنى, والدليل على ذلك وجودك مصدر أنى يأنى وهو الإنَى, ولا تجد لآن مصدرًا, كذا قال الأصمعي. فأما الأين فليس من هذا في شيء, إنما الأين: الإعياء والتعب. فلما عدم من "آن" المصدر الذي هو أصل للفعل, عُلِمَ أنه مقلوب عن أنى يأنى إنىّ, قال الله تعالى: {إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} 6 أي: بلوغه وإدراكه. قال أبو علي: ومنه سموا الإناء؛ لأنه لا يستعمل إلّا بعد بلوغه حظّه من خرزه أو صياغته أو نجارته أو نحو ذلك. غير أن أبا زيد قد حكى لآن مصدرًا وهو الأين. فإن كان الأمر كذلك فهما إذًا أصلان متساويان7 وليس أحدهما أصلًا لصاحبه. ومثل ذلك "في القلب"8 قولهم: "أيست من كذا" فهو مقلوب9 من "يئست" لأمرين, ذكر أبو علي أحدهما وهو ما ذهب إليه من أن "أيست" لا مصدر له،

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب "بهما". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تؤثر". 3 كذا في أ. وفي ش، ب "يتوازنا". 4 هذا الضبط من أ. وفي ب "قصر". بتشديد الصاد. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فلم". 6 آية3: "سورة الأحزاب". 7 كذا في أ، ش، وفي ب، د: "متساوفان". 8 كذا في ش، ب. وسقط هذا في أ. 9 كذا في أ. وسقط في ش، ب، ويقرأ مقلوب" بالإضافة إلى "يئست".

وإنما المصدر "ليئست" وهو اليأس واليآسة. قال: فأمّا قولهم في اسم الرجل "إياس" فليس مصدرًا لأيست, ولا هو أيضًا من لفظه, وإنما هو مصدر "أست الرجل"1 أؤوسه إياسًا سموه به كما سموه عطاء تفاؤلًا بالعطية. ومثل ذلك عندي تسميتهم إياه "عياضًا", وإنما هو مصدر عُضْته, أي: أعطيته, قال: عاضها الله غلامًا بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد2 عطف3 جملة من مبتدأ وخبر على أخرى من فعل وفاعل, أعني: قوله: "والضرس نقد" أي: ونقد الضرس. وأما الآخر فعندي أنه لو لم يكن مقلوبًا

_ 1 كذا في أ. وفي ش: "أسته"، وفي ب: "أست" فقط. 2 في شواهد المغني للبغدادي أن هذا البيت لم يوقف على قائله، وهو في إصلاح المنطق 58 من غير عزو، وفي اللسان "نقد" نسبته إلى الهذلي" ويقرن به في الاستشهاد بيت لصخر الغي الهذلي، وهو: تيس تيوس إذا يناطحها ... بألم قرنًا أورمه نقد ويبدو لي أن هذا القرن هو الذي دعا إلى الخلط بين البيتين, ونسبة الأولى إلى الهذلي. و"نقد" يروي بفتح القاف على أنه اسم خبر عن الضرس على التأويل؛ أي: ذو نقد, والنقد تأكله, وبالكسر على أنه وصف أو فعل. وانظر اللسان "نقد". 3 ترى أنه يجعل "الضرس نقد" جملة من مبتدأ وخبر, وهذا من عطف الجملة الاسمية على الفعلية، والمنقول عن ابن جني منع هذا، وقد يقتربه قوله بعد: "أي: ونقد الضرس" وهذا يتدافع مع صدور الكلام، إلّا أن يكون مراده: أن الكلام في ظاهره عطف مبتدأ وخبر على جملة فعلية، ثم خرج من هذا الذي لا يراه جائزًا بالتأويل الذي ذكره، وفي سرِّ الصناعة في حرف الهاء في الكلام على الفاء في "خرجت فإذا زيد" أن الواو يجوز فيها لما لها من الاتساع أن تعطف اسمية على فعلية، وانظر المغني "الباب الرابع، عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس", وشواهد المغني للبغدادي في الكلام على البيت الشاهد، هذا، ويقول ابن السيرافي في شرح هذا الشاهد: "عوض الله هذه المرأة ممن مات من أولادها غلامًا ما ولده بعد ما أسنت وشاب رأسها وتكسَّرت أسنانها؛ فمحبتها له أشد محبة؛ لأنها قد يئست أن تلد غيره، فشفقتها عليه عظيمة؛ كما قال: رأنه على سيب القذال وأنها ... تراجع بعلًا مرة وتئيم وكما قال أيضًا: رأنه على يأس وقد شاب رأسها ... وحين تصدَّى للهوان عشيرها وانظر شواهد الإصلاح لابن السيرافي الإصلاح لابن السيرافي 42.

لوجب إعلاله, وأن يقول: إست أآس, كهبت أهاب. فظهوره صحيحًا يدلّ على أنه إنما صحَّ؛ لأنه مقلوب عمَّا تصح عينه وهو "يئست", لتكون الصحة دليلًا على ذلك المعنى, كما كانت صحة "عور" دليلًا على أنه في معنى ما لا بُدَّ من صحته وهو "أعورّ". فأمّا تسميتهم الرجل "أَوْسا" فإنه يحتمل أمرين, أحدهما: أن يكون مصدر "أسته" أي: أعطيته كما سموه عطاء وعطية, والآخر: أن يكون سموه به كما سموه ذئبًا. فأما ما أنشدناه1 من قول الآخر 2: لي كل يوم من ذؤاله ... ضغثٌ يزيد على إباله3 فلا حشأنّك مشقصًا ... أوسًا أويس من الهباله4 ف"أوسًا" منه ينتصب على المصدر بفعلٍ دلَّ عليه قوله: "لأحشأنك", فكأنه قال: "لأؤوسنك أوسًا" كقول الله سبحان: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ} 5 لأن مرورها يدل على صنع الله, فكأنه قال: صنع الله ذلك صنعًا, وأضاف المصدر إلى فاعله, كما لو ظهر الفعل الناصب لهذا المصدر لكان مسندًا إلى اسم الله تعالى. وأما قوله "أويس" فنداء, أراد: يا أويس, يخاطب الذئب وهو اسم6 له مصغرًا, كما أنه اسم6 له مكبر, قال:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أنشده". 2 هو أسماء بن خارجة؛ كما في اللسان في أوس، وانظر اللالئ 437. 3 ذؤالة: الذئب، وقوله: "ضغث يزيد على إبالة" أي: بلية على بلية، وكأن الذئب طمح في ناقته الهبالة. وقوله: "لي" في اللسان "في". 4 يقال: حشأه سهمًا: رماه به. والمشقص: سهم عريض النصل. 5 آية 88 سورة النمل. 6 يريد أن "أويسًا" يقع على الذئب في مقام تحقيره، وحيث لا يراد ذلك، فهو في صيغة الصغر ومعناه. معنى الذئب؛ ألا ترى أن "أويس" في الرجز الآتي لا يراد تحقيره. وفي اللسان "أوس", "وأويس": اسم الذئب, جاء مصغرًا مثل الكميت واللجين، ويجوز أن يكون المراد أن أويسًا الذي في سورة المصغر اسم الذئب، كما أن مكبره -وهو أوس- اسم للذئب أيضًا.

يا ليت شعري عنك -والأمر أمم ... ما فعل اليوم أويس في الغنم1 فأمَّا ما يتعلق به "من " فإن شئت علقته بنفس أوسًا, ولم يعتدد2 بالنداء فاصلًا لكثرته في الكلام وكونه معترضًا به للتسديد, كما ذكرنا من هذا الطرز3 في باب الاعتراض في قوله: يا عمر الخير جزيت الجنه ... اكس بُنَيَّاتي وأمّهُنّه4 أو يا -أبا حفص- لأمضينه فاعترض بالنداء بين "أو" والفعل, وإن شئت علقته بمحذوف يدل عليه "أوسًا", فكأنه قال: أؤوسك من الهبالة, أي: أعطيك من5 الهبالة. وإن شئت جعلت حرف الجر هذا وصفًا لأوسًا, فعلقته بمحذوف وضمَّنته ضمير الموصوف. ومن المقلوب قولهم: امضحلَّ وهو مقلوب6 عن اضمحلَّ, ألا ترى أن المصدر إنما هو على اضمحلَّ وهو الاضمحلال, ولا يقولون: امضحلا. وكذلك قولهم: اكفهرَّ واكرهفَّ, الثاني مقلوب عن الأول؛ لأن التصرف "على اكفهرَّ وقع"7، ومصدره الاكفهرار, ولم يمرر بنا الأكرهفاف, قال النابغة:

_ 1 سقط بين الشطرين شطر هو: هل جاء كعبًا عنك من بين النسم وهو من أرجوزة عدة أشطارها 15 تنسب إلى عمرو ذي الكلب الهذلي، ويعزوها بعضهم إلى أبي خراش الهذلي. وانظر ديوان الهذليين بشرح السكري 229، وكتابة الشنقيطي على المخصص 8/ 66. 2 كذا في أ. وفاعل "يعتدد" وهو الراجز. وفي ش، ب: "يتعدد" بالباء للمجهول. 3 كذا في أ. وفي ش، ب "الطرق"، وهو -بفتح الطاء وسكون الراء- الضرب. وطروق الكلام: ضروبه؛ والطرز: الشكل والضرب, وفيه الفتح كما في المصباح، وفيه الكسر أيضًا كما في القاموس بالضبط. 4 ورد هذا الرجز في قصة أعرابي مع عمر -رضي الله عنه- بأتمّ مما هنا في طبقات الشافعية 1/ 139، ومعيد التعم لصاحب الطبقات 19 طبعة جامعة الأزهر للنشر والتأليف. 5- "من" هنا للتعوريض. أي: أعطيك عرضها. 6 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "رفع في اكفهرَّ".

أو فازجروا مكفهرًا لا كفاء له ... كالليل يخلط أصرامًا بأصرام1 وقد حكى بعضهم2 مكرهف. فإن ساواه في الاستعمال فهما -على ما ترى- أصلان. ومن ذلك: هذا لحم شخم3 وخشم، وفيه تشخيم4، ولم أسمع تخشيم6. فهذا يدل على أن "شخم أصل الخشم"6. ومن ذلك قولهم: اطمأن. ذهب سيبويه فيه إلى أنه مقلوب, وأن أصله من طأمن, وخالفه أبو عمر8 فرأى9 ضد ذلك. وحجة سيبويه فيه أن "طأمن" غير ذي زيادة, واطمأنّ ذو زيادة, والزيادة إذا لحقت الكلمة لحقها ضرب من الوهن لذلك, وذلك لأنّ مخالطتها شيء10 ليس من أصلها مزاحمة لها وتسوية في التزامه بينها وبينه, وهو "و"11إن لم تبلغ الزيادة على الأصول فحش الحذف

_ 1 هو من قصيدته التي مطلعها: قالت بنو عامر خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأنوام والمكفهرّ: الجيش. وانظر الديوان، والخزانة في شواهد المنادى. 2 كذا في أ، ج. وسقط هذا في ش، ب. ويقرأ عليهما: "حكي" بالبناء المفعول. 3 أي: متغير الرائحة. 4 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "تخشيم". 5 كذا في، ب. وفي أ: "تشخيم"، وفي ج: "تشخيمًا". وما أثبت هو الموافق لما في اللسان ففيه: "ولحم فيه تشخيم إذا تغير ريحه". 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "أصل خشم أصل الشخم". 7 انظر الكتاب 2/ 130، 380. 8 هو الجرميّ صالح بن إسحاق؛ كما ذكره ابن جني في شرح تصريف المازني، وقد أثبت: "عمر" طبقًا لأصول الخصائص، وهو الحق. وفي المطبوعة تبعًا للسان "طعن": "عمرو" وهو خطأ. 9 كذا في ش، ب. وفي أ: "ورأى". 10 كذا في أ. وفي ش، ب: "شيئًا". والرفع على أنه فاعل "مخالطة" والنصب على أنه مفعول، وهما سواء. 11 ثبت هذا الحرف في أ، وهو يوافق ما في اللسان، وسقط في ش، ب.

منها فإنه -على كل حال- على1 صدد من التوهين لها؛ إذ كان زيادة عليها تحتاج إلى تحملها كما يتحامل بحذف ما حذف منها. وإذا كان في الزيادة طرف من الإعلال للأصل كان أن يكون القلب مع الزيادة أولى. وذلك أن الكلمة إذا لحقها ضرب من الضعف أسرع إليها ضعف آخر2؛ وذلك كحذفهم ياء حنيفة في الإضافة إليها لحذف تائها3 في قولهم: حنفي, ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فيحذف ياؤها جاء في الإضافة إليه على أصله فقالوا: حنيفيّ. فإن قال أبو عمر: جرى المصدر4 على اطمأنّ يدل على أنه هو الأصل, وذلك قولهم 5: الاطمئنان, قيل: قولهم "الطأمنة" بإزاء قولك: الاطمئنان، فمصدر6 بمصدر، وبقي على أبي عمر أن الزيادة جرت في المصدر جريها في الفعل, والعلة7 في الموضعين واحدة, وكذلك الطمأنينة ذات زيادة فهي إلى الاعتلال قرب. ولم يقنع أبا عمر أن يقول: إنهما أصلان متقاودان8 كجبذ وجذب, حتى مكّن خلافه لصاحب الكتاب بأن عكس الأمر عليه البتة. وذهب سيبويه9 في قولهم: "أينق" مذهبين: أحدهما أن تكون عين أنوق قلبت إلى ما قبل الفاء فصارت في التقدير "أونق", ثم أبدلت الواو ياء لأنها كما أعلت

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "صدر". 2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "الآخر" وهو خطأ. 3 كذا في أ، وفي ش، ب: "يائها" وهو تحريف. 4 كذا في أ، ب، وفي أ: "الأصل". 5 كذا في أ، وفي ش، ب: "نحو قولهم". 6 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "مصدر". 7 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "فالعلة". 8 كذا في أصول الخصائص, وفي اللسان في طمن: "متقاربان". 9 انظر الكتاب 2/ 129، 333.

بالقلب كذلك أعلت أيضًا بالإبدال على ما مضى, والآخر أن تكون العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء. فمثالها على هذا القول "أيفل", وعلى القول الأول "أعْفُل". وذهب الفرّاء في "الجاه" إلى أنه مقلوب من الوجه, وروينا عن الفراء أنه قال: سمعت أعرابية من غطفان وزجرها ابنها فقلت لها: ردي عليه, فقالت: أخاف أن يجوهني بأكثر من هذا. قال 1: وهو من الوجه أرادت: يواجهني, وكان أبو علي -رحمه الله- يرى أن الجاه مقلوب عن الوجه أيضًا. قال: ولما أعلّوه بالقلب أعلّوه أيضًا بتحريك عينه ونقله من فَعْلٍ إلى فَعَل, "يريد أنه" صار من وجه إلى جَوْهٍ, ثم حركت عينه فصار إلى جَوَهٍ, ثم أبدلت عينه لتحركها وانفتاح ما قبلها, فصار "جاه" كما ترى. وحكى أبو زيد: قد وجه الرجل وجاهة عند السلطان، وهو وجيه. وهذا يقوي القلب لأنهم لم يقولوا "جَوِيه" ولا نحو ذلك. ومن المقلوب "قِسِيّ" و"أشياء" في قول الخليل. وقوله: مروان مروان أخو اليوم اليمي3 فيه قولان: أحدهما أنه أراد: أخو اليوم السهل اليوم الصعب, يقال: يوم أيوم, ويوم كأشعث4 وشعث4 وأخشن وخشن, وأوجل ووجل, فقلب فصار

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "قالوا". 2 كذا في أ، وفي سائر الأصول: "ثم إنه". 3 سبق هذا الرجز في ص65 من الجزء الأول، وفيه إحالة على ما هنا, وهو في سيبويه 2/ 379 غير معزو، وفي اللسان "كرم" عزوه لأبي الأخزر الحماني، وتكملته. ليوم روع أو فعال مكرم وانظر أيضًا اللسان في ترجمة "يوم". 4 كذا في أ، ج وفي ش، ب: "كأشعب وشعب".

"يموّ" فانقلبت العين لانكسار ما قبلها طرفًا, والآخر أنه أراد: أخو اليوم اليوم, كما يقال عند الشدة والأمر العظيم: اليوم اليوم, فقلب فصار "اليمو" ثم نقله من فَعْل إلى فَعِل, كما أنشده أبو زيد من قوله: علام قتل مسلم تعبدًا ... مذ سنة وخَمِسون عددا1 -يريد خَمْسونَ- فلما انكسر ما قبل الواو قلبت ياء فصار اليَمِى. هذان قولان فيه مقولان. ويجوز عندي فيه وجه ثالث لم يقل به, وهو أن يكون أصله على ما قيل في المذهب الثاني: أخو اليوم اليوم, ثم قلب فصار "اليَمْوُ", ثم نقلت الضمة إلى الميم على حد قولك: هذا بَكُرْ, فصارت اليَمُو, فلما وقعت الواو طرفًا بعد ضمَّة في الاسم أبدلوا من الضمَّة كسرة, ثم من الواو ياء, فصارت اليَمِى كأحقٍ2 وأدْلٍ. فإن قيل: هلَّا, لم تُستنكَر الواو هنا بعد الضمة لمَّا لم تكن الضمة لازمة. قيل: هذا وإن كان على ما ذكرته فإنهم قد أجروه في هذا النحو مجرى اللازم, ألا تراهم يقولون على هذه اللغة: هذه هند, ومررت بجمل, فيتبعون الكسر الكسر, والضم الضم, كراهية للخروج من كسرة هاء هند إلى ضمة النون, وإن كانت الضمة عارضة. وكذلك كرهوا مررت بجمل لئلّا يصيروا في الأسماء إلى لفظ فِعلُ. فكما3 أجروا النقل في هذين الموضعين مجرى اللازم فكذلك يجوز أن يجرى اليمو مجرى "أدلو وأحقو", فيغيركما غيّرا, فقيل: "اليمِِى" حملا على الأدلي والأحقي. " فإن قيل: نحو زيد وعون

_ 1 "سنة" كذا في أ، ب, ش وهو الموافق لما في النوادر، وفي ج: "ستة", وفي اللسان في يوم: "خمسة". و"تعهدًا" روى بصيغة المصدر، وبصيغة الماضي. وانظر النوادر 165. 2 كذا في ج، وفي أ، ش: كأحقى وأدلى". 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "وكما".

لا ينقل إلى عينه حركة لامه, واليوم كعون, قيل: جاز ذلك ضرورة لما يعقب من صلاح القافية, وأكثر ما فيه إجراء المعتل مجرى الصحيح لضرورة الشعر"1. ومن المقلوب بيت القطامي: ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقصَّى بواقي دَيْنِها الطادي2 هو مقلوب عن الواطد, وهو الفاعل من وطد يطد أي ثبت. فقلب عن "فاعل" إلى "عالف". ومثله عندنا "الحادي"؛ لأنه فاعل من وحد وأصله الواحد, فنقل عن فاعل "إلى عالف"3 سواء, فانقلبت الواو التي هي في الأصل فاء4 ياء5، لانكسار ما قبلها في الموضعين6 جميعًا. وحكى الفرَّاء: معي عشرة فأحدهن7 لي، أي: اجعلهن أحد عشر, فظاهر هذا يؤنس بأن "الحادي" فاعل. والوجه إن كان المروي صحيحًا أن يكون الفعل مقلوبًا من وحدت إلى حدوت, وذلك أنهم لما رأوا الحادي في ظاهر الأمر على صورة فاعل, صار كأنه جارٍ8 على "حدوت" جريان غازٍ على غزوت, كما أنهم لما استمر استعمالهم "الملك" بتخفيف الهمزة صار كأن مَلَكًا على

_ 1 ما بين القوسين ثبت في أ. وسقط في ش، ب، ج. 2 هو صدر قصيدة له عدتها 66 بيتًا. وانظر الديوان 7. 3 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 4 كذا في ش، ب، وقد سقط في أ. 5 كذا في أ. وقد سقط في ش، ب. 6 هما الطادي في بيت القطامي والحادي. 7 ضبط في اللسان "وحد": "فأحدهن" على صبغة التفعيل، ولا يستقيم عليه القلب ولامًا يأتي من الكلام، وضبط في الإصلاح 332: "فأحدهن" على صيغة الإفعال, وهو أيضًا لا يستقيم عليه القلب. فالصواب ما هنا وفقًا لما في أ. 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "على صورة".

فَعَل, فلما صار اللفظ بهم إلى هذا بنى الشاعر على ظاهر أمره فاعلًا منه, فقال حين ماتت نساؤه بعضهن إثر بعض: غدا مالك يرمي نسائي كأنما ... نسائي لسهمي مالكٍ غَرَضَان1 يعني: ملك الموت ألّا تراه يقول بعد هذا: فيا رب عَمِّر لي جهيمة أعصرًا ... فمالك الموت بالقضاء دهاني وهذا ضرب من تدريج اللغة, وقد تقدَّم الباب2 الذي ذكرنا فيه طريقه في كلامهم, فليضمم هذا إليه فإنه كثير جدًّا. ومثل قوله: "فاحْدُهُنَّ" في أنه مقلوب من "وحد" قول الأعرابية: "أخاف أن يَجُوهَني" "وهو"3 مقلوب من الوجه. فأما وزن "مالك" على الحقيقة فليس فاعلًا, لكنه "مافل" ألا ترى أن أصل "مَلَك" ملأك: مفعل من تصريف ألكني إليها عَمْرَكَ الله, وأصله ألئكني, فخففت همزته فصار ألكني4، كما صار "ملأك" بعد التخفيف إلى ملك ووزن مَلَك "مَفَل". ومن طريف المقلوب قولهم للقطعة الصعبة من الرمل "تَيْهُورة" وهي عندنا "فَيْعُولة" من تهور الجرف وانهار الرمل ونحوه, وقياسها أن تكون قبل تغييرها

_ 1 ورد هذان البيتان في اللسان في "ألك", وفيه ضبط مالك بفتح اللام. وضبط في أ، ج، بكسر اللام, وفي اللسان "جهينة" بدل "جهيمة", وقد ورد في اللسان "لأك", وظاهره نسبته إلى رويشد. 2 انظر ص348، من الجزء الأول من هذا الكتاب. 3 كدا في ش، ب. وسقط في أ. 4 هو صدر بيت ذكره ابن جني في أغلاط العرب من الخصائص، وهو: ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا

"هَيْوُورة"1 فقدمت العين وياء "فيعول" إلى ما قبل الفاء فصارت "وَيْهُورة", ثم أبدلت الواو التي هي عين مقدمة قبل الياء تاء كتَيْقُور2 فصارت "تيهورة" كما ترى. فوزنها على لفظها الآن "عيفولة". أنشدنا أبو علي: فعينيّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب3 -"ويروى: الطخاف العصائب"- فهذا قول وهو لأبي علي -رحمه الله. ويجوز عندي أن تكون في الأصل أيضًا "تفعولة" كتعضوضة5 وتدنوبة6, فيكون أصلها على هذا "تهوورة", فقدمت العين على الفاء إلى أن صار وزنها "تعفولة", وآل اللفظ بها إلى "توهورة", فأبدلت الواو التي هي عين7 مقدمة ياء, كما أبدلت عين "أينق" لما قدمت في مذهبي الكتاب8 ياء فنقلت من

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: هيثورة، وفي قلب الواو همزة، وهذا إبدال جائز كما يقال: الغئور في مصدر غار، وكما يقال أدؤر في أدور جمع دار. 2 هو الوقار وأصله: ويقور. وانظر الكتاب 2/ 356. 3 نسبه في اللسان في طخف إلى صخر الغي, وفي حسب إلى أبي ذؤيب, وفي شرح أشعار الهذليين السكرى نسبته إلى صخر الغي من قصيدته يرثي أخاه أبا عمرو، وكان قد نهشته حية فمات. ثم قال: إنها تروى لأبي ذؤيب. وفي ديوان الهذليين طبع الدار 2-5 القصيدة بطولها لصخر الغي. و"خليلي" في اللسان "أعيني", و"بين" في اللسان وتحته. و"الطلخا فالعصائب"، في اللسان: "الطخاف العصائب" والطخا مقصورة من الطلخا. وهو السحاب المرتفع الرقيق، والعصائب جمع عصابة, وهو غيم أحمر تراه في الأفق الغربي، والطخاف -بفتح الطاء- هو الطخاء، ويروى الطخان -بكسر الطاء، جمع طخف وهو الطخاف, والفادر: الرمل المسن, يقول إن الموت يدرك الوعل المعتصم بالجبل المشرف بجلله السحاب. 4 ما بين القوسين زيادة في أ، م. 5 هو ضرب من التمر. 6 هي البسرة التي بدأ فيها الإرطاب. 7 كذا أثبتها. وفي الأصول: "فاء". 8 كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "سيبويه".

"أنوق" إلى "أونق", ومن "أونق" تقديرًا إلى "أينق"؛ لأنها كما أُعِلَّت بالقلب كذا أعلّت بالإبدال فصارت أينقا. وكذلك صارت توهورة "إلى تيهورة"1. وإن شئت جعلتها من الياء لا من الواو, فقد حكى أبو الحسن عنهم: هار الجرف يهير, ولا تحمله على طاح يطيح, وتاه يتيه, في قول الخليل لقلة ذلك؛ ولأنهم قد قالوا أيضًا: تهير الجرف في معنى تهور, وحمله على تفعّل أولى من حمله على تَفَيْعَل كتحيز2. فإذا كانت "تيهورة" من الياء على هذا القول فأصلها تهيورة, ثم قدمت العين التي هي الياء على الفاء فصار تيهورة. وهذا القول3 إنما فيه التقديم من غير إبدال. وإنما قدمنا القول الأول وإن كانت كلفة الصنعة فيه أكثر؛ لأنَّ كون عين هذه الكلمة هذه الكلمة واوًا في اللغة أكثر من كونها ياء. ويجوز فيه عندي وجه ثالث, وهو أن يكون في الأصل "يفعولة" كيعسوبٍ ويربوعٍ, فيكون أصلها "يهوورة", ثم قدمت العين إلى صدر الكلمة فصارت "ويهورة: عيفولة", ثم أبدلت الواو التي هي عين مقدمة تاء على ما مضى فصارت "تيهورة". ودعانا إلى اعتقاد القلب والتحريف في هذه الكلمة المعنى المتقاضيته4 هي. وذلك أن الرمل مما ينهار ويتهور ويهور ويهير ويتهير. فإن كسّرت هذه الكلمة أقررت تغييرها "عليها"5 كما أنّ "أينقا" لما كسرتها العرب أقرتها على تغييرها6 فقالت: أيانق, فقياس هذا أن تقول في تكسير "تيهورة"

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 كذا في ج، وفي أ، ب، ش: كتحير. والصواب ما أثبت. يريد أن يحيز من الحوز, فهي تفيعل أصلها تجوَّز فحصل قلب، ولو كانت تفعّل لقيل تحوز, أما تحير فهي من الحيرة فهي تفعل. انظر لتحيز سيبويه 2/ 372. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "التحوّل". 4 كذا في أ، ب وفي ش: "المتقاضية". 5 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "حالها في التغيير.

على كل قول وكل تقدير: تياهير. وكذلك المسموع عن العرب أيضًا في تكسيرها. والقلب في كلامهم كثير. وقد قدمنا في أول هذا الباب أنه متى أمكن1 تناول الكلمة على ظاهرها لم يجز العدول عن ذلك بها, وإن دعت ضرورة إلى القول بقلبها كان ذلك مضطرًا إليه لا مختارًا. باب في الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه: اعلم أن هذا الباب لاحق بما قبله وتالٍ له. فمتى أمكن1 أن يكون الحرفان جميعًا أصلين "كل واحد منهما قائم برأسه"2 لم يسغ3 العدول عن الحكم بذلك, فإن دلَّ دال أو دعت ضرورة إلى القول بإبدال أحدهما من صاحبه عمل بموجب الدلالة, وصير إلى مقتضى الصنعة. ومن ذلك سكر طبرزل وطبرزن 4: هما متساويان في الاستعمال, فلست بأن تجعل أحدهما أصلًا لصاحبه أولى منك بحمله على ضده. ومن ذلك قولهم: هتلت السماء وهتنت: هما أصلان, ألا تراهما متساويين في التصرف, يقولون: هتنت السماء تهتن تهتانًا, وهتلت تهتل تهتالًا, وهي سحائب هتن وهتل, قال امرؤ القيس:

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "أنكر". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "كان كل واحد منهما قائمًا". 3 كذا في ج. وفي أ، ش: "يسع". 4 ويقال فيه أيضًا، طبرزد، وهو السكر الأبيض الصلب، والكلمة فارسية مؤلفة من "طير" وهو الفأس، و"زد" أي: ضرب، أطلق عليه هذا؛ لأنه لصلابته كأنه يضرب بالفأس، وانظر معرب الجواليقي وتعليقه 228.

فسحت دموعي في الرداء كأنها ... كلي من شعيب ذات سح وتهتان1 وقال العجاج: عزّز منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السواري متنه بالتهتال2 ومن ذلك ما حكاه الأصمعي من قولهم: دهمج البعير يدهمج دهمجة, ودهنج يدهنج دهنجة, إذا قارب الخطو وأسرع, وبعير دهامج ودهانج, وأنشد3 للعجاج: كأنَّ رعن الآل منه في الآل ... بين الضحا وبين قيل القيال4 إذا بدا دهانج ذو أعدال

_ 1 الشعيب: السقاء البالي. والكلي: جمع الكلية وهي رقعة في السقا, وسحت: صبت. يقول: إنه تذكر العهد القديم لأحبابه -وذكر هذا في شعره السابق- فبكى وانصبت دموعه، كما لو كانت عينه قرية قديمة امتلأت ماء فتقطعت الرقع فيها فسال المال. وهو من قصيدته التي أولها: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرقان ... وربع عفت آثاره منذ أزمان وهي في الديوان. 2 قبله: دار للهو اللهيّ مكسال ... فهي ضناك كالكثيب المنهال والضناك: الضخمة؛ يشبه يهواها بالكتيب في اللين، ثم وصفه بأنه متماسك غير مترهل. وانظر ملحق الديوان 86، والسمط 679. 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "أنشدنا". 4 الرعن: مقدم الجبل. وقوله: "بين الضحا وبين قيل القيال" أي: في الوقت الذي يشتد فيه توهج الشمس. وقيل: القيال أن يقبل في الظهيرة. شبه أطراف الجهل والسراب يرفعه, فيضطرب ببعير عليه أعدال يمشي بها، وقبله كما في السمط 728: ومهمه نائي المياه مغتال ... مضلل تسبيله للسبال أزرر ينيو عرضه بالدلال ... مرت الصحاري ذي مهرب وأفلال وانظر ملحق الديوان 86.

وأنشد أيضًا: وعير لها من بنات الكداد ... يدهنج بالوطب والمزود1 فأما قولهم: ما قام زيد بل عمرو, وبن عمرو, فالنون بدل من اللام, ألا ترى إلى كثرة استعمال "بل" وقلة استعمال "بن", والحكم على الأكثر لا على الأقل. هذا هو الظاهر من أمره, ولست مع هذا أدفع أن يكون "بن" لغة قائمة برأسها. وكذلك قولهم: رجل "خامل" و"خامن" النون فيه بدل من اللام, ألا ترى أنه أكثر, وأن الفعل عليه تصرف, وذلك قولهم: خمل يخمل خمولًا. وكذلك قولهم: قام زيد فُمَّ عمرو, الفاء بدل من الثاء في ثم, ألا ترى أنه أكثر استعمالًا. فأما قولهم "في الأثافي: الأثاثي"2 فقد ذكرناه3 في كتابنا في سر الصناعة, وقال الأصمعي: بنات

_ 1 من قصيدة للفرزدق يهجو جريرًا، أولها: عرفت المنازل من مهدد ... كوحى الزبور لدى الغرقد يقول فيها: فما حاجب في بني دارم ... ولا أسرة الأقرع الأمجد ولا آل قيس بنو خالد ... ولا الصيد صيد بني مرثد بأخيل منهم إذا زينوا ... بمغرتهم حاجبي مؤجد حمار لهم من بنات الكداد ... يدمنج بالوطب والمزود وترى أن التغيير قد تناول البيت الشاهد. وانظر الأمالي 2/ 91 والسمط 727 والنقائض 794. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأثاني والأثاثي". 3 عبارته في حرف الثاء: "فأما قولهم في أثاف أثات بالتاء, فمن كانت عند أثفية أفعولة وأخذها من نفاه ينفوه, فالثاء الثانية في أثاث بدل من الفاء في يثفوه. ومن كانت أنفية عنه، فعليه فجائز أن تكون الثاء بدلًا من الفاء لقول النابغة: وإن ثأنفك الأعداء بالرفد وجائز أن تكون من أث يتث إذا ثبت واطمأنّ؛ لأنهم يصفون الأثافي بالخلود والركود، والوجه أن تكون الثاء بدلًا من الفاء أيضًا، لأنا لم نسمعهم قالوا أثية".

مخر وبنات بخر: سحائب يأتين قبل1 الصيف "بيض"2 منتصبات في السماء, قال طرفة: كبنات المخر يمأدن إذا ... أنبت الصيف عساليج الخضر3 قال أبو علي -رحمه الله: كان أبو بكر يشتق هذه الأسماء من البخار, فالميم على هذا في "مخر" بدل من الباء في "بخر" لما ذكر أبو بكر. وليس ببعيد عندي أن تكون الميم أصلًا في هذا أيضًا, وذلك لقول الله سبحانه: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ} 4 أي: ذاهبة "وجائية"5 وهذا أمر قد يشاركها فيه السحائب, ألا ترى إلى قول الهذلي: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج7

_ 1 كذا في ب، ج، ش. وفي أ، "في" وقوله: "قبل الصيف" أي: في أوله. 2 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب. 3 قبله: لا تلمني إنها من نسوة ... رقد الصيف مقاليت نزر يقول: لا تلمني في تعلقي بهذه المرأة, فإنها منعَّمة لم ينل من حينها كثرة الأولاد، ثم قال: إنها من نسوة ربا كهذه السحب، ويمأدن، يتثنين. والعساليج: جمع العسلوج والعسلاج, وهو ما لان واخضرَّ من الأغصان. والخضر: ما اخضرَّ من النبات, ويروى الخضر -بضم ففتح- جمع الخضرة, ويراد بها الأخضر من النبات. انظر الديوان طبعة فازان ص64. 4 آية 12، سورة فاطر. 5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جارية". 6 هو أبو ذؤيب. 7 قبله: سقى أم عمرو كل آخر ليلَة ... حناتيم سود ماؤهن نجيج والحناتم: صب سود. ونجيج: سائل مصبوب. وقوله: كل آخر ليلة, أي: أبداء. والنتيج: الصوت. وانظر ديوان الهذليين 1/ 150.

فهذا يدل على مخالطة السحائب عندهم البحر وتركضها فيه, وتصرفها على صفحة مائه. وعلى كل حال فقول أبي بكر أظهر. ومن ذلك قولهم: باهلة بن أعصر ويعصر, فالياء في "يعصر" بدل من الهمزة في "أعصر", يشهد بذلك ما ورد به الخبر من أنه إنما سمِّي بذلك لقوله 1: أبنيّ إن أباك غير لونه ... كرّ الليالي واختلاف الأعصر يريد: جمع عصر, وهذا واضح. فأمّا2 قولهم: إناء قربان, وكربان, إذا دنا أن يمتلئ فينبغي أن يكونا أصلين؛ لأنك تجد لكل واحدة منهما متصرفًا, أي: قارب أن يمتلئ وكرب أن يمتلئ, إلّا أنهم قد قالوا: جمجمة3 قربى, ولم نسمعهم قالوا: "كربى". فإن غلبت القاف على الكاف من هنا فقياس ما4. وقال الأصمعي: يقال: جعشوش5، وجعسوس5، وكل ذلك إلى قمأةٍ6 وقلةٍ وصغر, ويقال: هم من جعاسيس الناس, ولا يقال بالشين في هذا. فضيق الشين مع سعة السين يؤذن بأن الشين بدل من السين. نعم, والاشتقاق يعضد كون السين

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "بقوله". واسم أعصر منبه بن سعد بن قيس عيلان. وانظر التاج "عصر" والاشتقاق لابن دريد 164. 2 كذا في شن ب. وفي أ: "وأما". 3 هي قدح من خشب يشرب فيه، وهي أيضًا ضرب من المكاييل. 4 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 5 هو القصير اللئيم. 6 كذا في أ، وفي ب" فمأة". والقماءة مصدر قمؤ، والقمأة مصدر قأ، وكلاهما معناه: صغر وذل.

-غير معجمة- هي الأصل, وكأنه أشتق من "الجعس" صفة على "فعلول", وذلك أنه شبه الساقط المهين1 من2 الرجل بالخرء؛ لذلِّه ونتنه. ونحو من ذلك في البدل قولهم: فسطاط وفستاط, وفسّاط, وبكسر الفاء أيضًا, فذلك ست لغات. فإذا صاروا إلى الجمع قالوا: "فساطيط وفساسيط" "ولا يقولون"3 "فساتيط" بالتاء. فهذا يدل4 أن التاء في "فستاط" إنما هي بدل من طاء "فسطاط", أو من سين "فُسّاط". فإن قلت: هلا اعتزمت أن تكون التاء في "فستاط" بدلًا من طاء "فسطاط"؛ لأن التاء أشبه بالطاء منها بالسين؟ قيل: بإزاء ذلك أيضًا: إنك إذا حكمت بأنها بدل من سين "فسّاط" ففيه شيئان جيدان: أحدهما: تغيير للثاني5 من المثلين, وهو أقيس من تغيير الأول من المثلين؛ لأنَّ الاستكراه في الثاني يكون لا في الأول, والآخر أن السينين في 6"فسّاط" ملتقيتان، والطاءين في7 "فسطاط" منفصلتان بالألف بينهما, واستثقال المثلين ملتقيين أحرى من استثقالهما مفترقين, "وأيضًا فإن السين والتاء جميعًا مهموستان والطاء مجهورة"8. فعلى هذا الاعتبار ينبغي أن يتلقّى9 ما يرد من حديث الإبدال إن كان هناك إبدال, أو اعتقاد أصلية الحرفين إن كانا أصلين, وعلى ما ذكرناه في الباب الذي

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "الهين". 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "في". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "ولم يقولوا". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "يريك". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "الثاني". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "من ". 7 كذا في أ، ب. وفي ش: "من". 8 كذا في ش، ب. وسقط ما بين القوسين في أ. 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "يلقي".

قبل هذا ينبغي أن تعتبر الكلمتان في التقديم والتأخير نحو: اضمحلّ وامضحلّ, وطأمن واطمأنّ. والأمر واسع. وفيما أوردناه من مقاييسه كافٍ بإذن الله. ونحن نعتقد إن أصبنا فسحة أن نشرح كتاب يعقوب1 بن السكيت في القلب والإبدال, فإن معرفة هذه الحال فيه "أمثل من معرفة عشرة أمثال لغته, وذلك أن مسألة واحدة من القياس"2، أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس. قال لي أبو علي -رحمه الله- "بحلب"3 سنة ست وأربعين: أخطئ في خمسين مسألة في اللغة ولا أخطئ في واحدة من القياس. ومن الله المعونة وعليه الاعتماد.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "أبي يوسف". وقد طبع "كتاب القلب والإبدال" لابن السكيت في مجموعة الكنز اللغوي في بيروت سنة 1903، نشره المستشرق هفنر. 2 كذا في ش، ب. وسقط ما بين القوسين في أ. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "بضع". وهو يريد: بعد الثلاثمائة.

باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف لا بالإقدام والتعجرف

باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف لا بالإقدام والتعجرف: أما ما طريقه الإقدام من غير صنعة فنحو ما قدمناه آنفًا من قولهم: ما أطيبه وأيطبه, وأشياء في قول الخليل "وقسيّ", وقوله "أخو اليوم اليمي". فهذا ونحوه طريقه طريق الاتساع في اللغة من غير تأت ولا صنعة. ومثله موقوف على السماع وليس لنا الإقدام عليه من طريق القياس. فأمَّا ما يتأتى له ويتطرق إليه بالملاينة والإكثاب1، من غير كدٍّ ولا اغتصاب2، فهو ما "عليه عقد هذا الباب"3. وذلك كأن يقول لك قائل: كيف تحيل لفظ

_ 1 يقال: أكثب إلى الشيء: دنا منه. 2 كذا في أ. وفي شيء، ب: "اعتضاب". 3 كذا في أ، ب. وفي شك "عقد عليه هذا الباب".

"وأيت إلى لفظ أويت"1 فطريقه أن تبني من "وأيت" فَوْعلًا, فيصير بك التقدير فيه إلى "وَوْأَىٍ", فتقلب اللام ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيصير "وَوًْاى", ثم تقلب الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين في أول الكلمة فيصير "أَوًْاى", قم تخفف الهمزة فتحذفها وتلقي حركتها على الواو قبلها، فيصير "أَوًا" اسمًا كان أو فعلًا2. فقد رأيت كيف استحال لفظ "وأى" إلى لفظ "أوا" من غير تعجرف ولا تهكم على الحروف. وكذلك لو بنيت مثل: فَوْعال لصرت إلى "وَوْآىٍ" ثم إلى "أَوْآىٍ" ثم "أوْآءٍ", ثم تخفف فيصير إلى "أواءٍ" فيشبه حينئذ لفظ "آءة"3 أو أويت أو لفظ قوله: فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها4 وقد فعلت العرب ذلك منه قولهم: "أوار النار" وهو وهجها ولفحها, ذهب فيه الكسائي مذهبًا حسنًا -وكان هذا الرجل كثيرًا في السداد والثقة عند أصحابنا- قال: هو "فُعَال" من وَأَرْتُ الإرة5 أي6: احتفرتها لإضرام النار فيها. وأصلها "وُآر" ثم خففت الهمزة فأبدلت في اللفظ "واوًا"7, فصارت "ووار" فلمّا التقت في أول الكلمة الواوان وأجرى غير اللازم مجرى اللازم, أبدلت الأولى همزة فصارت "أوَار" أفلا ترى إلى استحالة لفظ "وأر" إلى لفظ "أور" بالصنعة.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "أويت إلى لفظ وأيت" وهو خطأ. ووأيت من الوأي وهو الوعد. 2 راعيت في الضبط السابق الاسم فتؤنت، وغير خاف أن ضبط الفعل بغير تنوين. 3 الآءة شجرة عندهم وأصلها: أرأة بالتحريك. 4 عجزه: ومن بعد أرض بيننا وسماه وانظر اللسان في أرا. 5 هي موقد النار. 6 كذا في أ، ج، وسقط في ش، ب. 7 كذا في أ. وسقط في ش، ب.

وقال أبو زيد في تخفيف همزتي "افعوعلت" من "وأيت" جميعًا: "أويت", وقد أوضح هذا أبو زيد1 وكيف2 صنعته3، وتلاه بعده أبو عثمان في تصريفه4. وأجاز أبو عثمان أيضًا فيها "وويت" "قال"5: لأن نية الهمزة فاصلة بين الواوين. فقياس هذا أن تصحّح واوي "ووار" عند التخفيف لتقديرك فيه نية التحقيق, وعليه قال الخليل في تخفيف "فُعْل" من وأيت "أوى"؛ أفلا تراه "كيف"6 أحالته الصنعة من لفظ إلى لفظ. وكذلك لو بنيت من "أول" مثال "فَعْل" لوجب أن تقول: "أَوْل" , فتصيرك الصنعة من لفظ "وول" إلى لفظ "أول". ومن ذلك قول العرب: "تسرَّيت" من لفظ "س ر ر " ومثله قصيت أظفاري هو من لفظ "ق ص ص " وقد آل بالصنعة إلى لفظ "ق ص ى ". وكذلك قوله 7: تقضى البازي إذا البازي كسر هو في الأصل من تركيب "ق ض ض " , ثم أحاله ما عرض من استثقال تكريره

_ 1 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "أبو بكر"، وهو خطأ؛ فإن أبا بكر -هو ابن السراج- ليس سابقًا على أبي عثمان، وابن السراج أخذ من المبرد, وهذا أخذ عن المازني؛ فأنى لأبي عثمان أن يتلو أبا بكر!. 2 كذا في ج. وسقط هذا الحرف في أ، ب، ش. 3 وذلك أن افعوهلت من وأيت: أيأوأيت، ثم تنقل حركة الهمزة الأولى على ما قبلها وتحذف، وترد الياء إلى الواو الأصلية, وتحذف همزة الوصل فتصير إلى ووأيت، ثم تنقل حركة الهمزة وتحذفها فتصير إلى وويت، ثم تبدل الواو الأولى همزة كما في أواصل فتصير إلى أويت. وانظر شرح الأشموني على الألفية عند قول ابن مالك: وهمزا أول الواوين، في باب الإبدال. 4 انظر تصريف المازني بشرح المنصف، نسخة التيمورية. 5 كذا في أ، ب. وسقط في ش. 6 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 7 أي: العجاج. وانظر ديوانه 17.

إلى لفظ "ق ض ي ". وكذلك قولهم: تلعيت -من اللعاعة- أي: خرجت أطلبها -وهي نبت- أصلها "ل ع ع " ثم صارت بالصنعة إلى لفظ "ل ع ي " قال 1: كاد اللعاع من الحواذن يشحطها ... ورجرج بين لحييها خناطيل2 وأشباه هذا كثير. والقياس من بعد أنه متى ورد عليك لفظ أن3 تتناوله على ظاهره, ولا تدَّعي فيه قلبًا ولا تحريفًا إلّا أن تضح سبيل أو يقتاد دليل. ومن طريف هذا الباب قولك في النسب إلى "محيَّا": "محويّ" وذلك أنك حذفت الألف لأنها خامسة فبقي مُحَيّ كقُصَيّ، فحذفت للإضافة ما حذفت من قُصَيّ وهي الياء الأولى التي هي عين "محيَّا" الأولى, فبقي "محي" فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها, فصارت "مُحًا" كهُدىً. فلما أضفت إليها قلبت الألف واوًا فقلت "مُحَوِىّ" كقولك في هُدىً: هُدَوِيّ4. فمثال محوي في اللفظ "مُفَعِىّ" واللام على ما تقدَّم محذوفة, ثم إنك من بعد لو بنيت من "ضرب"

_ 1 أي: ابن مقبل كما في اللسان في لعع. وفي السمط 447 أنه اختلف فيه, فبعضهم ينسبه إلى جران العود، وبعضهم إلى ابن مقبل، وفي منتهى الطلب هذا البيت من قصيدة عدتها خمسة وأربعون بيتًا لجران العود، وقال: "وتروى للقحيف الخفاجي، للحكم الخضري" وأول القصيدة: بان الأنيس فما للقلب معقول ... ولا على الجيرة الغادين تعويل 2 الحوذاذ: نبت. "يشحطها" كذا بالشين في أ، ب، ش. وفي اللسان في غير موضع: "يسحطها" بالسين، والشخط والسحط: الذبح, والسحط: أعلى. والرجج: اللعاب, وخناطيل: قطع متفرقة. يصف بقرة أكل السبع ولدها، فهو تغص بما لا يغص به من اللعاع الأخضر حتى لكاد يذبحها، وهي تغص أيضًا باللعاب الذي ينقطع خناطيل حزنًا على ولدها. 3 كذا. وكأن الأصل: "فالواجب أن تتناوله ... " أو كأن المؤلف راعى أن هذه العبارة خبر عن "القياس", وهذا لا يستقيم مع "أنه"، وفي ج: "وبعد فمتى ورد عليك لفظان فاحملهما على ظاهرهما، ولاتدع في واحد منهما قلبًا ولا تحريفًا إلّا أن يدلّ على شيء من ذلك دليل, فتصير حينئذ إلى ما دل عليه الدليل" وهي ظاهرة. 4 وكذلك لو نسبت إلى المحي "اسم فاعل من حيا" وانظر شرح الرضي للشافية 2/ 45.

-على1 قول من أجاز الحذف في الصحيح لضربٍ من الصنعة- مثل قولك: "محويّ" لقلت "مضريّ" فحذفت الياء من "ضرب" كما حذفت لام "محيّا". أفلا تراك كيف أحلت بالصنعة لفظ "ضرب" إلى لفظ "مضر" فصار "مضريّ" كأنه منسوب إلى "مضر". وكذلك لو بنيت مثل قولهم في النسب إلى تحيّة 2: "تحويّ" من نزف أو نشف أو نحو ذلك لقلت: تَنَفِيّ. وذلك أن "تحية" تفعلة, وأصلها "تحيية" كالتسوية والتجزئة, فلما نسبت إليها حذفت أشبه حرفيها بالزائد وهو العين, أعني: الياء الأولى, فكما تقول في "عصية وقضية" عصويّ وقضويّ, قلت أيضًا في تحية "تحويّ" فوزن لفظ "تحويّ" الآن "تفليّ" فإذا أردت مثل3 ذلك من نزف ونشف، قلت "تنفي" ومثالها "تفلي", إلّا أنه مع هذا خرج إلى لفظ الإضافة إلى تنوفة إذا قلت "تنفيّ" كقول العرب في الإضافة إلى "شنوءة": شنئيّ. أفلا ترى إلى الصنعة كيف تحيل لفظًا إلى لفظ, وأصلًا إلى أصل. وهذا ونحوه إنما الغرض فيه الرياضة به4, وتدرب الفكر بتجشمه, وإصلاح الطبع لما يعرض في معناه وعلى سمته. فأمّا لأن يستعمل في الكلام "مضريّ" من "ضرب"، و"تنفي" من "نزف" فلا. ولو كان لا يخاض في علم من العلوم إلّا بما لا بُدَّ5 له من وقوع مسائله معينة محصلة لم يتم علم على وجهٍ ولبقي مبهوتًا6 بلا لحظٍ7

_ 1 الحذف في هذه الصيغة للتمرين جائز عند أبي علي أستاذ المؤلف. وانظر الكتاب السابق 3/ 296. 2 انظر في النسب إلى تحية شرح الرضي للشافية 2/ 31. 3 يريد أن تأخذ كلمة من هذين الفعلين على تفعله، فنقول: تنزفة وتنشقة, ثم تنسب إليهما على حذف العين فتقول: تنفي فيهما. 4 كذا في أ. وسقط في ب، ش. 5 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 6 كذا في أ، ب. وفي ش، هـ: "مهوتًا". يريد بالميهوت المرتجل لذي لم يدير ولم يرو فيه، من قولهم: بهته، أخذه بغتة. 7 كذا في أ. وفي ش،: "لحظة وفي د: "لحظه".

ومخشوبًا1 بلا صنعة, ألا ترى إلى كثرة مسائل الفقه والفرائض والحساب والهندسة وغير ذلك من المركبات المستصعبات، "وذلك"2 إنما يمر في الفرط3 منها الجزء النادر الفرد, وإنما الانتفاع بها من قبل ما تقنيه النفس من الارتياض بمعاناتها.

_ 1 المراد به هنا: ما ليس مصقولًا. 2 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في ش؛ ب. 3 أي: في الحين. ويقال: إنما ألقى فلانًا في الفرط إذا كنت تلقاه بعد أيام, وتقول أيضًا: ألقاء في الفرط أي: في الحين بعد الحين.

باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف والحركات والسكون

باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في 1 الحروف والحركات والسكون: غرضنا من هذا الباب ليس ما جاء به الناس في كتبهم نحو: وجدت في2 الحزن, ووجدت الضالة , ووجدت في الغضب, ووجدت أي: علمت؛ كقولك: وجدت الله غالبًا, ولا كما جاء عنهم من نحو: "الصدى": الطائر يخرج من رأس المقتول إذا لم يدرك بثأره، "والصدى": العطش، "والصدى": ما يعارض الصوت في الأوعية الخالية، و"الصدى" من قولهم: فلان صدى مال, أي: حسن الرعية له والقيام عليه. ولا "هل "3 بمعنى الاستفهام, وبمعنى قد, و "أم " للاستفهام وبمعنى بل, ونحو ذلك, فإن هذا الضرب من الكلام -وإن كان أحد4 الأقسام الثلاثة عندنا التي أولها اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين "ويليه"5اختلاف اللفظين واتفاق المعنيين- كثير في كتب العلماء, وقد تناهبته أقوالهم, وأحاطت بحقيقته أغراضهم. وإنما غرضنا هنا ما6 وراءه من القول على هذا النحو في الحروف والحركات والسكون المصوغة في أنفس الكلم.

_ 1 هذا متعلق بقوله: "اتفاق اللفظين", ومن الأمثلة التي يذكرها عجان يأتي مفردًا وجمعًا، فهما لفظان اتفقا في الحرف وهو الألف، ولكن المعنى مختلف، والفلك مفردًا والفلك جمعًا لفظان اتفقا في السكون والمعنى مختلف. 2 كذا في أوسقط في ش، ب. 3 كذا في أوفي ش، ب: "كهل". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "آخر"، ويريد بأحد الأقسام الثلاثة اتفاق اللفظين مع اختلاف المعنى. وانظر في الأقسام الثلاثة الكتاب 1/ 7. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "وثانيها". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "فساد".

من ذلك الحروف. قد يتفق "لفظ الحروف ويختلف معناها"1 وذلك نحو قولهم: درع دلاص2، وأدرع دلاص, وناقة هجان3, ونوق هجان. فالألف في دلاص في الواحد بمنزلة الألف في ناقة كناز4، وامرأة ضناك5، و"الألف في دلاص"6 في الجمع بمنزلة ألف ظراف وشراف؛ وذلك لأن العرب كسرت فعالًا على فعال, كما كسرت فعيلًا على فعال, نحو: كريم وكرام, ولئيم ولئام. وعذرها في ذلك أن فعيلًا أخت7 فعال, ألا ترى أن كل واحد منهما ثلاثي الأصل, وثالثه حرف لين, وقد اعتقبا أيضًا على المعنى الواحد نحو: كليب وكلاب, وعبيدٍ وعباد, وطسيس8 وطساس، قال الشاعر 9: قرع يد اللعابة الطسيسا10

_ 1 كذا في أ. في ش، ب: "لفظا الحرف ويختلف معناه". 2 أي: ملساء لينة. 3 أي: بيضاء كريمة. 4 أي: كثيرة اللحم صلبة. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "صناك. والصناك: الضخمة". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "ألف دلاص". 7 كذا في ش، ب وفيهما بعد: "أخف من فعال"، وهو الموجود في أ, وهذا كله خطأ, وما أثبت موافق لما في اللسان عن ابن سيده في هجن. 8 الواحد الطس، وهو الطست. 9 هو رؤبة كما في اللسان في طسس. وهو من أرجوزة عدة أشعارها 159 في مدح أبان بن الوليد البجلي مطلعها: دعوت رب العزة القدوسا ... دعاء من لا يقرع الناقوسا حتى أرانا وجهك المرغوسا ويقال: وجه مرغوس: طلق مبارك ميمون. 10 قبله في وصف الليل: وجل ليل يحسب السدوسا ... يستسمع الساري به الجروسا هَمَاهِمًا يسهرون أورسيسا ... علوت حين يخضع الرعوسا جل الليل: معظمه. والسدوس "بفتح السين وضمها" الطيلسان الأخضر، والجروس جمع الجرس وهو الصوت، والهماهم جمع همهمة، وهو الصوت غير البين، والرسيس: الحدث الخفي، من قولهم: هم يتراسون الخير, أي: يسروّنه. والرعوس: الذي يهز رأسه في نومه. وقوله: "قرع يد اللعابة الطسيسا" أي: إن النوم يميل الرعوس ويلعب بها، كما يلعب اللاعب بالطسيس.

فلما كانا كذلك -وإنما بينهما اختلاف حرف اللين لا غير, ومعلوم مع ذلك قرب الياء من الألف, وأنها أقرب إلى الياء منها إلى الواو- كُسِّر أحدهما على ما كُسِّر عليه صاحبه, فقيل: درع دلاص وأدرع دلاص, كما قيل: ظريف وظراف, وشريف وشراف. ومثل ذلك قولهم في تكسير عُذَافِر1، وجُوَالِق: عَذافِر وجَوالِق, وفي تكسير قُناقِن 2: قَنَاقِن, وهُداهِدٍ: هَداهِد, قال الراعي: كهُداهِدٍ كسر الرماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هَدِيلا3 فألف عُذافِرٍ زيادة4 لحقت الواحد للبناء لا غير, وألف عَذافِر ألف التكسير كألف دَراهم ومنابر. فألف عُذافِر تحذف كما تحذف نون جَحَنْفَلٍ في جحافِل، وواو فَدَوْكسٍ، في فداكِس، وكذلك بقية الباب. وأغمض من ذلك أن تسمى رجلًا بعبالٍّ وحمارٍّ, جمع عبالة5 وحمارةٍ6، على حد قولك: شجرة وشجر, ودجاجة7 ودجاج, فتصرف فإن كسرت عبالًا وحمارًا هاتين قلت حَمَارُّ وعَبَالٌّ فلم تصرف؛ لأن هذه الألف الآن ألف التكسير بمنزلة ألف مخاد ومشاد, جمع مخدة ومشد8. أفلا نرى إلى هاتين9 الألفين كيف اتفق

_ 1 هو الأسد، والعظيم الشديد. 2 هو البصير بالماء في حفر القنى. 3 الهداهد، الهدهد، والهديل: صوته, والمشبه به رجل أخذ عامل الزكاة إبله ظلمًا، وهو مذكور في قوله قبل: أخذوا حمولته فأصبح قاعدًا لا يستطيع عن الديار حويلًا وانظر اللسان في هدد، والقصيدة بطولها في جمهرة أشعار العرب. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "زائدة". 5 يقال: ألقى عليه عبالته, أي: ثقله. 6 حمار الغيظ: شدته. 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "حاجة رحاج" 8 كذا في أ، فيما يظهر. وفي ش، ب: "مشدة". 9 كذا في ش، ب. وفي أ: "قياس".

لفظاهما واختلف معناهما، ولذلك لم تصرف الثاني لما ذكرنا وصرفت الأول، لأنه ليست ألفه للتكسير, إنما هي كألف دجاجةٍ وسمامةٍ1، وحمامةٍ. ومن ذلك أن توقع في قافية اسمًا لا ينصرف منصوبًا في لغة من نوّن القافية في الإنشاد, نحو قوله 2: أقلِّ اللوم عاذل والعتابن فتقول في القافية: رأيت سعادًا, فأنت في هذه النون مخيّر: إن شئت اعتقدت أنها نون الصرف, وأنك صرفت الاسم ضرورة أو على لغة3 من صرف جميع ما لا ينصرف, كقول الله تعالى: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} 4, وإن شئت جعلت هذه النون في سعادًا نون الإنشاد كقوله: داينت أروى والديون تقضن ... فمطلت بعضًا وأدت بعضن5 وكذلك أيضًا تكون النون التي في قوله: وأدت بعضن، هي اللاحقة للإنشاد، كقوله6: يا أبتا علّك أو عساكن

_ 1 من معانيه: شخص الرجل وما شخص من الديار الخراب. 2 أي: جرير، وهو مطلع قصيدته المشهرة في هجاء الراعي النميري. وتمامه: وقولي غن أصبت لقد أصابن 3 هذه لغة حكاها ثعلب على ما في الأشموني, والتصريح في أواخر باب ما لا ينصرف. وحكاها الأخفش على ما في 1/ 37، وقال: "وكأن هذه لغة الشعراء؛ لأنهم قد اضطروا إليه في الشعر، فجرت ألسنتهم على ذلك في الكلام، وانظر البحر لأبي حيان 8/ 294. 4 آية 4، سورة الإنسان. 5 ورد هذا الرجز في الكتاب 2/ 200. وقوله: "تقضن" كتب في أبجانبه: "ضا", وكذا قوله: "بعضن" كتب فيها أيضًا: "ضا"، دلالة على أن الأصل: تقضي، وبعضًا. 6 أي: رؤبة، وقيل العجاج. وانظر الكتاب 1/ 388، 2/ 299. وفي الخزانة 2/ 334: "والأكثرون على أن هذا الرجز لرؤبة بن العجاج لا الجعاج".

ولكن إنما يفعل ذلك في لغة1 من وقف على المنصوب بلا ألف كقول الأعشى: وآخذ من كل حيّ عصم2 وكما رويناه عن قطرب من قول آخر 3: شئز جنبي كأنِّي مهدأ ... جعل القين على الدفِّ إبر4 وعليه قال أهل هذه5 اللغة في الوقف: رأيت فَرَح6. ولم يحك سيبويه هذه اللغة، لكن حكاها الجماعة: أبو الحسن، وأبو عبيدة, وقطرب, وأكثر الكوفيين, فعلى هذه اللغة يكون قوله: فمطلت بعضًا، وأدت بعضن7

_ 1 تعرف هذه اللغة في كتب النحو بلغة ربيعة. 2 صدره: إلى المرء قيس أطيل السرى. وانظر المصباح المنير 29. والبيت هو العشرون من قصيدته التي أولها: أتهجو غانية أم تسلم ... أم الحبل وراء بها منجذم والعصم جمع العصمة وهي السبب, والحبل أي: العهد، وقد فسَّرها بذلك ابن هشام صاحب السيرة في ص2/ 224 على هامش الروض، وقد يعبِّر عنها بالهذوفة وهي الخفارة. وانظر اللسان في بذرق. 3 هو عدي بن زيد كما في اللسان في هدأ، وكما في شعراء النصرانية 1/ 450-453. 4 قبل هذا البيت كما في شعراء النصرانية: وكأن الليل فيه مثله ... ولقدمًا طنَّ بالليل القصر لم أغمض طوله حتى انقضى ... أتمنى لو أرى الصبح حسر شئز: قلق، يقال: شئز الرجل إذا قلق من همٍّ أو مرض، ومهدأ من أهدأ الصبي إذا علله لينام، والدف الجنب. يقول: إن الهموم غشينه فهو قلق كأنه صبي يتعاصى على النوم فهو يملل لينام، وكأنما كوى القين -وهو الحداد- جنبه بالإبر المحماة. 5 كذا في ش، ب، ج. وسقط هذا في أ. 6 كذا بالحاء المهملة في أ. وفي ش، ب، ج: "فرج". 7 كتب في أفوق الضاد: "منا".

إنما نونه نون الإنشاد لا نون الصرف, ألا ترى أن صاحب هذه اللغة إنما يقف على حرف الإعراب ساكنًا فيقول: رأيت زيدْ كالمرفوع والمجرور, هذا هو الظاهر من الأمر. فإن قلت: فهل تجيز1 أن يكون قوله: وأدت بعضًا, تنوينه تنوين الصرف لا تنوين الإنشاد, إلّا أنه على إجراء الوقف مجرى الوصل كقوله: بل جو زتيهاء كظهر الحجفت2 فإن هذا وإن كان ضربًا من ضروب المطالبة فإنه يبعد, وذلك أنه لم يمر بنا عن أحد من العرب أنه يقف في غير الإنشاد على تنوين الصرف, فيقول في غير قافية الشعر: رأيت جعفرن, ولا كلمت سعيدن, فيقف بالنون. فإذا لم يجئ مثله قبح حمله عليه. فوجب حمل قوله: وأدت بعضن على أنه تنوين الإنشاد على ما تقدَّم من قوله 3: ولا تبقي خمر الأندرينن وأقلِّي اللوم عاذل والعتابن وما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجنْ4

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "يجوز". 2 انظر ص305 من الجزء الأول. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "قول عمرو بن كلثوم". وهو الشطر الأخير من مطلع معلقته المشهورة. 4 مطلع أرجوزة للعجاج، عجزه: من طلل كالآحمى أنهجن

ولم تحضرنا هذه المسألة في وقت عملنا الكتاب "المعرب"1 في تفسير قوافي أبي الحسن, فنودعها إياه فلتلحق هذه المسألة به بإذن الله. فإذا مرَّ بك في الحروف ما هذه سبيله فأضفه إليه. ومن ذلك الحركات. هذه الحال موجودة في الحركات وجدانها في الحروف, وذلك كامرأة سميتها بحيث, وقبل, وبعد, فإنك قائل في رفعه: هذه حيثُ, وجاءتني قبلُ, وعندي بعدُ. فالضمة الآن إعراب, وقد كانت في هذه الأسماء قبل التسمية بها بناء. وكذلك لو سميتها بأين وكيف, فقلت: رأيت أينَ, وكلمت كيفَ, لكانت هذه الفتحة إعرابًا بعد ما كانت قبل التسمية في أين وكيف بناء. وكذلك لو سميت رجلًا بأمسِ وجيرِ, لقلت: مررت بأمسٍ وجيرٍ, فكانت هذه الكسرة إعرابًا بعد ما كانت قبل التسمية بناء. وهذا2 واضح. فإن سميته بهؤلاء فقلت "في الجر" 3: مررت بهؤلاء، كانت4 كسرة الهمزة بعد التسمية به هي "الكسرة قبل"5 التسمية به6. وخالف "هؤلاء" باب أمس وجير, وذلك أن "هؤلاء" مما يجب بناؤه وحكايته بعد التسمية به7 على ما كان من قبل التسمية؛ ألا ترى أنه اسم ضمّ إليه حرف،

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "المغرب"، وانظر ص68 من تصدير هذا الكاب. 2 قد يقول قائل في أمس وجير: أنهما قبل التسمية غير منونين، وبعد التسمية منونان, وهاتان حالتان متعاديتان لا تشتبهان. 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "بالجرّ". 4 كذا في ب، ش. وفي أ: "لكانت". واللام غير سائغة هنا مع جواب "إن", وقد وقعت في ج وهي سائغة هناك, فإن فيها: "فلو سميته". 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "كسرة قبل". 6 كذا في ش, ب. وسقط في أ. 7 ثبت في أ، وسقط في ش، ب، وانظر في التسمية بهؤلاء، ولعل الكتاب 2/ 67.

فأشبه الجملة، كرجل سميته بلعلّ, فإنك تحكي الاسم؛ لأنه حرف ضمّ إليه حرف, وهو "عَلَّ" ضمت إليه اللام, كما أنك لو سميته بأنت لحكيته أيضًا, فقلت: رأيت أنت ولعلَّ, فكانت الفتحة في التاء بعد التسمية به هي التي كانت فيه قبلها, لكنك إن سميته بأولاء أعربته فقلت: هذا أولاءٌ, ورأيت أولاءً ومررت بأولاءٍ, فكانت الكسرة لأن فيه إعرابًا لا غير؛ لأن أولاء اسم مفرد مثاله1 فعال كغراب وعقاب. ومن الحركات في هذا الباب أن ترخّم اسم رجل يسمَّى2 منصورًا, فتقول على لغة من قال يا حارِ: يا منصُ, ومن قال يا حارُ قال كذلك أيضًا بضم الصاد في الموضعين جميعًا. أما على يا حارِ فلأنك حذفت الواو وأقررت الضمة بحالها, كما أنك لما حذفت الثاء أقررت الكسرة بحالها. وأما على يا حارُ فلأنك حذفت الواو والضمة قبلها كما في يا حارُ حذفت الثاء والكسرة قبلها، ثم اجتلبت3 ضمة النداء فقلت: يا مَنْصُ. فاللفظان كما ترى واحد, والمعنيان مختلفان. وكذلك إن سميته بيرثن، وثرتم4، ويعقوب5، ويربوع، ويعسوت. ومثل ذلك قول العرب في جمع الفُلكِ: الفُلْك, كسروا فُعْلًا على فُعْلٍ, من حيث كانت فُعْل تعاقب فَعَلًا على المعنى الواحد, نحو: الشُغْل والشَغَلِ, والبُخْلِ والبَخَل, والعُجْمِ والعَجَم, والعُرْب والعَرَب. وفَعَلٌ مما يكسر على فُعْل كأََسَدٍ،

_ 1 كذا في أ، وفي سائر الأصول: "مثال". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "سمي". 3 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "أعقبت". 4 هو ما فضل من الطعام في الإناء. 5 يريد به ذكر الحجل، وهو عربي, فأما يعقوب أبو يوسف -عليهما السلام- فهو أعجمي، وهو علم البتة؛ والحكم فيما من جهة الترخيم واحد.

وأسْد, ووَثَنٍ ووُثْن. حكى صاحب1 الكتاب "إن تدعون من دونه إلا أُثْنا" وذكر أنها قراءة. وكما2 كسروا فَعَلا على فُعْل, وكانت فُعْل وفَعَل أختين معتقبتين على "المعنى"3 الواحد كعجمٍ وعَجَم, وبابه, جاز أيضًا أن يكسر فُعْل على فُعْل, كما ذهب إليه صاحب4 الكتاب في الفُلْكِ؛ إذ كسر على الفُلْك, ألا ترى أن قوله عز اسمه: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} 5 يدل على أنه واحد, وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} 6 فهذا يدل على الجمعية. فالفُلْك إذًا في الواحد بمنزلة القُفْلِ, والخُرْج والفُلْك في الجميع بمنزلة الحُمْرِ والصُفْر. فقد ترى اتفاق الضمَّتين لفظًا واختلافهما تقديرًا ومعنى. وإذا كان كذلك فكسرة الفاء في هجان ودلاص في الواحد ككسرة الفاء في كنازٍ وضناكٍ, وكسرة الفاء في هجانٍ ودلاصٍ في الجمع7 ككسرة الفاء في كرامٍ ولئام. ومن ذلك قولهم: قنو وقنوانٌ, وصنو وصنوانٌ, وخشف وخشفانٌ، ورئد8 ورئدان, ونحو ذلك مما9 كسر فيه فِعْل على فِعْلان؛ كما كسروا فَعَلا على فِعْلان. وذلك أن فِعْلا وفَعَلا قد اعتقبا على المعنى الواحد نحو: بِدْلٍ وبَدَلٍ, وشِبْهٍ وشَبَهٍ, ومِثْلٍ ومَثَلٍ. فكما كسروا فَعَلا على فِعلان كَشَبثٍ10 وشبْثان, وخَرَبٍ11 وخِرْبانٍ, ومن المعتل تاج وتيجان, وقاع وقيعان, كذلك كسروا أيضًا فِعْلًا على فِعْلان فقالوا: قِنْو وقِنْوانٌ, وصِنْو وصِنْوانٌ.

_ 1 الذي في الكتاب 2/ 177: "وذلك نحو: أسد وأسد، ووثن ووثن، بلغنا أنها قراءة، وقراءة أثن ذكرها أبو حبان ولم يعزها، وأثن عليها ميدلة من وثن، وانظر البحر 3/ 352 عند قوله تعالى في سورة النساء الآية: 117: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} . 2 كذا في أ. وسقط حرف العطف في ش، ب. 3 كذا في ج. وسقط في أ، ب، ش. 4 انظر الكتاب 2/ 181. 5 آية 119 سورة الشعراء، آية 41 سورة يس. 6 آية 22 سورة يونس. 7 كذا في ش، ب. وفي أ "الجميع". وانظر في هجان ودلاس الكتاب 2/ 209. 8 هو ما لان من الأغصان. 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيما". 10 هو دويبة كثيرة الأرجل. 11 هو ذكر الحبارى.

ومن وجه آخر أنهم رأوا فِعْلا وفُعْلا قد اعتقبا على المعنى الواحد نحو: العِلْو والعُلْو, والسِفْل والسُفْل, والرِجْز والرُجْز, فكما كسروا فُعْلا على فِعلان ككُوزٍ وكِيزان, وحوت وحيتان, كذلك كسروا أيضًا فِعْلا على فِعلان نحو: صنو وصنوان، وحسلٍ1 وحسلان، وخشف وخشفان. فكما أن كسرة فاء شِبثان وبِرقان غير فتحة فاء شَبثٍ وبَرق2 لفظًا، فكذلك كسرة فاء صنو غير كسرة فاء صِنوان تقديرًا. وكما3 أن كسرة فاء حيتان وكيزان غير ضمة فاء كُوزٍ وحوت لفظًا, فكذلك أيضًا كسرة فاء صِنوان غير كسرة فاء صِنْو تقديرًا. وسنذكر في كتابنا هذا "باب حمل"4 المختلف فيه على المتفق عليه بإذن الله. وعلى هذا فكسرة فاء هجان ودلاص لفظًا غير كسرة فاء هجان ودلاص تقديرًا, كما أن كسرة فاء كرام ولئام غير فتحة فاء كريم ولئيم لفظًا. وعلى هذا استمرار ما هذه سبيله فاعرفه. وأما السكون في هذه الطريقة فهو كسكون نون صِنْو وقِنْوٍ, فينبغي أن يكون في الواحد غير سكون نون صِنوان وقِنْوان؛ لأن هذا شيء أحدثته الجمعية, وإن كان بلفظ ما كان في الواحد, ألا ترى أن سكون عين شِبْثان وبِرْقان غير فتحة5 عين شَبَث وبَرَق, فكما أن هذين مختلفان لفظًا، فكذلك ذانك السكونان4 هما مختلفان تقديرًا. ونظير فِعْل وفِعْلان في هذا الموضع فُعْل وفُعْلان في قولهم: قُوم6 وقُومَان, وخُوط7 وخُوطان. فواجب إذًا أن تكون الضمة والسكون في فُوم غير الضمة والسكون في فُومان, وكذلك خُوط وخُوطان. ومثله أن سكون عين بُطْنان وظُهْران

_ 1 هو ولد الضب. 2 هو الحمل، وهو الصغير من ولد الضأن. 3 كذلك في م وفي غيرها: "فكما". 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "بابًا من". 5 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 6 فسر بالزرع، والحنطة، وفسر بغير ذلك من الحبوب. 7 هو الغصن الناعم.

غير سكون عين بَطْن وظَهْر, الباب واحد1 غير مختلف. وكذلك كسرة اللام من دِهْليِز ينبغي أن تكون غير كسرتها في دهالِيز؛ لأن هذه كسرة ما يأتي بعد ألف التكسير "وإن لم يكن في الواحد مكسورًا"2؛ "نحو: مفتاح"3 ومفاتيح، وجُرْموق4 وجرامِيق. وعلى هذا أيضًا يجب أن تكون5 ضمة فاء رُبَابٍ غير6 ضمة فاء رُبى؛ لأن رُبَابًا كعُراق وظُؤارٍ ونُؤَام, فكما أن أوائل كلٍّ منهن على غير "أول"7, واحده الذي هو عرق8، وظئر9، وتوأم لفظًا, فكذلك فليكن أول رُبَى ورُبَابٍ تقديرًا.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "الواحد". 2 سقط ما بين القوسين في ش، ب. وثبت في أ. 3 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "كمفتاح". 4 هو ما يلبس فوق الخف. 5 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 6 الربى: الشاة الحديثة النتاج. والرباب جمعها. 7 ثبت في الأصول ما عدا أ. 8 هو العظم أُكِل لحمه. 9 هو المرضعة لولد غيرها.

باب في اتفاق المصاير على اختلاف المصادر

باب في اتفاق المصاير؛ على 1 اختلاف المصادر: من ذلك اسم الفاعل والمفعول في "افتعل" مما عينه معتلة, أو ما فيه تضعيف. فالمعتل نحو قولك: اختار فهو مختار, واختير فهو مختار: الفاعل والمفعول واحد لفظًا, غير أنهما مختلفان تقديرًا, ألا ترى أن أصل الفاعل "مختِير" بكسر العين, وأصل المفعول "مختَير" بفتحها. وكذلك هذا رجل معتاد للخير, وهذا أمر معتاد, وهذا فرس مقتاد إذا قاده صاحبه الصاحب مقتاد له. وأما المدغم فنحو قولك: أنا معتدّ لك بكذا وكذا, وهذا أمر معتَدّ به. فأصل الفاعل "معتِدد" كمقتطع وأصل المفعول "معتَدد" كمقتَطع. ومثله هذا

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ، ج "عن".

فرس مستن لنشاطه, وهذا مكان مستن فيه, إذا استلّت1 فيه2 الخيل, ومنه قولهم: "استنّت الفصال حتى القَرْعى "3. وكذلك افعَلَّ وافعالَّ من المضاعف أيضًا؛ نحو: هذا بسر محمرّ ومحمارّ, وهذا وقت محمر فيه ومحمار فيه. فأصل الفاعل محمِرر ومحمارِر مكسور العين, وأصل المفعول محمَرر ومحارَر فيه مفتوحها. وليس كذلك اسم الفاعل والمفعول في افعلّ وأفعال "إذا ضعف فيه حرفا علة"4, بل ينفصل فيه اسم الفاعل من اسم المفعول عندنا, وذلك قولك: هذا رجل مُرْعَوٍ وأمر مُرْعَوى إليه, وهذا رجل مًغَزاوٍ وهذا وقت مُغْزَاوًى فيه5؛ لكنه على مذهب الكوفيين لا فرق بينهما؛ لأنهم يدغمون هذا النحو من مضاعف المعتل, ويجرونه مجرى الصحيح, فيقولون: اغزوا يغزاو, واغزوَّ يغزوّ. واستشهد أبو الحسن على فساد مذهبهم بقول العرب: أرعوى. قال: ولم يقولوا: أرعوَّ. ومثله من كلامهم قول يزيد بن الحكم -أنشدنيه أبو علي وقرأته في القصيدة عليه: تبدّل خليلًا بي كشكلك شكله ... فإني خليلًا صالحًا بك مُقْتَوِى6 فهذا عندنا مُفْعِّل من القنو, وهو المراعاة والخدمة كقوله: إني امرؤ من بني خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا7

_ 1 يقال: استن الفرس في المضمار إذا جرى في نشاطه على سنته في جهة واحدة. 2 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب. 3 أي: جرت الفصال مرحًا حتى القرعى منهما، وهي تنزو تشبهًا بالصحاح. وهذا مثل بضرب للرجل يدخل نفسه في قوم ليس مهم. 4 كذا في أوفي ش: "وافتعل مما ضعف فيه حرف علة", وفي ب: وافتعل مما ضعف فيه حرفا علة". 5 كذا في ش، ب. وفي أ "إليه". 6 انتصب خليلًا بمقنوى على تضمينه معنى متخذ، ربك أي: بذلك. 7 "خزيمة" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "سليمة", وما أثبت موافق لما في اللسان في قنو. "الحفدا" كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان في قنو: الحبا. والحقد أصله الحفد أصله الحفد فحرك، وهو الخدمة.

وفيها1 أيضًا: مُدْحَوِى، وفيها أيضًا مُحْجَوِى: فهذا كله مُفْعَل كما تراه غير مدغم. وانفعل في المضاعف كافتعل, نحو قولك: هذا أمر منحل, ومكان منحل فيه، ويوم منحل فيه، أي: تنحل2 فيهما الأمور. فهذا طرف3 من هذا النحو. ومن ذلك قولك في تخفيف "فُعْل" من جئت على قول الخليل وأبي الحسن تقول في القولين جميعًا: جي، غير أن هذين الفرعين المتفقين التقيا عن أصلين مختلفين. وذلك أن الخليل يقول في "فُعْل" من جئت: جيء كقوله فيه من بِعْت بِيعٌ. وأصل الفاء عنده الضم, لكنه كسرها لئلّا تنقلب الياء واوًا, فيلزمه أن يقول: بُوع. ويستدل على ذلك بقول العرب في جمع أبيض وبيضاء: بيض. وكذلك "عين" تكسير ًاعْيَن وعَيْناء، و"شِيم" في أشيم4 وشيماء. وأبو الحسن يخالفه فيقر الضمة في الفاء فيبدل لها العين واوًا فيقول: بُوع وجُوء. فإذا5 خففا جميعًا صارا إلى جُيٍ لا غير. فأما الخليل فيقول: إذا تحركت العين بحركة الهمزة الملقاة عليها فقويت رددت ضمة الفاء لأغنى6 على العين القلب فأقول: جيٌ, وأما أبو الحسن فيقول: إنما كنت قلت: جُوء فقلبت العين واوًا لمكان الضمة

_ 1 أي: في قصيدة يزيد بن الحكم مدحو ومحجو. وهما في قوله: أفحشًا وخبًّا واختناء عن الندى ... كأنك أفعى كدية فرَّ محجوى فيدحو بك الداحي إلى كل سوءة ... فياشر من يدحو بأطيش مدحوي الاختناء: التقبض، والكدية، الأرض الغليظة الصلبة، ومحجو: منطو، ومدحو: مرَّ بي وكأنه مطاوع دحاء وكأنه يقال دحوت الشئ. فادحوى. وانظر الأمال 1/ 68 والخزانة 1/ 496، وأمالي ابن الشجري 1/ 176. 2 كذا في أ، ب. وفي ش "منحل". 3 كذا في أ. وفي ش: "طور". 4 هو الذي به شامة، وهي لون يخالف لون سائر البدن. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "وإذا". 6 كذا في ب. وفي ش: "الأمني", وهو في أ "لأبني" وكل ذلك تحريف.

قبلها وسكونها، فإذا قويت1 بالحركة الملقاة عليها تحصنت فحمت نفسها من القلب, فأقول: جَيٌ. أفلا ترى إلى ما ارتمى إليه الفرعان من الوفاق بعد ما كان عليه الأصلان من الخلاف. وهذا ظاهر. ومن ذلك قولك في الإضافة إلى مائة في قول سيبويه ويونس جميعًا فيمن ردَّ اللام: مئوي كمعوي, فتوافى اللفظان على أصلين مختلفين. ووجه ذلك أن مائة أصلها عند الجماعة مِئية ساكنة العين, فلما حذفت اللام تخفيفًا جاورت العين تاء التأنيث فانفتحت على العادة, والعرف في ذلك فقيل: مئة. فإذا رددت اللام فمذهب سيبويه أن يقرّ2 العين بحالها متحركة, وقد كانت قبل الرد مفتوحة فتقلب لها اللام ألفًا فيصير تقديرها 3: مِئا كمِعَى4, فإذا أضفت إليها أبدلت الألف واوا فقلت: مئوي كثنوي. وأما مذهب يونس فإنه كان إذا نسب إلى فَعْلة أو فعْلة مما لامه ياء أجراه مجرى ما أصله فَعِلة, ألا تراه كيف كان يقول في الإضافة إلى ظَبْية: ظَبوَي, ويحتج بقول العرب في النسب إلى بطية 5: بِطَوِيّ, وإلى زنية: زِنَوِيّ, فقياس هذا أن تجري مائة -وإن كانت فِعْلة- مجرى فِعِلة فتقول فيها: مِئَوىّ. فيتفق اللفظان من أصلين مختلفين. ومن ذلك أن تبنى من قلت ونحوه فُعُلا, فتسكن عينه استثقالًا للضمة فيها فتقول: "فُولُ" كما يقول أهل الحجاز في تكسير عَوَان ونَوَار: عُون ونُور, فيسكنون, وإن كانوا يقولون: رُسُل وكُتُب بالتحريك. فهذا حديث فُعُل من باب قلت. وكذلك فُعْل منه أيضًا قُول فيتفق فُعُل وفُعْل, فيخرجان6 على لفظ متفق عن أول مختلف. وكذلك فِعْل من باب بعت, وفُعْل في قول الخليل وسيبويه: تقول7 فيهما جميعًا8

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 كذا في ش، أ. وفي ب "تقر". 3 كذا في أ، وسقط في ش، ب. وفيها: "فتصير". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "كثنى" وفي ج "كمنى". 5 ذكرها سيبوه ولم تفسره. وانظر الكتاب 2/ 75. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "عن". 7 كذا في ش، ب. وفي أ: "يقول". 8 كذا في أ. وسقط في ش، ب.

بيع. وسألت أبا عليّ -رحمه الله- فقلت: لو أردنا فُعْلات مما عينه ياء لا نريد بها أن تكون جارية على فِعْلة كتينة وتينات1؟ فقال: أقول على هذا الشرط: تونات, وأجراها لبعدها عن الطرف مُجرى واو عُوطَطٍ2. ومن ذلك أن تبنى من غَزَوت مثل إصبُع بضم الباء فتقول: إغزٍ. وكذلك إن أردت مثل إصبع, قلت أيضًا: إغز. فيستوي لفظ إفعُل ولفظ إفْعِل. وذلك أنك تبدل من الضمة قبل الواو كسرة فتقلبها ياء، فيستوي حينئذ لفظها ولفظ إفِعل. وإِصْبُع، وإن كانت مستكَرهة لخروجك من كسر إلى ضم بناء لازمًا، محكية؛ تروى عن متقدمي3 أصحابنا. وما يخرج إلى لفظ واحد عن أصلين مختلفين كثير, لكن هذا مذهبه وطريقه فاعرفه وقسه. ومن ذلك قولك في جمع تعزية وتعزوة4 جميعًا: تَعَازٍ "وكذلك اللفظ بمصدر تعازَينا أي: عَزَّى بعضًنا بعضًا: تعاز"5 يا فتى. فهذه تفاعُل كتضارُب وتحاسد, وأصلها تعازوٌ ثم تعازِى ثم تعازٍ. فأما6 "تعازٍ" في الجمع فأصل عينها الكسر كتتافِل وتناضِب، جمع تتفُل7 وتَنْضُبٍ8. ونظائره كثيرة.

_ 1 جواب لو محذوف، أي: فماذا يقال؟ 2 العوطط: ألا تلقَّح الناقة فتسمن لذلك، وهو اسم في معنى المصدر لقولم: عاطت الناقة تعيط. يريد أن الواو في عوطط مبدلة من الياء، ولم يقل: هيطط كما قيل بيض؛ لبعد الباء عن الطرق فلم تشبه بيضًا وإنما أشبهت موقنًا. الكتاب 2/ 377. وكذلك ما نحت فيه، وهو فعلات من التين على ألا يكون هذا جمعًا جاريًا على واجد بل يكون بناء مرتجلًا. 3 انظر ص70 في الجزء الأول من هذا الكتاب. 4 هي اسم للعزاء: كما حكاه المصنف عن أبي زيد. والواو هنا مبدلة من الياء لمكان الضمة قبلها؛ كما قالوا: الفتوة. وانظر اللسان "عزا". 5 ثبت ما بين القوسين في أ، وسقط في ش، ب. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "وأما". 7 هو ولد الثعلب. 8 هو شجر بنبت بالمجاز.

باب في ترافع الأحكام

باب في ترافع 1 الأحكام: هذا موضع من العربية لطيف لم أر لأحد من أصحابنا فيه رسمًا, ولا نقلوا إلينا فيه2 ذكرا. من ذلك مذهب العرب في تكسير ما كان من "فعل" على "أفعال" نحو: عَلَم وأعلام, وقدمٍ وأقدام, ورَسنٍ وأرسان, وفَدَنٍ وأفدانٍ. قال سيبويه: فإن كان على "فَعَلة" كسروه على "أَفْعُلٍ" نحو أَكَمةٍ وآكُمٍ. ولأجل ذلك "ما حمل"3 أمَّة على أنها "فَعَلة" لقولهم في تكسيرها: آمٍ, إلى هنا4 انتهى5 كلامه إلّا أنه أرسله ولم يعلله. والقول فيه عندي أن حركة العين قد عاقبت في بعض المواضع تاء التأنيث, وذلك في الأدواء نحو قولهم: رمث6 رمثًا، وحبط7 حبطًا، وحبج8 حبجًا.

_ 1 يريد أنه قد يجتمع في الكلمة أمران، يقضي كل منهما إذا انفرد بحكم في اللغة، تكون عليه الكلمة؛ فيكون ذلك داعيًا إلى إلغاء تأثيرها، فكان هذا، رفع حكم هذا، وهذا رفع حكم هذا وأبطله. فمن ثَمَّ صاغ ابن جني لهذا الأصل" ترافع الأحكام", ويقرب من هذا أقوال الأصوليين وأرباب الاستدلال: إن الأمرين إذا تعارضا تساقطا, وقد عرض لهذا الأصل المؤلف في المحتسب عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آية: 22] ، فقال: {أَمَنَةً} -بفتح الميم- أشبه بمعابة الأمن. ونظير ذلك قولهم: الحبط والحبج والرمث، كل ذلك في أدواء الأبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مغل مغلة، وحقل حقله، وقد أفردنا بابًا في كتابنا الخصائص لنحو هذا وهو: "باب ترافع الأحكام" وفي نسخة المحتسب المحفوظة في دار الكتب: "تدافع" وظاهر أنه تحرف. 2 كذا في ش، ب. وفي أ "له". 3 كذا في أ. وفي ب "ما يمل سيبويه". وفي ش "مما يحمل سيبويه". 4 كذا في أ، وفي ش، ب "هذا". 5 انظر الكتاب 2/ 191. 6 يقال: رمث البعير إذا اشتكى من أكل الرمث. وهو مرعى للإبل من الحمض. 7 أي: أصابه الحبط. وهو وجع ببطن البعير من كلأٍ يستوبله. 8 أي: أصابه الحبج، وهو انتفاخ بطن البعير من أكل السرفج.

فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين؛ فقالوا: حَقِل1 حَقْلة, ومغَل مَغْلة2. فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث. ومن ذلك قولهم: جَفْنة وجَفَنات, وقَصْعة وقَصَعات, لما حذفوا التاء حركوا العين. فلما تعاقبت التاء وحركة العين3 جريا4 لذلك مجرى الضدين المتعاقبين, فلما اجتمعا في "فَعَلة" ترافعا أحكامهما فأسقطت التاءُ حكم الحركة, وأسقطت الحركة حكم التاء. فآل الأمر بالمثال إلى أن صار كأنه فَعْل، "فَعْل" باب تكسيره "أَفْعُل". وهذا حديث من هذه الصناعة غريب المأخذ لطيف المضطرب. فتأمله فإنه مُجْدٍ عليك مُقَوٍّ لنظرك. ومن "فَعَلة" و"أفعُل" رَقَبة وأَرْقُب، وناقة وأَيْنُق. ومن ذلك أنَّا قد رأينا تاء التأنيث تعاقب ياء المد, وذلك نحو: فرازين5 وفرازنة, وحجاجيح6 وجحاجحة، وزناديق وزنادقة. فلما نسبوا إلى نحو حنيفة وبجيلة تصوروا ذلك الحديث أيضًا, فترافعت التاء والياء أحكامهما7، فصارت حنيفة وبجيلة إلى أنهما كأنهما حَنِف وبَجِل, فجريا لذلك مجرى شَقِر8 ونَمِر فكما تقول

_ 1 الحقلة: من أدواء الإبل، يعنيها من أكل التراب مع البقل. 2 المغلة: أيضًا داء في الحيوان من أكل البقل مع التراب. 3 كذا في أ. وفي ش، ب "الإعراب". 4 كذا في الأصول. والمناسب: "جرتا". 5 واحده فرزان، وهو من لعب الشطرنج. وانظر ص115 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 6 واحده جحجاح؛ وهو السيد. 7 كذا في ش، ب. وفي أ "أحكامها". 8 هو شقائق النعمان.

فيهما: شَقَرِيّ ونَمَريّ، كذلك قلت أيضًا في حنيفة: حنفيّ, وفي بجيلة: بجليّ. يؤكد ذلك عندك أيضًا أنه إذا لم تكن هناك تاء كان القياس إقرار الياء كقولهم في حنيف: حنيفيّ, وفي سعيد: سعيديّ. فأما ثقفي فشاذّ عنده1، ومشبه بحنفي. فهذا طريق آخر2 من الحجاج في باب حنفيّ وبجليّ, مضاف إلى ما يحتج به أصحابنا في حذف تلك الياء. ومما يدلك على مشابهة حرف المد قبل الطرف لتاء3 التأنيث قولهم: "رجل"4 صَنَع اليد وامرأة صَنَاع اليد, فأغنت الألف قبل الطرف مغنى5 التاء التي كانت تجب في صنعة, لو جاءت على حكم نظيرها نحو: حَسَن وحَسَنةٍ, وبَطَلٍ وبَطَلة. وهذا أيضًا حَسَن في بابه. ويزيد عندك في وضوح ذلك أنهم قالوا في الإضافة إلى اليمن والشام وتهامة: يمان وشآم وتهامٍ, فجعلوا الألف قبل الطرف عوضًا من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها6. وهذا يدلك أن الشيئين إذا اكتنفا الشيء من ناحيتيه تقاربت حالاهما "وحالاه"7 بهما, ولأجله وبسببه ما ذهب قوم إلى أنَّ حركة الحرف تحدث قبله, وآخرون إلى أنها تحدث بعده, وآخرون إلى أنها تحدث معه. قال أبو علي: وذلك لغموض الأمر وشدة القرب. نعم، وربما احتج بهذا8 لحسن تقدم الدلالة وتأخرها هذا في موضع "وهذا في موضع"9. وذلك لإحاطتهما جميعًا بالمعنى المدلول عليه.

_ 1 أي: عند سيبويه, وقيّد بذلك؛ لأن من النحويين غير سيبويه من يجعل هذا قياسًا؛ وهو المبرد. 2 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 3 كذا في أ. وفي ش، ب" تاء التأنيث". 4 زيادة من ب. 5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "معنى". 6 أي: بعد الطرف. وقد أنَّث الضمير باعتباره لفظة. 7 كذا في أ، ج. وهو ما في عبارة اللسان في تهم, وسقط هذا في ش، ب. 8 يريد أنه في يمان تقدّم الألف وتأخّر إحدى الياءين، وهما دلالتان على النسب. 9 كذا في أ. وسقط في ش، ب.

فمما تأخَّر دليله قولهم: ضربني وضربت زيدًا, ألا ترى أن1 المفسِّر للضمير المتقدم جاء من بعده. وضده زيد ضربته؛ لأن المفسِّر للضمير متقدم عليه. وقريب من هذا أيضًا اتباع الثاني للأول نحو: شُدٌّ2 وفِرّ2، وضّنَّ2، وعكسه قولك: اقتل, اُستُضعِف, ضممت الأول للآخر. فإن قلت: فإن في تهامة ألفًا, فلم ذهبت إلى أن الألف في تهام عوض من إحدى الياءين للإضافة؟ قيل: قال الخليل في هذا: إنهم كأنهم نسبوه إلى فَعْل أو فَعَل, وكأنهم فكوا3 صيغة تهامة فأصاروها إلى تَهَمٍ أو تَهْم, ثم أضافوا إليه فقالوا: تهامٍ. وإنما ميّل4 الخليل بين فَعْل وفَعَل، ولم يقطع بأحدهما؛ لأنه قد جاء هذا العمل في هذين المثالين جميعًا، وهما5 الشأم واليمن. وهذا الترجيم6 الذي أشرف عليه الخليل ظنًّا، قد جاء به السماع نصًّا7؛ أنشدنا أبو علي، قال أنشد8 أحمد بن يحيى: أرَّقنى الليلةَ بَرْقٌ بالتَهم ... يا لكَ برقًا من يَشُقْه لا ينمْ9

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب "إلى". 2 يريد فعل الأمر. وفي ضنَّ لغتان. يقال: ضننت أضن من باب علمت، وهي اللغة العالية، وهي المرادة هنا. ويقال: ضننت أضن من باب ضرب. 3 كذا في أ. وهو يوافق ما في اللسان. وفي ش، ب "كفوا". 4 كذا في أ. وفي ش، ب، وعبارة اللسان: "مثل". والوجه ما أثبت، يقال: ميل بين الأمرين, أي: تردد فيهما أيهما يأخذ. 5 كذا في م. وفي بعض الأصول "هو". 6 كذا في أوفي ش، ب، ج، وعبارة اللسان في تهم: "الترخيم" والوجه ما أثبت. والترخيم مبالغة الرجم، وهو القول بالظن والحدس. 7 كذا في ش، ب. وهو ما في عبارة اللسان. وفي أ: "أيضًا". 8 كذا في ب. وفي أ، ش "أنشدنا", وما أثبته هو الصواب؛ فإن أبا علي لم يدرك أحمد بن يحيى ثعلبًا؛ فقد مات ثعلب سنة 291، ومات أبو علي سنة 377. 9 "يشقه" كذا في أ، ب. وفي ش. "يشفه" وفي ج "تشقه". وفي اللسان "يشمه", والبيت في خزانة الأدب 1/ 147 طبعة السلفية، وفيها بعده ثلاثة أشطار عن نوادر ابن الأعرابي.

فانظر إلى قوة تصوّر الخليل إلى أن هجم به الظنّ على اليقين, فهو المعني1 بقوله: الألمعيّ الذيب يظنُّ بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا وإذا كان ما قدمناه من أن العرب لا تكسر فَعَلة على أفعال مذهبًا لها, فواجب أن يكون "أفلاء" من قوله 2: مثلها يخرج النصيحة للقو ... م فلاةً من دونها أفلاء تكسير "فلا" الذي هو جمع فلاة لا جمعًا لفلاةٍ؛ إذ كانت فَعَلة. وعلى هذا فينبغي3 أيضًا أن يكون قوله 4: كأن متنيه من النفيّ ... مواقع الطير على الصفيّ إنما هو تكسير صفَا الذي هو جمع صفاة؛ إذ كانت فعلة لا تكسر على فعول, إنما ذلك فعلة كبدرة وبدور ومأنة5 ومئون. أو فَعَل كطلل وطلول, وأسد وأسود. وقد ترى بهذا أيضًا مشابهة فعلة لفعل في تكسيرهما جميعًا على فعول. ومن ذلك قولهم في الزكام: آرضه الله, وأملأه, وأضأده. وقالوا 6: هي الضؤدة والملأة، والأرض. والصنعة في ذلك أن "فُعْلا" قد عاقبت7 "فَعَلا" على الموضع الواحد نحو: المعُجْم والعَجَم, والعُرْب والعَرَب, والشُغْل والشَغَل،

_ 1 يريد أنه يصح أن يعني بهذا البيت تمثلًا, وهو من قصيدة لأوس بن حجر في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي مطلعها: أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا وانظر ذيل الأمالي 34 طبعة دار الكتب المصرية. 2 أي: الحارث بن حلزة. وهو من معلقته التي مطلعها: آذنتنا ببيتها أسماء ... رب ثاوٍ يمل منه الثواء 3 كذا في أ. وفي ش، ب "ينبغي". 4 نسبة في اللسان في نفس إلى الأخيل، والنفي: ما تطاير من الرشاش على ظهر المائح شبه الماء وقد رفع على متن الساقي بذرق الطائر. وانظر اللسان في نفي، والأمالي 2/ 34، وابن بري في شواهد الإيضاح 81. 5 هي من اللحم السرة وما حولها, وقيل: هي شحمة نص الصدر. 6 كذا في ش، ب. وفي أ "في". 7 انظر في هذه المعاقبة ص102 من هذا الجزء.

والبُخْل والبَخَل. وقد عاقبتها أيضًا في التكسير على أفعال نحو: بُرْدٍ وأبراد، وجُنْد وأجناد, فهذا كقلم وأقلام, وقدم وأقدام. فلما كان "فُعْل" من حيث ذكرنا كفَعَل صارت الملأة والضؤدة كأنها فَعَلَة, وفَعَلَة قد كسرت على أفْعُل على ما قدمنا في أكمة وآكُم, وأمة وآمٍ. [فكما رفعت التاء في "فَعَلة" حكم الحركة في العين, ورفعت حركة العين حكم التاء، فصار الأمر لذلك إلى حكم "فَعْلٍ" حتى قالوا: أكمة وآكم ككلب وأكلب, وكعب وأكعب, فكذلك جرت "فُعْلة" مجرى "فَعْل", حتى عاقبته في الضؤدة والملأة والأرض, فصارت الأرض كأنه أرضة, أو صار1 الملأة والضؤدة كأنهما ملء وضأد. أفلا ترى إلى الضمة كيف رفعت حكم التاء كما رفعت التاء حكم الضمة، وصار الأمر إلى "فَعْل"] 2.

_ 1 كذا في أ. وفي سائر النسخ "وصارت". 2 ما بين الحاصرتين هو ما في أ. وفي ش، ب هذا بترتيب آخر, وهاك إياه: "وأفعل إنما هو لفعل. فلذلك جرت فعلة مجرى فعل, حتى عاقبته في الضؤدة والملأة والأرض. فصارت الأرض كأنه أرضة، وصارت الملأة والضؤدة كأنهما ملء وضأد, أفلا ترى إلى لضمة كيف رفعت حكم التاء كما رفعت حكم الضمة، وصار الأمر إلى فعل كما رفعت التاء في فعلة حكم الحركة في العين, ورفعت حركة العين حكم التاء فصار الأمر لذلك إلى حكم فعل حتى قالوا: أكمة وآكم, ككلب وأكلب, وكعب وأكعب".

باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني

باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني: هذا فصل من العربيِّة حسن كثير المنفعة, قوي الدلالة على شرف هذه اللغة. وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة, فتبحث عن أصل كل اسم منها فتجده مفضي المعنى إلى معنى صاحبه. وذلك كقولهم: "خُلق الإنسان"1 فهو "فُعُل" من خلقت الشيء, أي:2 ملّسته ومنه صخرة خلقاء للملساء. ومعناه: أن خلق الإنسان هو ما قدر له ورتب عليه،

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب "هو". 2 كذا في أ. وفي ش، ب "إذا".

فكأنه أمر قد استقرّ وزال عنه الشك, ومنه قولهم في الخبر: "قد فرغ الله من الخَلْق والخُلقُ". والخليقة فَعِيلة منه. وقد كثرت فعيلة في هذا الموضع, وهو قولهم: "الطبيعة" وهي من طبعت الشيء "أي: قررته"1 على أمر ثبت عليه, كما يطبع الشيء كالدرهم والدينار فتلزمه أشكاله, فلا يمكنه انصرافه عنها ولا انتقاله. ومنها "النحيية" وهي فَعِيلة من نحت الشيء "أي"2 ملسته وقررته3 على ما أردته منه. فالنحيتة كالخليقة: هذا من نحت, وهذا من خلقت. ومنها "الغريزة" وهي4 فعيلة من غرزت, كما قيل لها طبيعة؛ لأن طبع الدرهم5 ونحوه ضرب من وسمه, وتغريزه بالآلة التي تثبت عليه الصورة. وذلك استكراه له وغمز عليه كالطبع. ومنها "النقيبة" وهي فَعِيلة من نقبت الشيء وهو نحو من الغريزة. ومنها "الضريبة" وذلك أن الطبع لا بد معه6 من الضرب، لتثبيت "له"7 الصورة المرادة. ومنها "النخيزة" هي فَعِيلة من نَخَزْت الشيء, أي: دققته, ومنه المنحاز: الهاوون؛ لأنه موضوع للدفع به والاعتماد على المدقوق, قال8: ينحزن من جانبيها وهي تنسلب9

_ 1 كذا في أ. وفي ج "إذا أقررته", وفي ش، ب: "إذا أفرزته". 2 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فدّرته". 4 كذا في ش، ب وسقط حرف العطف في أ. 5 كذا في أوفي سائر الأصول: "الدراهم". 6 كذا في أ، ج وفي ش، ب "له". 7 زيادة في م. 8 أي: ذو الرمة. 9 هذا شطر بيت صدره: والعبس من ماسج أو واسج خببا وهو من قصيدته التي مطلعها: ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلي مفرية سرب العاسج: المسرع. والعسج: ضرب من السير, وكذلك الواسج. والانسلاب: المضاه في السير. وانظر الديوان.

أي: تضرب الإبل حول هذه الناقة للحاق بها وهي تسبقهن وتنسلب أمامهن1. ومنها "السجية" هي فعيلة من سجا يسجو إذا سكن, ومنه طرف ساجٍ وليل ساجٍ, قال: يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج2 وقال الراعي: ألا اسلمي اليوم ذات الطوق والعاج ... والدل والنظر المستأنس الساجي وذلك أن خُلُق الإنسان أمر قد سكن إليه واستقر عليه, ألا تراهم يقولون في مدح الرجل: فلان يرجع إلى مروءة ويخلد إلى كرم ويأوي إلى سداد وثقة, فيأوي إليه هو هذا؛ لأن المأوى خلاف "المعتمل" لأنه إنما يأوي إلى "المنزل3 ونحوه" إذا أراد السكون. ومنها "الطريقة" من4 طرقت الشيء أي: وطأتة وذللته، وهذا هو معنى ضربته ونقبته5، وغرزته ونحته؛ لأن هذه كلها رياضات وتدريب6 واعتمادات وتهذيب.

_ 1 كذا في ش، ب. وهو يوافق ما في اللسان في نحز. وفي أ: "بنا منهن"، أي: تمضي بنا مبتعدة منهن. 2 نسبه في اللسان في سجا إلى الحارثي, وورد هذا في الكامل 3/ 148 غير معزوّ. والقمراء: الليلة المنيرة بنور القمر، والملاء جمع الملاءة. وفي شرح الكامل للمرصفي: "شبه خيوط الطرق, وقد سطع نور القمر عليها بخيوط ملاءة بيضاء قد نسجت". 3 كذا في أ. وفي ش، ب "المحل والمنزل ونحوهما". 4 كذا في ج. وفي أ، م: "لأن". وفي ش، ب: "لأ" وهو خطأ في النسخ. 5 كذا في ش، ب. وفي أ "دفقد". 6 كذا في الأصول. ويريد بالاعتماد القصد والتحري, ولو كانت "اعتمالات" كانت أدنى إلى السباق.

ومنها "السجيحة" وهي فَعِيلة من سجح خلقه. وذلك أن الطبييعة قد فرَّت1 واطمأنت فسجحت وتذللت2. وليس على الإنسان من طبعه كُلْفَة, وإنما الكلفة فيما يتعاطاه ويتجشمه, قال حسان: ذروا التخاجؤ وامشوا مشية سجحًا ... إن الرجحال ذوو عصب وتذكير3 وقال الأصمعي: إذا استوت أخلاق القوم قيل: هم على سرجوجة واحدة, ومرن واحد, "ومنهم من يقول: سرجيجة وهي فعليلة من هذا"4، فسرجوجة: فعلولة، من لفظ السرج ومعناه. والتقاؤهما أن السرج إنما أريد للراكب ليعدله ويزل اعتلاله وميله. فهو من تقويم5 الأمر. وكذلك إذا استتبوا على وتيرة واحدة, فقد تشابهت أحوالهم وزاح خلافهم، وهذا6 أيضًا ضرب من التقرير والتقدير؛ فهو بالمعنى عائد إلى النحيتة والسجية والخليقة؛ لأن هذه كلها صفات تؤذن بالمشابهة والمقاربة. والمرن مصدر كالحلف والكذب. والفعل منه مَرَن على الشيء إذا ألفه فلان له. وهو عندي من مارن الأنف لما لان منه. فهو أيضًا عائد إلى أصل الباب, ألا ترى أن الخليقة والنحيتة والطبيعة والسجية, وجميع هذه المعاني التي تقدمت تؤذن بالإلف والملاينة والإصحاب والمتابعة.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "قررت". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "ذللت". 3 التخاجؤ فسرها بعضهم بأنها مشية فيها تبختر. مشية سجحا: سهلة لينة. عصب: شدة وقوة. وهو من قصيدته التي يهجو بها بني الحارث بن كعب، وأولها: حار بن كعب ألا أحلام تزجركم ... هنا وأنتم من الجوف الجماخير والجماخير واحدها جمخور -بزنة عصفور- وهو الواسع الجوف الجسيم. وانظر لديوان طبعة البرقوقي 314. 4 سقط ما بينالقوسين في أ. وثبت في ش، ب. 5 كذا في أ، ب. وفي ش: "تقديم". 6 كذا في أ، ب. وفي ش: "هي".

ومنها "السليقة", وهي من قولهم: فلان يقرأ بالسليقية1, أي: بالطبيعة. وتلخيص ذلك أنها كالنحيتة. وذلك أن السليق ما تحاتّ من صغار الشجر, قال: تسمع منها في السليق الأشهب ... معمعة مثل الأباء الملهب2 وذلك أنه إذا تحاتّ لان وزالت شدته. والحتّ كالنحت, وهما في غاية القرب. ومنه قول الله سبحانه: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} 3 أي: نالوا منكم. وسذا4 هو نفس المعنى في الشيء المنحوت5 المحتوت؛ ألا تراهم يقولون: فلان كريم النجار والنجر, أي: الأصل. والنجر والنحت والحت والضرب والدق والنحز والطبع والخلق والغرز والسلق, وكله التمرين على الشيء، وتلييين القوي6 ليصحب وينجذب. فأعجب للطف صنع الباري سبحانه في أن طبع الناس على هذا وأمكنهم7 من ترتيبه وتنزيله وهداهم للتواضع عليه وتقريره. ومن ذلك قولهم للقطعة من المسك: "الصوار"8 قال الأعشى: إذا تقوم يضوع المسك أصورة ... والعنبر الورد من أردانها شمل9 فقيل له: "صوار"10 لأنه "فعال" من صاره يصوره إذا عطفه وثناه, قال الله سبحانه: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} 11 وإنما قيل له ذلك لأنه يجذب حاسة من

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "بالسليقة". وكلاهما وارد في اللغة. 2 "الأباء" كذا في أ. وفي سائر الأصول: "الضرام" وانظر الجمهرة 3/ 41. 3 آية 19، سورة الأحزاب. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "فهذا". 5 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 6 كذا في ج. وفي أ: "فوي"، وفي ش، ب: "الأقوى". 7 كذا في أ. وف ش، ب: "مكنهم". 8 بكسر الصاد وضمها. 9 هو البيت الثالث عشر من معلقته المشهورة. والورد الذي لونه لون الورد أي: الأحمر، ويروي "الزنبق" في مكان "العنبر"، والأردان: الأكمام للثوب, وشمل أي عام من شملهم الأمر. وانظر المصباح المنير 43. 10 انظر ص 36، مقدمة هذا الكتاب. 11 آية: 26 سورة البقرة.

يشمّه إليه، وليس من خبائث الأرواح فيعرض عنه، وينحرف1 إلى شق غيره، ألا ترى إلى قوله2: ولو أن ركبًا يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل بك الركب3 وكذا تجد4 أيضًا معنى المسك, وذلك أنه "فعل" من أمسكت الشيء كأنه لطيب رائحته يمسك الحاسة عليه ولا يعدل بها صاحبها عنه. ومنه عندي قولهم للجلد: "المسك" هو فعل من هذا الموضع, ألا ترى أنه يمسك5 ما تحته من جسم الإنسان وغيره من الحيوان. ولولا الجلد لم يتماسك ما في الجسم من اللحم والشحم والدم وبقية الأمشاج وغيرها. فقولهم إذا: مسك يلاقي معناه معنى الصوار, وإن كانا من أصلين مختلفين، وبناءين متباينين: أحدهما "م س ك " والآخر "ص ور " , كما أن الخليقة من "خ ل ق " والسجية من "س ج و " والطبيعة من "ط ب ع " والنحيتة من "ن ح ت " والغريزة من "غ ر ز " والسليقة من "س ل ق " والضريبة من "ض ر ب " والسجيحة من "س ج ح " والسرجوجة والسرجيجة من "س ر ج " والنجار من "ن ج ر " والمرن من "م ر ن ". فالأصول مختلفة, والأمثلة متعادية6، والمعاني مع7 ذينك متلاقية. ومن ذلك قولهم: صبيّ وصبية, وطفل وطفلة, وغلام وجارية, وكله للين والانجذاب وترك الشدة والاعتياص. وذلك أن صبيًّا من صبوت إلى الشيء إذا

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "ينحرف". 2 البيت لأبي العتاهية. وانظر الوساطة طبع الحلبي 316. 3 "يمموك" كذا في أوفي ش، ب، ج: "أمموك", وقوله: "بك" كذا في الأصول. والمناسب: "به" كما في الوساطة. 4 كذا في أ. وفي ب: "نجد". 5 انظر ص36، من مقدمة هذا الكتاب. 6 أي: متباينة من قولهم: تعادى مابين القوم: تباعد، أو من قولهم: تعادى المكان: تفاوت ولم يستو. 7 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "من".

ملت إليه ولم تستعصم دونه. وكذلك الطفل: هو من لفظ طفلِت الشمس للغرب, أي: مالت إليه وانجذبت نحوه, ألا ترى إلى قول العجاج: والشمس قد كادت تكون دنفًا1 يصف ضعفها وإكبابها2. وقد جاء به بعض3 المولدين فقال: وقد وضعت خدًّا إلى الأرض أضرعا4 ومنه قيل: فلان5 طفيلي؛ وذلك أنه يميل إلى الطعام, وعلى هذا قالوا له: غلام لأنه من الغلمة وهي اللين وضعفة العصمة. وكذلك قالوا: جارية. فهي6 فاعلة من جرى الماء وغيره؛ ألا ترى أنهم يقولون: إنها غضة "بضة"7 رطبة, ولذلك قالوا: قد علاها ماء الشباب؛ قال عمر: وهي مكنونة تحيّر منها ... في أديم الخدين ماء الشباب وذلك أن الطفل والصبي والغلام والجارية ليست لهم عصمة الشيوخ ولا جسأة9 الكهول. وسألت بعض بني عقيل عن قول الحمصي 10:

_ 1 بعده: أدفعها بالراح كي تزحلقا أي: حين اصفرَّت أراد مداناتها للغروب, فكأنها مريضة دنف حينئذ. وانظر اللسان في دنت, وملحق الديوان 82. 2 أي: سقوطها من علوّها، من قولهم: كببته على وجهه فأكبّ هو. 3 هو ابن الرومي, وانظر مختارات البارودي 4/ 75. 4 صدره: ولاحظت النوار وهي مريضة وقبله في وصف الشمس: إذا رنَّقت شمس الأصيل ونفضت ... على الأفق الغربي ورسا مزعزعًا وودّعت الدنيا لتقضي نحبها ... وشوّل باقي عمرها فتشعشا انظر ديوان ابن الرومي 4/ 1475 تحقيق دكتور حسين نصار "المصحح". 5 انظر ص36 من مقدمة هذا الكتاب. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "هي". 7 زيادة في م. 8 يريد عمر بن أبي ربيعة. وانظر الأغاني طبع الدار 1/ 139. 9 هي الصلابة والخشونة. 10 هو ديك الجن. وانظر ص49 من هذا الجزء.

لم تبل جدَّة سمرهم سمر ولم ... تسم السموم لأدمهنّ أديما فقال: هن بمائهن1 كما خلقنه. فإذا اشتد الغلام شيئًا قيل له حرور. وهو "فعول" من اللبن الحازر إذا اشتد للحموضة, قال العجلي 2: وأرضوا بإحلابة وطب قد حزر وقال3: نزع الحزور بالرشاء المحصد وكأنهم زادوا الواو وشدَّدوها لتشديد4 معنى القوة؛ كما قالوا للسيء الخلق: عذور, فضاعفوا الواو الزائدة لذلك قال 5: إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحي حتى تستقلّ مراجله ومنه رجل كروّس للصلب الرأس، وسفر عطود؛ للشديد6؛ قال: إذا جشمن قذفا عطوّدا ... رمين بالطرف مداه الأبعدا7 ومثل الأول قولهم: غلام8 رطل, وجارية رطلة للينها, وهو من قولهم: رطل شعره إذا أطاله فاسترخى. ومنه عندي: الرطل9 الذي يوزن به. وذلك أن الغرض في الأوزان أن تميل أبدًا إلى أن يعادلها الموزون بها. ولهذا قيل لها: مثاقيل, فهي مفاعيل من الثقل, والشيء إذا ثقل استرسل10 وارجحنّ, فكان ضد الطائش الخفيف.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ "عاهن" بدون نقط الحرفين الأولين. 2 انظر الجمهرة 3/ 451. 3 أي: النابغة الذبياني في قصيدته التي مطلعها: من آل مية رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزود 4 كذا في أ، وفي ش، ب "للتشديد ومعنى قوة". 5 البيت لزينب بنت الطثرية ترثي أخاها زيد، من كلمة لها في الأمالي 2/ 85 وفيها أبيات تنسب للعجير السلوليّ. فقوله: "قال" يريد الشخص الشاعر. وانظر السمط 718. 6 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب. 7 يصف إبلًا. ويريد بالقذف العلاة البعيدة. 8 أي: لم يشتد عظامه أو قارب الاحتلام. 9 انظر ص 36 من مقدمة هذا الكتاب. 10 أي: مال واهتزَّ.

فهذا ونحوه من خصائص هذه اللغة الشريفة اللطيفة. وإنما يسمع الناس هذه الألفاظ فتكون الفائدة عندهم منها إنما هي علم1 معنياتها. فأما كيف, ومن أين, فهو ما نحن عليه. وأحج به أن يكون عند كثير منهم نيفًا2 لا يحتاج إليه, وفضلًا غيره أولى منه. ومن ذلك أيضًا قالوا: ناقة كما قالوا3: جمل. وقالوا "ما بها"4 دبيج كما قالوا: تناسل عليه الوشاء5. والتقاء معانيهما6 أن الناقة كانت عندهم مما يتحسنون به ويتباهون بملكه فهي فعلة من من قولهم: تنوقت في ىالشيء إذا أحكمته وتخيرته, قال ذو الرمة: . . . . . . . . . . . . تنوقت ... به حضرميات الأكف الحوائك7 وعلى هذا قالوا: "جمل" لأن هذا "فَعَل" من الجمال؛ كما أن تلك "فَعَلة" من تنوقت -وأجود اللغتين تأنّقت, قال الله سبحانه: {لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} 8. وقولهم: "ما بها دبيج" هو "فِعْيل" من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس بهم العمارة وحسن الآثار, وعلى أيديهم يتم الأنس وطيب الديار. ولذلك قيل لهم: ناس لأنه في الأصل أناس, فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. فهو فعال من الأنس قال 9: أناس لا يملُّون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبُون

_ 1 ثبت لهذا اللفظ في أوسقط في سائر الأصول. وقوله: "معنياتها" في م: "معانيها". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "نفيًا" والوجه ما أثبت. والنيف: الفضل والزيادة. 3 كذا في ش، ب. وفي أ "قيل". 4 كذا في ش، ب، وسقط في أ. 5 هو في الأصل كثرة المال, أي: الإبل والنعم. ويراد به هما المال نفسه. 6 كذا في أ. أي: معنى النافة ومعنى الجمل. وفي ب: "معانيها". 7 انظر 123 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 8 آية: 6 سورة النحل. 9 أي: أبو الغول الطهوي، وانظر الحماسة بشرح التبريزي طبعة بن 13.

وقال: أناس عدًا علقت فيهم وليتني ... طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشم1 وكما اشتقوا ديبجًا من الديباج؛ كذلك اشتقوا2 الوشاء من الوشي, فهو "فعال" منه. وذلك أن المال يشي الأرض ويحسنها. " وعلى ذلك قالوا: الغنم؛ لأنه من الغنيمة, كما قالوا لها: الخيل؛ لأنها فَعْل من الاختيال, وكل ذلك مستحب"3. أفلا ترى إلى تتالي هذه المعاني وتلاحظها وتقابلها وتناظرها؛ وهي التنوّق، والجمال، والأنس، والديباج والوشي والغنيمة "والاختيال. ولذلك قالوا: البقر، من بقرت بطنه أي: شققته؛ فهو إلى السعة والفسحة، وضد الضيق والضغطة"4. فإن قلت: فإنَّ الشاة من قولهم: رجل أشوه وامرأة شوهاء للقبيحين5. وهذا ضد الأول؛ ففيه جوابان: أحدهما: أن تكون الشاة جرت6 مجرى القلب لدفع العين عنها لحسنها؛ كما يقال7 في استحسان الشيء: قاتله الله كقوله 8: رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الشنب من أنيابها بالقوادح9

_ 1 "أناس" كذا في أ، وفي ش, ب: "وناسا". "زلق أشم" كذا في أ. وفي ش، ب: "زاق الأشم" والعدا: الغرباء.... ويريد بذي الزلق الأشم جبلًا عاليًا تزلق فيه القدم. يقول: إن هواء في قوم غرباء، وكان أيسر له وأوفق أن يكون هواء في مرتقى وعر. 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 سقط ما بين القوسين في أ، وثبت في ش، ب. 4 سقط ما بين القوسين في أ، وثبت في ش، ب. 5 كذا في ش، ب وفي أ، ج: "للمقبَّحين". 6 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جرى". 7 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "تقول". 8 أي: جميل. 9 "الشنب". كذا في الأصول, والذي في اللسان وغيره: "الغر" والشنب -ويقال الشمب بإبدال النون ميما- جمع أشنب، من الشنب وهو رِقَّة الأسنان وعذوبتها. والقوادح جمع القادح، وهو السواد يظهر في الأسنان.

وهو كثير. والآخر أن يكون من باب1 السلب؛ كأنه سلب القبح2 منها؛ كما قيل للحرم: نالة3. ولخشسبة الصرار تَوْدية4؛ ولجوّ السماء السكاك5. ومنه تحوَّب؛ وتأثَّم, أي: ترك الحوب والإثم. وهو باب واسع؛ وقد كتبنا منه في هذا الكتاب ما6 ستراه بإذن الله تعالى. وأهل اللغة يسمعون هذا فيرونه7 ساذجًا غُفْلًا، ولا يحسنون لما نحن فيه من حديثه فرعًا ولا أصلًا. ومن ذلك قولهم: الفضَّة سميت بذلك لانفضاض أجزائها وتفرقها في تراب معدنها, كذا أصلها وإن كانت فيما بعد قد9 تُصَفَّى وتهذب وتسبك. وقيل لها فضة كما قيل لها لجين. وذلك لأنها ما دامت في تراب معدنها فيه ملتزقة "في التراب"10 متلجِّنة11 به12؛ قال الشماخ: وماءٍ قد وردت أميم طام ... عليه الطير كالورق اللجين13 أي: المتلزق14 المتلجن؛ وينبغي أن يكونوا إنما ألزموا هذا الاسم التحقير لاستصغار معناه ما دام في تراب معدنه, ويشهد عندك بهذا المعنى قولهم في مراسله "الذهب"

_ 1 كذا في أ، وفي سائر الأصول: "أبواب". 2 كذا في ش، ب، وفي أ: "القبيح". 3 الذي في اللسان أن النالة ما حول الحرم؛ ويريد ابن جني من بنائها على السلب أن من كان في التالة لم تنله اليد، وكذا نقل عنه كما في اللسان في فول. 4 هي خشية تشد على أطباء الناقة لئلّا يرضعها الفضيل، وكأنه يريد من بنائها على السلب أن الغرض من النودية منع الودي، وهو السيلان, يقال ودى: سال، أي: أن النودية تحول دون ودي اللبن. 5 وجه السلب هنا أن مادة السكاك مبناها الضيق، يقال استكت مسامعه: ضاقت, والجو من السعة بحيث لا ينكره. 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "و". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيرووئه". 8 كذا في ش. وفي أ، ب: "يحسون". 9 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 10 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 11 يقال: تلجَّن الشيء: تلزج. 12 كذا في أ، وفي ش، ب: "فيه". 13 من قصيدته في مدح عرابة بن أوس -رضي الله عنه. وانظر الديوان. 9، والخزانة 2/ 222، واللآلئ وسمطه 663. 14 كذا في أ، وفي ش، ب: "الملتزق".

وذلك لأنه ما دام كذلك غير مصفى فهو كالذاهب1؛ لأن ما فيه من التراب كالمستهلك له أو لأنه لما قل في الدنيا فلم يوجد إلا عزيزًا صار كأنه مفقود ذاهب ألا ترى أن الشيء إذا قل قارب الانتفاء. وعلى ذلك قالت العرب: قل رجل يقول ذلك إلا زيد بالرفع لأنهم أجروه مجرى ما يقول ذاك أحد إلا زيد. وعلى2 نحو من هذا قالوا: قلما يقوم زيد فكفوا3 "قل" ب"ما" عن اقتضائها الفاعل، وجاز عندهم إخلاء الفعل من الفاعل لما دخله من مشابهة حرف النفي؛ كما بقوا المبتدأ بلا خبر في نحو هذا من قولهم: أقل امرأتين تقولان ذلك لما ضارع المبتدأ حرف النفي. أفلا ترى إلى أنسهم باستعمال القلة مقارنة4 للانتفاء. فكذلك5 لما قل هذا الجوهر في الدنيا أخذوا له اسمًا من الذهاب الذي هو الهلاك. ولأجل هذا أيضًا سموه "تبرًا" لأنه "فعل" من التبار. ولا يقال له "تبر" حتى يكون في تراب معدنه أو مكسور. ولهذا قالوا للجام6 من الفضة "الغَرَب"، وهو "فَعَل" من الشيء الغريب؛ وذلك أنه ليس في العادة والعرف استعمال الآنية من الفضة, فلما استعمل ذلك في بعض الأحوال كان عزيزًا غريبًا. هذا7 قول أبي إسحق. وإن شئت جذبته إلى ما كنا عليه فقلت: إن هذا الجوهر غريب من بين الجواهر لنفاسته وشرفه, ألا تراهم إذا أثنوا على إنسان قالوا: هو وحيد في وقته، وغريب8 في زمانه، ومنقطع النظير، ونسيج وحده. ومنه قول الطائي الكبير:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "كالذهب". 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 كذا في أوفي ش، ب: "وكفوا". 4 كذا في أ. وف ش، ب: "مقاربة". 5 كذا في ش، ب، وفي أ: "وكذلك". 6 يراد به قدح يسقى فيه الحمر. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "وهذا", وأبو إسحق هو الزجاج. 8 كذا في أ. وسقط هذا الحرف في ش، ب.

غربته العُلا على كثرة النا ... س فأضحى في الأقربين جنيبا1 فليطُل عمره فلو مات في مَرْ ... ومقيمًا بها لمات غريبا وقول شاعرنا: أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني ... ولا أعاتبه صفحًا وإهوانا وهكذا كنت في أهلي وفي وطني ... إن النفيس عزيز2 حيثما كانا ويدلك3 على أنهم قد تصوَّروا هذا الموضع من امتزاجه بتراب معدنه أنهم إذا صفّوه وهذَّبوه أخذوا له اسمًا من ذلك المعنى فقالوا له: الخلاص والإبريز والعقيان. فالخلاص فَعال من تخلّص, والإبريز إفعيل من برز يبرز, والعقيان فعلان من عقى الصبي يعقي, وهو أول ما ينجيه4 عند سقوطه من بطن أمه قبل أن يأكل وهو العقي. فقيل له ذلك لبروزه كما قيل له البراز. فالتأتّي5 والتلطّف في جميع هذه الأشياء وضمها وملاءمة ذات بينها هو "خاص اللغة"6 وسرها، وطلاوتها7 الرائقة وجوهرها, فأما حفظها ساذجة وقمشها8 محطوبة9 هرجة10 فنعوذ بالله منه، ونرغب بما آتاناه سبحانه عنه.

_ 1 جنيبًا أي: غريبًا. والبيتان من قصيدة يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري. وفي نسخ الخصائص "الناس", وفي الديوان "الأهل". 2 كذا في نسخ الخصائص وفي الديوان "غريب". 3 هذا عود للحديث عن التبر, فالأسماء الآتية للذهب. 4 أي: يخرجه من دبره. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "فالتأني". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "خاص آمر اللغة". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "طلاتها". 8 يقال: قمش الشيء: جمعه من ههنا وههنا من غير تحرٍّ للجهد. 9 من حطب الحطب: جمعه، ومن أمثالهم: هو كحاطب ليل: لا يبالي ما أخذ. وهو كذلك في أ. وفي ش، ب: "مخطوطة". 10 يقال هرج البعير: سدر من شدة الحر وكثرة الطلاء بالقطران، فكأنه يريد أن تكون ضعيفة. وفي اللغة الهرج -بكسر الهاء وسكون الراء- الضعيف.

وقال أبو علي -رحمه الله: قيل له حبي كما قيل له سحاب. تفسيره أن حبيًّا "فعيل" من حبَا يحبو. وكأن السحاب لثقله يحبو حبوًا؛ كما قيل له سحاب وهو "فعال" من سحب1؛ لأنه يسحب هدابه. وقد جاء بكليهما شعر العرب؛ قالت امرأة: وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا2 وقال أوس 3: داٍن مسفٍّ فويق الأرض هَيْدَبُه ... يكاد يدفعه من قام بالراح4 وقالت صبية منهم لأبيها فتجاوزت ذلك: أناخ بذي نفر بركه ... كأن على عضديه كتافا5 وقال أبوهم 6: وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المحمل7

_ 1 كذا في ش. وفي أ، ب: "سحبت". 2 ورد هذا البيت في ستة أبيات في ديوان المعاني العسكري 2/ 5 وفيه: فأقبل، وهو في الأمالي 1-177 في سبعة أبيات وانظر اللسان "حبا". 2 يريد أوس بن حجر. وينسب بعضهم هذا إلى عبيد بن الأبرص, فنسبتها لأوس ليس موضع وفاق، وهي موجودة في ديواني الشاعرين, وانظر اللآلئ وسمطه 439. 4 قبله: يا من لبرق أبيت الليل أرقبه ... في عارض كمضي الصبح لماح ومسف: دان قريب. وهيدبه: ما تدلي منه كأنه خيوط. 5 "نفر" كذا في ش. وذو نفر موضع. وفي أ، ب: "فقر" وهو تحريف, وفي أسماء الأمكنة ذو بقر، وقد ورد هذا في اللسان "حبا": "بذي بقر". وبرك الجمل: صدره؛ شبه السحاب بجمل بارك إذ تلبث بهذا الموضع. 6 كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب. وأبوهم, أي: أبو الشعراء الوصافين السحاب وسابقهم والمبرز فيهم، هو امرؤ القيس في المعلقة. 7 صحراء الغبيط موضع، والبقاع السحاب المثقل بالماء. ويريد باليماني المحمل جملًا عليه بضائع من اليمن، إذا نزل بين القوم أقام حتى يباع ما جاء به، ويروى المحمل -بكسر الميم- وصفًا لليماني بمعنى التاجر الذي جاء ببضاعة من اليمن.

قال: ومن ذلك قولهم في أسماء الحاجة: الحاجة والحوْجَاء واللوجاء, والإرب والإربة والمأربة, واللبانة -والتلاوة بقية الحاجة, والتلية أيضًا- والأشكلة والشهلاء, قال "الشاعر"1: لم أقض حين ارتحلوا شهلائي ... من الكعاب الطفلة الغيداء وأنت تجد مع ذلك 3من اختلاف أصولها ومبانيها جميعها4 "راجعًا"5 إلى موضع واحد، ومخطومًا6 بمعنى لا يختلف, وهو الإقامة على الشيء والتشبث به. وذلك أن صاحب الحاجة كلف بها ملازم للفكر فيها ومقيم على تنجُّزِها واستحثاثها؛ قال7 رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "حبك الشيء يعمى ويصم". وقال المولد: صاحب الحاجة أعمى ... لا يرى إلا قضاها وتفسير ذلك أن الحاج شجر له شوك, وما كانت هذه سبيله فهو متشبث بالأشياء, فأيّ شيء مرَّ عليه اعتاقة وتشبث به. فسميت8 الحاجة تشبيهًا بالشجرة ذات الشوك. أي: أنا مقيم عليها متمسك بقضائها كهذه الشجرة في اجتذابها ما مرَّ بها وقرب منها. والحوجاء منها وعنها تصرّف الفعل: احتاج يحتاج احتياجًا9، وأحوجَّ يحوجّ، وحاج يحوج فهو حائج.

_ 1 زيادة في ش، ب، خلت منها أ. 2 يروى: من العروب الكاعب الحسناء كما في اللسان في شهل. وفيه "حتى" بدل "حين", وما هنا هو ما في الأصول. 3 بيان لقوله "ذلك". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "جميعًا". 5 زيادة وفق ما في ج. وقد خلت منها، في الأصول. 6 أي: مربوطًا بحبل واحد هو المعنى الذي ينصبّ إليه؛ يقال: خطمت البعير: جعلت فيه الخطام وهو الحبل يقاد به. وما أثبت هو ما في أ. وفي: ب "محفوظًا" وفي ش: "مخطومًا محفوظًا". 7 رواه أحمد في مسنده، والبخاري في التاريخ، وأبو داود. وانظر الجامع الصغير في حرف الحاء. وفي شرح الجامع أن إسناده ضعيف. 8 كذا في أ. وفي ش: "فتشبَّهت" وفي ب: "فشبهت". 9 كذا في أ، ج، وسقط، في ش، ب.

واللوجاء من قولهم: لجت الشيء ألوجه لوجًا, إذا أدرته في فيك. والتقاؤهما أن الحاجة مترددة على الفكر ذاهبة جائية إلى أن تقضى, كما أن الشيء إذا تردد في الفم فإنه لا يزال كذلك إلى أن يسيغه الإنسان أو يلفظه1. والإرب والإربة والمأربة كله من الأُرْبَة وهي العقدة, وعقد مؤرب إذا شدد. وأنشد2 أبو العباس لكناز3 بن نفيع4 بقوله لجرير: غضبت علينا أن علاك ابن غالب ... فهلّا على جديك إذ ذاك تغضب 5 هما حين يسعى المرء مسعاة جده ... أناخًا فشداك العقال المؤرب6 والحاجة معقودة بنفس الإنسان، مترددة على فكره. واللبانة من قولهم: تلبّن بالمكان إذا أقام به ولزمه. وهذا هو المعنى عينه, والتلاوة والتلية من تلوت الشيء إذا قفوته واتبعته لتدركه. ومنه قوله 7: الله بيني وبين قيّمها ... يفر مني بها وأتَّبع

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "و"ة. 2 كذا في ش، ب. وسقط الواو في أ. وأبو العباس ثعلب، كما في اللسان "أرب". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "كنان" وهو تحريف. 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "نقيع". وهو تحريف. وكناز بن نفيع من شعراء تميم. وانظر معهم الشعراء للمرزباني 353. 5 يريد بابن غالب الفرزدق. 6 يريد بالمرء الفرزدق, أو هو المرء غير مخصص، يقول: إذا سعى الفرزدق في المكارم مسعاة جده قعد بك جداك عن سبل العلا فهمًا ينيخانك ويشدانك، يعقلانك عن السير، ثم قال: العقال المؤرب, أي: هذا هو العقال حقًّا. فقوله العقال خبر لمبتدأ محذوف كما ترى، ويرى المبرد أن العقال بدل من الضمير في شداك بدل اشتمال. وانظر معجم الشعراء للمرزباني 353. 7 أي: الأحوص الأنصاري. وانظر الأغاني 4/ 49 طبعة بولاق، وشعراء بن قتيبة 500, وقيل البيت: كأن لبني صبير غادية ... أو دمية زينت بها البيع والصبير: السحاب الأبيض، والغادية: السحابة تجيء وقت الغداة.

والأشكلة كذلك كأنها من الشكال1، أي: طالب الحاجة مقيم عليها، كأنها شكال له ومانعة من تصرفه وانصرافه عنها. ومنه الأشكل من الألوان: الذي خالطت حمرته بياضه, فكأن كل واحد من اللونين اعتاق صاحبه أن يصح ويصفو لونه. والشهلاء كذلك؛ لأنها من المشاهلة وهي مراجعة القول قال 2: قد كان فيما بيننا مشاهلة ... ثم تولت وهي تمشي البأدلة 3 البأدلة: أن تحرك في مشيها بآدلها وهي لحم صدرها. وهي مشية القصار من النساء. فقد ترى إلى ترامي هذه الأصول والميل بمعانيها إلى موضع واحد. ومن ذلك ما جاء عنهم في الرجل الحافظ للمال, الحسن الرعية له والقيام عليه, يقال: هو خال مال, وخائل مال, وصدى مال, وسرسور مال, وسؤبان4 مال, ومحجن مال "وإزاء مال"5 وبلو مال, وحبل مال "وعسل مال"6 وزر7 مال. وجميع ذلك راجع إلى الحفظ لها8، والمعرفة بها8. فخال مال يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون صفة على "فَعَل" كبطل وحسن, أو "فَعِلٍ" ككبش صافٍ ورجل مال. ويجوز أن يكون محذوفًا من فاعل كقوله 9: لاثٌ به الأشاء والعبري10

_ 1 هو حبل يوثق به يد الدابة ورجلها. 2 هو أبو الأسود العجلي كما في اللسان في شهل وبأزل. 3 قال ابن بري: سوأبه "البأزلة", وهي مشية فيها سرعة. وانظر اللسان في شهل. 4 كذا في أ، ج. وفي ش: "سريان" وهو تحريف. 5 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 6 كذا في ش، ب، ج وفي أ "عسيل مال".والصواب ما أثبت. 7 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "رز" وهو تصحيف. 8 كذا في الأصول: "لها وبها", والضمير يرجع إلى المال. وقد ذكر الجوهري عن بعض اللغويين أن المال يؤنث فهذا محمله, وانظر اللسان في مول. 9 أي: العجاج. 10 هو في وصف أيك, ولاث أصله لائث وهو وصف من لاث النبات: التفَّ وكثر. والأشاء: صغار النخل. والعبري ما ينبث من شجر الضال على شطوط الأنهار. يصف أن هذا الأيك به نبات كثير وأنهار.

فأما خائل مال ففاعل لا محالة. وكلاهما من قوله 1: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة, أي: يتعهدنا بها شيئًا فشيئًا2 ويراعينا. قال أبو علي: هو من قولهم: تساقطوا3 أخولَ أخولَ, أي: شيئًا بعد شيء. وأنشدنا 4: يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط حديد القين أخول أخولا5 فكأن هذا الرجل يرعى ماله ويتعهده حفظًا له وشحًا عليه. وأما صدى مال: فإنه يعارضها من ههنا وههنا ولا يهملها ولا يضيع أمرها -ومنه الصدى لما يعارض الصوت, ومنه قراءة الحسن -رضي الله عنه "صاد والقرآن", وكان يفسره: عارض القرآن بعملك, أي: قابل كل واحد منهما بصاحبه- "قال العجلي: يأتي لها من أيْمُنٍ وأشْمُلٍ6 وكذلك سرسور مال, أي: عارف بأسرار المال فلا يخفى عنه شيء من أمره. ولست أقول كما يقول الكوفيون -وأبو بكر معهم: إن سرسورًا من لفظ السر, لكنه قريب من لفظه, ومعناه بمنزلة عين ثرة وثرثارة. وقد تقدَّم7 ذكر ذلك.

_ 1 أي: عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه، والحديث في البخاري في كتاب العلم. 2 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "أو". 3 كذا في ش، ج، وفي أ: "تساقط". 4 نسبة في اللسان في سقط إلى ضابئ بن الحارث البرجمي. 5 هذا في وصف الثور يردع عنه الكلاب. والروق: القرن. وحديد القين الشرارة وقوله: "ضار ياتها" أي: الضاري من الكلاب. وهو كذلك في أ، ب، ش. وفي ج: ضاربائها" وهو تحريف. 6 ما بين القوسين زيادة في ش، ب خلت منها أ. وفي ج: "قال العجلي يصف الراعي: يأتي بها من أيمن وأشمل"، العجلي هو أبو النجم. وهذا في أرجوزته الطويلة التي أولها: الحمد لله الوهوب المجزل 7 انظر ص56 وما بعدها من هذا الجزء.

وكذلك سوبان مالٍ هو "فُعْلان" من السأب, وهو الزق للشراب, قال الشاعر: إذا ذقت فاهًا قلت علق مدمس ... أريد به قيل فغودر في ساب1 والتقاؤهما أن الزق إنما وضع لحفظ ما فيه, فكذلك هذا الراعي يحفظ المال ويحتاط عليه احتياط الزق على ما فيه. وكذلك محجن مال: هو "مِفْعل" من احتجنت الشيء إذا حفظته وادخرته. وكذلك إزاء مال: هو "فِعَال" من أزى الشيء يأزي, إذا تقبض2 واجتمع, قال: ظل لها يوم من الشعرى أزي3 أي: يغم الأنفاس ويضيقها لشدة الحر. وكذلك هذا الراعي يشح عليها ويمنع من تسربها. وأنشد أبو علي عن أبي بكر لعمارة: هذا الزمان مولّ خيره أزي ... صارت رءوس به أذناب أعجاز وكذلك بلو مال، أي: هو بمعرفته به قد بلاه واختبره, قال الله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} 4 قال عمر بن لجأ: فصادفت أعصل من أبلائها ... يعجبه النزع على ظمائها5

_ 1 "قيل" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "كيل" وهو تحريف. "فغودر" كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "فغرر" وهو تحريف أيضًا. وقوله: "ساب" بإبدال الهمزة ألفًا لينة للردف كما ذكره اللسان في سأب وعلق. والعلق هنا الخمر لنفاستها، والمدمس المخبوء المكنون. والقيل: الملك واحد الأفيال. وانظر الهمزة لأبي زيد13. 2 كذا في شن ب. وفي أ: "نقص". وهو صحيح فإن النقيض والاجتماع نقصا للشيء في المرأة. وفي اللسان: أزى ماله: نقص. 3 قائله عن باهلة. وعجزه: نعوذ منه بزرانيق الركى وزرانيق الكرى أبنية تبنى على جوانب الآبار, وعلى البئر زرنوقان يعلق عليهما البكرة. وانظر اللسان "أزى" ومجالس ثعلب 614. 4 آية: 31، سورة محمد. 5 يتحدث عن إبل سقاها. والأعصل: اليابس البدن, وذلك أقوى له. والنزع هنا تزع الدلو من البئر، وهو جذبها.

وكذلك حبل مال, كأنه يضبطها كما يضبطها الحبل يشد به. ومنه الحبل: الداهية من الرجال؛ لأنه يضبط الأمور ويحيط بها. وكذلك عسْل1 مال؛ لأنه يأتيها ويعسل2 إليها من كل مكان, ومنه الذئب العسول, ألا ترى أنه إنما سمي3 ذئبًا لتذاؤبه وخبثه ومجيئه تارة من هنا ومرة4 من هنا. وكذلك زرّ مال: أي يجمعه ويضبطه كما يضبط الزر "الشيء"5 المزرور. فهذه الأصول وهذه الصيغ على اختلاف الجميع مرتمية إلى موضع واحد على ما ترى. ومن ذلك قولهم للدم: الجدَّية والبصيرة. فالدم من الدمية لفظًا ومعنًى, وذلك أن الدمية إنما هي للعين6 والبصر, وإذا شوهدت فكأنَّ ما هي صورته مشاهد بها, وغير غائب مع حضورها, فهي تصف حال ما بعد عنك. وهذا هو الغرض في هذه الصور المرسومة للمشاهدة. وتلك عندهم حال الدم؛ ألا ترى أن الرميّة إذا غابت عن الرامي استدلّ عليها بدمها, فاتبعه7 حتى يؤديه إليها. ويؤكد ذلك لك قولهم فيه "البصيرة", وذلك أنها "إذا"8 أبصرت أدت إلى المرمي الجريح. ولذلك أيضًا قالوا له "الجدية"؛ لأنه يجدي على الطالب للرّمية ما يبغيه منها9. ولو لم ير الدم لم يستدلل عليها, ولا عرف موضعها, قال صلى الله عليه وسلم "كُلْ ما أصميت ودع ما أنميت"10.

_ 1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "عسبل" وهو خطأ كما تقدم. 2 أي: يتردد بينها, وهو من قولهم: عسل الذئب: أسرع في مشيه واضطرب. 3 كذا في أ، ج، وسقط في ش، ب. 4 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "تارة". 5 كذا في ب، ج، ش، وسقط في أ. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "العين". 7 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 8 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "معها". 10 "ما أصميت" أي: قتلت من الصيد فزهقت روحه بين يديك، و"ما أنميت" هو ما أصابته إصابة غير قاتلة, ثم غاب عن نظرك ومات بعد. والحديث رواه الطبراني. وانظر الجامع الصغير في حرف الكاف.

وهذا1 مذهب في هذه اللغة طريف غريب لطيف2. وهو فقهها3، وجامع معانيها وضامّ نشرها4. وقد هممث غير دفعة أن أنشئ في ذلك كتابًا أتقصَّى فيه أكثرها, والوقت يضيق دونه. ولعله لو خرج لما أقنعه ألف ورقة إلا على اختصار5 وإيماء. وكان أبو علي -رحمه الله- يستحسن هذا الموضع جدًّا وينبه عليه, ويسر بما يحضره خاطره منه. هذا باب إنما يجمع بين بعضه وبعض من طريق المعاني مجرَّدة من الألفاظ, وليس كالاشتقاق الذي هو من لفظ واحد, فكأنَّ بعضه منبهة على بعض. وهذا إنما يعتنق فيه الفكر المعاني غير منبهته6 عليها الألفاظ, فهو أشرف الصنعتين7، وأعلى المأخذين. فتفطن له، وتأنّ8 لجمعه؛ فإنه يؤنقك ويفيء عليك, ويبسط ما تجعَّد من خاطرك, ويريك من حكم الباري -عز اسمه ما تقف تحته وتسلم لعظم الصنعة فيه, وما أودعته أحضانه ونواحيه.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "فهذا". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "ظريف". 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "فقيهها". 4 النشر: المتفرق غير المجتمع. 5 كذا في أ. وفي ش، ب: "انتصار". 6 كذا في أ. وفي ش، ب "منبهة". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "الصنفين". 8 كذا في أ. وفي ش، ب: "فتأت".

باب في الاشتقاق الأكبر

باب في الاشتقاق الأكبر: هذا موضع لم يسمِّه أحد من أصحابنا غير أن أبا علي -رحمه الله- كان يستعين به ويخلد إليه, مع إعواز الاشتقاق الأصغر. لكنه مع هذا لم يسمِّه, وإنما كان يعتاده عند الضرورة, ويستروح إليه ويتعلل به. وإنما هذا التلقيب لنا نحن, وستراه فتعلم أنه لقب مستحسن1. وذلك أن الاشتقاق عندي على ضربين: كبير وصغير.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "مستحق".

فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم, كأن تأخذ1 أصلًا من الأصول فتتقرّاه فتجمع1 بين معانيه, وإن اختلفت صيغه ومبانيه. وذلك كتركيب "س ل م ", فإنك تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه؛ نحو: سلم ويسلم وسالم وسلمان وسلمى والسلامة والسليم: اللديغ, أطلق عليه تفاؤلًا بالسلامة. وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته, وبقية الأصول غيره كتركيب "ض ر ب " و "ج ل س " و "ز ب ل " على ما في أيدي الناس من ذلك. فهذا هو الاشتقاق الأصغر, وقد قدم أبو بكر2 -رحمه الله- رسالته فيه بما أغنى عن إعادته؛ لأن أبا بكر لم يأل فيه نصحًا وإحكامًا وصنعة وتأنيسًا. وأمَّا الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلًا من الأصول الثلاثية3، فتعقد عليه وعلى تقاليبه4 الستة معنًى واحدًا, تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه, وإن تباعد شيء من ذلك "عنه"5 رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه, كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد. وقد كنا قدمنا ذكر طرف من هذا الضرب من الاشتقاق في أول هذا الكتاب عند ذكرنا أصل الكلام, والقول وما يجيء من تقليب6 تراكيبهما نحو: "ك ل م " "ك م ل " "م ك ل " "م ل ك " "ل ك م " "ل م ك " وكذلك "ق ول " "ق ل و " "وق ل " "ول ق " "ل ق و " "ل وق " وهذا أعوص7 مذهبًا، وأحزن مضطربًا. وذلك8 أنا عقدنا تقاليب

_ 1 كذا في أ. وفي ب: "يأخذ.... فيتقراه فيجمع" وفي ش كما في ب, غير أن فيه: "فيقرأ" وهو تصحيف. 2 يريد ابن السراج. وله كتاب الاشتقاق، ولم يتممه. راجع البغية 44. 3 كذا في أ، ج. وفي ش،: "الثلاثة". 4 كذا في أ، ب. وفي ج: "مقاليبه". 5 كذا في ش، ب، ج. وسقط هذا في أ. 6 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 7 كذا في ش، أ. وفي ب: "أغوص". 8 كذا في أ، ب. وفي ش: "ولذلك".

الكلام الستة على القوة والشدة، وتقاليب القول الستة على الإسراع والخفة, وقد مضى ذلك في صدر الكتاب. لكن بقي علينا "أن نحضر هنا"1 مما يتصل به أحرفًا تؤنس بالأول، وتشجّع2 منه المتأمل. فمن ذلك تقليب "ج ب ر " فهي -أين3 وقعت- للقوة والشدة, منها: "جبرت العظم والفقير" إذا قويتهما وشددت منهما, والجبر: الملك لقوته وتقويته لغيره, ومنها: "رجل مجرب" إذا جرَّسته4 الأمور ونجذته5، فقويت منّته واشتدت شكيمته, ومنه الجراب؛ لأنه يحفظ ما فيه, وإذا حفظ الشيء وروعي اشتدَّ وقوي, وإذا أغفل وأهمل تساقط ورذي6. ومنها: "الأبجر والبجرة" وهو القوي السرة. ومنه قول علي -رضي الله عنه: إلى الله أشكو عجري وبجري, تأويله: همومي وأحزاني, وطريقه أن العجرة كل عقدة في الجسد, فإذا كانت في البطن والسرة فهي البجرة, "والبجرة"7 تأويله أن السرة غلظت ونتأت فاشتد مسّها وأمرها. وفُسِّر أيضًا قوله: عجري وبجري, أي: ما أبدي وأخفي من أحوالي. و"منه البُرْج لقوته في نفسه وقوة ما يليه"8 به، وكذلك البَرَج لنقاء بياض العين وصفاء سوادها هو قوة أمرها،

_ 1 كذا في أ، وفي ش، ب: "نحضرهما". 2 كذا في ش. وفي أ، "يسجع". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: لين، وهو تحريف. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "حرمته" وهو تصحيف. وجرسته الأمور: جرَّبته وأحكمته. 5 كذا في أ، ج، وفي ش، ب: "نجدته" وكلاهما صحيح. والذال أعلى. يقال: نجده الدهر ونجذه: عرفه وعلمه. 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "ردي" وكلاهما صحيح، فردي هلك، ووذي: أثقله المرض. 7 كذا في أ، وسقط هذا في ش، ب. 8 كذا في ش، ب، وفي أ: "منها البرج المؤيد في نفسه وقوة من عليه".

وأنه ليس بلون مستضعف, ومنها رجَّبت الرجل1 إذا عظَّمته وقوَّيت أمره, ومنه رجب لتعظيمهم إياه عن القتال فيه, وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها بالرجبة, وهو شيء تسند إليه لتقوى به. والراجبة: أحد فصوص الأصابع وهي مقوية لها. ومنها الرباجي وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله, قال: وتلقَّاه رباجيًّا فخورا2 تأويله أنه يعظِّم نفسه ويقوّي أمره. ومن ذلك تراكيب "ق س و " "ق وس " "وق س " "وس ق " "س وق "3 وأهمل " س ق و " , وجميع ذلك إلى القوة والاجتماع. منها: "القسوة" وهي شدة القلب واجتماعه, ألَا ترى إلى قوله: يا ليت شعري -والمنى لا تنفع ... هل أغدون يومًا وأمري مجمع4 أي: قوى مجتمع5، ومنها "القوس" لشدتها، واجتماع طرفيها, ومنها "الوقس" لابتداء الجرب، وذلك لأنه يجمع الجلد ويقحله6، ومنها "الوَسْق" للحمل، وذلك لاجتماعه وشدته, ومنه استوسق الأمر أي اجتمع {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} 7 أي: جمع،

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب. "الأمر". 2 أورده في الجمهرة 1/ 309 غير معزو. 3 كذا في أ. وفي ش: "فأهمل", وفي أما هو أدنى إلى ما في ش. 4 في النوادر 123. وبعده: وتحت رحلي زفيان ميلع ... حرف إذا ما زجرت تبوّع 5 كذا في أ. وفي ش، ب "مجمع". 6 كذا في ب، أي: جعله قحلًا، أما وفي أ: "يحفيه" أي: يذهبه. وفي ج: "يخفيه". وفي ش: "يفلحه" وكأنه تحريف عن "يفحله". 7 آية: 17، سورة الانشقاق.

ومنها "السوق"، وذلك لأنه استحثاث وجمع للمسوق بعضه؛ وعليه قال1: مستوسقات لو يجدن سائقًا2 فهذا كقولك: مجتمعاتٍ لو يجدن جامعًا فإن شد شيء من شعب هذه الأصول عن عقده ظاهرًا رُدَّ بالتأويل إليه, وعطف بالملاطفة عليه. بل إذا كان هذا قد3 يعرض في الأصل الواحد حتى يحتاج فيه إلى ما قلناه, كان فيما انتشرت أصوله بالتقديم والتأخير أولى باحتمال وأجدر بالتأوّل له. ومن ذلك تقليب "س م ل " "س ل م " "م س ل " "م ل س " "ل م س " "ل س م " والمعنى الجامع لها المشتمل عليها الإصحاب والملاينة, ومنها الثوب السمل وهو الخلق. وذلك لأنه ليس عليه من الوبر والزئبر ما على الجديد. فاليد إذا مرَّت عليه للمس لم يستوقفها عنه جدَّة4 المنسج ولا خشنة الملمس. والسمَل: الماء القليل؛ كأنه شيء قد أخْلَق وضعف عن قوة المضطرب, وجمة المرتكض, ولذلك قال: حوضًا كأنَّ ماءه إذا عسل ... من آخر الليل رويزي سمل5 وقال آخر: ورّاد أسمال المياه السُدْم ... في أخريات الغبش المغمّ6

_ 1 أي: العجاج كما في اللسان في وسق. 2 قبله: إن لنا الإبلا حقائقًا 3 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 4 كذا في ش، ب. وفي أ "حدة". 5 قبله كما في اللسان في عسل عن ثعلب: قد صبحت والظل غض ما زحل كأنه يصف إلّا أوقطا وردت الماء، ويقال: عسل الماء إذا حركته الريح فاضطرب وارتفعت حبكه وطرائفه. والرويزي تصغير الرازي: المنسوب إلى الري. ويعني به ثوب أخضر يشبه الماء به. 6 السدم: المتدفئة الغائرة، والغبش: الظلمة إذ يقبل الصباح, والمغم ذو الغيم, أو الذي يضيق الأنفاس من شدة الحر.

ومنها السلامة. وذلك أن السليم ليس فيه عيب تقف النفس عليه, ولا يعترض عليها به. ومنها "المَسْل و"1 المَسَل والمَسِيل كله واحد, وذلك أن الماء لا يجري إلّا في مذهب له, وإمام منقاد به, ولو صادف حاجزًا2 لإعتاقه فلم يجد متسرَّبا معه. ومنها الأملس والملساء. وذلك أنه لا اعتراض على الناظر فيه والمتصفح له. ومنها اللمس, وذلك أنه إن عارض اليد شيء حائل بينها وبين الملموس لم يصح هناك لمس؛ فإنما هو3 إهواء باليد نحوه, ووصول منها إليه, لا حاجز ولا مانع, ولا بُدَّ مع اللمس من إمرار اليد وتحريكها على الملموس, ولو كان هناك حائل لاستوقفت به عنه. ومنه الملامسة {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 4 أي: جامعتم، وذلك أنه لا بُدَّ هناك من حركات واعتمال, وهذا واضح. فأما "ل س م " فمهمل, وعلى أنهم قد قالوا: نسمت الريح إذا مرَّت مرًّا سهلًا ضعيفًا, والنون أخت اللام, وسترى نحو ذلك. " ومرَّ بنا أيضًا أَلْسَمْتُ الرجل حجته إذا لقَّنته وألزمته إياها. قال: لا تُلْسِمَنَّ أبا عمران حُجَّته ... ولا تكوننَّ له عونًا على عمرا5 فهذا من ذلك, أي: سهلتها وأوضحتها"6. واعلم أنا لا ندعي أن هذا مستمر في جميع اللغة, كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر أنه في جميع اللغة. بل إذا كان ذلك "الذي هو"7 في القسمة سدس هذا أو خمسه متعذرًا صعبًا, كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبًا وأعز ملتمسًا8. بل لو صحَّ

_ 1 كذا في أ، ج. وسقط هذا في ش، ب. والمعنى الواحد الذي يأتي له هذه الألفاظ الثالثة هو مجرى الماء، وصاحب القاموس يجعل المسل في معنى السيلان، والخطب سهل. 2 في ش بعد "حاجزًا": "أو جائزًا" وفي ب: "أو حائزًا". 3 أي: اللمس. 4 آية: 6 سورة المائدة. 5 "عمرًا" كذا في ب. وهو الموافق لما في اللسان في لسم, وفي ش: عمر، بكسر الراء. 6 ما بين القوسين في ش، ب: وسقط في أ. 7 كذا في أ، وفي ش، ب: "هو الذي". 8 كذا في ش، ب. وفي أ: "ملبسًا".

من هذا النحو, وهذه الصنعة المادة الواحدة تتقلّب على ضروب التقلب كان غريبًا معجبًا. فكيف به وهو يكاد يساوق الاشتقاق الأصغر ويجاريه إلى المدى الأبعد. وقد رسمتُ لك منه رسمًا فاحتذه1، وتقيّله2 تحظ به، وتكثر إعظام هذه اللغة الكريمة من أجله. نعم, وتسترفده في بعض الحاجة إليه فيعينك ويأخذ بيديك, ألا ترى أن أبا علي -رحمه الله- كان يقوِّي كون لام "أثفية" فيمن جعلها "أفعولة" واوًا بقولهم: جاء يثفه, ويقول: "هذا"3 من الواو لا محالة كيعِده. فيرجَّح4 بذلك الواو على الياء التي ساوقتها في يثفوه ويثفيه, أفلا تراه كيف استعان على لام ثفا بفاء وثف. وإنما ذلك لأنها مادّة واحدة شُكِّلت على صور مختلفة, فكأنها لفظة واحدة. وقلت مرة للمتنبئ: أراك تستعمل في شعرك ذا وتا وذي كثيرًا, ففكر شيئًا ثم قال: إن هذا الشعر لم يعمل كله في وقت واحد. فقلت له: أجل لكن5 المادة واحدة. فأمسك البتة. والشيء يذكر لنظيره, فإن المعاني وإن اختلفت معنياتها آوية إلى مضجع غير مقضّ, وآخذ بعضها برقاب بعض.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "فأخذه". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "تقبله"، وتقيله: تبعه وترسَّمه من قولهم: تقبل فلان أباه, إذا نزع إليه في الشبه. 3 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "فترجح". 5 كذا في أ. وفي سائر الأصول "إلّا أن".

باب في الإدغام الأصغر

باب في الإدغام الأصغر: قد ثبت أن الإدغام المألوف المعتاد إنما هو تقريب صوت من صوت, وهو في الكلام على ضربين: أحدهما أن يلتقي المثلان على. الأحكام التي يكون عنها الإدغام, فيدغم الأول في الآخر.

والأوّل من الحرفين في ذلك على ضربين: ساكن ومتحرك؛ فالمدغم الساكن الأصل كطاء قطَّع وكاف سُكِّر الأوليين, والمتحرك نحو دال شدَّ1، ولام معتل. والآخر أن يلتقي المتقاربان على الأحكام التي يسوغ معها الإدغام, فتقلب أحدهما إلى لفظ صاحبه فتدغمه2 فيه. وذلك مثل: "ودَّ"3 في اللغة التميمية, وأمَّحى وامَّاز واصَّبر واثَّاقل عنه. والمعنى الجامع لهذا كله تقريب الصوت من الصوت, ألا ترى أنك في قطَّع ونحوه قد أخفيت الساكن الأول في الثاني حتى نَبَا اللسان عنهما نبوة واحدة, وزالت الوقفة التي كانت تكون في الأول لو لم تدغمه في الآخر, ألا ترى أنك لو تكلَّفت ترك إدغام الطاء الأولى لتجشَّمت لها وقفة عليها تمتاز4 من شدَّة ممازجتها للثانية بها؛ كقولك: قططع وسككر, وهذا إنما تحكمه5 المشافهة به. فإن6 أنت أزلت تلك الوُقَيفة والفترة على الأول خلطته بالثاني فكان قربه منه "وادّغامه"7 فيه أشد لجذبه إليه وإلحاقه بحكمه. فإن كان الأول من المثلين متحركًا ثم أسكنته وأدغمته في الثاني فهو أظهر أمرًا وأوضح حكمًا, ألا ترى أنك إنما أسكنته لتخلطه بالثاني وتجذبه إلى مضامّته ومماسّة لفظه بلفظه بزوال8 الحركة التي كانت حاجزة بينه وبينه. وأمَّا إن كانا مختلفين ثم قُلِبَت أدغمت, فلا إشكال في إيثار تقريب أحدهما من صاحبه؛ لأن قلب المتقارب أوكد من تسكين النظير.

_ 1 أي: فعلًا لا مصدرًا. 2 كذا في ش، ب. وفي أ: "فيه غمه". 3 وأصله وتد. 4 كذا في ش, ب. وفي أ: "تمتازها". 5 كذا في ش، وفي أ، ب: "يحكمه". 6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "فإذا". 7 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "بعد إدغامه". 8 كذا في ش، ب. وفي أ "فزوال" وهو تصحيف.

فهذا حديث الإدغام الأكبر1؛ وأما الإدغام الأصغر2 فهو تقريب الحرف من الحرف وإدناؤه منه من غير إدغام يكون هناك. وهو ضروب. فمن ذلك الإمالة، وإنما3 وقعت في الكلام لتقريب الصوت من الصوت. وذلك نحو: عالم وكتاب وسعَى وقَضى واسقضى, ألا تراك قرَّبت فتحة العين من عالِم إلى كسرة اللام منه, بأن نحوت بالفتحة نحو الكسرة فأملت الألف نحو الياء, وكذلك سعى وقضى , نحوت بالألف نحو الياء التي انقلبت عنها, وعليه بقية الباب. ومن ذلك أن تقع فاء افتعل صادًا أو ضادًا أو طاءً أو ظاءً, فتقلب لها تاؤه طاء, وذلك نحو: اصطبر واضطبر واضطرب واطرد واظطلم. فهذا تقريب من غير إدغام, فأما اطَّرد فمن ذا الباب أيضًا, ولكن إدغامه ورد ههنا التقاطًا4 لا قصدًا. وذلك أن فاءه طاء, فلمَّا أبدلت تاؤه طاء صادفت الفاء طاء فوجب الإدغام لما اتفق حينئذ, ولو لم يكن هناك طاء لم يكن إدغام, ألا ترى أنَّ اصطبر واضطرب واظطلم لمَّا كان الأول منه غير طاء لم يقع إدغام قال 5: ..... ويظلم أحيانًا فيظطلم وأما فيظلم "وفيطَّلم"6 بالظاء والطاء جميعًا, فادّغام عن قصد لا عن توارد. فقد عرفت بذلك فرق ما بين اطَّرد وبين اصَّبر واظَّلم واطَّلم.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأصفر" وهو خطأ. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأكبر" وهو خطأ. 3 كذا في ش، ب. وسقط حرف العطف في أ. 4 أي: من غير أن يقصد إليه, تقول: لقيت فلانًا التقاطها, أي: فجأة. 5 هو زهير, وانظر الديوان بشرح ثعلب 156. 6 زيادة على حسب ما في ج خلت منها الأصول الثلاثة.

ومن ذلك أن تقع فاء "افتعل" زايا أو دالًا أو ذالًا, فتقلب تاؤه1 لها دالًا؛ كقولهم: ازدان وادَّعى "وادكر واذدكر"2 فيما حكاه أبو3 عمرو. فأما ادَّعى فحديثه حديث اطَّرد لا غير في أنه لم تقلب قصدًا للإدغام, لكن قلبت4 تاء ادعى دالًا كقلبها في ازدان, ثم وافقت فاؤه الدال المبدلة من التاء فلم يكن من الإدغام بد. وأما اذدكر "فمنزلة بين"5 ازدان وادَّعى. وذلك أنه لما قلب التاء دالًا "لوقوع الذال"6 قبلها صار إلى اذدكر, فقد كان هذا وجهًا يقال مثله, مع أن أبا عمرو قد أثبته وذكره, غير أنه أجريت الذال لقربها من الدال بالجهر مجرى الدال فأوثر الإدغام لتضامّ الحرفين في الجهر فأدغم, فهذه منزلة بين منزلتي7 ازدان وادّعى. وأما اذَّكر8 فكاسّمع واصّبر. ومن ذلك أن تقع السين قبل الحرف المستعلي فتقرّب9 منه بقلبها صادًا على ما هو مبين في موضعه من باب الإدغام, وذلك كقولهم في سُقْت: صُقْت, وفي السوق: الصوق, وفي سبقت: صبقت،

_ 1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "فاؤه"، وهو تصحيف. 2 في أ: "اذدكر". وفي ب: "ذدكر". وهي اذدكر. وفي ش: "ادّكر". وفي ج: "اذكره". وقد رأيت أن المقام يدعو إلى اذدكر وادكر؛ فإن فيهما قلب تاء الافتعال دالًا. وقد جعلت "اذدكر"، وبإزاء ما حكاه أبو عمرو فإنه هو الذي أثبتها" وسيبويه يمنعها، واذَّكر بقولها الجميع. وانظر شرح الرضي للشافية في مبحث الإدغام، وابن يعيش 10/ 150. 3 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "عمر" والصواب ما أثبت. 4 كذا أثبتها. وفي الأصول: "فاء". 5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "فبمنزلة". والوجه ما أثبت كما يتبين مما يجيء. 6 كذا في ش، ب وسقط هذا في أ. 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "منزلتين". 8 كذا أثبته. وفي الأصول: ادكر, والوجه ما أثبت, يريد أن اذَّكر فيها إبدال تاه الافتعال من جنس الفاء كما في اسَّمع وأصله استمع، واصَّبر وأصله اصطبر. 9 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيقرب".

وفي السوق: الصوق، وفي سبقت: صبقت، وفي سملق1 وسويق: صملق وصويق, وفي سالغ2 وساخط: صالخ وصاخط, وفي سقر: صقر, وفي مساليخ: مصاليخ. ومن ذلك قولهم3: ست أصلها سدس, فقربوا السين من الدال بأن قلبوها تاء فصارت سِدْت, فهذا تقريب لغير ادّغام, ثم إنهم فيما بعد أبدلوا الدال تقاء لقربها منها إرادة للإدغام الآن فقالوا ست. فالتغيير الأول للتقريب من غير إدغام والتغيير الثاني مقصود به الإدغام. ومن ذلك تقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق نحو شعيرٍ وبعيرٍ ورغيفٍ, وسمعت الشجري غير مرة يقول: زِئير الأسد, يريد: الزَّئِير. وحكى أبو زيد عنهم: الجنَّة لمن خاف وعيد الله. فأما مغيرة فليس اتباعه لأجل حرف الحلق, إنما هو4 من باب مِنْتِن, ومن قولهم: أنا أجوءك وأنبؤك. والقرفصاء5، والسلطان، وهو منحدر من الجبل, وحكى سيبويه أيضًا مُنْتُن, ففيه إذًا ثلاث لغات: مُنْتِن وهو الأصل, ثم يليه مِنْتِن, وأقلها مُنْتُن. فأما قول من قال: إن مُنْتِن من قولهم: أنتن, ومِنْتِن من قولهم: نَتُن الشيء, فإن ذلك لُكْنَة منه. ومن ذلك أيضًا قولهم: "فَعَل يَفْعَل" مما عينه أو لامه حرف حلقيّ نحو: سَأَل يسأل, وقَرَأ يَقَرَأ، وسَعَر يَسعر6، وقرع يقرع, وسَحَل يسحل, وسَبَح يَسْبَح. وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين في المضارع جنس حرف الحلق لما كان7 موضعًا منه مخرج الألف التي منها الفتحة.

_ 1 السملق: هو الأرض المستوية أو القفر لا نبات فيه. 2 يقال: سلغت الشاة إذا طلع نابها. 3 ثبت هذا في أ، وسقط في سائر الأصول. 4 كذا في ش، وسقط في أ. 5 هكذا بسكون الفاء كما في اللسان والقاموس بضبط القلم. وفي ج ضبط "القرفصاء" بضم القاف والراء والفاء. 6 يقال: سعر النار: أوقدها. وفي ج: "شعر يشعر" ولم يعرف في هذا فتح العين في الماضي والمضارع. 7 أي: لما كان الحلق منه مخرج الألف، والألف ينشأ منها الفتحة ألف صغيرة كان حرف الحلق مقتضيًا للفتحة. وانظر في توضيح هذا شرح الرضي للشافية 1/ 119.

ومن التقريب قولهم: الحمُدُ لله, والحمِدِ لله. ومنه1 تقريب الحرف من الحرف, نحو قولهم في نحو مَصْدر: مَزْدر, وفي التصدير: التزدير. وعليه قول العرب في المثل "لم يُحْرَمْ منْ فُزْد لَهُ " 2 أصله فُصِدَ له, ثم أسكنت العين على قولهم في ضُرِب: ضُرْبَ وقوله: ونفخوا في مدائنهم فطاروا3 فصار تقديره: فُصْدله, فما سكنت الصاد فضعِّفت به وجاورت الصاد -وهو مهموسة- الدال -وهي مجهورة- قربت منها بأن أشمت شيئًا من لفظ الزاي المقاربة للدال بالجهر. ونحو من ذلك قولهم: مررت بمذعور وابن بور 4: فهذا نحو من قيل وغيض لفاظًا, وإن اختلفا5 طريقًا. ومن ذلك إضعاف الحركة لتقرب بذلك من السكون نحو: حيِي وأُحْيِى وأُعيي, فهو -وإن كان مخفي- "بوزنه محركًا"6, وشاهد ذاك قبول وزن الشعر له قبوله للمتحرك البتة. وذلك قوله: أأن زم أجمال وفارق جيرة7

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "منها". 2 يقال فصد العزق، شقه فاستخرج ما فيه من الدم. وقال في القاموس في شأن هذا المثل: بات رجلان عند أعرابي فالتقها صباحا، فسأل أحدهما صاحبه عن القرى، فقال: ما قريت وإنما فصدلي. قال: "لم يحرم من فزد له".. 3 مصدره: ألم يخز التفرق جند كسرى والبيت للقطامي. وانظر الديوان 84. 4 الذي أنبته سيبويه في باب الإمالة: ابن نور بالنون. والمراد إشمام الضمة شيئا من الكسر لكسر الراء. 5 يريد أن لغة الإشمام في قيل -وهو الإتيان بحركة الفاء بين الضم والكسر- كالإشمام في ابن مذهور، ولكن طريق الإشمامين مختلف؛ فطريق الإشمام في قبل هو مراعاة ضم الفاء ومراعاة الياءن وطريق الإشمام في ابن مذعور مراعاة كسر الراء. 6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "بزنته متحركا" وانظر في إخفاء الرحركة الكتاب 2/ 378. 7 عجزه: وصاح غراب البين أنت حزين والبيت في ابن يعيش 9/ 113، وهو من شعر كثير، وانظره في ترجمة مدى بن الرقاع في الأغاني. والمراد النطق بقوله: أأنت بتخفيف الهمزة الثانية يجعلها بين بين.

فهذا بزنته محقَّقًا1 في قولك: أأن زمّ أجمال. فأما روم الحركة فهي وإن كانت من هذا فإنما هي كالإهابة بالساكن نحو الحركة, وهو لذلك ضرب من المضارعة. وأخفَى منها الإشمام لأنه للعين لا للأذن. وقد دعاهم إيثار قرب الصوت إلى أن أخلوا بالإعراب فقال بعضهم: وقال اضرب الساقين إمَّكَ هابِل2 وهذا نحو "من"3 الحمدُ لُلَّه والحمدِ لِله. وجميع ما هذه حاله مما قُرِّب فيه الصوت من الصوت جارٍ مجرى الإدغام بما ذكرناه من التقريب, وإنما احتطنا له بهذه السمة التي هي الإدغام الصغير؛ لأن في هذا إيذانًا4 بأن التقريب شامل للموضعين وأنه هو المراد المبغي في كلتا الجهتين, فاعرف ذلك.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ: "مخففًا". 2 الشاهد فيه كسر الميم في إمِّك اتّباعًا لكسرة الهمزة. والإمّ لغة في الأم، وهذا إخلال بإعراب المبتدأ. ومن الناس من يرويه: "أضرب الساقين أمك" بضم النون في الساقين اتّباعًا لهمزة أمك. انظر تفسير القرطبي 1/ 136. 3 كذا في أ، ج. وسقط في ش، ب. 4 كذا في أ، ب. وفي ش: "أذانًا".

باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني

باب في تصاقب 1 الألفاظ لتصاقب المعاني: هذا غور من العربية لا ينتصف2 منه ولا يكاد يحاط به. وأكثر كلام العرب عليه وإن كان غفلًا مسهوًّا عنه, وهو على أضرب: منها اقتراب الأصلين الثلاثيين؛ كضياط وضَيْطار, ولُوقةٍ وأَلوقةٍ, ورخْو ورِخْوَدٍّ, ويَنْجُوج وأَلَنْجُوج. وقد مضى3 ذكر ذلك.

_ 1 كذا في أ، ب، ش. وفي ج: "تصاريف الألفاظ لمتعاقب المعاني. 2 أي: لا يدرك كله, يقال: انتصف منه: استوفى منه حقَّه كاملًا. 3 انظر ص 47 من هذا الجزء.

ومنها اقتراب الأصلين ثلاثيًّا أحدهما ورباعيًّا صاحبه, أو رباعيًّا أحدهما وخماسيًّا صاحبه؛ كدمث ودمثر, وسبط وسبطر, ولؤلؤ ولُآل, والضبغطى والضبغطري. ومنه قوله: قد دَرْدَبَتْ والشيخ دَرْدَبِيس ... وقد مضى1 هذا أيضًا2 ومنها التقديم والتأخير على ما قلنا في الباب الذي قبل هذا في تقليب الأصول نحو: "ك ل م " و"ك م ل " و"م ك ل " ونحو ذلك. وهذا كله والحروف واحدة غير متجاورة3. لكن من وراء هذا ضرب غيره وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعاني, وهذا باب واسع. من ذلك قول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} 4 أي: تزعجهم وتقلقهم, فهذا في معنى تهزّهم هزًّا, والهمزة أخت الهاء, فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم5 خصّوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء, وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهزِّ؛ لأنك قد تهز ما لا بال له كالجذع وساق الشجرة, ونحو ذلك. " ومنه العَسْف6 والأسَف, والعين أخت الهمزة, كما أن الأسف يعسف7 النفس وينال منها, والهمزة أقوى من العين, كما أن أسف النفس أغلظ من "التردد"8 بالعسف. فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين"9.

_ 1 انظر ص51 وما بعدها من هذا الجزء. 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 3 كذا في أ، ش. وفي ب: "متجاوزة". وهو تصحيف. 4 آية: 83، سورة مريم. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "وذلك كأنهم". 6 في ج: "العسيف والأسيف", والعسيف: الأجير، والأسيف: الشيخ الكبير، ومن اشتد به الأسف. وكأنه يريد بالعسف هنا السير على غير طريق وهدًى, ويناسبه قوله بعد: "كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف". 7 أي: ينال منها، يقال: عسف فلانًا: ظلمه، ونال منه. 8 في ش، ب: "التودد". وهو غير مناسب. 9 سقط ما بين القوسين في أ، وثبت في ش، ب.

ومنه القرمة وهي الفقرة تُحزّ على أنف البعير. وقريب منه قلَّمت أظفاري؛ لأن هذا انتقاص للظفر وذلك انتقاص للجلد. فالراء أخت اللام والعملان متقاربان. وعليه قالوا فيها: الجَرْفة وهي من "ج ر ف " وهي أخت جلفت لقلم إذا أخذت جُلْفته, وهذا من "ج ل ف "؛ وقريب منه الجنف وهو الميل, وإذا جَلَفت الشيء أو جرفته فقد أملته عمَّا كان عليه, وهذا من "ج ن ف ". ومثله تركيب "ع ل م " في العلامة والعلم, وقالوا مع ذلك: بيضة عرماء وقطيع أعرم إذا كان فيهما سواد وبياض, وإذا وقع ذلك بأن أحد اللونين من صاحبه، فكان كل واحد منهما علمًا لصاحبه. وهو من "ع ر م", قال أبو وجزة السعدي: ما زلن ينسبن وهنا كل صادقةٍ ... باتت تباشر عُرْمًا غير أزواجِ1 حتى سَلَكن الشوى منهن في مسكٍ ... من نسل جوابة الآفاقِ مهداج ومن ذلك تركيب "ح م س " و "ح ب س ", قالوا: حبست الشيء, وحمس الشر إذا اشتد, والتقاؤهما أن الشيئين إذا حبس أحدهما صاحبه تمانعا وتعازا, فكان ذلك كالشر يقع بينهما.

_ 1 هذا البيت في اللسان، والحيوان 5-573، والبيتان في صفة حمير الوحش، وقد وردن الماء ليلًا فأثرن القطا ... حتى وردنه وأدخلن أرجلهن فيه وقوله: "وهنا" أي: حين أدبر الليل, ويريد بالصادقة: القطاة؛ لأن القطاة تصحيح: قطا قطا، وهو اسمها, فنسب إليها الصدق, وقيل: أصدق من قطاة. وقد وصفها بأن بيضها عرم غير أزواج، أفراد وكذلك بيض القطا. والشوى من الداية: البدان والرجلان، والمسك: ما يكون في رجل الدابة كالخلخال. وأراد بجوابة الآفاق المهداج: الريح الحنون. أراد أن الأتن أدخلن قوائمهن في الماء فصار الماء لأرجلهن وأيديهن كالمسك، ووصف أن هذا الماء ماء مطر ساقته الريح. وانظر اللسان في هدج ومسك، والبيت الأول في الحيوان.

ومنه العَلْب: الأثر والعَلْم: الشقّ في الشفة العليا. فذاك من "ع ل ب ", وهذا من "ع ل م ", والباء أخت الميم, قال طرفة: كأن عُلوب النسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهرِ قردد1 ومنه تركيب "ق ر د " و "ق ر ت ", قالوا للأرض: قَرْدَد, وتلك2 نباك تكون في الأرض, فهو من قرد الشيء وتقرّد إذا تجمع, أنشدنا أبو علي 3: أهوى لها مشقصٌ حشر فشبرقها ... وكنتُ أدعو قذاها الإثمد القردا4 "أي: أسمي الإثمد القرد أذًى لها. يعنى عينه"5 وقالوا: قرت الدم عليه, أي: جمد, والتاء أخت الدال كما ترى. فأما لم خص هذا المعنى بذا الحرف فسنذكره في باب يلي هذا بعون الله تعالى. ومن ذلك العلز: خفّة وطيش وقلق يعرض للإنسان, وقالوا: "العلوص" لوجع في الجوف يلتوي له الإنسان6 ويفلق منه. فذاك من "ع ل ز", وهذا من "ع ل ص", والزاى أخت الصاد.

_ 1 البيت في معلقته, وهو في وصف الناقة, والنسع: سير تشد به الرجال. والدأيات، أضلاع الكنف، والموارد: طرق الواردين إلى الماء. والخلقاء: الصخرة الملساء، والقردد: ما ارتفع من الأرض. يصف آثار الحزام في أضلاعها؛ وشبهها بالطَّرق في صخرة ملساء، وذلك من كثرة حمل الرحل عليها. 2 واحدها نبكة, وهي التل أو الأكمة. 3 نسبه في اللسان في هوى إلى ابن أحمر. 4 أهوى: هوى وانقض عليها وسقط, والمشقص: السهم المريض، والحشر: اللطيف الدقيق, وشرقها: مزتها. يريد أن عينه أصابهم منهم ففقأها، وكان من قبل مشققًا عليها حريصًا على ألّا ينالها شيء؛ حتى إن الإثمد القرد كان يراه قذى لها. وفي رواية اللسان في هوى: "مشقصًا". 5 كذا في ش، ب. وسقط ما بين القوسين في أ. 6 كذا في ش، ب: وسقط في أ.

ومنه الغَرْب: الدلو العظيمة، وذلك لأنها يغرف من الماء بها، فذاك1 من "غ ر ب ", وهذا من "غ ر ف " , أنشد أبو زيد: كأن عيني وقد بانوني ... غربان في جدول منجنون2 واستعملوا تركيب "ج ب ل " و "ج ب ن " و "ج ب ر " لتقاربها في موضع واحد وهو الالتئام والتماسك. منه الجبل لشدّته وقوته, وجبن إذا استمسك وتوقَّف وتجمَّع, ومنه جبرت العظم ونحوه, أي: قويته. وقد تقع المضارعة في الأصل الواحد بالحرفين نحو قولهم: السحيل والصهيل, قال 3: كأن سحيله في كل فجر ... على أحساء يمؤود دعاء4 وذاك من "س ح ل ", وهذا من "ص هـ ل ", والصاد أخت السين, كما أن الهاء أخت الحاء. ونحو منه قولهم: "سحل" في الصوت, و"زحر", والسين أخت الزاي, كما أن اللام أخت الراء. وقالوا: "جلف وجرم", فهذا للقشر وهذا للقطع, وهما متقاربان معنًى ومتقاربان لفظًا؛ لأن ذاك من "ج ل ف " , وهذا من "ج ر م ".

_ 1 في ج: "وذلك لأنها تغرف من الماء، والفاء أخت الباء". 2 بانوني، بانوا عني وفارقوني, والمنجنون ما يستقي به وهو الدولاب، وانظر النوادر60. 3 هو زهير في قصيدته التي مطلعها: عفا من آل فاطمة الجواد ... فيُمْن فالقوادم فالحساء 4 هذا في الحديث عن الحمار الوحشي، وسحيله صوته، ويمؤرد: واد في أرض غطفان. فالأحساء: الرمال يكون فيها الماء. وانظر الديوان بشرح ثعلب. طبعة دار الكتب 75.

" وقالوا: صال يصول, كما قالوا: سار يسور"1. نعم, وتجاوزوا ذلك إلى أن ضارعوا بالأصول الثلاثة: الفاء والعين واللام. فقالوا: عصر الشيء, وقالوا: أزله2 إذا حبسه, والعصر ضرب من الحبس. وذاك من "ع ص ر " , وهذا من "أزل", والعين أخت الهمزة, والصاد أخت الزاي, والراء أخت اللام. وقالوا: الأزم: المنع والعصب: الشدّ, فالمعنيان متقاربان, والهمزة أخت العين, والزاي أخت الصاد, والميم أخت الباء. وذاك من "أزم" وهذا من " ع ص ب". وقالوا: السلب والصرف, وإذا سلب الشيء فقد صرف عن وجهه. فذاك من "س ل ب ", وهذا من "ص ر ف" , والسين أخت الصاد, واللام أخت الراء, والباء أخت الفاء. وقالوا: الغدر, كما قالوا: الختل, والمعنيان متقاربان, واللفظان متراسلان, فذاك من "غ د ر " , وهذا من "خ ت ل ", فالغين أخت الخاء, والدال أخت التاء, والراء أخت اللام. وقالوا: زأر, كما قالوا: سعل, لتقارب اللفظ والمعنى. وقالوا: عدن بالمكان, كما قالوا: تأطر, أي: أقام وتلبَّث. وقالوا: شرب, كما قالوا: جلف؛ لأن شارب الماء مُفْنٍ له كالجلف3 للشيء. وقالوا: ألته حقه, كما قالوا: عانده. وقالوا: الأرفة للحد بين الشيئين, كما قالوا: علامة. وقالوا: قفز, كما قالوا: كبس, وذلك أن القافز إذا استقرَّ على الأرض

_ 1 سقط ما بين القوسين في أ، وثبت في ش، ب. 2 كذا في أ، ج. وفي، ب: "أزاله", وهو خطأ. 3 يقال: جلف الشيء: استأصله.

كبسها. وقالوا: صهل, كما قالوا: زأر. وقالوا: الهتْر, كما قالوا: الإدل1, وكلاهما العجب. وقالوا: كلف به, كما قالوا: تقرب منه. وقالوا: تجعد, كما قالوا: شحط, وذلك أن الشيء إذا تجعَّد وتقبَّض عن غيره شحط وبعد عنه, ومنه قول الأعشى: إذا نزل الحي حلّ الجحيش ... شقيًّا غويًّا مبينًا غيورا2 وذاك من تركيب "ج ع د " , وهذا من تركيب "ش ح ط ", فالجيم أخت الشين, والعين أخت الحاء, والدال أخت الطاء. وقالوا: السيف والصوب, وذلك أن السيف يوصف بأنه يرسب في الضريبة لحدته ومضائه, ولذلك قالوا: سيف رسوب, وهذا هو معنى صاب يصوب إذا انحدر. فذاك من "س ي ف " , وهذا من "ص وب ", فالسين أخت الصاد, والياء أخت الواو, والفاء أخت الباء. وقالوا: جاع يجوع, وشاء يشاء, والجائع مريد للطعام لا محالة, ولهذا يقول المدعوّ إلى الطعام إذا لم يجب: لا أريد ولست أشتهي ونحو ذلك, والإرادة هي المشيئة. فذاك من "ج وع ", وهذا من "ش ي أ " , والجيم أخت الشين, والواو أخت الياء, والعين أخت الهمزة. وقالوا: فلان جلس بيته إذا لازمه. وقالوا: أرز إلى الشيء إذا اجتمع نحوه وتقبَّض إليه, ومنه: إن3 الإسلام ليأرز إلى المدينة, وقال 4: بآرزة الفقارة لم يخنها ... قطاف في الركاب ولا خلاء

_ 1 هذا صحيح في الهتْر، جاءت به اللغة "فأمّا الإدل فهو وجع يأخذ في العنق، وهو أيضًا اللبن الخائر الشديد الحموضة، ولم أقف على وروده للعجب, وهو محرّف عن الأدب. 2 المعروف في الرواية: حريد المحل غويًّا غيورًا وهو في وصف رجل غيور على امرأته، فإذا نزل بها في السير اعتزل القوم بها, وانظر الصبح المنير 68، واللسان "جحش", والجحيش يروى بالنصب على الظرفية, أي: المكان المنفرد، ويروى بالرفع, أي: زوجها المعتزل بها عن الناس. 3 هذا الحديث في البخاري في "فضائل المدينة" بلفظ: "إن الإيمان....". 4 أي: زهير. 5 "آرة الفقارة" أي: قوية، وهو من وصف الناقة، وذلك أن فقارها آرز: متداخل مجتمع، وذلك من قوتها, "ولم يختها": لم ينقصها، والقطاف: مقاربة الحطر، والخلاء في الإبل كالحران في الدواب, وانظر الديوان بشرح ثعلب, طبعة دار الكتب 63.

فذاك من "ح ل س " وهذا من "أر ز ", فالحاء أخت الهمزة, واللام أخت الراء, والسين أخت الزاي. وقالوا: أفل, كما قالوا: غبر؛ لأن أفل: غاب, والغابر غائب أيضًا. فذاك من " أف ل ", وهذا من " غ ب ر ", فالهمزة أخت الغين, والفاء أخت الباء, واللام أخت الراء. وهذا النحو من الصنعة موجود في أكثر الكلام وفرش اللغة, وإنما بقي من يثيره ويبحث عن مكنونه, بل مَنْ إذا أوضح له وكشفت عنده حقيقته طاع طبعه لها فوعاها وتقبلها. وهيهات ذلك مطلبًا, وعزَّ فيهم مذهبًا! وقد قال أبو بكر: من عرف ألف, ومن جهل استوحش. ونحن نتبع هذا الباب بابًا أغرب منه وأدلّ على حكمة القديم سبحانه, وتقدست أسماؤه, فتأمله تحظ به بعون الله تعالى.

باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني

باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني: اعلم أن هذا موضع شريف لطيف, وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه, وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته. قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدًّا فقالوا: صَرَّ, وتوهموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صرصر. وقال سيبويه1 في المصادر التي جاءت على الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة, نحو: النقزان2 والغلبان والغثيان, فقابلوا3 بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال.

_ 1 عبارة سيبويه في الكتاب 2/ 218: "ومن المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني قولك: النزوان والنقزان والقفزان. وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزاز في ارتفاع, ومثله العسلان والرتكان ... ومثل هذا الغلبان؛ لأنه زعزعة وتحرك، ومثله: الغثيان؛ لأنه تجيش نفسه وتثور، ومثله: الخطران واللعان؛ لأن هذا اضطراب وتحرك، ومثل ذلك: اللهبان والوهجان؛ لأنه تحرك الحر وتثوره، فإنما هو بمنزلة الغليان". 2 يقال: نقز الظبي: وثب صعذا. 3 هذا من كلام ابن جني لا من كلام سيبويه، كما يعلم من نص سيبويه السابق.

ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سَمْت ما حدّاه1، ومنهاج ما مثّلاه. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو: الزعزعة، والقلقلة، والصلصلة، والقعقعة "والصعصعة"2 والجرجرة والقرقرة. ووجدت أيضًا "الفَعَلى" في المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة نحو: البشكى والجمزى والولقى, قال رؤبة: أو بَشَكَى وخد الظليم النزّ3 وقال الهذلي4: كأني ورحلي إذا هجّرت ... على جمزى جازئ بالرمال أو أصحم حام جراميزه ... حزابية حيدى بالدحال5 فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر -أعني: باب القلقلة- والمثال الذي6 توالت حركاته للأفعال التي توالت الحركات فيها. ومن ذلك -وهو أصنع منه- أنهم جعلوا "استفعل" في أكثر الأمر للطلب, نحو: استسقى واستطعم واستوهب واستمنح, واستقدم عمرًا, واستصرخ جعفرًا. فرتّبت في هذا الباب الحروف على ترتيب الأفعال, وتفسير ذلك أن الأفعال المحدث عنها أنها وقعت عن غير طلب إنما تفجأ حروفها الأصول أو ما ضارع بالصنعة7 الأصول.

_ 1 كذا في أ. وفي ب: "حذّياه" وفي ش: "حذياه". 2 كذا في ش، ب، ج. وسقط هذا في أ. والصعصعة: التحريك والقلقلة. 3 يقال ظليم نز: لا يستقر في مكان. وانظر الديوان 65. 4 هو أمية بن أبي عائذ كما في اللسان في جمز، وانظر الهذليين 2/ 176. 5 يريد بالجمزى: حمار وحش، وجازئ: يستغني بالرطب عن الماء، والأحم من الصحة وهي سواد إلى صفرة. ويريد به أيضًا حمار وحش، وجراميزه: جسده ونفسه، يحميها من الصائد، حزابية، غليظ. حيدى: يحيد من سرعته. والدحال: وهو هوة ضيقة الأعلى واسعة الأسفل. 6 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "التي" وهو خطأ. 7 كذا في أ: وفي ش، ب: "بالصفة".

فالأصول نحو قولهم: طعم ووهب, ودخل وخرج, وصعد ونزل. فهذا إخبار بأصول فاجأت عن أفعال وقعت, ولم يكن معها دلالة تدل على طلب لها ولا إعمال فيها. وكذلك ما تقدمت الزيادة فيه على سمت الأصل نحو: أحسن وأكرم وأعطى وأولى. فهذا من طريق الصنعة1 بوزن الأصل في نحو: دحرج وسرهف وقوقى وزوزى. وذلك أنهم جعلوا هذا الكلام عبارات عن هذه المعاني, فكلما ازدادت العبارة شبهًا بالمعنى كانت أدلّ عليه وأشهد بالغرض فيه. فلمّا كانت إذا 2فأجأت الأفعال فاجأت أصول المثل الدالة عليها, أو ما جرى مجرى أصولها نحو: وهب ومنح وأكرم وأحسن, كذلك إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسببت لها, وجب أن تقدم أمام حروفها الأصول في مثلها الدالة عليها أحرفًا زائدة على تلك الأصول, تكون كالمقدمة لها, والمؤدية إليها. وذلك نحو: استفعل, فجاءت الهمزة والسين والتاء زوائد, ثم وردت بعدها الأصول: الفاء والعين واللام. فهذا من اللفظ وفق المعنى الموجود هناك, وذلك أن الطلب للفعل والتماسه والسعي فيه والتأتي3 لوقوعه تقدمه, ثم وقعت الإجابة إليه فتبع الفعل السؤال فيه والتسبب لوقوعه. فكما تبعت أفعال الإجابة أفعال الطلب كذلك تبعت حروف الأصل الحروف الزائدة التي وضعت للالتماس والمسألة. وذلك نحو استخرج واستقدم واستوهب واستمنح واستعطى واستدنى, فهذا على سمت الصنعة التي تقدَّمت في رأي الخليل وسيبويه, إلّا أن هذه أغمض من تلك. غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها ومعقودة4 عليها.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش: "الصيغة". 2 كذا في أ، وفي ش، ب: "إذ". 3 كذا في ب. وفي ش، أ: "الثاني" وهو تصحيف. 4 كذا في ش، ب. وفي أ: "مقردة".

ومن وجد مقالًا قال به وإن لم يسبق إليه غيره. فكيف به إذا تبع العلماء فيه وتلاهم على تمثيل معانيه. ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال1 دليلًا على تكرير الفعل, فقالوا: كسَّر وقطَّع وفتَّح وغلَّق. وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل, والعين أقوى من الفاء واللام, وذلك لأنها واسطة لهما ومنكوفة بهما, فصارا كأنهما سياج لها, ومبذولان للعوارض دونها2. ولذلك تجد الإعلال بالحذف فيهما دونها. فأما حذف الفاء ففي المصادر من باب: وعد, نحو العدة والزنة، والطدة3، والتدة، والهبة، والإبة. وأما اللام فنحو: اليد والدم والفم والأب والأخ والسنة والمائة، والفئة4. وقلَّما تجد الحذف في العين5. فلمَّا كانت الأفعال دليلة المعاني كرروا أقواها وجعلوه دليلًا على قوة المعنى المحدث به, وهو تكرير الفعل, كما جعلوا تقطيعه في نحو: صرصر وحقحق, دليلًا على تقطيعه. ولم يكونوا ليضعفوا الفاء ولا اللام لكراهية التضعيف في أول الكلمة, والإشفاق على الحرف المضعَّف أن يجيء في آخرها وهو مكان الحذف وموضع الإعلال, وهم قد أرادوا تحصين الحرف الدال على قوة الفعل. فهذا أيضًا من مساوقة الصيغة6 للمعاني. وقد أتبعوا اللام في باب المبالغة العين, وذلك إذا كرّرت العين7 معها في نحو: دمكمك وصمحمح وعركرك8 وعصبصب وغشمشم, والموضع في ذلك للعين, وإنما

_ 1 يريد بالمثال البناء. 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "بدلًا منها". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "الصدة". والطدة من وطد, والصدة من رصد, يقال: "وطّد الشيء ووصد، ثبت. 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "الهنة". 5 من ذلك السة وأصله الستة, ومذ وأصله منذ. 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "الصنعة". 7 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "بالعين". 8 يقال: بعير عركرك: قوي غليظ.

ضامَّتها اللام هنا تبعًا لها ولاحقة بها, ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة من نحو: اخلولق واعشوشب واغدودن واحمومى واذلولى واقطوطى, وكذلك في الاسم نحو: عثوثل وغدودن وخفيدد1، وعقنقل، وعبنبل2، وهجنجل, قال: ظلّت وظلَّ يومها حوب حل ... وظلّ يوم لأبي الهجنجل3 فدخول لام التعريف فيه مع العلمية يدل على أنه في الأصل صفة كالحرث والعبّاس وكل واجد من هذه المثل قد فصل بين عينيه بالزائد لا باللام. فعلمت أن تكرير المعنى في باب: صمحمح "إنما هو للعين"4، وإن كانت اللام فيه أقوى من الزائد في باب: افعوعل وفعوعل وفعيعل5 وفعنعل؛ لأن اللام بالعين أشبه من الزائد بها. ولهذا أيضًا ضاعفوها كما ضاعفوا العين للمبالغة نحو: عتلّ وصملّ وقمدّ وحزقّ, إلّا أن العين أقعد6 في ذلك من اللام, ألا ترى أن الفعل الذي هو موضع للمعاني لا يضعف ولا7 يؤكد تكريره إلّا بالعين. هذا هو الباب. فأما اقعنسس واسحنكك, فليس الغرض فيه التوكيد والتكرير؛ لأن ذا إنما ضعف للإلحاق, فهذه طريق8 صناعية, وباب تكرير العين هو طريق معنوية9، ألا ترى أنهم لما اعتزموا إفادة المعنى توفروا عليه وتحاموا طريق الصنعة والإلحاق فيه فقالوا: قطَّع وكسَّر تقطيعًا وتكسيرًا, ولم يجيئوا بمصدره على مثال فعللة فيقولوا: قطعةً وكسرة, كما قالوا في الملحق: بيطر بيطرة, وحوقل حوقلة, وجهور جهورة.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "خفيفد" وكلاهما السريع في وصف الظليم. 2 كذا في أوسقط في ش، ب. والعبنبل: الضخم الشديد. 3 يريد ظل يومها مقولًا فيها: حوب حل. وحوب زجر لذكور الإبل، وحل زجر لإناثها. ورود هذا الزجر مع صلة له في شرح التبريزي للحماسة 1/ 323 بتحقيق الشيخ محمد محيى الدين. 4 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 5 كذا في ش، ب وسقط في أ. 6 كذا في أوفي ش، ب: "أقوى" وفي ج: "أولى". 7 كذا في ش، ب وسقط في أ. 8 كذا في أوفي ش، ب: "طريقة. 9 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "معنوي".

ويدلك1 على أن افعوعل لما ضعفت عينه للمعنى انصرف به عن طريق الإلحاق -تغليبًا للمعنى على اللفظ وإعلامًا أن قدر المعنى عندهم أعلى وأشرف من قدر اللفظ- أنهم قالوا في افعوعل من رددت: "اردودّ" ولم يقولوا: اردودد, فيظهروا التضعيف للإلحاق كما أظهروه في باب2 اسحنكك، واكلندد3، لما كان للإلحاق بالحرنجم واخرنطم ولا تجد في بنات الأربعة نحو: احروجم, فيظهروا "افعوعل" من رددت فيقال: "اردودد"؛ لأنه لا مثال له رباعيًّا فيلحق هذا4 به. فهذا طريق المثل واحتياطاتهم فيها بالصنعة ودلالاتهم "منها"5 على الإرادة والبغية. فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث, فباب عظيم واسع, ونهج متلئب عند عارفيه مأموم. وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبَّر بها عنها, فيعدلونها بها ويحتذونها عليها, وذلك أكثر مما نقدره6، وأضعاف ما نستشعره6. من ذلك قولهم: خضم وقضم, فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب, والقضم للصلب اليابس نحو: قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك. وفي الخبر قد يدرك الخضم بالقضم, أي: قد يدرك الرخاء بالشدة واللين بالشظف. وعليه قول أبي7 الدرداء: يخضمون8 ونقضم والموعد الله.

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "يدل". 2 كذا في ش، ب وفي أ: "نحو". 3 يقال: أكلندد: اشتد. 4 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 5 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 6 كذا في ش، ب بالنون. وفي أبالتاء فيهما. 7 في النهاية أن في حديث أبي ذر: "تأكلون خضماونا كل قضمًا", وفيها أيضًا: "وفي حديث أبي هريرة أنه مرَّ بمروان وهو يبني بيتًا له، فقال: ابنوا شديدًا، وأملوا بعيدًا، واخضموا فسنقضم"، وفي الأساس: "وفي حديث أبي ذر: "اخصموا نستقضم" ولم أقف على نسبة هذا لأبي الدرداء. 8 كذا في ش، أ، ب. وفي ج: "تخضمونه".

فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب, والقاف لصلابتها لليابس حذوًا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث. ومن ذلك قولهم: التضح للماء نحوه والنضح أقوى من النضح, قال الله سبحانه: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} 1 فجعلوا الحاء -لرقَّتها- للماء الضعيف, والخاء -لغلظها- لما هو أقوى منه. ومن ذلك القدّ طولًا والقط عرضًا. وذلك أن الطاء أحصر2 للصوت وأسرع قطعًا له من الدال, فجعلوا الطاء المناجزة3 لقطع العرض؛ لقربه وسرعته, والدال المماطلة لما طال من الأثر وهو قطعه طولًا. ومن ذلك قولهم: قرت الدم وقرد الشيء وتقرّد وقَرَطَ يقرط, فالتاء أخفت4 الثلاثة, فاستعملوها في الدم إذا جفَّ؛ لأنه قصد ومستخف في الحسِّ عن القردد الذي هو النباك في الأرض ونحوها. وجعلوا الطاء -وهي أعلى الثلاثة صوتًا- "للقرط"5 الذي يسمع, وقرد، من القرد, وذلك لأنه موصوف بالقلة والذلة, قال الله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} 6. ينبغي أن يكون "خاسئين" خبرًا آخر ل"كونوا", والأول "قردة", فهو كقولك 7: هذا حلو حامض وإن جعلته وصفًا ل"قردة" صغر معناه، ألا ترى أن القرد لذله

_ 1 آية: 66، سورة الرحمن. 2 كذا في أ، وفي ج: "أخصر" وفي ب: أخص", وفي ش: "أخفض", ويبدو فيها الإصلاح وكان أصلها أخص وهو ما في ب، وكلاهما تحريف عن أحصر. 3 كذا في أ. وفي ش: "للمناجزة" وفي ب: "المناجرة". 4 كذا في ش، أ، ب. وفي ج: "أخف" وأخفتها: أخفاها صوتًا. والخفت: إسرار النطق. 5 يقال: قرط الكراث: قطعة في القدر، والقرط يسمع له صوت؛ إذ كان قطعًا وشقًّا. 6 آية: 65، سورة البقرة. 7 الأخلق بما نحن فيه أن يكون كقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} مما يصحّ الاقتصار فيه على أحد الخبرين أو الأخبار, وأما "هذا حلو حامض" فالخبران في قوة خبر واحد، وهو "مزّ".

وصغاره خاسئ أبدًا, فيكون إذًا صفة غير مفيدة, وإذا جعلت "خاسئين" خبرًا ثانيًا حسن وأفاد حتى كأنه قال: كونوا قردة " و"1 كونوا خاسئين, ألا ترى أن ليس لأحد الاسمين من الاختصاص بالخبرية إلّا ما لصاحبه, وليس كذلك الصفة بعد الموصوف, إنما اختصاص العامل بالموصوف, ثم الصفة من بعد تابعة له. ولست أعني بقولي: إنه كأنه قال تعالى: كونوا قردة, كونوا خاسئين, إن العامل في خاسئين عامل ثانٍ غير الأول, معاذ الله أن أريد ذلك, إنما هذا شيء يقدَّر مع البدل. فأما في الخبرين فإن العامل فيهما جميعًا واحد, ولو كان هناك عامل آخر لما كانا خبرين لمخبر عنه واحد, وإنما مفاد الخبر من مجموعهما2. ولهذا كان عند أبي علي أن العائد على المبتدأ من مجموعهما لا من أحدهما؛ لأنه ليس الخبر بأحدهما بل بمجموعهما. وإنما أريد أنك متى شئت باشرت ب"كونوا" أي: الاسمين آثرت, ولست كذلك الصفة. ويؤنّس بذلك أنه لو كانت "خاسئين" صفة ل"قردة" لكان الأخلق أن يكون "قردة خاسئة"، "وفي أن"3 لم يقرأ بذلك البتَّة دلالة على أنه ليس بوصف. وإن كان قد يجوز أن يكون "خاسئين" صفة "لقردة على المعنى إذ كان المعنى"4 أنها هي هم في المعنى, إلّا أن هذا إنما هو جائز وليس بالوجه, بل الوجه أن يكون وصفًا لو كان على اللفظ. فكيف وقد سبق ضعف الصفة ههنا. فهذا شيء عَرَض قلنا فيه ثم لنعد.

_ 1 كذا في أ. وسقط في ش، ب. 2 قد علمت أن مفاد الخبر في الآية ليس من مجموع "قردة" و"خاسئين", بل كل منهما يصح أن يكون خبر وحده، على هذا فلا يجيء ما شاه عليه بعد نقلًا عن أبي علي: أن العائد على المبتدأ من مجموعهما، فإن مذهب أبي علي هذا في نحو: "الرمان حلو حامض" لا فيما نحن فيه، وانظر الهمع 1/ 95. 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "فإن". 4 في أ "لقردة على المعنى". وما بين القوسين فيما عداها من الأصول.

أفلا ترى إلى تشبيههم الحروف بالأفعال وتنزيلهم إياها على احتذائها. ومن ذلك قولهم: الوسيلة والوصيلة, والصاد -كما ترى- أقوى صوتًا من السين لما فيها من الاستعلاء, والوصيلة أقوى معنى من الوسيلة. وذلك أن التوسّل ليست له عصمة الوصل والصلة, بل الصلة أصلها من اتصال الشيء بالشيء ومماسته له, وكونه في أكثر الأحوال بعضًا له؛ كاتصال الأعضاء بالإنسان وهي أبعاضه, ونحو ذلك, والتوسل معنى يضعف ويصغر أن يكون المتوسّل جزءًا أو كالجزء من المتوسل إليه. وهذا واضح. فجعلوا الصاد لقوتها للمعنى الأقوى، والسين لضعفها للمعنى الأضعف. ومن ذلك قولهم: "الخذا" في الأذن، "والخذأ: الاستخذاء"1, فجعلوا الواو في خذواء2 -لأنها دون الهمزة صوتًا- للمعنى الأضعف, وذلك لأن استرخاء الأذن "ليس"3 من العيوب التي يسبّ بها, ولا يتناهى في استقباحها. وأما الذل فهو من أقبح العيوب وأذهبها في المزراة والسب, فعبروا عنه بالهمزة لقوتها, وعن عيب الأذن المحتمل بالواو لضعفها. فجعلوا أقوى الحرفين لأقوى العيبين, وأضعفهما لأضعفهما. ومن ذلك قولهم: قد جفا الشيء يجفو, وقالوا: جفأ الوادي بغثائه4، ففيهما كليهما5 معنى الجفاء لارتفاعهما, إلّا أنهم استعملوا الهمزة في الوادي لما هناك من حفزه6، وقوة دفعه.

_ 1 كذا في أ، ب. وفي ش؛ "والحذأ والاستخذاء" وواو العطف يبدو أنها ملحقة إصلاحًا، وكتب في الهامش بعد هذا: "في الذل" و"صح". 2 كذا في أ. وفي ش، ب: "الحذراء" أي: في قولهم أذن خذواء وصفًا من الحذا. 3 كذا في أ، ب. وسقط في ش. وفي ج. "ليس من العيوب التي يتناهى في اسقباحها". 4 كذا في ش، ب وفي أ: "بعبابه". وفي اللسان: جفأ الوادي غثاءه يجفأ جفأ: رمى بالزبد والقذى. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "كلتيهما". 6 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "حفره".

ومن ذلك قولهم: صعد وسعد, فجعلوا الصاد -لأنها أقوى- لما فيه أثر مشاهد يرى، وهو الصعود في الجبل والحائط ونحو ذلك. وجعلوا السين -لضعفها- لما لا يظهر ولا يشاهد حسًّا, إلا أنه مع ذلك فيه صعود الجد لا صعود الجسم, ألا تراهم يقولون: هو سعيد الجدّ, وهو عالي الجد, وقد ارتفع أمره وعلا قدره. فجعلوا الصاد لقوتها مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشمة, وجعلوا السين لضعفها فيما تعرفه النفس وإن لم تره العين, والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية. فإن قلت: فكان يجب على هذا أن يكون الخذا في الأذن مهموزًا, وفي الذل غير مهموز؛ لأن عيب الأذن مشاهد, وعيب النفس غير مشاهد, قيل: عيب الأذن وإن كان مشاهدًا فإنه لا علاج فيه على الأذن, وإنما هو خمول وذبول ومشقة الصاعد ظاهرة مباشرة1 معتدة متجشمة, فالأثر فيها أقوى, فكانت بالحرف الأقوى -وهو الصاد- أحرى. ومن ذلك أيضًا: سدَّ وصدَّ؛ فالسد دون الصد؛ لأن السد للباب يسد, والمنظرة ونحوها, والصد جانب الجبل والوادي والشعب, وهذا أقوى من السد الذي قد يكون لثقب الكوز2 ورأس القارورة ونحو ذلك, "فجعلوا الصاد لقوتها للأقوى، والسين لضعفها، للأضعف"3. ومن ذلك القسم والقصم, فالقصم أقوى فعلًا من القسم؛ لأن القصم يكون معه الدق, وقد يقسم بين الشيئين فلا ينكأ أحدهما, فلذلك خصت بالأقوى الصاد وبالأضعف السين.

_ 1 كذا في ش، أ، وفي ب: "مباصرة". 2 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "الكثرة". 3 ما بين القوسين ساقط من أ.

ومن ذلك تركيب "ق ط ر " و "ق د ر " و "ق ت ر " فالتاء خافية متسفلة, والطاء سامية متصعدة,/ فاستعملتا -لتعاديهما-1 في الطرفين كقولهم: فتر الشيء2 وقطره. والدال بينهما ليس لها صعود الطاء ولا نزول التاء, فكانت3 لذلك واسطة بينهما, فعبِّر بها عن معظم الأمر ومقابلته, فقيل: قدر الشيء لجماعه ومحر نجمه4. وينبغي أن يكون قولهم: قطر الإناء الماء ونحوه, إنما هو "فعل" من لفظ القطر ومعناه. وذلك أنه إنما ينقط الماء عن صفحته الخارجة وهي قطره. فاعرف ذلك. فهذا ونحوه أمر إذا أنت أتيته من بابه, وأصلحت فكرك لتناوله وتأمله, أعطاك مقادته5 وأركبك ذروته وجلا عليك بهجاته ومحاسنه, وإن أنت تناكرته وقلت: هذا أمر منتشر, ومذهب صعب موعر, حرمت نفسك لذته, وسددت عليها باب الحظوة به. نعم، ومن وراء هذا ما اللطف فيه أظهر, والحكمة أعلى وأصنع. وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبَّر عنها بها ترتيبها, وتقديم ما يضاهي أول الحدث, وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط6 ما يضاهي أوسطه, سوقًا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب.

_ 1 أي: لتباينهما -وكذا هو في ش، ب. وفي أ "لعادتهما". 2 قتر الشيء وقطره: ناحيته وجانبه. والأصل القطر، والقتر لغة فيه، كما في اللسان. 3 كذا في ش، ب. وفي أ "وكانت". 4 هو حيث مجتمع، من قولهم: احرنجمت الإبل: اجتمعت. 5 كذا في ش، ب. وفي أ "مقاده". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "توسط".

وذلك قولهم: بحث. فالباء لغلظها1 تشبه بصوتها2 خفقة الكف3 على الأرض، والحاء لصحلها4 تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب, ونحوهما إذا غارت في الأرض والثاء للنفث، والبث للتراب5. وهذا أمر تراه محسوسًا محصلًا, فأيّ شبهة تبقى بعده, أم أيّ شك يعرض6 على مثله. وقد ذكرت هذا في موضع آخر من كتبي لأمرٍ دعا إليه هناك. فأمَّا هذا الموضع فإنه أهله, وحقيق به لأنه موضوع له ولأمثاله. ومن ذلك قولهم: شدَّ الحبل ونحوه. فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العقد, ثم يليه إحكام الشدّ والجذب وتأريب العقد, فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين, ولاسيما وهي مدغمة, فهو أقوى لصنعتها وأدلّ على المعنى الذي أريد بها. ويقال7 شدَّ وهو8 يشد. فأمَّا الشدة في الأمر فإنها مستعارة من شدّ الحبل ونحوه لضرب من الاتساع والمبالغة, على حد ما نقول9 فيما يشبه بغيره لتقوية أمره المراد به10.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بفلظها". 2 كذا في ش، ب. وفي أ "لصوتها". 3 كذا في ش، ب. وفي أ: "خفقة الكف على الكف". 4 كذا في ج، وهو محرق في ش. وفي أ: "فيهما". والصحل: البحة في الصوت. 5 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "النبث". 6 كذا في أ. وفي ش، ب: "يعترض". 7 كذا في أ. وفي ش، ب: "فيقال". 8 كذا في ش، ب. وفي أ: "فهو". 9 في أ، ش: "يقول". وفي ب غير منقوطة. 10 كذا في أ. وفي ب: "بالمراد".

ومن ذلك أيضًا جرَّ الشيء يجرّه, قدموا الجيم لأنها حرف شديد, وأول الجر بمشقة1 على الجار والمجرور جميعًا, ثم عقَّبوا ذلك بالراء وهو حرف مكرر, وكررها مع ذلك في نفسها. وذلك لأن الشيء إذا جر على الأرض في غالب الأمر اهتزَّ عليها واضطرب صاعدًا عنها ونازلًا إليها, وتكرر ذلك منه على ما فيه من التعتعة2 والقلق. فكانت الراء -لما فيها من التكرير؛ ولأنها أيضًا قد كررت في نفسها في "جر" و"جررت"- أوفق لهذا المعنى من جميع الحروف غيرها. هذا هو محجة هذا ومذهبه. فإن أنت رأيت شيئًا من هذا النحو لا ينقاد لك فيما رسمناه, ولا يتابعك على ما أوردناه, فأحد أمرين 3: إما أن تكون لم تنعم النظر فيه فيقعد بك فكرك عنه, أو لأن لهذه اللغة أصولًا وأوائل قد تخفى عنا وتقصر أسبابها دوننا "كما قال سيبويه:"4 أو لأنَّ الأول وصل إليه علم5 لم يصل إلى الآخر. فإن قلت: فهلّا أجزت أيضًا أن يكون ما أوردته في هذا الموضع شيئًا اتفق، وأمرًا وقع في صورة المقصود، من غير أن يعتقد (وما الفرق) 6؟. قيل: في هذا حكم بإبطال ما دلت الدلالة عليه من حكمة العرب التي تشهد بها العقول، وتتناصر7 إليها أغراض ذوي التحصيل, فما ورد على وجه يقبله

_ 1 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "المشقة". 2 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "المعنفة". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "الأمرين". وفي ج: "فلأحد أمرين". 4 ما بين القوسين في ش، ب، ج. وسقط في أ. 5 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "و". 6 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 7 كذا في أ، ج. وفي ش، ب "يتناضل".

القياس, وتقتاد إليه دواعي النظر والإنصاف, حمل عليها ونسبت الصنعة فيه إليها. وما تجاوز ذلك فخفي لم توءس1 النفس منه, ووكل إلى "مصادقة2 النظر فيه", وكان الأحرى به أن يتهم الإنسان نظره، ولا يخفّ إلى ادعاء النقض3 فيما قد ثبَّت الله أطنابه, وأحصف بالحكمة أسبابه. ولو لم يتنبه "على ذلك"4 إلّا بما جاء عنهم من تسميتهم5 الأشياء بأصواتها؛ كالخازباز لصوته6، والبط لصوته، والخاقباق لصوت الفرج عند الجماع, والواق7 للصرد8 لصوته، وغاق للغراب9 لصوته، "وقوله"10: "تداعين باسم الشيب"11 لصوت مشافرها, وقوله: بينما نحن مرتعون بفلج ... قالت الدلّح الرواء إنيه12 فهذا حكاية لرزمة السحاب وحنين الرعد, وقوله: كالبحر يدعو هيقما وهيقما13 وذلك لصوته, ونحو منه قولهم: حاحيت وعاعيت وهاهيت, إذا قلت: حاء وعاء وهاء. وقولهم: بسملت وهيللت وحولقت؛ كل ذلك "وأشباهه"14 إنما يرجع في اشتقاقه إلى الأصوات. والأمر أوسع.

_ 1 كذا في أ، ب، ج: وفي ش: "تيأس". 2 كذا في أ. وفي ش، ب، ج: "معاودة". 3 في ج: "النقص". 4 كذا في أ. وفي ش، ب: "لذلك". 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "تشبيهم". 6 كذا في ش، ب. وفي أ: "لجنونه" والحازباز، الذباب. 7 الواق -بكسر القاف حكاية لصوته, ويقال فيه: الواقي. 8 كذا في ب، وفي ج: "الصرد" وفي أ، "المصرّ", وهو تحريف عن المصرصر, أي: المصوّت. وفي ش: "المصرد". والصرد: طائر فوق العصفور، وهو الواقي والواق. 9 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "الغراب". 10 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "في قوله". 11 الشيب "بالكسر": حكاية صوت مشافر الإبل عند الشرب, والكلمة من بيت لذي الرمة وهو: تداعين باسم الشيب في متثلم ... جوانبه من بصرة وسلام 12 انظر ص24 من الجزء الأول. 13 الهيقم: حكاية صوت اضطراب البحر. 14 كذا في ش، ب، وفي أ: "بأشباهه".

" ومن طريف ما مرَّ بي في هذه اللغة التي لا يكاد يعلم بُعْدُها, ولا يحاط بقاصيها, ازدحام الدال والتاء والطاء والراء واللام والنون إذا مازجتهن الفاء على التقديم والتأخير, فأكثر أحوالها ومجموع معانيها أنها للوهن والضعف ونحوهما"1. من2 ذلك "الدالف" للشيخ الضعيف, والشيء التالف والطليف3، "والظليف"4 المّجان5, وليست له عصمة الثمين, والطنف لما أشرف خارجًا عن البناء, وهو إلى الضعف لأنه ليست له قوة الراكب الأساس6, والأصل والنطف: العيب، "وهو إلى الضعف"7، والدنف: المريض. ومنه "التنوفة"8 وذلك لأن الفلاة إلى الهلاك, ألا تراهم يقولون لها: مهلكة, وكذلك قالوا لها: بيداء, فهي فعلاء من بادٍ يبيد. ومنه الترفة9؛ لأنها إلى اللين والضعف, وعليه قالوا: الطرف؛ لأن طرف الشيء أضعف من قبله وأوسطه, قال الله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} 10. وقال11 الطائي الكبير: كانت هي الوسط الممنوع فاستلبت ... ما حولها الخيل حتى أصبحت طرفا ومنه "الفرد"؛ لأن المنفرد إلى الضعف والهلاك ما هو, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "المرء كثير بأخيه"12. والفارط المتقدّم, وإذا تقدَّم انفرد, وإذا انفرد

_ 1 ما بين القوسين ساقط من أ. 2 كذا في ب، ج. وفي أ: "ومن". 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "اللطيف" وهو خطأ. 4 كذا في ش، ب. وسقط في أ، ج. والظليف لغة في اللطيف. ويقال: ذهب به مجانًا وظليفًا وطليفًا إذا أخذه بغير عن. 5 كذا في أ، ج. وفي ش، ب. "المحاز". وهو تحريف. 6 كذا في أ. وفي ش, ب. "للأساس"، وفي ج: "على الأساس". 7 كذا في أ. وفي ب: "وهو إلى الضعة والغض". وفي ش. "وهي الضعة والغض". وفي ج: "وهو إلى الضعة والنقص". 8 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "الدنوفة" وهو تحريف. 9 هي التنعم ولين العيش, وتقال الترفة أيضًا للطعام الطيب. 10 آية: 41، سورة الرعد. 11 كذا في ش، ب، ج. وسقطت الواو في أ. 12 رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن سهل بن سعد الساعدي. وانظر الجامع الصغير في حرف الميم.

"أعرض للهلاك"1, ولذلك2 ما يوصف بالتقدّم ويمدح به لهول مقامه وتعرّض راكبه. وقال محمد بن حبيب في الفرتَنَى الفاجرة: إنها من الفرات، وحكم بزيادة النون والألف, فهي3 على هذا كقولهم4 لها "هلوك". قال الهذلي5: السالك الثغرة اليقظان كالئها ... مَشْي الهلوك عليها الخيعل الفضل6 وقياس مذهب سيبويه أن تكون "فرتنى" فعللى7 رباعية كجحجبى8, ومنه الفرات؛ لأنه الماء العذب, وإذا عذب الشيء ميل عليه ونيل منه, ألا ترى إلى قوله: ممقرٌ مُرّ على أعدائه ... وعلى الأدنين حلو كالعسل9 وقال الآخر 10: تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا11 ومنه الفتور للضعف, والرفت للكسر والرديف؛ لأنه ليس له تمكّن الأول, ومنه الطفل للصبي لضعفه, والطفل للرخص, وهو ضد الشثن, والتفل للريح المكروهة, فهي منبوذة مطروحة. وينبغي أن تكون "الدفلى"12 من ذلك لضعفه عن صلابة النبع والسراء13 والتنضب، والشوْحَط. وقالوا: الدفر للنتن، وقالوا:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "ملك". 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "كذلك". 3 كذا في أ. وفي ش، ب: "فهو". 4 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "قولهم". 5 هو المتنخل يرثي ابنه أثيلة. وانظر ديوان الهذليين "الدار" 2/ 34. 6 الثغرة موضع المخافة، وكالئها: حافظها. والحيعل: ثوب يخاط أحد شقيه ويترك الآخر. والفل هو الحيعل ليس تحته إزار ولا سراويل. يقول: إن من شأنه سلوك موضع المخافة متمكنًا منها غير هياب, كما تمشي المرأة المتبخترة. وانظر الحرانة 4/ 288. 7 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "فعلل". وهو خطأ. 8 هم حي من الأنصار. 9 قائله لبيد، وهو من قصيدة في مرثية أربد في الديوان. وأمقر الشيء: إذا كان مرًّا كالمقر وهو الصبر. 10 هو القطامي. والنظر الديوان 40. 11 استركوا: استضعفوا. والمصاع: المجالدة بالسيوف. 12 شجر مرٌّ أخضر يكون في الأودية. 13 كذا في أ، ب، ش، وفي ج: والشرا" وهو تصحيف. "والسراء" من كبار الشجر ينبت في الجبال وتتخذ منه القسي.

للدنيا1 "أم دفر" سب لها وتوضيع منها. ومنه "الفلتة" لضعفة الرأي, وفتل المغزل لأنّه تثنّ واستدارة, وذاك إلى وهي وضعفة, والفطر: الشق, وهو إلى الوهن. الآن قد أنَّستك بمذهب القوم فيما هذه حاله, ووقفتك على طريقه, وأبديت لك عن مكنونه, وبقي عليك أنت التنبه لأمثاله, وإنعام الفحص عمَّا هذه حاله, فإنني إن زدت على هذا مللت وأمللت. ولو شئت لكتبت من مثله أوراقًا مئين, فأبه له ولاطفه, ولا تجفّ عليه فيعرض عنك ولا يبهأ2 بك.

_ 1 كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "والدنيا". 2 يقال: بهأ بالشيء: أنس به.

باب في مشابهة معاني الإعراب معاني الشعر

باب في مشابهة معاني الإعراب معاني الشعر: نبَّهنا أبو علي -رحمه الله- من هذا الموضع على أغراض حسنة, من ذلك قولهم في لا النافية للنكرة: إنها تبنى معها فتصير كجزء1 من الاسم, نحو: لا رجل في الدار, ولا بأس عليك, وأنشدنا في هذا المعنى "قوله "2: خيط على زفرة فتمَّ ولم ... يرجع إلى دقَّة ولا هضم وتأويل ذلك أن هذا الفرس لسعة جوفه وإجفار محزمه3 كأنه زَفَر, فلما اغترق4 نفسه بُنِي على ذلك, فلزمته تلك الزفرة, فصيغ عليها لا يفارقها "كما أن الاسم بني مع لا حتى خلط بها لا تفارقه ولا يفارقها"5 وهذا موضع متناهٍ في حسنه, آخذ بغاية الصنعة من مستخرجه.

_ 1 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "كجزء واحد". 2 كذا في أ. وسقط في ش، ب، ج. والبيت للنابغة الجعدي كما في اللسان في هضم، والخيل لأبي عبيدة في أواخره. 3 كذا في أ، ب. وفي ش: "محرمة" وهو تصحيف. وإجفار مجزمة: سعة وسطه. وفي معاني ابن قتيبة 1/ 139. "يقول: كأنه زافر أبدًا من عظم جوفه. والهضم: استقامة الضلوع ودخول أعالبها، وهو عيب". 4 يقال: اغترف النفس: استوعب في الزفير. 5 ما بين القوسين ساقط من أ.

ومثله أيضًا من وصف الفرس: بنيت معاقمها على مطوائها1 أي: كأنَّها تمطت, فلمَّا تناءت أطرافها ورحبت شحوتها2 صيغت على ذلك. ومن ذلك قولهم: ما أدري أأذّن أو أقام, إذا قالها بأو لا بأم. فهو أنه لم يعتدّ أذانه أذانًا, ولا قال: فمثل ذلك قول عبيد 3: أعاقر كذات رحم ... أم غانم كمن يخيب فكان ينبغي أن يعادل بقوله: ذات رحم، نقيضتها, فيقول: أغير ذات رحم كذات رحم, وهكذا أراد لا محالة, ولكنه جاء بالبيت على المسألة4. وذلك أنه لما لم تكن العاقر ولودًا صارت وإن كانت ذات رحم كأنها لا رحم لها, فكأنه قال: أغير ذات رحم كذات رحم, كما أنه لما لم يوفِّ أذانه ولا إقامته حقهما لمن يثبت له واحدًا منهما؛ لأنه قاله بأو, ولو قال: ما أدري أأذَّن أم أقام "بأم"5 لأثبت له أحدهما لا محالة. ومن ذلك قول النحويين: إنهم لا يبنون من ضرب وعلم, وما كانت عينه لامًا أو راء مثل: عنسل. قالوا: لأنّا نصير به إلى ضنرب وعنلم, فإن أدغمنا ألبس بفعل, وإن أظهرنا النون قبل الراء واللام ثقلت, فتركنا بناءه أصلًا. وكان ينشد في هذا المعنى قوله 6:

_ 1 شطر بيت للمسيب بن علس صدره: بمحالة تقص الذباب بطرفها وانظر المصباح المنير 349, والمعاقم فقر في مؤخر الصلب. ويقال: فرس مدلوك المعاقم, أي: ليس برهل, والمطواء النمطي. والمحالة: الشديدة المحلل, أي: الفقار، ووقصها الذاب أنها تقتله إذا دنا منه. وقد نسب ابن قتيبة في معانيه 1/ 44 البيت إلى المرقش, وأورد قبله: ومغيرة تسج الجنوب شهدتها ... تمضي سوابقها على غلوائها 2 الشحوة: الخطوة. 3 يريد عبيد بن الأوص, والبيت في معلقته. 4 يريد بالمسألة ما أسلفه: أن الشيء إذا لم يوفّ ما يتوقع منه فكأنه لم يكن. 5 ما بين القوسين ساقط من أ. 6 أي: الأعشى، وانظر الصبح المنير 126.

فقال: ثكل وغدر أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار وقول الآخر: رأى الأمر يفضى إلى آخر ... فصيّر آخره أوَّلا ووجدت أنا من هذا الضرب أشياء صالحة. منها: أن الشعر المجزوء إذا لحق ضربه قطع لم تتداركه العرب بالردف, وذلك أنه لا يبلغ من قدره1 أن يفي بما حذفه الجزء, فيكون هذا أيضًا "كقولهم للمغني غير المحسن: تتعب ولا أطرب"2. ومنهم من يلحق الردف على كل حال, فنطير معنى هذا معنى قول الآخر 3: ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجح4 وقول الآخر: فإن لم تنل مطلبًا رمته ... فليس عليك سوى الاجتهاد ومن ذلك قول من اختار إعمال الفعل الثاني؛ لأنه العامل الأقرب نحو: ضربت وضربني زيد, وضربني وضربت زيدًا. فنظير معنى هذا معنى قول الهذلي 5: بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي وعليه قول أبي نواس: أمر غدٍ أنت منه في لبس ... وأمس قد فات فاله عن أمس فإنما العيش عيش يومك ذا ... فباكر الشمس بابنة الشمس

_ 1 كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "هذه" وهو خطأ. 2 ما بين القوسين في ش، ب، ج، وسقط في أ. 3 هو عروة بن الورد. والشعر في الحماسة. 4 هذا عجز بيت صدره: ليبلغ عذرًا أو يصيب رغيبة وقبله: ومن يك مثلي ذا عيال ومقترًا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح 5 هو أبو خراش. وانظر الأمالي 1/ 271، واللآلي 601. 6 كذا في أ. وفي سائر الأصول: "وإنما".

ومنه قول تأبط شرًّا: وما قَدُمَ نُسِي ومن كان ذا شر خشي. في كلام له, وقوله: وإذا مضى شيء كأن لم يفعل1 وقول الآخر: أنشدناه أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان عن الأصمعي عن أبي عمرو أن رجلًا من أهل نجد أنشده: حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيّتما حالٍ دهارير2 ومن ذلك أيضًا قول شاعرنا: خذ ما تراه ودع شيئًا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل3 ومما جاء في معنى إعمال الأول قول الطائي الكبير: نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلّا للحبيب الأول وقول كُثَيِّر: ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... علق بقلبي من هواك قديم وقول الآخر: تمر به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى به الأيام وهو جديد ومن ذلك ما جاء عنهم من الجوار في قولهم: هذا جحر ضب خرب, وما يحكى أن أعرابيًّا أراد امرأة له فقالت له: إني حائض, فقال: فأين الهنة الأخرى, فقالت له: اتق الله, فقال: كلا ورب البيت ذي الأستار ... لأهتكنّ حلق الحتار4 قد يؤخذ الجار بجرم الجار

_ 1 صدره: فإذا وذلك ليس إلّا حينه وهو من قصيدة لأبي كبير الهذلي. وانظر رغبة الآمل، شرح الكامل 2/ 113. 2 جاء هذا في الأمالي 2/ 182، والكتاب 1/ 122، ويقول فيه البكري في اللآلي: "أنشد سيبويه" ولم ينسبه الجرمي" وانظر اللآلي, وسمطه 800، والمعمرين 40. 3 "الشمس" كذا في أ. وفي سائر الأصول: "البدر". 4 الحتار: حلقة الدير. 5 "يجرم" كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "بذنب", وهذا الشطر مَثَلٌ أورده الميداني في حرف القاف 7/ 474 "بولاق", وقال: "مَثَلٌ إسلاميّ، وهو في شعر الحكمي.

ومنه قول العرب: أعطيتك إذ سألتني وزدتك إذ شكرنني. ف"إذ" معمولة العطية والزيادة, وإذا عمل الفعل في ظرف زمانيًّا كان أو مكانيًّا, فإنه لا بُدَّ أن يكون واقعًا فيه, وليست العطية واقعة في وقت المسألة, وإنما هي عقيبه؛ لأن المسألة سبب العطية, والسبب جارٍ مجرى العلة, فيجب أن يتقدَّم المعلول والمسبب؛ لكنه لما كانت العطية مسببة عن المسألة وواقعة على أثرها, وتقارب وقتاهما, صار لذلك كأنهما في وقت واحد. فهذا تجاور في الزمان, كما أن ذاك تجاور في الإعراب. ومنه قول الله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} 1. طاولت أبا علي -رحمه الله تعالى- في هذا وراجعته فيه عودًا على بدء, فكان أكثر ما2 برد منه في اليد أنّه لما كانت الدار الآخرة تلي الدار الدنيا لا فاصل بينهما, إنما هي هذه فهذه, صار ما يقع في الآخرة كأنه واقع في الدنيا, فلذلك أجرى اليوم وهو الآخرة3 مجرى وقت4 الظلم وهو قوله: إذ طلمتم ووقت الظلم إنما كان في الدنيا. فإن لم تفعل هذا وترتكبه بقي "إذا ظلمتم" غير متعلق بشيء, فيصير ما قاله أبو علي إلى أنه كأنه أبدل "إذ ظلمتم" من اليوم, أو5 كرره عليه, وهو كأنه هو. فإن قلت: لم لا تكون "إذ" محمولة على فعل آخر, حتى كأنه قال: ولن ينفعكم اليوم أنكم في العذاب مشتركون "اذكروا" إذ ظلمتم, أو نحو ذلك.

_ 1 آية: 39، سورة الزخرف. 2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "برز". ويقال: بررالشيء في اليد: أي: ثبت. 3 كذا في ش، ب. وسقط في أ. 4 خرج من هذا الإشكال متأخرو النحاة بأن إذ في الآية لمحض التعليل، وليست للوقت، فلا يطلب لها فعل يقع فيه. وانظر المغني في ترجمة "إذ". 5 كذا في ش، ب، ج.

قيل: ذلك يفسد من موضعين: أحدهما اللفظ والآخر المعنى, أما اللفظ فلأنك تفصل بالأجنبي -وهو قوله: "إذ ظلمتم"- بين الفعل وهو "ينفعكم", وفاعله وهو "أنكم في العذاب مشتركون", وأنت عالم بما في الفصل بينهما بالأجنبي. وإن كان الفصل بالظرف متجوزًا فيه. وأما المعنى فلأنَّك لو فعلت ذلك لأخرجت من الجملة الظرف الذي هو "إذ ظلمتم", وهذا ينقض معناها. وذلك لأنها معقودة على دخول الظرف الذي هو "إذ" فيها, ووجوده في أثنائها, ألا ترى أن عدم انتفاعهم بمشاركة أمثالهم لهم في العذاب إنما سببه وعلته ظلمهم, فإذا كان كذلك كان احتياج الجملة إليه نحوًا من احتياجها إلى المفعول له، نحو قولك 1: قصدتك رغبة في برِّك, وأتيتك طمعًا في صلتك, ألا ترى أن معناه: أنكم عدمتم سلوة التأسِّي بمن شارككم في العذاب لأجل ظلمكم فيما مضى, كما قيل في نظيره: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 2 أي: ذق بما كنت تعد في أهل العز والكرم. وكما قال الله تعالى في نقيضه: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} 3. ومن الأول قوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} 4 ومثله في الشعر كثير, منه قول الأعشى: على أنها إذ رأتني أُقَاد ... تقول بما قد أراه بصيرا5

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب: "قولهم". 2 آية: 49 سورة الدخان. 3 آية: 24 سورة الدخان. 3 آية: 61 سورة البقرة. 4 "أنها كذا في أ. وفي ش، ب: "أثنى". "أفاد". كذا في أ. وفي ش. ب: "تقاد". وقوله: "بما قد أراه". "ما" هنا كفَّت الباء عن الجزء وأحدثت معها معنى التقليل. ف"يما" تساوي ربما. انظر المغني في مبحث الباء المفردة. وابن جني هنا لا يرى هذا, ويرى أنها هنا بمعنى البدل. فقوله: بما قد أراه بصيرًا. أي: الضعف المشاهد الآن, وسوء البصر بدل ما قد مضى من الفترة وصحة البصر، وانظر قوله هنا: أي هذا الضعف بتلك القوة. والشعر للأعشى في الصبح المنير 69. وما سقته عن الغني هو رأي أبي عمرو، فقد قال: "بما بمعنى ربما" وانظر شرح ثعلب. ورأي ابن جني تبع فيه الأصمعي. فقد قال: "قالت بما قد أراه. هذا العمى: بداك البصر، أي: هذا بذباك".

ومنه قولهم حكاية عن الشيخ: بما لا أخشى بالذئب, أي: هذا الضعف بتلك القوة. ومنه1 أبيات العجاج "أنشدناها سنة إحدى وأربعين "2: إمّا تربني أصل القُعّادا ... وأتقي أن أنهض الإرعادا3 من أن تبدّلت بآدي آدا ... لم يك ينآد فأمسى انآدا4 وقصبا حنى حتى كادا ... يعود بعد أعظمٍ أعوادا5 فقد أكون مرة روّادًا ... أطّلع النجاد فالنجادا6 وآخر من جاء به على كثرته شاعرنا "فقال "7: وكم دون الثويّة من حزين ... يقول له قدومي ذا بذاكا8 فكشفه وحرّره. ويدل على الانتفاع بالتأسي في9 المصيبة قولها 10:

_ 1 كذا في أ. وفي ش، ب. "من". 2 ما بين القوسين ساقط في ش، ب. وقوله: "أنشدناها" أي: أبو علي. وقوله "سنة إحدى وأربعين" أي: ثلاثمائة. وبعض هذا الرجز في ملحق الديوان 76. 3 القعاد: جمع قاعد. وقوله أصل القعاد: أي: أكون منهم وأفعل فعلهم. والإرعاد مفعول, "أتقي" أي: أتقي الإرعاد من أن أنهض. 4 الآد: القوة كالآبد. وانآد: أنثني وأعوجّ، وقد ورد هذا البيت وما قبله في شواهد إصلاح المنطق لابن السيرافي، الورقة 89. 5 القصب: كل عظم ذي مخ. 6 الرؤاد: مبالغة الرائد، وهو الذي يتقدّم قومه يلتمس لهم النجعة والكلأ, والنجاد: جمع نجد وهو ما أشرف من الأرض. 7 كذا في أ، وسقط في ش، ب. 8 التوبة: موضع قريب من الكوفة, وقوله: "دون الثوية" كذا في أ. وفي ش، ب: "تحت الثوية". 9 كذا في أ، ب. وفي ش: "من". 10 أي: الخنساء.

ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي1 وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي ومنه قول أبي داود: ويصيخ أحيانًا كما اس ... تمع المضل لصوت ناشد2 وهو كثير جدًّا. ولسنا نريد ههنا الجوار الصناعي, نحو قولهم في الوقف: هذا بكُرْ, ومررت ببِكرْ, وقولهم: صُيمَّ3 وقُيمَّ وقول جرير 4: لحبّ المؤقدان إلي مؤسى وقولهم: هذا مصباح5، ومقلات5، ومطعان5، وقوله 6:

_ 1 "إخوانهم" كذا في ش، ب. وفي أ: "أحبابهم". والشعر من مرثيئها لأخيها صخر. وانظر الديوان 49. 2 هذا في وصف فرص، بصفة بحدة السمع. البيت في أربعة أبيات لأبي داود. انظر تهذيب الألفاظ 475. 3 يريد أن "صيما" كان قياسه التصحيح؛ فيقال: صوم، ولكن العين لمجاورتها اللام اكتسبت الإعلال؛ فإن الواو إذا وقعت لا ما نقلب ياء في الجمع؛ نحو: جثيّ وعصيّ. 4 من قصيدة لجرير يمدح بها هشام بن عبد الملك, وعجزه: وجعدة إذا أضاءهما الوقود وقبل البيت: نظرنا نار جعدة هل نراها ... أبعد غال ضوءك أم همود وجعدة ابنته، وموسى ابنه. وانظر الديوان (الصاوي) 147، وشواهد المغني للسيوطي 325, وللبغدادي 2/ 1052. وأثر الجوار في البيت إبدال الواو في "الموقدان" و"مؤسّى" همزة لمجاورتها للضمَّة قبلها، فكأنها مضمومة، والهمز يجوز في الواو المضمومة؛ تحسو أجوه في وجوه، وأقنت في وقنت. وانظر المغني، في القاعدة الثانية من الباب الثامن. 5 يريد أن هذه الألفاظ جرت فيها الإمالة؛ لأن الحرف المتحرك كأنه جاور المكسور؛ إذ الحاجز ساكن وهو لا يمنع الجوار أو كأنَّ كسر الحرف السابق على حرف الاستعلاء في حرف الاستعلاء نفسه، وحرف الاستعاء المكسور لا يمنع الإمالة؛ نحو: غلاب وطعان، وهذا هو الذي يريده المؤلف. 6 هو عامر بن كثير المحابي، كما في اللسان ف شقد.

إذا اجتمعوا عليَّ وأشقذوني ... فصرت كأنني فرأٌ متار1 وما جرى مجرى ذلك. وإنما اعتزامنا هنا الجوار المعنويّ لا اللفظيّ الصناعي. ومن ذلك قول سيبويه في نحو قولهم: هذا الحسن الوجه: إن الجرَّ فيه من وجهين, أحدهما: طريق الإضافة, والآخر: تشبيهه2 بالضارب الرجلِ, هذا مع العلم بأن الجرَّ في الضارب الرجل إنما جاءه وجاز فيه لتشبيههم إياه بالحسن الوجه, فعاد الأصل فاستعاد من الفرع نفس الحكم الذي كان الأصل بدأ أعطاه إياه3، حتى دلَّ ذلك على تمكّن الفروع وعلوها في التقدير. وقد ذكرنا ذلك, ونظيره في المعنى قول ذي الرمة: ورملٍ كأوراك العذارى قطعته ... إذا ألبسته المظلمات الحنادس4 وإنما المعتاد5 في نحو هذا تشبيه أعجاز بكثبان الأنقاء. وقد تقدَّم ذكر6 هذا المعنى في باب قبل هذا لاتصاله به, ومنه7 قول الآخر:

_ 1 قبله: فإني لست من غطفان أصلي ... ولا بيني وبينهم اعتشار والاعتشار: العشرة, وقوله: "اجتمعوا" في رواية اللسان: "غضبوا"، "أشقدوني": طردوني. والفرأ: حمار الوحش. ومثار: أصله منأر، اسم مفعول من أناره، أفزعه وطرده؛ فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وكان الواجب بعد هذا حذف الهمزة, فيقال: متر، ولكنه قدر السكون على الحرف قبل الهمزة رافعًا على الهمزة، فقدر في الكلمة همزة ساكنة، وحفها الإبدال فأبدلها ألفًَا نظرًا لها الجوار. وزعم ابن حمزة أن هذا تصحيف، وأن صوابه: منار -بالنون- أي: مفزع، يقال: أثرته أي: أفزعته. وانظر اللسان في شقذ، وتأر. وقوله: "مئار" بالمثناة في أ، وهو الصواب, وبالمثلثة في ش، ب. وهو تصحيف. وقوله: "فرأ" بالفاء كذا في أ، ب، ش، وفي ج: "قرأ" وهو تصحيف. وانظر المحتسب في آخر صورة الفاتحة. 2 كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "تشبيه". 3 كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "وآتاه". 4 انظر ص301 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 5 كذا في ش، ب. وفي أ: "العادة". 6 كذا في أ، وسقط هذا في ش، ب.

وقرّبوا كل جُمَّاليٍّ عضه ... قريبةٍ ندوته من محمضه1 وقد ذكرنا حاله, وشرحنا الغرض فيه في باب متقدِّم, فلا وجه لإعادته ههنا. وسبب تمكّن هذه الفروع عندي أنها في حال استعمالها على فرعيتها تأتي مأتى الأصل الحقيقي لا الفرع التشبيهي, وذلك قولهم: أنت الأسد, وكفُّك البحر, فهذا لفظه لفظ الحقيقة, ومعناه: المجاز والاتساع, ألا ترى أنه إنما يريد: أنت2 كالأسد، وكفُّك مثل البحر, وعليه جاء قوله: ليلى قضيب تحته كثيب3 وإنما يريد: نصف ليلى الأعلى كالقضيب, وتحته ردف مثل الكثيب, وقول طرفة: جازت القوم إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفورٍ خدر4 أي: بشخص أو بإنسان مثل اليعفور, وهو واسع كثير. فلمَّا كثر استعمالهم إياه وهو مجاز استعمال الحقيقة, واستمرَّ واتلأبَّ, وتجاوزوا به ذاك إلى أن أصاروه كأنه هو الأصل والحقيقة, فعادوا فاستعاروا معناه لأصله فقال: ورمل كأوراك العذارى..

_ 1 انظر ص304 من الجزء الأول. 2 كذا في أ، ب. وفي ش: "أنه". 3 انظر ص301 من الجزء الأول. 4 هذا البيت من قصيدته التي أولها: أصوت اليوم أم شاقتك هرّ ... ومن الحب جنون مستعر وقوله: "القوم" يُروى "البيد", وقوله: "جازت" يعنى: خيالها، وأنَّثَه لأنه كأنه هي، والخبر عنه خبر عنها. إنما قال: "آخر الليل"؛ لأن التعريس, أي: النزول وقطع السير يكون آخر الليل، وعند التعريس والنوم يأتيه خيالها. واليعفور: ظبي تعلوه حمرة. والحدر: الفاتر العظام البطيء عند القيام. يقول: قطعت البيد لينًا بمثل ظبي ملاحته وحسنه. وإنما عناها نفسها، وهذا من باب التجربة, وانظر شرح الشنتمري لديوان طرفة المطبوع في أوربا.

وهذا من باب تدريج اللغة، وقد ذكر1 فيما مضى. وكان أبو علي -رحمه الله- إذا أوجبت القسمة عنده أمرين كلَّ واحد منهما غير جائز يقول فيه: قسمة الأعشي يريد قوله: فاختر وما فيهما حظ لمختار وسأله مرة بعض أصحابه فقال له: قال الخليل في ذراع: كذا وكذا, فما عندك أنت في هذا2؟ فأنشده مجيبًا له: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام ويشبه هذا ما يحكى عن الشعبيّ أنه ارتُفِع إليه في رجل بخص عين رجل, ما الواجب في ذلك؟ فلم يزدهم على أن أنشدهم بيت الراعي: لها مالها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مرعًى تبوأ مضجعًا3 فانصرف القوم مجابين. أي: ينتظر بهذه العين المبخوصة، فإن ترامى أمرها إلى الذهاب ففيها الدية كاملة, وإن لم تبلغ ذاك ففيها حُكُومة4.

_ 1 انظر ص348 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 2 أي: في تسمية المذكر بذراع، هل يصرف أو يمنع من الصرف. ورأى الخليل صرفه. وانظر الكتاب 2/ 19، واللسان "ذرع". 3 بهذا البيت سمي الشاعر عبيد بن حصين بالراعي, وهو في وصف إبل. وانظر الاشتقاق لابن دريد 179. 4 هي جزاء مالي غير مقدَّر في الشرع، وإنما يرجع في تقديره إلى الحاكم.

باب في خلع الأدلة

باب 1 في خلع الأدلة 2: من ذلك حكاية يونس قول3 العرب: ضرب مَنٌ منا, أي: إنسان إنسانًا, أو رجل4 رجلًا, أفلا تراه كيف جرد "مَنْ" من5 الاستفهام ولذلك أعربها. ونحوه قولهم في الخبر: مررت برجل أيِّ رجل. فجرد "أيّا" من الاستفهام أيضًا, وعليه بيت الكتاب: والدهر أينما حالٍ دهارير6

_ 1 من هنا تبدأ نسخة ش. 2 يراد بالأدلة أعلام المعاني في العربية. فالهمزة دليل الاستفهام، وإن دليل الشرط، وهكذا. ويراد بالمعاني: المعاني التي تحدث في الكلام من خبر واستخبار ونحو ذلك، وأكثر ما يوضع لها الحروف والأدوات، فلا يعني أسماء الأجناس، وخلع الأدلة تجريدها من المعاني المعروفة لها, والمتبادرة فيها, وإرادة معانٍ أخر لها، أو تجريدها من بعض معانيها. ومن أمثلة هذا الباب ما ذكره الزمخشري في تفسير قوله تعالى في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} . ذلك أن اللام الداخلة على المضارع تخلصه للحال، وهذا معنى عرف لها، وسوف تخلصه للاستقبال، فقد نوارد على المضارع "أخرج" دليلان متدافعان، والمخرج من هذا هو القول بخلع الحال من اللام, وإرادة التوكيد بها فحسب. ومن ذلك ما ذكروه في نداء لفظ الجلالة، ذلك أن ال تثبت في ندائه فيقال: يا الله، على حين أن المألوف من أمر النداء لما فيه ال أن تسقط أداة التعريف, فيقال: يا رجل، ولا يقال: يا الرجل. ولكن الذي سوّغ أن يقال يا الله أنَّ أل في لفظ الجلالة ليست للتعريف، وإنما قصد بها التعويض من الفاء المحذوفة؛ إذ أصل (الله) الإله -كما هو أحد الأوجه- فزال المعنى الذي يدفع أن يجتمع آل والنداء؛ إذ إن المانع أن يقال: يا الرجل, هو أن النداء يكسب المنادى تعريفًا بالتعيين, فلا يجتمع مع أداءة التعريف؛ لأن من شأن العرب ألا يجمعوا بين علامتين لمعنى واحد. فقد ترى كي خلع اللام عن الحال في "لسوف أخرج"، وأل عن التعريف في لفظ الجلالة. وانظر المعنى في مبحث اللام المفردة. وقد ترجم السيوطي في الأشباه والنظائر 1/ 220، لهذا الباب، ونقل فيه معظم ما هنا. 3 في ش: "من قول". وفي الأشباه والنظائر، "ما حكاه يونس من قول". 4 في ش: "و". 5 سقط في ج، ش. 6 انظر ص 173 من هذا الجزء.

أي: "والدهر"1 في كل وقت وعلى كل حال دهارير, أي: متلوّن ومتقلّب بأهله. وأنشدنا أبو علي: وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إلي وأصحابي بأيّ وأينما2 قال: فجرّد "أي"3 من الاستفهام ومنعها الصرف, لما فيها من التعريف والتأنيث. وذلك أنه وضعها علمًا على الجهة التي حلَّتها. فأما قوله4: "وأينما" فكذلك أيضًا, غير5 أن لك في أينما وجهين: أحدهما: أن تكون الفتحة هي التي تكون6 في موضع "جرما"7 لا ينصرف؛ لأنه جعله علمًا للبقعة أيضًا، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث، وجعل "ما" زائدة8 بعدها للتوكيد. والآخر: أن تكون فتحة النون من "أينما" فتحة التركيب، ويضمّ "أين" إلى "ما", فيبنى الأوّل على الفتح, كما يجب في نحو: حضرموت "وبيت بيت"9 فإذا أنت فعلت ذلك "قدرت"10 في ألف "ما" فتحة ما لا ينصرف في موضع الجرِّ؛ كمررت بأحمد وعمر. ويدل على أنه قد يضم "ما" هذه إلى ما قبلها, ما أنشدناه11 أبو علي عن أبي عثمان: أثورٌ ما أصيدكم أم ثورين ... أم تيكم الجماء ذات القرنين12

_ 1 سقط في أ، م. 2 "أدلجت" كذا في ج، ش، وفي سائر الأصول: "أدلجوا" وانظر ص131 من الجزء الأول. 3 في ج: "أيا". 4 كذا في أ، م. وفي سواهما: "وأمّا". 5 في ش: "إلّا". 6 سقط في ش. 7 في ش: "الجر لما". 8 في أ، م: زيادة. 9 سقط في ش، ب. 10 في ش: "جعلت. 11 في ش: "أنشده". 12 "أم ثورين", في أ "أو ثورين". "الجماء". كذا في ب، ش. وفي أ، ش: "الحماء" بالحاء، والجماء: التي لا قرنين لها، وهذا لا يتفق مع قوله: "ذات القرنين" غير أنه يحمل على هذه الرواية على الهزء والتهكم, وقال المبرد: كان قرناها صغيرين فشبهها بالجماء. وانظر اللسان "قرن". والحماء: السوداء, والكلام عليها ظاهر لا غبار عليه. وانظر اللسان. "ثور".

فقوله: "أثور ما" فتحة الراء منه فتحة تركيب "ثور" مع "ما" بعده، كفتحة راء حضرموت ولو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين لا محالة؛ لأنه مصروف. وبنيت "ما" مع الاسم, وهي مبقاة على حرفيتها كما بنيت "لا" مع النكرة, في نحو: لا رجل. ولو جعلت "ما" مع "ثور" اسمًا ضممت إليه "ثورًا" لوجب مدها؛ لأنها قد صارت اسمًا فقلت: أثور ماء أصيدكم. وكما1 أنك لو جعلت "حاميم" من قوله: يذكرني حاميم والرمح شاجر2 اسمين مضمومًا أحدهما إلى صاحبه لمددت "حا" فقلت: حاء ميم, ليصير كحضرموت. ومثل3 قوله: "أثور ما أصيدكم" في أنه اسم ضمَّ إلى حرف في قول أبي عثمان "ما أنشدناه أبو علي "4: ألا هيَّما مما لقيت وهيما ... وويحًا لمن لم يلق منهن ويحما

_ 1 كذا في أ، م. وفي غيرهما: "كما". 2 عجزه: فهلا تلا حاميم قبل التقدم وهذا ينسب لشريح بن أرفى العبسي، وقيل: للأشتر النخعي. والضمير المرفوع في "يذكرني" لمحمد بن طلحة، قتله الأشتر أو سريح. وانظر اللسان "حمم". وفي طبقات ابن سعد 5/ 39, أن ذلك كان في وقعة الجمل، وأن في قاتله خلافًا، وأن قاتله قال: وأشعث قوَّام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخرَّ صريعًا لليدين والفم يذكرني حم والرمح شارع ... فهلّا تلا حم قبل التقدم على غير شيء أن ليس تابعًا ... عليًّا ومن لا يتبع الحق يندم وقوله: "يذكرني حاميم" فذلك أن شعار شيعة علي -رضي الله عنه- كان حم. وانظر البخاري وشروحه في أول تفسير سور غافر. 3 كذا في أ، م. وفي ش، ب: "مثله. 4 سقط ما بين القوسين في ش، ب.

وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت ... إليّ وأصحابي بأي وأينما1 فكلام في "ويحما" هو الكلام في "أثور ما". فأما قول الآخر: وهل لي أمٌّ غيرها إن هجوتُها ... أبى الله إلّا أن أكون لها أبنما2 فليس من هذا الضرب في شيء, وإنما هي ميم زيدت آخر ابن, وجرت قبلها حركة الإتباع, فصارت هذا ابنم, ورأيت ابنما ومررت بابنم. فجريان حركات الإعراب على الميم يدل على أنها ليست "ما". وإنما الميم في آخره كالميم في آخر ضرزم3، ودقعم، ودردم4. وأخبرنا أبو علي أن أبا عثمان ذهب في قول الله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 5 إلى أنه جعل "مثل"6 و"ما" اسمًا واحدًا, فبنى الأول على الفتح, وهما جميعًا عنده في موضع رفع لكونهما صفة ل"حق". فإن قلت: فما موضع {أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قيل: هو جرّ بإضافة "مثل ما"8 إليه.

_ 1 انظر ص182 من هذا الجزء. 2 هذا من قصيدة للمتلمس يقول فيها: يعيرني أمي رجال ولا أرى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرَّما ومن كان ذا عرض كريم ولم يصن ... له حسبًا كان اللئيم المذمَّمَا وانظر مختارات ابن الشجري 32، والخزانة 4/ 214، 216، الأغاني 21/ 133، 137، والأصمعيات. 3 يقال ناقة ضرزم: مسنة. 4 انظر ص53 من هذا الجزء. 5 آية: 23، سورة الذاريات. 6 في ش، ب: "مثل ما". 7 في ش، ب: "لكونها". 8 في ش، ب: "مثل" ورسم في أ، م: "مثلما".

فإن قلت: ألا تعلم أنَّ "ما" على بنائها؛ لأنها على حرفين, الثاني منهما حرف لين, فكيف تجوز إضافة المبني؟ قيل: ليس المضاف "ما" وحدها, إنما المضاف الاسم المضموم إليه "ما"1, فلم تعد "ما" هذه أن تكون كتاء2 التأنيث في نحو: هذه جارية زيد, أو كالألف والنون في سرحان عمرو, أو كتاء الإضافة في بصريّ القوم، أو كألفي التأنيث في صحراء3 زتم، أو كالألف والتاء في: في غائلات الحائر المتوّه4 فهذا وجه. وإن شئت قلت: و"ما" في إضافة المبنيّ! ألا ترى إلى إضافة "كم" في الخبر نحو: كم عبد ملكت, وهي مبنية, وإلى إضافة أيّ من قول الله سبحانه: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} 5 وهي مبنية عند سيبويه. وأيضًا فلو ذهب ذاهب واعتقد معتقد أن الإضافة كان يجب أن تكون داعية إلى البناء من حيث كان المضاف من المضاف إليه بمنزلة صدر الكلمة من عجزها, وبعض الكلمة صوت, والأصوات إلى الضعف والبناء لكان قولًا! .

_ 1 في ش: "فما" و"تعد" على هذا يجب أن يكون "تعدر". 2 في ش: "كهاء". 3 زمّ: بئر بحفائر سعد بن مالك. وقد ورد (صحراء زمّ) في قول الأعشى: وما كان ذلك إلّا الصبا ... وإلّا عقاب امرئ قد أثم ونظرة عين على غرة ... محل الخليط بصحراء زمّ وانظر الصبح المنير 28، واللسان "زمم". 4 هذا من أرجوزة لرؤبة في الديوان 166، و"المنوّه" ضبط في أعلى صيغة اسم الفاعل بكسر الواو المشدَّدة، وفي ب ضبط بفتح الواو على صيغة اسم المفعول، وهو وصف من توه نفسه, أي: حيرها، والرواية المعروفة: المنهته" في مكان "المنوّه" أي: المردد في الباطل. 5 آية: 19 سورة مريم.

ومما خلعت عنه دلالة الاستفهام قول الشاعر -أنشدناه سنة إحدى وأربعين: أني جزوا عامرًا سيئًا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن1 أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رثمان أنف إذ ما ضنَّ باللبن1 فأم في أصل الوضع للاستفهام, كما أن "كيف" كذلك. ومحال "اجتماع2 حرفين" لمعنى واحد3؛ فلا بُدَّ أن يكون أحدهما قد خُلِعت عنه دلالة الاستفهام. وينبغي أن يكون ذلك الحرف "أم" دون "كيف"؛ حتى كأنه قال: بل4 كيف ينفع, فجعلها بمنزلة "بل" في الترك "والتحول"5. ولا يجوز أن تكون "كيف" هي المخلوعة عنها دلالة الاستفهام؛ لأنها لو خلعت عنها لوجب إعرابها؛ لأنها إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام, فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها, كما أنه لما خلعت دلالة الاستفهام عن "مَنْ" أعربت في قولهم: ضرب مَنٌ منًا. وكذلك قولك: مررت برجل أيّ رجل, لما خلعت عنها دلالة الاستفهام "جرت وصفًا"6. وهذا واضح جلي.

_ 1 من قصيدة لأفنون التغلبي. و"سيئا" هو مخفف سبي. وهو بهذه الصورة في أ. وفي ش، ب، ج: "شبئًَا" وهو تصحيف. وفي ش: "سوءا". وعامر هي القبيلة المعروفة. وقابل "السوأى" بالحسن للقافية. ولولا ذلك لقال: من الحسنى، والعلوق من الإبل: التي لا ترأم ولدها، ولا تدر عليه؛ ورئمانها: عطفها ومحبتها. وانظر الخزانة 4/ 455، 519، وشرح المفضليات لابن الأنباري 534، وأمالي ابن الشجري 1/ 37. 2 في أ: "اجتماعهما", وهو يريد بالحرف الأداة وإن كانت اسمًا في الاصطلاح النحوي. ومن هذا جعل "كيف" حرفًا، وهي في عداد الأسماء, وهو يريد اجتماع الحرفين لغير توكيد. 3 في م "في موضع واحد". 4 سقط هذا الحرف في أ، م. 5 سقط في أ. 6 كذا في أ. وفي غيرها: "أعربت".

ومن ذلك كاف المخاطب للمذكر والمؤنث -نحو: رأيتك وكلمتك- هي تفيد شيئين: الاسمية والخطاب, ثم قد خلع1 عنها دلالة الاسم في قولهم 2: ذلك وأولئك وهاك وهاءك وأبصرك زيدًا, وأنت تريد: أبصر زيدًا, وليسك أخاك, في معنى ليس أخاك. وكذلك قولهم: أرأيتك زيدًا ما صنع؟ وحكى أبو زيد: بلاك والله, وكلاك والله, أي: بلي وكلا. فالكاف في جميع ذلك حرف خطاب مخلوعة عنه دلالة الاسمية, وعليه قول3 سيبويه. ومن زعم أن الكاف في "ذلك" اسم انبغى له أن يقول: ذلك نفسك. وهذا كله مشروح في أماكنه. فلا موضع إذًا لهذه الكاف من الإعراب, وكذلك هي إذا وصلت بالميم والألف والواو نحو: ذلكما وذلكمو. فعلى هذا يكون قول الله سبحانه: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} 4. " كُمَا" من "أنهكما" منصوبة الموضع و"كما" من "تلكما" لا موضع لها؛ لأنها حرف خطاب5. فإن قيل: فإذا كانت حرفًا لا اسمًا, فكيف جاز أن تكون الألف المنفصلة التي قبلها تأسيسًا6 في نحو قوله7:

_ 1 كذا في أ. وفي ب، ش: "تخلع" وفي ش: "ثم يخلع". 2 في ش، ب: "قولك". 3 انظر الكتاب 2/ 304. 4 آية: 22، سورة الأعراف. 5 في ش، ب: "للخطاب". 6 التأسيس: ألف بينه وبين الروي حرف، وهو مما يلتزم. ومن شرطه أن يكون في كلمة الروي، ولا يكون في غيرها إلّا إذا كان الروي ضميرًا. ومن هنا جاء هذا البحث. فإن الألف في "ذلك" جعلت تأسيسًا في الشعرين المسوقين بدليل التزامها، وهي من كلمة الرويّ، والروي كان (ذلك) , وهذا يقضي بأن تكون الكاف فيها ضميرًا. 7 أي: طرفة، وانظر الديوان 44، والأصمعيات 55.

. . . . . . . . . . . . ... على صدفيّ كالحنية بارك1 ولا غرو إلا جارتي وسؤالها ... أليس لنا أهل سئلت كذلك2 وقول خفاف بن ندبة: وقفت له علوي وقدم خام صحبتي ... لأبني مجدًا أو لأثار هالكا2 أقول له والرمح بأطر متنه ... تأمل خفافًا إنني أنا ذلكا4

_ 1 هاك هذا الشطر مع صدر البيت وبيت قبله، على ما في الديوان: ظللت بذي الأرطي فويق مثقب ... بكينة سوء هالكًا أو كهالك تلف على الريح ثوبي قاعدًا ... إلى صدفيّ كالحنية بارك وترى "إلى صدفي" ورواية الأصمعيات "لدى صدفي", والصدفى: المنسوب إلى الصدف -بزنة كنف- وهي قبيلة يمنية. وأراد بالصدفى جملًا, وفي اللسان: "والصدفي ضرب من الإبل" والحنية: الفوس، شبه بعيره بها في صلابته وضميره. 2 هذا البيت بعد تسعة أبيات من البيت السابق "فليس متصلًا به" كما يوهمه وضع الكتاب, وإنما قرنهما ليبني على ذلك ما يذكره، وقوله: "أليس لنا أهل" في ش: "ألا هل لنا أهل", وهي رواية الديوان، وبعد هذا البيت: تعيرني جوب البلاد ورحلتي ... ألا رب دارلي سوى حرّ دارك يذكر أنه دائب الترحال والضرب في البلاد لطلب الرزق، وقد بلغ به الأمر أن أنكرت ذلك جارته -وهي زوجه- فقالت له: أليس لك أهل نشوى لديهم، وتقيم عندهم! فقال في الرد عليها سئلت كذلك, وهذه جملة دعائية، أي: صبرك الله غريبة, فتسألين هذا السؤال كما سألتيني. 3 قبل هذا البيت: إن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدًا على عيني يتممت مالكا الخيل: الفرسان، وصميم الخيل: عميدهم ومقدمهم. ويريد به معاوية بن عمرو أخا الخنساء, ومالك هو مالك بن حمار, سيد بني شمخ من فزارة. وعلوي: اسم فرسه، وفي اللسان "جلا" أن سامها جلوى، وأورد البيت، رخام أي: جبن، وفي ش، ب: "نام". 4 "بأطر متنه" أي: يثنيه ويعطفه، وذلك كسره بالطعن. وقوله: "إنني أنا ذلكا" أي: أنا ذلك الذي سمعت به. وانظر الكامل 7/ 162، والأغاني 16/ 139، والخزانة 2/ 470 والإنصاف304.

ألا ترى أن الألف في "هالكا" و"بارك" تأسيس لا محالة, وقد جمعهما مع الألف في "ذلكا" و [ذلك] 1 وهي منفصلة, وليس الروي -وهو الكاف- اسمًا مضمرًا "كياء قوله"2 "بداليا"3, ولا من جملة اسم مضمركميم "كماهما"4. وهذا يدل على أن الكاف في "ذلك" اسم مضمر لا حرف. قيل: هذا كلام لا يدخل على المذهب في كونها حرفًا, وقد قامت الدلالة على ذلك من عدة أوجه. ولكن بقي علينا الآن أن نرى وجه5 علة جواز كون الألف في "ذلك" تأسيسًا مع أن الكاف ليست باسم مضمر. وعلة ذلك أنها وإن تجرَّدت في هذا الموضع من معنى الاسمية, فإنها في أكثر أحوالها اسم, نحو: رأيتك وكلمتك ونظرت إليك, واشتريت لك ثوبًا, وعجبت منك, ونحو ذلك. فلما جاءت ههنا على لفظ تلك التي هي اسم -وهو أقل الموضعين- حملت على الحكم في أكثر الأحوال، لا سيما6 وهي هنا وإن جردت من معنى الاسمية, فإن ما كان فيها من معنى الخطاب باقٍ عليها وغير مختزل7 عنها. وإذا جاز حمل همزة علباء على همزة حمراء للزيادة, وإن عريت من التأنيث

_ 1 ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق خلت منها الأصول. 2 في ش، ب: "كيا في قوله". 3 كأنه يريد قول مالك بن الريب: أقول لأصحابي ارفعوني فإنه ... يقر بعيني أن سهيل بداليا وانظر الخزانة في شواهد المنادى. 4 يريد قوله عوف بن عطية الخرع. وإن شئتم ألحقتم وتتجتم ... وإن شلتم عينًا بعين كاهما وانظر في الخزانة 3/ 358. 5 سقط في ش، ب. 6 في ش: "ولا سيما". 7 في ش، ب: "متحرك".

الذي دعا إلى قلبها في صحراوات1، وصحراويّ, كأن حمل كاف "ذلك" على كاف رأيتك جائزًا أيضًا, وإن لم يكن أقوى لم يكن أضعف. وقد2 اتَّصل بما نحن عليه موضع طريف. ونذكره لاستمرار مثله. وذلك أن أصغر الناس قدرًا قد يخاطب أكبر الملوك محلًّا بالكاف من غير احتشام منه ولا إنكار عليه. وذلك نحو قول التابع الصغير للسيد الخطير: قد خاطبت ذلك الرجل, واشتريت تينك الفرسين, ونظرت إلى ذينك الغلامين, فيخاطب3 الصاحب الأكبر بالكاف, وليس الكلام شعرًا, فتحتمل4 له جرأة الخطاب فيه كقوله5: لقينا بك الأسد, وسألنا منك البحر, وأنت السيد القادر, ونحو ذلك. وعلة جواز ذلك عندي أنه إنما لم تخاطب الملوك بأسمائها إعظامًا لها؛ إذ كان الاسم دليل المعنى وجاريًا في أكثر الاستعمال مجراه, حتى دعا ذاك قومًا إلى أن زعموا6 أنّ الاسم هو المسمَّى. فلمَّا أرادوا7 إعظام الملوك وإكبارهم تجافوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التي هي شواهدهم, وأدلة عليهم إلى الكناية بلفظ الغيبة, فقالوا: إن رأي الملك أدام الله علوّه, ونسأله حرس الله ملكه، ونحو ذلك، وتحاموا "إن رأيت"، و"نحن نسألك"، لما ذكرنا. فهذا هذا. فلمّا خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية, وجردت8 للخطاب البتة, جاز استعمالها؛ لأنها ليست

_ 1 في ش: "صحراوان" وسقط في ش، ب، وحمل همزة علباء على همزة حمراء في قلبها واوًا عند النسب والتثنية. 2 سقط في ش، ب. 3 في ش، ب: "فتخاطب". 4 في ش: "فتحمل" وفي ب. "فيحمل". 5 في ش، ب: "كقولنا". 6 في اللسان "سما": "وسئل أبو العباس عن الاسم أهو المسمَّى أو غير المسمى؟ فقال: قال أبو عبيدة: الاسم هو المسمَّى، وقال سيبويه: الاسم غير المسمى" وبه مسألة كلامية جرى فيها بحث واختلاف بين المتكلمين. وانظر الإنصاف المنسوب للباقلاني 53، وتفسير البيضاوي في سورة الفاتحة. 7 في ش، ب: "أراد الناس". 8 في ش، ب: "تجردت".

باسم, فيكون في اللفظ به ابتذال له. فلمّا خلصت هذه الكاف خطابًا البتة, وعريت من معنى الاسمية استعملت في خطاب الملوك لذلك. فإن قيل: فهلّا جاز على هذا أن يقال للملك ومن يلحق به في غير الشعر "أنت"؛ لأن التاء هنا أيضًا للخطاب, مخلوعة عنها دلالة الاسمية؟ قيل: التاء في "أنت" وإن كانت حرف خطاب لا اسمًا, فإن معها نفسها الاسم, وهو "أن" من "أنت", فالاسم على كل حال حاضر, وإن لم تكن الكاف, وليس كذا1 قولنا: "ذلك"؛ لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف, كما كان له مع التاء في "أنت" اسم للمخاطب نفسه، وهو "أن" فاعرف ذلك فرقًا بين الموضعين. ونحو من ذلك ما رآه2 أبو الحسن في أن الهاء والياء في "إياه" و"إياي" حرفان؛ أحدهما للغيبة وهو الهاء, والآخر للحضور وهو الياء. وذلك أنه كان يرى أن الكاف في "إياك" حرف للخطاب, فإذا أدخلت عليه الهاء والياء في "إياه" و"إياي" قال: هما أيضًا حرفان للغيبة والحضور, مخلوعة3 عنهما دلالة الاسمية في رأيته، وغلامي وصاحبي. وهذا مذهب هول4. وهو5 -وإن كان كذلك- جارٍ على القوة، ومقتاس بالصحة. واعلم أن نظير الكاف في رأيتك إذا خلعت عنها دلالة الاسمية, واستقرّت للخطاب -على ما أرينا- التاء في قمت وقعدت ونحو ذلك, هي هنا تفيد الاسمية والخطاب, ثم تخلع عنها دلالة الاسمية, وتخلص للخطاب البتة في أنت وأنت. فالاسم "أن" وحده، والتاء "من بعد"6 للخطاب.

_ 1 في ش، ب، "كذلك". 2 في ش: "رواه". وفي شرح الرضي للكافية 2/ 12 أن الأخفش -وهو أبو الحسن- يرى أن الهاء والياء في إياه وإياي اسمان أضيف إليهما إياه. وهذا الرأي يعزى إلى الخليل. 3 في ش: "مخلوع". 4 يريد بالهول الشديد غير المتوقع، الغريب. وهو من الوصف بالمصدر، وفي ش: "مقول". 5 سقط حرف العطف في أ. 6 في ش، ب: "بعده".

وللتاء موضع آخر تخلص فيه للاسمية البتة, وليس "ذلك للكاف"1. وذلك الموضع قولهم: أرأيتك زيدًا ما صنع. فالتاء اسم مجرَّد من الخطاب, والكاف حرف للخطاب مجرد من الاسمية. هذا هو المذهب. ولذلك لزمت التاء الإفراد والفتح في الأحوال كلها, نحو قولك للمرأة: أرأيتك زيدًا ما شأنه, وللاثنين "وللاثنتين"2 أرأيتكما زيدًا أين جلس؟ ولجماعة المذكر والمؤنث: أرأيتكم زيدًا ما خبره؟ وأرأيتكن عمرًا ما حديثه؟ فالتغيير للخطاب لاحق للكاف والتاء -"لأنه" لا خطاب فيها- على صورة واحدة؛ لأنها مخلصة اسمًا. فإن قيل: هذا ينقض عليك أصلًا مقررًا3. وذلك أنك إنما4 تعتلّ لبناء الأسماء المضمرة بأن تقول: إن شبه الحرف "غلب عليها ومعنى الاسم بعد عنها"5 وذلك نحو قولك: "ذلك"6 وأولئك, فتجد الكاف مخلصة للخطاب, عارية من معنى الاسم. وكذلك التاء في أنتَ وأنتِ عارية من معنى الاسم, مجردة لمعنى الحرف. وأنت مع هذا تقول: إن التاء في أرأيتك زيدًا "أين هو7، ونحو ذلك, قد أخلصتها اسمًا, وخلعت عنها دلالة الخطاب. فإذا كانت قد تخلص في موضع اسمًا، كما خلصت في آخر حرفًا تعادل أمرها8، ولم يكن لك عذر في الاحتجاج بإحدى حاليها.

_ 1 في ش، ب: "كذلك الكاف". 2 سقط في ش، ب. 3 في ش، ب: "مطردًا". 4 سقط في ش، ب. 5 في أ، م: "أغلب عليها من معنى الاسم فتأخّر عنها". 6 سقط في أ. 7 من: "أين هو ونحو ذلك" إلى: "والتاء في أرأيتك زيدًا" سقط في أ. 8 كذا في ش، وفي ب، ش: "أمرها".

"قيل: إن"1 الكاف في "ذلك" جُرّدت من معنى الاسمية, ولم تقرن باسم المخاطب بها. والتاء في أرأيتك زيدًا ما صنع, لم تجرّد من معنى الحرفية إلّا مقترنة بما كان مرة اسمًا, ثم جرد من معنى الاسمية, وأخلص للخطاب والحرفية وهو الكاف في "أرأيتك زيدًا ما صنع" ونحوه. فأنت2 وإن خلعت عن تاء "أرأيتك زيدًا ما خبره" معنى الحرفية, فقد قرنت بها ما جردته من معنى الاسمية, وهو الكاف بعدها, فاعتدل الأمران باقتران الاسم3 البتة بالحرف البتة. وليس كذلك "ذلك"؛ لأنك إنما معك4 الكاف المجرَّدة لمعنى الخطاب, لا اسم معها للمخاطب بالكاف, فاعرف ذلك. وكذلك أيضًا في "أنت" قد جرّدت الاسم وهو "أن" من معنى الحرفية, وأخلصت التاء البتة بعده للخطاب, كما أخلصت الكاف بعد التاء في "أرأيتك عمرًا ما شأنه" حرفًا للخطاب. فإن قلت: ف"أن" من "أنت" لم تُستعمل قط حرفًا, ولا خلعت دلالة الاسمية عنها, فهذا يقوي حكم الأسماء المضمرة, كما أضعفها ما قدمت أنت من حالها في تجردها من معنى الأسمية5 وما غلب عليها من حكم الحرفية. قيل: لسنا ندَّعي أن كل اسم مضمر لا بُدَّ من6 أن يخلع عنه حكم الاسمية, ويخلص للخطاب والحرفية, فيلزمنا ما رمت إلزامنا إياه, وإنما قلنا: إن معنى الحرفية قد أخلص له بعضها, فضعف لذلك حكم جميعها, وذلك أن الخلع العارض فيها إنما لحق متصلها دون منفصلها -وذلك لضعف المتصل- فاجترئ عليه لضعفه، فخلع معنى الاسمية منه. وأما المنفصل فجارٍ بانفصاله مجرى الأسماء الظاهرة القوية المعربة. وهذا واضح.

_ 1 في ش: "فإن". 2 كذا في أ، وفي سواها: "وأنت". 3 كذا في أ، م، ش. وفي ب، ش: "الاسمية". 4 في ش: "جعلت". 5 يوجد فيما عد أ، ش بعد "الاسمية" ما يأتي: "ويقوى في غير ذهاب معنى الاسمية". 6 سقط في ش.

فإن قلت: في1 الأسماء الظاهرة كثيرة من المبنية, نحو: هذا وهذي "وتاك"2 وذلك والذي والتي وما ومن وكم وإذ ونحو ذلك, فهلّا لمّا وجد البناء في كثير من المظهرة3 سرى في جميعها, كما أنه لما غلب شبه الحرف في بعض المضمرة أجرى عليها جميعها على ما قدمته؟ قيل: إن الأسماء المظهرة من حيث كانت هي الأُوَل القدائم القوية, احتمل ذلك فيها لسبقها وقوتها, والأسماء المضمرة ثوانٍ لها وأخلاف منها, "ومعوضة"4 عنها، فلم تقو قوة ما هي تابعة له، ومعتاضة5 منه، فأعلها ما لا يعله، ووصل إليها ما يقصر دونه. وأيضًا, فإن المضمر المتصل وإن كان أضعف من الضمير المنفصل, فإنه أكثر وأسير6 في الاستعمال منه, ألا تراك تقول: إذا قدرت على المتَّصل لم تأت بالمنفصل. فهذا يدلك على أن المتَّصل أخف عليهم وآثر في أنفسهم7. فلما كان كذلك وهو مع ذلك أضعف من المنفصل, وسرى فيه لضعفه حكم, لزم المنفصل, أعني: البناء؛ لأنه مضمر مثله, ولا حق في سعة الاستعمال به. فإن قيل: وما الذي رغَّبهم في المتصل حتى شاع استعماله, وصار متى قدر عليه لم يؤت بالمنفصل مكانه؟

_ 1 في ش، ب: "ففي". 2 سقط في غير ش. 3 في ش، ب: "المظهر". 4 في أ: "ومغرومة". وفي ب: "مفرومة" وفي م: "مقرومة" أي: مقطوعة منها، والقرم: القشر والقطع. 5 في ش: "معوضة". 6 كذا في أ. وفي ش، ب، م: "أيسر" وفي ش: "أسبق". 7 كذا في أ، م. وفي سواهما، "نفوسهم".

قيل: علة ذلك أن الأسماء المضمرة إنما رغب فيها وفزع إليها طلبًا للخفة بها بعد زوال الشك بمكانها, وذلك أنك لو قلت: زيد ضرب زيدًا, فجئت بعائده1 مظهرًا مثله, لكان في ذلك إلباس واستثقال. أما الإلباس فلأنك إذا قلت: "زيد ضربت زيدًا, لم تأمن أن يظن أن زيدًا الثاني غير الأول, وأن عائد الأول متوقع مترقب. فإذا قلت: "زيد ضربته" عُلِمَ بالمضمر أن الضرب إنما وقع بزيد المذكور لا محالة, وزال تعلق القلب2 لأجله وسببه3. وإنما كان كذلك لأنّ المظهر يرتجل, فلو قلت: زيد ضربت زيدًا لجاز أن يتوقّع4 تمام الكلام, وأن4 يظنَّ أن الثاني غير الأول, كما تقول: زيد ضربت عمرًا, فيتوقع أن تقول: في داره أو معه أو لأجله. فإذا قلت: زيد ضربته, قطعت بالضمير سبب الإشكال من حيث كان المظهر يرتجل, والمضمر تابع غير مرتجل في أكثر اللغة. فهذا وجه كراهية الإشكال. وأما وجه الاستخفاف: فلأنك إذا قلت: العبيثران5 شممته, فجعلت موضع التسعة6 واحدًا, كان أمثل من أن تعيد التسعة كلها فتقول: العبيثران شممت العبيثران. نعم, وينضاف إلى الطول قبح التكرار المملول. وكذلك ما تحته من العدد الثماني والسباعي فما تحتهما, هو على كل حال أكثر من الواحد. فلمَّا كان الأمر الباعث عليه والسبب المقتاد إليه إنما هو طلب الخفة به, كان المتصل منه آثر في نفوسهم وأقرب رحمًا عندهم, حتى إنهم متى قدروا عليه لم يأتوا بالمنفصل مكانه.

_ 1 في أ: "بعائدة". 2 في أ، م: "الفكر". 3 في ش، ب: "لسببه". 4 في ش، ب: "نتوقع.... تظن". 5 هو نبت طيب الريح، من نبات البادية. وتفتح التاء فيه وتضم. 6 أي: من الأحرف. وهي أحرف "العبيثران".

فلذلك لما غلب شبه الحرفية على المتصل بما ذكرناه: من خلع دلالة1 الاسمية عنه في ذلك وأولئك وأنتَ وأنتِ, وقاما أخواك, وقاموا إخوتك: ويعصرن السليط أقاربه2 ... وقلن الجواري ما ذهبت مذهبا3 حملوا المنفصل عليه في البناء؛ إذ كان ضميرًا مثله, وقد يستعمل في بعض الأماكن في موضعه, نحو قوله: إليك حتى بلغت إياكا4 أي: بلغتك, وقول أبي بجيلة "وهو بيت الكتاب "5: كأنَّا يوم قرى إذّ ... ما نقتل إيانا6

_ 1 في ش، ب، أ: "الأدلة". 2 من بيت الفرزدق, وهاكه بتمامه: ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه وقبله في هجو عمرو بن عفراء الضبي: فلو كنت ضبيًّا صفحت ولو مرت ... على قدمي حياته وعقاريه ديافي منسوب إلى دياف, وهي من قرى الشأم يسكنها النبط. يذكر أنه نبطي غير خالص العربية. وحوران: كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة, والسليط: الزيت. وانظر الخزانة 2/ 386. 3 هذا من رجز أنشده الفراء في "معاني القرآن" 1/ 4 عن أبي ثروان، وبعده: وعبتني ولم أكن معيبًا وفيه "قال الجواري" وكذا في اللسان "عيب". 4 قبله: أئتك عنس تقطع الأراكا وهو لحميد الأرقط، وانظر الكتاب 1/ 383، والخزانة 2/ 456. 5 سقط ما بين القوسين في أ. 6 ورد في سيبويه 1/ 383 معزوًا إلى بعض اللصوص, وورد أيضًا في ص 271، وقال الأعلم: "وصف أن قومه أوقعوا ببني عمه فكأنهم قتلوا أنفسهم ... وقرّى: اسم موضع، نسب ابن الشجري في أماليه 1/ 39 إلى ذي الإصبع العدواني. ومصدر هذا تهذيب الألفاظ 210. وانظر الخزانة 2/ 406.

وبيت أمية: بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير1 وكذلك قد يستعمل المتصل موضع المنفصل؛ نحو قوله: فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألّا يجاورنا إلّاك ديار1 فإن قلت: زعمت أن المتصل آثر في نفوسهم من المنفصل, وقد ترى إلى أكثر استعمال المنفصل موضع المتصل, وقلة استعمال المتصل موضع المنفصل, فهلّا دلَّك ذلك على خلاف مذهبك؟ قيل: لمَّا كانوا متى قدروا على المتَّصل لم يأتوا مكانه بالمنفصل, غلب حكم المتصل, فلمَّا كان كذلك عوَّضوا منه أن جاءوا في بعض المواضع بالمنفصل في موضع المتصل, كما قلبوا الياء إلى الواو في نحو2: الشروي والفتوي؛ لكثرة دخول الياء على الواو في اللغة. ومن ذلك قولنا: ألا قد كان كذا, وقول الله سبحانه: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} 3 ف"ألا" هذه فيها هنا شيئان: التنبيه وافتتاح الكلام, فإذا جاءت4 معها "يا" خلصت افتتاحًا "لا غير"5, وصار التنبيه الذي كان فيها ل"يا" دونها. وذلك نحو6 قول الله -عز اسمه: "أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ"7 وقول الشاعر: ألا يا سنا برق على قُلَل الحمى ... لهنَّك من برق علي كريم8

_ 1 انظر ص308 من الجزء الأول. 2 سقط في ش، ب. 3 آية: 5 سورة هود. 4 في ش، ب: "جاء". 5 في أ: "لا غيره". 6 سقط في أ. 7 آية: 25، سورة النمل. والاستشهاد بالآية على تخفيف ألا, وهي قراءة الكسائي وأبي جعفر وابن عباس وآخرين. وقراة العامة: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} ، بتشديد "ألّا". 8 انظر ص316 من الجزء الأول.

ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف ومعنى الجمع. فإذا وضعت موضع "مع" خلصت للاجتماع, وخلعت عنها دلالة العطف, نحو قولهم: استوى الماء والخشبة, وجاء البرد والطيالسة. ومن ذلك فاء العطف فيها معنيان: العطف والإتباع. فإذا استعملت في جواب الشرط خلعت عنها دلالة العطف وخلصت للإتباع, وذلك قولك: إن تقم فأنا أقوم, ونحو ذلك. ومن ذلك همزة الخطاب في "هاء يا رجل"، و"هاء يا امرأة" كقولك: "هاكَ" و"هاكِ", فإذا ألحقتها الكاف جردتها من الخطاب؛ لأنه يصير بعدها في الكاف, وتفتح هي أبدًا. وهو قولك: هاءكَ وهاءَكِ وهاءكما وهاءكم. ومن ذلك "يا" في النداء؛ تكون تنبيهًا ونداء في نحو: يا زيد, ويا عبد الله. وقد تجردها من النداء للتنبيه البتة, نحو قول الله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} "كأنه قال: ألا ها اسجدوا"1. وكذلك قول العجاج: يا دار سلمة يا اسلمي ثم اسلمي2 إنما هو كقولك: ها اسلمي. وهو كقولهم: "هَلُمَّ" في التنبيه على الأمر. وأما3 قول أبي العباس: إنه أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا, فمردود4 عندنا. وقد كرر4 ذلك أبو علي في غير موضع فغنينا عن إعادته5.

_ 1 سقط ما بين القوسين في أ. 2 هذا مطلع أرجوزة له في الديوان 58. وقوله: "يا دار سلمى" كذا في ش. وفي أ، ب، ش: "يا دارميّ". 3 في أ، ب، ش: "مردود". ووجه رده أن في حذف المنادى مع حذف الفعل الذي ناب عنه حرف النداء وحذف فاعله إحجافًا. وقد بسط الكلام على هذا أبو حيان في البحر 7/ 69. 4 في ش: "ذكر". 5 إلى هنا تنتهي نسخة ب.

باب في تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان

باب في تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان: هذا باب من العربية غريب الحديث, أراناه أبو علي -رحمه الله تعالى, وقد كنت شرحت حاله في صدر1 تفسيري أسماء شعراء الحماسة بما فيه مقنع, إلّا أنا أردنا ألّا نخلّي كتابنا هذا منه؛ لإغرابه وحسن التنبيه عليه. اعلم أن الأعلام أكثر وقوعها في كلامهم إنما هو على الأعيان دون المعاني. الأعيان هي الأشخاص نحو: زيد وجعفر وأبي محمد "وأبي القاسم"2، وعبد الله, وذي النون وذي يزن, وأعوج "وسبل"2، والوجيه ولاحق وعلوي3، وعتوة3، والجديل، "وشدقم"3 وعُمَان، ونجران4، والحجاز والعراق والنجم والدبران, والثريا، وبرقع5، والجرباء5. ومنه محوة للشمال؛ لأنها على كل حال جسم وإن لم تكن مرئية. وكما جاءت الأعلام في الأعيان, فكذلك أيضًا قد جاءت في المعاني نحو قوله 6: أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر فسبحان "اسم"7 علم لمعنى8 البراءة والتنزيه, بمنزلة عثمان وحمران.

_ 1 سقط في أ. وتفسير أسماء شعراء الحماسة. طبع في دمشق باسم "المنهج", وانظر ص64، من مقدمة هذا الكتاب. وهذا البحث في المبهج ص11. 2 سقط في أ. 3 هو اسم فرس. 4 في ش: "نجد". 5 من أسماء السماء. 6 أي: الأعشى. وانظر الصبح المنير 104 وما بعدها. وهو يعني علقمة بن علانة يهجوه, وينتصر لعامر بن الطفيل، وقوله: "فخره" و"الفاخر" في الديوان: "فجره" و"الفاجر". 7 سقط في أ، م. 8 ش: "بمعنى".

ومنه1 قوله: وإن قال غاو من تنوخ قصيدة ... بها جربٌ عدت عليّ بزوبرا سألت أبا علي عن ترك صرف "زوبر" فقال: علّقه علمًا على القصيدة, فاجتمع فيه التعريف والتأنيث, كما اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون. ومنه -فيما ذكره أبو علي- ما حكاه أبو زيد من قولهم: كان ذلك الفينة, وفينة, وندرى, والندرى. فهذا مما اعتقب عليه تعريفان: العلمية والألف واللام, وهو كقولك: شعوب, والشعوب للمنية. " وعروبة, والعروبة"2. كما أنَّ الأول كقولك: في الفرط والحين. " ومثله غدوة, جعلوها علمًا للوقت"3. وكذلك أعلام الزمان نحو: صفر ورجب وبقية الشهور, "وأول وأهون وجبار, وبقية تلك الأسماء"3. ومنه أسماء الأعداد كقولك: ثلاثة نصف ستة, وثمانية ضعف أربعة, إذا أردت قدر العدد لا نفس المعدود, فصار هذا اللفظ علمًا لهذا المعنى. ومنه4 ما أنشده صاحب الكتاب من قوله 5: أنا اقتسمنا خُطَّتينا بيننا ... فحملت برّة واحتملت فجار

_ 1 أي: ابن أحمر، كما في اللسان "زبر". وفي شرح المفصّل لابن يعيش 1/ 38 نسبته للطرماح. وانظر الخزانة 4/ 379, ففيها بيتان قريبان من هذا في قصيدة للفرزدق. وانظر المخصص 15/ 183, وقوله: "عدت علي بزوبرا" أي: بأجمعها وكليتها. 2 ما بين القوسين سقط في ش, وعروبة والعروبة يوم الجمعة. وانظر ص 38 من الجزء الأول. 3 ما بين القوسين سقط في أ. 4 في ش "مثله". 5 أي: النابغة، يهجو زرعة بن عمرو الكلابي، وكان لقي النابغة بسوق عكاظ، وحبب إليه الغدر ببني أسد، فأبى عليه النابغة. وقيل البيت: أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني ... تحت الغبار فما خططت غباري فقوله: "أنا اقتسمنا ... " مفعول قوله: "أعلمت". وانظر الخزنة 3/ 68.

فبرّة اسم علم لمعنى البرِّ, فلذلك لم يصرف للتعريف والتأنيث. وعن مثله عُدِل فجار, أي: عن فجرة. وهي علم غير مصروف, كما أن برّة كذلك. وقول1 سيبويه: إنها معدولة عن الفجرة تفسير على2 طريق المعنى لا على3 طريق اللفظ. وذلك أنه أراد أن يعرف أنه معدول عن فجرة علمًا, ولم تستعمل تلك علمًا, فيريك ذلك, فعدل عن لفظ العلمية المراد إلى لفظ التعريف فيها المعتاد. وكذلك لو عدلت عن برّة هذه لقلت: برار, كما قال: فجار. وشاهد ذلك أنهم عدلوا حذام وقطام عن حاذمة وقاطمة, وهما عَلَمان, فكذلك يجب أن تكون فَجَارِ معدولة عن فَفْرَة علمًا أيضًا. ومن الأعلام المعلَّقة على المعاني ما استعمله النحويون في عباراتهم من المثل المقابل بها الممثّلات, نحو قولهم: "أفعل" إذا أرادت به الوصف, وله "فعلاء" لم تصرف. فلا4 تصرف أنت "أفعل" هذه من حيث صارت علمًا لهذا المثال نحو: أحمر وأصفر وأسود وأبيض. فتجري5 "أفعل" هذا مجرى أحمد وأصرم علمين. وتقول: "فاعلة" لا تنصرف معرفة, وتنصرف نكرة. فلا تصرف "فاعلة"؛ لأنها علم لهذا الوزن, فجرت مجرى فاطمة وعاتكة. وتقول: "فعلان" إذا كانت له فَعْلَى, فإنه لا ينصرف معرفة ولا نكرة. فلا تصرف فعلان هذا؛ لأنه عَلَم لهذا الوزن بمنزلة حَمْدان وقحطان. وتقول: وزن طلحة "فَعْلة" ومثال عَبَيْثُرَان "فَعَيْلُلان" ومثال إسحارّ6 "إفعالّ" ووزن إستبرق "إستفعل", ووزن طريفة "فعيلة". وكذلك جميع ما جاء من هذا الطرز. وتقول: وزن إبراهيم "فعلاليل" فتصرف هذا المثال؛ لأنه لا مانع له من الصرف،

_ 1 انظر الكتاب 2/ 39. 2 سقط في ش. 3 في ش: "هذا". 4 في أ: "فلم". 5 في أ: "فجرى". 6 هو يقل: يسمن عليه المال، أي: الإبل.

ألا ترى أنه ليس فيه أكثر من التعريف, والسبب الواحد لا يمنع الصرف. ولا تصرف إبراهيم للتعريف والعجمة. وكذلك وزن جبرئيل "فعلئيل" فلا تصرف جبرئيل, وتصرف مثاله. والهمزة فيه زائدة لقولهم: جبريل. وتقول: مثال جعفر "فعلل" فتصرفهما جميعًا؛ لأنه ليس في كل واحد منهما أكثر من التعريف. وقد1 يجوز إذا قيل لك ما مثال "أَفْكَلٍ" أن تقول: مثاله: "أفعلٍ", فتصرفه حكاية لصرف أفكلٍ كما جررته حكاية لجره؛ ألا تراك إذا قيل لك: ما مثال ضرب قلت: فُعِل فتحكى في المثال بناء ضرب, فتبنيه كما بنيت مثال المبنيّ, كذلك حكيت إعراب أفكلٍ وتنوينه, فقلت في جواب ما مثال أفكلٍ: مثاله أفعلٍ فجررت كما صرفت. فاعرف ذلك. ومن ذلك قولهم: قد صرّحت2 بِجدّانَ وجلدانَ. فهذا3 علم لمعنى الجِدّ. ومنه قولهم: أتى على ذي بليان. فهذا علم للبعد4؛ قال: تنام ويذهب الأقوامُ حتى ... يقالَ أتوا على ذي بِلِّيان5 فإن قلت: ولم قلت الأعلام في المعاني، وكثرت في الأعيان، نحو: زيد وجعفر، وجميع ما علق عليه علم وهو شخص؟ قيل: لأن الأعيان أظهر للحاسَّة وأبدى إلى المشاهدة، فكانت6 أشبه بالعلمية مما لا يرى ولا يشاهد حسًّا7، وإنما يعلم تأمّلًا واستدلالًا، وليست كمعلوم8 الضرورة للمشاهدة.

_ 1 سقط في أ. 2 هذا مثل يضرب للأمر إذا بان وصرح ووضح بعد التباسه. 3 كذا في ش. وفي غيرها: "وهو". 4 في أ: "للحبور". 5 هذا لا يعرف قائله, وفي اللسان أن الكسائي كان ينشده في رجل يطيل النوم. يعني أنه أطال النوم, ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرفه. وقوله: "يذهب الأقوام، في هامش "سفر السعادة" عند هذا البيت: "الرواية: يدلج الأقوام", وهذا من نسخة صاحب الخزانة المحفوظة بدار الكتب. 6 في أ: "وكانت". 7 في أ: "حيا". 8 في أ: "كتعلق".

باب في الشيء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه

باب في الشيء يرد مع نظيره مورده 1 مع نقيضه: وذلك أضرب: منها اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة المؤنثة؛ نحو: رجل علَّامة, وامرأة علَّامة, ورجل نسَّابة, وامرأة نسابة, ورجل همزة لمزة, وامرأة همزة لُمَزة, ورجل صرورة وفروقة, وامرأة صرورة وفروقة, ورجل هلباجة فقاقة2، وامرأة كذلك. وهو كثير. وذلك أن الهاء في نحو ذلك لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هي فيه, وإنما لحقت لإعلام المسامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية, فجعل تأنيث الصفة أمارة3 لما أريد من تأنيث الغاية والمبالغة, وسواء كان ذلك الموصوف بتلك الصفة مذكرًا أم4 مؤنثًا. يدل على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو: امرأة فروقة, إنما لحقت؛ لأن المرأة مؤنثة لوجب أن تحذف في المذكر فيقال: رجل فروق, كما أن التاء في "نحو امرأة"5 قائمة، وظريفة, لما لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع تذكيره في نحو:6 رجل ظريف وقائم وكريم. وهذا واضح. ونحو من تأنيث هذه الصفة7 لا يعلم أنها بلغت المعنى الذي هو مؤنث أيضًا تصحيحهم العين في نحو: حول وصيد واعتونوا واجتوروا, إيذانًا بأن ذلك في معنى ما لا بُدَّ من تصحيحه. وهو احولَّ واصيدَّ وتعاونوا، وتجاوروا،

_ 1 كذا في أ. وفي غيرها: "وروده". وهذا الباب في "الأشباه والنظائر" 1/ 230. 2 سقط في أ. والهلياجة والفقافة كلاهما الأحمق، الذكروالأنثى في ذلك سواء. 3 في أ: "أمثلة". 4 في ش: "أو". 5 زيادة في ش. 6 سقط في غيرش، أ. 7 كذا في أ. وفي غيرها: "الصيغة".

وكما كررت الألفاظ لتكرير المعاني نحو: الزلزلة والصلصلة والصرصرة. وهذا1 باب واسع. ومنها اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة المذكرة, وذلك نحو: رجل خصم, وامرأة خصم, ورجل عدل وامرأة عدل, ورجل ضيف وامرأة ضيف, ورجل رضا وامرأة رضًا. وكذلك ما فوق الواحد نحو: رجلين2 رضا وعدل, وقوم رضا وعدل, قال زهير3: متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضًا وهم عدلُ4 وسبب اجتماعهما هنا في هذه الصفة أن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية5، فإذا قيل: رجل عدل فكأنه وصف بجميع الجنس مبالغة كما تقول: استولى على الفضل, وحاز جميع الرياسة والنبل, ولم يترك لأحد نصيبًا في الكرم والجود, ونحو ذلك. فوصف بالجنس أجمع6، تمكينًا "لهذا الموضع"7 وتوكيدًا. وقد ظهر منهم ما يؤيد هذا المعنى ويشهد به. وذلك نحو قوله: أنشدناه أبو علي: ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنَّت علينا والضنين من البخل8

_ 1 كذا في أ. وفي غيرها: "هو". 2 كذا في أ. وفي ش: "رجلان". 3 ثبت في ش، وسقط في غيرها. 4 من قصيدته التي مطلعها: صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التعانيق والثقل قالها في هرم بن سنان, والحارث بن عوف المزبين. انظر الديوان "طبعة دار الكتب" 107. 5 في ش: "الصيغة". 6 في ش: "الجميع"، وسقط في غيرها. 7 سقط في أ. 8 نسبه في اللسان "ضئن" إلى البعيث, وقد أورد ابن قتيبة في الشعراء البعيث أربعة أبيات على هذا الروي، وليس منها البيت، وورد غير معزو في أمالي ابن الشجري 1/ 72.

فهذا كقولك: هو مجبول من الكرم, ومطين من الخير, وهي مخلوقة1 من البخل. وهذا أوفق معنى من أن تحمله2 على القلب وأنه يريد به 3: والبخل من الضنين؛ لأن فيه من الإعظام والمبالغة ما ليس في القلب. ومنه ما أنشدناه أيضًا من قوله: وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل4 و"قوله"5: وهن من الإخلاف والولعان6 وأقوى التأويلين في قولها 7: فإنما هي إقبالٌ وإدبار أن يكون8 من هذا، أي: كأنها مخلوقة9 من الإقبال والإدبار لا على أن يكون من باب حذف المضاف, أي: ذات إقبال وذات إدبار. ويكفيك من هذا كله قول الله -عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 10 وذلك لكثرة فعله إياه واعتياده له, وهذا أقوى معنى من أن يكون أراد: خلق العجل من الإنسان؛ لأنه أمر قد

_ 1 في أ: "مملوءة". 2 كذا في أ، ش، وفي غيرهما: "يحمله". 3 سقط في ش. 4 نسبه في اللسان "ولع" إلى البعيث، وكأنه من القصيدة التي فيها البيت السابق. 5 سقط في غير ش، أ. 6 صدره كما في اللسان "ولع": لخلابة العينين كذابة المنى والولعان: الكذب. وانظر إصلاح المنطق طبعة المعارف 298، وشواهد ابن السيرافي. 7 أي: الخنساء في رثاء أخيها صخر، وصدره: ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت ونظر الخزانة 1/ 207. 8 في أ: "تكون". 9 كذا في أ. وفي غيرها: خلفت. 10 آية 37، سورة الأنبياء.

اطَّرد واتَّسع, فحمله على القلب يبعد في الصنعة و"يصغِّر المعنى"1. وكأن هذا الموضع لما خفي على بعضهم قال في تأويله: إن العَجَل هنا الطين. ولعمري إنه في اللغة كما ذكر غير أنه في هذا الموضع لا يراد به إلّا نفس العجلة والسرعة, ألا تراه عزَّ اسمه كيف قال عقبه: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} 2 فنظيره قوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} 3 {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 4؛ لأن العجلة ضرب من الضعف لما تؤذن5 به من الضرورة والحاجة. فلمَّا كان الغرض في قولهم: رجل عدل وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس, جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر6 المذكر. فإن قلت: فإن نفس7 لفظ المصدر قد جاء مؤنثًا نحو: الزيادة والعبادة8، والضئولة، والجهومة والمحمية والموجدة والطلاقة، والسياطة. وهو كثير جدًّا. فإذا كان نفس المصدر قد جاء مؤنثًا فما هو في معناه ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه. قيل: الأصل لقوّته أحمل لهذا المعنى من الفرع لضعفه. وذلك أن الزيادة، والعبادة8، والجهومة والطلاقة ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها, فلحاق التاء لها9 لا يخرجها عمَّا ثبت في النفس من مصدريتها. وليس كذلك الصفة؛ لأنه ليست في الحقيقة مصدرًا, وإنما هي متأولة عليه ومردودة بالصنعة إليه. فلو قيل: رجل عدل, وامرأة عدلة, وقد جرت صفة

_ 1 في الأشياء للسيوطي: "يصغر في المعنى". 2 آية: 37، سورة الأنبياء. 3 آية: 11، سورة الإسراء. 4 آية: 28، سورة 5 كذا في ش. وفي غيرها: "يؤذن".6 في أ: "المصدر". 7 كذا في أ، ش. وسقط في غيرهما. 8 في ش: "القيادة". 9 في ش: "بها". 10 في أ: "عدل" هو خطأ في النسخ.

كما ترى لم يؤمن أن يظن بها1 أنها صفة حقيقية؛ كصَعْبة من صعب, وندبة من ندب, وفخمة من فخم, ورطبة من رطب. فلم يكن فيها من قوة الدلالة على المصدرية ما في نفس المصدر نحو: الجهومة والشهومة والطلاقة والخلاقة. فالأصول2 لقوّتها يتصرف فيها, والفروع لضعفها يتوقف بها، ويقصر عن بعض ما تسوغه القوة لأصولها. فإن قلت: فقد قالوا: رجل عدل, وامرأة عدلة, وفرس طوعة القياد, وقال أمية -أنشدناه: والحيّة الحتفة الرّقشاء أخرجها ... من بيتها آمِنَات الله والكلم2 قيل: هذا مِمَّا خرج على صورة الصفة؛ لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كل البعد عن أصل الوصف الذي بابه أن يقع الفرق فيه بين مذكره ومؤنثه, فجرى هذا في حفظ3 الأصول والتلفت إليها، "للمباقاة لها"4، والتنبيه عليها, مجرى إخراج بعض المعتل على أصله نحو: استحوذ وضننوا -وقد تقدَّم ذكره- ومجرى إعمال صغته وعدته، وإن كان قد نقل إلى "فَعُلت" لما كان أصله "فَعَلت". وعلى ذلك أنَّث بعضهم فقال: خصمة وضيفة؛ وجمع5، فقال 6: يا عين هلّا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد وعليه قول الآخر: إذا نزل الأضياف كان عذورًا ... على الحي حتى تستقلّ مراجله7

_ 1 سقط في أ. 2 كذا في ش، أ. وفي غيرهما: "والأصول". 3 انظر ص155 من الجزء الأول. 4 في أ: "للمناواة بها". 5 كذا في أ، ش. وفي غيرهما: "جمعوا". 6 كذا في أ، ش. وفي غيرهما: "قال", والقائل هو لبيد. وانظر الأغاني 5/ 123، والديوان 1/ 19، والسمط 298،والكامل 8/ 167. 7 انظر ص122من هذا الجزء.

الأضياف هنا بلفظ القلة ومعناها أيضًا, وليس كقوله 1: وأسيافنا يقطرن من نجدة دمًا في أن المراد به2 معنى الكثرة, وذلك أمدح؛ لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل بمراجل الحي أجمع, فما ظنك به3 لو نزل به الضيفان الكثيرون! فإن قيل: فلم أنَّث المصدر أصلًا؟ وما الذي سوَّغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس وكلاهما إلى التذكير, حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك 4: إنه أصل, وإن الأصول تحمل ما لا تحمله الفروع. قيل: علة جواز تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أن المصادر أجناس للمعاني "كما غيرها"5 أجناس للأعيان, نحو: رجل وفرس وغلام ودار وبستان. فكما6 أن أسماء أجناس الأعيان قد تأتي مؤنثة الألفاظ, ولا حقيقة تأنيث في معناها نحو: غرفة، ومشرقة7، وعلية ومروحة، ومِقْرَمَة8؛ وكذلك جاءت أيضًا أجناس المعاني مؤنثًا بعضها لفظًا لا معنى, وذلك نحو: المحمدة والموجدة والرشاقة، والجباسة9، والضئولة، والجهومة.

_ 1 أي: حسان بن ثابت -رضي الله عنه. وصدره: لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وانظر الخزانة 3/ 430، وسيبويه 2/ 181. 2 كذا في أ. وفي غيرها: "بها". 3 سقط في ش. 4 كذا في د، هـ، والأشباه. وفي أ: "وذلك". 5 في الأشباه: "كما أن غيرها". 6 كذا في أ. وفي د، هـ: "وكما". 7 المشرفة -مثلثة الراء: موضع القعود في الشمس بالشتاء. 8 في ستر دقيق. 9 كذا في د، هـ، ز. والجباسة كأنه يريد بها ثقل الروح، من الجبس الثقيل الروح، والردئ، وإن لم يرد منه فعل ولا مصدر. وفي أ: "الحباسة".

نعم، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على مصدريته غير موصوف به، لم يكن تأنيثه وجمعه, وقد ورد1 وصفًا2 على المحل الذي من عادته أن يفرق فيه بين مذكره ومؤنثه, وواحده وجماعته قبيحًا ولا مستكرهًا, أعني: ضيفة3 وخصمة، وأضيافًا وخصومًا, وإن كان التذكير والإفراد أقوى في اللغة وأعلى في الصنعة, قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} 4. وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لما وصفت بالمصدر أردت المبالغة بذلك, فكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكد ذلك بترك التأنيث والجمع, كما يجب للمصدر في أول أحواله, ألا ترى أنك إذا أنثت وجمعت سلكت به مذهب الصفة الحقيقة التي لا معنى للمبالغة5 فيها، نحو: قائمة ومنطلقة وضاربات ومكرمات, فكان ذلك يكون نقضًا للغرض أو كالنقض له. فلذلك قلَّ حتى وقع الاعتذار لما جاء منه مؤنثًا أو مجموعًا. ومما جاء من المصادر مجموعًا ومعملًا أيضًا قوله 6: مواعيد عرقوب أخاه بيثرب7 و"بيترب". ومنه عندي قولهم: تركته بملاحس البقر أولادها. فالملاحس جمع ملحس, ولا يخلو أن يكون مكانًا أو مصدرًا, فلا يجوز أن يكون هنا مكانًا، لأنه قد عمل

_ 1 كذا في أ. وفي غيرها: "جرى". 2 كذا في أ. وفي غيرها "وحل". 3 في أ: "ضيفًا". 4 آية: 21، سورة ص. 5 في أ: "لمبالغة". 6 في أ: "قولهم". 7 هذا عجز بيت أوله: وواعدتني مالًا أحاول نفعه وهو من أبيات الشماخ أوردها في "فرحة الأديب" في المقطوعة 34. وقد روى ابن السيرافي: "بيترب" بالتاء والراء المفتوحة، فردَّ عليه صاحب الفرحة وذكر أن الرواية "بيثرب" اسم مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام.

في الأولاد فنصبها, والمكان لا يعمل في المفعول به, كما أنَّ الزمان لا يعمل فيه. وإذا كان الأمر على ما ذكرنا كان المضاف هنا محذوفًا مقدَّرًا, وكأنه قال: تركته بمكان ملاحس البقر أولادها, كما أن قوله: وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغار ابن همام على حيِّ خَثْعَما1 محذوف المضاف, أي: وقت إغارة ابن همام على حيِّ خثعم, ألا تراه قد عداه إلى "على في"2 قوله: "على حيِّ خثعما". ف"ملاحس البقر" إذًا مصدر مجموع معمل في المفعول به، كما أن "مواعيد عرقوب أخاه بيثرب" كذلك. وهو غريب. وكان أبو علي -رحمه الله- يورد "مواعيد عرقوب" مورد الطريف المتعجَّب منه. فأما قوله: قد جرَّبوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلّا المجد والفنعا3

_ 1 نسب هذا البيت ابن السيرافي إلى حميد بن ثور، ولا يوجد في ميمية حميد التي في ديوانه طبعة دار الكتب، وقد ردَّ عليه ذلك صاحب "فرحة الأديب" فقال: "غر ابن السيرافي قصيدة حميد الميمية التي أوَّلها: سل الربع أني يممت أم سالم ... وهل عادة للربع أن يتكلما فتوهَّم أن هذا البيت منها.. والبيت للطماح بن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيل، وهو شاعر مجيد، وله مقطعات حسان. قال الطماح العقلي: عرفت لسلمى رسم دار تخالها ... ملاعب جنٍّ أو كتابًا منمما وعهدي بسلمى والشباب كأنه ... عسيب نمى في ريه فتقوَّما وما هي إلا ذات وثر وشوذر ... مغار ابن همام على حيّ خثعما والعلقة: قميص بلا كمين، أو هو ثوب صغير للصبيان، والشوذر: ثوب بلا كمين تلبسه المرأة، والوتر تلبسه الجارية قبل أن تدرك. الكامل 2/ 26، وتاريخ ابن الأثير 1/ 7. 2 سقط ما بين القوسين في غير أ. 3 من قصيدة للأعشى في مدح هوذة بن علي. والقنع: الكرم والعطاء والجود الواسع. وانظر "الصبح المنير) 72 وما بعدها. قوله: "قد جربوه" في أ: كم جربوه".

فقد يجوز أن يكون من هذا, وقد يجوز أن يكون "أبا قدامة" منصوبًا ب"زادت", أي: فما زادت أبا قدامة تجاربهم إيّاه إلا المجد. والوجه أن ينصب1 ب"تجاربهم"؛ لأنه2 العامل الأقرب, ولأنه لو أراد إعمال الأوَّل لكان حريّ أن يعمل الثاني أيضًا, فيقول: فما زادت تجاربهم إياه أبا قدامة إلّا كذا, كما تقول 3: "ضربت فأوجعته زيدًا"، وتضعَّف4 "ضربت فأوجعت زيدًا" على إعمال الأول. وذلك أنك إذا كنت تعمل الأول على بعده وجب إعمال الثاني أيضًا لقربه؛ لأنه لا يكون الأبعد أقوى حالًا من الأقرب. فإن قلت: أكتفي بمفعول5 العامل الأول من مفعول العامل الثاني؛ قيل لك: فإذا كنت مكتفيًا مختصرًا فاكتفاؤك بإعمال الثاني الأقرب أولى من اكتفائك بإعمال الأول الأبعد. وليس لك في هذا مالك في الفاعل لأنك تقول: لا أضمر على غير تقدّم6 ذكر إلا مستكرهًا, فتعمل الأول فتقول: "قام وقعدا أخواك". فأما المفعول فمنه بُدّ, فلا ينبغي أن تتباعد بالعمل إليه وتترك ما هو أقرب إلى المعمول7 فيه منه. ومن ذلك "فرس وساعٌ" الذكر والأنثى فيه سواء, وفرس جواد, وناقة ضامر, وجمل ضامر، وناقة بازل، وجمل بازل، وهو لباب قومه، وهي لباب قومها، وهم لباب قومهم؛ قال جرير: تذري فوق متنيها قرونًا ... على بشر وآنسة لباب8

_ 1 في ش: "تنصبه". 2 في ش: "لأنها". وترى ابن جني يجيز إعمال المصدر مجموعًا، فقد سواه بالفعل، والمتأخرون من النحاة لا يرون هذا، ويجعلون لا يرون هذا، ويجعلون إعمال التجارب إذا أعمل شاذًّا، وقد وافق ابن جني بعض المتأخرين كابن عصفور، وانظر الأشموني والصبان عليه. 3 كذا في أ، ش. وفي غيرهما: "يقول". 4 أي: تنسبه إلى الضعف. وضبط في أ: "تضعف" بصيغة مضارع الثلاثي, أي: تضعف هذه الصيغة. وفي الأشباه: "يضعف". 5 في ش: "بمعمول". 6 كذا في ش، وفي د، هـ "تقديم" وسقط في أ. 7 في د: "المفعول". 8 ورد في الديوان مفردًا. وجاء في اللسان "لبب". وفي اللسان "تدري" بصيغة المبني للفاعل، وفي ش: "تجري" وضبط في أبصيغة المبني للمفعول, وكأن معنى تدريه القرون من الشعر تسريحها وترجيلها.

وقال ذو الرمة: سبحلا أبا شرخين أحيا بناته ... مقاليتها فهي اللباب الحبائس1 فأما ناقة هجان, ونوق هجان, ودرع دلاص, وأدرع دلاص, فليس من هذا الباب, فإن فعالًا منه في الجمع تكسير فعال في الواحد. وقد تقدَّم ذكر ذلك في باب ما اتفق لفظه واختلف تقديره.

_ 1 هذا في وصف فحل الإبل. والسبحل: الضخم، والشرخ: نتاج السنة من أولاد الإبل. والمقاليت جمع المقلات، وهي التي لا يعيش لها ولد. يقول: إن المقاليت إذا طرفها هذا الفحل عاش نسله منها، فهن يجبين بنائه لذلك. والحبائس: يحبسها من يملكها, فلا يخرجها من ملكه. وانظر الديوان 321 والمخصص 17/ 33.

باب في ورود الوفاق مع وجود الخلاف

باب في ورود الوفاق مع وجود الخلاف: هذا الباب ينفصل1 من الذي قبله بأن2 ذلك تبع فيه اللفظ ما ليس وفقًا له نحو: رجل نسابة وامرأة عدل, وهذا الباب الذي نحن فيه ليس بلفظ تبع لفظًا, بل هو قائم برأسه. وذلك قولهم: غاض الماء وغضته سوَّوا فيه بين المتعدي وغير المتعدي. ومثله: جبرت يده وجبرتها, وعمر المنزل وعمرته, وسار الدابة وسرته, ودان الرجل ودنته, من الدين في معنى أدنته, وعليه جاء مديون في لغة التميميين, وهلك الشيء وهلكته, قال العجاج: ومهمهٍ هالك من تعرّجا3

_ 1 د، هـ: "منفصل". 2 ش: "فإن". 3 بعده: هائلة أهواله من أدلجا وهو من أرجوزته التي أولها: ما هاج أحزانًا وشجرًا قد شجا وانظر الديوان 7، وإلى هنا ينتهي الجزء الأول من نسخة ش.

فيه قولان: أحدهما أن "هالكًا" بمعنى مهلك, أي: مهلك من تعرج فيه. والآخر: ومهمهٍ هالك المتعرجين فيه, كقولك: هذا رجل حسن الوجه, فوضع "من" موضع الألف واللام. ومثله هبط الشيء وهبطته, قال: ما راعني إلا جناح هابطًا ... على البيوت قوطه العلابطا1 أي: مهبطًا قوطه. وقد يجوز أن يكون أراد: هابطًا بقوطه, فلمَّا حذف حرف الجر نصب بالفعل2 ضرورة. والأوّل أقوى. فأما قول الله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} 3 فأجود القولين فيه أن يكون معناه: وإن منها لما يهبط من نظر إليه لخشية الله. وذلك أن الإنسان إذا فكر في عظم هذه المخلوقات تضاءل وتخشع4، وهبطت نفسه لعظم ما شاهد. فنسب الفعل إلى تلك الحجارة لما كان السقوط والخشوع مسببًا عنها وحادثًا لأجل النظر إليها, كقول الله سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 5 وأنشدوا بيت6 الآخر: فاذكر موقفي إذا التقت الخي ... ل وسارت إلى الرجال الرجالا7 أي: وسارت الخيل الرجال إلى الرجال.

_ 1 جناخ: اسم راع. والقوط، القطيع من الغنم. والعلابط: القطيع أيضًا وأقله خمسون. و"قوطه" مفعول هابطًا. وللبيت صلة في اللسان "قوط". وانظر "نوادر أبي زيد" 173. 2 سقط في ش. 3 آية: 74، سورة البقرة. 4 ش: "خشع". 5 آية: 17، سورة الأنفال. 6 كذا في أ. وفي غيرها: "قول". 7 في اللسان "سار" البيت بهذه العمورة: فاذكرن موضعًا إذا التقت الخي ... ل وقد سارت الرجال الرجالا

وقد يجوز أن يكون أراد: وسارت إلى الرجال بالرجال, فحذف حرف الجر فنصب. والأول أقوى. وقال خالد بن زهير: فلا تغضبن من سيرة أنت سِرتَها ... فأول راضٍ سيرة من يسيرها1 ورجنت الدابة بالمكان إذا أقامت فيه, ورجنتها, وعاب2 الشيء وعبته3، وهجمت على القوم, وهجمت غيري عليهم أيضًا, وعفا الشيء: كثر وعفوته: كثرته وفغر فاه, وفغر فوه, وشحا فاه3, وشحا فوه, وعثمت يده وعثمتها, أي: جبرتها على غير استواء, ومدَّ النهر ومددته, قال الله -عز وجل: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} 4 وقال الشاعر: ماء خليج مده خليجان5 وسرحت الماشية وسرحتها، وزاد الشيء وزدته, وذرا الشيء وذروته: طيرته, وخسف المكان وخسفه الله, ودلع اللسان ودلعته, وهاج القوم وهجتهم, وطاخ الرجل وطخته, أي: لطخته بالقبيح -في معنى أطخته6، ووفر

_ 1 هذا من شعر يقوله في أبي ذؤيب الهذلي. وكان يرسل خالدًا إلى صديقة له فخانه فيها، وقال فيه شعرا. وكان أبو ذؤيب فعل ذلك برجل يقال عويم بن مالك كان أبو ذؤيب رسوله إليها, فخانه فيها, فيذكره خالد هذا. وقيل هذا البيت: ألم تنقذها من عويم بن مالك ... وأنت صفىّ نفسه وسجيرها وانظر الأغاني طبعة دار الكتب 6/ 277، وقوله: "فأول", في أ: "أول". 2 كذا في أ، ش. وفي د، هـ: "عاد ... عدته". 3 يقال: شحا فاه: فتحه، وشحا فوه: انفتح. 4 آية 27، سورة لقمان. 5 في اللسان: "خليج" هذا البيت. إلى فتى فاض أكف الفتيان ... فيض الخليج مدَّه خليجان وفي المخصص 10/ 32 الشطر الشاهد فقد, وهو في الجزء 15/ 54 منسوبًا إلى أبي النجم. 6 الوارد في اللسان والقاموس من مزيد المادة (طيخه) من التفصيل.

الشيء ووفرته. وقال الأصمعيّ: رفع البعير ورفعته -في السير المرفوع- وقالوا: نفى الشيء ونفيته, أي: أبعدته, قال القطامي 1: فأصبح جاراكم قتيلًا ونافيا ونحوه: نكرت البئر ونكرتها2, أي: أقللت ماءها ونزفت ونزفتها. فهذا كله شاذ عن القياس وإن كان مطردًا في الاستعمال, إلا أنَّ له عندي وجهًا لأجله جاز. وهو أن كل فاعل غير القديم سبحانه, فإنما الفعل منه شيء أعيره وأعطيه, وأقدر عليه, فهو وإن كان فاعلًا فإنه لما كان معانًا مقدرًا صار كأن فعله لغيره, ألا ترى إلى قوله سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 3 نعم, وقد قال بعض الناس: إن الفعل لله, وإن العبد مكتسبه, وإن كان هذا خطأ عندنا فإنه قول لقوم. فلما كان قولهم: غاض الماء أن غيره أغاضه, وإن جرى لفظ الفعل له تجاوزت العرب ذلك إلى أن أظهرت هناك فعلًا بلفظ الأول متعديًا؛ لأنه قد كان فاعله في وقت فعله إياه إنما هو مشاء4 إليه أو معان عليه. فخرج اللفظان لما ذكرنا خروجًا واحدًا. فاعرفه5.

_ 1 كذا نسبه اللسان "نفى" في القطامي. وفي ديوان القطامي 80 نسبته في بيتين إلى الأخطل في قصة. والبيتان هما: لو كان حبل ابني طريف معلقًا ... بأحقى كرام أحدثوا فيهما أمرَا أأصبح جراهم قتيلًا ونافيًا ... أصم فزادوا في مسامعه وقرا وفي ديوانه 271 البيت هكذا من قصيدة للأخطل: لقد كان جاراهم قتيلًا وخائفًا ... أصم فقد زادوا مسامعه وقرا 2 الوارد في اللسان "نكزها" بالتشديد بضبط القلم. 3 آية: 17، سورة الأنفال. 4 هو وصف من أشاءه إلى الشيء: ألجأه إليه، وهو لغة في أجاءه، وتنسب إلى تميم. وانظر القاموس وشرحه "شبأ". 5 إلى هنا تنتهي نسخة أ.

باب في نقض العادة

باب في نقض العادة 1: المعتاد المألوف في اللغة أنه إذا كان فعل غير متعدٍّ كان أفعل متعديًا؛ لأن هذه الهمزة كثيرًا2 ما تجيء للتعدية. وذلك نحو: قام زيد وأقمت زيدًا, وقعد بكر وأقعدت بكرًا. فإن كان فعل متعديًا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعديًا إلى اثنين, نحو: طعم زيد خبزًا وأطعمته خبزًا, وعطا بكر درهمًا وأعطيته درهمًا. فأمَّا كسى زيد ثوبًا وكسوته ثوبًا, فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال3، ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإنما جاز نقله بفعَل لمَّا كان فعل وأفعل كثيرًا ما يعتقبان4 على المعنى الواحد, نحو: جدَّ في الأمر وأجدَّ, وصددته عن كذا وأصددته, وقصر عن الشيء وأقصر, وسحته الله وأسحته, ونحو ذلك. فلما كان فعل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض ونقل بأفعل, نقل أيضًا فَعِل بفَعَل, نحو: كسى وكسوته، وشترِت5 عينه وشترها5، وعارت6 وعرتها6, ونحو ذلك.

_ 1 ترجم لهذا الباب السيوطي في "الأشباه والنظائر" 1/ 338 هكذا: "وورد الشي على خلاف العادة". 2 كذا في ش. وفي د، هـ: "أكثر", وفي الأشباه: "كثر". 3 أي: بالوزن والبناء، فوزن فعل -بكسر العين- لازم في هذه الأمثلة، فإذا نقل إلى فعل -بفتح العين- صار متعديًا. وقد ذكر هذا الوجه من وسائل التعدية صاحب "المغني" في آخر الباب الرابع، وعبر عنه بتحويل حركة العين، ونسب القول به للكوفيين، ثم قال: "وهذا عندنا من باب المطاوعة؛ يقال: شرته فشتر، كما يقال: ثرمة فثرم. ومنه كسوته الثوب فكسيه". وقد قدم في الفصل السابق على هذا أن المطاوعة تنقص المطاوع -بكسر الواو- عن المطاوع -بفتح الواو- درجة في التعدية؛ كما تقول: ألبسته الثوب فلبسه، وكسرت الإناء فانكسر. 4 في د، هـ، ز: "يعقبان". 5 أي: انقلب جفنها، وشرها: قلب جفها. 6 الضمير للعين، أي: أصابها العور. و"عرتها" أي: أصبتها بالعور. وفي د، هـ، ز، والأشباه: "غارت وغرتها". والذي في اللسان: "وأغار عينه وغارت تغور غورًا وغثورًا، وغوّرت: دخلت في الرأس" وترى أنه لم يجيء فيه غارٍ عينه دون همز.

هذا هو الحديث 1: أن "تنقل بالهمز"2 فيحدث النقل تعديًا لم يكن قبله. غير أن ضربًا من اللغة جاءت فيه هذه القضية معكوسة مخالفة، فنجد فعل فيها متعديًا، وأفعل غير متعد. وذلك قولهم: أجفل الظليم، وجفلته3 الريح, وأشنق البعير إذا رفع رأسه, وشنقته, وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها ونزفتها، وأقشع4 الغيم وقشعته الريح, وأنس5 ريش الطائر ونسلته, وأمرت الناقة إذا در لبنها ومَرَيتها6. ونحو من ذلك ألوت7 الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصرّ8 الفرس أذنه، وأصرّ8 بأذنه، وكبَّه الله على وجهه, وأكبَّ هو, وعلوت الوسادة وأعليت عنها9. فهذا نقض عادة الاستعمال10، لأن فعلت فيه متعد وأفعلت غير متعد. وعلة ذلك -عندي- أنه جعل تعدي فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي, نحو: جلس وأجلسته, ونهض وأنهضته, كما جعل قلب الياء واوًا في التقوى11 والرعوى والثنوى والفتوى عوضًا للواو من كثرة دخول الياء عليها, وكما جعل لزوم الضرب الأول من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تمامًا

_ 1 في ج: "الحدّ". 2 "تنقل" كذا في ش. وفي ز: "ينقل" و"بالهمز" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بالهمز". 3 ظاهر الأمر عنده أن الحديث عن الظليم، ولا يقال هذا في الظليم، وفي اللسان "جفلت الربح السحاب", فكأنه يريد هذا, فتكون الكناية في "جفلته" للسحاب. 4 يرى الزمخشري أن أفشع من باب أصبح, أي: دخل في الصباح، فلا غرابة فيه. وهذا في كشافه عند قوله تعالى في سورة الملك، آية 22: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} . ويرى الفخر الرازي عند قوله تعالى في سورة البقرة، آية 26: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} أن الهمزة في نحو أفشع للتعدية وأن الفعل متعد إلى مفعولين محذوفين. 5 أي: سقط وتقطع. 6 أي: مسحت ضرعها لتدر. 7 أي: حركت ذنبها. 8 اي: سوى أذنه ونصبها للاستماع، وذلك إذا جد في السير. 9 في د، هـ، والأشباه "عليها". 10 في ش: "استعمال". 11 انظر في هذه الألفاظ ص88، 308 من الجزء الأول.

أو مخبونًا, بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضًا للضرب من كثرة السواكن فيه, نحو: مفعوان ومفعولان ومستفعلان, ونحو ذلك مما التقى في آخره من الضروب ساكنان. ونحوٌ من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول1، وذلك نحو: أحببته فهو محبوب, وأجنَّه الله فهو مجنون, وأزكمه فهو مزكوم, وأكزه2 فهو مكزوز، وأقره فهو مقرور, وآرضه3 الله فهو مأروض, وأملأه3 الله فهو مملوء, وأضأده3 الله فهو مضئود, وأحمه الله -من الحُمَّى- فهو محموم, وأهمه -من الهم- فهو مهموم, وأزعقته فهو مزعوق, أي: مذعور. ومثله ما أنشدناه أبو علي من قوله: إذا ما استحمَّت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق4 وهو من أودعته, وينبغي أن يكون جاء على ودع. وأما أحزنه الله فهو محزون, فقد حمل على هذا, غير أنه قد قال أبو زيد: يقولون: الأمر يحزنني, ولا يقولون: حزنني, إلا أن مجيء المضارع يشهد للماضي. فهذا أمثل5 مما مضى. وقد قالوا فيه أيضًا: مُحْزَنٌ على القياس. ومثله قولهم: محب, منه بيت عنترة: ولقد نزلت فلا تظنِّى غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم6

_ 1 انظر في هذا "المزهر" 2/ 167. 2 أي: أصابه بالكزاز. وهو تشنج يصيب الإنسان من شدة البرد، وتعتريه منه وعدة. 3 أي: أصابه بالزكام. وانظر ص109، من هذا الجزء. 4 هذا من قصيدة الخفاف بن ندبة في الجزء الأول من منتهى الطلب، و"الأصمعيات" 48. وهو في وصف فرس, وأرض الدابة: أسفل قوائمها، والسماء ظهره. واستحمام أرضه من العرق, وقوله: "مودوع" أي: ساكن لا يجتهد. وأصل مودوع مفعول من ودَعَه, أي: تركه، فهو متروك من الزجر والضرب. وقوله: "واعد مصدق" أي: يعد راكبه بمواصلة المد ويصدق في رعاه، ولا يخبس فيه. وانظر اللسان "وَدَعَ" ومعاني ابن قتيبة. 5 وذلك أن محزونًا جاء فعله الثلاثي, وإن قرن أيضًا بالريد استثناء به عن وصفه منه. والأمثلة السابقة ليس في هذا المعنى. 6 هذا في معلقته المشهورة.

ومثله قول الأخرى 1: لأنكحن بَبَّه ... جارية خدبه مكرمة محبه ... تجب أهل الكعبة وقال الآخر: ومن يناد آل يربوع يُجَبْ ... يأتيك منهم خير فتيان العرب المنكب الأيمن والردف المحب2 قالوا: وعِلَّة ما جاء من أفعلته فهو مفعول -نحو: أجنه الله فهو مجنون, وأسله الله فهو مسلول, وبابه- أنهم إنما جاءوا به على فعل نحو: جُنَّ فهو مجنون, وزُكِمَ فهو مزكوم, وسُلَّ فهو مسلول. وكذلك بقيته. فإن قيل لك3 من بعد: وما بال هذا خالف فيه الفعل مسندًا إلى الفاعل صورته مسندًا إلى المفعول, وعادة الاستعمال غير هذا, وهو أن يجيء الضربان معًا في عدة4 واحدة؛ نحو: ضربته وضرب وأكرمته وأكرم, وكذلك مقاد5 هذا الباب؟

_ 1 هي هند بنت أبي سفيان أخت معاوية -رضي الله عنهما. كانت ترقص ابنها عبد الله من زوجها الحارث بن نوفل بن عبد المطلب بهذا. وقد لقبته "ببه" وهي حكاية صوت الصبي. و"خدبة": ضخمة. تقول: لأنكحن عبد الله جارية هذه صفتها. وقولها: "تجب أهل الكعبة" أي: تغلب نساء قريش بحسنها، وانظر اللسان "ببب". 2 "يأتيك" كذا في ج. وفي ش: "يأتك". والمنكب: العريف على قومه أو رئيسهم، والردف: الذي يخلف الرئيس أو الملك ويعينه، نحو الوزير. وفي اللسان "ردف": "وكانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع، لأنه لم يكن في العرب أكثر إغارة على ملوك الحميرة، من بني يربوع. فصالحوهم على أن جعلوا لهم الردافة، ويكفوا عن أهل العراق الغارة. 3 سقط في د، هـ. 4 في د، هـ: "قاعدة"، وفي ج: "وعادة الاستعمال أن يستويا في عدد الحروف"، وههنا موافق لما في اللسان "زعق". 5 في ش: "مفاد" وما هنا موافق لما في اللسان.

قيل: إن العرب لما قوي في أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل, وحتى1 قال سيبويه فيهما: "وإن كانا2 جميعًا يهمّانهم ويعنيانهم " خصّوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة 3: أحدهما: تغيير صورة4 المثال مسندًا إلى المفعول, عن صورته مسندًا إلى الفاعل, والعدة واحدة, وذلك نحو: ضرب "زيد"5 وضرب وقتل وقتل وأكرم وأكرم ودحرج ودحرج. والآخر: أنهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدّة الحروف مع ضمِّ أوله, كما غيَّروا في الأول الصورة والصيغة6 وحدها. وذلك نحو7 قولهم: أحببته وحُبَّ, وأزكمه الله وزكم, وأضأده الله وضئد, وأملاه الله وملئ. قال أبو علي: فهذا8 يدلك على تمكن المفعول عندهم، وتقدّم9 حاله في أنفسهم، إذ10 أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل. وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم الذي قدمت11 بابه، ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو: ضَرَب وضُرب و"شَتَم وشُتِم"12 تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة نحو: أزكمه13 الله وزكم، وآرضه13 الله وأرض.

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ. 2 انظر ص15 ج1 من "الكتاب". 3 في د، هـ، اللسان: "الصيغة". 4 د، هـ، اللسان: "الصيغة". 5 زيادة في د، هـ. 6 كذا في د، هـ، اللسان، وفي ش: "الصنعة". 7 زيادة في د، هـ. 8 د، هـ: "وهذا". 9 د، هـ: "تقرير". 10 ش: "إذا". وما هنا في ج. 11 انظر ص348 من الجزء الأول. 12 د، هـ: "شرب، وشرب". 13 زيادة في د، هـ.

فهذا كقولهم1 في حنيفة: حنفيّ لما حذفوا هاء2 حنيفة حذفوا أيضًا ياءها, ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحت الياء, فقالوا فيه: حنيفيّ. وقد تقدَّم القول على ذلك. وهذا الموضع هو3 الذي دعا أبا العباس أحمد بن يحيى في كتاب فصيحه أن أفرد له بابًا, فقال: هذا باب فُعِل -بضم الفاء- نحو قولك: عُنِيت بحاجتك, وبقية الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول, ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة, ألا تراهم4 يقولون: نخى زيد من النخوة, ولا يقال: نخاه كذا, ويقولون: امتقع لونه, ولا يقولون: "امتقعه كذا, ويقولون: انقطع بالرجل, ولا يقولون"5: انقطع به كذا. فلهذا جاء بهذا الباب أيّ ليريك أفعالًا خصت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل, كما خصت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول, نحو: قام زيد, وقعد جعفر, وذهب محمد, وانطلق بشر. ولو كان غرضه أن يرك صورة ما لم يسمّ فاعله مجملًا غير مفصَّل على ما ذكرنا لأورد فيه6 نحو: ضرب وركب وطلب وقتل وأكل وسمل7 وأكرم وأحسن إليه واستقصى8 عليه, وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية [له] 9. فاعرف هذا الغرض, فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة. ونظير مجيء اسم المفعول ههنا على حذف الزيادة -نحو: أجببته فهو محبوب- مجيء اسم الفاعل على حذفها أيضًا, وذلك نحو قولهم: أورس10 الرمث فهو وارس،

_ 1 في د، هـ، ز: "قولهم". 2 يريد بالهاء تاء التأنيث. 3 سقط في د، هـ. 4 كذا في ش. وفي د، هـ: "ترى أنهم". 5 ما بين القوسين سقط في د، هـ. 6 سقط في د، هـ. 7 في د، هـ: "شمل". 8 في د، هـ: "استعدى". 9 زيادة في الأشباه. 10 أي: اصفر ورقه. والرمث: شجر ترعاه الإبل.

وأيفع الغلام فهو يافع, وأبقل المكان فهو باقل, قال الله -عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 1 وقياسه ملاقح؛ لأن الريح تلقح السحاب فتستدرّه. وقد يجوز أن يكون على لقحت هي, فإذا لقحت فزكت ألقحت السحاب, فيكون هذا مما اكتُفِيَ فيه بالسبب من المسبب, وضده قول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} 2 أي: فإذا أردت قراءة القرآن فاكتفي بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة. وقد جاء عنهم مبقل, حكاها أبو زيد. وقال داود ابن أبي دواد لأبيه في خبر لهما, وقد قال له أبوه ما أعاشك بعدي: أعاشني بعدك واد مبقل ... آكل من حوذانه وأنسل3 وقد جاء أيضًا حببته، قال "الشاعر "4: ووالله لولا تمره ما حببته ... ولا كان أدنى من عبيد ومشرق5 ونظير مجيء اسم الفاعل والمفعول جميعًا على حذف الزيادة فيما مضى مجيء المصدر أيضًا على حذفها, نحو قولهم: جاء زيد وحده. فأصل هذا أوحدته بمروري إيحادًا, ثم حذفت زيادتها6 فجاء على الفعل. ومثله قولهم: عمرك الله إلا فعلت, أي: عمرتك الله تعميرًا. ومثله7 قوله: بمنجرد قيد الأوابد هيكل8

_ 1 آية: 22، سورة الحجر. 2 آية: 98، سورة النحل. 3 انظر ص98 من الجزء الأول. 4 زيادة في د، هـ، والشاعر هو غبلان بن شجاع النهشلي، وانظر اللسان "حبب"، والكامل 4/ 4 5 قبله: أحب أبا مروان من أجل تمره ... وأعلم أن الجار بالجار أرفق وترى في الشاهد إقراء: "ويروي أبو العباس المبرد الشطر الأخير هكذا: وكان عياض منه أدق ومشرق 6 كذا في د، هـ، وفي ش: "زيادته", وفي اللسان "وحد" "زيادته"، ويرى بزيادته الهمزة الأولى والألف بعد الخاء. 7 زيادة في د، هـ. 8 عجز بيت صدره: وقد اغتدى والطير في وكناتها وهو من معلقة امرئ القيس في وصف فرس.

أي: تقييد الأوابد, ثم حذف زائدتيه1؛ وإن شئت قلت: وصف2 بالجوهر لما فيه من معنى الفعل, نحو قوله 3: فلولا الله والمهر المفدَّى ... لرُحْتَ وأنت غربال الإهاب فوضع الغربال موضع مخرق, وعليه ما أنشدناه عن أبي عثمان: مئبرة العرقوب إشفى المرفق أي: دقيقة4 المرفق. "وهو كثير"5. فأما6 قوله7: وبعد عطائك المائة الرتاعا8 فليس على حذف الزيادة, ألا ترى أن في عطاء ألف إفعال9 الزائدة, ولو كان على حذف الزيادة لقال: وبعد عطوك فيكون كوحده. وقد ذكرنا هذا فيما مضى. ولما كان الجمع مضارعًا للفعل بالفرعية فيهما جاءت فيه أيضًا ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في الواحد.

_ 1 كذا في ش. وفي د: "زيادته". وفي هـ: "زيادتيه". 2 أي: يراد بالقيد قيد الداية، وهو اسم وصف به لما فيه من التقييد، فلا يكون فيه حذف. 3 أي: حسان في الحارث بن هشام. 4 كذا في د، هـ، ج. وفي ش: "حادة". والأشفى في الأصل مخرز الإسكاف. والمثبرة: الإبرة. يهجو امرأة. 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في ش. وفي د، هـ: "وأما". 7 أي: القطامي. وانظر الديوان. 8 من قصيدته التي أولها: قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا وهي في مدح زفر بن الحارث الكلابي، وكان أسره في حرب, فمنَّ عليه وأعطاه مائة من الإبل. وهاك هذا الشطر مع سابقه وبيت قبله: قمن يكن استلام إلى ثويّ ... فقد أكرمت يا زفر المتاعا أكفرًا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاها استلام: فعل ما يلام عليه. والثويّ: الضيف. والمتاع: الزاد. 9 كذا في ج. وفي ش: "فعال".

وذلك نحو قولهم: كَرَوان وكِرْوان, ووَرَشان ووِرْشان. فجاء هذا على حذف زائدتيه حتى كأنه صار إلى فَعَل, فجرى مجرى خَرَبٍ وخِرْبان, وبَرَقٍ وبِرْقان, قال: أبصر خربان فضاء فانكدر1 وأنشدنا لذي الرمة: من آل أبي موسى ترى الناس حوله ... كأنهم الكِرْوان أبصرن بازيا2 ومنه تكسيرهم فَعَالًا على أفعال حتى كأنه إنما كُسِّر فَعَل, وذلك نحو: جواد وأجواد، وعياءٍ3 وأعياءٍ "وحياء وأحياء"4 وعراءٍ5 وأعراءٍ, وأنشدنا: أو مُجْنَ عنه عَرِيت أعراؤه6 فيجوز أن يكون جمع عَراءٍ, ويجوز أن يكون جمع عُرْى, ويجوز أن يكون جمع عَرًا من قولهم: نزل بِعَرَاه أي: ناحيته.

_ 1 من أرجوزة العجاج التي أولها: قد جبر الدين الإله فجبر وهي في مدح عمر عبيد الله بن معمر، وقبله: إذا الكرام ابتدروا الباع ابتدر ... داتي جناحيه من الطور فمر تقضي البازي إذا البازي كسر وانظر الديوان 17. 2 هذا البيت الثالث والثلاثون من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة الأشعري. وأولها: ألا حي بالزرق الرسوم الخواليا ... وإن لم تكن إلّا رميًا بواليا وانظر الديوان 154، والخزانة 1/ 296. 3 يقال: فحل عياء: لا يهتدي الضراب، وكذلك الرجل. 4 زيادة في د، هـ. والحياء للناقة رحمها وفرجها. 5 هو ما استوى من ظهر الأرض، أو هو المكان الخالي. 6 من أرجوزة رؤبة التي أولها: وبلد عامية أعماؤه وقبله: إذا السراب انتسجت إضاؤه وترى أنه في وصف السراب والإضاة: الغدران، وهو ما يتراض فيه من الماء. يقول في السراب: يظهر فيه تارة مثل الغدران، وتارة تموج عنه وتذهب.

ومن ذلك قولهم: نِعمة وأَنْعُم, وشِدّة وأشُدّ, في قول1 سيبويه: جاء ذلك على حذف التاء كقولهم: ذئب وأَذْؤب, وقِطْع2 وأقُطع, وضِرْس وأَضْرُس, قال: وقرعن نابك قَرْعة بالأضرِس وذلك كثير جدًّا. وما يجيء مخالفًا ومنتقضًا أوسع من ذلك, إلّا أن لكل شيء منه عذرًا وطريقًا. وفصل للعرب طريف, وهو إجماعهم على مجيء عين مضارع فَعَلته إذا كانت من3 فاعلي4 مضمومة البتة. وذلك نحو قولهم: ضاربني فضربته أضربه, وعالمني فعلمته أعلمه, وعاقلني -من العقل- فعقلته أعقله, وكارمني فكرمته أكرمه, وفاخرني ففخرته أفخره، وشاعرني فشعرته أشعره. وحكى الكسائي: فاخرني ففخرته أفخَره -بفتح الخاء, وحكاها أبو زيد أفخُره -بالضم- على الباب. كل5 هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه. ووجه6 استغرابنا له أن خصَّ مضارعه بالضم. وذلك أنا قد دللنا7 على أن قياس باب مضارع فَعَل أن يأتي بالكسر, نحو: ضرب يضِرب, وبابه, وأرينا وجه دخول يفعُل على يفعِل فيه, نحو: قَتَل يقْتُل, ونخل ينخُلُ, فكان الأحجى به هنا إذ أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذي كان القياس مقتضيًا له في مضارع فَعَل وهو يفعِل بكسر العين. وذلك أن العُرْف والعادة إذا أريد

_ 1 انظر الكتاب 2/ 183، وانظر أيضًا ص87 من الجزء الأول من الخصائص. 2 هو نصل صغير عريض. 3 ج: "عن"، وفي ز: "عين". 4 كذا في د، هـ، ج، والأشباه. وفي ش: "فاعله". 5 كذا في د، هـ. وفي ش: "وكل". 6 سقط في د، هـ، عرف العطف. 7 انظر ص380 من الجزء الأول.

الاقتصار على أحد1 الجائزين أن يكون ذلك المقتصر عليه هو أقيسهما فيه, ألا تراك2 تقول في تحقير أسود وجذول: أسيد وجديل بالقلب3، وتجيز من بعد الإظهار وأن4 تقول: أسيود وجديول, فإذا صرت إلى باب مقام وعجوز اقتصرت على الإعلال البتة فقلت: مقيِّم وعجيِّز, فأوجبت أقوى القياسين لا أضعفهما, وكذل نظائره. فإن قلت: فقد تقول: فيها رجل قائم وتجيز فيه النصب فتقول: فيها رجل قائمًا, فإذا قدَّمت أوجبت أضعف الجائزين. فكذلك أيضًا تقتصر في هذه الأفعال -نحو: أكرمه وأشعُره- على أضعف الجائزين5 وهو الضمّ. قيل: هذا إبعاد في التشبيه. وذلك أنك لم توجب النصب في "قائمًا"6 من قولك: فيها رجل قائمًا، و"قائمًا" هذا متأخر عن رجل في مكانه في حال الرفع, وإما اقتصرت على النصب فيه لما لم يجز فيه الرفع, أو لم يقو, فجعلت أضعف الجائزين واجبًا ضرورة لا اختيارًا, وليس كذلك كرمته أكرمه؛ لأنه لم ينقض7 شيء عن موضعه ولم يقدّم ولم يؤخر. ولو قيل: كرمته أكرمه؛ لكان كشتمته أشتمه, وهزمته أهزمه. وكذلك8 القول في نحو قولنا: ما جاءني إلّا زيدًا أحد, في إيجاب نصبه, وقد كان النصب لو تأخَّر "زيد" أضعف الجائزين فيه إذا قلت: ما جاءني أحد إلّا زيدًا, الحال فيهما واحدة, وذلك أنك لمَّا لم تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به -للضرورة- إلى النصب الذي كان جائزًا فيه متأخرًا. هذا كنصب "فيها قائمًا رجل" البتة، والجواب عنهما واحد.

_ 1 ش: "آكد". 2 ش: "أراك". 3 سقط في د، هـ. ويريد قلب الواو ياء. 4 سقط حرف العطف في ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ: "الحالين". 6 د، هـ: "قائم". 7 ش "ينقص" وهو تصحيف. 8 د، هـ: "فكذلك".

وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب البحث عن علة مجيء هذا الباب في الصحيح كله بالضم, نحو: أكرمه وأضرُبه. وعلّته عندي أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة, فدخله بذلك1 معنى الطبيعة والنحيزة التي تغِلب ولا تُغلب, وتلازم ولا2 تفارق. وتلك الأفعال بابها: فَعُل يفُعل, نحو: فقُه يفقُه إذا أجاد الفقه, وعلُم يعلُم إذا أجاد العلم. وروينا عن أحمد ابن يحيى عن الكوفيين: ضَرُبتِ اليدُ يدهُ، على وجه المبالغة. وكذلك نعتقد نحن أيضًا في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نُقِلَ3 عن فَعَل وفَعِل إلى فَعُلَ, حتى صارت له صفة التمكن والتقدم, ثم بُنِيَ منه الفعل4، فقيل: ما أفعله, نحو: ما أشعره, إنما هو من شَعُر, وقد حكاها أيضًا أبو زيد. وكذلك ما أقتله وأكفره: هو عندنا من قَتُل وكَفُر تقديرًا, وإن لم يظهر5 في اللفظ استعمالًا. فلمَّا كان قولهم: كارمني فكرمته أكرمه6 وبابه صائرًا إلى معنى فَعُلت أفُعل أتاه الضمّ من هناك. فاعرفه. فإن قلت: فهلّا لما دخله هذا المعنى تَمَّموا فيه الشبه فقالوا: ضربته أضرُبه, وفَخُرْتُه أفْخُرهُ "ونحو ذلك؟ "7. قيل: منع من ذلك أن فَعُلْت لا يتعدَّى8 إلى المفعول به أبدًا, ويفعُل قد يكون في المتعدي9, كما يكون في غيره, ألا ترى إلى قولهم: سلبه يسلُبه, وجلبه يجلبه،

_ 1 في الأشباه: "لذلك". 2 سقط في د، هـ. 3 أخذ بهذا متأخرو النحاة, وانظر الرضي شرح الكافية 2/ 308. 4 في ج: "أفعل". 5 د، هـ، الأشباه: "إلى". 6 سقط في د، هـ. 7 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز. 8 كذا في د، هـ. وفي ش، والأشباه: "تتعدّى". 9 ش: "المتعدية".

ونخله ينخُله, فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضي, فأخذوا منهما1 ما ساغ, واجتنبوا ما لم يسغ. فإن قلت: فقد قالوا: قاضاني فقضيته أقضيه, وساعاني فسعيته أسعيه؟ قيل: لم يكن من "يفعله" ههنا بُدّ, مخافة أن يأتي على يفُعل فينقلب الياء واوًا, وهذا مرفوض في هذا النحو من الكلام. وكما لم يكن من هذا بد ههنا لم يجئ أيضًا2 مضارع فَعَل منه مما فاؤه واو بالضم, بل جاء بالكسر على الرسم وعادة العرب. فقالوا: واعدني فوعدته أعده, وواجلني فوجلته أجِلُه, وواضأني فوضأته أَضؤه. فهذا كوضعته -من هذا الباب- أضعهُ. ويدلّك على أن لهذا الباب أثرًا في تغييره باب فَعَل في مضارعه قولهم: ساعاني فسعيته أسعيه, ولم يقولوا: أسعاه على قولهم: سعى يسعى, لما كان مكانًا قد رُتِّب وقرر وزوى3 عن نظيره في غير هذا الموضع. فإن قلت: فهلا غيروا ما فاؤه واو كما غيروا ما لامه ياء فيما ذكرت, فقالوا: واعدني فووعدته أَوعُدُه, لما دخله من المعنى المتجدّد4. قيل: "فَعَل" مما فاؤه واو لا يأتي مضارعه أبدًا بالضمّ, إنما هو بالكسر, نحو: وجد يجد, ووزن يزن, وبابه, وما لامه ياء فقد5 يكون على يفعِل كيرمي ويقضي, وعلى يفعَل كيرعَى ويسعَى. فأمر الفاء إذا كانت واوًا في فَعَلَ أغلظ حكمًا من أمر اللام إذا كانت ياء. فاعرف ذلك فرقًا.

_ 1 ش: "منها" والضمير في "منهما" لصيفتيّ فعل ويفعل المضموم العين. 2 د، هـ: "هنا". 3 أي: نحى وأبعد. 4 د، هـ: "المجدد". 5 د، هـ: "قد".

باب في تدافع الظاهر

باب في تدافع الظاهر: هذا نحو من اللغة له انقسام. فمن ذلك استحسانهم لتركيب ما تباعدت مخارجه من الحروف, نحو: الهمزة مع النون, والحاء مع الباء, نحو: آن ونأى وحبَّ وبحّ، واستقباحهم1 لتركيب ما تقارب من الحروف؛ وذلك نحو: صس وسص وطث وثط. ثم إنا من بعد نراهم يؤثرون في الحرفين المتباعدين أن يقربوا أحدهما من صاحبه, ويدنوه إليه, وذلك نحو قولهم في سويق 2: صَوِيق، وفي مساليخ: مصاليخ, وفي السوق: الصوق، وفي اصتبر 3: اصطبر, وفي ازتان: ازدان, ونحو ذلك ما أُدْنِي فيه الصوتان أحدهما من الآخر مع ما قدمناه: من إيثارهم لتباعد الأصوات؛ إذ كان الصوت مع نقيضه أظهر منه مع قرينه4 ولصيقه؛ ولذلك كانت الكتابة بالسواد5 في السواد خفية, وكذلك سائر الألوان. والجواب عن ذلك أنهم قد علموا أنَّ إدغام الحرف في الحرف أخف عليهم من إظهار الحرفين, ألا ترى أن اللسان ينبو عنهما معًا نبوة واحدة, نحو قولك: شدَّ وقطَّع وسلَّم6؛ ولذلك ما حققت الهمزتان إذ كانتا عينين نحو: سآل ورآس, ولم تصحا في الكلمة الواحدة غير عينين, ألا ترى إلى قولهم: آمن وآدم وجاء وشاء7، ونحو ذلك. فلأجل8 هذا ما قال9 يونس في الإضافة إلى مُثَنَّى: مُثَنَّوِيّ

_ 1 انظر ص55 من الجزء الأول. 2 انظر في هذا وما بعده ص145 من هذا الجزء. 3 في ش، هـ: "استبر"، والصواب ما أثبت. 4 كذا في د، هـ، ج، وفي ش: "قريبه". 5 سقط في د، هـ. 6 في ش بعده: "كذلك". 7 في د، هـ: "ساء". والمراد اسم الفاعل من جاء وشاء وساء. 8 كذا في ش. وفي د، هـ: "ولأجل". 9 انظر الكتاب 2/ 29.

فأجرى المدغم مجرى الحرف الواحد, نحو: نون مَثْنَّى إذا قلت: مَثْنِوَيّ, قال الشاعر 1: حلفتُ يمينًا غير ذي مَثْنَوِيَّةٍ2 ولأجل ذلك كان من قال: "هم قالوا" فاستخفَّ بحذف الواو, ولم يقل في "هن قلن" إلّا بالإتمام. ولذلك كان الحرف المشدد إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد خُفِّفَ, كما يسكن المتحرك إذا وقع رويًّا فيه. فالمشدد نحو قوله 3: أصحوت اليوم أم شاقتك هِرّ ... ومن الحب جنونٌ مستعرْ فقابل براء "هرّ" راء "مستعرْ" وهي خفيفة أصلًا. وكذلك قوله 4: ففداء لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سوء وضر ما أقلّت قدمي إنهم ... نعم الساعون في الأمر المبر وأمثاله كثيرة. والمتحرك "نحو قول رؤبة "5: وقاتم الأعماق خاوي المخترق ونحو ذلك مما كان مفردًا محركًا فأسكنه تقييد الروي.

_ 1 سقط في ش، ج. وهو النابغة. 2 عجزه: ولا علم إلا حسن ظن بصاحب 3 أي: طرفة. وهو مطلع القصيدة. وهرّ: اسم امرأة. 4 أي: طرفة أيضًا في القصيدة السابقة، والأمر المبر: الغالب الذي يعجز الناس، وقوله: "قيس" في د، هـ: "عبس", والذي في الديوان الأول، وانظر 4/ 11. 5 كذا في د. وفي هـ: "في قول رؤبة"، وفي ش: "نحو قوله".

ومن ذلك أن تبنى مما عينه واو مثل فِعَّل فتصح العين للإدغام نحو: قِوَّل وقِوَّم، فتصح العين للتشديد، كما تصح للتحريك1 في نحو قولهم: عِوَض وحِوَل وطِوَل. فلما كان في إدغامهم الحرف في الحرف ما أريناه من استخفافهم إياه صار تقريبهم الحرف "من الحرف"2 ضربًا من التطاول إلى الإدغام. وإن لم يصلوا إلى ذلك, فقد حاولوه واشرأبوا نحوه, إلّا أنهم مع هذا لا يبلغون بالحرف المقرَّب من الآخر أن يصيروه إلى أن يكون من مخرجه لئلّا يحصلوا من ذلك بين أمرين كلاهما مكروه. أما أحدهما: فأن يدغموا مع بعد3 الأصلين وهذا بعيد. وأما الآخر: فأن يقربوه منه حتى يجعلوه من مخرجه, ثم لا يدغموه, وهذا كأنه انتكاث وتراجع؛ لأنه إذا بلغ من قربه إلى أن يصير من مخرجه وجب إدغامه, فإن لم يدغموه حرموه المطلب المروم4 فيه، ألا ترى أنك إذ قربت السين في سويق من القاف بأن تقلبها صادًا, فإنك لم تخرج السين من مخرجها, ولا بلغت بها مخرج القاف, فيلزم إدغامها فيها. فأنت إذًا قد رمت تقريب الإدغام المستخَفّ, لكنك لم تبلغ الغاية التي توجبه5 عليك, وتنوط أسبابه بك. وكذلك إذا قلت في اصتبر: اصطبر، فأنت6 قد قرَّبت التاء من الصاد بأن قلبتها إلى أختها في الإطباق7 والاستعلاء، والطاء8 مع ذلك من جملة مخرج التاء.

_ 1 في هـ: "للمتحرك" وفي د: " للمحرك". 2 ما بين القوسين سقط في د، هـ. 3 د، هـ: "أبعد". 4 كذا في هـ. وفي د: "المرموم" وفي ش: "الملزوم". 5 د، هـ: "توجه" والضمير المنصوب في "توجيه" للإدغام. 6 د، هـ: "فإنك". 7 كذا في د، هـ، ج. وفي ش "الطباق". 8 د، هـ فيهما زيادة بعد: "باقية".

وكذلك إذا قلت في مصدر: مزدر فأخلصت الصاد زايًا , قد قربتها من الدال بما في الزاي من الجهر, ولم تختلجها1 عن مخرج الصاد. وهذه2 أيضًا صورتك إذا أشممتها رائحة الزاي فقلت: مصدر3، هذا المعنى قصدت، إلا أنك لم تبلغ بالحرف غاية القلب الذي فعلته مع إخلاصها4 زايًا. فإن كان الحرفان جميعًا من مخرج واحد فسلكت هذه الطريق, فليس إلّا أن تقلب أحدهما إلى لفظ الآخر البتة, ثم تدغم لا غير. وذلك نحو: اطَّعن القوم, أبدلت تاء أطتعن طاء البتة, ثم أدغمتها فيها لا غير. وذلك أن الحروف إذا كانت5 من "مخرج واحد ضاقت مساحتها أن تدنى بالتقريب منها؛ لأنها إذا كانت معها"6 من مخرجها فهي الغاية في قربها, فإن زدت على ذلك شيئًا فإنما هو أن تخلص الحرف إلى لفظ أخيه البتة فتدغمه7 فيه لا محالة. فهذا وجه التقريب مع إيثارهم الإبعاد. ومن تدافع8 الظاهر ما تعلمه من إيثارهم الياء على الواو. وذلك لويت ليًّا, وطويت طيًّا, وسيد وهيّن "وطيّ"9 وأغريت10 ودانيت, واستقصيت, ثم إنهم مع ذلك قالوا: الفتوى والتقوى والثنوى, فأبدلوا الياء واوًا عن غير قوة علة أكثر من الاستحسان والملاينة.

_ 1 أي: لم تنتزعها وتجتذبها. 2 د، هـ: "هذا". 3 ينبغي أن يكتب فوق الصاد هنا زاي صغيرة إشارة إلى الإشمام, وانظر سر الفصاحة ص22. 4 د، هـ "إصلاحها". 5 د، هـ فيهما زيادة بعد: "معها". 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ. 7 في د، هـ: "وتدغمه". 8 د، هـ، ز: "تباعد تدافع". 9 سقط في د، هـ. 10 كذا في ج، وفي، هـ: "أعربت", وفي ش: "أغويت", وهو مصحَّف عمَّا أثبت، وأغربت لامها واو. وأصل المادة الغراء وهو يقيد اللصوق، فإذا قبل: أغرى بيتهم العداوة, أي: ألصقها بهم. والأشبه أن يكون: "أغزيت" الغزو.

والجواب عن هذا أيضًا أنهم -مع ما أرادوه من الفرق بين الاسم والصفة على ما قدمناه- أنهم1 أرادوا أن يعوضوا الواو من كثرة دخول الياء عليها. ومثله في التعويض لا الفرق قولهم 2: تقي، وتقواء3، ومضى على مضوائه4، وهذا أمر5 ممضوّ عليه. ونحوه في الإغراب قولهم: عوى الكلب عوة, وقياسه عيَّة. وقالوا في العلم للفرق بينه وبين الجنس: حَيْوة وأصله حيَّة, فأبدلوا الياء واوًا. وهذا -مع إيثارهم خص العلمِ بما ليس للجنس- إنما هو لما قدمنا ذكره: من تعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها. فلا ترينَّ من ذلك شيئًا ساذجًا عاريًا من غرض وصنعة. ومن ذلك استثقالهم المثلين, حتى قلبوا أحدهما في نحو: أمليت -وأصلها أمللت- وفيما حكاه أحمد بن يحيى -أخبرنا به أبو علي عنه- من قولهم: لا وربيك لا أفعل, يريدون: لا وربك لا أفعل. نعم, وقالوا6 في أشد من ذا: ينشب في المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء7

_ 1 أعيد "أنهم" توكيدًا لطول الفصل. 2 زيادة من د، هـ. 3 فالواو في تقواء أصلها الياء. إذ مادة الوقاية يائية اللام. 4 المضواء: التقدم. 5 د، هـ: "الأمر". 6 القائل واحد منهم، ونسب القول إليهم, أي: إلى العرب لاشتراكهم جميعًا في إمضائه. 7 قبله: يا لك من تمر ومن شيشاء والشيشاء من التمر: الشبص، وهو الذي لا يشتدّ نواه. والمسعل موضع السعال من الحلق، واللهاء أصله اللهي، واحدها لهاة, وهي اللحمة المشرفة على الحلق. والمآشر أصله المآشير جمع المئشار وهو المنشار وتراه يصف الثمر بأنه يعلق في الحلق لما فيه من اللين, وأنه ليس بيابس قحل. وانظر اللسان "حدد، وشيش"!

قالوا: يريد حداد1، فأبدل الحرف الثاني, وبينهما ألف حاجزة, ثم قال2 مع هذا: لقد تعللت على أيانق ... صهب قليلات القراد اللازق3 فجمعوا بين ثلاثة أمثال مصحَّحة, وقالوا: تصببت عرقًا. وقال العجاج: إذا حجاجا مقلتيها هججا4 وأجازوا في مثل فرزدق من رددت رَدَدّد, فجمعوا بين أربع دالات, وكرهوا أيضًا حنيفي, ثم جمعوا بين أربع ياءات فقال بعضهم: أمَيِّيّ5 وعَدِتِّيّ, وكرهوا أيضًا أربع ياءات بينهما6 حرف صحيح حتى حذفوا الثانية منها. وذلك قولهم في الإضافة إلى أُسَيّدٍ: أُسَيْديّ, ثم إنهم جمعوا بين خمس ياءات مفصولًا بينهما بالحرف الواحد, وذلك قولهم في الإضافة إلى مُهيتم7 مُهَيّيمِىّ. ولهذه الأشياء أخوات ونظائر كثيرة. والجواب عن كل فصل من هذا8 حاضر. أمَّا أمليت فلا إنكار لتخفيفه9 بإبداله.

_ 1 ج: "حدادًا". 2 كذا في د، هـ. وفي ش: "قالوا". 3 جاء هذا الرجز في اللسان "قرد" من غير عزو, وعقَّبه بقوله: "عني بالقراد الجنس؛ فلذلك أفرد نعتها وذكره. ومعنى (قليلات القراد" أن جلودها ملس لا يثبت عليها قراد، سمان ممتلئة". وانظر النوادر لأبي زيد 129. 4 الحجاج -بفتح الحاء وكسرها: منبت شعر الحاجب من العين, ويقال هجج البعير إذا غارت عينه من جوع أو عطش أو إعياء غير خلقة. وهذا في وصف ناقته وقبله: تعدو إذا ما بدنها تفضجا يقال: تفضح عرقًا: سال عرقه. يقول: إنها تعدو في حال الإعياء والكلال، حين عرفها وحين غثور حجاجي عينها: وانظر الديوان. 5 انظر ص72ج2 من الكتاب، وشرح الشافية للرضي 2/ 30. 6 أي: بين الياءين المشددتين اللتين مجموعها أربع ياءات. 7 هو تصغير مهوم، وهو وصف من هوم الرجل إذا نام. والياء الساكنة يعد ياء التصغير للتعويض من حذف إحدى الواوين. وانظر الكتاب 2/ 86، وشرح الشافية 2/ 34. 8 د، هـ. "هذه". 9 د، هـ: "في تخفيفه".

وأما "تعللت" و"هججا" ونحو ذلك مما اجتمعت فيه ثلاثة أمثال فخارج على أصله، وليس من حروف العلة, فيجب تغييره. والذي فعلوه في "أمليت" و"لا وربيك لا أفعل", و"أنشب من مآشر حداء" لم يكن واجبًا فيجب هذا أيضًا، وإنما غيِّر استحسانًا, فساغ ذلك1 فيه، ولم يكن موجبًا لتغيير كل ما اجتمعت فيه أمثال, ألا ترى أنهم لما قلبوا ياء طيء ألفًا في الإضافة فقالوا: طائي, لم يكن ذلك واجبًا في نظيره لما كان الأول مستحسنًا. وأما حنفيّ فإنهم لما حذفوا التاء شجَّعوا2 أيضًا على حذف الياء فقالوا: حنفي. وليس كذلك عديي وأمّييّ فيمن أجازهما، "ألا ترى"3 عديًّا لما جرى مجرى الصحيح في اعتقاب حركات الإعراب عليه -نحو: عديِّ وعديَّا وعدييِّ- جرى4 مجرى حنيف, فقالوا: عديِّيِّ كما قالوا: حنيفيّ. وكذلك أُمَيِّيّ أجروه مجرى نميريّ وعقيليّ. ومع هذا فليس أمّييّ وعدييّ بأكثر في كلامهم. وإنما يقولها بعضهم. وأما جمعهم في مهييمي بين خمس ياءات, وكراهيتهم في أسيدي أربعًا, فلأن الثانية من أسيديّ لما كانت متحركة وبعدها حرف متحرك قلقت, لذلك وجفت. ولما تبعتها في مهييميّ ياء المد لانت ونعمت. وذلك من شأن المدات. ولذلك استعملن في الأرداف والوصول والتأسيس والخروج، وفيهن يجري الصوت للغناء والحداء والترنم والتطويح. وبعد فإنهم إذا خفَّفوا في موضع وتركوا آخر في نحوه كان أمثل من ألا يخففوا في أحدهما, وكذلك جميع ما يرد عليك مما ظاهره ظاهر التدافع, يجب أن ترفق به ولا تعنف عليه ولا تسرع إلى إعطاء اليد بانتقاض بابه. والقياس القياس.

_ 1 سقط في د، هـ. 2 كذا في د، هـ، ج. وفي ش: "أجمعوا". 3 في ز: "الآن", وهو محرَّف عن "إلا أن". 4 د، هـ: "فجرى".

باب في التطوع بما لا يلزم

باب في التطوع بما لا يلزم: هذا أمر قد جاء في الشعر القديم والمولّد جميعًا مجيئًا واسعًا. وهو أن يلتزم الشاعر ما لا يجب عليه ليدل بذلك على غُزره1 وسعة ما عنده. فمن ذلك ما أنشده الأصمعي لبعض الرجاز: وحسدٍ أوشلت من حظاظها ... على أحاسي الغيظ واكتظاظها2 حتى ترى الجوّاظ من فظاظها ... مدلوليًّا بعد شدا أفظاظها3 وخُطَّةٍ لا روح كظاظها ... أنشطت عني عروتي شظاظها4 بعد احتكاء أربتي أشظاظها ... بعزمة جلت غشا إلظاظها5 بجك كرش الناب لافتظاظها6

_ 1 الغزر -بضم الغين وفتحها- الكثرة والغزارة. 2 جاء هذان للشطران في اللسان "حفظ"، و"كظظ". أوشل حظه: أقله وأخسه. والحفاظ واحده الحظ. والأحاسي كأنه جمع الحساء على غير قياس، وهو ما يشرب أو الشرب نفسه، والاكتظاظ من الكظة وهو الامتلاء من الطعام، ويقول ابن سيده كما في اللسان: "إنما أراد اكتظاظي عنها فحذف وأرسل، وهو يريد امتلاءه من الغمّ، ويريد بأحاسي الغيظ: تضمنه الغيظ منهم، الأنسب أن يكون احتساء الغبظ الاكتظاظ من الحد، والإضافة في "اكتظاظها" على وجهها، وانظر اللسان "حظظ، وكظظ، وحسا". 3 الجواظ، المتكبر الجافي. الفظاظ: الفظاظة. ويقال: اذلولي: ذلَّ وانكسر قلبه، والشدا بالدال المهملة، وفي اللسان بالذال المعجمة. والأول: الحد والبقية، والثاني: الحدة، وهو أيضًا الأذى. والأفظاظ واحده الفظ، وجاء الشطران في اللسان "فظظ". 4 الخطة: الخطب والأمر المهم. والروح: الراحة والنجاة من غمّ القلب، وأصله برد نسيم الريح، والكظاظ: الملازمة على الشدة، والشظاظ العود الذي يجعل في عروة الجوالق. وأنشط العقدة: حلها. يقول: إنه يحل بثاقب فكره وأصيل رأيه ما تعقَّد من الأمور وأشكل من الأحداث. وورد الشطران في اللسان "كظظ". 5 الأربة: العقدة. والإشظاظ مصدر قولك: أشظه: جعل فيه الشظاظ. واحتكاء الأربة أن يحكم شدها. والغشا جمع الغشوة وهو الغطاء، والإلظاظ: لزوم الشيء والمثابرة عليه. وورد الشطر الأول في اللسان "كظظ". 6 أفتظه: شق عنه الكرش أو عصره منها، والبج: الشق. وبج كرش الناب في المفارز عند الحاجه إلى الماء وورد هذا الشطر في اللسان "فظظ".

فالتزم في جميعها ما تراه من الظاء الأولى مع كون الرويّ ظاء, على عزة ذلك مفردًا من الظاء الأول, فكيف به إذا انضمَّ إليه ظاء قبله1. وقلَّما رأيت في قوة الشاعر مثل هذا. وأنشد الأصمعي أيضًا من مشطور السريع رائية طويلة التزم قائلها2 تصغير قوافيها في أكثر الأمر, إلا القليل النزر, وأولها: عزَّ على ليلى بذي سدَير ... سوء مبيتي ليلة الغُمير3 مقبضًا نفسي في طمير ... تجمع القنفذ في الحجير4 تنتهض الرعدة في ظهيري ... يهفو إلى الزور من صديري5 مثل هرير الهرّ للهرير ... ظمآن في ريح وفي مطير وأرز قرّ ليس بالقرير ... من لدما ظهر إلى سحير6 حتى بدت لي جبهة القمير ... لأربع غبرن من شهير7

_ 1 في ز: "الأولى" و"قبلها". 2 في العيني 3/ 429 على هامش الخزانة أن قائلها راجز من رجاز طيء. وهذه الأرجوزة اعندَّها المصنف من مشطور السريع. ويعدّها المتأخرون من مشطور الرجز, وقد جرى القطع في الجزء الأخير من الخبن. 3 ذو سدير: قرية لبني العنبر، والغمير: موضع بين ذات عرق والبسنان، وانظر معجم البلدان. 4 الطمير: مصغر الطمر، وهو الثوب البالي. وفي المثل السائر "النوع الرابع من المقالة الأولى" "طميري" والحجير مصغر الحجر. 5 "تنهض" كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "تنتقض". وما أثبت موافق لما في اللسان "نهض"، ولما في شواهد العيني على هامش الخزانة 3/ 429. والزور: أعلى الصدر أو وسطه، أو هو الصدر. والمناسب هنا أحد المعنيين الأولين. 6 الأرز: شدّة البرد. يقال: ليلة آرزة. وقد ورد الشطر الأول في اللسان "أرز"، والشطر الثاني ورد في اللسان, وفي شواهد العيني بعد الشطر السابق. تنتهض الرعدة في ظهيري هكذا: من لدن الظهر إلى العصير 7 "غبرن" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "خلون".

ثم غدوت غرضًا من فوري ... وقطقط البلة في شعيري1 يقذفني مور إلى ذي مور ... حتى إذا ورَّكت من أيبري2 سواد ضيفيه إلى القصير ... رأت شحوبي وبذاذ شوري3 وجردبت في سمل عفير ... راهبة تكنَّى بأم الخير4 جافية معوى ملاث الكور ... تتحزم فوق الثوب بالزنير5

_ 1 غرضًا أي: قلقًا. وفي د، هـ، ز: "حرصًا" وهو محرّف عن "حرضًا" وهو المريض، والقطقط: صغار البرد -بفتح الراء- وهو المطر المتفرق، وانظر اللسان "بلل" ففيه الشطر الأخير. 2 المور: الطريق. وقوله: "ذي مور" فكأنه "ذي" ملغاة في التقدير، وكأنه قال: إلى مور. وقوله: "أييرى" تصغير الأير، وهو الذكر. وقوله: "من أييري" كذا في اللسان, "ورك" إذ جاء هذا الشطر والشطران بعده. وفي نسخ الخصائص: "في أبيري". وورد في اللسان "ضوف" "أتير" وهو تصحيف, ويقال: ورك الشيء: جعله حيال وركه. 3 الضيف في الأصل: جانب الوادي، استعارة للذكر، وسواد الضيفين كأنه يريد شخص الذكر ومعظمه, وقد قرأها من نسخ من ش: "سواء" أي: وسط. وهو قريب من "سواد", فإن سواد الشيء شخصه ومعظمه, والقصير تصغير القصر, وهو مع القصرة لأصل العنق. وقد جمع القصرة وما حولها فأتى بلفظ الجمع. والبذاذ: سوء الحالة ورثاثتها. والشور: الزينة. وقوله: "شحوبي" كذا في ش واللسان، وفي د، هـ، ز: "شجوني". 4 جردبت: أي بخلت بالطعام. والجردبة في الطعام أن يستر ما بين يديه في الطعام بشمال لئلّا يتناوله غيره. والسمل: الخلق من الثياب. وعفير: كأنه تصغير أعفر, على تصغير الترخيم, أي: مصبوغ بصبغ بين البياض والحمرة. وانظر اللسان "عفر". 5 ورد الشطر الأول في اللسان "كور". والمعوي: مكان العي, وهو الليّ والعطف والثنى. يقال: عوى الشيء يعويه، والملاث كذلك من اللوث, يقال: كار العمامة لفهاولواها. وكأنه يصف غطاء رأسها، وأنها قلقه على رأسها, لفة جافية: غير رقيقة, والزنير لغة في الزنار. وهو ما يلبسه النصراني يشده في وسطه, وقد ورد الشطر وما بعده في اللسان "زنر".

تقسم أستيّا لها بنير ... وتضرب الناقوس وسط الدير1 قبل الدجاج وزقاء الطير ... قالت ترثِّي لي ويح غيري إني أراك هاربًا من جور ... من هذه السلطان قلت جير2 ما زلت في منكظة وسير ... لصبية أغيرهم بغير3 كلهم أمعط كالنغير ... وأرملاتٍ ينتظرن ميري4 قالت ألا أبشر بكل خير ... ودهنت وسرحت ضفيري5 وأدمت خبزي من صبير ... من صير مصرين أو البحير6 وبزييت نمس مرير ... وعدس قشّر من قشير7

_ 1 الأستي: الثوب المسدَّى. والنير: العلم في الثوب. وهو بكسر النون، وكأنَّ فتح النون للضرورة والخروج من عيب السناد. 2 "من جور" في اللسان "جير": "للجور", حيث ورد هذا البيت. والسلطان: قدرة الملك يذكر ويؤنث، كما هنا. وفي اللسان: "هدّة السلطان" والهدّ: الكسر والظلم. 3 ورد الشطران في اللسان "نكظ". والمنكظة: الجهد في السفر والشدة، و"أغيرهم" أي: أميرهم، والغير: هو المير أمي إحضار الميرة وهي الطعام يجلب. 4 الأمعط: من لا شعر على جسده. والنفير: طائر يشبه العصفور. 5 ورد الشطر الأخير في اللسان "ضفر". والضفير تصغر الضفر -بسكون الفاء- وهو خصلة الشعر. 6 ورد الشطران في اللسان "صير، ومضر", الصير: سمك مملوح يتخذ منه طعام، و"عصرين" ضبط بكسر الراء وفتح النون على صيغة الجمع، وكأنه أراد: مصر, فجمعها باعتبار تعدد أقالميها, فكأن كل إقليم منها مصر. وضبط أيضًا بالتثنية، وهذا هو الأقرب, ويراد البصرة والكوفة، وكان عليه أن يقول: المصرين، ولكن لم يتهأ له ذلك لضيق الوزن. وقوله: "أو البحير" فالأقرب أن يريد "البحرين", ويرى بعضهم أنه يريد البحر فصغَّره. 7 ورد الشطر الأول في اللسان "نمس"، والآخر فيه "فشا"، والنمس: الفاسد المتغير. وفي د، هـ، ز: "نمش" وهو تصحيف. وقوله: "قشر" كذا في ش. وفي ز، واللسان: "فشى" هو بمعناه.

وقبصات من فغى تمير ... وأتأرتني نظرة الشفير1 وجعلت تقذف بالحجير ... شطري وما شطري وما شطيري حتى إذا ما استنتفدت خبيري ... قامت إلى جنبي تمسّ أيري2 فزفَّ رألى واستطير طيري ... وقلت: حاجاتك عند غيري3 حُقِّرت ألا يوم قُدَّ سيري ... إذ أنا مثل الفلتان العير4 حمسًا ولا إضت كالنسير ... وحين أقعيت على قبيري5 أنتظر المحتوم من قديري ... كلا ومن منفعتي وخيري6 بكفه ومبدئي وحوري7 أفلا ترى إلى قلة غير المصغّر في قوافيها, وهذا أفخر ما فيها، وأدله على قوة قائلها، وأنه إنما لزم التصغير في أكثرها سباطة وطبعًا، لا تكلفًا وكرهًا؛ ألا ترى أنه

_ 1 القبصات جمع القبصة -وهو بضم القاف وفتحها: ما تناولته بأطراف أصابعك. والفغي: الرديء، وقد كتب في اللسان بالياء كما ترى. ويقال: أتأره بصره. أتبعه إياه. والشفير تصغير الشفر، وهو للعين ما نبت عليه الشعر. 2 ورد الشطر الأخير مع الشطر الأول من البيت التالي في اللسان "رأل". 3 الرأل: ولد النعام، وزفيفه: سرعته. ويقال: زفَّ رأله إذا فزع ونفر, يريد أن فيه وحشية كالرأل. ويقال: استطير الرجل: فزع، واستطير طيره: كناية عن فزعه. 4 "حقرت" يدعو عليها بالتحقير. وقوله: "ألا يوم قُدَّ سيري" أي: هلا كان ما تبغين مني ومراودتك إياي عن نفسي في شبابي وقوتي. والسير: واحد السيور، وهو ما يقدّ من الجلد، وقد سيره: قد يريد به أنه طليق غير مقيد, فقدَّ قطع قيده، أو يريد جدته بجدة سيره، والسير: الحمار الوحشي. والفلتان: الجريء، ويقال: فرس فلتان: نشيد حديد الفؤاد. 5 حمسًا, أي: شدة وقوة ونشاطًا. وهو راجع إلى قوله قبل: "إذ أنا مثل الفلتان". والنسير: تصغير النسر. 6 القدير تصغير القدر -بفتح الدال- وهو ما قدره الله وقضاء على العبد. 7 الحرر: الرجوع.

لو كان ذلك منه تجشمًا وصنعة لتحامي غير المصغَّر ليتمَّ له غرضه، ولا ينتقض عليه ما اعتزمه. وكذلك ما أنشده الأصمعي من قول الآخر: قالوا ارتحل فاخطب فقلت هلَّا ... إذ أنا روقاي معًا ما انفلاَ1 وإذ أؤل المشي ألْا ألَّا ... وإذ أنا أرى ثوب الصبا رفلاَ2 علي أحوي نديًّا مخضلّا ... حتى إذا ثوب الشباب ولَّى وانضمَّ بدن الشيخ واسمألَّا ... وانشنج العلباء فاقفعلّا3 مثل نضي السقم حين بلّا ... وحرّ صدر الشيخ حتى صلّا4 على حبيب بان إذ تولَّى ... غادر شغلًا شاغلًا وولَّى5 قلت تعلق فيلقًا هوجلّا ... عجاجة هجاجة6 تألَّى

_ 1 روقاي: قرناي, والانفلال: الائتلام, يريد: قوة الشباب واجتماع أسباب الحمية والأنفة، وضرب الروقن مثلًا لأنَّ الحيوان يدفع بهما. 2 أوّل المشي: أسرع فيه واهتز, ويقال: ثوب رفل: طويل. وأصل ذلك في الفرس الرفل، وهو الطويل الذيل. 3 البدن مصدر بدن, وبدن من بابي كرم ونصر إذا سمن. ويريد به هنا: الشحم الذي به يكون سمينًا، وانضمامه: تقبضه ونقصه، يريد هزاله. واسمألّ: ضمر. وانشنج: تقبض, والعلباء: عصب العتق. واقفعل: يبس من الكبر. وقد ورد الشطر الأول في اللسان في "بدن"، والشطر الأخير مع ما بعده في "نضا". 4 "نضي" كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بطيّ", والنضي: الذي أبلاه السفر. ويقال: بلّ من عرضه: شفى ونجا. وحر صدره: اشتدت حرارته وصلا الألف فيه للإطلاق، يقال: صل صليلًا: صوت. 5 كأنه يريد بالحبيب المولى الشباب. 6 الفيلق: الصخابة، والهوجل: المرأة الفاجرة، وشدده إجراء للوصل مجرى الوقف. والعجاجة: الصياحة. والهجاجة: الحمقاء، ويقال لذكر أيضًا، وهو الوارد في المعاجم، وتألَّى أصله تتألَّى, أي: تقسم. والمقسم عليه ما يأتي في البيت بعد. وقوله: "قلت تعلق" البيت جواب قوله قبل: "إذا ثوب الشباب ولّى" وورد البيت في اللسان في "فلق".

لأصبحنّ الأحقر الأذلَّا ... وأن أعلَّ الرغم علَّا علَّا1 فإن أقل يا ظبي حلَّا حلَّا ... تقلق وتعقد حبلها المنحلّا2 وحملقت حوليّ حتى احولَّا ... مأقان كرهان لها واقبلّا3 إذا أتت جارتها تفلَّى ... تريك أشغى قلحًا أفلّا4 مركَّبًا راو وله مثعلّا ... كأن كلبًا لثقًا مبتلّا5 وغلفة معطونة وجلّا ... أنداه يوم ماطر فطلّا6 وعلهبا من التيوس علّا ... يغل تحت الردن منها غلّا7 منتوفة الوجه كأن ملاّ ... يمل وجه العرس فيه ملاّ8 كأن صابًا آل حتى امطلّا ... تسفه وشبرما وخلّا9 إن حلَّ يومًا رحله محلّا ... حَمْوٌ لها أزجت إليه صِلّا10

_ 1 ورد الشطر الأخير في اللسان، وقال عقبه: "جعل الرغم بمنزلة الشراب, وإن كان الرغم عرضًا، كما قالوا: جرعته الذل. وعداه إلى مفعولين". 2 في ز: "يا طمر" بدل "يا ظبي" والطمر: الثوب البالي، ناداها بالظبي تهكمًا، وناداها بالطمر لبلائها وقدمها, و"حلّا" أي: تحللي مما عزمت عليه، يقال لمن أقسم على شيء: حلّا أي: تحلل من يمينك، وتقلق: تضجر، وعقد حبلها كأنها تريد الرحيل والانصراف عنه. 3 حملق إليه: نظر نظر شديدًا. والإقبيلال من القبل, وهو إقبال إحدى الحدقتين على الأخرى. وكرهان: مكروهان. وورد البيت في اللسان "كره". 4 أشغى وصف من الشغاء, وهو اختلاف نبتة الأسنان بالطول والقصر. والأفلّ: المتثلم المتكسر. 5 الراوول: السن الزائدة لا تنبت على نبتة الأضراس. والمثعل من الثعل, وهو دخول سن تحت أخرى. وورد الشطر الأول مع ما قبله في اللسان "رول". واللثق: المبتل النديّ. 6 الغلفة: عشبة تنفع في مائها الجلود فيزول ما عليها. والجل: كأنه يريد به ما تلبسه الدابة لتصان به. 7 العلهب: التيس من الظباء, والعلّ: الضخم من التيوس. ويغل يدخل, يقال: غله: أدخله. والردن: أصل الكم. رود الشطر الأول في اللسان "علل". 8 الملل: الرماد الحار الذي يحمي ليدفن فيه الخبز لينضج، ويقال: مل الشيء في الجمر، أدخله فيه. 9 آل: خثر، وامطلّ: امتد، وورد الشطر الأول في اللسان "مطل". والشبرم: نبات له حسب كالعدس. 10 حمو المرأة فريب زوجها؛ كأبيه وأخيه. وأزجت: ساقت. والعمل: الداهية، وأصله: الحية. يريد أنها آذنه أبلغ إيذاء.

وعقربًا تمتلّ ملًّا ملَّا ... ذاك وإن ذو رحمها استقلّا1 من عثرة ماتت جوى وسلّا ... أو كثر الشيء له أو قلّا قالت لقد أثرى فلا تملَّى ... وإن تقل يا ليته استبلّا من مرض أحرضه وبلّا ... تقل لأنفيه ولا تعلَّى2 تسر إن يلق البلاد فلّا ... مجروزة نفاسة وغلّا3 وإن وصلت الأقرب الأخلّا ... جنت جنونًا واستخفت4 قلّا وأجللت من ناقع أفكلّا ... إذا ظبي الكنسات انغلّا5 تحت الإران سلبته الظلّا ... وإن رأت صوت السباب علَّى6 سحابة ترعد أو قسطلّا ... أجت إليه عنقًا مثلّا7 أج الظلم رعته فانشلّا ... ترى لها رأسا وأي قندلّا8

_ 1 تمتل: تسرع, واستقلَّ من العثرة: نهض منها وارتفع. 2 هذا البيت والشطر الذي قبله في اللسان "علا", وتعلّ: ارتفع وبرأ من مرضه, وقوله: "لأنفيه" كأنها تريد: رغم لأنفيه، تدعو عليه بالذل. وأنفاه: منخراء، أي: جانبا الأنف. 3 الفلّ: الأرض الفقر. ويقال: أرض مجروزة. لا تثبت. والنفاسة: مصدر قولك: نفس -من باب فرخ- عليه الشيء: لم يره أهلًا له. وقوله: "إن يلق البلاد" في ز: "أن يلقي البلاد" وورد البيت في اللسان "حرز". 4 الأخل: المعدم المحتاج. والقل: الرعدة. 5 "أجللت" كذا في النسخ، وكأن الصواب: "جللت" أي: غشيت، والأفكل: الرعدة، وكأنه يريد بالناقع السم، وكأنّ الكلام على القلب, أي: جللت سمًّا من الأفكل الذي اعتراها، والكنسات جمع الكنس -بوزن الكتب- جمع الكناس، وهو ما يستكن فيه الوحش من الظباء والبقر. وأنغل دخل. ورد الشطر الأخير مع ما بعده في اللسان "كنس". 6 الإران: كناس الوحش. 7 القسطل: الغبار. وأجّ: أسرع في سيره، ومثلّا: سريعًا. 8 انشل مطاوع شله أي: طرده. والوأي: الشديد الخلق: والقندل: الضخم، وثقله للضرورة.

لو تنطح الكنادر العتلّا ... للكندر الزوازي الصملّا1 الصتم والشنظيرة المتلّا ... فمضت شئون رأسه وأفتلّا2 تقول لأبنيها إذا ما سلّا ... سليلة من سرق أو غلّا3 أو فجعا جيرتها فشلّا ... وسيقة فكرّشا وملّا4 أحسنتما الصنع فلا تشلّا ... لا تعدما أخرى ولا تكلّا5 يا ربِّ ربَّ الحج إذ أهلّا ... محرمه ملبيًا وصلَّى وحلّ حَبْلَى رحله إذ حلّا ... بالله قد أنضى وقد أكلّا وأنقب الأشعر والأظلّا ... من نافه قد انضوى واختلّا6 يحمل بلو سفر قد بلَّى ... أجلاده صيامه وألّا7

_ 1 الكنادر: الغليظ من حمر الوحش؛ والعتل: الصلب الشديد, والكندر: الغليظ أيضًا, والزوازي: القصير الغليظ. والصمل: الشديد الحلق العظيم. وقد ورد الشطر الأول مع الشطر الأخير من البيت التالي في اللسان "فلل". 2 الصتم: الضخم الشديد. والشنطيرة: البذيء السيئ الخلق. والمنثل: الشديد. وافتل: سلم وتكسر. والشئون: مجاري الدموع إلى العين. 3 اليسل: السرقة. والسليلة: مصغر السلة: وهي اسم السرقة، والغلول الخيانة. 4 الشل: الطرد. والوسيقة: القطعة من الإبل المجتمعة, فإذا سرقت ذهبت معًا. وكرشا: أي: طبخًا اللحم في الكرش، وملّا: وضعاه في الملة وهي الجمر الحار. وانظر اللسان "كرش" ففيه الشطران. 5 لا تشلّا: لا يصيبكما الشلل. 6 الأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعرات حوالي الحافر. والأظل: ما تحت منسم البعير. والنافه: البعير المعيي الكال. وانضوى: هزل، والوارد الثلاثي. واختلّ: هزل ونحف. وفي د، هـ، ز: "انطوى" في مكان "انضوى". 7 بلو السفر: الذي أبلاه السفر وأهزله. وأجلاده: شخصه, وبلاها الصوم: أهزلها. وقوله: "وألا يزال نضو غزوة" أي: بلاء أيضًا كثرة غزوه وجهاده في سبيل الله.

يزال نضو غزوة مملّا ... وصّال أرحام إذا ما ولَّى1 ذو رحم وصّله وبلّا ... سقاء رحم منه كان صلّا2 وينفق الأكثر والأقلّا ... من كسب ما طاب وما قد حلّا إذا الشحيح غلّ كفًّا غلّا ... بسط كفيه معًا وبلّا3 وحلّ زاد الرحل حلًّا حلّا ... يرقب قرن الشمس إذ تدلَّى حتى إذا ما حاجباها انفلَّا ... تحت الحجاب بادر المصلَّى4 أحذى القطيع الشارف الهبلّا ... فجال مخطوف الحشَى شملّا6 حتى إذا أوفى بلالًا بلّا ... بدمعه لحيته وانغلّا7 بها وفاض شرقًا فابتلّا ... جيب الرداء منه فارمعلّا8 وحفز الشأنين فاستهلَّّا ... كما رأيت الوشلين انهلّا9

_ 1 "نضو غزوة"، كذا في ش، وكتب في هامشها: "نقض", وكذا هو "نقض" في د، هـ، ز. والنقض: المهزول. 2 "وصله" الضمير المنصوب يعود على الرحم، والمعروف فيها التأنيث، وكأنه أراد بالرحم قرب النسب فذكر. يقول: إنه يبل سقاء الرحم بالصلة، وهذا استعارة، جعل للرحم سقاء وقرابة ووصف أن سقاء الرحم كان قد يبس حتى صوت من القطيعة. 3 ورد هذا البيت في اللسان "بسط". 4 "انغلّا تحت الحجاب" أي: دخلا تحته، يريد غروب الشمس. 5 الخل: الطريق في الرمل، وتسدّاه: علاه وركبه، ونضوه: بعيره المهزول. 6 القطيع: السوط. والشارف: المسنّ من النوق، والشمل: السريع. ويقال: أحذاه: أعطاه. أراد أنه ينحي على المطية بالسوط, فكأنه يعطيها إياه. 7 "بلالًا" يبدو أنه محرف من "ألالا" وألال: جبل بعرفات، يريد أنه وصل إلى عرفات، فهناك يبكي من ذنبه ويدعو الله سبحانه. 8 أرمعلّ: ابتلّ. 9 الشأنان: عرقان يخدران من الرأس إلى الحاجبين ثم إلى العينين, وقوله: "الشأنين" كذا في ش. وفي د، هـ، ز:"الشأنان", والوشل: الماء القليل يتحلّب من صخرة أوجبل يقطر قليلًا قليلًا.

حتى إذا حبل الدعاء انحلّا ... وانقاض زبرا جاله فابتلّا1 أثنى على الله علا وجلّا ... ثم انثنى من بعد ذا فصلَّى2 على النبي نهلًا وعلّا ... وعمّ في دعائه وخلّا3 ليس كمن فارق واستحلّا ... دماء أهل دينه وولَّى وجهته سوى الهدى مولَّى ... مجتنبًا كبرى الذنوب الجلّى مستغفرًا إذا أصاب القلَّى ... لما أتى المزدلفات صلَّى4 سبعًا تباعًا حلهن حلّا ... حتى إذا أنف الفجير جلَّى برقعه ولم يسرّ الجلّا ... هب إلى نضيه فعلَّى5 رحيله عليه فاستقلّا التزم اللام المشددة من أولها إلى آخرها؛ وقد "كان"6 يجوز له معها7 نحو: قبلًا ونخلًا، ومحلًا، فلم يأت به. ومثله ما رويناه لأبي العالية من قوله: إني امرؤ أصفي الخليل الخلّه ... أمنحه ودّي وأرعى إلَّه8 وأبغض الزيارة المملَّه ... وأقطع المهامه المضلَّه

_ 1 الزبر: طيّ البئر بالحجارة، والجال: جانب البئر، وانقاض: تصدَّع وتشقق كأنما الدموع كانت محجوزة فتصدع حجازها وحجابها, فانسكبت فابتل الرجل منها, وورد البيت في اللسان "زبر". 2 "انثنى" كذا في د، هـ، ز وفي ش: "ثنى", وقد ورد الشطر الأخير مع ما بعده في اللسان "علل". 3 خل في دعائه: خصص. وورد في اللسان "خلل" هذا البيت: قد عمّ في دعائه وخلّا ... وخطّ كانباه واستملّا 4 يريد بقوله: "صلى سبعًا": صلى العشاء وسنتها ووترها. 5 الجل -بالضم والفتح- ما تلبسه الدابة لتصان به، يريد أنه لا يزال بعض الضلام، فهو لم يلق جله كله حتى ينكشف ظهره. 6 سقط في ش 7 في د، هـ، ز: "فيها". 8 الخلة: الود والصداقة، والإل: الحلف والعهد.

لست بها لركبها تعلَّه ... إلّا نجاء الناجيات الجلّهْ1 على هبلِّ أو على هِبِلَّهْ ... ذات هباب جسرة شملّه2 ناجية في الخرق مشمعلّهْ ... تنسلُّ بعد العقب المكلّه3 مثل انسلال العضب من ذي الخلَّه ... وكاشح رقيت منه صلّه4 بالصفح عن هفوته والزلَّه ... حتى استللت ضغنه وغلّه5 وطامح ذي نخوة مدلّه ... حملته على شباة ألّه6 ولم أملَّ الشر حتى ملَّه ... وشنج الراحة مقفعلَّه7 ما إن تبضّ كفه ببلّه ... أفاد دثرًا بعد طول خلّه8 وصار ربَّ إبل وثلَّه ... لما ذممت دقه وجلّه9 تركته ترك ظبيٍّ ظلّه ... ومعشر صيد ذوي تجلّه ترى عليهم للندى أدلّه ... سماؤهم بالخير مستهلّه

_ 1 الجملة: المسانّ. واحدها جليل؛ كصبي وصبية. 2 الهباب: النشاط، والجمرة: الماضية. 3 الخرق: القفر والأرض الواسعة تتحرق فيها الرياح، والمشمعلة: النشيطة، والعقب: جمع العقبة، وهي النوبة، ويراد بها مسافة من السير. 4 العضب: السيف، وذو الخلة: الغمد. والخلة: بطانة يغشى بها الغمد. والكاشح: مضمر العداوة، وصله: حقده وبغضته، وأصل الصل للجية لا تنفع فيها الرقبة. 5 في د، هـ، ز: "امتألت" ولم يظهر وجهها. 6 الآلة: الحربة. وشباتها: حدّها. 7 شنج الراحة: منقبضها. وهذا كناية عن البخل. والانفعلال: البيس. و"مقفعلة" كأنه حال من الراحة أي: حال كونها مقفعلة، وقد يكون وصف "شنج الراحة", فالأصل: "مقفعلة" بهاء الضمير في آخره، وهو يعود على الراحة على تأويلها بمذكر كالعضوء. 8 البلة: الخير والرزق. والدثر: المال الكثير، والخلة: الحاجة. 9 الثلة: القطعة من الغنم.

أوفى بهم دهر على مزلّه ... ثم تلفّاهم بمصمئلّه1 فبدّلت كثرتهم بقلّه ... وأعقبت عزتهم بذلّه وغادروني بعدهم ذا غلَّه ... أبكيهم بعبرة منهلّه ثم صبرت واعتصمت بالله ... نفسًا بحمل العبء مستقلَّه2 ودول الأيام مضمحلّه ... يشعبها ما يشعب الجبلّه تتابع الأيام والأهلًّه وأنشدنا أبو علي: شلَّت يدًا قارية فرتها ... وفقئت عين التي أرتها3 مسك شبوب ثم وفَّرتها ... لو خافت النزع لأصغرتها4 فلزم التاء والراء، وليست واحدة منهما بلازمة. والقطعة هائية لسكون ما قبل الهاء, والساكن لا وصل له. ويجوز مع هذه القوافي ذرها5 ودعها. وأنشد ابن الأعرابي ليزيد بن الأعور الشنيّ وكان أكرى بعيرًا له, فحمل عليه محملان أوّل ما علمت المحامل. وهو7 قوله:

_ 1 المزلة -بفتح الزاي وكسرها- موضع الزلل: والمصمئلة: الداهية. 2 تقرأ "بالله" باختلاس فتحة اللام في لفظ الجلالة. 3 فرشها: قدرتها وعملها. وهو حديث عن دلو من جلد، وانظر اللسان "فرى". 4 الشبوب: الشاب من الثيران، ومسكه: جلده، ويقال: أصغر القربة: خرزها صغيرة، و"مسك شبوب" مفعول "أرتها" قبله. ويقال: "وفر المزاد إذا لم يقطع من أديمها فضلته, يدعو على المرأة التي أرت الخارزة مسك الشوب, فعملت منه الدلو التي يستقي بها: وينزع من البئر. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "خذها"، وهذا على أن الرويّ الهاء، وهذا مذهب المتقدمين، ويرى بعض العروضين أن الرويّ التاء، فلا يجوز حذفها ونحوه. وانظر مقدمة اللزوميات للمعري. 6 المحمل -بزنة مجلس ومقود- شقان على البعير، يركب في كل شقٍّ راكب يكون عديلًا للآخر. وقد عملت في زمن الحجاج الثقفي, ونسبت إليه. وانظر اللسان "حمل". 7 كذا في ش. وفي د، ز: "هي".

لما رأيت محمليه أنَّا ... مخدّرين كدت أن أجنَّا1 قرّبت مثل العلم المبنَّى ... لا فاني السنِّ وقد أسنَّا2 ضخم الملاط سبطًا عبنَّا ... يطرح بالطرف هُنَا وهَنّا3 وافتنَّ من شأو النشاط فنَّا ... يدقّ حنو القتب المحنَّى5 إذا علا صوَّانة أرنَّا ... يرمعها والجندل الأغنَّا6 ضخم الجفور سهبلًا رفنَّا ... وفي الهباب سدمًا معنَّى7 كأنما صريفه إذ طنَّا ... في الضالتين أخطبانٌ غنَّى8

_ 1 "أنا" من الأنين، يريد أنهما صوتًا, وجاء في آخر اللسان "هنا": "هنا" بدل "أنا", وهو ظرف في معنى "هنا", والمفعول الثاني على عدَّ هو "مخدرين". و"مخدرين" أي: عليهما حدور وستور. 2 العلم: القصر، والمبني: المبني, شبه بعيه بالقصر المبني, وقد أورد صاحب اللسان البيت في "بنى" وفسره. 3 يقال: جمل عين: ضخم، والملاط: الجنب. 4 المسحل والمثبَّى: ضربان من الحبال، فالمسحل: الحبل يفتل وحده، وكأن المثنى ما يفتل مرتين. 5 المحنَّى: وصف من حنى الشيء: حناه وعطفه. وورد الشطر الأخير والشرط الذي بعده في اللسان "حنى"، وحنوه: ما أعوج منه. 6 الصوّانة: ضرب من الحجارة شديد، وجمعه صوّان. وفي اللسان "حنا"، وز "صوانه". واليرمع: حجارة رخوة, وقد استعمل "أرن" متعدية، أي: جعل اليرمع والجندل يرن ويصبح. 7 الجفور: جمع جفرة -بضم الجيم- وهو جوف الصدر. وجفرة الفرس: وسطه، والمعروف جمع الجفرة على جفر وجفار. والسهيل: الجرئ. وفي: ز، "سجلّا" وهو الضخم. والرفن: الطويل الذيل، وهو مبدل من الرفل، والسدم: الهائج. والمعنى: الذي حبس ومنع الضراب، فهو أقوى له. 8 الضالتان: تتنيه الضالة، وهي ضرب من الشجر، والأخطبان: طائره, وقوله: "في الضالتين" متعلق بقوله: "عنى", ويقرب من هذا قول بشر في الأخطب: إذا أرقلت كأن أخطب ضالة ... على خدب الأنياب لم يتئلم وانظر التكملة للصاغاني "خدب".

مستحملًا أعرف قد تبنّى ... كالصدع الأعصم لما اقتنّا1 يقطع بعد الفيف مهوأنّا ... وهو حديد القلب ما ارفأنّا2 كأن شنًا هزِمًا وشنّا ... قعقعه مهزج تغنَّى3 تحت لبان لم يكن أدنَّا4 ألتزم النون المشددة في جميعها على ما تقدم ذكره. وقال آخر: إليك أشكو مشيها تدافيا ... مشي العجوز تنقل الأثافيا5 فالتزم الفاء وليست واجبة. وقال آخر: كأن فاها واللجام شاحيه ... جنوا غبيط سلس نواحيه6

_ 1 "مستحملًا أعرف" أي: حاملًا سنامًا، ويقال: سنام أعرف، أي: طويل ذو عرف، وتبنَّى: سمن، والصدع: الوعل الشاب القوي، والأعصم: ما في ذراعيه أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر. وانتن. انتصب على القنة، وهو افتعال منها, وجاء الشطر الأخير في اللسان "فتن". 2 الفيف: المكان المستوي, أو المفازة لا ماء فيها. والمهوان: ما اطمأنّ من الأرض واتسع. ورفأنّ: نفرتم وسكن وضعف واسترخى. 3 الشنّ: القرية الخلق الصغيرة. والهزم من قولهم: تهزم السقاء إذا يبس فتكسر، أو من قولهم: فرس هزم الصوت، يشبه صوته بصوت الشن. وذلك أنه إذا كان متشققًا كان له صوت. 4 اللبان: الصدر، وأدنّ وصف من الدنن، وهو انحناء في الظهر. 5 التدافي: شيء جاف: أو هو المشي في شق. 6 شاحيه: فاتحه. والغبيط: رجل يوضع على ظهر البعير.

التزم الألف والحاء والياء, وليست واحدة منهنَّ لازمة؛ لأنه قد يجوز مع هذه القوافي نحو:1 يحدوه ويقفوه, وما كان مثله. وأنشد أبو الحسن: ارفعن أذيال الحقيّ وأربعن ... مشي حييات كأن لم يفزعن2 إن تمنع اليوم نساء تمنعن فالتزم العين وليست بواجبة. وقال آخر: يا رُبَّ بكر بالرداقى واسج ... اضطره الليل إلى عواسج2 عواسج كالعجز النواسج التزم الواو والسين وليست واحدة منهما بلازمة. وقال آخر: أعينيّ ساء الله من كان سرّه ... بكاؤكما ومن يحبّ أذاكما4 ولو أن منظورًا وحبّة أسلما ... لنزع القذى لم يبرئا لي قذاكما التزم الذال والكاف, وقالوا: حبة, امرأة هويها رجل من الجن يقال له منظور، وكانت5 حبة لتطبب بما يعلمها منظور.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 "ارفعن" في د، هـ، ز: "رفعن". والحقي جمع الحقو. وهو هنا الإزار، وأصله الكشح؛ حيث يعقد الإزار، "تمنع" في د، هـ، ز: "يمنع", و"تمنعن" في الأصول السابقة: "يمنعن"، والرجز لغلام من بني جذيمة، وهو يسوق بأمه وأختين له, وقد هرب بهن من جيش خالد ابن الوليد حين أغار على بني جذيمة بعد فتح مكة. وانظر السيرة على هامش الروض 2/ 286. 3 البكر: الفتى من الإبل. والردافي: الحداة وأعوانهم، والواسج: وصف من الوسج، وهو ضرب من السير. والعواسج: جمع العوسجة وهي ضرب من الشجر، ووردت الأشطار الثلاثة في اللسان "عسج". 4 ورد البيتان في اللسان "حبب". 5 في د: هـ، ز: "فكانت".

وأنشد الأصمعيّ لغيلان الربعي: هل تعرف الدار بنعف الجرعاء ... بين رحا المثل وبين الميثاء1 كأنها باقي كتاب الإملاء ... غيَّرها بعذي مرّ الأنواء نوء الثريَّا أو ذراع الجوزاء ... قد اغتدى والطير فوق الأصواء2 مرتبئات فوق أعلى العلياء ... بمكرب الخلق سليم الأنقاء3 طرف تنقيناه خير الأفلاء ... لأمهاتٍ نسبت وآباء4 ثمَّت قاظ مرفها في إدناء ... مداخلًا في طولٍ وأغماء5 وفي الشعير والقضيم الأجباء ... وما أراد من ضروب الأشياء6 دون العيال وصغار الأبناء ... مقفى على الحي قصير الأظماء7

_ 1 نعف الجرها ورحا المثل والميثاء: مواضع. وفي ياقوت: أن رحا المثل موضع بنجد. 2 "أو ذراع" كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "وذراع": والذراع: نجم من نجوم الجوزاء. والأصواء: جمع الصوى، وهو جمع الصوّة، وهو حجر يكون علامة. وورد الشطران في اللسان "ذرع". 3 مرتبئات: وصف من ارتبأ إذا أشرف. ومكرب الخلق: شديد قوي. أراد به فرسًا يقال للحيوان الوثيق المفاصل: مكرب الخلق. والأنفاء من العظام: ذوات المخ، واحدها نقي، بكسر النون وسكون القاف، وورد الشطر الأول مع ما قبله في اللسان "ربأ". 4 الطرف: الكريم من الخبل. والأفلاء جمع الفلق، وهو المهر حين يفطم. 5 "قاظ" من القيظ، وفي ز: "قاظ" وهذا غير ظاهر هنا، فإن معنى "قاظ" مات, والطول: حبل طويل يشد في إحدى يدي الفرس ليرعى. والآغماء: واحدها الغمى، وهو ما يغطَّى به الفرس ليعرق فيضمر، وورد الشطر الأخير في اللسان "غما". 6 القضيم: شعير الدابة، والأجباء كأنه يريد المختار: ولم يظهر وجه هذه الكلمة. 7 المقفى: المكرم المؤثر، والأظماء: جمع الظلم، وهو ما بين الشربين أو ما بين الوردين، وقد ورد الشطر الأخير في اللسان "ظمأ".

أمسوا فقادوهنّ نحو الميطاء ... بمائتين بغلاء الغلاء1 أوفيته الزرع وفوق الإيفاء ... قد فزّعوا غلمانها بالإيصاء2 مخافة السبق وجدّ الأنباء ... فلحقت أكبادهم بالأحشاء باتت وباتوا كبلايا الأبلاء ... مطلنفئين عندها كالأطلاء3 لا تطعم العيون نوم الإغفاء ... حتى إذا شقّ بهيم الظلماء وساق ليلًا مرجحنّ الأثناء ... غبره مثل حداء الحداء4 وزقت الديك بصوت زقاء ... ثمت أجلين وفوق الإجلاء5

_ 1 الميطاء: الأرض المنخفضة. وهو هنا يصف حلبة الخيل، وقد كان الميطاء مضمارًا لها. وقوله: بمائتين" أي: بمائتي غلوة، وهي مقدار رمية سهم. والغلاء: أن يرفع يديه بالسهم يرميه ليبلغ أقصى الغاية، الغلا بعيد الغلوّ بالسهم. يريد أن المسافة التي أعدت لجري الخيل كانت مائتي غلوة. وورد الشطر الأول في اللسان "وطأ" والشطران فيه في "غلا". 2 "أوفينه الزرع" كذا في اللسان "وفي". وفي ش: "أوفيت الزرع" وفي ز: "أوفيت الدرع" وكأنَّ الزرع يراد به تربيته وإنياته والقيام عليه، ويبدو إن صح هذا أن هذا الشطر محله بعد قوله: "مقفى على الحيّ...." وأنه زحزح عن مكانه، وقوله: "قد فزعوا غلمانها بالإيصاء" أو إن أصحاب خبل السباق أوصوا الغلمان الموكلين بها أن يعنوا بها هذه الليلة ويعدوها للغد. وقوله: "فزعوا" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فزقوا", وهو من الفرق -بالتحريك- بمعنى "فزعوا"، وفي حديث أبي بكر -رضي الله عنه: أبا لله تفرقني. وانظر اللسان "فرق". 3 البلايا: جمع البلية, وهي الراحلة التي أعيت وصارت نضوا هالكًا. والأبلاء: جمع البلور وهي التي أبلاها للسفر وأهزلها. وكأنَّ الإضافة للمبالغة، كما يقال: عابد العابدين. وتطلق البلية أيضًا على الناقة التي كانت تعقل في الجاهلية عند قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت، كانوا يقولون: إن صاحبها يحشر عليها، ويقال: أطلنفأ لزق بالأرض, أو استلقى على ظهره. والأطلاء جمع الطلا، وهو الولد من ذوات الحف أو الظلف. وورد الشطران في اللسان "بلا". 4 أرجحنّ: مال. وليل مرجحن: ثقيل واسع. وغير الليل: آخره. 5 أنث فعل الديك على إرادة الدجاجة. وانظر اللسان "ديك".

مستويات كنعال الحذاء ... فهنّ يعبطن جديد البيداء1 ما لا يستوي عبطه بالرفاء ... يتبعن وقعًا عند رجع الأهواء2 بسلبات كمساحي البناء ... يتركن في متن أديم الصحراء3 مساحبًا مثل احتفار الكماء ... وأسهلوهنّ دقاق البطحاء4 يثرن من أكدارها بالدفعاء ... منتصبًا مثل حريق القصباء5 كأنها لما رآها الرآء ... وأنشرتهنّ علاة البيداء6 ورفع اللامع ثوب الإلواء ... عقبان دجن في ندى وأسداء7 كل أغرّ محكٍّ وغراء ... شادخة غرتها أو قرحاء8

_ 1 "يعبطن" كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يخبطن"، ويقال: عبط الأرض: حفر منها موضعها لم يحفر من قبل. 2 "ما لا يستوي عبطه بالرفاء" يريد: أنهن يحدثن في الأرض حفرًا وشفوقًا بعسر تسويتها. وقوله: "الأهواء" كأنه جمع الهيء، وهو صوت للزجر، كأنهم كانوا يزجرونها بذلك. وقد جاء هكذا في د، هـ، ز، وفي ش "الأهراء", ولم يظهر وجهها. وفي ط: عطه. 3 فرس سلب القوائم: طويلها. والمساحي: جمع المسحاة, وهي ما يسحى به الطين ويقشر ويجرف. 4 الكماء هنا: جاني الكمأة. وقوله: "وأسهلوهن دقاق البطحاء" أي: أسهلوا بهنَّ في دقاق البطحاء, أي: نزلوا بهنَّ السهل في ذلك, فحذف الحرف وأوصل. وانظر اللسان "سهل". 5 الدقعاء: التراب الدقيق. وقوله: "من أكدارها" كذا في ش. وفي ز: "أكدرها", ويريد بالمنتصب الغبار: المتماسك المجتمع. 6 ورد الشطر الأوّل في الجزء الأول من هذا الكتاب في ص281، وقد رسم فيه "الرواء" هكذا بصيغة الجمع، وجاء في اللسان "رأي" مضبوطًا بصيغة الفعال مبالغة الرائي، ففيه: "ورجل راء: كثير الرؤية، وأنشد هذا البيت. والعلاة: الصخر. وأنشرتهن: أظهرتهن ورفعتهن. 7 يقال: ألوى بثوبه إذا لمع به وأشار، فاللامع هو الذي يشير بثوبه، وهو يشير السباق. والسدي: ندى الرزع. 8 الأغرّ: الذي في جبيته غرة, أي: بياض. والمحك: الذي يلج في المدر. والغرة الشادخة: التي تتسع في الوجه وتسبل, والقرحاء تكون قدر الدرهم.

قد لحقت عصمتها بالأطباء ... من شدة الركض وخلج الأنساء1 كأنما صوت حفيف المعزاء ... معزول شذان حصاها الأقصاء2 صوت نشيش اللحم عند القلاء3 اطَّرد4 جميع قوافيها على جر واضعها إلّا "بيتًا واحدًا وهو"5 قوله: كأنها لما رآها الراء فإنه مرفوع الموضع, وفيه مع ذلك سر لطيف يرجعه إلى حكم المجرور بالتأويل. وذلك أن لمَّا مضافة إلى قوله: رآها الرآء, والفعل لذلك مجرور الموضع بإضافة الظرف الذي هو "لمّا" إليه, كما أن قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 6 الفعل الذي هو "جاءَ" في موضع جر بإضافة الظرف "الذي" هو إذا إليه. وإذا كان كذلك, وكان صاحب الجملة التي هي الفعل والفاعل إنما هو الفاعل, وإنما جيء بالفعل له ومن أجله, وكان أشرف جزءيها وأنبههما7, صارت الإضافة "كأنها"8 إليه, فكأن الفاعل لذلك في موضع جر, لا سيما وأنت لو لخَّصت الإضافة هنا وشرحتها لكان تقديرها: كأنها وقت رؤية الرآء لها. " فالرآء"9 إذًا مع الشرح مجرور لا محالة.

_ 1 "بالأطباء" كذا في اللسان "عصم" وفي ش، ج، هـ، ز، "بالأبطال" والأطباء: جمع الطبي، وهو لذوات الحافر كالتثدي للمرأة وكالضرع لغيرها. والعصمة: بياض في الذراع. والأنساء جمع النساء، وهو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين, ثم يمر بالعرقوب حتى يبلغ الحافر، وخلجها: جذبها. 2 "معزول" بدل من "المعزاء" وهو الأرض الصلبة، والشذان: المتفرق. والأقصاء جمع القاصي أو القصي، وهو وصف الحصى. 3 التشيش: صوت الغليان. 4 في د، هـ، ز: "يطرد". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز: وثبت في ش. 6 آية: 1، سورة النصر. 7 في ز: "أثبتهما". 8 في د، هـ، ز: "كأنما هي". 9 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز, وثبت في ش.

نعم، وقد ثبت أن الفعل مع الفاعل في كثير من الأحكام والأماكن كالشيء الواحد. وإذا كان الفعل مجرور الموضع, والفاعل معه كالجزء منه, دخل الفاعل منه في اعتقاد تلخيصه مجرورًا في اللفظ موضعه, كما أنّ النون من إذن لما كانت بعض حرف جرى عليها ما يجري على الحرف المفرد من إبداله في الوقف ألفًا, وذلك قولهم: لأقومنَّ إذًا كما تقول: ضربت زيدًا, ومع النون الخفيفة للواحد: إضربًا. فكما أجريت على بعض الحرف ما يجري على جميعه من القلب كذلك أجريت على بعض الفعل -وهو الفاعل- ما يجري على جميعه من الحكم. ومما أجري فيه بعض الحرف مجرى جميعه قوله 1: فبات متصبًا وما تكردسا2 فأُجري "منتصبًا"3 مجرى فخذ, فأسكن ثانيه, وعليه حكاية الكتاب 4: أراك منتفخًا, ونحو من قوله: "لما رآها الرآء" في توهم جر الفاعل قول5 طرفة: وسديف حين هاج الصنبر كأنه أراد: الصنبر, ثم تصور معنى الإضافة, فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنّبر ثم نقل الكسرة على حدّ مررت ببكر, وأجرى صنَبِر من الصنّبر مجرى بكر على قوله: أراك منتفخًا.

_ 1 أي: العجاج. وانظر شرح شواهد الشافية 32. 2 بعده: إذا أحس نبأة توجسًا وقوله: "منتصبًا" كذا في اللسان "نصب", وفيه في كردس ونصص: "منتصًا" وهو وصف من انتص, أي: استوى واستقام، وهو في وصف ثور وحشي. 3 كذا في ز، ج. وفي ش: "منتصها". 4 انظر الكتاب 2/ 258. 5 انظر ص282 من الجزء الأول من هذا الكتاب.

وأعلى من هذا أن مجيء هذا البيت في هذه القصيدة مخالفًا لجميع أبياتها يدل على قوة شاعرها وشرف صناعته1، وأن ما وجد من تتالي قوافيها على جرِّ مواضعها ليس شيئًا سعى فيه, ولا أكره طبعه عليه, وإنما هو مذهب قاده إليه علوّ طبقته2، وجوهر فصاحته. وعلى ذلك ما أنشدناه أبو بكر3 محمد بن علي عن أبي إسحاق لعبيد4 من قوله: يا خليليّ أربعًا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الحلال5 مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمال6 ولقد يفنى به جيرانك ال ... ممسكو منك بأسباب الوصال7 ثم أودى ودّهم إذ أزمعوا ال ... بين والأيام حال بعد حال8 فانصرف عنهم بعنس كالوأي ال ... جاب ذي العانة أو شاة الرمال9

_ 1 في ج: "صناعتها". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "طبيعته". 3 يبدو أنه مبرمان شارح الكتاب، أخذ عن أبي إسحق الزجاج، وأخذ عن السيرافي والفارسي، ولا بعد أن يأخذ عنه ابن جني. وانظر ترجمته في البغية 74. 4 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش. وهو عبيد بن الأبرص. 5 الحلال جمع الحلة -بكسر الحاء- وهي جماعة البيوت، أو مائة بيت. 6 السحق: الليالي. يريد أن المنزل درس وصار كالبرد البالي، وعفى: محا. وتأويب الشمال: رجوعها وتردد هبوبها. 7 "الممسكو" أصله الممسكون، فحذف النون لطول الاسم. 8 "أودى ردهم": انقطع. وأصل ذلك في الهلاك. ورواية الديوان: "كدى ردهم" وهو بهذا المعنى، يقال: أكدى إذا انقطع. وأصل ذلك أن يقال:! ندى الحفر إذا حفر, فبلغ الكدي -وهي الصخور- فانقطع عن الحفر، وقوله: "إذا أزمعوا" في الديوان: "أن أومعوا". 9 وردَّ هذا البيت في الديوان هكذا: فاسل عنهم بأمون كالوأي ال ... جاب ذي العانة أو تيس الرمال والعنس: النافه الصلبة، والأمون: الناقة الوثيقة الخلق التي لا يخاف عليها الإعياء، والوأي: الحمار الوحشي، والعانة: القطيع من حمر الوحش، وشاة الرمال يريد به هنا الثور الوحشي. والتيس هنا الذكر من الظباء.

نحن قدنا من أهاضيب الملا ال ... خيل في الأرسان أمثال السعالي1 شزّبًا يعسفن من مجهولة ال ... أرض وعثًا من سهول أو رمال2 فانتجعنا الحارث الأعرج في ... جحفل كالليل خطّار العوالي3 يوم غادرنا عديًّا بالقنا الذ ... بل السمر صريعًا في المجال4 ثم عجناهنّ خوصًا كالقطا ال ... قاربات الماء من أين الكلال5

_ 1 الأهاضيب: جمع الأهضوية، وهي كالهضب الجبل الطويل المنبسط، والملا: موضع في أرض كلب وآخر في ديار طيء، والسعالي: جمع السعلاة وهي نثى الغول. شبه الخيل بهنَّ من النشاط والمرح, وقد ورد البيت في اللسان "هضب". 2 الشزب: جمع الشازب، وهو اليابس الضامر. "وعثًا" ضبط في ش -بضم الواو، وهي جمع الوعث -بفتح الواو، وهو المكان السهل اللين الذي تغيب فيه قوائم الإبل، و"يعسفن" فالعسف الأخذ على غير الطريق المألوف، وفي د، هـ، ز: "يغشين" في مكان "يعسفن", هو كذلك في الديوان. وقوله: "من مجهولة الأرض" أي: من الأرض، وهي التي لا يهتدي فيها. وفي د، هـ، ز: "مجهولة الأرض". وقوله: "أو رمال" في الديوان: "وجبال". 3 "فانتجعنا" في ابن الشجر، "فانتجعن" يريد الخيل. والحارث الأعرج: من الغسانين ملوك الشام. وفي الشرح أنه جدّ امرئ. القيس. وهذا أظهر، فإن العداوة بين أسرة امرئ القيس الكندية وبني أسد أسرة عبيد معروفة. وهذا يوافق ما سيأت أن عديًّا من كندة. والعوالي: الرماح "وخطارها" مضطربها. وجاء البيت في اللسان "نجع". 4 سقط هذا البيت في ش، وعديّ هو ابن أخت الحارث، قتل يومئذ، وقيل: هو رجل من كندة. وقوله: "صريعًا" كذا في الديوان وابن الشجري. وفي د، هـ، ز: "سريعًا", ويبدو أنه تحريف عمَّا في الديوان. 5 عاج الحيوان: عطفه بالزمام. والخوص: من الخوص، وهو غثور العينين. والفاريات: من القريب، وهو سير الليل لورد الغد. والأين: الإعياء، وقوله: "القاربات الماء" كذا في نسخ الخصائص. وفي الديوام: "القارب المنهل" يريد تشبيه الخليل بالقطا في السرعة.

نحو قوص يوم جالت حوله ال ... خيل قبًّا عن يمين أو شمال1 كم رئيس يقدم الألف على السا ... بح الأجرد ذي العقب الطوال2 قد أباحت جمعه أسيافنا ال ... بيض في الروعة من حيٍّ حلال3 ولنا دار ورثناها عن ال ... أقدم القدموس من عمّ وخال4 منزل دمّنه آباؤنا ال ... مورثونا المجد في أولَى الليالي5 ما لنا فيها حصون غير ما ال ... مقربات الخيل تعدو بالرجال6

_ 1 "قوص" كذا في ش, وهو يوافق ما في الخزانة، ويقول صاحبها: "وقوله: نحو قوص -بالضم- موضع". وفي د، هـ، ز: "فرس". وفي الديوان، وابن الشجري: "فرص. وكأنه الأشبه بالصواب. وفي ياقوت أنه تل بأرض غسَّان، وفسر به هذا البيت، وفي هامش ابن الشجري أنه رجل من غسان، أو من كندة أو من بني عامر بن صعصعة. وقب وصف من القبب، وهو دقة الحصر وضمور البطن. 2 السابح: الفرس الحسن الجري، والأجرد: القصير الشعر. وفي ش، والديوان: الأجود، وكذا في الخزانة وإن كان صاحبها في شرح القصيدة شرح الأجرد ولم يعرض للأجود. والظاهر أن هذا تحريف عمَّا أثبت. وقد يذهب الوهم إلى أنه أفعل للجواد وإن لم يعرف هذا, والعقب: الجري بعد الجري الأول, وهو العدو الثاني. 3 أباحت جمعه أسيافنا، أي: تمكنا من نهيهم والعلوّ عليهم بالقتل وغيره، وقوله: "في الروعة" أي: هذا الرئيس الذي استبحنا جمعه كان فيما يروع ويعجب من حبه وقومه, والروعة مصدر قولك: راعني الشيء: أعجبني. ويقال: حي حلال أي: كثير, أو نازلون في بيوت مجتمعة. 4 القدوس: القديم، وهو هنا مبالغة القديم. ويريد بيت مجدهم وشرفهم، وفي الديوان البيت هكذا: ولنا دار ورثنا عزها ال ... أقدم القدموس عن عمٍّ وخال 5 يقال: دمن القول المنزل: سؤدوه, وأثروا فيه بالدن -بكسر فسكون- وهو البعر. وفي ش: "منزل في دمنة آباؤنا ... " أي: منزل في موضع الدمنة وآثار العمران والإقامة، وقوله: آباؤنا على هذا بدل من "منزل". 6 في الديوان بعد المقربات: "الجرد تردي بالرجال", والمقربات: التي أعدت للركوب فكانت قريبة، "وتردي": ترجم الأرض بحوافرها وتعدو.

في روابي عدمليّ شامخ ال ... أنف فيه إرث مجدٍ وجمال1 فاتَّبعنا ذات أولانا الألى ال ... موقدي الحرب وموفٍ بالحبال2 فقاد القصيدة كلها، على أن آخر مصراع كل بيت منها منتهٍ إلى لام التعريف، غير بيت واحد؛ وهو قوله: فانتجعنا الحارث الأعرج في فصار هذا البيت الذي نقض القصيدة أن تمضي على ترتيب واحد هو أفخر ما فيها, وذلك أنه دلَّ على أن هذا الشاعر إنما تساند إلى ما في طبعه ولم يتجشَّم إلّا ما في نهضته ووسعه من غير اغتصاب له ولا استكراه أجاءه إليه؛ إذ لو كان ذلك على خلاف ما حدَّدْناه, وأنه إنما صنع الشعر صنعًا, وقابله بها ترتيبًا ووضعًا؛ لكان قمنا ألا ينقض ذلك كله3 بيت واحد يوهيه ويقدح فيه. وهذا واضح. وأما قول الآخر: قد جعل النعاس يغرنديني ... أدفعه عني ويسرنديني4 فلك فيه وجهان: إن شئت جعلت رويَّه النون؛ وهو الوجه. وإن شئت الياء، وليس بالوجه. وإن أنت جعلت النون هي الروي فقد التزم الشاعر فيها أربعة أحرف غير واجبة, وهي الراء والنون والدال والياء. " ألا ترى أنه يجوز معها يعطيني

_ 1 الروابي: جمع الرابية، وهي ما علا من الأرض. العدملي: القديم. يصف بيت شرفه ومجده. 2 "ذات أولانا" كلمة "ذات" صلة، وهذا من إضافة الملغي إلى المعتبر، أي: اتبعنا أولانا, أي: قبيلنا الأول، والألى أصله الأول، فجرى في الكلمة قلب مكاني. وقوله: "وموف بالحيال" فالمراد: ومنهم موف. والحبال. العهود. 3 سقط هذا في ش. 4 الآغر نداء والآسر نداء: العلو والغلبة. وورد الرجز في اللسان في "سرد"، "غرند" من غير عزو.

ويرضيني ويدعوني ويغزوني"1؛ ألا ترى أنك إذا جعلت الياء هي الروي فقد زالت الياء أن تكون ردفًا لبعدها عن الروي. نعم وكذلك لما كانت النون رويًّا كانت الياء غير لازمة. وإن أنت جعلت الياء الروي فقد التزم فيه خمسة أحرف غير لازمة, وهي الراء والنون والدال والياء والنون؛ لأن الواو يجوز معها "ألا ترى أنه يجوز معها"1 في القولين جميعًا يغزوني ويدعوني. ومما يسأل عنه من هذا النحو قول الثقفي يزيد بن الحكم: وكم منزل لولاي طحت كما هوى بها ... بأجرامه من قلّة النيق منهو2 التزم الواو والياء فيها كلّها. والجواب أنها واوية لأمرين: أحدهما أنك إذا جعلتها واويَّة كانت مطلقة, ولو جعلتها يائية كانت مقيدة، والشعر المطلق أضعاف المقيد، والحمل3 إنما يجب أن يكون على4 الأكثر لا على الأقل. والآخر أنه قد التزم الواو, فإن جعلت القصيدة واويَّة فقد التزم واجبًا, وإن جعلتها يائية فقد التزم غير واجب, واعتبرنا هذه اللغة وأحكامها ومقاييسها, فإذا الملتزم أكثره واجب "وأقله غير واجب"5 والحمل على الأكثر دون الأقل. فإن قلت: فإن هذه القلّة أفخر من الكثرة, ألا ترى أنها دالة على قوة الشاعر. وإذا كانت أنبه وأشرف كان الأخذ يجب أن يكون بها, ولم يحسن العدول عنها مع القدرة عليها. وكما أن الحمل على الأكثر, فكذلك يجب أن يكون الحمل على الأقوى أولى من الحمل على الأدنى.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 تقدم شيء منها في ص107 من هذا الجزء. 3 كذا في د، هـ،، ز. وفي ش: "المحمل" وهو مصدر ميمي بمعنى الحمل. 4 سقط في ش. 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

قيل: كيف تصرَّفت الحال فينبغي أن يعمل1 على الأكثر لا على الأقل, وإن كان الأقل أقوى قياسًا, ألا ترى إلى2 قوة قياس قول بني تميم في "ما ", وأنها ينبغي أن تكون غير عاملة3 في أقوى القياسين عن سيبويه. ومع ذا فأكثر المسموع عنهم إنما هو لغة أهل الحجاز, وبها نزل القرآن. وذلك "أننا بكلامهم ننطق"4, فينبغي أن يكون على ما استكثروا5 منه يحمل. هذا هو "قياس مذهبهم" وطريق اقتفائهم. ووجدت أكثر قافية رؤبة مجرورة الموضع. وإذا تأملت ذلك وجدته, أعني: قوله: وقاتم الأعماق خاوي المخترق وقد التزم العجاج في رائيته: قد جبر الدين إلاله فجبر وذلك أنه التزم الفتح قبل رويّها البتة. ولَعَمْري إن هذا مشروط في القوافي, غير أنك قلَّمَا تجد قافية مقيدة إلّا وأتت الحركات قبل رويها مختلفة, وإنما المستحسن من هذه الرائية سلامتها, مما لا يكاد يسلم منه غيرها. فإن6 كانت المقيدة مؤسسة ازداد اختلاف الحركات قبل رويّها قبحًا. وذلك أنه ينضاف إلى قبح اختلافه أن هناك

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "يحمل". 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "أن". 3 في ش: "هي". وما أثبت في د، هـ، ز. 4 كذا في ش. وفي ج، هـ، ز: "أنك إنما بكلامهم تنطق". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "القياس في مذهبهم". 6 كذا في ش، وفي ج، هـ، ز: "وإن".

تأسيسًا؛ ألا ترى أنه يقبح اختلاف الإشباع1 إذا كان الروي مطلقًا نحو قوله 2: فالفوارع مع قوله: فالتدافع2. فما ظنّك إذا كان الروي مقيدًا, وقد أحكمنا هذا في كتابنا المعرب3 في شرح قوافي أبي الحسن. وقد قال هميان بن قحافة 4: لما رأتني أم عمرو صدفت ... قد بلغت بي ذرأة فألحفت5 وهامة كأنها قد نُتِفْت ... وانعاجت الأحناء حتى احلنقفت6 وهي تسعة وثلاثون بيتًا التزم في جميعها الفاء وليست واجبة, وإن كانت قريبةً من صورة7 الوجوب. وذلك أن هذه التاء في الفعل إذا صارت إلى الاسم صارت في الوقف هاء في قولك: صادفة وملحفة ومحلنقفة "فإذا صارت هاء"8 لم يكن الروي إلّا ما قبلها, فكأنها لما سقط حكمها مع الاسم من ذلك الفعل

_ 1 هو حركة الدخيل, وهو الحرف الذي يسبق الروي بعد التأسيس. 2 أي: النابغة الذبياني, وقوله: "فالفوارع" يريد قوله في مطلع القصيدة: عفا ذو حسا من فرتني فالقوارع ... فجنبًا أريك فالتلاع الدوافع وقوله: "التدافع" يريد قوله في البيت الثاني والعشرين: بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزون ألالا سيرهنّ التدافع وترى أن الجزء الاول: "فالقوارع" ليس في الضرب, بل في العروض, فلا يدخل في التقفية، غير أن البيت مصرع، فآخر العروض كأنه آخر الضرب. 3 في ش "المعروف" وانظر ص68 من مقدمة هذا الكتاب. 4 نسب الرجز هنا إلى هميان، وفي اللسان: "باع" نسب إلى حسان، ويبدو أنه محرَّف عن هميان. وكتب "بلغت" وصوابه: "بلغت" بالعين المهملة وشد اللام، يقال: بلّع فيه السيب تبليعًا: بدأ وظهر. وفي اللسان بعد إيراد البيت الأول: "فإنما عدّاه بقوله: بي لأنه في معنى: قد ألمت, أو أراد: في: فوضع "بي" مكانها للوزن حين لم يستقم له أن يقول: "في". 5 ذرأة أي: شيب. 6 الأحناء: الجوانب، واحلتقف الشيء: أفرط اعوجاجه. 7 كذا في ش، ج. وفي د، هـ، ز: "صور". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

صارت في الفعل نفسه قريبة من ذلك الحكم, وهذا الموضع لقطرب, وهو جيد. ومن ذلك تائية كثيِّر: خليلي هذا ربع عزة فاعقلا1 لزم2 في جميعها اللام والتاء. ومنه قول منظور 3: من لي من هجران ليلى من لي لزم اللام المشدد إلى آخرها. وفي المحدثين من يسلك هذا الطريق وينبغي أن يكونوا إليه أقرب وبه أحجى؛ إذ كانوا في صنعة الشعر أرحب ذراعًا وأوسع خناقًا؛ لأنهم فيه متأنون وعليه متلومون4، وليسوا بمرتجليه ولا مستكرهين فيه. وقد كان ابن الرومي رام ذلك لسعة حفظه وشدة مأخذه. فمن ذلك رائيته في وصف العنب وهي قوله: ورازقيّ مُخْطَفِ الخصور ... كأنه مخازن البلور

_ 1 عجزه: قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت وهو مطلع قصيدة غزلية عدتها 42 بيتًا في الديوان 1/ 36، وفي الأمالي 2/ 109. 2 في الخزانة 2/ 387 في الحديث عن هذه التائية: "والتزم فيها ما لا يلزم الشارع -وذلك اللام قبل حرف الروي- اقتدارًا في الكلام وقوة في الصناعة. وما حرم ذلك إلّا في بيت واحد، وهو: فما أنصفت أما النساء فبغضت ... إلي وأما بالنوال فضنَّت 3 يريد منظور بن مرثد الأسدي, وبعد الشطر الشاهد: والحبل من حبالها المنحل انظر شرح الشافية للبغدادي 248. 4 التلوم على الأمر: التمكث فيه والانتظار. 5 الرازق: ضرب من عنب الطائف أبيض طويل الحب، ومخطف الحضور: ضامرها. انظر الديوان تحقيق د. حسين نصار 3/ 987 "المصحح".

التزم فيها الواو البتَّة ولم يجاوزها غالبًا1. وكذلك تائيته 2: أترفتها وخطرقتها وسفسفتها, التزم فيها الفاء وليست بواجبة, وكذلك ميميته التي يرثي بها أمه: أفيضا دَمًا إن الرزايا لها قيَم2 أوجب على نفسه الفتحة قبل الميم على حدّ رائية العجاج: قد جبر الدين الإله فجبر غير أنِّي أظن أن4 في هذه الميمية بيتًا ليس من قبل رويّه مفتوحًا5. وأنشدني مرة بعض أحداثنا شيئًا سماه شعرًا على رسم للمولدين6 في مثله، غير أنه عندي أنا قوافٍ منسوقة غير7 محشوة في معنى قول سلم الخاسر 8: موسى القمر غيث بكر ثم انهمر وقول الآخر 9: طيف ألم بذي سلم يسري العتم10 بين الخيم "جاد بفم"11

_ 1 كذا في ش وفي د، هـ، ز: "بالياء". 2 هذه التائية في مدح إسماعيل بن بلبل. ويوجد فيها "سفسفتها", وكأن "خطرقتها" محرفة عن "تطرقتها" وهو أترفتها" محرّفة عن "طرفتها". انظر الديوان 1/ 359 "المصحح". 3 عجزه: فليس كثيرًا أن تجود لها بدم انظر الديوان 6/ 2299 "المصحح". 4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 5 انظر القصيدة رقم 1212 بالديوان الجزء السادس من ص229 إلى ص312، "المصحح". 6 في د، هـ، ز: "المولدين". والزجاج لا يأبى تسمية هذا شعرًا، ويجعله من الرجز. ويجعله الأخفش والخليل وغيرهما سجعًا. وانظر الدماميني على الخزرجية والدمئهوري على الكافي في مبحث الرجز. 7 سقط في اللفظ في د، هـ، ز. 8 من شعراء الدولة العباسية, وهو في هذا الشعر يمدح موسى الهادي, وانظر معجم الأدباء "الحلبي" 11/ 240، والعمدة "باب في الرجز والقصيدة، في الجزء الأول". 9 في العمدة في الموطن السابق أن هذا الشعر ينسب -فيما يظن- إلى علي بن يحيى أو يحيى بن علي المنجم. 10 أصله العتمة، وهي ظلام الليل، فحذف التاء وفي رواية اللسان "عتم": "يسري عتم" وجوز في عتم أن يكون كما ذكرت محذوف التاء فيكون ظرفًا، وأن يكون المراد به البطء, أي: يسري بطيئًا فيكون حالًا. وانظر اللسان في الموطن المذكور. 11 سقط هذا الشطر في د، هـ، ز.

وقول الآخر1: قالت حيل شؤم الغزل هذا الرجل حين احتفل أهدى بصل2 والقوافي المنسوقة التي أنشدنيها صاحبنا هذا ميمية في وزن قوله: طيف ألم, لا يحضرني الآن حفظها غير أنه التزم فيها الفتحة البتة إلّا قافية واحدة وهو3 قوله: فاسلم ودم، ورأيته قلقًا لاضطراره إلى مخالفة بقية القوافي بها4 فقلت له: لا عليك فلك أن تقول: فاسلم ودم، أمرًا من قولهم 5: دام يدام، وهي لغة، قال: يا مي لا غرو ولا ملامًا ... في الحب إن الحب لن يداما6 فسر بذلك وقال: أسير بها إلى بلدي. وأفضينا إلى هذا القدر لاتصاله بما كنا عليه، قال 7: وعند سعيد غير أن لم أبح به ... ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر وأكثر هذه الالتزامات في الشعر؛ لأنه يخطر على نفسه ما تبيحه الصنعة إياه إدلالًا وتغطرفًا واقتدارًا وتعاليًا, وهو كثير. وفيما أوردناه منه كافٍ.

_ 1 هو عبد الصمد بن المعذل، كما في الدماميني على الخزرجية. 2 "حيل" كذا في نسخ الخصائص. وفي الدماميني على الخزرجية: "خبل", ويبدو أن هذا محرّف عن "جبل" وهي جارية مغنية كان عبد الصمد يتعشقها هو وأبو رهم، فاشتراها الآخر وكان يبخل، فلجت المهاجاة بين عبد الصمد وأبي رهم، ويبدو أنه المعنى بهذا الهجاء. وانظر الأغاني 12/ 66. 3 في د، هـ، ز: "هي". 4 د، هـ، ز: "لها". 5 سقط هذا في ش، وثبت في د، هـ، ز. 6 انظر ص381 من الجزء الأول. 7 يظهر أن القائل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: وأن المعنى بسعيد في البيت ابن المسيب، وأورد له صاحب الأغاني بيتين في هذا المذهب، وهما: سألت سعيد بن المسيب مفتي ال ... مدينة هل في حب ظمياء من وزر فقال سعيد بن المسيب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر وانظر الأغاني طبعة دار الكتب 9/ 147. وفي مجالس ثعلب 501 بعد إيراد البيت: "أي ذكرتك عند سعيد، وكان سعيد والي المدينة, وقد دعا به للقتل. يقول: إذا ذكرتك في هذا الوقت فكيف سائر الأوقات".

فأما في غير الشعر فنحو قولك في جواب من سألك فقال لك 1: أي شيء عندك؟ زيد أو عمرو أو محمد الكريم أو علي العاقل. فإنما جوابه الذي لا يقتضي السؤال غيره أن يجيبه بنكرة في غاية "شياع مثلها"2 فيقول 3: جسم. ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون في قوله: أيّ شيء عندك إنما أراد أن يستفصلك بين أن يكون عندك علم أو قراءة أو جود أو شجاعة, وأن يكون عندك جسم ما. فإذا قلت: جسم فقد فصلت بين أمرين قد كان يجوز أن يريد منك فصلك بينهما, إلّا أن جسمًا وإن كان قد فصل بين المعنيين فإنه مبالغ في إبهامه. فإن تطوّعت زيادة على هذا قلت: حيوان. وذلك أن حيوانًا أخص من جسم, كما أن جسمًا أخص من شيء, فإن تطوع شيئًا آخر قال في جواب أي شيء عندك: إنسان؛ (لأنه أخص من حيوان, ألا تراك تقول: كل إنسان حيوان, وليس كل حيوان إنسانًا, كما تقول: كل إنسان جسم, وليس كل جسم إنسانًا. فإن تطوَّع بشيء آخر قال: رجل. فإن زاد في التطوع شيئًا آخر4 قال: رجل عاقل, أو نحو ذلك. فإن تطوع شيئًا آخر قال: زيد أو عمرو "أو نحو ذلك"5. فهذا كله تطوع بما لا يوجبه سؤال هذا السائل. ومنه قول أبي دواد: فقصرن الشتاء بعد عليه ... وهو للذود أن يقسمن جار6

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في ش: "الشياع". 3 د، هـ، ز: "فنقول". 4 سقط هذا في ش. 5 كذا في ش، ز وسقط ما بين القوسين في د، هـ. 6 هذا في وصف فرس، يقول: إنه أوثر بلبن الإبل في الشتاء, فصارت الإبل مقصورات عليه، لا يشركه غير في ألبانهن, وذكر أن هذا الجراد جار للإبل وحام لها، إذ يمنع العدو أن يغير عليها فيتقسمها وينهبها. والذود: القطع من الإبل. وقوله. "فقصرن" في ش: "فقمن" وهو خطأ. وانظر اللسان "قصر"، والكتاب 1/ 111.

فهذا جواب كم؛ كأنه قال: كم قصرن عليه؟ وكم1 ظرف2 ومنصوبة الموضع, فكان3 قياسه أن يقول: ستة أشهر؛ لأن كم سؤال عن قدر من العدد محصور, فنكرة هذا كافية من معرفته, ألا ترى أن قولك: عشرون والعشرون وعشروك "ونحو ذلك"4 فائدته في العدد واحدة, لكن المعدود معرفة مرة ونكرة أخرى. فاستعمل الشتاء وهو معرفة في جواب كم. وهذا تطوّع بما لا يلزم. وليس عيبًا بل هو زائد على المراد. وإنما العيب أن يقصر في الجواب عن مقتضى السؤال, فأمَّا إذا زاد عليه فالفضل معه واليد له. وجاز أن يكون الشتاء جوابًا "لكم" من حيث كان عددًا في المعنى, ألا تراه ستة أشهر. وافقنا5 أبو علي -رحمه الله- على هذا الموضع من الكتاب وفسره ونحن بحلب, فقال: إلا في هذا البلد فإنه ثمانية أشهر. يريد طول الشتاء بها. ومن ذلك قولك في جواب من قال لك: الحسن6 أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية: الحسن أو قولك: الحسين. وهذا تطوع من المجيب بما لا يلزم. وذلك أن جوابه على ظاهر سؤاله أن يقول له: أحدهما ألا ترى أنه لما قال له: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية فكأنه قال: [أ] 7أحدهما أفضل أم ابن الحنفية, فجوابه على ظاهر سؤاله أن يقول: أحدهما. فقوله: "الحسن" أو قوله: الحسين فيه زيادة تطوع بها لم ينطو السؤال على استعلامها. ونظير قوله في الجواب على اللفظ أن يقول: الحسن "أو الحسين"؛ لأن قوله: "أو الحسين" بمنزلة أن

_ 1 في د، هـ، ز: "فكم". 2 سقط حرف العطف في ز. 3 في د، هـ، ز: "وكان". 4 سقط في ش. 5 في هـ: "وافقنا". 6 هذه المسألة من مسائل الإيضاح لأبي علي الفارسي. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 336. 7 زيادة خلت منها الأصول.

يقول: أحدهما. والجواب المتطوع فيه أن يقول: "الحسن" ويمسك, أو أن يقول: الحسين ويمسك. فأما إن كان كيسانيًّا1 فإنه يقول: ابن الحنفية, هكذا كما ترى. فإن قال: الحسن "أفضل أم الحسين"2 أو ابن الحنفية, فقال: الحسن, فهو جواب لا تطوع فيه. فإن قال: أحدهما, فهو جواب لا تطوع فيه أيضًا. فإن قال: "الحسين" ففيه3 تطوع. وكذلك إن قال: "ابن الحنفية" فقد تطوّع أيضًا. فإن قال: الحسن أو ابن الحنفية أفضل أم الحسين, فقال له المجيب: الحسين, فهو جواب لا تطوع فيه. فإن قال: أحدهما, فهو أيضًا جواب لا تطوع فيه. فإن قال: الحسن, أو قال: ابن الحنفية ناصًّا على أحدهما معينًا فهو جواب متطوع فيه على ما بينا فيما قبل. ومن التطوع المشام للتوكيد قول الله سبحانه: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4، {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 5، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 6 وقولهم: مضى أمس الدابر وأمس المدبر. وهو كثير. وأنشد الأصمعي: وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدةً كأمس الدابر7 وقال 8: خبلت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت منازله كأمس الدابر9

_ 1 الكيسانية: فرقة من الشيعة ينتسبون إلى كيسان؛ وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي، يقولون بإمامة محمد بن الحنفية. 2 في د، هـ، ز: "أم الحسين أفضل". 3 في د، هـ، ز: "فقد". 4 آية: 51، سورة النحل. 5 آية: 2، سورة النجم. 6 آية: 13، سورة الحاقة. 7 ذكر ياقوت في صباب أنه موضع، ولم يحله بوصفه، وقد أورد الشطر الأخير نقلًا عن أبي علي في الحجية. 8 أي: عمران بن حطان، وانظر الكامل 9/ 154، والأغاني "بولاق" 16/ 155. 9 سقط هذا البيت في د، هـ، ز، وثبت في ش. وغزالة: امرأة من الخوارج كانت تحارب مع الخوارج الحجاج، ولما جخلت الكوفة بجيش الخوارج تحصَّن الحجاج منها وأغلق عليه قصره.

ومن ذلك أيضًا الحال المؤكدة، كقوله 1: كفى بالنأي من أسماء كاف لأنه إذا2 كفى فهو كافٍ لا محالة. ومنه قولهم: أخذته بدرهم فصاعدًا، هذه أيضًا حال مؤكدة, ألا ترى أن تقديره: فزاد الثمن صاعدًا, ومعلوم أنه إذا زاد الثمن لم يكن إلّا صاعدًا. غير أن للحال هنا مزية عليها في قوله: كفى بالنأي من أسماء كافٍ لأن صاعدًا ناب في اللفظ عن الفعل الذي هو زاد، "وكافٍ" ليس بنائب في اللفظ عن شيء, ألا ترى أن الفعل الناصب له ملفوظ به معه. ومن الحال المؤكدة قول الله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} 3 وقول ابن دارة: أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي4 وهو باب منقاد.

_ 1 أي: بشر بن أبي خازم الأسلمي وعجزه: وليس لحبها إذ طال شاف وانظر الخزانة 2/ 261، والمفصل 6/ 51. 2 في ش: "أراد" وهو تصحيف. 3 آية: 25، سورة التوبة. 4 عجزه: وهل بدارة بالتاس من عار وانظر الخزانة 1/ 557.

فأما قوله سبحانه: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} 1 فيكون من هذا, وقد يجوز أن يكون قوله سبحانه: {بِجَنَاحَيْهِ} مفيدًا. وذلك أنه قد يقال في المثل: طاروا علاهنّ فشل علاها2 وقال آخر: وطرت بالرحل إلى شملة ... إلى أمون رحلةٍ فذلَّت ومن أبيات الكتاب: وطرت بمنصلي في يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا4 وقال القطامي: ونفخوا عن مدائنهم فطاروا5

_ 1 آية: 38، سورة الأنعام. 2 هذا الرجز أنشده أبو الغول لبعض أهل اليمن، كما في نوادر أبي زيد 58، 164، وفي الموطن الأول عن أبي حاتم أن أبا عبيدة اتهم المفضل بصنعه، وقوله: "فشل" أي: ارتفع واركب، وورد في اللسان "طير": "فشك"، وهو تحريف. وفي رواية اللسان "علا": "فطر" وعلاها لغة في عليها تنسب إلى الحارث بن كعب. وانظر النوادر واللسان. 3- الشملة: السريعة. والأمون: الناقة الوثيقة الحق التي يؤمن عليها العثار. الرحلة: القوية، وهو أصله القوة والقدرة على السير، يقال: يعبر ذر رحلة، قرصف بالمصدر. 4 ينسب هذا إلى مضرّس بن ربعي الأسدي. واليعملات جمع اليعملة وهي الناقة السريعة، والأيد هي الأيدي فحذف الياء تخفيفًا. والسريح: السير الذي تشد به الخدمة، وهي ما يشدّ في الرسخ والبيت في الكتاب 1/ 9، 2/ 291. 5 صدره: ألم يخز التفرق جند كسرى وقبله: فما قومي هلمَّ إلى جميع ... وفيما قد مضى كان اعتبار

وقال العجاج: طرا إلى كل طوال أعوجا1 وقال العنبري 2: طاروا إليه زرافاتٍ وأُحدانا وقال النابغة الذبياني: يطير فضاضًا بينها كل قونسٍ3 فيكون قوله تعالى: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} على هذا مفيدًا, أي: ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذي الجناحين, بل هو الطائر بجناحيه البتة. وكذلك قوله -عز اسمه: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} 4 قد يكون قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} مفيدًا. وذلك أنه قد يستعمل في الأفعال الشاقة المستثقلة على قول من يقول: قد سرنا5 عشرًا وبقيت علينا ليلتان؛ وقد حفظت القرآن وبقيت عليّ منه سورتان, وقد صمنا عشرين من الشهر وبقي علينا عشر. وكذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه

_ 1 من أرجوزته إلى أولها: ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا وقوله: "طرنا" جواب قوله قبل: إنا إذا مذكى الحروب أرجا ... منها سعارًا واستشاطت وهجا وانظر الديوان 10. 2 هو فريط بن أنيف وعجزه: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم وقوله: "أحدانا" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وحدانا", والهمزة بدل من الواو، والبيت من أولى قصائد الحماسة. 3 عجزه: ويتبعها منهم فراش الحواجب والقونس: أعلى بيضة الحديد. الفراش عظام رفاق على الخياشيم من داخل، وهو من قصيدته التي مطلعها: كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب 4 آية: 26، سورة النحل. 5 في د، هـ، ز: "سرينا".

وقبيح1 أفعاله: قد أخرب عليّ ضيعتي وموّت2 عليّ عواملي وأبطل عليّ انتفاعي3, فعلى هذا لو قيل: فخرَّ عليهم السقف, ولم يقل: من فوقهم, لجاز أن يظن به أنه كقولك 4: قد خربت عليهم دارهم, وقد أهلكت5 عليهم مواشيهم وغلاتهم6, وقد تلفت عليهم تجاراتهم. فإذا قال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} زال ذلك المعنى المحتمل, وصار معناه: أنه سقط وهم من تحته. فهذا معنى غير الأول. وإنما "اطَّردت على"7 في الأفعال التي قدّمنا ذكرها, مثل: خربت عليه ضيعته, وموتت عليه عوامله, ونحو8 ذلك من حيث كانت "على" في الأصل للاستعلاء. فلمَّا كانت هذه الأحوال "كلفًا و"9 مشاق تخفض الإنسان وتضعه وتعلوه وتفرعه10 حتى يخضع لها ويخنع11 لما يتسدّاه12 منها, كان ذلك من مواضع على, ألا تراهم يقولون: هذا لك, وهذا عليك, فتستعمل اللام فيما تؤثره13، وعلى فيما تكرهه13، قالت 14: سأحمل نفسي على آلة ... فإما عليها وإما لها

_ 1 في د، هـ، ز: "قبح". 2 في د، هـ، ز: "أعطب". 3 في د، هـ، ز: "ارتفاعي، والارتفاع: الغلة للضيعة ونحوها". 4 في د، هـ، ز: "كقوله". 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "هلكلت". 6 في ز: "غلالهم". 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "اطرد". 8 سقط في د، هـ، ز. 9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كلها". 10 أي: تعلوه. وفي د، هـ، ز: "تنفرعه". وما هنا في ش. وفي ج: "تقرعه". 11 في هـ، ز: "يختع" وهو محرق عن "يخنع" وفي د: "يخشع". 12 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تسدّاه". ويقال: تسداه: ركبه وعلاه. 13 في د، هـ، ز: يؤثره" و"يكرهه". 14 كذا في د، هـ، ز وفي ش: "قال", والقائل هي الخنساء في مرثية أخيها معاوية، قتلته بنو مرة. وقوله: سأحمل" كذا في ش. وفي د، هـ، ز "لأحمل".

وقال ابن حلزة: فله هنالك لا عليه إذا ... دنعت أنوف القوم للتعس1 فمن هنا دخلت "على" هذه في هذه الأفعال التي معناها إلى الإخضاع والإذلال. وما يُتَطوَّع به من غير وجوب كثير, وفيما مضى منه2 كافٍ ودالٍّ عليه بإذن الله.

_ 1 هذا في قصيدة مفضلية في مدح الملك قيس بن شراحيل بن مارية. ودنعت: ذلت, وفي أصول الخصائص "دفعت" وهو تصحيف. يقول: إذا حصل أفعال الناس ومآثره كان الفضل له، ولم يكن ما ينقم عليه. 2 سقط في د، هـ، ز.

باب في التام يزاد عليه فيعود ناقصا

باب في التامِّ يزاد عليه فيعود ناقصًا 1: هذا موضع ظاهره2 ظاهر التناقض, ومحصوله صحيح واضح. وذلك قولك: قام زيد, فهذا كلام تام, فإن زدت عليه فقلت: إن قام زيد, صار شرطًا واحتاج إلى جواب. وكذلك قولك: زيد منطلق, فهذا كلام مستقل3، فإذا زاد عليه4 أن "المفتوحة فقال: أن زيدًا منطلق"5 احتاج إلى عامل يعمل في أن وصلتها, فقال: بلغني أن زيدًا منطلق, ونحوه. وكذلك قولك: زيد أخوك, فإن زدت عليه "أعلمت" لم تكتف بالاسمين فقلت: أعلمت "بكرًا زيدًا أخاك"6. وجماع هذا أن كل كلام مستقل زدت عليه شيئًا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه فالكلام باقٍ على تمامه7 قبل المزيد عليه. فإن زدت عليه شيئًا مقتضيًا لغيره معقودًا به عاد الكلام ناقصًا لا لحاله الأولى, بل لما دخل عليه معقودًا بغيره.

_ 1 هذا البحث في الأشياء للسيوطي 1/ 295. 2 سقط في ش. 3 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش. 4 في د، هـ، ز: "على هذا". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش. 6 كذا في ز. وفي ش: "زيدًا بكرًا أخال". 7 في د، هـ، ز "حاله".

فنظير الأول قولك: زيد قائم, وما زيد قائم وقائمًا على اللغتين, وقولك: قام محمد, وقد قام محمد, وما قام محمد, وهل قام محمد, وزيد أخوك, وإن زيدًا أخوك, وكان زيد أخاك، وظننت زيدًا أخاك. ونظير الثاني ما تقدَّم من قولنا: قام زيد, وإن قام زيد. فإن جعلت "إن" هنا نفيًا بقي على تمامه, ألا تراه بمعنى ما قام زيد. ومن الزائد العائد بالتمام إلى النقصان قولك: يقوم زيد, فإن زدت اللام والنون فقلت: ليقومَنَّ زيد, فهو محتاج إلى غيره, وإن لم يظهر هنا في اللفظ, ألا ترى أن تقديره عند الخليل: أنه جواب قسم, أي: أقسم ليقومنَّ, أو نحو ذلك. فاعرف ذلك إلى ما يليه.

باب في زيادة الحروف وحذفها

باب في زيادة الحروف وحذفها: وكلا ذينك ليس بقياس لما سنذكره. أخبرنا أبو علي -رحمه الله- قال: قال أبو بكر: حذف الحروف ليس بالقياس. قال: وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار, فلو ذهبت تحذفها1 لكنت مختصرًا لها2 هي أيضًا, واختصار المختصر إجحاف به. تمت الحكاية2. تفسير قوله: "إنما3 دخلت الكلام لضرب من الاختصار" هو أنك إذا قلت: ما قام زيد, فقد أغنت "ما " عن "أنفى "؛ وهي4 جملة فعل وفاعل. وإذا قلت: قام

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "لحذفها". 2 سقط هذا في ش. 3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "إنها". 4 في د، هـ، ز: "هو".

القوم إلا زيدًا, فقد نابت "إلا " عن "أستثني ", وهي1 فعل وفاعل. وإذا قلت: قام زيد وعمرو, فقد نابت الواو عن "أعطف"2, وإذا قلت: ليت لي مالًا, فقد نابت "ليت" عن "أتمنى". وإذا قلت: هل قام أخوك, فقد نابت " هل " عن "أستفهم". وإذا قلت: ليس زيد بقائم, فقد نابت الباء عن "حقًّا" و"البتة"، و"غير ذي شك". وإذا قلت: "فيما نقضهم ميثاقهم" فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم, فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقًّا أو يقينًا. وإذا قلت: أمسكت بالحبل, فقد نابت الباء عن قولك3: أمسكته مباشرًا له وملاصقة4 يدي له5. وإذا قلت: أكلت من الطعام, فقد نابت "من " عن البعض, أي: أكلت بعض الطعام. وكذلك بقية ما لم نسمه. فإذا كانت هذه الحروف نوائب عمَّا هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرّق6 عليها, فتنتهكها وتجحف بها. ولأجل ما ذكرنا: من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل في شيء من الفضلات: الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك, وعلته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب7 من الاختصار؛ فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه, وتراجعوا عمَّا اعتزموه.

_ 1 في د، هـ، ز: "هما". 2 كذا في د، هـ، ز، والأشباه. وفي ش: "العطف". 3 سقط في ش. 4 في ش: "ملاصقًا". 5 في ش: "به". 6 في ش رسمت هذه الكلمة "تنخرق" من الانخراق، وفي ز، هـ: "تخرق" وفي د: "تخرف". وكأن "تنخرق" محرفة عن "نتخرق" أو تتخرق"، وكأن الأولى معناها ارتكاب الخرق ومجانبة الرفق، والتمزق يدور معناه على الضيق والضغط، وفي ج: "تحيف", وهي واضحة. 7 في ش: "بضرب".

فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائمًا, على ان تجعل "قائمًا" حالًا منك, أي: أنفي هذا في حال قيامي, ولا حالًا من "زيد", أي: أنفي هذا عن زيد في حال قيامه. ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة, على أن تجعل يوم الجمعة ظرفًا لما دلت عليه "هل" من معنى الاستفهام. فإن قلت: فقد أجازوا ليت زيدًا أخوك قائمًا, ونحو ذلك, فنصبوه1 بما في ليت من معنى التمني, وقال النابغة: كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد2 فنصب "خارجًا" على الحال, بما في "كأن" من معنى التشبيه, وأنشد أبو زيد: كأنَّ دريئة لما التقينا ... لنصل السيف مجتمع الصداع3 فأعمل معنى التشبيه في "كأن" في الظرف الزماني الذي هو "لما التقينا". قيل: إنما جاز ذلك في "ليت " و "كأن "4 لما اجتمع فيهما: وهو أن كل واحدة منهما فيها معنى الفعل "من التمني"5 والتشبيه, "وأيضًا"6 فكل "واحدة"7 منهما

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ونصبوه". 2 من قصيدته في مدح النعمان والاعتذار له عمَّا بلغه عنه. ومطلعها: يا درامية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليا سالف الأمد والحديث عن الثور الوحشي الذي أنشب مدراه "قرنه" في كلب الصيد, فقوله: "كأنه" أي: المدري" يشبه المدري بسفود منسيّ عند مقتأد, أي: موضع قار. والسفود: الحديدة التي يشوى عليها اللحم. وانظر الخزانة 1/ 521. 3 هو لمرداس بن حصين. والدريئة: حلقه يتعلم عليها الطعن، ومجتمع الصداع الرأس. يذكر أنه حين لقي قرنه في القتال أنحى عليه بضرب السيف تعمّ رأسه، حتى كأن رأسه إذ يتردَّد عليه السيف "دريئة". وترى ابن جني يروي "كأن" التشبيهية. والذي في نوادر أبي زيد ص: "فكانَّ" بفاء العطف و"كان" الناقصة. وهذه الرواية تتسِقُ مع سابق الشعر. وانظر في النوادر. 4 في د، هـ، ز: "كأني". 5 في د، هـ، ز: "والتمني". 6 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز. 7 سقط في ز.

رافعة وناصبة كالفعل القويّ المتعدي, وكل واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين, فأشبهت بزيادة عدتها الفعل, وليس كذلك ما كان على حرف, ولا ما كان على حرفين؛ لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع في ليت ولعل. ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس: من أن "إلّا" في الاستثناء هي الناصبة؛ لأنها نابت عن "أستثنى"، و"لا أعني" مردودًا عندنا لما في ذلك من تدافع الأمرين: الإعمال المبقِّي حكم الفعل, والانصراف عنه إلى الحرف1 المختصر به القول. نعم، وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقلّ عن العمل في الظروف2, كانت من العمل في الأسماء الصريحة القوية التي ليست ظروفًا ولا أحوالًا ولا تمييزًا لاحقًا بالحال اللاحقة بالظروف أبعد. فإن قلت: فقد قالوا: يا عبد الله, ويا خيرًا من زيد، فأعملوا "يا" في الاسم الصريح وهي حرف، فكيف القول3 في ذلك؟ قيل: ل"يا" في هذه خاصة4 في قيامها مقام الفعل ليست لسائر5 الحروف. وذلك أن "هل" تنوب عن "أستفهم"، و"ما" تنوب عن "أنفي"، و"إلّا" تنوب عن "أستثنى", وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف6 هي الناصبة في الأصل. فلمَّا انصرفت عنها إلى الحروف7 طلبًا للإيجاز ورغبة عن الإكثار, أسقطت عمل تلك الأفعال ليتمَّ لك ما انتحيته من الاختصار. وليس كذلك يا.

_ 1 في ش: "الحكم". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، هـ، ز: "الظروف". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "على". 4 كذا في ش. في د، هـ، ز: "خاصية". 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كسائر". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 في د، هـ، ز: "الحرف".

وذلك "أن يا"1 نفسها هي العامل الواقع على زيد, وحالها في ذلك حال "أدعو" و"أنادي" في كون كل واحد منهما هو العامل في المفعول, وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه. وذلك أن قولك: ضربت زيدًا وقلت عمرًا2, الفعل الواصل إليهما المعبّر بقولك: ضربت عنه ليس هو نفس "ض ر ب "3 إنما ثمّ4 أحدث هذه الحروف دلالة5 عليها؛ وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك. وقولك: أنادي عبد الله وأدعو عبد الله, ليس هنا فعل واقع على "عبد الله" غير هذا اللفظ, و "يا " نفسها في المعنى ك"أدعو"؛ ألا ترى أنك إنما تذكر بعد "يا" اسمًا واحدًا, كما تذكره بعد الفعل المستقل بفاعله إذا كان متعديًا إلى مفعول واحد؛ كضربت زيدًا, ولقيت قاسمًا, وليس كذلك حرف الاستفهام, وحرف النفي, إنما تدخلهما6 على الجمل المستقلة فتقول: ما قام زيد. وهل قام أخوك؟ فلما قويت "يا "7 في نفسها وأوغلت في شبه الفعل تولت بنفسها العمل. فإن قلت: فإنما تذكر بعد "إلّا" اسمًا واحدًا أيضًا, قيل: الجملة قبل "إلّا" منعقدة بنفسها, وإلا8 فضلة فيها. وليس9 كذلك يا، لأنك إذا قلت: يا عبد الله, تَمَّ

_ 1 في د، هـ، ز: "أنها". 2 في د، هـ، ز: "بشرًا". 3 في د، هـ، ز: "ض ر ب". وفي ج. "صرب". 4 في د، هـ، ز: "هو". وذلك ضمير القصة والشأن. 5 في ج: "دالة". 6 في د، هـ، ز: "تدخلها". 7 سقط في د، هـ، ز. 8 في ش: "لا" وهو خطأ في النسخ. 9 في د، هـ، ز: "ليست".

الكلام بها وبمنصوب بعدها, فوجب أن تكون هي كأنها الفعل المستقل بفاعله, والمنصوب هو المفعول بعدها, فهي في1 هذا الوجه كرويد2 زيدًا. ومن وجه آخر أن قولك: يا زيد, لما اطرد فيه الضم, وتَمَّ به القول, جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء, فهذا3 أدون حالي يا, أعنى: أن "يكون"4 كأحد جزأي5 الجملة. وفي القول الأول هي جارية مجرى الفعل مع فاعله. فلهذا قوي حكمها, وتجاوزت رتبة الحروف التي إنما هي إلحاق6 وزوائد على الجمل. فلذلك عملت يا ولم تعمل هل, ولا ما, ولا شيء من ذلك النصب, بمعنى الفعل الذي دلّت عليه ونابت عنه. ولذلك ما وصلت تارة بنفسها في قولك: يا عبد الله, وأخرى بحرف الجر نحو قوله: يا لبكر, فجرت في ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارةً بنفسه, وأخرى بحرف الجر نحو قوله 7: خشنت8 صدره وبصدره, وجئت زيدًا وجئت إليه, واخترت الرجال ومن الرجال, وسميته زيدًا وبزيد, وكنيته أبا علي وبأبي علي. فإن قلت: "فقد"9 قال الله سبحانه: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 9 وقد قال غيلان 10: ألا يا أسلمي يا دارمي على البلى

_ 1 في د، هـ، ز: "من". وما هنا في ش، ج. 2 يريد بذلك أنها تشبه اسم للفعل كرويد زيدًا. وقد قال أبو علي أستاذ المؤلف بذلك, وأنها اسم فعل في بعض أقواله. وفي المسألة بحث انظر في شرح الرضي للكافية 1/ 132. 3 في ز: "فهو". 4 في د، هـ، ز: "يكون الفعل". 5 في ش: "حرفي". 6 جمع لحق -بالتحريك- وهو ما يلحق بالشي الأوّل. 7 سقط في ش. 8 أي: أوغر صدره عليه وأغضبه. 9 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش. انظر الآية ص198 من هذا الجزء. 10 في د، هـ، ز: "ذو الرمة". وعجزه: ولا زال منهلًا بجرعاتك القطر

وقال: يا دار هند يا اسلمي ثم اسلمي1 فجاء بيا2 ولا منادى معها, قيل: يا في هذه الأماكن قد جرّدت من معنى النداء وخلصت3 تنبيهًا. ونظيرها في الخلع من أحد المعنيين وإفراد4 الآخر: "ألا"؛ لها في الكلام معنيان 5: افتتاح الكلام والتنبيه نحو قول الله سبحانه: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} 6، وقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} 7 و"قول كثيّر "8: ألا إنما ليلى عصا خيزرانة9 فإذا دخلت على "يا " خلصت "ألَا " افتتاحًا, وخص التنبيه بيا. وذلك كقول نصيب 10: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدًا على وجد فقد صحَّ بما ذكرناه إلى أن قادنا إلى هنا أن حذف الحروف لا يسوغه القياس؛ لما فيه من الانتهاك والإجحاف. وأما زيادتها فخارج11 عن القياس أيضًا.

_ 1 انظر ص198 من هذا الجزء. 2 في د، هـ، ز: "بها". 3 في د، هـ، ز: "أخلصت". 4 في د، هـ، ز: "إقرار". 5 في د، هـ، ز: "معنيين". وهو خطأ. 6 آية: 151، سورة الصافات. 7 آية: 12، سورة البقرة. 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قوله: أعني كثيرًا". وانظر ديوانه 1/ 264. 9 عجزه: إذا غمزهوها بالأكف تلين 10 في الأغاني "بولاق" 5/ 38 نسبته إلى يزيد بن الطثرية. وكذا في ذيل الأمالي 105. 11 أي: أمر خارج، ولولا هذا لقال: "خارجة".

وذلك أنه إذا كانت1 إنما جيء بها اختصارًا وإيجازًا كانت زيادتها نقضًا لهذا الأمر وأخذًا له بالعكس والقلب؛ ألا ترى أن الإيجاز ضد الإسهاب, ولذلك لم يجز أبو الحسن توكيد2 الهاء المحذوفة من صلة الذي في نحو: "الذي ضربت زيد"، فأفسد أن تقول: الذي ضربت نفسه زيد. قال: لأن ذلك نقض من حيث كان التوكيد إسهابًا الحذف إيجازًا. وذلك أمر ظاهر التدافع. هذا هو القياس: ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها. ومع ذلك فقد حذفت تارة وزيدت أخرى. أما حذفها فكنحو ما حكاه أبو عثمان عن أبي زيد من حذف حرف العطف في نحو3 قولهم: أكلت لحمًا سمكًا تمرًا. وأنشدني أبو الحسن: كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الودّ في فؤاد الكريم يريد: كيف أصبحت وكيف أمسيت, وأنشد ابن الأعرابي: وكيف لا أبكي على علاتي ... صبائحي, غبائقي, قيلاتي4 أي: صبائحي وغبائقي وقيلاتي. وقد يجوز أن يكون بدلًا؛ أي: كيف لا أبكي على علاتي5 التي هي صبائحي وهي غبائقي وهي قيلاتي, فيكون هذا من بدل الكل. والمعنى6 الأول أن منها صبائحي, ومنها غبائقي, ومنها قيلاتي.

_ 1 في د، هـ، ز: "كان". 2 انظر ص288 من الجزء الأول، وينسب إلى الخليل وسيبويه جواز تأكيد المحذوف، فقد ورد في الكتاب 1/ 247 قوله: "وسألت الخليل عن مررت يزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال: الرفع على هما صاحباي أنفسها، والنصب على أعينهما". وانظر حاشية الصبان على الأشموني في مبحث المعرب والمبني "إعراب المبني", ومبحث المبتدأ "الإخبار بالظرف". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 انظر ص291 من الجزء الأول. 5 في ج بعد "علاتي". "إبل". 6 في ج: "تقدير المعنى".

ومن ذلك ما كان يعتاده رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ فيقول: خير عافاك "أي: بخير"1 وحكى سيبويه: الله لا أفعل, يريد: والله. ومن أبيات الكتاب 2: من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عند الله مثلان أي: فالله يشكرها. وحذفت همزة الاستفهام؛ نحو قوله 4: فأصبحت فيهم آمنًا لا كمعشر ... أتوني وقالوا من ربيعة أو مضر؟ "يريد5 أمن ربيعة", وقال الكميت: طربت وما شوقًا إلى البيت أطرب ... ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب6 أراد7: أو ذو الشيب يلعب, ومنه قول ابن أبي ربيعة8: ثم قالوا تحبها قلت بهرًا ... عدد القطر والحصى والتراب أظهر الأمرين فيه أن يكون أراد: أتحبها؛ لأن البيت الذي قبله يدل عليه، وهو قوله: أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب9 لهذا ونحوه نظائر. وقد كثرت.

_ 1 ثبت في د، هـ، ز، وسقط في ش. 2 انظر سيبويه 1/ 435. 3 نسب في كتاب سيبويه المطبوع إلى حسان بن ثابت. وفي الخزانة 3/ 645: "والبيت نسبه سيبويه وخدمته لعهد الرحمن بن حسان بن ثابت -رضي الله عنه "ورواه جماعة لكعب بن مالك الأنصاري" وانظر نوادر أبي زيد 31. 4 أي: عمران بن حطان, وهو من شعر يقوله في قوم من الأزد نزل به متنكرًا, ويشكر صنيعهم معه. وانظر الكامل 7/ 87. 5 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز. 6 هذا مطلع إحدى هاشمياته. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 111. 7 في د، ز: "أي". 8 أي: عمر, وهذا من قصيدة غزلية في الثريَّا بنت عبد الله لما صرمته. وانظر شواهد المغني للسيوطي 14. 9 هذا البيت قبل البيت السابق مع الفصل بستة أبيات. وقوله: "خمس" هو ما في ش. وهو يوافق ما في شواهد المغني. وفي ج، هـ، ز: "عشر".

فأما تكريرها1 وزيادتها فكقوله 2: لددتهم النصيحة كلّ لَدٍّ ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا2 فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للمابهم أبدًا دواء4 وقد كثرت زيادة "ما" توكيدًا كقول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 5 وقوله سبحانه: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} 6 وقوله عز قدره: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} 7. وقال جل وعز: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 8 "فالباء زائدة"9 وأنشد أبو زيد 10: بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فقيهم غنيٌّ مضر11 فزاد الباء في المبتدأ, وأنشد لأمية: طعامهم إذا أكلوا مهنًّا ... وما إن لا تحاك لهم ثياب12

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "نكررها". 2 أي: مسلم بن معبد الوالبيّ، وهو شاعر إسلامي في الدولة الأموية، وانظر الخزانة 1/ 364، ومعاني القرآن للفراء 10/ 68. 3 "لددتهم النصيحة" أي: قدَّمتها لهم. وهو من قولهم: لدَّ المريض إذا أسقاه دواء في أحد شقي فمه، جعل النصيحة كالدواء المكروه، وقوله: "فقاءوا" أي: لفظوا النصيحة ولم يقبلوها. 4 "دواء" رواية الخزانة: "شفاء", وفيها: "فلا وأبيك" في مكان "فلا والله". 5 آية: 155، سورة النساء، وآية: 13 سورة المائدة. 6 آية: 40، سورة المؤمنين. 7 آية 25 سورة نوح. 8 آية: 195، سورة البقرة. 9 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش. 10 انظر النادر 23. 11 مضر: يروح عليه ضرة من المال, أي: قطعة من الإبل والغنم، وهو من مقطوعة في الهجاء. وانظر اللسان "ضرر". 12 "إذا" كذا في ش وفي د، هـ، ز: "دائن".وقوله مهنا" كذا في ش, وفي النسخ الثلاثة "معن".

فإن لتوكيد النفي كقول زهير: ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم1 ولا من بعدها زائدة. وزيدت اللام في قوله -رويناه عن أحمد بن يحيى: مرّوا عجالًا وقالوا كيف صاحبكم ... قال الذي سألوا أمسى لمجهودًا2 وفي قراءة سعيد بن جبير {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 3 وقد تقدَّم ذكر ذلك. وزيدت لا "قال أبو النجم "4: ولا ألوم البيض ألّا تسخرا ... وقد رأين الشمط القفندرا5 "وقال6 العجاج: بغير لا عصفٍ لا اصطراف7 وأنشدنا: أبي جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتًى لا يمنع الجود قاتله8

_ 1 انظر ص111، من الجزء الأول. 2 انظر ص317 من الجزء الأول. 3 آية: 20، سورة الفرقان. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في قول أبي النجم". 5 الشمط، الشيب، والقفندر: القبح المنظر. وانظر مجالس ثعلب 198. 6 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز: وسقط في ش. 7 قبله: قد يكسب المال الهدان الجاف والهدان: الأحمق النقيل. العصف: الكسب. والاصطراف، افتعال من الصرف، أي التصرف في وجوه الكسب. 8 انظر ص37 من هذا الجزء.

فهذا على زيادة "لا" أي: أبى جوده البخل, وقد يجوز أن تكون "لا" منصوبة الموضع ب"أبى"، و"البخل" بدل منها. وزيادة الحروف كثير، وإن كانت على غير قياس كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى, وأعم وأوفى, وإن كان أبو الحسن قد1 نصَّ على ترك القياس عليه. فأمَّا عذر حذف هذه الحروف فلقوة المعرفة بالموضع؛ ألا ترى إلى "قول امرئ القيس "2: فقلت يمين الله أبرح قاعدًا3 لأنه لو أراد الواجب4 لما جاز؛ لأن "أبرح" هذه لا تستعمل في الواجب، فلا بُدَّ من أن يكون أراد: لا أبرح. ويكفي من هذا قولهم: رب إشارة أبلغ من عبارة. وأمَّا زيادتها فلإرادة التوكيد بها, وذلك أنه قد سبق أن الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار والاكتفاء5 من الأفعال وفاعليها, فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناهٍ في التوكيد به. وذلك كابتذالك في ضيافة ضيفك أعزَّ ما تقدر عليه, وتصونه من أسبابك, فذاك غاية إكرامك6 له, وتناهيك في الحفل به.

_ 1 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز. 2 كذا في هـ، ز، وفي ش: "قوله"، وفي د: "قوله, أي: أمري القيس". 3 عجزه: ولو قطعوا وأسى لديك وأوصالي وهو من قصيدته التي أولها: ألاهم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي 4 يريد المثبت ضد المنفي. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في". 6 سقط في د، هـ، ز.

باب في زيادة الحرف عوضا من آخر محذوف

باب في زيادة الحرف عِوضًا من آخر محذوف: اعلم أن الحرف الذي يحذف فيجاء بآخر1 عوضًا منه على ضربين: أحدهما أصلي والآخر زائد. الأول من ذلك على ثلاثة أضرب 2: فاء, عين, لام. أما ما حذفت3 فاؤه وجيء بزائد عوضًا منه فباب فعله في المصادر4، نحو: عدة وزنة وشية وجهة. والأصل5 وعدة ووزنة ووشية ووجهة, فحذفت الفاء لما ذكر في تصريف ذلك، وجعلت التاء بدلًا6 من الفاء. ويدل على أن أصله ذلك قول الله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} 7 وأنشد أبو زيد: ألم تر أنني -ولكل شيء ... إذا لم تؤت وجهته تعاد أطعت الآمريّ بصرم ليلى ... ولم أسمع بها قول الأعادي8 وقد حذفت الفاء في أناس, وجعلت ألف فعال بدلًا منها "فقيل: ناس, ومثالها عال؛ كما أن مثال عدة وزنة علة.

_ 1 في د، هـ، ز بعده: "زائد". 2 في د، هـ، ز: "أحرف". 3 في د، هـ، ز: "حذف". 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش "المصدر". 5 بعده في د، هـ، ز: "في عدة". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عوضًا". 7 آية 148 سورة البقرة. 8 كأنه يريد نه صرم ليلى استجابة لمن أمره بذلك مع بقائه على حبها وإضمار الود لها، والإعراض عن القدح فيها. وفي المصنف للمؤلف 662 نسخة التيمورية: "عصيت" في مكان "أطعت" وهي واضحة.

وقد حذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضًا منها"1 وذلك قولهم 2: تقي يقتي, والأصل: اتَّقى يتقي فحذفت التاء فبقي تقي, ومثاله تعل ويتقي: يتعل, قال الشاعر 3: جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافًا كلها يتقي بأثر4 وقال أوس 5: تقاك بكعب واحد وتلذه ... يداك إذا ما هز بالكف يعسل6 وأنشد أبو الحسن: زيادتنا نعمان لا تنسينّها ... تق الله فينا, والكتاب الذي تتلو7 ومنه أيضًا قولهم: تجه يتجه, "وأصله اتّجه"8, ومثال تجه على هذا تعل كتقي سواء. وروى أبو زيد أيضًا فيما حدثنا به أبو علي عنه: تجه يتجه, فهذا من لفظ آخر وفاؤه تاء. وأنشدنا: قصرت له القبيلة اذتجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي9 فهذا محذوف من اتَّجه كاتَّقى.

_ 1 ثبت ما بين القوسين في ش: وسقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قولك". 3 سقط في ش. والشاعر هو خفاف بن ندية. وانظر اللسان "أثر" و"وقي". 4 هذا في وصف سيوف. وأثر السيف فرنده وديباجته ورونقه. أي: كلها يستقبلك بفرنده، أي: إذا نظر الناظر إليها اتَّصل شعاعها بعينه فلم يتمكن من النظر إليها، وانظر اللسان "أثر". 5 هو ابن حجر, وانظر النوادر 27. 6 يقال: عسل الرمح إذا اهتزَّ واضطرب من لينه ولدوتته. 7 قائله عبد الله بن همام السلولي. وبعده: أيثبت ما زدتم وقلق زيادتي ... دمي إن أسيفت هذه لكم سحل وانظر فوادر أبي زيد 4، واللسان "وقى" و"بسل". 8 ثبت ما بين القوسين في ش، وسقط في د، هـ، ز. 9 هذا لمرداس بن حصين، و"قصرت" أي: حبست. والقبيلة اسم فرسه, وأبو زيد يروي "تجهنا" في البيت بكسر الجيم، الأصمعي بفتحها. وانظر اللسان "وجه". وكأنَّ المؤلف لم يبلغه إلّا فتح الجيم فجعله محذوف اتجه، وانظر النوارد، وانظر بيتًا بعد هذا البيت سبق في ص277 من هذا الجزء.

فأمَّا1 قولهم: اتخذت فليست تاؤه بدلًا من شيء, بل هي فاء أصلية بمنزلة اتَّبعت من تبع, يدل على ذلك ما أنشده الأصمعيّ من قوله 2: وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفًا كأفحوص القطاة المطرّق3 وعليه قول الله سبحانه: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 4 وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت, وأن الهمزة أجريت في ذلك مجرى الواو. وهذا ضعيف إنما جاء منه شيء شاذ؛ أنشد ابن الأعرابي: في داره تقسم الأزواد بينهم ... كأنما أهله منها الذي اتّهلا5 وروى لها أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان متَّمن6. وأنشد: . . . . . . . . . بيض اتَّمن والذي يقطع على أبي إسحاق قول الله -عز وجل: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} . فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك, ليس تخذ من لفظ الأخذ. وعذر من قال: اتَّمن واتَّهل من الأهل, أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين. وذلك قولهم في افتعل من الأكل: ايتكل, ومن

_ 1 في د، هـ، ز: "وأما". 2 أي: الممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار. 3 الغرز للناقة مثل الحزام للفرس، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل, ويبدو أن المراد هنا المعنى الأول. والنسيف أثر العض الركض ونحو ذلك. والأفحوص: الميض، والمطرق وصف القطاة، يقال: طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها، ووصف الأنثى بالمطرق كما يقال: مرضع وحائض. 4 آية: 77، وسورة الكهف، وهذه قراءة الحسن وابن مسعود، وانظر البحر 6/ 152. 5 "بينهم" كذا في ز. وهو يوافق ما في اللسان، وفي ش: "بينهما", وقوله: "أهله". كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان "أهل": "أهلنا"، وهو الأوفق بالمعنى، يريد ن هذا الممدوح يشرك ضيفه فيما عنده، ويتحدث الشاعر الضيف عن نفسه فيقول: كأنما أهلنا من الدار، وكأنما أهلنا أهله الذي اتهلهم, أي: اتخذهم أهلًا، فأهلنا وأهله سواء في داره. 6 وهو وصف من اتَّمن، افتعل من الأمان.

الإزرة 1: ايتزر. فأشبه حينئذ ايتَّعد في لغة من لم يبدل الفاء تاء, فقال: اتَّهل واتَّمن لقول غيره: ايتهل وايتمن, وأجود اللغتين "إقرار الهمز"2 قال الأعشى: أبا ثبيتٍ أما تنفكّ تأتكل3 وكذلك ايتزر يأتزر, فأما اتَّكلت عليه فمن الواو على الباب؛ لقولهم الوكالة والوكيل. وقد ذكرنا هذا الموضع في كتابنا في شرح تصريف أبي عثمان. وقد حذفت الفاء همزة وجعلت "ألف فعال"4 بدلًا منها, وذلك قوله5: لاه ابن عمِّك لا أفضلت في حسب6 في أحد7 قولى سيبويه. وقد ذكرنا ذلك.

_ 1 هو اسم هيئة من الاتئزاز، يقال: ائترز إزرة حسنة. 2 في د، هـ، ز: "إقرار ترك الهمز". ويبدو أنه كان هنا نسختان: "إقرار الهمز" و"ترك الهمز" فجمع بينهما. 3 صدره: أبلغ يزيد بني شيبان مألكة أبو ثبيت كنية يزيد، وهو ابن عم الأعشى، وكان بينهما ملاحاة, والمألكة: الرسالة، والائتكال: الغضب، كأن الغاضب يأكل بعضه بعضًا. وهذا البيت من معلقة الأعشى المشهورة. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لام فعال". ورأى سيبويه أن العوض من همزة "إله" الألف واللام في لفظ الجلالة, فهل الأصل هنا: "الألف واللام" فحرف إلى ما وقع إلينا. وانظر ص226 من الجزء الأول. 5 أي: ذي الأصبع العدواني, وهو من قصيدة مفضلية. 6 عجزه: عنى ولا أنت دياني فتخزوني الديان: القائم بالأمر القاهر, ويقال: خزاه إذا ساسه ودبَّر أمره. 7 يريد بذلك أن لفظ الجلالة من "أله" والقول الآخر أنه من "ليه", يقال: لاه يليه إذا تَستَّر. والقول الأول في الكتاب 1/ 309، والقول الآخر رواه عنه الزجاج، وليس في الكتاب. وانظر الخزانة 4/ 335.

وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضًا منها فأينق في أحد1 قولي سيبويه, وذلك أن أصلها أنوق, فأحد قوليه فيها أن الواو التي هي عين حذفت وعوضت منها ياء فصارت: أينق. ومثالها في2 هذا القول3 على اللفظ: أيفُل, والآخر: أن العين قدمت على الفاء فأبدلت ياء. ومثالها على هذا أعفُل. وقد حذفت العين حرف علة, وجعلت ألف فاعل عوضًا منها, وذلك رجل خافٌ ورجل مالٌ ورجل3 هاعٌ لاعٌ. فجوّز أن يكون هذا فَعِلا كفَرِقَ, فهو فرِق, وبطر فهو بطِر. ويجوز أن يكون فاعلًا حذفت عينه وصارت ألفه عوضًا منها كقوله: لاثٌ به الأشاء والعُبريّ4 ومما حذفت عينه وصار الزائد عوضًا منها قولهم: سيد وميت وهين ولين؛ قال 5: هيْنون لينون أيسار ذوو يسرٍ ... سوّاس مكرمةٍ أبناءُ أيسار6 وأصلها فيعِل: سيد وميت وهين ولين, حذفت عينها وجعلت ياء فيعِل عوضًا منها. وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة, وأصلها فيعلولة حذفت عينها, وصارت ياء فيعلولة الزائدة3 عوضًا منها. فإن قلت: فهلَّا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضًا منها, قيل: قد صحَّ في فيعل من نحو: سيد وبابه, أن الياء الزائدة عوض من العين، وكذلك الألف

_ 1 انظر 1/ 226، 2/ 77 من هذا الكتاب. 2 كذا في د، هـ، ز: وفي ش: "على". 3 سقط في ش. 4 انظر ص131 من هذا الجزء. 5 أي: عبيد بن المريدس الكلابي. وانظر الكامل 2/ 3. 6 الأيسار. القوم يجتمعون على اليسر, واليسر: اللين والانقباد، وتسكن السين أيضًا.

الزائدة في خافٍ و"هاع لاع"1 عوض من العين. وجوَّز سيبويه أيضًا ذلك في أينق, فكذلك أيضًا ينبغي أن تحمل فيعلولة على ذلك. وأيضًا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح في باب قيدودة وكينونة. وأيضًا فقد جعلت2 تاء التفعيل عوضًا من عين الفعّال. وذلك قولهم: قطعته تقطيعًا , وكسرته تكسيرًا, ألا ترى أن الأصل قطاع وكسار, بدلالة قول الله سبحانه: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} 3 وحكى الفراء قال: سالني أعرابي فقال: أحِلَّاق أحب إليك أم قِصَّار, فكما أن التاء الزائدة في التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغي أن تكون الياء في قيدودة عوضًا من العين لا الدال4. فإن قلت: فإن اللام أشبه بالعين من الزائد, فهلّا كانت لام القيدودة عوضًا من عينها, قيل: إن الحرف الأصلي القوي5 إذا حذف لحق بالمعتل الضعيف, فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف. وأيضًا فقد رأيت كيف كانت تاء6 التفعيل الزائدة عوضًا من عينه, "وكذلك ألف فاعل كيف كانت عوضًا من عينه"7 في خاف وهاع ولاع ونحوه. وأيضًا فإن عين قيدودة وبابها, وإن كانت أصلًا فإنها على الأحوال كلها حرف علة ما دامت موجودة ملفوظًا بها، فكيف

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "هاغ ولاع". 2 انظر ص71 من هذا الجزء. 3 آية: 28، سورة النبأ. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "اللام" يراد لام الميزان، فأما الدال فهي في الموزون "قيدودة". وكل صحيح. 5 سقط في ش. 6 في ش: "لام" وهو خطأ في النسخ. 7 سقط ما بين القوسين في ش.

بها إذا حذفت1 فإنها حينئذ توغِل في الاعتلال والضعف. ولو لم يعلم تمكّن هذه الحروف في الضعف إلّا بتسميتهم إياها حروف العلة لكان كافيًا. وذلك أنها في أقوى أحوالها ضعيفة, ألا ترى أن هذين2 الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ3 مع ذلك مؤنس فيهما ضعفًا. وذلك أنّ تحملهما للحركة أشقّ منه في غيرهما. ولم يكونا كذلك إلا لأنَّ مبنى أمرهما على خلاف القوة. يؤكد ذلك عندك أن أذهب الثلاث في الضعف والاعتلال الألف. ولما كانت كذلك لم يمكن4 تحريكها البتة, فهذا أقوى دليل على أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها5 من الحروف الأقوى لا الأضعف. ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث6 -وهي الفتحة- مستثقلة7 فيهما8 حتى9 يجنح لذلك, ويستروح إلى إسكانها نحو قوله: يا دار هند عفت إلا أثافيها10 وقوله: كأن أيديهنّ بالقاع القرق11

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "انحذفت". 2 أي: الواو والياء. 3 سقط في ش. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يكن". 5 في د، هـ، ز: "فيه". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الثلاثة", وإذا لم يذكر المعدود المؤنَّث بعد العدد جاز تذكير العدد وتأنيثه. 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مستقلة". 8 كذا في ز. وفي ش: "فيها". 9 كذا في الأصول, والأقرب: "حين". 10 انظر ص308 من الجزء الأول, والبيت للحطيئة, انظر ديوانه تحقيق: نعمان أمين طه ص201 "المصحح" وعجزه: بين الطوي فصارات فواديها 11 انظر ص307 من الجزء الأول.

ونحو من1 ذلك قوله 2: وأن يعرين إن كسى الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف نعم، وإذا كان الحرف1 لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى, وذلك نحو قول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 2 و {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} 4 و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 5، وقوله 6: ... ... ... ... وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق7 وقال الأسود "بن يعفر "8: فألحقت أخراهم طريق ألاهم9

_ 1 سقط في ش. 2 أي: سعيد بن مسحوج الشيباني. وقد تمثّل بها أبو خالد القناني. وانظر الكامل 7/ 81، واللسان "كرم" و"كسا"، وكرم يريد: كريمات وهو من الوصف بالمصدر. 3 آية: 4 سورة الفجر. 4 آية: 64 سورة الكهف. 5 آية: 9 سورة الرعد. 6 أي: أبي الربيس التغلبي. وانظر اللسان "ودي". 7 قبله مع تمام بيته: لا صلح بيني فاعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي سيفي وما كنا بنجد وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق قرقر: صوّت. القمر: ضرب من الطهور. والشاهق، الجبل المرتفع، وفي اللسان: "قرر" أن قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس. 8 سقط في د، هـ، ز. والأسود هو أعشى نهشل. وانظر الصبح المنير 302، والخزانة 4/ 525، والأغاني "طبعة دار الكتب" 11/ 138. 9 عجزه: كما قيل نجم قد خوى متتابع

يريد أولاهم، و {يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 1 و {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 2 كتبت في المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك. وقد حذفت الألف في نحو ذلك, قال رؤبة: وصَّاني العجاج فيما وصني3 يريد: فيما وصاني. وذهب أبو عثمان في قول الله -عز اسمه: "يَا أَبَتَ"4 إلى أنه أراد يا أبتاه, وحذف الألف. ومن أبيات الكتاب قول لبيد: رهط مرجوم ورهط ابن المعلّّ5 يريد المعلّي, وحكى6 أبو عبيدة وأبو الحسن وقطرب وغيرهم رأيت فرج, ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهي عن حفظ أنفسها وتحمل7 خواصَّها وعواني8 ذواتها, فكيف بها إذا جُشِّمت احتمال الحركات النّيفات على مقصور صورها. نعم وقد أعرب بهذه الصور9 أنفسها, كما يعرب بالحركات التي هي أبعاضها. وذلك في باب أخوك وأبوك, وهناك وفاك, وحميك وهنيك, والزيدان والزيدون

_ 1 آية: 24، سورة الشورى. 2 آية 18، سورة العلق. 3 انظر الديوان 187. 4 ورد في عدّة سور. ومن ذلك في سورة يوسف آيتا 4، 10, والمعنى هنا القرءة بفتح تاء أبت, وهي قراءة ابن عامر وأبي جعر والأعرج وقراءة الجمهور كسر التاء. 5 قبله: وقبيل من لكيز شاهد لكيز من عبد القيس, ومرجوم من أشرافهم واسمه عامر بن مرّ, وابن المعلَّى جد الجارود بن بشير ابن عمرو بن المعلّى من عبد القيس, وقد نسب هذا البيت في التاج "رجم" إلى لبيد كما هنا، ولا يوجد في قصيدته اللامية التي على هذا الروي في ديوانه. انظر الكتاب 2/ 291. 6 انظر في هذه اللغة ص99 من هذا الجزء. 7 في د، هـ، ز: "عمل" وهو تحريف. 8 أي: ذواتها العواني, أي: الضعيفات، يقال: النساء عوان, أي: ضعيفات أو مأسورات عند أزواجهن. 9 في د، هـ، ز: "الحروف".

والزيدين. " وأجريت"1 هذه الحروف مجرى الحركات في زيدٌ وزيدًا وزيدٍ, ومعلوم أن الحركات لا تحمل -لضعفها- الحركات. فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمنع2 من احتمالها الحركات أن3 إذا تحملتها جفت عليها وتكاءدتها4. ويؤكد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنه5 إذا وجدت أقواهن -وهما الواو والياء- مفتوحًا ما قبلها فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما؛ ألا ترى إلى ما جاء عنهم من نحو: نوبة ونوب, وجوبة6 وجوب, ودولة ودول. فمجيء فَعْلة على فُعَل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فُعْلة, فكأن دَولة دُولة, وجَوْبة جُوبة, ونَوبة نُوبة. وإنما ذلك لأنَّ الواو مما سبيله أن يأتي تابعًا للضمة. وكذلك ما جاء من فَعلة مما عينه ياء على فِعَل؛ نحو: ضَيْعة وضِيع, وخيمة وخيم, وعَيبة7 وعِيب, كأنه إنما جاء على أن واحدته فِعلة نحو: ضِيعة وخِيمة وعِيبة. أفلا تراهما مفتوحًا ما قبلهما مجراتين مجراهما مكسورًا ومضمومًا ما قبلهما, فهل هذا إلّا لأنَّ الصنعة مقتضية لشياع الاعتلال فيهما. فإن قلت: ما أنكرت ألا يكون ما جاء من نحو: فَعْلة على فُعَل -نحو: نُوب وجُوَب ودُول- لما ذكرته من تصور الضمة في الفاء, ولا يكون ما جاء من فَعلة على فِعَل, نحو: ضِيع وخِيم وعِيب لما ذكرته من تصور الكسرة في الفاء, بل لأنَّ ذلك ضرب من التكسير ركَّبوه فيما عينه معتلة, كما ركَّبوه فيما عينه صحيحة؛

_ 1 في د، هـ، ز: "فأجريت". 2 في د، هـ، ز: "يمتنع". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 يقال: تكاءدة الأمر: شق عليه وصعب. 5 في د، هـ، ز: "أنك". 6 هي الحفرة، وفجوة ما بين البيوت. 7 هي وعاء من جلد يكون فيه المتاع.

نحو لأمةٍ1 ولُؤَم وعَرْصة وعُرَص وقَرْية وقُرًى وبروة2 وبُرا -فيما ذكره أبو علي- ونَزْوة3 ونُزًا -فيما ذكره أبو العباس- وحَلْقة وحِلَق, وفَلْكة وفَلك. قيل: كيف تصرفت الحال فلا اعتراض شكَّ في أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرَّفتا معتدَّتان حرفي علة ومن أحكام4 الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما. هذا، ثم إنَّا5 رأيناهم قد كسَّروا فَعْلة مما6 هما عيناه على فُعَل وفِعَل, نحو: جُوَب ونُوَب, وضِيَع وخِيَم, فجاء تكسيرهما تكسير ما واحدة مضموم الفاء ومكسورها. فنحن الآن بين أمرين 7: إما أن نرتاح لذلك ونعلله, وإما أن نتهالك فيه ونتقبله غُفْل الحال, ساذَجًا من الاعتلال. فإن يقال: إن8 ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا في الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه, ونعطي اليد عنوة به من غير نظر له ولا اشتمال من الصنعة عليه, ألا ترى إلى قوله: وليس شيء9 مما يضَّطرون إليه إلا هم يحاولون10 له وجهًا. " فإذا"11 لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فهم لذلك مع الفسحة في حال السعة أولى بأن يحاولوه, وأحجى بأن يناهدوه12 فيتعللوا13 به ولا يهملوه. فإذا ثبت ذلك في باب ما عينه ياء أو واو, جعلته الأصل في ذلك, وجعلت ما عينه صحيحة فرعًا له ومحمولًا عليه, نحو: حِلَقٍ وفِلكٍ وعُرَص ولُؤَم وقرى وبرا, كما أنهم لما أعربوا بالواو والياء والألف في الزيدون والزيدين والزيدان, تجاوزوا

_ 1 هي الدرع. 2 هي الحلقة في أنف البعير. 3 انظر سيبويه 2/ 188. 4 في د، هـ، ز: "أحكام أحكام". 5 في د، هـ، ز: "إنا قدر". 6 في د، هـ، ز: "فيما". 7 في د، هـ، ز: "الأمرين". 8 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "لك". 9 سقط في ش. 10 في د، هـ، ز: "به". 11 في د، هـ، ز: "فإن". 12 أي: يناهضوه ويقصدون. 13 في د، هـ، ز: "فيعللوا".

ذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين. وهو النون في يقومان وتقعدين وتذهبون. فهذا1 جنس من تدريج اللغة الذي تقدَّم بابه فيما مضى من كتابنا هذا. وأما ما حذفت لامه وصار الزائد عوضًا منها فكثير. منه باب سنة ومائة ورئة وفئة وعضة وضعة. فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوّض منها تاء التأنيث, ألا تراها كيف تعاقب اللام في نحو: برة وبرا, وثبة وثبا. وحكى أبو الحسن عنهم: رأيت مِئْيا بوزن مِعْيًا. فلما حذفوا قالوا: مائة. فأما بنت وأخت, فالتاء عندنا بدل من لام2 الفعل وليست عوضًا. وأما ما حذف لالتقاء السكانين من هذا النحو فليس الساكن الثاني3 عندنا بدلًا ولا عوضًا؛ لأنه ليس لازمًا. وذلك نحو: هذه عصًا ورحًا, وكلمت معلّى, فليس التنوين في الوصل ولا الألف التي هي بدل منها4 في الوقف -نحو: رأيت عصًا, عند5 الجماعة، وهذه عصا, ومررت بعصا, عند أبي عثمان والفراء- بدلًا من لام الفعل ولا عوضًا, ألا تراه غير لازم؛ إذ كان التنوين يزيله الوقف, والألف التي هي بدل منه يزيلها الوصل. وليست كذلك تاء مائة وعضة وسنة وفئة وشفة؛ لأنها ثابتة في الوصل ومبدلة هاء في الوقف. فأمَّا الحذف فلا حذف. وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو: القاضون والقاضين والأعلَون والأعلَين, فعلم الجمع ليس عوضًا ولا بدلًا؛ لأنه ليس لازمًا.

_ 1 في د، هـ، ز: "وهذا". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لامي". 3 في د، هـ، ز: "الباقي". 4 في د، هـ، ز: "منه". 5 ذلك أنهم يرون اعتبار المقصور بالصحيح، فحكموا أن الألف في النصف ألف مجتلبة للوقف بدلًا من التنوين، كما نقول: رأيت زيدًا، فأما في حالتي الرفع والجر فالألف بدل من لام الكلمة عادت بعد حذف التنوين الذي كان سببًا في حذفها. فأما أبو عثمان والفراء فيريان أن الألف للوقف في الأحوال اللثلاث, وأن لام الكلمة لا تعود في الوقف في الأحوال جميعًا. وانظر الأشموني على الألفية في مبحث الوقف.

فأمَّا قولهم: هذان وهاتان واللذان واللتان والذين واللذون, فلو قال قائل: إن علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف1 والياء2 من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع, لا على حد رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون, ولكن على حد3 قولك: هما وهم وهن, لكان مذهبًا, ألا ترى أن "هذين " من "هذا " ليس على "رجلين" من "رجل", ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة, كما تنكر الأعلام نحو: زيدان وزيدين وزيدون وزيدين, والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك, ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافًا على المعارف4 كما تجري عليها مفردة. وذلك قولك: مررت بالزيدين هذين, وجاءني أخواك اللذان في الدار. وكذلك قد توصف هي أيضًا بالمعارف نحو قولك: جاءني ذانك الغلامان, ورأيت اللذين في الدار الظريفين. وكذلك أيضًا تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة, وذلك نحو قولك 5: هذان قائمين الزيدان, وهؤلاء منطلقين إخوتك. وقد تقصينا القول في6 ذلك في كتابنا "في سر الصناعة". وقريب من هذان واللذان قولهم: هيهات مصروفة "وغير مصروفة"7, وذلك أنها جمع هيهاة, وهيهاة عندنا رباعية مكررة8، فاؤها ولامها الأولى هاء، وعينها ولامها الثانية ياء. فهي -لذلك- من باب صِيِصية9. وعكسها باب يَلْيَل10 ويَهْيَاه11، قال ذو الرمة:

_ 1 أي: في اسم الإشارة. 2 أي: في اسم الموصول. 3 سقط في ش. 4 في د، هـ، ز: "المعرفة". وانظر في هذا البحث الكتاب 2/ 104. 5 سقط في ش. 6 في د، هـ، ز: "على". 7 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش. 8 فأصلها هيهية، فقلبت الياء الأخيرة ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. 9 هي قرن الحيوان، وتطلق على ما يمتنع به كالحصن. 10 هو وادي ينبع. 11 هو صوت الاستجابة، يدعو الرجل صاحبه فيقول: ياء, أي: أقبل واستجب، فيقول صاحبه: يهياه أي: استجبت واستمعت.

تلؤم يهياهٍ بياهٍ وقد مضى ... من الليل جَوْرٌ واسبطرَّتْ كواكبه1 وقال كُثيِّر: وكيف ينال الحاجبية آلِفٌ ... بيليل ممساه وقد جاوزت2 رقدًا فهيهاةُ من مضعَّف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة. فكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء, فيقال: هيهيات كشوشيات3 وضوضيات؛ إلا أنهم حذفوا اللام؛ لأنها في آخر اسم غير متمكن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة؛ نحو: رَحَيَان ومَوْليَان. فعلى هذا قد4 يمكن أن يقال: إن الألف والتاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهاةٍ؛ لأن هذا ينبغي أن يكون اسمًا صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء. فإن قيل: وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم: هيهات هيهات, وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيرهما5؛ فقد صار إذًا هيهات بمنزلة قصاع وجفان "وكرام وظراف"6. قيل: ليس التنكير في هذا الاسم المبني على حدّه في غيره من المعرب, ألا ترى أنه لو كانت هيهات من هيهاة بمنزلة أرطيات من أرطاة, وسعليات من سعلاة, لما كانت إلّا نكرة, كما أن سعليات وأرطيات لا تكونان7 إلا نكرتين.

_ 1 الحديث عن راع ضلّ صاحبه في الليل, فهو يتسمَّع الأصوات, أو يصبح يدعو صاحبه عسى أن يرد عليه، وهو يتلوّم في ذلك أي: يتمكث، والجوز، الوسط، واسبطرت: أي: امتدَّت للمغيب، وانظر الديوان 49. 2 في دبوا 2/ 174 هذا البيت في ثمانية أبيات على روي اللام، وفي "نخلا" بدل "رقدا". ويبدو أن ما ها مغير عمَّا في الديوان، والحاجبية عزة التي عرف بيا. وهذه النسبة إلى جدِّها الأعلى حاجب بن غفار من كنانة، وانظر الخزانة 2/ 381. 3 جمع شوشاة وهو وصف, يقال: ناقة شوشاة, أي: سريعة، وامرأة شوشاة: كثيرة الحديث. 4 سقط في ش. 5 في د، هـ، ز: "تنكيره". 6 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش. 7 في د، هـ، ز: يكونان".

فإن قيل: ولم لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علمًا؛ كرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات. وكذلك أنت في هيهات إذا عرَّفتها فقد جعلتها علمًا على معنى البعد, كما أن غاق فيمن لم ينون فقد جعل علمًا لمعنى الفراق, ومن نون فقال: غاقٍ غاقٍ, وهيهاة هيهاة, هيهاتٍ هيهاتٍ, فكأنه قال: بعدًا بعدًا, فجعل التنوين علمًا لهذا المعنى, كما جعل حذفه علمًا لذلك. قيل: أما على التحصيل فلا تصح هناك حقيقة معنى العلمية. وكيف يصح ذاك وإنما هذه أسماء1 سمي بها الفعل في الخبر, نحو: شتان وسرعان وأف وأوتاه, وسنذكر ذلك في بابه. وإذا كانت أسماء للأفعال والأفعال أقعد شيء في التنكير وأبعده عن التعريف, علمت أنه تعليق لفظ متأول2 فيه التعريف على معنى لا يضامه إلا التنكير. فلهذا قلنا: إن تعريف باب هيهات لا يعتدّ تعريفًا. وكذلك غاق وإن لم يكن اسم فعل, فإنه على سمته, ألا تراه صوتًا بمنزلة حاء وعاء وهاء, وتعرّف الأصوات من جنس تعرّف الأسماء المسماة "بها الأفعال"3. فإن قيل: ألا تعلم أن معك من الأسماء ما تكون4 فائدة معرفته كفائدة نكرته البتة. وذلك قولهم: غدوة هي في معنى غداة, إلا أن غُدوة معرفة, وغَداة نكرة. وكذلك أسَد وأُسامة وثعلب وثُعالة وذئب وذُؤالة وأبو جَعْدة وأبو مُعْطة. فقد تجد هذا التعريف المساوي5 لمعنى التنكير فاشيًا في3 غير ما ذكرته, ثم لم يمنع ذلك أسامة وثعالة وذؤالة وأبا جعدة وأبا معطة6 ونحو ذلك أن تُعدّ في الأعلام, وإن لم يخص الواجد من جنسه, فكذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا؟

_ 1 في د، هـ، ز: "هي". 2 في ش "يتأول". 3 سقط في ش. 4 في د، هـ، ز: "يكون". 5 في د، هـ، ز: "المساوق". 6 أبو جعده وأبو معطة كنيتان للذئب, وسمي بالثاني لتمعط شعره, أي: انجراده عنه وسقوطه.

قيل: هذه الأعلام وإن كانت معنياتها نكرات فقد يمكن في كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة كقولك: فرقت ذلك الأسد الذي فرقته, وتبركت1 بالثعلب الذي تبركت1 به، وخسأت الذئب الذي خسأته. فأما الفعل فمِمَّا لا يمكن تعريفه على وجه, فلذلك لم يعتد2 التعريف الواقع عليه لفظًا سمه خاصة ولا تعريفًا. وأيضًا فإن هذه الأصوات عندنا في حكم الحروف, فالفعل إذًا أقرب إليها, ومعترض بين الأسماء3، وبينها, أوَلا ترى أن البناء الذي سرى في باب: صه ومه وحيهلا ورويدًا وإيه وأيها وهلمّ, ونحو ذلك من باب: نزال ودراك ونظار ومناع, إنما أتاها من قبل تضمن هذه الأسماء معنى لام الأمر؛ لأن أصل ما صَهْ اسم له -وهو اسكت- لتسكت؛ كقراءة4 النبي -صلى الله عليه وسلم: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} 5 وكذلك مَهْ هو اسم اكفُفْ, والأصل لتكفف. وكذلك نزال هو اسم انزل, والأصل: لتنزل. فلما كان معنى اللام عائرًا6 في هذا الشق وسائرًا في أنحائه, ومتصورًا في جميع جهاته دخله البناء من حيث تضمَّن هذا المعنى, كما دخل أين وكيف لتضمَّنهما7 معنى حرف الاستفهام, وأمس لتضمنه معنى حرف التعريف, ومن لتضمنه معنى حرف الشرط, وسوى ذلك. فأما أفّ وهيهات وبابهما مما هو اسم للفعل فمحمول في8 ذلك على أفعال الأمر. " وكأنَّ"9 الموضع في ذلك إنما هو لصهْ ومه ورويد ونحو ذلك, ثم حمل عليه باب أفّ وشتان ووشكان "من حيث"10 كان اسمًا سمي به الفعل.

_ 1 في د، هـ، ز: "تباركت". 2 في د، هـ، ز: "يعتد ذا" وكأن الأصل: "يعتدد" فحول إلى ما ترى. وهذا كما في الأشباه. 3 في د، هـ، ز: "الاسم". 4 يعني بقراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أن المحدثين نقلوها عنه، ولم يدونها القراء من طرفهم, وهذا اصطلاح للمفسرين. انظر شهاب البيضاوي 6/ 327. 5 آية: 58 سورة يونس. 6 أي: مترددًا, ومن أمثالهم: كلب عائر خير من كلب رابض. 7 في د، هـ، ز: "لنضمنها". 8 سقط هذا الحرف في ش. 9 في د، هـ، ز: "فكأن". 10 في د، هـ، ز: "وحيث".

وإذا جاز لأحمد وهو اسم معرفة1 علم أن يشبه ب"أركب" وهو فعل نكرة, كان أن يشبه اسم سمِّي به الفعل في الخبر باسم سمِّي به الفعل في الأمر أولى؛ ألا ترى أن كل واحد منهما اسم, وأن المسمَّى به أيضًا فعل. ومع ذا فقد تجد لفظ الأمر في معنى الخبر نحو قول الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 2 وقوله عز اسمه: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} 3 أي: فليمدنَّ. ووقع أيضًا لفظ الخبر في معنى الأمر نحو قوله سبحانه: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} 4, وقولهم: هذا الهلال. معناه: انظر إليه. ونظائره كثيرة. فلمَّا كان أفّ كصه في كونه اسمًا للفعل5 كما أنَّ صه كذلك, ولم يكن بينهما إلّا أن هذا اسم لفعل مأمور به, وهذا اسم لفعل مخبر به6، وكان كل واحد من لفظ الأمر والخبر قد7 يقع موقع صاحبه, صار كأن8 كل واحد منها هو صاحبه, فكأن لا خلاف هناك في لفظ ولا معنى. وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه, فكيف بما ثبتت فيه ووقّت عليه واطمأنت به. فاعرف ذلك. ومما حذفت لامه وجعل الزائد عوضًا منها فرزدق وفريزيد9 وسفرجل وسفيريج. وهذا10 باب واسع.

_ 1 زيادة في د، هـ، ز. 2 آية: 28، سورة مريم. 3 آية: 75، سورة مريم. 4 آية 223 سورة البقرة، وهو يريد قراءة "تضار" يرفع الراء مشدَّدة, وهي قراءة بن كثير وأبي عمرو ويعقوب وأبان عن عاصم. وانظر البحر 2/ 214. 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الفعل". 6 في د، هـ، ز: "عنه". 7 سقط في ش. 8 سقط في د، هـ، ز. 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فريزيق" وكلاهما صحيح. 10 في د، ز: "هو".

فهذا طرف من القول على ما زيد من الحروف عوضًا من حرف أصلي محذوف, وأما الحرف الزائد عوضًا من حرف زائد فكثير. منه التاء في فرازنة وزنادقة وجحاجحة. لحقت عوضًا من ياء المد في زناديق وفرازين وجحاجيح. ومن ذلك ما لحقته ياء المد عوضًا من حرف زائد حذف منه نحو قولهم في تكسير مدحرج وتحقيره: دحاريج ودحيريج, فالياء عوض من ميمه. وكذلك جحافيل وجحيفيل , الياء عوض من نونه1, وكذلك مغاسيل ومغيسيل , الياء عوض من تائه2. وكذلك زعافير3، الياء عوض من ألفه ونونه. وكذلك الهاء في تَفْعِلة في المصادر عوض من ياء تفعيل أو ألف فعال. وذلك نحو: سليته تسلية, وربيته تربية 4: الهاء بدل من ياء تفعيل في تسلَّى وتربَّى, أو ألف سلاء ورباء. أنشد أبو زيد: باتت تنزَّى دلوها تنزيًا ... كما تنزى شهلة صبيًّا5 ومن ذلك تاء الفعللة في الرباعي نحو: الهملجة6 والسرهفة؛ كأنها عوض من ألف فعلال نحو: الهملاج والسرهاف, قال العجاج: سرهفته ما شئت من سرهاف7

_ 1 أي: نون جحنفل. وهو الغليظ الشفة. 2 أي: تاء مغتسل، بفتح التاء وهو موضع الاغتسال. 3 أي: في جمع زعفران. 4 في د، ز بعد هذا "ورثيته ترثية". 5 الشهلة: العجوز. وفي شرح شواهد الشافية 67: "وهذا الشعر مشهور في كتب اللغة وغيرها. ولم يذكر أحد تتمته ولا قائلة". 6 هي حسن سير الدابة في سرعة. 7 يقال: "سرهفة: أحسن غذاءه، وهذا من أرجوزة في الحديث عن ابنه رؤبة. وانظر الخزانة 1/ 249، والديوان، والسمط 788.

وكذلك ما لحق بالرباعي من نحو: الحوقلة والبيطرة والجهورة والسلقاة. كأنها عوض من ألف حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء. ومن ذلك قول التغلبي 1: متى كنَّا لأمك مقتوينا2 والواحد مقتويّ وهو منسوب إلى مقتي وهو مفعل من القَتْو وهو الخدمة؛ قال: إني امرؤ من بني خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا3 فكان4 قياسه إذا جمع أن يقال: مقتويون ومقتويين, كما أنه إذا جمع بصري وكوفي قيل: كوفيون وبصريون, ونحو ذلك, إلا إنه جعل علم الجمع معاقبًا لياءي الإضافة, فصحت اللام لنية الإضافة, كما تصح معها. ولولا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين, وأن يقال: مقْتَوْن ومقْتَيْن, كما يقال: هم الأعلَوْن وهم المصطَفَوْن, قال الله سبحانه: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 5 وقال عز اسمه:

_ 1 أي: عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة. 2 صدره: تهدنا وأوعدنا رويدًا وهو من معلقته. 3 الحفد: الخدمة، ويكون أيضًا لضرب من السير. وفي رواية اللسان "قتو": "الخببا" بدل "الحفدا", والحفد أصله السكون فحرك للوزن، كما قال رؤبة: وقائم الأعماق خاوي المحترق ... مشتبه الأعماق لماع الخفق فالخفق أصله الخفْق بالسكون فحرك لاستقامة الشعر. وانظر الجمهرة 2-27، وقد تقدَّم هذا في ص106 من هذا الجزء. 4 في د، هـ، ز: "وكان". 5 آية: 139، سورة آل عمران.

{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} 1 فقد ترى إلى تعويض2 علم الجمع من ياءي3 الإضافة والجميع زائد. وقال سيبويه4 في ميم فاعلته مفاعلة: إنها عوض من ألف فاعلته, وتتبَّع ذلك محمد بن يزيد فقال: ألف فاعلت5 موجودة في المفاعلة, فكيف يعوض من حرف هو6 موجود غير معدوم. وقد ذكرنا ما في هذا ووجه سقوطه عن6 سيبويه في موضع غير هذا7. لكن الألف في المفاعل بلا هاء هي ألف فاعلته لا محالة, "وذلك"8 نحو: قاتلته مقاتلًا وضاربته مضاربًا قال: أقاتل حتّى لا أرى لي مقاتلًا ... وأنجو إذا لم ينج إلّا المكيس9 وقال: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلًا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب10

_ 1 آية: 47، سورة ص. 2 في د، هـ، ز، بعده زيادة: "ياء". 3 في د، هـ، ز: "ياء". 4 الكتاب 2/ 243 وانظر هامش سيبويه في الموطن السابق. 5 في د، هـ، ز: "فاعلته". 6 في د، هـ، ز: "وهو". 7 في د، هـ، ز: "عند". 8 عقب السيوطي في الأشباه ج1 ص129، بقوله: "يعني في كتاب التعاقب" وفيه أن أبا علي رد قول المبرد في الجزء السنين من التذكرة، وحاصله أن الألف ذهبت وهذه غيرها، وفي زيادة لحقت المصدر؛ كما تلحق المصادر أصناف زيادتها بين ألف الإفعال وياء التفعيل. 9 سقط ما بين القوسين في د، هـ. 10 انظر ص368، من الجزء الأول من هذا الكتاب.

فأما أقمت إقامة, وأردت إرادة "ونحو ذلك"1 فإن الهاء فيه على مذهب الخليل وسيبويه عوض من ألف إفعال الزائدة. وهي في قول أبي الحسن عوض من عين إفعال, على مذهبهما في باب مفعول من2 نحو: مبيع ومقول. والخلاف في ذلك قد عرف وأحيط بحال المذهبين فيه, فتركناه لذلك. ومن ذلك الألف في يمانٍ وتهامٍ وشئامٍ: هي عوض من إحدى ياءي الإضافة في يمنيّ وتهاميّ وشأميّ. وكذلك ألف ثمان3. قلت لأبي علي: لم زعمتها للنسب فقال: لأنها ليست بجمع مكسر فتكون كصحارٍ. قلت له 4: نعم ولو لم تكن للنسب4 للزمتها الهاء البتة؛ نحو: عباقية5 وكراهية وسباهية6. فقال: نعم هو كذلك. ومن ذلك أنَّ7 ياء التفعيل بدل من ألف الفعال, كما أن التاء في أوله عوض من إحدى عينيه. ففي هذا كاف بإذن الله. وقد أوقع هذا التعاوض في الحروف المنفصلة عن الكلم غير المصوغة فيها الممزوجة بأنفس صيغها. وذلك قول الراجز -على مذهب الخليل: إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يومًا على من يتَّكل8

_ 1 في د، هـ، ز: "نحوه". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 في ش: "يمان" وهو تحريف. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 من معانيها شجر له شوك يؤذي من علق به. 6 يقال: رجل سباهية: متكبر. 7 سقط في ش. 8 انظر الكتاب 1/ 443.

أي: من يتكل عليه. فحذف "عليه" هذه, وزاد "على" متقدّمة, ألا ترى أنه يعتمل1 إن لم يجد من يتكل عليه. وندع ذكر قول غيره ههنا. وكذلك قول الآخر 2: أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما ... خصفن بآثار المطيّ الحوافرا أي: خصفن بالحوافر آثار المطيّ, يعني: آثار أخفافها. فحذف الباء من "الحوافر", وزاد أخرى عوضًا منها في "آثار المطي". هذا على قول من لم يعتقد القلب, وهو أمثل, فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه. وقياس هذا الحذف والتعويض قولهم: بأيهم تضرب أمرر, أي: أيهم تضرب أمرر به.

_ 1 هذا ما فهمه ابن جني في كلام سيبويه. وفهم الناس قديمًا فيه أنه: إن لم يجد على من يتكل عليه؛ نحو بمن تمرّ أمر به، فحذف "عليه", وقد اعترض على سيبويه في هذا أن "يجد" لا يتعدَّى بالحرف "على"؛ إذ هو متعدٍّ بنفسه. وانظر الخزانة 4/ 252. 2 هو مقاس العائذيّ, والبيت من قصيدة مفضَّلية يتوعَّد فيها أمرأ القيس بن بحر بن زهير بن جناب الكلبي، فقوله: "أولى فأولى" توعّد. وقوله: "خصفن" أي: الخيل, أي: تبعت الإبل - وهي المعنى بالمطي. وذلك على أن الإبل تسبق الخيل، وذلك ما كانوا يفعلون, ومن معاني الخصف الخرؤ والستر, فكأن السائر خلف آخر يستر أثره ويخصفه. وقد فسّر البيت على نسبة الخصف إلى الإبل, أي: إن الإبل تتبع الخيل. ويبدو أنه على هذا لا حذف ولا قلب. وانظر اللسان "خصف" وشرح المفضليات.

باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض

باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض: هذا باب يتلقاه الناس مغسولًا1 ساذجًا من الصنعة, وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه.

_ 1 أي: هاربًا من الدقة، كأنه غسل منها، أو لتفاهته يستحق أن يغسل ويمحى. وانظر الأساس.

وذلك أنهم يقولون: إن "إلى " تكون بمعنى مع. ويحتجّون لذلك بقول الله سبحانه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1 أي: مع الله, ويقولون: إن2 "في " تكون3 بمعنى "على"، ويحتجون بقوله عز اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 4 أي: عليها, ويقولون: تكون الباء بمعنى عن وعلى, ويحتجون5 بقولهم: رميت بالقوس أي: عنها وعليها, كقوله: أرمي عليها وهي فرع أجمع6 وقال7 طفيل: رمت عن قسي الماسخيّ رجالهم ... بأحسن ما يبتاع من نبل يثرب8 وأنشدني9 الشجري: أرمى علي شريانة قذّاف ... تلحق ريش النبل بالأجواف10

_ 1 آية: 14، سورة الصف. 2 سقط في ش. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 آية 71، سورة طه. 5 في د، هـ، ز: "بقوله". 6 هذا في الحديث عن قوس، وقوله: "فرع أجمع" أي: عملت من غصن ولم تعمل من شق عوده, وذلك أقوى لها. وبعده: وهي ثلاث أذرع وإصبع أي: هي تامة: انظر شرح الجواليقي لأدب الكاتب 353. 7 في د، هـ، ز: "قول". 8 قبله: فما برحوا حتى رأوا في ديانه ... لواء كظل الطائر المنقلب يقول: إنه أغار بقومه على عدوه، فرأى الأعداء لواء قومه في ديارهم. والماسخيّ: القواس. وقوله: "رجالهم", فالرواية في الديوان: "رجالنا". انظر الديوان 13. 9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "أنشد". 10 الشريانة يريد بها قوسًا اتخذت من الشريان، وهو شجر من عضاه الجبال، تتخذ منه القسيّ. والقذاف: التي تبعد السهم, ويريد أن صهمها ينفذ في جوف المرميّ بها، حتى يختلط ريشها بالجوف. وقوله: "أرمي" في د، هـ، ز "أرثني" وهي تحريف.

وغير ذلك مما يوردونه. ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا, لكنا نقول: إنه يكون بمعناه1 في موضع دون موضع على حسب الأحوال2 الداعية إليه، والمسوغة3 له, فأما في كل موضع وعلى كل حال فلا، ألا ترى أنك4 إن أخذت بظاهر هذا القول غفلًا هكذا, لا مقيّدًا لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد, وأنت تريد: معه, وأن تقول: زيد في الفرس, وأنت تريد: عليه, وزيد في عمرو, وأنت تريد: عليه في العداوة, وأن تقول: رويت الحديث بزيد, وأنت تريد: عنه, ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع في ذلك رسمًا يعمل عليه, ويؤمن التزام الشناعة لمكانه. اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر, وكان أحدهما يتعدَّى بحرف والآخر بآخر, فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر, فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه. وذلك كقول الله -عز اسمه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 5 وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة, وإنما تقول: رفثت بها أو معها, لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء, وكنت تعدي أفضيت ب"إلى" كقولك: أفضيت إلى المرأة, جئت ب"إلى" مع الرفث إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه, كما صححوا عور وحول لمَّا كانا6 في معنى

_ 1 في د، هـ، ز: "معناه". 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الحال". 3 سقط حرف الطف في د، ب، ز. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إذا". 5 آية 187، سورة البقرة. 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كان".

اعورَّ وأحولَّ. وكما جاءوا بالمصدر فأجروه على غير فعله لما كان في معناه؛ نحو قوله: وإن شئتم تعاودونا عوادًا1 لما كان التعاود أن يعاود بعضهم بعضًا, وعليه جاء قوله 2: وليس بأن تتبعه اتباعًا3 ومنه قول الله سبحانه: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 4 , وأصنع من هذا قول الهذلي 5: ما إن يمسُّ الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طيّ المحمَل فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر, ألا ترى أن معناه: طوى طيّ المحمل, فحمل المصدر على فعل دلَّ أول الكلام عليه, وهذا ظاهر. وكذلك قول الله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 6 أي: مع الله, وأنت لا تقول: سرت إلى زيد, أي: معه, لكنه إنما جاء7 {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} لما كان معناه: من ينضاف في نصرتي إلى الله, فجاز لذلك أن تأتي هنا إلى, وكذلك قوله -عز اسمه: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} 9 وأنت إنما تقول: هل لك في كذا, لكنه لما كان على10

_ 1 هذا عجز بيت صدره مع بيت قبله: صرحت على بلادكم جيادي ... فأدت منكم كومًا جلادا بها لم تشكروا المعروف عندي ... ... .... ..... وهذا من قصيدة لشقيق بن جزء في فرحة الأديب. وانظر آخر الاقتضاب. 2 أي: القطامي. وانظر الديوان، والخزانة 1/ 391. 3 هذا عجز بيت صدره: وخير الأمير ما استقبلت منه 4 آية: 8 سورة المزمل. 5 هو أبو كبير، والبيت من قصيدة يقولها في تأبط شرًّا, وهي في الحماسة. 6 آية: 52، سورة آل عمران. آية: 14، سورة الصف. 7 في د، هـ، ز: "جاز". 8 كذ في ش، وفي د، هـ، ز: "كذلك". 9 آية: 18، سورة النازعات. 10 سقط في د، هـ، ز.

هذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكَّى, وعليه قول الفرزدق: كيف تراني قاليًا مجنِّي ... أضرب أمري ظهره للبطن قد قتل الله زيادًا عنِّي1 لمَّا كان معنى قد قتله: قد صرفه، عدَّاه بعن. ووجدت في اللغة من هذا الفنِّ شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به, ولعله لو جمع أكثره "لا جميعه"2 لجاء كتابًا ضخمًا, وقد عرفت طريقه. فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبله وأنس3 به, فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. وفيه أيضًا موضع يشهد على من4 أنكر أن يكون في اللغة لفظان بمعنى واحد حتى تكلَّف لذلك أن يوجد فرقًا بين قعد5 وجلس، وبين ذراع6 وساعد, ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة في معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذي بابه الإفضاء وهو "إلى ". وكذلك لما كان "هل لك في كذا" بمعنى

_ 1 كان الفرزدق هرب من البصرة إلى المدينة واختفى فيها خوفًا من زياد بن أبيه لغضبة غضبها عليه، فلمَّا بلغه موت زياد وهو في المدينة ظهر وأنشد هذا الرجز إظهارًا للشماتة به وفرحًا بالسلامة منه. والمجنّ: الترس, وقاله كناية عن عدم الحاجة إليه. وكان موت زياد سنة 53هـ. وانظر شواهد المغني للبغدادي في آخر الكتاب. 2 سقط في ش. 3 في د، هـ، ز: "تأنس". 4 من هؤلاء ثعلب وابن فارس. وانظر المزهر 1/ 239. 5 فالقعود يكون عن قيام، والجلوس يكون عن حالة دونه، وذاك أن الجلوس مأخوذ من الجلس وهو المكان المرتفع, تقول: كان مضطجعًا ثم جلس. وانظر المزهر في مبحث الترادف. 6 فسَّر بعضهم الذراع بأنه الأسفل من الزندين، والساعد: الأعلى منهما، وانظر اللسان.

أدعوك إليه, جاز أن يقال: هل لك إلى أن تزكّى "كما يقال أدعوك إلى أن تزكّى"1 وقد قال رؤبة ما قطع به العذر ههنا قال: بالٍ بأسماء البلى يسمَّى فجعل للبلى -وهو معنى واحد- أسماء. وقد قدمنا هذا "فيما مضى من صدر كتابنا"2. ومما جاء من الحروف في موضع غيره على نحو مما3 ذكرنا قوله 4: إذا رضيت على بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها أراد: عنِّى. ووجهه: أنها إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه, فلذلك استعمل "على" بمعنى "عن", وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في هذا؛ لأنه قال: لما كان "رضيت" ضد "سخطت" عدّى رضيت بعلى حملًا للشيء على نقيضه؛ كما يحمل على نظيره. وقد سلك سيبويه هذه5 الطريق في المصادر كثيرًا, فقال: قالوا كذا كما قالوا كذا, وأحدهما ضد الآخر. ونحو منه قول الآخر 6: إذا ما امرؤ ولَّى علي بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّي7

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في صدر ما مضى من كتابنا". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ما". 4 أي: القحيف العقبلي يمدح حكيم بن المسيب القشيري، وانظر الخزانة 4/ 247، والنوادر 176. 5 في د، هـ، ز: "هذا". 6 هو دوسر بن غسان اليربوعي. وانظر الاقتضاب للبطليوسي، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 355. 7 بعده: ولم أتعذر من خلال تسوءه ... كما كان يأتي مثلهنَّ على عمد لم يصدر: لم يرجع: أي: إذا جفاني امرؤ لم أطلب ودَّه، ولست أودّ من لا يودني. وأسوءه كما يسوءني ولا أعتذر من ذلك.

أي: عنِّي. ووجهه أنه إذا ولَّى عنه بوده فقد استهلكه عليه, كقولك. أهلكت عليّ مالي, وأفسدت علي ضيعتي. وجاز أن يستعمل "على" ههنا؛ لأنه أمر عليه لا له. وقد تقدم نحو هذا. وأما قول الآخر: شدّوا المطيّ على دليل دائب ... من أهل كاظمةٍ بسيف الأبحر1 فقالوا معناه: بدليل. وهو عندي أنا على حذف المضاف, أي: شدوا المطي على دلالة دليل, فحذف المضاف. وقوي حذفه هنا شيئًا؛ لأن لفظ الدليل يدل على الدلالة. وهو كقولك: سر على اسم الله. و" على " هذه عندي حال من الضمير في سر وشدوا2، وليست موصلة3 لهذين الفعلين، لكنها متعلقة بمحذوف4؛ حتى5 كأنه قال: "سر معتمدًا على اسم الله"6؛ ففي الظرف إذًا ضمير لتعلقه بالمحذوف. وقال 7: بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوءم أي: على سرحة "وجاز ذلك من حيث كان معلومًا أن ثيابه لا تكون في داخل سرحة"8؛ لأن السرحة لا تنشق فتستودع الثياب ولا غيرها, وهي بحالها سرحة.

_ 1 "بسيف" في ج: "فسيف"، وللسيف: ساحل البحر. وهذا البيت لعوف بن عطية بن الخرع، كما ذكره في الاقتضاب 449، وورد البيت غير معزو في اللسان "دلل". 2 كذا في ش, وهو يوافق ما في اللسان "دلل". وفي د، هـ، ز: "سار". 3 كذا في د، هـ، ز وفي ش، "مواصلة"، وفي اللسان: "موصولة". 4 كذا في نسخ الخصائص: وفي اللسان: "بفعل محذوف". 5 ثبت هذا الحرف في ش، وسقط في د، هـ، ز. 6 كذا في نسخ الخصائص, وفي اللسان: "شدوا المطي معتمد بن علي دليل دائب". 7 أي: عنترة في معلقته، والسرحة: شجرة فيها طول وإشراف، أي: أنه طويل الجسم. والنعال السبتية: المدبوغة بالقرظ. هي أجود النعال, وقوله: ليس بتوءم, أي: هو قوي لم يزاحمه أخ في بطن أمه فيكون ضعيفًا. 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش.

فهذا من طريق المعنى بمنزلة كون الفعلين أحدهما في معنى صاحبه على ما مضى. وليس كذلك قول الناس: فلان في الجبل؛ لأنه قد يمكن أن يكون في غارٍ من أغواره, أو لصب1 من لصابه، فلا يلزم أن يكون عليه, أي: عاليًا فيه. وقال: وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه ... على كل حال من غمارٍ ومن وحل2 قالوا: أراد بنا, وقد يكون3 عندي على حذف المضاف, أي: في سيرنا، ومعناه: في سيرهن بنا. ومثل قوله: "كأن ثيابه في سرحة ": قول امرأة4 من العرب: هم صلبوا العبدي في جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا لأنه معلوم أنه لا يصلب في داخل جذع5 النخلة وقلبها. وأما قوله 6: وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال

_ 1 هو شق في الجبل، أو هو مضيق فيه. 2 الغمار: جمع الغمر أو الغمرة؛ وهو الماء الكثير. وفي الانتضاب 437: هذا البيت لا أعلم قائله. وأحسبه يصف سفنًا، وفي شر الجواليق لأدب الكاتب 358: "أي: قطعن البحر بنا غمره وضحله، وضبط في اللسان بالقلم: "وحل" -بفتح الحاء وسكون اللام. وكذا في الاقتضاب. وضبط في ج بسكون الحاء. 3 في د، هـ، ز. "يجوز". 4 في اللسان "عبد" نسبته إلى سويد بن أبي كاهل, والعبدي: نسبة إلى عبد القيس، وقوله: "بأجدع" أي: بأنف أجدع، وانظر شواهد المغني للبغدادي 1/ 944، والكامل 6/ 244. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شق" 6- أي: امرئ القيس, وقبله مطلع القصيدة وهو: ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي وقوله: "أحدث" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "آخر".

فقالوا: أراد مع ثلاثة أحوال. وطريقه عندي أنه على حذف المضاف, يريد: ثلاثين شهرًا في عقب ثلاثة أحوال قبلها. وتفسيره: بعد ثلاثة أحوال, فالحرف إذًا على بابه؛ وإنما1 هنا حذف المضاف الذي قد شاع عند الخاص والعام. فأمَّا قوله 2: يعثرن في حدِّ الظبات كأنما ... كُسِيَت برود بني تزيد الأذرع3 فإنه أراد: يعثر بالأرض في حد الظبات, أي: وهنّ في حد الظبات كقولك: خرج بثيابه, أي: وثيابه عليه, وصلّى في خفيه, أي: وخفاه عليه. وقال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 4 فالظرف إذًا متعلق بمحذوف؛ لأنه حال من الضمير, أي: يعثرن كائنات في حد الظبات. وأما قول بعض الأعراب 5: نلوذ في أمّ لنا ما تغتصب ... من الغمام ترتدي وتنتقب6

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بانما". 2 أي: أبي ذؤيب الهذلي. والبيت هو السادس والثلاثون عن عينيته المشهورة إلى مطلعها: أمن المنون وربما تترجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع وانظرها في أواخر المفضليات، وديوان الهذلين "طبعة دار الكتب" 1/ 10. 3 هذا في الحديث عن حمر الوحش التي أصابتهن سهام الصيد. والظبات أطراف السهام, يقول: إن قوائمهن تضمخن بالدم؛ فكأنها كسبت برودًا تزيدية. وهي منسوبة إلى تزيد بن عمران بن الحاف بن فصاعة. وهذه البرود فيها خطوط حمر، فشبه طرائق الدم في أذرع الحمر بتلك الطرائق. 4 آية: 79، سورة القصص. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "العرب" وهو من طيئ. وانظر الاقتضاب 438، والجواليق 358. 6 "تغتصب" كذا في د، هـ، ز، ش. وهو بالبناء للمجهول؛ أي: هي منيعة على من أرادها. وفي ج: "تعتصب" بالبناء للفاعل, أي: تشد عليها العصابة، أي: ليست بامرأة، وإنما هي الحقيقة جبل.

فإنه1 يريد بأم 2 سلمى: أحد جبلي طيئ. وسماها أمّا لاعتصامهم بها وأويّهم إليها. واستعمل "في" موضع الباء, أي: نلوذ بها لأنهم إذا لاذوا بها فهم فيها لا محالة؛ إذ لا يلوذون ويعصمون3 بها إلّا وهم فيها؛ لأنهم إن4 كانوا بعداء عنها فليسوا لائذين بها, فكأنه قال: نسمك5 فيها6 ونتوقّل فيها. فلأجل ذلك ما استعمل "في" مكان الباء. فقس على هذا, فإنك لن تعدم إصابة بإذن الله ورشدًا. باب في مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف: وسبب ذلك أن الحركة حرف صغير, ألا ترى أن من متقدمي القوم من كان يسمٍّي الضمة الواو الصغيرة, والكسرة الياء الصغيرة, والفتحة الألف الصغيرة. ويؤكد ذلك عندك7 أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفًا من جنسها. وذلك قولك في إشباع حركات8 ضرب ونحوه: ضوريبا. ولهذا إذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن مطل الحركة, "وأنشأ"9 عنها حرفًا من جنسها. وذلك قوله 10: نفى الدراهيم تنقاد الصياريف11

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ر: "فإنما". 2 في القتضاب والجواليقي: "بالأمّ"، وفي اللسان "فيا": "بالأم لنا". 3 كذا في ش، وفي ز: "يعتصمون". ويقال: أعصم بالشيء واعتصم به: أمسك به. 4 في ش: "وإن". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تستمك", وسمك: صعد وارتفع، وكذلك استمسك, وفي اللسان "في": "تسمئل فيها, أي: نتوقل". وهو من قولهم: اسمألّ الظل: ارتفع. 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "أو". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عندي". 8 سقط في د، هـ، ز. 9 في د. هـ. ز: "فأنشأ". 10 أي: الفرؤدق. انظر الخزانة 2/ 255، والكامل 5/ 91. 11 صدره: تنفى يداها الحصى في كل هاجرة وهو في وصف ناقته، يصفها بسرعة السير في الهواجر، فيقول: إن يديها لشدة وقعها في الحصى تنقيانه, فيفرع بعضه بعضًا, ويسمع له صليل كصليل الدراهم إذا انتقدها الصيرفي فنفَى رديئها عن جيدها. انظر الخزانة في الموطن السابق، والكتاب 1/ 10.

وقوله -أنشدناه لابن هرمة: وأنت من الغوائل حين ترمي ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح1 يريد: بمنتزح, وهو مفتعل من النزح2 وقوله: وأنني حيث ما يسري الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور3 فإذا ثبت أن هذه الحركات أبعاض للحروف4 ومن جنسها, وكانت متى أشبعت ومطلت تمَّت ووفت جرت5 مجرى الحروف, كما أن الحروف أنفسها قد تجد بعضها أتمَّ صوتًا من بعض, "وإن كانت كلها حروفًا يقع بعضها موقع بعض"6 في غالب الأمر. فممَّا أجري من الحروف مجرى الحركات: الألف والياء والواو, إذا أعرب بهنّ في تلك الأسماء الستة: أخوك وأبوك ونحوهما, وفي التثنية والجمع على حد التثنية نحو: الزيدان والزيدون والزيدين. ومنها النون إذا كانت علمًا للرفع في الأفعال الخمسة, وهي تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون وتفعلين. وقد حذفت7 أيضًا للجزم في لم8 يغزوا ولم يدع ولم يرم، ولم يخش. وحذفت أيضًا9 استخفافًا؛ كما تحذف الحركة لذلك. وذلك قوله: فألقحت أخراهم طريق ألاهم ... كما قيل نجم قد خوى متتابع10

_ 1 انظر حاشية "6" ص43 من الجزء الأول. 2 في ج: "النزوح", وكلاهما معناه البعد. 3 "حيث ما يسري" كذا في ش. وفي د، هـ، "حوث ما يسري"، ويسري أي: يلقي من يريت الثوب عنى: ألقيته. ويروى "يشرب" بضم الياء, أي: يميل أو يحرك، وانظر الخزانة 1/ 95، واللسان "شرى" وص43 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 4 سقط حرف العطف في ش. 5 في د، هـ، ز: "جرى". 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 أي: الحروف الأربعة: الواو والياء الألف والنون. 8 في الأصول: "يغز" الأجود ما أثبت. 9 سقط في ش. 10 سقط الشطر الأخير في ش. انظر البيت في ص294، من هذا الجزء.

"يريد أولاهم"1 ومضى ذكره, وقال رؤبة: وصَّاني العجاج فيما وصني يريد: فيما وصاني, وقال الله -عز اسمه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 2 وقد تقدم نحو هذا. فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضًا في نحو قوله: وقد بدا هنك من المئزر3 وقوله: فاليوم أشرب غير مستحقب4 وقوله: إذا اعوججن قلت صاحب قوم5 وقوله: ومن يتق فإن الله معه6 وقوله: أو يرتبط بعض النفوس حمامها7 وقوله: سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيري ولا تعرفكم العرب8 أي: "ولا"9 تعرفكم, فأسكن مضطرًا.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 آية: 4، سورة الفجر. 3 انظر ص75 من الجزء الأول. 4 انظر ص75 من الجزء الأول. 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وانظر ص76 من الجزء الأول. 6 انظر ص307 من الجزء الأول. 7 انظر ص75 من الجزء الأول. 8 "فالأهواز" كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "والأهواز", وقوله: "ولا" في د، هـ، ز: "بلا", وانظر المرجع السابق. 9 في د، هـ، ز: "فلا".

ومن مضارعة الحرف للحركة أن الأحرف الثلاثة: الألف والياء والواو إذا أشبعن ومطلن أدين إلى حرف آخر غيرهنّ, إلا أنه شبيه بهن, وهو الهمزة, ألا تراك إذا مطلت الألف أدتك إلى الهمزة, فقلت: آء, وكذلك الياء في قولك: إيء, وكذلك الواو في قولك: أوء. فهذا كالحركة "إذا مطلتها"1 أدتك إلى صورة أخرى غير صورتها, وهي الألف والياء الواو في: منتزاح, والصياريف, أنظور. وهذا غريب في موضعه. ومن ذلك أن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحًا, نحو: حمزة وطلحة وقائمة, ولا يكون ساكنًا. فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف جازت. وذلك نحو: قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة2. أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي3. وهذ يدل على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها؛ لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها. ومن ذلك قوله: ينشب في المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء4 قالوا: أراد حدادًا, فلم يعدد الألف حاجزًا بين المثلين. كما لم يعدد5 الحركة في ذلك6 في نحو: أمليت الكتاب في7 أمللت. ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء, كما بينوا الحركة بها, "وذلك"8 نحو قولهم: وازيداه وواغلامهماه وواغلامهوه, وواغلامهموه وواغلامهيه،

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 يقال امرأة حبنطاة: نصيرة دميمة غليظة البطن. 3 سقط في ش. 4 انظر ص223 في هذا الجزء. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يعتدد". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 في د، هـ، ز: "ر". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

ووانقطاع ظهرهيه. فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه, ومررت بكَهْ, واغزُهْ ولا تدعُهْ. والهاء في كله لبيان الحركة لا ضمير. ومن ذلك أقعد الثلاثة في المدّ لا يسوغ تحريكه, وهو الألف, فجرت لذلك مجرى الحركة, ألا ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها. فهذا وجه أيضًا من المضارعة فيها. وأما شبه الحركة بالحرف ففي1 نحو: تسميتك امرأة بهند وجُمْل, فلك2 فيهما3 مذهبان: الصرف وتركه, فإن تحرك الأوسط ثقل الاسم، فقلت في اسم4 امرأة سميتها بقدم بترك الصرف معرفة5 البتة؛ أفلا ترى كيف جرت الحركة مجرى الحرف في منع الصرف. وذلك كامرأة سميتها بسعاد وزينب. فجرت الحركة في قدم وكبد ونحوه مجرى ألف سعاد وياء زينب. ومن ذلك أنك إذا أضفت إلى الرباعي المقصور أجزت إقرار6، الألف وقلبها واوًا, نحو: الإضافة إلى حُبْلَى , إن شئت قلت: حُبْلَى, وهو الوجه. وإن شئت: حبلوىّ. فإذا صرت إلى الخمسة حذفت الألف البتة أصلًا كانت أو زائدة. وذلك نحو4 قولك في حُبَارَى: حُبَارِيّ, وفي مصطفى: مصطفيّ, وكذلك إن تحرك الثاني من الرباعي حذفت ألفه البتة, وذلك قولك في جمزى: حمزيّ’ وفي بشكى بشكيّ, ألا ترى إلى الحركة كيف أوجبت الحذف كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة, فصارت حركة عين جَمَزَى في إيجابها الحذف بمنزلة ألف حُبَارَى, وياء خَيْزَلى7.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "ولك". 3 كذا في ز. وفي ش: "فيهما". 4 سقط في ش. 5 سقط في د، هـ، ز، وهو أسوغ. 6 في د، هـ، ز: "ألفه". 7 هي مشية في تثاقل.

ومن مشابهة الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها, كما تفصل بالحرف ولا تصل إلى الإدغام معه. وذلك قولك: وتد ويطد. فحجزت الحركة بين المتقاربين كما يحجز الحرف بينهما، نحو: شمليل1 وحَبَرْبَر2. ومنها أنهم قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدد, وذلك أنه إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد سكن؛ كما أن الحرف المشدد إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد خفف. فالمتحرك نحو قوله: وقاتم الأعماق خاوي المخترق فأسكن القاف وهي مجرورة. والمشدد نحو قوله: أصحوت اليوم أم شاقتك هِرّ فحذف إحدى3 الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق, وهذا إن شئت قلبته فقلت: إن الحرف أجري فيه مجرى الحركة, وجعلت الموضع في الحذف للحركة, ثم لحق بها فيه الحرف. وهو عندي أقيس. ومنها استكراههم اختلاف4 التوجيه: أن يجمع5 مع الفتحة غيرها من أختيها6، نحو: جمعه7 بين المخترق وبين العقق8 والحمق. فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع9 بين الألف مع الياء والواو ردفين.

_ 1 يقال: نافة شمبل: سريعة. 2 هو الجمل الصغير. 3 في د، هـ، ز: "أحد". 4 هو حركة ما قبل الروي المقيد. 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تجمع". 6 في د، هـ، ز: "أختها", ويريد بأختيها الضمة والكسرة. 7 أي: رؤبة في أرجوزته التي أولها: وقاتم الأعماق خاوي المخترق. 8 كذا في ش، ج. وفي د، هـ، ز: "العنق", وقد ورد العقق في قوله: سرا وقد أوّن تأوين المعقق وورد العقق في قوله: مأثرة العضدين مصلات العنق وانظر الأرجوزة في الديوان، وفي الخزانة 1/ 38. 9 في د، هـ، ز: "جمع ما".

ومن ذلك عندي أن حرفي العلة: الياء والواو قد صحَّا في بعض المواضع للحركة بعدهما, كما يصحان1 لوقوع حرف اللين ساكنًا بعدهما. وذلك نحو: القود والحوكة والخونة والغيب والصيد وحول2 وروع3 و"إِنَّ بُيُوتَنَا عَوِرَةٌ"4 فيمن5 قرأ كذلك. فجرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنًا بعدهما, نحو: القواد والحواكة والخوانة والغياب والصياد وحويل ورويع, وإن بيوتنا عويرة. وكذلك ما صحَّ من نحو قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة, هو جارٍ مجرى صحَّة هيوء لو قيل. فاعرف ذلك مذهبًا في صحة ما صحَّ من هذا النحو لطيفًا غريبًا.

_ 1 كذا في ش وفي د، هـ، ز: "صحا". 2 هو وصف من الحول في العين كالأحول. 3 أي: فزع خائف، وفي ش: "عور" وهو خطأ، وفي هـ، ز: "روع"، وانظر أشباه السيوطي 1/ 173. 4 آية: 13، سورة الأحزاب. 5 هي قراءة إسماعيل بن سليمان عن ابن كثير وابن عباس وآخرين. النظر البحر 7/ 218.

باب محل الحركات من الحروف أمعها أم قبلها أم بعدها

باب محلّ "الحركات من الحروف" 1 أمعها أم قبلها أم بعدها: أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف, وقال غيره: معه. وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله. قال أبو علي: وسبب هذا الخلاف لُطف الأمر وغموض الحال, فإذا2 كان هذا أمر يعرض للمحسوس الذي إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفًا, وبالتوقف فيه لبسًا.

_ 1 في ش: "الحروف من الحركات". 2 كذا في ش: وفي د، هـ، ز: "وإذا".

فمِمَّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر, نحو: الملل والضعف1 والمشش2؛ كما تفصل الألف بعدها بينهما, نحو: الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت, فلن تخلو3 حركة الأول من أن تكون قبله أو معه أو بعده. فلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام, ألا ترى أن الحرف المحرَّك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزًا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر. ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد, فقلب الواو ياء يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تلِ4 الواو, فكان يحب أن يقال: موزان وموعاد, وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها, فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها, وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضًا فلو5 كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام؛ لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح. فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرّك بها من حيث أرينا, وعلى ما أوضحنا وشرحنا, بقي سوى مذهب سيبويه أن يظن بها6 أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه. والذي يُفسِد كونها حادثة مع الحرف البتَّة هو أنا لو أمرنا مذكرًا من الطيّ, ثم أتبعناه أمرًا آخر7 له من الوجل من غير حرف عطف, لا بل بمجيء الثاني تابعًا للأول البتة, لقلنا 8: اطوايجل. والأصل فيه: اطو اوجل, فقلبت الواو التي هي فاء الفعل

_ 1 من معانيه: كثرة العيال. 2 من معانيه: بياض يعتري الإبل في عيونها. 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخلو". 4 أي: لم تباشرها، والولي: الاتصال القرب من قبل ومن بعد، وإن اشتهر فيما يأت يبعد غيره. 5 كذا في ش، وي د، هـ، ز: "لو". 6 يادة في هـ. 7 سقط في د، هـ، ز، وضمير "له" للمذكر. 8 في د، هـ، ز: "لقلت".

من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فلولا أن كسرة واو "اطو" في الرتبة بعدها, لما قلبت ياء1 واو "اوجل". وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها إياها في جنس الصوت, فتجتذبها2 إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهو الياء, وكما أن هناك كسرة في الواو فهناك أيضًا الواو, وهي وفق الواو الثانية لفظًا وحسًّا, وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى؛ لأنه يروم أن يثبتهما جميعًا في زمان واحد, ومعلوم أن الحرف أوفى صوتًا وأقوى جرسًا من الحركة, فإذا لم يقل لك: إنها أقوى من الكسرة التي فيها, فلا أقل من أن تكون في القوة والصوت مثلها. فإذا كان كذلك لزم ألا تنقلب3 الواو الثانية للكسرة قبلها؛ لأن بإزاء الكسرة المخالفة للواو "الثانية الواو"4 الأولى الموافقة للفظ الثانية. فإذا تأدَّى الأمر في المعادلة إلى هنا ترافعت الواو والكسرة أحكامهما, فكأن لا كسرة قبلها5 ولا واو. وإذا كان كذلك لم تجد أمرًا تقلب له الواو الثانية ياء, فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من "اطو اوجل" صحيحة غير معتلة7، لترافع ما قبلها من الواو والكسرة وأحكامهما؛ وتكافؤهما فيما ذكرنا. لا، بل دلَّ قلب الواو الثانية من "اطو اوجل" ياء حتى صارت "اطو ايجل" على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها, وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة. فهذا إسقاط قول من ذهب إلى أنها تحدث "مع الحرف وقول من ذهب إلى أنها تحدث"7 قبله8؛ ألا تراها لو كانت الكسرة في باب "اطو" قبل الواو لكانت

_ 1 سقط في ش. 2 في د، هـ، ز: "فتجذبها". 3 في د، هـ، ز: "تقلب". 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 في د، هـ، ز "قبلهما". 6 في الأشباه 1/ 167: "معلة". 7 سقط بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز. 8 في ش: "قبلها".

الواو الأولى حاجزة بينها وبين الثانية, كما كانت ميم ميزان تكون أيضًا حاجزة بينهما -على ما قدمنا, فإذا بطل1 هذان ثبت قول صاحب الكتاب, وسقطت عنه فضول المقال. قال أبو علي: يقوّي قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف2 الفم من الأنف, والمتحركة مخرجها من الفم, فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضًا من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها, فكان ينبغي عنها شيئًا، لسبقها هي الحركتها. كذا قال -رحمه الله- ورأيته معنيًّا بهذا الدليل, وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له. وذلك3 "أنه لا ينكر"4 أن يؤثِّر الشيء فيما قبله من قبل وجوده؛ لأنه قد علم أن سيرد فيما بعد. وذلك كثير. فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميمًا في اللفظ, وذلك نحو: عمبر وشمباء في عنبر وشنباء, فكما لا يشك في5 أن الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها, فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف إلى الفم, بل إذا كانت الباء أبعد من6 النون قبلها7 من حركة النون فيها وقد أثَّرت على بُعْدها ما أثرته كانت حركة النون التي هي أقرب

_ 1 في د، هـ: "أبطل". 2 في د، هـ، ز: "حرف". 3 في د، هـ، ز: "وذلك الظاهر". 4 في د، هـ، ز: "لأنا لا ننكر". 5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 6 في د، هـ، ز: "عن". 7 في د، هـ، ز: "قبلهما".

إليها وأشدَّ التباسًا بها, أولى بأن تجذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم. وهذا كما تراه واضح. ومما غُيِّر متقدمًا لتوقّع ما يرد من بعده متأخرًا1 ضمَّهم همزة الوصل لتوقعهم الضمة بعدها؛ نحو: اقُتل2، ادخل, اُستضعف, اخُرج1، اُستخرج. ومما يقوِّي عندي قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف, إجماع النحويين على قولهم2: إن الواو في يعدو ويزن ونحو ذلك, إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: في يوعد ويوزن ونحوه2 "لو خرج على أصله"3. فقولهم: بين ياء وكسرة يدلُّ على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرك بها, ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت4 الواو في يوعد بين فتحة وعين, وفي يوزن بين فتحة وزاي. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الواو في نحو5: يوعد, عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحتها, وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. فتأمَّل ذلك. وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه, فإنه لا يلزم من موضعين: أحدهما أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه, ألا ترى أنَّ مَنْ يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف, ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف, قد أطلقوا جميعًا هذا القول الذي هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة, فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم, لكانوا مناقضين, وموافقين لمخالفهم, وهم لا يعلمون. وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم ولا يظن بهم.

_ 1 سقط في ش. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 في د، هـ، ز: "لكانت". 5 سقط في د، هـ، ز.

فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدّرته ولا ما تصوّرته, وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة, وهما مستثقلتان. فأمَّا أن تماسّا الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا. وهذا كثير في الكلام والاستعمال, ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا, فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول1 صحيح معتاد, إلّا أنه قد يقوله من حصل يدير العاقول, فهو -لعمري- بين بغداد والبصرة, وإن كان أيضًا بين جرجرايا2 والمدائن, وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة. وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة, وإن كان أقرب إليها منهما فتحة الياء والعين. وكذلك يقال أيضًا: هو3 من عمره ما بين الخمسين إلى الستين, فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة4، فهي5 لعمري بين الخمسين والستين, إلّا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلي غير مشكل. فهذا أحد الموضعين. وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم, وأن يكونوا مريديه ومعتقديه, ولو أرادوه واعتقدوه6 وذهبوا إليه لما كان دليلًا على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ, ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سنة ولا قديم ملة, ألا ترى أنَّ إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة؛ لأن كل واحد منهم إنما يرُدُّك ويرجع بك فيه إلى "التأمل والطبع"7 لا إلى التبعية8 والشرع. هذا لو كان لا بُدَّ من أن يكونوا قد

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ز. وفي ش: جرجرى". وجرجرايا. مدينة بين بغداد وواسط. 3 كذا في الأصول. وقد يكون: "ممن". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 في د، ز: "وهي". 6 سقط في ش. 7 في د، هـ، ز: "تأمّل الطبع". 8 كذا في أشباه السيوطي 1/ 168. وفي ش، د، هـ، ز: "التقية".

أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم1. فهذا كلّه يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرّك بها. وقد2 كنا قلنا فيه قديمًا قولًا آخر مستقيمًا, وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف. فالفتحة بعض الألف, والكسرة بعض الياء, والضمة بعض الواو. فكما أن الحرف لا يجامع حرفًا آخر فينشآن معًا في وقت واحد, فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد؛ لأن حكم البعض في هذا جارٍ مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصوّر أن حرفًا من الحروف حدث بعضه مضامًّا3 لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف, لا في زمان واحد ولا في زمانين. فهذا يفسد قول من قال: إن4 الحركة تحدث مع حرفها المتحرك5 بها أو قبله أيضًا, ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلّا بعد الحرف المحرّك بتلك الحركة, وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو: ضارب, ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما, والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها في2 نحو: ضارب وقائم, ونحو ذلك. وكذلك القول في الكسرة والياء, والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناهٍ في البيان, والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفي بعض ما أوردناه "من هذا"6 كافٍ بمشيئة الله.

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "واعتقدوه معتقدًا". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، ج وفي د، هـ، ز: "مضافًا". 4 في د، هـ، ز: "بأن". 5 في د، هـ، ز: "المحرّك". 6 سقط ما بين القوصين في د، هـ، ز.

باب الساكن والمتحرك

باب الساكن 1 والمتحرّك: أمَّا إمام ذلك فإن أوّل الكلمة لا يكون إلّا متحركًا, وينبغي لآخرها أن يكون ساكنًا. فأمَّا الإشمام2 فإنه للعين دون الأذن. ولكن رَوم3 الحركة يكاد الحرف يكون به متحركًا, ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث في قولك في الوقف: أنتَ وأنتِ, فلولا أن هناك صوتًا لما وجدت فصلًا. فإن قلت: فقد نجد من الحروف4 ما يتبعه في الوقف صوت وهو مع ذلك ساكن, وهو الفاء والثاء والسين والصاد, ونحو ذلك تقول في الوقف: اِفْ: اِثْ اِسْ اِضْ. قيل: هذا القدر من الصوت إنما هو متمِّم للحرف ومُوَفٍّ له في الوقف. فإذا وصلت ذهب أو كاد, وإنما لحقه في الوقف لأنّ الوقف يضعف الحرف, ألا تراك تحتاج إلى بيانه فيه بالهاء نحو: وا غلاماه ووا زيداه ووا غلامهوه ووا غلامهيهْ. وذلك أنك لما أردت تمكين الصوت وتوفيته ليمتدَّ ويقوى في السمع, وكان الوقف يضعف الحرف ألحقت الهاء ليقع الحرف قبلها5 حشوًا فيبين ولا يخفى. ومع ذلك, فإن هذا الصوت اللاحق للفاء والسين ونحوهما, إنما هو بمنزلة الإطباق في الطاء, والتكرير في الراء, والتفشي في الشين, وقوة الاعتماد الذي في اللام.

_ 1 في د، هـ، ز: "في المتحرك والساكن". 2 الإشمام ضمّ الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير في الوقف على المضموم. 3 رَوْم الحركة: الإشارة للحركة بصوت خفي. 4 هي حروف الهمس، وانظر ص58 من الجزء الأول. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بعدها".

فكما أنَّ سواكن هذه الأحرف إنما تكال في ميزان العروض الذي هو عيار الحسّ "وحاكم القسمة والوضع"1 بما تكال به الحروف السواكن غيرها, فكذلك هي أيضًا سواكن. بل إذا كانت الراء -لما فيها من التكرير- تجري مجرى الحرفين في الإمالة، ثم2 مع ذلك لا تعد في وزن الشعر إلّا حرفًا واحدًا, كانت هذه الأحرف التي إنما فيها تمام وتوفية لهذا أحجى بأن تعد حرفًا لا غير. ولأبي علي -رحمه الله- مسألتان: طويلة قديمة, وقصيرة حديثة, كلتاهما في الكلام على الحرف المبتدأ أيمكن أن يكون ساكنًا أم لا. فقد غنينا بهما أن نتكلف نحن شيئًا من هذا الشرح في معناهما. ثم3 من بعد ذلك أن المتحرّك على ضربين: حرف متحرك بحركة لازمة, وحرف متحرك بحركة غير لازمة. أمّا المتحرك بحركة لازمة فعلى ضربين أيضًا: مبتدأ, وغير مبتدأ. فالمبتدأ ما دام مبتدأ فهو متحرك لا محالة, نحو: ضاد ضرب, وميم مهدد. فإن اتَّصل أول الكلمة بشيء غيره فعلى قسمين: أحدهما أن يكون الأول معه كالجزء منه, والآخر أن يكون على أحكام المنفصل عنه. الأوّل من هذين القسمين أيضًا على ضربين: أحدهما أن يقرّ الأول "على ما"4 كان عليه من تحريكه, والآخر أن يخلط5 في اللفظ به فيسكن على حدّ التخفيف في أمثاله من المتصل. فالحرف الذي ينزل مع ما بعده كالجزء منه فاء العطف, وواوه ولام الابتداء, وهمزة الاستفهام.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ش. وفي ج: "حاكم الطبع". 2 في د، هـ، ز: "ثم الإدغام" ولم يظهر وجهها. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 في د، هـ، ز: "عمَّا". 5 كذ في د، هـ، ز. وفي ش: "يختلط".

الأوّل من هذين كقولك: وَهُو الله, وقول ك: فهُوَ ما ترى, ولَهُو أفضل من عمرو, وأهِى عندك. فهذا الباقي1 على تحريكه كأن لا شيء قبله. والقسم الثاني منهما قولك: وهْو الله, وقولك: "فهْوَ يوم القيامة من المحضَرين"2 ولهْو أفضل من عمرو، وقوله3: وقمت للطيف مرتاعًا وأرَّقني ... فقلت أَهْي سَرَتْ أم عادني حُلُم ووجه هذا أنَّ هذه الأحرف لمَّا كنَّ على حرف واحد وضعفن4 عن انفصالها, وكان ما بعدها على حرفين؛ الأول منهما مضموم أو مكسور, أشبهت في اللفظ ما كان على فَعُل أو فَعِل, فخفف أوائل هذه كما يخفَّف ثواني هذه5، فصارت "وَهُو" كعَضُد "وصار وَهْو كعَضْد"6 كما صارت "أهِي" كَعِلم، وصار "أَهْي" بمنزلة عَلْم. وأما قراءة أهل الكوفة "ثم ليقطع"7 فقبيح8 عندنا؛ لأن ثُمَّ" منفصلة يمكن الوقوف عليها, فلا تخلط بما بعدها فتصير معه كالجزء الواحد. لكن قوله: "فلينظر" حسن جميل؛ لأن الفاء حرف واحد, فيلطف عن انفصاله وقيامه برأسه. وتقول على هذا: مررت برجل بطنه كَحْضَجْر9، تريد: كحِضَجْر, ثم تسكن الحاء الأولى10، لأن كَحِضَ بوزن عَلِم, فيجري هذا الصدر مجرى11 كلمة ثلاثية.

_ 1 في د، هـ، ز: "الباقي". 2 التلاوة في الآية: 61، من سورة القصص {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِين} . 3 انظر ص306 من الجزء الأول. 4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ضعفت". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، "هذا". 6 سقط ما بن القوسين في ش. 7 أي: في قوله تعالى في الآية: 15، من سورة الحج: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ} . 8 أي: فأمر قبيح. 9 الحضجر: السقاء الضخم. 10 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش. وسقوطه أولى. 11 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بمنزلة".

وأما أوّل الكلمة إذا لم يخلط بما قبله فمتحرك لا محالة على ما كان عليه قبل اتصاله به. وذلك قولك 1: أحمد ضرب, وأخوك دخل, وغلامك خرج. فهذا2 حكم الحرف المبتدأ. وأمّا المتحرك غير المبتدأ فعلى ضربين: حشو وطرف. فالحشو كراء ضرب, وتاء قتل, وجيم رجل, وميم جمل, ولام علم. وأما الطرف فنحو: ميم إبراهيم, ودال أحمد, وباء يضرب، وقاف يغرق. فإن قلت: قد3 قدّمت أن هذا مما تلزم حركته, وأنت تقول في الوقف: إبراهيم وأحمد ويضرب ويغرق, فلا تلزم الحركة, قيل: "اعتراض الوقف لا يحفل به ولا يقع العمل عليه"4, وإنما المعتبر بحال الوصل ألّا تراك تقول في بعض الوقف: هذا بكر, ومررت ببكر, فتنقل حركة الإعراب إلى حشو الكلمة, ولولا أن هذا عارض جاء به الوقف لكنت ممن يدعي أن حركة الإعراب تقع قبل الآخر, وهذا خطأ بإجماع. ولذلك أيضًا كانت الهاء في "قائمه" بدلًا عندنا من التاء في "قائمة" لمَّا كانت إنما تكون هاء في الوقف دون الوصل. فإن قلت: ولم جرت الأشياء في الوصل على حقائقها دون الوقف؟ "قيل: لأن"5 حال الوصل أعلى رتبة من حال الوقف, وذلك أن الكلام إنما وضع للفائدة, والفائدة لا تُجْنَى من الكلمة الواحدة, وإنما تُجْنَى من الجمل ومدارج القول، فلذلك6 كان حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف.

_ 1 سقط في ش. 2 في د، هـ، ز: "وهذا". 3 في د، هـ، ز: "فقد". 4 في ز: "أعراض الوقف لا تحفل بها، ولا يقع العمل عليها". 5 في ز: "وذلك أن". 6 في هـ: "فكذلك".

ويدلك على أن حركة الآخر قد تعتد لازمة وإن كانت في الوقف مستهلكه أنك تقلب حرف اللين لها وللحركة قبله, فتقول: عصا, وقفا, وفتى1، ودعا, وغزا, ورمى, كما تقلبه وسطًا لحركته وحركة ما قبله نحو: دار, ونار, وعاب, وقال, وقام, وباع. فإن قلت: فإن الجزم قد يدرك الفعل فيسكّن في الوصل نحو: لم يضرب أمس, واضرب غدًا, وما كان كذلك. قيل: إن الجزم لمَّا كان ثانيًا للرفع وإعرابًا كالنصب في ذينك جرى الانتقال إليه عن الرفع مجرى الانتقال عن الرفع إلى النصب, وحمل الجزم في ذلك على النصب كما حمل النصب على الجزم في الحرف نحو: لن يقوما, وأريد أن تذهبوا, وتنطلقى. قال أبو علي: وقد كان ينبغي أن تثبت النون مع النصب لثبات الحركة في الواحد. فهذا2 فرق وعذر. فهذه أحكام الحركة اللازمة. وأمَّا غير اللازمة فعلى أضرب: منها حركة التقاء الساكنين, نحو: قم الليل, واشدد الحبل. ومنها حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها, نحو: هذا بَكُرْ, وهذا عَمُرْو, ومررت ببِكَرْ, ونظرت إلى عَمِرْو. وذلك أن هذا أحد أحداث الوقف فلم يكن به3 حفل. ومنها الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة نحو قولك في مسألة: مَسَلة, وقولك في يلؤم: يَلُم, وفي يزئر: يَزِر, وقوله: {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 4 فيمن سكن5 وخفف5. وعلى ذلك قول

_ 1 في ش: "قنى" والأولى أن يقرأ علا، فتكون ألفه عن ياء. 2 في هـ، ز: "هذا". 3 في هـ، ز: "فيه". 4 آية 3، سورة الإخلاص. 5 أي: سكَّن الفاء وخفَّف الهمزة بنقل حركتها على الفاء وحذفها، وهذه القراءة رواية عن نافع.

الله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 1 أصله: لكن أنا, ثم خفف فصار "لكنَ نَا"2, ثم أجرى غير اللازم مجرى اللازم, فأسكن الأوَّل وأدغم في الثاني, فصار لكنَّا. ومن التقاء الساكنين أيضًا قوله: وذي ولد لم يلده أبوان3 لأنه أراد: لم يلده, فأسكن اللام استثقالًا للكسرة, وكانت الدال ساكنة فحركها لالتقاء الساكنين. وعليه قولك الآخر: ولكنني لم أجْدَ من ذلكم بدّا4 أي: لم أجِدْ, فأسكن الجيم وحرَّك الدال على ما مضى. ومن ذلك حركات الإتباع, نحو قوله: ضربًا أليما بِسبْت يَلْعَجُ الجلدا6 وقوله 7: مشتبه الأعلام لمَّاع الخَفَقْ8

_ 1 آية 38، سورة الكهف. 2 رسم في الأصول "لكننا", والأقرب ما أثبته. 3 صدره: عجبت لمولود وليس له أب وهو ينسب إلى رجل من أزد السراة، وأراد بالمولود الذي ليس له أب عيسى -عليه الصلاة والسلام، وبذي الولد الذي لم يلده أبوان آدم -عليه السلام. انظر الخزانة 1/ 397، والكتاب 1/ 341، 2/ 258. 4 في التاج "وجد" البيت هكذا: فو الله لولا بغضكم ما سببتكم ... ولكنني لم أجد من سبكم بدّا وفيه عن القزاز أن "جد" بكسر الدال، ومقتضى ما في الكتاب 2/ 258 فتح الدال، كما ضبطته. 5 أي: عبد مناف بن ربع الهذلي. وانظر اللسان "جلد", وديوان الهذليين طبعة دار الكتب 2/ 38، والخزانة 3/ 174، والنوادر 30. 6 صدره: إذا تجارب نوح قامتا معه والسبت: الجلد المدبوغ يتخذ منه النعال، ولعجه: آلمه. 7 هو رؤبة، وانظر الخزانة 1/ 38. 8 قبله مطلع الأرجوزة: وقانم الأعماق خاوي المخترق والأعلام الجبال يهتدى بها، وقوله: "لماع الخفق" أي: يلمع عند خفق السراب، وهو اضطرابه وتحركه. وانظر ص322 من هذا الجزء.

وقوله1: . . . . . . . . . لم يُنْظَرْ به الحشكُ وقوله 2: ماء بشرقيّ سلمى فَيْدُ أو رَكَكُ3 وقوله: قضين حجّا وحاجات على عجل ... ثم استدرن إلينا ليلة النفر4 وقوله: وحامل المِيَن بعد المِيَن والألَفِ5

_ 1 أي: زهير, والبيت بتمامه: كما استغاث بسيّء فز غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك والفز: ولد البقرة، والغيطلة: البقرة الوحشية، والسيء، ما استوى من الأرض. والحشد: احتماع اللبن في الضرع، ويرى بعض اللغويين أن التحريك فيه ضرورة, وهو في وصف فرص فرّت من غلام واستغاثت منه بما خاضته، كما استغاث هذا الفزّ. 2 أي: زهيرًا أيضًا في القصيدة التي منها الشعر السابق. 3 صدره: ثم استمروا وقالوا إن موعدكم وفيد ورك: ماءان بالبادية، ويرى أنه سأل الأصمعي أعرابها بالموضع الذي ذكره زهير: هل تعرف رككًا؟ فقال الأعرابي: قد كان هنا ماء يسمَّى ركا. وانظر تصريف المازني بشرحه المتصف 601 من التيمورية. والإتباع في هذا وما بعده في موافقة الحرف ما قبله في الحركة. 4 يشبه أن يكون هذا من شعر عمر بن أبي ربيعة، ولم أقف عليه في ديوانه, وله بيت من بحر آخر فيه تحريك النفر -والمراد: النفر من منى- وهو: قد هاج حزني وعادني ذكرى ... يوم التقينا عشية النفر 5 صدره: وكان حاملكم منا ورائدكم و"المين" يريد: المئين, فحذف الهمزة, وترى المؤلف جعل الألف مفردًا، حركت اللام بحركة الهمزة. وفي اللسان "ألف ومأى" أنه أراد: الآلاف, فحذف الألف بعد الهمزة والألف بعد اللام للضرورة, وعليه فلا اتباع.

وأما قول الآخر: علّمنا أخوالنا بنو عِجِلْ ... الشغزبي واعتقالًا بالرجِلْ1 فيكون إتباعًا ويكون نقلًا. وقول طرفة: . . . . . . . . . ورادًا وشقر2 ينبغي أن يكون إتباعًا, يدلك على ذلك أنه تكسير أشقر وشقراء, وهذا قد يجيء فيه المعتل اللام "نحو: قُنْو3 وعُشْو وظُمْى وعُمْى, ولو كان أصله فُعُلا لما جاء في المعتل4"؛ ألا ترى أن ما كان من تكسير فَعِيل وفَعُول وفَعالِ وفِعالٍ, مما لامه معتلة لا يأتي على فُعُل. فلذلك لم يقولوا في كِساءِ: كُسْوٌ, ولا في رِداء: رُدْيٌ, ولا في5 صبيّ: صُبْوٌ, ولا نحو ذلك؛ لأن أصله فُعُل. وهي اللغة الحجازية القويّة. وقد جاء شيء من ذلك شاذًّا, وهو ما6 حكاه من قولهم: ثنيّ وثُنٍ. وأنشد الفراء: فلو ترى فيهن سر العتق ... بين كماتيّ وحوّ بلق7 "فهذا جمع فلوّ"8 وكلا ذينك شاذّ.

_ 1 في العيني على هامش الخزانة 4/ 567 أن أبا عمرو سمع أبا سرار الغنوي ينشد هذا البيت. وانظر النوادر 30. والثغزبي: ضرب من المصارعة. 2 قبله مع تمام بينه: نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسكها إلا الصبر حين نادى الحي لما فزعوا ... ودعا الداعي وقد لجّ الذعر أيها الفتيان في مجلسنا ... جرّدوا منها وروادًا وشقر وترى الحديث عن الخيل. والوراد جمع المورد، وهو الأحمر كلون الورد, وقوله: "جردوا" أي: ألقوا عنها الجلال وأسرجوها؛ ليركبها الفرسان. وانظر الديوان 70. 3 جمع أقنى وقنوا: وصفان من قنا الأنف، وهو ارتفاع أعلاه واحد يداب وسطه. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 سقط في ش. 6 كأنه يريد سيبويه, وفي الكتاب 2/ 208: "ومثل ذل من بنات الياء ثني وثن". 7 الفلق جمع الفلق, والفلو: المهر الصغير. والكماني جمع الأكمت في معنى الكميت وإن لم يلفظ بلواحد، وهو الأحمر، والعتق: كرم الأصل، والحق: العمودة. 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

ومثله ما أنشده أيضًا في قول الشاعر: أسلمتموها فباتت غير طاهرة ... منى الرجال على الفخذين كالموم1 فكسر مِنيّا على مُنْى, ولا يقاس عليه. وإنما ذكرناه لئلّا يجيء به جاءٍ فترى أنه كسر للباب. ومن حركات2 الإتباع قولهم: أنا أجوءك وانبؤك, وهو مُنْحُدُر من الجبل, ومِنْتن ومِغِيرة, ونحو "من ذلك"3 باب شِعير ورِغيف, وبِعير والزِئير, والجنة لمن خاف وعيد الله. وشبهت4 القاف بالخاء لقربها منها فيما حكاه أبو الحسن من قولهم: النِقِيذ كما شبِّهت الخاء5 والغين بحروف الفم حتى أخفيت النون معهما في بعض اللغات, كما تخفى مع حروف الفم. وهذا في فَعيل مما عينه حلقية مطّرد. وكذلك، فَعِل نحو: نَغِر6 ومِحك جئز7 وضحك، و {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} 8. وقريب من ذلك الحمدُ للهُ, والحمدِ للهِ, وقِتِّلوا وفِتِّحوا, وقوله 9: تدافُعَ الشِيبِ ولم تِقِتّل10

_ 1 من أبيات لحسان يهجو بها بني المغيرة بن مخزوم, وقبله: هلا منعتم من المخزانة أمكم ... عند الثنية من عمرو بن يحموم ورواية الديوان: "ماء الرجال" والموم: الشمع. 2 انظر في هذا الأمثلة الكتاب 2/ 255 وما بعدها. وانظر أيضًا ص145 من هذا الجزء. 3 كذا في ز،. وفي ش: "قولك". 4 انظر ص366 من الجزء الأول. 5 في ش: "الحاء". 6 يقال: رجل نغر: يغلي صدره من الغيرة، وفي الكتاب 2/ 255: "غير نعر" والنعر: الذي تدخل النعر - على وزن لمزة- في أنفه, وهي ذباب أزرق العين. 7 يقال: جئز بالماء - من باب فرح- فهو جئز: غصّ به. 8 آية 58 سورة النساء. 9 أي: أبا النجم. وانظر الخزانة 1/ 401, والفوائد الأدبية 66. 10 من أرجوزته الطويلة, وقبله في وصف الإبل: تثير أيديها عجاج القسطل ... إذ عصبت بالعطن المغربل عصبت: دارت وأحاطت. والعطن: مبرك الأبل عند الماء. والمغربل لكثيرة الحركة عنده، وقوله: "تدافع الشيب" أي أن هذه الإبل تتزاحم كما يتزاحم الشيوخ, وهم لحلمهم يتجنبون القتال. فلذلك قال: "ولم تقتل"، وأصله: لم تقتتل.

وقوله 1: لا حِطِّبَ القومَ ولا القوم سقى2 ومن غير اللازم ما أحدثته همزة التذكّر نحو: أَلِيَ وقَدِيَ. فإذا وصلت سقطت؛ نحو: الخليل, وقد قام. ومن قرأ: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} 3 قال في التذكير: اشترووا, ومن قرأ: "اشتروِا الضلالة" قال في التذكر: اشتروِى, ومن قرأ4: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} قال في التذكر: اشتَرَوْا, ومن قال: "اشترو5 الضلالة" قال في التذكر: اشتَرَوا. فهذه طريق هذه الحركات في الكلام. وأما الساكن فعلى ضربين: ساكن يمكن تحريكه, وساكن لا يمكن تحريكه. الأول منهما جميع الحروف إلّا الألف الساكنة المدّة, والثاني هو هذه6 الألف, نحو: ألف كتاب وحساب وباع وقام. والحرف الساكن الممكن تحريكه على ضربين: أحدهما ما يبنى على السكون, والآخر ما كان متحركًا ثم أسكن. الأول منها يجيء أولًا وحشوًا وطرفًا. فالأول ما لحقته في الابتداء همزة الوصل, وتكون في الفعل نحو انطلق واستخرج واغدودن, وفي الأسماء العشرة: ابن7 وابنة وامرئ وامرأة واثنين

_ 1 أي: الشماخ. وانظر اللسان "حطب" والديوان 107. 2 قبله: خب جروز وإذا جاع بكى الخبّ: اللئيم. والجروز: الأكول، ويقال: احتطب للقوم: جمع لهم الخطب، وقد عدَّى الفعل هنا، وقد ورد في اللسان: "حطب القوم" من الثلاثي. 3 آية: 16، سورة البقرة. 4 كذا في ش. وفي د، ز: "قال". 5 حذفت ألف: اشتروا هنا للدلالة على حذفه في النطق. 6 في د، هـ، ز: "هذا". 7 في د، هـ، ز: "نحو: ابن".

واثنتين "واسم واست"1 وابنم وايمن. وفي المصادر؛ نحو: انطلاق واستخراج واغديدان, وما كان مثله. وفي الحروف2 في لام التعريف؛ نحو: الغلام والخليل. فهذا حال الحرف الساكن إذا كان أولًا. وأما كونه حشوًا فككاف بكر, وعين جعفر, ودال يدلف. وكونه أخِرًا في نحو: دال قد, ولام هل. فهذه الحروف الممكن تحريكها؛ "إلّا أنها"3 مبنية على السكون. وأمَّا ما كان متحركًا ثم أسكن فعلى ضربين: متصل ومنفصل, فالمتصل: ما كان ثلاثيًّا مضموم الثاني أو مكسوره, فلك فيه الإسكان تخفيفًا. وذلك كقولك4 في عَلم: قد عَلْمَ, وفي ظُرف: قد ظَرْف, وفي رَجُل رَجْل, وفي كِبد: كبْد. وسمعت الشجري وذكر طعنة في كتف فقال: الكتفية, وأنشد البغداديون: رَجْلان من ضَبَّة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عُريانا5 وقد سمع شيء من هذا الإسكان في المفتوح؛ قال الشاعر6: وما كل مبتاع ولو سلف صفقه ... يراجع ما قد فاته برداد7 وقد8 جاء هذا فيما كان على أكثر من ثلاثة أحرف9؛ قال العجاج: فبات منتصبًا وما تكردسا

_ 1 سقط ما بين القوسين في ز. 2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "الخرف". 3 كذا في ز، وفي ش: "لأنها". 4 في د، هـ، ز: "قولك". 5 تكلم على هذا الرجز البغدادي في شرح شواهد المغني 2/ 659، ولم يعزه. 6 سقط في ش، والشاعر هو الأخطل. وانظر شرح شواهد الشافية 18. 7 سلف صفقه: وجب بيعه. "يراجع" كذا في ش. وفي ز: "يراجع" وهما روايتان، والرداد -بفتح الراء وكسرها- اسم من الاستراداد، وانظر الديوان 137. 8 في د، هـ، ز قبل هذا بعد البيت: "وقد ذكرته في كتابي في شرح تصريف المازني، وقال الآخر". 9 سقط في د، هـ، ز.

وحكى صاحب الكتاب: أراك منتفخًا, وقالوا في قول العجاج: بسَبْحل الدَّفَّين عيسجور1 أراد: سِبَحْل, فأسكن الباء وحرَّك الحاء وغيَّر حركة السين, وقال أبو عثمان في قول الشاعر: هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسى عَبَقُرْ2 أراد: عبْقَر, فغيَّر كما ترى إلّا أنه حرَّك الساكن, وقال غيره: أراد: عَبَيقُر, فحذف الياء كما حذفت من عَرَنْقُصان3 حتى صارت عَرَقُصانا, وكذلك قوله: لم يلده أبوان, قد جاء فيه التحريك والتسكين جميعًا. وكذلك قوله: ولكنني لم أجد من ذلكم بدًّا وقد مضيا آنفًا. وأمَّا المنفصل, فإنه شُبِّه بالمتصل, وذلك قراءة بعضهم "فَإِذَا هِيَ تَلْقَّفُ"5 "فَلَاتَّتَنَاجَوْا"6 فهذا مشبه بداية وخدب. وعليه قراءة بعضهم "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقْ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ"7 وذلك أن قوله "يتَقِ وَ"8 بوزن عَلِمَ فأسكن، كما يقال: عَلْم, وأنشدوا: ومن يَتَّقْ فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد9

_ 1 هذا في وصف ناقة. ردناها: جانباها. وسبحل الفين: عظيمتهما، والعيسجور: الكريمة النسب. 2 انظر ص282 من الجزء الأول. 3 في الأصول: "عربقصان" والأنسب بعرقصان ما أثبت، فإن المعروف فيه فتح العين والراء, وذلك وارد في عرنقصان بالنون، فأمَّا بالياء فعلى صيغة المصغّر وهو نبات. وانظر اللسان في المادة. 4 في د، هـ، ز: "كذلك". 5 انظر في هذه القراءة ص95 من الجزء الأول. 6 آية: 9، سورة المجادلة. وهذه قراءة ابن محيصن. 7 آية: 90، سورة يوسف. وهذه القراءة لم أقف عليها في هذه الآية، وإنما قرأ حفص: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} في الآية 2 من سورة النور بسكون القاف. 8 هو "تق" من: يتق، و, او العطف من قوله. "ويصبر". 9 انظر ص307 من الجزء الأول.

لأن "يَتقِ ف " بوزن عَلِم, وأنشد أبو زيد: قالت سليمى اشتر لنا سويقًا1 لأن "تَراَ " كعلم, ومنها: فاحذَرْ ولا تكتَرْ كرِيّا أعوجا2 وأما {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} و {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} فرواها القراء3 عن أبي عمرو بالإسكان, ورواها سيبويه بالاختلاس, وإن لم يكن كان أزكى فقد كان أذكى, ولا كان بحمد الله مُزَنّا برِيبة, ولا مغموزًا في رواية. لكن5 قوله: فاليوم أشربْ غير مستحْقِب وقوله: وقد بدا هَنْكِ من المئزر وقوله: سيروا بني العمِّ فالأهوازُ منزلُكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العربُ فمسكّن كله, والوزن شاهد ومصدقه.

_ 1 بعده: وهات برّ البخس أو دقيقا البخص: الذي يزرع بماء السماء, وهذا من رجز ينسب للعذافر الكندي، وانظر شواهد الشافية 226. 2 بعده: علجا إذا ساق بنا عفنججا وفي شواهد الشافية 225: "أهوجا" في موضع "أعوجا" والعفنجج: الضخم الأحمق. 3 انظر ص73 من الجزء الأول. 4 سقط في ش: والحديث عن سيبويه. 5 انظر في هذا وما بعده ص75 من الجزء الأول.

وأمَّا دفع أبي العباس ذلك فمدفوع وغير ذي مرجوع إليه1. وقد قال أبو علي في ذلك في عدة أماكن من كلامه وقلنا نحن "معه ما"2 أيّده وشدّ منه. وكذلك قراءة من قرأ: "بَلَى وَرُسْلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"3 وعلى ذلك قال الراعي: تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بَيْضة البلد فإنه أسكن المفتوح, وقد روى "لا تعرفْ لكم" فإذا كان كذلك4 فهو أسهل؛ لاستثقال الضمة. وأما قوله: ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرَتَبْط بعض النفوس حمامها5 فقد قيل فيه: إنه يريد: أو يرتبط على معنى "لألزمنه أو يعطيني حقي", وقد يمكن عندي أن يكون "يرتبط" معطوفًا على "أرضها", أي ما دمت حيًّا فإني لا أقيم, والأول أقوى معنى. وأما قول أبي دواد: فأبلوني بليَّتَكم لعلي ... أُصالُحكم وأستدرِجْ نَوَيّا6 فقد يمكن أن يكون أسكن المضموم تخفيفًا واضطرارًا, ويمكن أيضًا أن يكون معطوفًا على موضع لعل7؛ لأنه "مجزوم جواب الأمر"8، كقولك: زرني فلن أضيعك9 حقك وأعطك ألفًا؛ أي: زرني أعرف حقك وأعطِك ألفًا. وقد كثر إسكان الياء في موضع النصب كقوله: يا دار هند عفت إلّا أثافيها

_ 1 ثبت في ز. وسقط في ش. 2 في د، هـ، ز: "فيه بما". 3 آية: 80، سورة الزخرف، وتسكين السين قراءة أبي عمرو. 4 في د، هـ، ز: "كذا". 5 انظر ص75 من الجزء الأول. 6 انظر ص177 من الجزء الأول. 7 كذا في ش، وفي ز، ج: "لعل". 8 كذا في ش، ز، وفي ج: "في محل جزم على جواب الأمر". 9 في د، هـ، ز: "أضبع".

وهو كثير جدًّا, وشبّهت الواو في ذلك بالياء كما شبهت الياء بالألف, قال الأخطل: إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... نزلن وأنزلن القطين المولّدا1 وقال الآخر 2: فما سوَّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب2 وقول الآخر 4: وأن يعرين إن كسى الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف5

_ 1 هذا في الحديث عن نسوة يشبب بهنّ, والقطين: الخدم والأتباع. يقول: إذا أردت الاستمتاع بحديثهن وهنّ سائرات في هوادجهن نزلن، ونزل معهنّ الخدم. وفي رواية الديوان 91، والخزانة 3/ 529: "رفعن" في مكان "نزلن", أي: رفعن في السير وعجلن، أو رفعن السجف. 2 هو عامر بن الطفيل. وانظر الخزانة 3/ 527، والكامل 2/ 176. 3 "فما" كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "وما" وهما روايتان. وانظر الخزانة في الموطن السابق. 4 كذا في ز، وفي ش: "قول". 5 انظر ص294 من هذا الجزء.

باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد

باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد: هذا موضع1 قلَّما وقع تفصيله, وهو معنًى يجب أن ينبه عليه، ويحرر2 القول فيه. ومن ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم؛ لأنهم يقولون في ذلك: إنهم لما حركوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها, لكنهم ضموها؛ لأن أصلها الضم في منذ. وهو3 هكذا لعمري, لكنه الأصل الأقرب؛ ألا ترى أن أوّل حال هذه الذال أن تكون ساكنة، وأنها إنما ضمّت لالتقاء الساكنين إتباعًا لضمة

_ 1 في د، هـ، ز: "معنى", وفي الأشباه: "موضع بحث". 2 كذا في ز. وفي ش: "يتحرز" وهو تحريف عن "يتحرر". 3 سقط في ش.

الميم. فهذا1 على الحقيقة هو الأصل الأول. فأما ضمّ ذال منذ فإنما هو في الرتبة بعد سكونها الأول المقدر. ويدلّك2 على أن حركتها إنما هي لالتقاء الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال فلي مذ. وهذا واضح. فضمَّتك الذال إذًا من قولهم: مذُ اليوم, ومذُ الليلة, إنما هو ردٌّ إلى الأصل الأقرب الذي هو "مُنْذُ", دون الأبعد المقدَّر الذي هو سكون الذال في "مُنْذُ" قبل أن يحرك فيما بعده. ولا يستنكر3 الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ؛ لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به, وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله, ألا ترى إلى قول سيبويه في سودد 4: إنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما لم يجئ. هذا وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية, ومع هذا فلم يظهر ذاك الذي قدره ملحقًا هذا به, فلولا أن ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى النطق به5 بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سُرْدَدا وسُودَدا6 بما لم يفوهوا7 به، ولا تجشموا استعماله. ومن ذلك قولهم: بعت وقلت, فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد، ألا ترى أن أصلهما فعل بفتح8 العين: بَيعَ وقَوَل, ثم نقلا فَعَل إلى فِعْل

_ 1 في د، هـ، ز: "وهو". 2 في د، هـ، ز: "يدل". 3 في د، هـ، ز: "تستنكر". 4 كذا في ش، وفي ز: "سردد", وسردد: موضع. وابن جني يريد أن سوددا -بفتح الدال الأولى- ملحق؛ إذ لولا هذا لجرى فيه الإدغام، ولا يثبت البصر يرون من أوزان الرباعي فعللا -بفتح اللام الأولى- حتى يلحق به, فمن ثَمَّ جعل ابن جني سيبويه إذ يقول بالإلحاق في نحو: سودد, يقول بالإلحاق بما لم يستعمل, وسيبويه في الكتاب 2/ 401 يجعل فعددا -ومثله سودد- ملحقًا بجندب وعنصل، وهما مزيدان. ومعنى هذا أن الإلحاق عند سيبويه يجوز أن يكون بالمزيد، وعلى هذا يكون سودد ملحقًا بما جاء واستعمل. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 سقط في د، هـ، ز. 7 في د، هـ، ز: "يتفوّهوا". 8 في د، هـ، ز: "بفتحة".

وفَعُل ثم قلبت الواو والياء في فعلت ألفًا1، فالتقى ساكنان: العين المعتلة المقلوبة ألفًا ولام الفعل, فحذفت العين لالتقائهما, فصار التقدير: قَلْت وبَعْت, ثم نقلت الضمة والكسرة إلى الفاء؛ لأن أصلهما قبل القلب فَعُلت وفَعِلت, فصار بِعت وقُلْت. فهذا2 -لعمري- مراجعة أصل، إلا أنه ذلك3 الأصل الأقرب لا الأبعد؛ ألا ترى أن أوّل4 أحوال هذه العين في صيغة5 المثال إنما هو فتحة العين التي أبدلت منها الضمة والكسرة. وهذا واضح. ومن ذلك قولهم في مطايا وعطايا: إنهما لما أصارتهما الصنعة إلى مطاءا وعطاءا أبدلوا الهمزة على أصل ما في الواحد "من اللام"6 وهو الياء في مِطيّة وعطيّة, ولعمري إن لاميها ياءان, إلا أنك تعلم أن أصل7 هاتين الياءين واوان؛ كأنهما "في الأصل"8 مِطيَوة وعَطيَوة؛ لأنهما من مطوت وعطوت, أفلا تراك لم تراجع أصل الياء فيهما, وإنما لاحظت ما معك في9 مطية وعطية من الياء, دون أصلهما الذي هو الواو. أفلا ترى إلى هذه المعاملة كيف هي مع الظاهر الأقرب إليك دون الأول الأبعد عنك. ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين؛ لأنه هو الأقرب إليك دون الأبعد عنك. فاعرف هذا. وليس كذلك صرف ما لا ينصرف, ولا إظهار التضعيف؛ لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة, وليس وراءه أصل, هذا أدنى إليك منه كما كان فيما

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في د، هـ: "وهذا". 3 في د، هـ، ز: "مع ذلك". 4 سقط في ش. 5 في د، هـ، ز: "صنعة". 6 سقط في ش. 7 سقط في د، هـ، ز. 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 9 في د، هـ، ز: "من".

أريته1 قبل. فاعرف بهذا ونحوه حال ما يرد عليك مما هو مردود إلى أول وراءه2 ما هو أسبق رتبة منه, وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه "رتبة متقدمة"3 له.

_ 1 في د، هـ، ز: "أريناه". 2 كذا في ز. وفي ش: "دونه". 3 في ش: "مقدمة".

باب في مراجعة أصل واستئناف فرع

باب في مراجعة أصل واستئناف فرع: اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعًا ولست1 تراجع به أصلًا. من ذلك الألفات غير2 المنقلبة الواقعة أطرافًا3 للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرهما من الصيغة لا غير. فالتي للإلحاق كألِف أرطى فيمن قال: مأروط4 وحبنطي ودَلَنظى, والتي للتأنيث كألف سكرى وغَضْبَى وجُمَادى, والتي للصيغة لا غير كألف ضَبَغْطَرى وقَبَعْثَرى وزِبَعْرًى. فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت: أَرطَيانٍ وحَبَنْطَيانٍ وسكريان وجُمَادَيات وحُبَارَيات وضَبَغْطَرَيان وقبعثريان, فهذه الياء فرع مرتجل، وليست5 مراجعًا بها أصل6؛ ألا ترى أنه ليس واحدة منها منقلبة أصلًا لا عن ياء ولا غيرها. وليست كذلك الألف المنقلبة كألف مغزى ومَدْعى؛ لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في غزوت ودعوت وأصلهما7 مَغْزَوٌ، ومدْعَوٌ, فلما وقعت الواو

_ 1 في ش: "مقدمة". 2 في د، هـ، ز: "لست" بدون حرف العطف. 3 في ز: "الغير". 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "طرفا". 5 يقال: أديم مأروط؛ أي مدبوغ بورق الأرطي، وهو شجر، ووزن أوطي على هذا فعلي؛ إذ كان الهمزة الأولية أصلية, ومن العرب من يقول: أديم مرطي؛ فوزن أرطي على هذا أفعل, فتكون الألف أصلية. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لست.... أصلًا". 7 في د، هـ، ز: "فأصلهما".

رابعة هكذا قلبت ياء, فصارت مَغْزَيٌ ومَدْعَيٌ, ثم قلبت الياء ألفًا فصارت مَدْعًى ومَغْزًى, فلمَّا احتجت إلى تحريك هذه الألف "راجعت بها الأصل"1 الأقرب وهو الياء, فصارتا ياء في قولك: مغزيان ومدعيان. وقد يكون الحرف منقلبًا فيضطرّ إلى قلبه, فلا تردَّه إلى أصله الذي كان منقلبًا عنه, وذلك قولك في حمراء: حمراوي وحمراوات2. وكذلك صفراوي وصفراوات2. فتقلب الهمزة واوًا, وإن كانت منقلبة عن ألف التأنيث، كالتي في نحو3: بشرى وسكرى. وكذلك أيضًا إذا نسبت إلى شقاوة فقلت: شقاوي. فهذه الواو في "شقاوي" بدل من همزة مقدرة, كأنك لما حذفت الهاء فصارت الواو طرفًا أبدلتها همزة, فصارت في التقدير إلى شقاء, فأبدلت الهمزة واوًا فصار "شقاوي". قالوا إذًا في "شقاوي" غير الواو في "شقاوة". ولهذا نظائر في العربية كثيرة. ومنها قولهم في الإضافة إلى عدوة: عدوي. وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت له4 واو فَعُولة؛ كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها, فصارت في التقدير إلى "عَدُوٍ" فأبدلت من الضمة كسرة, ومن الواو ياء فصارت إلى "عَدِيٍ"5 فجرت في ذلك مجرى عَم, فأبدلت من الكسرة فتحة, ومن الياء ألفًا, فصارت إلى "عَدًا" كهُدًى. فأبدلت من الألف واوًا لوقوع ياءي الإضافة بعدها, فصارت إلى6 "عَدَوِيّ"

_ 1 في د، هـ، ز: "رجعت بها إلى الأصل". 2 أي: في جمع حمراء وصفراء. وحمراء وصفراء وصفين لا يجمعان بالألف والياء عند جمهور النحويين, فإن كانتا علمين جاز جمعهما هذا الجمع بلا خلاف. 3 سقط في ش. 4 في د، هـ، ز: "لها". 5 في الأصول عدا ط، "عد" والأجود ما أثبت. 6 سقط هذا الحرف في ش، ز.

كهُدَويّ. فالواو إذًا1 في عَدَوِيّ ليست بالواو في عدُوَّة, وإنما هي بدل من ألف بدلٍ من ياء بدلٍ من الواو الثانية في عَدُوّة. فاعرفه.

_ 1 سقط في ش.

باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع

باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع: اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما إذا احتيج إليه جاز أن يراجع. والآخر ما لا تمكن مراجعته؛ لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله. الأول منهما: الصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين, فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه, وذلك كقوله1: فلتأتينكَ قصائدٌ وليدفعًا ... جيشًا إليك قوادم الأكوار2 وهو باب واسع. ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح؛ نحو قوله 3: لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب وبقية الباب. ومنه إظهار التضعيف؛ كلححت4 عينه, وضبب البلد, وألِلَ السقاء, وقوله: الحمد لله العليّ الأجلل وبقية الباب.

_ 1 أي: النابغة. وانظر الخزانة 3/ 68. 2 من قصيدة يتوّعد فيها زرعة بن عمرو الكلابي يتهدده بقصائد الهجو، وبالحرب، والأكوار جمع الكور -بالضم- وهو الرحل. وقوله: ليدفعا جيشًا، في د، هـ، ط: "ليوكبن جيش". 3 أي: ابن قيس الرقيات. وانظر ص 263 من الجزء الأول. 4 انظر في تفسير هذه الألفاظ ص330 من الجزء الأول.

ومنه قوله: سماء الإله فوق سبع سمائيا1 ومنه2 قوله: أهبني3 التراب فوقه إهبايا وهو كثير. الثاني 4 منهما: وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة, وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو: قام وباع وخاف وهاب وطال, فهذا مما لا يراجع أصله أبدًا, ألا ترى أنه لم يأت عنهم5 في نثر ولا نظم شيء منه مصححًا, نحو: قوم ولا بيع ولا خوف ولا هيب ولا طول, وكذلك مضارعه نحو: يقوم ويبيع ويخاف ويهاب ويطول. فأما ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة, فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة, فلحق بباب قولهم: قضوا الرجل إذا جاد قضاؤه, ورمو إذا جاد رميه. فكما6 بني فَعُل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله في فَعُلَ مما عينه ياء. وعلتهما جميعًا أن هذا بناء لا يتصرف7 لمضارعته -بما فيه من المبالغة- لباب التعجب ولنعم وبئس. فلما لم يتصرف7 احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفًا للباب, ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فَعُل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل منه؛ لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: بُعْتُ أبوع, وهو يبوع, ونحن نبوع، وأنت -أو هي- تبوع، وبوعا وبوعوا وبوعي, وهما يبوعان, وهم يبوعون, ونحو ذلك. وكذلك لو جاء فَعُل مما لامه ياء متصرفًا للزم أن يقولوا: رمُوتُ ورَمُوتَ, وأنا أرمو, ونحن نرمو, وأنت ترمو, وهو يرمو, وهم يرمون, وأنتما ترموان, وهن يرمون, ونحو ذلك, فيكثر قلب الياء واوًا، وهو8 أثقل من الياء.

_ 1 انظر ص212 من الجزء الأول. 2 سقط في ط، وهو أسوغ. 3 يقال: أهبى الفرس التراب: أثاره. 4 خبره محذوف، أي: هذا موضوع الكلام عليه. 5 في ش: "عندهم". 6 في د، هـ، ز: "كما". 7 في د، هـ، ز: "ينصرف". 8 في ز: "هي".

فأما قولهم: لرمُوَ الرجل فإنه لا يصرف ولا يفارق موضعه هذا, كما لا يتصرف نعم وبئس, فاحتمل ذلك1 فيه لجموده عليه, وأمنهم تعدّيه إلى غيره. وكذلك احتمل هيؤ الرجل ولم يعل؛ لأنه لا يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس, ولو صرّف للزم إعلاله وأن يقال 2: هاء يهوء وأهوء وتهوء ونهوء, وهما يهوءان, وهم يهوءون, ونحو ذلك, فلمَّا لم يتصرف لحق بصحة الأسماء, فكما صحَّ نحو: القود والحوكة والصيد والغيب, كذلك صحّ هيؤ الرجل -فاعرفه3- كما صحَّ ما أطوله وما4 أبيعه, ونحو ذلك. ومما لا يراجع من الأصول باب افتعل إذا كانت فاؤه صادًا أو ضادًا أو طاء أو ظاء, فإن تاءه تبدل5 طاء نحو: اصطبر واضطرب6 واطرد واظطلم7. وكذلك إن كانت فاؤه دالًا أو "ذالًا"8 أو زايًا, فإن تاءه تبدل دالًا. وذلك نحو قولك8: أدلج وادكر وازدان, فلا9 يجوز خروج هذه التاء على أصلها. ولم يأت ذلك في نثر ولا نظم. فأما ما حكاه خلف -فيما أخبرنا به أبو علي- من قول10 بعضهم: التقطت النوى واشتقطته واضتقطته, فقد يجوز أن تكون الضاد بدلًا من الشين في اشتقطته. نعم ويجوز أن تكون بدلًا من اللام في التقطته, فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون ذلك إيذانًا بأنها بدل من اللام أو الشين, فتصح التاء مع الضاد, كما صحت مع ما الضاد بدل منه. ونظير ذلك قول بعضهم 11:

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في ز: "أن" بدون حرف العطف. 3 في د، هـ، ز: "فاعرف ذلك". 4 سقط "ما" في ز. 5 في د، هـ، ز: "تقلب". 6 سقط في ش. 7 في ش: "أظلم", وفي ز: "إذ ظلم" وهو خطأ. 8 سقط في ش. 9 في د، هـ، ز: "ولا". 10 انظر ص264، من الجزء الأول. 11 انظر ص264 من الجزء الأول، وانظر أيضًا تهذيب الألفاظ 302.

يا رب أباز من العفر صدع ... تقبض الذئب إليه واجتمع لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع فأبدل لام الطجع من الضاد, وأقر الطاء بحالها مع اللام؛ ليكون ذلك دليلًا على أنها بدل من الضاد. وهذا كصحة عور؛ لأنه بمعنى ما تجب صحته وهو اعورَّ. وقد مضى ذلك. ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة, ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة. فأما قراءة أبي عمرو: "يَا صَالِحُ ايتِنَا"1 بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء فلا يلزمه عليها2 أن يقول: يا غلام اوجل. والفرق بينهما أن صحة الياء في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" بعد الضمة له نظير وهو قولهم: قيل وبيع, فحمل المنفصل على المتصل, وليس في كلامهم واو ساكنة صحَّت بعد كسرة, فيجوز قياسًا عليه يا غلام اوجل. فإن قلت: فإن الضمة في3 نحو: قيل وبيع لا4 تصح؛ لأنها إشمام ضمّ للكسرة, والكسرة في "يا غلام اوجل" كسرة صريحة5. فهذا فرق. قيل: الضمة في حاء "يا صالحُ" ضمة بناء فأشبهت ضمة "قيل" من حيث كانت بناء, وليس لقولك: "يا غلام اوجل" شبيه فيحمل هذا6 عليه, لا كسرة صريحة ولا كسرة مشوبة. فأما تفاوت ما بين الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة والأخرى ضمة غير صريحة, فأمر تغتفر العرب ما هو أعلى وأظهر منه. وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في نحو جمعهم في القافية بين

_ 1 آية: 77، سورة الأعراف، وهذ القراءاة وردت في بديع ابن خالويه 44 وقد عزيت فيه أيضًا إلى عاصم في رواية عنه، وانظر أيضًا كتاب سيبويه 2/ 358. 2 كذ في د، هـ، ز. وفي ش: "عليه". 3 سقط "في" في د: هـ، ز. 4 في د، هـ، ز: "لم". 5 في د، هـ، ز: "صحيحة". 6 سقط في ش.

سالم1 وعالم مع قادم وظالم, فإذا تسمَّحوا بخلاف الحرفين مع الحركتين كان تسمحهم بخلاف الحركتين وحدهما في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" وقيل وبيع أجدر بالجواز. فإن قلت: فقد صحَّت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو: اجلوَّاذ واخروَّاط, قيل: الساكنة هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعًا نبوة واحدة جرتا2 لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة, نحو: طول وحول. وعلى أن بعضهم قد قال: اجليواذا فأعلّ, مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف, ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء؛ إذ كانت هذه الياء غير لازمة, فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال: ثيرة وطيال, فقياس قولهم هنا3 أن يقول: اجلياذا, فيقلبهما4 جميعًا إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة. فإن قيل: فالحركتان5 قبل الألفين في سالم وقادم كلتاهما فتحة, وإنما شيبت إحداهما بشيء من الكسرة, وليست كذلك الحركات في حاء {يَا صَالِحُ} وقاف قيل؛ من حيث كانت الحركة في جاء {يَا صَالِحُ} ضمة البتة وحركة قاف "قيل" كسرة مشوبة بالضم, فقد ترى الأصلين هنا مختلفين, وهما هناك -أعني في سالم وقادم- متفقان. قيل: كيف تصرَّفت الحال, فالضمة في "قيل" مشوبة غير مخلّصة, كما أن الفتحة في سالم مشوبة غير مخلصة, نعم ولو تطمَّعت6 الحركة في قاف "قيل" لوجدت حصَّة الضم فيها أكثر من حصة الكسر، أو أدون حالها7 أن تكون في الذوق مثلها، ثم من

_ 1 يريد أن سالمًا وعالمًا حركتهما ممالة للكسرة بعد الألف مع عدم المانع، فأما قادم وظالم فيمنع الإمالة فيهما حرفا الاستعلاء القاف والظاء، فالفتحة في الأولين مشوية بكسرة، وفي الأخيرين خالصة. 2 في د، هـ، ز: "جريا". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 في د، هـ، ز: "فيقلبها". 5 في ش: "فالحركات". 6 في د، هـ، ز: "قطعت". 7 في د، هـ، ز: "أحوالهما".

بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف الألفين في سالم وقادم؛ لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما, وليست1 الياء في "قيل" كذلك بل هي ياء2 مخلصة, وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة. وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصحَّ بعد الضمة المخلصة, فضلًا عن الكسرة المشوبة بالضمِّ, ألا تراك لا يتعذر عليك صحة الياء وإن خلصت3 قبلها الضمة في نحو: ميسر, في اسم الفاعل من أيسر, لو تجشمت إخراجه على الصحة, وكذلك لو تجشمت تصحيح واو موزان قبل القلب, وإنما ذلك تجشم الكلفة لإخراج الحرفين مصححين غير معلين4. فأما الألف فحديث غير5 هذا، ألا ترى أنه ليس في الطوق ولا من تحت القدرة صحة الألف بعد الضمة ولا الكسرة, بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها, فإن صحَّت الفتحة قبلها صحت بعدها, وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف6 نحو الياء, نحو: سالم وعالم, وإن شيبت7 بالضمة نحى بالألف نحو الواو في الصلاة والزكاة, وهي ألف التفخيم. فقد بان لك بذلك فرق ما بين الألف وبين الياء والواو. فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة مما يرفض فلا يراجع. فاعرفه وتنبه على أمثاله فإنه كثيرة.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 سقط في ش. 3 في د، هـ، ز: "أخلصت". 4 في د، هـ، ز: "ممثلين". 5 في ز: "في غير". 6 في ش: "الألف". 7 كذا في ز، وفي ش: "شيب".

باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى

باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى ... باب في مراعاتهم الأصول للضرورة تارة, وإهمالهم إياها أخرى: فمن الأول قولهم: صغت الخاتم, وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عدَّيت, فلولا أن أصل هذا فعلت -بفتح العين- لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب: ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح1 ألا ترى أن أوّل البيت مبني على اطِّراح ذكر الفاعل, وأن آخره قد عوود فيه "الحديث عن الفاعل"2 لأن3 تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح. فدلَّ قوله: ليبك, على ما أراده من قوله: ليبكه. ونحوه قوله الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} 4، {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 5، هذا مع قوله سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 6 وقوله عز وجل: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 7 وأمثاله كثيرة. ونحو من البيت قول الله تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"8 أي: يسبح له فيها رجال. ومن الأصول المراعاة قولهم: مررت برجل ضارب زيد وعمرًا, وليس زيد بقائم ولا قاعدًا و {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} 9 وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله 10: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا

_ 1 هذا من أبيات لنهشل بن حري في رثاء يزيد بن نهشل. والبيت في الكتاب 1/ 145 منسوبًا إلى الحارث بن نهيك. وانظر الخزانة 1/ 147. 2 في د، هـ، ز: "ذكر الفاعلي". 3 في ش: "أن". 4 آية: 19، سورة المعارج. 5 آية: 28، سورة النساء. 6 آيتا: 1، 2 سورة العلق. 7 آيتا: 3، 4 سورة الرحمن. 8 آيتا: 36، 37 سورة النور, وقراءة فتح الباء في "يسبَّح" قراءة ابن عامر وأبي بكر. 9 آية 33، سورة العنكبوت. 10 أي: زهير. وانظر الكتاب 1/ 83، ونسب فيه في 1/ 154 لصرمة الأنصاري. قال ابن خلف: "وهو الصحيح", ويروى لابن رواحة كما في الخزانة 3/ 666. هذا وفي ط: "سابقًا" وبعد البيت: "وسابق أيضًا".

وقوله 1: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها كانت مراجعة2 الأصول أولى وأجدر. ومن ضدَّ ذلك: هذان ضارباك, ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم3. وعلى هذا القياس4 أكثر الكلام: أن5 يعامل الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه, وهو شاهد لقوّة إعمال الثاني من الفعلين لقوته وغلبته على إعمال الأول لبعده. ومن ذلك قوله 6: وما كل من وافى منًى أنا عارف7 فيمن نوّن أو أطلق مع رفع "كلُّ". ووجه ذلك أنه إذا رفع كلّا فلا بُدَّ من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير, وكل واحد من التنوين في "عارف" ومدة الإطلاق في "عارفو" ينافي اجتماعه مع الهاء المرادة المقدَّرة, ألا ترى أنك لو جمعت بينهما فقلت: عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك. وإنما هذا لمعاملة الحاضر واطراح حكم الغائب. فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.

_ 1 أي: الأخوص الرياحي. وانظر الكتاب 1/ 145، والخزانة 2/ 145، وشواهد المغني 2/ 770. 2 في د، هـ، ز، "مراعاة". 3 في د، هـ، ز: "الأسماء". 4 في د، هـ، ز، "القبيل". 5 في ش: "وأن". 6 هو مزاحم العقيلي. وانظر الكتاب 1/ 36، وشواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 98، وص26 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 7 صدره: وقالوا تعرفها المنازل من منى

باب في حمل الأصول على الفروع

باب في 1 حمل الأصول على الفروع: قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله؛ لأنك لا تضيفه إليه مضمرًا, فكذلك لا تضيفه إليه مظهرًا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمَّا جازت إضافته إليه مضمرًا. كأنَّ أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب2 المضمر فقدَّمه وحمل عليه المظهر من قِبَل أن المضمر أقوى حكمًا في باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة -وهو التنوين- من المظهر, ولذلك لا يجتمعان في نحو ضاربانك وقاتلونه؛ من حيث كان المضمر3 بلطفه وقوة اتصاله "مشابهًا للتنوين بلطفه وقوة اتصاله"4 وليس كذلك المظهر لقوته ووفور5 صورته, ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه, نحو: ضاربان زيدًا وقاتلون عمرًا6. فلمَّا كان المضمر مما تقوَّى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر -وإن كان هو الأصل- عليه، وأصاره -لما ذكرناه- إليه. ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجر في المظهر في7 نحو: رأيت الزيدين, ومررت بالزيدين, لاستوائهما في المضمر نحو: رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم8 المظهر من حيث كان المضمر عاريًا من الإعراب، فإذا9 عَرِيَ منه جاز أن يأتي منصوبه بلفظ مجروره وليس كذلك المظهر؛ لأن باب الإظهار أن يكون موسومًا بالإعراب, فلذلك حملوا الظاهر على المضمر في التثنية, وإن كان المظهر هو الأصل؛ إذ كان المراعى هنا أمرًا غير

_ 1 في ز: "من". 2 سقط في ش. 3 في د، هـ، ز: "مضمرًا". 4 سقط ما بين القوسين في ز. 5 كذا في ز، ط. وفي ش: "فوّة". 6 في د، هـ، ز: "بكرًا". 7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 8 سقط في د، هـ، ز. 9 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "وإذا".

الفرعية والأصلية, وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمَّلت ذلك علمت أنك في الحقيقة إنما حملت فرعًا على أصل لا أصلًا على فرع, ألا ترى أن المضمر أصل في عدم الإعراب, فحملت المظهر عليه؛ لأنه فرع في البناء, كما حملت المظهر على المضمر في باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل في مشابهته التنوين1 والمظهر فرع عليه في ذلك؛ لأنه إنما يتأصّل2 في الإعراب لا في البناء. فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها, ولا تعط باليد مع أول ورودها, وتأت لها, ولاطف بالصنعة ما يورده الخصم منها, مناظرًا كان أو خاطرًا. وبالله التوفيق.

_ 1 في د، هـ، ز: "للتنوين". 2 في د، هـ، ز: "هو متأصّل".

باب في الحكم يقف بين الحكمين

باب في الحكم يقف بين الحكمين 1: هذا فصل موجود في العربية لفظًا, وقد أعطته مقادًا عليه وقياسًا. وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو2: غلامي وصاحبي. فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء. أمّا كونها غير إعراب فلأنَّ الاسم يكون مرفوعًا ومنصوبًا وهي فيه, نحو: هذا غلامي, ورأيت صاحبي, وليس بين "الكسر وبين"3 الرفع والنصب4 في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة. وأما كونها غير بناء فلأنَّ الكلمة معربة متمكنة, فليست الحركة إذن5 في آخرها6 ببناء, ألا ترى أن غلامي في التمكّن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.

_ 1 في ز: "حكمين". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 ما بين القوسين ساقط في د، هـ، ز. 4 بعده في د، هـ، ز: "والجر". 5 سقط في ش. 6 في ش: "آخره".

فإن قلت: فما الكسرة في نحو: مررت بغلامي, ونظرت إلى صاحبي, أإعراب هي أم من جنس الكسرة في الرفع والنصب؟ قيل: بل هي من جنس ما قبلها وليست إعرابًا, ألا تراها ثابتة في الرفع والنصب. فعلمت بذلك أن هذه الكسرة يكره الحرف عليها, فيكون في الحالات ملازمًا لها, وإنما يستدل بالمعلوم على المجهول. فكما لا يشك أن هذه الكسرة في الرفع والنصب ليست بإعراب, فكذلك يجب أن يحكم عليها في باب الجر؛ إذ الاسم واحد, فالحكم عليه إذًا في الحالات واحد. إلّا أنَّ لفظ هذه الحركة في حال الجر وإن لم تكن إعرابًا لفظها1 لو كانت إعرابًا, كما أن كسرة الصاد في صِنْو غير كسرة الصاد في صِنْوان حكمًا وإن كانت إياها لفظًا2. وقد مضى ذلك وسنفرد لما يتصل به بابًا. ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو: الرجل وغلامك وصاحب الرجل. فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة3 ولا غير منصرفة. وذلك أنها ليست بمنونة, فتكون منصرفة, ولا مِمَّا يجوز للتنوين4 حلوله للصرف, فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارةً لكونه غير منصرف؛ كأحمد وعمر وإبراهيم, ونحو

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "غير لفظها". 2 أورد ابن الشجري في أماليه 1/ 4 رأي ابن جني في كسرة المضاف لياء المتكلم ورد عليه، وفي رأي ابن الشجري أنها كسرة بناء, وفي رأي المتأخرين من النحاة أنها كسرة مناسبة والإعراب بحركات مقدَّرة. وانظر الرضي شرح الكافية 1/ 35، والأشموني في آخر مبحث "المضاف إلى ياء المتكلم". 3 المعروف أن هذه الأمثلة منصرفة؛ إذ ليس فيها شبه الفعل، ومنع التنوين لوجود المعاند له، وآية ذلك أنه إذا زال المعاند عاد الصرف. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "التنوين" و"حلول" على هذا بدل منه.

ذلك. وكذلك التثنية والجمع على حدها, نحو: الزيدان والعمرين والمحمدون, وليس شيء من ذلك منصرفًا1 ولا غير منصرف, معرفة كان2 أو نكرة؛ من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينون مثلها, فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها. ومن ذلك بيت الكتاب: له زجل كأنه صوت حاد3 فحذف الواو من قوله4 "كأنه" لا على حد الوقف ولا على حد الوصل. أما الوقف فيقضي بالسكون: "كأنْه", وأما الوصل فيقضي بالمَطْل وتمكين الواو "كأنهو", فقوله إذًا "كأنهُ"5 منزلة بين الوصل والوقف. وكذلك أيضًا سواءً قوله: يا مرحباه بحمار ناجيه ... إذا أتى قربته للسانيه6

_ 1 هذا الضرب عند المتأخرين منصرف؛ لأنه لم يشبه الفعل، وفي صبان الأشموني في أول "ما لا ينصرف": "قال شيخ الإسلام زكريا: وظاهر كلامهم أن المتصف بالانصراف وعدمه إنما هو الأسم المعرب بالحركات، وإلّا فينبغي أن يستثنى أيضًا ما يعرب بالحروف؛ إذ يصدق عليه أنه فاقد لتنوين الصرف، مع أنه في الواقع منصرف حيث لا مانع". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 انظر ص128 من الجزء الأول. وفي ز: "كأنه خلس", وكلمة "خلس" كانت موضوعة فوق "كأنه" فوضعت بعدها خطأ. 4 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش. 5 في ز، ط: "كأنه خلس", يريد اختلاس حركة الهاء فيها وعدم مدها. 6 ناجية: اسم صاحب الحمار. والسانية: الدلو العظيمة. وانظر الخزانة 4/ 400.

فثبات الهاء في "مرحباه" ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل , أما الوقف فيؤذن بأنها1 ساكنة: يا مرحباهْ, وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلًا: يا مرحبا بحمار ناجية. فثباتها إذًا في الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين. وكذلك سواء قوله 2: ببازلٍ وجناءَ أو عَيْهلِّ2 فإثبات الياء مع التضعيف طريف, وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف, والياء من أمارة الإطلاق. فظاهر هذا الجمع بين الضدين فهو إذًا منزلة بين المنزلتين, وسبب جواز الجمع بينهما أن كل واحد منهما قد كان جائزًا على انفراده, فإذا جمع بينهما فإنه على كل حال لم يكلف إلّا بما من عادته أن يأتي به مفردًا، وليس على4 النظر بحقيقة الضدين كالسواد والبياض, والحركة والسكون, فيستحيل اجتماعهما. فتضادهما إذًا إنما هو في الصناعة لا في الطبيعة. والطريق متلئّبة منقادة, والتأمل يوضحها ويمكنك منها.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بهاء". 2 أي: منظور بن حبة. وحبة أمه. وأبوه مرثد، ومن ثَمَّ ينسب إلى منظور بن مرثد، وانظر شواهد الشافية 246. 3 قبله: إن تبخل يا جمل أو تعتلي ... أو تصبحي في الظاعن المولي نسل وجد الهائم المغتل والبازل: من الإبل ما دخل في السنة التاسعة. الوجناء: الناقة الشديدة. والعميل، الناقة الطويلة. والمغتل: من به الغلة؛ وهي حرارة العطش، ويراد بها هنا حرارة الشوق. وانظر نوادر أبي زيد 53، وشواهد الشافية 246. 4 سقط في د، هـ، ز.

باب في شجاعة العربية

باب في شجاعة العربية: اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف. الحذف: قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة, وليس شيء من ذلك إلّا عن دليل عليه, وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته. فأمَّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت, وتالله1 لقد فعلت. وأصله: أقسم بالله, فحذف الفعل والفاعل وبقيت الحال -من الجار والجواب- دليلًا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيدًا, إذا أردت: اضرب زيدًا, أو نحوه. ومنه إياك إذا حذرته, أي: احفظ نفسك ولا تضعها, والطريق الطريق, وهلا خيرًا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله, أي: أصاب القرطاس. وخير مقدم؛ أي: قدمت خير مقدم. وكذلك الشرط في2 نحو قوله: الناس مجزيون بأفعالهم3 إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا, أي: إن فعل المرء خيرًا جزي خيرًا, وإن فعل شرًّا جزي شرًّا. ومنه قول التغلبي 4: إذا ما الماء خالطها سخينا

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالله". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 في د، هـ، ز: "بأعمالهم". 4 هو عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة. وانظر ص290 من الجزء الأول.

"أي: فشربنا سخينًا"1 وعليه قول الله سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 2 أي: فضرب فانفجرت, وقوله عز اسمه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 3 أي: فحلق فعليه فدية, ومنه قولهم 4: ألا تا, بلى فا, أي: ألا تفعل؟ بلى فافعل. وقول الآخر: قلنا لها قفي لنا قالت قاف أي: وقفت, وقوله 5: . . . . . . . . . . . . . . . وكأن قد6 أي: كأنها قد زالت, فأما7 قوله: إذا قيل مهلًا قال حاجزه قد8 فيكون على هذا أي قد قطع وأغنى9, ويجوز أن يكون معناه: قَدْك! أي: حسبك, كأنه قد فرغ ما قد أريد منه, فلا معنى لردعك وزجرك. وإنما تحذف الجملة10 من الفعل والفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل في كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل, نحو: ضربت ويضربان, وقامت هند و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} 11 وحبذا زيد, وما أشبه ذلك مما يدل على شدة اتصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد. وليس كذلك المبتدأ والخبر. وأما حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 آية: 60 سورة البقرة. 3 آية 196 سورة البقرة. 4 انظر في هذا وفي البيت بعده ص31 من الجزء الأول. 5 أي: النابغة. وهو من قصيدته في المنجردة. 6 تمام البيت: أفد الترحل غير أن ركابنا ... لماتزل برحلنا وكأن قد 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما". 8 ورد هذا الشطر في اللسان "قدد" دون عزو، ولا تكملة. 9 سقط في ش. 10 في ز: "الكلمة المركبة. 11 آية: 186 سورة آل عمران.

حذف الاسم على أضرب: قد حذف المبتدأ تارة؛ نحو: هل لك في كذا وكذا1؛ أي: هل لك فيه حاجة أو أرب, وكذلك قوله -عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} 2 أي: ذلك أو هذا بلاغ. وهو كثير. وقد حذف الخبر نحو قولهم في جواب من عندك: زيد, أي: زيد عندي, وكذا قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} 3 وإن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما, وإن شئت كان على: أمرنا طاعة وقول معروف, وعليه قوله4: فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود وقد حذف المضاف, وذلك كثير واسع, وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه نحو قول الله سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} 5 أي: بر من اتقى, وإن شئت كان تقديره: ولكن ذا6 البر من اتقى. والأول أجود؛ لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع, والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ لأن الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور, ومنه7 قوله -عز اسمه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 8 أي: أهلها. وقد حذف المضاف مكررًا نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 9 أي: من تراب10 أثر حافر فرس الرسول, ومثله مسألة11 الكتاب: أنت

_ 1 سقط في ش. 2 آية: 35، سورة الأحقاف. 3 آية 21، سورة محمد. 4 أي: عمر بن أبي ربيعة. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 967. 5 آية 177، سورة البقرة. 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "ذو". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله". 8 آية 82 سورة يوسف. 9 آية: 66، سورة طه. 10 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز. 11 في الكتاب 1/ 206، "وأما ما يرتقع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان".

مني فرسخان, أي: ذو مسافة فرسخين. وكذلك قوله -جل اسمه: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} 1 أي: كدوران عين2 الذي يغشى عليه من الموت3. وقد حذف المضاف إليه نحو قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4 أي: من قبل ذلك ومن بعده. وقولهم: ابدأ بهذا أول, أي: أول ما تفعل. وإن شئت كان تقديره: أول من غيره, ثم شبه الجار والمجرور هنا بالمضاف إليه لمعاقبة المضاف إليه إياهما. وكذلك قولهم: جئت5 من علٍ, أي: من أعلى, كذا وقوله 6: فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقيء بيضٍ كنّه القيض من علُ فأما قوله 7: كجلمود صخر حطَّه السيل من علٍ فلا حذف فيه؛ لأنه نكرة, ولذلك أعربه فكأنه قال: حطه السيل من مكان عالٍ, لكن قول العجلي 8: أقب من تحت عريض من علِ هو محذوف المضاف إليه؛ لأنه معرفة, وفي موضع المبني على الضمِّ, ألا تراه قابل به ما هذه حاله وهو قوله: من تحت. وينبغي أن يكتب "عَلِي" في9 هذا بالياء.

_ 1 آية: 19، سورة الأحزاب. 2 سقط في ش. 3 في ز بعد هذا, "وقال آخر" ويليه بياض، وكتب في هامش: "بياض في الأصل". 4 آية: 4، سورة الروم. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 أي: أوس بن حجر. والبيت في وصف قوس. والليط: القشر، والغرقي: والقشرة الملتزفة ببياض البيض. والقيض القشرة العاليا اليابسة. يقول: إن الفواس حين قشر قناة الفرس لم يستأصل قشرها، أبقى الليط يقويها بذلك ويملكها؛ يقال: ملكه: قوَّاه, وشبه الليط بالغرقي الذي فوقه للقيض. وانظر اللسان "ملك". 7 أي: أمرئ القيس في المعلقة. 8 أي: أبي النجم. 9 في د، هـ، ز: "هذه".

وهو فعل في معنى فاعل, أي: أقب من تحته عريض من عاليه, بمعنى أعلاه. والسافل والعالي بمنزلة الأسفل والأعلى. قال: ما هو إلا الموت يغلي غاليه ... مختلطًا سافله بعاليه لا بدَّ يومًا أنني ملاقيه1 ونظير عالٍ وعلٍ هنا قوله 2: وقد علتني ذرأة بادي بدي أي: باديَ باديَ, وإن شئت كان ظرفًا غير مركب, أي: في بادي بدي كقوله -عز اسمه: {بَادِيَ الرَّأْيِ} 3 "أي: في بادي الرأي"4 إلّا أنه أسكن الياء في موضع النصب مضطرًا كقوله: يا دار هند عفت إلّا أثافيها وإن شئت كان مركَّبًا على حد قوله 5: إذ نجن في غِرَّة الدنيا ولذتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا إلّا أنه أسكن لطول الاسم بالتركيب كمعدي كرب, ومثل فاعل وفعِل في هذا المعنى6 قوله 7:

_ 1 سقط الشطر الأخير في ش. 2 أي: أبي نخيلة. وبما البيت: ورثية تنهض بالتشدد والذرأة: الشيب، والرئية: وجع المفاصل. يصف كبره وشيخوخته. وانظر اللسان "ذرأ، وثا". 3 آية 27 سورة هود. 4 سقط في ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قول جرير" ولم أجد هذا البيت في ديوان جرير المطبوع, والبيت في نوادر أبي زيد 184 غير معزوّ. وقبله: هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا ... والعش منقلب إذ ذاك أفنانا وبعده: ولما ستمرَّ شيخان مبتجح ... بالبين عنك بما يراك شنآنا 6 سقط في ش. 7 أي: الضب فيما يزعم العرب، حين يقال له: وردا ياضب. والمراد: بنت في البادية، وكذلك الصليان والعنكث. وفي التكملة: "قوله: "ردا" تصحيف من القدماء، فتبعهم فيه الخلف، والراوية، "زردا" وهو السريع الازدراد, أي: الابتلاع. ذكره أبو محمد الأعرابي، وانظر اللسان "عرد".

أصبح قلبي صِردا ... لا يشتهي أن يردا إلا عرادًا عردا ... وصليِّانًا بردا وعنكثًا ملتبدا أراد: الإعراد عاردًا وصلِّيانا باردًا. وعليه قوله: كأن في الفرش القتاد العاردا فأما قولهم: عرد الشتاء1؛ فيجوز أن يكون مخففًا من عرد هذا, ويجوز أن يكون مثالًا في الصفة على فعل كصَعْب ونَدْب. ومنه يومئذ وحينئذ, ونحو ذلك, أي: إذ ذاك كذلك, فحذفت الجملة المضاف إليها. وعليه قول ذي الرمة: فلمَّا لبسن الليل أو حين نصَّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح2 أي: أو حين أقبل. وحكى الكسائي: أفوق تنام أم أسفل؛ حذف المضاف3 ولم يبن. وسمع4 أيضًا: "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ" فحذف ولم يبن.

_ 1 كذا في ش، وفي ز: "النساء" وكأنه الصواب، يرادهن الرجل، ومن أوصافه العرد. 2 هذا في الحديث عن حمر الوحش، وخذا الأذن: استرخاؤها، وقوله: "هو جامح" يعني: الليل. وبعده: حداهن شحاج كأن سحيله ... على حافَّتيهن ارتجاز مفاضح يعني بالشحاج: الحمار، وسحيله: نهاقه "بارتجاز" أي: ذكر الرجز من الشعر يقوم به راجزان يتسابان ويفضح أحدهما صاحبه. وانظر الديوان 62. 3 كذا، والمناسب "المضاف إليه". 4 يريد أن هذا سمع عن بعض العرب؛ ولم ترد به قراءة، وإنما الوارد في القراءة غير الضم والكسر مع التنوين، وهي قراءة الحجدري والعقيلي، كما في البحر. ويبدو أن الأمر اشتبه على ابن هشام ومن تبعه, فظنَّ قراءتهما بدون تنوين فجعل ذلك قراءة، وممن تابعه الأشموني في مبحث الإضافة، ونسب الشيخ خالد في شرحه للتوضيح ذلك إلى الحجدري والعقيلي، وقد علمت أن قراءتهما بالتنوين.

وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه, وأكثر ذلك في الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة في الكلام على ضربين: إما "للتخليص والتخصيص"1، وإما للمدح الثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب لا من مظانِّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف2 اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضد البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بطويل, لم يستبن3 من ظاهر هذا اللفظ أن4 الممرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى5 قام الدليل عليه أو شهدت الحال به, وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث. ومما يؤكد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه, وذلك أن تكون الصفة جملة نحو: مررت برجل قام أخوه, ولقيت غلامًا وجهه حسن. ألا تراك لو قلت: مررت بقام أخوه, أو لقيت وجهه حسن, لم يحسن. فأما قوله: والله ما زيد بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه6

_ 1 في د، هـ، ز: "للتخصيص والتخليص". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تحيف". 3 كذا في ش. وي د، هـ، ز: "تستبن". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 في د، هـ، ز: "شيء". 6 الروية المشهورة: والله ما ليلى بنام صاحبه والليان -بكسر اللام الملاينة وبفتحها: اللين والدعة. وانظر الخزانة 4/ 106، والعيني على هامش الخزانة 4/ 2، والكامل مع رغبة الآمل 4/ 80.

فقد قيل فيه: إن "نام صاحبه" علم اسم لرجل1، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله: بنى شاب قرناها. . . . . .2 فإن قلت فقوله: ولا مخالط الليان جانبه ليس علمًا وإنما هو صفة، وهو معطوف على "نام صاحبه", فيجب أن يكون قوله3: "نام صاحبه" صفة أيضًا. قيل: قد يكون في الجمل إذا سمِّي بها معاني الأفعال فيها, ألا ترى أن "شاب قرناها تصر وتحلب" هو اسم علم, وفيه مع ذلك معنى الذم, وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله: ولا مخالط الليان جانبه معطوفًا على ما في قوله "ما زيد بنام صاحبه" من معنى الفعل, فأما قوله: مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر جادت بكفي كان من أرمى البشر4 أي: بكفّي رجل أو إنسان كان من أرمى البشر, فقد روى غير هذه الرواية. روى: "بكفي كان من أرمى البشر"، بفتح ميم "من" أي بكفَّيْ من هو أرمى البشر, و"كان" على هذا زائدة. ولو لم تكن فيه إلا5 هذه الرواية لما جاز القياس عليه؛

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وجل". 2 هذا قطعة من بيت تمامه: كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها نصر وتحلب وهو لشاعر من بني أسد, وأراد بالقرنين ضفيرتيْ المرأة, وقوله: "تصر" أي تشد ضرع الحلوبة إذا أرسلت إلى المرعى, وقوله: "تحلب" أي: إذا راحت عشيا. يصف أمهم أنها راعية عجوز. وانظر الكتاب 1/ 259، والكامل 4/ 80. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 الكبداء: صفة للقوس. وهي التي يملأ الكف مقبضها, وقوله: "جادت بكفي ... " في العبارة قلب، أي جادت بها كفان إلخ. وانظر الخزانة 2/ 321. 5 سقط في ش. و"هذه الرواية" عليه هي الثانية، فأمَّا على ما أثبت فالمراد بها الأولى.

لفروده1 وشذوذه عمَّا عليه عقد هذا الموضع. ألا تراك لا تقول: مررت بوجهه حسن, ولا نظرت إلى غلامه سعيد. فأما قولهم: بدأت بالحمدُ لله, وانتهيت من القرآن إلى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 2 ونحو ذلك, فلا يدخل على هذا القول من قبل أن هذه طريق الحكاية, وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر, والشناعة فيه3 أوهى وأسقط. وليس ما كنَّا عليه مذهبًا له تعلق بحديث الحكاية, وكذلك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل, ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن، ولا4 ضرب قام غلامه, وأنت تريد: قام رجل وجهه حسن, ولا ضرب إنسان قام غلامه. وكذاك إن كانت الصفة حرف جر أو ظرفًا لا يستعمل استعمال الأسماء, فلو قلت: جاءني من الكرام, أي: رجل من الكرام, أو حضرني سواك, أي: إنسان سواك, لم يجسن؛ لأن الفاعل لا يحذف, فأما قوله5: أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل فليست الكاف هنا حرف جر, بل هي اسم بمنزلة مثل؛ كالتي في قوله: على كالقطا الجونيّ أفزعه الزجر وكالكاف الثانية من قوله 6: وصالياتٍ ككما يؤثفين

_ 1 أي: لانفراده، يقال: فرد بهذا الأمر. وفي ط: "لنذوره", وهو محرف من: "لنزوره" أي: لقلته، أو "لندوره". 2 آية: 1، سورة النحل. 3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "منه". 4 كذا. والوجه حذف هذا الحرف. 5 أي: الأعشى في معلقته المشهورة. والشطط: الجور. والفتل: جمع الفتيل، وهو هنا ما يستعمل في الجراحة. أراد طعنًا جائفًا نافذًا إلى الجوف بغيب فيه الزيت والفتل. انظر الخزانة 1/ 132. 6 أي: خصام المجاشعي, وقبله: لم يبق من أي بها يحلين ... غير رماد وحطام كنفين وهو يصف دارًا قد خلت من أهلها وبقي بها آثارهم، ومن تلك الآثار الصاليات، يريد الأثافي التي توضع عليها القدر، جعلها ساليات؛ لأنها صليت بالنار حتى اسودَّت. وانظر الخزانة 1/ 367 وشواهد الشافية 59.

"أي كمثل ما يؤثفين"1 وعليه قول2 ذي الرمة: أبيت على ميّ كئيبًا وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح3 فأما قول الهذلي 4: فلم يبق منها سوى هامد ... وغير الثمام وغير النؤيِّ ففيه قولان: أحدهما أن يكون في "يبق" ضمير فاعل من بعض ما تقدَّم, كذا قال أبو علي -رحمه الله. والآخر أن يكون استعمل "سوى" للضرورة اسمًا فرفعه, وكأن هذا أقوى لأنَّ بعده: "وغير الثمام وغير النؤي" فكأنه5 قال: لم6 يبق منها غير هامد, ومثله ما أنشدناه للفرزدق7 من قوله: ائته بمجلوم كأنَّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا8 وعليه قول الآخر 9: في وسط جمع بني قريط بعدما ... هتفت ربيعة يا بني جواب

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 في د، هـ، ر: "بيت". 3 عالج: موضع بالبادية به رمل، وينبطح: يستلق على وجهه. وانظر الديوان 85، وفيه: "على مثل الأشافي" في مكان: "على مي كثيبا". 4 أي: أبي ذؤيب, ورواية ديوان الهذليين: لم يبق منها سوى هامد ... وسفع الخدود معًا والنؤي وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 64 وما بعدها. 5 في د، هـ، ز: "وكأنه". 6 في د، هـ، ز: "فلم". 7 في د، هـ، ز: "الفرزدق". 8 المجلوم: المحلوق، أراد به هن المرأة، والصلاءة: مدق الطيب، والورس: نبت أصفر. والمؤلف يريد أن "وسطا" ساكن السين يكون ظرفًا, ولكن الفرزدق أخرجه عن الظرفية للشعر، كما "سوى": وكذا في البيت بعده. 9 نسبه في اللسان "وسط" إلى القتال الكلابي، وقريط -بالتصغير- وقريط - بالتكبير- بطنان من بني كلاب. ورواية البيت كما في اللسان والتاج: مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ بعدما ... هَتَفَتْ رَبِيعَةُ يا بَني خَوّارِ

وقد أقيمت "الصفة الجملة"1 مقام الموصوف المبتدأ نحو قوله 2: لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم أي: ما في قومها أحد يفضلها, وقال الله سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: قوم دون ذلك, وأما قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 4 فيمن5 قرأه بالنصب فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الفاعل مضمرًا, أي: لقد تقطع الأمر أو العقد أو الود -ونحو ذلك- بينكم, والآخر "أن يكون"6 ما كان يراه أبو الحسن من أن يكون "بينكم" وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله, غير أنه أقرت نصبة الظرف, وإن كان مرفوع الموضع لاطراد استعمالهم إياه ظرفًا. إلا أن استعمال الجملة التي هي صفة للمبتدأ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة؛ لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسمًا محضًا. كلزوم ذلك في الفاعل, ألا ترى إلى قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيته. وقد تقصينا7 ذلك في غير موضع. وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم 8: سير عليه ليل, وهم يريدون: ليل طويل. وكأنَّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلَّ من الحال على موضعها, وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك

_ 1 كذا في ش. وفي ز: "صفة الجملة" وفي ط: "الصفة الجملية". 2 أي: حكيم بن معية الربعي. وتيثم: أصله تأثم؛ فكسر حرف المضارعة وأبدل الهمزة ياء. والميسم: الحسن والجمال. انظر الكتاب 1/ 375، والخزانة 2/ 311. 3 آية: 11 سورة الجن. 4 آية: 94 سورة الأنعام. 5 في ز: "فمن قرأ". وهذه قراءة نافع وحفص والكسائي وأبي بكر, والباقون بالرفع، كما في الإتحاف. 6 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز. 7 في د، هـ، ز: "تقصيت". 8 كأنه يريد قول سيبويه في الكتاب 1/ 15, وكذلك سير عليه ليلًا ونهارًا ... إلّا أن تريد معنى سير عليه ليل طويل ونهار طويل.

من التطويح والتطريح والتفخيم1 والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو2 نحو ذلك. وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمَّلته, وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه, فتقول: كان والله رجلًا, فنزيد في قوة اللفظ ب"الله" هذه الكلمة3، وتتمكَّن في4 تمطيط اللام5 وإطالة الصوت بها وعليها4, أي: رجلًا فاضلًا أو شجاعًا أو كريمًا أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانًا, وتمكّن الصوت بإنسان وتفخَّمه, فتستغني بذلك عن وصفه بقولك 6: إنسانًا سمحًا أو7 جوادًا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانًا! وتزوي وجهك وتقطبه, فيغني ذلك عن قولك: إنسانًا لئيمًا أو لحزًا أو مبخلًا أو نحو ذلك. فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة, فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإن حذفها لا يجوز, ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل, أو رأينا بستانًا, وسكت لم "تفد بذلك"8 شيئًا؛ لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان9، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت أو ما7 ذكرت, فإن لم تفعل كلّفت علم ما "لم تدلل"10 عليه, وهذا لغو من11 الحديث وجور في التكليف.

_ 1 في د، هـ، ز: "التلخيم". 2 في د، هـ، ز: "ونحو". 3 في د، هـ، ز: "الجملة". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الكلام". 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "وقولك". 7 في د، هـ، ز: "و" بدل "أر". 8 في د، هـ، ز: "يفد ذلك". 9 سقط في ش. 10 في د، هـ، ز: "تدلك". 11 في د، هـ، ز: "في".

ومن ذلك ما يروى في الحديث 1: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، أي: لا صلاة كاملة أو فاضلة ونحو ذلك. وقد خالف في ذلك من لا يعد خلافه خلافًا. وقد حذف المفعول به نحو قول الله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: أوتيت منه شيئًا, وعليه قول الله سبحانه: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} 3 أي: غشاها إياه, فحذف المفعولين جميعًا, وقال الحطيئة: منعّمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبيّ4 أي: تصون الحديث منها, وله نظائر. وقد حذف الظرف نحو قوله 5: فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد أي: إن مت قبلك, هذا يريد لا محالة. ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته؛ لأنه يعلم6 أنه مائت7 لا محالة, وعليه قول الآخر8: أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي

_ 1 رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر وأبي هريرة؛ كما في الجامع الصغير. 2 آية 23 سورة النمل. 3 آية 54 سورة النجم. 4 الشرعبي: ضرب من البرود, وقيل البيت: أكل الناس تكتم حب هند ... وما تخفى بذلك من خفيّ 5 أي: طرفة في معلقته. 6 في د، هـ، ز: "لا يعلم". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ميت". 8 هو نصيب: وانظر الموشّح 160، 189، والأغاني 11/ 19، 14/ 174 من طبعة بولاق.

أي: فإن أمت قبلها لا بُدَّ أن يريد هذا, وعلى هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1 أي: من شهد الشهر منكم صحيحًا بالغًا في مصرٍ فليصمه, وكان أبو علي -رحمه الله- يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف, ويذهب إلى أنّ المفعول محذوف, أي: فمن شهد منكم المِصْر في هذا الشهر فليصمه, وكيف تصرفت الحال فلا بُدَّ من حذف. وقد حذف المعطوف تارة والمعطوف عليه أخرى. روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون: راكب الناقة طليحان, أي: راكب الناقة والناقة طليحان, وقد مضى ذكر هذا2. وتقول3: الذي ضربت وزيدًا جعفر، تريد4: الذي ضربته وزيدًا، فتحذف5 المفعول من الصلة. وقد حذف المستثنى نحو قولهم: جاءني زيد ليس إلّا, وليس غير, أي: ليس إلّا إياه, وليس غيره. وقد حذف خبر إنَّ مع النكرة خاصة نحو قول الأعشى: إن محلًّا وإن مرتحلًا ... وإنّ في السفر إذ مضوا مهلا أي: إن لنا محلًّا, وإن لنا مرتحلًا6

_ 1 آية: 185، سورة البقرة. 2 انظر ص290 من الجزء الأول. 3 في د، هـ، ز: "يقول". 4 في د، هـ، ز: "يريد". 5 في د، هـ، ز: "فيحذف". 6 سقط ما بين القوسين في ش. وقال الأعلم: "والمعنى" إن لنا محلًّا في الدنيا، ومرتحلًا عنها إلى الآخرة, وأراد بالسفر من رحل من الدنيا؛ فيقول في رحيل من رحل ومضى مهل, أي: لا يرجع، وتراه فسَّر المهل بعدم الرجوع، والأصل فيه التراخي والرفق والأناة, وفسَّره بعضهم بالسبق. وانظر شرح الرضي للكافية 2/ 392، الكتاب 1/ 284، والخزانة 4/ 381 والصبح المنير 155.

وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة, ويحكون عنهم أنهم إذ قيل لهم: إن الناس ألب عليكم فمن لكم. قالوا: إن زيدًا وإن عمرًا, أي: إن لنا زيدًا وإن لنا عمرًا. والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة. فأما احتجاج أبي العباس عليهم بقوله 1: خلا أن حيًّا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أن الأكارم نهشلا أي: أو أنَّ الأكارم نهشلا تفضلوا2, قال3 أبو علي: وهذا لا يلزمهم؛ لأن لهم أن يقولوا: إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إن المكسورة, فأما مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه, قال: ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أنَّ المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها, وهو قولهم: لا بأسَ ولا شكّ, أي: عليك, وفيه. فكما أنّ "لا" تختص هنا بالنكرات فكذلك إنما "تشبهها نقيضتها"4 في حذف الخبر مع النكرة أيضًا. وقد حذف أحد مفعولي ظننت, وذلك نحو قولهم: أزيدًا ظننته منطلقًا؛ ألا ترى أن تقديره: أظننت زيدًا منطلقًا ظننته منطلقًا؟ فلمَّا5 أضمرت الفعل فسَّرته بقولك: ظننته, وحذفت6 المفعول الثاني من الفعل الأول المقدَّر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر. وكذلك بقية أخوات ظننت.

_ 1 في الخزانة أن ابن الشجري في الأمالي, وابن يعيش في شرح المفصل نسباه إلى الأخطل. ويقول البغدادي: "وله في ديوانه قصيدة على هذا الوزن والروي ولم أجده فيها، وانظر الخزانة 4/ 385. 2 كذا في ز. وفي ش: "فضلوا". 3 في الخزانة في الموطن السابق. "فقد قال". 4 في ط: "يشبهها نقيضها". 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فكما". 6 على هذا جرى ابن هشام في المغني في آخر مبحث الجملة المفسرة, وعبارة: "كما استغنى في نحو: أزيدًا ظننته قائمًا, بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي ظننت المقدورة، وعلق الدماميني على قول ابن هشام: "بأن مفعولي ظننت المذكورة، بقوله: "يقال: هو مفعول الأولى المحذوفة؛ لأنها مقصودة بالذات، والثانية ذكرت لضرورة التفسير، وعلى رأي الدماميني يجري المتأخرون من المعربين.

وقد حذف خبر كان أيضًا في نحو قوله 1: أسكرانُ كان ابنَ المراغة إذ هجا ... تميمًا ببطن الشأم أم متساكر ألا ترى أن تقديره: أكان سكرانُ ابن المراغة, فلمَّا حذف الفعل الرافع2 فسَّره بالثاني فقال: كان ابن المراغة. و"ابن المراغة" هذا الظاهر خبر "كان " الظاهرة, وخبر "كان" المضمر محذوف معها؛ لأن " كان " الثانية دلّت على الأولى, وكذلك الخبر الثاني الظاهر دلَّ على الخبر الأول المحذوف. وقد حذف المنادى فيما أنشده أبو زيد من قوله: فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا3 أراد: يا لبني4 فلان, ونحو ذلك. فإن قلت: فكيف جاز تعليق5 حرف الجر, قيل: لما خلط "بيا"6 صار كالجزء منها. ولذلك شبه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف باب ودار, فحكم عليها حينئذ بالانقلاب, وقد ذكرنا ذلك. وحسن الحال أيضًا شيء آخر, وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق فصارت كأنها معاقبة للمجرور, ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه7 فقلت: يا لبني فلان, لم يجز إلحاق الألف هنا "وجرت ألف

_ 1 أي: الفرزدق يهجو جريرًا, وهو المعني بابن المراغة، والمراغة: الأتان التي لا تمتنع من المفحول, وكان جرير هجا بني دارنم رهط الفرزدق من تميم. وانظر الخزانة 4/ 65، والكتاب 1/ 23. 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الراجع" وسقط هذا الوصف في عبارة ابن جني في الخزانة. 3 انظر ص77. من الجزء الأول, ورد البيت في المصباح "بأس" وفي "البأس" في مكان "الناس" وفسر البأس بالشدة والقوة, وقال: "أي: نحن عند الحرب إذا نادى بنا المنادي ورجع نداءه: ألا لا تفروا فإنا نكتر راجعين لما عندنا من الشجاعة، وأنتم تجعلون الفرّ فرارًا فلا تستطيعون الكنز. 4 في ط: "آل بني" وهذا لا يستقيم هنا، فقد جعل اللام حرف جر لا بعض آل. 5 يريد بتعليق الحرف: عدم ظهور عمله. 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بلا". 7 يريد بالمضاف إليه المجرور. وذلك أن معنى الفعل أوما في معناه مضاف إليه بوساطة حرف الجر، وحروف الجر تسمَّى حروف الإضافة.

الإطلاق"1 في منابها هنا عمَّا كان ينبغي أن يكون بمكانها, مجرى ألف الإطلاق في منابها عن تاء التأنيث في نحو قوله 2: ولاعب بالعشيِّ بني بنيه ... كفعل الهِرِّ يحترش العَظَايا فأبعد الإله ولا يؤبَّى ... ولا يعطَى من المرض الشفايا3 وكذلك نابت أيضًا واو الإطلاق في قوله 4: وما كل من وافى مني أنا عارف5 -فيمن رفع كلًّا- عن الضمير الذي يزاد في عارفه6، وكما ناب التنوين في نحو: حينئذ ويومئذ, عن المضاف إليه إذْ, وعليه قوله 7: نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعاقبة وأنت إذٍ صحيح8 فأما قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 9 فقد تقدَّم القول10 عليه: أنه ليس المنادى هنا محذوفًا ولا مرادًا كما ذهب إليه محمد بن يزيد, وأن "يا " هنا أخلصت للتنبيه مجردًا

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 انظر ص293 من الجزء الأول. 3 في د، هـ، ز: "بعوبي" في مكان: "يؤبى" وكأنه محرف عن "يعزى", وفيها: "يشفى" في مكان "يعطى". 4 أي: مزاحم العقيلي. انظر الكتاب 1/ 36، 356 من هذا الجزء. 5 صدره: وقالوا تعرفها المنازل من منى 6 كذا في ط، وفي ش: "عارف"، وقوله: "يزاد" كذا في ش. وفي ط، ز: "يراد". 7 أي: أبي ذؤيب الهذلي. وانظر الخزانة 3/ 147، وديوان الهذلين "طبعة دار الكتب" 1/ 68. 8 قبله مطلع القصيدة: جمالك أيها القلب الجريح ... ستلقى من تحب فتستريح فتراه في قوله: "نهيتك" يخاطب قلبه أنه نصحه أن ينثني عن حب هذه المرأة وألا يتورط فيه. فيصعب عليه الخلوص من مشاقه، وقد كان ذلك في الوقت الذي يسهل عليه فيه الخروج منه. وقوله: "بعاقبة" أي: بآخر كلامي لك، أي: كانت النصيحة حتى آخر الكلام، ولم أغفل عنها آخذ معك في شأن آخر، فقد كان الحديث مقصورًا عليها, أو أنَّ المراد: نهيتك بتذكير عاقبة ما تفضي إليه لو مضيت في الحب. 9 في آية: 26، سورة النمل. 10 انظر ص198، 28 من هذا الجزء. وقوله: "عليه", كذا في ش وفي غيرها: "على".

من النداء, كما أن "ها " من قول الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ} 1 للتنبيه من غير أن تكون للنداء2. وتأوّل أبو العباس قول الشاعر 3: طلبوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أن ليس حين بقاء4 "أي: إبقاء"5 على أنه حذف المضاف إليه أوان، بعوض6 التنوين منه، على حد قول الجماعة في تنوين إذْ, وهذا7 ليس بالسهل, وذلك أن التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ. فأمّا "أوان " فمعرب ويضاف إلى الواحد, كقوله 8: فهذا أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمِّس9

_ 1 آية: 109 سورة النساء. 2 سقط في ش. 3 هو أبو زبيد الطائي. وانظر الخزانة 2/ 151. 4 هذا من قصيدة طويلة يخاطب قومًا كان بينهم وبين قومه ترة, وقبله: كم أزالت رماحنا من قتيل ... قاتلونا بنكبة وشقاء بعثوا حربنا إليهم وكانوا ... في مقام لو أبصروا ورخاء ثم لما تشذَّرت وأفافت ... وتصلوا منها كريه الصلاء وقوله: "تشذّرت" أي: الحرب. وتشذرها أن ترفع ذنبها، وكذلك إنافتها وذلك حين تشتد، وقوله: "تصلوا" أي: الأعداء صلوا بنار حربهم. 5 سقط ما بين القوسين في ش. وهو تفسير لقوله: "بقاء" في البيت. يقال: أبقى عليه إذا رحمه ورعاه، والبقاء في البيت اسم مصدر للإبقاء. وبقول البغدادي في الخزانة: "والمشهور أن الاسم منه البقيا "بالضم"، والبقوى "بالفتح"، وقال العيني -وتبعه السيوطي: المعنى بقاء الصلح". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وعوض". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا". 8 أي: المتلمس. وانظر التبريزي شرح الحماسة "طبعة التجارية" 2/ 206. 9 قبله: هلمَّ إليها قد أثيرت زروعها ... وعادت عليها المنجنون تكدس وهو يخاطب النعمان بن المنذر خطاب تهكم, والضمير في "إليها" لليمامة موطنه. يقول: أغر على اليمامة فقد أخصبت وبدا فيها الربيع. والعرض: من أودية اليمامة, يقول: كثر فيه الزرع وحي ذبابه, والزنابير والأزرق ضربان من الذباب. وبهذا البيت لقب المتلبس. واسمه جرير بن المسيح.

وقد كسَّروه على آونة, وتكسيرهم إياه يبعده عن البناء؛ لأنه أخذ به في شق التصريف والتصرف. "قال: أبو حنشٍ يؤرقنا وطلقٌ ... وعبادٌ وآونةً أثالا"1 وقد حذف المميز, وذلك إذا علم من الحال "حكم ما"2 كان يعلم منها به, وذلك قولك: عندي عشرون, واشتريت ثلاثين, وملكت خمسة وأربعين. فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة, فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز, وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم, وعليه مدار الكلام. فاعرفه. وحذف الحال لا يحسن, وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها, وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف؛ لأنه ضد الغرض ونقيضه, و"لأجل ذلك"3 لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة؛ نحو الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون "نفسه" توكيدًا للهاء المحذوفة من "ضربت", وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقًا من انتقاض الغرض بادّغامه. فأمَّا ما أجزناه من حذف الحال في قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 4 أي: فمن شهده صحيحًا بالغًا فطريقه أنه لما دلت الدلالة عليه من

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش, والشاعر هو ابن أحمر الباهلي. وانظر العيني على هامش الخزانة 2/ 421، والكتاب 1/ 343. وهذا من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشأم، فصار يراه في النوم إذا أتى الليل, وقوله: "عباد" في رواية: "عمار". 2 كذا في ط. وفي ز، ش: "كما". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ولذلك". 4 آية: 185، سورة البقرة.

الإجماع والسنّة جاز حذفه تخفيفًا. وأما1 لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرَّد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه. ولم أعلم المصدر حذف في موضع, وذلك أن2 الغرض فيه إذا تجرَّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرات فإنما هو لتوكيد الفعل, وحذف المؤكَّد لا يجوز. وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد, فأما حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه, وذلك كقولنا: انطلق زيد, ألا ترى هذا كلامًا تامًّا, وإن لم تذكر معه شيئًا من الفضلات مصدرًا ولا ظرفًا ولا حالًا ولا مفعولًا له ولا مفعولًا معه ولا غيره. وذلك أنك3 لم ترد الزيادة في الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره. حذف الفعل: حذف الفعل على ضربين: أحدهما: أن تحذفه والفاعل فيه. فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة, وذلك نحو: زيدًا ضربته؛ لأنك أردت: ضربت زيدًا, فلمَّا أضمرت "ضربت" فسَّرته بقولك: ضربته, وكذلك قولك 4: أزيدًا مررت به, وقولهم: المرء مقتول بما قَتَل به, إن سيفًا فسيف, وإن خنجرًا فخنجر, أي: إن كان الذي قَتَل به سيفًا فالذي يُقتل به سيف, فكان واسمها وإن لم تكن مستقلة5 فإنها تعتد اعتداد الجملة. والآخر: أن تحذف الفعل وحده, وهذا هو غرض هذا الموضع.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأمّا". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأنّ". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لأنّك". 4 سقط في ز، ش. وثبت في ط. 5 أي: لأنها ناقصة تحتاج إلى الخبر.

وذلك أن يكون الفاعل مفصولًا عنه مرفوعًا به1, وذلك نحو قولك: أزيد قام, فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خالٍ من الفاعل؛ لأنك تريد: أقام زيد, فلمَّا أضمرته فسَّرته بقولك: قام, وكذلك {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2 و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 3 و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} 4 و {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 5 ونحوه, الفعل6 فيه مضمر وحده, أي: إذا انشقَّت السماء, وإذا كورت الشمس, وإن هلك امرؤ, ولو تملكون, وعليه قوله 7: إذا ابنُ أبي موسى بلالٌ بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر8 أي: إذا بلغ ابن أبي موسى. وعبرة9 هذا أن الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمرًا. وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجردًا10 من الفاعل, ألا ترى أنه لا يرتفع فاعلان به. وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعًا, نحو قولهم: أما أنت منطلقًا انطلقتُ معك, "تقديره: لأن كنت منطلقًا انطلقتُ معك"11 فحذف الفعل فصار تقديره: لأن أنت منطلقًا, وكرهت12 مباشرة

_ 1 سقط في ش. 2 آية: 1 سورة الانشقاق. 3 آية: 1 سورة التكوير. 4 آية: 176 سورة النساء. 5 آية: 10 سورة الإسراء. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "والفعل". 7 أي: ذي الرمة. وانظر الكتاب 1/ 42، الخزانة 1/ 450، والديوان 253. 8 يخاطب في هذا البيت ناقته, وهو يدعو عليها أن يذبحها الجزار إذا بلغته بلالًا، إذ لا تكون إليها به حاجة حينئذ، لأن بلالًا يغتيه برفده من أن يرحل لأحد بعده, وبلال هو ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة ووليها في العصر الأموي، ومات سنة نيف وعشرين ومائة. 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عبر". 10 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجرّد". 11 سقط ما بين القوسين في ش. 12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فكرهت".

"أن " الاسم فزيدت "ما " , فصارت عوضًا من الفعل ومصلحة للفظ لنزول مباشرة "أن" الاسم. وعليه بيت الكتاب: أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع1 أي: لأن كنت ذا نفر قويت وشدّدت والضبع هنا السنة الشديدة. فإن قلت: بم2 ارتفع وانتصب "أنت منطلقًا"؟ قيل: ب"ما"3؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب, فعملت عمله من الرفع والنصب, وهذه طريقة أبي علي وجُلَّة أصحابنا من قبله في4 أنَّ الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه. من5 ذلك الظرف إذا تعلّق بالمحذوف6 فإنه يتضمّن الضمير الذي كان فيه, ويعمل ما كان يعمله: من نصبه الحال والظرف, وعلى ذلك صار قوله: "فاه إلى فيّ" من قوله: "كلمته فاه إلى في" ضامنًا للضمير الذي كان في "جاعلًا" لما عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبة. حذف الحرف: قد حذف الحرف في الكلام على ضربين: أحدهما حرف زائد7 على الكلمة مما يجيء لمعنى, والآخر حرف من نفس الكلمة, وقد تقدَّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته. ومضت الزيادة في الحروف وغيرها.

_ 1 هذا في أبيات للعباس بن مرداس في أبي خراشة خفاف بن ندبة، وكلاهما صحابي، وانظر الكتاب 1/ 148. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبم". 3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بأما". 4 سقط هذا الحرف في ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ومن". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمجذوف". 7 في ش: "حرف زائد فيما على....".

فصل في التقديم والتأخير: وذلك على ضربين: أحدهما ما يقبله القياس, والآخر ما يسهله الاضطرار. الأول: كتقديم المفعول على الفاعل تارةً وعلى الفعل الناصبة أخرى, كضرب "زيدًا عمرو"1، وزيدًا ضرب عمرو, وكذلك الظرف نحو: قام عندك زيد, وعندك قام زيد, وسار يوم الجمعة جعفر, ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال نحو: جاء ضاحكًا زيد, وضاحكًا جاء زيد. وكذلك الاستثناء نحو: ما قام إلا زيدًا أحد, ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل2 الناصب له. لو قلت: إلا زيدًا قام القوم, لم يجز لمضارعة الاستثناء البدل, ألا تراك تقول: ما قام أحد إلا زيدًا, وإلا زيد, والمعنى واحد. فما جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه. فإن قلت: فكيف جاز تقديمه3 على المستثنى منه, والبدل لا يصح تقديمه3 على المبدل منه. قيل: لما تجاذب المستثنى شبهان: أحدهما كونه مفعولًا, والآخر كونه بدلًا, خلِّيت4 له منزلة وسيطة فقدم على المستثنى منه وأخّر البتة عن الفعل الناصبة. فأما قولهم: ما مررت إلا زيدًا بأحد, فإنما تقدّم على الباء؛ لأنها "ليست هي"5 الناصبة له, إنما الناصب له على كل حال نفس مررت. وما يصح ويجوز تقديمه خبر المبتدأ, نحو: قائم أخوك, وفي الدار صاحبك, وكذلك خبر كان وأخواتها على أسمائها, وعليها أنفسها, وكذلك خبر

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "زيد عمرًا". 2 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقدمه". 4 كذا في د، ز. وفي ش، ط، هـ: "طلبت". 5 كذا في ش، ط. وفي د: هـ، ز: "هي ليست".

ليس؛ نحو: زيدًا ليس أخوك, ومنطلقين ليس أخواك. وامتناع أبي العباس من ذلك خلاف للفريقين: "البصريين والكوفيين"1 وترك لموجب القياس عند النظار والمتكلمين, وقد ذكرنا ذلك في غير مكان. ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصبة2؛ نحو قولك: طمعًا في برّك3 زرتك, ورغبة في صلتك4 قصدتك. ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل, نحو قولك: والطيالسة جاء البرد, من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة, ألا تراك لا تستعملها5 إلّا في الموضع الذي لو شئت لاستعملت العاطفة فيه, نحو: جاء البرد والطيالسة. ولو شئت لرفت الطيالسة عطفًا على البرد, وكذلك: تركت والأسد لأكلك, يجوز أن ترفع الأسد عطفًا على التاء. ولهذا لم يجز أبو الحسن: جئتك وطلوع الشمس, أي مع طلوع الشمس؛ لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول: أتيتك وطلوع الشمس, لم يجز؛ لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك6. فلما ساوقت حرف المعطف قبح, والطيلالسة جاء البرد, كما قبح وزيد قام عمرو, لكنه يجوز7 جاء والطيالسة البردُ؛ كما تقول: ضربت وزيدًا عمرًا, قال 8: جمعتَ وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعو

_ 1 في ش: "الكوفيين والبصريين". 2 ش: "الناصب". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "معروفك". 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "برك". 5 انظر في هذا ص314 من الجزء الأول. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "إليك". 7 هذا رأي ابن جني، وجمهور النحاة يمنعون هذا أيضًا, وراجع الأشموني في بحث المفعول معه. 8 أي: يزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة تقدَّم بعضها في ص107، من هذا الجزء، وهو يعاتب فيها ابن عمه. وانظر الموطن السابق.

ومما يقبح تقديمه الاسم المميز, وإن كان الناصبة فعلًا متصرفًا, فلا نجيز شحمًا تفقأت, ولا عرقًا تصببت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه1 أبو العباس من قول المخبل2 أتهجر ليلى للفراق حبيها ... وما كان3 نفسًا بالفراق يطيب فتقابله برواية4 الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضًا: وما كان نفسي بالفراق تطيب فرواية برواية, والقياس من5 بعد حاكم6. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل في المعنى؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبب عرقي, وتفقأ شحمي, ثم نقل الفعل فصار في اللفظ لي, فخرج الفاعل في الفاصل مميزًا, فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ7 كان هو الفاعل في المعنى على الفعل. فإن قلت: فقد تُقِّدم الحال على العامل فيها, وإن كانت الحال هي صاحبة الحال في المعنى, نحو قولك: راكبًا جئت, و {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} 8. قيل: الفرق أن الحال "لم تكن"9 في الأصل هي الفاعلة, كما كان المميز10 كذلك؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبي, كما أن أصل طبت به نفسًا

_ 1 سقط في د، هـ، ز. وسقط "تلاه فيه" في ط. 2 يريد المخبل السعدي, وينسب إلى أعشى همدان, وتجده كذلك مفردًا في الصبح المنير 312 وقد ينسب إلى قيس بن معاذ الملوح العامريّ. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 235، والكتاب 1/ 88. 3 في د، هـ، ز: "أن". 4 كذا في ط. وفي ش، ز: "رواية أبي العباس", ولو كان ما هنا: "فنقابله" كان أجود. والزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن تلميذ الزجاج، وابو إسحق هو الزجاج إبراهيم بن العمري. 5 سقط هذا الحرف في ش. 6 في ز: "جاءكم" وهو تحريف. 7 في ز: "إذا". 8 آية: 7، سورة القمر. 9 في ط: "لا تكون". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "التمييز".

طابت به نفسي، وإنما الحال مفعول فيها كالظرف, ولم تكن قط فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمَّا كونها هي الفاعل في المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجاري مجرى الفاعل في المعنى وأنت1 تقدمه2 على "كان" فتقول: قائمًا كان زيد, ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق. وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل, فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل كضرب زيد. وبعد فليس في الدنيا مرفوع يجوز تقديمه3 على رافعه. فأما خبر المبتدأ فلم يتقدَّم عندنا على رافعه؛ لأن رافعه ليس المبتدأ وحده, إنما الرافع له "المبتدأ والابتداء"4 جميعًا, فلم يتقدم الخبر عليهما معًا, وإنما تقدم على أحدهما وهو المبتدأ, فهذا "لا ينتقض"5. لكنه على قول أبي6 الحسن مرفوع بالمبتدأ وحده, ولو كان كذلك لم يجز تقديمه3 على المبتدأ. ولا يجوز تقديم7 الصلة ولا شيء منها على الموصول, ولا الصفة على الموصوف, ولا المبدل على المبدل منه, ولا عطف البيان على المعطوف عليه, ولا العطف الذي هو نسق على المعطوف عليه، إلا8 في الواو وحدها, وعلى قلَّته أيضًا, نحو: قام وعمرو زيد, وأسهل منه ضربت وعمرًا زيدًا؛ لأن الفعل في هذا قد استقلّ

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأنت". 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تقدّمها". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّمه". 4 كذا في ش. وفي ز، ط: "الابتداء والمبتدأ". 5 في ط: "ما لا ينقض". 6 في شرح الرضي للكافية 1/ 87 أن هذا قول سيبويه وأبي علي وأبي الفتح بن جني, وقد يكون هذا رأيه في كتاب آخر. 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّم". 8 كذا في ش: ط وسقط هذا الحرف في ز.

بفاعله، وفي قولك: قام وعمرو زيد, اتسعت في الكلام قبل الاستقلال والتمام. فأما1 قوله 2: ألا يا نخلةً من ذات عرق ... عليك ورحمةُ الله السلام فحملته الجماعة على هذا, حتى كأنه عندها: عليك السلام ورحمة الله, وهذا وجه, إلّا أن عندي فيه وجهًا لا تقديم فيه ولا تأخير من قبل العطف, وهو أن يكون "رحمة الله" معطوفًا على الضمير في "عليك", وذلك أن "السلام" مرفوع بالابتداء وخبره مقدَّم عليه وهو "عليك", ففيه إذًا ضمير منه مرفوع بالظرف، فإذا عطفت "رحمة الله" عليه ذهب عنك مكروه التقديم, لكن فيه العطف على المضمر المرفوع المتصل من غير توكيد له, وهذا أسهل عندي من تقديم المعطوف على المعطوف عليه, وقد جاء في الشعر قوله3: قلت إذ أقبلت وزهرٌ تهادى ... كنعاج الملا تعسَّفن4 رملا وذهب بعضهم في قول الله تعالى: {فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} 5 إلى أنَّ "هو" معطوف على الضمير في "استوى".

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما". 2 في الخزانة 1/ 193: "قال شراح أبيات الجمل وغيرهم: البيت لا يعرف قائله, وقيل: هو للأحوص, والبيت صلة في الخزانة في الموطن السابق. وقد كني بالنخلة عن المرأة. 3 أي: عمر بن أبي ربيعة، وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 4/ 161، والكتاب 1/ 39, والكامل 3/ 203. 4 بعده: قد تنقبن بالحرير وأبد ... ين عيونًا حور المدامع نُجْلا ولا يوجد في الديوان من هذه المقطوعة بعد هذا البيت غيره. وفي الأغاني "طبعة دار الكتب" 1/ 168، أبيات له في جارية تسمَّى حميدة على هذا الروي. 5 آية: 6، 7 سورة النجم.

ومما يضعف تقديم المعطوف على المعطوف عليه من جهة القياس أنك إذا قلت: قام وزيد عمرو, فقد جمعت أمام زيد بين عاملين: أحدهما "قام"، والآخر الواو, ألا تراها قائمة مقام العامل قبلها, وإذا صرت إلى ذلك صرت كأنك قد أعملت فيه عاملين, وليس هذا كإعمال1 الأول أو الثاني في نحو: قام وقعد زيد؛ لأنك في هذا مخيّر: إن شئت أعملت الأول, وإن شئت أعملت الآخر, وليس ذلك في نحو: قام زيد وعمرو؛ لأنك لا ترفع عمرًا في هذا إلّا2 بالأول. فإن قلت: فقد تقوّل في الفعلين جميعًا بإعمال أحدهما البتة كقوله 3: كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال4 قيل: لم يجب هذا5 في هذا البيت لشيء يرجع إلى العمل اللفظي, وإنما هو شيء راجع إلى المعنى, وليس كذلك قام وزيد عمرو؛ لأن هذا كذا حاله ومعناه واحد, تقدم أو6 تأخر. فقد عرفت ما في هذا الحديث. ولا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف, ولا شيء مما اتصل به. ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب شرطًا كان أو قسمًا أو غيرهما, ألا تراك لا تقول: أقُمْ إن تَقُمْ, فأما قولك: أقوم إن قمت, فإن قولك: أقوم ليس جوابًا

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "كباب إعمال". 2 انظر ما الفرق بين المثالين: قام وعمرو زيد، وقام زيد وعمرو في هذا. وكأنَّ الواو في المثال الأول لم يظهر كونها للعطف لتأخر المعطوف عليه, وكانت بجائب العامل فاكتسبت عمله، وفي الآخر تمحضت للعطف، وكان العمل للعامل الأول بوساطتها, وقد يكون الأصل هنا حذف "إلّا" أي: "بالأول",ويكون الأمر جاريًا على ما يراه أن العمل لعامل مقدَّر, كما نسب إليه في سر الصناعة. 3 أي: امرئ القيس. وانظر الخزانة 1/ 158. 4 صدره: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة 5 سقط في د، هـ، ز. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أم".

للشرط, ولكنه دال على الجواب, أي: إن قمت قمت, ودلت أقوم على قمت. ومثله: أنت ظالم إن فعلت, أي: إن فعلت ظلمت, فحذفت "ظلمت" ودل قولك: "أنت ظالم" عليه. فأما1 قوله 2: فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غس ولا بمغمر3 فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه, وقدم الجواب. وهذا عند كافة أصحابنا غير جائز. والقياس له دافع وعنه حاجز4, وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط, ومحال تقدم المجزوم على جازمه, بل إذا كان الجار -وهو أقوى من الجازم؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال- لا يجوز تقديم ما انجرَّ به عليه, كان ألّا يجوز تقديم5 المجزوم على جازمه أحرى وأجدر. وإذا كان كذلك فقد وجب النظر في البيت. ووجه القول عليه أن الفاء في قوله: "فلم أرقه" لا يخلو أن تكون معلقة بما قبلها أو زائدة, وأيهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها, وقد علم أن لم أفعل "نفي فعلت"6 وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط, وجعلوه دليلًا عليه في قوله 7:

_ 1 في د: "وأما". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قول الآخر" وهو زهير بن مسعود كما في اللسان "غسس"، والنوادر 70، وتهذيب الألفاظ 143. 3 الغس: الضعيف اللئيم. والمغمر: الجاهل الذي لم يجرب الأمور. وما هنا "غس" هو ما في ش. وفي د، هـ، ز: "غش" والغش -بضم الغين: الغاش، ولا معنى له هنا, وقوله: "لم أرقه" يرى الحليس بن وهب. كان زهير طعنه في غارة على قومه. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "محاجز". 5 في د، هـ، ز: "تقدّم". 6 كذا في ز، ش. وفي ط: "بمعنى ما فعلت". 7 أي: رؤبة.

يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك1 أي: إن لم تحب أوديت. فجعل "أوديت" المقدَّمة دليلًا على "أوديت هذه المؤخَّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلًا على"2 جواب الشرط المحذوف, كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه. والعرب قد تجري الشيء مجرى نقيضه, كما تجريه مجرى نظيره؛ ألا تراهم قالوا: جوعان3؛ كما قالوا: شبعان, وقالوا: علم4؛ كما قالوا: جهل, وقالوا: كثر ما5 تقومنّ؛ كما قالوا: قلَّما تقومنّ. وذهب الكسائي في قوله: إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها6 إلى أنه عدَّى "رضيت" بعلى لما كان ضدّ سخطت, وسخطت مِمَّا يعدَّى بعلى, وهذا واضح. وكان أبو علي يستحسنه من7 الكسائي, فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقيّ منها, وصار قوله: لم "أرقه" بدلًا من الجواب ودليلًا عليه.

_ 1 يريد الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان. وبين الشطرين بضعة أشطار في الديوان. والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرمل، وهو المتعقد منه, ولا يقطعه البعير إلّا بجهد، والبعير قد يحبو حتى يقطعه، ويتلطف لذلك فهو يقول: إن لم تجهد في معونتي وتحتل لذلك وتتلطف فقد لحق بي الهلاك. 2 سقط ما بين القوسين في ش, وثبت في د، هـ، ز. 3 ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل -بفتح العين- وفعلان قياس في الوصف من فعل بكسر العين كشبع، وإنما قياس الوصف من جاع جائع، ولكن جاء الوصف على وزان ضدّه وهو شبعان, فقيل: جوعان. 4 كأنه يريد أن "علم" بابه أن يكون على فعل -بضم العين- لكونه غريزة كما يقام حلم؛ ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل -بكسر العين- وجهل جاء هكذا حملًا على حرد. وانظر الكتاب 2/ 225. 5 يريد أن نون التوكيد دخلت في "قلَّما تقومنَّ" لما في "قلما" من النفي الشبيه بالنهي، وقد حمل "كثر ما" على "قلما" فأكّد معها. وانظر ابن يعيش 9/ 43. 6 انظر ص313، من هذا الجزء. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على". وفي ط: "عن".

فهذه وجوه التقديم والتأخير في كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئًا فإنه معلوم الحال ولاحق بما قدمناه. وأما الفروق1 والفصول فمعلومة المواقع2 أيضًا. فمن قبيح الفرق بين المضاف والمضاف إليه, والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبيّ, وهو دون الأول, ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف نحو قولك: كان فيك زيد راغبًا, وقُبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق: فلمّا للصلاة دعا المنادي ... نهضت وكنت منها في غرور3 وسترى ذلك. ويلحق بالفعل والفاعل في ذلك المبتدأ والخبر في قبح الفصل بينهما. " وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتصالًا قوي قُبْح الفصل بينهما"4. فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله: فقد والشك بَيَّن لي عناء ... بوشك فراقهم صُرَدٌ يصيح5

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الفرق". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "المواضع". 3 هذا من غزل قصيدة يمدح فيها الوليد بن عبد الملك. وقد ذكر أنه زاره طيف محبوبته في المنام, وهو يقول فيه قبل هذا البيت: فبت معانقًا أرنو وأرني ... ومرات على كفل وثير وبتنا في الرداء معًا كأنا ... لنا ملك الخورنق والسدير فقوله: "نهضت" أي: هببت من نومي وأيقظني أذان الفجر, وقوله: "وكنت منها في غرور" أي: كان متاعه بمحبوبته الحلم, فكان ذلك باطلًا. وانظر الديوان 1/ 349, والفصل فيه بين المضاف والمضاف إليه مبني على أن "لما" اسم بمعنى حين، مضاف إلى جملة "دعا المنادي" والعامل فيه "نهضت". 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 انظر ص331 من الجزء الأول.

أراد: فقد بيَّن لي صُرَدٌ يصيح بوشك فراقهم, والشك عناء. ففيه من الفصول ما أذكره. وهو الفصل بين "قد" والفعل الذي هو1 بين. " وهذا"2 قبيح لقوة اتصال "قد" بما تدخل عليه من الأفعال, ألا تراها تعتد مع الفعل كالجزء منه. ولذلك دخلت اللام المراد بها توكيد الفعل على "قد", في نحو قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 3 وقوله سبحانه: {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 4 وقوله 5: ولقد أجمع رجالي بها ... حذر الموت وإني لفرور6 وفصل بين المبتدأ الذي هو الشكّ وبين الخبر الذي هو عناء بقوله: "بيَّن لي"، وفصل بين الفعل الذي هو "بيَّن" وبين فاعله الذي هو "صُرَدٌ" بخبر المبتدأ الذي هو "عناء"، وقدَّم قوله: "بوشك فراقهم" وهو معمول "يصيح", ويصيح صفة لصرد على صرد, وتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على موصوفها قبيح, ألا ترى أنك لا تجيز: هذا اليوم رجل ورد من موضع كذا؛ لأنك تريد: هذا رجل ورد اليوم من موضع كذا, وإنما يجوز وقوع المعمول فيه بحيث يجوز وقوع العامل, فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها كذلك لا يجوز تقديم ما اتَّصل بها على موصوفها, كما لا يجوز تقديم معمول المضاف إليه على نفس المضاف، لما7 لم يجز تقديم المضاف إليه عليه, ولذلك لم يجز قولك: القتال زيدًا حين تأتي, وأنت تريد: القتال حين تأتي زيدًا.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا". 3 آية: 65 سورة الزمر. 4 آية: 102، سورة البقرة. 5 أي: عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 176، ومعاني ابن قتيبة 49. 6 "أجمع رجليّ بها" الضمير في "بها" يعود إلى فرسة, تريد أنه يضم رجليه عليها، يستدرُّ جريها ويستحثها, يريد أنه يحجم ويفر في الحرب إذا كان في الفرار الحزم والنجاة. وليست الشجاعة أن يحمل الرجل نفسه على الهلكة، وانظر شعره في الموطن السالف. 7 كذا في ز. وفي ش: "كما".

فمتى رأيت الشاعر قد1 ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها, وانخراق الأصول بها, فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلَّ من وجه على جوره وتعسفه, فإنه من وجه آخر مؤذِن بصياله وتخمطه2، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته, ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثله في ذلك عندي مثل مجرى الجموح بلا لجام, ووارد الحرب الضروس1 حاسرًا من غير احتشام. فهو وإن كان ملومًا في عنفه وتهالكه, فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته3؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر4 في سلاحه أو أعصم4 بلجام جواده لكان أقرب إلى النجاة وأبعد عن الملحاة5؛ لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله إدلالًا بقوة طبعه ودلالة على شهامة6 نفسه. ومثله سواءً ما يحكى عن بعض الأجواد أنه قال: أيرى7 البخلاء أننا لا نجد بأموالنا ما يجدون بأموالهم, لكنا نرى أن8 في9 الثناء بإنفاقها عوضًا9 من حفظها بإمساكها10. ونحو منه قولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، وقول الآخر 10: لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفَّة من قوام العيش تكفيني فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد في معناه, وأن الشاعر إذا أورد منه شيئًا فكأنه

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 يقال: تخمط الفحل: هدر وثار. وتخمط: تكبر. 3 أي دخل في سلاحه وتغطى به واستتر. 4 في ز: "اعتصم"، والاعتصام والإعصام بمعنى واحد. 5 الملحاة: اللوم، وهو مفعلة من لحوت: قشرته. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شهومة". 7 كذا في ش، ز، ط. وفي ج: "يرى". 8 سقط في ز، ط. 9 سقط في ج. وفيها: "عوض". 10 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "وإمساكها". 11 هو عروة بن أذينة, وانظر مجموعة المعاني 68، والأغاني 21/ 164, وفيها: وغبّر من كفاف العيش يكفيني وفي أمالي المرتضى هذا البيت في ضمن أبيات لثابت قطنة. والطبع: العيب. والعفة: ما يتبلغ به ويقتات, وقوله: "فوام" في ج: "صباب" والصباب: البقية.

لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعبًا, ولا جشم إلّا أمما1، وافق بذلك قابلًا له, أو صادف غير آنس به, إلا أنه هو2 قد استرسل واثقًا, وبنى الأمر على أن ليس ملتبسًا. ومن ذلك قوله: فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأنَّ قفرًا رسومها قلما3 أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كأنَّ قلما خط رسومها, ففصل بين المضاف الذي هو "بعد"، والمضاف إليه الذي هو "بهجتها" بالفعل الذي هو "خط", وفصل أيضًا بخط بين "أصبحت" وخبرها الذي هو "قفرًا"، وفصل بين كأنّ واسمها الذي هو "قلَّما" بأجنبيين: أحدهما قفرًا, والآخر: رسومها4؛ ألا ترى أن رسومها4 مفعول خطَّ الذي هو خبر كأن, وأنت لا تجيز: كأن خبزًا زيدًا آكل. بل إذا لم تجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوة الفعل في نحو5 كانت زيدًا الحُمَّى تأخذ6, كان ألا تجيز الفصل بين كأن واسمها بمفعول فاعلها أجدر7. نعم وأغلظ من ذا أنه قدَّم خبر كأنَّ عليها, وهو قوله: خطَّ, فهذا ونحوه مما لا يجوز لأحد قياس عليه. غير أنَّ فيه ما قدمناه ذكره من8 سموّ الشاعر وتغطرفه9، وبأوه9، وتعجرفه9. فاعرفه واجتنبه. ومن ذلك بيت الكتاب: وما مثله في الناس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه10 وحديث ما فيه معروف، فلندعه ولنعد عنه.

_ 1 هو اليسير، والبين من الأمر. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 ورد البيت في اللسان "خطط" غير معزوّ. 4 في ش. "رسومًا". 5 سقط في ز. 6 في ش: "تأخذه". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أحرى". 8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 9 التغطرف: التكبر. والبأو: الفخر. والتعجرف: الإقدام في هوج وعدم المبالاة. 10 انظر من 147 من الجزء الأول.

وأما1 قول الفرزدق: إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره2 فإنه مستقيم ولا3 خبط فيه, وذلك أنه أراد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب, أي: ما أم أبيه من محارب, فقدَّم خبر الأب4 عليه، وهو جملة؛ كقولك: قام أخوها هند, ومررت بغلامهما5 أخواك. وتقول على هذا: فِضَّته محرقة سرجها فرسك, تريد: فرسك سرجها فضته محرقة, ثم تقدَّم خبر السرج أيضًا عليه فتقول: فضته محرقة سرجها فرسك, فإن زدت على هذا شيئًا قلت: أكثرها محرق فضته سرجها فرسك, أردت: فرسك سرجها فضته أكثرها محرق, فقدَّمت الجملة التي هي خبر عن الفضة عليها, ونقلت الجمل عن مواضعها شيئًا فشيئًا, وطريق تجاوز هذا6 والزيادة في الأسماء والعوائد واضحة. وفي الذي مضى منه كافٍ بإذن الله. فأما قوله: معاوي لم ترع الأمانة فارعها ... وكن حافظًا لله والدين شاكر7 فإن "شاكر" هذه قبيلة. أراد: لم ترع الأمانة شاكر فارعها, وكن حافظًا لله والدين. فهذا شيء من الاعتراض, وقد قدمنا ذكره وعلة حسنه ووجه جوازه.

_ 1 في د، هـ، ز: "فأما". 2 من قصيدته في مدح الوليد بن عبد الملك, وفي الديوان طبع أوربا ص220: "أبوها". وهو المناسب لقوله بعد: ولكن أبوها من رواحة ترتقي ... بأيامه قيس على من تفاخره 3 سقط حرف العطف في ش. 4 في د، هـ، ز: "الأم" وما هنا في ش، ط. 5 كذا في ش. وفي ج: "بغلاميهما" وفي ز: "بغلامها". 6 في ز: "أو". 7 انظر ص331، من الجزء الأول.

وأما قوله 1: يومًا تراها كمثل أردية العص ... ب ويومًا أديمها نِغَلا2 فإنه أراد: تراها يومًا كمثل أردية العصب, وأديمها يومًا آخر نغلا, ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله, وهو "ها " من تراها. وهذا أسهل من قراءة من قرأ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} 3 إذا جعلت "يعقوب" في موضع جر, وعليه تلقّاه القوم من4 أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذًا من قِبَل أنَّ حرف العطف منها الذي هو الواو ناب عن الجار الذي هو الباء في قوله "بإسحاق"، وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون في قوة العامل قبله, وأن يلي من العمل ما كان الأول يليه, والجار لا يجوز فصله من مجروره, وهو في الآية قد فُصِل بين الواو5 ويعقوب بقوله: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} . والفصل بين الجار ومجروره لا يجوز, وهو أقبح منه بين المضاف والمضاف إليه. وربما6 فرد الحرف منه فجاء منفورًا عنه؛ قال: لو كنت في خلقاء أو رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل7

_ 1 أي: الأعشى، وانظر اللسان "نغل"، والصبح المنير 155. 2 من قصيدته في مدح سلامة ذي فائش التي أوّلها: إن محلًا وإن مر تحلًا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا وقبل الشاهد: والأرض حمالة لما حل الل ... هـ وما إن تردّ ما فعلا والعصب: ضرب من البرود, والنغل: وصف من نغل إذا فسد، ونغل وجه الأرض: تهشمه من الجدوية. يريد أن الأرض في أيام الربيع تزدان بالنبات والأزهار، وفي غيره يجف أديمها ويبس. 3 آية: 71، سورة هود وقراءة فتح ياء يعقوب قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. وقرأ الباقون بالرفع. 4 سقط في د، هـ، ز، ط. 5 كذا في ش، ز، في ط: "الجار". 6 أي: انفراد. وقوله. "منه" أي: من المجور. وفي ط: "يرد". 7 خلقاء أي: ملساء، هي صفة لمحذوف وهو صخرة. ويريد الشاهق جبلًا عاليًا.

ففصل بين حرف الجر ومجروره بالظرف الذي هو "منها", وليس كذلك حرف العطف في قوله: ويومًا أديمها نغلا لأنه عطف على الناصب الذي هو ترى1, فكأن الواو أيضًا ناصبة, والفصل بين الناصب ومنصوبه ليس كالفصل بين الجار ومجروره. وليس كذلك قوله 2: فصلقنا في مراد صلقة ... وصداء ألحقتهم بالثلل3 "فليس منه"4 لأنه لم يفصل بين حرف العطف وما عطفه5، وإنما فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمصدر الذي هو "صلقة", وفيه أيضًا الفصل بين الموصوف الذي هو "صلقة" وصفته التي هي قوله "ألحقتهم بالثلل"6 بالمعطوف والحرف العاطفة, أعني قوله: وصداء, وقد جاء مثله أنشدنا 7: أمرّت من الكتّان خيطًا وأرسلت ... رسولًا إلى أخرى جريًّا يعينها أراد: وأرسلت إلى أخرى رسولًا جريًّا.

_ 1 كذا في ش. وفي ز، ط: "تراها". 2 أي: لبيد. وانظر اللسان "ثلل" و"صلق"، والديوان. 3 من قصيدته التي أولها: إنّ تقوى ربنا غير نقل ... وبإذن الله ريثي وعجل وبعد الشاهد: ليلة العرقوب لما غامرت ... جعفر تدعى ورهط ابن شكل يقال: صلق بني فلان وفي بني فلان: أوقع بهم وقعة منكرة. ومراد وصداه: قبيلتان. والثلل: الهلاك. ويوم العرقوب: من أيام العرب؛ كما في ياقوت. وانظر الديوان 2/ 14. 4 كذا في ز؛ ط. وسقط ما بين القوسين في ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عاطفة" وهو تحريف عن "عاطفه" على صيغة الفعل من المفاعلة. 6 في د، هـ، ز: "بالثلك" كما تقدَّم في البيت وهو تحريف كما سبق. 7 في د، هـ، ز: "أنشدنا"، والجريّ: الرسول لجريه في أداء رسالته.

والأحسن عندي في يعقوب من قوله -عز اسمه: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فتح أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر دلَّ عليه قوله: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} أي: وآتيناها يعقوب, فإذا فعلت ذلك لم يكن فيه فصل بين الجار والمجرور. فاعرفه. فأما قوله: فليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفًا أميرها فحديثه طريف. وذلك أنه -فيما ذكر- يمدح خالد بن الوليد ويهجو أسدًا, وكان أسد وليّها بعد خالد "قالوا فكأنه"1 قال: وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفًا؛ إذ كان أسد أميرها, ففي2 كان على هذا ضمير الشأن والحديث, والجملة بعدها التي هي "أسد أميرها" خبر عنها. ففي هذا التنزيل أشياء: منها الفصل بين اسم كان الأولى وهو خالد, وبين خبرها الذي هو "سيفًا" بقوله: "بها أسد إذ كان" فهذا واحد. وثانٍ: أنه قدَّم بعض ما "إذ" مضافة إليه وهو أسد عليها, وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح والفساد ما لا خفاء به ولا ارتياب, وفيه أيضًا أن "أسد" أحد جزأي الجملة المفسرة للضمير على شريطة التفسير, أعني: ما في3 كان منه. وهذا الضمير لا يكون تفسيره إلّّّّا من بعده. ولو تقدَّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير, ولما سمَّاه الكوفيون الضمير4 المجهول.

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فقالوا كأنه". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وفي". 3 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز. 4 في المغني "المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة": "ضمير المجهول".

فإن قلت: فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1 فقدَّم "إذا" وهي منصوبة ب"شاخصة", وإنما يجوز وقعوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل, فكأنه على هذا قال: فإذا هي2 شاخصة هي أبصار الذين كفروا, و"هي" ضمير القصة, وقد ترى كيف قدرت تقديم أحد الجزأين اللذين يفسرانها عليها, فكما جاز هذا "فكذلك يجوز"3 أيضًا أن يقدّم "أسد" على الضمير في "كان", وإن كان أسد أحد جزأي تفسير هذا الضمير. قيل: الفرق أن الآية إنما تقدَّم4 فيها الظرف المتعلق عندك بأحد جزأي تفسير الضمير وهو5 شاخصة, والظرف مما يتسع الأمر6 فيه ولا تضيق مساحة7 التعذر8 له بأن تعلّقه بمحذوف يدل9 عليه شاخصة أو10 شاخصة أبصار الذين كفروا, كما تقول في أشياء كثيرة نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} 11

_ 1 آية: 97، سورة الأنبياء. 2 كذا في الأصول التي يهدي. والمقام يقضي بحذفها. 3 كذا في ش. وفي ز: "فكذلك ليجوزنّ". وفي ط: "كذلك فليجوزنّ". 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يقدم". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هي". وفي ط: "وهو وهي". 6 سقط هذا اللفظ في ش. وعليه يقرأ "يتَّسع" بالبناء للمفعول. 7 في د: "ساحة". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "العذر". 9 في ز: "تدل". 10 كذا في ش، ز. وفي ط: "أي". 11 آية 101 سورة المؤمنين, وهو يريد أن "إذا" في الآية نصبها ما في الجواب {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} وقد تقرر أن "لا" لها التصدر, فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والعذر في ذلك أن "إذا" ظرف يتوسّع في أمره.

وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1 وقول الشاعر 2: وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا ... إذا إنه عبد القفا واللهازم فيمن كسر إنّ. وأمّا البيت فإنه قدّم فيه أحد الجزأين البتة وهو أسد. وهذا ما لا3 يسمح به، "ولا يُطوى كشح"4 عليه. وعلى أنه أيضًا قد يمكن أن تكون "كان" زائدة, فيصير تقديره: إذ أسد أميرها. فليس في هذا أكثر من شيء واحد, وهو ما قدَّمنا ذكره من تقديم ما بعد "إذ" عليها وهي مضافة إليه. وهذا أشبه من الأول, ألا ترى أنه إنما نعى على5 خراسان إذ أسد أميرها؛ لأنه إنما فضّل أيام خالد المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها, فلا حاجة به إذًا إلى "كان"؛ لأنه أمر حاضر مشاهد. فأما "إذ" هذه فمتعلقة بأحد شيئين: إمّا بليس وحدها, وإما بما دلت عليه من غيرها, حتى كأنه قال: خالفت خراسان إذ أسد أميرها حالتها التي كانت عليه6 لها أيام ولاية خالد لها, على حد ما تقول فيما يضمّ7 للظروف "لتتناولها، وتصل"8 إليها.

_ 1 آية: 7، سورة سبأ, وهو يريد كما سبق في الآية السالفة أن الجواب {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} لا يصلح للعمل في "إذا"؛ لأنّ "إن" لها الصدر أيضًا لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والعذر هو ما سبق. 2 هذا من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها, وقوله: "أرى" بضم الهمزة، أي: أظن، والهازم: عروق القفا, ومعنى عبد القفار واللهازم: أن من ينظرهما يتبين عبوديته ولؤمه. وانظر الكتاب 1/ 472، والخزانة: 4/ 403. 3 في د، هـ، ز: "مما". 4 كذا في ز، وفي ش: "فطوى كشحًا". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "حال". 6 سقط في ش. 7 كذا في ز. وفي ش: "يضمر". 8 كذا في ز. وفي ش: "ليتناولها ويصل".

فإن قلت: فكيف يجوز لليس أن تعمل في الظرف1 وليس فيها تقدير حدث؟ قيل: جاز ذلك فيها من حيث جاز أن ترفع وتنصب, وكانت على مثال الفعل، فكما2 عملت الرفع والنصب وإن عريت من معنى الحدث, كذلك أيضًا تنصب الظرف لفظًا "كما عملت الرفع والنصب لفظًا"3، ولأنها على وزن الفعل. وعلى ذلك وجه أبو علي قول الله سبحانه: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 4 لأنه أجاز في نصب "يوم" ثلاثة أوجه: أحدها5 أن يكون متعلقًا بنفس "ليس" من حيث ذكرنا من الشبه اللفظي, وقال لي أبو علي -رحمه الله- يومًا: الظرف يتعلق بالوهم مثلًا. فأما قول الآخر: نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله ... إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل فقيل فيه: أراد نظرت6 مطلع الشمس وشخصي ظله إلى الغرب، حتى عقل الشمس ظله أي: حاذاها7، فعلى هذا التفسير قد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ وخبره, وقد يجوز ألّا يكون فصل8، لكن على أن يتعلق مطلع الشمس بقوله: إلى الغرب, حتى كأنه قال: شخصي ظله إلى الغرب وقت طلوع الشمس, فيعلق الظرف بحرف الجر الجاري خبرًا عن الظل؛ كقولك: زيد من الكرام يوم الجمعة, فيعلق الظرف بحرف الجر, ثم قدّم الظرف لجواز تقديم ما تعلق به إلى موضعه, ألا تراك تجيز أن تقول: شخصي إلى الغرب ظله, وأنت تريد: شخصي ظله إلى الغرب. فعلى هذا تقول: زيد يوم الجمعة أخوه من الكرام, ثم تقدم فتقول: زيد من الكرام يوم الجمعة أخوه. فاعرفه.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الظروف". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وكما". 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 آية: 8، سورة هود. 5 لم يأت في ش، د، هـ، ز، ط بقية الأوجه. وذلك أنه لا يتعلق غرضه إلا بما ذكره. وفي ج: "القول الثاني: بما دلت عليه من معنى. والثالث: بمصروف", وقوله: "من معنى" يريد معنى الانتفاء. 6 سقط سقط في د، هـ، ز. 7 في ز، ط: "فصلًا". 8 وذلك أن يحاذي صاحب الظل الشمس فتكون غير حائلة عنه، وذلك في الزوال إذا قام قائم الظهيرة. وتراه عدَّى الفعل، ورد في اللسان والقاموس لازما.

وقال الآخر: أيا بن أناس هل يمينك مطلق ... نداها إذا عُدَّ الفعال شمالها1 أراد: هل يمينك شمالها مطلق نداها. ف"ها" من "نداها" عائد إلى الشمال لا اليمين, والجملة خبر عن يمينها2. وقال الفرزدق: ملوك يبتنون توارثوها ... سرادقها المقاول والقبابا3 أراد: ملوك يبتنون المقاول والقباب توارثوها سرادقها. فقوله: "يبتنون المقاول والقباب " صفة لموك4. وقوله: توارثوها سرادقها صفة ثانية لملوك5، موضعها التأخير, فقدمها وهو يريد بها موضعها كقولك: مررت برجل مكلِّمها مارٍّ بهند, أي: مار بهند مكلمها, فقدَّم الصفة الثانية وهو معتقد تأخيرها. ومعنى يبتنون المقاول أي: أنهم يصطنعون المقاول ويبتنونهم؛ كقول المولّد: يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال6 وقوله: "توارثوها" أي: توارثوا الرجال والقباب. ويجوز أن تكون الهاء ضمير المصدر؛ أي: توارثوا هذه الفعلات.

_ 1 "أيابن أناس" كذا في ش. وفي ج: "إياس" في مكان "أناس", وفي د، هـ، ز، ط: "أنا ابن أناس". 2 كذا في الأصول التي بيدي يريد يمين الشمال, والأولى: "يمينك". 3 قبله أول القصيدة: أنا ابن العاصمين بني تميم ... إذا ما أعظم الحدثان نابا تماني كل أصيد دارميّ ... أغرّ ترى لقبته حجابا وانظر النقائض طبع أوربا 451. والمقاول: جمع المِقْوَل، بكسر الميم وسكون القاف؛ وهو كالقبل: الملك على قومه دون الملك الأعظم. 4 كذا في ش، ط. وفي ز: "الملوك". 5 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللوك". 6 في المحاسن والمساوئ للبيهقي "ص174 طبعة بيروت 1960" هذا النص: "ونظر المأمون إلى ابنه العباس وأخيه المعتصم، وكان العباس يتخذ المصانع ويبني الضياع, والمعتصم يتخذ الرحال، فقال شعرًا: يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال فلق بكثرة ماله وضياعه ... حتى يفرقه على الأبطال

فأما ما أنشده أبو الحسن من قوله 1: لسنا كمن حلت إياد دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا فمعناه: لسنا كمن حلت دارها ثم أبدل "إياد" من "من حلت دارها" , فإن حملته على هذا كان لحنًا؛ لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض, فجرى ذلك في فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرًا. وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزائه, فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقية هذا خطأ في الصناعة, وإذا كان كذلك والمعنى عليه أضمرت ما يدل عليه "حلت" فنصبت به الدار, فصار تقديره: لسنا كمن حلت إياد, أي: كإيادٍ التي حلت, ثم قلت من بعده: حلت دارها. فدلَّ "حلت" في الصلة على "حلت" هذه التي نصبت "دارها". ومثله قول الله سبحانه: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2 "أي: يرجعه يومن تبلى السرائر"3 فدلَّ "رجعه" على يرجعه, ولا يجوز أن تعلق "يوم" بقوله: "لقادر"؛ لئلّا يصغر المعنى؛ لأن الله تعالى قادر يوم تبلى السرائر وغيره في كل وقت وعلى كل حال على رجع البشر وغيرهم. وكذلك قول4 الآخر.

_ 1 أي: الأعشى، وكان قومه أغاروا على سواد العراق، وهو في سلطان كسرى، فغضب كسرى وطلب منهم رهائن، فأبى قومه ذلك. ويذكر الأعشى في هذه القصيدة أتهم بدو لا يستذلون، وليسوا كإياد الذين أقاموا في تكريت -وهو بلد على دجلة- فعالجوا الزرع والحرث ورضوا بالهوان. ويقول في مطلع خطابه لكسرى بعد غزل القصيدة: من مبلغ كسرى إذا ما جاءه ... عني مآلك مخمشات شرّدا آليت لا نعطيه من أبنائنا ... رهنًا لنفسدهم كمن قد أفسدا وقوله: "كمن حلت" يروى: "كما حلت" وانظر الصبح المنير 150 وما بعدها، واللسان "منن". 2 آيتا: 8، 9 سورة الطارق. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 4 في د، هـ، ز: "قوله".

ولا تحسبنَّ القتل محضًا شربته ... نزارًا ولا أن النفوس استقرت1 ومعناه: لا تحسبن قتلك نزارًا محضًا شربته؛ إلا أنه وإن كان هذا معناه فإن إعرابه على غيره وسواه, ألا ترى أنك إن حملته على هذا جعلت "نزارًا" في صلة المصدر الذي هو "القتل", وقد فصلت بينهما بالمفعول الثاني الذي هو "محضًا"، وأنت لا تقول: حسبت ضربك جميلًا زيدًا, وأنت تقدره على: حسبت ضربك زيدًا جميلًا, لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي. فلا بُدَّ إذًا من أن تضمر لنزار ناصبًا يتناوله يدل عليه قوله: "القتل" أي: قتلت نزارًا. وإذا جاز أن يقوم الحال مقام اللفظ بالفعل كان اللفظ بأن يقوم مقام اللفظ أولى وأجدر. وذاكرت المتنبيء شاعرنا نحوًا من هذا, وطالبته به في شيء من شعره فقال: لا أدري ما هو إلّا أن الشاعر قد2 قال: لسنا كمن حلت3 إيادٍ دارها البيت4. فعجبت من ذكائه وحضوره مع قوة المطالبة له5 حتى أورد ما هو في معنى البيت الذي تعقبته6 عليه من شعره, واستكثرت ذلك منه. والبيت قوله: وفاؤكما كالربع ِأشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه7 وذكرنا ذلك لاتصاله بما نحن عليه, فإن الأمر يذكر للأمر.

_ 1 المحض: اللبن الخالص لا رغوة فيه, ونزار: القبيلة التي أبوها نزار بن معد. 2 سقط هذا الحرف في ش. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "جعلت". 4 كذا في ش، ط. وفي ز: تكريت تمنع حبها أن يحصدا 5 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعقبه". 7 فقوله: "بأن تسعدا" متعلق بقوله: "وفاؤكما", وكان صاحباه ما هداه على أن يسعد بالبكاء عند ربع الأحبة. فيقول: وفاؤكما بذلك كالربع, وذلك أن أبعثه على الحزن الدارس منه، وكذلك بكاؤهما لم يكن يسكب الدموع, فكان أشجى كالربع. انظر شرح البيت وما قيل فيه, العكبري (بولاق 2/ 254"، وأمالي ابن الشجري "1/ 194".

وأنشدنا أبو علي للكميت: كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل1 أي: وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا ركّبت قبح الفصل, فلا بُدَّ إذًا أن يكون "ما يرى المسحل" محمولًا على مضمر يدل عليه قوله "الناظرات", أي: نظرن ما يرى المسحل. وهذا الفصل الذي نحن عليه ضرب من الحمل2 على المعنى, إلا أنا3 أوصلناه بما تقدمه لما فيه من التقديم والتأخير في ظاهره, وسنفرد للحمل على المعنى فصلًا بإذن الله4. وأنشدوا: كأنَّ برذون أبا عصام ... زيدٍ حمار دق باللجام5 أي: كأن برذون زيديا أبا عصام حمار دقّ باللجام. والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر قبيح6 كثير؛ لكنه من ضرورة الشاعر, فمن ذلك قول7 ذي الرمة: كأنَّ أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج8

_ 1 "تلك" في ج: "تيك". والمسحل: جانب اللحية، وهو موطن الشيب. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المحمول". 3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أنه وصلناه". 4 انظر ص413 من هذا الجزء. 5 انظر العيني 3/ 480. 6 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز. 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "قوله". 8 هذا في وصف الإبل. والإيغال: الإبعاد في الأرض, وأراد به شدة السير، والميس: شجر تتخذ منه الرحال، وأراد به الرحل. الفراريج: صغار الدجاج. يريد أن رحالهم جدد وقد طال السير, فبعض الرحل يحك بعضًا فيكون له صوت يشبه صوت الفراريخ. انظر الكتاب 1/ 92، والخزانة 2/ 119، والديوان 76.

"أي: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا أصوات الفراريج"1. وقوله 2: كما خُطَّ الكتاب بكفِّ يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل "أي: بكف يهودي"3. وقوله: هما أخوا في الحرب من لا أخاله ... إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما4 أي: هما أخوا مَنْ لا أخا له في الحرب, فعلق الظرف5 بما في "أخوا" من معنى الفعل؛ لأن معناه: هما ينصرانه ويعاونانه. وقوله 6: هما خطتا إما إسارٍ ومنةٍ ... وإما دمٍ والقتل بالحرّ أجدر ففصل7 بين "خُطَّتا" و"إسارٍ" بقوله "إما"، ونظيره8 هو غلام, إمّا زيد وإما عمرو. وقد ذكرت هذا البيت في جملة كتابي "في تفسير أبيات الحماسة"، وشرحت حال الرفع في إسار ومنة.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط. 2 أي: أبي حية التميري. يصف رسم الدار التي وقف عليها، ويشبهه بالكتابة، وكانت الكتابة يتعاطاها اليهود. وقوله: "يقارب" أي: يدني بعض خطه من بعض. وقوله: "يزيل" أي: تميز بين الحروف، ويباعد بينها، وانظر شواهد العيني 3/ 470، واللسان "عجم". 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. 4 انظر الكتاب 1/ 92، وحاشية الجزء الأول من هذا الكتاب 297. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في الظرف". 6 أي: تأبط شرًّا. وانظر الخزانة 3/ 356. 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فصل". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "نظير هذا".

ومن ذلك قوله: فزججتها بمزَجَّة ... زجَّ القلوص أبي مزاده1 أي: زج أبي مزادة القلوص, ففصل بينهما بالمفعول به. هذا مع قدرته على أن يقول: زج القلوص أبو مزادة, كقولك: سرَّني أكل الخبز زيد, وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم, وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول, ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول. فأما قوله2: يطفن بحوزي المراتع لم يُرَعْ ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن فلم نجد فيه بدًّا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة. ومن ذلك قراءة "ابن عامر"3:

_ 1 يقال: زجه: طعنه بالزج هو سنان الرمح, والمزجة: رمح قصير, والقلوص: الناقة الفتية. وكأنّ الضمير في "زججتها" لراحلته. وقوله: "بمزجة" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متمكنًا" ويذكر الزمخشري في المفصل أن هذا البيت يوجد في بعض نسخ الكتاب، وأن سيبويه يرمي من عهدته، وانظر العيني 3/ 468، والخزانة 2/ 251، وابن يعيش 3/ 19. 2 أي: الطرماح. وقبله: يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن للسمع إنتصات القناقن وهو في وصف بقر الوحش, والقناقن -بفتح القاف الأول- جمع القنقن -بكسر القافين, والقناقن -بضم القاف الأولى وكسر الثانية- وهو المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. والحوزي: فحلها، وهو الأصل المتوحد، وقوله: "لم يرع بواديه" أي: يفزع بالوادي الذي هو فيه. وفي اللسان "حوز", والديون 169: "ترع بوادية", وضبط "ترع" بالبناء للقاعل، و"باديه" بفتح الباء جمع البادي، أو البادية. وفي شواهد العيني 3/ 464: "وأراد بالبوادي البوادر" وواحدها بادرة، وهي ما يظهر عند الغضب من حدة وغيرها. وقوله: "من قرع القسي الكنائن" أي: من تعرض الصاد له. 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "من قرأ".

{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 1 وهذا في النثر وحال السعة صعب2 جدًّا3، ولا سيما والمفصول به مفعول لا ظرف. ومنه بيت الأعشى: إلا بداهة أو علا ... لة قارح نهد الجزاره4 ومذهب5 سيبويه فيه الفصل بين "بداهة" و"قارح"؛ وهذا أمثل عندنا من مذهب غيره فيه؛ لما قدمنا6 في غير هذا الموضع. وحكى الفراء عنهم: برئت إليك من خمسة وعشري النخاسين, وحكى أيضًا: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله, ومنه قولهم: هو خير وأفضل من ثَمْ, وقوله 7: يا من رأى عارضًا أرقت له ... بين ذراعي وجبهة الأسد فإن قيل: لو كان الآخر مجرورًا بالأول لكنت بين أمرين.

_ 1 آية 137 سورة الأنعام. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ضعف", وظاهر أنه محرَّف عن "ضعيف". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 هذا من قصيدة له يذكر فيها بأس قومه، وقبل البيت على ما في اللسان "جزر" والكتاب 1/ 76: ولا نقاتل بالعص ... ي ولانرامي بالحجارة والقارح من الخيل الذي أكل خمس سنين، وبداهته: أول جريه، وعلالته: بقية جريه, يريد أن قتالهم ليس بالعصي وليس بالحجارة، إنما هو الخيل يمتطيها الفوارس بالسلاح. ووقع هنا تقديم "بداهة" على "علالة", والواقع في الديوان وغيره عكس هذا الترتيب؛ كما وقع السابق على الشاهد على غير ما ذكرت. وانظر الخزانة 1/ 83، والصبح المنير 114، والكتاب 1/ 76. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فذهب". 6 كذا في ش وي د، هـ، ز: "ذكرنا". وفي ط: "قد ذكرنا". 7 ينسب إلى الفرزدق, ولا يوجد في ديوانه قصيدة هذا البيت. والعارض: السحاب يعترض في الأفق. وذراعا الأسد وجبتهه من منازل القمر، ينسب إليهما المطر. انظر الخزانة 1/ 369، والديواني 1/ 215.

أما أن تقول: إلا "علالة أو بداهته"1 قارحٍ, وبرئت إليك من خمسة وعشريهم النخّاسين, وقطع الله يد ورجله من قاله, ومررت بخير وأفضله مَنْ ثَمَّ, وبين ذراعي وجبهته الأسدِ؛ لأنك إنما تعمل الأول، فجرى ذلك2 مجرى: ضربت فأوجعته زيدًا, إذا أعملت الأول. وإما أن تقدّر حذف المجرور من الثاني وهو مضمَر ومجرور كما ترى, والمضمر إذا كان مجرورًا قبح حذفه؛ لأنه يضعف أن ينفصل فيقوم برأسه. فإذا لم تخل3 عند جرِّك الآخر بالأول من واحد من هذين, وكل واحد منهما متروك, وجب أن يكون المجرور إنما انجرَّ بالمضاف الثاني الذي وليه, لا بالأول الذي بَعُد عنه. قيل: أما تركهم إظهار الضمير في الثاني, وأن يقولوا: بين ذراعي وجبهته الأسد ونحو ذلك, فإنهم لو فعلوه4 لبقي المجرور لفظًا لا جارّ له في اللفظ يجاوره, لكنهم لما قالوا: بين ذراعي وجبهة الأسد صار كأنَّ "الأسد" في اللفظ مجرور بنفس "الجبهة", وإن كان في5 الحقيقة مجرورًا بنفس الذراعين. وكأنهم6 في ذلك إنما أرادوا إصلاح اللفظ. وأما قبح حذف الضمير مجرورًا لضعفه عن الانفصال, فساقط عنا أيضًا, وذلك أنه إنما يقبح7 فصل الضمير المجرور متى خرج إلى اللفظ نحو: مررت بزيدوك, ونزلت على زيدوه لضعفه8 أن يفارق ما جره. فأما إذا لم يظهر إلى اللفظ

_ 1 لو جرى على ما سبق لعكس الترتيب. 2 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز "لذلك". 3 كذا في ش. وفي ط، ز: "يخل". 4 في د، هـ، ز: "فعلوا ذلك". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "على". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكأنهم". 7 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "قبح". 8 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ولضعفه".

وكان إنما هو مقدر في النفس غير مستكره عليه اللفظ فإنه لا يقبح, ألا ترى أن هنا أشياء مقدرة لو ظهرت إلى اللفظ قبحت, ولأنها غير خارجة إليه1 ما حسنت. من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو, ألا ترى أن العامل في المعطوف غير العامل في المعطوف عليه, فلا بُدَّ إذًا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت لو قلت ذلك لم يجز؛ لأن اختصم ونحوه من الأفعال -مثل اقتتل واستب واصطرع- لا يكون فاعله أقلّ من اثنين, وكذلك قولهم: رُبَّ2 رجل وأخيه, ولو قلت: ورب أخيه لم يجز, وإن كانت رُبَّ مرادة هناك ومقدرة. فقد علمت بهذا وغيره أن ما تقدّره3 وهمًا ليس كما تلفظ3 به لفظًا. فلهذا يسقط عندنا إلزام سيبويه هذه الزيادة. والفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير, وفيما أوردناه منه كافٍ بإذن الله. وقد جاء الطائي الكبير بالتقديم والتأخير فقال: وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي ... من الشعر إلّا في مديحك أطوع4 وتقديره: وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي أطوع من الشعر إلّا في مديحك, أي: فإنه يطيعني في مدحك ويسارع إلي. وهذا كقوله أيضًا معنًى لا لفظًا: تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل5 وكقول الآخر: ولقد أردت نظامها فتواردت ... فيها القوافي جحفلًا عن حجفل

_ 1 "ما" زائدة. ويقع ذلك في كلام المؤلف كثيرًا. وقد سقطت في ج. وفي ط: "ولو أنها غير خارجة إليه ما حسنت" وهي ظاهرة. 2 سقطت الواو في ز. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقدره.... بلفظ". 4 من قصيدته في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف. 5 من قصيدته في مدح المعتصم.

وذهب أبو الحسن في قول الله سبحانه: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} 1 إلى أنه أراد: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} من الجنة والناس {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} 2. ومنه قول الله -عز اسمه: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} 3 أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم, وقيل في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 4 إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون "لما قالوا"5. ونحو من هذا اقدمنا ذكره من الاعتراض في نحو قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 6 تقديره -والله أعلم- فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم, وإنه لقسم عظيم لو تعلمون. وقد شبّه الجازم بالجار ففصل بينهما, كما فصل بين الجار والمجرور, وأنشدنا7 لذي الرمة: فأضحت مغانيها قفارًا رسومها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل8

_ 1 آيات: 4، 5، 6 سورة الناس. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 آية 28 سورة النمل. 4 آية: 3 سورة المجادلة. 5 سقط في ش. 6 آيات: 75، 76، 77 سورة الواقعة. 7 سقط حرف العطف في ش. 8 قبله: فيا أكرم السكن الذين تحملوا ... عن الدار والمتسخلف المتبدل والسكن: جمع الساكن. وتؤهل من أهلت المكان: نزلت به. فالمرفوع لتؤهل ضمير الدار أو المغاني. وانظر الخزانة 3/ 626، والديوان 506.

وجاء هذا1 في ناصب2 الفعل. أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر: لما رايت أبا يزيد مقاتلًا ... أدع القتال3. . . . . أي: لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلًا, كما أراد في الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. وكأنه شبَّه لن بأنَّ, فكما جاز الفصل بين أنَّ واسمها بالظرف في نحو قولك: بلغني4 أن في الدار زيدًا, كذلك شبَّه "لن" مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذي هو "ما رأيت أبا يزيد" أي: مدة رؤيتي. فصل في الحَمْل على المعنى: اعلم أن هذا الشَرْج5 غور من العربية بعيد, ومذهب نازح فسيح. قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورًا ومنظومًا؛ كتأنيث المذكر, وتذكير المؤنيث, وتصوير معنى الواحد في الجماعة, والجماعة في الواحد, وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول أصلًا كان ذلك اللفظ أو فرعًا, وغير ذلك مما تراه بإذن الله. فمن تذكير المؤنث قوله 6: فلا مزنة ودقَّت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في د، هـ، ز: "نصب". 3 تتمته:.... ... وأشهد الهيجاء والبيت يرد في كتب النحو في مبحث النواصب، وفي المغني "لما" دون عزو. و"لما" أصله "لن ما" وقد كنيت موصولة للإلقاز. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 109. 4 سقط في ش. 5 أي: النوع, وفي الأصول: "الشرح" وهو تصحيف. 6 أي: عامر بن جوين الطائي, ويصف أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث. وانظر الخزانة 1/ 21، والكتاب 1/ 240.

ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان, ومنه قول الله -عز وجل: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} 1 أي: هذا الشخص أو هذا المرئي ونحوه, وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} 2 لأن الموعظة والوعظ واحد, وقالوا في قوله سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 3 إنه أراد بالرحمة هنا المطر, ويجوز أن يكون التذكير هنا "إنما هو"4 لأجل فَعِيل على قوله 5: بأعينٍ أعداءٍ وهن صديق وقوله 6: . . . ولا عفراء منك قريب وعليه قول الحطيئة: ثلاثة أنفس وثلاث ذَوْد ... لقد جار الزمان على عيالي7 ذهب بالنفس إلى الإنسان فذكَّر.

_ 1 آية: 78 سورة الأنعام. 2 آية: 275 سورة البقرة. 3 آية: 56 سورة الأعراف. 4 كذا في ش، ط. وسقط في ز. 5 أي: جرير، كما في اللسان "صدق"، 398. وفي زهر الآداب 1/ 93 نسبته لمزاحم العقيليّ. وصدره: نصبن الهوى ثم أرتمين قلوبنا 6 أي: عروة بن حزام، والبيت بتمامه: ليالي لا غفواء منك بعيده ... فتسلّى ولا عقراء منك قريب وانظر السمط 401، واللسان "قرب". 7 الذود من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة, ويعني بثلاثة الأنفس: نفسه وزوجه وابنه مليكة، والذود ثلاث من النوق كان يقوم بها على عياله، ففقد إحداهما، وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 301.

وأما بيت الحكمى 1: ككمون النار في حجره فيكون على هذا؛ لأنه ذهب إلى النور والضياء, ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الكمون, أي: في حجر الكمون, والأول أسبق في الصنعة إلى النفس, وقال الهذلي 1: بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرًا طرَّتاه طليحا ذهب بالطرتين إلى الشعر, ويجوز أن يكون "طرتاه" بدلًا من الضمير إذا جعلته في مضطمر3؛ كقول الله سبحانه: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} 4 إذا جعلت في "مفتحة" ضميرًا، وجعلت "الأبواب" بدلًا من ذلك الضمير, ولم يكن تقديره: الأبواب منها, على أن نخلي "مفتحة" من الضمير5. نعم, وإذا كان في "مفتحة"

_ 1 يريد بالحكميّ أبا نواس. وهذا عجز صدره: كمن الشنان فيه لنا وقبله: وابن عم لا يكاشفنا ... قد لبسناه على غمره وهو من قصيدة في مدح العباس بن عبد الله بن أبي جعفر المنصور. 2 هو أبو ذؤيب من قصيدة له في مدح عبد الله بن الزبير, وهذا ما في اللسان "طرر" وفي ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 132 وما بعدها, هذا الوصف فيمن يوصي الشاعر صاحبته أن تصاحبه إذا هجرته وأرادت خلفًا له؛ وهو يرمي إلى أنه نفسه بهذا الوصف, والبيت في الهذليين على ما يأتي: تريع الغزاة وما إن يري ... ع مضطمرًا طرَّتاه طليحا وقوله: "تريع العزاة" أي: يرجعون، والريع: العود والرجوع. وهذا كقوله في رواية الكتاب: "بعيد الغزاة" غير أن "الغزاة" في رواية الكتاب بفتح الغين, أي: الغزو، وفي رواية الديوان بضم الغين جمع الغازي. وطرتاه: كشحاه، واضطمار الكشحين كناية عن ضمور البطن من الهزال، وطليحًا: معيبًا. 3 في ط: "مضطمرًا". 4 آية: 5 سورة ص. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ضمير".

ضمير "والأبواب" بدل منه, فلا بُدَّ أيضًا من أن يكون تقديره1 "مفتحة لهم"2 الأبواب منها. وليس "منها" وفي "مفتَّحة" ضمير مثلها إذا أخليتها من ضمير. وذلك أنها إذا خلت "مفتحة" من ضمير فالضمير في "منها" عائد الحال3 إذا كانت مشتقة, كقولك: مررت بزيد واقفًا الغلام معه, وإذا كان في "مفتحة" ضمير فإن الضمير في "منها" هو الضمير الذي يرد به المبدل عائدًا على المبدل منه, كقولك: ضربت زيدًا رأسه, أو الرأس منه, وكلمت قومك نصفهم4 أو النصف منهم, وضرب زيد الظهر والبطن, أي: الظهر منه والبطن منه. فاعرف ذلك فرقًا بين الموضعين. ومن تذكير المؤنّت قوله: إن امرأ غرَّه منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور5 لما فصل بين الفعل وفاعله حذف علامة التأنيث, وإن كان تأنيثه حقيقيًّا. وعليه قولهم: حضر القاضي امرأة, وقوله 6: لقد ولد الأخيطل أم سوء ... على باب استها صلب وشام وأما قول جران العود 7: ألا لا يغرّن امرؤ نوفلية ... على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

_ 1 سقط في ش. 2 سقط ما بين القوسين في ز. 3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إلى الحال", والمراد بعائد الحال ما يعود منها على صاحبها. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم". 5 بعده: أنسيت عهدي ولم تعنى بموثقي ... تبًّا لعلك والمفقود مهجور 6 أي: جرير يهجو الأخطل، يصف أن أمه نصرانية, والصلب: جمع الصاب، والشام: جمع الشامة. أراد أنه عارف بذلك الموضع. وانظر العيني 2/ 668. 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "الجران".

فليست النوفليّة هنا امرأة, وإنما هي مشطة1 تعرف بالنوفلية؛ فتذكير الفعل معها2 أحسن. وتذكير المؤنث واسع جدًّا؛ لأنه ردّ فرع إلى أصل. لكن تأنيث المذكر أذهب في التناكر والإغراب. وسنذكره. وأما تأنيث المذكّر فكقراءة من قرأ3 {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} 4 وكقولهم: ما جاءت حاجتك, وكقولهم: ذهبت بعض أصابعه, أنَّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى, وبعض الأصابع إصبعًا, ولما كانت "ما " هي الحاجة في المعنى, وأنشدوا: أتهجر بيتًا بالحجاز تلفَّعت ... به الخوف والأعداء من كل جانب5 ذهب بالخوف إلى المخافة, وقال لبيد: فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عرَّدت إقدامها إن شئت قلت: أنَّثَ الإقدام لما كان في معنى التقدمة, وإن شئت قلت: ذهب

_ 1 هذا اسم للهيئة من المشط، ويراد به ضرب منه. وفسَّر الأزهري النوفلية في البيت بشيء من صوف يحشى وتضعه المرأة على رأسها وتختمر عليه. وانظر اللسان "نفل". 2 كذا في ز، د، هـ، ط. وفي ش: "فيها". 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم". 4 آية: 10 سورة يوسف. والقراءة بالتأنيث قراءة الحسن، كما في الإتحاف والبحر. 5 ورد البيت في اللسان "خوف" وفيه: "أم أنت زائره" في مكان: "من كل جانب". وورد أيضًا في حماسة ابن الشجري 150 منسوبًا إلى الحسين بن مطير هكذا: أتهجر بيتًا بالحجاز تكنّفت ... جوانبه الأعداء أم أنت زائره 6 هو من معلقته المشهورة. والتعريد: الانهزام وترك القصد. والحديث من حمار الوحش يتبع أتانًا تحاول الفرار منه، فيذكر أن الحمار جعلها أمامه كيلا تهرب, وكذلك شأنه إذا هي حاولت الفرار وغردت أن يقدمها ويسوقها أمامه.

إلى تأنيث العادة، كما ذهب إلى تأنيث الحاجة في قوله 1: " ما جاءت حاجتك"2 وقال 3: يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت ذهب إلى تأنيث الاستغاثة. وحكى4 الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلًا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب جاءته, جاءته كتابي فاحتقرها! فقلت له: أتقول: جاءته كتابي! فقال: نعم, أليس بصحيفة! قلت: فما اللغوب, قال: الأحمق. وهذا في النثر كما ترى, وقد علله. وهذا مما قد5 ذكرناه "فيما مضى من"6 كتابنا هذا غير أنا أعدناه لقوته في معناه, وقال7: لو كان في قلبي كقدر قلامةٍ ... حبًّا لغيرك قد أتاها أرسلي كَسَّر رسولًا وهو مذكر على أَرْسُل, وهو من تكسير المؤنث؛ كأتان وآتُن, وعناق وأعنق, وعُقاب وأعُقب, لما كان الرسول هنا إنما يراد به المرأة؛ لأنها في غالب

_ 1 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "قولهم" وساقطة في ش. 2 سقط في ش. 3 هو رويشد بن كثير الطائي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 164. 4 انظر في هذا الحكاية ص250 من الجزء الأول. 5 هذه الكلمة في د، هـ, وساقطة في ش، ط، ز. 6 في د، هـ: "ذكرناه في كتابنا". 7 نسبه ابن بري إلى الهذلي. ولأبي كبير الهذلي قصيدة فيها البيت الآتي: وجليلة الأنساب ليس كمثلها ... ممن تمنّع قد أتتها أرسلي ويبدو أن ما هنا رواية في البيت. وانظر اللسان "رسل"، وديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 99. وفي الصناعتين "الحلبي" 344 لجميل: لو كان في قلبي كقدر قلامة ... حبًّا وصلنك أو أتتك رسائلي

الأمر مما يستخدم في هذا الباب, وكذلك ما جاء عنهم من جناح واجنح. قالوا: ذهب "في التأنيث"1 إلى الريشة. وعليه قول2 عمر 3: فكان مجنيّ دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كأعبان ومعصر أنث الشخص؛ لأنه أراد به المرأة. وقال الآخر 4: فإن كلابًا هذه عشرُ أبطُن ... وأنت بريء من قبائلها العَشْر ذهب بالبطن إلى القبيلة، وأبان ذلك بقوله: من قبائلها. وأما قوله 5: كما شرقت صدر القناة من الدم فإن شئت قلت: أنث لأنه أراد القناة, وإن شئت قلت: إن صدر القناة قناة. وعليه قوله 6: مشين كما اهتزت رماحٌ تسفَّهت ... أعاليها مرُّ الرياح النواسم

_ 1 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "بالتأنيث". 2 كذا في ش. وفي ز، ط: "قال". 3 أي: ابن أبي ربيعة, وهو من قصيدته الطويلة التي أولها: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 312. 4 في الكتاب "2/ 174": "وهو رجل من كلاب", وقال الأعلم: هجا رجلا ادَّعى نسبه في بني كلاب. فذكر أن بطونهم عشرة ولا نسب له معلوم في أحدهم". 5 أي: الأعشى, وصدره: وتشرق بالقول الذي قد أذعته وهو من قصيدة يهجو فيها عمير بن عبد الله الشاعر الذي كان يلقب جهنام باسم تابعه من الجنّ، كما كانوا يزعمون. وانظر الكتاب 1/ 25، والصبح المنير 94. 6 أي: ذي الرمة. وهو في وصف النساء, وقوله: "تسفَّهت أعاليها مر الرياح، أي: حركتها واستخفتها، والنواسم: التي تهب يضعف. يصفهن برقة المشي.

وقول الآخر 1: لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع وقوله2: طول الليالي أسرعت في نقضي وقوله: على قبضة موجوءة ظهر كفه3 وقول الآخر 4: قد صرح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهريّة الذقن وأما قول بعضهم: صرعتني بعير لي, فليس عن ضرورة؛ لأن5 البعير يقع على الجمل والناقة, وقال: لا تشربا لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار

_ 1 هو جرير. والبيت من قصيدة يهجو بها الفرزدق, وكان من قومه عمرو بن جرموز قاتل الزبير -رضي الله عنه. وانظر الخزانة 2/ 196, والنقائض 969. وسقط في ش: "لما أتى خبر الزبير". 2 أي: العجاج، وقيل: الأغلب العجلي. وبعده: أكلن بعضي وتركن بعضي وانظر الكتاب 1/ 26، وشواهد المغني للسيوطي 298, وللبغدادي 2/ 802. 3 عجزه: فلا المرء مستحي ولا هو طاعم وقوله: "موجوءة" كذا في نسخ الخصائص, وفي معاني القرآن للفراء 1/ 187: "مرجوّة". 4 هو تميم بن أبي بن مقبل, وقوله: "صرّح السير" أي: كشف وبيّن عن هذا المكان. وذلك ببلوغهم إياه. وكتمان: اسم موضع. والمهرية يريد بها الإبل المنسوبة إلى مهرة إحدى قبائل اليمن, والذقن: جمع الذقون، وهي التي تميل ذقنها إلى الأرض، والمحاجن: العصيّ الموجعة، وفي الكلام قلب؛ أي ابتذلت المهرية بوقع المحجن عليها. وانظر اللسان "كتم", ومعاني القرآن 1/ 187. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من قبل أن". 6 "تشربا" كذا في ش، والألف فيه يجوز أن تكون للتثنية: ويحتمل أن يكون رسم النون الخفيفة للتوكيد. وفي ز، ط: "تشربي". وعرق الزجاجة يريد به الخمر, كأنها عرق للزجاجة تنضح، والمعصار آلة العصر كالمعصرة.

عز اسمه: "وَمَنْ تَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ"1 لأنه أراد: امرأة. ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله, أفرد الضمير؛ لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كقولك 2: هو أحسن فتى في الناس؛ قال ذو الرمة: وميَّة أحسن الثقلين وجهًا ... وسالفة وأحسنه قذالًا3 فأفرد الضمير مع قدرته على جمعه, وهذا يدلك على قوة اعتقادهم أحوال المواضع4, وكيف ما يقع فيها, ألا ترى أن الموضع موضع جمع, وقد تقدَّم في الأول لفظ الجمع فتُرِكَ اللفظ وموجب الموضع إلى الإفراد؛ لأنه يؤلف في هذا المكان. وقال سبحانه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} 5 فحمل على المعنى وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} 6 فأفرد على لفظ من, ثم جمع من بعد، وقال عبيد 7: فالقطبيات فالذنوب

_ 1 آية: 31، سورة الأحزاب. وقراءة "تقنت" بالتاء قراءة ابن عامر ويعقوب والجحدري. وانظر الكتاب 1/ 404. 2 كذا في ش، ط. وفي ز: "كقولهم". 3 هذا من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة، والسالفة: أعلى العنق، والقذال: مؤخر الرأس فوق القفا، وانظر الخزانة 4/ 108، والديوان 436، والكامل 6/ 185. 4 في ط: "الموضع". 5 آية: 82، سورة الأنبياء. 6 آية: 112، سورة البقرة. وفي ط: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وهذا لا يوافق التلاوة. 7 أي: ابن الأبرص. وصدر البيت: أقفر من أهله ملحوب وهو مطلع معلقته.

وإنما القُطبيّة ماء واحد1 معروف. وقال الفرزدق: فيا ليت داري بالمدينة أصبحت ... بأجفار فلج أو بسيف الكواظم2 يريد الجفر وكاظمة. وقال جرير: بان الخليط برامتين فودعوا ... أو كلما ظعنوا لبين تجزع وإنما رامة أرض واحدة معروفة. واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد4 تراجع اللفظ؛ كقولك: شكرت من أحسنوا إلي على فعله "ولو قلت: شكرت من أحسن إلي على فعلهم, جاز"5. فلهذا ضعف عندنا أن يكون "هما" من "مصطلاهما" في قوله 6: كميتًا الأعالي جونتا مصطلاهما7

_ 1 سقط في د، هـ، ز، وفي ط: "وهو". 2 من قصيدة له في مدح سليمان بن عبد الملك وهجو جرير. وانظر النقائض 343. وفي شرحها: "والكواظم يعني: كاظمة وما حولها". وفلج: واد بين البصرة وحمى ضربة. والجفر: البئر لم تطوه في اللسان "كظم": "بأعفار فلج" والأعفار جمع العفر وهو التراب. وكاظمة: موضع على سيف البرح قريب من البصرة، والسيف: الشاطئ, فقوله: "سيف الكواظم" يريد سيف البحر عندها. 3 مطلع قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 340، والنقائض 961. 4 في ش "تكن". 5 ثبت ما بين القوسين في ش: وسقط في د، هـ، ز، ط. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قول الشماخ". 7 صدره: أقامت على ربعيهما جارتا صفا وقبله: أمن دمنتين عرّس الركب فيهما ... بحقل الرخامي قد عفا طلاهما والدمنة: الموضع الذي أثر فيه الناس بنزولهم فيه, وحقل الرخامي: موضع بعينه. ويريد بجارتي صفا الأثفيتين أضافهما إلى الصفا، أي: الجبل من الجل استنادهما إليه. وصف أن أعاليهما بلون الكمنة وهي الحمرة المائلة إلى السواد؛ لأنهما اتخذتا من صخر أحمر فيهما على حالهما الأولى، أو ذلك أثر اللهب أمّا موضع الاصطلاء بالنار وذلك في أسافلهما فهو مسوّد من الوقود. ويرى سيبويه أن الضمير في "مصطلاهما" لجارتي الصفا، ويرى غيره أن الضمير للأعالي، وقد ثنَّى الضمير حملًا على المعنى. والمؤلف يرد هذا الوجه كما ترى. وانظر الكتاب 1/ 102، والخزانة 2/ 198.

عائدًا على الأعالي في المعنى؛ إذ كانا أعليين اثنين1، لأنه موضع قد ترك فيه لفظ التثنية حملًا على المعنى؛ لأنه جعل كل جهة منهما2 أعلى؛ كقولهم: شابت مفارقه, وهذا بعير ذو عثانين3, ونحو ذلك, أو لأن الأعليين شيئان من شيئين. فإذا كان قد انصرف عن اللفظ إلى غيره ضعفت معاودته إياه؛ لأنه انتكاث وتراجع, فجرى ذلك مجرى إدغام الملحق وتوكيد ما حذف. على أنه قد جاء منه شيء؛ قال: رءوس كبيريهنّ ينتطحان4 وأما قوله 5: كلاهما حين جدَّ الحرب بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي فليس من هذا الباب، وإن كان قد عاد من بعد التثنية إلى الإفراد. وذلك أنه لم يقل: كلاهما قد أقلعا وأنفه راب, فيكون ما أنكرناه, لكنه قد أعاد "كلا" أخرى غير الأولى, فعاملها على لفظها. ولم يقبح ذلك؛ لأنه قد فرغ من حديث6 الأولى, ثم استأنف من بعدها أخرى, ولم يجعل الضميرين عائدين إلى كلا واحدة. وهذا كقولك: من يقومون أكرمهم, ومن يقعد أضربه. فتأتي ب"من" الثانية فتعاملها على ما تختار مما يجوز مثله. وهذا واضح فاعرفه. ولا يحسن "ومنهم من يستمعون إليك حتى إذا خرج7 من عندك" لما ذكرنا.

_ 1 كذا في ز، ط. وفي ش: "فاعلين". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "منها". 3 واحده عثنون، وهو شعيرات عند مذبح البعير والتيس, وانظر في هذا المثال وما قبله الكتاب 2/ 138. 4 البيت الفرزدق، وهو من قصيدة في ديوانه "ص872، الصاوي" وصدره: رأوا جبلًا دق الجبال إذا التقت وانظر الخزانة 2/ 202، وتاريخ الطبري 8/ 111. 5 أي: الفرزدق يهجو جريرًا. وكان جرير زوّج ابنته من ابن زوجته ثم طلقها منه بفدية، فيذكر الفرزدق أن ابنة جرير وزوجها سارا معًا فى حياة الزواج وجدَّا في ذلك ووقعت الألفة بينهما، ثم انقطع الوثام وهما لا يودان ذلك، وذلك من فعل جرير وعسفه، وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 51، والنوادر 162. 6 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز، ط. 7 في ش: "خرجوا". وهو يشير إلى قوله تعالى في الآية16، من سورة محمد: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} "المصحح".

وأما قول الفرزدق: وإذا ذكرت أباك أو أيامه ... أخزاك حيث تُقَبَّل الأحجار1 -يريد الحجر- فإنه جعل كل ناحية حجرًا, ألا ترى أنك لو مسست كل ناحية منه لجاز أن تقول: مسست الحجر. وعليه شابت مفارقه, وهو كثير العثانين. وهذا عندي هو سبب إيقاع لفظ الجماعة على معنى الواحد. وأما2 قوله 3: فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور فيجوز أن يكون جمع أخ قد4 حذفت نونه للإضافة, ويجوز أن يكون واحدًا وقع موقع الجماعة كقوله 5: ترى جوانبها بالشحم مفتوقا وقد توضع من للتثنية؛ وذلك قليل؛ قال 6: نكن مثل مًنْ يا ذئبُ يصطحبان

_ 1 هذا من قصيدة يهجو فيها جريرًا. وقبله: يابن المراغة أنت ألأم من مشى ... وأذلّ من لبنانه أظفار وفي الكناية على النقائض أنه أراد بالأحجار الحجر الأسود والبيت الحرام ومقام إبراهيم -عليه السلام- في الحجر. وهو مذهب غير ما ذهب إليه المؤلف, وفيها في تفسير البيت: "يقول: أخزاك أبوكفي هذا المواضع التي يجتمع فيها الناس من كل فج عميق" وانظر النقائض 870. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأمّا". 3 أي: العباس بن مرداس. وهو يخاطب ثقيفًا بعد هزيمتهم مع هوازن في غزوة حنين. وانظر سيرة ابن هشام على هامش الروض 2/ 292، واللسان "أخو". 4 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط. 5 أي: الأسود بن يعفر. وصدره: وجفنة كنضيح البئر متأفة والنضيج: الحوض العظيم يكون قريبًا من البئر. ومتأفة: مملوءة. يريد بالجفنة قصعة الثريد. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 13/ 25. 6 أي: الفرزدق. وصدره: تعال فإن عاهدتني لا تخونني وقبله: وأطلس عسال وما كان صاحبا ... رفعت لناري موهتًا فأتاني وصف أنه أوقد نارًا وطرقه الذئب فدعاه إلى الصحبة. وانظر الكتاب 1/ 404.

وأنشدوا: أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع1 أودع ضمير "من" في "يكن" على لفظ الإفراد وهو اسمها, وجاء ب"شريكيه" خبرًا ل"يكن" على معنى التثنية, فكأنه قال: و"أي اثنين"2 كانا شريكيه طمعت أنفسهما كل مطمع. على هذا اللفظ أنشدناه أبو علي, وحكى المذهب فيه عن الكسائي أعني: عود التثنية على لفظ "من"؛ إلا أنه عاود لفظ الواحد بعد أن حمل على معنى التثنية بقوله: تطمع نفسه "ولم يقل: تطمع أنفسهما"3. ولو ذهب فيه ذاهب إلى أنه من المقلوب لم أر به بأسًا, حتى كأنه قال: ومن يكن شريكهما تطمع نفسه كل مطمع. وحسن ذلك شيئًا العلم بأنه إذا كان شريكهما كانا أيضًا شريكيه, فشجع بهذا القدر على ما ركبه من القلب. فاعرف ذلك. والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدًّا, ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} 4 ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} 5 قيل فيه: إنه محمول على المعنى, حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه, أو كالذي مَرَّ على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك. ومنه إنشادهم بيت امرئ القيس: ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألّا يحسن اللهو أمثالي6

_ 1 من ثلاثة أبيات لغضوب, وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سيبعًا. وانظر النوادر 119. 2 كذا في ش، ز. وفي ط: "إن اثنان". 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 4 آية: 258، سورة البقرة. 5 آية: 259 سورة البقرة. 6 بسباسة: اسم امرأة من بني أسد. وانظر الخزانة 1/ 28.

بنصب1 "يحسن", والظاهر أن يرفع؛ لأنه معطوف على أن الثقيلة, إلا أنه نصب أن هذا موضع قد كان يجوز "أن تكون"2 فيه أن الخفيفة3 حتى كأنه قال: ألا زعمت بسباسة أن يكبر فلان؛ كقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4 بالنصب. ومن ذلك قوله 5: بدا لي أني لستُ مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا لأن هذا موضع يحسن فيه لست بمدرك ما مضى. ومنه قوله سبحانه: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} 6 وقوله: فأبلوني بليتكم لعلِّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا7 حتى كأنه قال: أصالحكم وأستدرج نوايا8. ومن ذلك قول الآخر: ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح9 لأنه لما قال: ليبك يزيد, فكأنه قال: ليبكه ضارع لخصومة. وعلى هذا تقول: أكل الخبز زيد, وركب الفرس محمد, فترفع زيدًا ومحمدًا بفعل ثانٍ يدل10 عليه الأول وقوله 11:

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نصب". 2 سقط في د، هـ، ز، ط. 3 في ز، ط: "المخففة". 4 آية: 71 شورة المائدة. 5 في د، هـ، ز: "قول الشاعر", وهو زهير وانظر ص287 من ديوان زهير. 6 آية: 10 سورة المنافقين. 7 انظر ص177 من الجزء الأول. 8 سقط في د، هـ، ز. 9 انظر ص355 من هذا الجزء. 10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "دل". 11 كذا في ش، ط. وفي ز: "قول جرير". ونسبته إلى جرير خطأ, والصواب نسبته إلى النابغة من قصيدته التي أولها: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحبون من تؤى وأحجار

إذا تغنَّى الحمام الورق هيجني ... ولو تعزيت عنها أم عمَّار1 لأنه لما قال: هيجني دلَّ على ذَكَّرني, فنصبها به. " فاكتفى بالمسبب الذي هو التهييج من السبب الذي هو التذكير"2 ونحوه قول الآخر: أسقى الإله عدوات الوادي ... وجوزه كل ملثٍّ غاد كل أجشٍّ حالك السواد3 لأنه إذا أسقاها الله كل ملثٍّ فقد سقاها ذلك الأجشُّ. وكذلك قول الآخر 4: تواهق رجلاها يداها ورأسه ... لها قَتَبٌ خلف الحقيبة رادف أراد: تواهق رجلاها يديها, فحذف المفعول وقد عُلِمَ أن المواهقة لا تكون من5 الرجلين دون اليدين, وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلًا دلَّ عليه الأول, فكأنه قال: تواهق يداها رجليها, ثم حذف المفعول في هذا كما حذفه6 في الأول

_ 1 "تعزيت" كذا في نسخ الخصائص. وفي الكتاب 1/ 144، وجمهرة أشعار العرب: "تغربت"، والورق: جمع الورقاء والأورق من الورقة, وهي بياض إلى سواد. 2 قدَّم ما بين القوسين في ش على قوله: "لأنه لما قال ... ....". 3 عدوات الوادي جمع العدوة بتثليث العين، وهو شاطئ الوادي, وجوزه: وسطه، وفي ط: "جوفه" وهو يوافق ما في الكتاب. وفي ز: "جرفه", وهو محرَّف عن "جوفه". والملك من المطر الدائم الملازم والأجش، الشديد صوت الرعد، والحالك: الشديد السواد، وذلك أحلق للمطر. وانظر الكتاب 1/ 146. 4 أي: أوس بن حجر. وهو يصف حمارًا من حمر الوحش يجري وراء أتان؛ فرجلاها أي: مؤخرتا قوائمها توافقان يدي هذا الحمار, أي: مقدمتي قوائمه. التواهق: الموافقة في السير والتباري فيه. وقوله: "يداها" كذا في نسخ الخصائص، والأجود: "يداه" كما في الديوان واللسان "وهق", والكتاب 1/ 145 وقوله: "رأسه...." يريد أن هذا الحمار يضع رأسه خلفها في سيره, فرأسه كأنه قنب لها خلف حقبتها أي: عجزها. وفي ز، ط: "رأسها", والجيد ما أثبت كما في ش، والديوان، واللسان. 5 في د، هـ، ز: "إلّا من الرجلين". 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حذف".

فصار على ما ترى: تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة1 التي وصفت لك تقول: ضارب "زيد عمرو"2 على أن ترفع عمرًا بفعل غير هذا الظاهر, ولا يجوز أن يرتفعا3 جميعًا بهذا الظاهر , فأمَّا قولهم: اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أن عمرًا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر على حدِّ قولنا في المعطوف: إن العامل فيه غير العامل في المعطوف عليه, فكأنه قال: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذي تقدِّره لم يصلح الكلام معه؛ لأن الاختصام لا يكون من أقل من اثنين. وعلة جوازه أنه لمَّا4 لم يظهر الفعل الثاني المقدَّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله, كأشياء تكون في التقدير فتحسن, فإذا أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت, وقد ذكرنا ذلك فيما مضى. ومن ذلك قول الآخر 6: فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه, فقد دخلت السباع في الموافقة, فكأنه قال فيما بعد: وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف, أي: وافقت آثار السباع. قال أبو علي: لأنها لو وافقت7 السباع هناك لأكلتها معه. ف"على" الآن هذه الظرف8

_ 1 كذا في ش، ط. وفي ز: "الصيغة". 2 في د، هـ، ز: "عمرو زيد". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "ترفعهما". 4 سقط في هذا الحرف ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فإن" وفي ط: "وإن". 6 هو القطاميّ. وصف بقرة وحشية فقدت ولدها فتطلبته، فوجدت السباع قد اغتالته, ويخطئ المبرد هذه الرواية ويرى أن الرواية الصحيحة: فكرت عند فيفتها إليه ... فألفت عند مصرعه السباعا وانظر النوادر 204، والكتاب وتعارق الأعلم على البيت في 1/ 143، والديوان 45. 7 كذا في ز، ط. وفي ش: "وافقتها". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الظروف".

منصوبة1 بالفعل المحذوف الذي نصب السباع في التقدير, ولو رفعت السباع لكانت "على" هذه مرفوعة الموضع لكونها خبرًا عن السباع مقدَّمًا, وكانت تكون متعلقة بالمحذوف؛ كقولنا في قولهم: في الدار زيد. " وعلى هذا"2 قال3 الآخر 4: تذكرت أرضًا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها لك فيها وجهان: إن شئت قلت: إنه أضمر فعلًا للأخوال والأعمام على ما تقدَّم, فنصبهما به, كأنه قال فيما بعد: تذكرت أخوالها فيها وأعمامها, ودلّ على هذا الفعل المقدَّر قوله: تذكرت أرضًا بها أهلها؛ لأنه إذا تذكَّر هذه الأرض فقد علم أن التذكر قد أحاط بالأخوال والأعمام؛ لأنهم فيها على ما مضى من الأبيات. وإن شئت جعلت أخوالها وأعمامها بدلًا من الأرض بدل الاشتمال, على قول الله سبحانه: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 5. فإن قلت: فإن البدل العامل عندك فيه هو غير العامل في المبدل منه, وإذا كان الأمر كذلك فقد آل الحديث إلى موضع واحد وهو إضمار الفعل, فلم قسمت الأمر فيهما إلى موضعين؟ قيل: الفرق قائم. ووجهه أن اتصال المبدل6 منه أشد من اتصال ما حمل على المعنى بما قبله, وإنما يأتي بعد استقرار الكلام الأوّل ورسوخه،

_ 1 ظاهر أن هذا حكم مجرورها، يريد نصبه في المعنى والمحل, وكذا رفعه فيما بعد. 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 3 في ط: "قول". 4 أي: عمرو بن قميئة, وكان خرج مع امرئ القيس في سفره إلى قيصر الروم, وهو يتحدث عن ابنته إذ ذكرها في قوله قيل: فسألتني بنت عمرو عن ال ... أرض التي تنكر أعلامها فذكر أنها حين جاوزت أرض قومها ورأت بلادًا أنكرتها بكت، وهو يعني بذلك نفسه، فلم يعرف أنها كانت معه. وانظر الكتاب 1/ 144، الخزانة 2/ 147، ومعجم البلدان في ترجمة "ساتيدما". 5 آيتا: 4، 5 سورة البروج. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "البدل".

وليس كذلك البدل؛ لأنه وإن كان العامل فيه غير الأول عندنا فإنه مع ذلك مشابه للصفة وجارٍ مجراها. نعم وقد خالف فيه أقوام, فذهبوا إلى أن العامل في الثاني هو العامل في الأول. وحدثنا أبو علي أن الزيادي1 سأل أبا الحسن عن قولهم: مررت برجل قائمٌ زيدٌ أبوه, أأبوه بدل أم صفة؟ قال: فقال أبو الحسن: لا أبالي بأيهما أجبتُ. أفلا ترى إلى تداخل الوصف والبدل, وهذا يدل على ضعف العامل المقدر مع البدل. وسألت أبا علي -رحمه الله- عن مسألة2 الكتاب: رأيتك إياك قائمًا الحال لمن هي؟ فقال: ل"إياك", قلت: فالعامل فيها ما هو؟ قال: "رأيت" هذه الظاهرة, قلت: أفلا تعلم أن "إياك" معمول فعل آخر غير الأول, وهذا يقود3 إلى أن الناصب للحال هو الناصب لصاحبها, أعني: الفعل المقدَّر؟ فقال: لما لم يظهر ذلك العامل ضعف حكمه, وصارت المعاملة مع هذا الظاهر. فهذا يدلك على ضعف العامل في البدل واضطراب حاله, وليس كذلك العامل إذا دلَّ عليه غيره نحو قوله: تواهق رجلاها يداها. . . وقوله: ولو تعزّيت عنها أم عمار ونحو ذلك؛ لأن هذا فعل مثبت, وليس محل ما يعمل فيه المعنى محل البدل, فلما اختلف هذان الوجهان من هذين الموضعين اعتددناهما قسمين اثنين.

_ 1 هو إبراهيم بن سفيان، ينتهي نسبه إلى زيادة بن أبيه. مات سنة 249هـ. له ترجمة في معجم الأدباء، والبغية. 2 انظر سيبويه: 1/ 393، ورأى في هذا المثال بصرية حتى تكون "قائمًا" حالًا. مثلًا سيبويه: "ضربته إياه قائمًا"،لم يكن صاحب الحال المبدل منه للفصل بالبدل، وهو في قوة جملة أخرى. وأنت إذا قلت: ضربت الرجل محمدًا قائمًا، كان صاحب الحال البدل لا محالة. 3 في ط: "يعود".

ومن ذلك قوله 1: لن تراها ولو تأمَّلت إلّا ... ولها في مفارق الرأس طيبا وهذا هو الغريب من هذه الأبيات, ولعمري إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متصل بها, ففي ذلك شيئان: أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب في مفارقها، اللهمَّ إلا أن تكون2 حاسرة غير مقنعة, وهذه بذلة وتطرح لا توصف به الخفرات ولا المعشقات3, ألا ترى إلى قول كثير: وإني لأسمو بالوصال إلى التي ... يكون سناء وصلها وازديارها4 ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولدة؛ قال الطائي: عالي الهوى مما يعذِّب مهجتي ... أروية الشعف التي لم تسهل5 وهي6 طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدَّر لنصب الطيب مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها, فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيبًا, غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغي أن يكون أراد 7: ما تدل عليه الرؤية من الفعل الذي قدرناه.

_ 1 أي: ابن الرقيَّات. وانظر الكتاب 1/ 144, وشواهد المغني للبغدادي 2/ 929. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يكون". 3 كذا. وقد يكون: "المتعشفات". 4 في الديوان 1/ 92: "شفاء" في مكان "سناء". 5 من قصيدة له في مدح محمد بن حسان. والأروية: أنثى الوعول، والشعف رءوس الجبال، كنَّى بالأورية عن المرأة المتمنعة. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هو". وفي ط: "هذا". 7 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "أراد على". وفي ش: "على".

والآخر أن هذه الواو في قوله: ولها كذا هي واو الحال, وصارفة للكلام إلى معنى الابتداء, فقد وجب أن يكون تقديره: لن تراها إلا وأنت تعلم أو تتحقق أو تشمّ, فتأتي بالمبتدأ وتجعل ذلك الفعل المقدَّر خبرًا عنه. فاعرف ذلك. ومنه قوله 1: قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما وذات قرنين ضموزا ضرزما هو من هذا؛ لأنه قد علم أن الحيات مسالمة كما علم أنها مسالمة, ورواها الكوفيون بنصب الحيات، وذهبوا إلى أنه أراد: القدمان, فحذف النون. وينشدون في ذلك قوله: لنا أعنز لبنٌ ثلاث فبعضها ... لأولادها ثنتًا وما بيننا عنز2 وينشدون قول الآخر 3: كأن أذنيه إذا تشوَّفا ... قادمتا أو قلَّمَا محرّفا

_ 1 عُزِيَ هذا الرجز في الكتاب 1/ 145 لعبد بني عبس, وفي اللسان: "ضرؤم" نسبته لمساور ابن هند العبسي، وقد نسب لغيرهما. وهو من رجز طويل في وصف الإبل وراعيها. وهذه الأشطار الثلاثة في وصف الراعي. يصفه بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، وأنّ الحيات لا تؤثر فيها. والشجاع، ضرب من الحيات، والشجعم: الطويل. ويريد بذات قرنين: حية لها قرنان من جلدها. والضموز: الساكنة المطرقة التي لا تصفرّ لخبثها، فإذا عرض لها إنسان ساورته وثبًا. والضرزم: المسنقة، وذلك أحبث لها. وانظر الخزانة 4/ 569. 2 اللبن جمع لبون، وهي ذات اللبن. 3 هو محمد بن ذؤيب العماني. وهو في صفة فرس. و"تشرّف" تطلع. والقادمة إحدى قوادم الطير وهي مقدّم ريشة، في كل جناح عشرة. وانظر الخزانة 4/ 292 والكامل 7/ 47.

على أنه أراد: قادمتان أو قلمان محرفان. ورووه أيضًا: تخال أذنيه. . . " قادمة أو قلما للحرفا. فهذا على أنه يريد: كل واحدة من أذنيه"1, ومما ينسبونه إلى كلام الطير "قول الحجلة للقطاة"2 أقطي3 قطا, فبيضك ثنتًا, وبيضي مائتا, أي: ثنتان ومائتان. ومن ذلك قوله 4: يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدًا سيفًا ورمحا أي5 وحاملًا رمحًا. فهذا محمول على معنى الأوّل لا لفظه. وعليه: علفتها تبنًا وماءً باردًا ... حتى شتت همَّالة عيناها6 أي: وسقيتها ماء باردًا, وقوله: تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر7

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز. وكذلك في ط. غير أن فيه: "يحكى أنه يريد" في مكان "على أنه يريد". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 "اقطي" أمر من قطا في مشيه إذا ثقل فيه وقارب الخطو. وفي ط: "أفطا" وهو محرف من قطا، وفي اللسان "حجل": "قال الأزهري: سمعت بعض العرب يقول: قالت القطا للحجل، حجل حجل، تفر في الجهل، من خشية الوجل. فقالت الحجل للقطا: قطا قطا، بيضك ثنناو بيضي مثنا". وقوله: "فبيضي" كذا في ش. وفي ز، ط: "بيضي". 4 أي: عبد الله بن الزبعري. وانظر الكامل 3/ 234. 5 سقط حرف العطف في ش. 6 شتت أي: أقامت في الشتاء, والمراد: صارت. 7 من مقطوعة لخالد بن الطيفان" يذكر فيها مولى له -أي: ابن عم- يسيء إليه, والشاعر يحسن إليه, وقبله: ومولى كمولى الزبرقان دملته ... كما دملت ساق تهاض، بها كسر ومولى الزبرقان الذي يشير إليه هو علقمة بن هوذة، يقول فيه الزبرقان في أبيات: لي ابن عم لا يزا ... ل يعيبني ويعين عائب وانظر الحيوان 1/ 39، وأمالي المرتضي 4/ 169، ومختارات ابن الشجري في شعر الحطيئة 111.

أي: ويفقأ عينيه, وقوله: تسمع للأجواف منه صردا ... وفي اليدين جسأة وبددا1 أي: وترى في اليدين جسأة وبددا، وقوله 2: فعلا فروع الأيهفان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها أي: وأفرخت نعامها، وقوله3: إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزجَّجن الحواجب والعيونا أي: وكحلن العيون, ومن المحمول على المعنى قوله 4: طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبَا لأن الأول في معنى: يا حسنه قوامًا, وقول الآخر 5: يذهبن في نجد وغورا غائرا أي: ويأتين غورا.

_ 1 الجسأة: اليبس والصلابة, والبدد: التفرق, وقوله: "للأجواف" جمع الجوف باعتبار جوانبه، وفي أمالي المرتضي 4/ 170 "للأحشاء", وفيها: "لغطا" في مكان "صردا", واللغط: الأصوات المختلطة. والصرد: البرد، والمعنى عليه غير ظاهر. 2 أي: لبيد في معلقته, والأيهقان نبت كالجرجير, والجلهنان جانبا الوادي ... وأطفلت أي: كانت معها ولد طفل. يصف خصب الأرض والحيوان بعد المطر. 3 أي: الراعي النميري. ويذكر ابن بريّ أن صواب الرواية: وهزّة نسوة من حي صدق ... يزججن الحواجب والعيونا وبعده: أثخنّ جمالهن بذات غسل ... سراة اليوم يمهدن الكدونا وذات غسل موضع, والكدون: جمع الكدن -بفتح الكاف وكسرها وسكون الدال: وهو ما توطئ به المرأة مركبها. وسراة اليوم: وقت ارتفاع الشمس في السماء. وتزجيج الحواجب: تدقيقها وإطالتها. وانظر اللسان "زجج"، وشواهد المغني 2/ 539. 4 أي: الحطيئة من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة, والبيت مطلع القصيدة. 5 أي: العجاج: يصف ظعائن منتجعات، يأتين مرة جدًّا -وهو ما ارتفع من الأرض- ومرة غورًا، هو ما انخفض من الأرض، يريد تهامة. وانظر الكتاب 1/ 49.

وقول1 الآخر 2: فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه ... من يومه ظُلم دعج ولا جَبَلُ "حتى كأنه قال: ما أحد أحرزه ظلم ولا جبل"3. ومنه قوله 4: فإن كان لا يرضيك حتى تردَّني ... إلى قطري لا إخالك راضيًا حمله الفراء على المعنى, قال: لأن معناه: لا يرضيك إلّا أن تردني, فجعل الفاعل متعلقًا على المعنى. وكان أبو علي يغلظ في هذا ويكبره ويتناكره ويقول: الفاعل لا يحذف, ثم إنه فيما بعد لان له وخفض5 من جناح تناكره. وعلى كل حال فإذا كان الكلام إنما يصلحه أو يفسده معناه، وكان "هذا معنى"6 صحيحًا مستقيمًا لم أر به بأسًا. وعلى7 أن المسامحة في الفاعل ليست بالمرضية؛ لأنه أصعب حالًا من المبتدأ. وهو8 في المفعول أحسن, أنشد أبو زيد: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير9

_ 1 سقط الكلام من هنا إلى قوله: "ومنه بيت جميل" أول ص437 من هذا الجزء في ش. 2 هو المتنخل الهذلي، يقوله في رثاء ابنه أثيلة، يقول: إن أحدًا لا ينجو من الموت، ولو استتر بالظلم أو تحصَّن في الجبال. وورد في اللسان "فلا": "ولا خبل" في مكان "ولا جبل" وهو تحريف. وانظر ديوان الهذليين 2/ 35، ومعاني القرآن للفراء 10/ 164. 3 سقط ما بين القوسين في ط. 4 أي: سوار بن المضرب. وكان الحجاج دعاه أن يكون في حرب الخوراج، فهرب منه، وقطري هو ابن الفجاءة، كان على رأس الخوارج، وفي النوادر 450, وحماسة ابن الشجري 55: "فإن كنت لا يرضيك" غير أن في الحماسة: "ترضيك", ولا شاهد فيها. وانظر الكامل بشرح المرصفي 5/ 21. 5 هذا الحرف ثبت في ط. 6 كذا في ط. وفي ز: "معنى هذا". 7 ثبت حرف العطف في ز، ط. 8 أي: المسامحة. وذكر ضميرها لتأويلها بالتسامح. 9 هذا من شعر لعروة بن الورد. وكان سبى امرأة ثم أعتقها وتزوجها, ثم كان في بني النضير معها فعرض عليه أهلها أن يفتدوها منه، ففعل وهو سكران، وشرط عليهم أن يلهو بها ليلة، وقوله: "أثر ذي أثير" أي: أول كل شيء. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 3/ 76 وما بعدها.

أراد: اللهو1، فوضع "ألهو" موضعه لدلالة الفعل على مصدره, ومثله قولك لمن قال لك: ما يصنع زيد؟: يصلي أو2 يقرأ, أي: الصلاة أو القراءة. ومما جاء في المبتدأ من هذا قولهم: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيتك له. وقال -عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: منا قوم دون ذلك, فحذف المبتدأ وأقام الصفة التي هي الظرف مقامه. وقال جرير: نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقك تُنْفَى عن المسجد4 فحذف "أن" من خبر المبتدأ، وهي: حقك أن تنفى عن المسجد. وقد جاء ذلك في الفاعل، على عزته. وأنشدنا 5: وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به فينا يفش بكير6 كذا أنشدناه "فينا", وإنما هو قَيْنا, أراد بقوله: "وما راعني إلّا يسير" أي: مسيره "على هذا وجهه"7. وقد يجوز أن يكون حالًا، والفاعل مضمر، أي: وما راعني إلّا سائرًا بشرطة.

_ 1 في ابن يعيش 4/ 28: "والمراد أن ألهو, أي: اللهو". 2 كذا في ط. وفي ز، هـ: "أم". 3 آية: 11، سورة الجن. 4 من قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 127، والنقائض 798. 5 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "أنشدوا", وفاعل "أنشدنا" أستاذه أبو علي. 6 هذا من أبيات لرجل من بني أسد يقال له معاوية في هجو إبراهيم بن حوران الملقب بفروع أو فروخ, وقبله: يعرض فروج بن حوران بنته ... كما عرضت للشترين جزور فأما قريش فهي تعرض رغبة ... وما الموالي حولها فتدور والقين: الحداد. والكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، وانظر شواهد المغني 2/ 691, واللسان "فرج". 7 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "هذا وجهه", وفاعل، وجهه، أبو علي.

ومنه بيت جميل: جَزِعتُ حذار البَيْن يوم تحمَّلوا ... وحقّ لمثلي يا بثينة يجزع أي: وحق لمثلي أن يجزع, وأجاز هشام يسرُّني تقوم, وينبغي أن يكون ذلك جائزًا عنده في الشعر لا في النثر. هذا أولى عندي من أن "يكون يرتكبه"1 من غير ضرورة. وباب الحمل على المعنى بحر لا يُنْكَش2، ولا يُفْئج3 ولا يؤبى4 ولا يُغَرَّض5 ولا يُغضغض6. وقد رأينا وجهه, ووكلنا الحال إلى قوة النظر وملاطفة التأوّل7. ومنه باب من هذه اللغة واسع لطيف طريف8، وهو اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدّى به؛ لأنه في معنى فعل يتعدى به. من ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 9 لما كان في معنى الإفضاء عدَّاه بإلى, ومثله بيت الفرزدق: قد قتل الله زيادًا عني لما كان ذلك في معنى: صرفه عني, وقد ذكرناه10 فيما مضى. وكان أبو علي يستحسنه وينبه عليه. ومنه قول11 الأعشى: سبحان من علقمة الفاخر12 علق حر ف الجر بسبحان لما كان معناه: براءة منه.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تكون ترتكبه". 2 أي: لا ينزف وينتهي ماؤه. والأصل في ذلك قولهم نكش الشيء، أتى عليه وفرغ منه. 3 أي: لا يبلغ غوره, وفي ش: "يفتح", وفي ط: "يقبح" وكلاهما تصحيف. 4 أي: لا ينقطع من كثرته. 5 أي: لا ينزح. 6 أي: لا ينزح أيضًا, ويقرأ بالبناء للفاعل، والبناء للمفعول. يقال: غضفضت الشيء فغضغض, أي: نقَّصته فنقص. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التأمل". 8سقط في د، هـ، ز. ط. 9 آية 187 سورة البقرة 10 انظر ص312 من هذا الجزء. 11 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بيت", وانظر في البيت ص199 من هذا الجزء. 12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الفاجر".

فصل في التحريف: قد جاء هذا الموضع في ثلاثة أضرب: الاسم والفعل والحرف. فالاسم يأتي تحريفه على ضربين: أحدهما مقيس, والآخر مسموع "غير مقيس"1. الأول ما غيَّره النسب قياسًا, وذلك قولك في الإضافة إلى نَمِر: نَمَريّ، وإلى شقِرة 2: شَقَرِيّ، وإلى قاض: قاضَوِيّ, وإلى حنيفة: حَنفيّ, وإلى عدِيّ: عَدَويّ, ونحو ذلك. وكذلك التحقير وجمع التكسير نحو: "رجل و"3 رُجَيل ورجال. الثاني على أضرب: منه ما غيَّرته4 الإضافة5 على غير قياس كقولهم في بني الحُبْلَى6 حُبَلِيّ, وفي بني عَبِيدة7 وجَذِيمة: عُبَدِيّ وجُذَمِيّ, وفي زَبِينة 8: زَبانيّ, وفي أَمس: إمسيّ, وفي الأفُق: أَفَقيّ, وفي جَلولاء 9: جَلوليّ, وفي خرسان: خُرْسٍيّ, وفي دَسْتواء 10: دستوانيّ. ومنه ما جاء في غير الإضافة, وهو نحو قوله 11: من نسج داود أبي سلام

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 2 هي قبيلة في بني ضبة. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 كذا في ش، د، هـ، ز. وفي ط: "تحرفه". 5 في د، هـ، ز "بجرفي الإضافة", وظاهر أنه محرف عن: "بحرفي الإضافة". 6 هم بطن من الأنصار. 7 هم حي من بين عدي. 8 حي من باهلة بن عمرو بن ثعلبة؛ كما في اللسان "زبن". 9 هي قرية بناحية فارس. 10 في القاموس أنها بالقصر، وذكر أنها قوية بالأهواز, وفي التاج أن بعضهم حكى فيها المد، وفيه أنها في أصل الرشاطي بفتح التاي بضبط القلم. وانظر فيه "دست". 11 أي: الأسود بن يعفر. وصدره: ودعا بمحكمة أمين نسجها وهو في وصف الدرع. وانظر اللسان "سلم"، والصبح المنير309، والبيت فيه في مقطوعة في مدح الحارث بن هشام.

يريد: أبي1 سليمان, وقول الآخر 2: وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق يريد: ثعلبة بن سيار, وأنشدنا أبو علي: أبوك عطاء ألأم الناس كلهم3 يريد: عطية بن الخطفي, وقال العبد: وما دمية من دُمَى ميسنا ... ن معجبة نظرًا واتصافًا4 أراد: ميسان, فغير5 الكلمة بأن زاد فيها نونًا فقال: ميسنان, وقال لبيد: درس المنا بمتالع فأبان6 أراد: المنازل, وقال علقمة: كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم7

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. 2 هو المفضل النكري. وهو من قصيدته المنصفة, يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أمره, وانظر اللسان في "سير" و"علق", والأصمعيات 53، وحماسة البحتري 48، والعلوق: المنية, يريد أن أسبابها علقت به ولم تجهز عليه، فإنه يرمي إلى أسره. 3 عجزه: فقبح من فحل وقبحت من نجل وهو للبعيت يهجو جيريرًا. وانظر اللسان "عطو", والنقائض 157. 4 انظر ص383 من الجزء الأول. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "فحرّف". 6 عجزه: وتقادمت بالحبس فالسوبان ومتالع وأبان والحبس والسوبان: مواضع، وانظر ص82 من الجزء الأول. 7 انظر ص81 من الجزء الأول.

وقال: واستحرَّ القتل في عبد الأشل يريد الأشهل1. " وقال: بسبحل الدفين عيسجور2 أي: بسبحل"3. وقال: تحاذر وقع السوط خوصاء ضمَّها ... كلال فجالت في حجا حاجب ضمر4 يريد: في حجاج حاجب. " وقد مضى من التحريف في الاسم ما فيه كافٍ بإذن الله"5. تحريف الفعل: من ذلك ما جاء من المضاف مشبهًا بالمعتل, وهو قولهم في ظللت: ظلت، "وفي مسست: مِسَتْ"6 وفي أحسست: أحَسْت، قال 7: خلا أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس

_ 1 انظر ص82، من الجزء الأول. 3 انظر ص241 من هذا الجزء. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط التفسير: "أي: بسجل" في ط. 4 كأن هذا وصف ناقة والخوصاء من الحوص، وهو ضيق العين وغثورها. والحجاج: العظم المتسدير حول العين. والضمر: الضامر الهزيل. وجاء البيت في اللسان "حجج" محرفًا عمَّا هنا. 5 في ش، ط وضع ما بين القوسين بعد بيت علقمة السابق. وما هنا هو ما في د، هـ، ز. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 أي: أبو زبيد الطائي, وهو من قصيدة يصف فيها الأسد. ذكر أن قومًا يسيرون والأسد يتبعهم فلم يشعر به إلّا المطايا. والشوس: واحده أشوس وشوساء من الشوس, وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا. وانظر الأمالي 1/ 176، والسمط 438، والاقتضاب 299، والجواليقي 135.

وهذا مشبَّه بخفت وأردت. وحكى ابن الأعرابي في ظننت ظَنْتُ. وهذا كله لا يقاس1 عليه؛ لا تقول في شممت: شَمْتُ ولا شِمْتُ؛ ولا في "أقضضت 2: أقضت". فأما قول أبي الحسن في مثال اطمأنَّ من الضرب: اضرببَّ3، وقول النحويين فيه: اضربب فليس تحريفًا, وإنما هذا عند كل واحد من القبليلين هو الصواب. ومن تحريف الفعل ما جاء منه مقلوبًا كقولهم في اضمحل َّ: امضحلَّ, وفي أطيب: أيطب, وفي اكفهرَّ: اكرهفَّو وما كان مثله. فأمَّا جذب وجبذ فأصلان؛ لأن كل واحد منهما متصرف وذو مصدر, كقولك: جذب يجذب جذبًا, وهو جاذب, وجبذ يجبذ جبذًا وهو جابذ, وفلان مجبوذ ومجذوب, فإذا4 تصرفا لم يكن أحدهما بأن يكون أصلًا لصاحبه أولى من أن يكون صاحبه أصلًا له. وأما قولهم: أيس فمقلوب من يئس, ودليل ذلك من وجهين. أحدهما "أن لا مصدر"5 لقولهم: أيس, فأما الإياس فمصدر أست, قال أبو علي: وسمّوا6 الرجل إياسًا كما سموه عطاء؛ لأن أست: أعطيت. ومثله

_ 1 حكى ابن مالك في التسهيل أن الحذف في مثل هذا لغة سليم، ومن ثَمَّ قال الشلوبين بالقياس فيه. وانظر الأشموني في مبحث الإعلال بالحذف في أواخر الكتاب. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أفصصت: أفصت". 3 أصل اطمأننّ. فإذا أريد بناء مثالها من الضرب، فالنحويون يراعون أصل الزنة، فيقولون: أضربب بتشديد الباء الأولى، والأخفش يراعي ما عرض لاطمأنَّ من الإدغام ونقل الحركة, فيفعل كذلك في مثال من الضرب فيقول: اضربب بتشديد الباء الثانية ليكون كطمأن. وانظر شرح الرضي للشافية 3/ 298. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا". 5 كذا في ز، ط، وفي ش: "المصدر". 6 كذا في ط. ز، وفي ش: "سمى".

-عندي- تسميتهم إياه عياضًا1، فلمَّا لم يكن لأيس مصدر علمت أنه لا أصل له, وإنما المصدر اليأس. فهذا من يئست. والآخر صحة العين في أيس, ولو لم يكن مقلوبًا لوجب فيه إعلالها وأن يقال: آس وإست كهاب وهبت, وكان يلزم في مضارع أواس كأهاب, فتلقب الفاء2 لتحركها وانفتاحها3 واوًا؛ كقولك في هذا أفعل من هذا من أممت: هذا أومّ من هذا, هذا قول أبي الحسن وهو القياس. وعلى قياس قول أبي عثمان أياس؛ كقوله: هذا4 أيمّ من هذا. فصارت صحة الياء في "أيس" دليلًا على أنها مقلوبة من يئس, كما صارت صحة الواو في عَوِرَ دليلًا على أنها في معنى ما لا بُدَّ من صحته وهو اعورّ. وهو باب. وكذلك قولهم: لم أبله5. وقد شرحناه في غير هذا. تحريف الحرف: قالوا: لا بَلْ ولابَنْ, وقالوا: قام زيد فُمَّ عمرو, كقولك: ثم عمرو. وهذا وإن كان بدلًا فإنه ضرب من التحريف. وقالوا في سوف أفعل: سوأفعل, وسَفْ6 أفعل. حذفوا تارة الواو، وأخرى الفاء. وخففوا رُبَّ وإنَّ وأنَّ، فقالوا: رُبَ هَيْضَلٍ لجب لففتُ بهيضل

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عوضًا". 2 يريد فاء الكلمة وهي الهمزة، وقد يكون الأصل، "ألفه". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "وانفتاح ما قبلها". 4 سقط في د، هـ، ز، ط. 5 انظر في هذا الكلمة الكتاب 2/ 392. 6 كذا في الأصول، وكأنه يرمي إلى أن الواقع من أحدهم يقع منهم جميعًا في اللغة. وهذا عجز بيت لأبي كبير الهذلي صدره: أزهير إن يشب القذال فإنه والهيضل: الجيش، ولف الجيش بالجيش: خلطها بالحرب. وقوله: "لجب" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مرس" أي: شديد المراس والمعالجة للحرب. وهذا يوافق ما في ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 80.

وقال 1: أن هالكٌ كلُّ منْ يحفى وينتعل وقال الله سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2. وقال 3: سقته الرواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما4 مذهب صاحب الكتاب أنه أراد: وإما من خريف, وقد خولف فيه.

_ 1 أي: الأعشى, وصدره: في فنية كسيوف الهند قد علموا وهو من معلقته، وقبله: وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول والحانوت بيت الخمار. يقول: إنه غدا إلى بيت الخمار معه غلام يشوي اللحم خفيف في عمله في فتية كريمة يهينون ما لهم في اللذات؛ إذ هم على ثقة أنهم ميتون, فهم يبادرون اللذات قبل أن يخترمهم الأجل، وانظر الخزانة 3/ 547، والكتاب 1/ 82، 440، 480. 2 آية: 4، سورة الطارق. والمؤلف يريد قراءة تخفيف "لما" و"ما" عليها زائدة، فأمّا على قراءة التشديد فإن عليها قافية، وهي غير مخففة. 3 أي: النمر بن قولب, وانظر الكتاب 1/ 135، والخزانة 4/ 434. 4 الضمير في سقته يعود على الصدع المذكور في قوله قبل: فلو أنَّ من حتفه ناجيًا ... لمكان هو الصدع الأعصما والصدع، الوعل، والأعصم: الذي في يده بياض. وفي رواية: "سقتها" أي: المسجورة المذكورة في قوله: إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها النبع والساسما ويراد بالمسجورة عين ماء مملوءة. والشاعر يتحدث أن أحدًا لا ينجو من الهلاك. ولو نجا أحد لكان أحق شيء أن يكون هذا الصدع, وقد وصفه أنه في جبل منيع، وفيه رعيه وشربه، فذكر في البيت الشاهد أنه يرتوي من رواعد الصيف، ومن مطر الخريف. والرواعد: السحب الماطرة معها رعد. والصيف: مطر الصيف.

باب في فرق بين الحقيقة والمجاز

باب في فرق بين الحقيقة والمجاز: الحقيقة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة, والمجاز: ما كان بضد ذلك. وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة, وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة. فمن ذلك قول1 النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفرس: "هو بحر" , فالمعاني الثلاثة موجودة فيه. أما الاتساع فلأنه زاد2 في أسماء الفرس التي هي: فرس وطرف وجواد, ونحوها البحر, حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء, لكن لا يفضي إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة. وذلك كأن يقول الشاعر: علوت مطا جوادك يوم يوم ... وقد ثمد الجياد فكان بحرًا3 وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجرًا, وإذا جرى إلى غايته كان بحرًا, ونحو ذلك. ولو عَرِى الكلام من4 دليل يوضّح الحال لم يقع عليه بحر؛ لما فيه من التعجرف في المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو5 قال رأيت بحرًا, وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه, فلم يجز قوله؛ لأنه إلباس وإلغاز على الناس.

_ 1 في كتاب الجهاد من صحيح البخاري: "عن أنس بن مالك قال: كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي -صلى الله عليه وسلم- فرسًا لنا يقال له مندوب. فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدوه لبحرًا". 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "جاء". 3 يبدو أن هذا البيت من نظمه، ذكره مثالًا لما أراد. والمطا: الظهر. وقوله: "يوم يوم" أي: يوم اليوم الذي تعرفه. وانظر في هذا سيبويه 2/ 53, وقوله. "ثمد الجياد" أي: أعيين من قولهم: ماء مثمود: كثر عليه الناس حتى ففى وفقد إلا أقله. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "عن". 5 سقط هذا الحرف في ش.

وأما التشبيه فلأن جريه1 يجر ي في الكثرة مجرى مائه. أما التوكيد فلأنه شبه العرض بالجوهر, وهو أثبت في النفوس منه, والشبه في العرض منتفية عنه؛ ألا ترى أن من2 الناس من دفع الأعراض وليس أحد دفع الجواهر. وكذلك قول الله سبحانه: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} 3 هذا هو مجاز, وفيه الأوصاف الثلاثة. أما السعة فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسمًا هو الرحمة. وأما التشبيه فلأنه شبه4 الرحمة -وإن لم يصح دخولها- بما يجوز دخوله, فلذلك وضعها موضعه. وأما التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر, وهذا تعال5 بالغرض، وتفخيم منه؛ إذ صير6 إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين، ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل: ولو رأيتم المعروف رجلًا لرأيتموه حسنًا

_ 1 تراه عقد التشبيه بين جرى الفرس وماء البحر، والتشبيه في ظاهره بين الفرس والبحر في كثرة ما يختص به كل منهما وسعته. فالفرس كثير الجري والبحر كثير الماء. وفي فتح الباري في كتاب الهبة 5/ 53: "قال الأصمعي: يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري، أو لأنّ جريه لا ينفد كا لا ينفد ماء البحر". 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في". وانظر في إنكار الأعراض الفصل لابن حزم 5/ 66 من طبعة الموسوعات. 3 آية: 75 سورة الأنبياء. 4كأن يميل إلى أن في الكلام استعارة بالكناية, فشبه الرحمة بمكان، ودل على ذلك بلازم المشبه به، وهو الإدخال، والمعروف أن في الآية تجوزًا بالرحمة عن الجنة من إطلاق السبب على المسبب، وهذا مجاز مرسل. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "تغال". 6 في ط: "أصير".

جميلًا وإنما يرغب فيه بأن ينبه عليه, ويعظم من قدره, بأن يصوره في النفوس1 على أشرف أحواله، وأنوه2 صفاته. وذلك بأن يتخيل شخصًا متجسمًا3 لا عرضًا متوهمًا. وعليه قوله 4: تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير "أي: فباديه إلى الخافي يسير"5 أي: فباديه مضمومًا إلى خافيه يسير. وذلك أنه لما وصف الحب بالتغلغل فقد اتسع به6؛ ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول 7: شكوت إليها حبها المتغلغلا ... فما زادها شكواي إلا تدللا8 فيصف بالمتغلغل9 ما ليس في أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل, إنما وصف يخصّ الجواهر لا الأحداث؛ ألا ترى أن المتغلغل في الشيء لا بُدَّ أن يتجاوز مكانًا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع. وأما التشبيه فلأنه شبَّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل, وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوة الجوهرية.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "النفس". 2 ط: "أنزه". 3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجسمًا". وفي ط: "بأن يتخيل جسمًا مصورًا، وشخصًا متجسمًا". 4 أي: عبيد الله بن عبد لله بن عتبة بن مسعود. وانظر الحماسة "التجارية" 3/ 298، والقالي 3/ 223، والأغاني 8/ 94. وفي المختار من شعر بشار 154, نسبته إلى الحارث بن خالد المخزومي. 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فيه". 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "يقول". 8 الشطر الأخير في ش هكذا: فما زادني شكواي إلا تذللًا. 9 في ط: "بالتغلغل".

وعليه "قول الآخر "1: قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ... ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا2 وقول الآخر: ذهوب بأعناق المئين عطاؤه ... عزوم على الأمر الذي هو فاعله3 وقول الآخر 4: غمر الرداء إذا تبسَّم ضاحكًا ... غلقت لضحكته رقاب المال وقوله 5: ووجهٍ كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقيّ اللون لم يتخدد جعل للشمس رداء وهو جوهر؛ لأنه أبلغ في6 النور الذي هو العرض, وهذه الاستعارات كلها داخلة تحت7 المجاز.

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قوله". 2 بعده: فإن خفت يومًا أن يلج بك الهوى ... فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا الظنابيب واحدها ظنبوب، وهو حرف العظم اليابس من الساق. وتقول، قرعت ظنبوب البعير إذا ضربت ظنبوبه ليتنوخ لك فتركبه، وقيل من هذا: فرع ظنابيب الشيء إذا ذلَّلَه. يذكر أنه ذلَّل الهوى في هذين اليومين. وذلك بالتقائه بحبيبه، كما قال جرير: ولما التقى الحبان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله وقد يكون تذليل الهوى بالصبر والتجلد للفراق، كما هو في البيت الثاني، وورد البيتان في اللسان "ظنب". 3 ورد الشطر الثاني في قصيدة لزهير في رواية الأعلم. وصدره فيها: فأعرضن منه من كريم عرزا والشعر في مدح حصن بن حذيفة الفزاري, وذهاب عطائه بأعناق اللئين أن يهبها ويمنحها العفاة. وانظر شرح ديوان زهير "طبعة دار الكتب" 141. 4 هو كثير. والبيت من قصيدة له، كما في معاهد التنصيص 2/ 149، ولم يورد شيئًا من القصيدة، ولم أرها في الديوان المطبوع. 5 هو طرفة في معلقته. و"حلت رداءها" أي: خلعته وألبسته إياه. و"يتحدد": "يضطرب" مشتق من الحد لأنه يضطرب عند الأكل. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من". 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في حكم".

فأما قولهم: ملكتُ عبدًا ودخلت دارًا وبنيت حمامًا فحقيقي هو ونحوه, لا استعارة فيه ولا مجاز في هذه المفعولات, لكن في الأفعال الواصلة إليها مجاز. وسنذكره. ولكن لو قال: بنيت لك في قلبي بيتًا, أو ملكت من الجود عبدًا خالصًا, أو أحللتك من رأيي وثقتي1 دار صدق؛ لكان ذلك مجازًا واستعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه على ما مضى. ومن المجاز كثير من باب الشجاعة في اللغة: من الحذوف2، والزيادات3، والتقديم والتأخير , والحمل على المعنى, والتحريف. ألا ترى أنك إذا قلت: بنو4 فلان يطؤهم الطريق, ففيه من السعة إخبارك عمَّا لا يصح وطؤه بما صح وطؤه. فتقول على هذا: أخذنا على الطريق الواطئ لبني فلان, ومررنا بقوم موطوئين بالطريق, ويا طريق طأ بنا بني فلان, أي أدّنا إليهم. وتقول: بني فلان بيته على سنن المارة رغبة في طئة الطريق بأضيافه له. أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز. ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه, فشبهته5 بهم إذ كان هو المؤدي لهم, فكأنه هم. وأما التوكيد6 فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم, وذلك أن الطريق مقيم ملازم, فأفعاله مقيمة معه, وثابتة بثباته. وليس كذلك أهل الطريق؛ لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه, فأفعالهم أيضًا كذلك

_ 1 في ط: "نفس". 2 كذا في ط، ج، وفي د، ز: "المحذوف", ويبدو أنه محرَّف عمَّا أثبت. وفي ش: "الحذف". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الزيادة". 4 انظر الكتاب 1/ 159. 5 تراه يميل إلى الاستعارة بالكناية، فهو يشبه الطريق بقوم سائرين، وجعل الوطء دليل ذلك التشبيه. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "توكيد".

حاضرة وقتًا وغائبة آخر. فأين هذا مما أفعاله ثابتة مستمرة. ولما كان هذا كلامًا الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين؛ لأنه يفيد أقوى المعنيين. وكذلك قوله1 سبحانه: {وَاسْأَلِ 2 الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا 3} فيه3 المعاني الثلاثة. أما الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله, وهذا نحو ما مضى, ألا تراك تقول: وكم من قرية مسئولة, وتقول: القرى وتسآلك؛ كقولك: أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع. وأما التشبيه فلأنها شبهت بما يصح سؤاله لما كان بها ومؤلفًا4 لها. وأما التوكيد فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال "على من"5 ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمنوا لأبيهم -عليه السلام- أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم, وهذا تناهٍ في تصحيح الخبر. أي: لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا, فكيف لو سألت مَن مِن عادته الجواب. وكيف تصرَّفت الحال فالاتساع فاشٍ في جميع أجناس شجاعة العربية.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش. "في قوله". 2 آية: 82، سورة يوسف. 3 سقط في ش. 4 هو وصف من قولهم: آلف المكان: ألفه وأحبه. 5 في ش: "عمن".

باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة

باب في أن 1 المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة: اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة. وذلك عامة الأفعال نحو: قام زيد, وقعد عمرو, وانطلق بشر, وجاء الصيف, وانهزم2 الشتاء. ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية, فقولك: قام زيد, معناه 3: كان منه القيام, أي: هذا

_ 1 سقط هذا الحرف في ش. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "انصرف". 3 كذا في د، هـ، ز، ط وسقط في ش.

الجنس من الفعل, ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام, وكيف1 يكون ذلك وهو جنس, والجنس يطبق2 جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي, الكائنات من كل من وجد منه القيام. ومعلوم3 أنه لا يجتمع لإنسان واحد "في وقت واحد"4, ولا في مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم, هذا محال عند كل ذي لب. فإذا كان كذلك علمت أن "قام زيد" مجاز لا حقيقة, وإنما هو على وضع الكل موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير. ويدل على انتظام ذلك لجميع جنسه أنك تعلمه في جميع أجزاء ذلك الفعل فتقول: قمت قومة, وقومتين, ومائة قومة, وقيامًا حسنًا, وقيامًا قبيحًا. فأعمالك إياه في جميع أجزائه يدل على أنه موضوع عندهم على صلاحه لتناول جميعها. وإنما يعمل الفعل من المصادر فيما فيه عليه دليل؛ ألا تراك لا تقول: قمت جلوسًا, ولا ذهبت مجيئًا, ولا نحو ذلك لما لم تكن فيه دلالة عليه, ألا ترى إلى قوله: لعمري لقد أحببتك الحب كله ... وزدتك حبًا لم يكن قبل يعرف5 "فانتظامه6 لجميعه يدل على وضعه على اغتراقه واستيعابه"7 وكذلك قول الآخر: فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظنّ أن لا تلاقيا8

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فكيف". 2 أي: يعم. يقال: طبق الغيث الأرض: عمهد, والمعروف أن الجنس يتناول القليل والكثير والواحد والتعدد، وهو إنما يطبق جميع أفراده بالصلاحية، وسيذكر بعد أن عمل الفعل في اسم المرة وغيره يدل على صلاحته لتناول جميعها. وعلى هذا فإذا أريد منه به بعض أفراده كان حقيقة لا مجازًا. 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فمعلوم". 4 ثبت ما بين القوسين في ش، ط, وسقط في د، هـ، ز. 5 سقط الشطر الثاني في ش. 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 7 كذا في ط، وفي ش: "فاستيعابه", وقوله: "لجميعه" في ط: "بجميعه". 8 "فقد كذا في د، ز، ش، ط. وفي هـ: "وقد", وهو من قصيدة للمجنون.

فقوله: "كل الظن" يدل على صحة ما ذهبنا إليه. قال لي أبو علي: قولنا: قام زيد, بمنزلة قولنا: خرجت فإذا الأسد, ومعناه أن قولهم: خرجت فإذا الأسد تعريفه هنا تعريف الجنس كقولك: الأسد أشد من الذئب, وأنت لا تريد أنك "خرجت وجميع الأسد"1 التي2 يتناولها الوهم على الباب. هذا محال واعتقاده اختلال3. وإنما أردت: خرجت فإذا واحد من هذا الجنس بالباب, فوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازًا لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه. أما الاتساع فإنك4 وضعت اللفظ المعتاد للجماعة على الواحد. وأما التوكيد فلأنك عظمت قدر ذلك الواحد، بأن جئت بلفظه على اللفظ المعتاد للجماعة, وأما التشبيه فلأنّك عظّمت قدر ذلك الواحد بالجماعة؛ لأن كل واحد منها مثله في كونه أسدًا. وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر, وانطلق محمد, وجاء الليل, وانصرم النهار. وكذلك أفعال القديم سبحانه؛ نحو5: خلق الله السماء والأرض, وما6 كان مثله, ألا ترى -أنه عزَّ اسمه- لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا, ولو كان حقيقة لا مجازًا لكان خالقًا للكفر والعدوان وغيرهما7 من أفعالنا -عز وعلا. وكذلك علم الله قيام زيد مجاز8 أيضًا؛ لأنه لست الحال التي علم عليها قيام زيد هي الحال التي علم عليها قعود عمرو. ولسنا نثبت له سبحانه علمًا؛ لأنه عالم بنفسه9, إلا أنَّا مع ذلك نعلم

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مررت بجميع الأسد". 2 كذا في ش. وفي ط، ز: "الذي". 3 في ز: "اعتلال". 4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش، "فأن". 5 سقط في ش. 6 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 7 كذا في ز. وفي ش، ط: "غيرها". وقد جرى في هذا على رأي أصحابه المعتزلة. وأهل السنة لا يرون شيئًا في خلق الكفر والعدوان، ولا يخرج شيء عن خلقه وقدرته. 8 في ش: "مجازًا". 9 كذا في ز. وفي ش، ط: "لنفسه". وتراه يتبع في نفي صفة العلم عن الله سبحانه مذهب المعتزلة، وأهل السنة بخلاف ذلك.

أنه ليست1 حال علمه بقيام2 زيد هي حال علمه بجلوس عمرو ونحو ذلك. وكذلك قولك: ضربت عمرًا مجاز أيضًا من غير جهة التجوّز في الفعل -وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه- ولكن من جهة أخرى؛ وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه, ألا تراك تقول: ضربت زيدًا, ولعلك إنما ضربت يده أو إصبعه, أو ناحية من نواحي جسده, ولهذا إذا احتاط الإنسان واستظهر جاء ببدل البعض فقال: ضربت زيدًا وجهه أو رأسه. نعم, ثم إنه مع ذلك متجوز, ألا "تراه قد يقول "3: ضربت زيدًا رأسه4، فيبدل للاحتياط, وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم في نحو هذا فيقول: ضربت زيدًا جانب وجهه الأيمن, أو ضربته أعلى رأسه الأسمق5؛ لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله فيكون بعضه أرفع من بعض. وبعد فإذا عرف التوكيد لم وقع في الكلام -نحو: نفسه وعينه وأجمع وكله وكلهم وكليهما, وما أشبه ذلك- عرفت منه "حال سعة"6 المجاز في هذا الكلام, ألا تراك قد7 تقول: قطع الأمير اللص, ويكون القطع له بأمره8 لا بيده, فإذا قلت: قطع الأمير نفسه اللص, رفعت المجاز من جهة الفعل وصرت إلى الحقيقة, لكن يبقى عليك التجوز من مكان آخر وهو قولك: اللص, وإنما لعله قطع يده أو رجله، فإذا9 احتطت قلت: قطع الأمير نفسه يد اللص أو رجله. وكذلك

_ 1 في ش: "ليست له". 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بقعود". 3 كذا في ش. وفي ط: "ترى كيف تقول" وفي ز: "تراه كيف تقول". 4 سقط في ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الأسمي". 6 كذلك في ش، ز. وفي ط: "سعة حال". 7 سقط في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز. 8 في ش: "وبأمره". 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا".

جاء الجيش أجمع, ولولا أنه قد كان يمكن أن يكون إنما جاء بعضه1 -وإن أطلقت المجيء على جميعه- لما كان لقولك: أجمع معنى. فوقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها, حتى إن أهل العربية أفردوا له بابًا لعنايتهم به، وكونه مما2 لا يضاع ولا يهمل مثله, كما أفردوا لكل معنى أهمهم بابًا؛ كالصفة والعطف والإضافة والنداء والندبة والقسم والجزاء, ونحو ذلك. وبينت منذ قريب لبعض منتحلي هذه الصناعة هذا الموضع -أعني: ما في3 ضربت زيدًا, وخلق الله, ونحو ذلك- فلم يفهمه إلّا بعد أن بات4 عليه, وراض نفسه فيه, واطلع في الموضع الذي أومأت له إليه, فحينئذ ما تصوره, وجرى على مذهبه في أن لم يشكره. واعلم أن جميع ما أوردناه في سعة المجاز عندهم واستمراره على ألسنتهم دفع أبي الحسن القياس على حذف المضاف, وإن لم يكن حقيقة. أولا5 يعلم أبو الحسن كثرة المجاز غيره, وسعة استعماله وانتشار مواقعه, كقام أخوك, وجاء الجيش, وضربت زيدًا, ونحو ذلك, وكل ذلك مجاز "لا حقيقة"6 "وهو على غاية الانقياد والاطراد. وكذلك أيضًا حذف المضاف مجاز لا حقيقة"7 وهو مع ذلك مستعمل8.

_ 1 في ز، ط: "جاءك". 2 كذا في د، هـ، ط. وفي ش: "فيما". 3 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 4 كذا في ش. وفي ط: "ثاب". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أفلا". 6 سقط ما بين القوسين في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز. 7 ثبت ما بين القوسين في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مجاز مستعمل".

فإن احتج أبو الحسن بكثرة هذه المواضع؛ نحو: قام زيد, وانطلق محمد, وجاء القوم, ونحو ذلك, قيل له: وكذلك حذف المضاف قد كثر؛ حتى إن في القرآن -وهو أفصح الكلام- منه أكثر من مائة موضع، بل ثلاثمائة موضع1، وفي الشعر منه ما لا أحصيه. فإن قيل: يجيء من هذا أن تقول: ضربت زيدًا, وإنما ضربت غلامه وولده. قيل: هذا الذي شنَّعت به بعينه جائز؛ ألا تراك تقول: إنما ضربت زيدًا بضربك غلامه, وأهنته بإهانتك ولده. وهذا باب إنما يصلحه ويفسده المعرفة به. فإن فهم عنك في قولك: ضربت زيدًا, أنك إنما أردت بذلك: ضربت غلامه أو أخاه أو نحو ذلك جاز, وإن لم يفهم عنك لم يجز, كما أنك إن فهم عنك2 بقولك: أكلت الطعام, أنك أكلت بعضه, لم تحتج إلى البدل, وإن3لم يفهم عنك وأردت إفهام المخاطب إياه لم تجد بدًّا من البيان, وأن تقول: بعضه أو نصفه أو نحو ذلك. ألا ترى أن الشاعر لما فهم عنه ما "أراد4 بقوله" قال 5: صبَّحن من كاظمة الخُصِّ الخرب ... يحملن عباس بن عبد المطلب6

_ 1 سقط في ز. 2 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط. 3 في ز: "لو". 4 كذا في ش, وفي ط "له أراد". وفي د، هـ، ز: "أراد". 5 كذا. والأولى حذفها. 6 كاظمة: موضع قريب من البصرة فيه آبار كثيرة. والحديث عن إيل. وانظر الكامل 7/ 132، والجمهرة 3/ 503.

وإنما أراد: عبد الله بن عباس, ولو لم يكن على الثقة بفهم ذلك لم يجد بدًّا من البيان. وعلى ذلك قول الآخر 1: عليم بما أعيا النطاسي حذيما أراد: ابن حذيم. ويدلك على لحاق المجاز بالحقيقة عندهم وسلوكه طريقته في أنفسهم أن العرب قد وكدته كما وكَّدت الحقيقة, وذلك قول الفرزدق: عشيَّة سال المربدان كلاهما ... سحابة موت بالسيوف الصوارم2 وإنما هو مربد واحد, فثناه مجازًا لما يتصل به من مجاوره, ثم إنه مع ذلك وكَّده وإن كان مجازًا. وقد يجوز أن يكون سمَّى كل واحد من جانبيه مربدًا. وقال الآخر:

_ 1 هو أوس بن حجر, وصدر البيت وقد جاء في ز: فهل لكم فيها إليّ فإنني وكان جاور في قوم غير قومه فاقتسموا معزاه، فهجاهم، وعرض عليهم أن يردوا إليه ماله فيخرجهم من مخزاة فعلتهم، فإنه كفيل بذلك طبيب به. وابن حذيم متطبب عند العرب. ويقول بعد هذا: فأخرجكم من ثوب شمطاء عارك ... مشهرة بلت أسافله دما فقوله: "فهل كلم فيها إلي" أي: في رد غنمي إلي, هذا وقد ذكر ابن السكيت في شرح ديوان أوس أن حذيمًا من تيم الرباب، وكان متطببًا عالمًا، وتبعه صاحب القاموس، وعليه فلا شاهد فيه. وانظر الخزانة 2/ 232. 2 من قصيدة له في هجاء جرير والتعريض بالبعيث, وقبله: ومنا الذي أعطى يديه رهينة ... لفاري نزار يوم ضرب الجماجم كفى كل أنثى ما تخلف على ابنها ... وهن قيام رافعات المعاصم غارا نزار تميم وبكر، وهو تثنية غار، وهو الجمع الكثير من الناس, ويريد بالذي أعطى يديه رهينة عبد الله بن سفيان التميمي في قصة طويلة جرت بعد موت يزيد بن معاوية, بسطها أبو عبيدة في النقائض 720 طبع أوربا. والمربدان أراد به المربد، وهو موضع بالبصرة, والمربد -في الأصل- الموضع يحبس فيه الإبل وغيرها. وقوله: "سحابة" في ز: "عجاجة".

إذا البيضة الصمَّاء عضت صفيحة ... بحربائها صاحت صياحًا وصلَّت1 فأكد "صاحت" وهو مجاز بقوله: صياحًا. وأما2 قول الله -عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 3 فليس من باب المجاز "في الكلام"4, بل هو حقيقة, قال أبو الحسن 5: خلق الله لموسى6 كلامًا في الشجرة, فكلَّم به موسى, وإذا أحثَّه كان متكلمًا به. فأمَّا أن يحدثه في شجرة أو فم أو غيرهما, فهو شيء آخر, لكن الكلام واقع, ألا ترى أن المتكلم منا إنما يستحق هذه الصفة بكونه متكلمًا لا غير لا؛ لأنه أحدثه في آلة نظقه, وإن كان لا يكون متكلمًا حتى يحرك به آلات نطقه. فإن قلت: أرأيت لو أن أحدنا عمل آلة مصوِّتة وحركها واحتذى بأصواتها أصوات الحروف المقطعة المسموعة في كلامنا, أكنت تسميه متكلمًا؟ وتسمي تلك الأصوات كلامًا؟ فجوابه ألا7 تكون تلك الأصوات كلامًا, ولا ذلك المصوِّت لها متكلمًا, وذلك أنه ليس في قوة8 البشر أن يوردوه بالآلات التي يصنعونها على سمت الحروف

_ 1 البيضة: الخوذة توضع على الرأس لتقيها السلاح. والحرباء: مسمار الدرع، وصليل الحرباء: صوته, وذلك أن يضرب الدرع بالسيف فلا تنفذ فيه الضربة وترتد فيكون لذلك صوت. وقد جعل الحرباء كما ترى للبيضة. والصفيحة: السيف العريض. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأمَّا". 3 آية: 164، سورة النساء. 4 كذا في ز، ط. وسقط في ش. 5 هذا على أصل المعتزلة الذين ينكرون الكلام النفسي لله سبحانه, ويذكر المؤلف أن نسبة الكلام إلى الله سبحانه على هذا الرأي حقيقة لا مجاز. يرده أن الجاري في العربية نسبة الفعل إلى من يظهر منه، فلو كان الكلام في الشجرة لكانت أحق بنسبة الكلام إليها على سبيل الحقيقة. 6 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط. 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط، "لا". 8 في ز، ط: "قدرة".

المنطوق بها وصورتها "في النفس"1؛ لعجزهم عن ذلك. وإنما يأتون بأصوات فيها الشبه اليسير من حروفنا2؛ فلا يستحق لذلك أن تكون3 كلامًا، ولا أن يكون الناطق بها متكلمًا, كما أن الذي يصور الحيوان تجسيمًا أو ترقيمًا لا يسمَّى خالقًا للحيوان, وإنما يقال مصور وحاكٍ ومشبِّه. وأما القديم سبحانه فإنه قادر على إحداث الكلام على صورته الحقيقية وأصواته الحيوانية في الشجرة والهواء وما أحب سبحانه وشاء. فهذا فرق. فإن قلت: فقد أحال سيبويه4 قولنا: أشرب ماء البحر, وهذا منه حظر للمجاز الذي أنت مدَّع شياعه وانتشاره. قيل: إنما أحال ذلك على أن المتكلم يريد به الحقيقة, وهذا5 مستقيم إذ6 الإنسان الواحد لا يشرب جميع ماء البحر, فأما إن أراد به بضعه ثم أطلق هناك اللفظ يريد به جميعه, فلا محالة من جوازه, ألا ترى إلى "قول الأسود7 بن يعفر": نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد8 "فلم يحصل"9 هنا جميعه؛ لأنه قد يمكن أن يكون بعض مائه مختلجًا قبل وصوله إلى أرضهم "بشرب10 أو بسقي" زرع ونحوه, فسيبويه إذًا إنما وضع هذه اللفظة

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حروفها". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون". 4 انظر الكتاب 1/ 8. وعبارته: "وأما المحال الكذب, فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس. 5 أي: الحكم بإحالة شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة مستقيم وقد يكون الأصل: "وهذا غير مستقيم" أي: شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة. 6 في ط: "لأن". 7 كذا في ز. وفي ش، ط: "قوله". 8 من قصيدة مفضلية. وأنقرة هنا موضع بالحيرة، وهي غير أنقرة التي في بلاد الروم، والتي هي الآن قصبة الدولة التركية. والأطواد: الجبال. 9 في ط: "وإن لم يحصل". 10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شرب أو لسقيا".

في هذا الموضع على أصل "وضعها في اللغة"1 من العموم, واجتنب المستعمل فيه من الخصوص. ومثل2 توكيد المجاز فيما مضى قولنا: قام زيد قيامًا, وجلس عمرو جلوسًا, وذهب سعيد3 ذهابًا، "ونحو ذلك4؛ لأن" قولنا: قام زيد ونحو ذلك قد قدَّمنا الدليل على أنه مجاز, وهو مع ذلك مؤكَّد بالمصدر. فهذا5 توكيد المجاز كما ترى, وكذلك أيضًا يكون قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ومن هذا الوجه مجازًا على ما مضى. ومن التوكيد في المجاز قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 6 ولم تؤت لِحْيَة ولا ذكرًا. ووجه هذا عندي أن يكون مما حذفت صفته حتى كأنه قال: وأوتيت من كل شيء تؤتاه المرأة الملكة7؛ ألا ترى "أنها8 لو" أوتيت لحية وذكرًا لم تكن امرأة أصلًا9، ولما قيل فيها: أوتيت, ولقيل أوتي. ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 10 وهو سبحانه شيء. وهذا11 مما يستثنيه12 العقل ببديهته, ولا يحوج إلى التشاغل باستثنائه13؛ ألا ترى أن الشيء كائنًا ما كان لا يخلق نفسه, كما أن المرأة لا تؤتي لحية ولا ذكرًا.

_ 1 في ز، ط: "وضع اللغة". 2 كذا في ش، ز، ط. وفي ج: "من". 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "سعد". 4 في ز، ط: "وذلك أن". 5 في ط: "وهو". 6 آية: 23، سورة النمل. 7 في ز: "المليكة". 8 كذا في ش، ط. وفي ز: "لو أنها". 9 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 10 ورد في عدة آيات. من ذلك آية 116، سورة الرعد. 11 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا". 12 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يستثبته". 13 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "باستثباته".

فأما1 قوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 2 فحقيقة لا مجاز. وذلك3 أنه سبحانه ليس عالمًا بعلم؛ فهو إذًا العليم الذي4 فوق ذوي العلوم أجمعين. ولذلك5 لم يقل: وفوق كل عالم عليم؛ لأنه عزَّ اسمه عالم ولا عالم فوقه. فإن قلت: فليس في شيء مما أوردته6 من قولك: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} و {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 7 {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} اللفظ المعتاد للتوكيد. قيل: هو وإن لم يأت تابعًا على سمت التوكيد فإنه بمعنى التوكيد البتة, ألا ترى أنك8 إذا قلت: عممت بالضرب جميع القوم, ففائدته فائدة قولك: ضربت القوم كلهم. فإذا كان المعنيان واحدًا كان ما وراء ذلك غير معتَدٍّ به ولغوًا.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "وأمَّا". 2 آية: 76، سورة يوسف. 3 يريد المؤلف أن الله سبحانه لا يشمله ذو العلم، فهو غير داخل في مدلول الآية. وبنى كلامه على أصل المعتزلة أنه عالم بذاته، وليس له صفة العلم. وفاته أن اللسان العربي لا يعرف العالم إلّا لذي العلم، كما لا يعرف القائم إلا لذي القيام، وكان خيرًا له أن ينأى عن هذه المسائل الكلامية. 4 سقط في ز. 5 في ط: "وذلك أنه". 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في". 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 سقط في ش.

باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدع داع إلى الترك والتحول

باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول, ما لم يَدْعُ داعٍ إلى الترك 1 والتحول: من ذلك2 "أو" إنما أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت وكيف3 تصرفت, فهي عندنا على ذلك وإن كان بعضهم قد خفي عليه هذا من حالها في بعض الأحوال, حتى دعاه إلى أن4 نقلها عن أصل بابها, وذلك أن الفراء قال: إنها قد تأتي بمعنى بل, وأنشد بيت ذي الرمة:

_ 1 في ط: "نزوله". 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإنما". 3 في ط: "أين". 4 سقط هذا الحرف في ط، ش.

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح1 وقال: معناه: بل أنت في العين أملح. وإذا أرينا أنها في موضعها وعلى2 بابها -بل إذا كانت هنا على بابها كانت أحسن معنًى وأعلى مذهبًا- فقد وفَّينا ما3 علينا. وذلك أنها على بابها من الشك, ألا ترى أنه لو أراد بها معنى بل فقال: بل أنت في العين "أملح لم يف بمعنى أو في الشك؛ لأنه إذا قطع بيقين أنها في العين أملح"4 كان في ذلك سرف منه ودعاء إلى التهمة في الإفراط له، وإذا أخرج الكلام مخرج الشك كان في صورة المقتصد غير المتحامل ولا المتعجرف. فكان5 أعذب للفظه، وأقرب إلى تقبُّل قوله, ألا تراه نفسه أيضًا6 قال: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أَمْ أُمّ سالم7

_ 1 قرن الشمس: أعلاها. وقوله: "وصورتها" بالجر عطف على "قرن"، ويقول البغدادي في الخزانة 4/ 424: "والبيت نسبه ابن جني إلى ذي الرمة، ولم أجده في ديوانه", ولذي الرمة قصيدة طويلة على روي البيت، مطلعها: أمنزلتي ميّ سلام عليكما على النأي والنائي يود وينصح وانظر معاني القرآن 10/ 72، والإنصاف 198. 2 سقطت واو العطف في ز. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بما". 4 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط. 5 كذا في ش،، ط. وفي د، هـ، ز: "وكان". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كيف". 7 قبله: أقول لدهناوية عوهج جرت ... لنا بين أعلى عرفة بالصرائم العوهج: الطويلة العتق، وأراد بها ظبية, والدهناوية نسبة إلى الدهناء، وهي رمال في نجد، الرعساء، رملة وجلاجل -بالضم- موضع، ومن اللغويين من يرويه بفتح الجيم. وانظر الأمالي 2/ 61، والكامل 6/ 181، وسيبويه 2/ 168، وأمالي ابن الشجري 1/ 321.

فكما1 لا يشك2 في3 أن كلامه ههنا خرج مخرج الشك لما فيه من عذوبته وظرف مذهبه, فكذلك ينبغي أن يكون قوله: أو أنت في العين أملح "أو" فيه باقية في موضعها وعلى شكلها. وبعد فهذا مذهب الشعراء: أن يظهروا في هذا ونحوه شكًّا وتخالجًا4 ليروا قوة الشبه واستتكام الشبهة, ولا يقطعوا قطع اليقين البتة فينسبوا بذلك إلى الإفراط وغلوّ الأشطاط, وإن كانوا هم ومن بحضرتهم5 ومن يقرأ من6 بعد أشعارهم يعلمون أن لا حيرة هناك ولا شبهة, ولكن "كذا خرج"7 الكلام على الإحاطة بمحصول الحال. وقال أيضًا: ذكرتك أن مرت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرئب وتسنح8 وقال الآخر 9: أقول لظبي يرتعي وسط روضة ... أأنت أخو ليلى فقال يقال وما أحسن ما جاء به الطائي الصغير "في قوله"10: عارضننا أصلًا فقلنا الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب11

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فيما". 2 في ط: "تشك". 3 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 4 أي: ترددًا، يقال: تخالجته الهموم, أي: تنازعته فنفت عنه الطمأنينة، فكان مضطربًا مترددًا. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يحضرهم" وفي ط: "يحضر منهم". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فيما", وسقط كلاهما في ط. 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "هذا مخرج". 8 الشادن: ولد الظبية حين يقوى ويشتد, ويقال: اشرأبَّ إذا رفع رأسه. وتسنح: تمر من اليمين. وقوله: "أن" يروي: "إذا". وانظر الديان 80، والكامل 6/ 91. 9 هو المجنون. 10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فقال". 11 "أضاء" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استبان". وهو من قصيدة له في مدح إسحق بن إبراهيم. انظر الديوان "الجوائب" 1/ 62.

وقال الآخر 1: فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... سوى أنّ عظم الساق منكِ دقيق وذهب قُطْرُب إلى أن "أو" قد تكون بمعنى الواو, وأنشد بيت النابغة: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد2 فقال: معناه: ونصفه. ولعمري إن كذا معناه. وكيف لا يكون كذلك, ولا بُدَّ منه وقد كثرت فيه الرواية أيضًا بالواو: ونصفه. لكن هناك مذهب يمكن معه أن يبقى الحرف على أصل وضعه: من كون لا شَكَّ فيه, وهو أن يكون تقديره: ليتما هذا الحمام لنا "إلى حمامتنا"3 أو هو ونصفه. فحذف المعطوف عليها وحرف العطف, على ما قدمناه في قوله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 4 أي5 فضرب فانفجرت. وعليه قول6 الآخر: ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذا كما ما غيبتني غيابيا أي: شهرين أو شهرين ونصف ثالث, ألا تراك لا تقول مبتدئًا: لبثت نصف ثالث؛ لأن ثالثًا من الأسماء المضمنة7 بما معها. ودعانا إلى هذا التأوّل8 السعي في9 إقرار "هذه" اللفظة على أول أحوالها.

_ 1 هو مجنون بني عامرن يخاطب ظبية صيدت فأعطى الصائد مكانها شاة وأطلقها. وانظر الكامل 7/ 39 والخزانة 4/ 595. 2 من قصيدة له، يعتذر فيها للنعمان بن المنذر مما رمي به عنده، ويرجوه أن يكون حكيمًا نافذ البصر كزرقاء اليمامة, وكانت رأت حمامًا مرَّ بين جبلين فخزرته ستارستين، فقالت: ليت هذا الحمام ونصفه يكون لي مضافًا إلى حماميّ لتكمل المائة، فلما عد الحمام من كثب ألفوها صادقة، فضرب بها المثل في صدق البصر. وقولها: فقد أي فقط، وقد هنا اسم فعل، والكسر للروي. وقد يكون الأصل: فقدي بياء المتكلم, أي: يكفيني، ولم أر رسمها بالياء. وانظر الخزانة 4/ 297. 3 سقط في ش، ما بين القوسين. 4 آية: 60 سورة البقرة. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 أي: ابن أحمر. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 317. 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "المنضمة". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "التأويل". 9 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "إلى".

فأما قول الله سبحانه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 1 فلا يكون فيه "أو" على مذهب الفراء بمعنى بل, ولا على2 مذهب قطرب في أنها بمعنى الواو. لكنها عندنا على بابها في كونها شكًّا. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله -عز وجل- لقول المخلوقين. وتأويله عند أهل النظر: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون. ومثله مما مخرجه منه تعالى على3 الحكاية قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وإنما هو في الحقيقة الذليل المهان لكن معناه: ذق إنك أنت الذي كان يقال له: العزيز الكريم. ومثله قوله -عز وجل: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} 5 أي: يا أيها الساحر عندهم لا عندنا؛ وكيف6 يكون ساحرًا عندهم وهم به مهتدون, وكذلك قوله: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} 7 أي: شركائي عندكم. وأنشدنا أبو علي لبعض اليمانية8 يهجو جريرًا: أبلغ كليبًا وأبلغ عنك شاعرها ... أني الأغرّ وأني زهرة اليمن قال: فأجابه جرير فقال: ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن 9 فسماه زهرة اليمن10 متابعة له وحكاية للفظه, وقد تقدَّم القول على هذا الموضع.

_ 1 آية: 147 سورة الصافات. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمعنى". 3 سقط هذا الحرف في ش. 4 آية: 49، سورة الدخان. 5 آية 49 سورة الزخرف. 6 كذا في ش، ب. وفي د، هـ، ز: "فكيف". 7 ورد في عدة آيات؛ من ذلك آية 27، سورة النحل وآية 52 سورة الكهف. 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أهل اليمن". 9 الوسوم جمع وسم، وهو أثر الكي يريد أذى هجائه, وحان: أي هلك. 10 سقط في د، هـ، ز.

ومن ذلك ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف؛ نحو قول الله -عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} 1 "قالوا: هنا زائدة مخرجة عن العطف, والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها"2. وزيادة الواو أمر3 لا يثبته البصريون, لكنه عندنا على حذف الجواب, أي: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم, ونحو ذلك مما يقال في مثل هذا. وأجاز أبو الحسن زيادة الواو في خبر كان؛ نحو قولهم: كان ولا مال له, أي: كان لا مال له. ووجه جوازه عندي شبه خبر كان بالحال، فجرى مجرى4 قولهم: جاءني ولا ثوب عليه, أي: جاءني عاريًا. فأما "هل " فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد, نحو قول الله سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} 5 قالوا: معناه: قد أتى عليه ذلك. وقد يمكن عندي أن تكون مبقاة في هذا الموضع على بابها من الاستفهام، فكأنه قال -والله أعلم: هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بُدَّ في جوابه من "نعم" ملفوظًا بها أو مقدرة، أي:6 فكما أن ذلك كذلك فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يبأى7 بما فتح له. وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتني فأعطيتك! أم هل زرتني فأكرمتك! , أي:6 فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقي عليك وإحساني إليك. ويؤكد هذا عندك قوله تعالى: {إِنَّا 8 خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} 8 أفلا تراه -عز اسمه- كيف عدد عليه أياديه وألطافه له.

_ 1 آية: 73، سورة الزمر. 2 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نحوًا من". 5 آية: 1، سورة الإنسان. 6 ثبت هذا الحرف في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 7 يفخر. 8 آيتا 2، 3، سورة الإنسان.

فإن قلت: فما تصنع بقول الشاعر 1: سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل, ولو كانت على ما فيها من الاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد, وهذا يدل على خروجها2 عن الاستفهام إلى معنى الخبر. قيل: هذا قول يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب. ومثله خروج الهمزة عن الاستفهام إلى التقرير, ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر، وذلك ضد3 الاستفهام, ويدل على أنه قد فارق الاستفهام امتناع النصب بالفاء "في جوابه"4 والجزم بغير الفاء في جوابه, ألا تراك لا تقول: ألست صاحبنا فنكرمك؛ كما تقول: لست صاحبنا5 فنكرمك, ولا تقول في التقرير: أأنت في الجيش أثبت اسمك. كما تقول: ما اسمك أذكرك, أي: إن أعرفه أذكرك. ولأجل ما ذكرنا من حديث همزة التقرير ما صارت تنقل النفي إلى الإثبات والإثبات إلى النفي, وذلك كقوله 6: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح

_ 1 هو زيد الخبل الطائي. والبيت في أبيات خمسة قالها في إغارته على بني يربوع. وبشدتنا، أي عنها. والشدة الحملة, والقف: جبل ليس بعال في السماء. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 527، والخزانة 4/ 506. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من". 3 في ز: "بضد". 4 سقط ما بين القوسين في ش، ط. وثيت في د، هـ، ز. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بصاحبنا". 6 أي: جرير من قصيدته في مدح عبد الملك بن مروان ومطلعها: أتصحو بل فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح

أي: "أنتم كذاكم"1 وكقول الله -عز وجل: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} 2 و {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} 3 أي: لم يأذن لكم، ولم تقل4 للناس: اتخذوني وأمي إلهين, ولو كانت استفهامًا محضًا لأقرت الإثبات على إثباته والنفي على نفيه. فإذا دخلت5 على الموجب نفته "وإذا دخلت على النفي نفته"6 و"نفي النفي عائد"7 به إلى الإثبات. ولذلك لم يجيزوا ما زال زيد إلّا قائمًا لما آل به المعنى "من النفي" إلى: ثبت زيد إلّا قائمًا. فكما لا يقال هذا فكذلك لا يقال ذلك. فاعرفه. ويدل8 على صحة معنى التناكر في همزة التقرير أنها قد أخلصت للإنكار في نحو قولهم في جواب قوله9 ضربت عمر: أعمراه! ومررت بإبراهيم: أإبراهيماه. ورأيت جعفرًا: "أجعفرنيه10، وأجعفرًا إنيه! ". وهذا واضح. واعلم أنه ليس شيء يخرج عن بابه إلى غيره إلّا لأمر قد كان وهو على بابه ملاحظًا له, وعلى صدد من الهجوم عليه. وذلك أن المستفهِم عن الشي قد يكون عارفًا به مع استفهامه في الظاهر عنه, لكن غرضه في الاستفهام عنه أشياء. منها11 أن يرى المسئول أنه خفي عليه ليسمع جوابه عنه, ومنها أن يتعرف حال المسئول هل هو عارف بما السائل عارف به. ومنها أن يرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد لما له في ذلك من

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أنت كذلك". 2 آية: 59، سورة يونس. 3 آية: 116، سورة المائدة. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقل". 5 أي: همزة التقرير. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "بقي النفي عائدًا". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يدلك". 9 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 10 في ز، ": "أجعفراء". 11 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ومنها".

الغرض. ومنها أن يعد ذلك لما بعده مما يتوقعه، حتى إن1 حلف بعد أنه قد2 سأله عنه حلف صادقًا فأوضح بذلك عذرًا. و"لغير ذلك"3 من المعاني التي يسأل السائل عمَّا يعرفه لأجلها وبسببها. فلمّا كان السائل في جميع هذه الأحوال قد يسأل4 عمَّا هو عارفه5، أخذ بذلك طرفًا من الإيجاب لا السؤال عن مجهول6 الحال. وإذا كان ذلك كذلك جاز لأجله أن يجرّد في بعض الأحوال ذلك الحرف لصريح ذلك المعنى. فمن هنا جاز أن تقع "هل" في بعض الأحوال موضع "قد"؛ كما جاز لأو أن تقع في "بعض الأحوال موقع"7 الواو؛ نحو قوله: وكان سيان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبَّرت السوح8 جاز لك لما كنت تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، فيكون9 مع ذلك متى جالسهما جميعًا كان في ذلك مطيعًا, فمن هنا جاز أن يخرد في البيت ونحوه إلى معنى الواو. وكل10 حرف فيما بعد يأتيك قد أخرج عن بابه إلى باب آخر فلا بُدَّ أن يكون قبل إخراجه إليه قد كان يرائيه ويلتفت إلى الشق الذي هو فيه. فاعرف ذلك وقسه, فإنك إذا فعلته11 لم تجد الأمر إلا كما ذكرته, وعلى ما شرحته.

_ 1 في ط: "وإذا". 2 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لغيره". 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يسلم", وكأنه محرف عن "يستفهم". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عارف بوقوعه". وفي ط: "عارف به لوقوعه". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المجهول". 7 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "بعض مواقع". 8 انظر ص349، من الجزء الأول, وقوله: "وكان" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكان" وفي ز: "اعفرت" بدل "اغبرت". 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فتكون". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فكل". 11 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فعلت ذلك".

باب في إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد

باب في إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد: اعلم أن هذا موضع1 قد استعملته العرب واتبعتها فيه العلماء. والسبب في هذا الاتساع أن المعنى المراد مفاد من الموضعين جميعًا, فلمَّا آذنَّا به وأديا إليه سامحوا أنفسهم في العبارة عنه؛ إذ المعاني عندهم أشرف من الألفاظ, وسنفرد لذلك بابًا. فمن ذلك ما حكاه أبو الحسن: أنه سأل أعرابيًّا عن تحقير الحُبارى فقال: حبرور. وهذا2 جواب من قصد الغرض ولم يحفل باللفظ؛ إذ لم يفهم غرض أبي الحسن, فجاء بالحبرور لأنه فرخ الحبارى. وذلك أن هذا الأعرابي تلقَّى سؤال أبي الحسن بما هو الغرض عند الكافة في مثله, ولم يحفل بصناعة الإعراب التي إنما هي لفظية ولقوم مخصوصين، من بين أهل الدنيا أجمعين. ونحو من ذلك أني سألت الشجري فقلت: كيف تجمع المحرنجم, فقال: وأيش فرقه حتى أجمعه! وسألته يومًا فقلت 3: كيف تحقر الدمكمك4؟ فقال: شخيت4. فجاء بالمعنى الذي يعرفه هو، ولم يراع مذهب الصناعة. ونحو من هذا ما يحكى عن أبي السّمال5 أنه كان يقرأ: "فحاسوا خلال الديار"، فيقال له: إنما هو فجاسوا, فيقول: جاسوا وحاسوا واحد6. وكان أبو مهدية إذا أراد الأذان قال: الله أكبر مرتين7، أشهد أن لا إله ِإلا الله مرتين, ثم كذلك إلى آخره. فإذا قيل له: ليست السنة كذلك, إنما هي: الله أكبر الله أكبر، أشهد

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الموضع". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "فهذا". 3 زيادة في ط. 4 الدمكمك من الرجال والإبل: القوي الشديد, والشخيت: النحيف الجسم الضئيل. 5 هو قعنب العدوي القارئ, وهو من أصحاب القراءات الشاذة, وقراءة العامة "فجاسوا" في الآية 5 من سورة الإسراء. 6 إذا الجوس والحوس تردد الجيش الفارة. 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مرة".

أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره, فيقول: قد عرفتم أن المعنى واحد والتكرار عي. وحكى عيسى بن عمر، "سمعت ذا الرمة ينشد "1: وظاهر لها من يابس الشخت واستعن ... عليها الصبا واجعل يديك لها سترا2 فقلت: أنشدتني: من بائس, فقال "يابس وبائس"3 واحد. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن العباس أحمد بن يحيى قال "أنشدني ابن الأعرابي "4: وموضع زَبْن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس5 فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا, إنما أنشدتنا: وموضع ضيق. فقال: سبحان6 الله! تصحبنا منذ كذا وكذا, ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد, وقد قال الله سبحانه وهو أكرم قيلًا: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 7 وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: " نزل القرآن على سبع لغات كلها شافٍ كاف ".

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط. "سألت ذي الرمة عن قوله". 2 في ط: "فظاهر" وفيها. وفي د، هـ، ط: "احتبس" في مكان "استعن", وفي د، هـ، ز: "أقتت لها قيته قدرًا" في مكان: "أجعل يديك لها سترًا". والبيت في وصف النار، والشخت: الدقيق. والمراد الحطب، أي: ضع لها من دقيق الخطب، واسترها بيدك. وللبيت رواية أخرى في اللسان "قوت". وانظر الديوان 176، وموافقات الشاطبي في الأصول 2/ 54 من طبعة السلفية. 3 كذا في ش. وفي ز: "من يائس ومن يابش"، وفي ط: "ومن بائس ويائس". 4 كذا في ش، ط، وفي ط. وفي هـ، ز: "أنشد ابن الأعرابي". وفي د: "قال ابن الأعرابي". 5 من قصيدة للمرقش الأكبر في المفضليات. وبعده: لتبصر عيني إن رآتني مكانها ... وفي النفس إن خلى الطريق الكوادس وقوله: "مكائها" أي: مكان أسماء محبوبته، وقد سبق ذكرها في شعره، يقول: إنه نزل منزل الضيق وتحمّل وعثاء الطريق ليبصر مكانها. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ط، ز: "يا سبحان". 7 آية: 110، سورة الإسراء.

وهذا ونحوه -عندنا1- هو الذي أدَّى إلينا أشعارهم وحكاياتهم بألفاظ مختلفة، على معانٍ متفقة. وكان أحدهم إذا أورد المعنى المقصود بغير لفظه المعهود كأنه لم يأت إلا به، "ولا عدل"2 عنه إلى غيره؛ إذ الغرض فيهما واحد, وكل واحد منهما لصاحبه مرافد. وكان أبو علي -رحمه الله- إذا عبر عن معنى بلفظ3 ما فلم يفهمه القارئ عليه, وأعاد ذلك المعنى عينه بلفظ غيره ففهمه يقول: هذا إذا رأى ابنه في قميص أحمر عرفه, فإن رآه في قميص كحلي لم يعرفه. فأما الحكاية عن الحسن -رضي الله عنه- وقد سأله رجل عن مسألة, ثم أعاد السؤال, فقال له الحسن: لبَّكت عليَّ. أي: خلطت, فتأويله عندنا أنه أفسد المعنى الأول بشيء جاء به في القول4 الثاني. فأما أن يكون الحسن تناكر الأمر لاختلاف اللفظين "مع اتفاق"5 المعنيين فمعاذ الله, و"حاشى أبا سعيد"6. ويشبه أن يكون الرجل لما أعاد سؤاله بلفظ ثانٍ قدَّر أنه بمعنى اللفظ الأول ولم يحسن7 ما فهمه الحسن8 -رضي الله عنه- كالذي يعترف عند القاضي بما يدعي عليه, وعنده أنه مقيم على إنكاره إياه. ولهذا نظائر. ويحكى أن قومًا ترافعوا إلى الشعبي في رجل بخص عين رجل فشرقت بالدم، فأفتى في ذلك بأن أنشد بيت الراعي: لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوًى تبوأ مضجعا9

_ 1 سقط في ط. 2 في ط: "لم يعدل". 3 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "المعنى". 5 في ط: "الاتفاق". 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "حاش أبي سعيد"، وط: حاشا لله أبا سعيد". أبو سعيد كنية الحسن البصري. 7 في ش: "يحسس". 8 سقط في ش. 9 "أمرها" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مالها"، وفي ز، ط: "مرعى" بدل "مأوى", وانظر ص180 من هذا الجزء.

لم يزدهم على هذا. وتفسيره أن هذه العين ينتظر بها أن يستقرَّ أمرها على صورة معروفة محصلة، ثم حينئذ1 يحكم في بابها بما توجبه الحال من أمرها. فانصرف القوم بالفتوى، وهم عارفون بغرضه فيها. وأما2 اتباع العلماء العرب في هذا النحو فكقول سيبويه: ومن العرب من3 يقول: لب4 فيجرّه كجرّ أمس وغاق، ألا ترى أنه ليس في واحد من الثلاثة جر؛ إذ الجر إعراب لا بناء وهذا الكلم كلها مبنية "لا معربة"5 فاستعمل لفظ الجر على معنى الكسر، كما يقولون6 في المنادى المفرد المضموم: إنه مرفوع, وكما يعبرون بالفتح عن النصب, وبالنصب عن الفتح وبالجزم عن الوقف "وبالوقف عن الجزم"7 كل ذلك لأنه أمر قد عُرِفَ غرضه والمعنى المعني به. وإذا جاز أن يكون في أصول هذه اللغة المقررة اختلاف اللفظين8 والمعنى واحد, كان جميع ما نحن فيه جائزًا سائغًا ومأنوسًا به متقبلًا.

_ 1 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأمَّا". 3 ثبت هذا اللفظ في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "لب لب" وفي ش: "أو" وعبارة سيبويه في الكتاب 1/ 176: "ومن العرب من يقول: لب" فيجريه مجرى أمس وفاق"، وترى أن هذه العبارة ليس فيما ما نقله المؤلف، وهو "فيجره كجره كجر أمس وغاق". وقد يكون هذا في نسخة المؤلف، أو تصحف عليه نص الكتاب. ولب في معنى لبيك. 5 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقول". 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "اللفظ".

باب في ملاطفة الصنعة

باب في ملاطفة الصنعة: وذلك أن ترى العرب قد غيرت شيئًا من كلامها من صورة، إلى صورة, فيجب حينئذ أن تتأتى لذلك وتلاطفه, لا أن تخبطه وتتعسفه. وذلك كقولنا في قولهم في تكسير جَرْو ودَلْوِ: أَجرٍ وأَدلٍ , إن أصله أجرُوٌ وأدلُوٌ, فقلبوا الواو ياء. وهو -لعمري- كذلك، إلا أنه يجب عليك أن تلاين الصنعة ولا تعازّها, فتقول: إنهم أبدلوا1 من ضمة العين كسرة, فصار تقديره: أجرِوٌ وأدلِوٌ. فلمَّا انكسر ما قبل الواو -وهي لام- قلبت ياء فصارت أجرِيٌ وأدْلِيٌ, وإنما وجب أن يرتب2 هذا العمل هذا الترتيب من قبل أنك لما كرهت الواو هنا لما تتعرض3 له من الكسرة والياء في أدْلُوَ وأدلُوِيّ لو سميت4 رجلًا بأدلُو, ثم أضفت إليه, فلمَّا ثقل ذلك بدءوا بتغيير الحركة الضعيفة تغييرًا عَبْطا وارتجالًا. فلمَّا صارت كسرة تطرقوا بذلك إلى قلب5 الواو ياء تطرقًا صناعيًّا. ولو بدأت فقلبت الواو ياء بغير آلة القلب6 من الكسرة7 قبلها لكنت قد استكرهت الحرف8 على نفسه تهالكًا وتعجرفًا، لا رفقًا وتلطفًا9. ولما فعلت ذلك في الضمة كان أسهل منه في "الواو و"10 الحرف؛ لأن ابتذالك الضعيف أقرب مأخذًا من إنحائك على القوي. " فاعرف ذلك"11 "أصلًا في هذا الباب"12.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لما أبدلوا". 2 كذا في ش، ط. وفي ز: "ترتب". 3 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "يتعرض". 4 شرط هذا لأنه جمع فلا ينسب إليه على لفظه إلا إذا كان علمًا، وإلا نسب إلى مفرده. 5 في ط: "أن قلبوا". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقلب". 7 كذا في ش. وفي ز، ط: "الكسر". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بالحرف". 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ملاطفًا". 10 زيادة في ط. 11 كذا في ش. ط. وفي د، هـ، ز: "فاعرفه". 12 سقط ما بين القوسين في ط.

وكذلك باب فُعُول مما لامه واو, كدَلْوٍ ودِلِيّ, وحَقْوٍ وحِقِيّ, "أصله دُلُوّ وحُقُوّ"1. فلك في إعلال هذا إلى حِقِيّ ودِلِيّ طريقان. إن شئت شبهت واو فُعُول المدغمة2 بضمة عين أفعُل في3 أدلوٍ وأحقُوٍ, فأبدلت "منها ياء؛ كما أبدلت"4 من تلك الضمة كسرة فصارت: حُقِيُّو, ثم أبدلت الواو التي هي لام ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها فصارت حُقِيّ ثم أتبعت فقلت: حِقِيّ. وهذا أيضًا مما أبدلت من ضمة عينه كسرة، فتنقلب5 واو فعول بعدها ياء كالباب6 الأول. فصارت أول 7: حُقُوّ، ثم حقِيو، ثم حُقِيّ، "ثم حِقِيّ"8. فهذا وجه. وإن شئت قلت: بدأت بدُلُوٍّ فأبدلت لامها لضعفها بالتطرف "وثقلها"9 ياء فصارت دُلُويٌ. ثم أبدلت الواو ياء لوقوع الياء بعدها فصارت حُثُيّ "ثم أبدلت من الضمة في العين كسرة لتصح الياء بعدها فصارت: حُقِيّ"10 ثم أتبعت فقلت: حِقِيّ "ودِلِيّ"11. ومن ذلك قولهم: إن أصل قام قَوَمَ, فأبدلت الواو ألفًا. وكذلك باع أصله12 بَيَعَ ثم أبدلت الياء ألفًا، لتحركها13 وانفتاح ما قبلها13. وهو -لعمري-

_ 1 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز، وقد رسم دلو وحقو فيهما بواو واحدة، وهو يريد الإدغام، ولولا هذا لرسما بواوين. 2 يجري الصرفيون الإعلال في مثل هذا قبل الإدغام: فإن الإدغام يقوي الحرف فيتأبَّى على الإعلال. 3 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 4 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط: غير أن في ط: "فيها" بدل "منها". 5 في ز، ط: "لتنقلب". 6 كذا في ش، ط، وفي ز: "كالياءات". 7 كذا في ش، ز. وفي ط: "أوَّلًا". 8 زيادة في ز. 9 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 10 سقط ما بين القوسين في ش. 11 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز: وثبت في ش، ط. 12 كذا في ش،. وفي د، هـ. ز. "أصلها". 13 في ز: "لتحركهما ... قبلهما".

كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدًا من الحرفين إلّا بعد أن أسكنته استثقالًا لحركته, فصار إلى1 قَوْمَ وبَيْعَ ثم انقلبا لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن. ففارقا بذلك باب ثوب وشيخ؛ لأن هذين ساكنا العينين ولم يسكنا عن حركة. ولو رمت2 قلب الواو والياء من نحو: قوم وبيع وهما متحركتان3 لاحتمتا4 بحركتيهما, فعزَّتا فلم تنقلب. فهذا واضح. ومن ذلك ستّ, أصلها سدس, فلما كثرت في الكلام أبدلوا السين تاء كقولهم. النات في الناس, ونحوه فصارت سِدْت. " فما تقارب الحرفان في مخرجيهما أبدلت الدال تاء, وأدغمت في التاء فصارت ستّ"5. ولو بدأت6 هذا الإبدال عاريًا من تلك الصنعة لكان استطالة على الحرفين وهتكًا للحرمتين. فاعرف بهذا النحو هذه الطريق ولا تقدمنَّ على أمر من التغيير إلّا7 لعذر فيه, وتأت له ما استطعت. فإن لم تجن8 على الأقوى كانت جنايتك على الأضعف لتتطرَّق9 به إلى10 إعلال الأقوى أعذر وأولى. فأبه11 له وقس عليه.

_ 1 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وف ش: "لزمت". 3 في ش: "متحركان". 4 كذا في في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لاجتمعتا". 5 سقط ما بين القوسين في ز. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بدلت". 7 في ز، ط: بعذر". 8 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "تعن" وفي ش: "تكن". 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ليتطرق". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على". 11 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فأبدله", ويقال به للشيء: فطن له.

فأما قوله 1: أو إلفًا مكَّة من ورق الحمى فلم تكن الكسرة لتقلب الميم ياء, ألا تراك تقول: تظنيت وتقصيت, والفتحة هناك لكنه كسر للقافية. ومن ذلك مذهب أبي الحسن في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2 لأنه ذهب إلى أنه حذف حرف الجر فصار تجزيه, ثم حذف الضمير فصار تجزى. فهذا ملاطفة "من الصنعة"3. ومذهب سيبويه أنه حذف "فيه" دفعة واحدة.

_ 1 أي: العجاج, وقبله: ورب هذا البلد المحرّم ... والفاطنات البيت غير الريم يريد بالقاطنات البيت أي: الكعبة الحرام، والحمى أصله الحمم مخفف الحمام بحذف ألفه، فلما اجتمع مثلان أبدل من الثاني ياء، ثم كسر الميم الأولى للقافية، ولولا ذلك لقلب الياء ألفًا. ومن اللغويين من يرى أن الشاعر حذف ميم الحمام، وأبدل الألف ياء بعد كسر ما قبلها. فوزنه على الأول الفعل وعلى الثاني الفعي، وقد جرى المؤلف على الوجه الأول. وانظر اللسان. 2 آية 48 سورة البقرة. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.

باب في التجريد

باب في التجريد: اعلم أن هذا فصل من فصول العربية طريف حسن, ورأيت أبا علي -رحمه الله- به غريًا1 معنيًا، ولم "يفرد له"2 بابًا, لكنه وسمه في بعض ألفاظه بهذه السمة، فاستقريتها3 منه وأنقت لها. ومعناه أن "العرب قد تعتقد"4 أن5

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "غرى". ويقال غرى بالشيء: أولع به. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعقد عليه". 3 في ط: "فاستقويتها". 4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تجرد وتعتقد". 5 كذا في د، هـ، ز، وسقط في ط. وفي ش: "أنه".

في الشيء من نفسه معنى آخر, كأنه حقيقته ومحصوله. وقد يجري1 ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها. وذلك نحو قولهم: لئن لقيت زيدًا2 لتلقين منه الأسد, ولئن سألته لتسئلن منه البحر. فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسدًا وبحرًا, وهو عينه هو الأسد والبحر "لا3 أن" هناك شيئًا منفصلًا عنه وممتازًا منه. وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه، حتى كأنها تقابله أو4 تخاطبه. ومنه قول الأعشى: وهل تطيق وداعًا أيها الرجل5 وهو الرجل نفسه لا غيره, وعليه قراءة من قرأ: "قَالَ اعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"6 أي: اعلم أيها الإنسان, وهو نفسه7 الإنسان, وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} 8 وهي نفسها "دار الخلد"9. وقال الأعشى: لات هنا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوال10 وهي نفسها الجائية بطائف الأهوال.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخرج" وفي ط: يخرج". 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فلانًا". 3 كذا في ش. وفي ش: "إلا أن" وفي ز: "لأن". 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "و". 5 صدره: ودِّع هريرة إن المركب مرتحل وهو مطلع معلقته. 6 آية: 259 سورة البقرة، وهذه القراءة بصيغة فعل الأمر قراءة حمزة والكسائي ويعقوب وخلف؛ كما في الإتحاف 162. 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "في نفسه". 8 آية: 28، سورة فصلت. 9 سقط ما بين القوسين في ش. 10 من قصيدة في مدح الأسود بن المنذر أخي النعمان. وهو أول قصيدة في الصبح المنير.

وقد تستعمل الباء هنا فتقول: لقيت به الأسد, وجاورت به البحر, أي: لقيت بلقائي إياه الأسد. ومنه مسألة1 الكتاب: أما أبوك فلك أب, أي: لك منه أو به أو2 بمكانه أب3. وأنشدنا: أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل4 وهذا غاية البيان والكشف, ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله سبحانه ظرف لشيء ولا متضمن له، فهو إذًا على حذف المضاف، أي: في عدل الله عدل حكم عدل. " وأنشدنا: بنزوة لص بعد ما مرّ مصعب ... بأشعت لا يفلَى ولا يقمل5 ومصعب نفسه هو الأشعت"6. وأنشدنا: جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفور خدر7 وهي نفسها اليعفور, ولعيه جاء قوله: يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل اثنين إلى افتراق

_ 1 انظر الكتاب 195/ 1. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أي". 3 سقط في ش. 4 ورد هذا البيت في معاهد التنصيص 3/ 16 وفيه الشطر الأول هكذا: أباحت بنو مروان ظلمًا دماءنا ولم ينسبه. وورد في حماسة ابن الشجري 4في أبيات لأبي الخطار الكلبي هكذا: أفادت بنو مروان قيسًا دماءنا ... وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل وبعده: كأنكم لم تشهدوا مرج راهط ... ولم تعلموا من كان ثمَّ له للفضل 5 الأشعت: الوتد، سمي بذلك لشعث رأسه, وقد وصفه بأنه لا يصيبه الفمل، فلا يحتاج إلى أن يفلى، ليميزه عن الأشعث من الناس. والبيت للأخطل وهو في القصيدة الأولى من ديوانه, وقد أورده المؤلف معزوًّا إليه في "المحتسب" في الكلام على سورة الفتحة. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 انظر ص179 من هذا الجزء.

وقول الآخر 1: قالت له النفس إني لا أرى طمعًا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد وقول الآخر 2: أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد وأما3 قوله -عزَّ اسمه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} 4 فليس من ذا، بل النفس هنا جنس, وهو5 كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 6 ونحوه7. وقد دعا تردد هذا الموضع على الأسماع، ومحادثته8 الأفهام9، أن ذهب قوم10 إلى أن الإنسان هو معنى ملتبس بهذا الهيكل الذي يراه11، ملاق له, وهذا الظاهر مماس لذلك الباطن, كل جزء منه منطوٍ عليه ومحيط به.

_ 1 أي: النابغة الذبياني، وقبله: لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود واشق: كلب غير ضمران, الذي يتحدث عنه الشاعر، وذلك أنه ذكر أن كلابًا سلط كلبه ضمران على ثور وحشي فصرعه الثور بقرنه، وذكر في البيت الشاهد أن واشفًا لما رأى ذلك حدثته نفسه باليأس من الثور، وقال في نفسه: إن مولاه لم يسلم ولم يصد. ويجوز أن يريد بمولاه الكلّاب صاحبه، وأن يريد به ضمران الذي هلك. 2 نسبه في الحماسة إلى أعرابي قتل أخوه ابنًا له، فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف في يده، وقال الشعر. وبعده: كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 105. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأمَّا". 4 آية 27، سورة الفجر. 5 كذا في ش، وفي د، هـ: "فهو". 6 آية: 6، سورة الإنفطار. 7 سقط في د، هـ، ز، ط. 8 في ط: "مجاذبته". 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "للأفهام". 10 يغزي مثل هذا القول إلى الإمام مالك -رضي الله عنه- في الروح، وهو في الحقيقة لأتباعه. وفي جوهرة التوحيد: ولا تخص في الروح إذا ما وردا ... نص من الشارع لكن وجدا لمالك هي صورة كالجسد ... فحسبك النص بهذا السند 11 كذا في ش، ز. وفي ط: "ذكرناه وأنه".

باب في غلبة الزائد للأصلي

باب في غلبة الزائد للأصلي: أما إذا كان الزائد ذا معنى فلا نظر في استبقائه وحذف الأصلي لمكانه, نحو قولهم: هذا قاضٍ ومعطٍ, ألا تراك حذفت الياء التي هي لام للتنوين؛ إذ كان ذا معنى أعني الصرف. ومثل1 ذلك قوله: لاثٌ به الأشاء والعبريّ2 حذفت عين فاعل وأقررت ألفه؛ إذ كانت دليلًا على اسم الفاعل. ومثله قوله 3: شاك السلاح بطل مجرب وهذا أحد ما يقوي قول أبي الحسن في أن المحذوف من باب مقول ومبيع إنما هو العين؛ من حيث كانت الواو دليلًا على اسم المفعول. وقال ابن الأعرابي في قوله 4: في بئر لا حور سرى وما شعر أراد: حوور أي: في بئر "لا حوور"5 لا رجوع. قال: فأسكنت الواو الأولى، وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءي الإضافة

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مثال". 2 "به" كذا في ش، ط. وفي و، هـ، ز: "بها" وانظر ص131 من هذا الجزء. 3 أي: مرحب اليهودي في غزوة خيبر وقبله: قد علمت خيبر أني مرحب وانظر السيرة على هامش الروض 2/ 228. 4 أي: العجاج. والشطر من أرجوزة طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر, وكان أوقع بجيش للخوارج يقوده أبو فديك الحروري. ويذكر في هذا الشطر أن هذا الحروري سرى في بئر غير حؤرر -والحؤرر: الرجوع- أي: سرى في أمر لا يرجع عليه عليه بخير. وانظر الخزانة 2/ 95. 5 سقط ما بين القوسين في ز، ط. وثبت في ش.

في نحو: مصطفيّ وقاضيّ ومراميّ "في1 مرامى". وكذلك باب يعد ويزن، حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائدة2 "كل3 ذلك" لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدل على شرف المعاني عندهم ورسوخها في أنفسهم. نعم, وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائد وإن كانا متساويي المعنيين. وإذا كان ذلك جائزًا عندهم، ومسموعًا في لغتهم، فما ظنك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله: بني عقيل ماذه الخنافق ... المال هَدْي والنساء طالق4 فالخنافق5 جمع خنفقيق, والنون زائدة, والقاف الأولى عند الخليل هي الزائدة، والثانية هي الأصل وهي المحذوفة -وقد قدمنا دليل ذلك- والنون والقاف جميعًا لمعنى واحد وهو الإلحاق. فإذا6 كانوا قد حذفوا الأصل7 للزائد8 وهما في طبقة واحدة -أعني اجتماعهما على كونهما للإلحاق- فكيف -ليت شعري- تكون الحال إذا كان الزائد لمعنى والأصل المحذوف9 لغير معنى! وهذا واضح. وفي قولهم: خنافق تقوية لقول سيبويه في تحقير مقعنسس وتكسيره "مقاعس ومقيعس"10 فاعرفه؛ فإنه قويّ في بابه.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 2 في د، هـ، ز: "الزائدة". 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كذلك". 4 انظر ص64 من هذا الجزء. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "والخنافق". 6 كذا في ش. وفي د، ز، هـ، ط: "وإذا". 7 كذا في ش، ز. وفي ط: "الأصليّ". 8 كذا في ش، ط، هـ، وفي د، ز "للزوائد". 9 سقط في ط. وسقوطه أولي. 10 كذا في ش. وفي ط: "مقاعيس ومقيعيس" وهذا فيه زيادة الياء للتعويض من المحذوف، وهو جائز. والرأي المقابل لرأي سيبويه هو رأي المبرد: يؤثر حذف الميم، فيقول: قعاس، وقعيس.

بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف الملحق لذي المعنى -وهو الميم- أقوى وأحجى1. وكأنهم إنما أسرعوا إلى حذف الأصل للزائد2؛ تنويهًا به وإعلاءً له وتثبيتًا لقدمه في أنفسهم, وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته في تصورهم ولحاقه بأصول الكلم في معتقدهم, ألا تراهم قد يقرونه في الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول. وذلك قولهم: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقَرْنُوة, فاشتق الفعل منها, وأقرت الواو الزائدة فيها حتى أبدلت ياء في قرنيت. ومثله قولهم 3: قَلْسيت الرجل, فالياء هنا بدل من واو قلنسُوة الزائدة4، ومن قال: قلنسته, فقد أثبت أيضًا النون وهي زائدة، وكذلك قولهم: تعفرت الرجل إذا خبث، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة. فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له5 قول الشاعر6: أميل مع الذمام على ابن عمِّي ... واحمل للصديق على الشقيق وجميع ما ذكرناه من قوة الزائد عندهم وتمكّنه في أنفسهم يضعف قوْل من حقَّر تحقير الترخيم ومن كسر على حذف الزيادة, وقد ذكرنا هذا. إلّا أن وجه جواز ذلك قول الآخر 7: كيما أعدّهم لأبعد منهم ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أعجب". 2 كذا في ز، ط، وفي ش: "للزيادة". 2 سقط في د، هـ، ز، ط. 4 سقط في ش. 5 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 6 هو إبراهيم بن العباس الصولي. والذمام: الحق والحرمة. وفي الطرائف الأدبية 154: "مع الصديق" في مكان "مع الذمام". وفيها: "أقصى" في مكان "أحمل" وفي ز: "آخذ"، وبعده: أفرّق بين معروف ومنى ... وأجمع بين مالي والحقوق 7 هو في الحماسة بعض بني فقمس، وعند أبي محمد الأعرابي مرداس بن جشيش، وانظر التبريزي "التجارية" 1/ 217.

وقول1 المولد 2: وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع وقول الآخر3: أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح "وهو باب واسع"4.

_ 1 ش، ز: "قال". 2 هو أبو تمام في وصف الشيب, وقبله مع هذا الشطر: له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع ونحن نرجيه على الكرة والرضا ... وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع 3 هو مسكين الدارميّ. كان معاوية -رضي الله عنه- يؤثر أهل اليمن بالعطاء، ولم يفرض لهذا المسكين فيه، فذكره أنه يشاركه في النسب إلى مصر، فهو أخوه، وهو أولى بعطائه من اليمانيين القحطانيين، وانظر الخزانة في الشاهد 167. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.

باب في أن ما لا يكون للأمر وحده قد يكون له إذا ضام غيره

باب في أن ما لا يكون للأمر وحده, قد يكون له إذا ضامَّ غيره: من ذلك الحرف الزائد لا يكون للإلحاق أولًا؛ كهمزة أفعَل وأَفْعُل وإفعْلَ وأَفعِل وإفِعِلٍ, ونحو ذلك, وكذلك ميم مفعل ونحوه. فإذا انضمَّ إلى الزيادة أولًا زيادة أخرى صارت للإلحاق. وذلك "نحو: ألندد وألنجج، الهمزة والنون للإلحاق. وكذلك"1 يلندد ويلنجح "فإن زالت النون لم تكن الهمزة ولا الياء وحدهما للإلحاق. وذلك نحو: ألد ويلج"2. وعلة ذلك أن الزيادة في أول الكلمة إنما بيابها معنى المضارعة, وحرف المضارعة إنما يكون مفردًا أبدًا, فإذا انضمَّ إليه غيره خرج بمضامته إياه عن أن يكون للمضارعة, فإذا خرج عنها وفارق الدلالة على المعنى جعل للإلحاق؛ لأنه قد أمن بما انضم إليه أن يصلح للمعنى.

_ 1 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط. 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

وكذلك ميم مفعول, جعلت واو مفعول وإن كانت للمد دليلة على معنى1 اسم المفعول, ولولا الميم لم تكن2 إلا للمد؛ كفعول وفعيل وفعال ونحو ذلك, إلا أنها وإن كانت قد أفادت هذا3 المعنى فإن ما فيها من المد والاستطالة معتدّ فيها مراعي من حكمها. ويدلك على بقاء المد فيها واعتقادها مع ما أفادته من معنى اسم المفعول له4 أن العرب لا تلقي عليها حركة الهمزة بعدها إذا آثرت تخفيفها؛ بل تجريها مجراها وهي للمد خالصة5؛ ألا تراهم يقولون في تخفيف مشنوءة بالإدغام البتة؛ كما يقولون في تخفيف شنوءة. وذلك قولهم: مَشْنُوَّة كشَنُوَّة, فلا يحركون واو مفعول, كما لا يحركون واو فعول, وإن كانت واو مفعول تفيد مع مدها اسم المفعول, وواو فعول مخلصة6 للمد البتة. فإن قلت: فما7 تقول في أفعول نحو أسكوب, هل هو ملحق بجرموق؟ قيل: لا؛ ليس ملحقًا به بل الهمزة فيه للبناء, والواو فيه للمد البتة؛ لأن حرف المد إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق أبدًا8؛ لأنه كأنه إشباع للحركة كالصيارف ونحوه, ولا يكون أفعول إلا للمد؛ ألا ترى أنك لا تستفيد بهمزة أفعول وواوه معنى مخصوصًا, كما تستفيد بميم مفعول وواوه معنى مخصوصًا؛ وهو إفادة اسم المفعول. فهذا من طريق التأمل واضح. وإذا كان كذلك إفعيل لا يكون

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يكن". 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "هنا". 4 سقط في ش. واعتقادها لله إحرازها له، من قولهم: اعتقد ضيعة أي قتناها. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "خاصة". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "خاصة". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ما". 8 سقط في د، هـ، ز.

ملحقًا. وأبين منه باب إفعال؛ لأنه موضع للمعنى وهو المصدر؛ نحو الإسلام والإكرام. والمعنى أغلب على المثال من الإلحاق. وكذلك باب أفعال؛ لأنه موضوع للتكسير كأقتاب وأرسان. فإن قلت: فقد جاء عنهم نحو: إمخاض1، وإسنام2، وإصحاب3، وإطنابة4، قيل: هذا في الأسماء5 قيل جدًّا, وإنما بابه المصادر البتة. وكذلك ما جاء عنهم من وصف الواحد بمثال أفعال6، نحو: برمة أعشار7، وجفنة أكسار8، وثوب أكباش9 وتلك الأحرف المحفوظة في هذا. إنما هي على أن جعل كل جزء منها عشرًا وكسرًا وكبشًا. وكذلك كبد أفلاذ10، وثوب أهباب11 وأخباب12، وحَبْل أرمام13 وأرماث وأقطاع وأحذاق وثوب أسماط13؛ كل هذا متأول فيه معنى الجمع14. وكذلك مفعيل ومفعول ومفعال ومَفْعَل , ليس شيء من ذلك ملحقًا؛ لأن أصل زيادة الميم في الأول إنما هي لمعنى15، وهذه غير طريق الإلحاق. ولهذا أدغموه فقالوا: مِصَكَ16 ومِتلّ17 ونحوهما. وأمَّا أُفاعِل كأُحامِر18 وأجارِد19 وأباتر20 فلا تكون الهمزة فيه والألف للإلحاق بباب قُذَعْمِل21. ومن أدل الدليل على ذلك أنك

_ 1 من معانيه السقاء "أي: القربة" يمخص فيها اللبن. 2 هو ثمر الحلي، وهو من المراعي. 3 سقط في ش. ولم أقف على هذا اللفظ. 4 من معانيه المظلة. 5 في ش: "الإسلام". 6 في ط: "الأفعال". 7 أي: كسرت على عشر قطع أو عظيمة. 8 أي: عظيمة موصلة لكبرها أو لقدمها. 9 هو ضرب من برود اليمن, وفي ج: لضرب منها رديء النسج. 10 أي: قطع. 11 أي: متقطع. 12 أي: بال قديم. 13 أي: غير محشو ببطانة. 14 كذا في ش، ط. وفي ز: "الجميع". 15 في ز، ط: "للمعني". 16 هو القوي من الناس وغيرهم. 17 هو الشديد, يقال: رمح مثل. 18 هو اسم جبل، وموضع بالمدينة. 19 اسم موضع. 20 هو القاطع لرحمه. 21 هو الضخم من الإبل.

لا تصرف شيئًا من ذلك علمًا. وذلك لما فيه من التعريف ومثال الفعل؛ لأنَّ1 أجارد2 وأباترا3 جارٍ مجرى أضارب وأقاتل. وإذا جرى مجراه فقد لحق في المثال به, والهمزة في ذلك إما هي في أصل هذا المثال للمضارعة, والألف هي ألف فاعل في جارد وباتر لو نطقوا4 به, وهي كما تعلم للمعنى كألف ضارب وقاتل. فكل واحد من الحرفين إذًا إنما هو للمعنى، وكونه5 للمعنى أشد شيء إبعادًا لها عن الإلحاق لتضادّ القضيتين6 عليه، من حيث كان الإلحاق طريقًا صناعيًّا لفظيًّا, والمعنى طريقًا مفيدًا معنويًّا. وهاتان طريقتان متعاديتان. وقد فرغنا منهما فيما قبل. وأيضًا فإن الألف لا تكون7 للإلحاق حشو أبدًا8، إنما تكون له9 إذا وقعت طرفًا لا غير، كأرطيّ ومعزي وحَبَنْطي. وقد تقدم ذلك أيضًا. ولا يكون أجارد10 أيضًا ملحقًا بعذافر لما قدمناه: من أن الزيادة في الأوّل لا تكون للإلحاق، إلّا أن يقترن بها حرف غير مدٍّ كنون ألندد وواو إزْمَول11 وإسْحَوفٍ12 وإدْرَون13؛ لكن دُوَاسر14 ملحق بعُذافر15. ومثله عُيَاهِم16. وكذلك كَوَأْلَل17 ملحق

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فعلت بذلك أن". 2 كذا في ز، ط، وفي ش: "أجاردا" وهو لا ينوَّن لأنه علم. 3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أباتر", وهو مصروف لأنه ليس بِعَلَمٍ، إلّا إذا لوحظ أنه عَلَمٌ على اللفظ. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نطق". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فكونه". 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "القصتين". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون". 8 سقط في ش. 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لهما" أو "بهما". 10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 11 هو المصوت من الوعول وغيرها. 12 هي الناقة الكثيرة اللبن. 13 هو معطف الدابة. 14 هو الشديد الضخم. 15 هو الأسد، والعظيم الشديد من الإبل. 16 هو الماضي السريع من الإبل. 17 هو القصير.

بسبهلل الملحق بهمرجل1. وأدلّ دليل على إلحاقه ظهور تضعيفه, أعني: كوأللًا. ومثله سبهلل. فاعرفه. ومثل طومار -عندنا- ديماس2 فيمن قال: دياميس, وديباج فيمن قال: ديابيج, هو ملحق بقرطاس3؛ "كما أن طومارا ملحق بفسطاط"4. وساغ أن تكون الواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها للإلحاق؛ من حيث كانتا لا تجاوران الطرف بحيث يتمكن المد. وذلك أنك لو بنيت مثل طومار أو ديماس من سألت لقلت: سوآل وسيئال, فإن خفَّفت حركت كل واحد من الحرفين بحركة الهمزة التي بعده, فقلت: سوال وسيال, ولم تقلب الهمزة وتدغم فيها الحرف؛ كمقروّ والنسيّ؛ لأن الحرفين تقدَّما عن الموضع5 الذي يقوى فيه حكم المد وهو جواره الطرف. وقد تقدم ذلك. فتأمل هذه المواضع التي أريتكها؛ "فإن أحدًا من أصحابنا لم يذكر شيئًا منها"6.

_ 1 هو الخفيف العجل. 2 من معانيه الحمام. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقسطاس". 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 5 في ز: "المكان". 6 سقط ما بين القوسين في ز.

باب في أضعف المعتلين

باب في أضعف المعتلين: وهو اللام؛ لأنها أضعف من العين. يدل على ذلك قولهم في تكسير فاعل مما اعتلت لامه: إنه يأتي على فُعَلة, نحو: قاض وقضاة, وغاز وغزاة, وساع وسعاة. فجاء ذلك مخالفًا للتصحيح الذي يأتي على فَعَلة نحو: كافر وكفرة, وبار وبررة. هذا ما دام المعتل من فاعل لامه. فإن كان معتله العين فإنه يأتي مأتى الصحيح على فَعَلة. وذلك نحو: حائك وحَوَكة, وخائن وخوَنة, وخانة, وبائع وباعةٍ, وسائِد

وسادة, أفلا ترى كيف اعتدَّ اعتلال اللام فجاء مخالفًا للصحيح, ولم يحفلوا باعتلال العين؛ لأنها لقوتها بالتقدم لحقت بالصحيح. وجاء عنهم سريّ وسراة مخالفًا1. وحكى النضر سراة, فسراة في تكسير سري عليه بمنزلة شعراء من شاعر2. وذلك أنهم كما كسَّروا فاعلًا على فُعلاء, وإنما فعلاء لباب فعِيل؛ كظريف وظُرفاء, وكريم وكرماء, وكذلك3 كسَّروا أيضًا4 فعيلًا على فَعَلة, وإنما هي لفاعل. فإن قلت: فقد قالوا: فَيْعِل مما عينه معتلة, نحو: سيد وميت, فبنوه على فيِعل, فجاء مخالفًا للصحيح الذي إنما بابه فيعل, نحو: صيرف وخيفق5، وإنما اعتلاله من قبل عينه, وجاءت أيضًا الفيعلولة6 في مصادر ما اعتلت عينه نحو: الكينونة والقيدودة, فقد أجروا العين في الاعتلال7 أيضًا مجرى اللام في أن خصوها بالبناء الذي لا يجود في الصحيح. قيل: على كل حال اعتلال8 اللام أقعد في معناه من اعتلال8 العين, ألا ترى أنه قد جاء فيما عينه معتلة فيعل مفتوحة العين في قوله 9: ما بال عيني كالشعيب العين

_ 1 أي: للقياس؛ فإن قياس معتل اللام ضم الفاء, وهو مخالف أيضًا من حيث إن القياس فيه: أسرياء؛ كما ذكره. وقد جاء القياس في اللغة. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الشاعر". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فكذلك". 4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 5 يقال: ناقة خيفق: سريعة جدًّا. 6 في ط: "الفيعولة". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الإعلال". 8 في ط: "إعلال". 9 أي: رؤبة. وهو أول الأرجوزة، والشعيب: القرية الصغيرة. والعين: اللبالية. شبه عينه لبكائها بالقربة القديمة التي يسل الماء من خرزها. وانظر الكتاب 2/ 372، وشواهد الشافية 59.

وقالوا أيضًا: هَيَّبان1 وتيَّحان2 بفتح عينهما، ولم يأت في باب3 ما اعتلت لامه فاعل مكسرًا على فَعَلة. " فالاعتلال4 المعتد" إذًا إنما هو للام, ثم حملت العين عليها فيما5 ذكرت لك. ويؤكد عندك قوة العين على اللام أنهما إذا كانتا6 حرفي علة صحت العين واعتلت اللام, "وذلك"7 نحو: نواة وحياة، والجوى8 والطوى, ومثله الضواة9 والحواة10. فأما آية وغاية وبابهما فشاذّ, وكأن فيه ضربًا من التعويض لكثرة اعتلال اللام مع صحة العين إذا كانت11 أحد الحرفين. ويدلك على ضعف اللام عندهم أنهم12 إذا كسَّروا كلمة على فعائل, وقد كانت الياء ظاهرة في واحدها لا13 ما فإنهم مما14 يظهرون في الجمع ياء. وذلك نحو: مطية ومطايا وسبية وسبايا و"سوية وسوايا"15 فهذه اللام. وكذلك إن ظهرت الياء في الواحد زائدة فإنهم أيضًا مما16 يظهرونها في الجمع. وذلك نحو خطيئة وخطايا, ورزية ورزايا, أفلا ترى إلى مشابهة اللام للزائد17. " وكذلك أيضًا لو كسرت نحو

_ 1 من معانيه الجيان. 2 هو الكثير الحركة الذي يتعرض للشافي من الأمور. 3 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "والاعتداد"، وفي ط: "فالإعلال المعتد". 5 في ط: "كما". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كانا". 7 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 8 كذا في ز، ط. وفي ش: "الخوي". وكلاهما صحيح. 9 هي الروم الصلب. 10 هي الصوت. 11 في ش: "كان". 12 سقط في ش. 13 ثبت في ش. وسقط في د، هـ. ز، ط. 14 في ط: "ربما". 15 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "سرية وسرايا", والسوية من معانيها قتب البعير، وهو رحله الذي يكون على قدر سنامه. 16 سقط في ط. 17 كذا في ش، ط. وفي ز: "الزائدة" وفي د، هـ: "الزائدة".

عظاية وصلاية, لقلت: عظايا وصلايا"1. وأيضًا فإنك تحذفها كما تحذف الحركة. وذلك في نحو: لم يَدْعُ, ولم يرم, ولم يَخش. فهذا كقولك: لم يضرب، "ولم يقعد"2, وإن تقعد أقعد. ومنها أيضًا حذفهم إياها وهي صحيحة للترخيم في نحو: يا حار ويا مال. فهذا نحو حذفهم الحركات الزوائد في كثير من المواضع. ولو لم يكن من ضعف اللام إلّا اختلاف أحوالها3 باختلاف الحركات عليها4، نعم وكونها في الوقف على حالٍ يخالف حالها في الوصل, نحو: مررت بزيد يا فتى, ومررت بزيدْ، وهذه قائمة يا فتى وهذه قائمهْ- لكان5 كافيًا, أو لا ترى إلى كثرة حذف اللام نحو: يد ودم وغد وأب وأخ, وذلك الباب, وقلة حذف العين في سهٍ ومُذْ. فبهذا ونحوه يعلم أن حرف العلة في نحو: قام وباع أقوى منه في باب غزوت ورميت. فاعرفه.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 2 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط. 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الأحوال عليها". 4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كان".

باب في الغرض في مسائل التصريف

باب في الغرض في مسائل 1 التصريف: وذلك عندنا على ضربين: أحدهما الإدخال "لما تبنيه"2 في كلام العرب والإلحاق له به. والآخر التماسك الرياضة به والتدرب بالصنعة فيه. الأول: نحو قولك في مثل جعفر من ضرب: ضَرْبَب, ومثل حُبْرُج3: ضُرْبُب, ومثل صِفْرٍد4: ضِرْبِب, ومثل سِبَطْر: ضِرَبّ, ومثل فرزدق من جعفر: جَعَفْرَر. فهذا عندنا كله إذا بنيت شيئًا منه فقد ألحقته بكلام العرب وأدعيت بذلك أنه منه. وقد تقدَّم ذكر ما هذه سبيله فيما مضى.

_ 1 في ز: "بمسائل". 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 3 هو من طيور الماء. 4 هو طائر يقال له أبو المليح.

الثاني: وهو1 نحو قولك في مثل فيعول2 من شويت: شَيْوِيّ, وفي فعول منه: شُووٍيّ3، وفي مثل عَصْرفُوط من الآءة: أَوْ أَيُوء, ومنها مثل صُفُرُّق4: أُوُؤْيُؤ, ومن يوم مثل مَرْمَريس: يَوْيَوِيم, ومثل ألندد أيَنْوَم, ومثل قولك في نحو5 افعوعلت من وأيت: ايأوْأيت. فهذا ونحوه إنما الغرض فيه التأنس به وإعمال الفكرة فيه لاقتناء النفس القوة على ما يرد مما فيه نحو مما فيه. ويدلك على ذلك أنهم6 قالوا في مثال إوزة من أويت: إياة, والأصل فيه على الصنعة إيَويَة, فأعلت فيه الفاء والعين واللام جميعًا. وهذا مما لم يأت عن العرب مثلهُ. نعم, وهم لا يوالون بين إعلالين إلا لمحًا شاذًّا ومحفوظًا نادرًا, فكيف بأن يجمعوا بين ثلاثة7 إعلالات 8! هذا مما لا "ريب فيه"9 ولا تخالج شك في شيء منه.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يعلول". 3 ويجوز في تباين مشددتين، وهذا وجه التصريف، والوجه الذ أثبت في الكتاب سببه الفرار من ثقل تكرار الياء. انظر الكتاب 2/ 393، وشرح الرضي للشافية 3/ 192، والأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 187. 4 هو نبت. 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش، "مثل". 6 أي: الصرفيين للتدريب لا العرب. 7 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "ثلاث". 8 في ط: "اعتلالات". 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ثبت به".

باب في اللفظ يرد محتملا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه

باب في اللفظ يرد محتملًا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه 1: أيجازان جميعًا فيه2، أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟ اعلم أن المذهب في هذا ونحوه أن يعتقد الأقوى منهما مذهبًا, ولا يمتنع "مع ذلك"2 أن يكون الآخر مرادًا وقولًا. من ذلك قوله 3: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

_ 1 في ط: "الآخر". 2 سقط في ش. 3 أي: سحيم, والشطر عجز مطلع قصيدة طويلة له في الديوان المطبوع في دار الكتب، صدره: عميرة ودع إن تجهزت غاديا

فالقول أن يكون "ناهيًا" اسم الفاعل من نهيت كساعٍ من سعيت وسار من سريت, وقد يجوز مع هذا أن يكون "ناهيًا" هنا مصدرًا كالفالج1 والباطل والعائر2 والباغز3 ونحو ذلك مما جاء فيه المصدر على فاعل حتى كأنه قال: كفى الشيب والإسلام للمرء نهيًا وردعًا, أي: ذا نهي فحذف المضاف وعلقت اللام بما يدل عليه الكلام, ولا تكون على هذا معلقة بنفس الناهي؛ لأن المصدر لا يتقدم شيء من صلته عليه. فهذا4 وإن كان عسفًا فإنه جائز للعرب5؛ لأن العرب قد حملت عليه فيما لا يشك فيه, فإذا أنت أجزته هنا فلم تجز إلّا جائزًا مثله, ولم تأت إلا ما أتوا بنحوه. وكذلك قوله 6: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه فظاهر هذا أن يكون "جوازيه" جمع جازٍ, أي: لا يعدم شاكرًا عليه, ويجوز أن يكون جمع جزاء, أي: لا يعدم جزاء عليه, وجاز أن يجمع جزاء على جوازٍ لمشسابهة المصدر اسم الفاعل, فكما جمع سيل على سوائل؛ نحو قوله 7: وكنت لقي تجري عليه السوائل

_ 1 هو الداء المعروف بالشلل. 2 هو بئر يكون في جفن العين الأسفل. 3 هو النشاط في الإبل. 4 سقط في ش. 5 ثبت في ز. 6 أي: الحطيئة. وعجزه: لا يذهب العرف بين الله والناس 7 أي: الأعشى يذكر قيس بن مسعد الشيباني. وصدر البيت: وليتك حال البحر دونك كله وقوله: "وكنت" كذا في ز، ط، د، هـ، وفي ش: "فكنت"، وانظر الصبح المنير 128.

"أي: السيول"1 كذلك2 يجوز أن يكون "جوازيه" جمع جزاء, ومثله قوله 3: وتترك أموال عليها الخواتم يجوز أن يكون جمع خاتم, أي: آثار الخواتم, ويجوز أن يكون جمع ختم على ما مضى. ومن ذلك قوله 4: ومن الرجال أَسِنَّة مذروبة ... ومزنَّدون شهودهم كالغائب يجوز أن يكون "شهودهم" جمع شاهد, وأراد: كالغياب, فوضع الواحد موضع الجمع على قوله: على رءوس كرءوس الطائر "يريد الطير"5 ويجوز أن يكون "شهودهم" مصدرًا, فيكون الغائب هنا مصدرًا أيضًا، كأنه6 قال: شهودهم كالغيبة أو المغيب, ويجوز أيضًا أن يكون على حذف المضاف, أي: شهودهم كغيبة الغائب.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكذلك". 3 أي: الأعشى. وهو من قصيدة يعاتب فيها يزيد بن مسهر الشهبانيّ، وقبله معه: فأقسم بالله الذي أنا عبده ... لنصطفقن يومًا عليك المآثم يقلن حرام ما أحل بربنا ... وتترك أموال عليها الخواتم المآثم جمع المآثم، وأراد هنا النساء يجتمعن في الحزن، واصطفاقهن: اضطرابهن يهدده أنه سيقتله، فتجتمع النساء في الحزن عليه، ويستنكرن ما حل بربهنَّ, أي: سيدهن وحاميهن، وهو يزيد، ويذكر أنه سيترك ما خلعه من المال بختمه. ويقول المرصفي في رغبة الآمل 6/ 34 في شرح اصطفاق المآتم: "يريد: لتضطربن عليك رجال قيس" ورجال قيس هم رجال الأعشى، وقد سوّغ له هذا التفسير أن المآتم مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح، ولو أنَّ المرصفى اطَّلع على البيت الثاني لذهب إلى ما ذكرته. وقد فسر المآتم بالنساء في البيت ابن الأنباري في شرح ديوان عامر بن الطفيل: 14. وانظر الصبح المنير 58، وفي الشطر الشاهد المخصص 10/ 18. 4 أي: موسى بن جابر الحنفي. والمذروية: المحددة. والمزندون: البخلاء. وانظر تبريزي الحماسة "التجارية" 1/ 342. 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في ش، وف د، هـ، ز، ط: "فكأنه".

ومن ذلك قوله 1: إلّا يكن مال يثاب فإنه ... سيأتي ثنائي زيدًا ابن مهلهل فالوجه أن يكون "ابن مهلهل" بدلًا من زيد لا وصفًا له؛ لأنه لو كان وصفًا لحذف تنوينه فقيل: زيد بن مهلهل, ويجوز أيضًا أن يكون وصفًا أخرج على أصله, ككثير من الأشياء تخرج على أصولها تنبيهًا على أوائل أحوالها كقول الله سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ونحوه3. ومثله قول الآخر 4: جارية من قيس ابن ثعلبه القول في البيتين سواء. والقول في هذا واضح, ألا ترى أن العالم الواحد قد5 يجيب6 في الشيء الواحد أجوبة وإن كان بعضها أقوى من بعض, ولا تمنعه قوة القويّ من إجازة الوجه الآخر؛ إذ كان من7 مذاهبهم8 وعلى سمت كلامهم9، كرجل له عدّة أولاد فكلهم ولد له, ولاحق به وإن تفاوتت أحوالهم في نفسه. فإذا رأيت العالم قد أفتى في شيء من ذلك بأحد الأجوبة الجائزة فيه, فلأنه وضع يده على أظهرها عنده، فأفتى به

_ 1 أي: الحطيئة يمدح زيد الخيل الطائي، وكان أسر الشاعر فمنَّ عليه, وقوله: "يثاب" في الديوان المطبوع: "بآت". 2 آية 19 سورة المجادلة. 3 ثبت في ش. وسقط في د، هـ، ز، ط. 4 هو الأغلب العجلي, والشطر من أرجوزة يذكر فيها امرأة كان يهاجيها، تسمَّى كلبة, وقد عناها بالجارية، وانظر الخزانة في الشاهد الحادي والعشرين بعد المائة، والكتاب 2/ 118. 5 سقط في ط. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يجيز". 7 في ط: "على". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مذهبهم". 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من كلامهم".

وإن كان مجيزًا للآخر وقائلًا به, ألا ترى إلى قول سيبويه1 في قولهم: له مائة بيضًا: إنه حال من النكرة، وإن كان جائزًا أن يكون "بيضًا" حالًا من الضمير المعرفة المرفوع في "له". وعلى ذلك حمل قوله2: لعزة موحشًا طلل فقال فيه: إنه حال من النكرة, ولم يحمله على الضمير3 في الظرف. أفيحسن بأحد "أن يدَّعى على أحد"4 متوسطينا أن يخفى هذا الموضع عليه, فضلًا عن المشهود له بالفضل: سيبويه. نعم, وربما5 أفتى بالوجه الأضعف عنده، لأنه6 على الحالات وجه صحيح. وقد فعلت العرب ذلك عينه ألا ترى إلى قول عمارة لأبي العباس وقد سأله عمَّا أراد بقراءته 7: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} 8 فقال له: ما أردت؟ فقال: أردت: سابقُ النهار, فقال له أبو العباس: فهلَّا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن, أي: أقوى. وهذا واضح. فاعرف ذلك ونحوه مذهبًا يقتاس به ويفزع إليه.

_ 1 انظر الكتاب 1/ 272. 2 أي: كثير عزة، ومن رواه: "لمبة" نسبة إلى ذي الرمة, وإيراد الشطر الأوّل كما هو هنا, هو وفق ما في ش. وبعد: يلوح كأنه خلل وفي د، هـ، ز، ط: لعزّة موحشًا طلل قديم وبعده: عفا كل أسحم مستديم والخلل جمع الخلة، بكسر الخاء وفتح اللام مشدَّدة، وهي بطانة تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره. والأسحم: الأسود, وأراد به السحاب؛ لأنه إذا كان ذا ماء يرى أسود لامتلائه. وانظر الكتاب 1/ 276, والخزانة 1/ 531. 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المضمر". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قد". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "إلا أنه". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بقوله". 8 آية: 40، سورة يس.

باب فيما يحكم به القياس مما لا يسوغ به النطق

باب فيما يحكم به القياس مما لا يسوغ به النطق 1: وجماع ذلك التقاء الساكنين المعتلين في الحشو, وذلك كمفعول مما عينه حرف علة, نحو: مقول ومبيع, ألا ترى أنك لما نقلت حركة العين من مقوول ومبيوع إلى الفاء, فصارت في التقدير إلى مقُوْوْل ومَبُيوْع تصورت حالًا لا يمكنك النطق بها, فاضطررت حينئذ إلى حذف أحد الحرفين على اختلاف المذهبين. وعلى ذلك قال أبو إسحاق لإنسان ادَّعى له2 أنه يجمع في كلامه بين ألفين وطول الرجل "الصوت3 بالألف", فقال له أبو إسحاق: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلّا ألفًا واحدة. وكذلك فاعل مما "اعتلَّت عينه"4 نحو: قائم وبائع, ألا تراك لما جمعت بين العين وألف فاعل ولم تجد إلى النطق بهما على ذلك سبيلًا حركت العين فانقلبت همزة. ومنهم من يحذف فيقول: شاك السلاح بطل مجرَّب5 ويقول6 أيضًا: لاثٌ به الأشاء والعبري7 وعلى ذلك أجازوا في يومٍ راح, ورجل خاف أن يكون فعلًا, وأن يكون فاعلًا محذوف العين لالتقاء الساكنين. فإن اختلف الحرفان المعتلَّان جاز تكلّف جمعهما حشوًا نحو: قاوْت وقايْت وقْيوت8. فإن تأخَّرَت الألف في نحو هذا لم يمكن النطق بها, كأن تتكلَّف النطق بقوَّات أو بقيات. وسبب امتناع ذلك لفظًا أن الألف

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "اللسان". 2 سقط في ش. 3 كذا في ز، ط. وفي ش: "في الصوت الألف". 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "عينه معتلة". 5 انظر ص479 من هذا الجزء. 6 كذا في ش. وفي ط: "تقول". وفي د، هـ، ز: "قال". 7 انظر ص131، 479 من هذا الجزء. 8 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "غير بت".

لا سبيل إلى1 أن تكون ما قبلها إلّا مفتوحًا, وليست2 كذلك الياء والواو. فأنت إذا تكلَّفت نحو: قاوْتٍ وقايْتٍ, فكأنك إنما مطلت الفتحة, فجاءت الواو والياء كأنهما بعد فتحتين, وذلك جائز نحو: ثوب وبيت, ولو رمت مثل ذلك في نحو:3 قيات أو قُوْات, لم تخل من أحد أمرين, كل واحد منهما غير جائز: أحدهما أن تثبت حكم الياء والواو حرفين ساكنين فتجيء الألف بعد الساكن, وهذا ممتنع غير جائز. والآخر أن تسقط4 حكمهما لسكونهما وضعفهما, فتكون الألف كأنها تالية للكسرة والضمة, وهذا خطأ بل محال. فإن قلت: فهلَّا جاز على هذا أن تجمع بين الألفين وتكون الثانية كأنها إنما هي تابعة للفتحة "قبل الأولى؛ لأن الفتحة"5 مما تأتي قبل الألف لا محالة, وأنت الآن آنفًا تحكي عن أبي إسحاق أنه قال: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلّا ألفًا واحدة؟ قيل: وجه امتناع ذلك أنك لو تكلَّفت ما هذه حاله للزمك للجمع6 بين الساكنين اللذين هما الألفان اللتان نحن في حديثهما أن تمطل الصوت بالأولى تطاولًا به إلى اللفظ بالثانية, ولو تجشَّمت ذلك لتناهيت7 في مد الأولى، فإذا صارت إلى ذلك تَمَّت ووفَّت فوقفت8 بك بين أمرين كلاهما ناقض عليك ما أعلقت به يديك: أحدهما: أنها لما طالت وتمادت ذهب ضعفها وفقد خفاؤها, فلحقت لذلك بالحروف الصحاح, وبعدت عن شبه الفتحة الصغيرة9 القصيرة الذي10 رمته.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ليس". 3 سقط في ش. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بسقط". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والجمع". 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لتناهت". 8 سقط في ش. 9 ثبت في ط. وسقط في ش، ز. 10 كذا في ش. وفي ز، ط: "التي".

والآخر: أنها تزيد صوتًا على ما كانت عليه, وقد كانت قبل أن تشبع مطلها أكثر من الفتحة قبلها, أفتشبهها بها من بعد أن صارت للمدِّ أضعافها. هذا جور في القسمة, وإفحاش في الصنعة, واعتداء على محتمل الطبيعة والمنَّة1. ولذلك لم يأت عنهم شيء من مقول ومبيع على الجمع بين ساكنيهما وهما مقوول ومبيوع؛ لأنك إنما تعتقد أن الساكن الأول منهما كالحركة ما لم تتناه2 في مطله وإطالته, وأما3 والجمع بينهما ساكنين حشوًا يقتادك إلى تمكين الحرف الأول وتوفيته حقَّه ليؤدّيك إلى الثاني والنطق به, فلا يجوز حينئذ وقد أشبعت الحرف وتماديت فيه أن تشبهه بالحركة؛ لأن في ذلك إضعافًا له بعد أن حكمت بطوله وقوته, ألا ترى أنك إنما4 شبهت باب عصيّ بباب أدْلٍ وأحْقٍ لما خفيت "واو فعول"5 بإدغامها فحينئذ جاز أن تشبهها بضمة أفعل. فأما وهي على غاية جملة6 البيان والتمام فلا. وإذا لم يجز هذا التكلف في الواو والياء وهما أحمل له, كان مثله في الألف للطفها وقلة احتمالها ما تحتمله الياء والواو أحرى وأحجى. وكذلك الحرفان الصحيحان يقعان حشوًا، وذلك غير جائز نحو: قصْبْل ومرطل7؛ هذا خطأ بل8 ممتنع. فإن كان الساكنان المحشوّ بهما الأول منهما حرف معتل, والثاني حرف صحيح تحامل النطق بهما. وذلك "نحو: قالب، وقولب، وقيلبٍ"9. إلّا أنه وإن كان سائغًا ممكنًا, فإن العرب قد عدته وتخطته10؛ عزوفًا عنه وتحاميًا لتجشم الكلفة فيه, ألا ترى

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "البتة". والمنة: القوة. 2 كذا في ش: وفي ط: "يتناه". 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تامًّا". 4 في ش: "لما". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الواو". 6 سقط في ش. 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قصبل". 8 ثبت في ش. وسقط في ز، ط. 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قالت، وقولت، وقبلت". 10 كذا في ش. وفي ز، ط: "تخاطأته".

أنهم لما سكنت عين فَعَلتْ ولامه حذفوا العين البتة فقالوا: قلت وبعت وخفت, ولم يقولوا: قُولْت ولا بيعْت ولا خِيفْت, ولا نحو ذلك مما يوجبه القياس, وإذا1 كانوا قد يتنكَّبون ما دون هذا في الاستثقال نحو قول عمارة2 {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} مع أن إثبات التنوين هنا ليس بالمستثقل استثقال قُولْت وبيعت وخِيفت كان ترك هذا البتة واجبًا. فإن كان الثاني3 الصحيح مدغمًا كان النطق به جائزًا حسنًا, وذلك نحو: شابة ودابة وتمودّ الثوب وقوصّ بما عليه, وذلك أن الإدغام أنبى اللسان عن المثلين نبوة واحدة، فصارا4 لذلك5 كالحرف الواحد. فإن تقدَّم الصحيح على المعتل لم يلتقيا حشوًا ساكنين؛ نحو:6 ضَرْوْب وضَرْيْب, وأما الألف فقد كفينا التعب بها؛ إذ كان لا يكون ما قبلها أبدًا ساكنًا. وذلك أن الواو والياء إذا سكنتا قويتا شبهًا بالألف. وإنما جاز7 أن يجيء ما قبلهما من الحركة ليس منهما نحو: بيت وحوض؛ لأنهما على كل حالٍ محرك ما قبلهما, وإنما النظر في تلك الحركة ما هي أمنهما أم من غير جنسهما, فأمَّا أن يسكن ما قبلهما وهما ساكنتان حشوًا فلا, كما أن سكون ما قبل الألف خطأ. فإن سكن ما قبلهما وهما ساكنان طرفًا جاز, نحو: عَدْوْ وظَبْىْ. وذلك أن آخر الكلمة أحمل لهذا النحو من حشوها ألا تراك تجمع8 فيه بين الساكنين وهما صحيحان نحو: بَكْرْ وحَجْرْ وحِلْسْ, وذلك أن9 الطرف ليس سكونه بالواجب, ألا تراه في غالب الأمر محركًا في الوصل وكثيرًا ما يعرض له10 روم الحركة في الوقف, فلمَّا كان الوقف مظنَّة من السكون،

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فإذا". 2 انظر ص494 من هذا الجزء. 4 كذا في ش. وفي ز، ط: "فصار". 5 سقط في ز، ط. 6 سقط في ش. 7 في ط: "جاز أبدًا". 8 سقط في ش. 9 ثبت في ش: ط، وسقط في د، هـ، ز. 10 هو الإعادة إلى الحركة بصوت خفي.

وكان له من اعتقاب الحركات عليه1 في الوصل ورومها فيه عند الوقف ما قدمناه, تحامل الطبع به، وتساند2 إلى تلك التعلّة فيه. نعم, وقد تجد في بعض الكلام التقاء الساكنين الصحيحين في الوقف, وقيل الأول منهما حرف مد, وذلك في لغة العجم نحو قولهم: آردْ3، وماسْت4, وذلك أنه في لغتهم مشبه بدابّة وشابة في لغتنا. وعلى ما نحن عليه فلو أردت تمثيل أهرقت على لفظه لجاز فقلت: أهفلت, فإن أردت تمثيله على أصله لم يجز من قِبَل أنك تحتاج إلى أن تسكن فاء أفعلت, وتوقع قبلها هاء أهرقت وهي ساكنة, فيلزمك على هذا أن تجمع حشوًا5 بين ساكنين صحيحين. وهذا على ما قدمناه وشرحناه فاسد غير مستقيم. فاعرف مما6 ذكرناه حال الساكنين حشوًا, فإنه موضع مغفول عنه, وإنما "يسفر ويضح"7 مع الاستقراء له والفحص عن حديثه. ومن ذلك أنك لما حذفت حرف المضارعة من يضرب ونحوه وقعت الفاء ساكنة مبتدأة. وهذا ما لا سبيل إلى النطق به, فاحتجت إلى همزة الوصل تسببًا على النطق به.

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "له". 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مشابه". 3 كذا في ط, وهو يوافق ما في ص91 من الجزء الأول. وفي ش، ز: "آرت". وآرد كلمة فارسية معناها الدقيق. 4 هو اللبن. وانظر المرجع السابق. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: وضع هذا اللفظ بعد قوله: "ساكنين". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بما". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يصحّ ويستفزّ". وفي ط: "يستقر ويصح".

فهرس الجزء الثاني من الخصائص

فهرس الجزء الثاني من الخصائص: 55- باب في ترك الأخذ عن أهل المدر، كما أخذ عن أهل الوبر 7-12: فساد لسان البادية في عهد المؤلف 7. خطائي ونحوها 8. كأن فاى 9. اللحن في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام، وفي عهد عمر وعلى -رضي الله عنهما، وأولية وضع النحو 15. مذهب البغدادي والكوفيين في نحو محموم 11. وما بعدها. 56- باب اختلاف اللغات وكلها حجة 12-14: التعادل في اللغات والترجيح بينها 12. المال له ومررت به بكسر اللام وفتح الباء 12. براءة لغة قريش من عيوب اللغات الأخرى كالكشكشة والكسكسة والتضجع والعجرفية واللئلة والعنعنة 13. اتباع اللغة الرديئة ليس خطأ 14. 57- باب في العربي الفصيح ينتقل لسانه 14-15: استأصل الله عرقاتهم 15. وانظر 385 من الجزء الأول. 58- باب في العربيّ يسمع لغة غيره، أيراعيها ويعتمدها، أم يلغيها ويطرح حكمها؟ 16-19: يا تزن في يتَّزن 16. ضربت أخواك ومررت بأخواك 16. ياس في يأس 16. قلب الألف همزة في الوقف 19. 59- باب في الامتناع من تركيب ما يخرج عن السماع 19-23: في هذا الباب مسائل يمتنع فيها الإضمار أو يجوز مع بعض تغيير. وهاء الضمير لا تكون رويًّا إذا تحرك ما قبلها 19. قيامك أمس حسن وهو اليوم قبح 21 وما بعدها. يجوز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها 22. 60- باب في الشيء يسمع من الفصيح لا يسمع من غيره 23-30: في هذا الباب ألفاظ من العربية انفرد بها ابن أحمر. الثغرور في الثغر 26. ارتجال رؤبة وأبيه للغة 27. الإلحاق بتضعيف اللام 27. الشجري وابن عمه يصغران ألفاظ 28. استنكار العرب لزيغ الإعراب 28. قصة لأبي مهدية وأخرى للمتنبي 29. ثِبْ في لغة اليمن وقصة من دخل ظفار حمرّ 30.

61- باب في هذه اللغة أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط؟ 30-42: كلام أهل الحضر لا يختلف عن كلام الفصحاء إلا في أشياء الإعراب 31. الاختلاف في اللغة حدث في أول وضعها 36. مراتب الكلم الثالث في الوضع 32. رتبة الحاضر والمستقبل 33. ما غير لكثرة الاستعمال غيرته العرب قبل وضعه 31. مشقة الإعراب في الكلام 34. تدبير الأوّل بما يتوقع بعد 34. المضارع أسبق من الماضي 36. الاشتقاق من الحرف 36. مادة "ن ع م" ترجع إلى نعم 37. الإضافة تنافى البناء 38. الحروف يشتق منها ولا تشتق هي 31. الأفعال يجري فيها الحذف اعتباطًا 39. أمثلة الفعل تجري مجرى المثال الواحد 40. وقعت اللغة طبقة وادحة 42. اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف 42. كتاب للمؤلف في الزجر 42. 62- باب في اللغة المأخوذة قياسا 42-45: كلام العرب منه ما لا يدخل تحت قياس كباب ودار، ومنه ما يدخل تحت القياس 44. 63- باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية 46-57: ليس في كلامهم نحو حيوت 48. باب طويت أكثر من باب حييت 48. نوع من التجنيس 49. كتاب له في شرح المقصور والممدود والممدود من ابن السكيت 50. خطأ لثعلب في القول بزيادة بعض الحروف وفي الاشتقاق 51. رأى الخليل في نحو دلامص 53. رأي الزجاج في وزن نحو صلصل 54. إبدال السين تاء في نحو الناس 54. اختصاص المعتل بنحو سيد وقضاة وقيدودة 55. ظللت وتقصيت 56. بيئس 56. رأي البغداديين وابن السراج في نحو حثحث 56. 64- باب في المثلين كيف حالهما في الأصلية والزيادة. وإذا كان أحدهما زائدًا وأيهما هو؟ 58-71: ألندد وألنجج 59. امَّحى 62. الصباغ في الصواغ 67. وزن ما دخله الزحاف في العرض 69. صمحمح 70. التاء في تفعيل عوض عن ألف فعال 71. 65- باب في الأصلين يتقاربان في التركيب والتأخير 71-84: آن مقلوب 72. أيس وإياس 73. وما بعدها. اطمأنَّ 76. أينق 77. الحاء والقسيّ 78.

66- باب في الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه 84-90: طبرؤل 84. بن في بل 86. فُمَّ في ثُمَّ 86. قربان وكربان وجعشوش وجعسوس 88. فسطاط ولغاتها 89. وعد أن يشرح كتاب القلب والإبدال لابن السكيت 90. مسألة من القياس أجل من كتاب لغة 90. 67- باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف، لا بالإقدام والتعجرف 90-95: فوعل وفوعال من وأيت 91. الأوار 91. أفعوعلت من رأيت 92. فعل من رأيت 92. النسب إلى محيًّا 92. بناء مثل محويّ من ضرب 94. بناء مثل تحويّ من نشف 94. قد يكون الغرض في مسائل العلم رياضة الفكر لا العمل 94. 68- باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف والحركات والسكون 95-105: وقوع هذا في الحروف 96. الوقف على المنصوب المنون دون ألف 99. المعرب في شرح قوافي الأخفش 101. وقوع هذا في الحركات 101. التسمية بأسماء الإشارة والاستفهام ونحوهما 101. السكون 104. 69- باب في اتفاق المصاير، على اختلاف المصادر 105-109: اغزوى عند البصريين واغزوّ عند الكوفيين 106. فُعْل من جئت على مذهب التخفيف 107. النسبة إلى مئة 108. النسب إلى فَعْلَة وفِعْلة عند يونس 108. بناء مثل إصبع من غزوت 109. جمع تعزية وتعزوة 109. 70- باب في ترافع الأحكام 110-115: أمة وآم ورفبة وأرقب 115 وما بعدها. النسبة إلى حنيفة وشأم ويمن وتهامة 112. مكان الحركة من الحرف 112. إتّباع الثاني للأول وعكسه 114. ألفاظ في الزكام 114. 71- باب في تلاقي المعاني، على اختلاف الأصول والمباني 115-135: مرادفات للطبيعة والخليقة 115 وما بعدها. المسك والصوار 119 وما بعدها. اشتقاق الطفيل 121. اشتقاق الرطل 122. اشتقاق الناقة والجمل 123.

كلمات جرت على السلب 125. الفضة واللجين 125. مرادفات الذهب 126 وما بعدها. السحاب والحلبيّ 128. مرادفات الحاجة 129. مرادفات الحافظ لملال 131. مرادفات الدم 134. 72- باب في الاشتقاق الأكبر 135-141: لابن السراج رسالة في الاشتقاق 136. تقاليب "ج ب ر" 137. تقاليب "ق س ر" 138. تقاليب "س م ل" 139. لام أثفية 141. 73- باب في الإدغام الأصغر 141-147. اتحى وأثاقل 142. الإمالة 143. قلب تاء الافتعال طاء 143. قلب تاء الافتعال دالًا 144. الصوق في السوق 145. شِعير في شَعير 145. منن ومنتن وأجوءك 145. الحمد لله والحمد لله بضم الدال واللام وكسرها 146. مزدر في مصدر 146. الإشمام 146. همزة بين بين 146. الروم 147. 74- باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني 147-154: هز وأز والأسف والعسف 148. القرمة 149. العمل والعلب 150. السحيل والصهيل 151. 75- باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني 154-170: الفعلان 154. الفعلة والفعلى واستفعل 155. العين أقوى من الفاء واللام 157. الخضم والقضم 159. النضح والنضخ، القد والقط، قرت وقرد وقرط 160. بحث في إعراب قوله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} 160. حكمة العربية 166. كلمات جاءت حكاية للصوت 167. خواص اجتماع بعض الحروف. 76- باب في مشابهة معاني الإعراب معاني الشعر 170-180: لا التبرئة 170. وما أدري أأذن أو أقام 171. لا يبني من ضرب مثل عنسل 171. التنازع في العمل 172. حكاية في الجر بالمجاورة 172. بحث في قوله تعال: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" 174. تشبيه الضارب الرجل بالحسن الوجه 178.

77- باب في خلع الأدلة 181-198: بحث في قوله تعالى: {إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} 184. الإضافة لا تنافي البناء 185. وانظر ص38 من هذا الجزء. وقوق الألف في "ذلك" تأسيسًا 187 وما بعدها. تجنب مخاطبة الملوك بأسمائهم 190. اللواحق في نحو إياك 191. أرأيتك زيدًا ما صنع 192. إيثار الضمير المتصل على المنفصل 194. قوله تعالى: {ألا يا اسجدوا} في قراءة التخفيف 197. واو المعية وفاء جواب الشرط 198. 78- باب في تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان 199-202: كتابه في تفسير أسماء شعراء الحماسة 199. أسماء الأعداد تقع أعلامًا 200. فعال علمًا 200 وما بعدها. الأوزان الصرفية 201. 79- باب في الشيء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه 203-212: التاء في نحو علامة 203. رجل عدل 204. عمل المصدر مجموعا 209. ناقة ضامر 211. 80- باب في ورود الوفاق مع وجود الخلاف 212-215: غاض الماء وغضته 212. قوله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} 213. فعل العبد مكتسب له أو مخلوق 215. 81- باب في نقض العادة 216-228: كسى وكسوته 216. أقشع للغيم وقشعته الريح 227. مسألة في المنسرح 217. أحبه فهو محبوب 218. عنيت بحاجتك وبابه وفصيح ثعلب 221. أورس الرمث فهو وارس 221. مجيء الكلمة على حذف الزيادة 222. الوصف بالجوهرة لما فيه من معنى الفعل 223. جواد وأجواد 224. نعمة وأنعم 225. فعل المغالبة نحو ضار بني فضربته أضربه 225. مسألة فيها قائمًا رجل، ما جاءني إلا زيدًا أحد 226. فعل التعجب نحو ما أحسنه سنقول عن فعل 227. 82- باب في تدافع الظاهر 229-235: تأليف الكلمة من الحروف المتقاربة 229. النسب إلى مثنى 229. الحرف المشدد إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد سكن كما يسكن المتحرك إذا وقع رويًّا فيه 230. فعل من القول

231. تاء الأفتعال 231. الفتوى 232. تقي وتقواء، ومضواء 233. أمليت وبابه 233. أميى ومهيبمي 234. 83- باب في التطوع بما لا يلزم 236-274: هو لزوم ما لا يلزم. أرجوزة طائية 236. أرجوزة رائية التزم التصغير في قوافيها إلا قليلًا 237. أرجوزة لامية 241. أرجورة لأبي العالية 246. قطعة من الرحز في وصف قرية 248. أرجوزة للأعور الشني وقد حمل على بعيره محملان أول ما عملت المحامل 248. أرجوزة همزية لغيلان الربعي 252. قصيدة لامية لعبيد بن الأبرص التزم في آخر المصراع الأول من أبياتها لام التعريف ما عدا بيتًا واحدًا 257. مسألة عروضية في الروي 260 وما بعدها. كناية المعرب 263. التزام ما لا يلزم عند المحدثين 264. ضرب من الموزون يسميه الأخفش والخليل سجعًا 165. التزام ما لا يلزم في غير الشعر 267. مسألة الحسن والحسين أفضل أم ابن الحنفية 268. الحال المؤكدة 270. قوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} 271. قوله تعالى: {فخر عليهم السقف من فوقهم} 272. استعمال "على" في المكروه واللام في المحبوب 273. 84- باب في التام يزاد عليه فيعود نقاصًا 274-275: 85- باب في زيادة الحروف وحذفًا 275-286: الحروف قائمة مقام جمل 275 وما بعدها. لا تعمل الحروف في الفضلات 276. عمل يا في النداء 278. توكيد الضمير المحذوف نحو الذي ضربت نفسه زيد 282. شواهد لحذف الحرف 283. تكرير الحروف وزيادتها 284. المنسوغ للحذف والزيادة 286. 86- باب في زيادة الحرف عوضًا من آخر محذوف 287-308: تقي وتجه 288. اتخذ واتهل 289 وما بعدها. كتاب شرح تصريف المازني 290. ما حذفت عينه 291. أينق، خاف، هين، قيدودة 291. ياء التفعيل عوض عن عين فعال 292. ضعف حروف العلة 294. نوبة ونوب وخيمة وخيم 296. عرصة وعرص 297. ما حذفت لامه مع التعويض 298. الألف في عصا ورحى عند الوقف عليهما 298 كتاب سر الصناعة 299. هيهات 299. علم الجنس 301. وجه بناء أسماء الأفعال 302. قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-

203. ما زيد من الحروف عوضًا من حرف محذوف 304. زنادقة، زعافير 304. تاء التأنيث في التفعلة عوض من ياء تفعيل وألف فعال 304. بحث في مقتوين 305. ميم مفاعلة عوض من ألف فاعلته 306. الألف في يمان وشآم وثمان 307. تاء التفعيل بدل من ألف الفعال 307. وانظر 292 من هذا الجزء. تبادل الحروف في مواضعها 357. 87- باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض 308-317: بحث في التضمين 310. أنكر بعض اللغويين أن يكون لفظان لمعنى واحد 312. حمل اللفظ على نقيضه في التعدية والمصدر 313. استعمال "على في المكروه 314. وانظر ص273 من هذا الجزء. 88- باب في مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف 317-323: أضعف حروف العلة الألف 320. هاء السكت 321. شبه الحركة بالحرف في منع الصرف والنسب 321. الحرف المشدد يقع رويًّا في الشعر المقيد 323. وانظر 230 من هذا الجزء. اختلاف التوجيه في العروض 322. باب القود والحوكة والخونة، هيؤ 323. 89- باب محل الحركات من الحروف أمعها أم قبلها أم بعدها 323-329: عنبر وشنياه لما يتوقع 326 وما بعدها. المسائل الصرفية يرجع فيها إلى النفس والحس لا إلى الإجماع، وإجماع النحو بين ليس حجة فيها 328. 90- باب الساكن والمتحرك 330-344: الإشمام والروم 330. حروف الهمس يتبعها في الوقف صوت 330. التسكين في نحو فهو 332. الأشياء تجري على حقائقها في الوصل دون الوقف 333. حركة التقاء الساكنين وحركة النقل وما ماثلهما 334 وما بعدها. حركة الإتباع 335. أجوءك وأنبؤك وبابهما 338. همزة التذكر 339. عَلْم في عِلَم وبابه 340. "إنه من يتق ويصبر" بسكون القاف 341. تسكين المتحرك بحركة إعرابية 342 وما بعدها. 91- باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد 344-347: سودد محلق بما لم يجئ عن العرب 345.

92- باب في مراجعة أصل واستئناف فرع 347-349: النسب إلى حمراء وشقاوة وعدوة 348. 93- باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع 349-354: هيز وقضو ورو 350. تاء الافتعال, وفيه التقطت النوى 351. قراءة أبي عمرو: "يا صالح ابتنا" بتصحيح الياء 352. اجليوذ في اجاؤاذ 352. 94- باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى 354-356: قوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال} بببناء "يسبح" للمفعول 355. مسألة {إنا منجوك وأهلك} 355 وما بعدها. 95- باب في حمل الأصول على الفروع 357-358: المضمر أقوى حكمًا في باب الإضافة من المظهر 357. 96- باب في الحكم يقف بين الحكمين 358-361: الكسرة في نحو غلامي ليست بإعراب ولا بناء 358. والرحل عند المؤلف بين المنصرف وغير المنصرف، وكذلك التثنية والجمع على حدة 359 وما بعدها. ما جاء غير جار على حد الوصل ولا على حد الوقف 365 وما بعدها. 97- باب في شجاعة العربية 362-344: الحذف 362-383. حذف الجملة 362 وما بعدها. حذف الاسم 364-381: حذف المبتدأ 364. حذف الخبر 364. حذف المضاف 364. حذف المضاف إليه 365. ابدأ يهدأ أول 365. بادي بدي 366. قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} 367. حذف الموصوف 368. منع حذفه إذا كان الوصف جملة 368. منع حذف الموصوف إذا كان الوصف جارًّا أو مجرورًا أو ظرفًا 370. حذف الصفة الجملة 372. قوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} حذف الصفة لدلالة الحال 372. دلالة ملابسات الكلام والنطق به كتمكين الصوت وتقطيب الوجه

373. حذف المفعول به 374. حذف الظرف 374. المحذوف في قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} 375. حذف المعطوف والمعطوف عليه 375. حذف المستثنى 375. حذف خبر إن مع النكرة 375. حذف إن مع المعرفة عند البصريين 376. حذف المفعول الثاني في أزيد أظننته منطلقًا 376. حذف خبر كان 372. حذف المنادى 377. لات أوان 379. حذف التمييز 380. الحذف إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم 380. حذف الحال 385. حذف المصدر 381. حذف الفضلة 381. حذف الفعل 381-383: حذف الفعل مع الفاعل 381. حذف الفعل وحده 381. الرافع في قولهم: أما أنت منطلقًا 383. حذف الحرف 383-383 فصل في التقديم والتأخير 384-392: تقديم المفعول به 384. تقديم المستثنى 384. تقديم خبر المبتدأ 384. تقديم خبر الأفعال الناسخة 384. تقديم المفعول لأجله 385. تقديم المفعول معه 385. لا يجيز الأخفش آتيك وطلوع الشمس على المفعول معه 385. تقديم المعطوف على المعطوف عليه 385. تقديم التمييز 386. لا يجوز تقديم مرفوع على رافعه 387. ضروب من الكلام يمتنع تقديمها كالصلة والصفة 387. تقديم المعطوف 387. تقديم جواب الشرط 389. إجراء الشيء مجرى نقيضه 391. الفروق والفصول 392-413: الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وبين الفعل والفاعل بأجنبي، وبين المبتدأ والخبر 392. تقديم معمول الصفة على الموصوف 393. ركوب الشاعر الضرورة قد يدل على قوته وفصاحته 394. أشعار فيها تقديم وتأخير على غير وجه 395. وما بعدها. قضته محرفة سرجها فرسك 396. قوله تعالى: {فبشرناها بإسحاق ومن وارء إسحاق يعقوب} 397. الفصل بين الصفة والموصوف 398. بحث في ضمير الشأن 399. عمل ليس في الظرف, وقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم" 402. الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي 404. الفصل بين المضاف إليه 406. المقدَّر قد يقبح ظهوره في اللفظ 411. الفصل بين الجازم والمجزوم 412. الفصل بين الفعل وناصبه 413.

فصل في الحمل على المعنى 413-437: تذكير المؤنث 413. تأنيث المذكر 417. قول عربي جاءته كتابي فاحتقرها 418، وضع الواحد موضع الجماعة 421. قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} 425. العطف على المعنى 426. رفع الفاعل بفعل محذوف 426. نصب المفعول بمضمر 428. العامل في البدل 429. حذف نون المثنى في غير الإضافة 432. علفتها تبنًا وماء باردًا 433. عطف المنصوب على المجرور 434. وضع الفعل موضع المصدر 435. التضمين 437. وانظر 312 من هذا الجزء. فصل في التحريف 438-443: تغييرات النسب القياسية وغير القياسية 438. تغيير الأعلام 438. التغيير بالحذف 439. تحريف الفعل 440-442: الحذف في المضعف نحو ظلت 440. بناء مثل اطمأن من الضرب 441. المقلوب 441. لم أبله 442. تحريف الحرف 442-443: ابن في بل، وفم في ثم. 98- باب فرق بين الحقيقة والمجاز 444-449: بنو فلان يطؤهم الطريق 448. قوله تعالى: {واسأل القرية} 449. 99- باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة 449-459: نحو قام زيد مجاز 449. خلق الله السماوات مجاز 451. ضربت عمرًا مجاز 452. لم وقع التوكيد في الكلام 452. حذف المضاف قياس عنده خلافًا للأخفش 453. حذف المضاف مع الإلياس 454. توكيد المجاز 455. {وكلم الله موسى تكليمًا} 456. {وأوتيت من كل شيء} 458. {وفوق كل ذي علم عليم} 459. 100- باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول، ما لم يدع داعٍ إلى الترك والتحول 459-467: أو بمعنى بل 460. أو بمعنى الواو 462. {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} 463. {ذق إنك أنت العزيز الكريم} . زيادة واو العطف 464. هل في معنى

قد 464. لا ينصب المضارع في جواب الاستفهام التقريري، الاستفهام التقريري ينقل النفي إلى الإثبات والإثبات إلى النفي 465 وما بعدها. 101- باب في إيرد المعنى المراد، بغير اللفظ المعتاد 468-471: الحبرور وفي تصغير الحباري، وألفاظ عن ابن الشجري 468، "فحاسوا خلال الديار" في فجاسوا 468. طريقة لأبي مهدية في الأذان 468. الاختلاف في رواية الأشعار والحكايات 468. قول أبي علي فيمن يفهم عنه إذا أجابه بعبارة دون عبارة تماثلها، وقصة للحسن البصر في ذلك 470. عبارة لسيبويه لم يتوخ فيها الدقة 471. 102- باب في ملاطفة الصنعة 472-475: أجر وأدل 472. ولي حقي 473. إعلال قام وباع 473. ست والنات 474. 103- باب في التجريد 475-478: استعمال في التجريد 476. استعمال الباء وفي في التجريد 477. رأي في معنى الإنسان 478. 104- باب في غلبة الزائدة للأصلي 479-482: حذف الحرف الأصلي للزائد ذي المعنى 479. قرنيت من الفرنوة 481. 105- باب في أن ما لا يكون للأمر وحده يكون له إذا صام غيره 482-486: الزائد في أول الكلمة قد يكون للإلحاق إذا انضمَّ إليه غيره 482. حرف المد إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق 483. ما جاء على إفعال من غير المصادر 484. ما جاء على أفعال وصفًا للمفرد 484. ما جاء على أفاعل بضم الهمزة 484. الألف لا تكون للإلحاق حشوًا 485. مثل طومار وديماس ملحق 486. 106- باب في أضعف المعتلين 486-489: سراة وسراة بفتح السين وضمها في جمع سرى 487. مشابهة اللام للزائد 488. مظاهر لضعف اللام 489.

107 باب في الغرض في مسائل التصريف 489-490: فيعول وفعلول من شويت، ونحو هذا، "490". 108- في اللفظ يرد محتملًا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه, أيجازان جميعًا فيه، أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟ 490-494. قد يجيب العالم في الشيء الواحد بأجوبة إن كان بعضها أقوى من بعض 493. ربما أفتى العالم بالوجه الضعيف عنده 494. 109- باب فيما يحم به القياس مما لا يسوغ به النطق 495-499: إعلال قائل وبائع 495، يوم راحٍ ورجل خافٍ 495. الجمع بين الساكنين 495، التقاء الساكنين في الوقف 498. التقاء الساكنين في لغة العجم 499. وزن أعرقت 499.

المجلد الثالث

المجلد الثالث باب في حفظ المراتب ... بسم الله الرحمن الرحيم باب في حفظ المراتب: هذا موضع يتسمح الناس فيه فيخلون ببعض رتبه تجاوزًا لها وربما كان سهوًا عنها. وإذا تنبهت على ذلك من كلامنا هذا قويت به1 على ألا تضيع مرتبة يوجبها القياس بإذن الله. فمن ذلك قولهم في خطايا: إن أصله2 كان3 خطائئ ثم التقت الهمزتان غير عينين فأبدلت الثانية على حركة الأولى فصارت ياء: خطائي، ثم أبدلت الياء ألفا لأن الهمزة عرضت في الجمع واللام معتلة فصارت خطاءا، فأبدلت الهمزة على ما كان في الواحد وهو الياء فصارت خطايا. فتلك أربع مراتب: خطائئ ثم خطائي ثم خطاءا ثم خطايا. وهو -لعمري- كما ذكروا، إلا أنهم قد أخلوا من الرتب بثنتين: أما إحداهما فإن أصل هذه الكلمة قبل أن تبدل ياؤها همزة خطايئ بوزن خطايع ثم أبدلت الياء همزة فصارت: خطائئ بوزن خطاعع. والثانية أنك لما صرت إلى خطائي فآثرت إبدال الياء ألفا لاعتراض الهمزة في الجمع مع اعتلال اللام لاطفت الصنعة فبدأت بإبدال الكسرة فتحة لتنقلب الياء ألفا فصرت من خطائي إلى خطاءي بوزن خطاعي ثم أبدلتها لتحركها وانفتاح ما قبلها، على حد4 ما تقول في إبدال لام5 رحى وعصا، فصارت خطاءا بوزن خطاعي ثم أبدلت الهمزة

_ 1 سقط في د، هـ، ط، وثبت في ش. 2 كذا في ش. وفي هـ، ط: "أصلها". 3 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 4 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 5 سقط في ش.

ياء على مضى فصارت خطايا. فالمراتب إذًا ست لا أربع. وهي خطايئ ثم خطائئ ثم خطائي ثم خطاءي ثم خطاءا ثم خطايا. فإذا أنت حفظت هذه المراتب ولم تضع موضعًا منها قويت دربتك بأمثالها وتصرفت بك الصنعة فيما هو جارٍ مجراها. ومن ذلك قولهم: إوَزَّة. أصل وضعها إوْزَزَة. فهناك الآن عملان: أحدهما قلب الواو ياء1 لانكسار ما قبلها ساكنة والآخر وجوب الإدغام. فإن قدرت أن الصنعة وقعت في الأول من العملين فلا محالة أنك أبدلت من الواو ياء فصارت إيززة ثم أخذت في حديث الإدغام فأسكنت الزاي الأولى ونقلت فتحتها إلى الياء قبلها فلما تحركت قويت بالحركة فرجعت إلى أصلها -وهو الواو- ثم ادّغمت الزاي الأولى في الثانية فصارت: إوزة كما ترى. فقد عرفت الآن على هذا أن الواو في إوزة إنما هي بدل من الياء التي في إيززة وتلك الياء المقدرة بدل من واو إوززة2 التي هي واو وز. وإن أنت قدرت أنك لما بدأتها فأصرتها إلى إوززة أخذت3 في التغيير من آخر الحرف فنقلت الحركة من العين إلى الفاء فصارت إوزة فإن الواو فيها على هذا التقدير هي الواو الأصلية لم تبدل ياء فيما قبل ثم أعيدت إلى الواو كما قدرت ذلك في الوجه الأول. وكان أبو علي -رحمه الله- يذهب إلى أنها لم تصر إلى إيززة. قال: لأنها لو كانت كذلك لكنت إذا ألقيت الحركة على الياء بقيت بحالها ياء4، فكنت تقول: إيزة. فأدرته عن5 ذلك وراجعته فيه6 مرارا فأقام عليه. واحتج

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إوزة". 3 كذا في ش، في د، هـ، ز، ط: "وأخذت". 4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "على". 6 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.

بأن الحركة منقولة إليها فلم تقو بها. وهذا ضعيف جدًَّا ألا ترى أنك لما حركت عين طيّ فقويت رجعت واو في طووي وإن كانت الحركة1 أضعف من تلك لأنها مجتلبة زائدة وليست منقولة من موضع قد كانت فيه قوية معتدة. ومن ذلك بناؤك2 مثل فعلول من طويت. فهذا لا بد أن يكون أصله: طويويٌ. فإن بدأت بالتغيير من الأول فإنك أبدلت الواو الأولى ياء لوقوع الياء بعدها فصار التقدير إلى طييوي ثم ادغمت الياء في الياء فصارت طيويٌ "ثم أبدلت من الضمة كسرة فصارت طيوي"3 ثم أبدلت من4 الواو ياء فصارت إلى طيي ثم أبدلت من الضمة قبل واو فعلول كسرة فصارت طيي ثم ادغمت الياء المبدلة من واو فعلول في لامه فصارت طيِّيّ. فلما اجتمعت أربع ياءات ثقلت فأردت التغيير لتختلف5 الحروف فحركت الياء الأولى بالفتح لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب الألف واوا فصار بك التقدير إلى طييّ فلما تحركت الياء التي هي بدل من واو طويوي الأولى قويت فرجعت بقوتها إلى الواو فصار التقدير: طويي فانقلبت الياء الأولى التي هي لام فعلول الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت طواى ثم قلبتها واوا لحاجتك إلى حركتها -كما أنك لما احتجت إلى حركة اللام في الإضافة إلى رحى قلبتها واوا- فقلت: طووي كما تقول في الإضافة إلى هوى علما: هووى. فلابد أن تستقرئ هذه المراتب شيئًا فشيئًا ولا تسامحك الصنعة بإضاعة شيء منها.

_ 1 كذا في ز، ط، ش. يريد حركة "طووي"، ولو كان "هذه الحركة" كان أظهر. وفي ج: "حركتها" وهي ظاهرة. 2 انظر هذه المسألة في الأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 187، والكتاب لسيبويه 2/ 393. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 4 كذا في ش، ط. وسقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لتخلف".

وإن قدرت أنك بدأت بالتغيير من آخر المثال فإنك لما بدأته على طويوى أبدلت واو فعلول ياء فصار1 إلى2 طوينيي ثم ادغمت3 فصار إلى طوييٍّ4 "وأبدلت من ضمة العين كسرة فصار التقدير طويي"5 ثم أبدلت من الواو ياء فصار طييٌّ ثم ادغمت الياء الأولى في الثانية طيِّيّ ثم عملت فيما بعد من تحريك6 الأولى7 بالفتح وقلب الثانية ألفا ثم قلبها واوا ما كنت عملته في الوجه الأول. ومن شبه ذلك يلي جمع قرن ألوى8 فإنه يقول: طيي وشيي. ومن قال: لي فضم فإنه يقول: طيِّي وشييّ فيهما9 من طويت وشويت. فاعرف بهذا10 حفظ المراتب فيما يرد عليك من غيره ولا تضع رتبة البتة فإنه أحوط عليك وأبهر11 في الصناعة بك بحول الله. بأي التغييرين في المثال الواحد يبدأ؟ باب في التغييرين في المثال الواحد بأيهما يبدأ اعلم أن القياس يسوغك أن تبدأ بأي العملين شئت: إن شئت بالأول وإن شئت بالآخر. أما12 وجه علة الأخذ في الابتداء بالأول فلأنك تغير لتنطق بما تصيرك الصنعة إليه وإنما13 تبتدئ14 في النطق بالحرف من أوله لا من آخره. فعلى هذا

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصارت". 2 سقط في ط. 3 في ط: "أدغم". 4 ثبت هنا الحرف في ز. 5 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في ز. وقوله: "ضمة العين" هذا سهو. والصواب: ضمة اللام الأول. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تحريكك". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الأول". 8 أي معوج. 9 كذا في ز، ط. وفي ش: "فهما". 10 كذا في ز، ط، وفي ش: "هذا". 11 كذا في ش، ط. وفي ز، هـ: "أمهر". 12 في ش: "وأما". 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإنما". 14 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "تبدأ".

ينبغي أن يكون التغيير من أوله لا من آخره لتجتاز بالحروف وقد رتبت على ما يوجبه العمل فيها وما تصير بك الصنعة عليه إليها إلى أن تنتهي كذلك1 إلى آخرها فتعمل2 ما تعمله ليرد اللفظ بك مفروغًا منه. وأما وجه علة وجوب الابتداء بالتغيير من الآخر فمن قبل أنك إذا أردت التغيير فينبغي أن تبدأ به من أقبل المواضع له3. وذلك الموضع آخر الكلمة لا أولها لأنه أضعف الجهتين. مثال ذلك قوله4 في مثال5 إوزة من أويت: إياة. وأصلها إئوية. فإبدال الهمزة التي هي فاء واجب وإبدال الياء6 التي هي اللام واجب أيضًا. فإن بدأت بالعمل من الأول صرت إلى إيوية ثم إلى إييية ثم إلى إياة. وإن بدأت بالعمل من آخر المثال صرت أول إلى إئواة ثم إلى إيواةٍ ثم إياةٍ. ففرقت العمل في هذا الوجه ولم تواله كما واليته في الوجه الأول لأنك لم تجد طريقًا إلى قلب الواو ياء7 إلا بعد أن صارت الهمزة قبلها ياء. فلما صارت إلى إيواة أبدلتها ياء فصارت إياة كما ترى. ومن ذلك قوله في مثال جعفر من الواو: أوى. وأصلها وووٌ8. وههنا عملان واجبان.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بذلك". 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "تعمل". 3 ثبت في ش، ط،. وسقط في د، هـ، ز. 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "قولك". 5 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الهمزة" وهو سبق قلم. 7 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 8 رسم في ط: "وووو".

أحدهما إبدال الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين في أول الكلمة. والآخر إبدال الواو الآخرة ياء لوقوعها رابعة وطرفا ثم إبدال الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإن بدأت العمل من أول المثال صرت إلى أووٍ1، ثم إلى أوي2؛ ثم إلى أوى. وإن قدرت ابتداءك3 العمل من آخره فإنك تتصور أنه كان وَوّوٌ4 ثم صار إلى وويٍ ثم إلى وويّ5، ثم إلى أوي. هكذا موجب القياس على ما قدمناه. وتقول على هذا إذا أردت مثال فعل من وأيت: وؤي. "فإن خففت الهمزة فالقياس أن تقر المثال على صحة أوله وآخره فتقول: وويٌ"6 فلا تبدل الواو الأولى همزة لأن الثانية ليست بلازمة فلا تعتد إنما هي همزة وؤي خففت فأبدلت في اللفظ واوا وجرت مجرى واو رويا تخفيف رؤيا. ولو اعتددتها واو البتة لوجب أن تبدلها للياء التي بعدها. فتقول: وي أو أي على ما نذكره بعد. وقول الخليل في تخفيف7 هذا المثال: أوي طريف وصعب ومتعب. وذلك أنه قدر الكلمة تقديرين ضدين لأنه اعتقد صحة الواو المبدلة من الهمزة حتى "قلب لها"8 الفاء فقال: أوي. فهذا وجه اعتداده إياها. ثم إنه مع ذلك لم يعتددها ثابتة9 صحيحة ألا تراه لم يقلبها ياء للياء بعدها. فلذلك قلنا: إن في مذهبه هذا

_ 1 رسم في ط: "أووو". 2 رسم في ط: "أووي". 3 كذا في، ط. وفي د، هـ، ز: "ابتداء". 4 سقط في ش. 5 كذا في ز، ط. وفي ش: "أووا". 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 7 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. وانظر ص92 من الجزء الثاني. 8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قلب الياء" وفي ط: "قلبها". 9 كذا في، وفي ز، ش: "ثانية".

ضربا من التنتاقض. وأقرب ما يجب أن نصرفه إليه أن نقول1: قد فعلت العرب مثله في قولهم: مررت بزيد ونحوه. ألا تراها تقدر الباء تارة كالجزء من الفعل وأخرى كالجزء من الاسم. وقد ذكرنا هذا فيما مضى. يقول2: فكذلك يجوز لي أنا أيضًا أن أعتقد في العين من ووى من وجه أنها في تقدير الهمزة3 وأصحها ولا أعلها للياء بعدها ومن وجه آخر أنها في حكم الواو لأنها بلفظها فأقلب لها الفاء4 همزة. فلذلك قلت: أوي. وكأن " أبا عمر"5 أخذ هذا الموضع من الخليل فقال في همزة6 نحو رأس وبأس7 إذا خففت في موضع الردف جاز أن تكون ردفا. فيجوز8 عنده اجتماع راس9 وباس مع ناس. وأجاز10 أيضًا أن يراعى ما فيها من نية11 الهمزة فيجيز اجتماع راس مع فلس12. وكأن أبا عمر إن13، 14 كان أخذ هذا الموضع أعذر فيه من الخليل في مسئلته تلك. وذلك أن أبا عمر لم يقض بجواز كون ألف راس ردفا وغير ردف في قصيدة واحدة. وإنما أجاز ذلك في قصديتين إحداهما قوافيها نحو حلس وضرس والآخرى قوافيها نحو ناس وقرطاس وقرناس. والخليل جمع في لفظة واحدة أمرين متدافعين. وذلك أن صحة الواو الثانية في ووى منافٍ15 لهمزة الأولى

_ 1 كذا في ش. وفي ز، ط: "تصرفه ... تقول". 2 أي الخليل. وسقط هذا في د، هـ، ز، ط. ثبت في ش. 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الهمز". 4 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 5 كذا في ش: وفي ز، ط "أبا عمرو" وكأنه يريد الجرمي. 6 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط. 7 كذا في ش، ز. وفي ط: "يأس". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فيكون". 9 كذا في ش، ز. وفي ط: "ياس". 10 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "جاز". 11 كذا في ش، ز، وفي ط: "رتبة". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاس". 13 في ط: "وإن". 14 سقط في ز. 15 أي أمر مناف. ولولا هذا لقال: منافية.

منهما. وليس له عندي إلا احتجاجه بقولهم: مررت بزيد ونحوه وبقولهم: لا أبا لك. وقد ذكر ذلك في باب1 التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين. ولندع هذا إلى أن نقول: لو وجد في الكلام تركيب "ووي" فبنيت منه فعلًا لصرت إلى ووي. فإن بدأت بالتغيير2 من الأول وجب أن تبدل الواو التي هي فاء همزة فتصير حينئذ إلى أوىٍ ثم تبدل الواو العين ياء لوقوع اللام بعدها ياء فتقول: أي. فإن قلت: أتعيد الفاء واوا لزوال الواو من بعدها "فتقول: وي أو3 تقرها على قلبها السابق إليها فتقول: أي؟ "4 فالقول عندي إقرار الهمزة بحالها وأن تقول: أي. وذلك أنا رأيناهم إذا قلبوا العين وهي حرف علة همزة أجروا تلك الهمزة مجرى الأصلية. ولذلك قال5 في تحقير قائم: هو قوئيم فأقر الهمزة وإن زالت ألف فاعل عنها. فإذا فعل هذا في العين كانت الفاء أجدر به لأنها6 أقوى من العين. فإن قلت: فقد قدمت في إوزة أنها لما صارت في التقدير7 إلى إيززة ثم أدرت إليها الحركة الزاي بعدها فتحركت بها. أعدتها إلى الواو فصارت إوزة فهلا أيضًا أعدت همزة أي إلى الواو لزوال العلة التي كانت8 قلبتها9 همزة أعني واو أوي

_ 1 انظر ص342، 343 من الجزء الأول. 2 كذا في ش، وفي د. هـ، ز، ط: "التغيير". 3 كذا والمعروف في معادلة الهمزة أم. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 5 أي سيبويه. انظر كتابه 2/ 127. 6 كذا في ط، ز. وفي ش: "لأنه". 7 كذا في ز، ط. وفي ش: "التغيير". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كنت". 9 في ش: "قبلها".

قيل: انقلاب حرف العلة همزة فاء أو عينا ليس كانقلاب الياء واوا ولا الواو ياء بل هو أقوى من انقلابهما إليهما ألا ترى إلى قولهم: ميزان ثم لما زالت الكسرة عادت الواو في موازين ومويزين. وكذلك عين ريح قلبت للكسرة ياء "ثم لما"1 زالت الكسرة عادت واوا فقيل2: أرواح ورويحة. وكذلك قولهم: موسر وموقن لما زالت الضمة عادت الياء فقالوا: مياسر3، ومياقن4. فقد ترى إن انقلاب حرف اللين إلى مثله لا يستقر ولا يستعصم لأنه بعد القلب وقبله كأنه صاحبه والهمزة حرف صحيح وبعيد المخرج فإذا قلب حرف اللين إليه أبعده عن جنسه واجتذبه إلى حيزه فصار5 لذلك من وادٍ آخر وقبيل غير القبيل الأول. فلذلك أقر على ما صار إليه وتمكنت6 قدمه فيما7 حمل عليه. فلهذا وجب عندنا أن يقال فيه: أي. "وأما إن8" أخذت العمل من آخر المثال فإنك تقدره على ما مضى: ووى ثم تبدل العين للام فيصير: وي فتقيم9 حينئذ عليه ولا تبغي بدلا به لأنك لم تضطر إلى تركه لغيره. وكذلك أيضًا يكون هذان الجوابان إن اعتقدت في عين وؤي أنك أبدلتها إبدالا ولم تخففها تخفيفًا: القول في الموضعين واحد. ولكن لو ارتجلت هذا المثال من وأيت على ما تقدم فصرت10 منه إلى وؤي ثم همزت الواو التي هي الفاء همزا11

_ 1 في د، هـ، ز، ط "فلما". 2 في ط: "وقيل". 3 كذا في ش. وفي ز، ط، "مياسير". 4 كذا في ش، ز. وفي ط: "مياقبن". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وصار". 6 كذا في ش. وفي ز، ط: "مكنت". 7 في ش: "وما". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز "وأما إذا" وفي ط: "وإذا". 9 في ش: "فيقيم". 10 في ش: "لصرت". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "همزة".

مختارًا لا مضطرًا إليه لكن قولك في وجوه: أجوه وفي وقتت: أقتت لصرت إلى أؤي فوجب إبدال الثانية واوا خالصة؛ فإذا خلصت كما ترى لما تعلم وجب إبدالها للياء بعدها فقلت: أي لا غير. فهذا وجه آخر من العمل غير جميع ما تقدم. فإن قلت: فهلا استدللت بقولهم في مثال فعول من القوة: قيو على أن التغيير إذا وجب في الجهتين فينبغي أن يبدأ بالأول منهما ألا ترى أن أصل هذا قوو فبدأ بتغيير الأوليين1 فقال2: قيو ولم يغير الأخريين فيقول: قوي؟ قيل: هذا اعتبار فاسد3. وذلك أنه لو بدأ فغير من الآخر لما وجد بدا من أن يغير الأول أيضًا "لأنه لو أبدل الآخر فصار إلى قوي للزمه أن يبدل الأول أيضًا"4 فيقول: قيّيّ: فتجتمع له أربع ياءات فيلزمه أن يحرك الأولى لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب5 واوا فتختلف الحروف6، فتقول: قووي7، فتصير من عمل إلى عمل ومن صنعة إلة صنعة. وهو مكفي ذلك وغير محوج إليه. وإنما كان يجب عليه أيضًا تغيير الأولين لأنهما ليستا عينين فتصحا؛ كبنائك فعلًا من قلت: قول وإنما هما عين وواو زائدة.

_ 1 كذا في ط. وفي ش، ز: "الأولين". 2 في ش: "فقيل". وقوله: "فقال" أي سيبويه. وانظر الكتاب 2/ 396. 3 في ط: "ما نريد"، وكأنه مصحف عما أثبت. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز، "فينقلب". 6 في ش: "الحركات" وهو خطأ في النسخ. 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قوي".

ولو قيل لك: ابن مثل خروع من قلت لما قلت إلا قيل لأن واو فعول لا يجب أن يكون أبدا من لفظ العين ألا ترى إلى خروع وبروع اسم ناقة فقد روى بكسر الفاء وإلى جدول1 فقد رويناه عن قطربٍ بكسر الجيم. وكل ذلك لفظ عينه مخالف لواوه وليست كذلك العينان لأنهما لا يكونان أبدا إلا من لفظ واحد فإحداهما2 تقوى صاحبتها وتنهض منتها. فإن قلت: فإذا كنت تفصل بين العينين وبين العين الزائد بعدها فكيف تبنى مثل عليب3 من البيع فجوابه على قول النحويين سوى الخليل بيع. ادغمت عين فعيل فى يائه فجرى اللفظ مجرى فعل من الياء نحو قوله4: وإذا هم نزلوا فمأوى العيل وقوله5: كأن ريح المسك والقرنفل ... نباته بين التلاع السيل فإن قلت6: فهلا فصلت فى فعيل بين العين والياء وبين العينين "كما فصلت فى فعول وفعل7 بين العين والواو وبين العينين"8؟

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "جرول" والذي في اللسان "جدل" هو ما أثبت. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "وإحداهما". 3 هو واد على طريق اليمن. 4 أي أبي كبير الهذلي من قصيدته في تأبط شرا. وصدره: يحمي الصحاب إذا تكون عظيمة والعيل جمع العائل، وهو الفقير. وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية 1/ 89، وابن يعيش 10/ 31". 5 أي أبي النجم. وهذا آخر أرجوزته الطويلة التي أولها: الحمد لله الوهوب المجزل وهذا في وصف واد ترعى فيه الإبل. وانظر الطرائف الأدبية. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قيل". 7 كذا في ط. وفي ش: "فعيل" وكتب فوقه: "صح". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.

قيل: الفرق أنك لما أبدلت عين قول وأنت تريد1 به مثال فعول صرت إلى قيول فقلبت أيضا الواو ياء فصرت إلى قيل. وأما فعيل من البيع فلو أبدت عينه واوا للضمة قبلها لصرت إلى بويع. فإذا2 صرت إلى هنا لزمك أن تعيد الواو ياء لوقوع الياء بعدها فتقول بيع ولم تجد طريقًا إلى قلب الياء واوًا لوقوع الواو قبلها كما وجدت السبيل إلى قلب الواو فى قيول ياء لوقوع الياء قبلها؛ لأن الشرط فى اجتماع الياء والواو أن تقلب والواو للياء لا أن تقلب الياء للواو. وذلك3 كسيد وميت وطويت طيا وشويت شيا. فلهذا قلنا فى فعيل من البيع: بيع فجرى فى اللفظ مجرى فعل منه وقلنا فى فعول من القول: قيل فلم يجر مجرى فعل منه. وأما قياس قول الخيل فى فعيل من البيع فأن تقول: بويع؛ ألا تراه يجرى الأصل فى نحو هذا مجرى الزائد فيقول4 في فعل5 من أفعلت من اليوم على من قال: أطولت: أووم فتجرى ياء أيم الأولى وإن كانت فاء مجرى ياء فيعل6 من القول إذا قلت: قيل. فكما7 تقول الجماعة في فعل من قيل هذا قوول وتجري ياء فيعل مجرى ألف فاعل كذلك قال الخليل في فعل مما ذكرنا: أووم. فقياسه هنا أيضًا أن

_ 1 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا". 3 سقط في ش. 4 انظر الكتاب 2/ 376. 5 كذا في ز، ش. يريد صيغة المبني للمجهول، وإن لم تكن في التصريف على وزن فعل. وفي ط: "أفعل". 6 كذا في ط. وفي ش، ز: "فعيل". 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كما".

يقول1 في فيعل من البيع: بويع. بل إذا لم يدغم الخليل الفاء في العين -وهي أختها "وتليتها"2 وهي مع ذلك من لفظها- في أووم حتى أجراها مجرى قوله3: وفاحم دووي حتى اعلنكسا فألا يدغم4 عين بويع في يائه -ولم يجتمعا في كونهما أختين ولا هما أيضًا في اللفظ الواحد شريكتان-5 أجدر بالوجوب. ولو بنيت مثل عوارة6 من القول لقلت على مذهب الجماعة: قوالة بالادغام وعلى قول الخليل أيضًا كذلك لأن العين لم تنقلب فتشبه عنده ألف فاعل. لكن يجيىء على قياس قوله أن يقول في فعول من القول: قيول لأن العين لما انقلبت أشبهت الزائد. يقول: فكما لا تدغم بويع فكذلك لا تدغم قيول. اللهم إلا أن تفضل فتقول: راعيت في بويع ما لا يدغم وهو ألف فاعل فلم أدغم وقيول بضد ذلك لأن ياءه بدل من عين القول وادغامها في قول وقول والتقول ونحو ذلك جائز حسن، فأنا أيضا أدغمها فأقول: قيل. وهذا وجه حسن. فهذا فصل اتصل بما كنا عليه. فاعرفه متصلا به بإذن الله.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نقول". 2 سقط ما بين القوسين في ط. والتليه التابعة. وهي مؤنث التلي: فعيل من تالاه أي تابعه، كالأكيل والجليس. ولم أقف على هذا الوصف. 3 أي العجاج، والذي في ديوانه 31: أزمان غراء تروق العنسا ... بفاحم دووى حتى اعلنكسا وغراء اسم امرأة والعنس جمع العانس، وهو الذي بقي زمانا لا يتزوج بعد أن أدرك من الزواج، ويريد بالفاحم شعرها الأسود، وقوله: دووى أي عولج بالدهان، واعلنكس: اشتد سواده وكثر. وانظر ص96 من الجزء الأول من هذا الكتاب. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تدغم". 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "شريكان". 6 كذا في ط. وفي ش، ز: "عتوارة".

باب في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف

باب: في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف1 غوره وحقيقته. وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف2 اللفظان فيخفا على اللسان. وذلك نحو الحيوان ألا ترى أنه عند الجماعة3 -إلا أبا عثمان- من مضاعف الياء وأن أصله حييان فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو. وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء لكنه لما اختلف الحرفان ساغ ذلك. وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القوية الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها4، ياء نحو دينار وقيراط وديماس5 وديباج "فيمن قال: دماميس ودبابيج6" كان اجتماع حرفي العلة مثلين أثقل عليهم. نعم، وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين في الحيوان فإبدالهم "الواو ياء7" لذلك أولى بالجواز وأحرى. وذلك قولهم: ديوان "واجليواذ8". وليس لقائل أن يقول: فلما9 صار دوان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى هلا أبدلت الواو ياء لذلك10، لأن11 هذا ينقض الغرض ألا تراهم إنما

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "نعزف". 2 في ز: "ليتخلف". 3 انظر الكتاب 2/ 294. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أحدهما". 5 هو الحمام. 6 سقط ما بين القوسين في ط. وفي ش، ز: "دياميس وديابج" والصواب ما أثبت. 7 كذا في ش، ط. وفي د، ز: "الياء واوا". 8 ثبت ما بين القوسين في ط. وسقط في ز، ش. 9 كذا في ز. وفي ش: "فلم" وفي ط: "فإنما". 10 في ش: "كذلك". 11 هذا متعلق بقوله: "وليس لقائل أن يقول ... ".

كرهوا التضعيف في دوان فأبدلوا ليختلف الحرفان فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا: ديان فيعودوا1 إلى نحو مما2 هربوا منه من التضعيف وهم قد أبدلوا الحييان إلى الحيوان ليختلف الحرفان فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما في ديوان لم يبق هناك مطلب. وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا: حية أنه3 علم والأعلام يحتمل4 لها كثير من كلف الأحكام. ومن ذلك قولهم في الإضافة إلى آية وراية: آئى ورائى. وأصلهما: أيى ورايى إلا أن بعضهم كره ذلك فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع ثلاث ياءات. هذا5 مع إحاطتنا علما بأن الهمزة أثقل من الياء. وعلى ذلك أيضًا قال بعضهم فيهما: راوي وآوي فأبدلها6 واوا ومعلوم أيضًا أن الواو أثقل من الياء. وعلى نحو من هذا أجازوا في فعاليل من رميت: رماوي ورمائي فأبدلوا الياء من رمايى تارة واوا وأخرى همزة -وكلتاهما أثقل من الياء- لتختلف الحروف. وإذا كانوا قد هربوا من التضعيف إلى الحذف نحو ظلت ومست وأحست وظنت، ذاك أي ظننت، كان الإبدال أحسن وأسوغ؛ لأنه أقل فحشا من الحذف، وأقرب. ومن الحذف لاجتماع الأمثال قولهم في تحقير أحوي: أحي فحذفوا من الياءات الثلاث واحدة وقد حذفوا7 أيضًا من الثنتين في نحو هين ولين وسيد وميت وهذا واضح فاعرف وقس. "ومن ذلك قولهم عمبر أبدلوا النون ميما في اللفظ وإن كانت الميم أثقل من النون فخففت الكلمة ولو قيل عنبر بتصحيح النون لكان أثقل"8.

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ويعودوا". 2 كذا في ش. وفي ز، ط: "ما". 3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لأنه". وفي الكتاب 2/ 389: "وقالوا: حيوة كأنه في حيوت وإن لم يقل" ومقتضى هذا أن الواو غير مبدلة. 4 سقط في د، هـ، ز: وثبت في ش، ط. 5 سقط في د، هـ، ز، ط. وانظر في المسألة الكتاب 2/ 396. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأبدلوا". 7 في ش: "حذفوها". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وفي زبد له: "والسلام" وثبت في ش.

باب في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم

باب: في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم وهذا أمر في باب ما لا ينصرف كثيرا ألا ترى أنه إذا كان في الاسم سبب واحد من المعاني الفرعية فإنه يقل عن الاعتداد به فلا يمنع الصرف له فإذا انضم إليه سبب آخر اعتونا فمنعا. ونحو من ذلك جمعهم في الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذي لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ. فقولك: قمت وزيد في الاستقباح كقولك: قام وزيد وإن لم يكن في قام لفظ بالضمير. وكذلك أيضًا سووا في الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد من حيث كانت تلك الزيادة التي لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعًا متصلا يغير له الفعل. ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثر في الحكم ولا محدث أثرا في اللفظ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدة كحنين الطس1 وطنين البعوض وعفطة2 العنز وبصبصة3 الكلب.

_ 1 في ط: الطست. 2 أي ضرطتها. 3 هو تحريك ذنبه.

ومن ذلك قولهم: مررت بحمار قاسم ونزلت سفار1 قبل فكسرة الراء في الموضعين عندهم إلى أثر2 واحد وإن كانت في "حمار" عارضة، وفي "سفار" لازمة. ومن ذلك قولهم3: الذي ضربت زيد واللذان ضربت الزيدان؛ فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد وإن كنت في الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء في ضربته وأما4 الواو بعدها فغير لازمة في كل لغة والوقف أيضًا يحذفها وفي التثنية قد حذفت ثلاثة أحرف ثابتة في الوصل والوقف وعند كل قوم وعلى كل لغة. ومن ذلك جمعهم في الردف بين عمود ويعود من غير تحاشٍ ولا استكراه وإن كانت واو عمود أقوى5 في المد من واو6 يعود من حيث كانت هذه متحركة7 في كثير من المواضع نحو هو8 أعود منك9، وعاودته وتعاودنا قال10: وإن شئتم تعاودنا عوادا

_ 1 هو اسم بئر. 2 يريد بالأثر تسويغ الإمالة مع حرف الاستعلاء بعد وهو القاف، ولولا الكسر ما ساغ ذلك، وانظر الكتاب 2/ 296 وقد سقط في ط قوله:"إلى أثر". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولك". 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأما". 5 سقط في د، هـ، ز. 6 في ش: "باب". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "محركة". 8 كذا في ش. وسقط في ط. وفي د، هـ، ز: "هذا". 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من هذا". 10 أي شقيق بن جزء. وانظر ص41 من الجزء الثاني.

وأصلها أيضًا في يعود يعود. فهو1 وإن كان كذلك فإن ذلك القدر بينهما مطرح2 وملغى3 غير محتسب. نعم وقد سانوا4 وسامحوا فيما هو على "من ذا"5 وأنأي أمدا. وذلك أنهم جمعوا بين الياء والواو ردفين نحو سعيد وعمود. هذا مع أن الخلاف خارج إلى6 اللفظ فكيف بما7 تتصوره8 وهما ولا تمذل9 به لفظا. ومن ذلك جمعهم بين باب وكتاب ردفين وإن كانت ألف كتاب مدا صريحا وهي في باب أصل غير زائدة ومنقلبة عن العين المتحركة في كثير من الأماكن10؛ نحو بويب وأبواب ومبوب وأشباهه. ومن ذلك جمعهم بين الساكن والمسكن في الشعر المقيد على اعتدال عندهم وعلى11 غير حفل محسوس منهم نحو قوله: لئن قضيت الشأن من أمري ولم ... أقض لباناتي وحاجات النهم لأفرجن صدرك شقا بقدم12

_ 1 كذا في د، هـ ز، ط. وسقط في ش. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مطروح". 3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 4 أي قارنوا وصانعوا. يقال: ساناه: راضاه: راضاه وأحسن عشرته. 5 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 6 كذا في ز، ط. وفي ش: "عن". 7 كذا في ز. وفي ط: "مما"، وفي ش: "ما". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يتصوره" وفي ط: "يتصور". 9 في ط: "يمذل"، يقال: مذل بسره: إذا باح به. 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع". 11 سقط حرف "على" في ز، ش، وثبت في ط. 12 النهم إفراط الشهوة. وضبط في ش "صدرك" بكسر الكاف، وضبط في ط بفتحها.

فسوى في الروي بين سكون ميم "لم" وسكون الميمات فيما معها. ومن ذلك وصلهم الروى بالياء الزائدة للمد والياء الأصلية نحو الرامي والسامي مع الأنعامي والسلامي1. ومن ذلك أيضًا قولهم: إني وزيدا قائمان وأني وزيدا قائمان لا يدعي أحد أن العرب تفصل بين العطف على الياء وهي ساكنة وبين العطف عليها وهي مفتوحة. فاعرف هذا مذهبا لهم وسائغا2 في استعمالهم حتى إن3 رام رائم أو هجر4 حالم بأن القوم يفصلون في هذه الأماكن وما كان سبيله في الحكم سبيلها بين بعضها وبعضها فإنه مدع لما لا يعبئون به وعازٍ إليهم ما لا يلم5 بفكر أحد منهم بإذن الله. فإن انضم شيء إلى ما هذه حاله كان مراعى معتدًا ألا تراهم يجيزون جمع دونه مع دينه ردفين. فإن6 انضم إلى هذا الخلاف آخر لم يجز نحو امتناعهم إن يجمعوا بين دونه ودينه لأنه انضم إلى خلاف الحرفين تباعد الحركتين وجاز دونه مع دينه وإن كانت الحركتان مختلفتين لأنهما وإن اختلفا لفظا فإنهما قد اتفقتا حكما ألا ترى أن الضمة قبل الواو رسيلة الكسرة قبل الياء والفتحة ليست من هذا في شيء لأنها ليست قبل الياء ولا الواو وفقا لهما كما تكون وفقا للألف. وكذلك أيضًا نحو عيده مع عوده، وإن كانوا لا يجيزونه مع عوده. فاعرف ذلك فرقا.

_ 1 هكذا رسم في د، هـ، ز، ط. وفي ش "الأنعام ي، والسلام ي". 2 كذا في ش، ز وفي ط: "شائعا". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "إذ". 4 يقال: هجر في نومه أو مرضه: هذي. 5 في ط: "يهم". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز "فإذا".

باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم

باب: في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم هذا موضع كان يعتاده أبو علي -رحمة الله- كثيرًا1 ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله. وفيه دليل نحوي2 غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى. ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه. "فإن قيل: ولم لم يضف الشيء إلى نفسه"3. قيل: لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص والشيء إنما يعرفه غيره لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره لأنه نفسه في حالي تعريفه وتنكيره واحدة وموجودة غير مفتقدة4. ولو كانت نفسه هي المعرفة له أيضًا لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه فكان يلزم الاكتفاء به5، عن إضافته إليها. فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه ومررت بصاحبه والمظهر هو المضمر المضاف إليه. هذا مع فساده في المعنى لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها. فإن قلت: فقد تقول: مررت بزيد نفسه وهذا نفس الحق يعني أنه6 هو الحق لا غيره. قيل: ليس الثاني هو ما أضيف إليه من المظهر وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشيء وحقيقته. والعرب تحل نفس الشيء من الشيء محل البعض من

_ 1 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش "فحرى". 3 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "مفقودة". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بها". 6 سقط في ط.

الكل وما1 الثاني منه ليس بالأول ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم وأكثروا من ذكر التردد بينها وبينهم ألا ترى إلى قوله2: ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني وقوله: أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد3 وقوله: قالت له النفس تقدم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا4 وقوله: قالت له النفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد5 وأمثال هذا كثيرة جدا6 "وجميع هذا"7 يدل على أن نفس الشيء عندهم غير الشيء. فإن قلت: فقد تقول: هذا أخو غلامه وهذه "جارية بنتها"8 فتعرف الأول بما أضيف إلى ضميره والذي أضيف إلى ضمير9 "فإنما يعرف"10 بذلك الضمير ونفس المضاف الأول متعرف بالمضاف إلى ضميره فقد ترى على هذا أن التعريف

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أما". 2 أي عمران بن حطان. وانظر الكتاب 1/ 388، والخزانة 2/ 435، والعيني على هامش الخزانة 1/ 227؟ 3 انظر ص478 من الجزء الثاني من هذا الكتاب. 4 انظر ص23 من الجزء الأول. 5 انظر ص478 من الجزء الثاني. 6 سقط في د، هـ، ز، ط. 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جميعه". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جارة بيتها". 9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ضميره". 10 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "فإنما تعرف".

الذي استقر1 في جارية2 من قولك هذه "جارية3 بنتها" إنما أتاها من قبل ضميرها وضميرها هو هي فقد آل الأمر إذًا إلى أن الشيء قد يعرف نفسه وهذا خلاف ما ركبته وأعطيت يدك به. قيل: كيف تصرفت الحال فالجارية4 إنما تعرفت بالبنت5 "التي6 هي" غيرها وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأما ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذي أفاده ضمير الأول لم يعرف الأول وإنما عرف ما عرف الأول. والذي عرف الأول غير الأول فقد استمرت الصفة وسقطت المعارضة. ويؤكد ذلك أيضًا أن الإضافة في الكلام على ضربين: أحدهما ضم الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من نحو هذا ثوب خز وهذه جبة صوف وكلاهما ليس الثاني فيه بالأول ألا ترى أن الغلام ليس بزيد، وأن الثوب ليس بجميع الخز، واستمرار7 هذا عندهم وفشوه في استعمالهم وعلى أيديهم يدل على أن المضاف ليس بالمضاف إليه البتة. وفي هذا كافٍ.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "اشتهر". 2 كذا في ش. وفي ط: "جارة من قولك هذه" وسقط في د، هـ، ز. 3 في ط: "جارة بيتها". وفي د، هـ، ز "جارية بيتها". وما هنا في ش. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "فالجارة". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بالبيت". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي هو"، وفي ط: "الذي هي". 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فاستمرار".

فمما جاء عنهم من إضافة المسمى إلى الاسم قول الأعشى: فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذوآل حسان يزجي الموت والشرعا1 فقوله: ذوآل حسان معناه: الجمع المسمى بهذا الاسم الذي هو آل حسان2 ومثله قول كثير: بثينة من آل النساء وإنما ... يكن للأدنى لا وصال لغائب3 أي بثينة من هذا القبيل المسمى بالنساء هذا الاسم. وقال الكميت: إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب4 أي إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذي هو قولنا: آل النبي. وحدثنا أبو علي أن أحمد5 بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم: هذا ذو زيد ومعناه: هذا زيد أي هذا صاحب هذا الاسم الذي هو زيد "وأنشد"6: وحي بكر طعنا طعنة فجرى7

_ 1 هذا من شعر يتحدث فيه عن زرقاء اليمامة إذ أبصرت من مسيرة ثلاثة أيام جيش حسان بن تبع ملك اليمن زاحفا على اليمامة. فأنذرت قومها فلم يصدقوها، وفجئهم الجيش فاستباحهم. ويزجى: يسوق. والشرق جمع الشرعة، وهي الوتر الرقيق. وانظر الصبح المنير 83. 2 كذا في ش. وفي ز، ط: "منه". 3 ورد هذا البيت في الصاحبي 217 غير منسوب. وفيه: "لأدنى". 4 هذا من إحدى هاشمياته والنوازع من النزاع إلى الشيء وهو الحنين والميل إليه، والألبب جمع اللب، وهو العقل. وانظر الخزانة 2/ 205. 5 هو أبو عبد الله النديم كان خصيصا بالمتوكل ونديما له. قرأ عليه ثعلب قبل ابن الأعرابي وله ترجمة في البغية 126، ومعجم الأدباء "الحلبي" 2/ 204. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 "فجرى" كتب في ش فوقه "بحرا" وهذا رواية أخرى، اقتصر عليها في الخزانة 2/ 210.

أي وبكرا طعنا وتلخيصه: والشخص الحي1 المسمى بكرا طعنا "فحي ههنا مذكر حية أي وشخص بكر الحي طعنا"2 وليس الحي هنا هو الذي "يراد به"3 القبيلة كقولك: حي4 تميم وقبيلة بكر إنما هو كقولك: هذا رجل حي وامرأة حية. فهذا من باب إضافة المسمى إلى اسمه وهو ما نحن عليه. ومثله قول الآخر5: ياقر إن أباك حي خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق أي أن أبك خويلدا من أمره كذا فكأنه قال: إن أباك الشخص الحي خويلدا من حاله كذا. وكذلك قول الآخر6: ألا قبح الإله بني زيادٍ ... وحي أبيهم قبح الحمار أي7: وأباهم الشخص الحي. وقال عبد الله بن سبرة الحرشي: وإن يبغ ذا ودي أخي أسع مخلصا ... ويأبى فلا يعيا على حويلي8

_ 1 سقط لفظ "الحي" في ش. 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يراسل". 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وحي". 5 هو جبار بن سلمى بن مالك، وفر مرخم فرة. والإحماق ولادة الأحمق، يهجو قرة بن خويلد. ويذكر أنه كان يخشى أباه أن يلد أحمق، وقد تحقق ما خشيه بولادة فرة. وفي د، هـ، ز: "الإخلاق" في مكان "الإحماق". وانظر الخزانة 2/ 616، والنوادر 161. 6 هو يزيد بن ربيعة بين مفزع الحميري، وزياد هو ابن سمية المشهور بزياد بن أبيه. وانظر الخزانة 2/ 210. 7 سقط حرف العطف في ش. 8 الحويل جودة النظر والقدرة على التصرف، وهي الحيلة.

أي إن يبغ ودي. وتلخيصه: إن يبغ أخي المعنى المسمى بهذا الاسم الذي هو ودي. وعليه قول الشماخ: وأدمج دمج ذي شطن بديع1 أي دمج شطن بديع أي أدمج2 دمج الشخص3 الذي يسمى شطنا صاحب هذا الاسم. وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما4 إلى أن ذهبوا إلى زيارة ذي وذات5 في "هذه المواضع"6 أي وأدمج دمج شطن وإليكم آل النبي وصبحهم آل حسان. وإنما ذلك بعد عن إدراك7 هذا الموضع. وكذلك "قال أبو عبيدة"8 في قول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر9 "كأنه قال"10: ثم11 السلام عليكما. وكذلك قال في قولنا بسم الله: إنما هو بالله واعتقد زيادة "اسم". وعلى هذا عندهم قول غيلان12: لا ينعش الطرف إلا ما تخونه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم

_ 1 صدره: أطار عقيقه عنه نسالا وهو في وصف حمار الوحش. فقوله "أطار" أي الحمار. والعقبق: شعر المولود. وأدمج: اشتد وصلب لسمنه، ونسال الطير: ما سقط من ريشه. والشطن: الحبل. والبديع: الذي ابتدئ قتله ولم يكن حبلا فنكث ثم غزل وأعيد قتله. 2 سقط في ش. 3 في الخزانة 2/ 205. نقلا عن إعراب الحماسة للمؤلف: "الشيء". 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قوما". 5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ذا". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا الموضع". 7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "استدراك". 8 في ط: "قول أبي عبيدة"، وانظر مجاز القرآن 1/ 16. 9 هذا من أبيات يقولها لابنتيه حين حضرته الوفاة يوصيهما أن تذكراه وترثياه من غير خمس الوجه ولا حلق الشعر، وتظلا كذلك إلى الحول. وانظر الخزانة 2/ 217. 10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قال كأنه". 11 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 12 هو ذو الرمة. والبيت في وصف ولد ظبية يظل في نومه حتى تدعوه أمه بصوتها: ماء. وتخونه: تعهده. وداع أي صوت، ومبغوم: غير بين، وانظر الخزانة 2/ 220، وقوله: "يناديه" في ج: "تناديه". وفيها "منعوم" بدل "مبغوم".

"أي الماء"1؛ كما "أنشدنا أيضا"2: يدعونني بالماء ماء أسودا والماء: صوت الشاء أي يدعونني -يعني الغنم- بالماء، أي يقلن لي3: أصبت ماء أسود. فأبو عبيدة يدعى زيادة ذي واسم ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفًا. قال أبو علي: وإنما هو على حد4 حذف المضاف أي: ثم اسم معنى السلام عليكما واسم معنى السلام هو السلام فكأنه قال: ثم السلام عليكما. فالمعنى -لعمري- ما قاله أبو عبيدة ولكنه5 من غير الطريق6 التي أتاه هو منها ألا تراه هو اعتقد زيادة شيء واعتقدنا نحن نقصان شيء. ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل في نحو قولنا: مثلي لا يأتي القبيح ومثلك لا يخفى عليه الجميل أي أنا كذا وأنت كذلك. وعليه قوله: مثلي لا يحسن قولا فعفع7 أي أنا لا أحسن ذاك. وكذلك هو لعمري إلا أنه على غير التأول الذي رأوه8: من زيادة مثل وإنما تأويله: أي9 أنا من جماعة لا يرون القبيح وإنما جعله10

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 في ط: "قال". 3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إني"، وقوله: "أصبت" في ط: "أصيب". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عد". وسقط هذا في ط. 5 سقط حرف العطف في ش. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي". 7 قبله: لا تأمريني بينات أسفع وبعده: والشاة لا تمشي على الهملع وفعفع: زجر الغنم ودعاؤها. ورسم في التاج: فع فع. وبنات أسفع: الغنم، أضيفت إلى أسفع، وهو فحل لها. والشاة هنا في معنى الجمع، وتمشي: تنمو وتكثر. والهملع: الذئب. كأنه يخاطب زوجه وقد أمرته باقتناء الغنم ورعيتها، فقال: لا أحسن ذلك. وانظر الجمهرة 1/ 111، اللسان. 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "رواه". 9 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز. 10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "معناه".

من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للامر إذ كان له فيه أشباه وأضراب ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه. فإذا1 كان له فيه نظراء كان حري2 أن يثبت عليه وترسو قدمه فيه. وعليه قول الآخر3: ومثلي لا تنبو عليك مضاربه فقوله إذًا: باسم الماء واسم السلام إنما4 هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى بعكس الفصل الأول. ونقول على هذا: ما هجاء سيف فيقول "في الجواب"5: س ي ف. فسيف هنا اسم لا مسمى أي ما هجاء هذه الأصوات المقطعة؟ ونقول: ضربت بالسيف فألسيف هنا جوهر الحديد هذا6 الذي يضرب به فقد يكون الشيء7 الواحد على وجه اسما وعلى آخر مسمى. وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به. ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر: إذا ما كنت مثل ذوي عدي ... ودينار فقام علي ناع8

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "وإذا". 2 في ط: "أحرى". 3 هو البختري بن المغيرة أخي المهلب، وقبله معه بخاطب المهلب: فيا عم مهلا واتخذني لنوبة تلتم فإن الدهر جم نوائبه أنا السيف إلا أن السيف تبوة ومثلي لا تنبو عليك مضاربه وانظر الأمالي 2/ 312 وما بعدها. 4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإنما". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 6 سقط في ش. 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "للشيء". 8 "ناع" في ش: "فاع ي". و"عدي" في اللسان "ذا في باب الألف اللينة" بدله: "عويف".

أي مثل كل واحد من الرجلين المسميين عديًا ودينارًا. وعليه قولنا: كان عندنا ذات مرة وذات صباح، أي صباحًا أي الدفعة المسماة مرة، والوقت المسمى صباحًا؛ قال1: عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسود من يسود "ما مجرورة الموضع؛ لأنها وصف لأمر، أي لأمر معتد أو مؤثر يسود من يسود"2. واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب وقل من يعتاده أو يتطرفه. وقد ذكرته لتراه. فتنبه على ما هو في معناه إن شاء الله.

_ 1 أي أنس بن مدركة الخثعمي وكان قصد قوما من العرب بالغزو هو ورئيس من قومه، وكل منهما له أصحابه في الغزو، فرجع صاحبه، وبقي هو وصاحبته، فبات قريبا من القوم وصبحهم فغنم وغنم أصحابه، وانظر الخزانة في الشاهد 170، والكتاب 1/ 116. 2 سقط ما بين القوسين في ش.

باب في اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله في الأجناس

باب: في اختصاص الأعلام بما 1 لا يكون مثله 2 في الأجناس وقد ذكرنا هذا3 الشرح من العربية في جملة كتابنا في تفسير أبيات الحماسة عند4 ذكرنا أسماء شعرائها. وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم5 وأنه شيئان: عين، ومعنى. فالعين: الجوهر؛ كزيد وعمرو. والمعنى: هو العرض؛ كقوله: سبحان من علقمة الفاخر6 وقوله: وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدت علي بزو برا7

_ 1 سقط في ش. 2 في ط: "من". 3 كذا في الأصول، والأقرب: "الشرج" أي النوع والضرب. 4 في ش: "وعند". 5 كذ في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "اسم". 6 انظر ص199 من الجزء الثاني. 7 انظر ص200 من الجزء الثاني.

وكذلك الأمثلة الموزون بها؛ نحو أفعل، ومفعل، وفعلة، وفعلان، وكذلك أسماء الأعداد نحو قولنا: أربعة نصف ثمانية، و"ستة ضعف ثلاثة"1 وخمسة نصف عشرة. وغرضنا هنا أن نرى2 مجيء ما جاء منه3 شاذا عن القياس لمكان كونه علما معلقا4 على أحد الموضعين اللذين ذكرنا. فمنه ما جاء مصححا مع وجود سبب العلة فيه، وذلك نحو محببٍ، وثهلل5، ومريم، ومكوزة، ومدين. ومنه6 معدي كرب؛ ألا تراه بني مفعلا مما لامه حرف علة، وذلك غير معروف في هذا7 الموضع. وإنما يأتي "في ذلك8 مفعل" بفتح العين؛ نحو المدعي والمقضي والمشتي. وعلى أنه قد شذ في الأجناس شيء من ذلك وهو قول بعضهم: مأوى الإبل بكسر العين. فأما مأقٍ9 فليس من هذا. ومن ذلك قولهم في العلم: موظب، ومورق وموهب. وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال10 مفعل. وهذا إنما يجيء أبدا11 على مفعل -بكسر العين- نحو الموضع، والموقع، والمورد12، والموعد13، والموجدة.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ثلاثة نصف سنة". 2 سقط في ش. 3 سقط في ش، ط. 4 في ش: "معلق". 5 كذا في ش. وفي ط، ز، "تهلل". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثله". 7 في ش، ز، ط: "غير هذا". 8 في ش: "ذلك مفعلا". 9 وذلك لأن الميم في المأقي أصلية، فهو على وزان الفعل لا المفعل. وانظر اللسان "مأق". 10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثل". 11 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الموردة". 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الموعدة".

وأما موءلة علما فإن كان من وأل أي نجا فهو1 من هذا؛ وإن كان من قولهم: جاءني وما "مألت مأله"2 وما شأنت3 شأنه، فإنه فوعل، و"هذا على هذا"4 سرحٌ5: سهل. ومن ذلك قولهم في العلم: حيوة. وهذه صورة لولا العلمية لم يجز مثلها؛ لاجتماع الياء والواو، وسبق الأولى منهما بالسكون. وعلة مجيء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما "هي عليه"6 من كثرة استعمالها، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرا. فكما جاءت هذه الأسماء في الحكاية مخالفة لغيرها؛ نحو قولك في جواب مررت بزيد: من زيدٍ، ولقيت عمرا: من عمرا، كذلك تخطوا إلى تغييرها في ذواتها بما قدمناه ذكره. وهذا من تدريج اللغة الذي قدمنا شرحه "فيما مضى "7.

_ 1 ومن هذا الرأي سيبويه في الكتاب 2/ 249. 2 يقال: هذا الأمر ما مألت مأله، أي لم أستعد له ولم أشعر به ولم أتهيأ له، وإثبات هذه الصبغة على ما في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ما مألت به مأله". 3 يقال: أتاني هذا الأمر وما شأنت شأنه، أي ما علمت به، وفي د، هـ، ز، ط: "ما شأنت به شأنه" وما هنا في ش. 4 كذا في ش، وفي ط: "على هذا". وفي د، هـ، ز، "هذا". 5 وردت في ش. بإهمال السين، ويقرأ بضم الأول والثاني، أي سهل يسير. وفي د، هـ، ز، ط: "شرح". وقد يكون مصحفا عن "شرج" أي ضرب. 6 في ش: "بني عليه". 7 كذا في د، هـ، ز وسقط في ش، ط، وانظره في تدريج اللغة ص348 من الجزء الأول.

باب في تسمية الفعل

باب: في تسمية الفعل أعلم أن العرب قد سمت الفعل بأسماء، لما سنذكره. وذلك على ضربين: أحدهما في الامر والنهي، والأخرين في الخبر. الأول منهما نحو قولهم: صه فهذا اسم اسكت؛ ومه، فهذا: اكفف، ودونك، اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك1 اسم تنح، ومكانك اسم اثبت. قال2: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي فجوابه بالجزم دليل على أنه3 كأنه قال: اثبتي تحمدي أو تستريحي. وكذلك قول الله جل اسمه: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُم} 4 فـ"أنتم" توكيد للضمير في مكانكم5؛ كقولك: اثبتوا أنتم وشركاؤكم، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكده "الشركاء ". ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم: مكانكني؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل في "أكرمني" ونحوه دليل على قوة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا: كما أنتني؛ كقولك: انتظرني. ومنها هلم، وهو6 آسم ائت. وتعال. قال الخليل: هي مركبة؛ وأصلها عنده "ها" للتنبيه، ثم قال: "لم" أي لم بنا، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفًا، ولأن7 اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم السكون؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين -وهي الحجازية- "أن تقول فيها: المم بنا"8 فلما كانت لام "هلم" في تقدير السكون حذف لها ألف "ها"، كما تحذف لالتقاء الساكنين، فصارت هلم. وقال9 الفراء: أصلها "هل" زجر وحث، دخلت على أم؛ كأنها كانت "هل أم" أي اعجل

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وراء". 2 أي عمرو بن الإطناب. وقوله: "جئات وجاشت" يريد نفسه، وجشأت أي نهضت وارتفعت من شدة الفزع. وكذلك جاشت، وانظر الأمال 1/ 258. 3 سقط في ش. 4 آية 28 سورة يونس. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومكانكم". 6 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 7 سقط الواو في ج. 8 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "إنما يقول: "ما المم" وفي ط: "إنما تقول منها: المم". 9 سقط حرف العطف د، هـ.

واقصد، وأنكر أبو علي عليه ذلك، وقال: لا مدخل هنا للاستفهام. وهذا عندي لا يلزم الفراء؛ لأنه لم يدع أن "هل" هنا حرف استفهام؛ وإنما هي عنده زجر وحث1 وهي التي في قوله2: ولقد يسمع قولي حيهل قال الفراء: فألزمت الهمزة في "أم" التخفيف، فقيل: هلم. وأهل3 الحجاز يدعونها في كل حال على لفظ واحد، فيقولون للواحد والواحدة4 والاثنين والاثنتين5 والجماعتين: هلم يا رجل، وهلم يا امرأة، وهلم يا رجلان، وهلم يا امرأتان، وهلم يا رجال، وهلم يا نساء. وعليه قوله: يا أيها الناس ألا هلمه6 وأما التميميون فيجرونها مجرى "لم" فيغيرونها بقدر المخاطب. فيقولون: هلم، وهلما، وهلمي، وهلموا، وهلممن يا نسوة. وأعلى اللغتين الحجازية، وبها نزل القرآن؛ ألا ترى إلى قوله -عز اسمه- {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} 7. وأما التميميون فإنها عندهم أيضًا اسم سمي به الفعل وليست مبقاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضم. يدل على ذلك أن بني تميم يختلفون في آخر الأمر من المضاعف، فمنهم

_ 1 سقط في ش. 2 أي لبيد، وقوله: "يسمع" كذا في ز. وفي ش: "تسمع" وصدره: يتمارى في الذي قلت له وهو يتحدث عن صاحبه في السفر، آذنه بالصبح ليستيقظ من النوم، فلم يصدقه وشك في خبره لغلبة النوم عليه. وانظر "الخزانة" في الشاهدين 228، 461. 3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأهل". 4 سقط في ش. 5 في ز: "الثنتين". 6 ورد هذا الرجز في الكتاب لسيبويه 2/ 279. 7 آية 18 سورة الأحزاب.

من يتبع فيقول: مدُّ وفرِّ وعضَّ، ومنهم من يكسر، فيقول: مدِّ وفرِّ وعضِّ، ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين، فيقول: مدَّ وفرَّ وعضَّ. ثم رأيناهم كلهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلم، وليس أحد يكسر الميم ولا يضمها. فدل ذلك على أنها قد خلجت1 عن طريق الفعلية وأخلصت اسمًا للفعل بمنزلة دونك عندك ورويدك وتيدك2: اسم اثبت وعليك بكرا: اسم خذ "وهو3 كثير". ومنه4 قوله: أقول وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إن عليك عينا فهذا5 اسم احفظ القول أو اتق القول. وقد جاءت هذه التسمية للفعل في الخبر، وإنما بابها الأمر والنهي؛ من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل، فلما قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت6 إقامة غيره مقامه. وليس كذلك الخبر، لأنه لا يخص بالفعل، ألا ترى إلى قولهم: زيد أخوك، ومحمد صاحبك؛ فالتسمية للفعل في باب الخبر ليست في قوة "تسميته في"7 باب الأمر والنهي. وعلى ذلك فقد مرت بنا منه8 ألفاظ صالحة جمعها طول التقري لها. وهي قولهم: أفَّ اسم الضجر، وفيه ثماني لغات أفِّ وأفٍ وأفَّ وأفٌ وأفَّ وأفَّا وأفّي ممال، وهو الذي تقول فيه العامة: أفي9 وأف خفيفة. والحركة

_ 1 أي انتزعت ونحبت. 2 النيد في الأصل: الرفق. وقوله: "اسم اثبت" في اللسان: "وتيدك يا هذا أي اتئد". 3 سقط ما بين القوسين من ش. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله". 5 كتب في هامش ش: "صوابه: فكذاك" وورد البيت في اللسان "لحق" وفيه "كفاك القبول" وفيه عقب البيت: "كفاك القول، أي ارفق وأمسك عن القول". 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "رجعت"؛ وقد يكون محرفا عن "رجحت". 7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تسمية". 8 سقط من ش. 9 أي بإخلاص الباء. وانظر ابن يعيش 4/ 38.

في جميعها لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضم فللإتباع، ومن فتح فللاستخفاف، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن نون أراد التنكير. فمعنى التعريف: التضجر، ومعنى التنكير: تضجرا1. ومن أمال بناه على فعلى. وجاءت ألف التأنيث مع2 البناء كما جاءت تاؤه معه في ذيَّة وكيَّة، نعم، وقد جاءت ألفه فيه أيضًا في قوله3: هنّا وهنَّا ومن هنَّا لهن بها ومنها آوتاه "وهي اسم أتألم. وفيها لغات"4: آوَّتاه وآوَّه وأوَّه وأَوهُ وأَوهِ وأَوهَ وأَوِّ قال: فأَوهِِ من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء5 ويروى: فأوِّ لذكراها. والصنعة في تصريفها طويلة حسنة. وقد كان أبو علي -رحمه الله- كتب إلي من حلب -وأنا بالموصل- مسئلة أطالها في هذه اللفظة جوابًا على سؤالي إياه عنها وأنت، تجدها في مسائله الحلبيات، إلا أن جماع القول عليها أنها "فاعلة" فاؤها همزة، وعينها ولامها واوان، والتاء فيها للتأنيث. وعلى ذلك قوله: فأوِّ لذكراها قال: فهذا كقولك في مثال الأمر من قويت: قوِّ زيدا ونحوه. ومن قال: فأوهِ أو فأوِّه فاللام عنده هاء، وهي من لفظ قول العبدي6: إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين

_ 1 في ط: "أي أتضجر تضجرا". 2 كذا ف ش، ط. وفي ز: "الياء". 3 أي ذي الرمة وعجزه: ذات الشمائل والإيمان هينوم وقبله: للجن بالليل في حاجاتها زجل ... كما تنارح يوم الريح عيشوم وقوله: "في حافاتها" أي حافات بهما، أي صحراء. وزجل: صوت. والعيشوم. شجر له صوت مع الريح، والهينوم: الكلام الحفي. 4 سقط ما بين القوسين من ز، ط. 5 انظر ص 91 من الجزء الثاني من الخصائص. 6 هو المثقب. والبيت من قصيدة مفضلية.

ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم: سنة وعضة1؛ ألا تراهم قالوا: سنوات وعضوات، وقالوا أيضًا: سانهت؛ وبعير عاضه والعضاه. وصحت الواو في آوة ولم تعتل إعلال2 قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوة من قبل أن هذا بني على التأنيث أعني آوة، فجاء على الصحة كما صحت واو3 قرنوة وقلنسوة لما بنيت الكلمة على التأنيث البتة. ومنها سرعان4، فهذا اسم سرع، ووشكان: اسم وشك، وبطئان5: اسم بطؤ. ومن كلامهم: سرعان ذي إهالةً أي سرعت هذه6 من إهالة. فأما أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء7 قال8: فيغيفون ونرجع السرعانا

_ 1 هي من الشجر ما له شوك. 2 كذا في ش. وفي ي، هـ، ز، ط: "اعتلال". 3 هي عشب يدبغ به. 4 بتثليث أول الكلمة. 5 بضم الباء وفتحها. 6 في ط: "ذي أو هذه" والمعروف في المثل: "سرعان ذا إهالة". والإهالة الشحم المذاب؛ وفي القاموس: "فأصله أن رجلا كانت له نعجة عجفا، ورغامها يسهل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ودكها فقال السائل ذلك ... يضرب لن يخبر بكينونة الشيء قبل وفيه. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "العين" يراد عين الكلمة وهي الراء ومن اللغويين من يجيز تسكين الراء في هذا المعنى. 8 أي القطامي. وصدره: وحسبتنا نزع الكنيبة غدرة و"حسبتنا" بضم التاء التكلم، وقال شارح الديوان: "حسبتنا: علمننا. نزع: فكف" وفيه أنه روى "نورع" في مكان "نرجع" هنا، وفسره فقال: "ويقال: أورعة إذا كفه، و"يغيفون" أي ينهزمون. يفخر بشجاعة قومه، وأنهم إذا غدت عليهم كتيبة أي غزاة صباحا كفوهم فيهزمون ورجعوا سرعان الكتيبة وردوهم على أعقابهم. وانظر الديوان، واللسان "غيف".

وقد قالوا: وشكان وأشكان. فأما أشك ذا "فماض، وليس"1 باسم، وإنما أصله وشك فنقلت حركة عينه كما قالوا في حسن: حسن ذا؛ قال 2: لا يمنع الناس مني ما أردت ولا ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا ومنها حس اسم أتوجع، ودهدرين: اسم بطل. ومن كلامهم: دهدرين سعد3 القين، وساعد القين، أي هلك سعد القين. ومنها لب "وهو اسم اسم لبيك4"، وويك: اسم أتعجب. وذهب الكسائي إلى أن "ويك" محذوفة من ويلك؛ قال5: ... ... ويك عنتر أقدم والكاف عندنا للخطاب حرف عارٍ من الأسمية. وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} فذهب سيبويه7 والخليل إلى أنه وي، ثم قال: كأن الله. وذهب

_ 1 كذا في ز، ط. وفي ش، ج: "قماص فليس". وعلى هذا "ذا" في معنى صاحب مضاف إلى قاص، وهو وثب الحيوان وعدم صبره. 2 أي سهم بن حنظلة لغنوي. وقوله: "لا يمنع" في اللسان "حسن": "لم يمنع". يريد أنه يقهر النس فلا يمنعون ما يريده منهم، وهو لعزته يمنع ما يريدونه منه، وقيل: إنه ينكر على نفسه هذا العمل: أن يعطيه الناس ما أراد، ولا يعطيهما هو ما أرادوا، وانظر الخزانة 4/ 123، وإصلاح المنطق 41، والأصمعيات 7. 3 هو حداد كان في البادية: أي استغنى عنه لتشاغل على الناس بالقحط من صنع آلات الحديد، فلا أرب لهم فيه. وهذا مثل، وفيه تفاسير أخرى. وقد ضبط وسط" بالتنوين في القاموس، ودون تنوين في اللسان. وانظر اللسان "فين"، والقاموس "دهدر". 4 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "اسم أجبتك". وفي ط: "هي اسم أحببك". 5 أي عنترة في معلقته، والبيت شمامه: ولقد شفي نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم 6 آية 82 سورة القصص. 7 انظر الكتاب 1/ 290.

أبو الحسن إلى أنها ويك حتى كأنه قال عنده1: أعجب أن2 الله يبسط الرزق. ومن أبيات الكتاب: وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش ضر3 والرواية تحتمل التأويلين جميعًا. ومنها هيهات، وهي عندنا من مضاعف الفاء4 في ذوات الأربعة. ووزنها فعللة، وأصلها هيهية؛ كما أن أصل الزوزاة5 والقوقاة والدوداة6 والشوشاة7: الزوزوة والقوقوة والدودوة والشوشوة، فانقلبت "اللام8 ألفا" فصارت هيهاة. والتاء فيها للتأنيث، مثلها9 في القوقاة والشوشاة. والوقوف عليها بالهاء. وهي مفتوحة فتحة المبنيات. ومن كسر التاء فقال: هيهات فإن التاء تاء جماعة التأنيث، والكسرة فيها كالفتحة في الواحد10. واللام عندنا محذوفة لالتقاء الساكنين، ولو جاءت غير محذوفة لكانت هيهيات، لكنها حذفت لأنها في آخر اسم غير متمكن، فجاء

_ 1 سقط من د، هـ، ز، ط. 2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأن". 3 في د، هـ، ز، قبله البيت الآتي: سالتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مال قد جتماني بنكر وهما من مقطوعة لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي، وقيل: لغيره، والنشب: المال الأصيل من الناطق والصامت. وانظر الخزانة 3/ 95، والكتاب 1/ 290. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الباء". 5 هو مصدر زوزي الرجل: نصب ظهره وقارب الخطو. 6 هي أثر الأرجوحة. 7 يقال: ناقة شوشاة، سريعة. 8 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللام ياء ثم انقلبت ألفا". 9 كذ في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثالها". 10 في ط: "الواحد".

جمعه مخالفا لجمع المتمكن؛ نحو الدوديات والشوشيات، كما حذفت في قولك: ذان وتان واللذان واللتان. وأما قول أبي الأسود: على ذات لوث أو بأهوج شوشوٍ ... صنيع نبيل يملا الرحل كاهله1 فسألت2 عنه أبا علي، فأخذ ينظر فيه. فقلت له: ينبغي أن يكون بني من لفظ الشوشاة مثال جحمرش3، فعاد إلى شوشووٍ، فأبدل اللام الثالثة4 ياء لانكسار ما قبلها، فعاد: شوشوٍ، فتقول على هذا في نصبه: رأيت شوشويًا، فقبل ذلك ورضيه. ويجوز فيه عندي وجه آخر، وهو أن يكون أراد: شوشويًا، منسوبًا إلى شوشاة، ثم خفف إحدى ياءي الإضافة. وفي هيهات لغات: هيهاة، وهيهاةً، وهيهاتِ، وهيهاتٍ، وأيهاتَ، وأيهاتِ، وأيهاتٍ، وأيهاتًا، وأيهانِ بكسر النون، حكاها لنا أبو علي عن أحمد بن يحيى5 وأيها والاسم بعدها مرفوع على حد ارتفاع الفاعل بفعله؛ قال جرير: فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصله6

_ 1 اللوث: القوة، أراد ناقة قوية على السير، وأراد بالأعوج بعيرا شديد السير كأن به هوجا أي حمقا من سرعته، والشوشوي: السريع، والصنيع: الذي أحسن القيام عليه وتربيته. والنبيل: الحسن الغليظ. وجاء البيت في ديوان أبي الأسود المطبوع في بغداد هكذا: على ذات لوث يجعل الوضع مشيها ... كما انقض غير الصخرة المرتقب وكأن ما أورده المؤلف هنا رواية للبيت. 2 في ش: "وسألت". 3 من معانيها العجوز الكبيرة. 4 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش "الثانية". 5 سقط في د، هـ، ز، ط. 6 من قصيدة له يحب فيها الفرزدق على أحدى نقائضه، أزلها: ألم تر أن الجهل أقصر باطله ... وأمسى عماء قد تجلت مخايله وفي النقائض 632: "تواصله". ويقول أبو عبيدة عقب البيت: "العقيق واد لبني كلاب بالمعالية".

وقال أيضًا:د هيهات منزلنا بنعفٍ سويقة ... كانت مباركةً من الأيام1 وأما قوله2: هيهات من منخرق هيهاؤه فهذا كقولك: بعد بعده، وذلك أنه بني من هذا3 اللفظ فعلالا، فجاء به مجيء القلقال والزلزال. والألف في هيهات4 غير الألف في هيهاؤه، هي في هيهات لام الفعل الثانية كقاف5 الحقحقة الثانية، وهي في هيهاؤه6 ألف الفعلال الزائدة. وهي في هيهات فيمن كسر غير تينك، إنما هي التي تصحب تاء الهندات والزينبات. وذكر سيبويه أن7 منهم من يقال له: إليك، فيقول: إلي "إلي"8؛ فإلي9 هنا: اسم أتنحى10. وكذلك قول من قيل له: إياك، فقال: إياي أي إياي لأتقين 11.

_ 1 "منزلنا" في ش: "منزلها". ونصف سويقة: موضع. وقوله: "كانت مباركة" قال الأعلم: "أي كانت تلك الأيام التي جمعنا ومن تحب؛ فأضمرها ولم يجر لما ذكر لما جاء بعد ذلك من التفسير، وانظر الكتاب 2/ 299. 2 في ش: "قال". والرجز العجاج. ورواية الديوان: "في منخرق". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "من ذلك". 4 سقط في ش. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 في د، هـ، ز: "غير الألف في هيهاؤه". 7 انظر الكتاب 1/ 126. 8 ما بين القوسين سقط في ط، ز. 9 كذ في ش. وفي ز، ط: "وإلى". 10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الممحي". 11 في د، هـ، ز بعده "ويقال: لأتقين" وكأن اللام في الأول مفتوحة، وهي لام القسم، وفي الثاني مكسورة، وهي لام الأمر.

ومنها قولهم: همهام، وهو1 اسم فني2. وفيها لغات: همهمامِ وحمحامِ ومحماحِ، وبحباحِ. أنشد أحمد بن يحيى: أولمت يا خنوت شر إيلام ... في يوم نحسٍ ذي عجاجٍ مظلام ما كان إلا كاصطفاق الأقدام ... حتى أتيناهم فقالوا: همهام3 فهذا اسم فني، وقوله سبحانه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4 هو اسم دنوت من الهلكة. قال الأصمعي في قولها5: فأولى لنفسي أولى لها قد دنت من الهلاك. وحكى أبو زيد: هاهِ6 الآن وأولاة الآن، فأنث أولى، وهذا يدل على أنه اسم لا فعل كما يظن؛ وهاه اسم قاربت، وهي نحو أولى لك. فأما الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء فأشياء وجدت7 فيها لا توجد إلا في الأسماء. منها التنوين الذي هو علم التنكير. وهذا لا يوجد إلا في الاسم؛ نحو قولك: هذا سيبويه وسيبويهٍ آخر. ومنها التثنية، وهي من خواص الأسماء، وذلك قولهم دهدرين. وهذه التثنية لا يراد بها ما يشفع الواحد مما هو دون الثلاثة. وإنما الغرض فيها التوكيد بها، والتكرير لذلك المعنى؛ كقولك: بطل بطل، فأنت8 لا تريد

_ 1 سقط حرف العطف في ش. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ما بقي" و"ما" فيه نافية. 3 "أولمت" بالبناء للفاعل، من الوليمة؛ وهذ الضبط وفق ما في اللسان "همم"، وفي "ظلم" ضبطه بالبناء للمفعول من الإيلام. والخنوت: العيي الأبلة، كأن رجلا صنع وليمة فلم يرضها الشاعر ولم يطعم فيها المدعوون حاجتهم، وأنهم حين طلبوا الطعام قيل لهم: قد فني ونفد. وقوله: "كصطفاق" في ش: "كصطفاف". 4 آية 34 سورة القيامة. 5 أي الخنساء، وصدره: هممت بنفس كل الهموم 6 هي كلمة وعيد. 7 سقط في ش. 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأنت".

أن تنفي1 كونه مرة واحدة بل غرضكم فيه متابعة نفيه وموالاة ذلك؛ كما أن قولك: لا يدين بها لك، لست تقصد بها2 نفي يدين ثنتين، وإنما تريد نفي جميع قواه وكما قال الخليل في قولهم: لبيك وسعديك، إن معناهما أن كلما3 كنت في أمر فدعوتني إليه أجبتك وساعدتك عليه. وكذلك قوله 4: إذا شق بردٌ شق بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس أي مداولةً بعد مداولة. فهذا على العموم، لا على دولتين ثنتين. وكذلك قولهم: دهدرين أي بطل بطلا بعد بطل. ومنها وجود الجمع فيها في هيهات، والجمع مما "يختص بالاسم"5. ومنها وجود التأنيث فيها6 في هيهاة وهيهات وأولاة الآن7 وأفي والتأنيث بالهاء والألف من خواص الأسماء. ومنها الإضافة وهي قولهم: دونك وعندك ووراءك، ومكانك، وفرطك8، وحذرك. ومنها وجود لام التعريف فيها؛ نحو النجاءك. فهذا اسم انج. ومنها التحقير، وهي من خواص الأسماء. وذلك قولهم: رويدك. وببعض هذا "ما يثبت ما دعواه"9 أصغاف10 هذا.

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز "ثبق". 2 كذا في شيء وفي د، هـ، ز، ط: "به". 3 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط. 4 هو سحيم عبد بني الحسحاس، ورواية البيت كما هنا فيها إقواء، فإن القافية مجرورة، وفي الديوان: "حتى كلنا غير لابس" ولا أقواء فيه. وانظر الكتاب 1/ 175، ومجالس ثعلب 157 والديوان 16, 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يخص الاسم". 6 سقط في ش. 7 في د، هـ، ز بعده: "وأولى". 8 أي تقدم، أو احذر من قدامك؛ كما في رضي الكافية 662. 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز "تثبت دعوانا". 10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأضعاف".

فإن قيل: فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء، ولكن ليت شعري ما كانت الفائدة في التسمية لهذه الأفعال بها؟ فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها السعة في اللغة، ألا تراك لو احتجت في قافية بوزن قوله1: قدنا إلى الشأم جياد المصرين2 لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها "دهدرين"، ولو جعلت هنا ما هذا اسمه -وهو بطل- لفسد وبطل. وهذا واضح. والآخر المبالغة. وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعًا إلى موضع؛ إما لفظًا إلى لفظ، وإما جنسًا إلى جنس، فاللفظ3 كقولك: عراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض. فعراض إذًا أبلغ من عريض. وكذلك رجل حسان ووضاء؛ فهو4 أبلغ من قولك: حسن، ووضئ، وكرام أبلغ من كريم؛ لأن كريمًا على كرم وهو الباب وكرام خارج عنه. فهذا5 أشد مبالغة من كريم. قال الأصمعي: الشيء إذا فاق في جنسه6 قيل له: خارجي. وتفسير هذا ما نحن بسبيله، وذلك أنه لما خرج عن معهود حاله أخرج أيضًا عن معهود لفظه. ولذلك أيضًا إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه. وذلك نعم وبئس وفعل التعجب. ويشهد لقول الأصمعي بيت طفيل: وعارضتها رهوا على متتابعٍ ... شديد القصيرى خارجي محنب7

_ 1 سقط في ش. 2 ورد في اللسان "جفف" منسوبا لأبي ميمون العجلي وبعده: من قيس عيلان وخيل الجفين 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللقظ". 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وهو". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو". وقد ورد في كرام تشديد الراء وتخفيفها. 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حسنه". 7 عارضتها أي الخيل المذكورة قبل هذا البيت، ورهوا أي عدوا سهلا، ويريد بالمتتابع فرسا مطرد الخلق مشتبه، وش: "متتابع" أي متهالك في السرعة إن صحت الرواية، والقصيري: ضلع الخلف، والمحنب: الذي في ذراعه ما يشبه التحدب، والبيت من قصيدة في أول ديوانه.

والثالث ما في ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه وللاثنين: صه1 و"للجماعة: صه"2، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه لوجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتا واسكتوا3 واسكتي واسكتن. وكذلك جميع الباب. فلما اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن3 الإيجاز ومن المبالغة عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه لتناسيهم، حروفه. يدل على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت4 بالفاء فإنك إنما تنصب لتصورك في الأول معنى المصدر، وإنما يصح ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله؛ ألا تراك إذا قلت: زرني فأكرمك فإنك إنما نصبته لأنك تصورت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام مني. فـ"زرني" دل على الزيارة؛ لأنه من لفظه، فدل الفعل على مصدره كقولهم: من كذب كان شرًّا له، أي كان الكذب؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله -وهو كذب- عليه، وليس كذلك صه؛ لأنه ليس من5 الفعل في قبيلٍ6 ولا دبيرٍ، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلًا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والجماعة كذلك". 3 سقط في ش. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جئت". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في". 6 أصل هذا المثل: ما يعرف قبيلا من دببر، وقد تصرف فيه المؤلف، والقبيل: القبل، والدبير، الدبر، وقد فسرا بغير هذا.

فإن قلت: فقد تقول: أين بيتك فأزورك، وكم مالك فأزيدك عليه، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر، فما الفرق بين "ذلك وبين صه"1؟ قيل: هذا كلام محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك: أين بيتك قد دخله معنى أخبرني، فكأنه قال: ليكن منك تعريف لي ومني زيارة لك. فإن قيل: "وكيف ذلك"2 أيضًا؟ هلا جاز صه فتسلم لأنه محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك3: صه في معنى: ليكن منك سكوت فتسلم. قيل: يفسد هذا من قبل أن صه قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذي هو اسكت، وترك له، ورفض من أجله. فلو ذهبت تعاوده وتتصوره أو تتصور مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعًا إليه بعد الإبعاد عنه، والتحامي للفظ به فكان ذلك يكون كإدغام الملحق، لما فيه من نقض الغرض. وليس كذلك أين بيتك؛ لأن هذا ليس لفظًا عدل إليه عن: "عرفني بيتك" على وجه التسمية له به، ولأن4 هذا قائم في ظله الأول من كونه مبتدأ وخبرا؛ وصه5 ومه قد تنوهي في إبعاده عن الفعل البتة؛ ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء: صه على صورة واحدة ولا يظهر فيه ضمير على قيامه6 بنفسه وشبهه7 بذلك بالجملة المركبة. فلما تناءى عن الفعل هذا التنائي، وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسي، لم يجز فيما بعد أن تراجع أحكامه، وقد درست معارفه وأعلامه؛ فآعرف ذلك

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صه وبينه". 2 كذا في ش، وفي ز، هـ: "فكذلك"، وفي ط "وكذلك". 3 كذا في، وسقط في د، هـ، ط. 4 سقط حرف العطف في ش. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بابه". 6 في هـ: "قياسه". 7 في ط: "لا شبهة".

فأما دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده، فأقول: دراك زيدًا1 فتظفر به ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به2؛ لأنه وإن لم يتصرف فإنه من لفظ الفعل، ألا تراك تقول: أأنت3 سائر فأتبعك فتقتضب4 من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلًا كما قال5 الآخر: إذا نهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف6 فاستنبط من السفيه معنى السفه، فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا. هذا حديث هذه الأسماء في باب النصب. فأما الجزم في جواباتها فجائز حسن، وذلك قولك: صه تسلم، ومه تسترح، ودونك زيدا تظفر بسلبه؛ ألا تراك في الجزم لا تحتاج إلى تصور معنى المصدر؛ لأنك لست تنصب الجواب فتضطر إلى تحصيل معنى المصدر الدال على7 أن والفعل. وهذا واضح. فإن قيل: فمن أين وجب بناء هذه الأسماء؟ فصواب القول في ذلك أن علة بنائها إنما هي تضمنها8 معنى لام الأمر، ألا ترى أن صه بمعنى اسكت وأن أصل اسكت لتسكت؛ كما أن أصل قم لتقم، واقعد لتقعد؛ فلما ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت؛ كما أن كيف ومن وكم لما تضمن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بني؛ وكذلك بقية الباب.

_ 1 سقط في ز، ط. 2 سقط في ش. وفي ط: "له". 3 في ط: "آنت" وفي ز: "اآنت" وفي ش: "انت". 4 في ز: "فتقتصب". 5 سقط في ش. 6 أورد هذا البيت الفراء في معاني القرآن 1/ 104 من غير عزو: وانظر الخزانة 2/ 383. 7 كذا والأنسب: "عليه". 8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لتضمنها".

فأما قول من قال نحو هذا: إنه إنما بني لوقوعه موقع المبني يعني أدرك واسكت؛ فلن يخلو من أحد أمرين: إما أن يريد أن علة بنائه إنما هي نفس وقوعه موقع المبني لا غير، وإما أن يريد أن وقوعه موقع فعل1 الأمر ضمنه معنى حرف الأمر. فإن أراد الأول فسد؛ لأنه إنما علة بناء الاسم تضمنه معنى الحرف، أو وقوعه موقعه. هذا هو علة بنائه لا غير، وعليه قول سيبويه والجماعة. فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء، نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك، إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الأمر1 لا غير. فإن قيل: ما أنكرت من فساد هذا القول، من قبل أن الأسماء التي سمي بها الفعل في الخبر مبنية أيضًا، نحو أف وآوتاه وهيهات، وليست بينها وبين لام الأمر نسبة قيل: القول هو الأول. فأما2 هذه فإنها محمولة في ذلك على بناء الأسماء المسمى بها الفعل في الأمر والنهي ألا ترى أن الموضع في ذلك لها، لما قدمناه من ذكرها، وأنهما3 بالأفعال لا غير، ولا يكونان إلا به4، والخبر قد يكون بالأسماء من غير أعتراض فعل فيه، نحو أخوك زيد وأبو5 جعفر. فلما كان الموضع في ذلك إنما هو لأفعال الأمر والنهي، وكانا لا يكونان إلا بحرفيهما : اللام ولا، حمل ما سمي به الفعل في الخبر على ما سمي به في الأمر والنهي، كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذ الضارب الرجل، وكما حمل6 أنت الرجل العبد7 "على أنت الرجل العلم والحلم"8 ونحو ذلك.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأما". 3 كذا في ط، وفي ش، ز: "أنها" والحديث عن الأمر والنهي. 4 أي بالفعل، ولو نظر إلى الأفعال لقال "بها". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنك". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حملت". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "العبيد" وسقط في ط. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على أنت الرجل العليم والحليم" وفي ط: "والعلم والحلم".

فإن قيل: هذا يدعوك إلى حمل شيء على شيء، ولو سلكت طريقتنا لما احتجت إلى ذلك1؛ ألا ترى أن الأسماء المسمى بها الفعل في الخبر واقعة موقع المبني وهو الماضي، ما أنها في الأمر واقعة موقع المبني، وهو اسكت. قيل: ما أحسن هذا لو سلم أول، ولكن من لك بسلامته؟ أم من يتابعك على أن علة بناء الأسماء في العربية كلها شيء غير مشابهتها للحرف؟ فإذا كان كذلك لم يكن لك مزحل عما قلناه، ولا معدل عما أفرطناه وقدمناه. وأيضا فإن اسكت -لعمري- مبني، فما تصنع بقولهم: حذرك زيدا الذي هو نهي؟ أليس في موضع لا تقرب زيدا، و"تقرب" من لا تقرب معرب، ولهذا سماه سيبويه نهيا؟ فإن قلت: إن النبي في هذا محمول على الأمر صرت إلى ما صرفتنا عنه، وسوأت إلينا التمسك به، فآعرف هذ فإنه واضح. باب في أن سبب الحكم قد2 يكون سببًا لضده "على3 وجه". هذا سبب ظاهره4 التدافع وهو مع استغرابه5 صحيح واقع؛ وذلك نحو قولهم: القود والحوكة، والخونة وروع6 وحول، وعور و"عوز، لوز"7 وشول؛ قال8: شاوٍ مشل شلول شلشل شول

_ 1 في د، هـ، ز، بعده: "به"؛ ويبدو أنه محرف ص "يتة". 2 سقط في ش. 3 في ط وضع ما بين القوسين بعد "يكون" وفي ش: "وجهه". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ظاهر". 5 في ش: "استقر به"؛ ويبدو أنه محرف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "استقرائه". 6 روع أي مرتاع خائف، وحول: أحول العين. 7 عوز: وصف من عوز الرجل كفرح، إذا افتقر، ولوز: اتباع له. 8 أي الأعشى في معلقته وصدره: وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني والحانوت: بيت الخمار، والشاوي: الذي يشوي اللحم، والمثل: الخفيف، والشلشل: المتحرك، والشول: الخفيف في العمل والخدمة.

وتلخيص هذه الجملة أن كل واحد من هذه الأمثلة قد جاء مجيئا مثله مقتضٍ للإعلال، وهو مع ذلك مصحح، وذلك أنه قد تحركت عينه، وهي معتلة وقبلها فتحة، وهذا يوجب قلبها ألفا، كباب، ودار، وعابٍ، ونابٍ، ويومٍ راحٍ، وكبشٍ صافٍ، إلا أن سبب صحته طريف، وذلك أنهم شبهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها فكأن فعلًا1 فعال كأن فعلا فعيل. فكما يصح نحو جواب، وهيام، وطويل، وحويل، فعلى نحوٍ من ذلك صح باب القود والحوكة والغيب2 الروع والحول والشول، من حيث شبهت فتحة العين بالألف من بعدها "وكسرتها بالياء من بعدها"3. ألا ترى إلى حركة العين التي هي سبب الإعلال كيف4 صارت على وجه آخر "سببا للتصحيح"5 وهذا6 وجه غريب المأخذ. وينبغي أن يضاف هذا إلى احتجاجهم فيه بأنه7 خرج على أصله منبهة8 على ما غير من أصل بابه. ويدلك على أن فتحة العين قد أجروها في بعض الأحوال مجرى حرف اللين قول مرة بن محكان: في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا9

_ 1 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعل". 2 جمع الغائب. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "كما". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: سبب التصحيح". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهب". 7 في ش: "وبأنه". 8 في ط: "مشبهة". 9 قبله: يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رحال القوم والقربا وهو يخاطب امرأته أن تعنى بأمتعة الضيوف الذين نزلوا به في ليلة باردة، فهم عنده في قوى ودفء، وقوله: "من جمادى" فقد كانوا يجعلون شهر البرد جمادى، وإن لم يكن جمادى في الحقيقة؛ قال أبو حنيفة الدينوري -كما في اللسان: "جمادى عند العرب الشتاء كله" في جمادى كان الشتاء أو في غيرها. والطنب: حيل الخباء، والشعر من قصيدة في الحماسة، وانظر شرح التبريزي لها "التجارية" 4/ 132.

فتكسيرهم ندًى على أندية يشهد بأنهم أجروا ندًى -وهو فعل- مجرى فعال فصار لذلك ندى وأندية كغداء وأغدية. وعليه قالوا: باب وأبوبة و"خال1 وأخولة". وكما أجروا فتحة العين مجرى الألف الزائدة بعدها، كذلك أجروا الألف الزائدة بعدها مجرى الفتحة. وذلك قولهم: جواد وأجود وصواب وأصواب، جاءت في شعر الطرماح. وقالوا: عراء2 وأعراء حياء3 وأحياء، وهباء4 وأهباء. فتكسيرهم فعالا على أفعال كتكسيرهم فعلا على أفعلة هذا هنا، كذلك ثمة. وعلى ذلك -عندي- ما جاء عنهم من تكسير فعيل على أفعال؛ نحو يتيم وأيتام، وشريف وأشراف حتى كأنه إنما كسر فعل لا فعيل كنمر وأنمار وكبد وأكباد، وفخذ وأفخاذ. ومن ذلك قوله5: إذا المرء لم يخش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا وهذا عندهم قبيح، وهو إعادة الثاني مظهرا بغير لفظه الأول؛ وإنما سبيله أن يأتي مضمرًا نحو: زيد مررت به. فإن لم يأت مضمرًا وجاء مظهرا فأجود ذلك أن يعاد لفظ الأول البتة؛ نحو: زيد مررت بزيد، كقول الله سبحانه: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 6 و {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} 7 وقوله 8: لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغض الموت ذا الغنى والفقيرا ولو قال: زيد مررت بأبي محمد "وكنيته أبو محمد"9 لم "يجز عند"10 سيبويه، وإن كان أبو الحسن قد أجازه. وذلك أنه لم يعد على الأول ضميره، كما يجب،

_ 1 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "حال وأحولة" وفي اللسان: الأخولة جمع الخال أخى الأم. 2 هو المكان الفضاء الذي لا يستتر فيه شيء. 3 هو لغة في الحيا للخصب والمطر. 4 هو التراب الذي تطيره الريح. 5 أي الكلحبة العرني، وهو من مقطوعة في المفضليات، والخزانة 1/ 183. 6 آية 1، 2 سورة الحاقة. 7 آية 1، 2 سورة القارعة. 8 أي سوادة بن عدي، وقيل: أمية بن أبي الصلت، وانظر الكتاب 1/ 30. 9 سقط ما بين القوسين من ش. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يجزه".

ولا عاد عليه لفظه. فهذا1 وجه القبح. ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن. وذلك أنه لما لم يعد لفظ الأول البتة، وعاد مخالفا للأول شابه -بخلافه له- المضمر الذي هو أبدا2 مخالف للمظهر. وعلى ذلك قال: ............. أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى ... ... ولم يقل: "به3 ولا" بالمرء. أفلا ترى أن القبح الذي كان في مخالفة الظاهر الثاني للأول قد عاد4 فصار بالتأويل من حيث أرينا حسنا. وسببهما جميعا واحد. وهو وجه المخالفة في الثاني للأول. وأما قول ذي الرمة: ولا الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ما هيا5 فيجوز أن تكون "هي" الثانية فيه إعادة للفظ الأول كقوله6 -عز وجل: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} وهو الوجه. ويجوز أن تكون "هي" الثانية ضمير "هي" الأولى؛ كقولك: هي مررت بها. وإنما كان الوجه الأول؛ لأنه إنما يعاد لفظ الأول في مواضع7 التعظيم والتفخيم وهذا من مظانه؛ لأنه في مدحه وتعظيم أمره. ومن ذلك أنهم قالوا: أبيض لياح. فقلبوا الواو التي في تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها، على ضعف ذلك لأنه ليس جمعا كثياب ولا مصدرا

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 2 سقط في د، هـ، ز، وصبت في ش، ط. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "جاز"، وفي ش "جاء". 5 هذا هو البيت السابع والثلاثون من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة، ويجوز في "هيبة" الرقع، أي ولكن أمره هيبة، والنصب أي يهاب هيبة، وهي في الديوان، وانظر الكامل بشرح المرصفي 4/ 188. 6 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الأول". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "موضع".

كقيام. وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخف كقولهم في صوار البقر: صيار وفي الصوان للتخت1 صيان. وكان2 يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام "لياح" أن تعود الواو. وقد قالوا مع هذا: أبيض لياح، فأقروا القلب بحاله مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم في القلب به3 على ضعفه. ووجه4 التأول منهم في5 هذا أن قالوا: لما لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها وطلبا، لخفتها، لم تراجع6 الواو لزوال الكسرة؛ إذا مثلها في هذا الموضع في غالب الأمر ساقط غير مؤثر نحو خوان وزوان7 وقوام وعواد مصدري قاومت وعاودت فمضينا8 على السمت في الإقامة على الياء. أفلا ترى إلى ضعف9 حكم الكسرة في "لياح" الذي كان مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه كيف صار سببا وداعيا إلى استمراره والتعدي به10 إلى ما يعرى عنه، والتعذر11 في إقرار الحكم به. وهذا ظاهر. ومن ذلك أن الإدغام يكون في المعتل سببا للصحة؛ نحو قولك في فعل من القول: قول، وعليه جاء اجلواذ، والإدغام نفسه يكون في الصحيح سببا للإعلال؛ ألا تراهم كيف جمعوا حرة بالواو والنون فقالوا: إحرون12؛ لأن العين أعلت بالادغام، فعوضوا من ذلك الجمع بالواو والنون. وله نظائر فاعرفه.

_ 1 هو ما تصان فيه الثياب وهو في الأصل لفظ فارسي. 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فكذلك". 3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "حملا"، وسقط في ط. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو وجه". 5 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط، وفي د: هـ، ز: "يراجعوا". 7 هو حب يخالط الحنطة، وفي زايه للضم أيضا. 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فمضنا". 9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ثبوت". 10 سقط في ش. 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التعدد". 12 كذا في ش، وفي ز، ط، ج: "حررن" والحرة: أرض ذات حجارة سود نخرات. ويرى ثعلب فتح الهمزة في الجمع، كما في اللسان.

باب في اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك إلا انه ليس بصاحبك

باب: في اقتضاء الموضع 1 لك لفظا هو 2 معك إلا أنه ليس بصاحبك 3: من ذلك قولهم: لا رجل عندك ولا غلام لك فـ"ـلا" هذه4 ناصبة اسمها وهو مفتوح، إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التي تتقاضاها "لا" إنما هذه فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذي هو عمل لا في المضاف، نحو لا غلام رجل عندك والممطول5؛ نحو لا خيرا من زيد فيها. وأصنع من هذا قولك: لا خمسة عشر لك فهذه الفتحة الآن فى راء " عشر" فتحة بناء التركيب فى هذين الاسمين، وهى واقعة موقع فتحة البناء فى قولك: لا رجل عندك، وفتحة لام رجل واقعة موقع فتحة الإعراب فى قولك: لا غلام رجل فيها ولا خيرا منك عنده. ويدل على أن فتحة راء6 "عشر " من قولك لا خمسة عشر عندك هى فتحة تركيب الاسمين، لا التى تحدثها " لا " فى نحو7 قولك: لا غلام لك أن " خمسة8 عشر " لا يغيرها العامل الأقوى أعني الفعل فى قولك جاءني خمسة عشر، والجار فى نحو9 قولك: مررت بخمسة عشر. فإذا كان العامل الأقوى لا10 يؤثر فيها

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع". 2 في د، هـ، ز: "وهو". 3 كذا في ز، ط، وفي ش: "يصاحيك". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هي". 5 هو ما يعرف بالشبيه بالمضاف في كتب المتأخرين. 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "خمسة". 7 سقط في ش، ط. 8 في ش: "خمسة". 9 سقط في د، هـ، ز. 10 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.

فالعامل الأضعف الذي هو "لا " أحجى بألا يغير. فعلمت بذلك أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة "للتركيب لا فتحة للإعراب؛ فصح بهذا أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة"1 بناء واقعة موقع حركة2 الإعراب، والحركات كلها من جنس واحد وهو الفتح. ومن ذلك قولك: مررت بغلامي. فالميم موضع جرة الإعراب المستحقة بالباء، والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف الجر، إنما هذه3 هي التي تصحب ياء المتكلم في الصحيح، نحو هذا غلامي ورأيت غلامي، فثباتها4 في الرفع والنصب يؤذنك أنها ليست كسرة الإعراب وإن كانت بلفظها. ومن ذلك قولهم5: يسعني حيث يسعك فالضمة في "حيث" ضمة بناء واقعة موقع رفع الفاعل. فاللفظ واحد التقدير مختلف. "ومن ذلك قولك: جئتك الآن. فالفتحة فتحة بناء في "الآن" وهي واقعة موقع فتحة نصب الظرف "6. ومن ذلك قولك: كنت عندك في أمس. فالكسرة الآن كسرة بناء. وهي واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضيها الجر. وأما قوله: وإني وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب7

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتحة". 3 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 4 في ز: "فبناؤها"، وهو محرف عن: "فبقاؤها". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك"، وترى في المثال الذي أورده "حيث"، في موضع رفع، والمعروف فيها أن تكون في موضع تعب أوجر، ونقل في المغني "حيث" عن أبي علي الفارسي أنها تقع مفعولا به، ولم يذكر ورودها فاعلا. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 انظر ص395 من الجزء الأول.

فيروى: "والأمس" جرا ونصبا. فمن نصبه فلانه لما عرفه باللام الظاهرة وأزال عنه تضمنه إياها أعربه والفتحة1 فيه نصبه الظرف؛ كقولك أنا آتيك اليوم وغدا2. وأما من جره فالكسرة فيه كسرة البناء التي في3 قولك: كان هذا أمس، واللام فيه زائدة كزيادتها في الذي والتي وفي قوله: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلًا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر4 قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن هذا، فقال: الألف واللام في "الأوبر" زائدة. وإنما تعرف "الأمس"5 بلام أخرى مرادةٍ غير هذه مقدرة.وهذه الظاهرة ملقاة زائدة للتوكيد. ومثله مما تعرف بلام6 مرادة "وظهرت"7 فيه لام أخرى غيرها زائدة قولك: الآن. فهو8 معرف بلام مقدرة وهذه الظاهرة فيه زائدة. وقد ذكر أبو علي هذا قبلنا وأوضحه وذكرناه نحن أيضًا في غير هذا الموضع من كتبنا. وقد ذكرت9 في كتاب التعاقب في العربية من هذا الضرب نحوا كثيرا. فلندعه هنا.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فالفتحة". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو". 3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "الذي". 4 جنيتك: جنيت لك، والأكمؤ جمع الكم، وهو من النبات، والمسافل: الكبار البيض الجياد من الكمأة، وبنات أوبر: كمأة لها زغب، وهي رديئة، وانظر مجالس ثعلب 624. 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الاسم". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باللام". 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وهو". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ذكرنا" وانظر 395 من الجزء الأول.

باب في احتمال القلب لظاهر الحكم

باب في احتمال القلب لظاهر الحكم: هذا موضع يحتاج إليه مع السعة؛ ليكون معدا عند الضرورة. فمن1 ذلك قولهم: أسطر. فهذا وجهه أن يكون جمع سطر ككلب وأكلب وكعب وأكعب. وقد يجوز أيضًا2 أن يكون جمع سطر فيكون حينئذ كزمن وأزمن، وجبل وأجبل؛ قال: إني لأكني بأجبالٍ عن اجلبها ... وباس أودية عن اسم واديها3 ومثله أسطار، فهذا وجهه أن يكون جمع سطرٍ "كجبل4 وأجبال" وقد يجوز أيضًا أن يكون جمع سطر كثلج وأثلاج وفرخ وأفراخ قال الحطيئة 5: ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ... زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر ومثله قولهم: الجباية في الخراج ونحوه: الوجه أن يكون مصدر جبيته، ويجوز أن يكون من جبوته؛ كقولهم: شكوته شكاية. وأصحابنا يذهبون في قولهم: الجباوة إلى أنها مقلوبة عن الياء في جبيت، ولا يثبتون جبوت. ونحو من ذلك قولهم6: القنية يجب على ظاهرها أن تكون7 من قنيت. وأما أصحابنا فيحملونها على أنها من قنوت أبدلت لضعف الحاجز -لسكونه- عن الفصل به بين الكسرة وبينها. على أن أعلى اللغتين قنوت.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 2 سقط في ش، ط. 3 ورد هذا البيت في الكامل بشرح المرصفي 1/ 204 وله صلة في الشرح. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقدم وأقدام رفدان، وأفدان". 5 سقط في ش، ط، والبيت أول قصيدة له، يخاطب عمر رضي الله عنه وكان حبسه لهجره الزبرقان بن بدر، ويريد بالأفراخ أولاده، وذو مرخ موضع، ويقول الشيخ خالد في التصريح في مبحث جمع التكسير: إنه واد كثير الشجر قريب من فدك، ولاحظ الشيخ يس في كتابته عليه أن هذا يتعارض مع قول الشاعر: لا ماء ولا شجر، وقال في الجواب: إن المقام للشكوى وذكر سوء الحال فذكر ذلك وإن كان عمر عالما بكثرة شجره، وفي ياقوت أن الرواية المشهورة: "بذي أمر". 6 سقط في د، هـ، ز، ط. 7 في د، هـ، "يكون".

ومن ذلك قولهم: الليل يغسى1، فهذا يجب أن يكون من غسى كشقى يشقى، ويجوز أن يكون من غسا فقد قالوا: غسى يغسى وغسا، يغسو ويغسى أيضًا وغسا يغسى نحو أبى يأبى، وجبا2 الماء يجباه. ومن ذلك زيد مررت به واقفا الوجه أن يكون "واقفا" حالا من الهاء "في3 به"، وقد يجوز أن يكون حالا من نفس "زيد" المظهر ويكون مع هذا العامل فيه ما كان عاملا فيه وهو حال من الهاء؛ ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل في الحال هو "غير العامل في صاحب"4 الحال ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} 5 فـ"مصدقا" حال من "الحق" والناصب له غير الرافع للحق، وعليه البيت: أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار6 وكذلك عامة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه ينبغي أن يكون جميع ذلك7 مجوزًا فيه8. ولا يمنعك9 قوة القوى من إجازة الضعيف أيضًا10؛ فإن العرب تفعل ذلك؛ تأنيسًا10 لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك ويرحب به11 خناقك إذا12 لم تجد وجها غيره، فتقول: إذا أجازوا نحو هذا ومنه بد وعنه مندوحة فما ظنك بهم إذا لم يجدوا

_ 1 أي يظلم. 2 أي جمعه. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "العامل في غير صاحب". 5 آية 91 سورة البقرة. 6 هذا لسالم بن دارة، يهجو زميلا الفزاري ويفتخر عليه، ودارة أمه، وقيل: جده، ولذلك يروى: "معروفا له نسبي" وفي ش، ط: "لها" في مكان "بها"، وانظر الخزانة "السلفية 3/ 24، وص270 من الجزء الثاني من هذا الكتاب. 7 سقط في ش. 8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "عليه". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تمنعك". 10 سقط في ش. 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عنه" وفي ط: "فيه". 12 في ش: "فإذا".

منه بدلا، ولا عنه معدلا ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها، ليعدوها لوقت الحاجة إليها. فمن1 ذلك قوله2: قد أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبًا كله لم أصنع أفلا3 تراه كيف دخل تحت ضرورة الرفع، ولو نصب لحفظ الوزن وحمى جانب الإعراب من الضعف. وكذلك قوله 4: لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ولم تغذ دعد في العلب كذا5 الرواية بصرف "دعد" الأولى، ولو لم يصرفها لما كسر وزنا وأمن الضرورة أو ضعف إحدى اللغتين. وكذلك قوله: أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط6 هكذا أنشده: على معاري بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة، ولو أنشد: على معارٍ فاخرات لما كسر وزنا ولا احتمل ضرورة.

_ 1 كذا في ش، وفي ط: "ومن" وفي د، هـ، ز: "من". 2 أي أبي النجم، وأم الخيار امرأته، وقد فسر الذئب بعد بأنه الشيب، وانظر الخانة في الشاهد السادس والخمسين. 3 كذا في، ط، وفي د، هـ، ز: "أ". 4 أي جرير، والتلفع "الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الأعراب والعلب واحدها علبة، وهي قدح من جلد يشرب فيه اللبن، وانظر اللسان "دعد" والكتاب 2/ 23. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هكذا". 6 "فاخرات" كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "واضحات" والمعاري قيل أراد بها ما لا بد المرأة من إظهاره، كاليدين، وقد عنى به المرأة نفسها، وقد شبه الملاب في حمرته بدم العباط وأحد العبيط والعبيطة، وهو ما نحر لغير علة، وانظر 335 من الجزء الأول.

باب في الشئ يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله

باب في الشئ يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله ... باب في الشيء 1 يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع 2 بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله: وذلك نحو عنتر وعنبر وحنزقر3 وحنبتر4 وبلتع5 وقرناس6. فالمذهب7 أن يحكم في جميع هذه النونات والتاءات وما يجري مجراها -مما هو واقع موقع الأصول مثلها- بأصليته، مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادة شيء منه كما ورد في عنسل وعنبس ما قطعنا به على زيادة نونهما، وهو الاشتقاق8 المأخوذ من عبس وعسل، وكما9 قطعنا على زيادة نون قنفخر10 لقولهم: امرأة قفاخرية11. وكذلك تاء تألب12؛ لقولهم: ألب13 الحمار طريدته يألبها، فكذلك يجوز أن يرد دليل يقطع به على نون عنبر في الزيادة، وإن كان ذلك كالمتعذر الآن لعدم المسموع من الثقة المأنوس14 بلغته، وقوة طبيعته15؛ ألا ترى أن هذا ونحوه مما16 لو كان له أصل لما تأخر أمره، ولوجد في اللغة ما يقطع له به. وكذلك ألف آءةٍ حملها الخليل -رحمه الله- على أنها منقلبة عن الواو، حملا على الأكثر، ولسنا ندفع مع ذلك17 أن يرد شيء من السماع

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أن الشيء". 2 سقط في ش. 3 هو القصير الدميم. 4 هو الشدة. 5 يقال رجل بلتع: حاذق ظريف متكلم. 6 بضم القاف وكسرها، وهو شبيه الأنف يتقدم الجيل. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والمذهب". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هما". 9 سقط حرف العطف في ش. 10 هو الفائق في نوعه. 11 مؤنث القفاخري، وهو النار الناعم الضخم الجثة. 12 هو الشديد الغليظ من حمر الوحش. 13 أي طردها طردا شديدا. 14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المأخوذ". 15 في ط: "طبعه". 16 سقط في ط. 17 في ش: "من".

يقطع معه بكونها منقلبة عن ياء، على ما قدمناه1 من بعد نحو ذلك وتعذره. ويجيء على قياس ما نحن عليه أن تسمع نحو بيت وشيخ فظاهره -لعمري- أن يكون فعلا مما عينه ياء، ثم لا يمنعنا هذا أن نجيز كونها2 فيعلا مما عينه واو؛ كميت وهين. ولكن إن وجدت في تصريفه نحو شيوخ وأشياخ ومشيخة قطعت بكونه من باب: بيع وكيل. غير أن القول وظاهر العمل أن يكون من باب بيع. بل إذا كان سيبويه قد حمل سيدا3 على أنه من الياء تناولا4 لظاهره مع توجه كونه فعلا مما عينه واو كريح وعيد, كان حمل نحو5 شيخ على أن يكون من الياء لمجيء الفتحة قبله أولى وأحجيى. فعلى نحوٍ من هذا فليكن العمل فيما يرد من هذا.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فدمناه". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كونه". 3 انظر ص252 من الجزء الأول. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منأولا". 5 سقط في ش.

باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح

باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن، لا على ما يبعد ويقبح: وذلك1 كأن تقسم2 نحو3 مروان إلى4 ما يحتمل حاله من التمثيل له فنقول5: لا يخلو6 من أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا. فهذا7 ما يبيحك8 التمثيل في بابه. فيفسد كونه مفعالا أو فعوالا أنهما مثالان لم يجيئا, وليس لك9أن تقول10ي تمثيله: لا يخلو11ن يكون مفلان أو12فوالا أو فعوان أو مفوان13ونحو ذلك، لأن هذه14نحوها15ما16ي" أمثلة ليست موجودة أصلا ولا قريبة من الموجودة كقرب فعوال ومفعال من الأمثلة الموجودة17ألا ترى أن فعوالا أخت فعوال كقرواش18وأخت فعوال كعصواد19 وأن مفعالا أخت مفعال كمحراب02 وأن كل واحد من مفلان ومفوان وفعوان لا يقرب منه شيء من أمثلة كلامهم. وتقول على ذلك في تمثيل21 أيمن من قوله22: يبري لها من أيمن وأشمل لا يخلو أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا. فيجوز هذا كله لأن بعضه له نظير "وبعضه قريب مما له نظير"23، الا ترى أن أفعلا24 كثير النظير، كأكلب

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك". 2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "يقسم". 3 في ز: "من نحو". 4 ثبت في هذا الحرف في ط. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيقول". 6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش. 7 في ز: "مما". 8 كذا في ش، وفي ط: "يحتمل" وفي د، هـ، ز: "ينتجك". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "له". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "يقول". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، "يجوز". 12 في ط: "ولا". 13 كذا في ز، ط، وفي ش: "معوان". 14 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "هذا". 15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نحوه". 16 سقط ما بين القوسين في ش، ط. 17 سقط في ش. 18 هو الطفيل. 19 من معانيه الجلبة والاختلاط. 20 سقط في ش. 21 سقط في ش. 22 أي أبي النجم في أرجوزته الطويلة وهي مبثتة في الفوائد الأدبية، والبيت في وصف الراعي لإبل أطال في وصفها، و"يبرى لها": يعارضها. 23 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 16 في ط: "أفعل".

إذا قسمته: لا يخلو أن يكون فعولا كثدي، أو فعيلا كشعير، أو فعيا كمئي إذا نسبت إلى مائة ولم تردد لامها أو فعلا، كطمر. ولا تقول في قسمتها: أو فوعلًا أو إفعلا أو فويًا أو إفلعا1 أو نحو ذلك؛ لبعد هذه الأمثلة مما جاء عنهم. فإذا تناءت عن مثلهم إلى ههنا لم تمرر2 بها في التقسيم؛ لأن مثلها ليس مما يعرض الشك فيه، ولا يسلم الفكر به ولا توهم الصنعة كون مثله.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أفعلا". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يمرر".

باب في خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب

باب في خصوص ما يقنع 1 فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب: وذلك كأن تقول في تخفيف همزة نحو صلاءة وعباءة: لا تلقى حركتها على الألف؛ لأن الألف لا تكون مفتوحة أبدا. فقولك: "مفتوحة" تخصيص لست2 بمضطر إليه؛ ألا ترى أن الألف لا تكون متحركة أبدا بالفتحة ولا غيرها. وإنما صواب ذلك أن تقول: لأن الألف لا تكون متحركة أبدا. وكذلك3 لو قلت: لأن4 الألف لا تلقى عليها حركة الهمزة لكان -لعمري- صحيحًا كالأول؛ إلا أن فيه تخصيصًا يقنع منه5 عمومه. فإن قلت: استظهرت بذلك للصنعة قيل: لا بل، استظهرت به عليها، ألا ترى أنك إذا قلت: إن الألف لا تكون مفتوحة أبدا جاز أن يسبق إلى نفس

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يقع". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس". 3 في د، هـ: "لذلك". 4 في ش: "إن". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".

من يضعف نظره أنها وإن تكن مفتوحة فقد يجوز أن تكون مضمومة أو مكسورة. نعم وكذلك إذا قلت: إنها لا تلقي عليها حركة الهمزة جاز أن يظن أنها1 تلقى عليها حركة غير الهمزة. "فإذا أنت قلت: لا يلقى عليها الحركة"2 أو لا تكون متحركة أبدا احتطت للموضع واستظهرت للفظ والمعنى. وكذلك لو قلت: إن ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها3 المعرفتين -نحو طننت أخاك أباك لكنت -لعمري- صادقا إلا انك مع ذلك كالموهم به أنه4 إذا كان مفعولاها نكرتين كان لها حكم غير حكمها إذا كانا معرفتين. ولكن إذا قلت: ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها عممت الفريقين بالحكم5 وأسقطت الظنة عن المستضعف الغمر، وذكرت هذا النحو من هذا اللفظ حراسة له6، وتقريبًا منه ونفيًا لسوء المعتقد عنه 7.

_ 1 في د، هـ، ز: "أن". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مفعوليهما". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنها". 5 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لها". 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه".

باب في تركيب المذاهب

باب في تركيب المذاهب: قد كنا أفرطنا في هذا الكتاب تركيب1 اللغات. وهذا الباب نذكر فيه كيف تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض وأنتجت2 بين ذلك مذهبا. وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس في رد المحذوف في التحقير وإن غنى المثال عنه فيقول3 في تحقيرها هارٍ: وهو يئر، وفي يضع4 اسم رجل: يويضع5،وفي بالة من قولك6 ما7 باليت به بالة: بويلية. وسيبويه إذا استوفى التحقير8 مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفًا. فيقول هوير ويضيع9، وبويلة. وكان أبو عثمان أيضًا يرى رأي سيبويه في صرف10 نحو جوارٍ علما وإجرائه بعد العلمية على ما كان عليه قبلها. فيقول11 في رجل أو امرأة اسمها جوارٍ12 أو غواشٍ بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله، ويونس لا يصرف ذلك ونحوه علما ويجريه مجرى الصحيح في ترك الصرف. فقد تحصل إذا لأبي عثمان مذهب مركب من مذهبي الرجلين، وهو الصرف على مذهب سيبويه، والرد على مذهب يونس. فتقول13 على قول أبي عثمان في تحقير اسم رجل سميته بيري: هذا يرىءٍ كيريع 14. فترد الهمزة على قول يونس وتصرف على قول سيبويه. ويونس يقول في هذا: يربئى "بوزن14 يريعي" فلا يصرف وقياس قول سيبويه يرى، فلا يرد، وإذا لم يرد لم يقع الطرف بعد كسرة فلا يصرف إذًا، كما لا يصرف أحي تصغير15 أحوي. وقياس قول أن يصرف16 فيقول17: يريٌ؛ كما يصرف18 تحقير أحوي: أحيٌ.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "تركب"، وانظر ص275 من الجزء الأول. 2 في ط: "فافتتحت". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول". وانظر في مذهب يونس الكتاب 2/ 125. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضع". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تويضع". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم". 7 سقط هذا الحرف في ش. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في التحقير". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضيع". 10 يريد بالصرف التنوين، ومعروف أنه تنوين عوض لا تنوين صرف. 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقول". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و". 13 كذا في ش، ط، وف يد، هـ، ز: "فنقول". 14 سقط في ش، ط، وثبت في ز. 15 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في ط، ز. 16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحقير". 17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول". 18 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تصرف".

فقد عرفت إذًا تركب مذهب أبي عثمان من1 قولي2 الرجلين. فإن خففت همزة يرىءٍ قلت يريى فجمعت3 في اللفظ بين ثلاث ياءات، والوسطى4 مكسورة. ولم5 يلزم حذف الطرف للاستثقال، كما حذف في تحقير أحوي إذا قلت: أحي؛ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة، وإنما هي همزة مخففة فهي6 في تقدير الهمز7. فكما لا تحذف في قولك: يرىءٍ، كذلك لا تحذف في قولك: يريى. ولو رد عيسى كما رد يونس8 للزمه ألا يصرف في النصب لتمام مثال الفعل؛ فيقول: رأيت يريئ ويريى، وأن يصرف في الرفع والجر على مذهب سيبويه، حملا لذلك على صرف جوارٍ. و"من ذلك"9 قول أبي عمر10 في حرف التثنية: إن الألف حرف الإعراب ولا إعراب فيها، وهذا هو11 قول سيبويه. وكان يقول: إن انقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب. وهذا12 هو قول الفراء أفلا تراه كيف تركب له في التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في". 2 كذا في ط، وفي ش: "قول". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فجعلت". 4 سقط حرف العطف في ط. 5 كذا في ط، وسقط حرف العطف في ز، ش. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهي". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على يونس". 9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كذلك". 10 هو الجرمي، وانظر في الإنصاف المسألة الثالثة. 11 سقط في ش، ط. 12 سقط الضمير في ش.

وقال أبو العباس في قولهم: "أساء سمعا فأساء جابة": إن أصلها إجابة، ثم كثر فجرى مجرى المثل، فحذفت همزته تخفيفًا فصارت جابة. فقد تركب الآن من قوله هذا وقولي1 أبي الحسن والخليل مذهب طريف. وذلك أن أصلها اجوابة فنقلت الفتحة من العين إلى الفاء فسكنت العين "وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول الخليل، والعين"2 على قول3 أبي الحسن، جريا على خلافهما4 المتعالم من مذهبيهما في مقول ومبيع. فجابة على قول الخليل إذا ضامه "قول أبي العباس"5 فعلة ساكنة العين، وعلى قول أبي الحسن إذا ضامه قول أبي العباس فالة 6. "أفلا ترى"7 إلى هذه الذي أدى إليه مذهب أبي العباس في هذه اللفظة "وأنه8 قول" مركب ومذهب لولا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا. وذلك أن الجابة -على الحقيقة- فعلة مفتوحة العين، جاءت على أفعل بمنزلة أرزمت9 السماء رزمة، وأجلب القوم جلبة. ويشهد أن10 الأمر كذا، ولا11 كما ذهب إليه أبو العباس قولهم: أطعت طاعة، وأطقت طاقة. وليس واحدة12 منهما بمثل ولا كثرت13 فتجري مجرى المثل فتحذف همزتها، إلا أنه تركب من قول أبي العباس فيها إذا سبق على مذهبي الخليل وأبي الحسن ما قدمناه: من كونها فعلة ساكنة العين "أو فالة"14 كما ترى. وكذا كثير من المذاهب التي هي مأخوذة من قولين ومسوقة على أصلين: هذه حالها.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قول". 2 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهب". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهبهما خلافهما". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 سقط في ش. 7 في ز: "ألا يرى". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فإنه مقول". 9 أي كان للرعد فيها صوت. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن". 11 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ما". 12 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "واحد". 13 في د، هـ، ز: "إن". 14 سقط ما بين القوسين في ش.

باب في السلب

باب في السلب: نبهنا أبو علي -رحمه الله- من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه، لتتعجب1 من حسن الصنعة فيه. اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذٍ من الفعل أو فيه معنى الفعل، فإن وضع ذلك في كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إياه. وذلك قولك2: قام فهذا لإثبات القيام، وجلس لإثبات الجلوس، وينطلق لإثبات الانطلاق، وكذلك الانطلاق ومنطلق: جميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعاني لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفي شيء منها ألحقته حرف النفي فقلت: ما فعل، ولم يفعل، ولن يفعل "ولا تفعل"3 ونحو ذلك. ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن4 الأسماء الضامنة لمعانيها، في سلب تلك المعاني لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف "ع ج م" أين وقعت في كلامهم إنما "هو5 للإبهام" وضد البيان. ومن ذلك العجم لأنهم6 لا يفصحون، وعجم7 الزبيب ونحوه لاستتار في ذي العجم ومنه عجمة الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجه8 لهم. ومنه عجمت العود ونحوه إذا عضضته: لك فيه وجهان: إن شئت قلت: إنما ذلك لإدخالك إياه في فيك وإخفائك9 له،

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لتعجب". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو قولهم". 3 سقط ما بين القوسين في ش، ط. 4 سقط هذا الحرف في ش. 5 كذا في ط، وفي ش: "هي للإبهام"، وفي د، هـ، ز: "هو الإبهام". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 عجم الزبيب، نواه. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتوجه". 9 في ط: "إياه".

وإن شئت قلت: "إن1 ذلك" لأنك لما عضضته ضغطت2 بعض ظاهر3 أجزائه "فغارت"4 في المعجوم، فخفيت. ومن ذلك استعجمت الدار إذا لم تجب سائلها، قال5: صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل ومنه "جرح6 العجماء جبار"، لأن البهيمة لا تفصح عما في نفسها. ومنه "قيل لصلاة"7 الظهر والعصر: العجماوان لأنه لا يفصح فيهما بالقراءة. "وهذا"8 كله على ما تراه من الاستبهام9 وضد البيان، ثم إنهم قالوا: أعجمت الكتاب إذا بينته10 وأوضحته. فهو11 إذًا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته. ومثله12 تصريف "ش ك و" فأين13 وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى والشكاة وشكوت واشتكيت. فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى، ثم إنهم

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 في ط: "وضغطت". 3 سقط في ش. 4 كذا في ش، وفي ط: "غارت"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 أي امرؤ القيس. 6 أي إذا أتلفت العجماء شيئا إذا تفلتت من صاحبها فلا ضمان عليه، والجبار: الهدر. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: في مكان ما بين القوسين: "صلاة". 8 كذا في ش، وفي ط: "هذا"، وفي د، هـ، ز: "فهذا". 9 في ز، ش: "الاستفهام" وهو تحريف. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنته". 11 كذا في ش، وفي ط: "فهذا": وفي د، هـ، ز: "وهذا". 12 كذا في ش، ط: "وفي د، هـ، ز: "سنه". 13 كذا في ش: وفي د، هـ، ز: "أين".

قالوا: أشكيت الرجل إذا "زلت له عما يشكوه"1 فهو2 إذًا لسلب معنى الشكوى لا لإثباته أنشد أبو زيد: تمد بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها مس حوايا قلما نجفيها3 وفي الحديث4: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء فلم يشكنا، أي فلم5 يفسح لنا في إزالة ما شكوناه من ذلك إليه. ومنه6 تصريف "م ر ض" "إنها لإثبات معنى"7 المرض، نحو مرض يمرض وهو مريض "ومارض"8 ومرضى ومراضى. ثم إنهم قالوا: مرضت الرجل أي داويته من مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله عنه. وكذلك تصريف "ق ذ ي" إنها9 لإثبات معنى القذى منه "قذت عينه وقذيت وأقذيتها ثم إنهم مع هذا يقولون: قذيت عينه"10 إذا أزلت عنها القذى وهذا11 لسلب القذى لا لإثباته.

_ 1 كذا في ش، وفي ط: "أزلت عنه ما يشكوه"، وفي د، هـ، ز: "أزلت شكواه". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وهذا"، وفي ط: "فهذا". 3 قال ابن السيرافي: "وصف إبلا قد أتعبها السير، فهي تمد أعناقها"، والإبل إذا أعيت ذلت ومدة أعناقها أو لونها، وقوله: "مس حوايا" مفعول "تشتكي" والحوايا جمع الحوية، وهي كساء محشو حول سنام البعير، وقوله: "نجفيها" أي تزيل عنها الحوايا، وذلك بترك الرحيل. وانظر الخزانة 4/ 530، واللسان "جفو". 4 رواه مسلم في أوقات الصلاة، والرمضاء: الرمل الذي اشتد حمرته، وكانوا سألوه تأخير صلاة الظهر، وقيل: إذا هذا نسخة حديث الإبراد، وانظر شرح النووي. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لم". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله". 7 في ط: "إنما هي إثبات معان هي". 8 سقط ما بين القوسين في ش. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنما هي". 10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".

ومنه حكاية الفراء عن أبي1 الجراح: بي إجل فأجلوني، أي داووني ليزول عني. والإجل: وجع في العنق. ومن ذلك تصريف "أث م" أين هي وقعت لإثبات معنى الإثم؛ نحو أثم يأثم وآثم وأثيم وأثوم "والمأثم"2 وهذا كله لإثباته. ثم إنهم قالوا: تأثم أي ترك الإثم. ومثله تحوب أي ترك الحوب. فهذا كله كما3 تراه في الفعل وفي ذي الزيادة لما سنذكره. وقد وجدته أيضًا في الأسماء غير الجارية على الفعل إلا أن فيها معاني الأفعال، كما أن مفتاحًا فيه معنى الفتح وخطافًا فيه معنى الاختطاف4، وسكينًا فيه معنى التسكين وإن لم يكن واحد من ذلك جاريًا على الفعل. فمن تلك الأسماء قولهم: التودية لعودٍ5 يصر على خلف الناقة ليمنع6 اللبن. وهي7 تفعلة من ودى يدى، إذا سال وجرى، وإنما هي لإزالة الودى لا لإثباته. فآعرف ذلك. ومثله8 قولهم السكاك للجو، هو لسلب معنى تصريف9 "س ك ك" ألا ترى أن ذلك للضيق أين وقع. منه أذن سكاء أي9 لاصقة، وظليم أسك: إذا ضاق ما بين منسميه، وبئر سك، أي ضيقة10 الجراب. ومنه11 قوله: ومسك سابغةٍ هتكت فروجها يريد ضيق حلق الدرع. وعليه بقية الباب. ثم قالوا للجو -ولا أوسع منه: السكاك؛ فكأنه سلب ما في غيره من الضيق.

_ 1 في اللسان "أجل": "ابن الجراح". 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على ما". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الخطف". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للعود". 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لمنع". 7 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منه". 9 سقط في ش. 10 جراب البئر: جوفها من أعلاها إلى أسفلها، وفي ط: "الجوانب". 11 أي عنترة في معلقته، وصدره: بالسيف من حامي الحقيقة معلم والسابغة: الدرع، ومسكها حيث تسمر وتشبك، ويريد بحامي الحقيقة المعلم نفسه.

ومن ذلك قولهم: النالة لما حول الحرم. والتقاؤهما أن من كان فيه لم تنله اليد؛ قال الله -عز اسمه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} 1. فهذا لسلب هذا المعنى لا لإثباته. ومنه: المئلاة للخرقة في يد النائحة تشير بها. قال2 لي أبو علي: هي من ألوت، فقلت له: فهذا إذًا من "ما ألوت"؛ لأنها لا تألو أن تشير بها؛ فتبسم رحمه الله إلي3 إيماء؛ إلى ما نحن إليه وإثباتًا له واعترافًا به. وقد مر بنا من ذلك ألفاظ غير هذه. وكان أبو علي -رحمه الله- يذهب في الساهر إلى هذا، ويقول: إن قولهم: سهر فلان أي نبا جنبه عن الساهرة "وهي وجه الأرض"4 قال الله عز وجل: {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} 5 فكأن6 الإنسان إذا سهر قلق جنبه عن مضجعه ولم يكد يلاقي الأرض فكأنه سلب الساهرة. ومنه تصريف "ب ط ن" إنما هو لإثبات معنى البطن نحو بطن، وهو بطين ومبطان، ثم قالوا: رجل مبطن7 للخميص البطن8 فكأنه9 لسلب هذا المعنى؛ قال الهذلي 10: مخطوف الحشا زرم وهذا مثله سواءً.

_ 1 آية 97 سورة آل عمران. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 سقط في ش. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 آية 14 سورة النازعات. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأن". 7 في د، هـ، ز بعده: "إذا كان". 8 سقط في د، هـ، ز، ط. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه". 10 هو ساعدة بن جؤية، والبيت بتمامه: موكل بشدوف الصوم يرقبه ... من المعازب مخطوف الحشا زرم والصوم: شجر على شكل الإنسان، وشدوفه: شخرصه، والمعازب: الأمكنة البعيدة، ومخطوف الحشا: ضامره، وزرم: لا يثبت في مكان، وهو يصف ثورا، قال الأصمعي: إنه يرقب شجر الصوم يخشى أن يكون إنسانا، وانظر الأمالي جـ1/ 25.

وأكثر ما وجدت هذا1 المعنى من الأفعال فيما كان ذا زيادة؛ ألا ترى أن أعجم ومرض وتحوب وتأثم كل واحد منها ذو زيادة. فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب2؛ فلما كان السلب معنى زائدًا حادثًا لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة؛ من حيث كانت الزيادة حادثة طارئة على الأصل الذي هو الفاء والعين واللام كما أن التأنيث لما كان معنى3 طارئًا4 على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علمًا له كتاء طلحة وقائمة وألفى بشرى وحمراء وسكرى5؛ وكما أن التعريف لما كان طارئًا على التنكير احتاج إلى زيادة لفظ به كلام التعريف في الغلام والجارية ونحوه6. فأما سهر فإن في بابه وإنه7 خرج إلى سلب8 أصل الحرف بنفسه من غير زيادة فيه؛ فلك فيه عذران: إن شئت قلت: إنه وإن عري من زيادة الحروف فإنه9 لم يعر من زيادة ما هو مجارٍ للحرف وهو ما فيه من الحركات. وقد عرفت10 من غير وجهٍ مقاربة الحروف للحركات والحركات للحروف فكأن في "سهر" ألفًا وياء حتى كأنه ساهير فكأنه11 إذًا ليس بعار من الزيادة؛ إذ كان فيه ما هو مضارع للحرف، أعني الحركة. فهذا وجه.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الإثبات". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أمرا". 4 في ش: "حادثا". 5 سقط في ش. 6 سقط في د، هـ، ز. 7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "إنما" وفي ط: "إنه". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلب". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإنه". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عرفنا". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه".

وإن شئت قلت: خرج "سهر" منتقلًا عن أصل بابه إلى سلب معناه منه1؛ كما خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها بأنفسها لا بحرف يفيد التعريف فيها؛ ألا ترى أن بكرًا وزيدًا ونحوهما من الأعلام إنما تعرفه بوضعه، لا بلام التعريف2 فيه، كلام الرجل والمرأة وما أشبه ذلك. وكما أن ما كان مؤنثًا بالوضع كذلك أيضًا، نحو هند وجملٍ وزينب وسعاد فاعرفه. ومثل سهر في تعريه من الزيادة قوله 3: يخفي النراب بأظلاف ثمانية ومن ذي الزيادة منه قولهم: أخفيت الشيء أي4 أظهرته. وأنا أرى أن في هذا الموضع من العربية ما أذكره لك، وهو أن هذا المعنى الذي وجد في الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه5 كأنه مسوق على ما جاء من الأسماء ضامنًا لمعنى الحرف، كالأسماء المستفهم بها، نحو: كم6 ومن وأي وكيف ومتى وأين7 وبقية الباب. فإن الاستفهام معنى حادث فيها على ما وضعت له الأسماء

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه". 2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تعريف". 3 أي عبدة بن الطبيب، وعجزه: في أربع مسهن الأرض تحليل وهو من قصيدة طويلة مفضلية، يصف فيه ثورا وحشيا صارع كلاب الصيد، ونجا منها وأسرع السير، وهو في عدوه يستخرج التراب ويظهره بأظلافه الثمانية في أربع قوائمه، في كل قائمة ظلفان، وذكر أن القوائم تلمس الأرض لمسا خفيفا، كمن يفعل الشيء لتحليل القسم على فعله، لا رغبة فيه. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إذا". 5 كذا في د، ز، وفي ش، ط: "لسلبه". 6 ثبت هذا اللفظ في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 7 سقط في ش.

من إفادة معانيها. وكذلك الأسماء المشروط بها: من وما وأي، وأخواتهن، فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهن: من معنى الأسمية. فأرادوا ألا تخلو الأفعال من شيء من هذا الحكم -أعني1 تضمنها معنى حرف النفي- كما تضمن الأسماء معنى حرف الإستفهام، ومعنى حرف الشرط2 ومعنى حرف التعريف في أمس والآن، ومعنى حرف الأمر في تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك. وكأن الحرف الزائد الذي لا يكاد3 ينفك4 منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف5 السلب. وأيضًا فإن الماضي وإن عرى من حرف6 الزيادة فإن المضارع لا بد له من حرف المضارعة والأفعال كلها تجري مجرى المثال الواحد. فإذا وجد في بعضها شيء فكأنه موجود في بقيتها. وإنما جعلنا هذه الأفعال في كونها ضامنة لمعنى حرف النفي ملحقة بالأسماء في ذلك، وجعلنا الأسماء أصلا فيه، من حيث كانت الأسماء أشد تصرفًا في هذا ونحوه من الأفعال، إذ كانت هي الأول، والأفعال توابع وثوانٍ لها، وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع. فإن قيل: فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمن هذا المعنى، وهو ما ذكرته: من التودية والسكاك7 والنالة والمئلاة وأنت ترى كلا من ذلك معربا.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عن". 2 كذا في د، هـ، ط، وفي ش: "النفي". 3 سقط في ش. 4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "تنفك" وفي ط: "يخلو". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حروف". 6 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "سكاك".

قيل: الموضع في هذا المعنى من السلب إنما هو للفعل، وفيه كثرته، فلما لم يؤثر هذا المعنى في نفس الفعل كان ألا يؤثر فيما هو محمول عليه "أولى1 و" أحرى بذلك. فإن قيل: وهلا أثر هذا المعنى في الفعل أصلا، كما يؤثر تضمن معنى الحرف في الاسم؟ قيل: البناء لتضمن معنى الحرف أمر "يخص2 الاسم" ككم وأين وكيف ومتى ونحو ذلك، والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف. أما الماضي فلأن فيه من البناء ما يكفيه، وكذلك فعل الأمر العارى من حروف المضارعة، نحو افعل. وأما المضارع فلأنه لما أهيب3 به ورفع عن ضعة4 البناء إلى شرف الإعراب لو يروا أن يتراجعوا به إليه وقد انصرفوا5 به عنه لئلا يكون ذلك نقصا. فإن قلت: فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد نحو لتفعلن. قيل: لما خصته النون بالاستقبال، ومنعته الحال التي المضارع أولى بها جاز أن يعرض له البناء. وليس كذلك السين وسوف؛ لأنهما لم يبينا معه بناء نون التوكيد فيبنى هو، وإنما هما فيه كلام التعريف "الذي لا يوجب"6 بناء الاسم فاعرفه.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "يختص الاسم"، وفي ط: "يختص في الاسم". 3 يقال: أهاب به أي دعاه، وإذا دعاه فإنه لم يهمله بل ذكره ورفع منه، وهذا ما عناه المؤلف. 4 في د: "ضعفة". 5 سقط في ش، ط. 6 كذا في ش، وفي ط: "التي لا توجب"، وفي د، هـ، ز: "التي توجب".

باب في وجوب الجائز 1: وذلك في الكلام على ضربين: أحدهما أن توجبه الصنعة فلا بد إذًا منه. والآخر أن تعتزمه العرب فتوجبه وإن كان القياس يبيح غيره. الأول: من ذلك كأن تقول في تحقير أسود: أسيد. وإن شئت صححت فقلت: أسيود. والإعلال فيه أقوى لا جتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون. وكذلك جدول تقول فيه: جديل. وإن شئت صححت فقلت: جديول. فإذا صرت إلى تحقير نحو2 عجوز، ويقوم اسم رجل، قلت بالإعلال لا غير: عجيز، ويقيم. وفي مقام: مقيم البتة. وذلك أنك إنما كنت تجيز أسيود وجديولا3 لصحة الواو في الواحد، وظهورها في الجمع؛ نحو أساود وجداول. فأما مقام يقوم علمًا فإن العين وإن ظهرت في تكسيرهما -وهو مقاوم ويقاوم- فإنها في الواحد معتلة؛ ألا "ترى4 أنها" في "مقام" مبدلة وفي "يقوم" مضعفة بالإسكان لها ونقل الحركة إلى الفاء عنها. فإذا كنت تختار فيما تحركت5 واو واحدة وظهرت في جمعه الإعلال، صار القلب فيما ضعفت واوه بالقلب، وبألا تصح في جمعه واجبًا لا جائزًا. وأما واو عجوز فأظهر أمرًا في وجوب الإعلال من يقوم ومقام6؛

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الجواز". 2 كذا في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جديول". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراها". 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "تحرك". 6 كذا في ط، وفي ش، ز "مقاوم".

فذهب الكسائي فيه إلى أن أصله وآر، وأنه فعال من وأرت النار إذا حفرت لها الإرة1، فخففت الهمزة فصارت لفظًا إلى ووار فهمزت الفاء البتة فصارت: أوار. ولم يأت منهم2 على أصله: وآر ولا3 مخففا "مبدل4 العين": ووار. وكلاهما يبيحه القياس ولا يحظره. فأما قول الخليل في فعل من وأيت إذا خففته: أويٌ فقد رده أبو الحسن وأبو عثمان وما أبيا منه عندي5 إلا مأبيًا. وكذلك البرية فيمن أخذها6 من برأ الله الخلق -وعليه أكثر الناس، والنبي عند سيبويه7 ومن تبعه فيه، والذرية فيمن أخذها من ذرأ الله الخلق. وكذلك ترى وأرى ونرى ويرى في أكثر الأمر، والخابية، ونحو ذلك مما ألزم التخفيف. ومنه ما ألزم البدل، وهو النبي -عند سيبويه، وعيد؛ لقولهم: أعياد، وعييد. ومن ذلك ما يبيحه8 القياس في نحو يضرب ويجلس ويدخل ويخرج: من اعتقاب الكسر والضم على كل واحدة9 من هذه العيون وأن يقال: يخرج ويخرج، ويدخل ويدخل، ويضرب ويضرب، ويجلس ويجلس، قياسًا على ما اعتقبت على عينه الحركتان معًا؛ نحو يعرش ويعرش ويشنق ويشنق10 ويخلق ويخلق11، وإن كان الكسر في عين12 مضارع فعل أولى به من يفعل؛ لما قد ذكرناه في شرح تصريف أبي عثمان، فإنهما على كل حال مسموعان أكثر السماع في عين مضارع فعل. فاعرف ذلك ونحوه مذهبًا للعرب، فمهما ورد منه فتلقه عليه

_ 1 هو موقد النار. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عنهم". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "غير مبدل العين"، وفي ش: "غير مبدل الفاء". 5 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 6 ويأخذها بعض اللغويين من البرى أي التراب. 7 انظر الكتاب 2/ 170. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ينتجه". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحد". 10 كذا في ط، وفي ز، ش: "يسبق، ويسبق"، وأما أثبت موافق لما في المعاجم. 11 كذا في ز، ط، وفي ش: "يخلق ويحلق" وهو تصحيف، وفي الجمهرة 3/ 449: "ويحلقون ويخلقون" بضم اللام وكسرها. 12 سقط في ش.

باب في وجوب الجائز

باب في وجوب الجائز ... لأنها1 لاحظ لها في2 الحركة. ولا تظهر أيضًا في التكسير، إنما تقول: عجائز ولا يجوز3 عجاوز على كل4 حال. وكذلك تقول: ما قام إلا زيدًا أحدٌ فتوجب النصب إذا تقدم المستثنى، إلا في لغة ضعيفة. وذلك أنك قد كنت تجيز: ما قام أحد إلا زيدًا، فلما قدمت المستثنى لم تجد قبله ما تبدله منه، فأوجبت من النصب له ما كان جائزًا فيه. ومثله: فيما قائمًا رجل. وهذا معروف. الثاني منهما وهو اعتزام أحد الجائزين. وذلك قولهم5: أجنة في الوجنة. قال أبو حاتم: ولا6 يقولون7: وجنة، وإن كانت جائزة. ومثله قراءة بعضهم: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} 8 وجمع وثن ولم يأت فيه التصحيح: وثن. فأما أقتت ووقتت، ووجوه وأجوه "وأرقة9 وورقة" ونحو ذلك فجميعه مسموع. ومن ذلك قوله10: وفوارسٍ كأوار حـ ... ـر النار أحلاس الذكور

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في ط: "من". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تقول". 4 سقط في د، هـ، ز، ط. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فلا". 7 في ط: "تقولن" وكأن هذا رأي أبي حاتم، وقد أثبت اللغويون الوجنة: وهي لغة في الوجنة بفتح الواو. 8 هذا في آية 117 من سورة النساء، وقد قرئ أيضا: "وثنا" بالتصحيح. 9 ما بين القوسين سقط في ش، والورقة من الألوان: سواد في غبرة، أو سواد وبياض. 10 أي المنخل اليشكري: وهو من قصيدة في الحماسة، وانظر شرح التبريزي "التجارية" 2/ 103.

باب في أجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم

باب في إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم: الأول منهما كقوله1: الحمد لله العلي الأجلل وقوله: تشكو الوجى من أظللٍ وأظلل2 وقوله: وإن رأيت الحجج الرواددا ... قواصرا بالعمر أو مواددا3 ونحو ذلك مما ظهر تضعيفه. فهذا عندنا على إجراء اللازم مجرى غير اللازم من المنفصل؛ نحو جعل لك وضرب4 بكر؛ كما شبه غير اللازم "من ذلك"5 باللازم فادغم؛ نحو ضر بكر وجعلك؛ فهذا6 مشبه في اللفظ بشد ومد واستعد ونحوه مما لزم فلم يفارق. ومن ذلك ما حكوه من قول بعضهم: عوى الكلب عوية. وهذا عندي وإن كان لازمًا فإنه أجرى مجرى بنائك من باب طويت فعلة وهو قولك: طوية.

_ 1 أي أبي النجم، وهو أول أرجوزته الطويلة. 2 انظر ص162 من الجزء الأول. 3 "مواددا" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صواددا" وانظر ص162 من الجزء الأول. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فعل". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ: "وهذا".

كقولك: امرأة1 جوية ولوية من الجوي2 واللوي3؛ فإن4 خففت حركة العين فأسكنتها قلت: طوية وجوية ولوية فصححت العين ولم تعلها5 بالقلب والادغام لأن الحركة فيها منوية. وعلى ذلك قالوا6 في فعلان من قويت: قويان، فإن أسكنوا صححوا العين أيضًا فقالوا: قويان، ولم يردوا اللام7 أيضًا وإن زالت الكسرة من قبلها؛ لأنها مرادة في العين، فكذلك قالوا: عوى الكلب عوية تشبيهًا "بباب8 امرأة" جوية ولوية وقويان، هذا الذي نحن بصدده. فإن قلت: فهلا قالوا أيضًا9 على قياس هذا: طويت الثوب طوية وشويت اللحم شوية، رجع الجواب الذي تقدم في أول الكتاب: من أنه لو فعل ذلك لكان قياسه قياس ما ذكرنا10، وأنه ليست لعوى فيه مزية على طوى وشوى؛ كما لم يكن لجاشم11 ولا قاثم مزية يجب لها العدل بهما إلى جشم وقثم على مالك وحاتم، إذ لم يقولوا: ملك ولا حتم. وعلى أن ترك الاستكثار مما فيه إعلال أو استثقال هو القياس.

_ 1 في ط بعده: "طويلة و". 2 هو الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. 3 هو وجع في المعدة. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وإن". 5 كذا في ش، وفي ز، ط: "تعللها". 6 في ط: "ما قالوا". 7 أي وهي الواو، فلم يقولوا: "قووان". 8 كذا في ش، وفي د، هـ: "بامرأة" وفي ز: "امرأة". 9 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 10 في د، هـ، ز: "ذكرناه". 11 انظر ص53، 78 من الجزء الأول.

ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "فقلا له قولا لينا"1 وذلك أنه أجرى حركة اللام ههنا -وإن كانت لازمة- مجراها إذا2 كانت غير لازمة في نحو قول الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمّ} 3 و {قُمِ اللَّيْلَ} 4، وقوله: زيادتنا نعمان لا تنسينها ... خف الله فينا والكتاب الذي تتلو5 ويروى "تق الله فينا"6. ويروى: .....تنسينها اتـ ... ـق الله فينا ونحوه ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجي العساكر فقلت لعمروٍ صاحبي إذ رأيته ... ونحن على خوٍص دقاقٍ عواسر7 أي عوى الذئب فسر أنت. فلم يحفل الراء فيرد العين التي كانت حذفت لالتقاء الساكنين فكذلك شبه ابن مسعود حركة اللام من قوله: "فقلا له"8 -وإن كانت لازمة- بالحركة لالتقاء الساكنين في {قُلِ اللَّهُمّ} و {قُمِ اللَّيْلَ} وحركة الإطلاق الجارية مجرى حركة9 التقائهما في سر10.

_ 1 آية 44 سورة طه. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإن". 3 آية 26 سورة آل عمران. 4 آية 2 سورة المزمل. 5 انظر ص288 من الجزء الثاني. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 الأطلس: الذئب، وهو وصف غالب له، من الطلسة، وهي غبرة إلى سواد، وذلك لون الذئب. ويريد بالخوص الدقاق: الرواحل التي قد جهدها السير، و"عواسر" في ظاهره وصف "خوص دقاق" والعواسر من النوق: التي ترفع أذنابها عند السير من نشاطها، والمراد غير هذا كما ذكر المؤلف. وقد كتب "عوا" بالألف للإلغاز، هذا وفي ش، ج: "ورأيته" وما هنا في ز، ط. 8 سقط لفظ "له" في ش، ط. 9 سقط في د، هـ. 10 في ط: "شد".

ومثله قول الضبي: في فتيةٍ كلما تجمعت الـ ... ـبيداء لم يهلعوا ولم يخموا1 يريد: ولم يخيموا. فلم يحفل بضمة2 الميم، وأجراها مجرى غير اللازم فيما ذكرناه3 وغيره فلم يردد العين المحذوفة من لم يخم. وإن شئت قلت في هذين: إنه اكتفى بالحركة من الحرف، كما اكتفى الآخر بها منه في قوله: كفاك كف ما تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف الدما وقول الآخر: ... بالذي تردان أي بالذي4 تريدان5. وسيأتي هذا في بابه. الثاني منهما وهو إجراء غير اللازم مجرى اللازم وهو كثير. من ذلك قول بعضهم في الأحمر إذا خففت همزته: لحمر حكاها أبو عثمان. ومن قال: الحمر قال: حركة اللام6 غير لازمة، إنما هي لتخفيف الهمزة والتحقيق لها جائز فيها. ونحو ذلك قول الآخر: قد كنت تخفي حب سمراء حقبةً ... فبح لان منها بالذي أنت بائح7 فأسكن الحاء التي كانت متحركة لالتقاء الساكنين في بح الآن لما8 تحركت للتخفيف9 اللام.

_ 1 "تجمعت البيداء" أي تجمع أهلها للحرب، و"لم يخموا": لم يجبنوا ورد في اللسان "جمع" معزوا إلى محمد بن شحاذ الضبي. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بضم". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مما". 4 سقط في ش، ط. 5 في ط: "يريدان". 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الحاء". 7 في ش: "خيفة" في مكان "حقبة". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كما". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لتخفيف".

وعليه قراءة من قرأ: {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} 1 فأثبت واو "قالوا" لما تحركت لام لان. والقراءة القوية: "قاللان" بإقرار الواو على حذفها لأن الحركة عارضة للتخفيف. وعلى القول الأول قول الآخر2: حدبدبي بدبدبي منكم لان ... إن بني فزارة بن ذيبان قد طرقت ناقتهم بإنسان ... مشيأ سبحان ربي الرحمن أسكن ميم "منكم" لما تحركت لام "لان" وقد كانت مضمومة عند التحقيق في قولك: منكم الآن، فاعتد3 حركة التخفيف، وإن لم تكن لازمة. وينبغي أن تكون قراءة أبي عمرو: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} 4 على هذه اللغة، وهي قولك مبتدئًا: لولى، لأن الحركة على هذا في اللام أثبت منها على قول من قال: الحمر. وإن كان حملها أيضًا على هذا جائزًا، لأن الادغام وإن كان بابه أن يكون في المتحرك فقد أدغم أيضًا في الساكن فحرك في شد ومد وفرّ يا رجل وعض ونحو ذلك. ومثله ما أنشده أبو زيد: ألا يا هند هند بني عميرٍ ... أرثٌ لان وصلك أم جديد ادغم تنوين رثّ في لام لان.

_ 1 آية 71 سورة البقرة والقراءة بإثبات الواو إحدى الروايتين عن نافع، وانظر البحر 1/ 257. 2 هو سالم بن دارة يهجو مر بن رافع الفزاري، يرمي فزارة بإتيان النياق، وحدبدني: لعبة للصبيان، والتطريق: أن يخرج بعض الوالد ويعسر انفصاله حين الوضع؛ والمشيأ: القبيح المنظر، وانظر اللسان "حدب"، وفيه "يا صبيان" في مكان "منكم لان"، وفي التكملة للصاغاني رواية أخرى لهذا الشعر، وفي د، هـ، ز، ط: "مشتأ" في مكان: "مشيأ"، وفي اللسان "أين" عزى هذا الرجز إلى أبي المنهال. 3 في ط: "فاعتقد". 4 آية 50 سورة النجم، يريد القراءة بإدغام التنوين في لام "لولي".

ومما نحن على سمته قول الله -عز وجل- {لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 1 وأصله: لكن أنا فخففت الهمزة "بحذفها2 وإلقاء" حركتها على نون لكن فصارت لكننا3 فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين فأسكن الأول وادغم في الثاني فصار: لكنا كما ترى. وقياس قراءة من قرأ: قاللان فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين4 هنا لأن حركة الثانية غير لازمة فيقول: لكننا بالإظهار كما تقول في تخفيف حوأبة5 وجيئل6: حوبة وجيل، فيصح حرفا اللين هنا، ولا يقلبان لما كانت حركتهما غير لازمة. ومن ذلك قولهم في تخفيف رؤيا ونؤي: رويا ونوي فتصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قبل أن التقدير فيهما7 الهمز8 كما صحت في ضوٍ ونوٍ تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه. وكذلك أيضًا صح نحو شى وفي في تخفيف شيء وفيء لذلك9. وسألت أبا علي -رحمه الله- فقلت: من أجرى غير اللازم مجرى اللازم فقال: لكنا كيف قياس قوله إذا خفف نحو حوءبة وجيئل أيقلب فيقول: حابة وجال أم يقيم "على التصحيح فيقول حوبة وجيل"10 فقال: القلب هنا لا سبيل إليه. وأومأ إلى أنه أغلظ من الادغام فلا يقدم عليه.

_ 1 آية 38 سورة الكهف. 2 في ط: "فحذفوها وألقوا". 3 الأوفق في الرسم: "لكن نا". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التنوين". 5 هي الدلو الضخمة. 6 هي الضبع. 7 كذا في ش، يريد رويا ونويا، وفي د، هـ، ز، ط: "فيها" أي الواو. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة". 9 كذا في ش، وفي ط: "كذلك"، وسقط في د، هـ، ز. 10 في ط: "فيقول: حوبة وجيل مقيما على التصحيح".

فإن قيل فيما بعد؛ فقد قلبت العرب الحرف للتخفيف، وذلك "قول بعضهم"1 ريا ورية في تخفيف رؤيا ورؤية "وهذا واضح، قيل: الفرق أنك لما صرت إلى لفظ رويا وروية"2 ثم قلبت الواو "إلى3 الياء" فصار4 إلى ريا ورية، إنما5 قلبت حرفا إلى آخر كأنه هو؛ ألا ترى إلى قوة شبه الواو بالياء، وبعدها عن الألف فكأنك لما قلبت مقيم على الحرف نفسه ولم تقلبه لأن الواو كأنها هي الياء نفسها وليست كذلك الألف لبعدها عنهما بالأحكام الكثيرة التي قد أحطنا بها علمًا. وهذا فرق. وما6 يجري من كل واحد من الفريقين مجرى صاحبه كثير وفيما مضى من جملته كاف.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولهم". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ش، وفي ط: "للياء" وسقط هذا في د، هـ، ز. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصارت". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إنما" وهو محرف عن "فإنما". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مما".

باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل، وإجراء المنفصل مجرى المتصل

باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل، وإجراء المنفصل مجرى المتصل: فمن الأول قولهم: اقتتل القوم واشتتموا. فهذا بيانه "نحو من بيان"1 "شئت تلك"2 وجعل لك إلا أنه أحسن من قوله: الحمد لله العلي الأجلل وهذا3 لأن إنما يظهر مثله ضرورة وإظهار4 نحو اقتتل واشتتم مستحسن وعن غير ضرورة. وكذلك باب قولهم: هم يضربونني وهما يضربانني أجري -وإن كان متصلًا- مجرى يضربان نعم ويضربون5 نافعًا. ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه6 لا يلزم7 أن يكون بعدها نون؛ ألا ترى أنك تقول: يضربان زيدًا ويكرمونك ولا تلزم8 هي أيضًا، نحو لم يضرباني. ومن ادغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال: يضرباني و"قال9 تحاجونا" فإنه يدغم أيضًا نحو اقتتل، فيقول: قتل. ومنهم من يقول: قتل ومنهم من يقول: قتل. ومنهم من يقول: اقتل، فيثبت همزة الوصل مع حركة القاف، لما كانت الحركة عارضة للنقل أو لالتقاء10 الساكنين وهذا مبين في فصل الادغام. ومن ضد ذلك11 قولهم: ها الله ذا12، أجرى مجرى دابةٍ وشابةٍ. وكذلك قراءة من قرأ {فَلَا تَتَنَاجَوْا} 13 و {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا} 14 ومنه -عندي- قول الراجز -فيما أنشده15 أبو زيد: من أي يومي من الموت أفرّ ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر

_ 1 كذا في ط، وفي ز: "نحو" وفي ش: "بيان"، ويريد بالبيان الإظهار وترك الإدغام. 2 كذا في الأشباه للسيوطي، وفي ط: "سيت تلك" وهو محرف عما أثبت، وفي ش: "سبب تلك"، وفي د، هـ، ز: "ضرب بكر". 3 كذا في ش، وفي ط؛ "وبابه" وسقط في د، هـ، ز. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"إظهاره. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يشتمان". 6 سقط في ط. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تلزم". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يلزم". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قل أتحاجونا". 10 في د، هـ، ز: "النقاء". 11 سقط في د، هـ، ز. 12 سقط في ش، ط: ويريد إثبات ألف "ها" فتلتقي ساكنة مع اللام الأولى من لفظ الجلالة. 13 آية 9 سورة المجادلة، وفي الأسول: "ولا تناجوا" وهو غير التلاوة، وهو يريد القراءة بإدغام التاءين في "تتناجوا" وهي قراءة ابن محيصن، وانظر البحر 8/ 236. 14 آية 38 سورة الأعراف، وهو يريد القراءة بإثبات ألف "إذا" على الجمع بين الساكنين، وهي قراءة عصمة عن أبي عمرو، وانظر تفسير القرطبي 7/ 204. 15 انظر النوادر 13، وحماسة البحتري 45، والعقد الفريد في "فضائل الشعر" ففيه أن عليا رضي الله عنه تمثلى به، وفيه بيت آخر بعده.

كذا أنشده أبو زيد: لم يقدر بفتح الراء وقال: أراد النون الخفيفة فحذفها وحذف نون التوكيد وغيرها من علاماته جارٍ عندنا مجرى ادغام الملحق في أنه نقض الغرض إذ كان التوكيد من1 أماكن الإسهاب والإطناب والحذف من مظان الاختصار والإيجاز. لكن القول فيه عندي أنه أراد: أيوم2 لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة "أم" فحذفها وألقى حركتها على راء "يقدر" فصار تقديره "أيوم لم يقدرم3، ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره"4: أيوم لم يقدر ام، فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة، فصار تقديره أم واختار5 الفتحة إتباعًا لفتحة الراء. ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة والكمأة "إذا خففت الهمزة: المراة والكماة"6. وكنت ذاكرت الشيخ أبا علي -رحمه الله- بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال: هذا إنما يجوز في المتصل. قلت له7: فأنت أبدًا تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتصل فلم يرد8 شيئًا. وقد ذكرت قديما هذا الموضع في كتابي "في سر صناعة الإعراب". ومن إجراء المنفصل مجرى المتصل قوله9: وقد بدا هنك من المئزر فشبه "هنك" بعضد فأسكنه10؛ كما يسكن نحو ذلك.

_ 1 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "في". 2 في ش: "يوم". 3 "بقدوم" كذا في الأشباه، وفي ز، ط: "يقدر". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاختار". 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 7 سقط في ش، ط. 8 كذا في ز، وفي ش، ط: "يزد". 9 انظر ص75 من الجزء الأول وص309 من الجزء الثاني. 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأسكن".

ومنه: فاليوم أشرب غير مستحقب1 كأنه شبه "ر ب غ" بعضد. وكذلك ما أنشده أبو زيد: قالت سليمى اشتر لنا سويقًا2 وهو مشبه بقولهم في علم: علم لأن "ترل"2 بوزن علم. وكذلك ما أنشده أيضًا من قول الراجز: فاحذر ولا تكتر كريا أعوجا3 لأن "ترك" بوزن علم. وهذا الباب نحو من الذي قبله. وفيه ما يحسن ويقاس وفيه مالا يحسن ولا يقاس. ولكلٍّ وجه فاعرفه إلى ما يليه من نظيره.

_ 1 انظر ص75 من الجزء الأول، ص342 من الجزء الثاني. 2 كذا في ش، وفي ط: "ترك" وفي د، هـ، ز: "ترك لام" ويبدو أن الأصل "ترك" ولما كانت اللام تشتبه في كنايتها بالكاف كتب الكاتب فوقها "لام" فظن الناسخ بعد أنه من متن الحديث فأدرجه في الكتاب. 3 انظر ص342 من الجزء الثاني.

باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل

باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل: هذا موضوع يتهاداه أهل هذه الصناعة بينهم، ولا يستنكره -على ما فيه- أحد منهم. وذلك كقولهم1 في التمثيل من الفعل في حبنطى: فعنلى. فيظهرون النون ساكنة قبل اللام. وهذا شيء ليس موجودًا في شيء من كلامهم ألا ترى أن صاحب الكتاب قال2: ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنل. وتقول في تمثيل عرند3: فعنل وهو كالأول. وكذلك مثال جحنفل: فعنلل ومثال عرنقصان4: فعنللان. وهذا لا بد أن يكون هو ونحوه مظهرًا، ولا يجوز ادغام النون في اللام في هذه الأماكن؛ لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض. وبطل المراد المعتمد؛ ألا تراك لو ادغمت نحو هذا للزمك أن تقول في مثل عرندٍ: إنه فعل فكان إذًا لا فرق بينه وبين قمدًّ5، وعتل6، وصمل7،. وكذلك لو قلت في تمثيل جحنفل: إنه فعلل لالتبس8 ذلك بباب سفرجل وفرزدق، وباب عدبس وهملع وعملس. وكذلك لو ادغمت مثال9 حبنطى فقلت: فعلى10 لالتبس بباب صلخدى وجعلبى. وذكرت ذرأ11 من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله. وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ألا تراك لو قيل لك12: ابن من دخل مثل جحنفل لم يجز لأنك كنت تصير به إلى دخنلل فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود. فدل أنك في التمثيل لست ببانٍ. ولا جاعل ما تمثله من جملة كلام العرب كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثل. ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول: وزن جحنفل من دخنلل، كما قلت في التمثيل: وزن جحنفل من الفعل فعنلل، فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قولهم". 2 انظر الكتاب 2/ 416. 3 هو الشديد من كل شيء. 4 هو نبت. 5 هو القوي الشديد. 6 هو الأكول الغليظ. 7 هو الشديد الخلق. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لألبس". 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "مثل". 10 كذا في ط، ورسم في ز، ش: "فعلا". 11 أي طرفا وشيئا يسيرا، هذا ز، ط: "دورا" وهو تحريف عن "ذروا" في معنى ذره. 12 سقط في د، هـ، ز.

باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية

باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية: اعلم أن كل واحد1 من هذه الدلائل معتد مراعىً مؤثر؛ إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب: فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض. فمنه جميع الأفعال. ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة. ألا ترى إلى قام و"دلالة لفظه على مصدره"2 ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله. فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وإن لم تكن لفظًا فإنها3 صورة يحملها اللفظ. ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها. فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة. وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم4 الاستدلال، وليست في حيز الضروريات5؛ ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه ثم تنظر فيما بعد فتقول: هذا فعل، ولا بد6 له من فاعل، فليت شعري من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من7 هو وما حاله8، من موضع آخر لا من مسموع ضرب؛ ألا ترى أنه

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدة". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "دلالته على مصدره لفظا". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فلأنها". 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بمعلوم". 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضرورات". 6 ثبت حرف العطف في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ما". 8 كذا في ش، ط، وفي ز: "هو حالة".

يصلح أن يكون فاعله كل مذكر يصح منه1 الفعل، مجملًا غير مفصل. فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو وضرب جعفر ونحو ذلك شرع سواء وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء "ولا"2 غيرهم خصوص ليس له بصاحبه؛ كما يخص بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضي دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد الفاعل "من3 لفظ" ضرب لا معناه للزمك إذا قلت: قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر في هذا كذلك، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام وقعد وأكل وشرب وانطلق واستخرج عليه لا فرق بين جميع ذلك. فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا4 من جهة لفظه، ألا ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج5 إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه أو كونه6 بمنزلة الحادث عنه، على ما هو مبينٌ في باب الفاعل. وكان أبو علي يقوي قول أبي الحسن في نحو قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك: إن اللام زائدة حتى كأنه قال: إني لأمر برجل مثلك، لما لم يكن الرجل هنا مقصودًا معينًا على قول الخليل: إنه تراد7 اللام في المثل، حتى كأنه قال: إني لأمر بالرجل المثل لك، أو نحو ذلك؛ قال8: لأن الدلالة

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "به". 2 كذا في ط، وفي ز: "بر" وسقط في ش. 3 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "بلفظ" وفي ش: "من نفس". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محتاج". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و". 7 في ش: "تزاد" وهو تحريف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "يريد"، وانظر الكتاب 1/ 224. 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فقال".

اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية، أي أن اللام "في قول أبي الحسن"1 ملفوظ بها، وهي في قول الخليل مرادة مقدرة. واعلم أن هذا القول من أبي علي غير مرضي عندي؛ لما أذكره لك. وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها وهذا محال2، وكيف يكون لفظ الشيء دلالة على زيادته وإنما جعلت الألفاظ أدلة على إثبات معانيها، لا3 على سلبها، وإنما الذي يدل على زيادة اللام هو كونه مبهمًا لا مخصوصًا؛ ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيي قولك: إني لأمر بالرجل مثلك، وإني لأمر برجل مثلم في كون كل واحد منهما منكورًا4 غير معروف ولا مومأ به3 إلى شيء بعينه فالدلالة أيضًا من هذا الوجه "كما ترى"5 معنوية؛ كما أن إرادة الخليل اللام في "مثلك" إنما دعا إليها جريه صفة على شيء هو في اللفظ معرفة، فالدلالتان إذًا كلتاهما معنويتان. ومن ذلك قولهم للسلم6: مرقاة وللدرجة7 مرقاة فنفس اللفظ يدل8 على الحدث الذي هو الرقي، وكسر9 الميم يدل على أنها مما10 ينقل ويعتمل11 عليه12 وبه كالمطرقة والمئزر والمنجل13، وفتحة ميم مرقاة تدل14 على أنه مستقر في موضعه،

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 سقط حرف العطف في ش. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 في د، هـ، ز: "منكرا". 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلم". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الدرجة". 8 كذا في ش، وفي ط، ز: "تدل". 9 كذا في ش، وفي ز، ط: "كسرة". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تنقل". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعتمد". 12 سقط في ط. 13 في هـ: "المنخل". 14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يدل". وترى المؤلف فرق بين السلم والدرجة، فالسلم ما ينقل والدرجة ما يبنى، وجعل الأول المرقاة بكسر الميم، والآخر المرقاة بفتحها، ويبدو أن هذا الفرق بشقيه أغلبي، كما يؤخذ من اللغة.

كالمنارة والمثابة1. ولو كانت المنارة مما يجوز كسر ميمها لوجب تصحيح عينها وأن تقول فيها2: منورة "لأنه3 كانت" تكون حينئذ منقوصة، من مثال مفعال؛ كمروحة ومسورة4 ومعول ومجول5، فنفس "ر ق ي" يفيد معنى الارتقاء و"كسرة الميم وفتحتها تدلان"6 على ما قدمناه: من معنى الثبات أو الانتقال. وكذلك الضرب والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة على ما نقوله في المصادر. وكذلك اسم الفاعل -نحو قائم وقاعد- لفظه يفيد الحدث الذي هو7 القيام والقعود وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل. وكذلك قطع وكسر، فنفس اللفظ ههنا8 يفيد معنى الحدث، وصورته تفيد شيئين: أحدهما الماضي، والآخر تكثير الفعل؛ كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث، وببنائه الماضي وكون الفعل من اثنين وبمعناه على9 أن له فاعلًا. فتلك أربعة معانٍ. فاعرف ذلك إلى ما يليه، فإنه كثير، لكن هذه طريقه.

_ 1 في ط: "المثانة". 2 سقط لفظ "فيها" في ش. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنها". 4 هو متكأ من جلد. 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "محول"، والمجول: ثوب للنساء أو الصغير، والخلخال. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "كسر الميم وفتحها يدلان". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "به". 8 سقط في ش، ط. 9 كذا، والأولى سقوط هذا الحرف.

باب في الاحتياط

باب في الاحتياط: أعلم أن العرب إذا أرجات المعنى مكنته واحتاطت1 له. فمن ذلك التوكيد، وهو على ضربين: أحدهما تكرير الأول1 بلفظه. وهو نحو قولك: قام زيد "قام2 زيد" و"ضربت3 زيدًا ضربت" وقد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، والله أكبر الله أكبر4، وقال5: إذا التياز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا وقال6: وإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب وقال: إن قومًا منهم عمير وأشبا ... هـ عميرٍ ومنهم السفاح لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح7 وقال: أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح8 وقال: أبوك أبوك أربد غير شك ... أحلك في المخازى حيث حلا9

_ 1 في ش: "فاختاطت". 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "الأولى. 2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قام"، وفي ط: "زيد". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضربت عمرا ضربت عمرا". 4 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 5 أي القطامي، والبيت من شعر في وصف ناقة أحسن القيام عليها إلى أن قويت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقوتها وعزة نفسها، فالتيار -وهو القوي من الرجال- إذا دفعت إليه ليركبها ضاق ذرعا بها، وانظر اللسان "تيز". 6 أي الفضل بن عبد الرحمن القرشي، وانظر معجم الشعراء للرزباني 310، وطبقات الزبيدي 50، والكتاب 1/ 141 وهو فيه غير منسوب. 7 ورد البيتان في معاني القرآن للفراء 1/ 188، وقال في تقديمهما: "أنشدني بعضهم". 8 انظر ص482 من الجزء الثاني. 9 ورد في الحماسة مع بيت آخر غير منسوب، وانظر شرح التبريزي 1/ 299.

يجوز أن يكون من هذا تجعل1 أبوك الثاني منهما2 تكريرًا للأول، وأريد الخبر، ويجوز أن يكون أبوك الثاني خبرًا عن الأول أي أبوك الرجل المشهور بالدناءة والقلة: وقال: قم قائمًا قم قائمًا ... رأيت عبدًا نائمًا وأمة مراغمًا ... وعشراء رائمًا3 هذا رجل يدعو لابنه وهو صغير وقال: فأين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس4 وقالوا في قول امرئ القيس: #نطعنهم سلكى ومخلوجةً كر كلامين على نابلٍ5# قولين: أحدهما ما نحن عليه، أي6 تثنية كلامين على ذي النبل إذ قيل له: ارم ارم، والآخر: كرك لامين، وهما السهمان، أي كما ترد السهمين على البراء للسهام إذا أخذتهما لتنظر إليهما ثم رميتهما إليه فوقعا مختلفين: هكذا أحدهما وهكذا الآخر. وهذا الباب كثير جدًّا. وهو في الجمل والآحاد جميعًا.

_ 1 كذا في ش، وفي ط: "على أن تجعل"، وفي د، هـ، ز: "يجعل". 2 ثبت في ط، وسقط في ش. 3 "قم قائما" أي قم قياما، فهو من إقامة اسم الفاعل مقام المصدر، و"أمة مراغما" أي مغاضبة، وقد وصفها بوصف المذكر، كما يقال: امرأة حائض، والعشراء من النوق: التي أتى على حملها عشرة أشهر، ويستمر لها هذا الوصف حتى تضع، والمراد هنا التي وضعت، والرائم: التي تعطف على ولدها، وانظر الصاحبي 250. 4 النجا: النجاة والخلاص، وفي الخزانة 2/ 353: "وهذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل ولا تتمة". وستأتي فيه رواية: "اللاحقوك" في مكان "اللاحقون". 5 السلكي: الطعنة المستقيمة، والمحلوجة: التي في جانب، و"لامين" على القول الثاني تثنية لام وأصله الهمزة وهو السهم المريش بريش لؤام يكون بطن الريشة إلى ظهر أختها، والبيت من قصيدة له في بني أسد الذين قتلوا أباه وثأر له من أحياء منهم ذكرهم في قوله قبل: قد قرت العينان من مالك ... ومن بني عمرو ومن كاهل 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "في".

والثاني1 تكرير الأول بمعناه. وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة2 والعموم والآخر للتثبيت3 والتمكين. الأول كقولنا: قام القوم كلهم، ورأيتهم أجمعين -ويتبع ذلك4 من اكتع وأبضع5 وأبتع وأكتعين وأبضعين6 وأبتعين ما هو معروف- "مررت بهما كليهما"7. والثاني نحو قولك: قام زيد نفسه ورأيته نفسه8. ومن ذلك الاحتياط في التأنيث، كقولهم: فرسة، وعجوزة. ومنه ناقة؛ لأنهم لو اكتفوا بخلاف مذكرها لها -وهو جمل- لغنوا بذلك. ومنه الاحتياط في إشباع معنى الصفة كقوله9: والدهر بالإنسان دوارى أي دوار، وقوله10: غضف طواها الأمس كلابي

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التثبيت". 4 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 5 في ش كتب: "أبضع" بنقطة فوق الضاد المعجمة، ونقطة تحتها، وهي علامة الإهمال، وكتب فوقها "معا" أي أنها بالضاد المعجمة، والصاد المهملة، وفي اللسان: "وأبصع كلمة يؤكد بها وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة، وليس بالعالي" وفي ط، ز: "أبصع". 6 كتب أيضا في ش: "أبضعين" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها وهي علامة الإهمال، وهذا دلالة على أنها فيها لغتين، كما ذكر في "أبضع"، وفي ز، ط: "أبصمين". 7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عينه". 9 أي العجاج. 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "قول الآخر"، والشطر من أرجوزة طويلة للعجاج. ومنها الشطر السابق، وقوله: "غضف" كذا في نسخ الخصائص، وفي الأرجوزة "غضفا" بالنصب مفعل "رأى" في البيت قبله، وهو في وصف ثور وحشي رأى كلاب صيد ضمرها صاحبها، فقوله: "غضفا" أي كلابا مسترخية الآذان، وهو وصف غالب لكلاب الصيد، وانظر أراجيز العرب للبكري.

أي كلاب، وقوله: كان حداءً قراقريًّا1 أي قراقرًا. حدثنا أبو علي قال: يقال خطيب مصقع، وشاعر مرقع، وحداء قراقر، ثم أنشدنا البيت، وقد ذكرنا من أين صارت ياء الإضافة إذا لحقتا الصفة قوتا معناها. وقد يؤكد بالصفة كما تؤكد2 هي، نحو قولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر وقول3 الله -عز اسمه- {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 وقوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 5 وقوله سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 6. ومنه قولهم: لم يقم زيد. جاءوا فيه بلفظ المضارع وإن كان معناه المضى. وذلك أن المضارع أسبق رتبة في النفس من الماضي ألا ترى أن أول7 أحوال الحوادث أن تكون معدومة ثم توجد فيما بعد. فإذا نفى المضارع الذي هو الأصل فما ظنك بالماضي الذي هو الفرع. وكذلك قولهم: إن قمت قمت فيجيء8 بلفظ الماضي والمعنى "معنى المضارع"9. وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ "الماضي10 المقطوع" بكونه حتى كأن هذا قد وقع واستقر "لا أنه"11 متوقع مترقب. وهذا تفسير أبي علي عن أبي بكر، وما أحسنه!

_ 1 في اللسان "قرر": "وكان". وفي الجمهرة 3/ 433، والقرقرة: صفاء هدير الفحل وارتفاعه، ثم قيل للحسن الصوت فرقان قال الراجز: أبكم لا يكلم المطيا وكان حداء قراقريا 2 في ز: "يؤكد". 3 في ش: "قال". 4 آية 51 سورة النحل. 5 آية 20 سورة النجم. 6 آية 13 سورة الحاقة. 7 سقط في ش. 8 في ط: "فجيء"، وفي د، هـ، ز: "يجيء". 9 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "لفظ المضارع" وفي هـ: "بلفظ المضارع". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".

ومنه قوله1: قالت بنو عامر خالوا بني أسدٍ ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام أي يا بؤس الحرب، فأقحم لام الإضافة "تمكينًا واحتياطًا لمعنى الإضافة"2 وكذلك قول الآخر3: يا بؤس للحرب التي ... وضغت أراهط فاستراحوا أي4 يا بؤس الحرب إلا أن الجر في هذا ونحوه إنما هو اللام الداخلة عليه وإن كانت زائدة. وذلك أن الحرف العامل وإن كان زائدًا فإنه لا بد عامل، ألا ترى إلى قوله5: بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر فالباء زائدة وهي "مع ذا"6 عاملة، وكذلك قولهم: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخل عني؛ فـ"من" زائدة وهي جارّة ولا يجوز أن تكون7 "الحرب" من قوله:

_ 1 سقط في د، هـ، ز. والبيت للنابغة، من قصيدة يقولها في بني عامر، وكانوا عرضوا على بني ذبيان أن يقطعوا حلفهم مع بني أسد، ويحالفوهم هم فذكر النابغة فيولة هذا الرأي، وضعفه ورمى بني عامر بالجهل إذ يسعون في ترك بني أسد، وهم حلفاء صدق، وخالوا، أي اتركوا، والمخالاة، المتاركة. وانظر الخزانة "السلفية" 2/ 112، والكتاب 1/ 346. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 هو سعد بن مالك البكري، والبيت مع قصيدة له في الحرب التي تشبت بين بكر وتغلب لمقتل كليب من تغلب، وهو فيها يحضض على الحرب ويعرض بالحارث بن عباد البكري الذي كان اعتزل الحرب، وقوله: "وضعت أراهط" أي حطت قوما بالقعود عنها، وأسقطتهم عن مرتبة الشرف، فاستراحوا وآثروا السلامة كالنساء، ولم يعانوا أخطار المجد والسيادة، وانظر الخزانة "السلفية" 1/ 421، وشرح الحماسة للتبريزي "التجارية" 2/ 73. 4 سقط حرف النداء في ش. 5 أي الأشعر الرقبان الأسلمي، والبيت من قطعة له يهجو فيما ابن عمه رضوان، والمضر: الذي له ضرة، وهي القطعة العظيمة من الإبل والغنم. وانظر اللسان "ضرر" والنوادر لأبي زيد 73، وص284 من الجزء الثاني من الخصائص. 6 كذا في ش، وفي ط: "مع ذاك"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يكون".

يا بؤس مجرورة بإضافة "بؤس" إليها، واللام معلقة من قبل أن تعليق اسم1 المضاف والتأول له أسهل من تعليق حرف الجر والتأول له، لقوة الاسم وضعف الحرف فأما قوله2: لو كنت في خلقاء من رأس شاهقٍ ... وليس إلى منها النزول سبيل3 فإن هذا إنما هو فصل بحرف الجر لا تعليق. فإن قلت: فما4 تقول في قوله: أني جزوا عامرًا سوءًا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوءى من الحسن5 وجمعه بين أم وكيف؟ فالقول أنهما ليسا لمعنى واحد. وذلك أن "أم" هنا جردت لمعنى الترك6 والتحول، وجردت من معنى الاستفهام "وأفيد"7 ذلك من "كيف" لا منها. وقد دللنا على ذلك فيما مضى. فإن قيل: فهلا وكدت إحداهما الأخرى8 كتوكيد9 اللام لمعنى الإضافة وياءي10 النسب لمعنى الصفة. قيل: يمنع من ذلك أن "كيف" لما بنيت واقتصر بها على الاستفهام البتة11، جرت مجرى الحرف البتة وليس في الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد؛ لأن في ذلك نقضًا

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الاسم". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وأما". 3 انظر ص397 من الجزء الثاني، والرواية هناك: "أو رأس شاهق" في مكان: "من رأس شاهق". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ما". 5 "للسوءى" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "شيئا" وهو محرف عن "شيئا" وانظر ص186 من الجزء الثاني. 6 يريد الإضراب. 7 في ط: "فأفيد". 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بالأخرى". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لتوكيد". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ياء". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس إلا".

لما اعتزم عليه1 من الاختصار في استعمال الحروف. وليس كذلك يا بؤس للحرب وأحمري وأشقري. وذلك أن هنا إنما انضم الحرف إلى الاسم فهما مختلفان فجاز أن يترادفا في موضعهما لاختلاف جنسيهما. فإن قلت: فقد قال2: وما إن طبنا جبنٌ ولكن وقال3: ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم فجمع بين ما وإن، وكلاهما لمعنى النفي، وهما -كما ترى- حرفان. قيل: ليست إن من قوله: ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم4 بحرف نفي5 فيلزم ما رمت إلزامه، وإنما هي حرف يؤكد به، بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك ألا ترى إلى قولهم في الاستثبات عن زيد من نحو قولك6 جاءني زيد: أزيد إنيه؟، وفي باب7 رأيت زيدًا: أزيدا إنيه؟ فكما زيدت "إن" هنا توكيدًا مع غير8 "ما"، فكذلك زيدت مع "ما" توكيدًا. وأما قوله9: طعامهم لئن أكلوا معدٌ ... وما إن لا تحاك لهم ثياب

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. 2 أي فروة بن مسيك المرادي، وعجزه: منا يانا ودولة آخرينا والطب: العادة، وانظر الخزانة 2/ 121. 3 أي زهير، وانظر ص111 من الجزء الأول. 4 سقط "لوجهتهم" في ش. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النفي". 6 كذا في ش، وفي ط: "قولهم" وسقط في د، هـ، ز. 7 سقط في د، هـ، ز. 8 كذا في ط، وفي ش، ز: "غيرها". 9 في ش: "قولهم"، وانظر في البيت ص284 من الجزء الثاني.

فإن "ما" وحدها ايضًا للنفي "وإن" و"لا" جميعًا للتوكيد، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكدوا1 بأكثر من الحرف الواحد في غير هذا. وذلك قولهم: لتقومن ولتقعدن. فاللام2 والنون جميعًا للتوكيد. وكذلك قول الله -جل وعز: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} 3 فما والنون جميعًا مؤكدتان. فإما اجتماع الحرفين في قوله: وما إن لا تحاك لهم ثياب وافتراقهما في لتفعلن وإنا ترين فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما في موضع واحد بقوة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى5 واحد، كذلك أيضًا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويهًا وعلمًا على قوة العناية بالحال. وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال6 تكرير الأسماء المؤكد بها في نحو أجمع7 وأكتع وأبضع8 وأبتع وما يجري مجراه. فلما شاع ذلك وتنوزع9 في غالب الأمر في الأسماء لم يخلو10 الحروف من نحوٍ منه، إيذانًا بما هم عليه مما11 اعتزموه ووكدوه. وعليه أيضًا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه نحو قولهم: اضرب اضرب وقم قم وارم وارم وقوله: أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس12

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللام". 3 آية 26 سورة مريم. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مؤكدان". 5 في ط: "بمعنى". 6 في ش: "اجتماع". 7 سقط الواو في ط، وكذا فيما بعده. 8 كتب في ش: "أبضع" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها، وكتب فوقها "معا" وهذا علم على النطق فيها بالضاد المعجمة والصاد المهملة، وقد تقدم مثل هذا. انظر ص106 من هذا الجزء. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "توزع". 10 في د، هـ: "تخل". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيما". 12 انظر ص105 من هذا الجزء.

فاعرف ذلك فرقًا بين توكيد المعنى الواحد -نحو الأمر والنهي والإضافة- وتوكيد معنى الجملة في "امتناع اجتماع"1 حرفين لمعنى واحد، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام في لتقربن وإما ترين؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هل تقومن فـ"هل" وحدها للاستفهام؛ وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدل2 على أنها لذلك3 لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها في الأمر نحو اضربن زيدًا، وفي4 النهي في لا تضربن زيدًا، والخبر في لتضربن زيدًا، والنفي في نحو قلَّما تقومن5. فشياعها في جميع هذه المواضع أدل دليل على ما نعتقده6: من كونها توكيدًا لجملة القول لا لمعنى مفرد منه مخصوص لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصت به ولم تشع في غيره كغيرها من الحروف. فإن قلت: يكون من الحروف ما يصلح من المعاني لأكثر من الواحد نحو: من فإنها تكون تبغيضًا وابتداء ولا تكون نفيًا ونهيًا وتوكيدًا، وإن فإنها تكون شرطًا ونفيًا وتوكيدًا. قيل: هذا إلزام يسقطه تأمله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد؛ لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة؛ نحو الصدى؛ فإنه ما يعارض الصوت، وهو بدن الميت، وهو طائر يخرج فيما يدعون

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "امتناع"، وفي ط: "اجتماع". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تدل". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك". 4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. 5 كذا في ش، وفي ز: "تقولن ذلك"، وفي ط: "تقولن ذاك". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتقده".

من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضًا الرجل الجيد الرعية1 للمال في قولهم: هو صدى مالٍ، وخائل مالٍ، وخال مال، وسر سور مال، وإزاء مالٍ، و"نحو ذلك من"2 الشوى3 ونحوه4 مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة، نحو وجدت في الحزن، ووجدت في الغضب ووجدت في الغنى ووجدت في5 الضالة، ووجدت بمعنى علمت ونحو ذلك فكذلك جاء نحو هذا في الحروف. وليست كذلك النون؛ لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه، واستقر من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست لتوكيد شيء مخصوص من ذلك دون غيره، ألا تراها للشيء وضده نحو اذهبن، ولا تذهبن والإثبات في لتقومن والنفي في قلما تقومن. فهي إذًا لمعنى واحد وهو التوكيد لا غير. ومن الاحتياط إعادة العامل في العطف، والبدل. فالعطف نحو مررت بزيد وبعمرو؛ فهذا أوكد معنى من مررت بزيد وعمرو. والبدل كقولك: مررت بقومك بأكثرهم؛ فهذا أوكد معنى من قولك: مررت بقومك أكثرهم. ووجوه الاحتياط في الكلام6 كثيرة، و"هذا طريقها"7 "فتنبه عليها"8

_ 1 في ش: "للرعية". 2 في ط: "نحو من ذلك". 3 في د، هـ، ز: "السوى" والشوى من معانيه الأمر الهين، ورذال المال، واليدان والرجلان، والأطراف. 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "غيره". 5 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط. 6 في ز، ط: "كلامهم". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذه طريقه". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

باب في فك الصيغ

باب في فك الصيغ: أعلم أن هذا موضع من العربية لطيف، ومفعول عنه وغير مأبوه له. وفيه من لطف المأخذ وحسن الصنعة ما أذكره، لتعجب منه، ونانق له. وذلك أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفًا، إما1 ضرورة أو إيثارًا، فإنها تصور تلك الكلمة بعد الحذف2 منها تصويرًا تقبله3 أمثله كلامها، ولا تعافه وتمجه لخروجه4 عنها، سواء كان ذلك الحرف المحذوف أصلًا أم5 زائدًا. فإن كان ما يبقى بعد ذلك الحرف مثالًا تقبله مثلهم أقروه عليه. وإن نافرها وخالف ما عليها أوضاع كلمتها نقض عن تلك الصورة وأصير إلى احتذاء رسومها. فمن6 ذلك أن تعتزم تحقير نحو منطلق أو تكسيره؛ فلا بد من حذف نونه. فإذا أنت حذفتها بقي لفظه بعد حذفها: مطلق، ومثاله مفعل. وهذا وزن ليس في كلامهم؛ فلا بد إذًا من نقله إلى أمثلتهم. ويجب حينئذ أن ينقل في التقدير إلى أقرب المثل منه ليقرب المأخذ ويقل التعسف. فينبغي أن تقدره قد صار بعد حذفه إلى مطلق؛ لأنه أقرب إلى مطلق من غيره، ثم حينئذ من بعد تحقره، فتقول: مطيلق، وتكسره، فتقول: مطالق كما تقول في تحقير مكرم وتكسيره: مكيرم ومكارم. فهذا7 باب قد استقر ووضح، فلتغن به عن إطالة القول بإعادة مثله. وسنذكر العلة التي لها ومن أجلها وجب عندنا اعتقاد هذا فيه8 بإذن الله. فإن كان حذف9 ما حذف

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، وفي ط: "ما حذفت"، وفي د، هـ، ز: "ما حذفته". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقبله". 4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "لخروجها". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 7 هكذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 8 سقط في ش. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يحذف".

من الكلمة يبقي منها بعده مثالًا مقبولًا1 "لم يكن لك بد في الاعتزام عليه وإقراره"2 على صورته تلك3 البتة. وذلك كقولك في تحقير حارث على الترخيم: حريث. فهذا4 لما حذفت ألفه بقي من بعد على حرث فلم يعرض5 له بتغيير6؛ لأنه كنمر، وسبط وحذر. فمن مسائل هذا الباب أن تحقر جحنفلًا أو تكسره؛ فلا بد من حذف نونه، فيبقى بعد7: جحفل، فلا بد من إسكان عينه إلى أن يصير: جحفل. ثم بعد ما تقول: جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغير واحتججت بما جاء عنهم من قولهم في عرنتن: عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلا بد من حذف لامه فيبقى: سفرج وليس من أمثلتهم فتنقله8 إلى أقرب ما يجاوره وهو سفرج كجعفر فتقول9: سفيرج. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: سفارج. فإن كسرت حبنطى أو حقرته بحذف نونه بقي معك: حبطىً. وهذا مثال لا يكون في الكلام وألفه للإلحاق، فلا بد أن تصيره إلى حبطى ليكون كأرطى. ثم تقول: حبيطٍ وحباطٍ كأريطٍ وأراطٍ. فإن حذفت ألفه بقي حبنط، وهذا مثال غير معروف؛ لأنه ليس في الكلام فعنل فتنقله أيضًا إلى حبنط ثم تقول: حبينط وحبانط. فإن قلت: ولا في الكلام أيضًا فعنل قيل: هو وإن لم يأت اسمًا فقد أتى فعلًا وهو قلنسته فهذا فعنلته

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مقولا". 2 كذا في ش، وإن كان فيها "يد" في مكان "يد". وفي ط: "فسلم يكن لك بد من الاعتراض عليه وأقررته"، وفي د، هـ، ز: "فلم يكن لك بد فمن الاعتراض عليه وأقررته". 3 سقط في ش. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 5 في ط: "تعرض". 6 في ز: "تغيير". 7 سقط في د، هـ، ز، ط. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فينقله". 9 كذا في ش: وفي د، هـ، ز، ط: "ثم تقول".

وتقول في تحقير جردحلٍ: جريدح. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: جرادح، وذلك أنك لما حذفت لامه بقي: جردح، وهذا مثال معروف كدرهم وهجرع فلم يعرض للبقية1 بعد حذف الآخر. فإن حقرت أو كسرت مستخرج2 حذفت السين والتاء فبقي: مخرج فلم تغيره؛ فتقول3: مخيرج ومخارج. فإن سميت رجلًا دراهم، ثم حقرته حذفت الألف، فبقي: درهم فأقررته على صورته ولم تغيره؛ لأنه مثال قد جاء عنهم وذلك قولهم: جندل، وذلذل4، وخنثر5. فتقول: دريهم. ولا تكسره؛ لأنك تعود إلى اللفظ الذي انصرفت عنه. فإن حقرت نحو عذافر فحذفت ألفه لم تعرض6 لبقيته؛ لأنه يبرد في يدك حينئذ عذفر، وهذا قد جاء عنهم، نحو علبط7 وخزخز8 و"عجلط وعكلطٍ"9 ثم تقول: عذيفر، وفي تكسيره: عذافر. فإن حقرت نحو قنفخرٍ حذفت نونه ولم تعرض10 لبقيته، لأنه يبقى: قفخر. وهذا نظير11 دمثرٍ وحبجرٍ12؛ فتقول: قفيخر، وقفاخر. فإن حقرت نحو عوارض13 ودواسرٍ14 حذفت الألف، فبقي عورض ودوسر، وهذا مثال ليس من كلامهم، لأنه فوعل

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مستخرجا". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقلت". 4 هو مقصور الذلاذل، وذلاذل القميص ما يلي الأرض من أسافله، واحدا ذلذل على زنة قنفذ. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "خبتر" وفي ط: "خثتر" والحنثر: الشيء الخسيس يبقى من متاع القوم في الدار إذا تحملوا. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض". 7 من معانية الضخم والغليظ واللين الخاثر. 8 هو القوي الشديد. 9 كذا في ط، وهو ما في ش غير أن فيه: "كعلط" في مكان "عكلط" وفي د، هـ، ز: "عكلط" بدل ما بين القوسين، والعجلط: اللبن الحاثر الطيب، والعكلها: هو أيضا اللبن الحاثر. 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نظيره". 12 هو الغليظ. 13 هو جبل ببلاد طيء. 14 هو الشديد الضخم.

إلا أنك مع ذلك لا تغيره؛ لأنه هو فواعل وإنما حذفت الألف وهي1 في تقدير الثبات. ودليل ذلك توالي حركاته كتوالي حركات علبطٍ وبابه، فتقول في تحقيره وتكسيره: عُويرض، وعَوارض. ومثله هُداهد، وهَداهد، وقُناقن، وقَناقن، وجُوالق، وجَوالق. فإن حقرت نحو عنتريسٍ أو كسرته حذفت نونه، فبقي في التقدير عتريس. وليس في الكلام2 شيء على فعليل، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه، فتصير إلى فعليل: عتريسٍ فتقول: عتيريس، وعتاريس. فإن حقرت خنفقيقًا حذفت القاف الأخيرة، فيبقى3: خنفقي، وهذا فنعلي، وهو مثال غير معهود، فتحذف الياء فيبقى خنفق: فنعل كعنبس4 وعنسل، فتقول فيه: خنيفق وخنافق. وعليه قول الراجز5: بني عقيل ماذه الخنافق وليس عنتريس كخنفقيق؛ لأنه رباعي، فلا بد من حذف نونه وخنفقيق ثلاثي، فإحدى قافية زائدة، فلذلك حذفت الثانية وفيه شاهد لقول يونس في أن الثاني من المكرر هو الزائد. والذي يدل على أن العرب إذ حذفت من الكلمة حرفًا راعت حال ما بقي منه، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقروه على صورته وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم6 قول الشماخ:

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الأربعة. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبقي". 4 في ش: "كقنبس". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وانظر ص64 من الجزء الثاني. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صيغهم".

حذاها من الصيداء نعلًا طراقها ... حوامي الكراع المؤيدات العشاوز1 ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عَشَوزَن، فحذف النون لشبهها بالزائد، كما حذفت2 الهمزة3 في تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد في قولهم: بُريهيم وسُميعيل، وإن كانت عندنا أصلًا. فلما حذف النون بقي معه عَشَوز وهذا مثال فَعَول وليس من صور أبنيتهم، فعدله4 إلى عَشوَز وهذا مثال فَعول، ليلحق بجدول وقَسور، ثم كسره فقال: عشاوِز. والدليل على أنه قد نقله من عَشَوز إلى عَشوز أنه لو كان كسره وهو على ما كان عليه من سكون واوه دون أنت يكون قد حركها لوجب عليه همزها وأن يقال: عشائز لسكون الواو في الواحد كسكونها في عجوز ونحوها. فأما انفتاح ما قبلها في عَشَوزٍ فلا يمنعها الإعلال. وذلك أن سبب همزها في التكسير إنما هو سكونها في الواحد لا غير. فأما اتباعها ما قبلها وغير اتباعها إياه فليس مما يتعلق عليه حال وجوب الهمز5 أو تركه. فإذا ثبت بهذه المسئلة حال هذا الحرف قياسًا وسماعًا جعلته أصلًا في جميع ما يعرض له شيء من هذا التحريف. ويدل عليه أيضًا قولهم في تحقير ألنددٍ أليد؛ ألا ترى أنه لما حذف النون بقي معه ألدد،

_ 1 سقط الشطر الأول في ش، وقبله: ولما دعاها من أباطح واسط ... دوائر لم تضرب عليها الجزامر والحديث عن حمر الوحش، والدوائر يريد بها المنافع للماء قديمة، والجرامز جمع الجرموز وهو الحوض الصغير، يقول: إن هذه المنافع لم تضرب عليها حياض، وهذه المياه دعت الأتن لتشرب منها، وقوله: حذاها أي عيرها، يقول: ساقها فسارت في حصى والصيداء الحصى، فكأنه حذاها فعلا من الحصى، والحوامي: الحجارة، والمؤبدات القوية، والعشاوز الخشنة. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حذفوا". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من". 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فعدل". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "الهمزة"، وترى أن المؤلف لا يشترط في إبدال واو نحو عجوز همزا في الجمع أن تكون مدة في المفرد، وابن مالك يشترط هذا في قوله: والمد زيد ثالثا في الواحد ... همزا يرى في مثل كالقلائد وقد يشهد للمؤلف ما في كتاب سيبويه 2/ 367.

وهذا مثال منكور، فلما نبا عنه أماله إلى أقرب الأمثلة منه، وهو أفعَل فصار ألدد فلما أفضى إلى ذلك ادغمه، فصار ألد؛ لأنه جرى حينئذ مجرى ألد الذي هو مذكر لداء؛ إذ1 كان صفة وعلى2 أَفعل، فانجذب حينئذ إلى باب أصم من صماء وأيل3 من يلاء، قال: وكوني على الواشين لداء شغبةً ... كما أنا للواشي ألد شغوب4 فلذلك قالوا في تحقيره: أليد، فادغموه ومنعوه الصرف. وفي هذا بيان ما نحن عليه. فأما قول سيببويه في نحو سفيرج وسفارج: إنه إنما حذف آخره لأن مثال التحقير والتكسير انتهى دونه فوجه آخر من الحجاج. والذي قلناه نحن شاهده العشاوز وأُليد. ومن فك الصيغة أن تريد البناء من أصلٍ ذي زيادة فتلقيها5 عنه، ثم ترتجل البناء منه مجردًا منها. وذلك كأن تبني من ساعدٍ أو كاهل مثل جعفر أو غيره من الأمثلة فتفك عنه زائده وهو الألف فيبقى "ك هـ ل" و"س ع د" لا عليك على6 أي صورة بقي بعد حذف زائده7 -لأنه إنما غرضك البناء من هذه المادة مرتبة من تقديم حروفها وتأخيرها على هذا الوضع- أفَعلا8 كانت أم9 فُعلا أم9 فِعلا أم9 غير ذلك؛ لأنه على أيها بقي فالبناء منه سَعدَد وكَهلَل. وكذلك إن أردت البناء من منصور مثل قَمَحدُوة10 قلت11: نَصرُّوة. وذلك أنك لما أردت ذلك حذفت ميمه وواوه فبقي معك "ن ص ر" ولا عليك على أي مثال بقي، على ما مضى.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ط: "إذا". 2 سقط حرف العطف في ط. 3 هو وصف من اليلل -بالتحريك- وهو قصر الأسنان العليا. 4 لداء وصف من اللدد وهو شدة الخصومة وشغبة بسكون الغين وأصلها الكسر وصف من الشغب وهو الخلاف وتهييج الشر، والبيت أحد بيتين لكثير، وقبله: وقل أم عمرو داؤه وشفاؤه ... لديها ورياها إليه طبيب وانظر الديوان 1/ 185. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتلغيها". 6 سقط هذا الحرف في ش. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زائدته". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فعلا". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو". 10 هي ما أشرف على القفا من عظم الرأس. 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتقول".

ومن ذلك جميع ما كسرته1 العرب على حذف زائده كقولهم في جمع كَروان: كِروان. وذلك أنك لما حذفت ألفه ونونه بقي معك كَرَو فقلبت واوه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها طرفًا فصارت كرا ثم كسرت "كرا"2 هذا على كِروان؛ كشبث3 وشِبثان4 وخرَب وخربان. وعليه قولهم في المثل: أطرق كرا إنما هو عندنا ترخيم كَروان على قولهم: يا حار. وأنشدنا5 لذي الرمة: من آل أبي موسى ترى الناس حوله ... كأنهم الكِروان أبصرن بازيا6 "قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان"7. ومنه قول الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} 8 وهو عند سيبويه تكسير شدة على حذف زائدته9. وذلك أنه لما حذف التاء بقي الاسم على شد ثم كسره10 على أشد فصار كذئب وأذؤب وقطع وأقطع. ونظير شدة وأشد قولهم: نعمة وأنعم وقال11 أبو عبيدة: هو جمع أشد على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على ذلك في الشعر وأنشد بيت عنترة: عهدي به شد النهار كأنما ... خضب اللبان ورأسه بالعظلم12

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "حقرته" وفي ط: "كسرته حقرته". 2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "هذه" وفي ش: "على هذا". 3 من معاني الشبث العنكبوت. 4 من معانيه ذكر الحيارى، وهو طائر. 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أنشد". 6 يريد أبا موسى الأشعري، وهو من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان" وفي ط: "وقالوا في ألف كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان". 8 آية 15 سورة الأحقاف. 9 كذا في ش، وفي ط: "زائدة" وفي د، هـ، ز: "زيادته". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كسرته". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال" دون حرف العطف. 12 "اللبان" المعروف في الرواية "البنان"، واللبان: الصدر: والعظلم: صبغ أحمر، يريد به ما علاه من الدم، وعنتره يتحدث عن قرن له في الحرب، نازله فقتله.

ألا تراه لما حذف همزة أشد بقي معه شد كما ترى فكسره على أشد فصار كضَب وأضب وصَك وأصُك. ومن فك الصيغة -إلا أن ذلك إلى الزيادة لا إلى النقص- ما حكاه الفراء من قولهم في جمع أتون: أتاتين. فهذا كأنه زاد على عينه عينًا أخرى فصار من1 فَعُول مخفف العين إلى فعوُّل مشددها فتصوره2 حينئذ على أتون فقال فيه: أتاتين كسفّود وسفافيد وكلّوب وكلاليب. وكذلك قولهم في تحقير رجل: رويجل "فهذا ليس"3 بتحقير رجل، لكنه نقله من فَعُل إلى فاعل فصار إلى راجل ثم حينئذ قال في تحقيره: رويجل. وعليه عندي4 قولهم في جمع دانق: دوانيق. وذلك أنه زاد على فتحة عينه ألفًا فصار دأناق ثم كسره على دوانيق كساباط وسوابيط. ولا يحسن أن يكون زاد حرف اللين على المكسور العين منهما لأنه كان يصير حينئذ إلى دانيق وهذا مثال معدوم عندهم ألا ترى أنه ليس في كلامهم فاعيل. ولك في دانق لغتان: دانَق ودانِق كخاتَم وخاتِم وطابَق وطابِق. وإن شئت قلت: لما كسره5 فصار إلى دوانق أشبع الكسرة فصار: دوانيق كالصياريف والمطافيل6 وهذا التغيير المتوهم كثير. وعليه باب7 جميع ما غيرته الصنعة عن حاله ونقلته من صورة إلى صورة ألا تراك أنك لما أردت الإضافة إلى عدي حذفت ياءه الزائدة بقي معك عديٌ فأبدلت من الكسرة فتحة فصار إلى عدَيٍ8 ثم أبدلت من يائه ألفًا فصار إلى عَدًا9 ثم وقعت ياء الإضافة من بعد، فصار التقدير به إلى عداي، ثم احتجت إلى حركة الألف التي هي لام لينكسر ما قبل ياء الإضافة، فقلبتها واوًا فقلت: عَدَوي. فالواو الآن في "عَدَوِي"، إنما هي بدل من ألف عداي، وتلك الألف بدل من ياء عدي وتلك الياء10 بدل واو عدوت11؛ على ما قدمنا كمن حفظ المراتب فاعرف ذلك. ومن فك الصيغة قوله: قد دنا الفصح فالولائد ينظـ ... ـم ن سراعًا أكلة المرجان12 فهذا13 جمع إكليل، فلما حذفت الهمزة وبقيت الكاف ساكنة فتحت، فصار إلى كليل، ليكون كدليل، ونحوه فعليه جاء أكلة؛ كدليل وأدلة.

_ 1 سقط حرف الجر في ش، وكذا في عبارة اللسان "أتن" وفي اللسان في المفرد التشديد عن ابن خالويه. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتصور" وفي اللسان "أتن": "فيصوره". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "وليس هذا". 4 سقط في ش. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسروه". 6 سقط في ش. 7 سقط في ش. 8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 9 رسم في ش: "عدى". 10 في ش: "الواو" وهو سهو من الناسخ. 11 في ش: "عدوى". 12 من قصيدة لحسان في مدح جبلة بن الأيهم، والفصح: عيد النصارى بعد صومهم وهو عيد تذكاري قيامة المسيح في زعمهم، والولائد: الجواري. 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".

باب في كمية الحركات

باب في كمية 1 الحركات: أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر فثلاث. وهي2 الضمة والكسرة والفتحة. ومحصولها3 على الحقيقة ست. وذلك أن بين كل حركتين حركة. فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة؛ نحو فتحة عين عالم، وكاف كاتب. فهذه حركة بين الفتحة والكسرة؛ كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم؛ نحو فتحة لام الصلاة والزكاة4 والحياة. وكذلك ألف5 قام وعاد. والتي بين الكسرة والضمة، ككسرة قاف قيل و"سين سير"6 فهذه الكسرة المشمة ضمًا. ومثلها الضمة المشمة كسرًا، كضمة قاف المنقر7، وضمة عين مذعور، و"باء ابن بور"8 فهذه ضمة أشربت كسرًا، كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضمًا. فهما لذلك كالصوت الواحد، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة، ولا كسرة مشربة فتحة. فاعرف ذلك. ويدل على أن هذه الحركات9 معتدات اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف "المفتوح ما قبلها"10.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطل" وهو سهو من الناسخ. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هن". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محصوله". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 سقط في ش. 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "سبق وشير". 7 كذا في ز، ش، وفي ط: "منقور"، يريد المنقر في قولك: شربت من المنقر عند من يشم ضمة القاف الكسر لمناسبة كسر الراء والمنقر: البئر الكثيرة الماء وانظر الكتاب 2/ 270. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ابن بور". وفي ط: "نون نور". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حركات". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفتوحة".

باب في مطل الحركات

باب في مطل الحركات: وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها. فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء، وبعد الضمة الواو. فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه1 أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه: من قوله: فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح2 أراد: بمنتزح: مفتعَل من النازح. وأنشدنا أيضًا لعنترة: ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرة3 وقال: أراد ينبع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا. وقال الأصمعي: يقال انباع الشجاع4، ينباع انبياعًا إذا انخرط بين5 الصفين ماضيًا وأنشد فيه: يطرق حلمًا وأناةً معًا ... ثمت ينباع انبياع الشجاع6 فهذا7: انفعل ينفعل انفعالًا والألف فيه عين. وينبغي أن تكون عينه واوًا؛ لأنها أقرب معنى من الياء هنا. نعم8، وقد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت. وذلك أنه لما سمع "ينباع" أشبه في اللفظ ينفعل9، فجاءوا منه بماض ومصدر، كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضفن الرجل يضفن إذا جاء ضيفًا مع الضيف. وذلك أنه لما سمعهم يقولون: ضيفنٌ، وكانت فيعل أكثر في الكلام من فعلن، توهمه فيعلا فاشتق الفعل منه، بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه، فقال: ضفن يضفن. فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت إذا مثلته على لفظه: فلن يفلن؛ لأن العين قد حذفت. ولهذا موضع نذكره فيه مع بقية أغلاط العرب. ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلي10: بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع11 أي بين أوقات تعنقه، ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنشدنا" وفي ط: "أنشده". 2 انظر حاشية. 3 ص34 من الجزء الأول، ص318 من الجزء الثاني، وقوله: "يرثي ابنه" أورده في الحماسة البصرية في قطعة في مدح عبد الواحد، وهو أحد القرشيين كان قاضيا لجعفر بن سلمان وأولها: أعبد الواحد المحمود إني ... أعص حذار سخطك بالقراح وانظر الحماسة البصرية الورقة 81 وشواهد الشافية 25. صدره: زياقة مثل الفنيق المقرم وقوله: ينباع أي العرق، والذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن، وغضوب جسرة إلى آخر الأوصاف من وصف ناقته، يذكر أن عرق ناقته يسيل من جهدها في السير، والبيت في المعلقة. 4 هو الحية الذكر. 5 في ط: "من بين". 6 البيت من مقطوعة مفضلية للسفاح بن كثير اليربوعي، رثى بها يحيى بن ميسرة، صاحب مصعب بن الزبير، وانظر الخزانة 2/ 536، وشرح المفضليات لابن الأنباري 631. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 8 سقط الكلام من هنا إلى "ومن مطل الفتحة" في ش. 9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "متفعل" وهو تحريف. 10 هو أبو ذؤيب في مرثيته العينية المشهورة، والقصيدة في آخر المفضليات. 11 تعنقه الكماة: دنوة منهم في الحرب والتزامه لهم، كما يتعانق الرجلان، وروغه أن يحيد عن ضرباتهم، والسلفع: الجسور السليط، يذكر شجاعا يدل بقوته وعلمه بفن الحرب، فهو يعتنق قرنه حينا، ويروغ من ضربه حينا آخر، وبينما هو في المعمعة ومنازلة أقرانه جاءه من لا يأبه له فصرعه، وذلك جريء سليط ما كان ليحسب له حسابا، وقد ساق هذا مثلا لأن الدهر لا ينجو عليه أحد.

وحدثنا أبو علي أن أحمد بن يحيى حكى: خذه من حيث وليسا قال: وهو إشباع ليس. وذهب إلى مثل ذلك في قولهم1 آمين، وقال: هو إشباع "فتحة2 الهمزة من أمين". فأما قول أبي العباس: إن آمين بمزلة عاصين، فإنما3 يريد به أن الميم. خفيفة كعين عاصين. وكيف يجوز أن يريد به حقيقة الجمع، وقد حكى عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: آمين: اسم من أسماء الله عز وجل. فأين بك من أعتقاد معنى الجمع من هذا التفسير تعالى الله علوا كبيرا. وحكى الفرّاء عنهم: أكلت لحما شاةٍ، لحم شاة، فمطل الفتحة، فأنشأ عنها ألفا. ومن إشباع الكسرة ومطلها4 ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل، والجلاعيد. فأما ياء مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة وليست مطلا. قال أبو النجم: منها المطافيل وغير المطفل5 وأجود من ذلك قول الهذلي6: جنى النحل في ألبان عوذٍ مطافل

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قوله". 2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فتحة الميم" وفي ش: "كسرة الميم". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإنه إنما". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطالها". 5 هو الشطر التاسع من أرجوزته الطويلة، وقد صدرها بوصف الإبل، وقبله: حتى تراعت في النعاج الخذل والنعاج الخذل: بقر الوحش، يريد أن الإبل رعت مع البقر، والمطفل: التي معها طفل وهي حديثة عهد بالولادة، يكون في السوق والبقر والنعم، فقوله: منها المطافيل. يحتمل عودة للإبل، وعودة للنعاج، وهو الأقرب. 6 أي أبي ذؤيب: وصدره: وإن حديثا منك لو تبذلينه والعوذ: جمع العائذ، وهي حديثة العهد بالنتاج من النوق، ويريد بجني النحل عسله.

وكذلك قول الآخر: الخضر الجلاعيد1 وإنما هي الجلاعد، جمع جلعد وهو الشديد. ومن مطل الضمة قوله -فيما أنشدناه وغيره2: وأنني حيث ما يشرى الهوى يصرى ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور3 "يشرى: يحرك ويقلق. ورواه لنا يسرى"4. وقول5 الآخر: ممكورة جم العظام غطبول ... كأن في أنيابها القرنفول6 فهذه هي الطريق. فما7 جاء منها قسه8 عليها.

_ 1 هو من شعر لحسان يهجو فيه مسافع بن عياض التيمي، وفي هذا الشعر: لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللوى الصيد أو من بني نوفل أو رهط مطلب ... لله درك لم تهمم بتهديد أو من الذؤابة عن قوم ذوي حسب ... لم تصبح اليوم نكسا ثاني الجيد أو في السرارة من تيم رضيت بهم ... أو من بني خلف الخضر الجلاعيد انظر الكامل للمبرد 1/ 141 طبع أوروبا. 2 سقط حرف العطف في ش. 3 انظر ص318 من الجزء الثاني. 4 ثبت ما القوسين في ط، وسقط في ش، د، هـ، ز، وفي ط: "ورواه لنا يشري" ويبدو أن "يشري" فيه محرف عما أثبت. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال". 6 ورد البيت في اللسان "قرنفل"، والممكورة المطوية الخلق الحسنة و"جم العظام" يُقرأ بضم الجيم جمع أجم، وقد جمع نظرا إلى المضاف إليه، والفصيح غير هذا، وقد يكون الأصل: جاه العظام فقصر الممدود، وحذفت الألف في الرسم، ويقال: عظم أجم: وافر اللحم. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيما". 8 كذا في ش، وفي ط، د، هـ: "فقسه" وفي ز: "فسقه"

باب في مطل الحروف

باب في مطل الحروف: والحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة اللينة1 المصوتة. وهي الألف والياء والواو. اعلم أن هذه الحروف أين وقعت وكيف وجدت "بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات"2 ففيها امتداد ولين؛ نحو قام، وسير3 به، وحوتٍ4، وكوز، وكتاب، وسعيد، وعجوز. إلا أن الأماكن التي يطول فيها5 صوتها، وتتمكن6 مدتها ثلاثة. وهي أن تقع بعدها7 -وهي سواكن توابع لما "هو8 منهن" وهو الحركات من جنسهن- الهمزة، أو الحرف المشدد، أو أن يوقف عليها عند التذكر. فالهمزة نحو كساء ورداء، و"خطيئة ورزيئة"9، ومقروءة، ومخبوءة. وإنما تمكن المد فيهن10 مع الهمز أن الهمزة11 حرف نأى نشؤه وتراخى مخرجه فإذا12 أنت نطقت بهذه الأحرف المصوتة قبله، ثم تماديت بهن نحوه طلن وشعن في الصوت فوفين له، وزدن "في بيانه"13 ومكانه14 وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد، ألا تراك إذا قلت: كتاب، وحساب، وسعيد، وعمود15، وضروب، وركوب لم تجدهن لدنات ولا ناعمات ولا وافيات مستطيلات16؛ كما تجدهن كذلك إذا تلاهن الهمز17 أو الحرف المشدد.

_ 1 سقط في ش. 2 سقط ما بين القوسين في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 في ز: "حوب"، والحوب -بالضم: الهلاك. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بها". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتمكن". 7 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "هن منه". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "خطيئات ورزيئات". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا". 13 كذا في ش، وفي د، هـ: "لبيانه" وفي ز، ط: "لينايه" وكأنه محرف عن "لبنابه". 14 كذا في ش، وفي ز: "لمكانه" وسقط في ط. 15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عميد". 16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومستطيلات". 17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".

وأما سبب نعمتهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدد بعدهن1 فلأنهن -كما ترى- سواكن وأول المثلين مع التشديد ساكن فيجفو عليهم أن يتلقى الساكنان حشوا في كلامهم، فحينئذ ما ينهضون بالألف2 بقوة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضًا مما كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها إذا لم يجدوا عليه تطرقًا، ولا بالاستراحة إليه3 تعلقًا. وذلك نحو شابة، ودابة، وهذا قضيب بكر في قضيب بكر وقد تمود الثوب وقد قوص بما عليه. وإذا كان كذلك فكلما رسخ4 الحرف في المد كان حينئذ محفوظًا5 بتمامه، وتمادى الصوت به6، وذلك الألف، ثم الياء ثم الواو. فشابة إذًا أوفى صوتًا وأنعم جرسا من أختيها وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به. وتمود ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد -وهي الألف- وقرب الياء إليها. نعم وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى7 تمكينه وجهارته بما تجشمه من مد الألف في هذا الموضع، دون أن يطغى8 به طبعه ويتخطى9 به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا10 بها، و"مصانعًا11 بطول" المدة عنها، فيقول: شأبة ودأبة. وسنأتي بنحو هذا في بابه؛ قال كثير. إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت12

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من بعدهن". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الألف"، وكأنه اقتصر على الألف لأنه الأصلي؛ كما سيأتي له، وقد يكون سقط: "والياء والواو"، والأقرب أنه محرف عن: "بالأحرف". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عليه". 4 في ط: "وضح". 5 كذا في ش، وفي هـ، ز، ط: "محقوقا" وفي د: "محفوفا". 6 سقط في ط. 7 في ط ما يقرب من "يتغالى". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يطغى". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ينحط". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كلفها". 11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مطالعا لطول". 12 الوارد في الديوان 2/ 97 الشطر من بيت هكذا: وأنت ابن لبلى خير قومك مشهدا ... إذا ما احمارت بالعبيط العوامل وهكذا ورد البيت في اللسان "حنن" وهو من قصيدة في مدح عبد العزيز بن مروان.

وقال1: وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت وهذا الهمز الذي تراه أمر يخص الألف دون أختيها. وعلته في اختصاصه بها دونهما أن همزها في بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها ساكنة بعدها الحرف المدغم فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلبها همزة تطرقًا إلى الحركة وتطاولا إليها إذ لم يجدوا إلى تحريكها هي2 سبيلًا، لا في هذا الموضع ولا في غيره. وليست كذلك أختاها لأنهما وإن سكنتا في نحو هذا قضيب بكر وتمود الثوب فإنهما قد تحركان كثيرًا في غير هذا الموضع. فصار تحركتهما3 في غير هذا الموضع عوضًا من سكونهما فيه. فاعرف ذلك فرقًا. وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعتين لما هو منهما. وذلك نحو قولهم4: هذا جيب5 بكر أي جيب بكر وثوب6 بكر، أي ثوب بكر. وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو، فإن فيها سرا له، ومن أجله جاز أن تمتد الياء والواو بعدها في نحو ما رأينا7. وذلك أن أصل المد وأقواه، وأعلاه، وأنعمه، وأنداه إنما هو للألف8. وإنما الياء والواو في ذلك محمولان عليها، وملحقان9 في الحكم بها، والفتحة بعض الألف،

_ 1 أي كثير من قصيدة في مرثية عبد العزيز بن مروان وقبله -وإن لم يكن على ترتيب الديوان: عجبت لأن النائحات وقد علت ... مصيبته فهرا فعمت وصمت تعين ولو أسمعن أعلام صندد ... وأعلام رضوى ما يقلن أدرهمت وهو يريد بتجلل الأرض بياضا واسوداد بياضها اضطرابها أو يريد أن قبورها أصبحت بيضا به، وظهرها أصبح أسود بزواله عنه، وفي الديوان المطبوع تحقيق د. إحسان عباس عام 1971 ص323 "اد هأمت" بدلا من "اسوأدت" "المصحح". 2 سقط في ش. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحريكهما". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك". 5 كتب في الأصول: "جيبكر". 6 رسم في الأصول: "ثو بكر" غير أن في ط: "ثو بيكر". 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "أرينا". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الألف". 9 في ط: "يلحقان".

فكأنها إذا قدمت قبلهما1 في نحو بيت وسوط إنما قدمت2 الألف؛ إذ كانت الفتحة بعضها، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا في موضع3 قد سبقتهما4 إليه الفتحة التي هي ألف صغيرة، فكان ذلك سببًا للأنس بالمد لا سيما وهما بعد الفتحة5 -لسكونهما- أختا الألف وقويتا6 الشبه بها؛ فصار7 ثوب وشيخ نحوًا من شاخ وثاب، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما، فاعرف ذلك. وأما مدها8 عند التذكر فنحو قولك: أخواك ضربا، إذا كنت متذكرا للمفعول "أو الظرف أو نحو ذلك"9 أي ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكرت في نحو ضربوا، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك: أي ضربوا زيدا، أو ضربوا يوم الجمعة أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء في نحو اضربي أي اضربي زيدا ونحوه. وإنما مطلت ومدت هذه الأحرف10 في الوقف وعند التذكر، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكنة المدة، فقلت: ضربا وضربوا واضربي وما كانت11 هذه حاله وانت مع ذلك متذكر لم "توجد في"12 لفظك دليلا على أنك متذكر شيئًا ولأوهمت13 كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقع لك؛ لكنك لما وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تالٍ14 للأول منوطٍ به، معقود ما قبله على تضمنه وخلطه بجملته.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قبلها". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 في ز: "موضع واحد". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "سبقهما". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الصحة". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قريبا". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصا". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مدهما". 9 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ش، ز. 10 كذا في ش، ط، وفي د، وفي د، هـ، ز: "الألف". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كنت". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجد". 13 في ش: "لا أوهمت". 14 في ط: "ثان".

ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهن ضعفن، وتضاءلن، ولم يف مدهن، وإذا وقع بين الحرفين تمكن، واعترض الصدى معهن. ولذلك قال أبو الحسن: إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى. ويدل ذلك على أن العرب لما أرادت مطلهن للندبة وإطالة الصوت بهن في الوقف وعلمت أن السكوت1 عليهن ينتقصهن ولا يفي بهن أتبعتهن الهاء في الوقف توفية لهن وتطاولا إلى إطالتهن. وذلك قولك2: وازيداه، واجعفراه. ولابد من الهاء في الوقف فإن وصلت أسقطتها، وقام التابع غيرها في إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك: وازيدا3، واعمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم4: وانقطاع ظهرهيه، وواغلامكيه، وواغلامهوه، وواغلامهموه. وتقول في الوصل: اغلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهي من هذا الأمر! والمعنى الجامع بين التذكر والندبة قوة الحاجة إلى إطالة الصوت في الموضعين. فلما كانت هذه حال هذه الأحرف وكنت عند التذكر كالناطق بالحرف5 المستذكر6؛ صار كأنه هو ملفوظ به. فتمت هذه الأحرف وإن وقعن أطرافا، كما يتممن7 إذا وقعن حشوا لا أواخر. فاعرف ذلك. "فهذه حال الأحرف الممطولة"8. وكذلك الحركات عند التذكر يمطلن حتى يفين9 حروفا. فإذا صرنها10 جرين مجرى الحروف المبتدأة توام، فيمطلن أيضًا حينئذ؛ كما تمطل الحروف. وذلك11 قولهم

_ 1 كذا في ز، ط، د، وفي ش، هـ: "السكون". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زيداه". 4 في ز: "قولك". 5 سقط في ش. 6 في ط: "والمستذكر". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتممن". 8 ذكر ما بين القوسين في ش قبل قوله فيما سبق "فلما كانت هذه حال هذه الأحرف ... ". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقين". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صرفها حتى". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من ذلك".

عند التذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتى، أي أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو في1 قمت إلى زيد، ونحو ذلك. فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنا فعل ضربين: "صحيح ومعتل"2. فالصحيح في نحو هذا يكسر؛ لأنه لا يجرى الصوت في الساكن، فإذا حرك3 انبعث الصوت في الحركة، ثم انتهى إلى الحرف، ثم أشبعت ذلك الحرف ومطلته. وذلك قولك في نحو قد وأنت تريد قد قام ونحوه إلا أنك تشك، أو تتلوم لرأي تراه من ترك المبادرة4 بما5 بعد ذلك: قدي، وفي من: مني، وفي هل: هلي وفي نعم: نعمي أي نعم قد كان، أو نعم هو هو "أو نحوه"6 مما تستذكر7 أو "تراخي8 بذكره". وعليه تقول في التذكر إذا وقفت على لام التعريف: إلى وأنت تريد: الغلام أو الخليل أو نحو ذلك. وإنما كانت حركة هذا ونحوه الكسرة دون أختيها من قبل أنه ساكن قد احتيج إلى حركته فجرت حركته إذًا مجرى حركة التقاء الساكنين في9 نحو {قُلِ اللَّهُمَّ} 10 و {قُمِ اللَّيْلَ} 11 وعليه أطلق المجزوم والموقوف في القوافي المطلقة إلى الكسر12؛ نحو قوله13: وأنك مهما تأمرى القلب يفعل

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أي". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "تحرك" وفي د: "تحركت". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المبارزة". 5 في ط: "مما". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ونحو ذلك". 7 في د، هـ، ز: "يستذكره". 8 في د، هـ، ز: "يتراخى ذكره". 9 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش. 10 آية 26 سورة آل عمران. 11 آية 2 سورة المرتل. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الكسرة". 13 أي امرئ القيس في معلقته، وصدره: أغرك منى أن حبك قاتل

وقوله1: لما تزل برحالنا وكأن قد ونحو مما نحن عليه حكاية الكتاب2: هذا سيفنى وهو يريد: سيف من أمره كذا، أو من حديثه كذا. فلما أراد الوصل أثبت التنوين، ولما كان ساكنا صحيحا لم يجر الصوت فيه3، فلما لم يجر فيه4 حرّكة بالكسر -كما يجب في مثله- ثم أشبع كسرته، فأنشا عنها ياء فقال: سيفنى. هذا5 حكم الساكن الصحيح عند التذكر. وأما الحرف المعتل فعلى ضربين: ساكن تابع6 لما قبله؛ كقاما، وقاموا، وقومى؛ وقد قدمنا ذكر هذا، ومعتل غير تابع لما قبله، وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة نحو، أي وكي ولو وأو فإذا وقفت على شيء من ذلك مستذكرا كسرته7، فقلت: قمت كي أي كي تقوم ونحوه. وتقول في العبارة: قد فعل كذا أبي معناه: أي أنه كذا ونحو ذلك. ومن كان من لغته أن يفتح أو يضم لالتقاء الساكنين فقياس قوله أن يفتح أيضًا أو يضم عند التذكر. روينا ذلك8 عن قطرب: قم الليل وبع الثوب، فإذا تذكرت قلت: قما وبعا وفي سر: سرا. وليس كذلك قراءة ابن مسعود: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} 9 لأن الألف علم ضمير

_ 1 أي النابغة في قصيدته في المتجردة، وصدره: أزف الترحل غير أن ركابنا 2 انظر الكتاب 2/ 304. 3 في ز، ط: "به". 4 في د، هـ، ز، بعده: "الصوت" وقد ضرب عليها في ش. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا". 6 في ش: "وتابع". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتهما". 8 سقط في ش. 9 آية 44 سورة طه.

تثنية موسى وهارون، عليهما السلام. وأيضًا فإنه لم يقف عليه؛ ألا ترى أن بعده {لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وإنما هذه لغة لبعضهم، يجري1 حركة ألف التثنية وواو الجمع مجرى حركة التقاء الساكنين فيقول2 في التثنية: بعا يا رجلان ويا رجال3 بعوا، ويا غلامان قما. وعليه قراءة اين مسعود هذه وبيت الضبي4: ... لم يهلعوا ولم يخموا يريد: يخيموا، فجاء به على ما ترى. وروينا عن قطرب أن منهم من يقول: شم يا رجل. فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة فوفيتها واوا، فقلت: شمو. ومن العرب من يقرأ5 {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} 6 ومنهم من يكسر فيقول: اشتروا الضلالة. ومنهم من يفتح فيقول: اشتروا الضلالة. فإن مطلت متذكرا7 قلت على من ضم: اشترووا، وعلى من كسر: اشتروى، وعلى من فتح: اشتروا.. وروينا عن محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر: فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكام فإن وقفت على "هم" من قوله: وهم القضاة، قلت: همي. وكذلك الوقوف على منهم الحكام: منهمي. فإن وقفت على هم من قوله: "وهم" وزراؤهم قلت: همو9؛ لأنك كذا رأيته فعل الشاعر لما قال في أول البيت: فهمو، ففصلت بين حركة

_ 1 في د، هـ، ز: "تجري". 2 في ط: "فتقول". 3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 4 انظر ص62 من هذا الجزء. 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يقول". 6 آية 16 سورة البقرة. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مستذكرا". 8 هو الفراء. 9 في ش: "وهم".

التقاء الساكنين وغيرها كما فصل، وإن شئت قلت1: وهمي، تريد: وهم وزراؤهم وقلت: وهمو تريد: وهم القضاة، حملا على قوله: فهم بطانتهم؛ لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد2 أن حملت على نظير. وكلما جاز شيء من ذلك عند وقفة التذكر جاز في القافية البتة على ما تقدم. وعليه تقول: عجبت منا إذا3 أردت: من القوم على من فتح النون4. ومن كسرها فقال: من القوم قال: منى. فاعرف ذلك إلى ما يليه إن شاء الله. باب في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة: الأول منهما أن تحذف الحرف وتقر الحركة قبله نائبةً عنه. ودليلةً5 عليه، كقوله: كفاك كفٌ لا تليق درهما ... جودًا وأخرى تعط بالسيف الدما6 يريد: تعطى. وعليه بيت الكتاب: وأخو الغوان متى يشأ يصر منه7 وبيته: دوامي الأيد يخبطن السريحا8

_ 1 سقط في ش، ط. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعد". 3 كذا في د، هـ، زز وفي ط: "منها إذا" وفي ش: "مما". 4 في ش بعده: "منا". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "دليلا". 6 لا تليق درهما أي لا تمسكه وتحبسه، يصفه بالبذل والإنفاق، وورد البيت في اللسان "لاق" غير منسوب، وفي أمالي ابن الشجري 2/ 72. 7 ينسب إلى الأعشى، وعجزه: ويكن أعداء بعيد وداد وانظر الكتاب 1/ 10، والصبح المنير 99، وفيه: "وأخو النساء". 8 انظر ص271 من الجزء الثاني.

ومنه قول الله تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1 وهو كثير في الكسرة. وقد جاء في الضمة منه قوله: إن الفقير بيننا قاضٍ حكم ... أن ترد الماء إذا غار النجم2 يزيد النجوم، فحذف الواو، وأناب عنها الضمة، وقوله: حتى إذا بلت حلاقيم الحلق3 يريد الحلوق. وقال الأخطل: كلمع أيدي مثاكيل مسلبة ... يندبن ضرس بنات الدهر والخطب4 ومنه قول الله عز اسمه {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 5 و {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 6 و {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 7 وكتب ذلك بغير واو "دليلا في الخط على الوقوف عليه بغير واو"8 في اللفظ. وله نظائر وهذا9 في المفتوح قليل10؛ لخفة الألف، قال: مثل النقا لبده ضرب الطلل11 ونحو منه قوله: ألا لا بارك الله في سهيلٍ ... إذا ما الله بارك في الرجال12

_ 1 آية 16 سورة الزمر. 2 في ط: "يرد" وفي البحر لأبي حيان 5/ 481: إن الذي قضى بذا قاض حكم 3 في اللسان "حلق": "ابتلت" في مكان "بلت". 4 من قصيدة له في مدح الوليد بن عبد الملك، وهو في وصف الإبل، يذكر أنهن يرفض أيديهن في السير، وشبه ذلك بلمع نوائح بحزق، والمسلبة: لابسات السلاب، وهو ثوب الحداد، وضرب بنات الدهر إصابتها الناس بالشر، وانظر الديوان 188، واللسان "ضرس". 5 آية 24 سورة الشورى. 6 آية 6 سورة القمر. 7 آية 18 سورة العلق. 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 9 سقط في ش. 10 في ش: "قليلة". 11 الطلل أصله الطلال، وهو جمع الطل، وهو المطر القليل الدائم، ويرويه بعضهم بفتح الطاء، وأصله الطل، ففك التضعيف، وانظر اللسان "طلل". 12 ورد البيت في اللسان "أله" غير منسوب.

فحذف الألف من هذه اللفظة "الله". ومنه بيت الكتاب: أو الفًا مكة من ورق الحمى1 يريد الحمام، فحذف الألف فالتقت الميمان فغير على ما ترى. وقال أبو عثمان في قول الله سبحانه {يَا أَبَتِ} 2 أراد: يا أبتا، فحذف الألف. وأنشد أبو الحسن وابن الإعرابي: فلست بمدرك ما فات منى ... بلهف ولا بليت ولا لو أني3 يريد بلهفى وقد مضى نحو هذا. الثاني منهما، وهو إنابة الحرف عن الحركة. وذلك في بعض الآحاد وجمع التثنية وكثير من الجمع. فالآحاد نحو أبوك وأخوك وحماك وفاك وهنيك وذي مال. فالألف والياء والواو في جميع هذه الأسماء الستة دواخل على الفتح والكسر والضم. ألا تراها تفيد من الإعراب ما تفيده الحركات: الضمة والفتحة والكسرة. والتثنية نحو الزيدان والرجلين. والجمع نحو الزيدون والمسلمين. وأعربوا بالنون أيضًا، فرفعوا بها في الفعل: يقومان ويقومون وتقومين4 فالنون في هذا نائبة عن الضمة في يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة، وإنما الموضع في الإعراب للحركات، فأما الحروف فدواخل عليها. وليس من هذا الباب إشباع الحركات في نحو منتزاح، وأنظور، والمطافيل، لأن الحركة في نحو هذا لم تحذف وأنيب الحرف عنها بل هي موجودة5 ومزيد فيها لا6 منتقص منها.

_ 1 هو للعجاج، وهو من وصف حمام الكعبة، أقسم به، يريد المؤلف أن الشاعر حذف ألف الحمام فصار الحمم، فأبدل من الميم الثانية ياء فرارا من التضعيف؛ كما قيل في تظننت: تظنيت، وانظر اللسان "حم" والكتاب 1/ 8. 2 آية 4 سورة يوسف. 3 ورد في العيني على هامش الخزانة 4/ 248 ولم ينسبه، وفي الخزانة 1/ 63. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لا. 6 في ش: "ولا".

باب في هجوم الحركات على الحركات

باب في هجوم الحركات على الحركات: وذلك على ضربين: أدهما كثير مقيس1، والآخر قليل4 غير مقيس2. الأول منهما، وهو قسمان: أحدهما أن تتفق فيه الحركتان والآخر أن تختلفا3 فيه، فيكون الحكم للطارئ منهما، على ما مضى. فالمتفقان4 نحو قولك: هم يغزون ويدعون. وأصله يغزوون، فأسكنت الواو الأولى التي هي اللام، وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير والجمع بعدها، ونقلت تلك الضمة المحذوفة على اللام إلى الزاي التي هي العين، فحذفت لها الضمة الأصلية في الزاي؛ لطروء الثانية المنقولة من اللام إليها عليها. ولا بد من هذا التقدير في هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة5؛ اعتبارا في ذلك بحكم المختلفتين6؛ ألا تراك تقول في العين الكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها؛ وذلك نحو يرمون ويقضون ألا تراك7 نقلت ضمة ياء يرميون8 إلى ميمها فابتزت9 الضمة الميم كسرتها، وحلت

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "متفش". 2 سقط في ط. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يختلفا". 4 في ط: "فالمتفقتان". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المراتبة". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المختلفين". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ترى أنك". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يرمون". 9 أي سلبت.

محلها فصار1: يرمون. فكما لا يشك في أن ضمة ميم يرمون غير كسرتها في يرميون لفظا، فكذلك فلنحكم2 على أن ضمة زاي يغزون غير ضمتها في يغزوون3 تقديرا وحكما. ونحو من ذلك قولهم في جمع مائة: مئون. فكسرة ميم مئون غير كسرتها في مائة؛ اعتبارا بحال المختلفين في سنة وسنين4. وبرة وبرين5. ومثله ترخيم برثن ومنصور فيمن قال: يا حار إذا قلت: يا برث، ويا منص فهذه الضمة في ثاء6 برث وصاد منص غير الضمة فيمن قال: يا برث ويا منص علي يا حار على يا حار؛ اعتبارا بالمختلفتين7. فكما لا شك في أن ضمة راء يا حار غير كسرة راء يا حار سماعا ولفظا فكذلك الضمة على يا حار في يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما. وعلى ذلك كسرة صاد صنو وقاف قنو غير كسرتها في قنوانٍ وصنوانٍ. وهذا باب؛ وقد8 تقدم في فصله. وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدرة فيها في أصل حالها، وهو تقضيين. والقول هنا هو ما تقدم في يدعون ويغزون. فهذا حكم الحركتين المتفقتين.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فصارت"، وقوله: "فصار" أي مد حذف الياء؛ كما هو معلوم، وكذا يقال فيما يأتي من الأمثلة، فهو قد يترك الكلام على حذف اللام للعلم به. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فليحكم". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغزون". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "سنون". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يرون". والبرة: الخلخال، وحلقة في أنف البعير. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يا". 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "بالمحلفين". 8 سقط حرف العطف في ش، ط.

وأما1 المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو يرمون ويقضون. والأصل: يرميون ويقضيون، فأسكنت الياء استثقالا للضمة عليها، ونقلت إلى ما قبلها فابتزته كسرته2، لطروئها3 عليها4؛ فصار: يرمون ويقضون. وكذلك قولهم: أنت تغزين، أصله تغزوين، فنقلت الكسرة من الواو إلى الزاي، فابتزتها ضمتها فصار: تغزين. إلا أن منهم من يشم الضمة أرادة للضمة المقدرة ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشم. ويدلك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزتين5 عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضموا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما6؛ وذلك كقولهم7: اقضوا، ابنوا8، وقولهم: اغزى، ادعى9. فكسرهم مع ضمة10 الثالث، وضمهم مع كسرته يدل على قوة مراعاتهم للأصل المغير، وأنه عندهم مراعىً معتد مقدر. ومن المتفقة حركاته ما كانت في الفتحتان، نحو اسم المفعول11 من12 نحو اشتد واحمر وذلك قولهم: مشتد ومحمر، ومن قولك: هذا رجل مشتد عليه، وهذا مكان محمر فيه "وأصله مشتددٌ ومحمررٌ"13 فأسكنت الدال والراء14 الأوليان، وادغمتا في مثلهما من بعدهما، ولم ننقل15 الحركة إلى ما قبلها، فتغلبه16 على حركته التي فيه،

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأما". 2 في ط: "وكسرته". 3 كذا في ز، ط، وفي ش: "لطروءه". 4 في ز: "عليه". 5 كذا في ط، وفي ش، ز: "المبتزة". 6 في ش: "لها". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك". 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وارموا". 9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وادعى". 10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضمة". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفعولين". 12 سقط هذا الحرف في ز. 13 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 14 في ش: "الواو". 15 كذا في ش، وفي ط: "تنقل" وفي د، هـ، ز: "ينقل". 16 في ط: "فغلبت"، وفي ش: "فنقلبه"، وهو تصحيف.

كما تغلب1 في يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم في اسم الفاعل أيضًا كذلك، وهو "مشتد ومحمر ألا ترى أن أصله"2 مشتد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول: مشتّد ومحمرّ. فلما لم تقل ذلك وصح في المختلفين3 اللذين النقل فيهما موجود لفظا امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل في المفتوح انفراد الفتح عن الضم والكسر في هذا النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ألا ترى إلى صحة الياء والواو جميعا بعد الفتحة وتعذر الياء الساكنة بعد الضمة والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة في4 يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو في تغزوين إلى الزاى لصار التقدير إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا، فتقول5 للمرأة: أنت تغزون؛ فيلتبس6 بجماعة المذكر. فهذا حكم المضموم مع المكسور. وليس كذلك المفتوح؛ ألا ترى الواو والياء صحيحتين بعد الفتحة، نحو هؤلاء يخشون ويسعون، وأنت ترضين وتخشين. فلما لم تغير الفتحة هنا في المختلفين اللذين تغييرهما واجب، لم تغير الفتحتان اللتان إنما هما في التغيير محمولتان على الضم مع الكسر. فإن قلت7: فقد يقع اللبس أيضًا بحيث

_ 1 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "نقلت"، وفي ش: "تقلب" وهو تصحيف. 2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 3 في ش: "المختلفين". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من". 5 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "فيقول". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيلتبسن". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".

رُمت الفرق؛ ألا تراك تقول للرجال: أنتم تغزون، "وللنساء: أنتنّ تغزون"1، وتقول للمرأة: أنت ترمين، ولجماعة النساء: أنتنّ ترمين. قيل: إنما احتُمل هذا النحو في هذه الأماكن ضرورة، ولولا ذلك لما احتمل. ووجه الضرورة أن أصل أنتم تغزون: تغزوون، فالحركتان -كما ترى- متفقتان؛ لأنهما ضمتان. وكذلك أنت ترمين، الأصل فيه ترميين، فالحركتان أيضًا متفقتان؛ لأنهما كسرتان. فإذا أنت أسكنت المضموم الأول ونقلت2 إليه ضمة الثاني، وأسكنت المكسور الأول ونقلت إليه كسرة الثاني، بقى اللفظ بحاله، كأن لم تنقله ولم تغيّر شيئًا منه، فوقع اللبس، فاحتمل، لما يصحب الكلام من أوله وآخره3؛ كأشياء كثيرة يقع اللبس في لفظها، فيعتمد في بيانها على ما يقارنها4؛ كالتحقير والتكسير وغير ذلك فلما وجدت إلى رفع اللبس بحيث وجدته5 طريقا سلكتها، ولما لم تجد إليه طريقا في موضع آخر احتملته، ودللت بما يقارنه6 عليه. فهذه أحوال الحركات المنقولة، وغير المنقولة فيما7 كان فيه الحرفان جميعا متحركين. فأما إن سكن الأول فإنك تنقل الحركات جُمع8 إليه. وذلك نحو أقام، ومُقيم، ومُقام، وأسار، ومُسِير، ومُسَار؛ ألا ترى أن أصل ذلك أقوَم، وأسيَر، ومُقوِم، ومُسيِر، ومُقوَم، ومُسيَر، وكذلك يقوم ويسير: أصلهما يَقوُم ويَسيِر، فنقل ذلك كله؛ لسكون الأول.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقلت". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إلى آخره". 4 في ش، ز: "يقاربها". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وجدت". 6 في ش، ز: "يقاربه". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مما". 8 كذا في ز، وفي د، هـ: "جميعا" وسقط في ش، ط.

والضرب1 الثاني مما2 هجمت فيه الحركة على الحركة من غير قياس. وهو كبيت3 الكتاب: وقال اضرب الساقين إمك هابل4 وأصله: امك هابل، إلا أن همزة "أمك" كسرت لانكسار ما قبلها، على حد قراءة من قرأ: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 5 فصار: إمك هابل، ثم أتبع الكسر الكسر، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب، فابتزتها موضعها6، فهذا شاذٌ لا يقاس عليه، ألا تراك لا تقول: قدرك واسعة، ولا7 عدلك ثقيل، ولا بنتك عاقلة. ونحو من ذلك في الشذوذ قراءة الكسائي "بما أنزليك"8. وقياسه في تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول: بما أنزل إليك؛ لكنه حذف الهمزة حذفا، وألقى حركتها9 على لام أنزل، وقد كانت مفتوحة فغلبت10 الكسرة الفتحة على الموضع، فصار تقديره: بما أنزلليك، فالتقت اللامان متحركتين، فأسكنت الأولى وادغمت في الثانية كقوله تعالى {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 11. ونحو منه ما حكاه لنا أبو علي عن أبي عبيدة أنه سمع: دعه في حر أمه. وذلك أنه نقل ضمة12 الهمزة -بعد أن حذفها- على الراء وهي مكسورة، فنفى13 الكسرة، وأعقب منها ضمة.

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 2 كذا في ش، ط، ز، والأنسب: "ما". 3 كذا في ش، وفي ط، وفي ز: "بيت". 4 انظر ص147 من الجزء الثاني من هذا الكتاب، وص272 ج2 من سيبويه. 5 آية 11 سورة النساء وهو يريد القراءة بكسر همزة أمه في الآية، وهي قراءة حمزة والكسائي، وانظر البحر 3/ 184. 6 سقط في ش. 7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 8 آية 4 سورة البقرة، ولم أر من نسب هذه القراءة إلى الكسائي، وفي البحر 1/ 41 أنها شاذة ولم ينسبها. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتها". 10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وقلب". 11 آية 38 سورة الكهف. 12 سقط في ش. 13 في ط: "فبقي".

ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى في خبر له مع ابن الأعرابي بحضرة سعيد بن سلم، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى أعرابي كان1 يألفهن: أفي السو تنتنه! قال أحمد بن يحيى فقال لي ابن الأعرابي: تعالى إلى هنا، اسمع ما تقول2. قلت: وما في هذا! أرادت: أفي السوأة أنتنه! فألقت فتحة "أنتن" على كسرة3 الهاء، فصارت بعد تخفيف همزة السوأة: أفي السو تنتنه. فهذا4 نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير مقيس؛ لأنه ليس على حد التخفيف القياسي، ألا ترى أن طريق قياسه أن يقول: في حرأمه، فيقر كسرة الراء عليها، ويجعل همزة أمه بين بين أي بين الهمزة والواو لأنها مضمومة، كقول الله سبحانه: يَسْتَهْزِئُون، فيمن خفف، أو في حريمه، فيبدلها ياء البتة "على يستهزيون وهو رأي أبي الحسن"5 وكذلك قياس تخفيف قولها: أفي السوأة أنتنه: أفي السوءة ينتنه، فيخلص همزة "أنتنه يه" البتة، لانتفاخها وانكسار ما قبلها كقولك في تخفيف مئر6: مير. وسنذكر شواذ الهمز في بابه بإذن الله.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في ز: "يقول". 3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "كسر". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فهو". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 جمع المئرة، وهي الذحل والعداوة.

باب في شواذ الهمز

باب في شواذ الهمز: وذلك في كلامهم على ضربين، وكلاهما غير مقيس. أحدهما أن تقر الهمزة الواجبة تغييرها، فلا تغيرها1. والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له، ولا قياس يعضده. الأول من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم: غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره: دريئة2 ودرائئ. وروينا عن قطرب: لفيئة3 ولفائئ. وأنشدوا: فإنك لا تدري متى الموت جائئٌ ... إليك ولا ما يحدث الله في غد4 وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحة ما يقوله النحويون دون الخليل: من أن هذه5 الكلم6 غير مقلوبة وأنه قد كانت التقت فيها7 الهمزتان، على ما ذهبوا إليه، لا ما رآه هو. ومن شاذ الهمز عندنا قراءة الكسائي "أئمة" بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان8 في كلمة واحدة إلا أن تكونا9 عينين، نحو سئال وسئار وجئار10 فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك، و {السُّفَهَاءُ أَلا} 11 و {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} 12، و {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ} 13 فهذا14 كله جائز عندنا على ضعفه، لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينيين لحن، إلا ما شذ مما حكيناه من خطائئ وبابه. وقد تقدم. وأنشدني بعض من ينتمي إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه: أشاؤهما

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغيرها". 2 هي الحلقة التي يتعلم الرامي الطعن والرمي عليها. 3 هي القطعة من اللحم. 4 انظر ص8 من الجزء الثاني. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 سقط في ط. 7 في ز: "فيهما" وفي ط: "فيه". 8 في ز: "يلتقيان". 9 في ز: "يكونا". 10 كذا في ز، وفي ط: "خأار" أي خئار، وسقط هذا في ش. 11 آية 12 سورة البقرة. 12 آية 65 سورة الحج. 13 آية 31 سورة البقرة، وفي ش، ز: "ائتوني" في مكان "انبئوني" وهو غير التلاوة وما أثبت في ط. 14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".

وأدأؤها فنبهته عليه فلم يكد يرجع عنه وهذا1 مما لو كان "همزه أصلا"2 لوجب تركه وإبداله، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له، ولا عذر في إبداله من حرف لين ولا غيره. الثاني من الهمز. وهو ما جاء من غير أصل له، ولا إبدال "دعا قياس إليه"3 وهو كثير. منه قولهم: مصائب. وهذا مما لا ينبغي همزه في وجه من4 القياس. وذلك أن مصيبة مفعلة. وأصلها مصوبة، فعينها كما ترى متحركة5 في الأصل، فإذا احتيج إلى حركتها في الجمع6 حملت الحركة. وقياسه7 مصاوب. وقد جاء ذلك أيضا؛ قال: يصاحب الشيطان من يصاحبه ... وهو أذيٌّ جمة مصاوبه8 ويقال فيها أيضًا: مصوبة ومصابة. ومثله قراءة أهل المدينة: "معائش" بالهمز. وجاء9 أيضا في شعر الطرماح مزائد جمع مزادة، وصوابها مزايد10. قال11: مزائد خرقاء اليدين مسيفةٍ

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فهذا"، وفي ش: "هذا". 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أصله همزا"، وانظر في "أشأؤها" و"أداوها" ص8 من الجزء الثاني. 3 كذا في ش، وفي ز: "دعا بقياس إليه"، وفي ط: "بقاس عليه". 4 سقط هذا الحرف في ط. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "محركة". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جمع". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقياسه". 8 الأذى: الذي يتأذى بالشيء، وفي اللسان "أذى" بعد إنشاد البيت: "وقد يكون الأذى المؤذي"، وقوله: "جمة" في اللسان: "حمة"، وكتب مصححه في الهامس: "قوله" جمة كذا في الأصل بالحاء المهملة مرموزا لها بعلامة الإهمال، وانظر ص330 من الجزء الأول. 9 كذا في ش، ط، وفي ز: "وقد جاء". 10 في ش: "مزاود". 11 أي الطرماح، وانظر ص329 من الجزء الأول.

وقالوا أيضا: منارة ومنائر، وإنما صوابها: مناور، لأن الألف عين وليست بزائدة. ومن الجيد قول الأخطل: وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها1 ومن شاذ الهمز ما أنشده ابن الأعرابي لابن كثوة: ولى نعام بني صفوان زوزأةً ... لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا2 وإنما هي زوزاة: فعللة من مضاعف الواو، بمنزلة االقوقاة والضوضاة. وأنشدوا بيت امرؤ القيس: كأني بفتخاء الجناحين لقوةٍ ... دفوفٍ من العقبان طاطات شئمالي3 يريد شماله، أي خفضها بعنان فرسه. وقالوا: تأبلت القدر بالهمز4. ومثله التأبل والخأتم والعألم5. ونحو منه ما حكوه من قول بعضهم: بأز بالهمز، وهي البئزان بالهمز أيضًا. وقرأ ابن كثير: {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} 6 وقيل في جمعه: سؤق مهموزا على فعل. وحكى أبو زيد: شئمة للخليقة بالهمز وأنشد الفراء7: يا دارمي بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيجت شوق المشتئق8 يريد المشتاق. وحكى أيضًا رجل مثل "بوزن9 معل" إذا كان كثير المال. وحكوا أيضا: الرئبال بالهمز. وأما شأمل، وشمأل، وجرائض، وحطائط بطائط10، والضهيأ11،

_ 1 من قصيدة له يمدح فيها بشر بن مروان، وانظر الديوان 123. 2 ورد في اللسان "زرى". ويقال: زرزى: نصب ظهره وقارب خطوه في سرعة. 3 انظر ص11 من الجزء الأول، ويريد المؤلف أن الشمال في البيت أصلها: الشيمال، ولغة في الشمال ضد اليمين. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 سقط في ش. 6 آية 44 سورة "النمل". 7 سقط في د، هـ، ز. 8 الدكاديك جمع الدكداك وهو الرمل المتلبد في الأرض لم يرتفع، والبرق جمع البرقة وهي غلظ في حجارة ورمل. وفي شواهد الشافعية للبغدادي 176: "قال ابن المستوفى: هذان البيتان أنشدهما القراء لرؤبة". 9 كذا في ط، وفي ز: "بوزن فعل" وسقط في ش. 10 سقط في د، هـ، ز، والحطائط: الصغير من الناس وغيرهم. والبطائط إتباع له، كما يقال: حسن بسن. 11 هي التي لا ثدي لها، أو هي التي لا تحيض.

فمشهور بزيادة الهمز فيه. وحكى لنا أبو علي في النيدلان1: النئدلان بالكسر، ومثاله2 فئعلان. وأنشدوا لجرير: لحب المؤقدان إلى مؤسى3 بالهمز في "الموقدان" و"موسى" وحكى أنه وجد بخط الأصمعي: قطا جؤنى. وحكى عنه أيضًا فيه4 جوني. ومن ذلك قولهم: لبأت بالحج، ورثأت زوجي بأبيات، وحلأت السويق، واستلأمت الحجر، وإنما هو استلمت: افتعلت، قال5: يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم فوزن استلأم على ما ترى: افتعأل، وهو مثال مبدع غريب. ونحو منه ما رويناه عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير جد عمارة: إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة6 يريد: ساءلتهم. فإما زاد الياء وغير الصورة7 فصار مثاله، فعايلتهم. وإما8 أراد: ساءلتهم كالأول؛ إلا أنه زاد الهمزة الأولى، فصار تقديره: سئاءلتهم بوزن: فعاءلتهم، فجفا عليه9 التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينهما إلا الألف10، فأبدل الثانية ياء، كما أنه لما كره أصل تكسير ذؤابة -وهو ذآئب- أبدل الأولى واوًا. ويجوز أن يكون

_ 1 هو الكابوس. 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثله". 3 انظر ص177 من الجزء الثاني. 4 كذا في ط، وفي ش: "منه" وسقط في د، هـ، ز. 5 أي الفرزدق من قصيدة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين، وينسب هذا البيت مع آخر لشاعر اسمه داود بن سلم في قثم بن العباس، وهناك قصيدة للحز بن تشتبه مع قصيدة الفرزدق، وانظر الأغاني في ترجمة الحزين 14/ 78 من طبعة بولاق. 6 انظر البحر 1/ 235. 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "للضرورة". 8 كذا في ش، وفي ز، ط: "إنما". 9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عنه". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ألف".

أراد: ساءلتهم ثم أبدل من الهمزة ياء1، فصار: سايلتهم، ثم جمع بين المعوض2 والمعوض منه3 فقال: سآيلتهم، فوزنه الآن على هذا: فعاعلتهم. ومثله مما جمع فيه بين العوض والمعوض منه في العين ما ذهب إليه4 أبو إسحاق وأبو بكر في قول الفرزدق: هما نفثا في فيَّ من فمويهما5 فوزن "فمويهما" على قياس6 مذهبهما: فععيهما. وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة في بأز وسأق وتأبل ونحو ذلك إنما هو عن تطرق وصنعة، وليس اعتباطًا هكذا من غير مسكة. وذلك أنه قد ثبت عندنا من عدة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرًا ما تجريها العرب مجراها فيه، فيصير7 لجواره إياها كأنه محرك8 بها. فإذا كان كذلك فكأن فتحة باء باز إنما هي في نفس الألف. فالألف لذلك وعلى هذا التنزيل كأنها9 محركة10 وإذا11 تحركت الألف انقلبت همزة. من ذلك قراءة أيوب السختياني: "غير المغضوب عليهم ولا الضألين". وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال:

_ 1 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 2 كذا في ش، وفي د، ز، ط: "العوض". 3 في د، هـ، ز، ط، بعده: "في العين". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 انظر ص171 من الجزء الأول. 6 سقط في ش. 7 في ط: "فتصير". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتحرك". 9 سقط في د، هـ، ز. 10 في ط: "متحركة. 11 كذا في ش، وفي ز، ط: "فإذا".

سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} 1 "فظننت أنه"2 قد لحن، إلى أن سمعت العرب تقول: شأبة، ودأبة. وقال كثير: إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت3 "يريد احمارت"4 وقال أيضًا: وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت5 وأنشد قوله: يا عجبًا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها زأمها أن تذهبا6 وقال دكين: وجله حتى ابيأض ملببه فإن قلت: فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا، لقولهم في جمع بأز: بئزان بالهمز7. وهذا يدل على كون8 الهمزة فيه9 عينًا أصلًا كرأل10 ورئلانٍ. قيل: هذا غير لازم. وذلك أنه لما وجد الواحد -وهو بأز- مهموزًا -نعم وهمزته غير مستحكمة السبب- جرى عنده وفي نفسه مجرى ما همزته أصلية، فصارت بئزان كرئلان. وإذا11 كانوا ما قويت علة قلبه مجرى الأصلي في قولهم: ميثاق ومياثق كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتي نحو هذا في باب له. وعليه أيضًا قوله: لحب المؤقدان إلي مؤسى12 ألا ترى أن ضمة الميم في "الموقدان" و"موسى" لما جاورت الواو الساكنة صارت كأنها فيها، والواو إذا انضمت ضما لازما همزت؛ نحو أجوه وأقتت، فاعرف ذلك، وعليه جاء قوله: ... فرأٌ متار13 يريد: متأرا، فلما جاورت الفتحة في الهمزة التاء صارت كأنها فيها، فجرى ذلك مجرى متأر، فخفف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتي ذلك في بابه بإذن الله.

_ 1 آية 39 سورة الرحمن. 2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فظننته". 3 انظر ص128 من هذا الجزء. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 5 انظر ص129 من هذا الجزء. 6 حمار قبان دويبة أصفر من الخنفساء، والشعر جاء على تكاذيب الأعراب وتعاجيبهم، فإنه يذكر أن هذه الدويبة تركب أرنبا، وهي تسوقها ممسكة بخطامها رؤمامها لئلا تذهب وتشرد منها، وقد سأل الشاعر حمار فيان أن يركبه خلفه فرحب بذلك، وانظر شواهد الشافية 167. 7 سقط في د، هـ، ز. 8 في ش: "أن كون". 9 سقط في د، هـ، ز. 10 هو ولد النعام. 11 في د، هـ، ز: "إن". 12 انظر ص177 من الجزء الثاني، ص148 من هذا الجزء. 13 انظر ص178 من الجزء الثاني.

باب في حذف الهمز وإبداله

باب في حذف الهمز 1 وإبداله: قد جاء هذا الموضع في النثر والنظم جميعًا. وكلاهما غير مقيس عليه، إلا عند2 الضرورة. فإن قلت: فهلا قست على3 ما جاء منه في النثر4؛ لأنه ليس موضع اضطرار؟ قيل: تلك مواضع كثر استعمالها5، فعرفت أحوالها، فجاز الحذف فيها -وسنذكرها- كما حذفت لم يك، "ولم يبل"6، ولا أدر في النثر، لكثرة الاستعمال، ولم يقس عليها غيرها.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مع". 3 سقط في ز. 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التنزيل". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استعماله". 6 كذا في ش، وفي د، هـ: "لا يبل"، وفي ط: "لا تبل".

فمما جاء من ذلك في النثر قولهم: ويلمه. وإنما أصله ويل لأمه. يدل على ذلك ما أنشده الأصمعي: لأم الأرض ويل! ما أجنت ... غداة أضر بالحسن السبيل1 فحذف لام "ويل" وتنوينه لما ذكرنا، وحذفت همزة أم، فبقي: ويلمه. فاللام الآن لام الجر؛ ألا تراها مكسورة. وقد يجوز أن تكون اللام المحذوفة هي لام الجر؛ كما حذف حرف الجر من قوله: الله أفعل، وقول رؤبة: خيرٍ عافاك الله، وقول2 الآخر3: رسم دارٍ وقفت في طلله "وهو من المقلوب، أي طلل دار وقفت في رسمه"4 وعليه قراءة الكسائي: "بما أنزليك"5 -وقد ذكرناه- وقراءة ابن كثير: "إنها لحدى الكبر"6 وحكاية7 أحمد ابن يحيى قول المرأة لبناتها وقد خلا الأعرابي بهن: أفي السوتنتنه "تريد: أفي السوءة أنتنه"8 ومنه قولهم: الله9 في هذه الكلمة في أحد قولي سيبويه وهو أعلاهما. وذلك أن يكون أصله إلاه، فحذفت الهمزة التي هي فاء. وكذلك الناس؛ لأن أصله أناس قال10: وإنا أناس لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول

_ 1 من شعر لعبد الله بن عتمة الضبي يرثي فيه بسطام بن قيس الشيباني. وبعده: يقسم ما له فينا فندعو ... أبا الصهبا إذا جنح الأصبل والحسن: جبل أورمل في بلاد تميم، ويقال: أضر الطريق بالمكان أي دنا منه، يقول هذا على جهة التعجب، فيقول: أجنت الأرض في هذا المكان كرما وخيرا، وأبو الصهباء، هو بسطام بن قيس. وانظر اللسان "ضرر"، ومعجم ياقوت. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال". 3 أي جميل، وانظر ص286 من الجزء الأول. 4 سقط ما بين القوسين في ش، ط. 5 آية 4 سورة البقرة. 6 آية 35 سورة المدثر. 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حكى". 8 سقط ما بين القوسين في ش. 9 لم يذكر لفظ الجلالة في د، هـ، ز. 10 أي السموءل بن عادياء، من قصيدته المشهورة، وانظر شرح التبريزي للحماسة 1/ 111.

ولا تكاد الهمزة تستعمل مع لام التعريف؛ غير أن أبا عثمان أنشد: إن المنايا يطلعـ ... ـن على الأناس الآمنينا1 ومنه قولهم: لن، في قول الخليل. وذلك أن أصلها عنده "لا أن" فحذفت الهمزة عنده2؛ تخفيفا لكثرته في الكلام، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها. فما جاء من نحوه فهذه سبيله. وقد اطرد الحذف في كل وخذ ومر. وحكى أبو زيد: لاب لك "يريد: لا أب لك"3 وأنشد أبو الحسن: تضب لثات الخيل في حجراتها ... وتسمع من تحت العجاج لها ازملا4 وأنشدنا أبو علي: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وحكي لنا عن أبي عبيدة: دعه في حرامه، وروينا عن أحمد بن يحيى: هوي جند ابليسٍ المريد5 "وهو كثير"6 ومنه قوله: أرأيت إن جئت به أملودا7 وقوله: حتى يقول من رآه قد راه8 وهو كثير.

_ 1 البيت من مقطوعة لذي جدن الحميري، وانظر الخزانة في الشاهد السابع والعشرين بعد المائة. 2 سقط في ش. 3 سقط ما بين القوسين في ز. 4 كأنه يصف ساحة حرب وتضب لئات الخيل أي تسيل بالدم، وحجراتها: نواحيها. والعجاج: الغبار، والأزمل: الصوت. 5 المؤيد: مبالغة المارد وهو العاتي. 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. 7 في شرح الكامل للمرصفي 1/ 97 عن السكري أنه في رجز لرجل من هذيل، وانظره هناك. 8 في اللسان "دلم" أن ابن جني عزاه إلى شاعر اسمه دلم، بفتح الدال واللام وانظر ص268 من الجزء الأول.

فأما الإبدال على غير قياس فقولهم1: قريت، وأخطيت، وتوضيت. وأنشدني بعض أصحابنا لابن هرمة: ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا إن السباع لتهدا عن فرائسها ... والناس ليس بهادٍ شرهم أبدا ومن أبيات الكتاب لعبد الرحمن بن حسان: وكنت أذل من وتد بقاع ... يشجج رأسه بالفهرواجي2 يريد: واجئ؛ كما أراد الأول: ليس بهادئ. ومن أبياته أيضًا: راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع3 ومن حكاياته بيس في بئس4، أبدل الهمزة ياء. ونحوه قول ابن ميادة: فكان لها يومذٍ أمرها

_ 1 سقط في د، هـ، ز، ط. 2 من قطعة يهجو فيما عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان، وقبله: وأما قولك الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداج ولولاهم لكنت كحوت بحر ... هوى من مظلم الغمرات داج كان عبد الرحمن افتخر على الشاعر بأن الخلفاء منهم إذ كان من قريش وابن حسان من الأنصار، فقال له الشاعر، لولا الخلفاء وانتسابك إليهم لكنت مغمورا كحوت في بحر مظلم، وكنت أذل من الوتد بقاح -أي مستوى من الأرض- يدق رأسه بالحجر والعرب تضرب المثل في الذلة بالوتد، وقوله: "واج" أصله واجيء وصف من رجأ عنقه أي دقها، والفهر: الحجر ملء الكف، وانظر شرح شواهد الشافية 341، والكتاب 2/ 170. 3 البيت للفرزدق، من قطعة قالها حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة الفزاري، ويقول الأعلم: "فهجاه الفرزدق ودعا لقومه ألا يهنئوا النعمة بولايته، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عند عزله" وانظر الكتاب 2/ 170. 4 في د، هـ، ز: "معنى بئس".

وقرأ عاصم في رواية حفص: "أن تبويا"1 في الوقف، أي2 تبوءا. وقال: تقاذفه الرواد حتى رموا به ... ورا طرق الشأم البلاد الأقاصيا أراد: وراء طرق الشام فقصر الكلمة. فكان ينبغي إذ ذاك أن يقول: ورأ، بوزن قرأ؛ لأن الهمزة أصلية عندنا، إلا أنه أبدلها ضرورة "فقلبها ياء؛ وكذلك ما كان من3 هذا النحو فإنه إذا أبدل"4 صار5 إلى أحكام ذوات الياء؛ ألا ترى أن قريت مبدلة من قرأت، بوزن قريت من قريت الضيف ونحو ذلك. ومن البدل البتة النبي في مذهب سيبويه. وقد ذكرناه. وكذلك البرية عند غيره. ومنه الخابية، لم تسمع مهموزة. فإما أن يكون تخفيفا اجتمع عليه؛ كيرى وأخواته، وإما أن يكون بدلًا؛ قال6: أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالمٌ بالترهات والنبوة عندنا مخففة لا مبدلة. وكذلك الحكم على ما جاء من هذا: أن يحكم عليه بالتخفيف إلى أن يقوم الدليل فيه7 على الإبدال. فاعرف ذلك مذهبا للعرب نهجا بإذن الله. وحدثنا أبو علي قال: لقي أبو زيد سيبويه فقال له: سمعت العرب تقول: قريت وتوضيت. فقال له8 سيبويه: كيف9 تقول في أفعل منه؟ قال: أقرأ. وزاد أبو العباس هنا: فقال له سيبويه: فقد تركت مذهبك، أي لو كان البدل قويًا للزم ووجب10 أن تقول: أقري؛ كرميت أرمي. وهذا بيان.

_ 1 آية 87 سورة يونس، والقراءة التي نسبها إلى حفص هي رواية هبيرة عنه؛ كما في البحر 5/ 186، وقد أنكر هذه الرواية بعض القراء، كما في شرح أبي شامة للشاطبية 345. 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أن". 3 في ط: "في". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 في ش: "فصار". 6 أي سراقة البارقي. كان وقع في أسر المختار الثقفي، فزعم له أنه رأى ملائكة على خيل بلق تحارب في جيش المختار فأطلق سراحه، وقبله: ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت الخيل دهما مصمتات وأبو إسحاق هو المخترا، وانظر تاريخ الطبري 7/ 123 في حوادث سنة 66هـ. 7 سقط في د، هـ، ز. 8 سقط في ش. 9 في ز، ط: "فكيف". 10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.

باب في حرف اللين المجهول

باب في حرف اللين المجهول: وذلك مدة الإنكار؛ نحو قولك في جواب من قال: رأيت بكرا: أبكرنيه، وفي جاءني محمد: أمحمدنيه، وفي مررت على قاسم: أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدة الإنكار، وهي لا محالة ساكنة، فوافقت التنوين ساكنًا، فكسر "لالتقاء الساكنين"1 فوجب أن تكون المدة ياء لتتبع الكسرة. وأي المدات الثلاث كانت فإنها لا بد أن توجد في اللفظ بعد كسرة التنوين2 ياء؛ لأنها إن كانت في الأصل ياء فقد كفينا النظر في أمرها. وإن كانت ألفًا أو واوًا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتة. فإن قيل: أفتنص في هذه المدة على حرف3 معين: الألف أو الياء أو الواو؟. قيل: لم تظهر4 في شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها، وإنما تأتي تابعة لما قبلها، ألا تراك تقول في قام عمر: أعمروه وفي رأيت أحمد: أأحمداه وفي مررت بالرجل آلرجليه، وليست كذلك مدة الندبة؛ لأن تلك ألف لا محالة، وليست مدة مجهولة مدبرة بما قبلها، ألا تراها تفتح ما قبلها أبدًا، ما لم تحدث هناك لبسًا، ونحو ذلك نحو وا زيداه، ولم يقولوا: وا زيدوه وإن

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لالتقائهما". 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "النون". 3 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "أنها حرف". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يظهر".

كانت الدال مضمومة في وا زيد. وكذلك وا عبد الملكاه، ووا غلام زيداه، لما حذفت لها التنوين "من زيد"1 صادفت الدال مكسورة ففتحتها. غير أننا نقول: إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفًا من موضعين. أحدهما أن الإنكار مضاهٍ للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب فمطل الصوت به2 وجعل ذلك أمارة لتناكره؛ كما جاءت مدة الندبة إظهارًا، للتفجع وإيذانًا بتناكر3 الخطب الفاجع، والحدث الواقع. فكما أن مدة الندبة ألف، فكذلك ينبغي أن تكون مدة الإنكار ألفا. والآخر أن الغرض في الموضعين جميعًا إنما هو مطل الصوت، ومده وتراخيه، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإن كان الأمر كذلك فالألف أحق به دون أختيها؛ لأنها أمدهن صوتًا، وأنداهن4، وأشدهن إبعادا "وأنآهن"5. فأما مجيئها تارة واوا، وأخرى ياء فثانٍ لحالها، وعن ضرورة دعت "إلى ذلك"6؛ لوقوع الضمة والكسرة قبلها. ولولا ذلك لما كانت إلا ألفًا أبدا. فإن قلت: فهلا تبعها ما قبلها7 في الإنكار؛ كما تبعها في الندبة، فقلت في جاءني عمر: أعمراه؛ كما تقول الندبة: واعمراه؟. قيل: فرق ما بينهما8 أن الإنكار جارٍ مجرى الحكاية، ومعنى الجامع بينهما أنك مع إنكارك للأمر مستثبت، ولذلك قدمت في أول كلامك همزة الاستفهام.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "له" وسقط في ط. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتناكره". 4 في ط: "أبداهن". 5 سقط في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لذلك". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كانت قبلها". 8 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.

فكما تقول في جواب رأيت زيدا: من زيدا؟ كذلك قلت أيضًا في جواب جاءني عمر: أعمروه. وأيضًا فإن مدة الإنكار لا تتصل بما قبلها اتصال مدة الندبة بما قبلها؛ ألا ترى التنوين فاصلا بينهما في نحو أزيدنيه، ولا يفصل به بين المندوب ومدة الندبة في نحو وا غلام زيداه، بل تحذفه1 لمكان مدة الندبة، وتعاقب2 بينهما، لقوة اتصالها به؛ كقوة اتصال التنوين به، فكرهوا أن يظاهروا بينهما في آخر الاسم؛ لتثاقله عن احتمال زيادتين في آخره3. فلما حذف التنوين لمدة الندبة قوى اتصالها بالمندوب، فخالطته فأثرت فيه الفتح. ولما تأخرت4 عنه مدة الإنكار ولم تماسه مماسة مدة الندبة له لم تغيره5 تغييرها إياه. ويزيدك في علمك ببعد مدة الإنكار عن الاسم الذي تبعته وقوع "إن" بعد التنوين فاصلة بينهما؛ نحو أزيدا إنيه! وأزيدٌ إنيه! وهذا ظاهر للإبعاد لها عنه. وأغرب من هذا أنك قد تباشر بعلامة الإنكار غير اللفظ الأول. وذلك في قول6 بعضهم وقد قيل له: أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أنا إنيه! فهذا أمر7 آخر أطم من الأول؛ ألا تراك إذا ندبت زيدا ونحوه فإنما تأتي بنفس اللفظ الذي هو عبارة عنه، لا بلفظ آخر ليس بعبارة عنه. وهذا تناهٍ في ترك مباشرة مدة الإنكار للفظ الاسم المتناكرة حاله؛ وما أبعد هذا عن حديث الندبة!

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يحدفه". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعاقب". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 4 كذا في ش وفي د، هـ، ز، ط: "تراخت". 5 في ش: "يغيره". 6 انظر الكتاب 1/ 406. 7 سقط في ش.

فإن قلت: فقد تقول في ندبة زيد "وا أبا محمداه"1 فتأتي بلفظ آخر، وكذلك إذا ندبت جعفرا قلت: وا من كان كريماه2! فتأتي بلفظ غير لفظ زيد وجعفر. قيل: أجل، إلا أن "أبا محمد" و"من كان كريما" كلاهما عبارة عينيهما3، وقوله4: أنا إنيه ليس باللفظ الأول، ولا بعبارة عن معناه. وهذا كما تراه واضح جلي. ومثل مدة الإنكار هذه البتة في جهلها5، مدة التذكر في قولك إذا تذكرت الخليل ونحوه: الي وعني ومنا6 ومنذو، أي الخليل وعن الرجل ومن الغلام ومنذ الليلة.

_ 1 في ز، ط: "وابا محمداه" وفي ش: "وأبي محمد". 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كريما". 3 كذا في ش، وكتب فوقها: "صح"، وفي ز، ط: "عنهما". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولك". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حملها". 6 كذا في ط، ز، وفي ش: "منى".

باب في بقاء الحكم مع زوال العلة

باب في بقاء الحكم مع زوال العلة: هذا موضع ربما أوهم فساد العلة. وهو مع التأمل بضد ذلك؛ نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد: حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق1 ألا ترى أن فاء ميثاق -التي هي واو وثقت- انقلبت للكسرة قبلها ياء؛ كما انقلبت في ميزان وميعاد؛ فكان يجب على هذا لما2 زالت الكسرة في التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة: المواثيق3؛ كما تقول: الموازين4، والمواعيد. فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن5 انقلاب هذه الواو ياء ليس6 للكسرة قبلها، بل هو لأمر آخر غيرها؛ إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك "ما أنشده"7 خلف الأحمر من8 قول الشاعر9: عداني أن أزورك أم عمرو ... دياوين تشقق بالمداد فللقائل أيضًا أن يقول: لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها. وكذلك للمعترض في هذا أن يقول: لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة في لغة من قال: بأز؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها، فانقلبت همزة؛ كما انقلبت لما حركت9 في نحو شأبة ودأبة، لكان ينبغي أن تزول الهمزة

_ 1 نسبه أبو زيد في النوادر 64 إلى عياض بن أم درة الطائي، وروى الأخفش عن أبي سعيد أنه عياض بن درة، وقبله: وكنا إذا الدين الغلبي يرى لنا ... إذا ما حللناه مصاب البوارق والدين: الطاعة، والغلبي: الغابة، أي إذا كانت الطاعة سببها الغلبة والقوة للمطاع، وقوله: "برى" أي عرض، وفاعله "حمى" ومصاب البوارق: مكان نزول المطر، وفي تهذيب إصلاح المنطق 1/ 218: "يرى" و"حمى" نائب الفاعل، وفسره فقال: "يقول: كنا في الزمن الذي لا يطيع الناس بعضهم بعضا يرى حمى لا يحل إلا بإذننا"، وانظر شواهد الشافية 96. 2 في ش: "كما". 3 في ط: "المواثق". 4 في ط: "في الموازين". 5 سقط هذا الحرف في ز. 6 سقط في د، هـ، ز. 7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "إنشاد". 8 سقط في ش، ط. 9 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الآخر"، وفي ش: "الراجز"، وكتب في هامشه: "صوابه: الشاعر لا الراجز؛ لأن البيت من الوافر لا من الراجز"، وجاء البيت في اللسان "دون". وفيه: "تنفق" بدل "تشقق" يريد الشاعر أنه مثبت في ديوان الجند، وهو لذلك لا يمكنه زيارة هذه المرأة، فإنه إذا غاب عن الجند كتب غيابه في الديوان أي كتاب الجند، وحرم العطاء. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحركت".

عند زوال الألف في قولهم: بئزان، فقد1 حكيت2 أيضًا بالهمز3؛ إذ كانت الياء "إذا تحركت"4 لم تقلب5 همزة في6 نحو قول جرير: فيومًا يجازين الهوى غير ماضيٍ ... ويومًا ترى منهن غولًا تغول7 وكذلك لو كانت الواو إنما انقلبت في صبية وقنية وصبيان ولياح للكسرة قبلها، لوجب إذا زالت الكسرة أن تعود الواو، فتقول: صبوة وصبوان، وقنوة ولواح لزوال الكسرة. والجواب عن هذا وغيره مما هذه حاله أن العلة في قلب هذه الأشياء هو ما ذكره القوم: من وقوع الكسرة قبلها لأشياء. منها أن أكثر اللغة8 وشائع الاستعمال هو إعادة الواو عند زوال الكسرة. وذلك قولهم: موازين ومواعيد وقولهم في ريح: أرواح، وفي قيل: أقوال، وفي ميثاق: مواثيق، وفي ديوان: دواوين. فأما مياثق ودياوين فإنه لما كثر عندهم واطرد في الواحد القلب، وكانوا كثيرًا ما يحملون الجمع على حكم الواحد؛ وإن لم يستوف لجمع جميع أحكام الواحد نحو ديمة وديم، وقيمة وقيم، صار الأثر في الواحد كأنه ليس عندهم مسببًا عن أمر، ومعرضًا لانتقاله بانتقاله بل تجاوزوا به ذلك، وطغوا به9 إلى ما وراءه، حتى صار الحرف المقلوب إليه لتمكنه في القلب كأنه أصل

_ 1 كذا في ز، وفي ش، ط: "وقد". 2 كذا في ز، ط وفي ش: "حكمت". 3 في ز: "بالهمزة". 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "لما". 5 في ش قبله: "بالهمزة". 6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 7 من غزل قصيدة له في هجو الأخطل، وانظر الديوان، والكتاب 2/ 59، وفيه: "يوافيني" بدل "يجازين". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"اللغات". 9 سقط هذا الحرف في ش.

في موضعه، وغير مسبب عندهم عن علة، فمعرضٍ1 لانتقاله بانتقالها2، حتى أجروا ياء ميثاق مجرى الياء الأصلية3؛ وذلك كبنائك من اليسر مفعالا، وتكسيرك إياه على مفاعيل، كميسار ومياسير، فمكنوا قدم الياء في ميثاق4؛ أنسابها، واسترواحًا إليها، ودلالة على تقبل الموضع5 لها. وكذلك -عندي- قياس تحقيره على هذه اللغة أن تقول: مييثيق. ومنها أن الغرض في هذا القلب إنما هو طلب للخفة؛ فمتى وجدوا طريقًا أو شبهة في الإقامة عليها، والتعلل بخفتها سلكوها، واهتبلوها. وليس غرضهم وإن كان قلبها6 مسببًا عن الكسرة أن يتناهوا في إعلامنا ذلك بأن يعيدوها واوًا مع زوالها. وإنما غالب الأمر ومجموع الغرض القلب لها7؛ لما يعقب من الاسترواح إلى انقلابها. فكأنهم قنعوا أنفسهم بتصور القلب في الواحد لما انتقلوا عنه إلى الجمع ملاحظة لأحواله، ومحافظة على أحكامه، واسترواحًا إلى خفة المقلوب إليه، ودلالة على تمكن القلب في الواحد حتى ألحقوه بما أصله الياء. وعندي مثل يوضح "الحال في"8 إقرار الحكم مع زوال العلة، على قلة ذلك في الكلام9، وكثرة ضده في الاستعمال، وهو العود تقطعه10 من شجرته11 غضًا12 رطيبًا13،

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ومعرض" وهو معطوف على: "مسبب". 2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بانتقاله". 3 سقط في ش. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الميثاق". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قلبا". 7 سقط في ش. 8 كذا في ط، وفي ش، ز: "حال". 9 في ط: "القلب في الواحد". 10 في ز: "يقطعه". 11 في ط: "شجرة". 12 في ط: "غصنا". 13 كذا في ش، وفي ط "رطبا" وسقط في د، هـ، ز.

فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقر على ذلك اليبس وتمكن فيه "حتى ينخر"1 لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده2 إلى قعر البحر فيقيم فيه مائة عام؛ لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى أيأس من معاودته البتة إليها3. فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلة، وهو الأقل في كلامهم. وعلى طرف من الملامحة له قول الله عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} 4. ومنها أنهم قد5 قلبوا الواو ياء قلبًا صريحًا لا عن علة مؤثرة أكثر من الاستخفاف، نحو قولهم: رجل غديان6، وعشيان6، والأريحية7، ورياح، ولا كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد7 كانت في واحده، لأنه ليس جمعًا فيحتذى به8 ويقتاس9 به10 على حكم واحده. وكذلك قول الآخر: جول التراب فهو جيلاني11 فإذا12 جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العاري من السبب المؤثر13 سوى ما فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخف وبقاؤه على ذلك لضرب من التأول أولى وأجدر.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش كلمة غير واضحة تحتمل "بجد" أو "ببحر". 2 كذا في ط، وفي ز، ش: "يعيده". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط:"إليه". 4 آية 91 سورة يونس، والإشارة التي بعينها المؤلف في الآية أن فرعون حقت عليه اللعنة لعنوة وبقيت عليه اللعنة عند توبته في آخر أمره، فهذا يشبه بقاء الحكم مع زوال العلة. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 غديان أي تغدى، وعشيان أي تعشى. 7 في ش: "وقد". 8 سقط في ش، ط. 9 كذا في ش، وفي ز، ط: "يقاس". 10 سقط في ط. 11 في ط بعد هذا الشطر: "جولاني"، وكأنه يريد أنه روى بالوجهين: الياء والواو، وجول التراب: انتشاره ويقال: يوم جولاني وحيلاتي: كثير التراب والريح. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا". 13 سقط في ش، وثبت في د: هـ، ز، ط.

نعم، وإذا كانوا قد أقروا حكم الواحد على تكسيره مع ثقل ما صاروا إليه مراعاة لأحكامه؛ نحو بأز وبئزان حتى شبهوه برأل ورئلان، كان إقرار قلب الأثقل إلى الأخف عند التكسير أولى وأجدر1؛ ألا ترى أن الهمزة أثقل من الياء. وكذلك قولهم لياح -وإنما هو فعال من لاح يلوح لبياضه- قد راعوا فيه انقلاب عينه مع الكسرة في "لياح" على ضعف هذا الأثر؛ لأنه ليس بجمع "كحياض ورياض"2 ولا مصدر كقيام وصيام. فإقرار الحكم القوي الوجوب3 في الواحد عند تكسيره أجدر بالجواز. وكذلك حديث قنية وصبيان وصبية في إقرار الياء بحالها، مع زوال الكسرة في صبيان وقنية. وذلك أن القلب مع الكسرة لم يكن له قوة في القياس، وإنما كان مجنوحًا به إلى الاستخفاف. وذلك أن الكسرة لم تل الواو؛ ألا ترى أن بينهما حاجزًا وإن كان ساكنًا فإن مثله في أكثر اللغة يحجز. وذلك نحو جرو وعلوٍ، وصنو، وقنو، ومجولٍ، ومقولٍ4، و"قرواح، وجلواخ، وقرواش، ودرواس"5 وهذا كثير فاشٍ. فلما أعلوا في صبية وبابه، علم أن أقوى سببي القلب إنما هو طلب الاستخفاف، لا متابعة الكسر مضطرًا إلى الإعلال. فلما كان الأمر كذلك أمضوا العزمة في ملازمة الياء؛ لأنه لم يزل من الكسرة مؤثر يحكم القياس

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أجرى". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مثل رياض وحباض". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الوجوه". 4 كذا في ش، وكتب تحت قاف "مقول" حرف عين صغيرة، وكتب فوق الكلمة "معا" دلالته على أنها تقرأ بالقاف وبالعين، وفي ز، ط: "معول". 5 سقط ما بين القوسين في ش، والقرواح من معانيه الناقة الطويلة القوائم؛ والجلواخ: الوادي الواسع الممتلئ، والقرواش: الطفيلي والعظيم الرأس، والدرواس من معانيه الأسد.

له بقوة فيدعو زواله إلى المصير إلى ضد1 الحكم الذي كان وجب به. وليس هذا كمياثق2؛ من قبل أن القلب في ميثاق واجب، والقلب في قنية وصبية ليس بواجب. فكأن باب ميثاق أثر في النفس أثرًا قوي الحكم فقرره3 هناك، فلما زال بقي حكمه دالًّا على قوة الحكم الذي4 كان به، وباب صبية وعلية أقر حكمه5 مع زوال الكسرة عنه6، اعتذارًا في ذلك بأن الأول لم يكن عن وجوب فيزال عنه لزوال ما دعا إليه، وإنما كان استحسانًا، فليكن مع زوال الكسر أيضًا استحسانًا. أفلا ترى إلى اختلاف حال الأصلين في الضعف والقوة، كيف صرت له7 بهما إلى فرع واحد، وهو القلب. فإنه جيد في معناه، ونافع في سواه، مما شرواه8. "ومن بعد"9 فقد قالوا أيضًا: صبوان وصبوة وقنوة؛ وعلى أن البغداديين قالوا: قنوت، وقنيت، وإنما كلامنا على ما أثبته أصحابنا، وهو قنوت لا غير. ومن بقاء الحكم مع زوال علته قول الراجز10: لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقفٍ فالطجع وهو افتعل من الضجعة. وأصله: "فاضتجع فأبدلت التاء طاء لوقوع الضاد قبلها11، فصارت"12: فاضطجع، ثم أبدل الضاد لامًا. وكان سبيله "إذ أزال"13 جرس الضاد أن تصح14 التاء، فيقال: فالتجع؛ كما يقال: التحم15، والتجأ، لكنه أقرت16 الطاء بحالها؛ إيذانًا بأن هذا القلب الذي دخل الضاد إلى اللام لم يكن عن استحكام، ولا عن وجوب؛ كما أن صحة الواو في17 قوله18: وكحل العينين بالعواور إنما جاء لإرادة الياء في العواوير19، وليعلم أن هذا الحرف ليس بقياس ولا منقاد. فهذه طريق بقاء الأحكام، مع زوال العلل والأسباب. فاعرف ذلك؛ فإنه كثير جدًّا.

_ 1 في ز: "صدر". 2 في ز، ط: "كميثاق". 3 في ط: "وقرره". 4 سقط في ش، ط. 5 في ط: "هلى حكمه". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 سقط في د، هـ، ز، ط. 8 شروى الشيء مثله. 9 في ط: "وبعده". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وفي ط "جرير" وهو سهو في النسخ، وانظر في الرجز ص264 من الجزء الأول، وتهذيب الألفاظ 302. 11 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فاء". 12 سقط ما بين القوسين في ش. 13 في ط: "إذ زال". 14 كذا في ش، وفي ز، ط: "يصح". 15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النجم". 16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أقر". 17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 18 أي جندل بن المثنى الطهوي، وقبله: غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر حتى عظامي وأراه ثاغري وتقارب أباعره كتابة عن فلتها، وقوله: "وكحل" ففاعله الدهر كما رأيت، والعواور جمع العوار -كرمان- وهو وجع العين، وقد جعل إصابة العين بالوجع كحلا على سبيل التشبيه، وانظر الكتاب 2/ 374، وشواهد الشافية 274. 19 كذا في ش، ط، وفي ز: "العواور".

باب في توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين

باب في توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين: وذلك في الكلام على ضربين: أحدهما -وهو الأكثر- أن يتفق اللفظ البتة، ويختلف في تأويله. وعليه عامة الخلاف؛ نحو قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده؛ فاللفظ غير مختلف فيه، لكن يختلف في تفسيره. فقال قوم1: إن الإنسان يذهل عن ولده لشدته، فيكون هذا كقول الله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} 2 وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} 3 "والآي في هذا المعنى كثيرة"4.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بعضهم". 2 آية 2 سورة الحج. 3 آيتا 34، 35 سورة عبس. 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "ونحوه من الآي في هذا المعنى".

وقال قوم: أي هو أمر عظيم فإنما ينادى فيه الرجال والجلة لا الإماء والصبية. وقال آخرون: الصبيان1 إذا ورد الحي كاهن أو حواء أو رقاء حشدوا عليه، واجتمعوا له2. أي ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو، إنما هو يوم تجرد، وجد. وقال آخرون -وهم أصحاب المعاني: أي لا وليد فيه فينادي "وإنما فيه الكفاة والنهضة"3 ومثله قوله4: على لا حل لا يهتدي بمناره أي لا منار فيه فيهتدى به5، وقوله أيضًا: لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الذئب بها ينجحر6 أي لا أرنب بها فتفزعها7 أهوالها. ونحوه -عندي- بيت الكتاب: وقدرٍ ككف القرد لا مستعيرها ... يعار ولا من يأتها يتدسم8

_ 1 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إليه"، وفي ط: "لديه". 3 سقط ما بين القوسين في ش، وفي ز، هـ: "نهضة" في مكان "النهضة"، والنهضة -بالتحريك- جمع النهاض. 4 أي امرئ القيس، وعجزه: إذا ساقه العود الديافي جرجرا واللاحب: الطريق الواسع، وسافه: شمه، والعود: البعير المسن، والديافي نسبة إلى دياف، وهي قرية بالشام تنسب إليها النجائب، والجرجرة تردد صوت الفحل وهديره، يقول: إن الجمل إذا شم تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه، وانظر اللسان "سوف". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "له". 6 في ز: "يفزع" و"الضب" في مكان "الذئب"، وفي ط: "يفتقر" في مكان "ينجحر" وقد نسب هذا البيت ابن الأنباري في شرح المفضليات 59 إلى عمرو بن أحمر. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيفزعها". 8 البيت لابن مقبل، قال الأعلم: "هجا قوما فجعل قدرهم في الصغر ككف القرد، وجعلها لا تعار ولا ينال من دسمها للؤمهم" وانظر الكتاب 1/ 441.

أي لا مستعير يستعيرها فيعارها؛ لأنها -لصغرها ولؤمها- مأبية معيفة1. وكذلك قوله2: زعموا أن كل من ضرب العيـ ... ـر مولٍ لنا وأنا الولاء على ما فيه من الخلاف3. وعلى ذلك عامة ما جاء في القرآن، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده رضوان الله عليهم، وما وردت به الأشعار، وفصيح الكلام. وهذا باب في نهاية الانتشار، وليس عليه عقد هذا الباب. وإنما الغرض الباب الآخر الأضيق الذي ترى لفظه على صورة، ويحتمل أن يكون على غيرها، كقوله4: نطعنهم سلكى ومخلوجةً ... كرك لامين على نابل فهذا ينشد على أنه ما تراه5: كرك لامين "أي ردك لامين"6 -وهما سهمان- على نابل. ذلك أن تعترض7 من8 صاحب النبل شيئًا منها فتتأمله9 ترده10 إليه، فيقع

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "معنقة". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قول الحارث"، وهو الحارث بن حلزة في قصيدة التي أولها: آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء 3 أورد صاحب التاج "عبر" فيه عشرة أقوال، ومنها أن المراد بالعير كليب، والعير السيد لأنه كان سيدا ملكا، وقيل: المراد به المنذر بن ماء السماء، وكان قد قتل، ومنها: أن العير السيد مطلقا، وقوله: "موال لنا" أي تتحمل جنايته كما يتحمل المولى أي الحليف أو ابن العم جناية مولاه. 4 هذا على ما في ز، وإن كان فيها "لقوله" وهو تحريف، وفي ش، ط: "كقولهم"، وانظر في البيت ص104 من هذا الجزء. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يراه". 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 7 في د، هـ، ز: "يعترض". 8 سقط في ز. 9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فيتأمله" وسقط في ش. 10 في د، هـ، ز: "برده".

بعضه كذا وبعضه كذا. فكذلك قوله1: كرك لامين أي طعنًا مختلفًا: بعضه كذا وبعضه كذا. ويروى أيضًا على أنه: كر كلامين أي كرك كلامين على صاحب النبل؛ كما تقول2 له: ارم ارم، تريد السرعة والعجلة. ونحو من ذلك -وإن كان فيه أيسر خلافٍ- بيت المثقب العبدي: أفاطم قبل بينك نوليني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني3 فهذه رواية الأصمعي: أي منعك كبينك، وإن كنت مقيمة. ومثله: "قول الطائي"4 الكبير: لا أظلم النأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النوى عند نوًى قدفا5 ورواه6 ابن الأعرابي: ومنعك ما سألتك أن تبيني أي منعك7 إياي ما سألتك هو بينك. ورواية الأصمعي أعلى وأذهب في معاني الشعر. ومن ذلك ما أنشده أبو زيد: وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجي العساكر فقلت لعمرو صاحبي إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر أي عوى هذا الذئب، فسر أنت.

_ 1 سقط في هـ، ز، ط. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقول". 3 هو مطلع قصيدة في المفضليات. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "للطائي". 5 نوى قذفا أي فراقا بعيدا، والبيت من قصيدة لأبي تمام في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي. 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "رواها". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومنعك".

وأنشدنا أبو علي: خليلي لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب1 أي بين هذين الموضعين، وأنشدناه أيضًا: بين الطخاف العصائب. وأنشد أيضًا2: أقول للضحاك والمهاجر ... إنا ورب القلص الضوامر3 إنا أي4 تعبنا، من الأين، وهو التعب والإعياء. وأنشد5 أبو زيد: هل تعرف الدار ببيدا إنه ... دار لخود قد تعفت إنه فانهلت العينان تسفحنه ... مثل الجمان جال في سلكنه لاتعجبي مني سليمى إنه ... إنا لحلالون بالثغرنه وهذه أبيات عملها6 أبو علي في المسائل البغدادية. فأجاز في جميع قوافيها أن يكون أراد: إن، وبين الحركة بالهاء، وأطال فيها هناك. وأجاز أيضًا أن يكون أراد: ببيداء7 ثم صرف وشدد التنوين للقافية8، وأراد: في سلك، فبنى منه فعلنًا كفرسن،

_ 1 انظر ص82 من الجزء الثاني. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أصحابنا". 3 قوله: "للضحاك" كذا في ش، ط، وفي د، ز: "للصباح"، وجاء في اللسان "أين" الشطر الأخير من غير عزو، وفي التاج بعد أن أورد ما في اللسان: "قلت" ووجدت في هامش الصحاح من نصه: قال الأصمعي: يصرف الأين وأبو زيد بدلا بصرفه، قال أبو محمد: لم يصرف الابن إلا في بيت واحد وهو: قد قلت للصباح والهواجر ... إنا ورب الفلص الضوامر الصباح التي يقال لها: ارتحل فقد أصبحنا، والهواجر التي يقال له: سر فقد اشتدت الهاجرة. وإنا من الأين. 4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 5 انظر النوادر 59، ونسبها أبو زيد عن المفضل إلى رجل من الأشعريين يكنى أبا الحصيب. وقد رسمت في النوادر باختلاف عما هنا، وانظر ص332 من الجزء الأول. 6 أي شرحها، وانظر المرجع السابق. 7 في ش: "بيداء". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لأجل للقافية".

ثم شدده لنية الوقف، فصار؛ سلكن. وأراد: بالثغر، فبنى منه للضرورة1 فعلنا2، وإن لم يكن3 هذا مثالًا معروفًا؛ لأنه أمر ارتجله مع الضرورة إليه، وألحق الهاء في سلكنه والثغرنه؛ كحكاية الكتاب4: أعطني أبيضه. وأنشدوا قوله: نفلق هاما لم تنله سيوفنا ... بأيماننا هام الملوك القماقم وإنما هو: ها من لم تنله سيوفنا. فـ"ها" تنبيه، و"من لم تنله سيوفنا" نداء أي يا من لم ننله سيوفنا خفنا فإنا5 من عادتنا أن نفلق بسيوفنا هام الملوك، فكيف من سواهم. ومنه المثل السائر: زاحم بعود أو دع، أي زاحم بقوة أو فاترك ذلك، حتى توهمه بعضهم: بعود أو دع، فذهب إلى أن "أودع" صفة لعود؛ كقوله6: بعود أو قص أو أوطف أو نحو ذلك مما جاء على أفعل وفاؤه واو. ومن ذلك قول الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 7. فذهب8 الخليل وسيبويه فيه إلى9 أنه وي مفصول، وهو اسم سمي به الفعل في الخبر، وهو معنى10 أعجب، ثم قال مبتدئًا: كأنه لا يفلح الكافرون وأنشد فيه: وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش عيش ضر11

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعلن". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 انظر سيبويه 2/ 283. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقولك". 7 آية 82 سورة القصص. 8 كذا في ش، وفي ز، ط: "مذهب". 9 سقط في د، هـ، ز، ط. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "اسم". 11 انظر ص43 من هذا الجزء.

وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه: ويك أنه لا يفلح الكافرون، أراد: ويك أي أعجب أنه لا يفلح الكافرون، أي أعجب لسوء اختيارهم "ونحو ذلك"1 فعلق "أن" بما في "ويك" من معنى الفعل، وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهنالك. قال أبو علي ناصرًا لقول سيبويه: قد جاءت كأن كالزائدة، وأنشد بيت عمر2: كأنني حين أمسي لا تكلمني ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا أي أنا كذلك. وكذلك3 قول الله سبحانه {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أي "هم لا يفلحون"4. "وقال الكسائي: أراد: ويلك ثم حذف اللام"5. ومن ذلك بيت الطرماح: وما جلس أبكار أطاع لسرحها ... جنى ثمر بالواديين وشوع6 قيل فيه قولان: وشوع أي كثير7. ومنه قوله: إني امرؤ لم أتوشع بالكذب أي لم أتحسن به ولم أتكثر به. وقيل: إنها واو العطف والشوع: ضرب من النبت.

_ 1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 2 يريد عمر بن أبي ربيعة، ونسبه في اللسان في أبيات في مدح سليمان بن عبد الملك إلى يزيد بن الحكم الثقفي، وانظر اللسان "عود"، والبيت في ديوان عمر في ستة أبيات. 3 سقط في ز. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هم كذلك". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 الجلس: العسل، ويريد أبكار النحل أي أفراخها وأحداثها، و"شوع" بفتح الواو، الواو -كما ذكر المؤلف- يحتمل أن تكون للعطف، والشوع ضرب من النبت وهو شجر البان، وهو معطوف على "جنى ثمر" ويحتمل أن يكون "وشوع" أي كثير من وشع، وروى "وشوع" بضم الواو، جمع وشع وهو زهر البقول، ولم يذكر المؤلف هذه الرواية، وانظر اللسان "وشع". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كبير".

ونحو من ذلك ما أنشده أبو زيد "من قول الشاعر"1: خالت خويلة أني هالك ودأ قيل: إنه2 واو عطف أي إني هالك وداء1 من قولهم: رجل داءٌ أي دوٍ، ثم قلب. وحدثنا عن ابن سلام أن أعرابيًا قال للكحال: كحلني بالمكحال الذي تكحل به العيون الداءة. وأجاز أيضًا في قوله: "ودأ" أن يكون فعلا من قوله3: وللأرض كم من صالح قد تودأت ... عليه فوارته بلماعةٍ قفر أي غطته وثقلت عليه. فكذلك يكون قوله: إني هالك كدًا4 وثقلًا، وكان يعتمد التفسير الأول، ويقول: إذا كانت الواو للعطف كان المعنى أبلغ وأقوى5 وأعلى؛ كأنه ذهب6 إلى ما يراه أصحابنا من قولهم في التشهد: التحيات لله، والصلوات لله7، والطيبات. قالوا: لأنه إذا عطف كان أقوى له8، وأكثر لمعناه، من أن يجعل

_ 1 سقط في د، هـ، ز، وما أورده عن أبي زيد صدر بيت عجزه: والطاعنيون لما خالفوا الغيرا وقال أبو زيد بعده: "ودأ أي هلاكا على وزن ودعا" وثرى أن "ودأ" عند أبي زيد منصوب في معنى هلاكا، وهذا يساير الوجه الثاني هنا، ولا يأتي مع وجه العطف والوجه الذي يريده المؤلف يقرأ عليه "دأ" بكسر الهمزة مع التنوين؛ إذ هو منقوص وأصله: دنو، وانظر النوادر 106. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنها". 3 أي هدبة بن خشرم، وقبله: ألا يالقوم للنوائب والدهر ... وللمرء يأتي حتفه وهو لا يدري اللماعة: الفلاة يلمع فيها السراب، وانظر اللالئ 639. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ودأ". 5 سقط في ش، ط. 6 سقط في د، هـ، ز، ويريد بأصحابه فقهاء الحنفية. 7 لم يرد هذا في د، هـ، ز، ط. 8 سقط في د، هـ، ز.

الثاني مكررًا على الأول بدلًا أو وصفًا. وقال الأصمعي في قوله1: وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا أراد جمع عدة. وقال2 الفراء: أراد عدة3 الأمر، فلما أضاف حذف الهاء؛ كقول الله سبحانه: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} 4 وهذا يجيء في قول الأصمعي على القلب؛ فوزنه على قوله: علف الأمر. وهذا باب واسع. وأكثره في الشعر. فإذا مر بك فتنبه عليه "ومنه5 قوله: وغلت بهم سجحاء جارية ... تهوي بهم في لجة البحر6

_ 1 أي الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وصدره: إن الخليط أجدرا البين فانجردوا والخلط: المخالط، ويريد: الفريق المخالط في الإقامة في وقت النجعة، وأجدر البين أحدثوه، وانجردوا: بعدوا، وانظر شواهد الشافية 64، وقوله: "عدا" فهو يكتب بالألف على رأي الأصمعي وأنه جمع عدة على القلب، وعلى رأي الفراء يكتب "عد" بدون ألف. وهذا ذهب خالد بن كلثوم في "عدي الأمر" مذهبا آخر، هو أن "عدى" جمع عدوة في معنى الناحية، فعدى الأمر: نواحيه، وانظر المخصص 14/ 188. 2 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جمع عدة". 4 آية 37 سورة النور. 5 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ز، ش. 6 من قصيدة للمسيب بن علس منيته في الصبح المنير 325 وفيها: نظرت إليك بعين جازئة ... في ظل باردة من السدر كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر صلب الفؤاد رئيس أربعة ... متخالفي الألوان والنجر فتنازعوا حتى إذا اجتمعوا ... ألقوا إليه مقالد الأمر وغلت بهم سجحاء خادمة ... تهوي بهم في لجة البحر حتى إذا ما ساء ظنهم ... ومضى بهم شهر إلى شهر ألقى مراسية بتهلكة ... ثبتت مزاميها فما تجري والسجحاء: الطويلة الظهر، وأراد بها السفينة. وقد أورد صاحب الخزانة هذه الأبيات مع غيرها من القصيدة في شواهد الحال، وذكر أنها تنسب إلى أعشى قيس.

يكون: فعلت من التوغل. وتكون الواو أيضًا عاطفة فيكون من الغليان. ومنه قوله1: غدوت بها طيًّا يدي برشائها يكون فعلى من طويت. ويجوز أن يكون تثنية طي، أي طيا يدي، وأراد: طياها2 بيدي فقلب". ومنه بيت أوس: فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقئ كنه بيض القيض من عل3 "الأصمعي: هو من الملك وهو التشديد. وقال ابن الأعرابي"4: أراد: من لك بهذا الليط. ومنه بيت الخنساء: أبعد ابن عمرو من آل الشريـ ... ـد حلت به الأرض أثقالها5 هو من الحلية أي زينت به موتاها. وقال ابن الأعرابي: هو من الحل كأنه لما مات "انحل به"6 عقد الأمور.

_ 1 أي الفرزدق، وصدره: ووفراء لم تخرز بسير وكيعة يريد بالوفراء فرسا وافرة الشعر، ووصفها أنها لم تخرز بسير للاحتراز عن القرية ووصفها بأنها وكيعة أي وثيقة الخلق، وفي اللسان "وكع" و"عمى": "طبا" بالباء من الطب أي فطنا وخبيرا، ويبدو أنه تصحف على ابن جني فقرأه بالياء بدل الياء. 2 المناسب: "طبا رشائها". 3 انظر ص365 من الجزء الثاني. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 من قصيدة لها في رثاء أخيها معاوية. وقبله مطلع القصيدة: ألا ما لعينك أم ما لها ... لقد أخضل الدمع سربالها 6 كذا في ش، وفي ط: "انحل" وفي د، هـ، ز: "انحلت" ويقرأ "عقد" عليه بضم العين وفتح القاف، جمع عقدة وقال الأصمعي وغيره: تريد أن معاوية كان ثقيلا على الأرض؛ لأنه كان هو وأصحابه يركضون على الأرض ويقاتلون عليها، فلما مات انحل ذلك الثقل الذي كان عليها.

باب في الاكتفاء بالسبب من المسبب، وبالمسبب من السبب

باب في الاكتفاء بالسبب من المسبب وبالمسبب من السبب: هذا موضع1 من العربية شريف لطيف، وواسع لمتأمله كثير. وكان أبو علي -رحمه الله- يستحسنه، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومر بنا نحن منه2 ما لا نكاد نحصيه. فمن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} 3 وتأويله4 -والله أعلم: فإذا أردت قراءة القرآن؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة. وهذا أولى من تأول من ذهب إلى أنه أراد: فإذا استعدت5 فاقرأ؛ لأن فيه قلبًا لا ضرورة بك إليه. وأيضًا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبةً عليه القراءة ألا ترى إلى قوله: أعوذ بالله وبابن مصعب ... الفرع من قريشٍ المهذب6 وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة في هذا الموضع. وقد يكون على ما قدمنا قوله عز اسمه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} 7 أي إذا أردتم القيام لها، والانتصاب فيها. ونحو منه ما أنشده أبو بكر8: قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطن بالخلوق طينا

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باب". 2 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 3 آية 98 سورة النحل. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تأويله". 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعوذت". 6 كأنه يريد ابن مصعب بن الزبير، والفرع من القوم: شريفهم. 7 آية 6 سورة المائدة. 8 يريد أبا بكر بن دريد، والحلوق: ضرب من الطيب، وانظر الأمالي 2/ 144.

يعني امرأته. يقول1: إن لم أجد من يعينني على سقي الإبل قامت فاستقت معي، فوقع الطين على خلوق يديها2. فاكتفى بالمسبب الذي هو اختلاط الطين بالخلوق من السبب الذي هو الاستقاء معه. ومثله قول الآخر: يا عاذلاتي لا تردن ملامتي ... إن العواذل لسن لي بأمير3 أراد: لا تلمنني، فاكتفى بإرادة اللوم منه، وهو تالٍ لها ومسبب عنها. وعليه قول الله تعالى {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 4 أي فضرب فانفجرت؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو الانفجار من السبب الذي هو الضرب. وإن شئت أن تعكس هذا5 فتقول: اكتفى بالسبب الذي هو القول، من المسبب الذي هو الضرب. ومثله قوله: إذا ما الماء خالطها سخينا6 إن شئت قلت: اكتفى بذكر مخالطة الماء لها -وهو السبب- من الشرب وهو المسبب. وإن شئت قلت اكتفى بذكر السخاء -وهو المسبب- من ذكر الشرب وهو السبب. ومثله قول الله عز اسمه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 7 أي فحلق فعليه فدية. وكذلك قوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 8 أي فأفطر فعليه كذا.

_ 1 في ز: "تقول". 2 كذا في ش، ط، د، هـ، ز: "بدنها". 3 ورد هذا البيت في المعنى، ويقول البغدادي في شرح شواهده ج2 ص71: "والبيت مشهور بتداول العلماء إياه في مصنفاتهم، ولم أقف على قائله". 4 آية 60 سورة البقرة. 5 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "هنا" وسقط في ش. 6 انظر ص290 من الجزء الأول. 7 آية 196 سورة البقرة. 8 آية 185 سورة البقرة.

ومنه1 قول رؤبة: يا رب إن أخطأت أو نسيت ... فأنت لا تنسى ولا تموت2 وذلك أن حقيقة الشرط وجوابه، أن يكون الثاني مسببًا عن الأول "نحو قوله: إن زرتني أكرمتك فالكرامة مسببة عن الزيارة"3 وليس كون الله سبحانه غير ناس ولا مخطئا أمرا4 مسببا عن خطأ رؤبة، ولا عن إصابته، إنما تلك صفة له -عز اسمه- من صفات نفسه5. لكنه كلام6 محمول على معناه، أي إن أخطأت أو نسيت فاعف عنى؛ لنقصي وفضلك. فاكتفى بذكر الكمال والفضل -وهو السبب- من العفو وهو المسبب. ومثله بيت الكتاب: إني إذا ما جئت نار لمرملة ... ألفى بأرفع تل رافعا نارى7 وذلك "أنه إنما"8 يفخر ببروز بيته لقرى الضيف وإجارة9 المستصرخ؛ كما أنه إنما يذم من أخفى بيته وضاءل شخصه، بامتناعه من ذلك. فكأنه قال إذًا10: إني11 إذا منع غيري وجبن، أعطيت وشجعت12. فاكتفى بذكر السبب -وهو "التضاؤل والشخوص"13- من المسبب وهو المنع والعطاء.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله". 2 هذا مطلع أرجوزة له في مدح مسلمة بن عبد الملك بن مروان. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 سقط في ش. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "اسمه". 6 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 7 البيت للأحوص، وانظر الكتاب 1/ 463. 8 كذا في ط، وفي ش: "أنه" وفي د، هـ، ز: "إنما". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إجازة". 10 سقط في د، هـ، ز، ط. 11 سقط في ط. 12 في ط: "تشجعت". 13 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "تضاؤل الشخص".

ومنه بيت الكتاب: فإن تنجل سدوس بدرهيهما ... فإن الريح طيبة قبول1 أي إن بخلت تركناها وانصرفنا عنها. فاكتفى بذكر طيب الريح المعين على الارتحال عنها. ومنه قول الآخر: د فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإن في أيماننا نيرانا2 يعنى سيوفا3، أي فإنا4 نضركم بسيوفنا. فاكتفى بذكر السيوف من ذكر الضرب بها4. وقال: يا ناق ذات الوخد والعنيق ... أما ترين وضح الطريق5 أي فعليك بالسير6. وأنشد أبو العباس: ذر الآكلين الماء ظلما؛ فما أرى ... ينالون خيرا بعد أكلهم الماء7 وقال: هؤلاء قوم كانوا يبيعون الماء، فيشترون بثمنه ما يأكلون، فقال: الآكلين الماء؛ لأن ثمنه سبب أكلهم ما يأكلونه. ومر بهذا الموضع8 بعض9 مولدى البصرة، فقال: جزت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم

_ 1 البيت للأخطل، ويقول الأعلم: "ومعنى البيت أن الأخطل مدح سيدا من سادات بني شيبان، ففرض له على أحياء شيبان على كل رجل منهم درهمين، فأدت إليه الأحياء إلا بني سدوس. فقال لهم هذا معاتبا لهم ومعنى فإن الريح طيبة قبول أي قد طاب لي ركوب البحر والانصراف عنكم مستغنيا عن درهميكم عاتبا عليكم" وانظر الكتاب 2/ 26، والديوان 126. 2 أورده في معاهد التنصيص 2/ 131، ولم ينسبه. 3 كذا في ز، ط، وفي ش: "سيوفنا". 4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 5 الوخد والعنبق ضربان من سير الإبل. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "السير". 7 انظر ص153 من الجزء الأول. 8 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 9 في معجم الشعراء للمرزباني 434 في ترجمة محمد بن أبي الحارث الكوفي: وكان لبعض إخوانه جارية مغنية فباعها وأخذ بثمنها برذونا فقال محمد: قينة كانت تغني ... مسخت برذون أدهم عجت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم وترى أن الشاعر من مولدي الكوفة لا البصرة كما ذكر المؤلف، وقوله: "برذون أدهم" كذا في معجم الشعراء، ولعل الأسل: "برذونا أدهم".

وهذا إنسان كانت له جارية تغنى، فباعها، واشترى بثمنها برذونا، فمر به هذا الشاعر وهو يلجم، فسماه قينة؛ إذ كان شراؤه مسببًا عن ثمن القينة. وعليه قول الله سبحانه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 1 "وإنما يعصر عنبا يصير خمرا"2 فاكتفى بالمسبب الذي هو الخمر من السبب الذي هو العنب3. وقال الفرزدق: قتلت قتيلا لم ير الناس مثله ... أقبله ذا تومتين مسورا4 وإنما قتل حيا يصير بعد قتله قتيلا، فاكتفى بالمسبب من السبب. وقال: قد سبق الأشقر وهو رابض ... فكيف لا يسبق إذا يراكض يعنى مهرا سبقت أمه وهو في جوفها؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو المهر، من السبب الذي هو الأم. وهو كثير جدًا. فإذا مر بك فاضممه إلى ما "ذكرنا منه"5: باب في كثرة الثقيل، وقلة الخفيف: هذا موضع من كلامهم طريف، وذلك أنا قد أحطنا6 علما بأن الضمة أثقل من الكسرة، وقد ترى مع ذلك إلى كثرة7 ما توالت فيه الضمتان؛ نحو طُنُب، وعُنُق، وفُنُق8، وحُشُد9، وجُمُد10، وسُهُد11، وطُنُف12، وقلة نحو إبل. وهذا موضع محتاج إلى نظر. وعلة ذلك عندى أن بين المفرد والجملة أشباها.

_ 1 آية 36 سورة يوسف. 2 ثبت ما بين القوسين في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 3 في ز بعده: "ألا تراه إنما يعصر عنبا يصير خمرا". 4 التومة: اللؤلؤة. والمسور: لابس السوار. 5 سقط في د، هـ، ز. 6 رسم في ش: "أحطانا". 7 سقط في ش. 8 يقال جارية فنق: منصة. 9 جمع حاشد، وهو الذي يبذل جهده في النصرة والإغاثة. 10 كذا في ش، وفي ط: "حسد" والجمد: ما ارتفع من الأرض، والحسد جمع حسود. 11 كذا في ش، وفي ز، ط: "شهد". 12 من معانيه ما تنأ من الجبل.

منها وقوع الجملة موقع المفرد من الصفة، والخبر، والحال. فالصفة نحو مررت برجل وجهُه حسن. والخبر نحو زيد قام أخوه. والحال كقولنا: مررت بزيد فرسه واقفة. ومنها أن بعض الجمل قد1 تحتاج2 إلى جملة ثانية احتياج المفرد إلى المفرد. وذلك في الشرط وجزائه3، والقسم وجوابه. فالشرط نحو قولك: إن قام زيد قام عمرو. والقسم نحو قولك: أقسم ليقومن زيد. فحاجة4 الجملة الأولى إلى الجملة5 الثانية كحاجة الجزء الأول من الجملة إلى الجزء الثاني؛ نحو زيد أخوك، وقام أبوك. ومنها أن المفرد قد أوقع موقع الجملة في مواضع؛ كنعم، ولا؛ لأن كل واحد من هذين الحرفين نائب6 عن الجملة، ألا ترى إلى7 قولك: نعم في موضع قد كان ذاك، "ولا في موضع لم يكن ذاك"8 وكذلك صه، ومه، وإيه، وأف، وآوتاه، وهيهات: كل واحد منها جزء مفرد وهو قائم برأسه، وليس للضمير الذي فيه9 استحكام الضمير في الفعل. "يدل على ذلك أنه لما ظهر في بعض أحواله ظهر مخالفا للضمير في الفعل"10 وذلك قول الله سبحانه: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} 11 وأنت لا تقول في الفعل: اضربُم ولا ادخلُم ولا اخرجُم، ولا نحو ذلك.

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 في د، هـ: "يحتاج". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جوابه". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فلحاجة". 5 سقط في ش، ط. 6 في ط: "نابت". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أن". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 9 سقط في د، هـ، ز. 10 سقط ما بين القوسين في ش، ط. 11 آية 13 سورة الحاقة.

فلما كانت بين المفرد1 وبين الجملة هذه الأشباه والمقاربات وغيرها، شبهوا توالي الضمتين في نحو سُرُح2 وعُلُط3، بتواليهما في4 نحو زيد قائم، ومحمد سائر5. وعلى ذلك قال بعضهم: الحمدُ لُله، فضم لام الجر إتباعا لضمة الدال، وليس كذلك الكسر في نحو إبل، لأنه لا يتوالى في الجملة الجرّان؛ كما يتوالى الرفعان. فإن قلت: فقد قالوا: "الحمدِ لِله" فوالوا بين الكسرتين، كما والوا بين الضمتين، قيل: الحمدُ لُله هو الأصل، ثم6 شبه به الحمد لله؛ ألا ترى أن إتباع الثاني للأول -نحو مُد وفِر وضَن- أكثر من إتباع الأول للثاني؛ نحو: اُقتُل. وإنما كان كذلك7 لأن تقدم السبب أولى من تقدم المسبب؛ لأنهما يجريان مجرى العلة والمعلول8؛ وعلى أن ضمة الهمزة في نحو: اقتل لا تعتد9، لأن الوصل يزيلها، فإنما10 هي عارضة، وحركة نحو مُد وفِر وعَض ثابتة مستمرة في الوصل الذي هو العيار، وبه الاعتبار11. وأيضا فإنه12 إذا انضم الأول، وأريد تحريك الثاني كانت الضمة أولى به من الكسرة والفتحة. أما الكسرة فلأنك تصير إلى لفظ فُعِل13، وهذا مثال لا حظَّ فيه للاسم، وإنما هو أمر يخصّ الفعل. وأما دُئل فشاذّ. وقد يجوز أن يكون منقولا أيضا كبَدَّر14 وعَثَّر15.

_ 1 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 2 يقال: ناقة سرح في سيرها، سريعة. 3 يقال: ناقة علط: لا سمة عليها ولا خطام. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جالس". 6 سقط في ش. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ذلك". وفي ط: "ذاك". 8 ثبت حرف العطف في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 9 في ط: "تعد". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وإنما". 11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الاعتماد". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأنه". 13 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "افعل". 14 هو اسم ماء بمكة. 15 هو اسم موضع.

فإن قيل: فإن دئلا نكرة غير علم، وهذا النقل إنما هو أمر يخص العلم، نحو يشكر ويزيد وتغلب. قيل: قد يقع النقل في النكرة أيضًا. وذلك الينجلب1. فهذا منقول من مضارع انجلب الذي هو مطاوع2 جلبته؛ ألا ترى إلى قولهم3 في التأخيذ: أخذته بالينجلب، فلم يحر4 ولم يغب. ومثله رجل أباترٌ. وهو5 منقول من مضارع باترت، فنقل فوصف به. وله نظائر. فهذا6 حديث فعل. وأما فعل فدون فعل أيضًا. وذلك أنه كثيرًا ما يعدل عن أصول كلامهم، نحو عمر، وزفر، وجشم، وقثم، وثعل، وزحل. فلما كان كذلك لم يتمكن عندهم تمكن فعل الذي ليس معدولا. ويدلك على انحراف فعل عن بقية الأمثلة الثلاثية7 غير ذوات الزيادة انحرافهم8 بتكسيره عن جمهور تكاسيرها. وذلك نحو جعلٍ وجعلان، وصرد، وصردان، ونغر، ونغران، "وسلك، وسلكان"9، فاطراد هذا في فعل مع عزته في غيرها، يدلك على أن له فيه خاصية انفرد بها، وعدل عن نظائره إليها. نعم، وقد ذهب أبو العباس إلى أنه "كأنه منقوص"10 من فعالٍ. واستدل على ذلك

_ 1 هو حجرة للنأخيذ، وهو نوع من السحر تمنع به المرأة زوجها عن غشيان غيرها من النساء. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مضارع". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قوله". 4 كذا في ش، أي لم يرجع عن حبها، وفي ز: "يجز"، وفي د، هـ: "يجر". 5 كذا في ش، وسقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 7 في ش: "الثلاثة". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وانحرافهم". 9 سقط ما بين القوسين في ش والسلك: فرخ القطا أو الحجل. 10 كذا في ش، وفي ز: "كان منقوصا" وفي ط: "كان منقوص" و"كان" عليه زائدة.

باستمراره على فعلان؛ قال: فجرذان وصردان في بابه كغراب وغربان، وعقاب وعقبان. وإذا كان1 كذلك ففيه تقوية لما نحن عليه؛ ألا ترى أن فعُالأ أيضًا مثال2 قد يؤلف العدل3، نحو أحاد، وثناء وثلاث، ورباع. وكذلك إلى4 عشار، قال5: ولم يستريثوك حتى علو ... ت فوق الرجال خصالا عشارا ومما يسأل عنه من هذا الباب كثرة الواو فاءً، وقلة الياء هناك. وذلك نحو وعد، ووزن، وورد، ووقع، ووضع، ووفد6، على قلة باب يمن ويسر. وذلك أن سبب كثرة الواو هناك7 أنك قادر متى انضمت8 أو انكسرت أن تقلبها همزة. وذلك نحو أعد وأجوهٍ وأرقة واصلة وإسادة وإفادة. وإذا تغير الحرف الثقيل فكان تارة كذا وأخرى كذا كان أمثل من أن يلزم محجة واحدة. والياء "إذا وقعت أولا و"9 انضمت أو8 انكسرت لم تقلب همزة ولا غيرها. فإن قلت فقد قالوا: باهلة بن أعصر ويعصر، وقالوا10: طاف والركب بصحراء يسر وأسر، وقالوا: قطع الله يديه وأديه.

_ 1 في ط: "كانت". 2 سقط في ش. 3 كذا في ش، وفي ز، ط: "للعدل"، وقوله: "يؤلف" أي يألف ويصاحب. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 أي الكميت بن زيد، والبيت من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد، يذكر أنه بلغ مبلغ الرجال في سن الحداثة، بل علاهم بعشر خصال، فلم يسترثه الناس أي لم يستبطئوه في السيادة والنضج، وانظر الاقتضاب 497، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 393. 6 كذا في، وفي د، هـ، ز: "وفر". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ههنا". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ر". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إن"، وفي ط: "إذا". 10 الشطر من بيت لطرفة صدره: أرق العين خيال لم يقر ولما كان العرب رووه وأقروه نسب المؤلف القول إليهم، وانظر معجم البلدان "يسر" حيث ذكر أن يسره وضع بالدهناء لبني يربوع، وأورد البيت في أربعة من القصيدة.

قيل: أما أعصر فهمزته هي الأصل، والياء في يعصر بدل منها. يدل على هذا أنه إنما بذلك1 لبيت قاله؛ وهو: أبني إن أباك شيب رأسه ... كر الليالي واختلاف الأعصر فالياء في يعصر إذًا بدل من همزة أعصر. وهذا ضد ما أردته، وبخلاف ما توهمته. وأما أسر ويسر فأصلان، كل واحد منهما قائم بنفسه، كيتن2، وأتن وألملم3، ويلملم. وأما أديه ويديه فلعمري إن الهمزة فيه بدل من الياء؛ بدلالة يديت إليه وأيدٍ ويدي ونحو ذلك، لكنه ليس البدل من ضرب إبدال الواو همزة. وذلك أن الياء مفتوحة والواو إذا كانت مفتوحة شذ فيها البدل، نحو أناة وأجم4. فإذا كان هذا حديث الواو التي يطرد إبدالها فالياء حرى ألا يكون البدل فيها إلا لضرب من الاتساع، وليس طريقه الاستخفاف والاستثقال. فإن قلت: فالهمزة5 على كل حال أثقل من الواو، فكيف عدل عن الأثقل إلى ما هو أثقل منه؟.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بهذا"، وانظر في أعصر وشعره ص88 من الجزء الثاني، وفي معجم الشعراء للمرزباني 466: "أعصر -واسمه منبه بن سعد بن قيس عيلان- وهو أبو القبائل، باهلة وغنى والطفاوة، وهو القائل: قالت عميرة ما لرأسك بعدما ... فقد الشباب أتى بلون منكر أعمير إن أباك غير لونه ... كنز الليالي واختلاف الأعصر فلهذا البيت سمي أعصر، وقوم يقولون: يعصر وليس بشيء"، وهو منقول عن طبقات ابن سلام. 2 يقال: ولدته أمه بنتا واننا إذا خرجت رجلاه قبل رأسه. 3 الملم ويلملم موضع، وهو ميقات أهل اليمن للإحرام بالحج. 4 وأصله وجم من الوجوم، وهو العبوس. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إن الهمزة".

قيل1: الهمزة وإن كانت أثقل من الواو على الإطلاق، فإن إذا انضمت كانت أثقل من الهمزة، لأنه ضمتها تزيدها ثقلا. فأما إسادة فإن الكسرة فيهما محمولة على الضمة في أقنت، فلذلك قل نحو إسادة، وكثر نحو أجوه، وأرقة، حتى أنهم قالوا في الوجنة: الأجنة، فأبدلوها مع الضمة البتة، ولم يقولوا: وجنة. وأيضًا فإن الواو إذا وقعت بين ياء وكسرة في نحو يعد ويرد ويرد حذفت، والياء ليست، كذلك ألا ترى إلى صحتها في نحو ييعر2 وييسر3 "وكأنهم إنما"4 استكثروا مما هو معرض تارة للقلب. أخرى للحذف، وهذا غير موجود في الياء. فلذلك قلت بحيث كثرت الواو. فإن قلت: فقد كثر عنهم توالي الكسرتين في نحو سدراتٍ، وكسراتٍ، وعجلاتٍ. قيل: هذا إنما احتمل لمكان الألف والتاء كما احتمل لهما5 صحة الواو في نحو خطوات وخطوات. ولأجل ذلك ما أجاز6 في جمع ذيت7 إذا سميت بها8 ذياتٍ9

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قلت". 2 يقال: يعوت العنز: صاحت. 3 يقال: يسر الرجل إذا دخل في الميسر. 4 كذا في ط، وفي ش: "فكأنهم" وفي د، هـ، ز: "وكأنهما إنما". 5 يريد أن خطوات بضم الطاء كانت الواو فيه تستحق الإعلال بقلبها ياء؛ إذ هي لام قبلها ضمة؛ كالأجرى والأدلى، ولكن عصمها من الإعلال أن الألف والتاء بعدها جعلاها في الحشور وكأنها ليست لاما، وفي خطرات بفتح الطاء تستحق الواو قلبها ألفا، ولكن الألف بعدها عصمتها من هذا؛ إذ لوقلبت ألفا لاجتمعت مع الألف بعدها، وكان هذا يقضي بحذف أحدهما فتجنبوا القلب لهذا. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جاز"، وفاعل "أجاز" سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 12 وضبط فيه "ذبات" بشد الباء، وهو خطأ في الطبع. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ذئب". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "به" وفي ط بعده: "بتخفيف الياء". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ذباب".

بتخفيف الياء، وإن كان يبقى معك من الاسم حرفان، والثاني منهما حرف لين. ولأجل ذلك ما صح1 في لغة هذيل قولهم1: جوزات وبيضات، لما كان التحريك أمرا عرض مع تاء جماعة المؤنث؛ قال2: أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح فهذا3 طريق من الجواب عما تقدم من السؤال في هذا الباب. وإن شئت سلكت فيه مذهب الكتاب، فقلت: كثر فعل، وقل فعل، وكثرت الواو فاء، وقلت الياء هنالك لئلا يكثر في كلامهم ما يستثقلون. ولعمري إن هذه محافلة4 في الجواب5، وربما أتعبت وترامت "ألا6 ترى أن" لقائل أن يقول: فإذا كان الأمر كذلك فهلا كثر أخف الأثقلين لاأثقلهما فكان7 يكون أقيس المذهبين لا أضعفهما. وكذلك قولهم: سرت8 سوورا، وغارت عينه غوورا، وحال عن العهد حوولا؛ هذا9 مع عزة باب سوك10 الإسحل، وفي غوور وسوور فضل واو، وهي واو فعول.

_ 1 سقط في ش، وانظر في لغة هذيل الكتاب 2/ 191. 2 أي بعض شعراء هذيل، ويقول في الخزانة 3/ 429: "والبيت مع كثرة وجوده في كتب النحو والصرف لم أطلع على قائله ولا على تتمته" وهو في وصف ذكر النعام. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 4 كذا في ز، ط، وكأنه يريد أن هذه مكاثرته لا غناء فيها، وفي ش: "مخالفة". 5 في ط: "هذا الجواب". 6 كذا في ط، وهو ما في ز، ببعض تحريف، وفي ش: "إلا أن" وهو محرف عن: "لأن". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكان ذلك". 8 يقال: سار الرجل: وثب وثار. 9 سقط في ط. 10 أي في قول عبد الرحمن بن حسان: أغر الثنايا أحم اللثا ... ت تمنحه سوك الإسحل

وجواب هذا أن الواو وإن1 زادت في عدة المعتد فإن الصوت أيضًا "بلينها يلذ وينعم"2، ألا ترى أن غوورا وحوولا وإن كان3 أطول من سوك وسور4 فإنه ليس فيه قلق سوك وسور؛ فتوالي5 الضمتين مع الواو غير "موف لك"6 بلين الواو المنعمة للصوت. يدل على ذلك أنهم إذا أضافوا إلى نحو أسيد حذفوا الياء المحركة، فقالوا: أسيدي كراهية لتقارب أربع ياءات، فإذا أضافوا إلى نحو مهييم لم يحذفوا فقالوا مهييمي فقاربوا7 بين خمس ياءات لما مطل الصوت فلان بياء المد. وهذا واضح. فمذهب الكتاب -على شرفه، وعلو طريقته- يدخل عليه هذا. وما قدمناه نحن فيه لا يكاد يعرض شيء من هذا الدخل8 له. فاعرفه وقسه وتأت له ولا تحرج صدرا به.

_ 1 سقط الوراق في ش، ز، وثبتت في ط. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بلبنها بلذة وتنعم". 3 في د، هـ: "كانا". 4 أي في قول عدي بن زيد: عن مبرقات بالبر بن وتبـ ... ـدو بالأكف اللامعات سور وانظر شواهد الشافية 121. 5 كذا في ط، ز، وفي ش: "لتوالي". 6 كذا في ط، وفي ش: "موفر ذلك". وفي ز: "مؤثر ذلك". 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فوالوا". 8 هو الفساد والعيب.

باب القول على فوائت الكتاب

باب القول على 1 فوائت الكتاب: اعلم أن الأمثلة المأخوذة على صاحبه سنذكرها ونقول فيها ما2 يدحض عنه ظاهر معرتها لو صحت عليه. ولو3 لم تكن4 فيها حيلة تدرأ شناعة إخلاله بها عنه، لكانت معلاة له لا مزراة5 عليه، وشاهدة بفضله ونقص المتتبع "له بها"6 لا نقصه، إن كان أوردها مريدًا بها حط رتبته، والغض من فضيلته. وذلك لكلفة هذا الأمر وبعد أطرافه، وإيعار7 أكنافه أن يحاط بها، أو يشتمل تحجر عليها. وإن إنسانًا أحاط بقاصي هذه اللغات المنتشرة، وتحجر8 أذراءها9 المترامية، على سعة البلاد، وتعادي ألسنتها اللداد10، وكثرة التواضع بين أهليها من حاضر وباد، حتى اغترق11 جميع كلام الصرحاء والهجناء، والعبيد والإماء، في أطرار12 الأرض، ذات الطول والعرض، "ما بين"13 منثور إلى منظومٍ، ومخطوب به "إلى مسجوع"14، حتى لغات الرعاة الأجلاف، والواعي ذوات15 صرار16 الأخلاف، وعقلائهم والمدخولين، وهذاتهم17 الموسوسين18، في جدهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم، وتغاير الأحوال عليهم، فلم يخلل من جميع ذلك -على سعته19 وانبثاثه وتناشره20 واختلافه- إلا بأحرف تافهة المقدار، متهافتةٍ على البحث والاعتبار -ولعلها21 أو أكثرها مأخوذة22 عمن فسدت لغته، فلم تلزم عهدته- لجدير أن يعلم بذلك توفيقه، وأن يخلي له إلى غايته طريقه.

_ 1 في د: "في". ويذكر البغدادي في الخزانة 4/ 473 أنها على ما ذكره ابن جني هنا ثمانية وخمسون وزنا. 2 في ط: "بما"، وقوله: "يدحض" أي يبطل، يقال: دحضت حجته وأدحضتها إذا أبطلتها، وأصل معناه الإزلاق، ويبدو أن "يدحض" محرفة عن "يرحض" أي يغسل، يقال: رحض سوءته، أي غسلها ومحاها على المثل. 3 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. 4 في ز، ط: "يكن". 5 في ط: "مرزاة". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بهاله". 7 في ز، ط: "إبعاد". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تكلف" وفي ط: "تحجر وتكلف". 9 أي حواشيها وأطرافها، الواحد ذرو، أو ذره. 10 كذا في ش، وفي ز، ط: "النداد" واللداد جمع الألد من اللدد وهو قوة الخصومة والنداد جمع الناد، أي التي تذهب في كل فن من القول. 11ي استوعب. 12ي نواحيها، الواحد طر بضم الطاء. 13قط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 14ي د، هـ، ز: "ومسموع". 15ذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ذات". 16هو خيط يشد فوق خلف الحلوية لئلا يرضعها ولدها، والأخلاف جمع الخلف -بكسر الخاء وسكون اللام- وهو للحيوان كالثدي للإنسان. 17ذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هداتهم". 18كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المرسوسين"، والموسوسي الذي تحدثه نفسه بالوساوس. 19كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "سعيه". 20 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تشاهده". 21 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و". 22 في ز: "مأخوذ".

ولنذكر ما أورد عليه معقبًا1 به2، ولنقل3 فيه ما يحضرنا من إماطة الفحش به عنه بإذن الله. ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب: وهي: تلقامة4 وتلعابة، فِرناس، فُرانس، تنوفى، ترجمان، شحم أمهج، مهوأن، عياهم، ترامز5، وتماضر، ينابعات، دحندح، عفرين6، ترعاية، الصنبر، زيتون، ميسون، كذبذب، وكذبذب7، هزنبزان8، عفزران، هديكر، هندلع، درداقس، خزرانق، شمنصير، مؤقٍ، مأقٍ، جبروة، مسكين، منديل، حوريت، ترقؤة، خلبوت، حيوت، سمرطول، قرعبلانة، عقربان، مألك، إصري، إزلزل، إصبع، خرفع، زئبر، ضئبل، خرنباش، زرنوق، صعفوق، كنادر9، الماطرون، خزعال، قسطال، ويلمة، فرنوس، سراوع، ضهيد، عتيد، الحبليل، الأربعاوى، مقبئن، "يرنأ، تعفرت"10. أما تلقامة11، وتلعابة12، فإنه13 وإن لم يذكر ذلك في الصفات فقد ذكر14 في المصادر تفعّلت15 تِعِفّالًا؛ نحو تحملت16 تِحمالًا ومثله تقربت تِقرابًا. ولو أردت الواحدة من

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متعقبا". 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ثم" بدل الواو. 3 في ط: "لنذكر". 4 سقط حرف العطف في ش، ط. 5 كذا في ش، ط، وفي د: "تراهن"، وفي هـ: "تراض". 6 كذا في ط، وفي ش، ز: "فعلين: عفرين". 7 زياد في ز. 8 كذا في ط، ز، وفي ش: "هزنبران". 9 ورد في ط. 10 زيادة في ز، ط. 11 يقال: رجل تلقامة أي عظيم اللقم في الأكل. 12 هو كثير اللعب. 13 أي سيبويه. 14 كذا في ز، وفي ش، ط: "ذكره". 15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تفعل". 16 الكتاب 2/ 243.

هذا لوجب أن تكون تِحمالة. فإذا ذكر تفعالًا فكأنه قد1 ذكره بالهاء. وذلك لأن الهاء زائدة1 أبدًا في تقدير الانفصال على غالب الأمر. وعلى الجملة فإن هذه الفوائت عند أكثر الناس إذا فحص عن حالها، وتؤملت حق تأملها، فإنها -إلا مالا بال به- ساقطة2 عن صاحب الكتاب، وذلك أنها على أضرب. فمنها3 ما ليس قائله فصيحًا عنده. ومنها لم يسمع إلا في الشعر، والشعر موضع إضطرار، وموقف اعتذار. وكثيرًا ما يحرف4 فيه الكلم عن أبنيته وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها5 لأجله. ألا ترى قوله6: أبوك عطاء ألأم الناس كلهم يريد عطية. وقالت امرأة7 ترثي ابنًا لها يقال له حازوق: أقلب طرفي في الفوارس لا أرى ... حزاقًا وعيني كالحجاة من القطر8 وأمثاله كثيرة9. وقد ذكرناها في فصل10 التحريف.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ساقط. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "منها". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يحترف". 5 في ش: "صيغتها". 6 أي البعيث يهجو جريرا، وعجزه: فقبح من فحل وقبحت من نجل ومطية أبو جرير. انظر اللسان "عطا"، وص439 من الجزء الثاني. 7 أورد في اللسان "حزق" أقوالا في الشعر، ولم يذكر منها ما قاله المؤلف، ومما جاء فيه: "وقال ابن بري: هو لخزنق ترثي أخاها حازوقا" وكان بنو شكر قتلوه، وهم الأزد". 8 "طرفي" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عيني" والحجاة: نفاخة الماء، وفي ز: "كالحجارة" وهو خطأ في النسخ. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كثير". 10 انظر ص438 من الجزء الثاني.

ومنها ما هو لازم له. وعلى أنا قد قلنا في ذلك، ودللنا به على أنه من مناقب هذا الرجل ومحاسنه: أن يستدرك عليه من هذه اللغة الفائضة السائرة المنتشرة ما هذا قدره وهذه حال محصوله. وليس لقائل أن يدعى أن تِلِقامة، وتلعابة في الأصل المرة الواحدة، ثم وصف بها1 على حد2 ما يقال في المصدر "يوصف3 به"؛ نحو قول الله سبحانه: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} 4 أي غائرًا، ونحو قولها5: فإنما هي إقبالٌ وإدبار وما كان مثله؛ من قبل أن من وصف بالمصدر فقال: هذا رجل زور، وصوم، ونحو ذلك، فإنما ساغ ذلك لأنه أراد المبالغة، وأن يجعله هو نفسه الحدث، لكثرة ذلك منه، والمرة الواحدة هي أقل القليل من ذلك الفعل؛ فلا يجوز أن يريد معنى غاية الكثرة، فيأتي لذلك بلفظ غاية القلة. ولذلك لم يجيزوا: زيد إقبالة وإدبارة قياسًا6 على زيد إقبال وإدبار. فعلى هذا لا يجوز أن يكون قولهم: تِلِقامة على حد قولك: هذا رجل صوم لكن الهاء فيه كالهاء في علامة ونسابة للمبالغة. وإذا كان كذلك فإنه قد "كاد7 يفارق" مذهب الصفة؛ ألا ترى أن من شرط الصفة أن تطابق موصوفها8 في تذكيره، وتأنيثه، فوصف المذكر بالمؤنث، ووصف المؤنث، بالمذكر ليس متمكنًا في الوصف تمكن وصف المونث بالمؤنث والمذكر بالمذكر. فقولك إذًا: هذا رجل عليم أمكن في الوصف من قولك: هذا رجل

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "به". 2 سقط في ز. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 آية 30 سورة الملك. 5 انظر ص 205 من الجزء الثاني. 6 سقط في ش. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بفارق"، وفي ط: "فارق". 8 في ز: "موضعها".

علامة؛ كما أن قولك: مررت بامرأة كافرة أمكن في الوصف من قولك: مررت بامرأة كفور. وإذا كان كذلك جرى تِلِقامة من قولك "مررت1 برجل" تلقامة نحوًا من مجرى مررت بنسوة أربع، في أن أربعًا2 ليس بوصف متمكن "ولذلك صرفته"3، وإن كان "صفة وصف"4 على أفعل. فكأن تلقامة بعد ذلك كله اسم لا صفة5، وإذا كان اسما أو كالاسم سقط الاعتذار منه؛ لأن سيبويه قد ذكر في المصادر تفعّلت تِفِعالًا، فإذا6 ذكره أغنى عن ذكره في الأبنية، ولم يجز لقائل أن يذكره مثالًا معتدًا عليه. كما أن ترعاية7 في8 الصفات تسقط عنه أيضًا من هذا الوجه؛ ألا تراه صفة مؤنثة جرت على موصوف مذكر، فأوحش ذلك منها في الوصف، وجرى لذلك مجرى: مررت برجال أربعة، في أن أربعة ليس وصفًا محضًا، وإنما هو اسم عدد بمنزلة نسوة9 أربع؛ كما أن أربعة لما لم يخص المؤنث دون المذكر جرى لذلك مجرى الاسم، فلذلك قالوا في جمعه: ربعات، فحركوا كما يحركون الاسم نحو9 قصعات. و"إذا كان كذلك سقط عنه أيضًا أن لم يذكر تِفِعالا في الصفة. و"10 كذلك11 ما حكاه الأصمعي من قولهم ناقة تضراب12؛ لأنها لما كانت صفة مذكرة جارية على مؤنث لم تستحكم في الصفة.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "رجل". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز:"أربع". 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وصف". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا". 7 يقال: رجل ترعاية إذا كان يجيد رعية الإبل، وفي تائه الضم أيضا. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من". 9 سقط في ش. 10 سقط ما بين القوسين في ش. 11 كذا والأسوغ: "ذلك". 12 يقال: ناقة تضراب أي ضربها الفحل وطرقها.

وأما فِرناس1 فقد ذكره2 في الأبنية في آخر ما لحقته الألف رابعة مع3 غيرها من الزوائد. وأما فُرانس4 فلعمري إنه لم يذكره. وظاهر أمره أنه فُعانل من لفظ الفرس قال: أأن رأيت أسدًا فرانسًا ... الوجه كرهًا والجبين عابسا5 وأما تنوفى6 فمختلف في أمرها. وأكثر أحوالها ضعف روايتها، والاختلاف الواقع في لفظها. وإنما رواها السكري وحده. وأسندها إلى امرىء القيس "في قوله"7: كأن دثارًا حلقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب الفواعل8 والذي9 رويته عن أحمد بن يحيى: عقاب تنوف لا عقاب الفواعل

_ 1 هو من أسماء الأسد. 2 الكتاب 2/ 323. 3 كذا في ز، ط. وفي ش: "من". 4 هو من أوصاف الأسد، يقال أسد فرانس أي بفرس ويدق العنق. 5 "رأيت" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز،: "رأتني. 6 عي اسم موضع. 7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 8 دثار راعي إبل امرئ اليس. واللبون: الإبل ذوات اللبن. والقواعل: الجبال الصغار. كان امرؤ القيس نزل في طيئ، فأغير على إبله ونهبت، فهو يقول: كأنما اختطفتها عقاب فحلفت بها في الجو -والتحليق: ارتفاع الطائر- فلا يرجا رجوعها. ووصف أ، العقاب عقاب هضبة عالية ليكون أقوى لها، وانظر الخزانة 4/ 471. 9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فالذي".

وقال القواعل إكام حولها، وقال أبو حاتم: هي ثنية طيئ "وهي مرتفعة"1. وكذا رواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني. ورواية أبي عبيدة: تنوفى. وأنا أرى أن تنوف2 ليست3 فعولًا4؛ بل هي تفعل من النوف، وهو الارتفاع. سميت بذلك لعلوها. ومنه أناف على الشيء إذا ارتفع عليه والنيف في العدد من هذا هو فَيعَل بمنزلة صيب وميت. ولو كسرت النيف على مذهب أبي الحسن لقلت: نياوف، فأظهرت عينه. فتنوف -في أنه علم على تفعل- بمنزلة يشكر ويعصر. وقلت مرة لأبي علي "وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبي بكر رحمه الله"5: يجوز أن يكون "تنوفى" مقصورة من تنوفاء بمنزلة بروكاء6، فسمع ذلك وعرف صحته. وكذلك القول عندي في مسولي7 في بيت المرار: فأصبحت مهمومًا كأن مطيتي ... بجنب مسولي أو بوجرة ظالع8 ينبغي أن تكون مقصورة من مسولاء؛ بمنزلة جلولاء. فإن قلت: فإنا9 لم نسمع بتنوفى ولا مسولى ممدودين، ولو كانا أو أحدهما ممدودًا لخرج ذلك إلى10 الاستعمال.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تتوفى". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فعولي". 5 سقط ما بين القوسين في ط. 6 هي الثبات في الحرب والجد. 7 هي اسم موضع. 8 "بجنب" كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بحيث". وفي اللسان "مسل": "ببطن"، ووجرة: موضع، وفي اللسان عقب البيت: "أي طال وقوفي حتى كأن ناقتي ظالع". وظالع من الظلع، وهو عرج يسير، وانظر معجم ياقوت في "مسولا" ففيه البيت مع ثلاثة قبله. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إنا". 10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في".

قيل: ولم1 يكثر أيضًا استعمال هذين الاسمين، وإنما جاءا في هذين الموضعين. بل2 لو كثر استعمالها مقصورين لصح ما أردته3 ولزم ما أوردته، فإنه يجوز أن يكون ألف "تنوفى" إشباعًا للفتحة، لا سيما وقد رويناه "تنوف" مفتوحًا كما ترى، وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن، ألا تراها مقابلة لياء مفاعيلن4؛ كما أن الألف في قوله5: ينباع من ذفرى غضوب جسرة إنما هي إشباع للفتحة طلبًا لإقامة الوزن؛ ألا ترى أنه لو قال: "ينبع من ذفرى" لصح الوزن؛ إلا أن فيه زحافًا هو الخزل6؛ كما أنه لو قال: "تنوف" لكان الجزء مقبوضًا. فالإشباع7 إذًا في الموضعين إنما هو مخافة8 الزحاف الذي مثله جائز. وأما9 ترجمان فقد حكى فيه ترجمان بضم أوله. ومثاله فُعلُلان؛ كعُترُفان10، ودُحمُسان11 وكذلك التاء أيضًا فيمن فتحها أصليةٌ، وإن لم يكن في الكلام مثال جعفر؛ لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز. ومن ذلك عُنفُوان، ألا ترى أنه ليس في الكلام فُعلُوٌ. وكذلك خِنظِيان12؛ لأنه ليس في الكلام فِعلِيٌ إلا بالهاء نحو حِدرِية13 وعِفرِية14؛ كما أنه ليس فيه فُعلُو إلا بالهاء نحو عُنصُوة15.

_ 1 سقط حرف العطف في ط. 2 في د، هـ، ز: "بلى". 3 سقط في ش. 4 رسم في ز، ط: "مفاعي لن". 5 أي عنترة، وتقدم هذا ص123 من هذا الجزء. 6 البيت من الكامل، وهو تكرار متفاعلن، والخزل فيه تسكين التاء وسقوط الألف، هذا وفي ط: "الجزل" وهو مرادف للخزل. 7 في ط: "والإشباع". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مخالفة". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأما". 10 هو الديك، وهو أيضا ثبت من نبات الربيع. 11 يقال: رجل دحمسان: أي أسود سمين. 12 يقال: رجل حنظيان وخنظيان أي فحاش بذيء. 13 هي الأرض الغليظة. 14 يقال: رجل عفرية أي خبيث ماكر. 15 من معانيها الخصلة من الشعر، والقطعة من الكلا.

وكذلك الريهقان1؛ لأنه ليس في الكلام فَيعُل. ونظير ذلك كثير. فكذلك2 يكون ترجمان فَعلُلانًا، وإن لم يكن في الكلام فَعلُل ومثله قوله: وما أيبلىٌ على هيكلٍ3 هو فَيعُلي؛ لأنه4 قد5 يجىء مع ياءي6 الإضافة ما لولاهما لم يجىء؛ نحو قولهم: تحوى في الإضافة إلى تحية وهو7 تفلى. وأما شحم أمهج8 فلعمري إن سيبويه قد حظر في الصفة أفعل. وقد يمكن أن يكون محذوفًا من أمهوج9 كأسكوب. وجدت بخط أبي علي عن الفراء: لبن أمهوج. فيكون أمهج هذا مقصورًا منه لضرورة الشعر وأنشد10 أبو زيد: يطعمها اللحم وشحمًا أمهجا11

_ 1 هو الزعفران. 2 كذا في ط، ش، وفي د، هـ، ز: "لذلك". 3 هو للأعشى. وعجزه: بناء وصلب فيه وصار والأيبلي: الراهب، وصلب: رسم الصليب، وصار: صور، وفي شرح ثعلب لديوان الأعشى: "وصارا: سكن" وكأنه أخذه من صريت، ومن معانيه البقاء، ويكتب على هذا: صارى بالباء، وخبر "ما أيبلي" في بيت بعد هذا ببيت، وهو: بأعظم منه تقي في الحساب ... إذا النسمات نفضن النهارا وهما من قصيدة طويلة في مدح قيس بن معديكرب، وانظر الصبح المنير 40 وما بعدها. 4 في الأصول: "إلا أنه" ويبدو أن الصواب ما أثبت، يريد أن فيعلا بفتح الفاء وضم العين لم يسمع في الأوزان، ولكنه قد يجيء مع ياءي النسب ما لا يجيء دونها. 5 سقط في ز. 6 في ز، ط: "ياء". 7 ثبت هذا الحرف في ز، وسقط في ش، ط. 8 أي رقيق أونيء. 9 هو الذي سكنت رغوته وخلص ولم يحثر. 10 ثبت حرف العطف في ط. 11 "بطعمها" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نطعمها".

ولم نسمعه في النثر أمهجا. وقد يقال: لبن أمهجان، وماهج قال هميان بن قحافة: وعرضوا المجلس محضا ماهجا1 "ويروى: وأروت المجلس"2 وكنت قلت لأبي علي -رحمه الله- وقت القراءة: يكون3 أمهج محذوفًا من أمهوج فقبل ذلك ولم يأبه. وقد يجوز أن يكون أمهج في الأصل اسمًا4 غير صفة، إلا أنه وصف به، لما فيه من معنى الصفاء والرقة5، كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعاني6 الأوصاف، "كما أنشد أبو عثمان من"7 قول الراجز: مئبرة العرقوب إشفى المرفق8 فوصف بإشفى "وهو اسم"9 لما فيه من معنى الحدة، وكقول الآخر: فلولا الله والمهر المفدى ... لرحت وأنت غربال الإهاب10 فهذا كقولك: وأنت مخرق الإهاب وله نظائر. وأما مهوأن11 ففائت للكتاب. وذهب بعضهم إلى أنه بمنزلة مطمأن. وهذا سهو ظاهر. وذلك لأن الواو لا تكون أصلًا في ذوات الأربعة إلا عن تضعيف.

_ 1 "محضا" كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "مهجا"، والمحض: اللبن لا ماء فيه. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيكون". 4 في ط: "أفعلا". 5 سقط في د، هـ، ز. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لمعنى". 7 كذا في ش، وفي ط: "كما أنشدنا عن أبي عثمان من" وفي د، هـ، ز: "أنشدنا عن أبي عثمان". 8 انظر ص223 من الجزء الثاني. 9 سقط ما بين القوسين في ش. 10 انظر ص223 من الجزء الثاني. 11 هو ما اطمأن من الأرض واتسع.

فأما1 ورنتل فشاذ. فمهوأن إذًا مفوعل. كأنه جارٍ على اهوأن. وقد قالوا: اكوهد2 واقوهد وهو افوعل "ونحوه"3 قول4 الهذلي5: فشايع وسط ذودك مقبئنًا ... لتحسب سيدًا ضبعًا تبول مقبئنًا: منصبًا. فهذا مفعلل كما ترى. وشبه هذا المجوز لأن يكون مهوأن بمنزلة مطمأن الواو فيه بالواو في غوغاء وضوضاء، وليس هذا من خطأ أهل الصناعة؛ لأن غوغاء وضوضاء من ذوات تضعيف الواو، بمنزلة ضوضيت وقوقيت. وقد يجوز من وجه آخر أن يكون واو مهوأن أصلًا. وذلك بأن يكون سيبويه قد سأل جماعة من الفصحاء عن تحقير مهوأن6 على الترخيم، فحذفوا الميم وإحدى النونين ولم يحذفوا الواو البتة، مع حذفهم واو كوثر على الترخيم "في قولهم"7: كثير، وحذفهم واو جدول، وقولهم: جديل وامتنعوا من حذف8 واو مهوأن، فقطع سيبويه بأنها أصل فلم يذكره. وإذا كان هذا جائزًا، وعلى مذهب إحسان الظن به سائغًا، كان فيه نصرة له و"تجميل9 لأثره" فاعرفه10؛ فتكون الواو مثلها في ورنتلٍ. وكذلك يمكن أن يحتج بنحو هذا في فرانسٍ وكنادر11؛ فتكون النون فيهما أصلًا.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأما". 2 يقال: اكوهد الفرخ إذا ارتعد إلى أمه لتزقه. 3 في ش: "نحو". 4 في د، هـ، ز: "قال". 5 هو حبيب الأعلم: والبيت من قصيدة يهجو فيها رجلا اسمه عبد الله، وقوله: "فشايع" في ديوان الهذليين: "تشايع" والمشايعة دعاء الإبل لتجتمع وتنساق، والذود القطعة من الإبل، يذكر أنه ذو مال، وهو يعنى به ليسود عند الناس، وقوله "ضبعا تبول" فالكلام على النداء، أي يا ضبعاء وفي ط: "تنول" أي تحرك استها، وانظر ديوان الهذليين 2/ 86. 6 في د، هـ، ز بعده: "أصلا". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وقولهم" وفي ط: "وهو قولهم". 8 سقط في ش. 9 في ط: "تحميل لأمره" وفي ش "تجميل ألا تراه" وهو محرف عما أثبت. 10 أخر في ز عن قوله: "ورتثل". 11 هو الغليظ القصير مع شدة.

وأما عياهم1 فحاكيه صاحب العين، وهو مجهول. وذاكرت أبا علي -رحمه الله- يومًا بهذا2 الكتاب فأساء نثاه3. فقلت له: إن تصنيفه أصح وأمثل من تصنيف الجمهرة، فقال: الساعة لو صنف إنسان لغة بالتركية تصنيفًا جيدًا أكانت4 تعتد عربية لجودة تصنيفها؟ أو كلاهما هذا نحوه. وعلى5 أن صاحب العين أيضًا إنما قال فيها: وقال بعضهم: عياهمة وعياهم؛ كعذافرة وعذافر. فإن صح فهو فُياعل، ملحق بعذافر وقلت فيه لأبي علي: يجوز أن تكون العين فيه بدلًا من همزة؛ كأنه أياهم كأباتر وأحامر فقبل ذلك. وأما تماضر وترامز فذهب أبو بكر إلى أن التاء فيهما زائدة. ولا وجه لذلك؛ لأنها6 في موضع عين7 عذافر فهذا8 يقضى بكونها أصلًا، وليس معنا اشتقاق فيقطع بزيادتها. قال أبو زيد: وهو الجمل9 القوي الشديد؛ وأنشد: إذا أردت طلب المفاوز ... فاعمد لكل بازلٍ ترامز وذهب بعضهم في تماضر إلى أنه تُفاعل، وأنه فعل منقول؛ كيزيد وتغلب. ولا حاجة به إلى ذلك، بل تماضر رباعي وتاؤه فاء كترامز. فإن توهم ذلك لامتناع صرفه في قوله10: حيوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي

_ 1 يقال: رجل عياهم أي ماض سريع. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "في هذا"، وفي ط: "هذا". 3 أي وصفه وذكره، والنثا: ما أخيرت به عن الشيء من حسن أو سيئ. 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "لكانت" وهو تحريف. 5 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 6 في د، هـ، ز: "لأنهما". 7 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "غير"، وسقط في ش. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو". 10 أي دريد بن الصمة، وانظر ديوان الخنساء.

فليس شيئا؛ لأن تماضر علم مؤنث، وهو اسم الخنساء الشاعرة. وإنما منع الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف، كامرأة سميتها بعذافر وعماهج. وهذا واضح. وأما ينابعات1 فما أظرف أبا بكر أن أورده2 على أنه أحد الفوائت! ألا يعلم أن سيبويه قد3 قال4: ويكون على يفاعل نحو اليحامد5 واليرامع6. فأما لحاق علم التأنيث والجمع به7 فزائد على المثال، وغير8 محتسب به فيه9 وإن رواه راوٍ ينابعات فينابع يفاعل؛ كيضارب ويقاتل، نقل وجمع. وأما دحندح فإنه صوتان: الأول منهما منون10: دحٍ، والآخر منهما11 غير منون: دح "وكأن الأول نون للوصل. ويؤكد ذلك قولهم في معناه: دح دح"12 فهذا كصهٍ صهٍ في النكرة، وصه صه في المعرفة. فظنته الرواة كلمة واحدة. ومن هنا قلنا: إن صاحب اللغة إن لم يكن له نظر أحال كثيرًا منها وهو يرى أنه على صواب. ولم يؤت من أمانته وإنما أتي من معرفته. ونحو هذا الشاهد إذا13 لم يكن فقيها: يشهد14 بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. ولذلك ما استد15 عندنا أبو عمرو الشيباني

_ 1 هو اسم موضع. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بورده". 3 سقط في ش، ط. 4 الكتاب 2/ 319. 5 اليحامة: المنسوبون إلى يحمد -في وزن يمنع- وهي قبيلة من الأزد. 6 جمع اليرمع، ومن معانيها حجارة رخوة إذا فتت تفتتت. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه". 8 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 9 سقط في د، هـ، ز. 10 سقط في ش. 11 سقط في ش، ط. 12 سقط ما بين القوسين في ش. 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إن". 14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شهد" وفي ط: "شهيد" وهو محرف عن "شهد". 15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "اشتد"، واسند من السداد، وكانت وفاة أبي عمرو سنة 216، ووفاة يونس بن حبيب سنة 183هـ.

لملازمته1 ليونس وأخذه عنه. ومعنى هذه الكلمة فيما ذكر "محمد2 بن الحسن أبو بكر3: قد4 أقررت فاسكت" "وذكر محمد بن حبيب أن دحندح دويبة صغيرة: يقال: هو أهون علي من دحندح"5 ومثل هذين الصوتين عندي قول الآخر: إن الدقيق يلتوى بالجنبخ ... حتى يقول بطنه جخٍ جخ6 وأما عفرين فقد ذكر سيبويه7 فعلا8 كطمر وحبر9. فكأنه ألحق علم الجمع كالبرحين10 والفتكرين11. إلا أن بينهما فرقًا. وذلك أن هذا يقال فيه: البرحون والفتكرون، ولم يسمع في عفرين الواو. وجواب هذا أنه لم يسمع عفرين12 في الرفع13 يالياء، وإنما سمع في موضع الجر، وهو قولهم: ليث عفرين. فيجب أن يقال فيه14 في الرفع: هذا عفرون. لكن لو سمع في موضع الرفع بالياء لكان أشبه بأن يكون فيه النظر. فأما15 وهو في موضع الجر فلا يستنكر فيه الياء.

_ 1 في ز: "بملازمته". 2 سقط ما بين القوسين في ز، هـ. 3 سقطت هذه الكنية في ش، وهو ابن دريد. 4 سقط في ط. 5 سقط ما بين القوسين في ش، وسقط قوله: "وذكر" في د، هـ، ز. 6 في ط: "الرقيق" في مكان "الدقيق"، والدقيق يريد به دقيق الجسم الشخت. وفي رواية اللسان في جنبخ: "القصير"، والجنبخ: الطويل، يريد أن القصير والطويل إذا تصارعا فإن القصير يثني الطويل ويلويه، وانظر اللسان. 7 انظر الكتاب 2/ 330. 8 في ط: "عفرا". 9 هو اسم موضع. 10 هو بكسر الباء وضمها، أي الشدائد. 11 هو أيضا بكسر الفاء وضمها أي الشدائد والدواهي كالبرحين. 12 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "في عفرين" وعفرين: مأسدة، ويقال: ليث عفرين لكل ضابط قوي. 13 في ز: "و". 14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "له". 15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأما".

وأما ترعاية فقد قيل فيه أيضا: رجل ترعية، وترعاية. وكان أبو علي صنع ترعاية فقال: أصلها ترعية ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفا؛ كقولهم في الحيرة: حارى. وإذا كان ذاك1 أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت في الصفات. ولكن قد2 حكى الأصمعي: ناقة تضراب إذا ضربها الفحل. فظاهر3 هذا أنه4 تفعال في الصفة كما ترى. وقد ذكرنا ما فيه في أول الباب. وأما الصنبر فقد كنت قلت فيه في هذا الكتاب في قول طرفة: بجفان تعترى نادينا ... وسديف حين هاج الصنبر5 ما قد مضى، وإنه يرجع بالصنعة إلى أنه من نحو مررت ببكر. وذهب بعضهم إلى أنه كسر الباء لسكونها وسكون الراء. وفيه ضعف. وذلك أن الساكنين إذا التقيا من كلمة واحدة حرك الآخر منهما، نحو أمس6، وجير، وأين، وسوف، ورب. وإنما يحرك الأول منهما إذا كانا من كلمتين، نحو قد انقطع، وقم الليل، وأيضا فإن الساكنين لا ينكر اجتماعهما في الوقف. فإن قلت: فالوزن اقتضى تحريك الأول، قيل: أجل إلا أنه لم يقتضك فساد الاعتلال7. فإذا8 قلت ما قلنا نحن في هذا فيما مضى من كتابنا سلم على يديك، وثلج به صدرك إن شاء الله. فإن قلت: فقد قالوا في الوقف: ضربته9.

_ 1 سقط في ش. 2 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وظاهر". 4 سقط في ط. 5 في ش: "من سديف"، وانظر ص282 من الجزء الأول. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس". 7 في ط: "الإعلال". 8 كذا في ش، وفي د، ط: "وإذا". 9 أي في ضربته من قولك: محمد ضربته زينب، والوقف بكسر تاء التأنيث لغة بني عدي من تميم، وانظر الكتاب 2/ 287.

قيل: هذا أمر يخص تاء التأنيث، رغبة في الكسرة الدالة على التأنيث. وأيضًا فإن التاء آخر الكلمة، والهاء زائدة1 من بعدها، ليست منها. وكذلك القول في ادعه2، واغزه، ألا ترى "أن الهاء زائدة"3 من بعد الكلمة. وعلى أنه قد يجوز أن تكون الكسرة فيهما4 إنما هي على حد قولك: ادع واغز، ثم لحقت الهاء. ونحوه ما أنشده أبو سهل أحمد بن زياد القطان5: كأن ريح دبرات خمس ... وظربانا بينهن يفسى ريح ثناياها بعيد النعس6 أراد: يفسو، ثم حذف الواو استخفافا، وأسكن السين، والفاء قبلها ساكنة، فكسر السين لالتقائهما، ثم أشبع للإطلاق فقال: يفسى. فاعرف ذلك. وأما هزنبزان7 وعفزران فقد ذكرا في بعض نسخ الكتاب. والهزنبزان السيء الخلق، قال: لقد منيت بهزنبران ... لقد نسيت غفل الزمان8

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "زيادة". 2 أي بكسر العين، ويقول سيبويه في الكتاب 2/ 278: "وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: ادعه من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة؛ إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم"، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنها زيادة"، وفي ط: "الهاء زيادة". 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيها" يريد الكسرة في ادعه وأعزه، يريد في هذا الوجه أنك قدرت سكون العين للوقف فالتفت ساكنة مع الفاء، فحركت العين للساكنين، ثم ألحقته الهاء، فبقي الكسر للعين، وهذا غير الوجه الأول، فإنه يراعى في الساكنين العين والهاء، وترى هذا الوجه الثاني هو ما في الكتاب، على ما سلف لك. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنشدناه" والقطان هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد وكانت وفاته سنة 350 كما في النجوم الزاهرة 3/ 328. 6 كأنه يريد بالديرات نياقا دبر ظهرها، والدير فرح فيها، والظربان يضرب به المثل في الفساء، يهجو امرأة بخبث رائحتها، وقوله: "ظربانا" كذا وقد يكون "ظربانا" بالجر عطفا على "دبرات" أو بالرفع على أن الجملة حالية. 7 كذا في ط، وبالزاي، وهذا يوافق تفسيره بالسيئ الخلق، وفي ش: "عزنبران" وهو عند صاحب القاموس تبعا للصاغاني: الكيس الحاد الرأس، وقد وهما الجوهري في تفسيره الكلمتين بالسيئ الخلق وانظر القاموس والتاج في "هزبر". 8 يريد بغفل الزمان سعة العيش، كأن الزمان غفل عن إساءته وفي ز، ط: "عقل" وهو تصحيف.

وعفزران: اسم رجل. وقد يجوز أن يكون أصله: عفزر، كشعلع وعديس، ثم ثنى1 وسمي به، وجعلت النون حرف إعراب، كما حكى أبو الحسن عنهم في اسم رجل: خليلان. وكذلك أيضًا ذهب في قوله2: ألا يا ديار الحي بالسبعان إلى أنه تثنية سبع وجعل النون حرف إعراب. وليس لك3 مثل هذا التأويل في هزنبزان؛ لأنه نكرة وصفة للواحد. وهذا "يبعده عن"4 العلمية والتثنية. وأما هديكر فقال أبو علي: سألت محمد بن الحسن عن الهيدكر فقال: لا أعرفه، وأعرف الهيدكور. قال أبو بكر: وإن سمع فلا يمتنع. هذا حديث الهيدكر وأما5 الهديكر فغير محفوظ عنهم، وأظنه من تحريف النقلة، ألا ترى إلى بيت طرفة: فهي بداء إذا ما أقبلت ... فخمة الجسم رداح هيدكر6 وكأن7 الواو حذفت من هيدكور ضرورة. فإذا جاز أن تحذف الواو الأصلية لذلك في قول "الأسود بن يعفر"8. فألحقت أخراهم طريق ألاهم

_ 1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "بني". 2 أي ابن مقبل أو ابن أحمر، وعجزه: أمل عليها بالبلى الملوان والسبعان: موضع في ديار قيس، وانظر معجم البلدان، والخزانة 3/ 275، والكتاب 2/ 322. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يبعد في". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فأما". 6 البداء: المرأة الكثيرة لحم الفخذين، والرداح: ضخمة العجيزة. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك". 8 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الأسود"، وفي ش: "أبي الأسود"، وانظر في البيت ص294 من الجزء الثاني.

كان حذف الزيادة1 أولى. ويقال: تهدكرت المرأة تهدكرا في مشيها2. وذلك إذا ترجرجت. وأما زيتون فأمره واضح، وأنه فعلون، ومثال فائت. والعجب أنه في القرآن، وعلى أفواه الناس للاستعمال3. وقد كان بعضهم قد تجشم أن أخذه من الزتن، وإن كان أصلا مماتا فجعله فيعولا. وصاحب هذا القول ابن كيسان أو ابن دريد: أحد الرجلين. ومثل زيتون -عندي- ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد بن معاوية. وكان4 سمعها تهجوه، فقال لها: الحقي بأهلك. وأما قيطون فإنه فيعول5، من قطنت بالمكان؛ لأنه بيت في جوف بيت. وأما الهندلع فبقلة، وقيل: إنها غريبة6 ولا تنبت في كل سنة. وما كانت هذه سبيله كان الإخلال بذكره قدرا مسموحا به، ومعفوا عنه. وإذا صح أنه من كلامهم فيجب أن تكون نونه زائدة؛ لأنه لا أصل بإزائها فتقابله7. فهى إذا كنون كنتأل8. ومثال الكلمة على هذا: فنعلل. ومن ادعى أنها أصل، وأن الكلمة بها خماسية، فلا دلالة له ولا برهان معه. ولا فرق بين أن يدعى أصلية هذه النون وبين ادعائه أصلية نون كنتأل وكنهبل9.

_ 1 كذا في ش، وفي هـ، ز، ط: "الزائدة"، وفي د: "الزائد". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مشيتها". 3 كذا في د، هـ، ز، ظ، وفي ش: "له استعمال". 4 أي معاوية رضي الله عنه، وذلك في قولها في شعرها المشهور: وخرق من بني عمي نحيف ... أحب إلي من علج عنيف 5 أهل اللغة على أنه أعجمي، وقد نص على ذلك ابن دريد في الجمهرة 3/ 388 والجواليقي في المعرب 272، وعلى ذلك لا يرد النقض به على صاحب الكتاب، ولا يتكلف له اشتقاق. 6 كذا في ز، وفي ش، ط: "عربية". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيقابله". 8 هو القصير. 9 هو ضرب من الشجر.

وأما كذبذب خفيفا، وكذبذب ثقيلا ففائتان. ونحوهما ما رويته عن بعض أصحابنا من قول بعضهم: ذرحرح في هذا "الذرحرح بفتح الرائين"1 "أنشد أبو زيد"2: وإذا أتاك بأنني قد بعتها ... بوصال غانية فقل كذبذب ولسنا نعرف كلمة فيها ثلاث عينات غير3 كذبذب وذرحرح. وقد4 أنشد بعض البغدادين "قول الشاعر"5: بات يقاسي ليلهن زمام ... والفقعسي حاتم بن همام مسترعفات ليصللخم سام "اللام الأولى هي الزائدة هنا، لأنه لا يلتقي عينان إلا6 والأولى ساكنة"7، وهذا مصنوع للضرورة" يريد: لصلخم8، فاحتاج لإقامة الوزن، فزاد على العينين أخرى، فصار من فعل إلى فععل. وأما الدرداقس فقيل فيه: إنه أعجمي، وقال الأصمعي: أحسبه روميا، وهو طرف العظم الناتئ فوق القفا. وأنشد أبو زيد: من زل عن قصد السبيل تزايلت ... بالسيف هامته عن الدرداقس9

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الذروح"، وهي دويبة حمراء منقطعة بسواد تطير. 2 في ط: "في هذا البيت الذي أنشده أبو زيد" والشعر لجريبة بن الأشيم في أبيات أخر في النوادر 72، وفيها: "بعته" في مكان: "بعتها" وهو وصف جمله. 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كعين". 4 سقط في ز. 5 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط، وقوله: "يقاسين" أي يقاسي إبلا يسير بها، ومسترعفات: سابقات، والصلخم: الجسيم الماضي، و"سام" أي سامي الطرف مرتفعة وهو وصف لبعير أو لحاد، وورد في اللسان "صلخم": مسترعلات لصللخم سامي 6 سقط هذا الحرف في ط. 7 سقط ما بين القوسين في ش، وهو في د، هـ، ز، بعد: "لإقامة الوزن"، وما هنا وفق ما في ط. 8 في ط: "الصلخم". 9 في ش: "على الدردافس".

وكذلك الخزرانق أعجمي1 أيضا. وهو فارسي، يعنى به ضرب من ثياب الديباج. ويجب أن تكون "نونه زائدة"2 إن كان الدرداقس أعجميا. فإن كان عربيا فيجب أن تكون نونه3 أصلا، لمقابلتها قاف درداقس العربي. وأما شمنصير ففائت أيضا إن كان عربيا. قال الهذلي4: لعلك هالك إما غلام ... تبوأ من شمنصير مقاما وقد يجوز5 أن يكون محرقا من شمنصير6 لضرورة الوزن. وأما مؤقٍ فظاهر أمره أنه فعلٍ وفائت. وقد يجوز أن يكون مخففًا من فعلي، كأنه في الأصل مؤقي بمعنى مؤقٍ، وزيدت الياء لا للنسب، بل كزيادتها في كرسي وإن كانت في كرسي لازمة وفي مؤقي غير لازمة لقولهم فيه: مؤقٍ. لكنها في أحمري وأشقري غير لازمة. وأنشدنا أبو علي: كان حداء قراقريا7 "يريد قراقرا"8 وأنشدنا أيضًا للعجاج: غضف طواها لأمس كلابي9 "أي كلاب يعنى صاحب كلاب"10 وأنشدنا أيضًا له11: والدهر بالإنسان دواري12

_ 1 انظر معرب الجواليقي 127. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زائد النون". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "نون جزرانق". 4 هو صخر الغي، والبيت ختام قصيدة يرثي فيها ابنه تليدا، وشمتصير جهل في بلاد هذيل دفن فيه ابنه، يخاطب نفسه فيقول: لعلك تموت إن مات غلام دفن في هذا المكان، ولعل للإشفاق، ويعني بالغلام ابنه، وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 66. ومعجم البلدان. 5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش. 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "شمصير". 7 انظر ص107 من هذا الجزء. 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 9 انظر ص106 من هذا الجزء. 10 سقط ما بين القوسين في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز. 11 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط. 12 انظر ص106 من هذا الجزء.

أي دوار؛ إلا أن زيادة هذه الياء فى الصفة أكثر منها في الاسم، لأن الغرض فيها توكيد الوصف. ومثل مؤقٍ في هذه القضية ما رواه الفراء من قول بعضهم فيه: ماقٍ. فيجب أيضًا أن يكون مخففًا1 من ثقيله. وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: يا من العين لم تذق تغميضا ... وماقيين اكتحلا مضيضا2 فمقلوب. وذلك أنه أراد من المأق مثال فاعل فكان قياسه مائق، إلا أنه قد قلبه إلى فالع، فصار: مأقٍ بمنزلة شاكٍ ولاثٍ في شائك ولائث. ومثله قوله3: وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي أراد: الخائل: فاعلا من الخيلاء. وجبروة من قبل الكوفيين. وهو فائت. ومثاله فعلوة. وأما مسكين ومنديل فرواهما اللحياني. وذاكرت يومًا أبا علي بنوادره4 فقال: كناش5. وكان أبو بكر -رحمه الله- يقول: إن كتابه لا تصله به6 رواية، قدحًا فيه، وغضًا منه.

_ 1 فأصله مأفي، وبعد تخفيفه صار كقاض. 2 المضيض: الهم والحزن، والرضيض: المدقوق، وانظر النوادر 52. 3 أي امرئ القيس، وما أورده شطر في بيتين هما: لقد زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي وبسباسة: اسم امرأة، والسر: اللهو بالنساء ويزن: يتهم. 4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في نوادر". 5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كناسة"، وقد يكون محرفا عن "كناشة"، وفي التاج "كنش" أن الكناشة أوراق تجعل كالدفتر يقيد فيها الفوائد والشوارد للضبط، وأبو علي يريد أنه ليس فيه مسكة التصنيف. 6 في ط: "وفيه".

وأما حوريت فدخلت يومًا على أبي علي -رحمه الله- فحين رأنى قال: أين أنت! أنا أطلبك. قلت؛ وما هو؟ قال: ما تقول في حوريت1؟ فخضنا فيه، فرأيناه خارجًا عن الكتاب. وصانع أبو علي عنه بأنه قال: إنه2 ليس من لغة ابني نزار3، فأقل الحفل به لذلك. وأقرب ما ينسب إليه أن يكون فعليتا4، قريبًا من عفريت. ونحوه ما أخبرنا به أبو علي من قول بعضهم في الخلبوت5: الخلبوت، وأنشد: ويأكل الحية والحيوتا6 وهو ذكر الحيات، فهذان7 فعلوت8. وأما ترقؤة فبادي أمرها أنها فائتة؛ لكونها فعلؤة. ورويناها9 عن قطرب، وذكر أنها لغة لبعض عكل. ووجه القول عليها -عندي- أن تكون10 مما همز من غير المهموز، بمنزلة استلأمت الحجر، واستنشأت الرائحة -وقد ذكرنا ذلك في بابه- وأصلها ترقوة، ثم همزت على ما قلناه. وأما سمرطول11 فأظنه تحريف سمرطول بمنزلة عضرفوط11، ولم نسمعه في نثر12. قال: على سمرطولٍ نيافٍ شعشع13

_ 1 ضبط في ش بفتح الواو وتشديد الراء مكسورة، وحوريت: اسم موضع. 2 سقط في ش. 3 يريد: ربيعة ومضر. 4 ضبط في ش: "فتح الثاني وكسر الثالث مع التشديد". 5 هو الخداع الكذاب. 6 هو من رجز أورده اللسان في دمق وفي حبي، وبعده: ويدمق الأقفال والتابوتا أي يكسر الأقفال والتابوت وهو الصندوق، وذلك جريا وراء ما ادحر فيه من الطعام، يصف امرأ بالشره وأنه يطعم ما وجده، حتى ليأكل الحيات. 7 في د، هـ، ز: "وهذان". 8 في ز: "فعلونا". 9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 10 في ش: "يكون". 11 سمر طول أي طويل مضطرب، والعضرفوط: ذكر العظاء، والعظاء واحدها العظاية، وهي دابة كسام أبرص. 12 بعده في اللسان "سمرطيل". "وإنما سمعتاه في الشعر". 13 يريد بالسمر طول حملا طويلا، و"نياف" أي طويل فهو تأكيد لما في "سمرطول" من الطول، والثمثع: الطويل العنق.

وإذا استكرهوا في الشعر لإقامة الوزن خلطوا فيه قال: بسحبل الدفين عيسجور أراد سبحلا، فغير كما ترى. وله نظائر قد ذكرت في باب1 التحريف. وقرعبلانة كأنها2 قرعبل، ولا اعتداد بالألف والنون وما بعدهما. ويدلك على إقلالهم الحفل بهما3، ادغامهم الإمدان4؛ كما يدغم أفعل من المضاعف؛ نحو أرد وأشد، ولو كانت الألف والنون معتدة لخرج بهما المثال عن وزن الفعل فوجب إظهاره، كما يظهر ما5 "خرج عن مثاله، نحو حضض6، وسُرر7، وسَرر7. وعلى أن هذه اللفظة" لم تسمع إلا من كتاب العين. وهي -فيما ذكر- دويبة. وفيه وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك في "حذفهم لهما"8 عند إرادة الجمع كما تحذف9؛ ألا تراهم قالوا في استخلاص الواحد من الجمع بالهاء وذلك شعير وشعيرة وتمر وتمرة وبط وبطة، وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضًا. وذلك قولهم: إنس، فإذا أرادوا الواحد قالوا: إنسان، وظرب، فإذا أراد الواحد قالوا: ظربان قال10: قبحتم يا ظربا مجحره

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فصل". وانظر ص438 من الجزء الثاني. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كأنه". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بها". 4 كذا في ش، وهو الماء الملح، وفي ز، ط: "الأمران" وهو تثنية الأمر. 5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 6 من معانيه دراء يتخذ من أبوال الإبل. 7 هو ما على الكمأة من القشور والطين. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حذفهما". 9 كذا في ش، ط، ط، وفي د، هـ، ز: "يحذف". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنشدنا" ولم أقف لهذا الشطر على تكملة وقوله "مجحرة" أي تدخل الضب وتحره الجحر من خبث قبائها، وفي ز، ط: "محجرة" بتقديم الحاء على الجيم

وكذلك أيضًا حذفوا الألف والنون لياءي1 الإضافة؛ كما حذفت2 التاء لهما؛ قالوا في خراسان: خراسي، كما يقولون في خراشة3: خراشي. وكسروا أيضًا الكلمة على حذفهما، كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم: كَروان وكِروان "وشَقذان وشِقذان"4 كما قالوا: بَرق5 وبِرقان، وخرب6 خربان. فنظير هذا قولهم: نعمة وأنعم. وشدة وأشد عنده سيبويه. فهذا نظير7 ذئب وأذؤب وقطح8 وأقطع، وضرس وأضرس، قال: وقرعن نابك قرعة بالأضرس9 وقالوا أيضًا: رجل كذبذب وكذبذبان، حتى كأنهما مثال واحد، كما أن دمًا ودمة وكوكبًا وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع10 والشعشان10، والهزنبر11 والهزنبران11 و"الفرعل والفرعلان"12. فلما تراسلت الألف والنون، والتاء في هذه المواضع وغيرها جرتا مجرى المتعاقبتين13، فإذا التقتا في مثال واحد ترافعتا أحكامهما، على ما "قدمناه14 في" ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة لما اجتمعت15 عليه16 التاء مع الألف والنون ترافعتا17

_ 1 كذا في ش، ط، وفي ز: "لياء". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحذف". 3 في ش: "خراسة: خراسي"، وخراشة من أسماء العرب، وأبو خراشة خفاف بن ندبة. 4 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "شقران وشقران" وسقط ما بين القوسين في ش، والشقذان: الحرباء. 5 هو الحمل -كسبب- وهو الصغير من أولاد الضأن. 6 هو ذكر الحبارى. 7 كذا في ش، ط، وفي ز: "نظيره". 8 هو نصل صغير عريض. 9 انظر ص225 من الجزء الثاني. 10 هو الطويل الحسن. 11 هو السيئ الخلق. 12 كذا في د، هـ، وفي ز: "الفرعل والفرعل"، وفي ش، ط: "القوعيل والقرعيلان"، والفرعل والفرعلان ولد الضبع. 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المتعاقبين". 14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بيناه في باب". انظر ص110 من الجزء الثاني. 15 في ز: "اجتمع". 16 سقط في ز، ط. 17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ترافعت".

أحكامهما، فكأن لا تاء هناك ولا ألف ولا نونًا، فبقى الاسم على هذا كأنه قرعبل. وذلك ما أردنا بيانه. فاعرفه. وأما عقربان "مشدد1 الباء" فلك فيه أمران: إن شئت قلت: إنه لا اعتداد بالألف والنون فيه -على ما مضى- فيبقى حينئذ كأنه عقرب، بمنزلة قسقب2 وقسحب2 وطرطب3. وإن شئت ذهبت مذهبا أصنع من هذا. وذلك أنه قد جرت الألف والنون من حيث ذكرنا في كثير من كلامهم مجرى ما ليس موجودًا على بيننا. وإذا كان كذلك كانت الباء لذلك كأنها حرف الإعراب وحرف الإعراب قد يلحقه التثقيل في الوقف، نحو هذا خالد، وهو يجعل. ثم إنه قد يطلق ويقر تثقيله عليه نحو الأضخما4، وعيهل5. فكأن عقربانًا6 لذلك عقرب، ثم لحقتها التثقيل لتصور معنى الوقف عليها عند اعتقاد حذف الألف والنون من بعدها، فصارت كأنها عقرب ثم لحقها7 الألف والنون فبقي على تثقيله كما بقى "الأضخما" عند إطلاقه على تثقيله إذا8 أجرى9 الوصل مجرى الوقف، فقيل: عقربان، على ما شرحنا وأوضحنا. فتأمله ولا "يجف عليك"10 ولا تنب عنه، فإن له نظيرًا، بل نظراء، ألا تراهم قالوا في الواحد: سيد11، فإذا12 أرادوا الواحدة قالوا سيدانة، فألحقوا علم التأنيث بعد

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بتشديد الباء". 2 هو الضخم. 3 هو الثدي المسترخى الطويل. 4 أي في قول الشاعر: بده يجب الخلق الأضحما 5 أي في قول الراجز: بيازل وجناء أو عيهل 6 كذا في د، هـ، ز، وفي ش؛ ط: "عقربان". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لحقها". 8 في ش: "وإذا". 9 في ط: "جرى". 10 كذا في ش، وفي ز، ط: "تجف عليه". 11 هو الذئب. 12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وإذا".

الألف والنون، وإنما يجب أن يلحق بعد حرف إعراب المذكر، كذئب وذئبة، وثعلب وثعلبة؛ وقد ترى إلى قلة اعتدادهم بالألف والنون في سيدانة، حتى كأنهم قالوا: سيدة. وهذا تناهٍ في إضعاف حكم الألف والنون. وقد1 قالوا: "الفرعل والفرعلان"2 والشعشع والشعشعان "والصحصح والصحصحان"3 بمعنى واحد فكأن اللفظ لم يتغير. ومثل التثقيل في الحشو لنية الوقف ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: غضٌ نجارى طيب عنصري4 فثقل الراء من عنصري"5 وإن كانت الكلمة مضافة إلى مضمر. وهذا يحظر عليك الوقوف على الراء كما يثقلها6 في عنصر نفسه. ومثله أيضًا قول الآخر: يا ليتها قد خرجت من فمه7 فثقل آخر الكلمة وهي مضافة إلى مضمر، فكذلك8 حديث9 عقربان. فاعرفه فإنه غامض.

_ 1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. 2 في ش: "القرعبل والقرعيلان". 3 سقط ما بين القوسين في ش. وفي د، هـ، ز: "والضحضح والضحضحان" وفي ط: "والصحيح والصحيحان" وهذا تحريف عما أثبت، والصحصح الصحصحان: ما استوى من الأرض. 4 النجار: الأصل، وكذا العنصر. 5 كذا في ط، وفي ش، ز: "عنصر". 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "تنقلها". 7 بعده: حتى يعود الملك في أسطمه وأسطم الشيء: معظمه، وانظر اللسان "فو". 8 في ط: "وكذلك". 9 سقط في د، هـ، ز.

وأما مألك فإنه أراد: مألكة فحذف الهاء ضرورة، كما حذفها الآخر من قوله: إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم ... ولا نصالحكم إلا على ناح1 أراد: ناحية"2. وكذلك قوله الآخر: ليوم روع أو فعال مكرم3 أراد: مكرمة، وقول الآخر4: بثين الزمي لا إن لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أي معون أراد: أي معونة، فحذف التاء. وقد كثر حذفها في غير هذا. وأما أصرى5 فإن أبا العباس استدركها. وقال6: وقد جاءت أيضا إصبع. وحدثنا أبو علي قال: قال إبراهيم الحربي: في إصبع وأنملة جميع ما يقول الناس. ووجدت بخط أبي علي: قال الفراء: لا يلتفت إلى ما رواه البصريون من قولهم: إصبع؛ فإنا بحثنا عنها فلم نجدها. وقد حكيت أيضا: زئبر وضئبل وخرفع؛ وجميع ذلك شاذ لا يلتفت إلى مثله؛ لضعفه في القياس، وقلته في الاستعمال. ووجه ضعف قياسه خروجك من كسر إلى ضم بناء لازما وليس بينهما إلا الساكن. ونحو منه ما رويناه عن قطرب من "قول بعضهم"7 في الأمر: اقتل، اعبد. ونحو منه8 في الشذوذ عن الاستعمال قول بعضهم: إزلزل، وهي كلمة تقال عند الزلزلة.

_ 1 "نباعلكم" أي تتزوج منكم وتتزوجوا منا. وقوله: "إلا على ناح" أي على ناحية وطرف من الأمر ولا نصالحكم صلحا خالصا مطلقا. 2 كذا في ط، وفي ش، ز: "ناجبة". 3 عزاه ابن السيد في الاقتضاب 469 للأخزر الحماني، وانظر شواهد الشافية ص68. 4 هو جميل، وانظر شواهد الشافية 67. 5 يقال، هذا لأمر متى أصرى أي عزيمة وجد. 6 كذا في ط، وفي ش: "فقال" وفي ز: "قال". وهذا الكلام لا يتصل بما قبله، فإنه في إصبع، وكأن في العبارة سقطا، والأظهر أن يضبط "أصبع" بفتح الهمزة وكسر الباء فيكون من باب أصرى إذا أصله: أصروي قبل الإدعام، وهذا بخلاف "أصبع" الآتي، فإنه بكسر الهمزة وضم الباء. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نحو قولهم". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "من هذا".

وينبغي أن تكون من معناها، وقريبة من لفظها، ولا تكون من حروف الزلزلة. وإنما حكمنا بذلك لأنها1 لو كانت منها لكانت إفعلل، فهو مع أنه مثال فائت فيه بلية من جهة أخرى. وذلك أن ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها، إلا في الأسماء الجارية على أفعالها؛ نحو مدحرج وليس إزلزل من ذلك. فيجب أن تكون2 من لفظ الأزل ومعناه3. ومثاله فعلعل، نحو كذبذب فيما مضى. وأما مد المقصور وقصر الممدود، والإشباع والتحريف فلا تعتد أصولا، ولا تثبت بها مثل، موافقة ولا مخالفة. وقال4: الفعلال لا يأتي إلا مضاعفا5؛ نحو القلقال6 والزلزال. وحكى الفراء: ناقة بها خزعال، أي داء. وقال أوس7: ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا ... والخيل خارجة من القسطال وقد يمكن أن يكون أراد: القسطل، فاحتاج، فأشبع الفتحة؛ على قوله: ينباع من ذفرى وقد8 جاء في شعر ابن ذريح سراوع اسم مكان؛ قال: عفا سرفٌ من أهله فسراوع9

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يكون". 3 سقط في ز، ط. 4 أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 338. 5 كذا في ش، وفي ز، ط: "مضعفا". 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "القرقار". 7 يريد أوس بن حجر، والبيت من مقطوعة في ديوانه، في مرثية أبي دليجة، والقسطان: غيار الموقعة، والمستضيف المستغيث. 8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش. 9 عجزه: فرادى قديد فالتلال الدوافع وانظر معجم البلدان في "سراوع".

وقالوا: جلس الأربعاوي1. وجاء الفرنوس في2 أسماء الأسد. والحبليل3: دويبة يموت4 فإذا أصابه5 المطرعاش. وقالوا: رجل ويلمة6، وويلم للداهية. وهذا خارج على7 الحكاية، أي يقال له من دهائه: ويلمه، ثم ألحقت8 الهاء للمبالغة، كداهية ومنكرة9. وقد رووا قوله10: وجلنداء في عمان مقيما وإنما هو11: جلندى مقصورا. وكذلك ما أنشده12 من قول رؤبة: ما بال عيني كالشعيب العين حملوه على فيعل مما اعتلت عينه. وهو13 شاذ. وأوفق من هذا -عندي- أن يكون: فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه. وكأن الذي سوغهم هذا ظاهر

_ 1 أي جلس متربعا. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 3 ضبط في اللسان بفتح الباء، وفي القاموس بسكونها. 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "تموت". 5 في ط: "جاء". 6 انظر نوادر أبي زيد 244، والخزانة في الشاهد الحادي عشر بعد المائتين. 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "عن". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ألحقوه"، وفي ط: "ألحقوا". 9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 10 أي الأعشى وما أورده صدر بيت عجزه: ثم قيسا في حضرموت المنيف وقبله: وصحبنا من آل جفتة أملا ... كاكراما بالشأم ذات الرفيف وبني المنذر الأشاهب بالحيـ ... ـرة يمشون غدوة كالسيوف فقوله: "وحلنداء" معطوف على "أملاكا" وانظر الصبح المنير 211 وما بعدها. 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "رووه". 12 أي سيبويه. وانظر الكتاب 2/ 372، وص487 من الجزء الثاني من الخصائص. 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا".

الأمر وأنه أيضا قد روى "العين" بكسر العين. وكذلك طيلسان مع الألف والنون: فيعل في الصحيح، على أن الأصمعي قد أنكر كسر اللام. وذهب أحمد بن يحيى وابن دريد في يستعور1 إلى أنه يفتعول. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وكذلك ذهب ابن الأعرابي في يوم أرونانٍ2 إلى أنه أفوعال من الرنة، وهذا كيستعورٍ في الفساد. ونحوه في الفساد قول أحمد بن يحيى في أسكفة3: إنها من استكف، وقوله في تواطخ القوم: إنه من الطيخ، وهو الفساد. وقد قال أمية: إن الأنام رعايا الله كلهم ... هو السليطيط فوق الأرض مستطر4 ويروى السلطليط وكلاهما شاذ. وأما صعفوق فقيل: إنه أعجمي. وهم خول5 باليمامة، قال العجاج: من آل صعفوقٍ وأتباعٍ أخر6 وقد7 جاء في شعر أمية بن أبي عائذ: مطاريح بالوعث مر الحشو ... ر هاجرن رماحه زيزفونا8

_ 1 هو اسم موضع، والمؤلف يريد أن "يسثعور" فعللول، وبذكر أن غلط ثعلب وابن دريد لا يصدر من أهل صناعة التصريف. 2 أي شديد والمؤلف يريد أن "أرونان" أفعلان من الرونة -بضم الراء- وهي الشدة لا من الرنة وهي الصوت. 3 هي عينة الباب، ويريد المؤلف أن "أسكفة" أفعلة من سكف، وليست من كف ويأخذها ثعلب من استكف مزيد كف أي انقبض، كأن الماشي يكف عندها وينقبض حتى يؤذن له. 4 "السليطيط" كذا في نسخ الخصائص، وفي اللسان: "السليطط" بفتح السين. 5 الحول: الخدم، الواحد خائل. 6 من أرجوزة له يمدح فيها عمر بن عبيد الله، كان ولى حرب الخوارج في عهد عبد الملك بن مروان، فأوقع بهم، ويريد بآل صعفوق الخوارج تحقيرا لهم، وانظر شواهد الشافية 4. 7 سقط هذا الحرف في ش، ط. 8 "مطاريح" من وصف الإبل، أي تطرح أيديها في السير، وهو مفعول "ترامت" قبله والحشور: جمع الحشر -بفتح الحاء وسكون الشين- وهو السهم المحدد اللطيف. والرماحة الزيزفون القوس السريعة، يذكر أن الإبل تطرح أيديها فتمر الأيدي كمر السهام زايلت قوسا مصؤنة سريعة والبيت من قصيدة يمدح فيها عبد العزيز بن مروان، وانظر شرح الهذليين للسكر 198.

يعني قوسا. وهي في ظاهر الأمر: فيفعول من الزفن؛ لأنه ضرب من الحركة مع صوت. وقد يجوز أن يكون "زيزفون" رباعيا قريبا من لفظ الزفن. ومثله من الرباعي ديدبون. وأما الماطرون1 فذهب أبو الحسن إلى أنه رباعي. واستدل على ذلك بكسر النون مع الواو ولو كانت زائدة لتعذر ذلك فيها. ومثله الماجشون وهي ثياب مصبغة، قال2: طال ليلى وبت كالمحزون ... واعترتني الهموم بالماطرون وقال أمية الهذلي أيضا: ويخفى بفيحاء مغبرة ... تخال القتام به الماجشونا3 وينبغي أن يكون السقلاطون4 على هذا خماسيا، لرفع النون وجرها مع الواو. وكذلك أيضا نون أطرنون، قال5: وإن يكن أطربون قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا والكلمة بها خماسية كعضرفوط. وضهيد6: اسم موضع. ومثله عتيد. وكلاهما مصنوع.

_ 1 وهو موضع بالشأم قرب دمشق. 2 في د، هـ، ز: "وقال" والقائل أبو دعبل الجمحي، وقيل: غيره، وانظر الخزانة 3/ 280، واللسان "خصر". 3 من قصيدته التي منها البيت السابق، وقوله: "يخفى" أي الترب المذكور قيل، وإن كان السكرى في شرحه يقول: "ويخفى أي يخفي شخص الرجل" وكتب خطأ "الرجل" يقول:"إن الترب يخفى في فيحاء أي صحراء واسعة تخال القنام فيها أي الغبار ثيابا مصبوغة. 4 هو ضرب من الثياب. 5 أي عبد الله بن سبرة الخرشي، كانت قطعت يده في بعض غزواته في الروم، فرثاها بقطعة منها هذا البيت، وانظر الأمالي 1/ 47، 48، وشرح الحماسة للتبريزي "التجارية" 2/ 58، والأطربون؛ الرئيس عند الروم. 6 هو بالضاد المعجمة، وذكره ياقوت في معجم البلدان بالصاد المهملة.

وقيل: الخرنباش: نبت طيب الريح قال: أتتنا رياح الغور من نحو أرضها ... بريح خرنباش الصرائم والحقل1 وقد2 يمكن أن يكون في الأصل خرنبش، ثم أشيعت فتحته فصار: خرنباش. وحكى أبو عبيدة القهو باة3. وقد قال سيبويه: ليس في الكلام فعولى. وقد يمكن أن يحتج له، فيقال: قد يأتي مع الهاء ما لولا هي لما أتى نحو ترقوة وحذرية. وأنشد ابن الأعرابي: إن تك ذا بز فإن بزى ... سابغةٌ فوق وأي إوز4 قال أبو علي: لا يكون إوز من لفظ الوز لأنه قد5 قال6: ليس في الكلام إفعل صفة. وقد يمكن -عندى- أن يكون وصف به لتضمنه معنى الشدة كقوله7: لرحت وأنت غربال الإهاب وقد مضى ذكره. ويجوز أيضا أن يكون كقولك8: مررت بقائمٍ رجلٍ. وقال أبو زيد: الزونك: اللحيم القصير الحياك في مشيه9. زاك يزوك زوكانا. فهذا يدل على أنه فعنل. وقيل: الضفنط من الضفاطة، وهو الرجل الضخم الرخو البطن.

_ 1 في التاج "خربش" أن أبا حنيفة أنشده، وفيه "المقل" في مكان "الحقل". 2 سقط في د، هـ، ز، ط. 3 هي ضرب من نصال السهام. 4 البز: السلاح، والسابغة: الدرع، والوأى: الفرس السريع، والإوز: القصير الغليظ. 5 سقط هذا الحرف في د، هـ. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: ز: "يقال"، وقوله: "قال" أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 316. 7 انظر ص223 من الجزء الثاني. 8 يريد أن يكون بدلا لا وصفا. 9 كذا في ش، ط. وفي ز: "مشيته". والحياك: المتبختر.

وأما زونزك فإنه فونعل "فيجب أن يكونا من أصلين"1. وأما زوزى2 فإنه من مضاعف الواو. وهو فعلل كعدبس. وحكى أبو زيد زرنوق3 بفتح الزاي، فهذا فعنول. وهو غريب. وجميع هذا شاذ. وقد تقدم في أول الباب4 وصف حاله، ووضوح العذر في الإخلال به "وقالوا5: تعفرت الرجل. فهذا6 تفعلت. وقالوا: يرنأ لحيته إذا صبغها باليرنأ "وهو الحناء"7 وهذا يفعل في الماضي. وما أغربه وأظرفه".

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش، وهي في ز بعد "الرخو البطن"، وفي ط بعد: "مضاعف الواو" وهو يريد الزونك والزونزك، فالأول أصله: "زوك": والثاني أصله: "ززك" فهما من أصلين لا من أصل واحد. 2 هو المتحذلق المتكايس. 3 هو بناء يبنى على البئر، وهما زرنوقان يثبت عليهما ما يعلق به البكرة. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الكتاب". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 7 سقط ما بين القوسين في ز، وثبت في ط.

باب في الحوار

باب في الحوار ... باب في 1 الجوار: وذلك في كلامهم على ضربين: أحدهما تجاور الألفاظ والآخر تجاور الأحوال. فأما تجاور الألفاظ فعلى ضربين: أحدهما في المتصل، والآخر في المنفصل. فأما المتصل فمنه مجاورة العين للام بحملها2 على3 حكمها. وذلك قولهم في صوم صيم ألا تراه4 قال: إنهم شبهوا باب صوم بباب عصى فقلبه بعضهم. ومثله قولهم في جوع: جيع؛ قال5: بادرت طبختها لرهط جيع وأنشدوا: لولا الإله ما سكنا خضما ... ولا ظللنا بالمشاء قيما6 وعليه ما أنشده محمد بن حبيب من قوله7: بريذينة بل البراذين ثفرها ... وقد شربت من آخر الصيف أيلا أجاوز فيه أن يكون أراد: جمع لبن آئل أي خاثر، من قولهم: آل اللبن يئول8 إذا9 خثر، فقلبت العين حملا على قلب اللام10 كما تقدم. ومن الجوار في المتصل قول جرير11: لحب لمؤقدان إلي مؤسى وقد ذكرنا أنه تصور الضمة -لمجاورتها الواو- أنها12 كأنها فيها، فهمزها كما تهمز في أدؤرٍ13 والنؤور14، ونحو ذلك.

_ 1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، وفي ط: "فحكمها" وفي د، هـ، ز "حكمها". 13 في ط: "وعلى". 4 أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 370. 5 أي الحادرة، وصدره: ومعرض تغلي المراجل تحته والمعرض في اللحم الذي لم يبلغ نضجه، والرواية، "طبخته" أي المعرض، وهو من قصيدة مفضلية. 6 خضم: موضع في بلاد تميم، والمشاء، تناسل المال وكثرته، ويروى: "بالمشائي" وهو جمع المشئاة، وهو المكتل أي ما يعمل من الخوص ونحوه، يخرج به تراب البئر. 7 أي النابغة الجعدي، والبيت من كلمة له في هجاء ليلى الأخيلية، ويريذينه تصغير برذونة والبراذ بن الخبل ما كان من غير نتاج العراب، والثفر: الفرج، يشبهها ببرذونة نزا عليها البراذين، وكانت مغتلمة، فإن شرب الإبل يهيج الشهوة ويزيد الغلمة، وانظر اللسان "أول" والخزانة 3/ 31. 8 سقط في ش. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أي". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "العين". 11 انظر ص151 من هذا الجزء. 12 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 13 جمع دار. 14 هو دخان الشحم يعالج به الوشم حتى يخضر، وتسميه العامة النيلج، كما في المصباح.

وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف؛ نحو هذا بكر، ومررت ببكر؛ ألا تراها لما جاورت اللام بكونها في العين، صارت لذلك كأنها في اللام لم تفارقها. وكذلك أيضا قولهم: شابة ودابة، صار فضل الاعتماد بالمد في الألف كأنه تحريك للحرف الأول المدغم، حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين. فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف. ومن جوار المتصل استقباح الخليل نحو العقق1، مع الحمق، مع المخترق. وذلك لأن هذه الحركات قبل الروى المقيد لما جاورته وكان الروى في أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيدا صارت الحركة قبله كأنها فيه فكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء. وقد تقدم ذكر نحو هذا. وله نظائر. وأما الجوار في المنفصل فنحو ما ذهبت الكافة إليه في قولهم: هذا حجر ضب خرب وقول الحطيئة: فإياكم وحية بطن واد ... هموز الناب ليس لكم بسي2

_ 1 يريد ما ورد في أرجوزة رؤبة التي أولها: وقاتم الأعلام خاوي المخترق 2 قبله: فأبلغ عامرا عني رسولا ... رسالة ناصح بكم حفي يريد: قبيلة عامر بن صعصعة، ورسولا أي رسالة، والحفي: المشفق اللطيف، وقوله: فإياكم وحيه ... يعني فقسه، والهنوز من الهمز وهو الغمز والضغط، وقوله: ليس لكم يسي، فالسي: المثل أي لا تستوون معه، بل هو أشرف منك، يقول: "إنه يحمي ناحيته ويتقى كما تتقى الحية الحامية ليطن ودايها.. وانظر الخزانة 2/ 321.

فيمن جر "هموز الناب" وقول الآخر1: كأن نسج العنكبوت المرمل2 "وإنما صوابه المرملا"3 وأما قوله4: كبير أناس في بجاد مزمل فقد يكون5 أيضا على هذا النحو من الجوار. فأما عندنا نحن فإنه أراد: مزمل فيه، فحذف حرف الجر، فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول. وقد ذكرنا هذا أيضا. وتجد في تجاور المنفصلين ما هو لاحق بقبيل المنفصل الذي أجرى مجرى المتصل في نحو قولهم: ها الله ذا، أجروه في الادغام مجرى دابة وشابة6 ومنه قراءة بعضهم: {فَلَا تَتَنَاجَوْا} 7 و {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا} 8 "بإثبات الألف في ذا ولا"9. ومنه ما رأيته أنا في إنشاد أبي زيد: من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر10

_ 1 كذا في ش، ظ، وفي د، هـ، ز: "العجاج". 2 بعده: على ذرى قلامه المهدل ... سبوب كتان بأيدي الغزل المرمل: المنسوخ: والقلام: نبت، والمهدل: المسترسل، والسبوب الشقق أي قطع الكتان، وقوله: "قلامه" أي قلام المنهل المذكور قبله، يقول: كأن نسج العنكبوت على ما ثبت حول ذلك المنهل من القلام ونحوه كتان بأيدي الغازلات، وانظر الخزانة 2/ 327، والكتاب 1/ 217. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط. 4 أي امرئ القيس، وصدره: كأن ثييرا في عرانين وبله وانظر الخزانة 2/ 327 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يلقى". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 آية 9 سورة المجادلة. 8 آية 38 سورة الأعراف. كذا في د، هـ، ز وفي: "بإثبات ألف ذا ولا" وسقط ما بين القوسين في ش. 9 انظر ص96 من هذا الجزء.

أعني فتح راء يقدر. وقد ذكرته. فهذا طريق تجاور الألفاظ وهو باب. وأما تجاور الأحوال "فهو غريب"1. وذلك أنهم لتجاور الأزمنة ما يعمل في بعضها ظرفا ما لم يقع فيه من الفعل، وإنما وقع فيما يليه؛ نحو قولهم: أحسنت إليه إذا أطاعني، وأنت لم تحسن إليه في أول وقت الطاعة وإنما أحسنت إليه في ثاني ذلك ألا ترى أن الإحسان مسبب عن الطاعة وهي كالعلة له ولا بد من تقدم وقت السبب على وقت المسبب كما لا بد من ذلك مع العلة. لكنه لما تقارب الزمانان2، وتجاورت الحالان، في الطاعة والإحسان، أو الطاعة، واستحقاق الإحسان صارا3 كأنهما إنما وقعا في زمان واحد4. ودليل ذلك أن "لما" من قولك: لما أطاعني أحسنت إليه، إنما هي منصوبة بالإحسان وظرف له، كقولك5: أحسنت إليه وقت طاعته، وأنت لم تحسن إليه لأول وقت الطاعة وإنما كان الإحسان في ثاني ذلك أو ما يليه ومن شرط الفعل إذا نصب ظرفا أن يكون واقعا فيه أو في بعضه، كقولك: صمت يوما، وسرت فرسخا، وزرتك يوم الجمعة وجلست عندك. فكل واحد من هذه الأفعال واقع في الظرف الذي نصبه لا محالة ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا بعد أن أطاعه لكن لما كان الثاني مسببا عن الأول وتاليا له فاقتربت الحالان، وتجاور الزمانان صار الإحسان؛ كأنه إنما هو والطاعة في زمان واحد، فعمل الإحسان في الزمان الذي يجاور وقته، كما يعمل في الزمان الواقع فيه6 هو نفسه. فاعرفه.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وهو الغريب". 2 كذا في ط، وفي ز، ش: "الزمان" وقد يكون محرقا عن "الزمانان". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صار". 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لقولك". 6 سقط في د، هـ، ز.

فيصير معناه لا إعرابه: ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم في العذاب، فينتزع من معنى {مُشْتَرِكُونَ} ما يعمل في "اليوم" على حد قولنا في قوله -سبحانه: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 1 في أحد الأقوال2 الثلاثة فيه، وعلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} 3 وإذ أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون "إذ ظلمتم" في اللفظ معمولا لقوله "لن ينفعكم" لما ذكرنا من الجوار، وتلو الآخرة الأولى بلا فصل. وكأنه إنما جاء هذا النحو في الأزمنة دون الأمكنة، من حيث كان كل جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه إنما يلي الثاني الأول خالفا له وعوضا منه. ولهذا قيل -عندى- للدهر عوض -وقد ذكرت هذا في كتابي في التعاقب- فصار الوقتان كأنهما واحد وليس كذلك المكان؛ لأن المكانين يوجدان في الوقت الواحد بل في أوقات كثيرة غير منقضية. فلما كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع في الوقت الواحد والأوقات كلها لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه. فلهذا لا نقول4: جلست في البيت من خارج أسكفته وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسه لأن البيت لا يعدم فيكون5 خارج بابه نائبا عنه، وخالفا6 في الوجود له كما يعدم الوقت فيعوض منه ما بعده.

_ 1 آية 8 سورة هود، وانظر ص42 من الجزء الثاني. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أقوال". 3 آية 22 سورة الفرقان، وفي البحر لأبي حيان 6/ 492: "يوم يرون الملائكة منصوب بأذكر وهو أقرب، أو بفعل يدل عليه "لابشرى" أي منعون البشرى، ولا يعمل فيه "لا بشرى" لأنه مصدره، ولأنه منفي بلا للتي لنفي الجنس؛ لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس". 4 كذا في ش، ط. وفي ز: "يقول". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيقوم". 6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مخالفا".

فإن قلت: فقد تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر1 الدير، قيل: ليس هذا من2 حديث الجوار في شيء، وإنما3 هو من باب4 بدل البعض؛ لأنه بعض طريق البصرة؛ يدل على ذلك أنك لا تقول: سرت من بغداد إلى البصرة "نهر الأمير؛ لأنه أطول من طريق البصرة"5 زائدة6 عليه، والبدل لا يجوز إذا كان "الثاني أكثر من الأول، كما يجوز إذا كان"7 الأول أكثر من الثاني؛ ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون "ربع" من قوله: اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سار ماؤه خضل8 بدلا من "الطلل"؛ من حيث كان الربع أكثر من الطلل. ولهذا ما حمله سيبويه على القطع والابتداء، دون البدل والإتباع "هذا9 إن" أردت بالبصرة حقيقة نفس البلد. فإن أردت جهتها وصعقها جاز: انحدرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير. وغرضنا فيما قدمناه أن تريد "بالبصرة"10 نفس البلد البتة.

_ 1 في ياقوت أنه نهر كبير بين البصرة ومطارى، وأنه سمي بذلك لدير كان على فوهته يقال له دير الدهوار، ولم يتكلم على مطارى في مظنتها، ويؤخذ من حديث المؤلف أن هذا النهر بين بغداد والبصرة. 2 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 3 سقط في حرف العطف في ش، ط. 4 سقط في ش. 5 سقط ما بين القوسين في ش، ونهر الأمير بالبصرة حفره المنصور، كان يقال له: نهر أمير المؤمنين، وقيل: نهر الأمير، كما في ياقوت. 6 في ط: "وزائد". 7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 8 القواء: القفر، وأذاع: فرق وغير، والمعصرات: السحاب ذوات المطر، وأراد بالحيران سحابا تردد بمطره عليه ولازمه فهو كالحيران، والخضل: الغزير. وقد نسب البغدادي في شواهد المغني البيتين إلى عمر بن أبي ربيعة، وذلك في الشاهد الرابع والثلاثين بعد الثمانمائة، وانظر الكتاب وكتابة الأعلم على شواهده في ص142 ج1. 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "وإن". 10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.

وهذا التجاور الذي ذكرناه في الأحوال والأحيان لم يعرض له أحد من أصحابنا. وإنما ذكروا تجاور الألفاظ فيما1 مضى. وقد مر بنا شيء من هذا النحو في المكان؛ قال: وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها2 وإنما يجول الراكب في صهوة الفرس لا في كاثبته3، لكنهما لما تجاورا جريا مجرى الجزء الواحد. باب في نقض الأصول وإنشاء أصول "غيرها منها"4: رأيت أبا علي -رحمه الله- معتمدا هذا الفصل من العربية، ملما به، دائم التطرق له والفزع فيما يحدث5 إليه. وسنذكر من أين أنس به، حتى عول في كثير من الأمر عليه. وذلك كقولنا6: بأبأت بالصبى بأبأة وبئباء إذا قلت له: بئبا7. وقد علمنا أن أصل هذا أن الباء حرف جر، والهمزة فاء الفعل، فوزن هذا على هذه المقدمة: بفبفت بفبفة وبفبافا، إلا أنا لا نقول مع هذا: إن هذه المثل على ما ترى، لكن نقول: إن بأبأت الآن بمنزلة رأرأت8 عيناه، وطأطأت رأسي، ونحو ذلك مما ليس متنزعا ولا مركبا. فمثاله9 إذا: فعللت فعللة وفعلالا، كدحرجت دحرجة ودحراجا.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "على ما". 2 الكواثب جمع الكاثبة، وهي من الفرس مجتمع كنفية قدام السرج. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كواثبه"، وقوله: "تجاورا جريا" كذا والواجب أن يقال "تجاورتا جريا" إذا الحديث عن الصهوة والكاثية ولكنه راعي أنهما جزءان. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منها غيرها". 5 كذا في ش، وفي د، ط: "يحزبه"، وفي هـ، ز: "يحزنه". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كقولك". 7 رسم في ش: "بأبأ" وفي ز، ط: "بيبا" وهو على تخفيف الهمزة، والمراد أن يقول له: بأبى أنت أي أفديك بأبى. 8 أي تحركت حدقتاهما وداوتا. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز" ط: "فمثالها".

ومن ذلك قولهم: الخاز باز1. فالألف عندنا فيهما2 أصل، بمنزلة ألف كافٍ ودال. وذلك لأنها أسماء مبينة3 وبعيدة عن التصرف والاشتقاق. فألفاتها إذًا أصول فيها كألفات، ما، ولا، وإذا، وألا، وإلا، وكلا، وحتى. ثم إنه قال: ورمت لهازمها من الخزباز4 فالخزباز الآن بمنزلة السربال والغربال، وألفه محكوم عليها بالزيادة كألفهما؛ ألا ترى الأصل كيف استحال زائدا، كما استحالت "باء الجر الزائدة في بأبي أنت فاء في بأبأت بالصبى. وكذلك أيضا استحالت"5 ألف قافٍ "ودالٍ ونحوهما"6 وأنت تعتقد "فيها كونها أصلا"7 غير8 منقلبة، إلى اعتقادك فيها القلب، لما اعتزمت فيها الاشتقاق. وذلك قولك: قوفت قافا، ودولت دالا. وسألني أبو علي -رحمه الله- يوما عن إنشاد أبي زيد: فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا9 فقال: ما تقول في هذه الألف من قوله: بالا، يعنى الأولى. فقلت: أصل، لأنها كألف ما، ولا، ونحوهما. فقال: بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب، كألف باب ودار. فسألته عن علة ذلك، فقال: لما خلصت بها10 لام الجر من بعدها

_ 1 هو ورم في حلق الحيوان. 2 في ش: "فيها". 3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 4 صدره مثل الكلاب تهر عند درابها وهرير الكلب صوته، وهو دون النباح، والدراب جمع درب، واللهازم جمع لهزمة، وهي لحمة في أصل الحنك، شبه قوما بالكلاب النابحة عند الدروب، وانظر الكتاب 2/ 51، واللسان "خوز". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "ونحوها ودال ونحوها"، وفي ش: "ودال". 7 كذا في ز، ط، وفي ش: "فيهما أيضا". 8 في ط: "غير". 9 انظر ص277 من الجزء الأول. 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "به".

وحسن قطعها، والوقوف عليها، والتعليق لها في قوله: يا لا أشبهت يال1 هذه الكلمة الثلاثية التي عينها ألف، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كباب، وساق، ونحو ذلك. فأنقت لذلك، وذهب بي2 استحساني إياه3 كل مذهب. وهذا الحديث الذي نحن الآن عليه هو الذي سوغ عندى أن يكتب نحو قوله4: يال بكر أنشروا لي كليبا ونحو ذلك مفصولة اللام الجارة عما جرته. وذلك أنها حيزت إلى "يا" من قبلها حتى صارت "يال" كباب ودار، وحكم على ألفها "من الانقلاب"5 بما يحكم به على العينات إذا كن ألفات. وبهذا أيضا نفسه يستدل على شدة اتصال حروف6 الجر بما تدخل7 عليه من الأفعال لتقويه8 فتعديه9؛ نحو مررت بزيد ونظرت إلى جعفر، ألا ترى أن لام الجر "في نحو"10 يالزيد دخلت موصلة لـ"يا" إلى المنادى،

_ 1 كذا في ز، ط. وفي ش: "يالا". 2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "به". وسقط في ش. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 أي المهلهل، وعجزه: يال بكر أين أين الفرار والإنشار: إحياء الميت، ويقول الأعلم: "والمعنى: بالبكر أدعوكم لأنفسكم مطاليا لكم في إنشار كليب وإحيائه، وهذا منه استطالة ووعيد، وكانوا قد قتلوا كليبا أخاه في أمر البسوس، وخيرها مشهور"، وانظر الكتاب 1/ 318، والخزانة في الشاهد العاشر بعد المائة. 5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بالانقلاب". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حرف". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يدخل". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ليفويه". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيعديه". 10 كذا في ط، وفي ش: "في"، وفي د، هـ، ز: "نحو".

كما توصل الباء الفعل في نزلت بك وظفرت به. وقد تراها محوزة إلى "يا" حتى قال "يالا" فعلق حرف الجر، ولو لم يكن لاحقا بـ "يا"1 وكالمحتسب جزءا منها2، لما ساغ تعليقه دون مجروره؛ نحو قوله: يال بكر ويال الرجال ويال الله و: يا لك من قبرة بمعمر3 ونحو ذلك. فاعرفه غرضا4 اعتن فيما كنا فيه فقلنا عليه. وإن فسح في المدة أنشأنا كتابا في الهجاء وأودعناه ما5 هذه سبيله وهذا شرحه، مما لم تجر عادة بإيداع مثله6. "ومن الله المعونة"7. ومما كنا عليه ما حكاه الأصمعي من أنهم إذا قيل لهم، هلم إلى كذا، فإذا أرادوا الامتناع منه قالوا: لا أهلم فجاءوا8 بوزن أهريق وإنما هاء هلم9 ها في التنبيه في نحو10 هذا وهذه؛ ألا ترى إلى قول الخليل فيها: إن أصلها هالم بنا، ثم حذفت الألف تخفيفا، وهاء أهريق إنما هي بدل من همزة أرقت، لما صارت إلى هرقت وليست من حديث التنبيه في قبيل ولا دبير. ومن ذلك قولهم في التصويت11: هاهيت وعاعيت وحاحيت؛ فهذه الألف عندهم الآن في موضع العين ومحكوم عليها بالانقلاب، وعن الياء أيضا، وإن كان أصلها

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "منه". 3 بعده: خلا لك الجو قبيضى وأصفرى والقبرة: طائر. ومعمر: موضع بعينه، وهو من أرجوزة تنسب إلى طرفة، ويرى ابن برى أنها لكليب وانظر اللسان "قبر". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عرضا". واعتن: ظهر واعترض. 5 كذا في ش، وفي ز، ط: "مما". 6 في ط: "مثله مثله". 7 في ط: "من الله عز وجل بالمعونة". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فجاء". 9 كذا في ط، وفي ز: "ها ها" وفي ش: "هاؤها". 10 سقط هذا الحرف في ش. 11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التصريف".

ألفا أصلا1 في قولهم: هاء وعاء وحاء. فهي2 هنا كألف قاف وكاف ودال ولام3 أصل غير زائدة ولا منقلبة، وهي في هاهيت وأختيها "عين منقلبة"4 عن ياء عندهم، أفلا ترى إلى استحالة التقدير فيها، وتلعب الصنعة بها. ونحو من ذلك قولهم: دعدعت بالغنم5 إذا قلت لها: داع داع6، وجهجهت بالإبل7 إذا قلت لها: جاه جاه8، فجرى9 دعدعت وجهجهت عندهم الآن مجرى قلقلت وصلصلت10 ولو راعيت أصولها وعملت11 على ملاحظة أوائل أحوالها، لكانت12 فلفلت؛ لأن الألف التي هي عين عند تجشم التمثيل في13 داع وجاه، قد حذفت ودعدعت وجهجهت. وقد كنت عملت14 كتاب الزجر عن ثابت بن محمد، وشرحت أحوال تصريف ألفاظه واشتقاقها فجاء منه شيء صالح وطريف. وإذا ضممته15 إلى هذا الفصل كثر به؛ وأنس بانضمامه إليه.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهي". 3 سقط في ش. 4 في ط: "عين غير منقلبة"، وفي ز، ش: "غير منقلبة" ويبدو أن الأصل ما أثبت، وأن "غير" حرفت عن "عين"، وجمع في ط بين الأصل والمحرف. 5 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "الغنم". 6 سقط في ش. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الإبل". 8 ثبت في ط، وسقط في ز، ش. 9 في ش: "لجري". 10 سقط في ش. 11 في ز، ط: "علمت". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لكانتا". 13 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 14 أي شرحت، كما فسره بالعطف. 15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أضفته".

باب في الامتناع من نقض الغرض

باب في الامتناع من نقض الغرض: اعلم أن هذا المعنى الذي تحامته العرب -أعني امتناعها من نقض أغراضها1- يشبه البداء2 الذي تروم اليهود إلزامنا إياه في نسخ الشرائع وامتناعهم منه إلا3 أن الذي رامته العرب من4 ذلك صحيح على السير، والذي ذهبوا هم إليه فاسد غير مستقيم. وذلك أن نسخ الشرائع ليس ببداءٍ5 عندنا؛ لأنه ليس نهيا عما أمر الله تعالى به، وإنما هو6 نهى عن مثل ما أمر الله تعالى به في وقت آخر غير الوقت الذي كان -سبحانه- أمر بالأول فيه؛ ألا ترى أنه -عز اسمه- لو قال لهم: صوموا يوم كذا ثم نهاهم عن الصوم فيه فيما بعد لكان إنما نهاهم عن مثل ذلك الصوم، لا عنه نفسه. فهذا7 ليس بداء8. لكنه لو قال: صوموا يوم الجمعة ثم قال لهم قبل مضيه: لا تصوموه9 لكان -لعمري- بداء10 وتنقلا، والله -سبحانه- يجل عن هذا؛ لأن فيه انتكاثا، وتراجعا، واستدراكا، وتتبعا. فكذلك11 امتناع العرب من نقض أغارضها هو في الفساد12 مثل ما نزهنا القديم -سبحانه- عنه من البداء13. فمن ذلك امتناعهم من ادغام الملحق؛ نحو جلبب14، وشملل، وشربب "ورمدد ومهدد"15 وذلك أنك إنما16 أردت بالزيادة والتكثير17 البلوغ إلى مثال معلوم، فلوا ادغمت

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الغرض". 2 في ط: "البدء" والبداء: استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جاز، كما في اللسان. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ألا ترى". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في". 5 في ط: "بيد". 6 في ز: "هي". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 8 كذا في ش، وفي ط: "بدأ" وفي ز: "بده". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تصوموا فيه". 10 كذا في ش، وفي ط: "بدأ"، وفي ز: "بدا". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز. ط: "وكذلك". 12 أي في تجنب الفساد. 13 كذا في ش، وفي ز، ط: "البدء". 14 يقال: جلببه أي ألبسه الجلباب، وهو القميص، وشملل: أسرع. وشريب: اسم موضع. ويقال رماد رمد: كثير دقيق جدا، ومهدد: اسم امرأة. 15 سقط ما بين القوسين في ش. 16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إذا". 17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "التكرير".

في نحو شربب فقلت: شرب لا تنقض غرضك الذي اعتزمته: من مقابلة الساكن بالساكن والمتحرك بالمتحرك فأدى ذلك إلى ضد ما اعتزمته ونقض ما رمته. فاحتمل التقاء المثلين متحركين لما ذكرنا من حراسة هذا الموضع وحفظه. ومن ذلك امتناعهم من تعريف الفعل. وذلك أنه إنما الغرض فيه إفادته فلابد من1 أن يكون منكورا لا يسوغ تعريفه2؛ لأنه لو كان معرفة لما كان مستفادا لأن المعروف قد غنى بتعريفه عن اجتلابه3 ليفاد من جملة الكلام. ولذلك قال أصحابنا: اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك4 لو أخبر بما لا شك فيه لعجب منه وهزئ "من قوله"5. فلما كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير؛ ألا تراه يجرى وصفا على النكرة وذلك6 نحو مررت برجل يقرأ، فهذا كقولك: قارئٍ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة. ومن ذلك امتناعهم من إلحاق "من" بأفعل7 إذا عرفته باللام؛ نحو الأحسن منه8، والأطول منه. وذلك أن "من" -لعمري-9 تكسب ما يتصل به: من أفعل هذا10 تخصيصا ما، ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق

_ 1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. 2 في ز، ط: "تعرفه". 3 كذا في ز، ط، وفي ش: "اختلافه". 4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وكذلك". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بقوله". 6 سقط في ش، ط. 7 في ط: "أفعل". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "منك"، وفي ط: "منكن". 9 سقط في ش. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذه".

الوهم إلا إلى الحسن رضي الله عنه "فبمن ما صحت لك"1 هذه الفائدة، وإذا قلت: الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده "من" حصتها من التخصيص، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوة التعريف إلى الاعتراف بضعفه، إذا هم أتبعوه من الدالة2 على حاجته إليها، وإلى قد ما تفيده: من التخصيص المفاد منه. فأما ما ظن أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا "في هذا من قول الشاعر"3: فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر فساقط عنهم4. وذلك أن "من" هذه ليست هي التي تصحب "أفعل" هذا5 لتخصيصه، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما6 هي حال من تاء "لست"؛ كقولك: لست فيهم بالكثير مالا، ولا أنت منهم7 بالحسن وجها، أي لست من بينهم وفي جملتهم بهذه8 الصفة، كقولك: أنت والله من بين الناس حر وزيد من جملة رهطه كريم.

_ 1 كذا في ط، وكذا هو في د، هـ. ز، غير أن "فبمن" حرفت فيهن إلى "فيمن" وفي ش: "فيمن تحت". 2 في ش: "الدلالة". 3 كذا في ش، وفي ط: "في هذا من قول الأعشى"، وفي د، هـ، ز: "من قول الأعشى"، وانظر البيت في ص186 من الجزء الأول. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عليهم". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذه". 6 سقط في ز. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيهم". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فهذه".

ومن ذلك امتناعهم من إلحاق علم التأنيث لما فيه علمه، حتى دعاهم ذلك إلى أن قالوا: مسلمات، ولم يقولوا مسلمتات، لئلا يلحقوا "علامة تأنيث مثلها"1. وذلك أن إلحاق علامة2 التأنيث إنما هو ليخرج المذكر قبله إليه وينقله إلى حكمه فهذا3 أمر يجب عنه وله أن يكون ما نقل إلى التأنيث قبل نقله إليه مذكرا كقائم من4 قائمة وظريف من4 ظريفة. فلو ذهبت تلحق العلامة العلامة5 لنقضت الغرض. وذلك أن التاء في قائمة قد أفادت تأنيثه وحصلت له حكمه فلو ذهبت تلحقها علامة أخرى فتقول: قائمتات لنقضت ما أثبت6 من التأنيث الأول، بما تجشمته من إلحاق علم التأنيث الثاني له؛ لأن في ذلك إيذانا بأن الأول به لم يكن مؤنثا، وكنت أعطيت اليد بصحة تأنيثه لحصول ما حصل فيه من علمه، وهذا هو النقض والبداء7 البتة. ولذلك أيضا لم يثن الاسم المثنى؛ لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه إثنين، وما يلحقه من علم التثنية ثانيا يؤذن بكونه في الحال الأولى مفردا؛ وهذا هو الانتقاض والانتكاث لا غير. فإن قلت: فقد يجمع الجمع؛ نحو أكلب وأكالب "وأسقية وأساقٍ"8 فكيف القول في ذلك؟

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "علم تأنيث مثله"، وفي ط: "علم التأنيث مثله". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "علم". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 4 في ط: "و". 5 كذا في د، هـ، وسقط في ز، ش، ط. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أثبته". 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "البدء". 8 سقط ما بين القوسين في ش، والسقاه: القرية تكون للماء واللبن.

قيل له: فرق بينهما أن علمي1 التأنيث في "مسلمات لو قيل مسلمتات"2 لكانا لمعنى واحدٍ3 وهو التأنيث فيهما جميعًا، وليس كذلك معنيا التكسير في أكلب وأكالب. وذلك أن معنى أكلب أنها دون العشرة ومعنى أكالب أنها للكثرة التي4 أول رتبتها5 فوق العشرة. فهذان معنيان -كما تراهما- اثنان، فلم ينكر اجتماع لفظيهما، لاختلاف معنييهما6. فإن قلت: فهلا أجازوا -على هذا- مسلمتات، فكانت7 التاء الأولى لتأنيث الواحد، والتاء8 الثانية لتأنيث الجماعة؟ قيل: كيف تصرفت الحال فلم تفد واحدة من التاءين شيئًا غير التأنيث البتة. فأما عدة المؤنث في إفراده وجمعه فلم يفده العلمان فيجوز اجتماعهما؛ كما جاز تكسير التكسير في نحو أكلب وأكالب. فإن قلت: فقد يجمع أيضًا الكثرة، نحو بيوت وبيوتات وحُمُر وحُمُرات ونحو قولهم: صواحبات يوسف، ومواليات العرب؛ وقوله: قد جرت الطير أيامنينا9 فهذا جمع أيامن، وأنشدوا: فهن يعلكن حدائداتها10

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "علم". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مسلتمات لو قبل" وفي ط: "مسلتمات لو قيلا". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بمعنى". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و". 5 في د: "مرتبتها". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مقاديهما". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وكانت". 8 سقط في ش. 9 ورد مع شطرين آخرين في اللسان "يمن". 10 ذكر في اللسان "حدد" أنه للأحمر في نعت الخيل.

وكسروا أيضا مُثُل1 الكثرة؛ قال2: عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل وقال آخر3: ستشرب كأسا مرة تترك الفتى ... تليلا لفيه للغرابين والرخم4 وأجاز أبو الحسن في قوله: في ليلة من جمادى ذات أندية5 أن يكون كسر ندى على نداء؛ كجبل وجبال، ثمم كسر نداء على أندية، كرداء وأردية. قيل: جميع ذلك و"ما كان"6 مثله -وما أكثره! - "إنما7 جاز" لأنه لا ينكر أن يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ألا ترى أن مائة للكثرة وألفا أيضا كذلك وعشرة آلاف أيضا كذلك ثم على8 هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة، وبيوتات مائة ألف، وكأن عقبانا خمسون وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم "تبق وراءه مضطربا"9 فهذا قول10.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثال". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فقال"، وورد الشطر في اللسان "عقب" غير معزو ولا موصول. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الآخر". 4 قليلا أي صريعا، والرخم واحدة رخمة، وهو طائر كالنسر. 5 انظر ص54 من هذا الجزء. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وغيره مما هو". 7 كذا في ط. وفي ز: "إنما جاء" وسقط هذا في ش. 8 سقط هذا الحرف في ش. 9 كذا في ط، وفي ز: "يبق وراءه مضطربا"، وفي ش: "يبق وراءه مضرب". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جواب".

وجواب1 ثان: أنك إنما تكسر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجئ كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفي طريقها، فلما جاءت هذا المجئ جرت مجرى الآحاد فجاز تكسيرها، كما يجوز تكسيرها2؛ ألا ترى أن لذلك ما جاز صرفها، وترك الاعتداد بمعنى الجمعية فيها، لما3 جاءت مجيء الآحاد، فصرف كلاب؛ لشبهه بكتاب، وصرف بيوت، لشبهه "بأتى وسدوس"4 ومرور5؛ وصرف عقبان؛ لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان لأنه على مثال قرطان6. وصرف أكلب؛ لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرز7 وأسنمة8 ولأنه9 أيضا لما كان لجمع القلة أشبه في المعنى الواحد؛ لأن محل مثال القلة من مثال الكثرة في المعنى محل الواحد من الجمع فكما كسروا الواحد كذلك كسروا ما قاربه من الجمع. وفي هذا كاف. فإن قلت: فهلا ثنيت التثية كما جمعت الجمع قيل: قد كفتنا العرب بقولهم: أربعة "عن قولهم"10 اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا في "اثنانان" ونحوه بين إعرابين متفقين كانا أو مختلفين؛ وليس شيء من ذلك في أكلب وأكالب. ومن ذلك ما قال أصحابنا: إن وصف العلم جارٍ مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قال

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قول". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تكسيره". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كما". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يأتي وسدوس"، وفي ط: "بسدوس"، والآتي -بضم الهمزة- من مصادر أتى، ويأتي في معنى جدول الماء، والسدوس، والطيلسان. 5 هذا وفق ما في ج، وفي ش، ز، ط: "جزور". 6 هو ما يلقى تحت السرج. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أدور" ويبدو أنه محرف عما أثبت. 8 سقط في ش. وأسنمة: موضع. 9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 10 سقط ما بين القوسين في ش.

الحسن في هذه المسئلة كذا فقد استغنيت "بقولك: الحسن"1 عن قولك2: الرجل الفقيه القاضي العالم الزاهد البصري الذي كان من حاله كذا، ومن أمره كذا، فلما قلت: الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم3 فلأنه كثر المسمون به، فدخله اللبس فيما بعد، فلذلك وصف؛ ألا ترى أن ما كان من الأعلام لا شريك له في العلمية فإنه لا يوصف. وذلك كقولنا: الفرزدق فإنه لا يوصف فيقال: التميمي ولا نحو ذلك؛ لأنه لم يسم به أحد غيره. وإذا ذكرته باسمه الذي هو همام جاز وصفه فقلت همام بن غالب لأن هماما شورك4 فيه، فجاز لذلك لحاق الوصف له. فإن قلت: فقد يكثر في الأنساب وصف كثيرٍ من الأعلام التي لا شركة فيها؛ نحو قولهم: فلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان ونظائره5 كثيرة قيل: ليس "الغرض إلا التنقل به"6 والتصعد7 إلى فوق، وإعلام السامع وجه النسب، وأن فلانا اسم أبيه كذا، واسم جده كذا، واسم أبي جده كذا. فإنما البغية بذلك استمرار النسب، وذكر الآباء شيئا فشيئا على توالٍ. وعلى هذا يجوز أيضا أن يقال8: الفرزدق بن غالب؛ فأما على التخليص "والتخصيص"9 فلا.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن تقول". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالعلم". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شرك". 4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نظائر". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "هذا الوصف ونحوه مما الغرض فيه التخصيص به، وإنما وضع الغرض للتنقيل". وكذا هو في ط، غير أن فيه "للتنقيل به". 7 في ط: "التضعف". 8 سقط في د، هـ، ز، ط. 9 سقط ما بين القوسين في ش.

ومن ذلك امتناعهم من تنوين الفعل. وذلك أنه قد استمر فيه الحذف والجزم بالسكون1 لثقله. فلما كان موضعا للنقص منه لم تلق به الزيادة فيه، فهذا قول. وإن شئت قلت: إن التنوين إنما لحق في الوقف مؤذنا بالتمام، والفعل أحوج شيء إلى الفاعل، فإذا كان من الحاجة إليه من بعده على هذه الحال لم يلق به التنوين اللاحق للإيذان بالتكامل والتمام، فالحالان إذًا كما ترى ضدان. ولأجل ذلك ما2 امتنعوا من لحاق التنوين للمضاف. وذلك أن المضاف على غاية الحاجة إلى3 المضاف إليه من بعده. فلو ألحقته التنوين المؤذن بالوقف وهو متناهٍ في قوة الحاجة إلى الوصل جمعت بين الضدين. وهذا جلي غير خاف. وأيضا فإن التنوين دليل التنكير والإضافة موضوعة للتخصيص فكيف لك باجتماعهما مع ما ذكرنا من حالهما. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم نونوا الأعلام كزيد وبكر؟. قيل: جاز لك؛ لأنها ضارعت بألفاظها النكرات؛ إذ كان تعرفها معنويا لا لفظيا لأنه لا لام تعريف4 فيها5 ولا إضافة، كما صرفوا من الجمع ما ضارع الواحد ببنائه نحو كلاب "لأنه ككتاب"6، وشيوخ لأنه كسدوس ودخول وخروج. وهذا7 باب مطرد فاعرفه.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "والسكون". 2 سقط هذا الحرف في ش. 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من". 4 سقط في ط. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيه". 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هو".

باب في التراجع عند التناهي

باب في التراجع عند التناهي: هذا معنى مطروق في غير صناعة الإعراب؛ كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت1 حالاهما كان أقوى لها، وأذهب في الأنس بها. فمن ذلك قولهم: إن الإنسان إذا تناهى في الضحك بكى، وإذا تناهى في الغم ضحك، وإذا تناهى في العظة أهمل، وإذا تناهت العداوة استحالت مودة. وقد2 قال3: وكل شيء بلغ الحد انتهى وأبلغ من هذا قول شاعرنا4: ولجدت حتى كدت تبخل حائلا ... للمنتهى ومن السرور بكاء والطريق في هذا ونحوه معروفة مسلوكة. وأما طريق صناعة الإعراب في مثله" فقول أبي إسحاق في ذكر العلة التي امتنع لها أن يقولوا: مازال زيد إلا قائمًا: "نفي و"5 نفي النفي إيجاب. وعلى نحو6 هذا ينبغي أن يكون قولهم: ظلمة، وظلم، وسدرة، وسدر، وقصعة، وقصاع، "وشفرة وشفار"7. وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثًا نحو قولهم: هذا جمل وهذه جمال وهذا رجل وهذه رجال8 قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة، وعير وعيورة، وجريب9 وأجربة، وصبى وصبية ونحو ذلك. فلما كانت ظلمة،

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "شاهدت". 2 سقط هذا الحرف في د، هـ. 3 أي ابن دريد في مقصورته، وصدره: فإن أمت فقد تناهت لذتي 4 يريد المتنبي، والبيت من قصيدته في مدح هارون بن عبد العزيز الأوارجي. وقوله: "حائلا" أي متحولا. 5 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ش، ز. 6 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الرجال". 9 هو مكيال.

وسدرة وقصعة مؤنثاتٍ -كما ترى- وأردت أن تكسرها صرت كأنك أردت تأنيث المؤنث: فاستحال بك الأمر إلى التذكير فقلت ظلم وسدر وقصاع وشفار. فتراحعت الإيغال1 في التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو2 لو دعا داع، أو حمل حامل على "تأنيث3 نحو" قائمة ومسلمة لكان طريقه -على ما رأينا- أن نعيده إلى التذكير فنقول: قائم ومسلم. هذا لو سوغ مسوغ تأنيث نحو قائمة، وكريمة، ونحو ذلك. فإن قيل: فليزم على هذا أن لو أريد تذكير المذكر أن يؤنث، قيل: هذا تقرير فاسد، ووضع غير متقبل. وذلك أن التذكير هو الأول، والأصل. فليس4 لك التراجع عن الأصول؛ لأنها أوائل، وليس تحت الأصل ما يرجع إليه. وليس كذلك التأنيث؛ لأنه فرع على التذكير. وقد يكون الأصل واحدًا وفروعه متضعفة ومتصعدة5 ألا ترى أن الاشتقاق تجد له أصولًا ثم تجد لها6 فروعًا، ثم تجد لتلك الفروع فروعًا صاعدة عنها نحو قولك: نبت7؛ فهو الأصل لأنه جوهر، ثم "يشتق منه فرع"8 هو9 النبات، وهو حدث، ثم يشتق10 من النبات الفعل، فتقول: نبت. فهذا11 أصل. وفرع وفرع فرع. فلذلك جار تصور تأنيث المؤنث، ولم12 يجز تصور تذكير المذكر. نعم13، ولو جاز تصور14

_ 1 في د، هـ، ز: "الأفعال". 2 في ش: "النوع". 3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "نحو تأنيث". 4 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "وليس". 5 سقط في ش. 6 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "له". 7 في ز: "نبيت". 8 كذا في د، هـ، ز: "تشنق منه فرعا" وفي ط: "تشتق منه فروع". 9 في ط: "هن". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تشنق". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا". 12 في ز: "لما". 13 سقط في ش. 14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن تتصور".

تذكير المذكر لأوجب فيه القياس أن يعاد به إلى1 التأنيث. كذا وجه النظر. وما "في هذا"2 من المنكر!. فعلى هذا السمت لو ساغ تذكير قائم لوجب أن يقال فيه: قائمة. فاعرف ذلك، وأنس به. ولا تنب عنه. فإن قلت: فلسنا نجد كل المذكر إذا أريد تكسيره أنث، ألا تراك تقول: رجل ورجال. وغلام، وغلمان، وكلب، وأكلب. فهذا3 بخلاف ذكر وذكارة، وذكورة، وفحل، وفحالة، وفحولة. قيل: لم ندع أن كل مذكر كسر4 فلا بد في مثال5 تكسيره من علم تأنيث، وإنما أرينا أن هذا6 المعنى قد يوجد7 فيه8، فاستدللنا بذلك على صحة ما كنا9 عليه وبسبيله. وكيف تصرفت الحال فأنت قد تلاحظ تأنيث الجماعة في نحو رجال فتقول: قامت الرجال، و"إذا10 عاديت الرجال؛ فاصبر لها أي للرجال وإن شئت كانت الهاء للمعاداة"11. وعلى نحو مما نحن بصدده ما قالوا: ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، فعكسوا الأمر على ما تراه. ولأجل ذلك ما قالوا12: امرأة صابرة "وغادرة، فألحقوا علم التأنيث، فإذا تناهوا في ذلك قالوا: صبور"13 وغدور، فذكروا. وكذلك رجل ناكح فإذا بالغوا قالوا: رجل14 نكحة.

_ 1 سقط في ش. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا". 4 سقط في ش، ط. 5 سقط في د، هـ، ز، ط. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "كل". 7 في ط: "وجد". 8 سقط في ش. 9 كذا في ش، ط. 10 كذا في ش، ط. غير أن في ش سقط: "فاصبر"، "إن شئت" وفي د، هـ، ز بدل ما بين القوسين: "إن شئت كانت الهاء للمعادلة". 11 في ط: "للمعادلة" وهو تحريف. 12 سقط في هذا الحرف في ش. 13 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 14 سقط في ش.

ونحو من ذلك سواءً اطراد التصرف في الأفعال؛ نحو قام، ويقوم، وقم، وما كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرف، فقالوا: نعم الرجل، وبئس الغلام فلم يصرفوهما وجعلوا ترك التصرف في الفعل الذي هو أصله1 وأخص الكلام به أمارة للأمر الحادث له، وأن حكمًا من أحكام المبالغة قد2 طرأ عليه؛ كما تركوا لذلك أيضًا تأنيثه دليلًا عليه في نحو قولهم: نعم المرأة، وبئس الجارية. فإن قلت: فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرف البتة، ولم يمنعوهما علم التأنيث البتة ألا تراك أيضًا قد تقول: نعمت المرأة وبئست الجارية وأنت لا تصرف واحدًا منهما على وجه؟ قيل: إنما حظروا عليهما ما هو أخص الأوصاف بهما -أعني التصرف- ليكون حظره عليهما أدل شيء على حدوث عائق3 لهما، وليست4 كذلك علامة التأنيث لأن الفعل لم يكن في القياس تأنيثه ألا تراه مفيدًا للمصدر الدال على الجنس والجنس أسبق شيء إلى5 التذكير، وإنما دخل علم التأنيث في نحو قامت هند وانطلقت جمل لتأنيث فاعله ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد وانطلقت جعفر فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرفهما الذي هو أقعد من غيره فيهما دون الاقتصار على ترك تأنيثهما إذ التأنيث فيهما ليس في الأصل مستحقًا لهما ولا راجعًا إليهما؛ وإنما هو مراعىً به تأنيث فاعليهما6. ويؤكد ذلك عندك ما رواه الأصمعي عنهم من قوله: إذا فاق الشيء في بابه7 سموه خارجيًا، وأنشد بيت طفيل الغنوي8: وعارضتها رهوا على متتابع ... شديد القصيري خارجي محنب9 فقولهم في هذا المعنى: خارجي، واستعمالهم فيه لفظ خرج10، من أوثق ما يستدل له على هذا11 المعنى، وهو الغاية فيه12. فاعرفه واشدد يدك به13.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أهله". 2 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عان"، وعان وصف من عن أي عرض. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فاعلهما". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جنسه". 8 سقط في ش. 9 انظر ص48 من هذا الجزء. 10 رسم في ز، ط: "خ ر ج". 11 سقط في د، هـ، ز. 12 سقط في ش. 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عليه".

باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية

باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية: اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد1 عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه "واستخف2 حلمه" ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها3، وأصل اعتقاد التشبيه4 لله تعالى بخلقه منها، وجاز5 عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لما سمعوا قول الله -سبحانه، وعلا عما يقول الجاهلون علوا كبيرًا: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 6 وقوله: "عز اسمه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 7 وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 8 وقوله:

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جار". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استخفه". 3 في د، ز: "أنحائها". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أهل التشبيه". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "حال جار". وفي ط: "جار". 6 آية 39 سورة الزمر. 7 آية 115 سورة البقرة. 8 آية 75 سورة ص.

تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 1 وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 2 وقوله، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 3 وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 ونحو ذلك من الآيات5 الجارية هذا المجرى وقوله6 في الحديث: "خلق الله آدم على صورته"، حتى ذهب بعض هؤلاء7 الجهال في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 8 أنها ساق ربهم -ونعوذ9 بالله من ضعفة10 النظر، وفساد المعتبر- ولم يشكوا أن11 هذه أعضاء12 له، وإذا كانت أعضاء كان هو لا محالة جسمًا معضىً13؛ على ما يشاهدون من خلقه، عز وجهه، وعلا قدره، وانحطت سوامى "الأقدار و"14 الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة15 أو تصرف فيها، أو مزاولة لها لحمتهم16 السعادة بها، ما أصارتهم الشقوة إليه، بالبعد عنها. وسنقول في هذا ونحوه ما يجب مثله. ولذلك ما قال17 رسول الله -صلى اله عليه وسلم- لرجل لحن: أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل، فسمي اللحن ضلالًا وقال عليه السلام: "رحم 18 الله امرأ أصلح من لسانه"، وذلك لما "علمه -صلى الله عليه وسلم- مما يعقب"19 الجهل لذلك من ضد السداد، وزيغ الاعتقاد.

_ 1 آية 71 سورة يس. 2 آية 27 سورة الرحمن. 3 آية 39 سورة طه. 4 آية 67 سورة الزمر. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الآي". 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "قولهم". 7 سقط في ش. 8 آية 42 سورة القلم. 9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 10 في ز: "ضعف". 11 في ز: "إلى أن". 12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الأعضاء". 13 أي ذا أعضاء وأجزاء. من قولهم: عضيت الشاة والجزور إذا جرأتهما. 14 ثبت ما بين القوسين في ط. 15 سقط في ش، ط. 16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لحملتهم". 17 سقط هذا الحرف في ش. 18 حدث بهذا الحديث عمر رضي الله عنه. وكان مر على قوم يسيئون الرمي فقرعهم، فقالوا: إنا قوم متعلمين، فأعرض عنهم وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، فذكر الحديث، وانظر الجامع الصغير في حرف الراء. 19 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يخرج إلى".

وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جارٍ على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة. وقد قدمنا ذكر ذلك في كتابنا هذا وفي غيره. فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها وانتشار، أنحائها جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ويعتادونه منها وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم وعادتهم في استعمالها. وذلك أهم يقولن: هذا الأمر يصغر في جنب هذا أي بالإضافة إليه و"قرنه به"1. فكذلك2 قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 3 "أي فيما بيني وبين الله"4 إذا أضفت تفريطي إلى أمره لي ونهيه أياي. وإذا كان أصله اتساعًا جرى بعضه مجرى بعض. وكذلك5 قوله -صلى اله عليه وسلم: كل الصيد في جنب الفرأ، "وجوف الفرأ"6، أي "كأنه يصغر"7 بالإضافة إليه8 وإذا قيس به. وكذلك قوله -سبحانه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 9، إنما هو الاتجاه "إلى الله"10، ألا ترى إلى بيت الكتاب: أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل11

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قربه منه". 2 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "وكذا". وفي ش: "فذلك". 3 آية 39 سورة الزمر. 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحوه"، وهذا قاله -صلى الله عليه وسلم- لأبي سفيان وكان استأذن عليه -صلى الله عليه وسلم- فأخر الإذن له، فلما دخل عليه طيب نفسه بهذه المقالة. ولفظ الحديث: "يا أبا سفيان أنت كما قال القائل: كل الصيد في جوف الفرأ". والفرأ: حمار الوحش. 6 سقط ما بين القوسين في ز. 7 سقط ما بي القوسين في ش. 8 سقط حرف العطف في ش. 9 آية 115 سورة البقرة. 10 سقط ما بين القوسين في ش. 11 ورد في الكتاب 1/ 17 غير معزو.

أي الاتجاه1. فإن2 شئت قلت: إن3 الوجه هنا مصدر4 محذوف الزيادة، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال، كوحده، وقيد الأوابد "في أحد القولين"5 ونحوهما. وإن شئت قلت: خرج مخرج الاستعارة. وذلك أن وجه الشيء أبدا هو أكرمه وأوضحه، فهو المراد منه، والمقصود إليه. فجرى استعمال هذا في القديم -سبحانه- مجرى العرف فيه والعادة في أمثاله. أي لو كان -تعالى- مما يكون له وجه لكان كل موضع توجه6 إليه فيه وجها له؛ إلا7 أنك إذا جعلت الوجه في القول الأول مصدرا كان في المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل؛ لأن المتوجه إليه مفعول "في المعنى فيكون"8 إذًا من باب قوله -عز وجل: {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ} 9 و {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} 10 ونحو ذلك مما أضيف فيه المصدر إلى المفعول به. وقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} 11 إن شئت قلت: لما كان العرف12 أن يكون أكثر الأعمال باليد13 جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت: الأيدي هنا14 جمع اليد15 التي هي القوة فكأنه قال: مما عملته قوانا أي القوى التي أعطيناها الأشياء لا أن له -سبحانه- جسما تحله القوة أو الضعف. ونحوه قولهم في القسم: لعمر الله إنما هو: وحياة الله، أي والحياة التي آتانيها الله، لا أن القديم سبحانه محل

_ 1 في د، هـ، ز بعده: "إلى الله". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإن". 3 سقط هذا الحرف في ش. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجه". 7 كذا في ط، وفي ش: "ألا ترى". 8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 9 آية 49 سورة فصلت. 10 آية 24 سورة ص. 11 آية 71 سورة يس. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أكثر العرف". 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "باليدين". 14 سقط في ش. 15 في ز، ط: "يد".

للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى القدرة وإن كان في الحقيقة للقادر؛ لأن بالقدرة ما يتم له العمل كما يقال: قطعه السيف وخرقه1 الرمح. فيضاف الفعل إليهما؛ لأنه إنما كان بهما. وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 2 أي تكون مكنوفا برأفتي بك وكلاءتي لك كما أن من يشاهده الناظر له، والكافل به3، أدنى إلى صلاح أموره وانتظام أحواله ممن يبعد عمن يدبره ويلي أمره قال المولد: شهدوا وغبنا عنهم فتحكموا ... فينا وليس كغائب من يشهد وهو باب واسع. وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 إن شئت جعلت اليمين هنا الجارحة، فيكون على "ما ذهبنا"5 إليه من المجاز والتشبيه، أي حصلت السموات تحت قدرته حصول ما تحيط اليد به في يمين القابض عليه، وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين وهو من مواضع ذكر الاشتمال والقوة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوة؛ كقوله6: إذا ما رايةٌ رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين أي بقوته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة: اليمنى7 على ما مضى. وحدثنا أبو علي سنة إحدى وأربعين8، قال: في قول الله -جل اسمه: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ

_ 1 في هـ، ز: "خرقه"، وخزقه: طعنه. 2 آية 39 سورة طه. 3 آية 67 سورة الزمر. 4 سقط في د، هـ، ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهبنا". 6 أي الشماخ. 7 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "اليمين". 8 أي بعد الثلاثمائة.

ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} 1 ثلاثة أقوال: أحدها: باليمين2 التي هي خلاف الشمال. والآخر باليمين التي هي القوة. والثالث "باليمين التي هي"3 قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} 4 فإن جعلت يمينه من5 قوله: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} "هي الجارجة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا"6 أي مطويات في يمينه وتحت يمينه. وإن جعلتها القوة لم تكن الباء ظرفا لكنها تكون حرفا معناه الإلصاق والاستعانة به على التشبيه بما يستعان به كقولهم: ضرب بالسيف وقطع بالسكين7، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى8 الظاهر، وإن كان غيره جائزا على التشبيه والسعة. وقوله9 في الحديث: خلق الله آدم على صورته يحتمل10 الهاء فيه أن تكون راجعة على اسم الله تعالى وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى كان معناه: على الصورة التي أنشأها الله وقدرها. فيكون المصور حينئذ مضافا إلى الفاعل لأنه -سبحانه- هو المصدر لها لا أن له -عز اسمه- صورة ومثالا11؛ كما أن قولهم: لعمر الله إنما معناه: والحياة التي كانت بالله والتي آتانيها الله لا أن له -تعالى- حياة تحله ولا أنه12 -عز وجهه- محل للآعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه: على صورة آدم أي على

_ 1 آية 93 سورة الصافات. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 4 آية 57 سورة الأنبياء. 5 كذا في ش، ز، ط، هـ، وفي د، هـ، ز، د: "في". 6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بالسيف". 8 سقط في ش، ط. 9 كذا في ط، وفي ش، ز: "قولهم". وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب "بدء الخلق" ومسلم في "صفة الجنة". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تحتمل". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لا تمثالا". 12 كذا في د، هـ، ز، ط: وفي ش: "هو".

صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبر1، فيكون هذا2 حينئذ كقولك3 في السيد والرئيس: قد خدمته، خدمته أي الخدمة التي تحق لأمثاله، وفي العبد والمبتذل: قد استخدمته استخدامه، أي استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف، والتصرف فيكون إذًا كقوله -عز وجل: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} 4 وكذلك نظائر هذا: هذه سبيله. فأما قول5 من طغى به جهله، وغلبت عليه شقوته، حتى قال في قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 6: إنه7 أراد به عضو القديم، وإنها جوهر كهذه الجواهر الشاغلة للأماكن8، وإنها ذات شعر، وكذا وكذا مما تتايعوا9 "في شناعته"10 وركسوا11 في "غوايته"12 فأمر نحمد الله على أن نزهنا عن الإلمام بحراه13. وإنما الساق هنا يراد بها شدة الأمر؛ كقولهم: قد قامت الحرب على ساق. ولسنا ندفع من ذلك أن الساق إذا أريدت14 بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلق15 القدم، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة16، المنهضة لها. فذكرت هنا لذلك تشبيها وتشنيعا17. فأما أن تكون للقديم -تعالى- جارحة: ساق أو غيرها فنعوذ بالله من اعتقاده "أو الاجتياز"18 بطواره. وعليه بيت الحماسة:

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 2 سقط في ش، ط. 3 سقط في ش. 4 آية 8 سورة الانفطار. 5 سقط في ش، ط،. 6 آية 42 سورة القلم. 7 سقط في ش. 8 كذا في ش. وفي ز، هـ: "للحائز". وفي ط: "الحيائز" والحيائز جمع الحيز. 9 في ز: "تتابعوا". والتتابع: التهافت والإسراع في الشر. 10 في د، هـ، ز: "له". 11 أي ردوا وقلبوا. 12 في د، هـ، ز: "شناعته". 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بحواه".، وحرى الشيء: ناحيته. 14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أريد". 15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: "تعلو". 16 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الجملة". 17 كذا في ش، وفي هـ، ز: "تشفيعا"، وفي د: "تشعفيا"، وسقط في ط. 18 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "والاختيار".

كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح1 وأما قول ابن قيس2 في صفة الحرب والشدة فيها: تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء فإنه وجه آخر، وطريق من طرق الشدة غير ما تقدم. وإنما الغرض فيه أن الروع قد بز العقيلة -وهي المرأة الكريمة- حياءها3، حتى ابدت عن ساقها، للحيرة والهرب، كقول الآخر: لما رايت نساءنا ... يفحصن بالمعزاء شدا وبدت محاسنها التي ... تخفى وكان الأمر جدا4

_ 1 من قصيدة لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وقوله: "كشفت" أي الحرب المذكورة قيل، ويقول التبريزي في شرح الحماسة 2/ 76، "هذا مثل تضربه العرب في كشف الساق، وذلك أن الرجل إذا أراد أن يمارس أمرا شمر ذيله، فاستعمل ذلك في الأنيس، ثم نقل إلى الحرب وغيرها من خطوب الدهر التي تعظم وتشتد، وقد قيل: الساق اسم للشدة، وفسر عليه قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، فقيل المعنى: يوم يكشف عن شدة". 2 في ز: "القبس" وهو يريد: ابن قيس الرقيات، وقبله: كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء وكان في جيش ابن الزبير الذي يحارب عبد الملك بن مروان، وقد كان في الشأم. والخدام جمع الخدمة، وهي الخلخال، وقوله: "عن خدام" أي عن خدامها، ولذلك منعه التنوين. و"العقيلة" فاعل "تبدى"، وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 4/ 78، واللسان "خدم". 3 سقط في د، هـ، ز. 4 بين البيت الأول والثاني بيت تركه المؤلف، وهو: وبدت لميس كأنها ... بدر السماء إذا تبدي وسواب "لما" في قوله بعد: نازلت كبشهم ولم ... أر من نزال الكبش بدا والمعزاء: الأرض الصلبة: والشد: العدو، وكبش القوم: قائدهم. وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 173 وما بعدها.

وقوله: إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم ... مصادٌ لمن يأوى إليهم ومعقل1 وهو باب. وضده ما أنشده أبو الحسن: أرفعن أذيال الحقي واربعن ... مشى حيياتٍ كأن لم يفزعن إن تمنع اليوم نساء تمنعن2 وأذكر يوما وقد خطر لي خاطر مما نحن بسبيله، فقلت: لو أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستين سنة حتى لايحظى3 منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ولا منتقص الحظ منه ولا السعادة به. وذلك قول الله -عز اسمه {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 4 ولن يخلو5 "أغفلنا" هنا من أن يكون6 من باب أفعلت الشيء أي صادفته ووافقته كذلك؛ كقوله7: وأهيج الخلصاء من ذات البرق أي صادفها هائجة8 النبات9 "وقوله10: فمضى وأخلف من قتيلة موعدا11

_ 1 الكعاب: التي نهد ثديها، والمصاد: أعلى الجبل، وجاء البيت في اللسان "مصد". 2 انظر ص251 من الجزء الثاني. 3 في ز: "ما". 4 آية 28 سورة الكهف. 5 في ش: "تخلو". 6 في د، هـ، ز، ط بعده: معناه". 7 أى رؤبة، وهو من أرجوزته التي أولها: وقاتم الأعماق خاوي المخترق والحديث عن حار الوحش، والخلصاء: موضع، والبرق: جمع البرقة، وهي مكان فيه حجارة ورمل. وانظر أراجيز البكري 26. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، ومهتاجة، وهيج التبت: يبسه. 9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "النبت". 10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط قوله: "أي صادفة مخلفا" في ط. 11 هذا من مطلع قصيدة للأعشى. وصدره أثوى وقصر ليله ليزودا وأثوى يقرأ على الخبر من الإثواء بمعنى الإقامة، ويقرأ على الاستفهام من الثواء، وانظر الصبح المنير 150، وتاج العروس في "ثوى".

أي صادفه محلفا"، وقوله1: أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بأخرنا وتنسى أولينا أي صادف قوما صما وقول الآخر: فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجواد والمجد يوم الفخار2 أي صادفته أعمى. وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها، أي وجدتها عامرة ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك أو يكون ما قاله3 الخصم: أن معنى أغفلنا قلبه: منعنا وصددنا، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر على ما ذهبوا إليه منه4 لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه. وذلك أنه كان يكون على هذا الأول علة للثاني، والثاني مسببا5 عن الأول، ومطاوعا6 له؛ كقولك: أعطيته فأخذ وسألته فبذل، لما7 كان الأخذ مسببا عن العطية، والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو؛ ألا "ترى8 أنك" إنما تقول: جذبته فانجذب، ولا تقول: وانجذب إذا جعلت الثاني مسببًا عن الأول. وتقول: كسرته فانكسر، واستخبرته فأخبر، كله بالفاء. فمجيء قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} بالواو ودليل على أن الثاني ليس مسببا عن الأول على ما يعتقده المخالف. وإذا "لم يكن"9 عليه كان معنى أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي صادفناه غافلا؛ على ما مضى، وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة. فكأنه -والله أعلم: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، أي لا تطع من فعل كذا، وفعل كذا. وإذا صح هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من قوة النفس، ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى10 علي رحمهما الله وقد دوخا هذا الأمر، وجولاه11، وامتخضاه وسقياه، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما -فيما علمته به12- على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز13 عندي أجرا عظيما فيما صنفه من كتابه الصغير في الرد على الملحدين، وعليه عقد أبو علي -رحمه الله- كتابة في تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة في هذا الأمر بإذن الله وعونه.

_ 1 أي ابن أحمر. وقوله: "تحجي بآخرنا" أي تسبق إليهم باللوم، وقوله: "بآخرنا" كذا في اللسان، وفي نسخ الخصائص: "لآخرنا" وانظر اللسان "صمم" و"حجا". 2 أورده ابن قتيبة في المعاني الكبير 521 ولم يغزه. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يقول". 4 سقط في ش. 5 في ش: "مسيب". 6 في ش: "مطاوع". 7 في ز: "فلما". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراك". 9 كذا في ز، ط، أي لم يكن الأمر على ما ذهبوا إليه، وفي ش: "تكن عليه". 10 كأنه يريد شيخه أبا علي الفارسي المتوفى سنة 370، وأبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة 303، وكانا معتزليين. 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حولاء". 12 سقط في ش. 13 كذا في ش، وفي ط: "أجر" وفي ز: "أجرى".

باب في تجاذب المعاني والإعراب

باب في تجاذب المعاني والإعراب: هذا موضع كان أبو علي -رحمه الله- يعتاده، ويلم كثيرا به، ويبعث على المراجعة له، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد في كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه. فمتى اعتورا كلاما1 ما أمسكت بعروة المعنى وارتحت لتصحيح الإعراب. فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2، فمعنى هذا: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، فإن حملته في الإعراب على هذا كان

_ 1 سقط في ش. 2 آيتا 8، 9 من سورة الطارق.

خطأ؛ لفصلك بين الظرف الذي هو "يوم تبلى"، وبين ما هو معلق به من المصدر الذي هو الرجع، والظرف من صلته، والفصل بين الصلة والموصول الأجنبي أمر1 لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له والإعراب مانعا2 منه، احتلت له، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف، ويكون المصدر الملفوظ به دالًا على ذلك الفعل حتى كأنه قال3 فيما بعد: يرجعه يوم تبلى السرائر. ودل "رجعه" على "يرجعه" دلالة المصدر على فعله. ونحوه4 قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} 5 فـ"إذ" هذه في المعنى متعلقة بنفس قوله: لمقت الله، أي يقال لهم: لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان فكفركم، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن؛ إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان فيه الفصل بين الصلة التي هي إذ وبين الموصول الذي هو لمقت6 الله. فإذا كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدل المصدر عليه، حتى كأنه قال بأخرة: مقتكنم إذ تدعون. وإذا كان هذا ونحوه وقد جاء في القرآن فما أكثره وأوسعه في الشعر! فمن ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله: لسنا كمن حلت إيادٍ دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا7

_ 1 سقط في د، هـ، ز. 2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مانع". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل". 4 سقط في ش. 5 آية 10 سورة غافر. 6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مقت". 7 انظر ص404 من الجزء الثاني.

فـ"إيادٍ" بدل مِن "مَن"، وإذا كان كذلك لم يمكنك أن تنصب "دارها" بـ "حلت" هذه الظاهرة؛ لما فيه من الفصل، فحينئذ1 ما تضمر2 له فعلا يتناوله، فكأنه قال فيما بعد: حلت دارها. وإذا جازت دلالة المصدر على فعله، والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل3 على الفعل الذي هو مثله، أدنى4 إلى الجواز وأقرب مأخذا في الاستعمال. ومثله قول الكميت في ناقته: كذلك تيك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل5 أي وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا كان فيه الفصل المكروه. فإذا كان المعنى عليه، ومنع طريق الإعراب منه أضمر له ما يتناوله، ودل "الناظرات" على ذلك المضمر. فكأنه قال فيما بعد: نظرن6 ما يرى المسحل، ألا تراك لو قلت: كالضارب زيدٌ جعفرا وأنت تريد: كالضارب جعفرا زيد لم يجز؛ كما أنك لو قلت: إنك على صومك لقادر شهر رمضان وأنت تريد: إنك على صومك شهر رمضان لقادر لم يجز شيء من ذلك للفصل. وما أكثر استعمال الناس لهذا الموضع في محاوراتهم وتصرف الأنحاء "في كلامهم"7! وأحد من اجتاز به البحتري في قوله: لا هناك الشغل الجديد بحزوى ... عن رسوم برامتين قفار8

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيحسن". 2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها". 3 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "الفاعل". 4 في ط: "أوفق". 5 المسحل: الحمار الوحشي، وسبق تفسيره بجانب اللحية، ويبدو أن الصواب ما هنا. 6 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش: "نظرت". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بكلامهم". 8 من قصيدته في مدح أبي جعفر بن حميد، وقبله: أبكاء في الدار بعد الديار ... وسلوا بزينب عن نوار

فـ"عن" في المعنى متعلقة "بالشغل"1 أي لا هناك الشغل عن هذه الأماكن؛ إلا أن الإعراب مانع منه، وإن كان المعنى متقاضيا له. وذلك أن قوله "الجديد" صفة للشغل، والصفة إذا جرت على الموصوف2 آذنت بتمامه، وانقضاء أجزائه. فإن ذهبت تعلق "عن" بنفس "الشغل" على ظاهر المعنى، كان فيه الفصل بين الموصول وصلته، وهذا فاسد، ألا تراك لو قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا لم يجز، لأنك وصفت المصدر وقد بقيت منه بقية، فكان ذلك فصلا بين الموصول وصلته بصفته. وصحتها أن تقول: عجبت من ضربك الشديد عمرا؛ لأنه مفعول الضرب وتنصب عمرا بدلا من الشديد كقولك: مررت بالظريف عمروٍ، ونظرت إلى الكريم جعفر. فإن أردت أن تصف المصدر بعد إعمالك إياه قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا الضعيف، أي عجبت من أن ضربت هذا الشديد ضربا ضعيفا. هذا تفسير المعنى. وهذا الموضع من هذا العلم كثير في الشعر القديم والمولد. فإذا3 اجتاز بك شيء منه فقد عرفت طريق القول فيه، والرفق به إلى أن يأخذ4 مأخذه بإذن الله تعالى. ومنه قول الحطيئة: أزمعت يأسًا مبينا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحر كالياس5

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، وفي ش: "فيحسن". 2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن". 4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تأخذ". 5 من قصيدة له في هجو بني بهدلة بن عوف رهط الزبرقان. وقبله: لما بدالى منكم غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحى فيكم آس وانظر الكامل للمبرد في الباب 39 ص341 من طبعة أوروبا، وص157 ج5 من رغبة الآمل.

أي يأسًا من نوالكم مبينا. فلا يجوز أن يكون قوله: "من نوالكم" متعلقا بيأس وقد وصفه1 بمبين، وإن كان المعنى يقتضيه؛ لأن الإعراب مانع منه. لكن تضمر له حتى كأنك قلت: يئست من نوالكم. ومن تجاذب الإعراب والمعنى ما جرى من المصادر وصفا؛ نحو قولك: هذا رجل دنف، وقوم رضا ورجل عدل. فإن وصفته بالصفة الصريحة قلت: رجل دنف، وقوم مرضيون، ورجل عادل. هذا هو الأصل. وإنما انصرفت العرب عنه في بعض الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعي، والآخر معنوي. أما الصناعي فليزيدك أنسا بشبه المصدر للصفة التي أوقعته موقعها، كما أوقعت الصفة موقع المصدر، في نحو2 قولك3: أقائمًا والناس قعود "أي تقوم قياما والناس قعود"4 ونحو ذلك. وأما المعنوي فلأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل. وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده5 إياه. ويدل على أن هذا معنى لهم، ومتصور في نفوسهم6 قوله "فيما أنشدناه"7: ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنت علينا والضنين من البخل8 أي كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به9 منه. ومنه10 قول الآخر: وهن من الإخلاف والولعان11 وقوله: وهن من الإخلاف بعدك والمطل12 وأصل هذا الباب عندي قول الله -عز وجل: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 13. وقد ذكرنا هذا الفصل فيما مضى. فقولك إذًا: هذا رجل دنف "بكسر النون"14 أقوى إعرابا؛ لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة15. وقولك: رجل دنف أقوى معنى؛ لما ذكرناه: من كونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل. وهذا معنى لا تجده، ولا تتمكن منه مع الصفة الصريحة. فهذا16 وجه تجاذب الإعراب والمعنى؛ فاعرفه وأمض الحكم فيه على أي الأمرين شئت.

_ 1 كذا في د، هـ، ز: "وفي ش، ط: "وصفته". 2 سقط هذا الحرف في ش، ط. 3 في ز، ط: "قولهم". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 في ش: "اعتداده". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنفسهم". 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 انظر ص204 من الجزء الثاني. 9 سقط في ش، ط. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله". 11 انظر ص205 من الجزء الثاني. 12 انظر ص205 من الجزء الثاني. 13 آية 37 سورة الأنبياء. 14 سقط ما بين القوسين في ش. 15 كذا في ش، وفي ز، ط: "المتجردة". 16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".

باب في التفسير على المعنى دون اللفظ

باب في التفسير على المعنى دون اللفظ: اعلم أن هذا موضع قد أتعب كثيرًا من الناس واستهواهم، ودعاهم من سوء الرأي وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتابعوا1 فيه؛ حتى إن أكثر2 ما ترى3 من هذه الآراء المختلفة، والأقوال المستشنعة4، إنما دعا إليها القائلين بها تعلقهم بظواهر هذه الأماكن، دون أن يبحثوا عن سر معانيها، ومعاقد5 أغراضها. فمن ذلك قول سيبويه في بعض ألفاظه: حتى الناصبة6 للفعل، يعني7 في8 نحو قولنا: اتق الله حتى يدخلك الجنة. فإذا سمع هذا من يضعف9 نظره اعتدها في جملة

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتابعوا". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كثيرا". 3 في ط: "يرى". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المستشعة". 5 في ز: "معاقبل". 6 في ز: "الناصب". وانظر الكتاب 413/ 1 وص 206 من الجزء الثاني من الخصائص. 7 سقط في ش، ط. 8 سقط هذا الحرف في ط. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضعف".

الحروف الناصبة للفعل، وإنما النصب بعدها بأن مضمرة. وإنما جاز أن يتسمح بذلك من حيث كان الفعل بعدها منصوبا بحرف لا يذكر معها؛ فصارت1 في اللفظ كالخلف له، والعوض منه، وإنما هي في الحقيقة جارة لا ناصبة. ومنه قوله أيضًا في قول الشاعر: أنا اقتسمنا خطيتنا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار2 إن فجار معدولة عن الفجرة. وإنما غرضه أنها معدولة عن فجرة "معرفة علما"3 على ذا يدل هذا الموضع من الكتاب. ويقويه ورود برة معه في البيت وهي -كما ترى- علم. لكنه فسره4 على المعنى دون اللفظ. وسوغه ذلك أنه لما أراد تعريف الكلمة المعدول5 عنها مثل ذلك "بما6 تعرف" باللام؛ لأنه لفظ معتاد، وترك لفظ فجرة، لأنه لا يعتاد ذلك علما، وإنما يعتاد نكرة وجنسا7 نحو فجرت فجرة كقولك8: تجرت تجرة؛ ولو عدلت برة هذه على هذا الحد لوجب أن يقال9 فيها10: برار كفجار. ومنه قولهم: أهلك والليل، فإذا فسروه11 قالوا: أراد12: الحق أهلك قبل الليل. وهذا -لعمري- تفسير المعنى لا تقدير الإعراب؛ فإنه على: الحق أهلك وسابق الليل.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وصارت". 2 انظر ص200 من الجزء الثاني. 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "علما معرفة". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فسر". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المعدولة". 6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فإنما يعرف". 7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من جنسها". 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نحو قولك". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تقول". 10 سقط في ش. 11 في ز، ط: "قدروه". 12 سقط في ش.

ومنه ما حكاه الفراء من قولهم: معي عشرة فاحدهن1، أي اجعلهن أحد عشر. وهذا تفسير المعنى، أي أتبعهن ما يليهن وهو2 من حدوث الشيء إذا جئت بعده. وأما اللفظ فإنه من "وح د"؛ لأن أصل أحد وحد؛ ألا ترى إلى قول النابغة: كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد3 أي منفرد، وكذلك الواحد إنما هو منفرد. وقلب هذه الواو المفتوحة المنفردة4 شاذ ومذكور في التصريف. وقال لي5 أبو علي -رحمه الله- بحلب سنة ست وأربعين: إن الهمزة في قولهم: ما بها أحد ونحو ذلك مما أحد فيه للعموم ليست بدلا من واو؛ بل هي أصل في موضعها. قال: وذلك أنه6 ليس من معنى7 أحد في قولنا8: أحد عشر، وأحد وعشرون. قال: لأن الغرض في9 هذه الانفراد، والذي هو نصف الاثنين، قال: وأما أحد في نحو قولنا: ما بها أحد وديار، فإنما10 هي للإحاطة11 والعموم. "والمعنيان"12 -كما ترى- مختلفان. وهكذا قال؛ وهو الظاهر.

_ 1 انظر ص80 من الجزء الثاني. 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو". 3 سقط الشعر الأول في ش، وفيها: "يوم الجليل" في مكان "بذي الجليل". وذو الجليل موضع قرب مكة، وهو بفتح الجيم كما في ياقوت، وضبطه البغدادي بضم الجيم، والمستأنس الوحد: الثور الوحشي المنفرد، يشبه ناقته به، وانظر الخزانة في الشاهد التاسع والثمانين بعد المائة. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفردة". 5 سقط في د، هـ، ط. 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "معنى قولنا". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو". 9 في د: "من". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لذا". 11 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة". 12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فالمعنيان".

ومنه قول المفسرين في قول الله تعالى: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1 أي مع الله ليس أن "إلى" في اللغة بمعنى مع، ألا تراك لا تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: سرت2 مع زيد، هذا لا يعرف في كلامهم. وإنما جاز هذا التفسير في هذا الموضع؛ لأن النبي إذا كان له أنصار فقد3 انضموا في نصرته إلى الله، فكأنه قال: من أنصاري منضمين إلى الله، كما تقول: زيد إلى خير، وإلى دعة وستر، أي آوٍ إلى هذه الأشياء ومنضم إليها. فإذا انضم إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى هذا فسر المفسرون هذا الموضع. ومن ذلك قول الله -عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} 4 قالوا معناه: قد امتلأت، وهذا أيضًا تفسير على المعنى دون اللفظ، و"هل" مبقاة على استفهامها. وذلك كقولك للرجل لا تشك5 في ضعفه عن الأمر: هل ضعفت عنه، وللإنسان "يحب6 الحياة" هل تحب7 الحياة، أي فكما8 تحبها فليكن حفظك نفسك لها، وكما ضعفت عن هذا الأمر فلا تتعرض لمثله مما تضعف عنه. وكأن الاستفهام إنما9 دخل هذا الموضع ليتبع10 الجواب عنه بأن يقال: نعم "فإن كان كذلك"11 فيحتج عليه باعترافه به12، فيجعل13 ذلك طريقا إلى وعظه أو تبكيته.

_ 1 آية 14 سورة الصف. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 سقط في د، هـ، ز. 4 آية 3 سورة ق. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يشك". 6 سقط في ز. 7 في د، هـ، ز: "يجب". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وكما". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لما". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لتتبع". 11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قد كان كذا". 12 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "له". 13 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "فجعل".

ولو لم يعترف في ظاهر الأمر به لم يقو توقيفه1 عليه، وتحذيرة من مثله، قوته إذا اعترف به؛ لأن الاحتجاج على المعترف أقوى منه على المنكر أو المتوقف؛ فكذلك قوله سبحانه: هل امتلأت، فكأنها قالت: لا، فقيل لها: بالغي2 في إحراق المنكر "كان3 لك" فيكون هذا خطابا في اللفظ لجهنم، وفي المعنى للكفار. "وكذلك"4 جواب هذا من قولها: هل من مزيد، أي أتعلم يا ربنا أن عندي مزيدا؟. فجواب هذا منه -عز اسمه- لا5، أي فكما تعلم أن لامزيد فحسبي ما عندي. فعليه قالوا في تفسيره: قد امتلأت، فتقول6: ما من مزيد. فاعرف هذا ونحوه. وبالله التوفيق.

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقريعه به". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فبالغي". 3 كذا في ز، وفي ش: "لذلك". و"كان" زائدة. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فكذلك". 5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 6 سقط في ش.

باب في قوة اللفظ لقوة المعنى

باب في قوة اللفظ لقوة المعنى: هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا وتمعددوا: أي اصلبوا وتناهوا في الخشنة1. وكذلك قولهم: أعشب المكان، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا: اعشوشب. ومثله حلا واحلولي، وخلق2 واخلولق، وغدن3 واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل، نحو قدر واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم4: قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض القياس، قال الله سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} 5؛ فمقتدر هنا أوفق من قادر؛ من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ. وعليه -عندي- قول الله -عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 6 وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله -عز اسمه: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} 7؛ أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها8، صغر9 الواحد إلى العشرة ولما كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها10، لم تحتقر11 إلى الجزاء عنها12، فعلم بذلك قوة فعل السيئة على فعل الحسنة؛ ولذلك قال -تبارك وتعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 13 فإذا كان فعل السيئة14 ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية، عظم قدرها، وفخم لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد في لفظ فعل السيئة، وانتقص من لفظ فعل الحسنة؛ لما ذكرنا. ومثله سواءً بيت الكتاب: أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار15

_ 1 الخشنة مصدر خشن، كالحشرنة. 2 خلق: كان خليقا وجديرا. ويقال: اخلولق السحاب: استوى وصار خليقا للمطر. 3 الغدن: اللين. 4 سقط في ط. 5 آية 42 سورة القمر. 6 آية 286 سورة البقرة، وهي ختامها. 7 آية 16 سورة الأنعام، والآية هنا على ما في د، هـ، ز، وفي ش، ط: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والتلاوة في الآية 84 سورة القصص: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} الآية. 8 في ش: "أجزائها". 9 كذا في ط. وفي ز، ش: "ضعف". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثلها". 11 كذا في ط، وفي ز: "يحتقر". وفي ش: "نفتقر". 12 في ز: "عليها". 13 آيتا 90، 91 سورة مريم. 14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السيئات". 15 تقدم هذا البيت في ص20 من الجزء الثاني، ص264 من هذا الجزء.

فعبر عن البر بالحمل، وعن الفجرة بالاحتمال. وهذا1 هو ما قلناه في قوله -عز اسمه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، لا فرق بينهما. وذاكرت بهذا الموضع بعض أشياخنا من المتكلمين فسر به، وحسن في نفسه. ومن ذلك أيضًا2 قولهم: رجل جميل، ووضئ، فإذا أرادوا المبالغة في ذلك قالوا: وضاء، وجمال، فزادوا في اللفظ3 "هذه الزيادة"4 لزيادة معناه؛ قال: والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضاء5 وقال: تمشى بجهم حسن ملاح ... أجم حتى هم بالصياح6 وقال: منه صفيحة وجه غير جمال وكذلك حسن وحسان، قال7: دار الفتاة التي كنا تقول لها ... يا ظبية عطلا حسانة الجيد وكأن أصل هذا إنما هو لتضعيف العين في نحو المثال؛ نحو8 قطع وكسر وبابهما. وإنما جعلنا هذا هو الأصل لأنه9 مطرد في بابه أشد من اطراد باب الصفة. وذلك نحو قولك: قطع وقطّع، وقام الفرس10 وقومت الخيل، ومات البعير وموتت الإبل؛ ولأن العين قد تضعف في الاسم الذي ليس بوصف، نحو قبر11 وتمر12 وحمر13.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا". 2 سقط في ش، ط. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لفظه". 4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. 5 نسبة في اللسان "وضأ" إلى أبي صدقة الدبيري. وانظر المخصص 15/ 89. 6 يعني بالجهم فرجها، فالحديث عن امرأة. وورد البيت في اللسان "ملح". 7 أي الشماخ وهو من قصيدة في ديوانه يهجو فيها الربيع بن علباء. والعطل التي لا حلى عليها. يعني امرأة. 8 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "نفس". وسقط هذا في ش. 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز:"إنما هو". 10 يقال: قامت الدابة إذا وقفت وقوله: "قومت الخيل" فالظاهر أن الخيل فاعل، وأن صيغة التفعيل لكثرة الفاعل. 11 هو من الطيور، واحدته قبره. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ممر". والتمر جمع التمرة، وهو طائر أصغر من العصفور. 13 هو أيضا طائر: واحدته حمرة.

فعدل ذلك على سعة زيادة العين. فأما قولهم: خطاف وإن كان اسمًا فإنه لاحق بالصفة في إفادة معنى الكثرة؛ ألا تراه موضوعا لكثرة الاختطاف به. وكذلك سكين1، إنما هو موضوع2 لكثرة تسكين الذابح3 به4. وكذلك البزار5 والعطار والقصار6 ونحو ذلك؛ إنما هي7 لكثرة تعاطي هذه الأشياء وإن لم تكن مأخوذة من الفعل. وكذلك النساف لهذا الطائر، كأنه قيل له ذلك؛ لكثرة نسفه بجناحيه8. وكذلك الخضارى للطائر أيضًا؛ كأنه قيل له ذلك لكثرة9 خضرته، والحوارى10 لقوة حوره وهو بياضه. وكذلك الزمل11 والزميل والزمال، إنما كررت عينه لقوة حاجته إلى أن يكون تابعا وزميلا. وهو باب منقاد. ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله. وذلك فعال في معنى فعيل، نحو طوال، فهو أبلغ "معنى من"12 طويل، وعراض؛ فإنه أبلغ معنى من عريض. وكذلك خفاف من خفيف، وقلال من قليل، وسراع من سريع. ففعال -لعمري- وإن كانت أخت فعيل في باب الصفة فإن فعيلا أخص بالباب من فعال، ألا تراه أشد انقيادًا منه، تقول: جميل ولا تقول: جمال، وبطىء، ولا تقول: بطاء وشديد ولا تقول13: شداد "ولحم14 غريض

_ 1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "السكين". 2 سقط في ش. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الذباح". 4 سقط في ز. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "البزاز". 6 كذا في ش، وفي ز، ط: "القصاب". 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "هو". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بجناحه". 9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لقوة". 10 هو الدقيق الأبيض. 11 هو الجبان الضعيف. 12 كذا في ز، ط، وفي ش: "من معنى". 13 في ط: "يقال". 14 كذا في ط وفي د، هـ، ز: "ولحم عريض ولا تقول عراض" وسقط ما بين القوسين في ش.

ولا يقال غراض". فلما كانت فعيل هي1 الباب المطرد وأريدت المبالغة، عدلت إلى فعال. فضارعت فعال بذلك فعالا. والمعنى الجامع بينهما2 خروج كل واحد منهما3 عن أصله أما فعال فبالزيادة وأما فعال فبالانحراف به عن فعيل. وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة4 المعاني5، ثم زيد فيها شيء، أوجبت القسمة له6 زيادة7 المعنى به. وكذلك إن انحرف به عن سمته وهديته8 كان ذلك دليلًا على حادث متجدد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث9 له زائدًا فيه، لا منتقصًا منه؛ ألا ترى أن كل واحد من مثالي التحقير والتكسير عارضان10 للواحد، إلا أن أقوى التغييرين هو ما عرض لمثال التكسير. وذلك أنه أمر عرض للإخراج11 عن الواحد والزيادة في العدة، فكان أقوى من التحقير؛ لأنه مبقٍّ للواحد على إفراده12. ولذلك لم يعتد13 التحقير سببًا مانعًا من الصرف، كما اعتد التكسير مانعًا منه ألا تراك تصرف دريهما ودنينيرا، ولا تصرف دراهم ولا دنانير؛ لما ذكرنا من هنا حمل سيبويه مثال التحقير على مثال التكسير، فقال تقول: سريحين، لقولك: سراحين، وضبيعين، لقولك: ضباعين: وتقول سكيران: لأنك لا تقول: سكارين. هذا معنى قوله وإن لم يحضرنا14 الآن حقيقة15 لفظه. وسألت أبا علي عن رد سيبويه16 مثال التحقير إلى مثال التكسير فأجاب بما17 أثبتنا آنفًا. فاعرف ذلك إلى ما تقدمه.

_ 1 كذلك في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لهما". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من". 4 في د، هـ، ز: "دلت". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للمعاني". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لزيادة". 8 سقط في ط، والهداية، والطريقة والسيرة. 9 في د: "به". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عارضا" وقد يكون: "عارض" وهو الأولى في الحبر عن "كل". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الإخراج. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "انفراده". 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتدد". 14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يحضره". 15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "شبيه". وانظر الكتاب 2/ 108 وما بعدها. 16 سقط في ش. 17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "لما".

باب في نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها

باب في نقض الأوضاع إذا ضامها 1 طارئ عليها: من ذلك لفظ الاستفهام؛ إذ ضامه معنى التعجب استحال خبرًا. وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهمًا. وكذلك مررت برجل إيما رجل؛ لأن ما زائدة. وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر والتعجب ضرب من الخبر. فكأن2 التعجب لما طرأ على الاستفهام إنما أعاده3 إلى أصله: من الخبرية. ومن ذلك لفظ الواجب، إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيًا، وإذا لحقت لفظ النفي عاد إيجابًا. وذلك كقول الله سبحانه: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} 4 أي ما قلت لهم، وقوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} 5 أي لم يأذن لكم. وأما دخولها على النفي فكقوله -عز وجل: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} 6 أي أنا كذلك وقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا7 أي أنتم كذلك. وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشيء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضده، فلذلك8 استحال به الإيجاب نفيًا، والنفي إيجابًا. ومن ذلك أن تصف العلم، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أخرجته به9 عن حقيقة ما وضع له، فأدخلته10 معنى لولا الصفة11 لم تدخله12 إياه. وذلك أن وضع العلم أن يكون "مستغنيًا بلفظه"13 عن عدة من الصفات، فإذا أنت وصفته فقد سلبته "الصفة له ما كان"14 في أصل وضعه مرادًا فيه: من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته. وقد ذكرنا هذا الموضع فيما مضى. فتأمل هذه الطريق، حتى إذا ورد شيء منها عرفت مذهبه.

_ 1 في ط: "ضمها". 2 في ط: "وكأن". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عاده". 4 آية 16 سورة المائدة. 5 آية 59 سورة يونس. 6 آية 172 سورة الأعراف. 7 عجزه: وأندى العالم بطون راح 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فلهذا". 9 سقط في ش. 10 كذا في ش، وفي ط: "وأدخلته"، وفي د، هـ، ز: "أدخله". 11 في ط: "الصنعة". 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يدخله". 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مستغنها به" وفي ط: "مستغني به". 14 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "الصفة ما كان له".

باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف

باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف: من ذلك ما أنشدناه1 أبو علي -رحمه الله- من قول الشاعر: أنا أبو المنهال بعض الأحيان ... ليس علي حسبي بضؤلان2 أنشدنيه -رحمه الله- ونحن في دار الملك. وسألني عما يتعلق به الظرف الذي هو "بعض الأحيان" فخضنا3 فيه إلى أن برد في اليد من جهته أنه يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون أراد: أنا مثل أبي المنهال، فيعمل في الظرف على هذا معنى التشبيه، أي أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان. والآخر أن يكون قد عرف

_ 1 في د، هـ، ز: "أنشده". 2 "ليس على حسبي بضؤلان" أي بضئيل، أي أنا أقاوم بحقوق حسبي، ولا آتي ما أعاب به، وفي نسخ الخصائص: "بصولان" وهو تصحيف. وانظر اللسان "ضأل"، "وأين". 3 في ط: "فمخضنا".

من أبي المنهال هذا الغناء والنجدة فإذا ذكر فكأنه1 قد ذكرا2، فيصير معناه إلى أنه كأنه قال: أنا المغني في بعض الأحيان، أو أنا النجد3 في بعض تلك الأوقات. أفلا تراك كيف انتزعت من العلم الذي هو "أبو المنهال" معنى الصفة والفعلية. ومنه قولهم في الخبر. إنما سميت هانئًا لنهنأ4. وعليه جاء نابغة؛ لأنه نبغ فسمي بذلك. فهذا5 -لعمري- صفة غلبت، فبقي عليها بعد التسمية بها بعض ما كانت تفيده من معنى الفعل من قبل. وعليه مذهب6 الكتاب في ترك صرف أحمر إذا سمي به، ثم نكر. وقد ذكرنا ذلك في غير موضع "إلا أنك"7 على الأحوال8 قد انتزعت من العلم معنى الصفة. وقد مر بهذا الموضع الطائي الكبير فأحسن فيه واستوفى معناه فقال: فلا تحسبًا هندًا لها الغدر وحدها ... سجية نفسٍ كل غانية هند9 فقوله: "كل غانية هند" مثناه في معناه، وآخذ لأقصى مداه؛ ألا "ترى10 أنه" كأنه قال، كل غانية غادرة أو قاطعة "أو خائنة"11 أو نحو ذلك.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فكأن". 2 في ط: "ذكر" هذا وقال البغدادي في شرح شواهد المغني في الشاهد الثامن والسبعين بعد الستماة تعليقا على كلام أبي علي وابن جني: "ومقتضى كلامهما أن أبا المنهال ليس صاحب الرجز وهو من رجز أورده له العلامة ابن بري في أماليه على صحاح الجوهري في مادة "أين". 3 في ش: "المنجد"، والنجد بسكون الجيم وضمها وكسرها، وهو الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. 4 "لبنأ" أي لتعطي، يقال هنأة يهنوه ويهنئه أي أعطاه، يضر لمن عرف بالإحسان، فيقال: اجر على عادتك ولا تقطعها، وانظر اللسان "هنا". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذه". 6 انظر الكتاب 2/ 4. 7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ألا تراك". 8 في هـ، ز: "مع". 9 من قصيدة لأبي تمام في مدح محمد بن الهيثم، وقوله: "سجية" يقرأ بالرفع خبر "الغدر" وبالنصب على أن الخبر "لها" وسجية حال. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراه". 11 سقط ما بين القوسين في ش.

ومنه قول الآخر: إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا1 أى إذا شبعوا تعادوا وتغادروا لأن بكرًا هكذا فعلها. ونحو من هذا -وإن لم يكن الاسم2 المقول3 عليه علمًا- قول الآخر: ما أمك اجتاحت المنايا ... كل فؤادٍ عليك أم كأنه4 قال: كل فؤاد عليك حزين أو كئيب، إذ كانت الأم هكذا غالب أمرها لا سيما مع المصيبة، وعند نزول الشدة. ومثله في النكرة أيضًا قولهم: مررت برجل صوفٍ تكته، أي خشنة، ونظرت إلى رجل خز قميصه أي ناعم، ومررت بقاع عرفجٍ كله أي جافٍ وخشن5. وإن جعلت "كله" توكيدًا لما في "عرفج" من الضمير فالحال واحدة؛ لأنه لم يتضمن الضمير إلا فيه من معنى الصفة. ومن العلم أيضًا قوله: أنا أبو بردة إذ جد الوهل6 أي أنا المغني7 والمجدي8 عند اشتداد الأمر. وقريب منه قوله: أنا أبوها حين تستبغي أبا9 أي أنا صاحبها10، وكافلها وقت حاجتها إلى ذلك. ومثله وأحسن "صنعة11 منه": لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ... ـح مغيرًا ولا دعيت يزيدا12 أي لا دعيت الفاضل المغنى؛ هذا يريد13 وليس يتمدح بأن اسمه يزيد؛ لأن يزيد ليس موضوعًا بعد النقل عن الفعلية إلا للعلمية. فإنما تمدح هنا بما عرف من فضله وغنائه. وهو كثير. فإذا مر بك14 شيء منه فقد عرفتك طريقه.

_ 1 نسبة في الأمالي 1/ 7 إلى رجل من تميم، وقال: "يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل"، وبراثن الذئاب مخالبها بمنزلة الأصابع للإنسان، واخضرارها كناية عن اخضرار الأرض، وهذا كناية عن الخصب. 2 سقط في ش. 3 في ط: "المعول". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فكأنه". 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو" والعرفج: شجر له ثمرة خشناء كالحسك. 6 هذا من رجز للأعرج المعنى أو لعمرو بن يثربي، قاله في وقعة الجمل، وبعده: خلقت غير زمل ولا وكل ومنه الشطر المشهور: نحن بني ضبة أصحاب الجمل وفي ش: "برزة" وهما روايتان، وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 280. 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "المعنى". 8 سقط حرف العطف في ش، ط. 9 تستبغي أي تبغي وتطلب. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ضامنها". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: "منه صنعة". 12 السوام: الإبل الراعية وهو ليزيد بن مفزع الحميري. وبعده: يوم أعطى من المهانة ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا انظر تاريخ الطبري 6/ 191. 13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"يزيد". 14 سقط في د، هـ، ز.

باب في أغلاط العرب

باب في أغلاط العرب: كان أبو علي -رحمه الله- يرى1 وجه ذلك، ويقول: إنما دخل هذا النحو في كلامهم2؛ لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يعتصمون بها3. وإنما تهجم4 بهم طباعهم على ما ينطقون به، فربما استهواهم الشيء فزاغوا5 به6 عن القصد. هذا معنى قوله: وإن لم يكن صريح لفظه. فمن ذلك ما أنشده أحمد بن يحيى: غدا مالك يرمي نسائي كأنما ... نسائي لسهمي مالكٍ غرضان فيا رب فاترك لي جهينة أعصرا ... فمالك موت بالقضاء دهاني7

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يروي". 2 سقط هذا الحرف في د، هـ. 3 كذا في ش ط، وفي د، هـ، ز: "يستعصون" هـ، ز: "فراغوا". 4 كذا في ش، ط. وفي هـ، ز: "يهجم". 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فراغوا". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه". 7 انظر ص81 من الجزء الثاني. وفي ز، ط: "جهيمة" في كان "جهينة".

هذا1 رجل مات نساؤه شيئًا فشيئًا فتظلم من ملك الموت عليه السلام. وحقيقة لفظه غلط وفساد2. وذلك أن هذا الأعرابي لما سمعهم يقولون: ملك الموت، وكثر ذلك في الكلام، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها؛ فصارت عنده كأنها فعل؛ لأن ملكًا في اللفظ "على صورة"3 فلك فبني منها فاعلًا، فقال: مالك موت، وغدا مالك. فصار في ظاهر لفظه كأنه فاعل، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل، كما أن ملكًا على التحقيق مفل، وأصله ملأك4، فألزمت همزته التخفيف، فصار ملكًا. واللام فيه فاء، والهمزة عين، والكاف لام، هذا أصل تركيبه وهو "ل أك"5 وعليه تصرفه، ومجيء الفعل "منه في الأمر الأكثر"6 قال: ألكني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر وأصله: ألئكني7؛ فخففت همزته. وقال: ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا وقال8: ألكني إلى قومي السلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا "وقال يونس: ألك يألك"9.

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهكذا". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قاصد". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في وزن". 4 كذا في ز، ط. وفي ش: "مألك". 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ء ل ك". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في أكثر الأمر منه". 7 في ط بعده: "إليها". 8 أي عمرو بن شأس، وانظر اللسان "ألك"، وشواهد المغني للبغدادي في الشاهد الواحد والستين بعد الستمائة والكتاب 1/ 101. 9 كذا في ش، ز، وسقط ما بين القوسين في ط. وهو أولى؛ لأن مكانه عند قوله بعد: "على أنه قد جاء عنهم ألك يألك" وفيه عني عنه، وفي ج: "لاك يلبك"، يريد: لأك يلئك، وهذه صحيحة، يريد أن يؤنس حكى الثلاثي من "ل أك".

فإذا كان كذلك فقول لبيد: بألوكٍ فبذلنا ما سأل1 إنما هو عفول قدمت عينه على فائه. وعلى أنه قد جاء عنهم ألك يألك من الرسالة إلا أنه قليل. وعلى ما قلنا فقوله2: أبلغ أبا دختنوس مألكةً ... غير الذي قد يقال ملكذب "إنما هي"3 معفلة. وأصلها4 ملئكة فقلب، على ما مضى. وقد ذكرنا هذا الموضع في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله. فإن قلت: فمن أين لهذا الأعرابي -مع جفائه وغلظ5 طبعه- معرفة التصريف، حتى بنى من "ظاهر لفظ"6 ملكٍ فاعلا، فقال: مالك. قيل: هبه لا يعرف التصريف "أتراه لا"7 يحسن بطبعه وقوة نفسه ولطف حسه هذا القدر، هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم، أو آلف لمذاهبهم8؛ لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصنعة9 فإنه يجده10 بالقوة، ألا ترى أن أعرابيًا بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلما شرب بعضها كظه11 الأمر فقال: كبش أملح. فقيل له: ما هذا، تنحنحت. فقال: من تنحنح فلا أفلح. أفلا تراه كيف

_ 1 صدره: وغلام أرسلته أمه 2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "قوله" وانظر في البيت ص312 من الجزء الأول. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إنما هو". وفي ط: "إنها". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أصله". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"غلوة". 6 كذا في ز، ط، وفي ش: "لفظ ظاهر"، وفي ش: "ظاهر". 7 كذا في ز، ط، وفي ش: "ألا تراه". 8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لمذهبهم". 9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فإنما". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يجدها" والتذكير للتصريف، والتأنيث لحقيقته. 11 كذا في ش، وفي ز، ط: "كده". وفي هـ: "كثره". ويقال كظه أي غمه من كثرة الأكل، حتى لا يطيق النفس.

استعان لنفسه ببحة1 الحاء، واستروح إلى مسكة النفس بها وعللها2 بالصويت3 اللاحق "لها في الوقف"4 ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابي لا يعلم أن في5 الكلام شيئًا يقال له حاء، فضلًا عن أن يعلم أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها في حال، سكونها والوقف عليها ما لا يلحقها في حال حركتها أو6 إدراجها في حال سكونها، في نحو بحر7، ودحر7؛ إلا أنه وإن لم يحسن شيئًا من هذه الأوصاف صنعة ولا علمًا، فإنه يجدها طبعا8 ووهمًا. فكذلك الآخر: لما سمع ملكًا وطال ذلك عليه أحس من ملك في اللفظ ما يحسه من حلك. فكما أنه يقال9: أسود حالك قال هنا من لفظة10 ملك: مالك، وإن لم يدر أن مثال ملك فعل أو مفل، ولا أن مالكًا هنا فاعل أو مافل. ولو بني من ملك على حقيقة الصنعة فاعل11 لقيل: لائك كبائك وحائك. وإنما مكنت القول في هذا الموضع ليقوى في نفسك قوة حس هؤلاء القوم12، وأنهم قد يلاحظون بالمنة والطباع، ما لا نلاحظه نحن عن13 طول المباحثة والسماع. فتأمله فإن14 الحاجة إلى مثله ظاهرة.

_ 1 كذا في ش، وفي ز، ط: "بحنة". 2 في ط: "تعللها، على صيغة المصدر". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالتصويت". وفي ط: "بالصوت". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في الوقف لها". 5 كذا في ش، ط، وسقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ر". 7 في ط: "تحر". والدحر: الطرد والإبعاد. 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "طبيعة". 9 كذا في ش، في د، هـ، ز، ط: "يقول منه". 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لفظ". 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاعلا". 12 سقط حرف العطف في ش. 13 كذا في ش، وفي د،، هـ. ز، ط: "على". 14 في د، هـ، ز بعده: "فيه".

ومن ذلك همزهم مصائب. وهو غلط منهم. وذلك أنهم شبهوا مصيبة بصحيفة "فكما همزوا صحائف همزوا أيضًا مصائب وليست ياء مصيبة زائدة كياء صحيفة"1 لأنها عين، ومنقلبة عن واو، هي2 العين الأصلية. وأصلها مصوبة؛ لأنها اسم الفاعل من أصاب؛ كما أن أصل مقيمة مقومة وأصل مريدة مرودة، فنقلت الكسرة من العين إلى الفاء، فانقلبت الواو ياء، على ما ترى. وجمعها القياسي مصاوب. وقد جاء ذلك؛ قال: يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذي جمة مصاوبه وقالوا في واحدتها3: مصيبة، ومصوبة، ومصابة. وكأن الذي استهوى في تشبيه ياء مصيبة بياء صحيفة أنها وإن لم تكن زائدة فإنها ليست على التحصيل بأصل، وإنما هي بدل من الأصل، والبدل من الأصل ليس أصلًا وقد عومل لذلك معاملة الزائد حكى سيبويه4 عن أبي الخطاب أنهم يقولون في راية: راءة. فهؤلاء همزوا بعد الألف وإن لم تكن زائدة وكانت بدلًا؛ كما يهمزون بعد الألف الزائدة في فضاء وسقاء5. وعلة ذلك أن هذه الألف وإن لم تكن زائدة فإنها بدل، والبدل مشبه للزائد. والتقاؤهما أن كل واحد6 منهما ليس أصلًا. ونحو منه ما حكوه في قولهم في زاي: زاء. وهذا أشد "وأشد"7 من راءة؛ لأن الألف في راءة على كل حال بدل، وهي أشبه بالزائد وألف زاي ليست منقلبة بل هي أصل؛ لأنها في حرف، فكان ينبغي ألا تشبه بالزائد8؛ إلا أنها

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 في ش: "وهي". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدها". 4 انظر الكتاب 130. 5 في ط: "شقاء". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدة". 7 كذا في ط، وفي ش: "واشد" وهو تصحيف، وسقط هذا في د، هـ، ز. 8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بالزوائد".

وإن لم تكن منقلبة فإنها وقعت موقع المنقلبة؛ لأن الألف هنا في الأسماء لا تكون أصلًا. فلما كان كذلك شبهت ألف زاي1 لفظًا بألف باب ودار؛ كما أنهم لما احتاجوا إلى تصريف أخواتها قالوا: قوفت قافا، ودولت دالا، وكوفت كافا، ونحو ذلك. وعلى هذا "أيضًا قالوا"2 زويت زايا، وحكى: إنها زاي فزوها. فلما كان كذلك انجذب حكم زاي إلى حكم راءة3. وقد حكيت عنهم منارة ومنائر، ومزادة ومزائد. وكأن هذا أسهل من مصائب؛ لأن الألف أشبه بالزائد من الياء. ومن البدل الجاري مجرى الزائد -عندي لا عند أبي علي- همزة وراء. ويجب أن تكون مبدلة من حرف علة؛ لقولهم4: تواريت عنك، إلا أن اللام لما أبدلت همزة أشبهت الزائدة التي5 في ضهيأة6، فكما أنك لو حقرت ضهيأة لقلت: ضهيئة، فأقررت الهمزة، فكذلك7 قالوا في تحقير وراء: وريئة. ويؤكد ذلك قول بعضهم فيها8: ورية؛ كما قالوا في صلاءة: صلية. فهذا ما أراه أنا9 وأعتقده في "وراء" هذه. وأما أبو علي -رحمه الله- فكان يذهب إلى أن لامها في الأصل همزة وأنها من تركيب "ورأ"، وأنها ليست من تركيب "ورى". واستدل على ذلك بثبات الهمزة في التحقير، على ما ذكرنا. وهذا -لعمري- وجه من القول، إلا أنك تدع معه الظاهر والقياس جميعًا. أما الظاهر فلأنها10 في معنى11 تواريت12، وهذه اللام

_ 1 في ز: "زاء". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 في ط: "راي". 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لقولك". 5 سقط في ش. 6 هي التي لا تحيض. 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وكذلك". 8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش وضع هذا بعد "يؤكد". 9 سقط في د، هـ، ز. 10 في ز: "فإنها". 11 في ز، ط: "من". 12 في ط: "واريت".

حرف علة، لا همزة وأن تكون ياء واجب1؛ لكون الفاء واوًا. وأما القياس فما قدمناه: من تشبيه البدل بالزائد. فاعرف ما رأيناه في هذا. ومن أغلاطهم قولهم: حلأت السويق، ورثأت زوجي بأبيات، واستلأمت الحجر، ولبأت بالحج، وقوله: كمشترئٍ بالحمد أحمرة بترا وأما مسيل فذهب بعضهم في قولهم في جمعه: أمسلة إلى أنه من باب الغلط. وذلك لأنه2 أخذه من سال يسيل "فهو عندهم على مفعل كالمسير والمحيض"3 وهو4 عندنا غير غلط؛ لأنهم قد قالوا فيه: مسل، وهذا يشهد بكون الميم فاء. فأمسلة ومسلان: أفعلة وفعلان، كأجربة وجربان. ولو كانت أمسلة ومسلان من السيل لكان مثالهما: أمفلة ومفلان5 والعين منهما محذوفة، وهي ياء السيل. وكذلك قال بعضهم في معين؛ لأنه أخذه من العين لأنه من ماء العيون، فحمله على الغلط، لأنهم قد قالوا: قد6 سالت معنانه7، وإنما8 هو عندنا من قولهم أمعن له بحقه، إذا طاع له به. وكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه، وطاع بها. ومنه الماعون؛ لأنه "ما من"9: العادة المسامحة به والانقياد إلى فعله.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أجدر". 2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أنه". 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذا". 5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مفلانا". 6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، يريد أن يعتشأ الغط قولهم: معناته والميم فيه فاء، فتوهم ذلك في الماء فقيل: معين. 7 هي مجاري الماء في الوادي، فالضمير في "معنانه" يعود على الوادي، ويقال أيضا: معنات للوادي لمسايله. 8 سقط في ش. 9 كذا في ط، وفي ش: "ما"، وفي ز: "من".

وأنشدني "أبو عبد الله الشجري"1 لنفسه من قصيدة: ترود ولا ترى فيها أريبا ... سوى ذي شجة فيها وحيد2 "كذا أنشدني هذه القصيدة مقيدة"3 فقلت له: ما معنى أريبا، فقال: من4 الريبة5. وأخبرنا أبو علي "عن الأصمعي أنه"6 كان يقول في قولهم للبحر: المهرقان: إنه من قولهم: هرقت الماء. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول "بلال بن"7 جرير: إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضره أراد: ساءلتهم "فاعلتهم" من السؤال، ثم عن له أن يبدل الهمزة على قول من قال: سايلتهم، فاضطرب عليه الموضع فجمع بين الهمزة والياء فقال: سآيلتهم. فوزنه على هذا: فعاعلتهم. وإن جعلت الياء زائدة لا بدلا كان: فعابلتهم. وفي هذا ما تراه فاعجب له. ومن أغلاطهم ما يتعايبون به في الألفاظ والمعاني من نحو قول ذي الرمة: والجيد من أدمانةٍ عنود8

_ 1 كذا في ش، وفي ز، ط: "الشجري أبو عبد الله". 2 "وحيد" في ش: "وجيد" ويبدو أنه تصحيف، ويريد بذي الشجة الوتد، يريد أن الوحوش تتردد في هذا القفر ولا ترى فيها ما يريبها من آثار الناس إلا الوتد. 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز. 5 في ج: "الربيئة". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن الأصمعي". 7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 8 "والجيد" في الديوان "والكشح" وقبله: يا مي ذات المبسم البرود ... بعد الرقاد والحشا المخضود والمقلتين وبياض الجيد وتريد بالأدمانة ظبية بيضاء، والعنود التي ترهى وحدها، وأصله في النوق.

وقوله: حتى إذا دومت في الأرض راجعه ... كبر ولو شاء نجي نفسه الهرب1 وسنذكر هذا ونحوه في باب سقطات العلماء؛ لما فيه من الصنعة. وكذلك2 غمز3 بعضهم على بعض في معانيهم؛ كقول بعضهم4 لكثير في قوله: فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهنًا ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها5 والله لو فعل هذا بأمة زنجية لطاب ريحها؛ ألا قلت كما قال سيدك6: ألم ترأني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب وكقول بشار في قول كثير: ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين لقد قبح بذكره7 العصا في لفظ الغزل؛ هلا قال كما قلت: وحوراء المدامع من معد ... كأن حديثها "قطع الجمان إذا قامت لسبحتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران8 وكان الأصمعي يعيب الحطيئة ويتعقبه9، فقيل له في ذلك، فقال: وجدت شعره كله جيدًا، فدلني على أنه كان يصنعه. وليس هكذا الشاعر المطبوع: إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه: جيده على رديئه. وهذا باب في غاية السعة. وتقصيه يذهب بنا كل مذهب. وإنما ذكرت طريقة "وسمته"10 لتأتم بذلك وتتحقق11 سعة طرقات12 القوم في13 القول. فاعرفه بإذن الله تعالى.

_ 1 هذا في وصف ثور الوحش مع كلاب الصيد، فقوله: "دومت" أي الكلاب أي دارت. وقوله: "راجعة" أي الثورة، يعني أنه هم بالهرب من الكلاب، ولكنه أنف من الهرب فرجع إلى الكلاب. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لذلك". 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عثر". 4 في الموشح 150 أن الذي قال هذا لكثير امرأة، وفي ص151 أنها امرأة لقيته في بعض طرق المدينة، وفي الأغاني "السلمي" 14/ 57 أن ناقد كثير قطام الخارجية صاحبة عبد الرحمن بن ملجم. 5 في الموشح 51: "قال المبرد: الجثعات: ريحانة طيبة الريح برية، والعزار: البهار البري، وهو حسن الصفرة طيب الريح، والمندل: العود، وقوله: موهنا يقول: بعد هدء من الليل". 6 أي امرأة القيس، والبيت من قصيدة في ديوانه. 7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بذكر". 8 "قطع الجمان" كذا في ش، ويبدو أنه محرف عن "قطع الجنان" وفي ز، ط: "تمر الجنان" والسبحة بضم السين: صلاة النافلة، وقد يكون بفتح السين وهي المرأة من السبح بمعنى التصرف والاضطراب والسعي. 9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يتعسفه". 10 سقط في ش. 11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تحقيق". 12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مضطربات". 13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "و".

باب في سقطات العلماء

باب في سقطات العلماء: حكي عن الأصمعي أنه صحف قول الحطيئة: وغررتني وزعمت أنـ ... ـك لابن في الصيف تامر1 فأنشده2: ... لاتني بالضيف تامر أي تأمر بإنزاله وإكرامه. وتبعد هذه الحكاية "في نفسي"3 لفضل الأصمعي وعلوه؛ وغير أني رأيت أصحابنا على القديم يسندونها إليه، ويحملونها عليه.

_ 1 من قصيدة له في هجر الزبرقان بن بدر، أولها: شاقتك أظعان لليـ ... ـلى يوم ناظرة بواكر وناظرة: ماء لبني عبس، وبعد البيت الشاهد: فلقد كذبت فما خشيـ ... ـت بأن تدور بك الدوائر 2 في ش بعده: "الأصمعي". 3 سقط ما بين القوسين في ش.

وحكي أن الفراء "صحف فقال"1 الجر: أصل الجبل يريد الجراصل: الجبل. وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن الخليل بن أسد2 النوشجاني3، عن التوزي، قال قلت لأبي زيد الأنصاري: أنتم تنشدون قول الأعشى: بساباط حتى مات وهو محزرق4 وأبو عمرو الشيباني ينشدها: محرزق5، فقال: إنها نبطية وأم أبي عمرو نبطية، فهو أعلم بها منا. وذهب أبو عبيدة في قولهم: لي عن هذا الأمر مندوحة، أي متسع إلى أنه من قولهم: انداح بطنه أي اتسع. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وذلك

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال إن"، وعبارة القاموس: "والجر: أصل الجبل، أو هو تصحيف للفراء، والصواب: الجراصل -كعلابط: الجبل" وقال شارحه: "والعجب من المصنف حيث لم يذكر الجراصلي في كتابه هذا" بل ولا تعرض له أحد من أئمة الغريب فإذا لا تصحيف كما لا يخفى". 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أحمد". 3 كذا في ش، وفي ز: "النوشخاني". وفي ط: "البوشنجاني". 4 كذا في د، هـ، ز، ظ، وفي ش: "محرزق". وصدر البيت: فذاك وما أنجى من الموت ربه وفاعل "أنجى" ضمير اليحموم المذكور في في قوله قيل: ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق فقد كاد يسنق واليحموم فرس النعمان بن المنذر، كان اتخذه النوائب وعنى به، ويذكر الأعشى أن هذا الجواد لم ربه وهو النعمان. فقد مات النعمان بساياط وهو محرزق أي مضيق عليه محبوس، وكان كسرى سخط فحبسه في ساباط، وهي مدينة في فارس، وأمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة. 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "محزرق".

أن انداح: انفعل، وتركيبه1 من دوح، ومندوحة: مفعولة، وهي من تركيب "ن د ح" والندح: جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السعة، وجمعه2 أنداح. أفلا ترى إلى هذين الأصلين: تباينًا، وتباعدًا، فكيف يجوز أن يشتق أحدهما من صاحبه على بعد بينهما، وتعادي وضعهما. وذهب ابن الأعرابي في قولهم: يوم أرونان إلى أنه من الرنة. وذلك أنها تكون مع البلاء3 والشدة. وقال4 أبو علي -رحمه الله: ليس هذا من غلط أهل الصناعة، لأنه ليس في الكلام أفوعال، وأصحابنا يذهبون إلى أنه أفعلان من الرونة وهي الشدة5 في الأمر. وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى في قولهم: أسكفة الباب إلى أنها من قولهم: استكف أي اجتمع. وهذا أمر ظاهر الشناعة. وذلك أن أسكفة: أفعلة والسين فيها فاء وتركيبه6 من "س ك ف؛ وأما استكف فسينه زائدة؛ لأنه استفعل، وتركيبه من"7 ك ف ف. فأين هذان الأصلان حتى يجمعا ويدانى من شملهما. ولو كانت أسكفة من استكف لكانت أسفعلة وهذا مثال لم يطرق فكرا ولا شاعر8 -فيما علمناه- قلبا. وكذلك لو كانت مندوحة من انداح بطنه -كما ذهب إليه أبو عبيدة- لكانت منفعلة. وهذا أيضًا في البعد والفحش كأسفعلة. ومع هذا فقد وقع الإجماع على أن السين لا تزاد9 إلا في استفعل، وما تصرف10 منه. وأسكفة ليس من الفعل في قبيل ولا دبير.

_ 1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الجمع". 3 في ش: "الغلاء"، والرنة: الصيحة الحزينة الشديدة. 4 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. 5 في ز، هـ: "شدة". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تركبها". 7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. 8 هو من شاعر المرأة: ضاجعها في ثوب واحد، يريد أن هذا المثال لم يصل إلى القلب ولم يخطر به، وفي ط: "شاعرا"، وهو خطأ. 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يزاد". 10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يصرف".

وذهب أحمد أيضًا في تنور إلى أنه تفعول من النار -ونعوذ بالله من عدم التوفيق. هذا على سداد هذا الرجل وتميزه من أكثر أصحابه- ولو كان تفعولًا من النار لوجب أن يقال1 فيه2: تنوور كما أنك لو بنيته من القول لكان3: تقوولا4، ومن العود5: تعوودا6. وهذا في نهاية الوضوح. وإنما تنور: فعول من لفظ "ت ن ر"، وهو أصل لم يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة7 كما ترى. ومثله مما يستعمل إلا بالزيادة كثير. منه8 حوشب وكوكب "وشعلع"9 "وهزنبران"10 ودودري "ومنجنون"11 وهو واسع جدًّا12. ويجوز في التنور أن يكون فعنولًا من "ت ن ر"؛ فقد حكى أبو زيد في زرنوق: زرنوقا13. ويقال: إن التنور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم. فإن كان كذلك فهو طريف، إلا أنه على كل حال فعول أو فعنول؛ لأنه جنس، ولو كان أعجميًا لا غير لجاز تمثيله "لكونه جنسًا ولاحقًا"14 بالعربي، فكيف وهو أيضًا

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يقول". 2 كذا في ط، وسقط في ش، ز. 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لقلت". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تقوول". 5 ضبط بفتح العين على ما في ظ، وفي ش بضم العين. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تعوود". وفي البحر 5/ 199 توجيه رأي ثعلب إذ يقول: "وأصله تنوور" فهمزت الواو، ثم خففت، وشدد الحرف الذي قبله كما قال: رأيت عرابة اللوسي يسمو ... إلى الغايات منقع القرين يريد: عرانة الأوسي. 7 سقط حرف العطف في ط. 8 في ط، د، هـ: "نحوه". 9 سقط في د، هـ، ز. 10 سقط في ش. 11 سقط في ش. 12 في ط: "آخذ في السعة". 13 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "زرنوق". 14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه جنس ولاحق".

عربي؛ لكونه في لغة العرب غير منقول إليها، وإنما هو وفاق وقع ولو كان منقولًا "إلى اللغة العربية من غيرها"1 لوجب أن يكون أيضًا وفاقًا بين جميع اللغات غيرها2. ومعلوم سعة اللغات "غير العربية"3، فإن4 جاز أن يكون مشتركًا في جميع ما عدا العربية، جاز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع فيها. ويبعد في نفسي أن يكون5 في الأصل للغةٍ واحدة، ثم نقل إلى جميع اللغات؛ لأنا لا نعرف له في ذلك نظيرا. وقد يجوز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع بين لغتين6 أو ثلاث أو نحو ذلك، ثم انتشر بالنقل في جميعها. وما أقرب هذا في نفسي؛ لأنا لا نعرف شيئًا من الكلام وقع الاتفاق7 عليه في كل لغة، وعند كل أمة: هذا كله إن كان في جميع اللغات هكذا. وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر. وروينا "هذه المواضع"8 عن أحمد بن يحيى. وروينا عنه أيضًا أنه قال: التواطخ9 من الطيخ، وهو الفساد. وهذا -على إفحاشه- مما يجمل الظن به؛ لأنه من الوضوح بحيث لا يذهب على أصغر صغير من أهل هذا العلم. وإذا كان كذلك وجب أن يحسن الظن به، ويقال إنه "أراد به"10: كأنه مقلوب11 منه. هذا أوجه عندي من أن يحمل عليه12 هذا الفحش والتفاوت كله.

_ 1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من اللغة العربية إلى غيرها". 2 سقط في د، هـ، ز. 3 كذا في ش وفي ز: "في غير العربية" وسقط هذا في ط. 4 في ط: "وإذا". 5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تكون". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "اللغتين". 7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "إلا باتفاق". 8 كذا في ش، وفي ز، ط: "هذا الموضع". 9 يقال: تواطخ القوم الشيء: تداولوه بينهم، وكأن ثعلبا يرى أن الشيء إذا تدوول كثر استعماله قبلي وفسد. 10 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "أراد". وسقط هذا في ش. 11 أي قدمت الياء على الطاء فهذا قلب مكاني، وصاحبه قلب إعلالي، وهو قلب الياء واوا، وهذا كله لا تقضي به قاعدة صرفية. 12 في ط: "على".

ومن هذا ما يحكى عن خلف أنه قال: أخذت على المفضل الضبي في مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرئ القيس: تمس بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب1 فقلت له: عافاك الله، إنما هو نمش: أي نمسح ومنه سمي منديل الغمر مشوشا، وأنشد للمخبل السعدي: وإذا ألم خيالها طرقت ... عيني فماء شئونها سجم2 فقلت: عافاك الله! إنما هو طرفت، وأنشد للأعشى: ساعةً أكبر النهار كما شد ... د محيل لبونه إعتاما3 فقلت: عافاك الله، إنما هو مخيل بالخاء المعجمة "وهو الذي"4 رأى خال السحابة، فأشفق منها على بهمه فشدها. وأما ما تعقب به أبو العباس محمد بن يزيد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها مسائل الغلط، فقلما يلزم صاحب الكتاب منه إلا الشيء النزر. وهو أيضًا -مع قلته- من كلام غير أبي العباس. وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس أنه قال: إن هذا كتاب5 كنا6 عملناه في أوان7 الشبيبة والحداثة، واعتذر أبو العباس منه.

_ 1 المضهب الذي لم يكمل نضجه. 2 من قصيدة مفضلية، وقبله مطلعها: ذكر الرباب وذكرها سقم ... فصبا وليس لمن صها حلم والشئون: مجاري الدمع. وسجم أي مسجوم، وهو من وضع المصدر موضع الوصف. 3 أكبر النهار أي حين ارتفع، يتحدث عن ثبات قومه للعدو ونكابتهم فيهم، فيقول: قتلناهم أول النهار في ساعة قدر ما يشد المخيل أخلاف إبله. والإعتام: الإبطاء. وانظر اللسان "كبر". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 في ط: "الكتاب". 6 سقط في د، هـ، ز. 7 سقط في ش.

وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلًا "عن1 نفسه" ولا محالة أن "هذا تخليط لحق"2 هذا الكتاب من قبل غيره رحمه الله. وإن كان للخليل فيه عمل فإنما هو أنه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء، ولم يله بنفسه، ولا قرره، ولا حرره. ويدل على أنه قد3 كان نحا نحوه4 أني5 أجد فيه معاني غامضة، ونزوات للفكر لطيفة، وصنعة في بعض الأحوال مستحكمة. وذاكرت به يومًا أبا علي -رحمه الله- فرأيته منكرًا له. فقلت له: إن تصنيفه منساق متوجه، وليس فيه التعسف الذي في كتاب الجمهرة، فقال: الآن إذا صنف إنسان لغة بالتركية تصنيفًا جيدًا أيؤخذ به في العربية!، أو كلامًا هذا نحوه. وأما كتاب الجمهرة ففيه أيضًا من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه6، لبعده عن معرفة هذا الأمر. ولما كتبته وقعت في متونه وحواشيه جميعا من التنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته7. ثم إنه لما طال علي أومأت إلى بعضه وأضربت8 البتة عن9 بعضه. وكان أبو علي يقول: لما هممت بقراءة رسالة10 هذا الكتاب على محمد11 بن الحسن قال لي: يا أبا علي: لا تقرأ هذا الموضع علي فأنت أعلم12 به مني. وكان قد ثبت في نفس أبي علي

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عنه نفسه". 2 سقط ما بين القوسين في ز. 3 سقط هذا الحرف في ش. 4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ينحو". 5 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "أنني". 6 سقط في ش. 7 في ط: "كوثه". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ضربت". 9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على". 10 كأنه يريد برسالة الجمهرة مقدمتها، وفيها الكلام على مخارج الحروف وتأليف الكلام، وخاتمتها وفيها النوادر والصيغ والأمثلة وقد كان الفارسي مبرزا في هذه المباحث، ولا يريد قسم المفردات اللغوية. 11 هو ابن دريد صاحب الجمهرة. 12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أعرف".

على أبي العباس في تعاطيه الرد1 على سيبويه ما كان لا يكاد يملك معه نفسه. ومعذورا كان "عندي في ذلك"2 لأنه أمر وضع من أبي العباس، وقدح فيه، وغض كل الغض منه. وذكر النضر عند الأصمعي فقال: قد كان يجيئني، وكان إذا أراد أن يقول: ألف قال3؛ إلف. ومن ذلك اختلاف الكسائي وأبي محمد اليزيدي عند أبي عبيد الله في الشراء4 أممدود هو أم مقصور. فمدة اليزيدي وقصره الكسائي فتراضيا5 ببعض "فصحاء العرب و"6 كانوا بالباب، فمدوه7 على قول اليزيدي. وعلى كل حال فهو يمد ويقصر. وقولهم: أشرية دليل المد "كسقاء"8 وأسقية. ومن ذلك ما رواه الأعمش9 في حديث عبد الله بن مسعود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة. وكان أبو عمرو بن العلاء10 قاعدًا عنده بالكوفة11 فقال "الأعمش: يتخولنا، وقال أبو عمرو يتخوننا"12 فقال الأعمش: وما

_ 1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "للرد". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "في ذلك عندي". 3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقول" يريد أن النضر كان يكسر همزة ألف، وما أثبت هو ما في ش، ج، وفي ز، ط "ألب" أي أنه كان يبدل من الفاء باء، والنضر هو ابن شميل من أصحاب الخليل، وكانت وفاته سنة 203. 4 في ز: "الشرى". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتراضوا". 6 كذا في ش، وفي ط:"فصحاء الأعراب" وفي د، هـ، ز: "الفصحاء". 7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فمده". 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كأرشية". 9 هو سليمان بن مهران الكوفي كان يقرن بالزهري في الحجاز؛ وهو من أعلام العلماء توفي سنة 148. 10 كذا في ز، وفي ط: "حاضرا"، وسقط في ش. 11 سقط في ش. 12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يتخونتا. فقال الأعمش: "يتخولنا، فقال أبو عمرو: يتخوننا". وفي ط: "وهو يتخوننا. فقال الأعمش: يتخولنا".

يدريك؟ فقال أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله -عز وجل- لم1 يعلمك "حرفًا من العربية"2 أعلمتك. فسأل عنه الأعمش فأخبر بمكانه من العلم. فكان بعد ذلك يدنيه، ويسأله عن الشيء إذا أشكل عليه. هذا3 ما في الحكاية. وعلى ذلك فيتخولنا صحيحة. وأصحابنا يثبتونها. ومنها -عندي4- قول البرجمي: يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط حديد القين أخول أخولا5 أي شيئًا بعد شيء. وهذا هو معنى قوله: يتخولنا بالموعظة، مخافة السآمة، أي يفرقها ولا يتابعها. ومن ذلك اجتماع الكميت مع نصيب، وقد استنشده نصيب من شعره، فأنشده الكميت: هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب6 حتى إذا بلغ إلى قوله: أم هل ظعائن بالعلياء نافعة ... وإن تكامل فيها الدل والشنب7

_ 1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لا". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من العربية حرفا". 3 في د، هـ، ز بعده: "على". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عندنا". 5 هذا في الحديث عن ثور وحشي يطرد كلاب الصيد عنه ويدفعها بروفة. والروق: القرن. وانظر ص132 من الجزء الثاني. 6 عجزه: أم كيف يحسن من ذي الشبية اللعب 7 جاء البيت في أمالي الرضى 2/ 254 هكذا: وقد رأينا بها حورا منعمة ... رودا تكامل فيها الدل والشنب

عقد نصيب بيده واحدًا، فقال الكميت: ما هذا؟ فقال أحصي خطأك. تباعدت في قولك: الدل والشنب؛ ألا قلت كما قال ذو الرمة: لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب ثم أنشده: أبت هذه النفس إلا ادكارا حتى إذا بلغ إلى قوله: كأن الغطامط من غليه ... أراجيز أسلم تهجو غفارا1 قال نصيب: ما هجت أسلم غفارًا قط. فوجم الكميت. وسئل الكسائي في مجلس يونس عن أولقٍ: ما مثاله من الفعل؟ فقال: أفعل2. فقال له يونس3: استحييت لك يا شيخ! والظاهر عندنا من أمر أولق أنه فوعل من قولهم: ألق الرجل، فهو مألوق؛ أنشد أبو زيد: تراقب عيناها القطيع كأنما ... يخالطها من مسه مس أولق4 وقد يجوز أن يكون: أفعل من ولق يلق إذا خف وأسرع؛ قال: جاءت به عنس من الشأم تلق5

_ 1 الغطامط: صوت موج البحر. وفي اللسان: "غليها" وكأنه يتحدث عن قدر في البيت قبله. 2 في د، هـ، ز بعده: "أفطل". 3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مروان" ومروان كأنه مروان بن سعيد المهلبي أحد أصحاب الخليل، له ترجمة قصيرة في ياقوت. 4 هذا في وصف ناقة، والقطيع: السوط. وانظر ص10 من الجزء الأول. 5 انظر ص9 من الجزء الأول، ص299 من تهذيب الألفاظ.

أي تخف وتسرع، وهم يصفون الناقة -لسرعتها- بالحدة والجنون؛ قال القطامي: يتبعن سامية العينين تحسبها ... مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل1 والأولق: الحنون. ويجوز أيضًا2 أن يكون فوعلا من ولق هذه. وأصلها3 -على هذا- وولق. فلما التقت الواوان في أول الكلمة همزوا الأولى منهما، على العبرة في ذلك. وسئل الكسائي أيضًا في مجلس يونس عن قولهم: لأضربن أيهم يقوم، لم لا يقال: لأضربن أيهم4. فقال: أي هكذا خلقت. ومن ذلك إنشاد الأصمعي لشعبة5 بن الحجاج قول فروة6 بن مسيك المرادي: فما جبنوا أني أشد عليهم ... ولكن رأوا نارًا تحس وتسفع فقال شعبة: ما هكذا أنشدنا سماك7 بن حرب. إنما أنشدنا: "تحش" بالشين معجمة. قال الأصمعي: فقلت: تحس: تقتل من قول الله -تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} 8 أي تقتلونهم، وتحش: توقد. فقال لي شعبة: لو فرغت للزمتك.

_ 1 انظر ص11 من الجزء الأول. 2 سقط في ش. 3 في د، هـ: "أصله". 4 "لأضربن أيهم" كذا في الأصول، وضبط فيها "أيهم" هنا بالنصب "وأيهم" الأولى بالرفع. ويبدو أن الأصل: "ضربت أيهم" فإن المنقول عن الكسائي أنه لا يرى أن يعمل في أي الموصولة الماضي، وأنه قال مقالته: "أي كذا خلقت" لما سئل عن هذا، أو الأصل: لأضربن أيهم قام" فإنه يمنع هذا أيضا. 5 هو الحافظ أحد أئمة الإسلام، مات سنة 160 كما في الخلاصة. 6 في اللسان "حسن" نسبته إلى أوس، يعني ابن حجر. وهو من قصيدة الأوس في ديوانه، وقبله: تكنفنا الأعداء من كل جانب ... لينتزعوا عرقاتنا ثم يرتعوا 7 هو أحد أعلام الحديث من التابعين مات سنة 123. 8 آية 152 سورة آل عمران.

وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس الرقيات1: إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه فانتهره أبو عمرو، فقال: ما لنا ولهذا الشعر الرخو! إن هذه الهاء لم توجد2 في شيء من الكلام إلا أرخته. فقال له المديني: قاتلك الله! ما أجهلك بكلام العرب! قال الله -عز وجل- في كتابه: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} 3 وقال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ} 4، 5 فانكسر أبو عمرو انكسارًا شديدًا. قال أبو هفان: وأنشد هذا الشعر عبد الملك بن مروان، فقال: أحسنت يابن قيس، لولا أنك خنثت قافيته6. فقال يا أمير المؤمنين ما عدوت قول الله -عز وجل- في كتابه {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} فقال له عبد الملك: أنت في هذه7 أشعر منك في شعرك. قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتجيز: إنك لتبرق لي وترعد؟ فقال: لا8، إنما هو تبرق وترعد. فقلت له: فقد قال الكميت: أبرق وأرعد يا يزيـ ... ـد فما وعيدك لي بضائر

_ 1 زيادة في ط. وبيت قيس من قصيدة في ديوانه يقولها في رثاء من مات من أهله في وقعت الحرة. وقبله: ذهب الصبا وتركت غينيه ... ورأى الغواني شيب لمتيه وهجرتني وهجرتهن وقد ... غنيت كرائمها يطفن بيه إذ لمتي سوداء ليس بها ... وضح ولم أفجع بإخوتيه الحاملين لواء قومهم ... والذائدين وراء عورتيه 2 د، هـ: "تدخل". 3 آيتا 28، 29 سورة الحاقة. 4 آيتا 25، 26 سورة الحاقة. 5 في ط بعده: "وتعسه". 6 في د، هـ، ط: "قوافيه". 7 في د، هـ، ط: "هذا". 8 سقط في ش.

فقال: هذا جرمقاني1 من أهل الموصل، ولا آخذ بلغته. فسألت عنها أبا زيد الأنصاري، فأجازها. فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابي محرم، فأخذنا نسأله. فقال "أبو زيد"2: لستم تحسنون أن تسألوه، ثم قال له3: كيف تقول: إنك لتبرق لي وترعد؟. فقال له الأعرابي: أفي الجخيف تعني؟ أي التهدد. فقال: نعم. فقال الأعرابي: إنك لتبرق لي وترعد. فعدت إلى الأصمعي، فأخبرته فأنشدني: إذا جاوزت من ذات عرق ثنيةً ... فقل لأبي قابوس: ما شئت فارعد ثم قال لي: هكذا4 كلام العرب. وقال أبوحاتم أيضًا: قرأت على الأصمعي رجز العجاج، حتى وصلت5 إلى قوله: جأبًا ترى بليته مسحجا6 فقال: ... تليله، فقلت: بليته. فقال: تليله مسحجا، فقلت له7: أخبرني به من سمعه من فلق في رؤبة، أعني أبا زيد الأنصاري، فقال: هذا لا يكون "فقلت: جعل "مسحجا" مصدرًا أي تسحيجًا. فقال: هذا لا يكون"8. فقلت: قال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي9 أي تسريحي. فكأنه توقف. فقلت: قد قال الله -تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} 10، فأمسك.

_ 1 هو واحد الجرامقة، وهم قوم بالموصل أصلهم من العجم. 2 زيادة في ط. 3 زيادة في د، هـ. 4 في د، هـ، ط: "هذا". 5 في د، هـ: "إذا وصلت". 6 انظر ص367 من الجزء الأول. 7 سقط في ش. 8 سقط ما بين القوسين في ش. 9 انظر 368 من الجزء الأول. 10 آية 19 سورة سبأ.

ومن ذلك إنكار أبي حاتم على عمارة بن عقيل جمعه الريح على أرياح. قال: فقلت "له فيه"1: إنما هي أرواح. فقال: قد قال -عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 2 وإنما الأرواح جمع روح. فعلمت بذلك أنه "ممن لا"3 يجب أن يؤخذ عنه. وقال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زوجة؛ ويقول: إنما هي زوج. ويحتج بقول الله -تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} 4 قال: فأنشدته قول ذي الرمة: أذو زوجة في المصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا5 فقال: ذو الرمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين. قال: وقد قرأنا عليه "من قبل"6 لأفصح الناس فلم ينكره: فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والطامعون إلي ثم تصدعوا7 وقال آخر8: من منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهر في وجهي هرير الكلبة9

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 آية 22 سورة الحجر. 3 في د، هـ: "ليس". 4 آية 37 سورة الأحزاب. 5 من قصيدة له في مدح بلال بن أبي بردة، وهذا قول العجوز المذكورة في قوله قيل: تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا يقول: إنه ترك البادية وأقام بالبصرة، وهي ما عناه بالمصر، فكان يمر في طريقه على عجوز، فقالت له وقد علمت أنه ليس من البصرة: هل لك زوجة أو أنت ذو خصومة فلك قضية عند الحاكم؟ وانظر الديوان والكامل بشرح المرصفي 4/ 183. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 من قصيدة مفضلية لعبدة بن الطبيب، وقبله: ولقد علمت بأن قصري حفرة ... عبراء يحملني إليها شرجع قصري أي آخر أمري، والحفرة القبر، والشرجع: الدعش، والشجو: الحزن، يقول: إن خاصته وأحياءه يبكون عليه مدة إذا مات، ثم يتفرقون لشأنهم وينسونه، وانظر شرح المفضليات لابن الأنباري 301. 8 في د، هـ، ط: "الآخر". 9 في مجالس ابن خنزابة بعد هذا البيت: "وإنما لج الأصمعي لأنه كان مولعا بأجود اللغات، ويرد ما ليس بالقوي، وذلك الوجه أجود الوجهين".

وقد1 كان يعاب ذو الرمة بقوله: حتى إذا دومت في الأرض راجعه ... كبر، ولو شاء نجى نفسه الهرب2 فقيل: إنما يقال: دوى في الأرض، ودوم في السماء. وعيب أيضًا في قوله: والجيد من أدمانة عنود3 فقيل: إنما يقال4: أدماء وآدم. والأدمان جمع؛ كأحمر وحمران، وأنت لا تقول: حمرانة ولا صفرانة. وكان أبو علي يقول: بنى من هذا الأصل فعلانة؛ كخمصانة. وهذا ونحوه مما يعتد في أغلاط العرب؛ إلا أنه لما كان من أغلاط هذه الطائفة القريبة العهد، جاز أن نذكره في سقطات العلماء. ويحكى أن أبا عمرو رأى ذا الرمة في دكان طحان بالبصرة يكتب، قال: فقلت: ما هذا يا ذا الرمة! فقال: اكتم علي يا أبا عمرو. ولما قال أيضا: كأنما عينها منها وقد ضمرت ... وضمها السير في بعض الأضى ميم5 فقيل6 له: من أين عرفت الميم؟ فقال: والله ما أعرفها؛ إلا أني رأيت معلمًا خرج إلى البادية فكتب حرفًا، فسألته عنه، فقال: هذا7 الميم؛ فشبهت به عين الناقة. وقد أنشدوا: كما بينت كاف تلوح وميمها8

_ 1 سقط في ش، ط. 2 انظر ص284 من هذا الجزء. 3 انظر ص283 من هذا الجزء. 4 في د، هـ، ط: "هي". 5 هذا في وصف ناقته المذكورة قبل في قوله: هل تدنينك من خرقاء ناجية ... وجفاء ينجاب عنها الليل علكوم العلكوم: القوية الصلبة من الإبل، والأضى جمع الأضاة، وهو الغدير والمستنقع، يقول: إن عينها إذا جهدها السير غارت ونحفت فإذا وردت ماء الأضى ورأى الناظر خيالها فيه بدت عينها كحرف الميم. 6 في ط: "قيل"ز 7 في ط: "هذه". 8 صدره: أهاجتك آيات أبان قديمها والشعر للراعي، وانظر الكتاب 2/ 31.

وقد قال أبو النجم: أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخط رجلاي بخط مختلف تكتبان في الطريق لام ألف1 وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال: حضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبي السمراء فأنشده2 الأصمعي: بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعنٍ كتشهاق العفا هم بالنهق3 ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه، يوهم أن الشاعر أراد فروًا. فقال أبو عمرو: أراد الفرو4. فقال الأصمعي: هكذا راويتكم5!. ويحكى عن رؤبة في توجهه إلى قتيبة بن مسلم أنه قال: جاءني رجلان، فجلسا إلي وأنا أنشد شيئًا من شعري، فهمسا6 بينهما، فتفقت7 عليهما، فهمدا.

_ 1 زياد صديق له كان يسقيه الشراب فينصرف من عنده مملا كالحرف، وهو الذي فسد عقله لكبر "وقوله: تكتبان لام ألف أي لاما وألفا، أي تارة يمشي معوجا فتخط رجلاه خطا شبيها باللام، وتارة يمشي مستقيما فتخط رجلاه خطا شبيها بالألف، وانظر الخزانة في الشاهد السابع. 2 في د، هـ: "فأنشد". 3 كأن هذا البيت مركب من بيتين أولهما لأبي الطمحان القيني وهو: بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق والثاني لمالك بن زغبة الباهلي، وهو: بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها وقد ورد الأول في اللسان "عفا" والآخر في اللسان "فرأ" والفراء جمع الفراء، وهو حمار الوحش. والعفا ولد حمار الوحش، وانظر الجواليقي على أدب الكاتب 397. 4 في ش: "الفراء". 5 كذا في ط، هـ، وفي ش: "رأيتكم" وهو تحريف. 6 في الموشح: "فتغامزا". 7 كذا في الأصول، ولم يتوجه لي معناها، ويبدو أنها محرفة عن "فتقبعت" وهو ما جاء في الموشح 192، والتقبع من القبع، وهو في الأصل صوت يردده الفرص من منخريه إلى حلقه، ويكون عند رؤيته شيئا يكرهه أو يتقيه، يريد أنه أظهر لهما الكراهة، وقد يكون الأصل: فنفت عليهما أي غضبت، من النفت.

ثم سألت عنهما، فقيل لي: الطرماح والكميت. فرأيتهما ظريفين، فأنست بهما. ثم كانا يأتياني، فيأخذان الشيء بعد الشيء من شعري، فيودعانه أشعارهما. وقد كان قدماء أصحابنا يتعقبون رؤبة وأباه، ويقولون: تهضما اللغة، وولداها وتصرفا فيها، غير تصرف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما في الرجز، وهو مما يضطر إلى كثير من التفريع والتوليد: لقصره1، ومسابقة قوافيه. وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعي قال: قال لي2 الخليل: جاءنا رجل فأنشدنا: ترافع العز بنا فارفنعما3 فقلنا4: هذا لا يكون. فقال: كيف جاز للعجاج أن يقول: تقاعس العز بنا فاقعنسسا فهذا ونحوه يدلك على منافرة القوم لهما، وتعقبهم5 إياهما، وقد ذكرنا هذه الحكاية فيما مضى6 من هذا الكتاب، وقلنا في معناها: ما7 وجب8 هناك. وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد9 بن سلمة وأنا حدث، فقال لي: كيف تنشد قول الحطيئة: "أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ماذا. فقلت"10: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البني ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

_ 1 في ط: "لقصر وزنه". 2 سقط في ش. 3 انظر ص362 من الجزء الأول. 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقلت". 5 في د، هـ، ط: "تتبعهم". 6 انظر ص261 من الجزء الأول. 7 في د، هـ، ط: "بما". 8 في ط: "يجب". 9 هو بصرى من كبار المحدثين. مات سنة 167هـ. 10 سقط ما بين القوسين في ش.

فقال: يا بنى، أحسنوا البنا. يقال: بنى، يبنى بناء في العمران، وبنا يبنوُ1 بنًا، في الشرف. هكذا هذه الحكاية، رويناها عن بعض أصحابنا. وأما الجماعة فعندها أن الواحد من ذلك: بنية وبنية؛ فالجمع على ذلك: البُنَى، والبِنَى. وأخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبى بإسناده عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة، فجاءه رجل، فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا: عنيت بحاجتك؟ فقال له أبو عبيدة: أعن بحاجتى. فأومأت إلى الرجل: أى ليس كذلك. فلما خلونا قلت له: إنما يقال: لتعن بحاجتى. قال: فقال لى أبو عبيدة: لا تدخل إلي. فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزى2، سرق منى عاما3 أول قطيفة لى. فقلت: لا والله ما الأمر كذلك: ولكنك سمعتنى أقول ما سمعت، أو كلاما هذا معناه. وحدثنا أبو بكر محمد بن علي المراغي قال: حضر الفراء أبا عمر الجرمي، فأكثر سؤاله إياه. قال: فقيل لأبي عمر: قد أطال سؤالك؛ أفلا تسأله! فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء، ما4 الأصل في قم؟ فقال: اقوم. قال: فصنعوا ماذا؟ قال: استثقلوا الضمة على الواو، فأسكنوها، ونقلوها إلى القاف. فقال له أبو عمر: "هذا خطأ"5: الواو إذا اسكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح، ولم تستثقل الحركات فيها. ويدل على صحة قول أبي عمر إسكانهم إياها وهى مفتوحة في نحو يخاف وينام؛ ألا ترى أن أصلهما6: يخوف، وينوم: وإنما إعلال7 المضارع هنا محمول على إعلال7 الماضى. وهذا مشروح في موضعه.

_ 1 في ش: "يبنى". 2 أي من الخوز وهم سكان خوزستان في بلاد فارس. 3 في اللسان "عنا": "عام". 4 في ط: "كيف". 5 في ط: "قد أخطأت". 6 كذا في ط. وفي ش: "أصلها". 7 في ط: "اعتلال".

ومن ذلك حكاية أبي عمر1 مع الأصمعى وقد سمعه يقول: أنا أعلم الناس بالنحو، فقال له الأصمعى: "يا أبا عمر"2 كيف تنشد "قول الشاعر"3: قد كن يخبأن الوجوه تسترا ... فالآن حين بدأن للنظار بدأن أو بدين؟ فقال أبو عمر: بدأن. فقال الأصمعى: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو! -يمازحه- إنما هو بدون، أى ظهرن. فيقال: إن أبا عمر تغفل الأصمعى، فجاءه يوما وهو في مجلسه، فقال له أبو عمر: كيف تحقر مختارا؟ فقال الأصمعى: مخيتير. فقال له أبو عمر: أخطأت؛ إنما هو مخير أو مخيير، تحذف التاء؛ لأنها زائدة. حدثني أبو علي قال: اجتمعت مع أبي بكر4 بن الخياط عند أبي العباس المعمرى بنهر معقل، في حديث حدثنيه طويل. فسألته عن العامل في "إذا" من قوله -سبحانه: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 5 قال: فسلك فيها مسلك6 الكوفيين. فكلمته إلى أن أمسك. وسألته عن غيرها، وعن غيرها؛ وافترقنا. فلما كان الغد7 اجتمعت معه عند أبي العباس،

_ 1 هو الجرمي. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 ثبت ما بيو القوسين في ط، والشاعر هو الربيع بن زياد في قصيدة يرثي بها مالك بن زهير العبسي. وقبله: من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار ويقول التبريزي في شرح البيت: "أي كانت نساؤنا يخبأن وجوههن عفة وحياء، فالآن ظهرن للناظرين لا يعقلن من الحزن" وانظر شرح التبريزي للحماسة "التجارية" 3/ 38. 4 هو محمد بن أحمد مات سنة 320. 5 آية 7 سورة سبأ. 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "مذهب". وكأن مذهب الكوفيين أن "إذا" متعلقة بقوله: {لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا لا يجيزه البصريون لأن ما بعد "إن" لا يعمل فيما قبلها عندهم. وإنما "إذا" عندهم متعلقة بفعل محذوف أي تبعثون، وهي جملة اعتراضية بين "ينبئكم" ومعموله: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . 7 في ط: "من الغد".

وقد أحضر جماعة من أصحابه فسألونى فلم أر فيهم طائلا. فلما انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبنى من سفرجل مثل عنكبوت فقال: سفرروت1. فلما سمعت ذلم قمت في المسجد قائما، وصفقت بين الجماعة: سفرروت! سفرروت! فالتفت إليهم أبو بكر فقال: لا أحسن الله جزاءكم! ولا أكثر في الناس مثلكم! وافترقنا فكان آخر العهد به2. قال أبو حاتم: قرأ الأخفش: -يعنى أبا الحسن: "وقولوا للناس حسنى"3 فقلت: هذا لا يجوز؛ لأن "حسنى" مثل فعلى4، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام. قال: فسكت. قال أبو الفتح: هذا عندى غير لازم لأبي الحسن؛ لأن "حسنى" هنا5 غير صفة؛ وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن؛ كقراءة غيره: "قولوا للناس حسنا" ومثله في الفعل والفعلى: الذكر والذكرى، وكلاهما مصدر. ومن الأول البؤس والبؤسى. والنعم والنعمى. ولذلك نظائر. وروينا -فيما أظن- عن محمد بن سلام الجمحى قال: قال لى يونس ابن حبيب: كان عيسى بن عمر يتحدث في مجلس فيه أبو عمر بن العلاء. فقال عيسى في حديثه: ضربه فحشت6 يده. فقال أبو عمرو: ما تقول يا أبا عمر! فقال عيسى: فحشت يده. فقال أبو عمرو: فحشت يده7. قال يونس: التي رده عنها جيدة. يقال حشت يده -بالضم، وحشت يده -بالفتح، وأحشت. وقال يونس: وكانا إذا اجتمعا في مجلس لم يتكلم أبو عمرو مع عيسى؛ لحسن إنشاده وفصاحته.

_ 1 وهذا خطأ، وإنما هو سفرجوت. 2 في ط: "بهم". 3 آية 83 سورة البقرة، وهذا القراءة تعزى إلى الحسن البصري. 4 في د، هـ: "فضل". 5 كذا في ش، وفي د، هـ: "ليس" وفي ط: "ليست". 6 أي يبست، وأكثر ما يكون ذلك في الشلل. 7 سقط في ش.

الزيادى عن الأصمعى قال: حضر الفرزدق1 مجلس ابن أبي إسحاق، فقال له: كيف تنشد هذا البيت: وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر2 فقال الفرزدق: كذا أنشد. فقال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت: فعولين! فقال الفرزدق: لو شئت أن تسبح لسبحت. ونهض فلم يعرف أحد في المجلس ما أراد بقوله: لو شئت أن تسبح لسبحت، أى لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك، وإنما أراد: أنهما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر "قال أبو الفتح: كان هنا تامة غير محتاجة إلى الخبر، فكأنه قال: وعينان قال الله: احدثا فحدثتا، أو اخرجا إلى الوجود فخرجتا"3. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال: سأل رجل سيبويه عن قول الشاعر4: يا صاح يا ذا الضامر العنس فرفع سيبويه "الضامر" فقال له الرجل: إن فيها: والرحل "ذي الأقتاد"5 والحلس

_ 1 وفي مجالس كاتب ابن حتزاية كتب في الهامش على هذا البيت: "حاشية: هذا البيت لذي الرمة، وسؤال الفرزدق عنه غلط فيما أحسب، وهذا لا بعد فيه" فقد كان ذو الرمة والفرزدق متعاصرين، وكان ذو الرمة معروفا بالشعر في زمن الفرزدق. 2 قبله: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر 3 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ط. وسقط في ش. وفي ابن حنزاية أنه يجوز نصب فعولين على القطع أي الحال من فاعل "كانتا" على تمامها. 4 هو خالد بن المهاجر في رواية الأغاني. وانظر الخزانة في الشاهد العشرين بعد المائة. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "والأقتاب"، يريد أن عجز البيت يقضي أن تكون "ذا" في الصدر بمعنى صاحب فيجر "الضامر" بالإضافة، وتكون "ذا" إشارية فيرفع "الضأمر".

فقال سيبويه1: من هذا هربت. وصعد فى الدرجة. فقال أبو الفتح: هذا عندنا2 محمول على معناه دون لفظه. وإنما أراد: ياذا العنس الضامر، والرحل "ذى الاقتاد" فحمله على معناه، "دون لفظه"2. قال أبو العباس: حدثني أبو عثمان قال: جلست في حلقة الفراء، فسمعته يقول لأصحابه: لا يجوز حذف لام الأمر إلا في شعر. وأنشد: من كان لا يزعم أني شاعر ... فيدن مني تنهه المزاجر3 قال: فقلت له: لم جاز في الشعر ولم يجز في الكلام؟ فقال: لأن الشعر يضطر فيه الشاعر، فيحذف. قال: فقلت: وما الذى اضطره هنا، وهو يمكنه أن يقول: فليدن منى؟ قال: فسأل عنى، فقيل له: المازنى، فأوسع لى. قال أبو الفتح: قد كان يمكن الفراء أن يقول له: إن العرب قد تلزم4 الضرورة في الشعر في حال السعة، أنسًا بها "واعتيادًا5 لها"، وإعدادًا لها لذلك عند وقت الحاجة إليها؛ ألا ترى إلى قوله6: قد أصبحت أم الخيار تدعى ... عليّ ذنبا كله لم أصنع

_ 1 الذي في الخزانة عن الأخفش: "بلغني أن رجلا صاح بسيبويه في منزله وقال: كيف تنشد هذا البيت؟ فأنشده إياه مرفوعا. فقال الرجل: والرحل والأقتاب والحلس فتركه سيبويه وصعد إلى منزله، فقال له: أين لي علام عطف؟ فقال سيبويه: فلم صعدت الغرفة! إني قررت من ذلك. ويتبين من هذا أن قوله: "من هنا هربت" بعد صعوده في الدرجة؛ لا كما هنا. هذا، وفي مجالس ابن حنزاية أن السائل سلمة بن عياش، والمسئول أبو عمرو بن العلاء. 2 سقط في ش. ويريد ابن جني في الجواب عن سيبويه أن الشاعر لما قال: يا هذا الضامر العنس كأنه قال: يا هذا الضامر عنسه، وإذا كان عنسه ضامرا كان ذا عنس ضامر، فكأنه في المعنى: يا ذا الضامر العنس أي يا صاحب الضامر العنس، فساغ له أن يعطف عليه: والرحل ... 3 هذا البيت أورده الفراء في معاني القرآن 1/ 160، ولم ينسبه. 4 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "تلتزم". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 أي أبي النجم. وانظر الكتاب 1/ 44، والخزانة في الشاهد 56.

فرفع للضرورة ولو نصب لما كسر الوزن. وله نظائر. فكذلك قال: "فيدن منى" وهو قادر على أن يقول: "فليدن منى"؛ لما1 ذكرت. والمحفوظ في هذا قول أبي عمرو لأبي خيرة وقد قال: استأصل الله عرقاتهم2 -بنصب3 التا- هيهات، أبا خيرة لان جلدك! ثم رواها أبو عمرو فيما بعد. وأجاز أيضًا أبو خيرة: حفرت إراتك، جمع إرة4. وعلى نحوه إنشاد الكوفيين: ألا يزجر الشيخ الغيور بناته5 وإنشادهم أيضًا: فلما جلاها بالإيام تحيزت ... ثباتًا عليها ذلها واكتئابها6 وأصحابنا لا يرون فتح هذه التاء في موضع النصب. وأما7 عرقاتهم فواحدة؛ كسعلاة. وكذلك إراة: علفة، وأصلها وئرة: فعلة، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار: "إروة، ثم قلبت الواو ألفا فصار"8 إراة؛ مثل الحادى، وأصله: الواحد، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار وزنه على اللفظ: عالفا ومثله قول القطامى: ولا تقضى بواقي دينها الطادي9 أصله: الواطد، ثم قلب إلى عالف. وأنا ثباة ففعلة من الثبة، وأما بناته ففعلة، كقناة كما أن ثباة وسمعت لغاتهم إنما "هي واحدة"10؛ كرطبة.

_ 1 في د، هـ: "على ما". 2 انظر ص385 من الجزء الأول. 3 كذا في ش. وفي ط: "فنصب". 4 هي موقد النار. 5 في ش: "ينشد" في مكان "يزجر". 6 هذا من شعر لأبي ذؤيب الهذلي في وصف النحل والرجل المشنار لعسلها، والإيام: الدخان. يقول: إن النحل لجأت إلى خلاياها، فدخن عليها فخرجت وبرزت، وهنا تحيزت وتضامت جماعات يبدو عليها الذل والاكتئاب، فقد تمكن منها المشنار. وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 79. 7 في د، هـ: "فأما". 8 سقط ما بين القوسين في ش. 9 انظر ص80 من الجزء الثاني. 10 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "هما واحد".

هذا كله إن كان مارووه -من فتح هذه التاء- صحيحا ومسموعا من فصيح يؤخذ بلغته ولم يجز أصحابنا فتح هذه التاء في الجماعة، إلا شيئا قاسه أبو عثمان، فقال: أقول: لا مسلمات لك -بفتح التاء- قال: لأن الفتحة الآن ليست لـ"مسلمات" وحدها، وإنما لها ولـ"لا" قبلها. وإنما يمتنع1 من فتح هذه التاء ما دامت الحركة في آخرها لها وحدها. فإذا2 كانت لها ولغيرها فقد زال طريق ذلك3 الحظر الذي كان عليها. وتقول على هذا: لا سمات بإبلك -بفتح4 التاء- على ما مضى. وغيره يقول: لا سمات بها -بكسر5 التاء- على كل حال. وفي هذا مسألة لأبي على -رحمه الله- طويلة حسنة. وقال الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: قال المنتجمع: أعمى على المريض، وقال أبو خيرة: غمى عليه. فأرسلوا إلى أم أبى خيرة، فقالت: غمى على المريض. فقال لها المنتجع: أفسدك ابنك. وكان وراقا. وقال أبو زيد: قال منتجع: كمء واحدة وكمأة للجميع. وقال أبو خيرة: كمأة واحدة، وكمء للجميع؛ مثل تمرة وتمر، قال: فمر بهما رؤبة، فسألوه، فقال كما قال منتجع6. وقال أبو زيد: قد يقال: كمأة وكمء كما قال أبو خيرة. وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحجاج عن أبي علي بن بشر بن موسى الأسدى عن الأصمعى، قال: اختلف رجلان، فقال أحدهما: الصقر، وقال الآخر: السقر. فتراضيا بأول وارد يرد عليهما، فإذا رجل قد أقبل، فسألاه فقال: ليس كما قلت أنت ولا "كما قلت أنت"7؛ إنما هو الزقر.

_ 1 في ط: "يمنع". 2 كذا في ش وفي د، هـ، ط: "فأما إذا". 3 ثبت في ط. 4 في ط: "فيفتح". 5 في ط: "فيكسر". 6 في د، هـ: "أبو خيرة". وفي مجالس كاتب ابن حنزاية بعده: "وقال الأصمعي كما قال أبو خيرة". 7 في ط: "ما قال هو".

وقال الرياشي: حدثني الأصمعى، قال: ناظرني المفضل عند عيسى بن جعفر، فأنشد بيت أوس: وذات هدم عارٍ نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جذعا1 فقلت: هذا تصحيف؛ لا يوصف التولب بالإجذاع، وإنما هو: جدعا، وهو السىء الغذاء. قال: فجعل المفضل يشغب، فقلت له: تكلم كلام النمل وأصب. لو نفخت في شبور2 يهودى ما نفعك شيئا. ومن ذلك إنكار الأصمعى على ابن الأعرابى ما كان رواه ابن الأعرابى لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بنى كلاب: سمين الضواحى، لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم3 وعونها

_ 1 قبله: ليبكك الشرب والمدامة والـ ... ـفتيان طرا وطامع طمعا والهدم: الثوب المرقع البالي، والنواشر: عروق ظاهر الكف أو عصب الذراع والتولب: الصغير من حمر الوحش، استعاره للصبي، وتصمت: تسكت وتعلل، يقول: ليس لها لبن من الضر وشدة الزمان، فهي تعلله بالماء وانظر الأمالي 3/ 35. 2 هو البوق وفي محيط المحيط أنه معرب شوفر بالعبرية. 3 في ط: "الخطوب" في مكان "الهموم" وفي د، هـ: "المعاني" وقبله: رأت نضو أسفار أميمة قاعدا ... على نضو أسفار فجن جنونها فقالت من أي الناس أنت ومن تكن ... فإنك راعي صرمة لا تزيتها فقلت لها ليس الشحوب على الفتى ... يعار ولا خير الرجال سمينها عليك براعي ثلة مسلحبة ... بروح عليها محضها وحقينها والثلة: قطيع الغنم. ومسلحبة: منبطة وممدة. والمحض: اللبن الخالص. والحقين: اللبن يجعل في السقاء ليخرج زبدته. والضواحي: ما ظهر فيه وبدا، وأبكار الهموم ما يبدأ منها، والعون جمع عوان، وهي التي تنجب بعد بطنها البكر، يريد الهموم التي استمرت وبقيت عنده، وانظر مجالس كاتب ابن حنزاية، واللسان "ضحا"، ولم ينسب هذا الشعر، ويقول المعلق على معاني ابن قتيبة 560: أحسبه للمخبل السعدي.

فرفع ابن الأعرابي "ليلة"، ونصبها الأصمعى، وقال: إنما أراد: لم تؤرقه أبكار الهموم1 وعونها ليلةً، وأنعم أي زاد2 على ذلك. فأحضر ابن الأعرابي، وسئل عن ذلك فرفع "ليلة" فقال الأصمعى لسعيد: من لم يحسن هذا القدر فليس بموضع لتأديب ولدك، فنحاه سعيد، فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي على الأصمعى. محمد بن يزيد قال: حدثني أبو محمد التوزى عن أبى عمرو الشيبانى قال: كنا بالرقة، فأنشد الأصمعي: عننًا باطلا وظلما كما تعـ ... ـنز عن حجرة الربيض الظباء3 فقلت: يا سبحان الله، تعتر من العتيرة. فقال الأصمعى: تعنز أى تطعن بعنزة4. فقلت: لو نفخت في شبور اليهودى، وصحت إلى التنادى5، ما كان إلا تعتر، ولا ترويه بعد اليوم إلا تعتر. قال أبو العباس قال لى التوزى، قال لى أبو عمرو: فقال: والله لا أعود بعده6 إلى تعنز.

_ 1 كذا في ش، وفي ط: "الخطوب". وفي د، هـ: "المعاني". 2 أي زاد هذا الرجل الذي يصفه على هذه الأوصاف. 3 من معلقة الحارث بن حلزة، وقبله: واعلموا أنها وإياكمو فيـ ... ـما اشترطنا يوم اختلفنا سواء والعنن: الاعتراض والعنز: الذبح. والحجرة: الناحية، أو هي الحظيرة تتخذ للغنم، والربيض: العنم. يقول: إنكم تتعرضون لنا تعرضا باطلا وتظلموننا ظلما، وتأخذوننا بذنوب غيرنا، كما تذبح الظباء عن الغنم، وكان من أمر الجاهلية إن ينذر الرجل لصنمه أن يذبح من غنمه، فإذا جاء وقت الوفاء بالنذر ضن بالغنم وذبح مكانها من الظباء. 4 هي رمح صغير. 5 كأنه يريد: إلى يوم التمادي، وهو يوم القيامة، ويقول الزمخشري في تفسير التنادي في سورة غافر: "التنادي: ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف من قوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة، ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور". 6 في ط: "بعدها".

وأنشد الأصمعى أبا توبة ميمون بن حفص1 مؤدب عمرو بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد: واحدةٌ أعضلكم شأنها ... فكيف لو قمت على أربع! 2 قال: ونهض الأصمعى فدار على أربع، يلبس بذلك على أبي توبة. فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعى. فضحك سعيد، وقال "لأبي توبة"3: ألم أنهك عن مجاراته في المعانى هذه صناعته. وروى أبو زيد: ما يعوز4 له شيء إلا أخذه، فأنكرها الأصمعى، وقال: إنما هو "يعور" -بالراء- وهو كما قال الأصمعى. وقال الأثرم على5 بن المغيرة: مثقل استعان بدفيه6، ويعقوب بن السكيت حاضر. فقال يعقوب: هذا تصحيف؛ إنما هو: مثقل7 استعان بذقنه. فقال الأثرم: إنه يريد الرياسة بسرعة، ودخل بيته هذا في حديث لهما. وقال أبو الحسن لأبي حاتم، ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث؟ قال: قلت8: قد صنعت فيه شيئا. قال: فما تقول في الفردوس؟ قال9: ذكر. قال فإن الله -عز وجل- يقول: {الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 10 قال: قلت:

_ 1 كذا في نسخ الخصائص وإنباه الرواة، وفي معجم الأدباء وبقية الوعادة 401: "جعفر". 2 في د، هـ، ط: "أمرها" في مكان "شأنها". ومعنى البيت: أنه تزوج امرأة واحدة، فيقول له: قد شق عليك أن تزوجت واحدة، فكيف لو تزوجت أربعا. 3 ثبت ما بين القوسين في ط. 4 أي يظهر. 5 في د، هـ، ز: "ابن علي". 6 متى دف، وهو الخنب. 7 سقط في ش، ويقال هذا المثل لمن يستعين بمن هو أذل منه وأعجز. وأصله أن البعير يحمل عليه الحمل الثقيل فلا يقدر على النهوض، فيعتمد بذقنه على الأرض ويمد عنقه فلا يكون له في ذلك راحة. 8 كذا في د، هـ، ط. وسقط في ش. 9 في ط: "قلت". 10 آية 11 سورة المؤمنين.

ذهب إلى الجنة فأنث. قال أبو حاتم: فقال لى التوزى: يا عاقل1! أما سمعت قول الناس: أسألك الفردوس الأعلى، "فقلت يا نائم: الأعلى هنا"2 أفعل لا فعلى! قال أبو الفتح: لا وجه لذكره هنا؛ لأن الأعلى لا يكون أبدا فعلى. أبو عثمان قال: قال لى أبو عبيدة: ما أكذب النحويين! يقولون: إن هاء التأنيث، لا تدخل على ألف التأنيث وسمعت رؤبة ينشد: فكر في علقى وفي مكور3 فقلت له: واحد العلقى؟ فقال: علقاة. قال أبو عثمان: فلم أفسر له؛ لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا. وقد ذكرنا نحو هذا فيما قبل، أو شرحناه. قال أبو الفتح: قد أتينا في هذا الباب من هذا الشأن على أكثر مما يحتمله هذا الكتاب، تأنيسا به، وبسطا للنفس بقراءته. وفيه أضعاف هذا؛ إلا أن في هذا كافيا من غيره بعون الله.

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "غافل"، وكأن التؤزي يرد على أبي حاتم بهذه الآية ويرى أن الوصف بالأعلى يفيد تأنيث الفردوس إذ توهم أنها كالغضبى، فرد عليه أبو حاتم بأن الأعلى أفعل لافعلى. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 انظر ص273 من الجزء الأول وفي مجالس كاتب ابن حنزاية بعد إبراد القصة: "وحق ذا أن يكون علقى جمعا موضوعا على غير علقاة، ولكن كالشاء من شاة".

باب في صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة

باب في صدق النقلة وثقة الرواة والحملة: هذا موضع من هذا الأمر، لا يعرف صحته إلا من تصور أحوال السلف فيه1 تصورهم2، ورآهم من الوفور والجلالة بأعيانهم، واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقاده له3، وعلم أنه لم يوفق لاختراعه4، وابتداء قوانينه وأوضاعه، إلا البر عند الله سبحانه، الحظيظ5 بما نوه به، وأعلى شأنه. أو لا يعلم أن أمير المؤمنين عليا -رضي الله عنه- هو البادئه والمنبه عليه والمنشئه والمرشد6 إليه. ثم تحقق7 ابن عباس، رضي الله عنه به، واكتفال أبي الأسود -رحمه الله- إياه. هذا، بعد تنبيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه، وحضه على الأخذ بالحظ منه، ثم تتالى السلف -رحمهم الله- عليه، واقتفائهم -آخرا على8 أول- طريقه. ويكفى من9 بعد ما تعرف10 حاله، ويتشاهد11 به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه، ومجاورا زمانه. حدثنا بعض أصحابنا -يرفعه- قال: قال أبو عمرو بن العلاء -رحمه الله: مازدت في شعر العرب إلا بيتا واحدا. يعنى مايرويه للأعشى من قوله: وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا أفلا ترى إلى هذا البدر الطالع12 الباهر، والبحر الزاخر الذي هو أبو العلماء وكهفهم، وبدء13 الرواة وسيفهم، كيف تخلصه من تبعات هذا العلم وتحرجه، وتراجعه فيه إلى الله وتحوبه، حتى أنه لما زاد فيه -على سعته وانبثاقه، وتراميه وانتشاره- بيتا واحدا، وفقه الله للاعتراف به، "وجعل ذلك"14 عنوانا على توفيق ذويه وأهليه.

_ 1 زيادة في د، هـ. 2 في ط: "بصورهم". 3 زيادة في ز، ط. 4 في ط: "لاختياره واختراعه". 5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الحفيظ: المحظوظ". 6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المشير". 7 يقرأ بالنصب عطفا على محل "أن أمير المؤمنين ... " وبالرفع، أي هناك تحقق ... 8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عن". 9 سقط في ش. 10 في ط: "تعرف". 11 أي يشهد الناس بعضهم لبعض به. 12 سقط في ش، ط. 13 كذا في ط، وفي ش، ز: "يد"، والبدء: السيد. 14 ثبت ما بين القوسين في ط.

وهذا الأصمعى -وهو صناجة1 الرواة والنقلة، وإليه محط2 الأعباء والثقلة، ومنه تجنى الفقر والملح، وهو ريحانة كل مغتبق ومصطبح- كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره -وهو حدث- لأخذ قراءة نافع عنه. ومعلوم "كم3 قدر ما" حذف من اللغة، فلم يثبته؛ لأنه لم يقو عنده؛ إذ لم يسمعه. وقد ذكرنا في الباب الذي هذا4 يليه طرفا منه. فأما إسفاف من لا علم له، وقول من لا مسكة به: إن الأصمعى كان يزيد في كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلام معفو عنه، غير معبوء به ولا منقوم من مثله، حتى كأنه لم يتأد إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحوبه من5 الكلام في الأنواء. ويكفيك من ذا خشنة6 أبي زيد وأبي عبيدة. وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجد والانهماك، والعصمة والاستمساك. وقال لنا أبو علي -رحمه الله- يكاد يعرف7 صدق أبى الحسن ضرورة. وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد "فلم يحك عنه حرفا واحدا"8. هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائي وعفته، وظلفه9، ونزاهته؛ حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا10 لنهضته.

_ 1 هو الذي يضرب بالصنج؛ وهو آلة ذات أوتار يضرب بها ويقال ذلك للماهر المجيد. وكان الأعشى يقال له صناجة العرب لجودة شعره. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتحط" والأعباء جمع العبء، وهو الحمل، والثقلة: الأمتعة والأثقال. 3 كذا في ط، وفي ش: "قدركم" وفي ز: "قدوما". 4 كذا في ط، وفي ش، ز: "قبل هذا". 5 في ز: "في". 6 في ط: "حسنة" والخشة: الخشونة والصلابة. 7 في ز: "يعلم". 8 سقط ما بين القوسين في ش. 9 الظلف: النزاهة. 10 في ط: "ينزعج أحد منهما".

وحكى أبو الفضل الرياشي قال: جئت أبا زيد لأقرأ عليه كتابه في النبات، فقال: لا تقرأه علي؛ فإني قد أنسيته. وحسبنا من هذا حديث سيبويه، وقد حطب1 بكتابه -وهو2 ألف ورقة- علما مبتكرا ووضعا3 متجاوزا لما يسمع ويرى، قلما تسند إليه حكاية، أو توصل به رواية، إلا الشاذ الفذ الذي لا حفل به ولا قدر. فلولا تحفظ من يليه، ولزومه طريق ما يعنيه، لكثرت الحكايات4 عنه، ونيطت أسبابها به، لكن أخلد كل إنسان منهم إلى عصمته، وأدرع جلباب ثقته، وحمى جانبه من صدقه وأمانته، ما أريد من صون هذا العلم الشريف "له به"5. فإن قلت: فإنا نجد علماء هذا الشأن من البلدين، والمتحلين به في المصرين، كثيرا ما يهجن6 بعضهم بعضا، ولا7 يترك له في8 ذلك سماء ولا أرضا. قيل له: هذا أول دليل على كرم هذا الأمر، ونزاهة هذا العلم؛ ألا ترى أنه إذا سبقت إلى أحدهم ظنة، أو توجهت نحوه شبهة، سب بها، وبرئ إلى الله منه لمكانها. ولعل أكثر من يرمى بسقطة في رواية أو غمز في حكاية محمى جانب الصدق فيها برئ عند ذكره9 من تبعتها؛ لكن أخذت عليه، إما لاعتنان شبهة عرضت له أو لمن أخذ عنه، وإما لأن ثالبه ومتعيبه مقصر عن مغزاه، مغضوض

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "خطب" وحطب: جمع. 2 سقط في ش. 3 في ش: "وصفا". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المحكيات". 5 كذا في ش، وفي ط: "للثقة به". وفي د، هـ، ز: "للتنزيه". 6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يمتحن". 7 كذا في ط، وفي ش: "فلم" وفي د، هـ، ز: "فلا". 8 في ط: "من". 9 ثبت في ط.

الطرف دون مداه. وقد تعرض الشبه للفريقين "وتعترض على كلتا الطريقتين"1. فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله، والمتفيئين بظله، كريم الطرفين، جدد2 السمتين، لما تسابوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه، ليطووا ثوبه على أعدل غروره3 ومطاويه. نعم، وإذا كانت هذه المناقضات4 والمثقافات5 موجودة بين السلف القديم، ومن باء فيه بالمنصب والشرف العميم، ممن هم سرج الأنام، والمؤتم بهديهم في الحلال، والحرام ثم لم يكن ذلك قادحا فيما تنازعوا فيه، ولا غاضا منه، ولا عائدا بطرف من أطراف التبعة عليه، جاز مثل ذلك أيضا في علم العرب، الذي لا يخلص جميعه للدين خلوص الكلام والفقه له: ولا يكاد يعدم أهله الأنق به، والارتياح لمحاسنه. ولله أبو العباس أحمد بن يحيى، وتقدمه في نفوس أصحاب الحديث ثقةً وأمانة، وعصمة وحصانة. وهم عيار هذا الشان، وأساس هذا البنيان. وهذا أبو علي رحمه الله، كأنه بعد معنا، ولم تبن به الحال عنا، كان من تحو به وتأنيه6، وتحرجه كثير التوقف فيما يحكيه، دائم الاستظهار لإيراد ما يرويه. فكان تارة يقول، أنشدت لجرير فيما أحسب، وأخرى: قال لي أبو بكر7 فيما أظن، وأخرى8: في غالب ظني كذا، وأرى أني قد سمعت كذا. هذا جزء من جملة، وغصن من دوحة، وقطرة من بحر، مما يقال في هذا الأمر. وإنما أنسنا بذكره، ووكلنا الحال فيه، إلى تحقيق ما يضاهيه.

_ 1 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "الطائفتين" في مكان: "الطريقتين". وسقط ما بين القوسين في ش. 2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حدد" "وجدد السمتين: مستويهما، من الحدد للأرض المستوية، والسمت: الطريق وهيئة أهل الخير. 3 جمع غر -بفتح الغين- وغرور الثوب: سكاسره أي حيث يتئتي وينكسر. 4 كذا في ش، وفي ط: "المنافمات". 5 أي المخاصمات: وهو من قولهم: ثاقب الرجل: غالبه في الثقف وهو الحذق والفطنة. 6 كذا في ش، وفي ط: "تأبيه". 7 يريد ابن السراج. 8 في ط: "أخبرني".

باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد

باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد: وذلك جائز عنهم1، وظاهر وجه الحكمة في لغتهم2؛ قال الفرزدق: كلاهما حين جد الجرى بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى3 "فقوله: كلاهما قد أقلعا ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى؛ وقوله: وكلا أنفيهما رابى"4 قوي لأنه حمل على اللفظ. وأنشد أبو عمرو الشيباني: كلا جانبيه يعسلان كلاهما ... كما اهتز خوط النبعة المتتابع5 فإخباره بـ"يعسلان" عن "كلا جانبيه"6 ضعيف على ما ذكرنا. وأما "كلاهما" فإن جعلته توكيدا لـ"كلا" ففيه ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى دون اللفظ. ولو كان على اللفظ لوجب أن يقول: كلا جانبيه يعسل كله، أو قال: يعسلان كله، فحمل "يعسلان" على المعنى، و"كله" على اللفظ، وإن كان في هذا ضعف، لمراجعة اللفظ بعد الحمل على المعنى. وإن جعلت "كلاهما" توكيدا للضمير في "يعسلان" فإنه قوى، لأنهما في اللفظ اثنان كما أنهما في المعنى كذلك. وقال الله -سبحانه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} 7 فحمل أول الكلام على اللفظ، وآخره على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى.

_ 1 في ط: "عندهم". 2 بعده في ط: "عنهم". 3 انظر ص423 من الجزء الثاني. 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 يعسلان: يهتزان. والخوط: الغصن الناعم. والنبعة شجر يتخذ منه السهام، والمتتابع وصف من التتابع وهو الإسراع واللجاجة أي سريع في الاهتزاز. وكأن هذا في وصف رمح. 6 في ش: "جانبيها". 7 آية 112 سورة البقرة.

وتقول: أنتم كلكم بينكم درهم. فظاهر هذا أن يكون "كلكم" توكيدا لـ"أنتم" والجملة بعده خبر "عنه. ويجوز أن يكون كلكم مبتدأ ثانيا، والجملة بعده خبر"1 عن "كلكم". وكان أجود من2 ذلك أن يقال: بينه درهم؛ لأنه لفظ كل مفرد؛ ليكون كقولك أنتم غلامكم له مال. ويجوز أيضا: أنتم كلكم بينهم درهم، فيكون عود الضمير بلفظ الغائب حملا على اللفظ، وجمعه حملا على المعنى. كل ذلك "مساغ عندهم"3 ومجاز بينهم. وقال ابن4 قيس: لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم وفتن أقوى من أفتن؛ حتى إن الأصمعي لما أنشد هذا البيت شاهدا لأفتن قال: ذلك مخنث، ولست آخذ بلغته. وقد جاء به رؤبة إلا أنه لم يضممه إلى غيره؛ قال: يعرضن إعراضا لدين المفتن5 ولسنا ندفع أن في الكلام كثيرا من الضعف فاشيا، وسمتا منه مسلوكا متطرقا. وإنما غرضنا هنا أن نرى إجازة العرب جمعها بين قوى الكلام وضعيفه في عقد واحد وأن لذلك وجها من النظر صحيحا. وسنذكره.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 سقط في ش. 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مشاع عنهم". 4 نسبه غير ابن جني إلى أعشى همدان، وهو في الصبح المنير 340 في شعره مع بيت بعده: وألقى مصابيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المتمم وهو يريد سعيد بن جبير، وانظر اللسان "فتن". 5 من أرجوزة يمدح فيها بلال بن أبي بردة. والبيت في الحديث عن النساء، وقوله: "يعرضن" أي يمكن من وصلهن، يقول: إنهن يتيسرن ويمهلن لمن يفتن بهن من الشبان.

وأما قوله: أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها1 فلغتان قويتان. وقال: لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ولم تسق دعد في العلب2 فصرف ولم يصرف. وأجود اللغتين ترك الصرف. وقال: إني لأكنى بأجبال عن اجبلها ... وبآسم أودية عن اسم واديها3 وأجبال أقوى من أجبل، وهما -كما ترى- في بيت واحد. ومثله في المعنى لا في الصنعة4 قول الاخر: أبكى إلى الشرق ما كانت منازلها ... مما يلي الغرب خوف القيل والقال وأذكر الخال في الخد اليمين لها ... خوف الوشاة وما في الخد من خال5 وقال6: أنك يا معاويا بن الأفضل

_ 1 انظر ص371 من الجزء الأول. 2 في ط: "تغذ" في موضع "تسق" وفي د، هـ، ز: "بالعلب" بدل "في العلب" وانظر ص63 من هذا الجزء. 3 في ط: "ذكر" بدل "اسم". 4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صنعة الإعراب". 5 في ط: "منازلهم" بدل منازلها، وفي ط، ز: "بالخلد" في مكان "في الحد" والبيتان لابن الأحنف. وانظر ديوانه: 128 طبع الجوائب. 6 في أرجوزة للعجاج: فقد رأى الراءون غير البطل ... أنك يا يزيد يابن الأفحل إذ زلزل الأقوام لم تزلزل ... عن دين موسى والرسول المرسل وفي شرح الديوان أن المعنى يزيد بن معاوية، وفي أراجز البكري أنه يزيد بن عبد الملك، وجاء في كتاب سيبويه 1/ 334 الرجز منسوبا إلى العجاج هكذا. فقد رأى الراءون غير البطل ... أنك يا معاويا بن الأفضل وتبعه المؤلف، ويبدو أن الصواب ما أثبت عن الديوان.

قال صاحب الكتاب: أراد: يا معاوية فرخمه على يا حارُ فصار يا معاوى، ثم رخّمه ثانيا على قولك: يا حارِ، فصار: يامعاوِ؛ كما ترى. أفلا تراه كيف1 جمع بين الترخيمين: أحدهما2 على يا حارُ، وهو الضعيف، والآخر3 على يا حارِ، وهو القوي. ووجه الحكمة "في الجمع بين اللغتين"4: القويّة والضعيفة في كلام واحد هو: أن يُروك أن جميع كلامهم -وإن تفاوت أحواله فيما ذكرنا وغيره- على ذكر منهم وثابت في نفوسهم. نعم وليؤنِّسك بذاك حتى إنك إذا رأيتهم5، وقد جمعوا بين ما يقوى، وما يضعف في عقد واحد، ولم "يتحاموه ولم يتجنبوه"6، ولم يقدح أقواهما في أضعفهما، كنت إذا أفردت الضعيف منهما بنفسه، ولم تضممه إلى القوي، فيتبين7 به ضعفه وتقصيره عنه، آنس به وأقل احتشاما لاستعماله فقد عرفت ما جاء عنهم من نحو قولهم: كل مجرٍ بالخلاء يسر. وأنشد الأصمعي: فلا تصلي بمطروق إذا ما ... سرى في القوم أصبح مستكينا إذا شرب المرضة قال: أوكي ... على ما في سقائك قد روينا8

_ 1 سقط في ش. 2 سقط في د، هـ، ز. 3 كذا في ش. وفي ز، ط: "جمع اللغتين". 4 سقط هذا الحرف في ش. 5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يتحاشوه ولم يحتشموه". 6 كذا في ش. وفي ز، ط: "فيبين". 7 كذا في ش، وفي ز، ط: "بخلاء". وفي أمثال الميداني في أصل هذا المثل أن رجلا كان له فرس قد أعجبه إذا أجراه وحده، فأنزله في حلبة السباق، فجاء بين الخيل متخلفا مسبوقا، فقال الرجل هذا المثل. ويقال أيضا كل مجر بخلاء سابق. 8 البيتان لابن أحمر يخاطب امرأته، ويوصيها ألا تتزوج بعده بخيلا. وقوله: "فلا تصلي بمطروق" أي لا تصلي حيالك به، والمطروق: الضعيف اللين، والمرضة: اللبن ينقع فيه التمر بعد نزع نواه، وقوله: "أوكي" أي غطي. وانظر اللسان "رضض".

وغرضه في هذين البيتين أن يريك1 خفضة في حال دعته2. وقريب منه قول لبيد: يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد3 أي: هناك يُعرف قد الإنسان، لا4 في في حال الخلوة والخفيضة5. وعليه قولها6: يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل غروب شمس أي وقتى الإغارة والإضافة. وقد كثر جدا. وآخر ما جاء به شاعرنا، قال7: وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا ونظير هذا الإنسان يكون له ابنان أو أكثر من ذلك، فلا يمنعه نجابة النجيب منهما الاعتراف بأدونهما، وجمعه بينهما في المقام الواحد إذا احتاج إلى ذلك. وقد كنا قدمنا8 في هذا الكتاب حكاية أبي العباس مع عمارة وقد قرأ: "ولا الليل سابقُ النهارَ"9 فقال له "أبو العباس"10: ما أردت؟ فقال: أردت: سابق النهار. فقال: فهلا قلته! فقال عمارة10: لو قلته لكان أوزن. وهذا يدلك على أنهم قد يستعملون من الكلام ما غيره "آثر في نفوسهم منه"11؛ سعة في التفسح، وإرخاء12 للتنفس13، وشحا على ما جشموه14 فتواضعوه، أن يتكارهوه فيلغوه ويطرحوه. فاعرف ذلك مذهبا لهم، ولا "تطعن عليهم"15 متى ورد عنهم شيء منه.

_ 1 في د، هـ، ز: "يريد". 2 في ط: "تغبه". 3 في ز، ط: "قام" في مكان: "قمنا". في "كبد" أي في شدة وعناه. وفي الأغاني 15/ 130 "السامي": "الكبد: الثبات والقيام". وكان أربد أخا لبيد لأمه، وقد أصابته صاعقة فأحرقته، في قصة له في الأغاني. 4 سقط في ش. 5 كذا في ش. وفي ط: "الخفية" وفي ز: "الخفضة". والخفيضة: لين العيش وسعته. 6 أي الخنساء في رثاء أخيها صخر. وفي ط: وأبكية لكل مغيب شمس 7 في ز: "فقال". والبيت من قصيدة يمدح فيها أبو الطيب سيف الدولة بن حمدان، ويذكر انتصاره على الروم يقول: إنهم أظهروا الإقدام على سيف الدولة، فلما أحسوا به فروا من بين يديه. 8 انظر ص126، 150 من الجزء الأول. 9 آية 40 سورة يس. 10 سقط في ش. 11 في د، هـ: "أثبت منه في أنفسهم". 12 في ز: "إرحايا". 13 في ش: "للمتنفس". 14 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "تجشموه". 15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراجع عنه".

باب في جمع الأشباه، من حيث يغمض الاشتباه

باب في جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه: هذا غور من اللغة1 بطين، يحتاج مجتابه إلى فقاهة في النفس، ونصاعة من2 الفكر، ومساءلة خاصية3، ليست4 بمبتذلة ولا ذات هجنة. ألقيت يوما على بعض من كان5 يعتادني، فقلت6: من أين تجمع بين قوله7: لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب وبين قولنا: اختصم زيد وعمرو؟ فأجبل8 ورجع مستفهما. فقلت: اجتماعهما من حيث وضع كل واحد منهما في غير الموضع الذي بدئ له. وذلك9 أن الطريق خاص وضع موضع العام. وذلك أن وضع هذا أن يقال: كما عسل أمامه الثعلب، وذلك الأمام قد كان يصلح لأشياء من الأماكن كثيرة: من طريق وعسف

_ 1 كذا في ش، وفي، هـ، ز، ط: "العربية". 2 في د، هـ، ز: "في". 3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "خاصة". 4 في ش: "وليست". 5 زيادة في ط. 6 سقط في ش. 7 أي ساعدة بن جؤية الهذلي وهو في وصف الرمح، واللدن: اللين الناعم، وقوله: "يعسل متنه" يشتد اهتزازه، ويقال: عسل الثعلب والذئب في سيره: اشتد اضطرابه، وانظر الخزانة في الشاهد التاسع والستين بعد المائة. 8 أي انقطع، وأصل ذلك أن الحافر ليبلغ الماء يفض إلى جبل أو صخر ولا يجد ماء. 9 في ط: "ألا ترى".

وغيرهما. فوضع الطريق -وهو بعض ما كان يصلح للأمام أن يقع عليه- موضع الأمام. فنظير هذا أن واو العطف وضعها لغير الترتيب، وأن تصلح للأوقات الثلاثة، نحو جاء زيد وبكر. فيصلح أن يكونا جاءا معا، وأن يكون زيد قبل بكر، وأن يكون بكر قبل زيد. ثم إنك1 قد تنقلها من هذا العموم إلى الخصوص. وذلك قولهم2: اختصم زيد وعمرو. فهذا لا يجوز أن يكون الواو فيه إلا لوقوع الأمرين في وقت واحد. ففي هذا أيضا إخراج الواو عن أول ما وضعت له في ألأصل: من صلاحها للأزمنة الثلاثة والاقتصار بها على بعضها؛ كما اقتصر على الطريق من بعض ما كان يصلح له الأمام. ومن ذلك أن يقال لك3: من أين تجمع بين قول الله سبحانه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} 4 من قول الشاعر: زمان عليّ غراب غداف ... فطيره الدهر عنى فطارا5 فالجواب: أن في كل واحد من الآية والبيت دليلا على قوة شبه الظرف بالفعل. أما الآية فلأنه عطف الظرف في قوله: {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ} على قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} والعطف نظير التثنية؛ وهو مؤذن بالتماثل والتشابه. وأما البيت فلأنه عطف الفعل فيه على الظرف الذي هو قوله: "علي غراب غداف". وهذا واضح. وبهذا يقوى عندي قول مبرمان: إن الفاء في نحو قولك: خرجت فإذا زيد عاطفة، وليست زائدة كما قال أبو عثمان؛ ولا للجزاء كما قال الزيادي.

_ 1 في ش: "إنها". 2 في ز، ط: "قولك". 3 سقط في ش. 4 آيتا 9، 10 من سورة الطارق. 5 في ز، ط: "الشيب" في مكان "الدهر" وانظر ص108 من الجزء الأول.

ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول1 الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} 2 مع قول امرئ القيس: على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا3 والجواب أن معنى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} : لم يذل فيحتاج إلى ولى من الذل؛ كما أن هذا معناه: لا منار به فيهتدى به. ومثله قول الآخر: لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا يرى الضب بها ينجحر4 وعليه قول الله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 5، أى لا يشفعون لهم فينتفعوا بذلك. يدل عليه قوله عز اسمه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} 6 وإذا كان كذلك فلا شفاعة إلا للمرتضى7. فعلمت بذلك أن لو "شفع لهم لا ينتفعون"8 بذلك. ومنه قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده أى لا وليد فيه فينادى. فإن قيل: فإذا كان لا منار به ولا وليد فيه "ولا أرنب هناك"9 فما وجه إضافة هذه الأشياء إلى ما لا ملابسة بينها وبينه؟ قيل: لا10؛ بل هناك ملابسة لأجلها ما صحت الإضافة. وذلك أن العرف أن يكون في الأرض الواسعة منا يهتدى به، وأرنب تحلها. فإذا شاهد الإنسان هذا البساط11 من الأرض خاليا من المنار والأرنب12، ضرب بفكره إلى ما فقده

_ 1 في ز، ط: "مع قول". 2 ختام سورة الإسراء. 3 في ز، ط: "الديافي" في مكان "النباطي" والنباطي -بضم النون وفتحها- المنسوب إلى النبط، وانظر ص167 من هذا الجزء. 4 انظر المرجع السابق. 5 آية 48 سورة المدثر. 6 آية 28 سورة الأنبياء. 7 في ز، ط: "للمرضى". يريد أن الشفاعة خصت بمن ارتضى الله، وهؤلاء سخط الله عليهم ولم يرضهم. 8 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "شفعوا لا ينفعوا". وفي ط: "شفع فيهم لا تنفعوا". 9 سقط ما بين القوسين في ش. 10 سقط في ز، ط. 11 كذا في ش. وفي ز، ط: "البسيط". والبساط -بفتح الباء وكسرها: الأرض الواسعة، وكذا البسيط. 12 كذا في ش، وفي ز، ط: "الأرانب".

منهما فصار ذلك القدر من الفكر وصلة بين الشيئين، وجامعا لمعتاد الأمرين. وكذلك1 إذا عظم الأمر واشتد الخطب على أنه لا يقوم له، ولا يحضر فيه إلا الأجلاد وذوو البسالة، دون الولدان وذوي الضراعة. فصار العلم بفقد هذا الضرب من الناس وصله فيه2 بينهما، وعذرا في تصاقبهما3 وتدانى حاليهما. ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الأعشى: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا4 مع قول الآخر -فيما رويناه عن ابن الأعرابي: وطعنة مستبسل ثائر ... ترد الكتيبة نصف النهار5 ومع قول العجاج: ولم يضع جاركم لحم الوضم6 ومع قوله أيضًا: حتى إذا اصطفوا له جدارا7

_ 1 في ز، ط: "لذلك". 2 زيادة في ز، ط. 3 في ش، د، هـ، ز: "تصافيهما" ويبدو أنه تصحيف لما أثبت وفي ط: "تضامنهما". 4 هذا مطلع قصيدة له في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان عزم على الإسلام فصدته قريش. والسليم: اللديغ. وانظر الصبح المنير 101. 5 في ز، ط: "يرد" في مكان "ترد". والبيت من أربعة أبيات لسبرة بن عمرة الفقعسي في نوادر أبي زيد 155. وفيها: "حاسر" في مكان "ثائر". 6 من رجز له يخاطب فيه مروان بن الحكم. وقبله: مروان إن الله أوصى بالذمم ... وجعل الجيران أستار الحرم وفي الديوان: "لم يكن" في مكان "لم يضع". 7 من أرجوزة له يمدح فيها الحجاج، ويذكر إيقاعه بالخوارج، فقوله: "اصطفوا" أي الخوارج، يريد: أنهم برزوا له في الموقعة. وجواب الشرط في قولهم بعد: أورد حذا تسبق الأبصارا ... يسيقن بالموت القنا الحرارا وهو يريد بالخذ منها ما خفيفة، والحرار جمع الحرى، وصفها بذلك لحرارة الطعن بها.

والجواب: أن التقاء هذه المواضع كلها هو في1 أن نصب في جميعها "على المصدر"2 ما ليس مصدرا. وذلك أن قوله: "ليلة أرمدا" انتصب3 "ليلة" منه على المصدر؛ وتقديره: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد، فلما حذف المضاف الذي هو "اغتماض" أقام "ليلة" مقامه، فنصبها على المصدر؛ كما كان الاغتماض منصوبا عليه. فالليلة إذًا ههنا منصوبة على المصدر لا على الظرف. كذا قال أبو على لنا. وهو كما ذكر؛ لما ذكرنا. فكذلك4 إذًا قوله: ترد5 الكتيبة نصف النهار "إنما نصف النهار"6 منصوب على المصدر لا على الظرف؛ ألا ترى أن ابن الأعرابي قال في تفسيره: إن معناه: ترد الكتيبة مقدار نصف اليوم أى مقدار مسيرة نصف يوم. فليس إذًا معناه: تردها في وقت نصف7 النهار؛ بل: الرد الذي لو بدئ أول النهار لبلغ نصف يوم. وكذلك قول العجاج: ولم يضع جاركم لحم الوضم فـ"لحم الوضم" منصوب على المصدر، أى ضياع لحم الوضم. وكذلك قوله8 أيضًا: حتى إذا اصطفوا له جدارا فـ"جدارا" الوضم منصوب على المصدر. هذا هو الظاهر؛ ألا ترى أن معناه: "حتى إذا اصطفوا8 له" اصطفاف جدار، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛

_ 1 سقط في ش. 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ش، وفي ز، ط: "ينصب". 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "وكذلك". 5 في ز، ط: "يرد". 6 كذا في ط، وسقط في ش، ز. 7 في د، هـ، ز: "انتصاف". 8 سقط في ش.

على ما مضى. وقد يجوز أن يكون "جدارا" حالا أي مثل الجدار، وأن يكون أيضًا منصوبا على فعل آخر، أى صاروا جدارا، أى مثل جدار، فنصبه1 في هذا الموضع2 على أنه خبر صاروا. والأول أظهر وأصنع. ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله سبحانه: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} 3 مع قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} 4. والتقاؤهما أن أبا علي -رحمه الله- كان يقول: إن عين "استكانوا" من الياء، وكان يأخذه من لفظ5 الكين ومعناه، وهو لحم باطن الفرج، أى فما ذلوا وما خضعوا. وذلك لذل هذا الموضع ومهانته. وكذلك قوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} إنما هو من لفظ الحياء6 ومعناه "أى الفرج"7، أى يطئوهن8 وهذا واضح. ومن ذلك أن يقال: من أين "يجمع بين"9 قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} 10، وبين11 قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} 12. والتقاءهما من قبل أن الفاء في قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} إنما دخلت لما في الصفة التي هي قوله: {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} "من معنى الشرط"13، أى إن فررتم منه لاقاكم -فجعل- عز اسمه- هربهم منه سببا للقيه إياهم؛ على وجه المبالغة؛ حتى كأن هذا مسبب عن هذا؛ كما قال زهير: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه14

_ 1 كذا في ش، وفي ز، ط: "فتنصبه". 2 سقط في ز، ش. 3 آية 76 سورة المؤمنين. 4 آية 49 سورة البقرة. 5 كذا في ز، وفي ش: "لحم" وسقط كلاهما في ط. 6 وظاهر الأمر أنه من لفظ الحياة أي يتركون بناتكم أحياء للخدمة. 7 سقط ما بين القوسين في ش. 8 ويرى بعضهم أن المعنى على هذا التفتيش على أرحام النساء، فإذا كان الجنين ذكرا أسقطت المرأة، وإن كان أنثى أبقى على حملها. 9 كذا في ش. وفي ز، ط: "يجتمع". 10 آية 8 سورة الجمعة. 11 كذا في ش، وفي ز، ط: "مع". 12 آيتا 4، 5 سورة الماعون. 13 سقط ما بين القوسين في ز، ط. 14 عجزه: ولو رام أسباب السماء بسلم وأسباب المنايا ما يفضى إلي الموت، وأسباب السماء مراقيها أو نواحيها، والبيت في معلقته.

فمعنى الشرط إذًا1 إنما هو مفاد من الصفة لا الموصوف. وكذلك قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} إنما استحقوا الويل لسهوهم عن الصلاة، لا للصلاة نفسها، والسهو مفاد من الصفة لا من2 الموصوف. فقد ترى إلى اجتماع الصفتين في أن المستحق من المعنى إنما هو لما فيهما من الفعل الذي هو الفرار والسهو، وليس من نفس الموصوفين اللذين هما الموت والمصلون. وليس كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِم} 3، من قبل أن معنى الفعل المشروط به هنا إنما هو مفاد من نفس الاسم الذي ليس موصوفا، أعنى: الذين ينفقون. وهذا واضح. وقال لى أبو علي -رحمه الله: إنى لم أودع كتابى" "في الحجة" شيئا من انتزاع أبي العباس غير هذا الموضع، أعنى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} مع قوله: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وكان -رحمه الله- يستحسن الجمع بينهما. ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع4 قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 5 مع قول الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر6 والتقاؤهما أن معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، وكذلك قوله: حتى يقول الناس، أى حتى يقول كل واحد من الناس: يا عجبا!؛ ألا ترى أنه

_ 1 سقط في ط. 2 سقط في ش. 3 آية 274 سورة البقرة. 4 في ز: "يجتمع". 5 آية 4 سورة النور. 6 قبله -وهو في الغزل: لو أسندت مبنا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر والناشر: الذي حبي بعد الموت: والقابر وصف من قبر الميت: دفنه، وانظر الصبح المنير 105.

لولا ذلك لقيل: يا عجبنا. ومثل ذلك ما حكاه أبز ويد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلنا حلة وأعطانا كلنا مائة؛ أى كسا كل واحد منا، حلة وأعطاه مائة. ومثل قوله سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} 1 أى: أو لم نعمر كل واحد منكم ما يتذكر فيه من تذكر. ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع2 قول العجاج3: وكحل العينين بالعواور مع قول الآخر: لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع4 واجتماعهما أنه صحح الواو في العواور، لإرادة الياء في العواوير5، كما أنه أراد: فاضطجع، ثم أبدل من الضاد6 لا ما. فكان قياسه إذ زالت الضاد وخلفتها اللام أن تظهر تاء افتعل، فيقال: التجع، كما يقال: التفت، والتقم، والتحف. لكن أقرت الطاء بحالها ليكون اللفظ بها دليلا على إرادة الضاد التي هذه اللام بدل منها، كما دلت صحة الواو "في العواور"7 على إرادة الياء في العواوير، وكما دلت الهمزة في أوائيل -إذا مددت مضطرا- على زيادة الياء فيها وأن الغرض إنما هو أفاعل لا أفاعيل. ونحو من الطجع في إقرار الطاء لإرادة الضاد ما حكى لنا أبو علي عن خلف من قولهم: التقطت النوى واستقطته واضتقطته. فصحة التاء مع الضاد في اضتقطته

_ 1 آية 37 سورة فاطر. 2 في ز، ط: "يجتمع". 3 كذا قال المؤلف، والرجز لجندل بن المثنى الطهوي. وانظر ص196 من الجزء الأول. 4 انظر ص264 من الجزء الأول. 5 كذا في ط، وفي ش، ز: "عواوير". 6 زيادة في ز. 7 سقط ما بين القوسين في ش.

دليل على إرادة اللام1 في التقطته، وإن هذه الضاد بدل من تلك اللام؛ كما أن لام الطجع بدل من ضاد اضطجع: هذا هنا كذلك ثمة. ونحو من ذلك ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: لا أكلمك حيرى2 دهرٍ، بإسكان الياء في الكلام وعن غير ضرورة من الشعر. وذلك أنه أراد: حيرى دهر -أى امتداد الدهر، وهو من الحيرة؛ لأنها مؤذنة بالوقوف والمطاولة- فحذف الياء الأخيرة3، وبقيت الياء الأولى على سكونها، وجعل بقاؤها ساكنة على الحال التي كانت عليها قبل حذف الأخرى من بعدها دليلا على إرادة هذا المعنى فيها وأنها ليست مبنية على التخفيف في أول أمرها إذ لو كانت كذلك لوجب تحريكها بالفتح فيقال: لا أكلمك حيرى دهر كقولك: مدة الدهر "وأبد الأبد ويد المسند"4 و: بقاء الوحى في الصم الصلاب ونحو ذلك. وهذا يدل على أن المحذوف من الياءين في قوله: بكى بعينك واكف القطر ... ابن الحوارى العالى الذكر5 إنما هو الياء الثانية في الحوارى، كما أن المحذوف من حيرى دهر، إنما هو الثانية في حيرى. فاعرفه. ومثله إنشاد أبي الحسن: ارهن بنيك عنهم أرهن بنى

_ 1 في ش: "الثاء". 2 أي طول الدهر. وقد جاء فيه فتح الحاء وكسرها. 3 في ط: "الآخرة". 4 سقط ما بين القوسين في ش. 5 الحواري: هو الزبير بن العوام حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي خاصته وناصره، وابنه عبد الله.

يريد بني، فحذف الياء الثانية للقافية، ولم يعد النون التي كان حذفها للإضافة، فيقول: بنين؛ لأنه نوى الياء الثانية، فجعل ذلك دليلا على إرادتها ونيته إياها. فهذا شرح من خاصي السؤال1، لم تكد تجرى به عادة في الاستعمال. وقد كان أبو علي رحمه الله -وإن لم يكن تطرقه2- يعتاد3 من الإلقاء نحوا منه، فيتلو الآية، وينشد البيت، ثم يقول: ما في هذا مما يسأل عنه؟ من غير أن يبرز4 "نفس حال"5 المسئول عنه، ولا يسمح بذكره من جهته، ويكله إلى استنباط المسئول عنه، حتى إذا وقع له غرض أبي علي فيه، أخذ في الجواب عليه.

_ 1 كذا في ز، ط، وفي ش: "خاص". 2 سقط في ش. و"تطرقه": اتخذه طريقا مسلوكا، ومنهجا معروفا. 3 في ش: "يعتاده". 4 كذا في ش. وفي ز، ط: "يحرر". 5 كذا في ش. وفي ز، ط: "حال نفس".

باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع، على فساد الأصول: اعلم أن هذا الباب، وإن ألانه عندك ظاهر ترجمته، وغض منه في نفسك بذاذة سمته، فإن فيه ومن ورائه تحصينا للمعاني، وتحريرا للألفاظ، وتشجيعا على مزاولة الأغراض. والكلام فيه من موضعين: أحدهما: ذكر استقامة المعنى من1 استحالته، والآخر: الاستطالة على اللفظ بتحريفه والتعلب به، ليكون ذلك مدرجة للفكر، ومشجعة للنفس، وارتياضا لما يرد من ذلك الطرز. وليس لك أن تقول: فما في الاشتغال بإنشاء فروع كاذبة2، عن3 أصول فاسدة! وقد كان في التشاغل بالصحيح، مغنٍ عن التكلف للسقيم. هذا خطأ من القول، من قبل أنه إذا أصلح الفكر، وشحذ البصر، وفتق النظر، كان ذلك عونا لك، وسيفا ماضيا في يدك؛ ألا ترى إلى ما كان نحو هذا من الحساب وما فيه من التصرف والاعتمال. وذلك قولك4: إذا فرضت5 أن سبعة في خمسة أربعون فكم يجب أن يكون على هذا ثمانية في ثلاثة؟ فجوابه أن تقول: سبعة وعشرون وثلاثة أسباع. وبابه -على الاختصار- أن تزيد على الأربعة والعشرين سُبُعها، وهو ثلاثة وثلاثة أسباع؛ كما زدت على الخمسة والثلاثين سبعها -وهو خمسة- حتى صارت: أربعين. وكذلك لو قال: لو كانت سبعة في خمسة ثلاثين، كم كان يجب أن تكون ثمانية في ثلاثة؟ لقلت: عشرين وأربعة أسباع، نقصت من الأربعة والعشرين سبعها، كما نقصت من الخمسة والثلاثين سبعها. وكذلك لو كان نصف المائة أربعين لكان نصف الثلاثين اثنى عشر. "وكذلك لو كان نصف المائة ستين لكان نصف الثلاثين ثمانية عشر"6. ومن المحال أن يقول لك: ما تقول في مال نصفه ثلثاه، كم ينبغي أن يكون ثلثه؟ فجوابه أن تقول: أربعة أتساعه. وكذلك لو قال: ما تقول في مال ربعه وخمسه نصفه وعشره، كم ينبغي أن يكون نصفه وثلثه؟ فجوابه أن يكون: جميعه7 وتسعه. وكذلك لو قال: ما تقول في مال نصفه ثلاثة أمثاله، كم يجب أن تكون

_ 1 في ط: "ر". 2 كذا في ش. وفي ز: "كادة" وفي ط: "كازة". 3 في ط: "على". 4 في د، هـ، ز، ط: "كقولك". 5 في ز، ط: "فرضنا". 6 ما بين القوسين زيادة في ز. 7 في د، هـ، ز: "خمسة".

سبعة أمثاله؟ فجوابه أن تقول: اثنين وأربعين مثلا له. "وكذلك لو قال: ما تقول في مال ضعفه ثلثه كم ينبغي أن يكون أربعة أخماسه؟ وجوابه أن تقول: عشره وثلث عشره"1. وكذلك لو قال لك: إذا كانت أربعة وخمسة ثلاثة عشر فكم يجب أن يكون تسعة وستة؟ فجوابه أن تقول: أحدا وعشرين وثلثين. وكذلك طريق الفرائض أيضا؛ ألا تراه لو قال: مات رجل، وخلف ابنا وثلاث عشرة بنتا، فأصاب الواحدة ثلاثة أرباع ما خلفه المتوفى، كم يجب أن2 يصيب الجماعة؟ فالجواب أنه يصيب جميع الورثة مثل ما خلفه المتوفى إحدى عشرة مرة وربعا. وكذلك لو قال: امرأة ماتت، وخلفت زوجا وأختين لأب وأم، فأصاب كل واحدة3 منهما أربعة أتساع ما خلفته المتوفاة، كم ينبغي أن يصيب جميع4 الورثة؟ والجواب أنه يصيبهم ما خلفته المرأة وخمسة أتساعه. فهذه كلها ونحوه من غير ما ذكرنا، أجوبة صحيحة، على أصول فاسدة. ولو شئت أن تزيد وتغمض في السؤال لكان ذلك لك5. وإنما الغرض في هذا ونحوه التدرب به، والارتياض بالصنعة فيه. وستراه بإذن الله. فمن المحال أن تنقض أول كلامك بآخره. وذلك كقولك: قمت غدا، وسأقوم أمس، ونحو هذا. فإن قلت: فقد تقول؛ إن قمت غدا قمت معك، وتقول: لم أقم أمس، وتقول: أعزك الله، وأطال بقاءك، فتأتى بلفظ الماضي ومعناه الاستقبال؛ وقال6: ولقد أمر على اللئيم يسبنى ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

_ 1 ما بين القوسين زيادة في ط. 2 في د، هـ، ط: "ينبغي". 3 كذا في ط. وفي ش: "واحد". 4 في ز، ط: "جماعة". 5 سقط في ش. 6 أي رجل من بني سلول، وانظر الكتاب 1/ 416، والخزانة في الشاهد 55.

أي: ولقد مررت. وقال1: وإنى لآتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان في غد أي ما يكون. وقال: أوديت إن لم تحب حبو المعتنك2 أي أودى -وأمثاله كثيرة. قيل: ما قدمناه على ما أردنا فيه. فأما هذه المواضع المتجوزة3، وما كان نحوها، فقد ذكرنا أكثرها فيما حكيناه عن أبي علي، وقد سأل أبا بكر عنه في4 نحو هذا فقال "أبو بكر"5 كان حكم الأفعال أن تأتي كلها6 بلفظ واحد؛ لأنها لمعنى واحد، غير أنه لما كان الغرض في صناعتها أن تفيد أزمنتها، خولف بين مُثُلها، ليكون ذلك دليلا على المراد فيها. قال: فإن أمن اللبس فيها جاز أن يقع بعضها موقع بعض. وذلك مع حرف الشرط؛ نحو إن قمت جلست؛ لأن الشرط معلوم أنه لا يصح إلا مع الاستقبال. وكذلك لم يقم أمس، وجب لدخول لم ما لولا هي لم يجز. قال7: ولأن المضارع أسبق في الرتبة من الماضي، فإذا نفى8 الأصل كان الفرع أشد انتفاء. وكذلك أيضا حديث الشرط في نحو إن قمت قمت جئت فيه بلفظ الماضي الواجب تحقيقا للأمر، وتثبيتا له، أي إن هذا وعد موفى به لا محالة؛ كما أن الماضي واجب ثابت لا محالة.

_ 1 أي الطرماح. وقبله: من كان لا يأتيك إلا لحاجة ... يروح بها فيما يروح ويغتدي وقوله: "وإني لآتيكم" كذا في نسخ الخصائص والصواب -كما في الديوان 146: "فإني لآتيكم" إذ هو جواب الشرط في البيت قبله. 2 انظر ص391 من الجزء الثاني. 3 كذا في د، هـ، ز، ط، وسقط في ش. 4 في د، هـ، ز: "مثل". 5 سقط ما بين القوسين في ش. 6 سقط في ش، وثبت في ط. 7 سقط في د، هـ، ز. 8 في د، هـ، ز: "انتقى".

أي إن لم تتداركني هلكت الساعة غير1 شك، هكذا يريد. فلأجله ما2 جاء بلفظ الواجب الواقع غير المرتاب به، ولا المشكوك في وقوعه. وقد نظر إلى هذا الموضع أبو العتاهية، فاتبعه فيه، وإن صغر لفظه، وتحاقر دونه. قال: عتب الساعة الساعهْ ... أموت الساعة الساعهْ وهذا -على نذالة3 لفظه- وفق ما نحن على سمته. وهذا هذا. وليس كذلك قولك: قمت غدا، وسأقوم أمس، لأنه عارٍ من جميع ما نحن فيه؛ إلا أنه لو دل دليل من لفظ أو حال لجاز نحو هذا. فأما على تعرية منه، وخلوه مما شرطناه فيه فلا. ومن المحال قولك: زيد أفضل إخوته، ونحو ذلك. وذلك أن أفضل: أفعل، وأفعل هذه التي4 معناها المبالغة والمفاضلة، متى أضيفت إلى شيء فهى بعضه؛ كقولك: زيد أفضل الناس، فهذا جائز؛ لأنه منهم، والياقوت أنفس الأحجار؛ لأنه بعضها. ولا تقول: زيد أفضل الحمير، ولا الياقوت أنفس الطعام؛ لأنهما ليسا منهما. وهذا مفاد5 هذا. فعلى ذلك لم يجيزوا: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس واحد من إخوته، وإنما هو واحد من بنى أبيه؛ ألا ترى أنه لو كان له إخوة بالبصرة وهو ببغداد، وكان6 بعضهم وهم7 بالبصرة، لوجب من هذا أن يكون من ببغداد البتة في حال كونه بها، مقيما بالبصرة البتة في تلك الحال. وأيضا فإن الإخوة مضافون إلى ضمير زيد، وهي الهاء في إخوته، فلو كان واحدا منهم وهم مضافون إلى ضميره كما ترى؛ لوجب أيضا8 أن يكون داخلا معهم في إضافته

_ 1 كذا في ش، وفي ز، ط: "من غير". 2 زيادة في ز، ط. 3 كذا في ش. وفي ز، ط: "نزالة". والنذالة: الخسة، وتزول اللفظة انحدارها عن مرتبة العلوة. ولم أقف على النزالة. 4 في ط: "هي التي". 5 في د: "مقاد". 6 كذا في ز، ط وفي ش: "فكان". 7 كذا في ط، وفي ش، ز: "جميعهم". 8 سقط في ش.

إلى ضميره، وضمير الشيء هو الشيء البتة، والشيء لا يضاف إلى نفسه. وأما1 قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} 2 فإن الحق هنا غير اليقين، وإنما هو خالصه وواضحه فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل؛ نحو هذا ثوب خز. ونحوه قولهم: الواحد بعض العشرة. ولا يلزم من حيث كان الواحد بعض العشرة أن يكون بعض نفسه؛ لأنه لم يضف إلى نفسه، وإنما أضيف إلى جماعة نفسه بعضها وليس كذلك زيد أفضل إخوته؛ لأن الإخوة مضافة إلى نفس زيد، وهي الهاء التي هي ضميره. ولو كان زيد بعضهم وهم مضافون إلى ضميره لكان هو أيضا مضافا إلى ضميره الذي هو نفسه، وهذا محال. فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين؛ فإنه واضح. فأما قولنا3: أخذت كل المال، وضربت كل القوم، فليس الكل هو ما أضيف إليه. قال أبو بكر: إنما الكل عبارة عن أجزاء الشيء، وكما جاز أن يضاف أجزاء الجزء الواحد4 إلى الجملة، جاز أيضا أن تضاف الأجزاء كلها إليه. فإن قيل: فالأجزاء كلها هي الجملة، فقد عاد الأمر إلى إضافة الشيء إلى نفسه. قيل: هذا فاسد، وليس أجزاء الشيء هي الشيء وإن كان مركبا منها. بل الكل في هذا جارٍ مجرى البعض في أنه ليس بالشيء5 نفسه؛ كما أن البعض ليس به نفسه. يدل على ذلك وأن حال البعض متصورة في الكل قولك: كل

_ 1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فأما". 2 آية 51 سورة الحاقة. 3 سقط في ش المكتوب من هنا إلى قوله: "وصواب المسألة". 4 زيادة في ط. 5 كذا في ط، وفي ز: "الشيء".

القوم عاقل، أي كل واحد منهم على انفراده عاقل. هذا هو الظاهر، وهو طريق الحمل على اللفظ؛ قال تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 1، وقال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} 2 فوحد، وقال3: كلا أبويكم كان فرع دعامة فلم يقل: كانا، وهو الباب. ومثله قول الأعشى أيضا: حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر4 أي حتى يقول كل واحد منهم: يا عجبا. وعليه قول الآخر: تفوقت مال ابنى حجير وما هما ... بذي حطمة فانٍ ولا ضرع غمر5 أي: وما كل واحد منهما كذلك. فأما قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} 6 و {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} 7 فمحمول على المعنى دون اللفظ. وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه غير مضافة، فلما لم تضف إلى جماعة عوض من ذلك ذكر الجماعة في الخيبر. ألا ترى أنه لو قال: وكل له

_ 1 آية 95 سورة مريم. 2 آية 33 سورة الكهف. 3 أي الأعشى في علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل، وهو يمدح عامر أو يهجو علقمة. وقبله معه: أعلقم قد حكمتني فوجدتني ... بكم عالما على الحكومة غائصا كلا أبويكم كان فرع دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا ويروى: "فرعا دعامة". والفرع: الشريف الرئيس، ودعامة العشيرة سيدها، شبه بدعامة البناء فعلى الإضافة المعنى أنه رئيس منسول من رئيس، وعلى الوصف يكون الكلام على التوكيد. 4 انظر ص328 من هذا الجزء. 5 تفوق المال: أخذه شيئا فشيئا، وهو من قولهم: تفوق شرابه، وذو الحطمة: الهرم: والحطمة: المرة من حطمته السن إذا أسن وضعف، والقاني: الشيخ الكبير، والضرع: الضعيف، والغمر: من لم يجرب الأمور. 6 آية 87 سورة النمل. 7 آية 116 سورة البقرة.

قانت لم يكن فيه لفظ الجمع1 البتة، ولما قال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 2 فجاء بلفظ الجماعة مضافا إليها، استغنى به عن ذكر الجماعة في الخبر. وتقول -على اللفظ: كل نسائك قائم، ويجوز: قائمة إفرادا على اللفظ أيضا، وقائمات على المعنى البتة؛ قال الله -سبحانه: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} 3 ولم يقل: كواحدة؛ لأن الموضع موضع عموم، فغلب فيه التذكير، وإن كان معناه: ليست كل واحدة منكن كواحدة من النساء؛ لما ذكرناه من دخول الكلام "معنى العموم"4. فاعرف ذلك. وصواب5 المسألة أن تقول: زيد أفضل بني أبيه، وأكرم نجل أبيه "وعترة أبيه"6، ونحو ذلك، وأن تقول: زيد أفضل من إخوته؛ لأن بدخول "مِن" ارتفعت الإضافة فجازت المسألة. ومن المحال قولك: أحق الناس بمال أبيه ابنه. وذلك أنك إذا ذكرت الأبوة فقد انطوت على البنوة، فكأنك إذًا إنما قلت: أحق الناس بمال أبيه أحق الناس بمال أبيه. فجرى ذلك7 مجرى قولك: زيد زيد، والقائم القائم، ونحو ذلك مما ليس في الجزء الثاني منه إلا ما في الجزء الأول البتة، وليس على ذلك عقد8 الإخبار؛ لأنه "يجب أن يستفاد من الجزء الثاني"9 ما ليس مستفادا من الجزء الأول. ولذلك10 لم يجيزوا: ناكح الجارية واطئها، ولا رب الجارية مالكها؛ لأن الجزء الأول مستوف لما انطوى عليه الثاني.

_ 1 في ط: "الجميع". 2 آية 95 سورة مريم. 3 آية 32 سورة الأحزاب. 4 كذا في ط، وفي ز: "على المعنى". 5 انظر هامش "3" ص337 من هذا الجزء. 6 سقط ما بين القوسين في ش. وعترة الرجل: أقرباؤه وعشيرته الأدنون. 7 زيادة في ط. 8 في ش: "عقدة". 9 في ش: "لا يجب أن يستفاد من الجزء الثاني إلا". 10 كذا في ط، وفي ش، ز: "كذلك".

فإن قلت: فقد قال أبو النجم: أنا أبو النجم وشعري شعري1 وقال الآخر: إذ الناس ناسٌ والبلاد بغرة ... وإذ أم عمار صديقٌ مساعف2 "وقال3 آخر": بلاد بها كنا وكنا نحلها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد4 وقال الآخر: هذه رجائي وهذي مصر عامرةً ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب وأنشد أبو زيد: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هُم هُم5 وأمثاله كثيرة.

_ 1 من أرجوزة له، وبعده: لله دري ما أجن صدري ... من كلمات باقيات الحر وانظر الخزانة في الشاهد الحادي والسبعين، والكامل بشرح المرصفي 1/ 158. 2 ورد في اللسان "سعف" غير معزو. وفيه "والزمان" في موضع "والبلاد". 3 سقط ما بين القوسين في ش. 4 في مواسم الأدب 1/ 152 أنه وجد في شعب جبل في سمح -وهي قرية باليمن- سهم من سهام عاد مكتوب عليه: ألا هل إلى أبيات سمح بذي اللوى ... أو الرمل من قبل الممات معاد بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذا الناس ناس والبلاد بلاد 5 هذا من قصيدة لأبي خراش الهذلي. وكان يطلبه قوم يثأر لهم فوقفوا في طريقه يريدون قتله. فلما مر بهم أظهروا أنهم من عشيرته وحيوه وأمنوه، ولكنه عرف في وجوههم الشر وأنكرهم وقال: هم هم، أي أعدائي المطالبون بدمي، وخويلد اسمه، وقد نجا منهم بعدوه، وكان من العدائين الذين لا يسبقون. وانظر الخزانة في الشاهد الثاني والسبعين.

قيل: هذا كله وغيره مما هو جار مجراه، محمول عندنا على معناه دون لفظه؛ ألا ترى أن المعنى: وشعرى متناهٍ في الجودة، على ما تعرفه وكما بلغك1، وقوله: إذ الناس ناس أي: إذ الناس أحرار، والبلاد أحرار، وأنت أنت أي: وأنت المعروف بالكرم، وهم هم أي: هم الذين أعرفهم بالشر والنكر لم يستحيلوا ولم يتغيروا. فلولا هذه الأغراض وأنها مرادة معتزمة، لم يجز شيء من ذلك؛ لتعرى الجزء الآخر2 من زيادة الفائدة على الجزء الأول. وكأنه إنما أعيد لفظ الأول لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال. أي أنا أبو النجم الذي يكتفى باسمه من صفته ونعته. وكذلك بقية الباب؛ كما قال: أنا الحباب الذي يكفي سمي نسبي3 ونظر إليه شاعرنا وقلبه، فقال: ومن يصفك فقد سماك للعرب4 ولكن صحة المسألة أن تقول: أحق الناس بماله أبيه أبرهم به، وأقومهم بحقوقه. فتزيد في الثاني ما ليس موجودا5 في الأول.

_ 1 سقط في ش. 2 في ش: "الأخير". 3 عجزه -كما في اللسان في سما: إذا القميص تعدى وسمه النسب 4 من قصيدة في مرئية أخت سيف الدولة، وقبله معه: يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرب النسب أجل قدرك أن تسمى مؤبنة ... ومن يصفك فقد سماك للعرب 5 سقط في ش.

فهذه1 طريقة استحالة المعنى. وهو باب. وأما صحة قياس الفروع، على فساد الأصول فكأن يقول لك قائل: لو كانت الناقة من لفظ "القنو" ما كان يكون مثالها من الفعل؟. فجوابه أن تقول: علفة. وذلك أن النون عين "والألف منقلبة عن واو، والواو لام"2 القنو، والقاف فاؤه. ولو كان القنو مشتقا من لفظ الناقة لكان مثاله لفع. فهذان أصلان فاسدان، والقياس عليهما آوٍ بالفرعين إليهما. وكذلك لو كانت الأسكفة مشتقة من استكف الشيء -على ما قال وذهب إليه أحمد بن يحيى لكانت أسفعلة- ولو كان استكف مشتقا من الأسكفة، لكان على اللفظ: افتعل بتشديد اللام، وعلى الأصل3: افتعلل؛ لأن أصله على الحقيقة: استكفف. ومن ذلك "أن لو كان ماهان عربيا"4، فكان من5 لفظ هوم أو هيم لكان لعفان. "ولو كان من لفظ الوهم لكان لفعان"6. ولو كان من لفظ همى لكان: علفان. ولو وجد في الكلام تركيب "وم هـ" فكان ماهان من لفظه لكان مثاله: عفلان. ولو كان من لفظ النهم لكان: لاعافا. ولو كان من لفظ المهيمن لكان: عافالا7. ولو كان في الكلام تركيب "م ن هـ" فكان ماهان منه لكان: فالاعا8. ولو كان فيه تركيب "ن م هـ" "فكان منه لكان"9: عالافا. وذهب أبو عبيدة في المندوحة إلى أنها من قولهم: انداح بطنه إذا اتسع. وذلك خطأ فاحش. ولو كانت منه لكانت: منفعلة. وقد ذكرنا ذلك في باب

_ 1 في ش: "فهذا". 2 سقط ما بين القوسين في ش. 3 كذا في ز، ط، وفي ش: "المعنى". 4 في ط: "لو أن ماهان كان". 5 سقط في ش. 6 سقط ما بين القوسين في ش. 7 في ش: "فاعالا". 8 في ش: "لافاعا". 9 سقط ما بين القوسين في ش.

سقطات العلماء1. نعم ولو كانت من لفظ الواحد لكانت: منلفعة. ولو كانت من لفظ حدوت لكانت: منعلفة. ولو كانت من دحوت لكانت: منفلعة. ولو كان في الكلام تركيب "ود ح" فكانت مندوحة منه لكانت: منعفلة. ولو كان قولهم: انداح بطنه من لفظ مندوحة لكانت: أفعال، بألف2 موصولة "واللام مخففة"3. وذهب بعض أشياخ اللغة في يستعور إلى أنه: يفتعول، وأخذه من سعر. وهذا غلط4. ولو كان من قولهم: عرس بالمكان لكان: يلتفوعا. ولو كان من سَرُع لكان: يفتلوعا. ولو كان من عسر لكان: يعتفولا. ولو كان من لفظ رسع لكان: يعتلوفا. ولو كان من لفظ رعس لكان: يلتعوفا. وأما تيهورة فلو كانت من تركيب5 "هـ ر ت" لكانت: ليفوعة. "ولو كانت من لفظ "ت ر هـ" لكانت: فيلوعة. ولو كانت من لفظ "هـ ت ر" لكانت: عيفولة"5. ولو كانت من لفظ "ر هـ ت"، لكانت: ليعوفة. ولو كانت من لفظ "ر ت هـ"، لكانت: عيلوفة. ومع هذا فليست من لفظ "ت هـ ر"، وإن كانت -في الظاهر وعلى البادى- منه بل هي عندنا من لفظ "هـ ور". وقد ذكر ذلك أبو على في تذكرته فغنينا عن إعادته. وإنما غرضنا هنا مساق الفروع على فساد الأصول لما يعقب ذلك من قوة الصنعة وإرهاف الفكرة. وأما مرمريس فلو كانت من لفظ "س م ر"، لكانت: علعليف. ولو كانت من لفظ "ر س م": لكانت لفلفيع ولو كانت من لفظ "ر م س" لكانت: عفعفيل. ولو كانت من لفظ "س ر م"، لكانت: لعلعيف. ولو كانت من لفظ "م س ر"

_ 1 انظر ص285 من هذا الجزء. 2 في ط: "بهمزة"، وفي ز: "مهموزة وموصولة". 3 سقط ما بين القوسين في ز. 4 وإنما هو: "فعللول". 5 كذا في ش، وفي ز، ط: "لفظ".

لكانت: فلفليع"1. لكنها عندنا من لفظ "م ر س"، وهي على الحقيقة فعفعيل منه. وأما قرقرير لقرقرة الحمام فإنها فعلليل، وهو رباعي، وليست من هذا الطرز الذي مضى. وأما قندأو2 فإنها فنعلو، من لفظ "ق د أ"، ولو كانت من لفظ "ق د و" لكانت: فنعأل. ولو كانت من لفظ "د وق" لكانت: لنفأع. ولو كانت من لفظ "ن ق د" لكانت: عفلأو. ولو كانت من لفظ "ن د ق" لكانت: لفعأو. ولو كانت من لفظ الندأة3 لكانت قفلعو، فحكمت بزيادة القاف، وهذا أغرب مما قبله. ولو كانت من لفظ النآدى4 لكانت: قفلعو بزيادة القاف أيضا. والمسائل "من هذا النجر"5 تمتد وتنقاد؛ إلا أن هذا طريق صنعتها. فاعرفه وقسه بإذن الله تعالى.

_ 1 سقط ما بين القوسين في ش. 2 هو القصير من الرجال، وجل فتدأو: صلب. 3 الندأة "بفتح النون وضمها": كثرة المال. 4 النآدى -بفتح الدال: الداهية. وقد رسم هكذا في ش، وفي ط: "النآد" وهو بمعنى "النآدى". 5 كذا في ش وفي ط: "على هذا النحو".

باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع، على فساد الأصول

باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع، على فساد الأصول ... ونحو من ذلك لفظ الدعاء ومجيئة على صورة الماضي الواقع؛ نحو أيدك الله، وحرسك الله، إنما كان ذلك1 تحقيقا له وتفؤلا2 بوقوعه أن هذا ثابت بإذن الله، وواقع3 غير ذي شك. وعلى ذلك يقول السامع للدعاء إذا كان مريدا لمعناه: وقع إن شاء الله ووجب لا محالة أن4 يقع ويجب. وأما قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني فإنما حكى فيه الحال الماضية، والحال لفظها أبدا في بالمضارع؛ نحو قولك: زيد يتحدث ويقرأ، أي هو في حال تحدث، وقراءة. وعلى نحو من حكاية الحال في نحو5 هذا قولك: كان6 زيد سيقوم أمس، أي كان متوقعا "منه القيام"7 فيما مضى. وكذلك قول الطرماح: واستيجاب ما كان في غد يكون عذره فيه: أنه جاء بلفظ الواجب؛ تحقيقا له، وثقة بوقوعه، أي إن الجميل منكم واقع متى أريد، وواجب متى طلب. وكذلك قوله: أوديت إن لم تحب حبو المعتنك جاء به8 بلفظ الواجب؛ لمكان حرف الشرط الذي معه، أي إن هذا كذا لا شك فيه، فالله الله "في أمرى"9 يؤكد بذلك10 على حكم في قوله: يا حكم الوارث عن عبد الملك

_ 1 في د، هـ، ز: "فيه". 2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تفاؤلا". 3 سقط حرف العطف في ش. 4 كذا في ش، وفي ز، ط: "أي". 5 في ط: "مثل". 6 زيادة في ط. 7 كذا في ز، ط، وفي ش: "للقيام". 8 سقط في ش. 9 كذا في ش، وفي ز، ط: "في". 10 في ز، ط، وفي ش: "ذلك".

فهرس الجزء الثالث من الخصائص

فهرس الجزء الثالث من الخصائص: 110- باب في حفظ المراتب 7-10: تصريف خطايا "7". تصريف إوزة "8". بناء فعلول -بضم الفاء- من طويت "9". 111- باب في التغييرين يعترضان في المثال الواحد بأيهما يبدأ 10-19: بناء مثال إوزة من أويت "11". مثالي جعفر من الواو "11". مثال فعل -بوزن قفل- من وأبت "12". رأس مخفف رأس يجتمع في القافية مع ناس وفلس "13. مثال فعل من روى "14". فعول من القوة "16". مثال خروع من قلت "17". مثال عليب من البيع "17". فعل من أفعلت من اليوم "18". مثال عوارة من القول "19-22". 112- باب في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف 20-22: تصريف الحيوان "20". ديوان واجلهواذ "20". النسب إلى آية وراية "21". فعاليل من رميت "21". تصغير أحوى "22". عمير في عنبر "22". 113- باب في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم 22-25: العطف على الضمير المرفوع المتصل "22". مسألة في الإمالة "23". الجمع في القافية بين عمود ويعود "23". الجمع في القافية بين باب وكتاب، وبين الساكن والمسكن في الشعر المقيد "24". الجمع بين دونه ودينه ودفين "25". 114- باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم 26-34: لبس الاسم عين المسمى "26". لا يضاف الشيء إلى نفسه "26". تأتي الإضافة على معنى اللام وعلى معنى من "28". شواهد فيها إضافة ذي وحي، ليس الاسم في "اسم السلام" زائدا "31". مثل في قولهم: مثلي لا يأتي القبيح ليس زائدا "32". 115- باب في اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله في الأجناس 34-36: يأتي العلم للعين وللمعنى "34" يأتي العلم مصححا مع وجود موجب العلة "35".

116- باب في تسمية الفعل 36-53: اسم الفعل الطلبي "37". الكلام على هلم "37". أمثلة لاسم الفعل الخبري "39" وما بعدها: أف وآوتاه، وسرعان ووشكان وحس ولب ووى وهيهات، وإلى، وهمام وحمحام وخماح وبحباح وأولى، الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء "46". فائدة وضع أسماء الأفعال "48". لا ينصب المضارع بعد الفاء في جواب اسم الفعل "49". ينصب المضارع بعد الفاء في جواب نحو دراك عند المؤلف "51". علة بناء اسم الفعل "51". 117- باب في أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه 53-58: الوجه في اعتلال القود ونحوه "54" ندى وأندية "55". يتيم وأيتام "55". الإظهار في مقام الإضمار "55". بقاء الإعلال في لياح "57"، الإدغام قد يكون سببا للتصحيح وقد يكون سببا للإعلال "57". 118- باب في اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك إلا أنه ليس بصاحبك 58-60: فتحة اسم لا في نحو لا رجل غير الفتحة التي يقتضيها لا "58". الكسرة في المضاف لياء المتكلم ليست كسرة الإعراب. وكلامه هنا يفيد أن هذا المضاف معرب "59". حيث فاعل في قولك يسعني حيث يسعك "59". كسرة أمس المبني "59". زيادة أل في الذي والتي وبنات الأوبر "60". اللام في الآن زائدة وتعرفه بلام مقدرة "60". كتابه التعاقب في العربية "60". 119- باب في احتمال القلب لظاهر الحكم 61-63: زمن وأزمن وجبل وأجبل "61". ثلج وأثلاج وفرح وأفراخ "61". الجباوة من جبيت والشكاية من شكوت "61". القنية من قنيت أو من قنوت "61". غسا يغسى وجبا يجبى "62". زيد مررت به واقفا يجوز في واقفا أن يكون حالا من زيد وأن يكون حالا من الضمير في به "62". شواهد فيها ارتكاب الضرورة مع القدرة على تركها "63". 120- باب في أن الحكم للطارئ 64-67: النسب إلى نحو كرسي وبختي "65". لو سميت الواحد بهندات قلت في جمعه: هندات، وكذا لو سميت بمساجد قلت في الجمع: مساجد "65". جمع ذلك -بزنة قفل- على ذلك "66". قول الفراء في قوله تعالى: {إن هذان لساحران} "67".

121- باب في الشيء يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده أيقطع بظاهره أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله 68-69: نون نحو عنبر وتاء نحو بلتع "68". ألف آءة "68 122- باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح 69-72: ما يحتمله مروان من الوزن "69". ما يحتمله أيمن من الوزن "70". ما يحتمله عصى "71". ما يحتمله إوي "71". 123- باب في خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب 72-73: ذكر في هذا الباب أمثلة يفسد فيها التخصيص. 124- باب في تركيب المذاهب 73-76: تصغير ما نقص منه حرف كهار في هائر: مذاهب النحويين فيه "73" وما بعدها. صرف نحو جوار علما "74". حرف إعرات التثنية "75". تخريج جابة في قولهم: أساء سمعا فأساء جابة "76". 125- باب في السلب 77-85: مادة "ع ج م" "77". مادة "ش ك و" "78". مادة "م ر ض" "79". مادة "ق ذ ي" "79". قول أبي الجراح: بي إجل فأجلوني "80". مادة "أث م" "80". التودية والسكاك "80". النالة والمنلاة والساهر "81". مادة "ب ط ن" "81". ورد السلب في "خ ف ي" "83". الأسماء هي الأول والأفعال توابع وثوان لها "84". بناء المضارع إذا لحقنه نون التوكيد "85". 126- باب في وجوب الجائز 86-89: تصغير نحو جدول ونحو عجوز "86". ما قام إلا زيدا أحد "87". يقال: أجنة ولا يقال وجنة وهو الأصل "87". تصريف أوار "87" وما بعدها. فعل من وأيت "88". البرية والذربة والخابية والنبي "88". ما جاء فيه فعل فعل يفعل ويفعل بضم عين المضارع وكسرها "88".

127- باب في إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم 89-95: أمثلة فيها فك الإدغام "89". عوى الكلب عوية "89" وما بعدها، قراءة ابن مسعود: فقلاله قولا لينا "91". قول بعضهم في الابتداء: الحمر في الأحمر "92". قراءة بعضهم: قالوا لأن جئت بالحق بتخفيف الآن وإثبات واو قالوا "93". قراءة أبي عمرو: وأنه أهلك عاد عاد الولي "93". قوله تعالى: لكنا هو الله ربي "94". تخفيف رؤيا ونؤى "94". 128- باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل 95-98: الإدغام في نحو اقتتل وتحاجونني "96". 129- باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل 98-99: مبنى هذا الباب أنه يكون في الميزان الصرفي من ترك الإدغام وغيره ما لا يكون في الكلام، فيقال في وزن جحنقل: "فعنلل بإظهار النون ليبين حال الموزون" ولو قيل: فعلل -كما تقضي به قاعدة الإدغام- لم يمثل الموزون. 130- باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية 100-103: يدل الفعل على الحدث بالدلالة اللفظية، وعلى الزمان بالصناعية، وعلى الفاعل بالمعنوية "100". تخريج قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك "101". المرقاة والمرقاة بكسر الميم وفتحها "102". ودلالات اسم الفاعل، ونحو قطع "103". 131- باب في الاحتياط 103-113: أورد أمثلة من التوكيد اللفظي والمعنوي "103" وما بعدها. فرسة وعجوزة "106". التأكيد بهاء النسب كقولهم: دواري "106"، من الاحتياط قولهم: يا بؤس للجهل "108". زيادة باء الجر من الجارة "108" لا يجتمع حرفان لمعنى واحد ويجتمع أكثر من مؤكد للجملة "109". وما بعدها. ما يقال لمن يحسن القيام على ما قاله "113". معاني وجد "113". 132- باب في فك الصيغ 113-122: جندل -بفتح النون- وبابه "116". باب علبط "116". تكسير ما ثالثه حرف لين "118". تصغير ألد "118". تكسير كروان على كروان، أشد "120". جمع أنون على أتانين "121". تصغير رجل على رويجل "121". جمع إكليل على أكلة "122".

133- باب في كمية الحركات 122-123: الحركات الأصلية ثلاث، والفرعية ثلاث "122". ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ولا كسرة مشربة فتحة "123". 134- باب في مطل الحركات 123-126: رأي في "اتباع الشجاع" "124". رأي في تصريف ضيفن "124". خذه من حيث وليسا "125". تصريف آمين "125". أكلت لحما شاة "125". 135- باب في مطل الحروف 126-135: حروف المدر يريد مدها إذا وقع بعدها الهمز أو حرف مشدد أو وقف عليها عند التذكر "127". إبدال الألف همزة "128". الإدغام في نحو جيب بكر "129". المدة عند التذكر "130". مطل الحركات عند التذكر "131". حكم الساكن الصحيح عند التذكر "132". حكم الساكن المعتل عند التذكر "133". 136- باب في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة 135-138: أمثلة للاستغناء بالحركة عن الحرف "135" وما بعدها. أمثلة لنيابة الحرف عن الحركة "137" وما بعدها. 137- باب في هجوم الحركات على الحركات 128-144: قراءة "فلإمه الثلث" "143". قراءة "بما أنزليك" "143". قول أعرابية لبناتها: أفي السوتنتنه "144". 138- باب في شواذ الهمز 144-151: من شاذ الهمزة أئمة "145". منائر في جمع منارة "147". أمثلة لشواذ الهمزة "147" وما بعدها. 139- باب في حذف الهمزة وإبداله 151-156: الكلام على ويلمه "152". قراءة ابن كثير: إنها لحدى الكبر "152". تصريف الناس "152". لن عند الخليل "153". سقوط همزة القطع "153". قولهم: قربت وأخطيت "154". قراءة بعضهم في الوقف: أن تيويا في أن تبوءا "155". محاورة بين أبي زيد وسيبويه في قويت "155" وما بعدها.

140- باب في حرف اللين المجهول 156-159: مدة الإنكار "156" وما بعدها، قول بعضهم: أنا إنيه حين قيل له: أتخرج إلى البادية؟ "158". 141- باب في بقاء الحكم مع زوال العلة 15-166: غديان وعشيان والأريحية وهذا الباب "163". صبية وقنية "164-166". 142- باب في توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين 166-175: قولهم: هذا أمر لا ينادي وليده "166". قولهم: زاحم بعود أودع "171". قوله تعالى: {ويكأنه لا يفلح الكافرون} "172". 143- باب في الاكتفاء بالسبب من المسيب، وبالمسيب من السبب 176-180: أورد أمثلة من المجاز لعلاقة السببية "176" وما بعدها. 144- باب في كثرة الثقيل وقلة الخفيف 180-188: وقوع الجملة موقع المفرد، ووقوع المفرد موقع الجملة "181". قد يقع النقل في النكرة، نحو الينجلب "183". تبادل الياء والهمزة "185". لغة هذيل في جوزات "187". 145- باب القول في فوائت الكتاب 188-190: فيه ثناء على سيبويه والاعتذار عنه في الإخلال ببعض موازين الأسماء. 146- ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب 190-221: ذكر فيه الأمثلة التي أخل بذكرها سيبويه. تلقامة وتلعابة "190". تغيير الأعلام في الشعر كعطاء في عطية "191". فرناس وفرانس "194". تنوفي ومسولي "194". ترجمان "196". شحم أمهج "197". مهوأن "198". مقبئن "199". عياهم "205". ذم أبي على كتاب العين "200". تماضر وترامز "200". ينابعات "201". دحندح "201". عفوين "202". ترعاية "203". الصبر "203". قولهم في الوقف: ضربته "203". قولهم في الوقف: ادع واغز "204". هزنيزان وعقزران "204". هديكر "205". زيتون، ميسون، قيطون "206". الهندلع "206". كذبذب وكذبذب "207". الدرداقس "207". الخزرانق "208". شمنصير "208". الموقى "208". تأكيد الصفة الصفة بزيادة ياء مشددة كأحمري "208". المأقي "209".

جبروة "209". مسكين ومنديل "209". حوريت "210". خلبوت وحيوت "210". ترفؤة "210". سمرطول "210". قرعبلانة "211". الألف والنون تعاقبان تاء التأنيث في أن حذفها علامة الجمع "211". كروان وكروان، وشدة وأشد "212". عقربان "213". مألك "215". أصرى "215". زئبر وضئيل وخرفع "215". اقتل واعبد بكسر الهمزة في الابتداء "215". إزلزل "215". الخزعال، والقسطال "216". سراوع "216". الأربعاوي "217". الفرنوس "217". الحبليل وويلمة "217". طيلسان بكسر اللام "218". يستعور رأرونان والتواطخ وأسكفة "218". السليطط "218". صعفوق "218". زيزفون "218". الماطرون "219". الماجشون "219". السقلاطون وأطربون وضهيد وعتيد "219". الخرنياش والقهوباة "220". إوز، وزونك وضفنط "220". زونزك وزوزي "221". زونوق وتعفرت ويرنأ "221". 147- باب في الجوار 221-230: صيم في صوم "221". نقل حركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف نحو هذا بكر "223". استقباح نحو العقق مع الحمق والمحرق في الشعر "223". الجوار المنفصل في نحو هذا حجر ضب خرب "223". قراءة بعضهم: حتى إذا اداركوا بإثبات ألف إذا والجمع بين الساكنين "224". تجاور الأزمنة في نحو قولهم: أحسنت إليه إذ أطاعني "225". قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} "227" تجاور الأمكنة لا يجري به ما يجري لتجاور الأزمنة "228". لا يجرؤ البدل إذا كان الناني أكثر من الأول "229". 148- باب في نقض الأصول وإنشاء أصول غيرها منها 230-334: بأيات الصبي "230". الحازباز "231". تكتب اللام الجارية مفصولة في نحو يال بكر "232". قولهم: لا أهلم وقولهم هاهيت وعاعيت وحاحيت "223". قولهم: دعدعت وجهجهت "234". كتابه في شرح الزجر لثابت بن محمد "234". 149- باب في الامتناع من نقض الغرض 234-243: البداء عند اليهود "234". الامتناع من إدغام الملحق نحو جليب "235". امتناعهم من تعريف الفعل "236". امتناعهم من إلحاق من الجارة بأفعل التفضيل المعرف بأل "236". امتناعهم من إلحاق علامة التأنيث لما فيه علامته نحو مسلمات وفيه الكلام على جمع الجمع "238". وصف العلم "241". منع تنوين الفعل "243". تنوين الأعلام "243".

150- باب في التراجع عند التناهي 244-248: نفي النفي إيجاب "244". جمع نحو ظلمة على ظلم معرى من علامة التأنيث "244". علة تجرد نحو صبور من علامة التأنيث "246". علة جمود نعم الرجل "247". إذا فاق الشيء في بابه سموه خارجها "248". 151- باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية 248-258: مبني هذا الباب على أن أكثر من ضل عن الشريعة استهواء للضلالة ضعفه في اللغة، تهجين الرسول عليه الصلاة والسلام اللحن في العربية "249". قوله تعالى: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} "250". قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} "250" قوله تعالى: {مما عملته أيدينا} "251". قوله تعالى: {السموات مطويات بيمينه} "252". قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: خلق الله آدم على صوته "253". قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} "254". قوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} "256". الكلام على أفعلت الشيء بمعنى وافقته وصادقته كذلك "256". كتاب لقطرب في الرد على الملحدين، وكتاب لأبي علي في تفسير القرآن "258". 152- باب في تجاذب المعاني والإعراب 258-263: قوله تعالى: {إنه على رجعة لقادر يوم تبلى السرائر} "258". قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} "259". ورجل عدل وقوم رضا "262". قوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} "263". 153- باب في التفسير على المعنى دون اللفظ 263-267: قول سيبويه: حتى الناصبة للفعل "263". قول سيبويه: فجار معدولة عن الفجرة "264". قولهم: أهلك والليل "264". قولهم: معي عشرة فأحدهن لي "265". همزة أحد في قولهم: ما بالدار أحد "265". قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} "266". قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} "266". 154- باب في قوة اللفظ لقوة المعنى 267-272: فيه الكلام على نحو خشن واخشوشن وقدر واقتدر. قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} "268". قوله تعالى: {تكاد السوات يتفطرن منه} "268". باب جميل وجمال ووضئ ووضاء "269". حمل التصغير على التكسير "271".

155- باب في نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها 272-273: قوله تعالى: {أأنت قلت للناس} ، {آلله أذن لكم} ، {ألست بربكم} "272" وصف العلم "273". 156- باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف 273-276: قوله: أنا أبو المنهال بعض الأحيان "273". إنما سميت هانئا لنهنأ "274". كل غائية هند "274". مررت برجل صوف تكنه "275". 157- باب في أغلاط العرب 276-285: قصة الأعرابي الذي بايع أن يشرب عليه لين ولا يتنحنح "278". الحروف المهموسة "279". همز مصائب "280". قولهم في راية: راء وفي زاي: زاء "280" منارة ومنائر ومزادة ومزائد "281". وراء وتصغيرها "281". حلأت السوبق ورثأت زوجي واستلأمت الحجر ولبات بالحج "282". مسيل وأمثلة "282". معين "282". غلط للشجري "283". فقد ذي الرمة "283". نقد كثير "283". نقد الحطيئة "285". 158- باب في سقطات العلماء 285-312: غلط للأصمعي سببه التصحيف "285". تصحيف الفراء "286". تصحيف لأبي عمرو الشيباني "286". رأى أبي عبيدة في مندوحة "286". رأى ابن الأعرابي في أرونان "287". رأى ثعلب في أسكفة "287". وأي ثعلب في تنور "288". المواد التي لم ترد إلا مزيدة مثل كوكب "288". التنور لفظة اشترك فيها للغات "288". رأى ثعلب في النواطخ "289". تصحيف المفضل الضبي "290". تعقب المبرد سيبويه في ألفاظ يسيرة ومع ذلك فقد رجع عنه "290". القدح في كتاب العين "291". ذم كتاب الجمهرة "296". اختلاس الكسائي واليزيدي في الشراء أممدود هو أم مقصور "292". يتخولنا بالموعظة وبتخوننا "292" عد نصيب أخطاء الكميت وهو ينشد شعره "293". رأى الكسائي في وزن أولق "294". قول الكسائي: أي هكذا خلقت "295". تعقب الأصمعي شعبة بن الحجاج "295". نادرة لأبي عمرو بن العلاء مع من أنشده بيتا قافيته: مروتيه، ومثلها لعبد الملك بن مروان في هذا البيت "296". اختلافهم في أبرق وأرعد وبرق ورعد "296" تصحيف الأصمعي قليله في بيت "297". جمع ريح على أرياح "298". إنكار الأصمعي لزوجة "298". نقد لذي الرمة وتقدم في الباب السابق "299". معرفة بعض العرب لحروف الهجاء وتشببهم بعض الأعضاء بها "299" وما بعدها. تغليظ الأصمعي أبا

عمرو الشيباني في معنى بيت "300". رؤبة مع الطرماح والكميت "300" وما بعدها. تعقب قدماه البصريين لرؤبة وأبيه في اللغة "300". غلط أبي عبيدة في صياغة الأمر من عنيت بحاجتك "302"، أصل قم وغلط الفراء فيه "302". تغليظ الأصمعي للجرمي في مسألة لغوية، وتغليط الجرمي للأصمعي في تصغير مختار "303". بحيث في قوله تعالى: {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزقتم إنكم لفي خلق جديد} "303". بناء مثل عنكبوت من سفرجل "304". قراءة بعضهم: {وقولوا للناس حسنى} "304". بحث في قولهم: ضربه فحشت يده "304". بحث في قول ذي الرمة: وعينان قال الله كونا فكانا. "305". سؤال رجل لسيبويه عن قول الشاعر: يا صاح يا ذا الضامر العنس "305". حذف لام الأمر في غير الضرورة ومناقشة المازني للفراء في ذلك "306". نصب الجمع المؤنث السالم بالفتحة "307". يجيز المازني أن يقال: لا مسلمات لك بفتح التاء في باب لا خاصة "308". أغمى على المريض وغمي عليه "308". كم وكمأة "308". الصقر والزقر والسقر "308". صحف المفضل الضبي في بيت لأوس، ورد الأصمعي عليه "309". إنكار الأصمعي على ابن الأعرابي في إعراب بيت "309". تصحف الأصمعي في بيت الحارث بن حلزة "تعتر" إلى "تعنز" ورد أبو عمرو الشيباني عليه "310". أوقع الأصمعي أبا توبة في الخطأ في معنى بيت "311". إنكار الأصمعي بعض رواية أبي زيد "311". الخطأ في المثل: "مثقل استعان بدفيه" الفردوس هل هو مذكر "311". أنكر أبو عبيدة على النحويين قولهم: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث لورود علقاة في علقى "312". 159- باب في صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة 312-316: أولية النحو "312" وما بعدها. زاد أبو عمرو بن العلاء بيتا في شعر الأعشى "313". الثناء على الأصمعي، وهو صناجة الرواة "314". الثناء على أبي زيد وأبي عبيدة وأبي حاتم وأبي الحسن الأخفش والكسائي "314". سيبويه وكتابه "315". احتياط أبي علي في الرواية "316". 160- باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد 317-322: الحمل على المعنى أو على اللفظ. وذكر فيه كلا ومن وكلا "317" وما بعدها، فتن وأفتن "318". وفي وأوفى "319". صرف دعد ومنعه الصرف "319". أجبل في جمع جبل "319". ترخيم المرخم "320" الحكمة في الجمع بين اللغتين "320"، قراءة عمارة {ولا الليل سابق النهار} بترك تنوين "سابق" ونصيب "النهار" "321".

161- باب في جمع الأشباه، من حيث يغمض الاشتباه 322-331: وجه الجمع بين قول الشاعر: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب وقولهم: اختصم زيد وعمرو "322". الجمع بين قول الشاعر: زمان على غراب غداف فطيره الدهر عني فطارا وقوله تعالى: {يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر} "321". الجمع بين قول امرئ القيس: على لا حب لا يهدي بمناره إذا ساقه العود النباطي جرجرا وقوله تعالى: {ولم يكن له ولي من الذل} "324". الجمع بين قول الأعشى: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مشهدا وقول الشاعر: وطعنة مستبسل ثائر ترد الكتيبة نصف النهار "325". الجمع بين قوله تعالى: {فما استكانوا لربهم} وقوله تعالى: {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} "327". الجمع بين قوله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} ، وقوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} "327". الجمع بين قول الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر وقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} "328" الجمع بين قول الراجز: وكحل العينين بالعواور وقول الآخر: لما رأى أن لا دعة ولا شبع مال إلى أرطأة حقف فالطجع "329". التقطت النوى واستقطته واضقطته "329". لا أكلمه حيرى دهر "330". شواهد فيها تسكين الياء المشددة "330". 162- باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع على فساد الأصول 331-344: ذكر في هذا الباب أمثلة فيها البناء على أصول فاسدة، كأن يقول لك: "إذا فرضت أن سبعة في خمسة أربعون" فكم يجب أن يكون على هذا ثمانية في ثلاثة، والغرض من هذا شحذ الذهن، قول العرب: إن قمت غدا قمت معك، ووجه هذا "323"، المضارع أسبق في الرتبة من الماضي "334". الوجه في مجيء الدعاء على صورة الماضي، نحو أيدك الله "335". زيد أفضل

إخوته "326"، قوله تعالى: {وإنه لحق اليقين} ليس الحق فيه هو اليقين "327. أخذت كل المال ليس فيه إضافة الشيء إلى نفسه "327". مراعاة اللفظ أو المعنى في كلتا وكل "328". من المحال أن يقال: أحق الناس بمال أبيه ابنه "329". قول أبي النجم: أنا أبو النجم وشعرى شعرى وشواهد في هذا المعنى "340". قياس الفروع على فساد الأصول، وذكر فيه أمثلة من هذا النوع "342". وزن "الناقة" بفرض أخذها من "القنو"، وزن "أسكفه" بفرض أخذها من "استكف". زنة "ما هان" لو كان عربها، زنة المندوحة لو أخذت من "انداح" "342". وزن يستعور "343". وزن يتمورة "343". مر مريس "343" فرفر، قندار "344".

الفهارس العامة

الفهارس العامة: 1- فهرس الأعلام: حرف الهمزة: آدم مولى بلعنبر ج1 ص277 الآلوسي ج1: 95، 126، 325 أبان بن الوليد ج1 ص335 ج2 ص96 ج3 ص184 إبراهيم بن أحمد القرميسيني ج1 ص76، ج2 ص461 إبراهيم الحربي ج3 ص215 إبراهيم بن الحسن بن سهل ج1 ص16 إبراهيم بن حوران ج2 ص436 إبراهيم بن السرى أبو إسحاق الزجاج= الزجاج إبراهيم بن سفيان ج2 ص430 إبراهيم بن العباس الصولي ج1 ص182 ج2 ص481 إبراهيم بن المدير ج1 ص303 إبراهيم بن المهدي ج1 ص342 إبراهيم بن هشام المخزومي ج1 ص230 الأثرم "علي بن المغيرة" ج3 ص311 ابن الأثير صاحب التاريخ ج2 ص210 ابن الأثير صاحب المثل السائر ج1 ص220 أثيلة بن المنخل الهذلي ج2 ص169، 435 أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب ج3 ص29 أحمد تيمور باشا ج1 ص131، 262، 292 أحمد بن حنبل "الإمام" ج1 ص37، 221 ج1 ص119 أحمد بن زياد القطان "أبو سهل" ج3 ص204 أحمد شاكر ج1 ص210، 327، 329 أحمد بن المدير ج1 ص203 أحمد بن يحيى "ثعلب" ج1 ص39، 87، 99، 198، 286، 290، 316، 317، 323، 340، 384، 391 ج2 ص13، 23، 25، 51، 113، 130، 151، 153، 175، 221، 227، 233، 285، 469 ج3 ص29، 44، 46، 58، 125، 144، 148، 152، 153، 194، 218، 276، 283، 284، 288، 289، 300، 305، 316، 342 ابن أحمر الباهلي ج1 ص255، 256 ج2 ص23، 25، 26، 27، 150، 462 الأحنف بن قيس ج1 ص101 الأحوص بن محمد الأنصاري ج1 ص230 ج2 ص130 ج3 ص177 أبو الأخزر الحماني ج2 ص78 الأخطل ج1 ص16، 82 ج2 ص215، 340، 344، 376، 416، 477 ج3 ص136، 147، 161، 179 الأخفش= أبو الحسن الأخوص الرياحي ج2 ص346 الأزهري ج2 ص433 إسحاق بن إبراهيم "ممدوح البحتري" ج2 ص461 أبو إسحاق= الزجاج. أسماء بن خارجة ج2 ص74 إسماعيل بن بليل ج2 ص265 إسماعيل بن سليمان المقرئ ج2 ص323 إسماعيل بن نصر ج2 386 أبو الأسود الدؤلي ج1 ص100، 295، 312، 397 ج2 ص10، ج3 ص44، 313

أبو الأسود العجلي ج2 ص131 الأسود بن المنذر ج2 ص476 الأسود بن يعفر ج2 ص294، 424، 438 ج3 ص205 الأشعري= أبو الحسن الأشعري "أبو موسى" ج1 ص9 ج2 ص10، 192 ج3 ص120 الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب ج16، 32، 38، 98، 138، 153، 173، 204، 203، 249، 261، 262، 268، 325، 325، 361، 362، 363، 367، 375، 383 ج2 ص13، 23، 25، 26، 30، 52، 86، 88، 118، 173، 175، 215، 237، 252، 269، 289، 336، 418، 445 ج3 ص46، 48، 60، 81، 119، 124، 148، 152، 169، 170، 174، 175، 203، 207، 218، 233، 248، 283، 285، 292، 295، 296، 297، 298، 300، 301، 305، 308، 309، 310، 311، 314، 318، 320 ابن الأعرابي ج1 ص291، 317، 331، 333، 359، 384، 393، 395 ج2 ص25، 52، 113، 282، 289، 469 ج3 ص137، 144، 169، 175، 195، 218، 220، 309، 310، 325، 326 الأعرج المقرئ ج2 ص295 الأعشى "أعشى قيس" ج1 ص44، 113، 136، 186، 187، 266، 270، 389، 390 ج2 ص99، 119، 153، 171، 175، 185، 199، 210، 290، 370، 375، 397، 404، 409، 419، 437، 443، 491، 492 ج3 ص53، 135، 174، 197، 217، 237، 286، 290، 325، 228، 338 أعشى همدان ج3 ص318 الأعلم "الشنتمري" ص7، 9، 144، 194، 302، 372 ج2 ص179، 375، 428، 447 ج3 ص45، 154، 167، 179، 229، 235 الأعمش ج2 ص56 ج3 ص292، 293 الأغلب العجلي ج2 ص493 الأقيشر الأسدي ج1 ص74 امرؤ القيس بن بحر بن زهير الكلبي ج2 ص308 امرؤ القيس بن حجر ج1 ص7، 12، 70، 75، 144، 193، 264، 302، 336 ج2 ص84، 128، 222، 258، 286، 315، 365، 389، 425، 429 ج3 ص78، 105، 132، 147، 167، 194، 209، 224، 284، 290، 324 امرؤ القيس بن عابس ج1 ص15 الأمير= محمد الأمير أميمة ج1 ص309 أمية بن أبي الصلت ج1 ص155، 212، 308 ج2 ص26 ج3 ص55 أمية بن أبي عائذ الهذلي ج2 ص155 ج3 ص218، 219 ابن الأنباري ج1 ص29، 100، 134، 170، 185، 214، 297، 338، 399

ج2 ص37، 186، 492 ج3 ص298 أنس بن زنيم ج1 ص267 أنس بن مدركة الخثعمي ج3 ص34 الأوارجي "هارون بن عبد العزيز" ج1 ص328 أوس بن حجر ج2 ص114، 128، 288، 365، 424، 405 ج3 ص175، 216، 295، 309 ب- البارودي ج2 ص121 الباقلاني ج2 ص190 باهلة بن عمرو ج2 ص190 باهلة بن عمرو ج2 ص438 بثينة ج1 ص286 أبو بجبلة ج2 ص196 البحتري ج1 ص16، 30، 75، 293، 304، 368 ج3 ص260 بحر بن مالك بن حنظلة ج1 ص252 البختري بن المغيرة ج3 ص33 البرجمي= ضابئ بن الحارث أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ج2 ص382 ج3 ص275 ابن برهان ج1 ص189 ابن بري ج1 ص34، 127، 356 ج2 ص37، 64، 115 ج3 ص191، 233، 274 البزي المقرئ ج1 ص95 بسباسة ج2 ص425 بسبس بن عمرو ج2 ص251 بسطام بن قيس الشيباني ج3 ص152 البسوس ج3 س232 بشار بن برد ج1 ص32، 135، 325 ج3 ص284 بشر بن خازم ج1 ص194 بشر بن مروان ج3 ص147 بشر بن المهلب ج1 ص202 بشر بن موسى الأسدي ج3 ص308 البطليوسي صاحب الاقتضاب ج2 ص312 البغدادي= عبد القادر صاحب الخزانة أبو بكر بن الخياط ج3 ص303 أبو بكر الرازي ج1 ص209 أبو بكر السراج ج1 ص3، 8، 13، 67، 113، 126، 162، 174، 175، 189، 217، 249، 259، 370، 387 ج2 ص16، 33، 56، 63، 88، 132، 133، 136، 154، 173 ج3 ص17، 124، 149، 176، 200، 201، 205، 209، 290، 316، 334، 337 أبو بكر الصديق رضي الله عنه ج1 ص15 أبو بكر بن عاصم ج1 ص336 أبو بكر محمد بن الحسن العطارد راوية ثعلب ج1 ص39، 384، 391 ج2 ص13، 469 ج3 ص283، 305 أبو بكر المقرئ ج2 ص355، 372 أبو بكر المراغي ج3 ص302 البكري= توفيق. البكري= أبو عبيد. بلال بن أبي بردة الأشعرية ج2 ص224، 441 ج3 ص56، 120، 298، 318 بلال بن جرير ج3 ص283 البلوى ج1 ص11، 30، 88 ج2 ص24 البيضاوي ج2 ص190 البيهقي المحدث ج1 ص15 ج2 ص374

ت- تأبط شرا ج1 ص130 التبريزي "شارح الحماسة" ج1 ص178، 296، 306 ج2 ص21، 49، 123، 158، 379، 481، 492 ج3 ص17، 54، 87، 303 تلميذ الهذلي ج3 ص208 أبو تمام ج1 ص16، 25، 125، 167، 172، 192، 302، 345 ج2 ص49، 126، 379، 431، 482 ج3 ص169، 273 التؤم اليشكري ج1 ص144 التؤزي ج3 ص286، 310، 312 توفيق البكري ج3 ص106، 256 تيمور= أحمد تيمور. ث- ثابت بن محمد ج3 ص234 أبو ثبيت ج2 ص290 أبو ثروان ج2 ص196 الثريا بنت عبد الله ج2 ص283 ثعلبة بن سيار ج2 ص439 ج- جابر الصحابي "رضي الله عنه" ج1 ص373 الجاحظ ج1 ص39، 186، 191، 248 الجارود بشر بن عمرو: هذا هو الصواب فيه، كما في القاموس ج2 ص295 جيار بن سلمى بن مالك ج3 ص30 الجبرتي ج1 ص282 جبلة بن الأيهم ج3 ص122 جدوى ج1 ص26 جذع بن سنان الغساني ج1 ص130 أبو الجراح ج3 ص80 جران العود ج1 ص261 ج2 ص416 الجرجاني ج1 ص189 الجرمي "صالح بن إسحاق" ج1 204 ج2 ص76، 173 ج3 ص303 جرير بن الحطفي ج1 ص8، 75، 84، 96، 337، 346، 368، 397، 398 ج2 ص34، 47، 86، 98، 130، 177، 211، 277، 422، 423، 424، 426، 436 ج3 ص44، 63، 147، 148، 222، 297 جرير بن عبد المسيح ج2 ص379 جعدة بن جرير ج2 ص177، 301 الجعدي "النابغة" ج1 ص37، 135، 137، 210، 256 ج2 ص170 ج3 ص219 أبو جعفر القارئ ج2 ص197، 295 جعفر بن محمد الحجاج "أبو بكر" ج3 ص308 جليد الكلابي ج1 ص9 ابن جماعة ج1 ص43 جميل ج1 ص80، 286 ج2 ص437 جندل بن المثنى الطهوي ج1 ص196 ج3 ص437 جندل بن المثنى الطهوي ج1 ص196 ج3 ص166، 329 ابن جني ج1 ص8، 14، 25، 30، 41، 43، 48، 49، 58، 61، 63، 65، 74، 76، 90، 95، 100، 103، 105، 109، 111، 117، 123، 127، 128، 134،

135، 157، 162، 164، 131، 191، 192، 214، 220، 227، 229، 240، 243، 250، 251، 263، 266، 281، 282، 299، 317 ج2 ص52، 387 ج3 ص274، 304، 305، 306، 318 جهم بن سبل ج1 ص356 الجواليقي ج1 ص358، 373، 396 ج2 ص309، 313، 315، 316، 317، 440 ج3 ص206، 300 ابن الجوزي ج1 ص59، 76 الجوهري ج1 ص252 ج2 ص62 ح- أبو حاتم السجستاني ج1 ص76، 127، 244، 385 ج2 ص271 ج3 ص87، 195، 297، 298، 304، 311، 312، 314 حاتم الطائي ج1 ص195، 295، 298 ج2 ص271 ج3 ص195 حاجب بن غفار ج2 ص300 الحارث بن حلزة اليشكري ج1 ص242 ج2 ص114، 274 ج3 ص168، 310 الحارث بن كعب ج2 ص16، 18، 118 الحارث بن نهيك ط2 ص355 الحارث بن نوفل بن عبد الملك ج2 ص219 الحارث بن هشام ج1 ص43 ج2 ص223، 438 الحارثي ج2 ص117 حازوق الخارجي ج3 ص191 حبيب الأعلم الهذلي ج1 ص15، 27 ج3 ص199 أبو الحدرجان ج1 ص340 ابن حذيم ج2 ص455 ابن حزم ج1 ص207 ج2 ص445 الحزين ج3 ص148 حسان بن تبع ج3 ص29 حسان بن ثابت ج1 ص43 ج2 ص118، 122، 208، 223، 283، 338 ج3 ص122، 126 أبو الحسن "الأخفش" ج1 ص3، 19، 27، 35، 41، 42، 68، 85، 116، 117، 127، 128، 129، 137، 138، 189، 204، 206، 241، 249، 272، 275، 291، 294، 314، 318، 340، 371، 379، 398 ج2 ص18، 31، 38، 62، 63، 98، 99، 101، 106، 107، 191، 263، 282، 288، 295، 307، 380، 404، 412، 430، 441، 442، 454، 464، 466 ج3 ص43، 55، 76، 88، 101، 102، 131، 137، 145، 153، 172، 195، 205، 219، 240، 256، 259، 304، 306، 311، 314، 330 الحسن البصري ج2 ص289، 470 ج3 ص304 الحسن بن الحسين السكري ج1 ص8 ج2 ص75، 82 ج3 ص153، 219

الحسين بن مطير ج2 ص417 حسين نصار "محقق" ج2 ص121، 264 حصن بن حذيفة الفزاري ج2 ص447 الحطيئة ج1 ص346 ج2 ص374، 414، 434، 493 ج3 ص61، 223، 261، 280، 300 حفص القارئ ج1 ص95 ج2 ص372 ج3 ص155 الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان ج2 ص400 حكيم بن المسيب ج2 ص313 حكيم بن معية الربعي التميمي ج1 ص292 ج2 ص372، 455 الجليس بن وهب ج2 ص390 حماد بن سلمة ج3 ص301 حمزة "القارئ" ج2 ص476 ج3 ص143 ابن حمزة ج2 ص178 الحمصي= عبد السلام بن رغبان ديك الجن حميد الأرقط ج1 ص131 ج2 ص196 حميد بن ثور الهلالي ج1 ص131 ج2 ص210 ابن خنزابة ج1 ص240، 385 ج3 ص305، 308، 312 أبو حنيفة الإمام ج1 ص164 أبو حنيفة الدينوري ج3 ص54 أبو حيان ج1 ص9، 274 ج2 ص98، 103، 198 ج3 ص228 أبو حية النميري ج1 ص109، 208، 346 ج2 ص48، 407. خ- خالد الأزهري ج2 ص367 خالد بن زهير ج2 ص214 خالد بن الطيفان ج2 ص433 أبو خالد القناني ج2 ص294 خالد بن كلثوم ج3 ص174 خالد بن المهاجر ج3 ص305 خالد بن الوليد ج2 ص251، 399 الخالديات ج1 ص268 ابن خالويه ج3 ص121 أبو خراش الهذلي ج1 ص72، 248، 259 ج2 ص75، 172 ج3 ص340 أبو خراشة "خفاف بن ندبة" ج2 ص218، 383 أبو الخصيب ج3 ص170 أبو الخطاب ج1 ص203، 268 ج3 ص204، 280 أبو الخطار الكلبي ج1 ص476 خطام المجاشعي ج2 ص370 خلف الأحمر ج1 ص249، 263 ج3 ص290 ابن خلف ج2 ص355 ابن خلكان ج1 ص49، 164، 388 ج2 ص18 الخليل بن أحمد ج1 ص128، 249، 261، 262، 363 ج2 ض16، 17، 18، 63، 65، 66، 68، 69، 70، 79، 107، 108، 154، 156، 191، 282، 307، 365 ج3 ص12، 13، 17، 18، 19، 37، 42، 47، 68، 76، 88، 101، 102، 145، 153، 159، 223، 233، 291، 389، 292، 294، 314.

الخليل بن أسد النوشجاني ج ص361 ج2 ص62 ج3 ص286 الخنساء ج2 ص205، 273 ج3 ص46، 175، 201 خويلد ج3 ص340 أبو خيرة ج2 ص15 ج3 ص307، 308، 321 د- داود بن مسلم ج3 ص148 أبو داود المحدث ج1 ص40، 177، 221، 251 ج2 ص129، 177، 267، 343 أبو دختنوس "لقيط بن زرارة" ج1 ص312 أبو الدرداء "2 ص159 درني بنت عبعبة ج1 ص296 دريد بن الصمة ج3 ص250 ابن دريد ج1 ض114، 198، 256، 347، 382 ج2 ص55 ج3 ص202، 206، 218 ابن الدريهم ج2 ص46 دكين ج3 ص155 أبو دلف "القاسم بن عيسى العجلي" ج3 ص169 الدماميني ج1 ص282 ج2 ص265، 266، 376 ابن أبي الدنيا ج1 ص15 ج2 ص168 الدمنهوري ج2 ص265 أبو دههل الجمحي ج3 ص219 دوس بن غسان ج2 ص113 ذ- أبو ذؤيب الهذلي ج1 ص15، 220، 349 ج2 ص82، 87، 316، 371، 398، 415 ج3 ص124، 124، 307 أبو ذر الغفاري ج2 ص159 ذو الإصبع العدواني ج2 ص290 ذو الرمة ج1 ص7، 30، 123، 155، 299، 296، 301، 302، 303، 326 ج3 ص31، 40، 51، 120، 294، 298، 299، 305 الذئبي= سطيح الكاهن. ر- الراعي النميري ج1 ص30، 75، 329 ج2 ص97، 98، 132، 343، 434، 370 ج3 ص70، 299 أبو الربيس التغلبي ج2 ص294 الربيع بن زياد ج3 ص303 الربيع بن علباء ج3 ص296 ابن رشيق ج1 ص147، 369 رضوان الأسدي ج3 ص108 رفيع الوالبي ج1 ص351 ابن الرقاع العاملي ج1 ص326 الرماني ج2 ص21 أبو رهم ج2 ص266 ابن رواحة ج2 ص31، 355 رؤبة ج1 ص223، 265، 307 ج2 ص96، 98، 295، 319، 322، 335 ج3 ص147، 152، 178، 217، 256، 300، 308، 312، 318 ابن الرومي ج1 ص30، 321 ج2 ص121، 264 رويشد بن كثير الطائي ج2 ص418

رويقة "محبوبة زياد بن حمل" ج1 ص306 الرياشي ج3 ص308، 309، 315 ريحانة "أخت عمرو بن معديكرب" ج1 ض363 ز- الزبرقان بن بدرج ج3 ص61، 285 ابن الزبعري ج2 ص433 أبو زبيد الطائي ج2 ص279، 440 الزبيدي ج1 ص40 ج3 ص104 الزبير ج2 ص420 ج3 ص330 ابن الزبير ج2 ص415 ج3 ص255، 330 الزجاج ج1 ص7، 10، 50، 89، 90، 94، 129، 189، 249 ج2 ص33، 54، 56، 126، 257، 289، 290، 383، 495، 496 ج3 ص149، 244، 257، 305، 320 الزجاجي "تلميذ الزجاج" ج2 ص386 زرعة بن عمرو الكلابي ج2 ص349 زرقاء اليمامة ج3 ص29 زفر بن الحارث الكلابي ج2 ص222 الزفيان ج1 333 الزمخشري ج1 ص189 ج2 ص217 ج3 ص310 زهير بن أبي سلمة ج1 ص99، 111، 138، 270، 325 ج2 ص131، 153، 204، 285، 336، 355، 426، 448 ج3 ص110، 327 زهير العيسى ج1 ص334 زهير بن مسعود الضبي ج1 ص377 ج2 ص390 الزوزني ج1 ص43 زياد بن أبيه ج2 ص312، 430 ج3 ص30 زياد بن حمل ج1 ص306، 334 زياد بن واصل السلمي ج1 ص347 الزيادي ج2 ص430 ج3 ص305، 323 أبو زياد الكلابي ج1 ص384 زيد الخيل الطائي ج1 ص368 ج2 ص465، 493 زيد بن عبد الله بن دارم ج2 ص30 زيد بن عمرو بن نفيل ج3 ص43 أبو زيد صاحب النوادر ج1 ص10: 31، 70، 77، 91، 98، 127، 130، 144، 145، 162، 226، 249، 261، 269، 270، 276، 277، 283، 286، 287، 388، 332، 333، 338، 340، 356، 359، 382، 383، 390 ج2 ص29، 24، 25، 26، 47، 55، 72، 79، 92، 109، 109، 213، 218، 222، 225، 284، 304، 342، 377 ج2 ص46، 79، 91، 93، 96، 97، 98، 124، 145، 147، 149، 159، 170، 173، 197، 200، 207، 209، 214، 220، 228، 224، 231، 286، 294، 308، 310، 314، 329، 340 زينب الطثرية ج1 ص80 ج2 ص122 زين العابدين "علي بن الحسين" ج3 ص148

س- ساعدة بن جؤبة ج1 ص27 سالم بن دارة ج3 ص62، 93 سبرة بن عمرو الفقعسي ج3 ص325 ابن السبكي ج1 ص190 السجاعي ج1 ص282 سحيم عبد بني الحسحاس ج1 ص217، 282 ج3 ص47 سحيم بن وثيل الرياحي ج2 ص47 ابن السراج= أبو بكر. أبو سرار الغنوي ج1 ص336 سراقة البارقي ج3 ص55 سطيح الكاهن ج1 ص136 ابن سعد ج2 ص183 السعد التفتازاني ج1 ص134 سعد بن قيس عيلان ج2 ص88 سعد بن مالك ج2 ص185 سعد بن مالك الكري ج3 ص108 سعد بن مالك جد طرفة بن العبد ج3 ص255 سعيد بن جبير ج1 ص316 ج3 ص218 سعيد بن سلم ج3 ص144، 309، 310، 311 سعيد بن مسحوج ج2 ص194 أبو سعيد ج3 ص159 أبو سعيد ممدوح أبي تمام ج1 ص192 ج2 ص411 أبو سفيان بن حرب ج3 ص250 ابن السكيت ج1 ص393 ج2 ص37، 90، 405 ج3 ص311 ابن سلام= محمد بن سلام. سالم الخاسر ج2 ص265 سلمة الكوفي ج3 ص300 سلمة بن عياش ج3 ص306 السليل بن أحمد "أبو صالح" ج1 ص361 ج3 ص286، 301 سليمان بن عبد الملك ج2 ص38 ج3 ص172 سماك بن حرب ج3 ص295 أبو السمال ج1 ص330 أبو السمراء ج3 ص300 سهل بن سعد الساعدي ج2 ص168 سهم بن حنظلة الغنوي ج3 ص42 السهيل ج1 ص189 سوادة بن عدي ج3 ص5 سوار بن المضرب ج2 ص435 سويد بن أبي كاهل ج1 ص100 ج2 ص315 سويد بن كراع ج1 ص327 سيبويه ج1 ص6، 9، 19، 23، 28، 31، 33، 54، 58، 67، 69، 73، 74، 81، 87، 89، 90، 113، 115، 117، 120، 121، 123، 138، 142، 143، 158، 168، 173، 177، 184، 185، 189، 198، 200، 201، 203، 205، 207، 215، 224، 226، 230، 233، 234، 236، 249، 259، 252، 253، 254، 261، 267، 268، 272، 273، 292، 299، 305، 308، 308، 309، 310، 316، 319، 326، 338، 339، 341، 355، 368، 383 ج2 ص16، 56، 63، 68، 71، 77، 78، 80، 82، 83، 99، 108، 112، 144، 145، 146، 154، 156، 166، 169، 178، 185، 196، 201، 208، 220، 225، 262، 282، 290، 291، 292، 297، 307، 308، 325، 626

342، 345، 372، 387، 401، 408، 409، 430، 431، 440، 457، 460، 471، 475، 480، 494 ج3 ص9، 14: 16، 36، 38، 42، 52، 53، 69، 74، 75، 88، 118، 120، 123، 152، 155، 156، 171، 172، 197، 199، 201، 202، 216، 217، 220، 222، 229، 263، 271، 272، 280، 290، 292، 305، 305، 315، 319 ابن السيد "البطليوسي" ج3 ص215 سيد المرصفي ج1 ص145 ابن سيده ج1 ص28، 233، 242، 256، 307 ج2 ص26، 30، 96، 236 السيرافي ج1 ص76، 89، 111، 134، 189، 192، 194، 268، 307، 370، 391 ج2 ص24، 33، 220، 257 ابن السيرافي ج1 ص143، 153، 264، 318 ج2 ص73 ج3 ص9 ابن سيرين ج1 ص329 ج3 ص236 السيوطي ج1 ص137، 145، 266، 268، 286، 291، 321، 327، 328، 341، 349، 387 ج2 ص33، 37، 177، 181، 206، 209، 216، 306، 323، 339، 490 ج3 ص9 سيف الدولة بن حمدان ج3 ص321 ش- الشاطبي ج1 ص191 الشافعي "محمد بن إدريس الإمام" ج ص54، 164 الشجرى "أبو عبد الله" ج1 ص79، 241، 242، 251، 339، 372 ج2 ص11، 28، 57، 309 ج3 ص283 ابن الشجري ج1 ص134، 161، 196، 299، 307، 312، 338، 349 ج2 ص107، 184، 196، 204، 2058، 259، 268، 259، 376، 433، 475 شرسفة بن خليف "ابن شماء" ج1 ص144 شريح بن أوفى العبسي ج2 ص183 شعبة بن الحجاج ج3 ص295 شقيق بن جزء ج2 ص311 الشماخ ج1 ص32، 128، 372 ج2 ص125، 209، 329 ج3 ص117، 252، 269 شمير بن الحارث الضبي ج1 ص130 ابن شميل ج3 ص292 الشنتمري= الأعلم الشنفرى ج1 ص29 الشنقيطي "أحمد بن الأمين" ج1 ص131، 285 ج2 ص75 الشهاب الخفاجي ج1 ص30، 154، 199 ج2 ص302 ص- صاحب الكتاب= سيبويه الصاغاني ج1 ص144 ج2 ص23 ج3 ص93 صالح بن إسحاق= الجرمي

الصبان ج1 ص77، 101، 181، 187 ج2 ص71، 211، 360 صخر أخو الخنساء ج2 ص205 أبو صخر الهذلي ج1 ص311 صخير بن عمير ج1 ص383 أبو صدفة الدبيري ج3 ص269 صرمة الأنصاري ج1 ص354 الصولي= إبراهيم بن العباس الصولي. ض- ضابئ بن الحارث البرجمي ج2 ص132 ج3 ص293 ضيغم الأسدي ج1 ص105 ط- الطائي الكبير= أبو تمام الطائي الصغير= البحتري طاهر الجزائري ج1 ص240 الطبراني ج1 ص88 ج2 ص134 ج3 ص155 طرفة ج1 ص15، 71، 127، 282، 346، 390 ج2 ص87، 150، 179، 187، 230، 256، 337، 374، 447 ج3 ص84، 203، 233 الطرماح ج1 ص329 ج3 ص55، 146، 172، 301، 334 طفيل الغنوي ج ص371 ج2 ص309 ج3 ص48، 248 أبو الطفيل القاري ج1 ص177 الطماح بن عامر ج2 ص210 أبو الطمحان القيني ج3 ص300 طلحة بن سليمان ج1 ص307 الطوال "محمد بن أحمد" ج1 ص295 ابن الطيب اللغوي ج1 ص48، 184، 199 ع- عائشة "بنت أبي بكر الصديق" ج1 ص9، 21 عاصم القارئ ج1 ص95، 336 ج2 ص303، 352 ج3 ص155 عامر بن جو بن الطائي ج2 ص413 عامر بن الحارث بن كلفة= جران العود عامر بن الطفيل ج1 ص336 ج2 ص199، 344 ج3 ص328 عامر جد العباس بن مرداس ج2 ص294 ابن عامر القارئ ج2 ص395، 355، 471 عامر بن كثير المحاربي ج2 ص177 عامر بن مر ج2 ص295 أبو عبادة= البحتري. عبادة بن الصامت ج1 ص11

ابن عباس ج1 ص9 ج2 ص323 ج3 ص313 العباس بن الأحنف ج1 ص220 ج3 ص319 العباس بن عبد الله بن أبي جعفر المنصور ج2 ص415 أبو العباس المبرد ج1 ص25، 67، 74، 76، 90، 126، 147، 189، 244، 249، 286، 301، 316، 346 ج2 ص92، 112، 130، 182، 283، 289، 291، 305، 306، 306، 320، 327، 480 عباس بن مرداس السلمي ج1 ص133، 261 ج2 ص383، 424 العباس بن يزيد الكندي ج1 ص368 أبو العباس المعمري ج3 ص303 عبدة بن الطبيب ج3 ص398 ابن عبد الحميد الكرخي ج1 ص244 عبد الرحمن بن حسان ج1 ص8 ج2 ص283 ج3 ص154، 187 عبد الرحمن بن الحكم ج3 ص154 عبد الرحمن بن المبارك ج1 ص303 عبد الرحمن بن ملجم ج3 ص284 عبد السلام بن رغبان "ديك الجن" ج2 ص49، 121 عبد السلام بن محمد أبو هاشم الجبائي ج1 ص47 عبد السلام هارون "محقق" ج1 ص55، 108، 248، 327 ج2 ص13، 21 عبد الصمد بن المعذل ج2 ص266 عبد العزيز بن مروان ج2 ص11 ج3 ص128، 129، 218 عبد القادر البغدادي "صاحب الخزانة" ج1 ص26، 111، 144، 145، 177، 208، 261، 264، 273، 297، 306، 331، 332، 337، 338، 339، 341، 389، 398 ج2 ص37، 38، 177، 264، 312، 315، 376، 379، 420، 423، 431، 460، 465 ج3 ص177، 265، 474 عبد الله بن إسحاق الحضرمي ج1 ص370 أبو عبد الله البصري ج1 ص208 عبد الله بن الحارث بن نوفل ج2 ص219 عبد الله بن سيرة الحرشي ج3 ص30، 219 عبد الله بن سفيان التميمي ج2 ص455 عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ج2 ص446 عبد الله بن غنمة الضبي ج3 ص152 عبد الله بن كريز ج1 ص267 عبد الله بن مسعود ج2 ص132 ج3 ص292 عبد الله بن معاوية ج1 ص41 عبد الله مهجو الأعلم الهذلي ج3 199 عبد الله بن همارق ج1 ص295 عبد الله بن همام السلولي ج2 ص288 عبد الملك بن مروان ج3 ص218، 255، 296 ابن عبد الوارث ج1 ص189

أبو عبيد ج1 ص11 ج2 ص47، 171 عبيد بن الأبرص ج2 ص171، 257، 208 عبيد بن العرند الكلابي ج2 ص291 عبد الله بن زياد ج1 ص267 أبو عبيد ج1 ص135، 232 ج2 ص21، 173 أبو عبيدة ج1 ص32، 37، 87، 100، 204، 273، 295 ج2 ص99، 170، 190، 271، 95، 455 ج3 ص31، 32، 44، 120، 143، 153، 195، 220، 287، 302، 309، 314، 342 أبو العتاهية ج2 ص220 ج2 ص326 عثمان بن عفان ج1 ص31 أبو عثمان المازني ج1 ص15، 87، 101، 130، 186،، 182، 198، 200، 226، 235، 259، 261، 262، 273، 275، 291، 293، 334، 358، 359، 362، 370 ج2 ص16، 27، 53، 92، 173، 182، 183، 184، 223، 290، 295، 298، 340، 341، 386، 442 ج3 ص20، 60، 73، 74، 75، 83، 92، 137، 149، 153، 237، 278، 298، 302، 306، 308، 312، 323 أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ= الجاحظ العجاج ج1 ص5، 34، 53، 96، 119، 162، 172، 211، 223، 269، 273، 261، 262، 267، 370 ج2 ص51، 85، 92، 98، 100، 121، 131، 139، 176، 198، 234، 256، 262، 272، 285، 304، 340، 341، 365، 428، 434، 475 ج3 ص19، 45، 71، 106، 137، 207، 217، 296، 300، 325، 328 العجير السلولي ج1 ص80 عدي بن أخت الحارث الأعرج ج2 ص258 عدي بن حاتم ج1 ص298، 299 عدي بن الرقاع ج1 ص326 ج2 ص146 عدي بن زيد ج1 ص95، 133، 268، 269 ج2 ص99 العذافر الكندي ج2 ص342 عرابة اليمني ج3 ص252 عروة بن أذنية ج2 ص394 عروة بن حزام ج2 ص414 عروة الرحال ج1 ص316 عروة الهذلي ج1 ص72 عروة بن الورد ج2 ص172، 434 عزة ج1 ص28، 29 ابن عصفور ج1 ص189 العضد الإيجي ج1 ص134

ابن عطيل ج1 ص189، 382 عطية أبو جرير ج2 ص439 ج3 ص191 العكبري ج2 ص405 ابن علان ج1 ص45، 165، 184، 198 علباء بن أرقم ج2 ص55 علقمة الفحل ج1 ص81، 292، 369 ج2 ص439 علقمة بن علاثة ج2 ص199 ج3 ص338 علقمة بن هوذة ج2 ص433 علي بن أبي طالب رضي الله عنه ج1 ص280 ج3 ص96 أبو علي الأوارجي ج1 ص318 علي بن سليمان "الأخفش الصغير" ج1 ص2 ج2 ص289 علي بن عمرو ج1 ص81، 191 أبو علي الفارسي ج1 ص7، 12، 41، 42، 75، 92، 93، 99، 121، 122، 126، 144، 189، 193، 202، 206، 207، 208، 209، 219، 213، 217، 232، 233، 244، 250، 256، 263، 277، 279، 293، 296، 316، 318، 322، 324، 328، 331، 332، 333، 336، 337، 339، 355، 358، 359، 360، 366، 386، 388، 389، 391، 393 ج2 ص16، 19، 21، 22، 37، 41، 42، 52، 63، 87، 94، 103، 112، 113، 128، 132، 133، 200، 210، 218، 220، 233، 257، 268، 269، 275، 280، 323، 326، 331، 376، 377، 387، 402، 425، 428، 430، 435، 439 ج3 ص8، 26، 29، 32، 38، 40، 44، 60، 77، 80، 94، 101، 102، 107، 123، 125، 143، 148، 161، 170، 172، 175، 204، 207، 209، 302، 307، 313، 325، 326، 327، 328، 330، 233، 342 علي بن يحيى ج2 ص265 عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ج1 ص126، 250، 374: 385 ج2 ص385 ج2 ص133 ج3 ص148، 298 عمر بن الخطاب رضي الله عنه ج1 ص92، 387 ج2 ص10، 249 ج3 ص48، 267 عمر بن أبي ربيعة ج1 ص44، 72، 92، 144، 282، 297 ج2 ص75، 121، 283، 336، 364، 388، 419 ج3 ص172 عمر بن عبد العزيز ج1 ص84 عمر بن عبيد الله بن معمر ج1 ص269

ج2 ص224، 479 ج3 ص218 عمر بن لجأج ج1 ص340 ج2 ص38، 133 ج3 ص154 عمرو بن الإطنابة ج3 ص37 عمرو بن جرموز ج2 ص420 عمرو ذو الكلب الهدلي ج2 ص75 عمرو بن شأس ج3 ص277 عمرو بن عبيد ج3 ص150 عمرو بن عفراء ج2 ص194 عمرو بن قميئة ج2 ص429 عمرو بن كلثوم التغلبي ج1 ص290 ج2 ص305، 362 عمرو بن معديكري الزبيدي ج1 ص363، 369 ج2 ص393 عمرو بن يثربي ج3 ص275 عمرو بن يربوع ج2 ص21 أبو عمرو الشيباني ج3 ص195، 286، 300، 310، 317 أبو عمرو بن العلاء ج1 ص73، 84، 191، 247، 250، 262، 285، 385، 387 ج2 ص15، 121: 144، 173، 175، 303، 337، 342، 343، 418 ج3 ص94، 96، 292، 293، 296، 306، 307، 313 عمران بن حطان ج2 ص269 ج3 ص27 عمرة الخثعمية ج1 ص296 عمير بن عبد الله ج2 ص419 عمير بن شهيم= القطامي العنبري "قريط بن أنيف" ج2 ص272 عنترة ج1 ص25، 43، 87، 190، 345 ج3 ص42، 120، 123 عنز اليمامة ج1 ص136 عوف بن عطية الخرع ج2 ص189، 314 ابن عون ج1 ص387 عويم بن مالك ج1 ص213 عياض بن أم درة الطائي ج3 ص159 عيسى بن جعفر ج3 ص309 عيسى بن عمر الثقفي ج1 ص9، 249 ج2 ص56، 469 ج3 ص74، 75، 304 العيني ج1 ص24، 28، 121، 130، 286، 292، 295، 296، 297، 308، 390 ج2 ص283، 332، 379، 486، 406، 408، 406 ج3 ص137 غ- غصن "ابن عم أبو عبد الله الشجري" ج2 ص28 أبو الغول الرواية ج2 ص270 أبو الغول الطهوي ج1 ص338 ج2 ص123

غيلان الريعي ج2 ص64، 252 ف- ابن فارس ج1 ص49 ج2 ص312 فاطمة أم امرئ القيس ج1 ص336 الفخر الرازي ج2 ص217 الفراء ج1 ص104، 164، 173، 189، 255، 280، 317، 318 ج2 ص11، 58، 67، 78، 196، 292، 298، 314، 337، 420، 435، 459، 460 ج3 ص37، 38، 51، 75، 80، 125، 147، 174، 197، 215، 216، 265، 286، 302 أبو الفرج الأصفهاني "صاحب الأغاني" ج1 ص147 الفرزدق ج1 ص6، 7، 22، 60، 147، 157، 171، 229، 247، 287، 308، 340، 370، 398 ج2 ص38، 47، 86، 130، 196، 200، 312، 317، 371، 392، 396، 420، 423، 424، 436، 437، 455 ج3 ص44، 48، 149، 154، 180، 305، 317 فروة بن مسيك المرادي ج3 ص110، 295 فضالة بن كلدة الأسدي ج2 ص114 أبو الفضل إبراهيم "محقق" ج1 ص351 الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ج3 ص174 الفضل بن عبد الرحمن القرشي ج3 ص104 الفيض بن غزوان ج1 ص307 ق- أبو قابوس ج3 ص297 ابن قاسم العبادي ج1 ص181 القاسم بن معن ج1 ص290 القالي "أبو علي" ج1 ص101 ج2 ص446 ابن قتيبة ج1 ص210، 248، 270، 327، 335، 336، 346، 352، 362، 363 ج2 ص26، 130، 170، 171، 204، 218 قتيبة بن مسلم ج2 ص299 القحيف العقيلي ج1 ص385 ج2 ص213 قرة بن خويلد ج3 ص30 القرشي "صاحب جمهرة أشعار العرب" ج1 ص17 القرطبي "صاحب الجامع لأحكام القرآن" ج1 ص95 ج2 ص1، 147 قرط بن التؤم اليشكري ج1 ص144 القضم بن مسلم البكائي ج2 ص52 القطامي ج1 ص10، 17، 71 ج2 ص48، 80، 146، 169، 215، 221، 311، 428 ج3 ص41، 104، 295، 307 قطرب ج1 ص129، 178، 316، 372 ج2 ص79، 295 ج3 ص133، 134، 145

قطرى بن الفجاءة ج2 ص435 قعنب بن أم صاحب ج1 ص161 قعنب العدوي القارئ ج1 ص467 قفيرة "أم الفرزدق" ج1 ص398 القلاح بن حزن المنقري ج1 ص9 قيس بن الخطيم ج1 ص97 قيس بن ذريح ج3 ص216 ابن قيس الرقيات ج1 ص348 ج2 ص431 قيس بن زهير العبسي ج1 ص334 قيس بن شراحيل ج1 ص273 قيس بن مسعود الشيباني ج2 ص491 قيس بن معاذ العامري ج2 ص386 ك- أبو كبير الهذلي ج2 ص311، 418 ج3 ص17 ابن كثوة ج3 ص147 كثير ج1 ص28، 29، 218، 341 ج2 ص173، 300، 303، 323، 431، 447 ج3 ص284 ابن كثير ج3 ص147، 150، 152 ابن كريز ج1 ص267 الكسائي ج1 ص103، 295، 370، 382، 391 ج1 ص91، 197، 202، 367، 372، 391، 425، 476 ج3 ص42، 88، 143، 152، 257، 292، 294، 295، 314 كسرى ج3 ص286 كعب بن حمار ج1 ص286 كعب بن مالك ج1 ص282 ابن الكلبي ج1 ص356 الكلحبة ج1 ص14 ج3 ص55 كليب ج3 ص108، 232، 233 كليب بن عبية السلمي ج1 ص261 الكميت ج1 ص327، 335 ج2 ص283، 406 ج3 ص184، 260، 293، 294، 296، 302 كناز بن نفيع ج2 ص130 ابن كيسان ج1 ص295 ج3 ص206 ل- لبيد العامري ج1 ص32، 40، 71، 75، 82، 194، 294، 371 ج2 ص50، 169، 207، 295، 298، 417، 434 ج3 ص31، 38، 277، 321 اللكنوي ج1 ص209 ليلى الأخيلية ج1 ص220

م- ابن ماجه ج1 ص37 أبو مارد الشيباني ج1 ص39 ابن مالك ج1 ص21، 117، 187، 189 ج2 ص92، 441 مالك بن أسماء ج1 ص31 مالك بن أميمة ج1 ص18 مالك بن أنس "الإمام" ج1 ص15، 19، 40 ج2 ص478 مالك بن حمار ج2 ص188 مالك بن الريب ج2 ص189 مالك بن زغبة الباهلي ج3 ص300 مالك بن زهير العبسي ج3 ص303 مالك بن أبي كعب ج1 ض368 ماوية بن قيس ج2 ص41 المتنبي ج1 ص25، 240، 328 ج2 ص29، 159، 405 ج3 ص244 المنتخل الهذلي ج1 ص399 ج2 ص37 ج3 ص40، 165 محب الدين الخطيب ج1 ص326 محمد الأمير "صاحب الحاشية على المغني" ج1 ص144، 182 محمد بن بشير الخارجي ج1 ص341 محمد بن أبي الحارث الكوفي ج3 ص179 محمد بن حبيب ج2 ص51، 169 ج3 ص202، 222 محمد بن حسان ج2 ص431 محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ج1 ص164 محمد بن الحنفية ج2 ص269 محمد بن ذؤيب العماني ج2 ص432 محمد بن سلام الجمحي ج1 ص293، 387 ج3 ص172، 304 محمد بن سلمة ج1 ص316 محمد بن شحاذ الظبي ج3 ص92 محمد بن طلحة ج2 ص183 محمد بن عبد الوهاب الجبائي ج3 ص258 محمد بن العساف العقيلي ج1 ص77، 251 محمد بن علي "أبو بكر" ج1 ص256 محمد محيي الدين "الشيخ" ج2 ص158 محمد بن هارون الروياني ج1 ص76، 385 محمد بن يزيد بن العباس ج1 ص388 محمود الوراق ج1 ص210 ابن محيصن ج2 ص241 ج3 ص96 المخبل السعدي ج2 ص386 ج3 ص309 المختار الثقفي ج1 ص388 ج3 ص155 المرار الفقعسي ج1 ص144 ج3 ص195

مرحب اليهودي ج2 ص479 مرداس بن حصين ج2 ص277، 288 مر بن رافع ج3 ص93 المرزباني ج1 ص29، 41، 240، 325 ج2 ص130 المرزوقي ج1 ص259 المزفش الأكبر ج1 ص297 ج2 ص469 مروان بن الحكم ج3 ص124 مروان بن سعيد المهلبي ج3 ص294 مزاحم العقيلي ج1 ص26 ج2 ص356، 378، 414 مسافع بن عياض التيمي ج3 ص126 مساور بن هند العبسي ج2 ص432 المستوغر بن ربيعة ج1 ص293 ابن المستوفى ج3 ص147 ابن مسعود رضي الله عنه ج1 ص62، 288 ج3 ص91، 133، 134 مسكين الدارمي ج2 ص482 ابن مسلم البكائي ج1 ص51 مسلم صاحب الصحيح ج3 ص253 مسلم بن معبد الوالبي ج2 ص294 مسلمة بن عبد الملك ج3 ص154، 178 ابن المسيب ج2 ص266 المسيب بن علس ج2 ص171 ج3 ص174 المضرب بن كعب بن زهير ج1 ص29 المضرس بن ربعي الأسدي ج2 ص271 معاوية رضي الله عنه ج1 ص101 معاوية بن عمرو أخو الخنساء ج2 ص188 ج3 ص175 المعتصم ج2 ص211 المعرى ج2 ص24 معقر بن حمار البارقي ج1 ص296 المعلوط بن بدل ج1 ص111 معن بن أوس ج1 ص41، 340 المغيرة بن عبد الله ج1 ص74 المفضل بن سلمة ج1 ص318 المفضل الضبي ج3 ص170، 291، 309 ابن مقبل ج1 ص9، 166، 203، 319، 352 ج2 ص36، 93، 420 المنتجع "ابن نبهان" ج3 ص308 المنخل اليشكري ج1 ص178 ج3 ص87 المنذر بن ماء السماء ج1 ص242 ج3 ص361 منظور بن حبة ج1 ص264 ج2 ص361 منظور بن مرثد الأسدي ج2 ص264 أبو المنهال ج3 ص93 أبو مهدية ج1 ص173، 240 ج2 ص29 موسى بن جابر الحنفي ج2 ص492 ابن ميادة ج3 ص154 الميداني صاحب الأمثال ج3 ص320 ميسون بنت مجدل ج3 ص206 ميمون بن حفص ج3 ص311

ن- النابغة ج1 ص85، 309، 384 ج2 ص122، 263، 272، 277، 349، 363، 462، 463، 478 ج3 ص108، 133 ناشرة التغلبي ج1 ص153 النجاشي الحارثي ج1 ص311 أبو النجم ج1 ص23، 24، 99، 272، 293، 337 ج2 ص11، 122، 132، 214، 285، 365 ج3 ص17، 63، 70، 89، 145، 300، 306، 340، 341 أبو نخيلة ج1 ص76 ج2 ص366 ابن النديم ج1 ص240، 244، 385 ج2 ص10 النسائي ج1 ص40 نصر بن سيار ج1 ص341 نصيب ج1 ص217 ج3 ص293، 294 نضر الحاجب ج1 ص342 النعمان بن العجلان ج1 ص121 النعمان بن المنذر ج2 ص179، 277، 462، 476 ج3 ص286 نعيم بن الحارث ج1 ص246 النمر بن تواب ج2 ص443 نهشل بن حرى ج1 ص75 ج2 ص354 نهشل بن زيد ج1 ص385 نوارج ج1 ص259 أبو نواس ج1 ص329 ج2 ص172، 415 هـ- هارون الرشيد ج1 ص207، 294 ج2 ص13 ج3 ص314 هارون بن عبد العزيز= الأوارجي أبو هاشم الجبائي= عبد السلام بن محمد الهذلي ج1 ص152 هرم بن سنان ج2 ص204 ابن هرمة ج2ص13، 318 أبو هريرة ج1 ص88 ج2 ص159، 374 ابن هشام صاحب السيرة ج1 ص82، 133 ج2 ص99، 424 هشام بن عبد الملك ج1 ص330 ج2 ص176 هشام بن معاوية ج1 ص103، 104 ابن هشام النحوي ج1 ص101، 192، 339، 349 ج2 ص367، 376 هلال بن كعب ج1 ص177 همام بن مروة ج1 ص153، 154 هميان بن قحافة ج2 ص263 هند بنت أبي سفيان ج2 ص219

و أبو وجزة السعدي ج2 ص149 ابن ولاد ج1 ص255، 256 الوليد بن عبد الملك ج2 ص336، 392، 396 الوليد بن عقبة بن أبي معيط ج1 ص31 ي- الشيخ يس "صاحب الحاشية على التصريح" ج1 ص21، 191 ياقوت ج1 ص72، 217، 232، 254، 255، 256، 283، 389 ج2 ص59، 252، 269 ج3 ص61، 229، 294 يحيى بن زياد ج3 ص134 يحيى بن عقبة الطهوي ج1 ص337 يحيى بن علي المنجم ج2 ص265 يزيد بن الحكم ج2 ص261، 385 ج3 ص281 يزيد بن عبد الملك ج1 ص308، 317 يزيد بن مسهر الشيباني ج2 ص492 يزيد بن معاوية ج1 ص6 ج3 ص216، 319 يزيد بن مفزع الحميري ج3 ص276 يزيد بن المهلب ج1 ص308 يزيد بن نهشل ج2 ص355 اليزيدي "أبو محمد" ج1 ص73 ج3 ص285، 299 يعقوب "عليه السلام" ج2 ص102، 399 يعقوب القاري ج2 303، 421، 426 يعلى الأزدي ج1 ص29، 371 ابن يعيش ج1 ص37، 145، 165، 299 ج2 ص144، 146، 200، 391، 408، 436 ج3 ص436 ج3 ص17، 29 أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ج1 ص207 يونس بن حبيب ج1 ص72، 89، 93، 94، 131، 158، 202، 204، 217، 232، 239، 249، 254، 255، 256، 339، 387، 389 ج2 ص59، 64، 65، 66، 108، 229، 252، 269 ج3 ص73، 74، 75، 117، 277، 294، 295

2- القبائل والمنتسبون إليها وأصحاب المذاهب: أ- آل صعفوق ج3 ص218 آل المهياج ج1 ص79 أزد السراة ج1 ص129 أسد ج1 ص74، 90، 257، 368، 434 ج3 ص105 الأشعريون ج3 ص170 بنو أمية ج1 ص17 الأنصار ج3 ص154 ب- البصريون ج1 ص2، 19، 69، 87، 103، 189 ج2 ص21، 39، 345-385 البغداديون ج1 ص138، 200 ج2 ص11، 56، 340 ج3 ص165، 207 بهدلة بن عوف ج3 ص261 ت- تغلب ج1 ص153، 154 ج2 ص260 ج3 ص108 التميميون "بنو تميم" ج1 27، 74، 77، 168، 169، 177، 245، 261، 337 ج2 ص13، 18، 130، 215، 262، 377 ج3 ص38، 152، 203، 275 ث- ثقيف ج1 ص117 ج- بنو جذيمة ج2 ص251 بنو جشم ج1 ص14 ح- الحجازيون ج1 ص168 ج2 ص12 ج3 ص38 حمير ج2 ص30 خ- الخزرج ج1 ص121 الخوارج ج1 ص191 د- بنو دارم ج1 ص332 ر- ربيعة ج1 ص424 ج2 ص99 بنو رشدان ج1 ص251

س- بنو سدوس ج3 ص179 السعديون ج1 ص308 بنو سلول ج3 ص333 بنو سليم ج1 ص282 ج2 ص60 ش- بنو شيبان ج3 ص179 الشيعة ج1 ص191 ص- بنو صفوان ج3 ص147 ض- بنو ضبة ج2 ص438 ط- طيء ج1 ص81، 125 ع- بنو عجل ج1 ص332 بنو عدي ج2 ص438 ج3 ص203 بنو عقيل ج1 ص312، 382 ج2 ص120 بنو العشير ج2 ص16 عنس ج1 ص236 غ- غطفان ج1 ص55 ج2 ص38، 78، 152 بنو غيان ج1 ص251 ف- الفرس ج1 ص92، 217 بنو فقعس ج2 ص481 الفقهاء ج1 ص145 ق- القراء ج1 ص370 قصي بن كلاب ج1 ص347 قضاعة ج1 ص90، 263، 270، 293 ج2 ص41 ج3 ص205 ك- الكوفيون ج1 ص2، 19، 39، 69، 77، 103، 104، 167، 189، 210، 318، 333 ج2 ص12، 21، 99، 132، 216، 217، 227، 385، 399، 464 ج3 ص303، 307 ل- اللغويون ج3 ص87، 88 لكين بن عبد القيس ج2 ص295

م- المتفقهون ج1 ص146 المتكلمون ج1 ص146 المجوس ج1 ص92 بنو مطر ج1 ص144 المعتزلة ج1 ص37، 41 ج2 ص451، 456، 459 المناطقة ج1 ص136 ن- بنو النجار ج1 ص16 النحويون ج1 ص13، 115، 146، 164، 172، 182، 185، 186، 192، 309، 349 ج2 ص22، 59 ج3 ص17، 145 نزار ج1 ص29، 404 بنو نمير ج1 ص8 ج2 ص98 هـ- هذيل ج1 ص125، 152 همذان ج1 ص331 ي- بنو يربوع ج2 ص460

3- الأماكن والجبال: أ- أول ج1 ص55 إستامبول ج1 ص220 الأندلس ج1 ص199 أوربة ج1 ص113 ب- البحرين ج1 ص43 بدرج ج1 ص43 البصرة ج1 ص24، 189، 232، 334 ج3 ص179 بغداد ج1 ص7، 93، 219، 328، 384 بولاق ج1 ص70، 147 ج2 ص21 ج3 ص148 بيروت ج1 ص155 ح- الحجاز ج1 ص15، 168، 169، 245، 279 ج2 ص67 الحرة ج3 ص296 حمى ضرية ج1 ص24 حوريت ج3 ص210 الحيرة ج1 ص125 خ- خيبر ج2 ص179 ر- رأس الكلب ج1 ص136 س- ساباط ج3 ص284 السراة ج1 ص72 السررج ج1 ص91 ش- الشام ج1 ص9، 132 ج3 ص255 شمنصير ج3 ص208 ف- فارس ج1 ص217 ج3 ص286 الفرات ج1 ص93 فلج ج1 ص24 ق- قرميسين ج1 ص76، 82، 117 القسطنطينية ج1 ص209، 217 قوسى ج1 ص72 قوهستان ج1 ص217 ك- الكوفة ج1 ص189 ج3 ص179

ل- ليدن ج1 ص17، 40 م- مصر ج2 ص29 مكة ج1 ص232 ج3 ص265 هـ- الهند ج1 ص13، 21، 41، 269 ج2 ص33 ي- اليمامة ج1 ص91 ج2 ص462 اليمن ج1 ص236، 250، 312، 331 ج3 ص17

4- الكتب: أ- إتحاف فضلاء البشر "في القراءات" ج1 ص475 أحكام القرآن ج1 ص209 أراجيز العرب للبكري ج1 ص273، 317 ج3 ص106 الاتشاف ج2 ص21، 33 أسرار البلاغة ج1 ص7، 218 الأشباه والنظائر ج1 ص198 ج2 ص181، 206، 216، 227، 274، 302، 306، 325، 490 ج3 ص55 الاشتقاق لابن دريد ج2 ص180 الأشموني ج1 ص97، 101، 112، 149، 165، 187، 190، 254، 290 ج2 ص21، 71، 92، 211، 282، 298، 359، 367، 441 الإصابة ج1 ص248 إصلاح المنطق ج1 ص144، 153، 178، 264 ج2 ص25، 73، 80، 175 ج3 ص42 الأصمعيات ج1 ص31، 41، 363، 383 ج2 ص184، 187، 218، 439 الأصول لأبي بكر بن السراج ج ص2 ج2 ص10، 18، 36، 44، 66، 120، 194، 196، 299 الأغاني لأبي الفجر ج1 ص33، 134، 207، 230 248، 269، 325، 340، 341، 363 ج2 ص121، 130، 146، 184، 188، 207، 266، 269، 281، 295، 374، 388، 394، 424، 446 ج3 ص148، 355، 284 الاقتراح ج1 ص117، 134، 145 ج2 ص14 الاقتصاب ج2 ص54، 311، 314، 315، 316، 317، 428 ج3 ص184، 215 أمالي القالي ج1 ص32، 135، 208، 217، 240، 286، 291، 304، 311، 316، 333، 339، 340، 341 ج2 ص25، 86، 107، 114، 122، 128، 172، 173، 221، 264، 376، 440، 460 ج3 ص33، 37، 81، 176، 220، 275 أمالي المرتضى ج1 ص351 ج2 ص394 ج3 ص293

الإنصاف ج1 ص318 ج2 ص190، 460 ب- البحر المحيط ج1 ص177، 307 ج3 ص92، 96، 136، 143، 148، 155، 228، 288 البخاري ج1 ص34 ج2 ص12، 129، 183، 444 ج3 ص203 يديع ابن خالويه ج2 ص352 البغية ج1 ص7، 103، 204، 244 ج2 ص51، 257 البيان والتبيين ج1 ص227، 246، 354، 277، 327 ث- التاج "شرح القاموس" ج1 ص178، 236، 252، 268، 323، 356، 388 ج2 ص88، 295، 335، 371 ج3 ص168، 170، 206 تاريخ بغداد ج1 ص119 تاريخ الطبري ج2 ص423 ج3 ص276 تذكرة داود الأنطاكي ج1 ص358 تفسير البيضاوي ج1 ص154 تفسير الطبري ج1 ص24 تفسير القرطبي ج3 ص96 التقريب لأصول التعريف ج1 ص359، 360 التكملة للصاغاني ج2 ص249 تهذيب إصلاح المنطق ج3 ص159 تهذيب الألفاظ ج1 ص367 ج2 ص177، 351، 390 ج3 ص294 ج- الجامع الصغير للسيوطي ج1 ص34، 88، 221 ج2 ص129، 134، 198، 374 ج3 ص249 الجامع الصغير في الفقه ج1 ص164 الجامع الكبير في الفقه ج1 ص464 ج2 ص282 الجزرية ج1 ص365 الجمهرة "لابن دريد" ج1 ص114، 226، 347، 381، 382 ج2 ص21، 23، 40، 50، 56، 119، 122، 138، 205، 454 ج3 ص32، 291 ح- حاشية الصبان على الأشموني - الأشموني حماسة البحتري ج1 ص368 ج2 ص39 ج3 ص96 الحماسة البصرية ج1 ص267 حماسة التبريزي ج1 ص41 حماسة ابن الشجري ج1 ص6، 30 ج2 ص477 الحيوان للجاحظ ج1 ص39

خ- الخزانة "للبغدادي" ج1 ص46، 7، 74، 84، 91، 100، 111، 121، 128، 129، 130، 137، 145، 171، 172، 186، 212، 227، 267، 265، 285، 286، 296، 299، 300، 306، 307، 312، 316، 335، 336، 340، 341، 347، 363، 369، 389، 391 ج2 ص13، 14، 38، 76، 107، 125، 169، 196، 200، 208، 270، 337 ج3 ص27، 29، 31، 34، 38، 42، 43، 51، 55، 62، 63، 79، 105، 108، 110، 137، 153، 187،؟؟؟، 306، 322، 340 الخصائص ج1 ص131، 189، 281، 338، 349، 369، 373، 396 ج2 ص11، 29، 49، 51، 76، 77، 81، 106، 118، 119، 266، 274، 289، 314، 428، 420 ج3 ص40، 106، 216، 218، 227، 263، 373، 334 خلق الإبل للأصمعي ج1 ص38 خلق الإنسان ج1 ص23 د- ديوان الخنساء ج3 ص200 ديوان ابن الرومي ج1 ص221 ج2 ص121، 264 ديوان زهير ج2 ص447 ديوان الشماخ ج1 ص128 ديوان عامر بن الطفيلي ج2 ص492 ديوان العجاج ج1 ص5، 119 ديوان طرفة ج2 ص159 ديوان المعاني ج1 ص127، 316 ديوان الهذليين ج1 ص152 ج2 ص75، 87، 410 ج3 ص199 ذ- ذيل الأمالي ج2 ص114 ذيل ثمرات الأوراق ج1 ص6 ر- رغبة الآمل في شرح الكامل ج2 ص173، 368، 492 ج3 ص261 الروض الأنف ج2 ص424 س- سر الصناعة ج1 ص214 سر الفصاحة ج2 ص232 السمط على النوادر ج1 ص29، 82، 111، 240، 286، 304، 316 ج2 ص85، 86، 93، 122، 304، 440 السيرة لابن هشام ج1 ص133 ج2 ص99، 251، 479 ش- الشذرات ج1 ص209 شرح أبي شامة للشاطبية ج3 ص155 شرح أدب الكاتب للجواليقي ج3 ص184

شرح الأشموني= الأشموني شرح الحماسة للتبريزي ج1 ص80، 111، 306، 316، 392 ج2 ص21، 378، 393، 418، 426، 478، 481 ج3 ص54، 87، 105، 108، 296 شرح ديوان الهذليين للسكري ج3 ص218 شرح الرضى على "الشافعية" ج1 ص91 ج2 ص145، 234، 361، 370 شرح الرضى على "الكافية" ج1 ض245 ج2 ص359 ج3 ص47 شواهد إصلاح المنطق ج2 ص73 شواهد الإيضاح ج2 ص64، 114 شواهد الشافية ج1 ص31، 145، 196، 208، 296، 306، 307 ج2 ص256، 264، 304، 356، 370، 487 ج3 ص147، 150، 154، 159، 166، 173، 215، 218 شواهد العيني ج1 ص35، 121، 308 ج2 ص237، 356، 388، 407 شواهد الكشاف ج1 ص75 شواهد المغني للبغدادي ج1 ص297، 311، 338، 341، 349 ج2 ص37، 38، 73، 312، 340، 356 ج3 ص274، 287 ص- الصاحبي ج1 ص28، 104، 307 ج2 ص30 الصبح المنير ج1 ص186، 389 ج2 ص153، 294، 375، 386، 397، 404، 409، 438، 476، 491 ج3 ص29، 174، 217، 256، 318، 325 الصحاح للجوهري ج1 ص144، 252، 382 ج2 ص62، 106 ج3 ص274 ط- طبقات ابن الجزري ج1 ص76 طبقات ابن سلام ج1 ص293 طبقات الشافعية ج2 ص75 ف- الفرائد الأدبية ج2 ص238 فرحة الأديب ج1 ص121، 128 الفصيح لثعلب ج1 ص3 الفوائد البهية ج1 ص259 ك- كتاب الخيل لأبي عبيدة ج1 ص37 ج2 ص170 الكتاب "سيبويه" ج1 ص19، 28، 30، 65، 89، 90، 194، 303 ج2 ص442، 443، 482، 490، 494 ج3 ص9، 16، 101، 167، 263، 280

الكامل للمبرد ج1 ص22، 37، 74، 80، 147، 286، 301، 371 ج2 ص117، 188، 207، 291، 294، 315، 343، 433، 460 ج3 ص56، 61، 116، 298 الكشاف للزمخشري ج1 ص296 الكنز اللغوي ج1 ص38 ل- اللزوميات ج2 ص248 م- المبهج ج2 ص199 مجالس ثعلب ج1 ص286، 340 ج2 ص13، 133، 286 ج3 ص47، 60 مجاز القرآن ج1 ص30 مجموعة المعاني ج2 ص394 مختصر الشواهد للعيني ج1 ص308 المخصص ج1 ص9، 37، 39، 75، 97 ج3 ص269 مراتب النحويين ج2 ص51 المزهر ج1 ص62، 65، 66، 98، 387 ج2 ص10، 14، 218، 312 معاني ابن قتيبه ج2 ص284، 293 ج3 ص51 معاني القرآن ج2 ص420، 430، 460 معاهد التنصيص ج1 ص218، 220 ج2 ص477 ج3 ص179 معجم الأدباء لياقوت ج1 ص14، 72، 86، 98، 240، 243، 259 ج2 ص59، 265 ج3 ص29 معجم البلدان ج1 ص194، 198، 256، 291 ج2 ص58، 236، 450 ج3 ص205، 208، 266 معجم الشعراء ج1 ص325 ج3 ص104، 179 المعرب للجواليقي ج1 ص312، 358 ج3 ص308 معبد النعم ج2 ص75 مغني اللبيب ج1 ص103، 107، 111، 134، 144، 282، 291 ج2 ص73، 174، 175، 177، 181، 193 ج3 ص177 المفضل للزمخشري ج1 ص14، 145، 223، 270، 286، 299 ج2 ص275، 376 المفضليات ج1 ص300، 338، 369، 399 ج2 ص186، 308، 469 ج3 ص55، 124، 169، 298 المقتضب ج1 ص207 المقصور والممدود لابن ولاد ج1 ص255، 256 الملل والنحل ج1 ص207

المنصف "شرح تصريف المازني" ج1 ص9، 242، 352 ج2 ص11، 40، 76، 287، 336، 340 الموشح للمرزباني ج1 ص292، 326 ج2 ص374 ج3 ص300 ن- النجوم الزاهرة ج1 ص209 النشر في القراءات العشر ج1 ص73، 95 النقائض ج1 ص157، 287، 346، 398 ج2 ص34، 47، 86، 420، 422، 424، 436، 439، 455 ج3 ص44 نوادر أبي زيد ج1 ص29، 134، 333، 340، 368 ج2 ص21، 79، 151، 284، 288، 335، 327، 366، 423، 428، 435 ج3 ص96، 120، 159، 17، 207، 209، 217 هـ- الهمز لأبي زيد ج2 ص133 الهمع ج1 ص187، 274، 310، 353 ج2 ص133، 161 والوحشيات ج1 ص218 الوساطة ج1 ص218 ج2 ص12 الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط ج1 ص63، 131، 327

فهرس القوافي

5- فهرس القوافي 1: "الألف اللينة": 1: 292 قد وعدتني أم عمرو أن تا تدهن رأسي وتفليني وا ء- 2: 49 ألحدا حوى حية الملحدين ولدن ثرى حال دون الثراء 2: 91، 3: 41 فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بيننا وسماء 2: 114 مثلها يخرج النصيحة للقو م فلاة من دونها أفلاء 2: 129 لم أقض حين ارتحلوا شهلائي من الكعاب الطفلة الغيداء 2: 133 فصادفت أعصل من أبلائها يعجبه النزع على ظلمائها 2: 151 كأن سحيله في كل فجر على أحساء يمئود دعاء 2: 153 بآرزة الفقارة لم يخنها قطاف في الركاب ولا خلاء 1: 153، 3: 179 ذر الآكلين الماء ظلما فما أرى ينالون خيرا بعد أكلهم الماء 2: 233، 320 ينشب في المسعل واللهاء أنشب من مآثر حداء 1: 242 آذنتنا ببينها أسماء رب ثار يمل منه الثواء 3: 244 ولجدت حتى كدت تبخل حائلا للمنتهى ومن السرور بكاء 2: 252 هل تعرف الدار ينعف الجرعاء بين رحى المثل وبين الميثاء 1: 281 يستمسكون من حذار الإلقاء يتلعات كجذوع الصيصاء 3: 269 والمرء يلحقه بفتيان الغدى خلق الكريم وليس بالوضاء

_ 1 الأرقام 1، 2، 3، إشارة إلى أجزاء الكتاب.

3: 310 عننا باطلا وظلما كما تعـ ـنز حجرة الربيض الظباء 1: 341 لعلك والموعود صدق لقاؤه بدا لك في تلك القلوص بداء 2: 389 طلبوا طلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء ب- 1: 15 كأن محربا من أسد ترج ينازلهم لنابه قبيب 1: 23 وقالت له العينان سمعا وطاعة وأبدت كمثل الدر لما يثقب 1: 25 لو رأينا التوكيد خطة عجز ما شفعنا الأذان بالتثويب 3: 29 بثينة من آل النساء وإنما يكن للأدنى لا وسال لغائب 3: 29 إليكم ذوى آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء وألبب 1: 30، 220 وحديثها كالغيث يسمعه راعي سنين تتابعث جديا 1: 37 ويصهل في مثل جوف الطوى صهيلا يبن العرب 3: 42 لا يمنع الناس منى ما أردت ول أععليهم ما أرادوا حسن ذا أدبا 3: 48 وعارضتها رهوا على متتابع شديد القصيرى خارجي محنب 3: 54، 240 في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا 2: 57 أناف على باقي الجمال ودففت بأنوار عشب مخضئل عوازبه 3: 59 وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب 3: 62، 319 لم تتلفع بفضل مئزرها دعد ولم تغذ دعد في العلب 1: 70 فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جمل رخو الملاط نجيب 1: 75، 2: 319، 342 سيروا بني العم فالأ واز منزلكم ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب 2: 82، 3: 170 خليلي لا يبقى على الدهر نادر بتيهورة بين الطخا فالعصائب 1: 81 يذرين جندل حائر لجنوبها فكأنما تذكى سنابكها الحبا 2: 98 أقلى اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا

3: 104 وإياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللشر جالب 3: 119 وكوني على الواشين لاء شغية كما أن للواشي ألد شغوب 2: 119 تسمع منها في السليق الأشهب معمعة مثل الأباء الملهب 2: 284، 3: 110 طعامهم إذا أكلوا مهنا وما إن لا تحاك لهم ثياب 2: 120 ولو أن ركبا يعموك لقادهم نسيمك حتى يستدل بك الركب 2: 121 وهي مكنونة تحير منها في أديم الخدين ماء الشباب 1: 121 على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب 2: 127 غربته العلا على كثرة النا س فأضحى في الأقربين جنيبا 2: 13 غضبت علينا أن علاك ابن غالب فهلا على جديك إذ ذاك تغضب 2: 133 إذا ذقت فاها قلت علق مدمس أريد به قبل فغودر في ساب 1: 334، 3: 136 كلمع أيدي مشاكيل مسلبة يندبن ضرب بنات الدهر والخطب 1: 330، 3: 146، 280 يصاحب الشيطان من يصاحبه فهو أذى جمة مصاربه 1: 147، 330، 2: 395 وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه 3: 147 ولي نعام بني صفوان زوزأة لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا 3: 150 يا عجبا لقد رأيت عجبا حمار قبان يسوق أرنبا 2: 171 أعاقر كذات رحم أم غانم كمن يخيب 2: 175 أعوذ بالله وبابن مصعب الفرع من قريش المهذب 2: 223، 3: 198 فلولا الله والمهر المفدى لرحت وأنت غربال الإهاب 3: 250 حيوا تماضر واربعوا صحبي وقفوا فإن وقوفكم حسبي 1: 202، 339 وجدتم بنيكم دوننا إذ نسيتم وأي بني الآخاء تنبو مناسبه 3: 207 وإذا أتاك يأنني قد بعثها بوصال غانية فقل كذبذب 2: 211 تدري فوق منيها قرونا على بشر وآنسة لباب 2: 219 لأنكحن بيه جارية خذبه

2: 230 حلفت يمنا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حس ظن بصاحب 1: 241 نظرت بسنجار كنظرة ذي هوى رأى وطنا فانهل بالماء غالبه 1: 263، 2: 349 لا بارك الله في الغواني هل يصبحن إلا لهن مطلب 2: 272 يطير قضاضا بينها كل قونس ويتبعها منهم فراش الحواجب 1: 312، 3: 278 أبلغ أبا دختنوس مألكة غير الذي قد يقال ملكذب 2: 283 طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب 2: 283 ثم قالوا تحيها قلت بهرا عدد الرمل والحصى والتراب 2: 283 أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب 3: 184، 299 حتى إذا دؤمت في الأرض راجعه كبر ولو شاء تجي نفسه الهرب 3: 284 ألم تر أني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب 3: 290 تمش بأعواف الجهاد أكفنا إذا نحن قمنا عن شواء مضهب 3: 293 أم هل ظعائن بالعلباء نافعة وإن تكامل فيها الدل والشنب 3: 294 لمياء في شفتيها حؤة لعس وفي اللئات وفي أنيابها شنب 1: 30 أستجدت الركب من أشياعهم خيرا أم عاود القلب من أطرابه طرب 2: 300 تلؤم يهياه بياه وقد مضى من الليل جوز وأسبطرت كواكبه 1: 301، 2: 179 ليلى قضيب تحته كثيب وفي القلاد رضأ وبيب 1: 302 كم أحرزت قضب الهندي مصلته تهتز من قضب تهتز في كثب 1: 368، 2: 356 أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا وأنجو إذا غم الجبان من الكرب 3: 307 فلما جلاها بالإيام تحيزت ثباتا عليها ذلها واكتئابها 2: 309 رمت عن قسى الماسخي رجالهم بأحسن ما يبتاع من ثيل يثرب 2: 316 نلوذ في أم لنا ما تغتصب من الغما ترتدي وتعتصب 2: 423، 3: 317 كلاهما حين جد الجوى بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي 3: 322 لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب

1: 327 أعددت للحرب التي أعنى بها قوافيا لم أعى باجتلابها 1: 326 بيضاء في تعج ضفراء في برج كأنها قصة قد مسها ذهب 1: 337 تعلم -ولو كاتمته الناس- أنني عليك -ولم أظلم بذلك- عاتب 3: 340 هذا رجائي وهذي مصر عامرة وأنت أنت وقد ناديت من كثب 1: 340 تقول ابنتي لما رأتني شاحبا كأنك فينا يا أبت غريب 2: 344 فما سؤذتني عامر عن وراثة أبي الله أن أسمو بأم ولا أب 2: 356 مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا يبين غرابها 2: 368، 369 والله ما زيد بنام صاحبه ولا مخالط الليان جانبه 1: 368، 3: 297 ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عينا بهن ولا اجتلابا 1: 369 تراد على دمن الحياض فإن تعف فإن المندى رحلة فركوب 2: 371 في وسط جمع بني قريط بعدما هتفت ربيعة يا بني حواب 2: 386 أتهجر ليلى الفراق حبيبها وما كان نفسا بالفراق يطيب 2: 403 ملوك يبتنون توارثوها سرادقها المفاول والقبابا 2: 417 أتهجر بيتا بالحجاز تلفعت به الخوف والأعداء من كل جانب 2: 431 لن تراها ولو تأملت إلا ولها في مفارق الرأس طيبا 2: 434 طافت أمامه بالركبان آونة يا حسنه من قوام ما ومنتقبا 2: 454 صبحن من كاظمة الخص الخرب يحملن عباس بن عبد المطلب 2: 461 عارضتنا أصلا فقلنا الربوب حتى أضاء الأقحوان الأشنب 2: 492 ومن الرجال أسنة مذروبة ومزندون شهودهم كالغائب ت- 1: 8 إذا اجتمعوا على فخل عنهم وعن باز يصك حباريات 2: 11 له نعل لا تطي الكلب ريحها وإن جعلت وسط المجالس شمت 1: 29 كأن لها في الأرض نسيا تقصه على أمها وإن تخاطبك تبلت

1: 35 ترى الأماعيز بمجمرات بأرجل روح محتبات 2: 37 يا قاتل الله بنى السعلات عمرو بن يربوع شرار النات 3: 129، 150 وللأرض أما سودها فتجللت بياضا وأما بيضها فأسوأدت 3: 155 أرى عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالبرهات 3: 172 يا رب إن أخطأت أو نسيت فأنت لا تنسى ولا تموت 2: 263 لما رأتني أم عمرو صدفت قد بلعت بي ذرأة فألحفت 2: 271 وطرت بالرحل إلى شملة إلى أمون رحلة فذلت 1: 280 إن العراق وأهله عنق إليك فهيب هينا 1: 291، 2: 282 وكيف لا أبكي على علاني صبائحي غبائقي فيلاتي 1: 284 أغار على معزاي لم يدر أنني وصفراء منها عبلة الصفوات 3: 298 من منزلي قد أخرجتني زوجتي تهر في وجهي هرير الكلبة 1: 305 الله نجاك بكفى مسلمت من بعد ما وبعد ما وبعدمت 1: 341 وإني وتهيامي بعزة بعدما تخليت مما بينننا وتخلت 1: 347 فمن يك سائلا عني فإني بمكة مولدي وبها وبيت 1: 359 هل ينجيني حلف شختيت أو فضة أو ذهب كبريت 2: 405 ولا تحسبن القتل محضا شربته نزارا ولا أن النفوس اسقترت 2: 418 يأيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت 2: 456 إذا البيضة الصماء عضت صفيحة بحربائها صاحت صباحا وصلت ج- 2: 87 شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج 2: 117 يا جهذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج 2: 117 ألا اسلمي اليوم ذات الطرق والعاج والدال والنظر المستأنس الساجي 2: 149 ما زلن ينسبن وهنا كل صادفة باتت تباشر غير أزواج

3: 154 وكنت أذل مني وتد بقاع يشجج رأسه بالفهر راجي 2: 251 يا رب بكر بالردافي واسج اضطره الليل إلى عواسج 1: 360 هل تعرف الدار لأم الخزرج منها فظلت اليوم كالمزرج 2: 306 كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريج ح- 1: 29، 219، 231 ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح 3: 37 وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تعتريحي 3: 37 قد كنت تخفي حب سمراء حقبة فبح لأن منها بالذي أنت بائح 3: 92 إن قوما منهم عمير أشها عمير ومنهم السفاح 3: 104 يا بؤس للحرب المنى وضعت أراهط فاستراحوا 2: 108، 3: 123 وأنت من الغوائل حين ترمي ومن قام الرجال بمنتزاح 2: 124 رمى الله في عيني بتينة بالقذى وفي الشنب من أنيابها بالقوادح 2: 128 دان مسف فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالسراح 3: 187 أبو بيضات رائح منأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح 3: 215 إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم ولا نصالحكم إلا على ناح 1: 220 أخذنا بأطراف الأحاديث بينشا وسالت بأعناق المعلى الأباطح 3: 255 كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح 2: 269 تمشي بجهم حسن ملاح أجم حتى هم بالصياح 2: 465، 3: 272 ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح 1: 269 ومستامة تسنام وهي رخيصة تباع بساحات الأيادي وتمسح 2: 271 وطرت بمنصلي في يعملات دوامي الأيد يخبطن السريحا 1: 331، 2: 392 فقد والشك بين لي عناء يوشك فراقهم صرد يصبح 1: 345 وفيهن والأيام يعثرن بالفتى نوادب لا يمللنه ونوائح

1: 349، 2: 467 وكان سيان ألا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السوح 1: 351، 357 ولقد رأيتك بالقوادم مرة وعلى من سدف العشى رياح 3: 355، 426 ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح 2: 367 فلما لبسن الليل أو حين نصبت به من خذا آذانها وهو جامح 2: 371 أبيت على مي كئيبا وبعلها على كالنقا من عالج يتبطخ 2: 378 نهيتك من طلابك أم عمرو بعاقبة وأنت إذ صحيح 2: 415 بعيد الغزاة فما إن يزا ل مضطمرا طرتاه طلبحا 2: 416 ألا لا يغرن أمرأ نوفلية على الرأس بعدي أو ترائب وضح 2: 433 يا ليت زوجتك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا 2: 460 بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح 2: 461 ذكرتك أن مرت بنا أم شادن أمام المطايا تشرئب وتسنح 2: 482 أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح خ- 3: 202 إن الدقيق يلتوي بالحنيخ حتى يقول بطنه جح جخ د- 2: 8، 3: 145 فإنك لا تدري متى المبوت جائي إليك ولا ما يحدث الله في غد 2: 13 أعن تغنت على ساق مطونة ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد 1: 23،، 3: 27 قالت له الطير تقدم راشدا إنك لا ترجع إلا حامدا 3: 27 أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدى أصابتني ولم ترد 2: 478، 3: 27 قالت له النفس إني لا أرى طمعا وإن مولاك لم يسلم ولم يصد 1: 28 لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا 3: 34 عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود

1: 39 لو وصل الغيث أينين امرأ كانت له قبة سحق بجاد 1: 41 وبيت قد بنينا فا رد كالكوكب الفرد 1: 43 الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسى بأشقر مزيد 1: 44 ودعته بدموعي يوم فارقني ولم أطق جزعا للبين مد يدي 1: 71 كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سقين بالنواصف من دد 2: 72 غاضها الله غلاما بعد ما شابت الأصداغ والرأس نقد 1: 75، 2: 342 تأتي قضاعة أن تعرف لكم نسبا وابنا نزار فأنتم بيضة البلد 2: 79 علام قتل مسلم تعبدا مذ سنة وخمسون عددا 2: 80، 3: 307 ما أعناد حب سليمى حين معتاد ولا تقضي بواقي دينها الطادي 1: 82 أمست مناها بأرض ما يبلغها بصاحب الهم إلا الجسرة الأجد 1: 84 تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا 2: 86 وغير لها من بنات الكداد بدهنج بالوطب والمزود 1: 162، 3: 89 وإن رأيت الحجج الرواددا قواصرا بالعمر أو مواددا 3: 93 ألا يا هند هند بني عمبلا أرث لأن وصلك أم جديد 2: 106، 300 إني امرؤ من بني خزيمة لا أحسن قنو الملوك والحفدا 2: 111 ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيرا لا يزال يزيد 2: 122 إذا جشمن قذفا عطؤدا رمين بالطرف مداه الأبعدا 1: 127 أريت إن جاءت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا 2: 150 كأن علوب النسع في دأياثها موارد من خلفاء في ظهر قردد 2: 150 أهوى لها مشقص حشر فشبرقها وكان يدعو قذافها الإثمد للقردا 3: 154 لبب السباع لنا كانت مجاورة وأننا لا نرى ممن نرى أحدا 3: 160 عداني أن أزورك أم عمرو دياوين تشقق في سواد 2: 172 فإن لم تنل مطلبا رمقه فليس عليك سوى الاجتهاد

2: 173 تمر به الأيام تسحب ذيلها قتيلي به الأيام وهو جديد 2: 176 إما تريني أصل القعادا وأتقى أن أنهض الإرعادا 2: 177 ويصبخ أحيانا كما اسـ ـتمع المضل لصوت ناشد 2: 177، 3: 148، 151، 222 لحب المؤقدان إلى مؤص وجعدة إذ أضاءهما الوقود 2: 207، 3: 321 يا عين هلا بكيت أربد إذ فمنا وقام الخصوم في كبد 1: 220 وحدثتني يا سعد عنها فزدتني جنونا فزدني من حديثك يا سعد 1: 230 إذا كنت عزهاة عن اللهو الصبا فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا 1: 241 من آل مية رائح أو مغتد عجلان ذا زاد وغير مزود 3: 252 شهدوا رغبنا عنهم فتحكموا فينا وليس كغائب من يشهد 3: 255 لما رأيت نساءنا يفحصن بالمعزاء شدا 2: 404، 405، 3: 259 لسنا كمن حلت إياد دارها تكريت ترقب حبها أن يحصدا 3: 265 كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل عن مستأنس وحد 1: 269 أما واحدا فكفاك مثلي فمن ليد تطاوحها أياد 3: 271 دار الفتاة التي كنا نقول لها يا ظبية عطلا حسانة الجيد 3: 274 فلا تحسبا هندا لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند 3: 274 لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ـح مغيرا ولا دعت يزيدا 2: 277 كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوة عند مفتأد 1: 317، 2: 285 مروا عجالي فقالوا كيف سيدكم فقال من سئلوا أمسى لمجهودا 2: 287 ألم تر أنثى ولكل شيء إذا لم تؤت وجهته تعاد 3: 297 إذا جاوزت من ذات عرق ثنية فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد 2: 300 وكيف ينال الحاجبية آلف بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا 3: 301 أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا 1: 334، 338 ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بني زياد

1: 307، 2: 319، 341 ومن يتق فإن الله معه ورزق الله مؤتاب وغاد 2: 313 إذا ما امرؤ ولي على بوده وأدبر لم يصدر بإدباره ودي 3: 325 ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا 3: 334 وإني لاتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان في غد 3: 340 بلاد بها كنا وكنا نحلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد 2: 340 وما كل مبتاع ولو سلف صفقه براجع ما قد فاته برداد 1: 340 سوى أبك الأدنى وإن محمدا علا كل عال يا ابن أم محمد 2: 344 إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها نزلن وأنزلن القطين المولدا 1: 346 أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا 2: 364 فقالت على اسم الله أمرك طاعة وإن كنت قد عودت ما لم أعود 2: 267 أصبح قلبي صردا لا يشتهي أن يردا 2: 374 فإن مت فانعيني بما أنا أهله وشقى على الجيب باينة معبد 2: 374 أهيم بدعد ما حييت فإن أمت أو كل بدعد من يهيم بها بعدي 2: 408 فزجحتها بمزجة زج القلوص أبي مزاده 2: 409 يا من رأى عارضا أمر به بين ذراعي وجيهة الأسد 2: 427 أسقى الإله عدوات الوادي وجوزه كل ملث غاد 2: 434 تسمح للأجواف منه صردا وفي اليدين جسأة وبدا 2: 436 نفاك الأغر ابن عبد العزيز وحقك تنفي من المسجد 2: 447 ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد 2: 457 نزلوا بأفقرة يسيل عليهم ماء الفرات يسبل من أطواد 2: 462 قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد 2: 481 كيما أعدهم لأبعد منهم ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد

ر- 1: 8 فتبازت فتبازخت لها جلسة الجازر يستنجى الوتر 2: 11 وجبلا طال معد فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر 1: 15 فإن القوافي ينلجن موالجا تضايق عنها أن تولجها الإبر 1: 16 حتى اتقوني وهم مني على حذر والقول ينفذ ما لا يتنفذ الإبر 1: 16 عناب بأطراف القوافي كأنه طعان بأطراف القنا المنكسر 1: 128، 3: 19، 360 له زجل كأنه صوت حاد إذا تبع الوصيقة أو زمير 2: 23 إسلم براورق حبيت به وانعم صباحا أيها الجير 2: 24 بنت عليه الملك أطنابها كأس ونوناة وطرف طمر 2: 24 خلو طريق الديوبون وقد فات الصبا وتنوزع الفجر 2: 24 حنت قلوصي إلى بأبوسنها جزعا فما حنبنك أم ما أنت والذكر 2: 25 وإنما العيش بربانه وأنت من أفنانه مقتفر 2: 25 كأنها بنقا العزاف طارية لما انطوى بطنها واخروط السفر 2: 26 مارية لؤلؤان اللون أودها طلى وبنس عنها فرقد خصر 3: 30 ألا قبح الإله بنى زياد وحى أبيهم قبح الخمار 1: 30، 3: 305 لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا تزر 3: 31 إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر 2: 200، 3: 34 وإن قال غار من تنوخ قصيدة بها جرب عدت على بزوبرا 2: 38 لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إلى لامت ذوو أحسابها عمرا 1: 39 قوم إذا اخضرت نعالهم يتناهقون تناهق الحمر 2: 41 وبشرة يأبونا كأن خباءنا جناح سماني في السماء تطير 3: 43، 171 ري كأن من يكن له تسب يحـ ـبب ومن يفتقر بعش عيش ضر 1: 45 الله يعلم أنا في تلفننا يوم الفراق إلى أحبابنا صور

2: 52 فباتت تشتوي والليل داج ضماريط استها في غير نار 3: 55 لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغض الموت ذا الغنى والفقيرا 3: 60 ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر 3: 61 ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا سجر 2: 270، 319، 342، 3: 62 أنا ابن دارة معروفا بها نسبي وهل بدارة يا للناس من عار 1: 75، 3: 97 رحت وفي رجليك ما فيهما وقد بدا عنك من المئزر 1: 75 فلما تبين غب أمري وأمره ودلت بأعجاز الأمور صدور 1: 80 قليلا على ظهر المطية ظله سوى ما نفى عنه الرداء المحبر 2: 87 كبنات البخر يمأذن إذا أثبت الصيف عساليج الخضر 3: 87 وفوارس كأوار حـ ـر الناس أحلاص الذكور 2: 88، 3: 185 أبني إن أباك غير لونه كر الليالي واختلاف الأعصر 3: 91، 169 وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه أطاف بنا والليل داجي العساكر 1: 91 لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفى بالسرور 3: 96 من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر 1: 97 مالك لا تذكر أو تزور بيضاء بين حاجبيها نور 2: 99 شئز جنبي كأني مهدأ جعل القين على الدف إبر 3: 108 بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غنى مضر 1: 108، 3: 323 زمان على غراب غداف فطيره الشيب عني فطارا 2: 118 ذروا التخاجؤ وامشوا مشية سحجا إن الرجال ذوو عصب وتذكير 2: 128 وأقبل يزحف زحف الكسير سباق الرعاء البطاء العشارا 2: 140 لا تلسمن أبا عمران حجته ولا تكونن له عونا على عمرا 1: 144 بات ابن أسماء يعشوه ويصبحه من هجمة كأشاء النخل درار 3: 148، 284 إذا ضفتهم أو سآيلتهم وجدت بهم على حاضره

1: 153 لقد عيل الأيام طعنة ناشره أناشر لا زالت يمينك آشره 2: 153 إذا نزل الحي حل الجحيش شقبا غويا مبينا غيورا 3: 170 أقول للضحاك والمهاجر إنا ورب القلص الضوامر 2: 171، 180 فقال ثكل وغدر أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار 2: 173، 181 حتى كأن لم يكن إلا تذكره والدهر أينما حال دهارير 2: 173 كلا ورب البيت ذي الأستار لأهتكن حلقة الحتار 3: 173 وللأرض كم من صالح قد تودأت عليه فوارته بلماعة قفر 3: 174 وغلت بهم سحجاء جارية تهوي بهم في لجة البحر 2: 175 على أنها إذ رأتني أفاد تقول بما قد أراه بصيرا 3: 177 يا عاذلاتي لا تردن ملامتي إن العواذل لسن لي بأمير 3: 178 إني إذا ما خبت نار لمرملة ألقى بأرفع تل رافعا ناري 2: 178، 3: 151 إذا اجتمعوا على وأشقذوني فصرت كأنني قرأ متار 2: 179، 477 جازت البيد إلى أرحلنا آخر الليل بيعفور خدر 3: 180 قتلت قتيلا لم ير الناس مثله أقبله ذا تومتين مسورا 3: 184 ولم يستريتوك حتى علو ت فوق الرجال خصالا عشارا 2: 185 ولا ألوم البيض ألا تسخرا وقد وأين الشمط القفندرا 1: 186، 3: 239 فلست يالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر 3: 191 أقلب طرفي في الفوارس لا أرى حزاقا وعيني كالحجاة من القطر 1: 192 يقول من تطرق أسمعه كم ترك الأول للآخر 3: 197 وما أييلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا 1: 308، 2: 297 بالوارث الباعث الأموات قد ضمت إياهم الأرض في دهر الدعارير 1: 308، 2: 197 فما تبالى إذا ما كنت جارتنا ألا باوونا إلاك ديار 2: 199، 427، 3: 34 أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر

2: 200، 3: 264، 268 إنا اقتسمنا خطتينا بيننا فحملت برة واحتملت فجار 1: 282، 2: 256، 3: 203 بجفان تعتري نادينا وسديف حين هاج الصنير 3: 205 فهي بداء إذا ما أقبلت فخمة الجسم رداح هيدكر 1: 208 وكنت أمشي على رجلين معتدلا فصرت أمشي على أخرى من الشجر 2: 214 فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها فأول راضي سنة من يسيرها 1: 214 أأصبح جاراهم قتيلا ونافيا أصم فزادوا في مسامعه وقرأ 2: 217 إن الأنام رعايا الله كلهم هو السليطط فوق الأرض مستطر 1: 229 وخطرت فيه الأيادي وخطر وأي إذا أورده الطعن صدر 2: 230، 322 أصحوت اليوم أم شافتك هو ومن الحب جنون مستعر 2: 230 فقداء لبنى قيس على ما أصاب الناس من سوء وضر 3: 232 يا لبكر أنشروا لي كليبا يا لبكر أين أين الفرار 2: 237 عز على ليلى بذي سدير سوء مببتي ليلة الغمير 1: 240 يقولون لي شنبذ ولست مشنبذا طوال الليالي ما أقام ثبير 3: 257 فأصممت عمرا وأعميته عن الجود والمجد يوم الفخار 3: 265 لا هناك الشغل الجديد يجزوى عن رسوم برامتين قفار 1: 259 ولو رضيت يداي بها وضنت لكان على في القدر الحيار 2: 264 ورازقى مخطف الخصور كأنه مخازن البلور 2: 265 موسى القمر غيث بكر 1: 264 فقلت له لاتيك عينك إنما تحاول ملكا أو تموت فتعذرا 2: 265 وعند سعيد غير أن لم أبح به ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر 2: 267 فقصرن الشتاء بعد عليه وهو اللذود أن يقسمن جار 2: 269 وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر 2: 268 خبلت غزالة قلبه بفوارس تركت منازلة كأمس الدابر

3: 277 ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر 2: 280 ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعاتك القطر 1: 282، 2: 240 هل عرفت الدار أو أنكرتها بين تيراك فشى عبقر 2: 282 فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوتي وقالوا من ربيعة أو مضر 3: 284 فما روضة بالحزن طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها وعرارها 2: 284 بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غنى مضر 3: 385 وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر 2: 288 جلاها الصيقلون فأخلصوها خفافا كلها يتقي بأثر 2: 291 هينون لينون أيسار ذوو كرم سواس مكرمة أبناء أيسار 3: 394 كأن الغطامط من غليه أراجيز أسلم تهجو غفارا 3: 296 أبرق وأرعد يا يزيـ ـد فما رعيدك لي بضائر 3: 300 بضرب كآذان الفراء فضوله وطعن كإيزاغ المخاض تبورها 3: 303 قد كن يخبأن الوجوه تسترا فالآن حين بدأن للنظار 3: 303 من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار 1: 302 ترى خلفها قصفا قناة قويمة ونصفا نقا يرتج أو يتمرمر 3: 305 وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الحمر 1: 304 جمالية تفتلي بالرداف إذا كذب الآثمات الهجيرا 3: 306 من كان لا يزعم أني شاعر فيدن مني تنهه المزاجر 2: 308 أولى فأولى يامرأ القيس بعدما خصفن بآثار المطى الحوافرا 1: 311 كأنهما ملان لم يتغيرا وقد مر للدارين من بعدنا عصر 2: 314 شدوا المطى على دليل دائب من أهل كاظمة بسيف الأبحر 1: 316، 317 ثمانين حولا لا أرى منك راحة لهنك في الدنيا لباقية العمر 1: 317 ثمت يغدو لكان لم يشعر رخو الإزار زمخ التبختر

3: 167، 324 على لا حب لا يهتدي بمناره إذا ساقه العود النباطي جرجرا 3: 324 لا تفزع الأرنب أهوالها ولا يرى الضب بها ينجحر 3: 325 وطعنة مستبسل ثائر ترد الكنية نصف النهار 3: 328، 338 حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر 1: 331، 2: 396 معاوي لم ترع الأمانة فارعها وكن حافظا لله والدين شاكر 1: 335 خربع دوادي في ملعب تأزر طورا وترخى الإزارا 2: 336 قضين حجا وحاجات على عجل ثم استدرن إلينا ليلة النفر 3: 338 تفوقت مال ابني حجير وما هما بذي حطمة فإن ولا ضرع غمر 1: 341 إني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصرا 1: 346 يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقبنكم في سوءة عمر 2: 349 فلتأتينك قصائدي وليدفعا جيشا إليك قوادم الأكوار 1: 349 فبان حرب أو تبوءوا بمثله وقد يقيل الضيم الذليل المسير 1: 356 ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا 2: 369 مالك عندي غير سهم وحجر وغير كبداء شديدة الوتر 2: 377 أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميما ببطن الشأم أم متساكر 2: 382 إذا ابن أبي موسى بلال بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر 2: 390 فلم أرقه إن يتج منها وإن يمت فطعنة لاغس ولا بمغمر 2: 392 فلما للصلاة دعا المنادي نهضت وكنت منها في غرور 2: 393 ولقد أجمع رجلي بها حذر الموت وإني لفرور 2: 396 إلى ملك ما أمه من محارب أبوه ولا كانت كليب تصاهره 2: 399 فليست خراسان التي كان خالد بها أسد إذ كان سيفا أميرها 2: 407 هما خطنا إما إسار ومنة وإما دم والقتل بالحر أجدر 2: 409 إلا بداهة أو علا له قادح نهد الجزاره

2: 416 إن امرأ غره منكن واحدة بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور 2: 419 فكان مجنى دون من كنت أتقى ثلاث شخوص كأعبان ومعصر 2: 419 فإن كلايا هذه عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر 2: 420 لا تشربا لبن البعير وعندنا عرق الزجاجة واكف المعصار 2: 424 وإذا ذكرت أبالك أو أيامه أخزاك حيث تقبل الأحجار 2: 424 فقلنا أسلموا إني أخوكم فقد سلمت من الإحن الصدور 3: 427، 430 إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تعزبت عنها أم عمار 2: 433 تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه ثاب له وفر 2: 435 وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذي أثير 2: 436 وما راعني إلا يسير بشرطة وعهدي به فينا يفش بكير 2: 44 تحاذو وقع السوء خوصاء ضمها كلال فجالت في حجا حاجب ضمر 2: 444 علوت مطا جوادك كل يوم وقد ثمد الجياد فكان بحرا 2: 446 تغلغل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير 2: 447 فرعت ظنابيب الهو يوم عالج ويوم البقا حتى فسرت الهوى قسرا 2: 469 وظاهر لها من يابس الشخت واستعن عليها الصبا واجعل يديك لها سترا ز- 1: 31، 221 وحديثها السحر الحلال لو أنه لم يحن قتل المسلم المتحرز 1: 39 قد كنت تأمنني والجدب دونكم فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا 3: 118 حذاها من الصيداء نعلا طراقها حوامي الكراع المؤبدات العشاوز 2: 133 هذا الزمان مول خيره آزي صارت رءوس به أذناب أعجاز 3: 205 إذا أردت طلب المفاوز فاعمد لكل بازل ترامز 3: 220 إن تك ذا بز فإن بزى صابغة فوق وأي إوز 2: 432 لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها لأولادها ثنتا وما بيننا عنز

س- 3: 46 إذا شق برد شق بالبرد مثله دواليك حتى كلنا غير لابس 3: 105، 111 فأين إلى أين النجاء ببلغتى أتاك أتاك اللاحقوق احبس احبس 1: 127 إضرب عنك الهموم طارتها ضربك بالسيف قونس الفرس 1: 132 إذ ما أثبت إلى الرسول فقتل له حقا عليك إذا اطمأن المجلس 2: 172 أمر غد أنت منه في لبس وأمس قد فات قاله عن أمس 2: 177 ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي 1: 31، 2: 178، 179 ورمل كأوراك العذارى قطعته إذا ألبسته المظلمات الحنادس 3: 194 أأن رأيت أسدا فرانسا الوجه كرها والجبين عابسا 3: 204 كأن ريح دبرات خمس وظربانا بينهن يفسى 3: 207 من زل عن قصد السبيل ترايلت بالسيف هامته عن الدردافس 2: 212 سبحلا أبا شرخين أحيا بنانة مقاليتها فهي اللباب الحبائس 1: 246 تقول وصكت وجهها بيمينها أبعلى هذا بالرحى المتقاعس 3: 261 أزمعت بأسا مبينا من نوالكم ولن ترى طاردا للحر كالياس 3: 274 فله هنالك لا عليه إذا دفعت أنوف القوم للنعس 3: 305 يا صاح ياذا الضامر العنس والرحل ذي الأقتاد والحلس 1: 368، 2: 306 أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا وأنجو إذا لم ينح إلا المكيس 3: 321 يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس 1: 346 ألق الصحيفة لا أبا لك إنه يخشى عليك من الحباء التقرس 2: 379 فهذا أوان العرض حي ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس 2: 440 خلا أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس 2: 469 وموضع زبن لا أريد مبينه كأبي به من شدة الروع آنس 2: 491 من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

ص- 3: 338 كلا أبويكم كان فرع دعامة ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا ض- 1: 72 فوالله لا أنسى قتيلا رزئته بجانب قومي ما مشيت على الأرض 2: 98، 99 داينت أروى والديون تقضي فمطلت بعضا وأدت بعضا 2: 172 بلى إنها تعفو الكلوم وإنما نوكل بالأذنى وإن جل ما يمضي 1: 304، 2: 179 وقربوا كل جمالي عضه قريبة ندوته من محمضه 3: 180 قد سبق الأشعر وهو رابض فكيف لا يسبق إذ يراكض 3: 213 يا من لعين لم تذق تغميضا وما فيبن اكتحلا مضيضا ط- 1: 335، 3: 63 أبيت على معاري واضحات بهن ملوب كدم العباط 2: 213 ما راعني إلا جناح هابطا على البيوت قوطه العلابطا ظ- 2: 236 وحسد أوشلت من حظاظها على أحاسي الغيظ واكتظاظها ع- 1: 6 وسرب كعين الرمل عوج إلى الصبا رواعف بالجودي حور المدامع 3: 29 فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا 3: 33 إذا ما كانت مثل ذوي عدي ودينار فقام على ناع 1: 33 ولو أني أشاء كنت نفسي إلى بيضاء بهكنة شموع

2: 36 لو ساوقتنا بسوف من تحيتها سوف العيوف لراح الراكب قد قنعوا 2: 47 تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضرطري لولا الكمي المقنعا 3: 55 إذا المرء لم يخش الكريهة أو شكت حبال الهويني بالفتى أن تقطعا 1: 293، 3: 63 قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنبا كله لم أصنع 1: 100 ليت شعري عن خليل ما الذي غاله في الحب حتى ودعه 2: 114 الألمعي الذي يظن بك الظـ ـن كأن قد رأى وقد سمعا 3: 124 يطرق حلما وأناة معا ثمت ينباع اتبياع الشجاع 2: 124 بينا تعنقه الكماة وروغه يوما أتيح له جريء سلقع 2: 130 لله بيني وبين قيمها يفر مني بها واتبع 2: 138 يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع 3: 154 راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزازة لا هناك المرتع 1: 64، 264، 3: 165 لما رأى أن لا دعة ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فالطجع 2: 169 تراهم يغمزون من استركوا ويجتنبون من صدق المصاعا 3: 172 وما جلس أبكار أطاع لسرحها جنى ممر بالواديين وشوع 2: 180، 470 لها مالها حتى إذا ما تبرأت بأخفاقها مأوى تبوأ مضجعا 3: 195 فأصبحت مهموما كان مطبتي بجنب مسولي أو بوجرة ظالع 2: 210 قد جربوه فما زادت تجاربهم أبا قدامة إلا المجد والفنفا 3: 219 وقد يكون أطربون الروم قطعها فإن فيها بحمد الله منتفعا 1: 240 ماذا لقينا من المستعربين ومن قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا 3: 27 إن الذئاب قد اخضرت براثنها والناس كلهم بكرا إذا شبعوا 2: 277 كأن دريئة لما التقينا لنصل السيف مجتمع الصداع 2: 278 قصرت له القبيلة إذ تجهنا وما ضاقت بشدته ذراعي 2: 294، 318، 3: 205 فألحقت أخراهم طريق أولاهم كما قيل نجم قد خوى متتابع

3: 295 فما جينوا أني أشد عليهم ولكن رأوا نارا تحش وتسفع 3: 298 فبكى بناتي شجرهن وزوجتي والظامعون إلى ثم تصدعوا 3: 209 وذات هدم عار نواشرها تصمت بالماء تولبا جذعا 3: 311 واحدة أعضلكم شأنها فكيف لو قمت على أربع 3: 313 وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا 2: 216 هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدها 2: 216 يعثرن في حد الظبات كأنما كسيت برود بني تزيد الأذرع 2: 216 كلا جانبيه يعسلان كلاهما كما اهتز خوط التبعة المتتابع 3: 317 أبيت بأبواب القوافي كأنما أذود بها سريا من الوحش نزعا 1: 351 يا رب أباز من العفر صدع تقبض الذئب إليه واجتمع 1: 363 إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع 2: 383 أبا خراشة أما أنت ذا نفسر فإن قوي لم تأكلهم الضبع 2: 411 وإن الغني لي لو لحظت مطالبي من الشعر إلا في مديحك أطوع 2: 420 لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع 2: 422 بأن الخليط برامتين فودعوا أو كلما ظعنوا لبين تجزع 2: 425 أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن شريكه تطمع نفسه كل مطمع 2: 428 فكرت تبتغيه فوافقته على دمه ومصرعه السباعا 2: 437 جزعت حذار البين يوم تحملوا وحق لمثلي يا بثينة يجزع 3: 336 عتب الساعة الساعة أموت الساعة الساعة ف- 1: 9 عودا أحم القرى إزمولة وقلا يأتي تراث أبيه يتبع القذفا 1: 26 للظل رهينا خاشع الطرف حطه تخلب جدوى والكلام الطرائف

3: 51 إذ نهى السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف 1: 150 وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف 2: 128 أناخ بذي نفر بركه كأن على عضديه كتافا 2: 168 كانت هي الوسط الممنوع فاحتلبت ما حولها الخيل حتى أصبحت طرقا 3: 169 لا أظلم النأى قد كانت خلائفها من قبل وشك النوى عندي نوى قذفا 1: 261 وفيك إذا لاقيتنا عجرفية مرارا فما نستبع من يتعجرف 1: 283، 439 وما دمية من دمى ميسنا ن معجبة نظرا واتصافا 1: 287 وإني من قوم بهم يتقي العدا ورأب الثاي والجانب المتخوف 2: 294، 344 وأن يعربن إن كسى الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف 1: 296 أجد الركب بعد غد خفوف وأمست من ليانتك الألوف 3: 300 أقبلت من عند زياد كالخرف تخط رجلاي بخط مختلف 2: 309 أرمي على شريانة قذاف تلحق ريش النبل بالأجواف 3: 340 إذا الناس ناس والبلاد بغرة وإذا أم عمار صديق مساعف 2: 427، 43 تواهق رجلاها يداها ورأسه لها قتب خلف الحقيبة رادف 2: 432 كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا 2: 450 لعمري لقد أحببتك الحب كله وزدتك حيا لم يكن قبل يعرف ق- 1: 10، 3: 294 تراقب عيناها القطيع كأنما يخالطها من مسه مس أولق 1: 24 قد قالت الأنساع للبطن الحق قدما فاضت كالضمير المحنق 3: 30 يا مو إن أباك حي خويلد قد كنت خائفة على الإحماق 2: 64، 480، 3: 117 بني عقيل ماذه الخنافق المال هدى والنساء طالق 3: 147 يا دار مي بدكاديك البرق صبرا فقد هيجت شوق المشنئق

3: 159 حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ولا نسأل الأقوام عقد المباثق 3: 179 يا ناق ذات الوخد والعتيق أما ترين وضح الطريق 1: 217 إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما أو أسود اللون إني أبيض الخلق 1: 217 سودت فلم أملك سوادي وتحته قميص من القوهي بيض بتائقه 2: 218 إذا ما استحمت أرضه من سمائه جرى وهو مودوع ورأعد مصدق 2: 222 ووالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق 1: 228 ساءها ما تأملت في أيادبـ ـنا وإشناقها إلى الأعناق 2: 234 لقد تعللت على أيانق ذوات ينهضن بغير سائق 1: 265، 2: 322، 235 وقائم الأعماق خاوي المحترق مشتبه الأعلام لماع الخفق 1: 266 رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرق 3: 286 ويأمر لليحموم كل عشية بقت وتعليق فقد كاد يسنق 2: 289 وقد تخذت رجل إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق 2: 294.......................... وما قرقر قمر الواد بالشاهق 3: 300 بضرب كأذان الفراء فضوله وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق 1: 308 إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق 2: 334 فلو ترى فيهن سر العتق بين كماتي وحو بلق 2: 379، 371 أتته بمجلوم كأن جينه صلاءة ورس وسطها قد تفلقا 2: 422 فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولكن عظم الساق منك دقيق 2: 439 وسائلة يثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوق 2: 477 يا نفس صبرا كل حي لاق ولك إثنين إلى افتراق 2: 481 أميل مع الذمام على ابن عمي وأحمل للصديق على الشقيق

ك- 1: 7 كأن على أنيابها كل صدقة صياح البوازي من صريف اللوائك 1: 111، 2: 285، 3: 110 ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم تخالج الأمر إن الأمر مشترك 1: 123، 2: 123............. تنوقت به حضرميات الأكف الحوائك 2: 176 وكم دون الثوبة من حزين يقول له قدومي ذا بذاكا 2: 188 وقفت له علوي وقد خام صحبتي لأبني مجدا أو لأثأر هالكا 2: 391، 3: 334، 335 يا حكم الوارث عن عبد الملك أوديت إن لم تحب حبو المعتنك ل- 1: 11، 3: 295 يتبعن سامية العينين تحسبها مذعورة أو ثرى مالا ترى الإبل 1: 12، 3: 147 كأني بغتخاء الجناحين لقوة دفوف من العقبان طأطأت شمالا 3: 17 كأن ريح المسك والقرنفل نباته بين التلاع السيل 1: 17 كأن صوت جرعها تساجل هاتيك هاتا حثي تكايل 2: 20 ألا نادت أمامة باحتمال لتجزنني فلا بك ما أبالي 1: 23 لو أنني أوتيت علم الحكل علم سليمان كلام النمل 1: 27 تراها الضيع أعظمهن رأسا جراهمة لها حرة وثيل 1: 25 فلو قدر السنان على لسان لقال لك السنان كما أقول 3: 35 وإن يبغ ذا ودي أخي أصع مخلصا ويأبى فلا يعيا على حويلي 1: 210، 2: 33، 172 رأي الأمر يفضي إلى آخر قصير آخره أولا 2: 34 من كل مشترف وإن بعد المدى ضرم الرقاق مناقل الأجرال 2: 37، 285 أبي جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله 1: 41 لسنا وإن كرمت أوئلنا يوما على الآباء نتكل 3: 44 على ذات لوث أو بأهوج شوشو صنيع نبل بملأ الرحل كاهله

3: 44 هيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله 1: 44 فقلت لها ما بي لهم من ترقب ولكن سرى ليس يحمله مثلي 2: 50 عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فتسل 1: 70 أعنى على برق أريك وميضة كلمع اليدين في الحق المكلل 1: 71 أني اهتديت لتسليم على دمن يالغمر غيرهن الأعصر الأول 2: 74 لي كل يوم من ذواله ضغث يزيد على إباله 1: 75، 3: 98 فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل 3: 78 صم صداها وعقار سمها واستعجمت عن منطق السائل 1: 85 فتى قد قد السيف لا متآزر ولا رهل لباته وبآدله 1: 80 وقد رابني من جعفر أن جعفرا يبث هوى ليلى ويشكو هوى جمل 1: 82، 2: 440 حين ألقت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل 1: 99 هنالك إن يستخولوا المال يخولوا وإن يسألوا يعطوا وإن يبسروا يغلوا 2: 85 عزز منه وهو معطى الإسهال ضرب السواري متنه بالتهنهال 2: 86 كأن رعن الآل منه في الآل بين الضحى وبين قيل القيال 2: 288، 3: 91 زيادتنا نعمان لاتنسينها تق الله فينا والكتاب الذي تتلوا 2: 92 كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ورجرج بين لحييها خناطيل 2: 97 كهداهد كسر الرماة جناحه يدعو بقارعة الطريق هديلا 1: 97 سيكفيك الإله ومستمات كجندل لبن تطرد الصلالا 1: 98، 2: 222 أعاشي بعدك واد ميقل آكل من حوذانه وأنسل 3: 83 يخفي التراب بأظلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل 3: 104 أبوك أبوك أريد غير شك أحلك في المخازي حيث حلا 3: 105، 168 نطعتهم سلكي ومخلوجة كرك لامين على نابل 2: 397، 3: 109 لو كنت في خلفاء عن رأس شاهق وليس إلى منها النزول سبيل

2: 119 إذا تقوم يضوع المسك أصورة والعنبر الورد من أردانها شمل 2: 122، 207 إذا نزل الأضياف كان عذورا على الحي حتى تستقل مراجله 3: 126 ممكورة جم العظام عطبول كأن في أنيابها القرنفول 2: 128 وألقى بصحراء الغيط بعاعه نزول اليماني ذي العياب المحمل 2: 131 قد كان فيما بيتنا مشاهله ثم تولت وهي تمشي البأدلة 2: 132، 3: 293 بساقط عنه روقه ضارياتها سقاط حديد القين أخول أخولا 1: 135 حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا كأننا ومن قف يرفع الآلا 3: 137 ألا لا بارك الله في سهيل إذا ما الله بارك في الرجال 2: 139 حوضا كأن ماءه إا عسل من آخر الليل رويزي شمل 3: 152 لأم الأرض ويل ما أجنت غداة أضر بالحسن السبيل 3: 153 تضب لئات الخيل في حجراتها وتسمع من تحت العجاج لها أزملا 2: 155 كأني ورحلي إذا هجرت على جمزي جازي، بالرمال 2: 158 ظلت وظل يومها حوب حل وظل يوم لأبي الهجنجل 2: 161 فيوما يجازين الهوى غير ماضي ويوما ترى منهن غولا تغول 2: 169 السالك الثغرة اليقظان كالثها عشى الهلوك عليها الخيصل الفضل 2: 169 ممقر مر على أعدائه وعلى الأدنين حلو كالعسل 2: 173 خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل 2: 173 نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول 2: 365، 3: 175 فملك بالليط الذي تحت فشرها كغرقيء بيض كنه القبض من على 3: 175 أبعد ابن عمرو من آل الشريـ ـد حلت به الأرض أثقالها 3: 179 فإن تبخل سدوس بدر هميها فإن الريح طيبة قبول 3: 194 كأن دثارا حلقت بلبونة عقاب تنوفى لا عقاب القواعل 3: 199 فشايع وسط ذوودك مقبثنا لتحسب سيدا ضيعا تبول

2: 204 متى يشنجر قوم تقل سرواتهم هم بيننا فهم رضا وهم عدل 2: 204، 3: 262 ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل وضنت علينا والضنين من البخل 2: 203 فاذكرني موقفي إذا التقت الخبـ ـل وسارت إلى الرجال الرجالا 3: 216 ولنعم مأوى المستضعيف إذا دعا والخيل خارجة من القسطال 3: 220 أتتنا رياج الغور من نحو أرضها يريح خرنباش الصرائم والحقل 1: 220 وإن حديثا منك لو تبذلينه جنى النحل في ألبان عوذ مطافل 1: 297، 3: 229 اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكونة الطلل 1: 277، 2: 377، 3: 231 فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثؤب قال يالا 2: 241 قالوا ارتحل فاخطب فقلت هلا إذ أنا روتاي معا فانفلا 2: 246 إني امرؤ أضفى الخليل الخله أمنحه ودي وأرعى إله 3: 300 أستغفر الله ذنبا لست محصية رب العباد إليه الوجه والعمل 3: 256 إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم مصاد لمن يأوى إليهم ومعقل 2: 257 يا خليلي أربعا واستخبرا الـ ـمنزل الدارس من وحي حلال 2: 406، 3: 260 كذلك تيك وكالناظرات صواحبها ما يرى المسحل 1: 270 كأنه بالصحصحان الأنجل قطن سخام بأيادي غزل 2: 273 سأحمل نفسي على آلة فإما عليها وإما لها 3: 277 ألكني إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا 2: 286 فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي 1: 286، 3: 152 رسم دار وقفت في طلله كذت أقضى الغداة من جلله 3: 288 تقاك بكعب واحد وتلده يداك إذا ماهز بالكعب يعسل 3: 289 في داره تقسم الأزواد بينهم كأنما أهله منها الذي اتهلا 1: 289 قاتلي القوم يا خزاع ولا يأخذكم من قتالهم فشل 1: 292 عجل لنا هذا وألحقنا بذا الـ ـحم إنا قد مللناه بجل

1: 295 جزى ربه عنى عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاديات وقد فعل 1: 302 كدعص النقا يمشي الوليدان فوقه بما احتسبا من لين ممن وتسهال 1: 203 نحن ركب ملجن في زي ناس فوق طير لها شخوص الجبال 2: 307 إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتكل 2: 311 ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل 2: 315 وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه على كل حال من غمار ومن وحل 2: 315 وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال 3: 319 أبكى إلى الشرق ما كانت منازلها مما يلي الغرب خوف القبل والقتال 2: 319، 342 فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل 3: 321 وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا 1: 332، 337 وقد أدركتني والحوادث جمة أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل 2: 337 علمنا إخواننا بنو عجل الشعربي واعتقالا بالرجل 1: 337 ذاك الذي وأبيك تعرف مالك والحق يدفع ترهات الباطل 1: 338 أتنسى لا هداك الله لبلى وعهد شبابها الحسن الجميل 1: 338 أراني ولا كفران لله أية لنفسي لقد طالبت غير منيل 1: 339 أراني ولا كفران لله إنما أواخي من الأقوام كل بخيل 1: 345 فاقنى حياءك لا أبالك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل 1: 356 هو الجواد ابن الجواد ابن سهل إن دوموا جاد وإن جادوا وبل 2: 370 أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل 2: 375 إن محلا وإن مرتحلا وإن في السفر إذ مضوا مهلا 2: 376 خلا أن حيا من قريش تفضلوا على الناس أو أن الأكارم نهشلا 2: 386 أبو حنش يؤرقني وطلق وعمار وآونة أثالا 2: 388 قلت إذا أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا

2: 397: 398 يوما تراها كمثل أردية العصـ ـب ويوما أديمها فعلا 2: 398 فصلقنا في مراد صلقة وصداء ألحقتهم بالثلل 2: 402 نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل 2: 403 أيا ابن أناس هل يمينك مطلق فداها إذا عد الفعال شمالها 2: 403 يبني الرجال وغيره يبنى القرى شتان بين قرى وبين رجال 2: 406 كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل 2: 411 تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل 2: 411 ولقد أردت نظامها فتواردت فيها القوافي جحفلا عن جحفل 2: 12 فأضحت مغانيها قفارا وسومها كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل 2: 413 فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها 2: 414 ثلاثة أنفس وثلاثة ذود لقد جار الزمان على عيالي 2: 418 لو كان في قلبي كقدر قلامة حبا لغيرك قد أتاها أرسلي 2: 421 رمية أحسن الثقلين جيدا وسالفة وأحسنه قذالا 2: 425 ألا زعمت بسياسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن الر أمثالي 2: 431 عالي الهوى مما يعذب مهجتي أروية الشعف التي لم تسهل 2: 435 فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه من يومه ظلم دعج ولا جبل 2: 439 أبوك عطاء الأم الناس كلهم فقبحت من نجل وقبح من نسل 2: 446 شكوت إليها حبها المتغلغلا فما زادها شكواي إلا تدللا 2: 447 ذهوب بأعناق المطي عطاؤه عزوم على الأمر الذي هو فاعله 2: 447 غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غفت لضحكته رقاب المال 2: 461 أقول لظبي يرتعي وسط روضة أأنت أخو ليلى فقال يقال 2: 476 لات هنا ذكرى جبيرة أم من جاء منها بطائف الأهوال 2: 477 أفاءت بن مروا ظلما دماءنا وفي الله إن لم يحكموا حكم عدل

2: 477 بنزوة ل بعد ما مر مصعب بأشعث لا يفلي ولا هو يقمل 2: 493 إلا يكن مال يثاب فإنه سيأتي ثنائي زبدا ابن مهلهل م- 2: 13 أعن ترسمت من خرقاء منزلة ماء الصبابة من عينيك مسجوم 2: 20 رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال وما أغاما 1: 22 قوارص تأتيني ويحتقرونها وقد يملأ القطر الإناء فيفعم 3: 24 لئن قضيت الشأن عن أمري ولم أقض لباناتي وحاجات النهم 1: 24 فصبحت والطير لم تكلم جابية طمت بسيل مفعم 1: 25 لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي 3: 31 لا ينعش الطرف إلا ما تخونه داع يناديه باسم الماء مبغوم 1: 34 ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم 2: 37 وإذا قلت نعم فاصبر لها بنجاح الوعد إن الحلف ذم 3: 40 هنا وهنا هنا لهن بها ذات الشمائل والأيمان هينوم 1: 40 فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه فسما إليه كهلها وغلامها 3: 45 هيهات منزلنا بنعف سويقة كانت مباركة من الأيام 3: 46 أولمت يا خنوت شر إيلام في يوم نحس ذي عجاج مظلام 3: 123 فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها 2: 75 يا ليست شعري عنك والأمر أمم ما فعل اليوم أويس في الغنم 1: 75 تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس جمامها 2: 76 أو فازجروا مكفهرا لا كفاء له كالليل يخلط أصراما بأصرام 3: 80 ومسك سابغة هتكت فروجها بالسيف من حامي الحقيقة معلم 1: 82، 2: 439 كأن إبريقهم ظبي على شرف مقدم بسبا الكتان ملئوم

3: 92 في فتية كلما تجمعت الـ ـبيداء لم يهلعوا ولم يخموا 3: 92، 135 كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما 1: 99 أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما 3: 155 قم قائما قم قائما رأيت عبدا نائما 1: 105 إذا هو لم يخفني في ابن عمي وإن لم ألقه الرجل الظلوم 3: 108 قالت بنو عامر خالوا بني أسد يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام 2: 113 أرقني الليلة برق بالتهم يالك برقا من يشقه لا ينم 1: 87، 3: 120 عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم 2: 122 لا تبل جدة سمرهم سمرول تسم السموم لأدمهن أديما 3: 123 ينباع من ذفري غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المقرم 2: 124 أناس عدا علقت فيهم وليتني طلبت الهوى في رأس ذي ذلق أشم 1: 129 أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلوما 1: 131، 2: 182، 184 وأسماء ما أسماء ليلة أدجلت إلى وأصحابي بأين وأينما 3: 134 فهم بطانتهم وهم وزراؤهم وهم القضاة ومنهم الحكام 3: 136 إن الفقير يبننا قاض حكم أن ترد الماء إذا غار النجم 2: 139 وراد أسمال المياه السدم في أخريات الغبش المغم 3: 147 وإني لقوام مقاوم لم يكن جرير ولا مولى جرير يقومها 3: 148 يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم 1: 155، 2: 207 والحية الحنفة الرقشاء أخرجها من جحرها أمنات الله والكلم 1: 157 أسيد ذو خريطة نهارا من المتلقطى قرد القمام 3: 167 وقدر ككف القرد لا مستعيرها يعار ولا من يأتها يتدسم 2: 170 خيط على زفرة فم ولم يرجع إلى دقة ولا هضم 3: 171 نفلق هاما لم تنله سيوفنا بأيماننا هام الملوك القماقم

1: 171، 3: 149، 214 هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجام 7: 173 ولقد أردت الصبر عنك فعافني علق بقلبي من هواك قديم 1: 173 هذا طريق يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما 3: 179 جزت بالساباط يوما فإذا القينة تلجم 2: 180 إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام 2: 183 ألا هيا مما لقيت وهيما وريحا لمن لم يلق فيهن ويحما 2: 183 يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم 2: 184 وهل لي أم غيرها إن هجرتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنما 1: 196، 2: 317 ألا ياسنا برق على فلل الحمى لهنك من برق على كريم 1: 194 أو مذهب جدد على ألواحه الناطق المبروز والمختوم 2: 206 بات يقاسي ليلهن زمام والفقعسي حاتم بن همام 3: 208 لعلك هالك إما غلام تبوأ من شمنصير مقاما 2: 210 وما هي إلا في إزار وعلقة مغار ابن همام على حي خثعما 2: 218 ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم 3: 222 لولا الإله ما سكنا خضماء ولا ظللنا بالمشائي قيما 3: 240 ستشرب كأسا مرة تترك الفتى تليلا لفيه للغرابين والرخم 1: 248، 3: 240 رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم 2: 251 أعيني ساء الله من كان سره بكاؤهما ومن يحب أذاكما 1: 144، 258 صادت فأطولت الصدود وفلما وصلل على طول الصدود يدوم 1: 260 تراه وقد فات الرماة كأنه أمام الكلاب مصغى الخد أسلم 2: 265 طيف ألم بذي سلم 2: 266 يا مي لا غرو ولا ملاما في الحب إن الحب لن يداما 3: 275 ما أمك اجتاحت المنايا كل فؤاد عليك أم

1: 291، 2: 282 كيف أصبحت كيف أمسيت مما يزرع الود في فؤاد الكريم 3: 293 وإذا ألم خيالها طرفت عيني فماء شئونها سجم 3: 293 ساعة أكبر النهار كما شـ ـد مخبل لبونة إعناما 3: 293 ذكر الرباب وذكرها سقم فصبا وليس لمن صبا حلم 1: 297 فمدافع الريان عرى رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها 1: 297 رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعد جودها فرهامها 1: 297 لمعقر قهد تنازع شلوه غبش كواسب ما يمن طعامها 1: 297 إذا هبطا الأرض المخوف بها الردى يخفض من جأشيهما منصلاهما 1: 297 لم يشج قلبي ملحوادث إلـ لا صاحبي المتروك في تغلم 1: 298 في باذخات من عماية أو فعه دون السماء خيم 1: 303 أين الغزالي المستعير من النقا كفلا ومن نور الأفاحي مبسما 1: 306، 2: 332 فقمت للطيف مرتاعا وأرقني فقلت أهي سرت أم عادني حلم 2: 314 بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس ينؤم 3: 318 لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم 1: 319 ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم 3: 327، 328 ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم 1: 331، 2: 295 فأصبحت بعد خط بهجتها كأن فقرا رسومها قلما 1: 333 وما كنت أخشى الدهر إحلامن مسلم من الناس ذنبا جاءه وهو مسلما 2: 338 أسلمتموها فباتت غير طاهرة منى الرجال على الفخذين كالموم 1: 345 نعمة الله فيك لا أسأل اللـ ـه إليها نعمي سوى أن تدوما 2: 372 لو قلت ما في قومها لم تبثم يفضلها في حسب وميسم 2: 388 ألا يا نخلة من ذات عرق عليك ورحمة الله السلام 2: 401 وكنت أرى زيدا كانا سدا إذا أنه عبد القفا واللهازم

2: 405 وفاؤكما كالريع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه 2: 406 كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام 2: 407 هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوما نبوة فدعاهما 2: 416 لقد ولد الأخيطل أم سوء على باب استها صلب وشام 1: 71، 2: 417 فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها 2: 419 مشين كما اهتزت رماح تنسمت أعاليها مر الرياح النواسم 3: 420 على قبضة موجوءة ظهر كفه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم 2: 422 فيا ليت داري بالمدينة أصبحت بأجفار فلج أو بسيف الكواظم 2: 429 تذكرت أرضا بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها 2: 432 قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما 2: 434 فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجهلتين ظباؤها ونعامها 2: 443 سقته الرواعد من صيف وإن من خريف فلن يعدما 2: 445 عشية سال المربدان كلاهما صحابة موت بالسيوف الصوارم 2: 460 أبا ظبية الوعاء بين جلاجل وبين السقا آأنت أم أم سالم 2: 465 سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم ن- 1: 25 لو تعقل الشجر التي قابلتها مدت محبية إليك الأغصنا 3: 27 ولى نفس أقول لها إذا ما تنازعني لعلي أو عساني 1: 32 أذكر من جارتي ومجلسها طرائفا من حديثها الحسن 1: 32، 3: 284 وحوراء المدامع من معد كأن حديثها ثمر الجنان 3: 39 أقول وقد تلاحقت المطايا كذاك القول إن عليك عينا

3: 40 إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين 1: 41 بنى البناة لنا مجدا ومأثرة لا كالبناء من الآجر والطين 3: 71 وخلطت كل دلاث علجن تخليط خرقاء اليدين خلين 7: 81، 3: 276 غدا مالك يرمي نسائي كأنما نسائي لسهمي مالك غرضان 2: 85 فسحت دموعي في الرداء كأنما كل من شعيب ذات سح وتهتان 3: 93 حدبدبي يدبدبي منكم لان إن بنى فزارة بن ذيهان 2: 186، 3: 109 أني جزوا عامرا سوءا بفعلهم أم كيف بجزونني السوءى من الحسن 3: 110 وما إن طينا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا 3: 122 قد دنا الفصح فالولائد ينظمـ ـن سراعا أكلة المرجان 2: 123 أناس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون 2: 125 وماء قد وردت أمسيم طام عابه الطير كالورق اللجين 1: 129 فظلت لدى البيت العتيق أخيله ومطواي مشتاقان له أرقان 2: 137 أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني ولا أعاتبه صفحا وإهوانا 3: 137 فلست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لواني 2: 146 أأن زم إجمال وفارق جيرة وصاح غراب البين أنت خزين 2: 159 كأن عيني وقد بانوني غربان في جدول منجنون 3: 103 إن المنايا يطامـ ـن على الأناس الآمنينا 1: 161 مهلا أعاذل قد جربت من خلفي أني أجود لأقوام وإن ضننوا 3: 169 أفاطم قبل بينك نوليني ومنعك ما سألت كأن تبيني 3: 170 هل تعرف الدار بيبدا إنه دار لخود قد تعفت إنه 3: 176 قد علمت إن لم أجد معينا لأخلطن بالخلوق طينا 3: 179 فإن تعافرا العدل والإيمانا فإن في أيماننا نيرانا 2: 182 أثور ما أصيدكم أم ثورين أم تيكم الجماء ذات القرنين

2: 196 كأنا يوم قرى إنـ ـا نقتل إبانا 2: 202 تنام ويذهب الأقوام حتى يقال أتوا على ذي بليان 3: 204 لقد منيت بهزنبزان لقد نسيت غفل الزمان 3: 215 بثين الزمي لا إن لا إن لزمته على كثرة الواشين أي معون 3: 219 مطاريح بالوعث مر الحثو ر هاجرن رماحة زيزفونا 3: 219 طال ليلى وبت كالمجنون واعترتني الهموم بالماطرون 3: 219 ويخفي بفيحاء مغيرة نخال القتام به الماجشونا 1: 218 إني وإن كنت صغيرا سني وكان في العين تبو عني 2: 249 لما رأيت محمليه أنا مخدرين كدت أن أجنا 1: 248 العين تبدي الذي في نفس صاحبها من العداوة أو ود إذا كانا 3: 257 إذا ما راية رقعت لمجد تلقاها عرابة باليمين 2: 251، 3: 256 أرفعن أذيال الحقي واربعن مشى حبيات كأن لم يفزعن 1: 255 يجو من قسا ذفر الحزامي تداعى الجر بياء به الحنينا 3: 257 أصم دعاء عاذلني تحجي بآخرنا وتنسى أولينا 2: 260 قد جعل النعاس يغرنديني أدفعه عني ويسرندبني 1: 262 قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معبون 2: 281، 3: 284 ألا إنما ليل عصا خيزرانة إذا غمزوها بالأكف تلين 2: 283 من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان 2: 290 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتحزوني 1: 297 أبعدك الله من قلب نصحت له في حب جمل ويأبى غير عصياني 1: 302 خلقت غير خلقة النسوان إن فمت فالأعلى قضيت بان 3: 309 سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة وأنعم أبكار الهموم وعونها 3: 320 فلا تصلي بمطروق إذا ما سرى في القوم أصبح مستكينا

1: 327 ألا حييت عنا يا مدينا وهل بأس بقول مسلمينا 1: 329 مزائد خرقاء اليدين مسيفة يخب بها مستخلف غير آثن 3: 323، 335 ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ممت قلت لا يعتبني 2: 340 رجلان من ضبة أخبرانا أنا رأينا رجلا عريانا 1: 346 أيا لموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني 1: 347 فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا 2: 366 إذ نحن في غرة الدنيا وبهجتها والدار جامعة أزمان أزمانا 2: 394 لا خير في طمع بدني إلى طبع وغفة من قليل العيش تكفيني 2: 398 أمرت من الكتان خيطا وأرسلت رسولا إلى أخرى جريا يعينها 2: 408 يطفن بحوذي المرائع لم يرع بواديه من قرع القسي الكنائن 2: 420 قد صرح السير عن كتمان وابتذلت وقع المحاجن بالمهرية الذقن 2: 434 إذا ما الغانيات برزن يوما وزججي الحواجب والعبونا 2: 463 أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها أني الأغر وأنى زهرة اليمن 2: 463 ألم تكن في رسوم قد رسمت بها من حان موعظة يا زهرة اليمن هـ- 2: 20 وأشرب الماء ماء نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها 1: 24، 2: 167 بينما نحن مرتعون بفلج قالت الدلح الرواء إنيه 3: 60، 61، 319 إني لأكني بأجيال عن اجبلها وباسم أودية عن اسم واديها 3: 79 تمد بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أننا نشكيها 7: 125 صاحب الحاجة أعمي لا يرى إلا قضاها 2: 248 شلت يدا فارية فرتها وفقئت عين التي أرتها 2: 250 كأن فاها واللجام شاحية جنوا غبيط سلس نواحيه

1: 268، 3: 153 في كل يوم ما وكل لبلاء حتى يقول كل راء إذ راء 1: 303 في طلعة الشمس شيء من ملاحتها والقضيب نصيب من شنيها 2: 313، 391 إذا رضيت على بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها 1: 317 هل صروف الدهر أو دولاتها يدلنا اللمة من لماتها 3: 366 ما هو إلا الموت يغلي غاليه مختلطا سافله بعاليه 2: 433 علفتها تيتا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها و2: 106 تبدل خليلا بي كشكلك شكله فإني خليلا صالحا بك مقتو 2: 261 وكم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النبق منهو 2: 385 جمعت وفحشا غيبة ونميمة ثلاث خصال لست عنها بمرءو ي- 1: 9 قد عجبت مني ومن يعبليا لما رأتني خلقا مقلولبا 3: 56 ولا الخزق منه يرهبون ولا الحنى عليهم ولكن هيبة هي ماهيا 2: 114 كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفى 3: 344، 3: 120 من آل أبي موسى ترى الناس حوله كأنهم الكروان أبصرن بازيا 1: 119 يحوذهن وله حوذي كما يحوذ الفئة الكمي 1: 134 متى أنام لا يؤرقني الكرى ليلا ولا أسمع أجراس المطى 3: 155 تفاذفه الرواد حتى رموا به ورا طرق الشأم البلاد الأقصايا 1: 177، 2: 343، 426 فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم وأستدرج نويا 1: 178 يطوف بي عكب في ممد ويطعن بالصملة في قفيا 1: 210 موالي حلف لا موالي قرابة ولكن قطينا يحلبون الأتاويا

1: 212 له ما رأت عين البصير وفوقه سماء الإله سبع سمائيا 3: 223 فإياكم وحية بطن واد همور الناب ليس لكم بعد 2: 250 إليك أشكو مشيها تدافيا مشى العجوز تقل الأثافيا 3: 277 ألكني إليها عمرك الله يا فتى بآية ما جاءت إلينا تهاديا 1: 293، 2: 378 ولاعب بالعشى بنى بنيه كفعل الهر يحترش العظايا 2: 304 باتت تنرى دلوها تنزيا كما تغزى شهلة صبيا 1: 316 ألم تكن حلفت بالله العلي إن مطاياك لمن خير المطى 1: 371، 3: 319 أما ابن طوق فقد أو في بذمته كما وفي بقلاص النجم حاديها 2: 305، 426 بدالي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا 1: 333 يا إبلي ما ذامه فنأبيه إ ماء رواه ونصي حوليه 2: 360 يا مرحباه بحمار ناجيه إذا أني قربته للسانيه 2: 371 فلم يبق منها سوى هامد وغير الثمام وغير النؤى 2: 374 متعمة تصون إليك منها كصونك من رداء شرعي 2: 435 فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطرى لا إخالك راضيا 2: 450 فقد يحمع الله الشتيئين بعد ما بظتان كل الظن أن لا تلاقيا 2: 462 ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا

أنصاف الأبيات: أ- 3943/ وحي بكر طعنا طعنة فجرى 3: 244/ وكل شيء بلغ الحد انتهى 1: 337/ ألا هل أتاها والحوادث كالحصى 2: 339/ لا حطب القوم ولا القوم سقى ء- 3: 46/ هيهات من منخرق هيهاؤه 2: 171/ بنيت معاقها على مطوائها 2: 224/ أو مجن عنه عربت أعراؤه 1: 242/ ملك المنذر بن ساء السماء 1: 281: 2/ كأنها رقد رآها السراء 2: 255 1: 312/ وحاتم الطائي وهاب المئي ب- 3: 33/ ومثلي لا ننبو عليك مضاربه 3: 51/ يرد فلخا وهديرا زغديا 1: 97/ أتعرف رسما كطراد المذاهب 2: 116/ ينحزن من جانبيها وهي تنسلب 3: 150/ وجله حتى أبياض مليه 3: 172/ إني امرؤ لم أنوشع بالكذب 1: 172/ وقولي إن أصبت لقد أصابا 1: 194/ إلى غير موثوق من الأرض تذهب 2: 196/ بحوران يعصرن السليط أقاربه 2: 196/ فلن الجواري ما ذهبت مذهبا 2: 209/ مواعيد عرقوب أخاه بيثرب 1: 262/ وكأنها تفاحة مطبوبة 3: 276/ أنا أبوها حين تستبغي أبا 2: 393/ هل أنت عن طلب الأيقاع منقلب 1: 319/ بقاء الوحي في الصم الصلاب 3: 330 3: 431/ أنا الحباب الذي يكفي سمي نسبي 3: 341/ ومن يصفك فقد سماك للعرب 2: 369/ بني شاب قرناها تصر وتحلب 2: 414/ فتسلي ولا عفراء منك قريب 2: 421/ فالقطبيات فالذنوب 2: 493/ جارية من قيس ابن ثعلبه ت- 3: 210/ ويأكل الحية والحيوتا 3: 239/ فهن يعلكن حدائداتها

1: 305/ بل جوز تيهاء كظهر الجحفت 2: 100 3: 307/ ألا ينجو الشيخ الغيور بناته ج- 1: 6/ تواضخ التقريب قلوا مفلجا 2: 54/ ركبت أخشاه إذا ما أججا 2: 342/ فاحذر ولا تكثر كريا أعوجا 3: 98 1: 172/ من طلل كالأتخمي أنهجا 1: 173/ متخذا من ضعوات تولجا 3: 197/ يطعمها اللحم رشحما أمهجا 3: 198/ وعرضوا المجلس محضا ماهجا 2: 212/ ومهمة هالك من تعرجا 2: 234/ إذا حجاجا مقلتيها هججا 2: 272/ طرنا إلى كل طوال أعوجا 1: 367/ جأبا ترى بلنه مسجعا 3: 297 1: 304/ على جمالية كالفعل هملاج ح- 3: 135/ درامي الأيد يخبطن السريحا 2: 172/ ومبلغ نفس عذرها مثل منجح د- 1: 15، 22/ وجرح اللسان كجرح اليد 1: 17/ وخفان لكامن للقلع الكبد 2: 311/ وإن شتتم تعاودنا عوادا 3: 23 3: 32/ يدعونني بالماء ماء أسودا 2: 48/ مستحقين فؤادا ماله فاد 3: 153/ هوى جند إبليس المريد 3: 174/ وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا 1: 241/ وبذاك خبرنا الغراب الأسود 3: 256/ فمضى وأخلف من قتيلة موعدا 3: 283، 299/ والجيد من أدمانة عنود 2: 335، 341/ ولكني لم أجد من ذلكم بدا 2: 335/ ضربا أليما يسبت يلعج الجلدا 2: 363/ لما تزل برحالنا وكأن قد 3: 133 2: 363/ إذا قيل مهلا قال حاجزه قد 2: 366/ وقد علتني ذرأه بادي بدي 2: 367/ كأن في الفرش القتاد العاردا ذ- 1: 98/ كبعض من مر عن الشذاذ ر- 2: 25/ كما تطاير عن مأنوسة الشرر 2: 97/ تقضي البازي إذا البازي كسر 2: 122/ وارضوا بإحلاية وطب قد خزر

1: 133/ أنت فانظر لأمي حال تصير 2: 138/ وتلقيا رباجيا فخورا 2: 146، 271/ ونفخوا في مدائنهم فطاروا 1: 196، 3: 166، 329/ وكحل العينين بالعواور 3: 184/ طاف والركب بصحراء يسر 2: 205/ فإنما هي إقبال وإدبار 3: 192 2: 341، 440، 3: 211/ بسبحل الذفين عيجور 3: 211/ قبحتم يا ظربا مجحرد 3: 204/ غض نجارى طيب عنصري 3: 318/ مثل آل صعفوق وأتباع أخر 2: 224/ أبصر خزيان فضاء فانكدر 3: 233/ يا لك من قبرة بمصر 2: 262، 265/ قد جبر الدين الإله فجبر 1: 273، 275، 3: 302/ فكثر في علقى وفي مكرر 3: 282/ كمشتري بالجمد أحمرة بترا 3: 294/ أبت هذه النفس إلا اذكارا 3: 305، 326/ حتى إذا اصطفوا له جدارا 2: 337/ جردوا منها وراها أو شقر 3: 340/ أنا أبو النجم وشعري شعري 1: 352/ من بعض ما يعتري قلبي من الدكر 2: 370/ على كالقطا الجوني أفزعه الزجر 2: 415/ ككون النار في حجره 2: 434/ يذهبن في نجد وغورا غائرا 2: 479/ في بئر لا حور سرى وما شعر 2: 492/ على رءوس كرءوس الطائر ز- 2: 155/ أو بشكي وخد الظليم النز 3: 231/ ورمت لهاؤمها من الخزباز س- 1: 12/ وكانت لقوة لانت قببا 1: 96، 3: 19/ وفاحم دوري حتى أعلنكا 2: 57، 148/ قد درديت والشيخ درديس 2: 64/ والبكرات الفسج العطامسا 2: 96/ قرع يد اللعابة الطسيسا 2: 224/ وقرعن تابك قرعة بالأضرس 3: 212 1: 236/ أهل الرباط البيض والقلنسي 2: 254، 340/ فبات منتصبا وما تكردسا 1: 361/ يا صاح هل تعرف رسما مكرسا 1: 361، 362، 1: 301/ تقاعس العز بنا فاقعنسا

ص- 1: 7/ أفب كمقلاء الوليد لخميص ض- 2: 420/ طول الليالي أسرعت في نفضي ع- 3: 31/ وأدمج دمج ذي شطن بديع 3: 32/ مثلي لا يحسن قولا فعفع 1: 114/ صدر النهار يراعي ثيرة رتعا 1: 136/ إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا 3: 153/ إن لم أقاتل فالبسوني برفعا 3: 210/ على سمر طول نياف شعشع 3: 222/ بادرت طبختها لرهط جيع 2: 212/ وقد وضعت خدا على الأرض أضرعا 2: 223/ وبعد عطائك المائة الرتاعا 1: 362/ ترافع العز بنا فارفنععا 3: 301 2: 209/ أرمي عليها وهي فرع أجمع 2: 311/ ولبس بأن تتبعه اتباعا 1: 369/ تحية بينهم ضرب وجيع 2: 482/ وأنف الفتى من أنفه وهو أجدع ف- 1: 31، 81، 247، 2: 363/ قلنا لها قفى لنا قالت قاف 2: 49/ وتسويف العدات من السواق 2: 212/ والشمس قد كادت تكون دنفا 1: 223/ صرهفنه من ما شئت من سرهاف 2: 304 1: 262/ والمسك في عنبره مدووف 2: 270/ كفى بالنأى من أسماء كاف 2: 294/ بغير لا عصف ولا اصطراف 2: 317/ نفي الدراهيم تنقاد الصياريف 2: 336/ وحامل المين بعد المين والألف 2: 356، 378/ وما كل من وافي مني أنا عارف ق- 1: 9/ جاءت به عنس عن الشأم تلق 3: 294 2: 342/ قالت سليمي اشتر لنا سويقا 3: 98 3: 136/ حي إذا بلت حلاقيم الحلق 2: 139/ مستوسقات لو يجدن سائقا 2: 223/ مثيرة العرقوب إشفى المرفق 3: 198 1: 228/ مذمة الأجوار والحقوق 3: 256/ وأهيج الخلصاء من ذات البرق 3: 286/ بساباط حتى سأت وهو محزرق

1: 307/ كأن أيديهن بالفاع الفرق 2: 293 2: 414/ بأعين أعداء وهن صديق 2: 424/ ترى جوانبها بالشحم مفتوقا ك- 1: 90/ دار لسعدي إذه من هواكا 2: 98/ يا أبتا علك أو عساكا 2: 188/ على صد كالحنية بارك 1: 308/ إليك حتى بلغت إياكا 2: 196 2: 336/ خاف العيون فلم ينظر به الحشك 2: 336/ ماء بشرقي سلمى فيد أوركك ل- 3: 17/ وإذا هم نزلوا فمأوى العهل 3: 17/ كأنها قلب عادية مكل 3: 38/ ولقد يسمع قولي حيهل 1: 44/ وهل تطيق وداعا أيها الرجل 3: 53/ شاو مشل شلول شلشل شول 2: 132، 3: 70/ / يبري لهامن أيمن وأشمل 1: 97/ يتركن شذان الحصى جوافلا 1: 91/ يدير عيني مصعب مستقبل 3: 89، 95/ الحمد لله العلى الأجلل 1: 162/ تشكر الرجى من أظلل وأظلل 3: 89 3: 125/ منها المطافيل وغير المطفل 3: 125/ جنى النحل في ألبان عوذ مطافل 3: 132/ وأنك مهما تأمري القلب يفعل 3: 137/ مثل النقا لبده ضرب الطفل 1: 138/ فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو 2: 147/ وقال أضرب الساقين أمك هابل 3: 143 3: 173/ وإذا مضى شيء كأن م يفعل 1: 193/ كبير أناس في بجاد مزمل 3: 224 1: 195/ تسمع من شذانها عواولا 2: 205/ وهن من الإخلاف قبلك والمطل 3: 263 3: 209/ وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي 2: 222/ بمنجرد فيه الأوابد هيكل 3: 224/ كأن فسج العنكبوت المرمل 1: 230/ لما رأتني خلفا إنقحلا 1: 236/ وبيض القلنسي من رجال أطاول 1: 236/ حتى تقضي عرق الدلى 3: 340/ عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل 3: 264/ خليلي هذا ربع عزة فأعقلا 2: 264/ من لي من هجران ليلى من لي

2: 266/ قالت حيل 3: 269/ منه صفيحة وجه غير جمال 1: 271/ في سرطم هاد وعنق عرطل 1: 272/ ركب في ضخم الذفاري قنديل 3: 274/ أنا أبو برة إذ جد الوهل 3: 277/ بألوك فبذلتا ما سأل 2: 29/ أبا ثبيت أما تفك تأتكل 2: 295/ رهط مرجوم ورهط ابن المعل 1: 311/ ولاك اسقني إن كان ملوك ذا فضل 1: 302/ ولا ذاكر الله إلا قليلا 3: 319/ أنك يا معاو يابن الأفضل 1: 326/ أجنبه المساند والمحالا 1: 328/ ومسنزل ليس لنا بمنزل 1: 344/ وتترك أخرى فردة لا أخالها 2: 361/ ببازل وجناء أو عيهل 2: 365/ كجلمود صخر حطه السيل من عل 2: 365/ أفب من تحت عريض من عسل 1: 369/ كأن صوت الصبح في مصلصله 2: 399/ كفاني ولم أطلب قليل من المال 2: 442/ رب هيضل لجب لففت بهيضل 2: 443/ أن هالك كل من يحفي وينثعل 2: 476/ وهل تطيق وداعا أيها الرجل 2: 491/ وكنت لق تجري عليك السوائل 2: 494/ لعزة موحشا طلل م- 1: 14/ عليها الشيخ كالأسد الكليم 3: 38/ يأيها الناس إلا هلمه 1: 38/ يوائم رهطا للعروبة صيما 1: 65، 3: 78، 476/ مروان مروان أخر اليوم اليمنى 1: 76، 2: 219/ إذا اعوججن قلت صاحب قوم 3: 81/ من المعازب مخطوف الحشا زرم 2: 99/ وآخذ من كل حي عصم 2: 137/ أو الفا مكة من ورق الحمى 1: 145/ فأنه أهل لأن يؤكرما 2: 143/ ... ويظلم أحيانا فيظطلم 2: 167/ كالبحر يدعو هيفما وههفما 1: 171/ يا حبذا عبنا سليمى والقما 2: 198، 281/ يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي 2: 208/ وأسيافنا يقطرن من نجدة دما 1: 262/ يوم رذاذ عليه الدجن مغيوم 3: 214/ ياليتها قد خرجت من فمه 3: 215/ ليوم روع أو فعال مكرم 2: 265/ أفيضا دما إن الرؤابا لها قيم 2: 313/ بال بأسماء اليل يسمى

2: 319، 343/ أو يرتبط بعض النفوس حمامها 3: 325، 326/ ولم يضع جاركم لحم الوضم 1: 340/ ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم 2: 419/ كما شرقت صدر القناة من الدم 2: 402/ كمينا الأعالي جوفتا مصطلاهما 2: 438/ من نسج داود أبي سلام 2: 455/ عليم بما أعيا النطاصي حذيما 2: 492/ وتترك أموال عليها الخواتم ن- 1: 24/ امتلأ الحوض وقال فطني 3: 41/ فيغيفون ونرجع السرعانا 3: 51/ فدنا إلى الشام جياد المصرين 2: 75/ يا عمر الخبر جزيت الجنة 1: 82/ درس المنا بمنالع فأبان 2: 439 2: 100/ ولا تبقي خمور الأندرينا 3: 163، 295/ جول التراب فهو جيلاني 1: 290، 3: 177/ إذا ما الماء خالطها سخينا 3: 205/ ألا يا ديار الحي بالسيعان 2: 205/ وهن من إلا خلاف والولعان 3: 262 2: 214/ ماء الجليج مده خليجان 2: 487/ ما بال عبني كالشعيب العين 3: 217 3: 239/ قد جرت الطير أيامنيتا 1: 258/ أني أجود لأقوام وإن ضننوا 2: 272/ طاروا إليه زراقات ووحدانا 2: 295، 319/ وصافي العجاج فيما وصني 2: 305/ متى كنا لأتك مقتوينا 2: 312، 437/ كيف تراني قالبا مجي 3: 318/ يعرضن إعراضا لدين المفتن 3: 330/ ارهن بنيك عنهم أرهن بني 2: 335/ وذي ولد لم يلده أبوان 1: 360/ في خدر مياس الدمي معرجن 2: 370/ وصالبات ككما يؤتقين 2: 423/ رءوس كبيريهن ينتطحان 2: 424/ فكن مثل من ياذئب يصطحبان هـ- 3: 46/ فأولى لنفسي أولى لها 1: 7/ وأنا في الضراب قيلان القله

1: 33/ ولكل قوم سنة وإمامها 2: 185/ في غائلات الحائر المنوه 2: 271/ طاروا علاهن فطر علاها 2: 308/ يا دار هند عفت إلا أثافيها 2: 293 343، 366 3: 231/ وهم إذا الخيل جالت في كوانبها 1: 269/ جلب المندى شز المعؤء ي- 3: / كما تدانى الحدأ الأوى 3: 106، 208/ والدهر بالإنسان دراري 3: 106، 208/ غضف طواها لأمس كلابي 2: 131، 479، 495/ لات به الأشاء والعبري 2: 133/ ظل لها يوم الشعري أزي 1: 334/ سماء الإله فوق سبع سمائيا 2: 350 2: 350/ أهبي التراب فوقه إهبابا 2: 495/ كفى الشهب والإسلام للمرء نأهيا

§1/1