الحركة الوهابية (رد على مقال لمحمد البهى في نقد الوهابية)

محمد خليل هراس

مقدمة

مقدمة لأستاذنا الدكتور محمد البهي1 كتيب نشرته "دار الفكر" ببيروت، عالج فيه الفكر الإسلامي في تطوره وتتبعه في أدواره المختلفة بين الصعود والهبوط، وبين الحركة والجمود. وقد عقد في هذا الكتيب فصلاً عن الحركة الوهابية، باعتبارها امتداداً للحركة الدينية الإصلاحية التي قام بها في القرن الثامن الهجري شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقد ملأ الدكتور الكبير مقاله عن الوهابية بمزاعم لا تتفق مع الحق، ولا سند لها من الواقع، ونقدها نقداً جانب في الإنصاف، ولم يراع فيه موازين البحث العلمي. ومعلوم أن النقد النزيه لأي أمر من الأمور، هو الذي لا يغمط الحسنات بقدر ما لا يغفل السيئات، ولكن دكتورنا لم يذكر لهذه الحركة المباركة ولا حسنة واحدة، بل كل ما ورد في مقاله عيوب ومثالب، وإلقاء التهم جزافاً بلا حساب، مما يوحي بأنه كان واقعاً تحت تأثير عوامل معينة. نعم، إن الذي يقرأ النقد الموجه من الدكتور البهي للحركة، ثم يوازن بينه وبين المبادئ الذاتية لتلك الحركة، وما قامت به في الماضي ولا

_ 1 هو الدكتور محمد كامل البهي، من الوزراء المصريين. ولد بمصر، وتخرج بالأزهر، ثم التحق بالجامعات الألمانية، وتأثر بأفكار جمال الدين الأفغاني. عاد إلى بلده مدرساً في كلية أصول الدين. وتولى وزارة الأوقاف، له العديد من المؤلفات. وكانت له جهود فيما يُسمى بتطوير الأزهر. توفي رحمه الله تعالى سنة 1403هـ. انظر مشكوراً: موسوعة أعلام مصر ص 401، ومئة شخصية مصرية ص 205-207.

تزال تقوم به من إصلاحات ضخمة في مجالي العقيدة والعمل، يعجب للمصادر التي اعتمد عليها الدكتور في نقده، بحيث لا يداخله أدنى شك في أنه استقى ذلك مما كتبه أعداء الحركة عنها. وعهدنا بالدكتور الكبير أنه يسلك دائماً في كل ما يكتبه سبيل التحقيق العلمي، ويلتزم جانب الدقة والتمحيص، وقد تعلمنا نه ذلك أثناء تتلمذنا له في مادة الفلسفة الإسلامية بالدراسات العليا بكلية أصول الدين إحدى كليات الجامعة الأزهرية. وكان لي أنا شخصياً شرف إشرافه على رسالتي التي حصلت بها على العالمية من درجة أستاذ، وكانت بعنوان: "ابن تيمية السلفي". ولكنه في هذا الفصل من كتابه خالف معهوده، فألقى القول على عواهنه، من غير تثبت ولا تحقيق. ونستأذن أستاذنا الكبير أن نناقش ما كتبه عن تلك الحركة قضية قضية، فإنه مهما كان عزيزاً علينا وحبيباً إلى قلوبنا، فإن الحق آثر عندنا حتى من نفوسنا، وقديماً ناقش أرسطو فلسفة أستاذه أفلاطون وقال في ذلك كلمته المشهورة: "أفلاطون صديق، والحق صديق، ولكن الحق آثر لدينا من أفلاطون"1.

_ 1 ومن هذا المنطلق قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في شرحه لمنازل السائرين للإمام الهروي وفي أثناء تعقبه لبعض أخطائه رحمه الله: "شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه، وكل ما عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك. ونحن نحمل كلامه على أسحن محامله ثم نبين ما فيه" أنظر مشكوراً "مدارج السالكين بين منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

تمهيد

تمهيد ... بسم الله الرحمن الرحيم بين يدي الكتاب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. أما بعد: فإن من حق الشيخ محمد بن عبد الوهاب علينا أن ننصفه؛ لأنه لم يقل، ولم يفعل، إلا ما يستحق الإنصاف، بل والإشادة به، والدعاء له. إن الرجل- بأدب جم، وتواضع شديد، ورغبة خالصة فيما عند الله- كان يقول لنا في كل موقف: إنه لم يأت بجديد، ولم يبتدع شيئاً من عنده، وإنه متبع لا مبتدع، منطلق من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، وأن مردّ كل آرائه، وأقواله وأعماله الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح. فما بال بعض الناس يعمدون إلى ظلم هذا الرجل؟. وأنا أحياناً أسأل –متعجباً- نفسي: لما يظلمونه؟. وكيف يظلمونه؟ وما الذي يحملهم على ظلمه، ومنهجه هو منهجه الذي ألمحنا إليه؟!. أتراهم يرفضون منهج التشبث بكتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح، ويريدون منهجاً آخر يتجاوز القرآن والسنة. ويسقط عليهما

من الأهواء والانحرافات، ثم يزعمون – بعد ذلك- أن منهجهم منهج إسلامي!!. إنه موقف يدعو إلى الحيرة....ويبعث على الباحث فيما وراء المواقف والكلمات!. والحق: أن هذا هو الفرق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وبين خصومه هداهم الله، الذين هاجموه، جهلاً ما يدعو إليه تارة، وعن علم تارة أخرى ... وسواء أكان ذلك عن جهل أم عن علم، فإنه رفض لمنهجه الذي يتشبث فيه بالانقياد الكامل للكتاب والسنة، فأصحاب الأهواء والانحرافات يرفضون هذا الانقياد، حتى وإن جادلوا لكي يبقوا في دائرة الإسلام، محاربين كل من يحاول تبصيرهم بأنهم -عرفوا أو لم يعرفوا - يخرجون عن الإسلام؛ لأنه يجعلون "العقل" مكان الوحي، و "الهوى" مكان النص، و "الضغوط العصرية" مكان الثوابت الإسلامية، ويريدون - أدركوا أو لم يدركوا- أن يدور الكتاب والسنة وراء تقلبات العصور، منقادين لا قائدين، يتكيّفان وفق متقلبات الآراء والأفكار والسلوكيات، حتى ولو خرجت على نواميس الفطرة ... ولا يكيّفان الحياة وفقاً لما أنزل الله. لمن يكن عمل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا الجهاد، انطلاقاً من القرآن والسنة الصحيحة؛ كي تعود أمة التوحيد إلى التوحيد؛ لأن في ضياع عقيدة التوحيد أو تشويهها أو مزجها بأوشاب الشرك وأدرانه،

في عقيدة المسلم، ضياعاً لها في العالم الإنساني كله، فلا يبقى هناك دين صحيح يكون حجة على الناس يوم القيامة!!!. وهذ مخالف لسنن الله. وقد أحسن الشيخ العلامة محمد خليل هراس في هذا الرد حين عرض هذه القضية على هذا النحو. أجل: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى- في كل رسائله، وفي كل دروسه، وفي كل جولاته، وحتى عندما واتته الفرصة، بعد رحلة جهاد طويلة، كي يجد الدولة التي تنصره وتحمل معه رسالة التوحيد، بالكلمة والفعل، وبالدعوة والعمل، في كل ذلك كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب داعياً إلى الاحتكام لكتاب الله وسنة رسوله، وإلى عودة قيادتهما لأمة الإسلام ومجتمعات المسلمين ... وكان يرى أن هذه العودة الصحيحة تناسب العقل الصحيح، ولا تصادره، وأنها تفتح أما المسلمين الممزقين المختلفين ثمرات الوحدة والتقدم، بل والتفوق على الحضارات المعاصرة والمناوئة لهم، كما كان شأن أسلاهم مع هذا الدين. وبالكلمة القوية المؤمنة المنطلقة من قلب سليم مخلص لهذا الدين زاهداً في عرض الدنيا، والمنطلقة من عقل أحسن فقه الإسلام فقهاً متوازناً شاملاً، وعاش الإسلام إيماناً وعبادة وعملاً وجهاداً بالكلمة والعمل ... وبهذه الكلمة، ومن هذا المنطلق، قدم الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيدة الإسلامية الصحيحة، إنه لم يشغل نفسه بحروب مع أحد، وعلى العكس مما يظنه الذين لا يعرفون تاريخ الشيخ فقد،

ابتعد عن أسلوب المناوأة والتناطح، لأن هذا الأسلوب لا يفتح القلوب ولا العقول لتقبل الحق، بل يدفعها إلى العناد والمكابرة والدفاع عن آرائها لمجرد الغلبة، فلم يجعل الشيخ همه الوحيد الحرب على أصحاب الطرق، ولا على المتعصبين للآراء المذهبية، ولا على القاعدة العريضة من الجهلة بدين الله الذين يفسدون الحياة بالمنكرات والمباذل، وهم يظنون أنفسهم صالحين، حتى وإن قطعوا طريق الحجيج، واستباحوا دماءهم وأموالهم ... ولم لا؟ أليسوا يتقربون إلى صاحب ضريح من أجل تكفير سيئاتهم؟ أليسوا يتبركون بشجرة تكفيهم مؤونة العودة الصحيحة على دين الله، والاحتكام إليه، واجتناب نواهيه، والالتزام بأوامره؟!. ومع كل ذلك، كان الشيخ واعياً حصيفاً بالمنهج الصحيح للتغيير، فقد أدرك أن هذه الأنواع من الانحرافات، إنما هي ثمار ونتائج، وأن الحل لا يكمن في مقاومة الثمار الطبعية، والنتائج المنطقية، وإنما يكمن في اقتلاع الجذور وإزالة الأسباب. ولن يتأتى ذلك إلا بالعودة إلى الإسلام الصحيح: - الإسلام بعقيدته الصافية النقية. - والإسلام بحضارته الإنسانية الربانية الأخلاقية. - الإسلام الذي جعل من عبدة الأصنام في مكة والمدينة وجزيرة العرب، طليعة خير أمة أخرجت للناس في مدة وجيزة تعد عجباً في مسيرة العقائد والحضارات.

ومن هنا عكف الشيخ على الجذور والبواعث، يرويها بالتوحيد والعمل، ويدفع الناس إلى تغيير ما في نفوسهم وعقولهم حتى يغير الله أحوالهم وظروفهم، وحتى يعودوا من جديد خير أمة أخرجت للناس. فإذا كانت العقيدة هي الأساس، فإن اتباع السلف الصالح هو الطريق، والغاية هي الدعوة لإعلاء كلمة الله بأدوات قادرة على إقناع الناس في هذا العصر، في ضوء فقه رشيد بحقائق الدعوة وأساليب تبليغها. وهكذا فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى- حقيقة الدعوة، وسبلها، وأهدافها، وطبق بسلوكه فقهه لها، فمكن الله لدعوته في الأرض، وأصبحت هي الدعوة الإسلامية الإصلاحية الوحيدة التي قامت على أسسها دولة ناهضة تساعد جميع المسلمين في الأرض، وتقدم نموذجاً معاصراً لتطبيق شريعة الله في العصر الحديث. ولم يقف الأمر عند هذا المستوى، بل امتدت أصول الدعوة بجهود المؤمنين بها، وعلى رأسهم قادة الدولة نفسها، إلى أرجاء الأرض امتداداً يشبه امتداد أشعة الشمس في الصباح بعد ظلام دامس. وقد أبصر أشعة الشمس من له بصيرة ومبصر، وغفل إن إبصارها من أصاب عينيه بعض العمى، واستطاع رؤية قوة دفعها من وفقه الله، فحلل الأمور تحليلاً دقيقاً محايداً. لقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من أبعد الناس عن التكفير والتطرف والغلو، وقد ورد في ثنايا هذا الكتاب الذي

يسرني أن أقوم بتحقيقه، كثير مما يؤكد ذلك، ومنه دفاع الشيخ عن نفسه في مواجهة خصومه الذين حاولوا أن يلصقوا به تهمة تكفير المسلمين المنحرفين، يقول الشيخ –رحمه الله-: "ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام". ويقول: "ومنا ما ذكرتهم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجباً كيف يدخل هذا عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟.". ويؤكد هذا الكتاب المفيد ابتعاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - عن التشدد والتكفير والغلو، تأكيده في آداب الداعي إلى الله، على أن الداعي لا بد أن يتحلى بالرفق واللين تحقيقاً لقوله تعالى في مخاطبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "،،،". وفي الضوابط التي وضعها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعل الرفق في الصدارة من هذه الضوابط، وهو مؤشر آخر على منهج الشيخ في الدعوة، وقد حفل المنهاج التربوي للشيخ بوسائل تربوية وأخلاقية وتعليمية تؤصل المعاني الإسلامية البعيدة عن التشدد والغلو، والتي تمير به منهج الشيخ كله، دعوياً كان أو تعليمياً أو تربوياً. وقد جمع الشيخ في منهجه بين النقل والعقل، وقد يظن ظان أن المنهج السلفي طريق للجمود، والأمر عكس ذلك، فالتعصب للرأي المذهبي والابتعاد عن الوحي نقلاً أو نصاً هو الجمود بعينه، فهو يحول الرأي إلى عقيدة، والفكر إلى أصل، مع أنه اجتهاد بشري ...

ويوضح الشيخ منهجه الذين يقوم على ضرورة الانطلاق من الدليل النقلي الثابت، لا على التقليد الأعمى الذي ساد الأمة الإسلامية عقوداً طويلة، ويقوم على فتح باب الاجتهاد القائم على الدليل النقلي، مع الاحترام الكامل لأئمة المذاهب واجتهاداتهم، شريطة ألا تكون اجتهاداتهم سداً أما اجتهادات بقية الأئمة المؤهلين في بقية العصور، يوضح الشيخ بإيجاز وحسم، معالم هذا المنهج في العبارات التالية: "ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا: هل يجب علي أن أقبل الحق ممن جاء به، وأرد المسألة إلى الله ورسوله مقتدياً بأهل العلم، وأنتحل آراء بعضهم من غير حجة، وأعزعم أن الصواب في قوله، فأنت على هذا الثاني، وهو الذي ذمه الله وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً، وأنا على الأول أدعو إليه وأناظر عليه". والمنهج نفسه طبقه الشيخ في تعامله مع قضاياً المذهب الحنبلي الذي يأخذ بآرائه، ويلتزم في حدود ارتباطها بالنص ارتباطاً جازماً، أما إذا ظهرت عدة آراء داخل المذهب فيما لو وجدوا روايتين مختلفتين عن الإمام أحمد، أو أقوالاً لأصحابه مختلفة، فيجيب الشيخ قائلاً: "إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه، فنقول في محل النزاع: التراد إلى الله ورسوله، لا إلى كلام أحمد، ولا إلى كلام أصحابه، وقولك إذا استدل كل منها بدليل، فالدلائل الصحيحة لا تتناقض، بل يصدق بعضها بعضاً، لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل: إما

إما استدل بحديث لا يصح، وإما فهم من كلمة صحيحة مفهوماً مخطئاً". كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى- مجتهداً في مذهب الإمام أحمد، راداً إلى الكتاب والسنة، ومع ذلك يرميه الجامدون بالجمود، وكان يؤمن بصلاحية الوحي لمواجهة كل العصور، ويثق في أن هذا القرآن دائماً يهدي للتي هي أقوم، وأن عقولنا يجب أن تسير في فلكه، لا أن يسير الوحي في فلكها، وقد عجز خصومه عن الارتفاع إلى هذا المستوى، فشغبوا عليه، شأن العاجزين وأصحاب الأهواء والمصالح في كل العصور، ولم يحاربهم مع ذلك، لكنهم حاربوه، ولم يحول طردهم من ديارهم، لكنهم طاردوه، وجعلوه ينتقل من مكان إلى مكان يبحث عن الملجأ كما يبحث عن الرجل العظيم، الذي يكون ممكَّناً في الدنيا؛ ليضم الدين إلى دنياه، ويُقّوِّم دنياه بدينه، ويحمي الدعوة وأصولها ورجالها، فلما وجده وعرف الصدق في كلامه، وقف بجانبه ووراءه، وبشره بالملك الذي تحقق فعلاً على نحو لم يكن متصوراً من قبل، ومع ذلك لم يطلب لنفسه ملكاً ولا شراكة في الملك، ولم يرغب إلا فيها عند الله. كان سلوكه - بشهادة الجميع - تطبيقاً لعلمه، ومع ذلك فما زال هناك من لا يتقول الله فيه، كما أنه ما زال هناك من لا يتقول الله في أعراض الأنبياء والصحابة، فكيف بالدعاة والمصحلين!!. وعندما تبنى آل سعود الكرام بدءاً من الإمام المجاهد محمد بن سعود - رحمه الله - الدعوة، وجعلوها قضية وجودهم، كان الشيخ رحمه الله سعيداً، وهو يشعر بأنه جندي بارز في دولة التوحيد، ولم

تأخذه العزة بالإثم، ولم يشغب كما يشغب رجال الدنيا، وأدعياء النعرات والأيدلوجيات، ولم يتهارش كما يفعل بعض الدعاة للأسف تهارش الديكة؛ من أجل الحفاظ على وضع متميز مادياً ومعنوياً، بل لعله كان أسعد الناس، وهو يتفرغ لما نذر حياته له، وهي الدعوة، وكانت سعادته أبلغ، وهو يرى الدولة التي بايع إمامها تنمو صعداً، بينما كان الدعوة الإصلاحية تتجاوز الجزيرة العربية، وتمشي مع الهواء لتصل إلى آفاق لم تكن لديه وسائل لتوصيلها، لكنها كلمة التوحيد الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فتضيء الطريق للباحثين عن الحق، وتقض مضاجع المنحرفين الذين يبغون عوجاً. ومات الشيخ قرير العين رحمه الله تعالى. وبذل الخصوم جهوداً ضخمة وحروباً دامية، وهزموا الدولة مؤقتاً، لكنها انبعثت بالدعوة من جديد؛ لأن دولة العقيدة لا تموت، ولأن إشعاعات التوحيد والسنة لا تقضي عليها السيوف والمدافع، ولاسيما إذا كانت العقيدة نابعة من وحي الله، تقوم على الحق، وتهدي إلى الحق. ولقد فؤجئ الناس برجل مجرد من القوة المادية، في ظروف تكاد تكون معقدة ومن خلال ستين رجلاً لا غير، يتقدم بالعقيدة السلفية، فيقيم دولة التوحيد من جديد، ويوحد الجزيرة العربية بالإسلام، ويبدأ من خلال عشرات الوسائل في نشر الدعوة، فتصل - برجال الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله إلى آفاق الأرض، ولا

تكاد مدينة في العالم الآن إلا وفيها عشرات المساجد والمراكز الإسلامية. وقد وصل المصحف إلى كل البلاد، وظهرت ترجماته الصحيحة المعتمدة بمعظم اللغات الحية. إنها الكلمة المخلصة التي تنتشر بعون الله وتوفيقه، على الرغم من كل العقبات، في كل أرجاء الأرض، لتقيم الحجة على الناس، وحتى تكون كلمة الله هي العليا. هذه الدعوة السلفية - وسامح الله من يطلق عليها مصطلح الوهابية - مع التزامها بالقرآن والسنة الصحيحة ومنهج السلف الصالح، ووضعها لها في المكان الأول، وانطلاقها العقيد والاجتهادي منهما، هذه الدعوة مع ذلك، كانت الأقرب إلى الاجتهاد، وتحريك العقل المسلم، وإبعاده عن مجال التعصب للمذهبية أو للمسلمات الموروثة التي لا أصل لها في دين الله. لا شك أن الواقع والمشاهد في المملكة العربية السعودية اليوم، بكل ما يعكسه من تطور اقتصادي وزراعي وصناعي وتجاري داخلي وخارجي، ومن تطور علمي، على مستوى المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز البحثية، والمنجزات الحضارية العلمية الأخرى. هذا الواقع المشاهد خير دليل على قدرة الدعوة السلفية الموصولة بكتاب الله وسنة رسوله على التعامل مع كل العصور، وعلى إثبات أن الإسلام يُصلح كل زمان ومكان، بل إن الفقه السلفي الرشيد يرى

أن منجزات الحضارة الإيجابية إنما هي فروض كفاية، كان من الواجب أن يكون المسلمون الأسبق إليها، وبعضها فروض عين، مما يمثل حاجات ملحة للمسلمين، سواء لوجودهم، أم للدفاع عن دينهم وأمتهم وأوطانهم الإسلامية. وأنا أعتقد أن الشيخ الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله تعالى إنما كتب هذا الكتاب، خطاباً لكل الناس، ورسالة تعريف وود لجميع المسلمين. هو خطاب للمثقف المسلم، وكل مسلم، تعريفاً بدعوة طالما ظلمها أعداؤها، وبرجل له جهد عظيم طالما غمطه الغامطون، وقد آن أن يعرف المسلمون الحق، وأن يَزِنُوا به الأقوال والرجال، وأن يلتقوا بالتالي على الموازين الثابتة العادلة في دينهم لإنصاف الرجال، لا لأن دينهم دين يفرض عليهم ذلك فحسب، بل لأن النظم الدولية التي تسعى لاستئصالهم جميعاً تحتم عليهم ذلك من جانب آخر. جزى الله الشيخ الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله تعالى، العالم والمحقق، خير الجزاء، وبارك في جهوده المخلصة، وجعلها في ميزان حسناته بمنه وجوده وإحسانه. وسلام على عباده الذين اصطفى. تعقيب مهم: ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب، حركة خاصة بمفهومها الحركي المعاصر، بل دعوته إصلاحية تدعو جميع المسلمين إلى الرجوع للإسلام الصافي النقي، على ما كان عليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. المحقق أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله التويجري جوال: 0504892790

ترجمة المؤلف: - هو الشيخ العلامة المحقق - محمد خليل هراس- رحمه الله. - نائب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية سابقاً. - من محافظة الغربية بجمهورية مصر العربية. - ولد بقرية الشين - مركز قطور- محافظة الغربية "طنطا"- بمصر عام "1916م"، وتخرج من الأزهر في الأربعينيات من كلية أصول الدين، وحاز على الشهادة العالمية العالية "الدكتوراه" في التوحيد والمنطق. - عمل أستاذاً بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر. - أعير إلى المملكة العربية السعودية، ودرّس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ثم أعير مرة أخرى، وأصبح رئيساً لشعبة العقيدة في قسم الدراسات العليا في "كلية الشريعة سابقاً/ جامعة أمر القرى حالياً" بمكة المكرمة. - عاد إلى مصر، وشغل منصب نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، ثم الرئيس العام لها بالقاهرة. - وفي عام "1973م" - قبل وفاتنه بسنتين- اشترك مع الدكتور عبد الفتاح سلامة في تأسيس جماعة الدعوة الإسلامية في محافظة الغربية، وكان أول رئيس لها.

- توفي رحمه الله تعالى عام "1975م" عن عمر يناهز الستين. - كان رحمه الله سلفي العقيدة، شديداً في الحق، قوي الحجة والبيان، أفنى حياته في التعليم والتأليف ونشر السنة وعقيدة أهل السنة والجماعة. - له مؤلفات عدة منها: 1) تحقيق كتاب "المغني" لابن قدامة، وقط طبع لأول مرة في مطبعة الإمام بمصر. 2) تحقيق وتعليق على كتاب "التوحيد" لابن خزيمة. 3) تحقيق وتعليق على كتاب "الأموال" لأبي عُبيد القاسم بن سلام. 4) تحقيق ونقد كتاب "الخصائص الكبرى" للسيوطي. 5) تحقيق وتعليق على كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام. 6) شرح "القصيدة النونية" لابن القيم في مجلدين. 7) تأليف كتاب "ابن تيمية ونقده لمسالك المتكلمين في مسائل الإلهيات". 8) شرح "العقيدة الواسطية" لابن تيمية. 9) الحركة الوهابية. رد على مقال للدكتور محمد البهي في نقد الوهابية.

أسس الحركة الوهابية

أسس الحركة الوهابية نشأة الحركة الوهابية: لقد خصص سعادته الفصل الرابع والأخير من كتابه "الفكر الإسلامي في تطوره1" للكلام عن الحركة الوهابية، فأرخ لها من جانبين: الأول: من جانب الأحداث السياسية وصلتها بالحكومة القائمة على رعايتها. الثاني: من جهة أنها حركة دينية ترسمت حركة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ثم قال: "والذي يهمنا من حركة محمد بن عبد الوهاب هو الجانب الثاني بالذات"2. ثم قدم ترجمة مختصرة لمؤسس الدعوة - رحمه الله - فذكر رحلاته في طلب العلم إلى معظم العواصم الإسلامية مثل مكة والمدينة في الحجاز، والأحساء في منطقة الخليج العربي، والبصرة وبغداد فيما بين النهرين، ودمشق في سوريا، وأصفهان وقم في إيران، وذكر أنه أقام في هذه الأخيرة مدة تزيد على اثني عشر عاماً قضاها في الدرس والتعلم، وأنه بهذه الرحلة الطويلة ضم معرفة تجريبية واقعية

_ 1 وقد طبع هذا الكتاب طبعتين: الأولى في دار الفكر ببيروت سنة 1391هـ- 1971م. والطبعة الثانية في مكتبة وهبة بمصر سنة 1401هـ - 1981م. وعدد صفحات الكتاب أحد عشر ومئة صفحة، تحدث في الفصل الأول: عن تقويم الفكر الإسلامي في مرحلته الأولى. والفصل الثاني: التفكير لإعادة بناء المجتمع الإسلامي. والفصل الثالث: عن ابن تيمية. والفصل الرابع: عن محمد بن عبد الوهاب. والفصل الخامس: عن الحركة السنوسية. 2 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 75.

عن الإسلام والمذاهب الإسلامية1، وأنه شأنه في ذلك شأن أستاذه ابن تيمية من قبل وشأن أصحاب الحركات الإسلامية التي جاءت بعده، وأنه لما عاد إلى بلدته "العيينة" صمم على الجهر بدعوته فجهر بها، ولكنه صادف معارضة شديدة، فرحل من العيينة إلى "الدرعية" في شمال الرياض حيث يقيم الأمير محمد بن سعود الذي رحب به وأظله بحمايته، وهناك تعاهد الشيخ والأمير على أن يبقى الشيخ في مقر الأسرة السعودية، وفي مقابل ذلك يناصر الأمير دعوة الشيخ بقوة السلطان. وظل الأمر على ذلك إلى أن توفي الشيخ رحمه الله في سنة 1792م. وبعد وفاة الشيخ والأمير تعاهد أبناء الأسرتين بالاستمرار في تنفيذ اتفاق والديهما، ولم يزل الوضع في صلة الدعوة الوهابية بالحكومة السعودية على ما كان عليه حتى الوقت الحاضر. ثم يقول سعادته: "وبهذا التعاهد اجتمع لهذه الدعوة سلطان الحاكم وقوة الإيمان بها، وقلما اجتمع الأمران في حركة دينية، بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين سوى هذه الحركة، ومن هنا كان يؤمل كثيراً في نشاط هذه الحركة"2.

_ 1 الصحيح المؤكد أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه تعالى لم يرحل لطلب العلم إلى بغداد ودمشق وأصفهان وقم، بل إن المجمع عليه هو ذهابه إلى: مكة المكرمة والمدينة النبوية والأحساء والبصرة. وهذا دليل على قصور الدكتور البهي في معرفة الدعوة وأنه أخذ أغلب معلوماته عن الدعوة من المخالفين لها. 2 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 77.

ثم أرخ سعادته بعد ذلك الجانب السياسي لهذه الحركة، فبين كيف أفادت من اتساع حكم السعوديين وازدياد نفوذهم في شبه الجزيرة العربية، حتى دخلت مكة والمدينة مع الفتح السعودي للحجاز، وبذلك تهيأت لها الفرصة في موسم الحج لشرح أسسها ونشر تعاليمها. فانتشرت الدعوة عن طريق هذه اللقاءات التي كانت تتم بمكة والمدينة في موسم الحج، حتى وصلت إلى الهند وأندونيسيا شرقاً، وإلى السودان والشمال الأفريقي غرباً. ثم تحدث عن اتساع نفوذ السعوديين خارج شبة الجزيرة العربية حتى وصل عمان وزبيد في جنوبي اليمن، ووصل إلى قلب العراق وضواحي دمشق، مما أزعج الخليفة التركي في الإستانة، وأثار مخاوفه، فكلف واليه مصر "محمد علي باشا" بحرب السعوديين وردهم إلى مقر ولايتهم الأول. ثم يقول سعادته: "ولكن ما لبث النفوذ السعودي أن عاد بالتدريج إلى قوته، وإلى سيطرته نهائياً على نجد والحجاز على نحو الوضع القائم الآن منذ سنة 1925م1".

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 79.

الحركة الوهابية تدعو إلى توكيد التوحيد

الحركة الوهابية تدعو إلى توكيد التوحيد: ثم يبدأ الحديث عن الوهابية، كحركة دينية إصلاحية، فيرجع أسس الدعوة الوهابية على ثلاثة أنواع: الأول: فيما يتصل بالأصول وهي العقيدة.

وهنا يقول: "فإنها تدعو إلى توكيد التوحيد ونفي الشرك، بحيث تقصر العبادة على الله وحده". وهذا كلام جميل وتصور صادق مجمل، لهدف الدعوة في هذه الناحية من التوحيد، أعني توحيد الإلهية الذي يقوم على إخلاص الدين لله، والتوجه إليه وحده بجميع أنواع العبادات، ولها كان هدف الدعوة الأول هو القضاء على كل ما ينافي هذا التوحيد من مظاهر الشرك والوثنية التي كانت قد استشرت في العالم الإسلامي كله، واتخذت صوراً متعددة، كعبادة الموتى، والاستعانة بأصحاب الأضرحة، وتقديم النذور والقرابين لهم، والتبرك بالأحجار والأشجار والمغارات، والاعتقاد في السحر والتنجيم والعرافة وأنواع الشعوذة. فجدت الدعوة في القضاء على ذلك كله، بإزالة ما كان الناس يفتتنون به من القبور والحجارة، ثم ببيان حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وبيان الأمور المنافية له. وكان كتاب "التوحيد" الذي ألفه مؤسس الحركة رحمه الله، يُعتبر في ذلك الوقت دستوراً لدعاة الحركة يعلمونه الناس ويشرحون لهم فصوله ومسائله. ثم يعقب الدكتور على ما تقدم بقوله: "ويفهم من معنى القداسة والعبادة كل معنى يقوم على الاحترام ولو كان بحكم الإلف والعادة"1.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره، ص 81.

يعني بذلك سعادته أن الوهابيين قد اشتطوا في تحديد مفهوم العبادة، فأدخلوا فيه ما كان من الاحترام والتقديس قائماً على الإلف والعادة. لم نسمع قبل اليوم أن الإلف والعادة يجعلان عبادة غير الله مشروعة وسائغة، فإن كان الناس قد ألفوا أن يقيموا القباب على أضرحة الموتى، وأن يستغيثوا بهم في الملمات ويدعوهم لقضاء الحاجات، ويتملقونهم بالنذور والقربانات، وأن يقفوا أمام مقاصيرهم خاشعين، وينادوا متوسلين متذللين، فذلك شيء لا ضير فيه ولا ينافي توحيد العبادة - في نظر دكتورنا- لأنه من قبل الإلف والعادة. ولو صح منطق الدكتور في الإغضاء عن كل ما يفعل بطريق الإلف والعادة، لما كان هناك داع لإرسال الرسل، فإن أممهم إنما كانت تفعل ما تفعل من ألوان الشرك والمعاصي على سبيل الإلف والعادة، وكذلك المشركون من العرب الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلتهم، ونزل القرآن بذمهم، وتوعدهم بالنار المؤبدة، ما كانوا يزاولون أعمالهم الشركية، من تقديم النذور ونحر الذبائح ومن الطواف والدعاء، إلا على جهة الإلف والعادة، ولهذا حكى القرآن عنهم أنهم كانوا إذا نهوا قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} . "الزخرف: 23".

الحركة الوهابية تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة

الحركة الوهابية تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة: ثم يقول سعادته: "فبناء القبور على وجه الأرض وزيارتها في انتظام، والوقوف عندها في خشوع، ليست منافذ ينفذ منها الإنسان إلى الشرك وعدم التوحيد بل هي شرك على الحقيقة"1. وهذا كلام عار عن الصحة، بل هو تجنٍ على الحقيقة، ولا ينم إلى عن رغبة في التشويه والتشهير، فإن الذي تعتبره الدعوة شركاً على انتظام إلخ.. بل هو ما يرتكب أثناء الزيارة لهذه القباب، من دعاء صاحب القبر والاستعانة به، وطلب الحاجات واستمداد البركات منه، ثم وضع النذور في صندوقه، وسوق الذبائح إلى ساحته والإهلال عليها باسمه، إلى غير ذلك مما لا يشك مسلم في أنه شك صريح. وأما ما ذكره الدكتور من بناء القبور وإشرافها وإقامة القباب عليها واعتياد زيارتها إلخ.. فهو وإن لم يكن شركاً لكنه ذريعة إلى الشرك، لأنه يفضي إلى تعظيم هذه القبور وعبادتها، ولهذا حرمه الإسلام، وأوجب تسوية القبور بالأرض، ونهى عن إشرافها وتجصيصها، واتخاذ المساجد والسرج عليها، كما في الحديث الذي رواه أصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج"2.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 81. 2 انظر مشكوراً: أبو داود ح "3236" والنسائي "4/95" والترمذي ح "320" ابن ماجه ح "1575" وهو حديث صحيح.

وقد روى مسلم عن أبي الهياج الأسدي أن علياً رضي الله عنه قال له: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها"1. ولو لم تقم الدعوة الوهابية بهدم القبور المشرفة وتسويتها تطبيقاً لهذه المبادئ الإسلامية، بعد أن مكن الله لها في أرض الحجاز، لكانت لا قدر الله –خائنة لهذه المبادئ، ولكانت دعوة نظر وكلام فقط. ومن العجيب أنه في الوقت الذي يشجب فيه الدكتور ومن وراءه من القبوريين، الحركة الوهابية، وينعتونها بالتشدد، يلومها أنصار التوحيد الحق على الإسراف في التسامح، حين يرون بعض البدع الشركية لا تزل ترتكب عند الحرمين الشريفين، ومن جانب هؤلاء الذين عايشوا هذه البدع قروناً طويلة قبل أن يظلل الحكم السعودي على الحجاز براية التوحيد المباركة، ولكن الدعوة دائماً تؤثر جانب اللين وتدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى تقطع الطريق على خصومها الذين يرمونها بالتزمت والجفاء.

_ 1 انظر مشكوراً: صحيح مسلم ح "969".

الحيطة الواجبة لأعظم أصل في الإسلام

الحيطة الواجبة لأعظم أصل في الإسلام: ثم يقول سعادته: "وهنا في هذا المبالغة يكمن عامل الفرقة بينهم وبين بقية المسلمين، فبينما هم يرون أنفسهم موحدين وأهل توحيد، ويرون غيرهم ممن لا يسلك سبيلهم في المبالغة مشركين، إذا بغيرهم ينظرون إليهم على أنهم أهل تشدد وتزمت، وأصحاب ضيق في الأفق والفهم لهذا الأصل الإسلامي وهو أصل التوحيد"1.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 81.

والكلام هنا مع الدكتور في تحديد المبالغة التي يكمن فيها عامل الفرقة بين الوهابيين وغيرهم من المسلمين، فهل إذا قامت الوهابية بتنفيذ ما أمر به الشرع من هدم القبور وتسويتها صيانة لجانب التوحيد، ودفاعاً عن حماه المقدس، يعتبر ذلك مبالغة منها تستحق عليها أن ترمى بالتشدد والتزمت، وتعد خارجة على بقية المسلمين؟ ألا يذكر الدكتور أنه درس فيما درس من أصول الفقه قاعدة تسمى "سد الذرائع" تقول "إن كل ما يفضي إلى محرم هو محرم مثله". ومن أجل هذه القاعدة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور1، لما أن ذلك قد يكون ذريعة إلى تعظيمها وعبادتها. ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها2، لما في ذلك من التشبه بعبادها الذين يتحرون السجود لها في هذه الأوقات. ونهى كذلك عن شد الرحال إلى مكان من الأمكنة بقصد التعبد والصلاة فيه، لا إلا أحد المساجد الثلاثة الكبار: "المسجد الحرام ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى" 3. ونهى أن يقوم الناس بعضهم لبعض على جهة التعظيم4.

_ 1 انظر مشكور: الحديث السابق عن ابن عباس رضي الله عنهما. 2 انظر مشكوراً: صحيح البخاري ح "581" وصحيح مسلم ح "827". 3 انظر مشكوراً: صحيح البخاري ح "1197" وصحيح مسلم ح "827". 4 انظر مشكوراً: البخاري في الأدب المفرد ح "977" وأبو داود ح "5229" والترمذي "125/2" وهو حديث صحيح.

ونهى أصحابه عن الغلو فيه والمبالغة في مدحه فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده فقوله عبد الله ورسوله" 1. ونهى عن اتخاذ قبره عيداً وقال: "صلوا عليّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني" 2. وقال للرجل الذي قال له: "ما شاء الله وشئت": " أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده" 3. ومن أجل سد الذرائع أيضاً، أمر عمر رضي الله عنه بقطع شجرة الرضوان التي بايع الصحابة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية. وقال مرة وهو يستلم الحجر الأسود: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"4. وعزل خالد بن الوليد من قيادة جيش المسلمين في الروم، في وقت كانت الآمال كلها معلقة به ليتمم ما بدأه من الانتصارات على الروم لأنه خشي أن يفتتن الناس به. فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما فعله من ذلك مبالغاً.

_ 1 انظر مشكوراً: صحيح البخاري ح "3445". 2 انظر مشكوراً: مسند الإمام أحمد "2/367" وسنن أبو داود ح "2042". 3 انظر مشكوراً: مسند الإمام أحمد "1/214" وابن ماجه ح "2117". وهو حديث صحيح. 4 انظر مشكوراً: صحيح البخاري "1/495" وصحيح مسلم "1/925".

وهل كان عمر رضي الله عنه فيما عمد إليه من قطع الشجرة أو عزل مبالغاً؟. فلماذا تنسب الوهابية وحدها إلى المبالغة، وهذه أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفعال خلفائه الراشدين على ما قدمنا. وعلى فرض أن الوهابية بالغت في ذلك، فإنها مبالغة محمودة كان من نتيجتها استئصال شأفة الشرك، واجتثاث جذور الوثنية من الجزيرة العربية، في الوقت الذي لا تزال فيه كل بلاد الإسلام تعاني من ذلك ما تتفتت على صخرته كل قواعد التوحيد والإيمان. وإذاً فليست المسألة يا سعادة الدكتور مسألة ضيق في الأفق والفهم للتوحيد، ولكنها الحيطة الواجبة لأعظم أصل في الإسلام وهو التوحيد. وأما ما ذكره سعادته من أن تشدد الوهابية في موضوع التوحيد قد تسبب في حصول الفرقة بينها وبين من يسميهم مسلمين فذلك أمر حتم، إذ لا يعقل أن يرضى الباطل عن الحق أبداً. ولكن وزر هذه الفرقة لا يقع على الوهابية، فإنها تدعو كل المسلمين إلى الدخول في دين الله الحق، كما يصوره القرآن الكريم والسنة المطهرة، بعيداً عن كل شوائب الانحراف والضلال. ولا يجوز لأحد أن يطلب من الوهابية أن تجامل أو تداهن، لا سيما في موضوع يتعلق بأصل الأصول في الدين وهو التوحيد.

بل هي مستعدة حينئذٍ لأن تكون وحدها في طرف، والدنيا كلها في طرف، حيث لا مجال لمساومة أو مجاملة.

الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية

الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية: ثم يقول سعادته: "لأن زيارة القبور وإقامتها على وجه الأرض سوف لا يعيد الآن بحال، وضع الوثنية العربية الأولى على عهد الدعوة الإسلامية، ومن ثم لا وجه لخشية الشرك فضلاً عن وقوعه ممن يقيم القبر أو يزوره"1. فانظر إلى أي حد يتجاهل دكتورنا الواقع الملموس، كأنه لا يرى ولا يسمع، وكأنه يعيش في دنيا البشر التي لا تزال في قرنها العشرين - قرن الذرة والصاروخ - تتمرغ في أوحال الوثنية على جميع صورها ومظاهرها. والعجب أن يصدر هذا الكلام من رجل كان مسؤولاً في يوم من الأيام عن تلك القبور الشاهقة التي تزخر بها القاهرة وغيره من مدن مصر بل وقراها، ويعرف جيداً ما يُرتكب عندها وحولها من أفانين الشرك ولوثات الوثنية مما ذكرنا بعضه آنفاً. فهل يستطيع سعادته أن يدلنا على شيء واحد كانت تفعله الوثنية العربية الأولى وليس موجوداً في تلك الجاهلية الثانية؟ أم إن سعادته يعتبر هذه الأعمال وثنية إذ تُقُرِّب بها إلى اللات والعزى ومناة وهبل، ولكنها تنقلب توحيداً إذا تُقُرِّب بها على المشايخ المقبورين.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 81.

لقد كشف لنا كلام سعادته هذا عن لغز عسر علينا حله، وهو أنه حين كان وزيراً للأوقاف أشرأبت إليه أعناق أنصار التوحيد وانتظروا منه أن يقوم بخطوة جريئة في الإصلاح، فيغلق على الأقل هذه الأضرحة ولا يسمح بزيارتها، ويلغي تلك المهرجانات الشركية التي تقام لأصحابها، ولكنه لم يصنع من ذلك شيئاً، وكأن الأمر لا يهمه ولا يعنيه.

وثنية الأموات ووثنية الأحياء

وثنية الأموات ووثنية الأحياء: ثم يقول سعادته: والوثنية التي يمكن أن توجد في القرن العشرين ليست وثنية الأحجار والأموات، إنما هي وثنية الأحياء أصحاب السلطان والنفوذ ولا يقضي على هذه بالدعوة إلى هدم القبور وتحريم زيارتها، وإنما بتحقيق شعور المساواة بين الحاكم والمحكوم1. وهذا ليس بصحيح، فإن وثنية الأحجار والأموات لا تزال قائمة فعلاً في كل مكان من الدنيا، ولا يزال الإنسان هو الإنسان لم يستطع أن يتخلص من سيطرة أوهامه أو فساد تخيلاته، رغم ذلك التقدم الهائل في العلوم والمخترعات. ولعل سعادته يعرف أن أعل الناس ثقافة في مصر، هم أكثر من غيرهم تعلقاً بالخرافات والأوهام، والمكابرة في ذلك مكابرة في شيء محسوس وواقع لا تليق بآحاد الناس فضلاً عن دكتورنا الفيلسوف.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 81.

وأما وثنية الأحياء من أصحاب النفوذ والسلطان، فلا وجود لها بحمد الله في ظلال الوهابية، لأنها تحارب كل أشكال الوثنية، لا فرق عندها بين وثنية الأحياء ووثنية الأموات، ولهذا تعيش الدولة السعودية التي تدين بالوهابية في ظل ديمقراطية حقة، لا يحس فيها المواطن بفرق بين حاكم ومحكوم، بل يعرف كل مواطن أن الحاكم إنما وضع في مكانه لمصلحة المحكوم. فها هو مليك البلاد وعاهلها، يتصل بشعبه اتصال الأب الرحيم، ويجلس إلى المواطنين كل يوم خميس في قصر الحكم بالرياض فيتوافدون للسلام عليه، وتقديم الطلبات والشكايات إليه، وهو لا يرى الحكم سيطرة واستعلاء، ولكن يراه رعاية ومسؤولية. ومن قبل كان والده المغفور له جلالة الملك عبد العزيز، مثلاً عالياً في الديمقراطية والشعبية، وقد كان لنا منه مجلس كل أسبوع، حين كنا ندرس بكليات الرياض، فيجلس بيننا متبسطاً، ويخوض معنا في شتى الأحاديث التي تهم الإسلام والمسلمين. ويؤسفنا أن قول إن الدكتور الذي يتحدث عن القضاء على وثنية الأحياء بالنسبة للحركة الوهابية، عاش هو نفسه تلك الوثنية ومارسها فعلاً حين كان وزيراً للأوقاف، حيث كان يعامل موظفي وزارته بأقسى ما يُتصور من ألوان العسف والإرهاب.

مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الأمة المهديين

مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الأمة المهديين: ثم يقول سعادته: تنادي هذه الحركة باتباع مذهب السلف في صفات الله، وهو المذهب المعروف بالتفويض في كيفية اتصافه بها، بعد

الإيمان بأنه سبحانه يتصف بها، وبذلك لا ترى رأي المعتزلة القائلين بأنها عين الذات وليست غير الذات، كما يرون رأي الأشاعرة القائلين بأنها ليست غيراً وليست عيناً1. أما أن هذه الحركة تنادي باتباع مذهب السلف في صفات الله تعالى، فهو أمر واضح، بل لعلها الآن هي الحركة الإسلامية الوحيدة التي تتبنى هذا المذهب السلفي، وتعمل ما وسعها الجهد على نشره والدعوة إليه بمختلف الوسائل، لا سيما عن طريق طبع الكتب والرسائل التي الفت في مناصرته قديماً وحديثاً. وهو يدرس في كل مراحل التعليم بالسعودية، ولا يسمح لأي مذهب آخر بمزاحمته. ولكن ما معنى قول الدكتور بعد ذلك إن هذه الحركة لا ترى في صفات الله تعالى رأي الأشاعرة ولا رأي المعتزلة. فهل هذا عيب فيها أنها لم تأخذ في صفات الله بواحد من هذين المذهبين المنحرفين، وأخذت بمذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المهديين، كما فعل ذلك من قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته. ثم إن هذه الحركة لا تجعل من صفات الله تعالى مشكلة كما فعل غيرها، ولا تجعلها موضع مناقشة جدلية، بل تأخذ فيها بالبساطة المعروفة عن العقيدة الإسلامية الأولى، قبل أن تنشأ تلك التعقيدات التي أثارها المتكلمون.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص "81".

حركة لم تقم للهدم بل للبناء

حركة لم تقم للهدم بل للبناء الآن وقد فرغنا من التعليق على نقد الدكتور لأسس الحركة الوهابية، نشرع - إن شاء الله - في التعليق على نقده للحركة ذاتها. يقول سعادته: يلاحظ فيما عرضنا لعناصر هذه الحركة، من الجهة الفكرية: أولاً: أن حركة محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، قامت على أساس التمذهب بمذهب معين وهو مذهب أحمد بن حنبل، ولأنها أسست على التمذهب بمذهب معين تعتبر امتداداً في التمسك بالمذاهب الإسلامية كل منها على حدة، وتمثل طوراً من أطوار التبعية لمذهب خاص1. ويظهر من هذا أن الدكتور يعيب على الحركة الوهابية تقليدها لمذهب معين، وهو مذهب أحمد رحمه الله، فهل كان يريد من الوهابية مثلاً أن تنشئ في الفروع مذهباً جديداً ليضاف إلى المذاهب الأربعة المعروفة، فتكون بذلك مذهباً خامساً كما يرميها بذلك خصومها؟ إن الوهابية لم تقم للاجتهاد في الفروع ولكنها قامت لتصحيح الأصول، فإن الفروع أمرها هين، وقد أجمعت الأمة على جواز التقليد فيها لمن لا يقدر على الاجتهاد ولا تتوفر لديه وسائله، إذ لا يعقل أن نطلب من كل فرد في الأمة أن يكون مجتهداً. فقول الدكتور إنها أسست على التمذهب بمذهب معين غير صحيح.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 84.

فهبي لم تدع إلى التمذهب بالمذهب الحنبلي أو غيره، ولكن اتفق أن مؤسسها رحمه الله كان حنبلياً في الفروع. ولو كان مالكياً أو شافعياً ما تغير الوضع بالنسبة للدعوة، فإنها دعوة عامة لأتباع المذاهب الأربعة وغيرهم، هدفها تطهير العقائد من الشرك ومحاربة الخرافات والبدع. وبذلك لا تعتبر الدعوة -كما يدعي الدكتور- امتداداً في التمسك بالمذاهب الإسلامية المنفرة، ولا تمثل طوراً من أطوار التبعية لمذهب خاص. إذ لو كانت كذلك لاقتصرت على أتباع المذهب الحنبلي، ولم تحاول هداية الناس من أتباع المذاهب الأخرى1.

_ 1 بل إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى لا يقر التعصب المذهبي وأوضح ذلك بقوله: "إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ، ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب". انظر مشكوراً: الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية لجميع إخواننا الموحدين من أهل الملة الحنيفية، والطريقة المحمدية" جمع وترتيب الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى. وتعليق الشيخ محمد رشيد رضا ص 35.

الخصومة المذهبية ليست من فعل هذه الحركة

الخصومة المذهبية ليست من فعل هذه الحركة: ثم يقول سعادته: "ثانياً إذ تنادي هذه الحركة بالرجوع إلى مذهب السلف، لا تعني أكثر من إبعاد القياس والعرف، مع التزام نصوص القرآن والحديث الصحيح في الفقه في دائرة التشريع وبذلك تستمر في مجال الخصومة المذهبية"1. وهنا يتناقض الدكتور مع نفسه، فبعد أن ادعى في التعليق الأول أن الحركة تتمذهب بمذهب معين، أعلن هنا أنها تنادي بالرجوع إلى

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 84.

مذهب السلف، فتلتزم القرآن والحديث الصحيح، وتبعد القياس والعرف في دائرة التشريع. ثم يتناقض مرة أخرى حين يدعي أنها بالرجوع إلى مذهب السلف تستمر في مجال الخصومة المذهبية، وقد كان العكس هو الصحيح. على أن الكلام كله سواء مقدماته أو نتيجته غير صحيح، فإن الحركة إنما نادت بالرجوع إلى مذهب السلف في العقائد التي هي الأصول، لأن السلف كانوا فيها على رأي واحد ضد أهل الأهواء من الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة والجهمية ونحوهم. وأما في الفروع أو العمليات فلم يكن للسلف فيها مذهب خاص حتى تنادي الحركة بالرجوع إليه، كما أنها لم تستبعد القياس والعرف -كما يدعي الدكتور- فإن هذا مذهب الظاهرية، ولكنها فقط كانت تأخذ برأي أحمد رحمه الله في تقديم النص وإن كان ضعيفاً على القياس، وأما الاستمرار في مجال الخصومة المذهبية، فهو ليس من فعل هذه الحركة ولا هدف لها، وهي أبعد ما تكون عن التعصب المذهبي في مسائل الخلاف. وحسبك دليلاً على أن جميع المذاهب الفقهية تدرس الآن في الدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة إلى جانب الفقه الحنبلي في مادة "الفقه المقارن". كما أنه لا يوجد بين المذاهب الفقهية مذهب هو أوسع صدراً لقبول الآراء المختلفة من المذهب الحنبلي، إذ قلما توجد مسألة فقهية إلا وفيها لأحمد رحمه الله روايتان أو ثلاث.

ولهذا يتسع المجال أمام علماء هذا المذهب لحركة الاختيار والترجيح الذي قد يتجاوز حدود المذهب، كما هو معروف عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله في اختياراتهما التي انفردا بها عن جمهور الحنابلة. وكذلك العلامة ابن قدامة رحمه الله صاحب كتاب "المغني" الذي درج في كتابه العظيم، على أن يعرض في المسألة الواحدة كل المذاهب بأدلتها ثم يرجح بعد ذلك أقواها دليلاً ولو كان غير مذهبه الحنبلي. فأين إذاً تلك الخصومة المذهبية في الحركة الوهابية وأين مظاهرها؟

الوهابية والتراث الإسلامي

الوهابية والتراث الإسلامي: ثم يقول سعادته: "لم نقصد أول الأمر أن تكون حركة "عود على بدء" على معتنى تصفية العصبية للمذاهب الفقهية ونخلها في التشريع والمعاملات، ولمذاهب العقيدة في تصور الله والاعتقاد به عن طريق علمي"1. ومعنى هذا الكلام - فيما بلغه فهمي- أن الدكتور عفا الله عنه، كان يريد من الحركة الوهابية أن تشن الثورة على جميع المذاهب الفقهية التي استحدثت في الإسلام، فتقوم ينخل هذه المذاهب لتأخذ منها ما تراه صالحاً، ثم تلغي ما بقي، وبذلك تكون قد صفت العصبة المذهبية. والعجب أن يصدر مثل هذا الكلام الخطير من دكتور فيلسوف يؤمن بحركة الرأي، ويدعو إلى بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، لأن إغلاقه -

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85.

كما ذكر في كتابه - قد أدى إلى الركود والتخلف وعدم القدرة على مواجهة المستجد من أحداث الحياة. إن الحركة الوهابية لو قامت - لا قدر الله- بمثل هذه الحماقة، لارتكبت أعظم خطأ في تاريخها، ولجلبت على نفسها نقمة العالم الإسلامي المتحضر كله. وإذا كان الدكتور يرمي الحركة بالتعصب المذهبي، وهي لم تفعل ذلك، فبماذا كان يرميها لو قامت بمثل تلك المحاولة التخريبية لتصفية مذاهب لها كيانها واحترامها، ولها أئمتها الكبار الذين أفنوا أعمارهم في الاجتهاد، ولها قواعدها في التعليل والاستنباط والموازنة. إن الفقه الإسلامي بما تضمنه من ثروة هائلة في التشريع، وبما اتسم به من مرونة وقدرة على تكييف الأحداث، ومواجهة متطلبات الحياة، يعد مفخرة من أعظم مفاخر هذه الأمة يشهد لها بالأصالة والجدة في هذه الناحية التشريعية. فكيف يراد من حركة إسلامية قامت للبناء لا للهدم، أن تقضي على هذا التراث الضخم، فتسجل بذلك قصوراً في النظر وضيقاً في التفكير. وكيف تتفق دعوة الدكتور إلى هذا التخريب، مع قوله في كتابه يمدح الحركة الفقهية وتطورها: "وكذلك الشأن بالنسبة للعامل الثالث وهو مواجهة أحداث الحياة وتطور المجتمع الإسلامي، فإن تفاعل الإسلام مع هذا العامل كان تفاعلاً خصباً منتجاً، وبرهن على مرونة الإسلام

في مبادئه بفضل الاجتهاد، وعلى سعة استيعابه للمستجد من مشاكل الحياة، فالفقه الإسلامي تدل على كثرة مذاهبه ومدارسه على سعة المحاولة لتكييف الأحداث من وجهة نظر الإسلام". "والخلاف الذي بينها في اعتبار بعض أصول التفقه والمراجع التي ترد إليها أحكام الحوادث، لم يكن إلا خلافاً ناشئاً عن رغبة المختلفين في ضرورة الحرص على بقاء الجماعة الإسلامية آخذة بالإسلام في منهاج حياتها اليومي". وأما في مذاهب العقيدة في تصور الله عز وجل والاعتقاد به، فقد حققت هذه الحركة المباركة مبدأك "عود على بدء" كما يريد الدكتور. فقد عادت بالناس إلى العقيدة الإسلامية الأولى في بساطتها ونقائها، وحاربت كل ما أحدث في هذا الجانب العقدي من مذاهب ومقالات. وكانت نشاطاتها في هذه الناحية امتداداً صحيحاً لحركة التصحيح الكبرى التي بدأها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ليس تقليدا بل موافقة الحق للحق

ليس تقليداً بل موافقة الحق للحق: ثم يقول الدكتور: "رابعاً: الحركة الوهابية تقليد آخر، ليست تجديداً انطوى على استقلال في بيان قيمة المذاهب الإسلامية في العقيدة والتشريع في المعاملات وفقه العبادات. هي تقليد لحركة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك، وليست استمراراً لحركته في نقدها، في هدمها وبنائها"1. ولست أدري لماذا يلح الدكتور في رمي هذه الحركة بالتبعية والتقليد، وعدم الابتكار والتجديد؟ مع أن التقليد ليس على الإطلاق مذموماً، ولا التجديد على الإطلاق ممدوحاً. ثم لماذا شغف بكثرة التعداد لأخطاء الحركة، وما الذي يهدف إليه من ذلك، فإن هذا الذي ذكره "رابعاً"، هو الذي سبقه أولاً وثانياً وثالثاً. وأما نعته الحركة بأنها تقليد آخر، وليست تجديداً انطوى على استقلال في بيان قيمة المذاهب الفقهية، فهذا ليس من شأن الحركة ولم نقم لأجله كما قدمنا، وإنما قامت من أجل تجريد التوحيد وتنقيته من أكدار الشرك، وإحياء مذهب السلف في العقيدة. وإذا كانت الحركة قد استفادت من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الجانب، فإن ذلك لا يعد تقليداً، بل هو من موافقة الحق للحق.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85.

كما لو اقر الدكتور نظرية لأحد فلاسفة الغرب فأعجبته واقتنع بصحتها بعد دراسة وتأمل، فهذ نسميه مقلداً لذلك الفيلسوف صاحب النظرية. إن معنى التقليد أن تؤخذ قضايا الأولين مسلمة من غير نظر في الأدلة المثبتة لها، وأما الإيمان بها عن دليل واقتناع فلا يسمى ذلك تقليداً. ولو فرضنا ذلك تقليدا"، فليس يعيب الحركة أن تقلد في الحق، وأن تتأسى فيه بمن سبق. وأما قوله إنها ليست استمراراً لحركة ابن تيمية في النقد أعني الهدم والبناء، فليس بصحيح، فإن موقفها من المذاهب المنحرفة في العقيدة من معتزلة وجهمية وأشعرية ومرجئة إلخ هو نفس موقف ابن تيمية من حيث الرد عليها والاشتغال بإبطالها. وكذلك موقفها من الناحية الإيجابية، أعني الدعوة إلى إحياء مذهب السلف وبيانه، وإقامة الحجج المثبتة له هو عين موقفها. ولعل الدكتور لو قرأ ما كتبه مؤسس هذه الحركة وعلماؤها من بعده، لما رماها بما رماها به من الجمهود والسلبية، ولتغيرت نظرته إليها وخفت قسوته في الحكم عليها.

مفخرة من مفاخر هذه الدعوة

مفخرة من مفاخر هذه الدعوة: ثم يستدرك الدكتور على ما سبق بقوله: "ولكن إن كانت تعتبر تقليداً أو استمراراً لطور التقليد فإنها تتميز بأنها صانت آراء ابن تيمية

وعنيت بها في القرن الثامن عشر بعد مدة أربعة قرون لم تلق فيها تلك الآراء العناية الكبرى التي لقيتها من جانب حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"1. وهنا نلمح في كلام الدكتور شيئاً من التقدير والإنصاف للدعوة الوهابية، بسبب صيانتها لآراء ابن تيمية وعنايتها بإحيائها ونشرها. وتلك مفخرة من مفاخر هذه الدعوة ستظل تذكر لها بالعرفان والتقدير، فإن كتب شيخ الإسلام ورسائله كانت مطمورة تحت ركام الإهمال والنسيان، لا يسمح لها أهل البدع والإلحاد أن ترى النور، ولا أن تقوم بدورها الخطير في توجيه العالم الإسلامي نحو الطريق الصحيح. بل كثيراً ما كانوا يحذرون من قراءتها ويقرنونها بكتب الفلاسفة في جواز الاستنجاء بها. فلما قامت هذه الحركة المباركة2 أخذت تنقب عن تلك الثروة الهائلة التي خلفها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله، وجد المسؤلون عن هذه الدعوة في إبراز هذه الكنوز بالطبع والنشر. وكان لجلالة الملك عبد العزيز - غفر الله له وأجزل مثوبته.. اليد الطولى في هذا الباب، حتى أصبحت كتب الشيخين الجليلين تملأ المكتبات العامة والخاصة.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85.. 2 مباركة لأنها امتداد لما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وهي رجوع للإسلام الصحيح وتربية على هذا الإسلام الصافي النقي.

وأخذت العقيدة السلفية التي كانت قابعة في زوايا كتب الكلام، حيث تذكر ولا تقدر، وتعتبر مذهباً للحشوية والعوام، أخذت مركزها الصحيح في القيادة والتوجيه بعد قراءة كتب هذين الإمامين اللذين لم يأت الزمان لهما بنظير في الجمع بين المعقول والمنقول، فكتبهما الآن هي المنارة التي تضيء السبيل لكل مستقيم الفكر برئ من الهوى والتقليد، وآراؤهما أصبحت محل التقدير العظيم في جميع الأوساط والمحافل العلمية.

حركة امتازت بالإحياء والتجديد

حركة امتازت بالإحياء والتجديد: ثم يقول الدكتور: "وهي تعتبر قنطرة لآراء ابن تيمية مرت عليها إلى الأجيال القادمة، وتعضيد السلطة الرسمية السعودية أعطاها قوة البقاء والاستمرار"1. ونحن لا نوافق على أن الحركة الوهابية كانت مجرد قنطرة عبرت عليها آراء شيخ الإسلام إلى الأجيال القادمة، بل إن هذه الآراء تعتبر جزءاً أساسياً من الجانب النظري لتلك الحركة بحيث لا يمكن الفصل بينهما أو اعتبار أحدهما أجنبياً عن الآخر. وأما قوله إن تعضيد السلطة الرسمية السعودية هو الذي أعطى الحركة قوة البقاء والاستمرار فذلك حق لا ريب فيه. فإن البيت السعودي المالك - حرسه الله - قد وفى بما عاهد عليه مؤسس الحركة، من حمايتها والدفاع عنها ضد أعدائها الكثيرين من المعطلة والقبوريين والصوفية. ولكن يجب أن يضاف إلى ذلك القوة الذاتية للحركة نفسها ثم جهور آل الشيخ - حفظهم الله - وعلماء الدعوة في توضيحها والدفاع عنها. ثم يقول الدكتور: "ولهذا تعتبر الحركة الوهابية بعده الحركة الإسلامية التي حوت بذور النقد بصفة عامة وقدمتها إلى الحركات الإسلامية الأخرى في القرن التاسع عشر والعشرين، ومن أجل ذلك تعتبر تمهيداً لهذه الحركات، كما تعتبر نوعاً من "التقدمية" بالقياس

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 85.

إلى عصور التبعية المطلقة، لأن طابع النقد صاحبها وإن لم تسر فيه بخطوات واضحة". وهنا أيضاً تبدو على كلام الدكتور مسحة من الإنصاف للحركة وتقدير الدور العظيم الذي قامت وتقوم به في إيقاظ الوعي الإسلامي وتصحيح المفاهيم الإسلامية المحرفة، بحيث تعبر أساساً لما قام بعدها من حركات تقدمية. كما اعترف الدكتور بأنها حركة امتازت لإحياء والتجديد والتجديد، وقامت على أساس من النقد البرئ ولكنا مع ذلك لا نوافقه على أن الحركة حوت بذور النقد لتقدمها إلى الحركات الإسلامية الأخرى فقط، فإن معنى ذلك أنها كانت مجرد ناقل أو وسيط دون أن تقوم هي بإحياء حركة النقد وإنمائها. والواقع أن هذه الناحية كانت من أهم ما عنيت به الحركة نظراً لكثرة المعارضين لها. نعم يمكن القول بأن أسلوب النقد فيها لم يبلغ درجة النقد عند ابن تيمية من حيث الدقة والعمق، وذلك لأنها نشأت في جوب تقل فيه العناية بالدراسات النقدية وأسلوب المناظرات1.

_ 1 هذا الكلام فيه نظر، والمتأمل في ردود علماء الدعوة الإصلاحية على مخالفيها، يرى أن هناك مشاركة قوية من حيث الدقة والعمق، ومن نظر مثلاً في ردود الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1294هـ، يجد فيها شبهاً كبيراً في درجة النقد عند ابن تيمية من ناحية التأصيل وسعة الأفق، والعمق العلمي، والإحاطة بالمذاهب الإسلامية.

في هذا الكلام خطآن: ثم يقول سعادته: "ومن المعروف أن ابن تيمية في هجومه على الشيعة كان يقصد فرقة الغلاة منهم التي سماها الرافضة، وكان يوجه نقده على الأخص لجماعة الباطنيين أو التعليميين منهم مع ذلك لما ورثت الحركة الوهابية اتجاه ابن تيمية وسعت شقة الخلاف بين السنة والشيعة عامة، وغالت في تصوير الشيعة على الإطلاق، وأصبحت الفجوة كبيرة في النزاع المذهبي بين السنة والشيعة منذ القرن الثامن عشر الميلادي، بل أصبحت أشد من ذي قبل، وكانت زيادة الفجوة على هذا النحو أثراً سلبياً للدعوة الوهابية"1. وفي هذا الكلام خطآن: خطأ على ابن تيمية رحمه الله، وخطأ على الحركة الوهابية. أما الخطأ على ابن تيمية ففي ادعاء أنه لم يقصد في هجومه على الشيعة إلا فرقة الغلاة منهم وهم الروافض لاسيما جماعة الباطنية أو التعليمية. فإن ابن تيمية - رحمه الله - لا يقر التشيع في أي صورة من صوره، غالياً كان أو معتدلاً، ويعتبره انحرافاً عن جادة الحق، واتباعاً لغير سبيل المؤمنين. لاسيما والشيعة كلهم يشتركون في مبادئ عامة بعيدة عن روح الإسلام، كالقول بالرجعة والتقية وعصمة الأئمة وسب الصحابة ونحو ذلك.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 86.

أما الخطأ على الحركة الوهابية ففي ادعاء أنها وسعت شقة الخلاف بين السنة والشيعة وغالت في تصوير الشيعة عامة دون تفريق بين غلاة ومعتدلين. فنحن لا نعرف للحركة الوهابية موقفاً خاصاً من الشيعة غير موقف أهل السنة كلهم، اللهم إلا أن يكون ذلك الموقف الخاص بالحركة هو محاربتها لغلو الشيعة في آل البيت، ورفعها إياهم عن مستوى البشر. نعم إن الحركة الوهابية لم تتورط مع الشيعة في تقارب مزعوم كما تورطت "جماعة التقريب" في مصر -ولعل سعادة الدكتور كان عضواً فيها- لأنها لا تجد وجهاً للتقارب مع الاختلاف الجذري في الأسس والمبادئ. على أن الواقع نفسه يشهد بخطإ الدكتور فإن هناك مناطق كبيرة من المملكة العربية السعودية في الأحساء والقطيف وغيرهما أغلبية سكانها من الشيعة، وهم يلقون من حكومة جلالة الفيصل -حفظه الله- نفس العناية التي يلقاها سائر المواطنين في نواحي التعليم والصحة والزراعة والمواصلات، بلا فارق أصلاً1. وكما أن علاقة المملكة بالدول التي توجد فيها أغلبية شيعية كإيران وباكستان ولبنان علاقة طيبة ووطيدة.

_ 1 ومن أتى بعد الملك فيصل رحمه الله تعالى، الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، حتى عهدنا الحاضر في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله. والشيعة يلقون نفس العناية التي يلقاها سائر المواطنين في نواحي التعليم والصحة والزراعة والمواصلات، بلا فارق أو تفريق.

ولا تزال الشيعة كل عام تحج البيت الحرام بأعداد هائلة، ويلقون من المسؤولين نفس المعاملة التي يلقاها جميع الحجاج من أهل السنة.

تأثير الدعايات المغرضة

تأثير الدعايات المغرضة: ثم يقول سعادته: "يضاف إلى هذا الأثر السلبي في هذا الجانب، أثر سلبي آخر أتت به في مسألة القبور وزيارتها. فتشددها في تحريم شد الرحال إلى القبور - وهو رأي أو عقيد ة سليمة في أصلها - حدا برجال السلطة السياسية القائمين على صيانة الحركة الوهابية ونموها أن يمعنوا في إزالة القبور وانتهاك حرمة الموتى، وعلى الأخص انتهاك حرمة رجال من الصحابة كان لهم أثر لا يذكر في الدعوة الإسلامية"1. ومن هذا النص يتبين جلياً أن الدكتور الفيلسوف كان واقعاً تحت تأثير الدعايات المغرضة وهو يكتب هذا الكلام. وإلا فما معنى أن يرمي الحركة بالتشدد في تحريم شد الرحال إلى القبور، مع اعترافه بأنها عقيدة سليمة؟ وما معنى أن يريد من الحركة أن تخون مبادئها في صيانة التوحيد فتسكت على هذه البدع الماثلة في هذه القباب العالية من أجل إرضاء العواطف الحمقاء، تسمح بشد الرحال إليها للاستغاثة والتوسل، بعدما جاء النهي الصريح عن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 87.

إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذ والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" وهو حديث متفق عليه1. وأما الذي فعلته السلطة السياسية فإنه لم يزد على تنفيذ ما أرشد إليه علماء الحركة من هدم القبور وتسويتها تنفيذاً لأوامر الشرع، وليس انتهاك حرمة الموتى كما يزعم الدكتور، فإن الوهابيين - ساسة وعلماء - أعرف بأقدار هؤلاء الموتى وأشد احتراماً لهم من كثير ممن يتباكى على أطلال قبورهم. إن الربط بين إزالة القبور وانتهاك حرمة الموتى، لم يقصد منه - فيما يبدو- إلا الإثارة والتشنيع وتصوير الحركة بصورة تنفر منها القلوب. ولست أدري لمصلحة من يقول الدكتور هذا الكلام الآن؟ مع أنه قد مضى على هذه العمليات ما يقرب من خمسين سنة.

_ 1 انظر مشكوراً: صحيح البخاري ح "1197" وصحيح مسلم ح "827".

حركة إصلاحية أم أكاديمية علمية

حركة إصلاحية أم أكاديمية علمية: ثم يقول سعادته: "ولو أن الحركة الوهابية سارت في نخل الآراء الإسلامية في مذاهب الجماعة الإسلامية المختلفة، وساعدت على إيجاد حركة علمية تهدف لهذه الغاية، ثم ولت وجهها نحو الحضارة المعاصرة والفكر المعاصر، واتخذت منهما موقفاً يمليه عليها الكتاب والسنة، قبل أن يتحزب في تفسيرها المسلمون، وقبل أن يفرقوا دينهم شيعاً وأحزاباً..

لو أنها فعلت ذلك لأفادت في بناء حركة علمية إسلامية، ولأفادت كذلك في تنوير الرأي الإسلامي بالمقومات السلبية التي تصاحبها بما قد لا يستسيغه ميزان الكتاب والسنة، ولأفادت ثالثاً في نهضة شعب عربي في الجزيرة العربية نهضة اجتماعية وتوجيهية، بحيث تصلح أن تكون عنواناً واضحاً لحكم حديث قام على أسس إسلامية"1. فأعجب لدكتورنا الكبير كيف يطلب من حركة إصلاحية دينية قامت لتحقيق أهداف محدودة، أن تقوم بما لا تستطيع أن تقوم به أكاديمية علمية. فهو يكلفها أن تقوم لا بغربلة الآراء الإسلامية فحسب بل بنخلها وهو لا يكلفها ذلك بالنسبة لمذاهب معينة فقط، بل في مذاهب الجماعة الإسلامية المختلفة. ولست أدري لماذا تكلف الوهابية وحدها بذلك العمل الضخم، ولماذا لم يتوجه الدكتور الفاضل بمشروعه الخيالي إلى الأزهر مثلاً وقد كان مدير لجامعته، وكان بطل حركة التطوير فيه. وأما مساعدتها على إيجاد حركة علمية فإن الدكتور يعرف أن الحركة العلمية قائمة بالمملكة من أكثر من ربع قرن مضى. وقد كان وهو مدير للبحوث يقوم باختيار أقوى الأساتذة للتدريس بكليات المملكة ومعاهدها، وقد تخرج على أيديهم العديد من طلابها.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص 87.

ووجد بالمملكة الآن ثلاث جامعات1 تضم كل واحدة منها عدداً كبيراً من الكليات، وقد أنشئ قسم الدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة "إحدى كليات جامعة الملك عبد العزيز" يتكون من ثلاثة فروع: 1- فرع للعقيدة تدرس فيه الفرق الكلامية والأديان وتيارات الفكر المعاصر، وتناقش فيه كل النحل والمذاهب من كلامية وفلسفية على غرار صنيع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 2- فرع للفقه وأصوله يدرس فيه الفقه المقارن بكل فروعه، وتمحص فيه الآراء ولا يتقيد فيه بمذهب معين بل بما صح دليله وقويت حجته. 3- فرع للكتاب والسنة يدرس فيه التفسير دراسة تحليلية وتدرس فيه كل علوم القرآن والسنة المطهرة بكل ما يتعلق بها. وقد تخرج من هذه الأقسام عدد من الطلاب بدرجة ماجستير وقد وضع لائحة لإنشاء قسم للدكتوراه وتنفذ من العام القابل إن شاء الله. وقد أنشئ قسم آخر للدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها. وبالجملة فالحركة العلمية في المملكة قائمة بحمد الله على قدم وساق، وقد آتت أكلها كل حين بإذن ربها.

_ 1 من فضل الله عز وجل ومنه وكرمه، أنه يوجد الآن في المملكة العربية السعودية، ثلاثة عشر جامعة، وكل جامعة تضم عشرات الكليات الشرعية والعلمية والتقنية، وكذلك عدد كبير من عمادات الدراسات العليا "ماجستير ودكتوراه في شتى العلوم والمعارف".

الحركة الوهابية والفكر المعاصر

الحركة الوهابية والفكر المعاصر: ولكن ما معنى قول الدكتور بعد ذلك: "ثم ولت وجهها نحو الحضارة المعاصرة والفكر المعاصر" وماذا عسى أن تستفيده حركة دينية إصلاحية من الحضارة المعاصرة، وهي حركة قائمة على أسس مادية بحتة سواء كانت في الشرق أو في الغرب. ثم ماذا عسى أن تستمده كذلك من الفكر المعاصر وهو فكر إلحادي يقوم على مبادئ دارون وسبنسر وشاخت وسارتر؟ ثم ماذا عسى أن يكون موقفها من ذلك الفكر وتلك الحضارة على ضوء الكتاب والسنة، إلا موقف الإنكار والاحتقار وبيان ما فيهما من سموم ناقعة، وتحذير المسلمين من الاغترار ببريقها. ولست أدري كيف جمح الخيال بدكتورنا الفيلسوف حتى تصور دعاة الوهابية نخبة من الفلاسفة الكبار، فهو يطلب إليهم فوق نخلهم للآراء الإسلامية أن ينصبوا الموازين كذلك لفلسفات الغرب لتقويمها على ضوء الكتاب والسنة. إن هذه الفلسفات والأفكار المعاصرة التي يطلب الدكتور من الحركة أن تولي وجهها شطرها، ليس فيها ما هو ذو قيمة فكرية حتى تستفيد منه الوهابية أو أية حركة إسلامية أخرى، فإن الإسلام أغنى من كل هذه الفلسفات في الناحية الفكرية أو النظرية، فلا يحتاج أبداً إلى ما عند الآخرين، بل هم الذين يحتاجون إلى ما عندنا إذا أراد تقويم أفكارهم أو تصحيحها.

وأما في الناحية الصناعية والتكنولوجية فلا بأس أن نستفيد مما عندهم من ذلك لأنهم سبقونا في هذه الناحية. إن بناء حركة علمية إسلامية لا يتوقف أبداً على مذاهب فلاسفة الغرب وأفكارهم، لأنها لا تصلح مقومات ولا مبادئ لأية حركة علمية إسلامية، حيث إنها مذاهب وأفكار قائمة على اللادينية البحت.

الحركة العلمية في المملكة السعودية

الحركة العلمية في المملكة السعودية: ومع ذلك فالحركة العلمية في المملكة السعودية لم تغفل الإفادة من الحضارة والفكرة المعاصرين، فقد أرسلت العديد من أبنائها إلى جامعات أمريكا وأوربا ليتخصصوا في فروع العلم المختلفة، وقد أتم كثير منهم دراسته وراجعوا إلى بلادهم حيث يقومون بالتدريس في جامعاتها، وربما تؤهلهم له تخصصاتهم من أوجه النشاط المختلفة. وأما من حيث تنوير الرأي الإسلامي بالمقومات السلبية لتلك الفلسفات، مما لا يسيغه ميزان الكتاب والسنة، فهذا هدف من أهداف الدعوة الآن تسلك إليه مختلف الوسائل، فهي جاهدة في إيقاظ الوعي الإسلامي، وتحذيره من تلك الوافدات الأجنبية، وبيان ما فيها من سموم وانحرافات. وأما قول الدكتور: "ولأفادت ثالثاً في نهضة شعب عربي في الجزيرة ... إلخ". فإن الواقع هو أبلغ رد على ذلك فالنهضة التي يعيشها الشعب العربي الآن في جزيرته، تسابق الزمن في سرعته وتتخطى الحواجز والمعوقات بسرعة مذهلة.

ومن رأى هذا الشعب من عشرين عاماً فقط، ثم رآه الآن، فإنه لا يكاد يصدق عينيه حين يرى تلك الجهود الضخمة التي تبذل في جميع المجالات العلمية والإعلامية والصحية والاجتماعية، وحين يرى شباباً متفتحاً على الحياة يسير بخطى واسعة في طريق التقدم والبناء. وبالجملة فهي نهضة شاملة تحارب التخلف في كل صوره ومظاهره، وتقفز إلى الأمام ولكن في تؤدة وثبات، وبحيث يمكن القول إنها أوضح عنوان لحكم حديث قام على أسس إسلامية. ومن العجب أن يصدر هذا الكلام منذ سنتين فقط، أي في عنفوان النهضة التي تشهدها المملكة السعودية الآن في ظل حكم الفيصل العظيم1. فأين يعيش دكتورنا الكبير حتى لم يسمع بما سمع به القاصي والداني لا في البلاد العربية والإسلامية وحدها، بل في الدول الغربية كلها من أوربية وأمريكية.

_ 1 وقد توفي رحمه الله تعالى سنة 1395، وما زالت حركة النهضة والتقدم في عنفوانها، وذلك بفضل الله عز وجل ورحمته ثم بتمسك ولاة أمر هذه البلاد بالإسلام الصافي النقي، والسير على منهاج محمد صلى الله عليه وسلم، والأخذ بكل ما يفيد حضارة هذه البلاد وازدهارها.

حركة جاءت للتصحيح

حركة جاءت للتصحيح: ثم يقول سعادته: "إن الحركة الوهابية تشددت فيما وسع الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية الأخرى، وبالأخص بينها وبين الجماهير في هذه الشعوب1.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص87.

وهكذا يرجع الدكتور مرة أخرى إلى تلك النغمة الكريهة فيرمي الحركة بالتشدد فيما وسع الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية الأخرى. فهل معنى هذا أن الحركة كان يجب عليها أن تسكت على البدع والمنكرات تضييقاً لشقة الخلاف وإرضاءً للجماهير الإسلامية؟ وحينئذٍ ما تكون مهمتها وما معنى كونها حركة؟ وكيف يراد من حركة قامت للتصحيح والتقويم، أن تتغاضى عما تراه من انحرافات تجنباً للخلاف؟ إن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وكذلك الجماهير لا ترضى إلا عمن يجاريها على أهوائها ويحبذ لها مألوفاتها. وهذا يشبه قول بعض المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك قد جئت بأمر خالفت به قومك وفرقت به جماعتهم". أفكان يترك عليه السلام الدعوة إلى الحق والهدى حتى لا يخالف قومه ولا يفرق جماعتهم؟ والعجب أن يصدر مثل هذا الكلام من دكتور فيلسوف يعلم أن الدعوات لا بد أن تثار في وجها الخصومات، ولا بد أن تقابل من أعدائها بكثير من السخط والاستياء، ولكن هذا لا يصلح مبرراً أبداً لترك الدعوة أو التهاون فيها إبقاءً على رضى الناس.

إن الحركة الوهابية تشددت في تنفيذ ما يجب تنفيذه، رضي الناس أم سخطوا، وهي لم توسع شقة الخلاف بينها وبين الشعوب الإسلامية حباً منها للخلاف. ولكن الخلاف كان أمراً ضرورياً بين حركة جاءت للتصحيح وإزالة البدع والمنكرات، وبين شعوب جمدت على ما هي عليه من ضلالات وانحرافات. ثم ما معنى قول الدكتور: "وبالأخص بينها وبين الجماهير". ومتى كان للجماهير وعواطفها الهوجاء رأي يجب أن يعتد به في ميزان الحق، ويترك من أجله ما أوجبه الدين وصرّحت به النصوص؟

الحركة الوهابية بين المجال النظري والتطبيق العملي

الحركة الوهابية بين المجال النظري والتطبيق العملي الدعوة وتفسيرها التطبيقي: ثم يقول الدكتور: "إن دعوتها إلى القرآن والسنة صاحبها تفسير تطبيقي عملي لها. أبعدها عن الوضع والهدف يوم أن نادى بها ابن تيمية. صاحبها تفسير تطبيقي عملي لها يشير إلى أنها الدعوة إلى الحياة الصحراوية على عهد الجماعة الإسلامية الأولى، وليست الدعوة إلى الإسلام الواضح كما يمثله القرآن والسنة الصحيحة، ذلك الإسلام الذي يساوق الحضارة الصناعية، ويساوق المستوى الرفيع في الحياة الإنسانية، ويساوق التقدمية في بناء الجماعة بناءً سليماً" ا. هـ1. أما أن الدعوة صاحبها تفسير تطبيقي عملي فهذا صحيح، ولا خير في دعوة لا يصاحبها تطبيق ولا عمل، فإنها دعوة عقيمة سريعة الزوال. وأما ادعاء الدكتور أن هذا التفسير أبعدها عن الوضع والهدف يوم أن نادى بها ابن تيمية فهذا غير صحيح، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لو وجد في زمانه القوة التي تسنده وتؤازره، كما وجدت شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب - رحمه الله - لفعل مثل ما فعله أو أشد، ومع ذلك كان يقوم هو وأتباعه القليلون بما يتسع له

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص87.

جهدهم من إصلاحات عملية، فالتفسير التطبيقي للدعوة، كان يسير وفق المنهج المرسوم لها. وما يتوهمه الدكتور أو غيره من إساءة للتطبيق، أو غلو في التنفيذ، فهذا حكم العاطفة لا حكم المنطق، إذ لا يليق في المنطق أن ترى الدعوة أشياء منافية للتوحيد ثم تسكت عليها إرضاء لعواطف المتعلقين بها. وأما قوله إن التفسير التطبيق للدعوة يشير إلى أنها الدعوة إلى الحياة الصحراوية على عهد الجماعة الإسلامية الأولى، وليست الدعوة إلى الإسلام كما يمثله القرآن والسنة الصحيحة، فقد تضمن كلام الدكتور هنا عدة أخطاء: أولاً: وصفه حياة الجماعة الإسلامية الأولى بأنها حياة صحراوية يعني حياة بداوة وتخلف، مع أنها كانت أرفع نمط للحياة البشرية، وأرقى ما عرفت الإنسانية من حضارات، وحسبك منها أنها حضارة قادها القرآن العظيم، وشاد صرحها أعظم بانٍ عرفته البشرية، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي ما عرفت الدنيا منذ نشأتها ضريباً له في كل ما هو كمال إنساني.

ما هو الإسلام الواضح؟

ما هو الإسلام الواضح؟ ولست أدري كيف الدكتور لنفسه أن يغمز الحياة الإسلامية الأولى ذلك الغمز الذي لو جاء على لسان أحد الطاعنين في الإسلام من المبشرين والمستشرقين، لعددناه هجوماً وقحاً فكيف إذا صدر من دكتور مسلم؟ سامحك الله يا دكتور!

الثاني: رميه الجماعة الإسلامية الأولى بأنها لم تكن على الإسلام الواضح كما يمثله القرآن والسنة، فإذا لم يكن هؤلاء الرعيل الأول على الإسلام الواضح، وهم الذين عاصروا نزول الوحي، وتلقوه من فم الرسول صلى الله عليه وسلم غضاً طرياً، وسعدوا بصحبته. وتربوا على يديه تربية لم تتح لأي جيل من البشرية في عهودها الطويلة. نقول: إذا لم يكن هؤلاء على الإسلام الواضح فمن يكون إذاً يا معالي الدكتور؟ الثالث: تفسير الإسلام الواضح ذلك التفسير الغريب وهو أنه الذي يساوق الحضارة الصناعية إلخ.. مع أن الإسلام ليس في حاجة إلى تفسيره بذلك فإنه أعظم من كل صورة صوره بها الدكتور، إذ هو الطريق الذي لا طريق غيره لكل تقدم ولكل كمال إنساني، مادياً كان أو روحياً. وإذا كان الإسلام الواضح في نظر الدكتور هو الذي يساوق الحضارة الصناعية، ويساوق المستوى الرفيع في الحياة الإنسانية، ويساوق التقدمية، فإن الدعوة الوهابية قد توفر لها ذلك كله، فليس بين شعوب الأرض الآن شعب يتمتع بكل ما أنتجته الحضارة الصناعية في كل المجالات مثل الشعب السعودي. ومستوى الحياة الإنسانية فيها الآن يفوق مستواها في كثير من الدول التي سبقتها في الحضارة بزمان بعيد.

والمجتمع السعودي الآن هو الصورة الصحيحة للمجتمع المسلم الناهض المكافح الذي تختفي فيه الجريمة، فلا يوجد فيه عاطلون ولا متسكعون ولا رواد مقاهي ولا مدمنو مخدرات، ولا عصابات سطو، ولا استبداد حاكم بمحكوم، ولا مظاهر ذلك وخنوع ونفاق، إلى آخر ما يوجد في غيره من المجتمعات شرقاً وغرباً. فإذا لم يكن هذا كله تقدمية فبم تكون التقدمية يا سعادة الدكتور؟

الإسلام والحضارة والصناعية

الإسلام والحضارة والصناعية: ثم يقول سعادته: "إنها لم تستسغ حتى الآن من الوجهة النفسية عصر الآلة الحديثة، فضلاً عن عصر الآلية والتكنولوجيا القائمة، مع أن الدعوة إلى القرآن والسنة قصد بها أولاً وبالذات سير الحياة الإسلامية في ظل تعاليم الإسلام وفي صحبة الحضارة الصناعية التي لا بد منها الآن لحياة شعب يرتفع بنفسه عن مستوى الحياة الدنيا في المعيشة بما يكتنفها من ضعف وإذلال1. وأقول إن معرفتي الشخصية بالدكتور البهي تجعلني أستغرب جداً صدور هذا الكلام منه، إذ أن فيه من الخلط والعفوية ما لم نعهده في الدكتور الذي تعلمنا منه الدقة في التعبير والبعد عن المجازفة في إصدار الأحكام. وإلا فما معنى قوله إنها لم تستسغ حتى الآن عصر الآلة الحديثة وهو يعني حتى صدور كتابه هذا الذي صدر منذ ثلاثة أعوام فقط.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص88.

فمن في الدنيا كلها بطولها وعرضها يسمح لنفسه أن يصدر مثل هذا الحكم على دولة يعرفها العالم كله ويعرف مدى التقدم الذي أحرزته في استخدام الآلات الحديثة بكل أنواعها. إن الطفل الآن في السعودية يقود السيارة ويعرف كل أجهزتها وقطع غيارها، وشباب السعودية الآن هو الذي يقوم بمعظم الأعمال الفنية في شركة آرامكو بالدمام1. ولست أدري هل حكمه هذا حكم على الحركة نفسها أو على أتباعها المؤمنين بها، فإن كان يعني الحركة نفسها فهو غير صحيح، إذ ليس في مبادئها محاربة ما يستحدث من الصناعات أو ما يكتشف من الاختراعات، بل إنها تؤمن بقبول الحياة المادية للتطور، ما دام الكون كله بما فيه من قوى مسخراً للإنسان كما نطق بذلك القرآن، ولا ترى مانعاً من الاستفادة من كل تطور يحدث، ما دام لا يتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام. وإن كان يعني القائمين بالحركة والمؤمنين بها فهو غير صحيح أيضاً. فإن استخدام السعوديين للآلات الحديثة بجميع أنواعها وانتفاعهم بكل ما أنتجته الحضارة، أمر يعرفه العام والخاص، إلا أن يكون دكتورنا

_ 1 شركة آرامكو السعودية أكبر شركة في العالم في مجال صناعة البترول ومشتقاته، والشيء بالشيء يذكر فأنا أعرف العم عبد الله بن ناصر بن إبراهيم بن محمد العبد الكريم حفظه الله ورعاه من أهالي مدينة حرمة بالمملكة العربية السعودية وهو يعمل في هذه الشركة العملاقة من عام 1367هـ - 1974م أي من قبل تسعة وخمسين عاماً في مجال هندسة الميكانيكا قبل أن يعرف شباب كثير من الدول العربية والإسلامية الهندسة وهذا دليل على أن رجال السعودية أثبتوا جدارتهم، وعمق صلتهم بهذه الدعوة الإصلاحية، وأنهم في المقدمة مع الدول الحضارية، وهذا مشاهد لكل منصف واضح للعيان إلى عامنا هذا 1426هـ - 2005م.

الذي ما زال يظن السعوديين يعيشون حياة صحراوية يركبون فيها الجمل ويستدفئون بالخشب ويطبخون على الأثافي. أما قول سعادته إن الدعوة إلى القرآن والسنة قصد بها أولاً وبالذات سير الحياة الإسلامية في ظل تعاليم الإسلام فهذا صحيح فإن الإسلام إنما شرع منهجاً للحياة فلا بد من إقامة الحياة كلها على أساسه إذا أريد أن تكون أفضل حياة. ولكن ما معنى قول سعادته بعد ذلك: "وفي صحبة الحضارة الصناعية التي لا بد منها الآن.. إلخ" فما دخل الدعوة إلى القرآن والسنة بالحضارة الصناعية وبناء حياة الشعب عليها؟ إن الحضارة الصناعية نوع من الترف في أساليب المعيشة، ومحاولة لتخفيف مشقاتها، وهذا شيء لا دخل له بالدعوة إلى تطبيق القرآن والسنة، فهو خلط لا معنى له. صحيح إن الإسلام يبيح لمعتنقيه أن يأخذوا بأساليب الحياة الصناعية الحديثة، أما دعوى أن هذا لا بد منه في الإسلام فهي دعوى لم نسمح أحداً من مفكري الإسلام قد ادعاها قبل الدكتور وما رأي سعادته لو أن شعباً مسلماً أحسن التطبيق لمبادئ الإسلام ولكنه قصر في حياته المعيشية على الوسائل البسيطة وبعض الصناعات البدائية الموجودة عنده ولم يستورد شيئاً مما استحدث من الصناعات، ولا أخذ بأساليب الحياة العصرية، هل يعد هذا الشعب - في نظر دكتورنا - خارجاً عن الإسلام؟

إقامة نظام الحياة كله على أساس الإسلام

إقامة نظام الحياة كله على أساس الإسلام: ثم يقول سعادته: "إن سير الحركة الوهابية من الوجهة الفكرية والعملية الآن، يسند اتجاهين ليس هو الاتجاه صاحب أثر إيجابي في ربط طوائف الجماعة الإسلامية بعضها ببعض، ولا هو ثالثاً مما يدل على أن الإسلام دين لحكم الجماعة وإصلاح الفرد وأنه يستطيع مواجهة الأحداث وألوان الحياة المختلفة"1. ولست أدري ما الذي يعنيه الدكتور بالاتجاه الذي يسنده سير الحركة فكراً وعملاً؟ ونحن لا نعلم لسير الحركة اتجاهاً من الوجهة الفكرية إلا إبراز التصور الصحيح للعقيدة الإسلامية، وإحياء المفاهيم التي انحرفت بتأثير عوامل الهدم ي الحياة الإسلامية، وما أكثرها، وأما من الوجهة العملية فلا اتجاه للحركة إلا الحفاظ على التوحيد وصيانته من أوضار الوثنية، وإقامة نظام الحياة كله على أساس الإسلام في كل المجالات من تشريع واقتصاد واجتماع ... إلخ. وأما قوله: إن هذا الاتجاه الذي تسنده الحركة، ليس هو صاحب الأثر الإيجابي في نهضة شعب الجزيرة، فلعل هذا وجهة نظره هو، وكل حر فيما يراه. وأما الواقع الملموس فيقول: إن سير الحركة واتجاهها لم يعق أبداً نهضة الشعب، ولا وقف حائلاً دون تقدمه. فمظاهر النهضة واضحة

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص88.

كالشمس يراها كل من له عينان، ويلمسها كل من زار المملكة وشاهد منجزاتها الضخمة في كل مناحي الحياة. وكم نتمنى أن يقوم الدكتور بزيارة لتلك البلاد العزيزة العتيدة ليلمس بنفسه أثر تلك النهضة المباركة في كل ما تقع عليه عيناه. وأما قول الدكتور: "ولا هو كذلك صاحب أثر إيجابي في ربط طوائف الجماعة الإسلامية" فإن أبلغ رد عليه هو ذلك الدور العظيم الذي يقوم به عاهل الجزيرة حفظه الله في جمع شتات المسلمين وتوحيد كلمتهم، وإذكاء مشاعر الأخوة الإيمانية بينهم، وكان من أثر ذلك السعي المشكور والجهد المبرور، انعقاد مؤتمري الرباط ولاهور1، ثم تلك المؤتمرات المتواصلة لوزراء خارجية العالم الإسلامي، وما تتمخض عنه من قرارات تعود على المسلمين جميعاً بالإعزاز والتمكين. ثم إنشاء "رابطة العالم الإسلامي" التي تضم ممثلين لمعظم الأقطار الإسلامية، والتي تقوم مشكورة بإمداد المنظمات والهيئات الإسلامية بكل ما تحتاجه من كتب علمية ودينية وعقد المؤتمرات الدورية لتلك المنظمات بمكة، وكان آخرها منعقداً وأنا أكتب هذه السطور، ثم إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي تضم أبناء أربع وثمانين دولة إسلامية، ثم اهتمام جلالته بإنشاء المراكز الإسلامية

_ 1 واستمرار اً لتلك الجهود فإن المملكة العربية السعودية تستقبل في الخامس من شهر ذي القعدة سنة ستة وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة الموافق للسابع من شهر ديسمبر سنة خمس وألفين ميلادي مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي في مكة المكرمة، نسأل الله جل في علاه أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يؤلف بين قلوبهم بمنه وكرمه وإحسانه.

وتشييد المساجد في جميع أنحاء العالم، ومساعدة الجمعيات الدينية والخيرية في البلاد العربية والإسلامية. ونذكر الدكتور أيضاً بزيارة جلالته الأخيرة لعديد من عواصم الدول الإفريقية لتفقد أحوال إخوانه المسلمين فيها، وكيف نجح جلالته في تحويل عدد كبير من هذه الدول عن التعامل مع إسرائيل وإلغاء التمثيل الدبلوماسي معها. وكذلك زيارة جلالته الأخيرة لفرنسا التي كسب فيها لقضية العرب لا تأييد فرنسا وحدها بل تأييد مجموعة دول أوربا الغربية. هذا قليل من كثير مما قام به ملك الوهابيين يا سعادة الدكتور. فهل لا زلت بعد ذلك عند رأيك في أن الاتجاه الذي تسنده الحركة ليس هو صاحب الأثر الإيجابي في ربط طوائف الجماعة الإسلامية بعضها ببعض، أم ماذا يا دكتور؟

تجربة الحكم الإسلامي في السعودية

تجربة الحكم الإسلامي في السعودية 1: وأما قول سعادته: "ولا هو ثالثاً لما يدل على الإسلام دين لحكم الجماعة وإصلاح الفرد.. إلخ"2. فالضمير هنا طبعاً للاتجاه الذي تسنده الحركة، ويبدو لي أنه يريد به الحكم الملكي السعودي، وأنه حكم لا يدل على أن الإسلام صالح لحكم الجماعة ولا لإصلاح الفرد، ولا أنه دين يستطيع مواجهة الأحداث!

_ 1 ولمزيد من التوسع في هذا الموضوع: انظر مشكوراً كتاب "المجالس المفتوحة والمفهوم الإسلامي للحكم في المملكة العربية السعودية". 2 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطور ص88.

وسعادته يقصد - بغير لف ولا دوران - أن تجربة الحكم الإسلامي في السعودية تجربة فاشلة، ولا أظن أحداً من أعداء السعودية أنفسهم يجرؤ أن يدعي مثل هذه الدعوى، لأنه يخشى أن يصبح ضحكة للناس، أو أن يرمى بالعته والجنون. فإن الحكم في السعودية بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء أصبح بحمد الله مضرب المثل في العدل والأمن والاستقرار، بسبب إقامته للحدود الإسلامية، وكل ميزات الحكم الصالح لا تجدها متوفرة مكان ما من أرض الله إلا في السعودية، وأما إصلاح الفرد، فإن العناية بتنشئة الأفراد تنشئة صالحة، فكرياً وخلقياً ووجدانياً، على أتم ما يكون. وأما مواجهة الأحداث وألوان الحياة المختلفة، فإن السعودية تكاد تكون الدولة الإسلامية الوحيدة التي استطاعت أن تنتفع بما يستجد من ألوان الحضارة، دون أن تذوب فيها كما فعلت دول إسلامية كثيرة. بل إنها وقفت منها موقف المسلم الذي يعرف كيف يستفيد مما عند الآخرين، دون أن يضر ذلك بدينه أو بأخلاقه أو بعاداته. ثم يقول سعادته: "إن الفجوة بين الفكرة الأساسية للحركة الوهابية وبين التطبيق العملي في حياة المؤمنين بها فجوة واضحة. إن مجال الفكر الوهابي والعقيدة الوهابية مجال القراءة والترديد إنه مجال الاصطناع والاحتراف بها في غير بناء وفي غير ملاءمة".

ولا نظن أن مثل هذا الكلام قد صدر من الدكتور وهو في حالة اتزان أبداً، بل لا بد أن يكون قد كتبه تحت حالة انفعالية شديدة، فلقد بدأ فيه كثور هائج لا يقذف خصومه بالكلمات فحسب بل بالطوب والحجارة. إنه كلام كان يجب أن يحاكم عليه الدكتور وأن يتحمل تبعته وعقباه. إنه يرمي الوهابيين أولاً بالنفاق وأنهم يقولون ما لا يفعلون، ويتخذون من الدعوة شعاراً لا أثر له في التطبيق العملي والحياة الواقعية. ثم يرميهم ثانياً بالجهل وأنهم يقرءون ما لا يفهمون، ويرددون عبارات لا يعرفون مدلولاتها. ثم يرميهم ثالثاً بالتسول واتخاذ الدعوة مجالاً للاحتراف والتأكل بها، أليس كذلك يا دكتور؟

منهج فكر وخطة حياة

منهج فكر وخطة حياة: ولكن الحقيقة التي حجبها الغضب والانفعال عنك، على عكس ما تقول تماماً في اتهاماتك الثلاثة، فلا توجد فجوة أصلاً بين المجال النظري للحركة الوهابية وبين التطبيق العملي للمؤمنين بها، بل لا نعرف حركة إسلامية كانت أمينة على مبادئها وملتزمة بها في مجال التطبيق مثل الحركة الوهابية، ولعل هذا هو الذي ضمن لها البقاء والرسوخ، فقد أصبحت منهج فكر وخطة حياة وجزءاً من كيان المؤمنين بها، ولم يكن مجال الفكر الوهابي والعقيدة الوهابية هو مجال القراءة والترديد كما يدعي الدكتور، بل هو مجال الفهم السليم والإيمان الواعي والدعوة الصادقة.

ولقد ظهر في حقل الدعوة علماء لهم وزنهم في رجاحة الفكر وفصاحة، وجودة التأليف، وكذلك لم تكن الوهابية في يوم من الأيام صنعة ولا احترافاً، بل كانت دعوة رجل تجرد من كل هوى وعصبية، ثم قام بها مخلصاً لربه لإنقاذ أمته لما تردت فيه ردغات الضلال. ثم حملها من بعده الأمناء عليها من أبنائه وأحفاده وتلامذته وأنصاره، وكان السيف السعودي من ورائهم يشد أزرهم ويحوط حركتهم. وكان هذا من لطيف صنع الله لهذه الحركة، أن جمع لها السيف والقلم واللسان، فآتت أكلها شهياً، ومضت إلى غاياتها قدماً، لا يعوقها استبداد حاكم ولا عسف سلطان. والعجب من الدكتور الذي يقسو على الوهابية في نقده إلى حد الإقذاع لم نره كتب ولا مرة ضد خصومها من القبوريين والصوفية ونحوهم، بل يلوم الوهابية على أنها لم تسع للتقارب معهم. فأي منطق هذا يا دكتور؟ ثم يقول سعادته: "أما حياة الجماعة الوهابية فإنها على نحو حياة أية جماعة إسلامية أخرى تسير في عزلة عن الفكر والآراء الإسلامية، وتخضع في تحرها وفي سيرها إلى عوامل مرددة بين اتجاهات شرقية وأخرى غربية وبين عادات وتقاليد لا يحددها مصدر واحد".

والدكتور هنا يرمي كل الجماعات الإسلامية، بما فيها الحركة الوهابية بأنها تسير في عزلة عن الفكر والآراء الإسلامية. ولست أدري ما الذي يعنيه بالفكر والآراء التي تعيش الجماعات الإسلامية في عزل عنها؟ هل يعني بها مثلاً آراء المتكلمين والفلاسفة والصوفية، تلك التي شوهت جمال العقيدة الإسلامية وأخرجتها عن نقائها وبساطتها، وجنت عليها بتلك التعقيدات الفكرية والشطحات الصوفية. وإذا فما حاجة الجماعات الإسلامية إلى تلك الفكر والآراء العفنة لكي تتصل بها وتعيش عليها؟ وإن عنى بها الأفكار السليمة والآراء المستقيمة التي تمخضت عنها عقول لم تنحرف ولم تفسد بالهوى والتقليد الأعمى، مثل أفكار الشيخين الجليلين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، فلا شك أن الحركة الوهابية لا تسير في عزلة عن هذه الفكر والآراء بل هي على صلة تامة بها.

هذا صراطي مستقيما فاتبعوه

هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه: وأما قوله إن الحركة تخضع في تحركها إلى عوامل مرددة بين الشرق والغرب فاتهام باطل لا أساس له، فإن هذه الحركة لم تخضع طول عمرها، ولن تخضع إن شاء الله، فيما بقي من عمرها، لأية عوامل بعيدة عن الإسلام شرقية كانت أو غربية. وكذلك لا نعرف من العادات والتقاليد إلا ما يقره الإسلام.

وبالجملة فلا مصدر لهذه الحركة في جميع اتجاهاتها إلا شيء واحد لا تردد فيه، هو الوحي النازل من السماء قرآناً كان أو سنة، فهي لا تنحرف عنه لا شرقاً ولا غرباً متمثلة دائماً قول الله تعالى من سورة الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] . ثم يقول سعادته: "وكان المؤمن في معانقة السلطة الرسمية لها أن تتميز عن أي حركة إسلامية أخرى بالتطبيق العملي، وفقاً للفكرة الأصلية السلبية والإيجابية معاً. وأن تكون حياة الجامعة التي آمنت بها عنواناً تتجلى فيه فكرة الداعي كما آمن بها وتركها من بعده". وهذا الذي يؤمله الدكتور هو الواقع فعلاً، فإن معانقة السلطة الرسمية للحركة قد حماها من العواصف الرديئة التي قد تتعرض لها الجماعات الإسلامية الأخرى. فاستطاعت الحركة في ظل هذه الحماية أن تسير بخطوات ثابتة نحو هدفها، وأن يكون تطبيقها العملي متناسقاً مع الفكرة الأساسية للحركة، وأن تكون حياة الجماعة التي آمنت بها عنواناً صادقاً للمبادئ التي أعلنها مؤسس الحركة -رحمه الله- وآمن بها، ولم يقع فيها خلف أبداً، لا بين المجال النظري والتطبيق العملي، ولا بين حياة الجماعة ومبادئ الداعي، كما يقع في بعض الجماعات الأخرى بسبب الضغط الواقع عليها من قبل السلطات.

أكبر عملية بناء في هذا العصر

أكبر عملية بناء في هذا العصر: ثم يقول سعادته: "إن التآخي بين تعاليم المذهب الوهابي والسلطة الزمنية في المملكة العربية السعودية طبقاً للعهد الذي وقع بين الشيخ والأمير سنة 1157هـ كان يحتم إبعاد الثنائية في التعليم في هذه المملكة وتوزيعه بين ديني ومدني"1. والواقع الذي خفي على الدكتور أنه لم يكن هناك ثنائية في التعليم، بل تعليم نظامي، منذ وقع العهد بين الشيخ والأمير - رحمهما الله - إلى أن أنشئت أول مديرية للتعليم سنة 1344هـ، أي بعد نحو سبعين ومائة سنة من توقيع العهد المذكور. وكان التعليم كله في تلك الحقبة دينياً يتلقاه الطلبة على الشيوخ في المساجد على غرار ما كان موجوداً في مصر بالنسبة للأزهر وبعض المساجد الكبرى، ثم أنشأت مديرية المعارف بعض المعاهد النظامية في مكة والرياض وبعض المدن الكبرى في نجد والقصيم مثل عنيزة وبريدة والمجمعة وشقراء. وكانت تستجلب لها الأساتذة من الأزهر أيام أن كان سعادة الدكتور مديراً للبحوث، وظلت الحال على ذلك إلى أن أنشئت وزارة المعارف سنة 1373هـ. ولم يكن هناك وقتئذٍ مدرستين ثانويتين إحداهما بجدة والأخرى بمكة، فاضطرت الوزارة لكي تلحق بركب الدول المتحضرة أن تجد

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص89.

في إنشاء المدارس وإدخال العلوم الحديثة على مناهجها إلى جانب المواد الشرعية والعربية. ومع ذلك احتفظت بالمعاهد التي كانت قد أنشأتها مديرية التعليم لكي تمد الكليات بحاجتها من الطلبة. وكان سير الوزارة في هذه السبيل ركضاً شديداً بل قفزاً، حتى استطاعت في مدى عشرين سنة فقط أن تنشئ ألفي مدرسة في مراحل التعليم المختلفة، أي بواقع مائة مدرسة كل سنة. وبذلك لحقت المملكة بكل من سبقها بل تفوقت على الكثير ممن سبقوها، وأصبح فيها الآن نهضة علمية تعتبر معجزة إذا نظر إلى العوائق الكثيرة التي كانت قائمة والتي من أهمها اتساع رقعة المملكة وتباعد مدنها وقراها بمسافات شاسعة. ومع ذلك تحققت بفضل الله ثم بهمم العاملين في حقل التعليم وعلى رأسهم الوزير العالم الأديب والدءوب الطموح معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ أمده الله بعونه1، أقول تحققت أكبر عملية بناء علمي في هذا العصر، وعمت المدارس كل قرى المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وأصبحت فرصة التعليم متاحة لكل المواطنين.

_ 1 هو حسن بن عبد الله آل الشيخ، ولد في المدينة النبوية، وتخرج من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1373هـ وشغل عدداً من المناصب الحكومية، منها وزارة المعارف، ثم أصبح وزيراً للتعليم العالي منذ إنشائها، وبقي فيها وزيراً حتى وفاته رحمه الله تعالى عام 1407هـ. انظر مشكوراً تتمة الأعلام للزركلي لمحمد خير رمضان يوسف: "1/133".

والآن لا يوجد إلا تعليم ابتدائي واحد تدرس فيه كل المواد الدينية من عقيدة وفقه وغيرهما، ولا يوجد كذلك إلا مرحلة متوسطة واحدة. وأما المرحلة الثانوية فرغم انقسامها إلى معاهد ومدارس فهي متقاربة المناهج، لاسيما بعدما أدخلت العلوم الحديثة على المعاهد. وعلى كل حال فإن هذه الثنائية التي يزعمها الدكتور لو وجدت فرضاً لم تكن على حساب الدين أبداً، ولم يكن الغرض منها أن يكون للسلطة الرسمية فريق من الطلبة وللوهابية فريق، كما كان يحصل في البلاد منيت بالاستعمال. ولكن كان لذلك ظروف وأسباب اقتضت هذا الوضع مع ولاء الكل للحركة الوهابية وللبيت السعودي، فلا فرقة ولا ازدواج. ثم يقول سعادته: "وهناك انفصالية أخرى في دائرة التعليم النظري نفسه بين هذه التعاليم والثقافة الإنسانية". وهذه الانفصالية أيضاً من بنات خيال الدكتور. فإن الثقافة الإنسانية بكل فروعها من تربية وعلم نفس وجغرافيا وتاريخ وغيرها، تدرس الآن بالمدارس والمعاهد والكليات السعودية. ويوجد بمكة المكرمة كلية خاصة للتربية تابعة لجامعة الملك عبد العزيز1.

_ 1 كلام الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى هذا عام 1392هـ سنة الرد على الدكتور محمد رحمه الله تعالى، والأمر كما قلت سابقاً، أنه يوجد في المملكة العربية السعودية ثلاثة عشر جامعة، وكل جامعة تتضمن عشرات الكليات بمختلف التخصصات الشرعية والعلمية والمعرفية.

بل إنه ليوجد الآن في السعودية من الأساتذة المتخصصين في كل فروع الثقافة الإنسانية ما لا يكاد يوجد في أي بلد إسلامي آخر. والمملكة - حرسها الله ووقاها شر الحاقدين - لا تبخل في هذه السبيل بشيء من المال، بل تنفق بسخاء في استقدام أقوى الأساتذة وأكفأ المدرسين. كما أنه يوجد عشرات بل مئات من أبناء المملكة في جامعات أوربا وأمريكا يحضرون للدكتوراه في كل فروع المعرفة، فضلاً على من تخرج منهم واشتغل بالتدريس أو الإدارة في جامعاتها وهم يعدون بالعشرات أيضاً. ولن يمر وقت طويل حتى تسد المملكة حاجتها من ذوي الرتب الجامعية العالية وتصدر لغيرها من شقيقاتها العربية والإسلامية1.

_ 1 بل إنها صدرت ولله الحمد والمنة عشرات الأساتذة الزائرين، لبعض الجامعات الأمريكية والأوروبية دكاترة معلمين.

الوهابية آخذة بكل أسباب الحياة

الوهابية آخذة بكل أسباب الحياة: ثم يقول سعادته: "وإذاً تعاليم المذهب الوهابي كتعاليم الدين الإسلامي في أي بلد إسلامي آخر في عزلة عن الحياة وعزلة عن التعليم العام". وليس هناك أثر علمي لميزة التآخي بين الدعوة والسلطة لا في مجال التطبيق ولا في مجال التعليم العام"1. ويظهر أن الدكتور أراد أن يلخص رأيه في الوهابية بهذا النص الذي ليس مسك ختام، والذي لا يعقل أن يكون صدر أبداً عن نفس متجردة من الهوى والغرض. ونسأل الدكتور البليغ عن هذا التشبيه في قوله: "إن المذهب الوهابي كتعاليم الدين الإسلامي" فهل للمذهب الوهابي تعاليم غير تعاليم الدين الإسلامي حتى يصح ذلك التشبيه؟ أم يريد أن يقول: إن حظ المذهب الوهابي من تعاليم الدين كحظ أي بلد إسلامي آخر، ثم يرمي الجميع بالعزلة عن الحياة والعزلة عن التعليم العام. ونحن لا نسلم له أولاً أن حظ الوهابية من الدين كحظ غيرها من البلاد الإسلامية، فشتان بين حركة قامت لتصفية الدين من الشوائب والأكدار الدخيلة، وبين مذاهب منحرفة لم تعرف الدين إلا من خلال آراء مستحدثة وفلسفات دخيلة.

_ 1 انظر مشكوراً: الفكر الإسلامي في تطوره ص90.

ولا نسلم له ثانياً بأن الوهابية في عزلة عن الحياة بل هي آخذة بكل أسباب الحياة، كما أنها مصدر حياة الملايين المؤمنين بها ولا يرون الحياة الحقة إلا في ظلها. وأما إن أراد بالحياة حياة الغرائز الدنيا، والمتع الرخيصة، والتمدن الكاذب الذي تردت فيه كثير من بلاد الإسلام، فإن الوهابية تربأ بنفسها وبأهلها عن مثل تلك الحياة. ولا نسلم له ثالثاً أن الوهابية في عزلة عن التعليم العام، بل هي تأخذ بكل علم نافع وتلتقط الحكمة أنى وجدتها.

الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل

الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل: وبعد فهذا مقال الدكتور محمد البهي عن الوهابية: ويؤسفني أن أقول إنه لم يصب ولم يوفق في شيء مما قاله، وإنما كان يبدو مدفوعاً إلى كتابته، وكان التحامل هو الطابع العام للمقال من أوله إلى آخره. وقد أساء الدكتور بهذا المقال إلى نفسه أولاً حيث ورطها في أخطاء ظاهرة الشناعة، ثم أساء إلى الحقيقة في نفسها حيث ظلمها وتجنى عليها. فهل للدكتور - في ضوء تعقيبنا على مقاله - أن يراجع نفسه ويرجع عما قاله عملاً بالمثل القائل إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، هذا ما نرجوه.

والله نسال أن يهدينا جميعاً سبيل الحق والإنصاف، وأن يعيننا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي التوفيق. د. محمد خليل هراس رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة

فهرس

الفهرس الموضوع ... ... الصفحة بين يدي الكتاب ... .................................................... ... 2 تعقيب مهم ... ................................................... ... 12 ترجمة المؤلف ... ................................................... ... 13 مقدمة ... ................................................... ... 18 نشأة الحركة الوهابية ... .................................................... ... 20 الحركة الوهابية تدعو إلى توكيد التوحيد ... .................................................... ... 22 الحركة الوهابية تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة ... .................................................... ... 25 الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية ... .................................................... ... 31 وثنية الأموات ووثنية الأحياء ... .................................................... ... 32 مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الأئمة المهديين ... .................................................... ... 33 حركة لم تقم للهدم بل للبناء ... .................................................... ... 35 الخصومة المذهبية ليست من فعل هذه الحركة ... .................................................... ... 36 الوهابية والتراث الإسلامي ... .................................................... ... 38 ليس تقليداً بل موافقة الحق للحق ... .................................................... ... 41 حركة امتازت بالإحياء والتجديد ... .................................................... ... 45 في هذا الكلام خطآن ... .................................................... ... 47

حركة إصلاحية أم أكاديمية علمية ... ........................................ ... 50 الحركة الوهابية والفكر المعاصر ... ........................................ ... 53 الحركة العلمية في المملكة السعودية ... ........................................ ... 54 حركة جاءت للتصحيح ... ........................................ ... 55 الحركة الوهابية بين المجال النظري والتطبيق العملي ... ........................................ ... 58 الدعوة وتفسيرها التطبيقي ... ........................................ ... 58 ما هو الإسلام الواضح ... ........................................ ... 59 الإسلام والحضارة والصناعة ... ........................................ ... 61 إقامة نظام الحياة كله على أساس الإسلام ... ........................................ ... 64 تجربة الحكم الإسلام في السعودية ... ........................................ ... 66 منهج فكر وخطة حياة ... ........................................ ... 68 هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ... ........................................ ... 70 أكبر عملية بناء علمي في هذا العصر ... ........................................ ... 72 الوهابية آخذه بكل أسباب الحياة ... ........................................ ... 76 الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ... ........................................ ... 77

وقف السلام في سطور

وقف السلام في سطور مدخل ... وقف السلام في سطور الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وقف السلام الخيري: من الأوقاف الخيرية التي تعنى بالقيام بمشاريع خيرية متنوعة تشمل: - بناء الأوقاف وإدارتها. - بناء المساجد والصرف عليها. - مشاريع الصدقة الجارية. - مغسلة الإحسان للأموات. - إقامة الدورات العلمية - دعم حلقات التحفيظ. - طباعة الكتب والنشرات الدعوية. - كفالة الدعاة. - العناية بدعوة المرأة. - العناية بالطفل المسلم. - الدعوة إلى الله عن طريق الدروس والمحاضرات والأشرطة وشبكة الإنترنت. - إنشاء البرامج التأهيلية. تنبيه: - تُدار أموال الوقف من قبل مجلس النظارة بحسب الشروط الشرعية، كما يصرف من هذه الأموال على ما تستلزمه المناشط من مصاريف إدارية وفنية.

صفحة الملتقى - الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

صفحة الملتقى - الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب الحقيقة والمنهج والأثر والاقتراحات تظاهرة علمية قيمة شارك فيها عدد من كبار العلماء وأساتذة الجامعات وأقيم في الفترة من 8/1/1425هـ - 21/1/1425هـ، واشتمل على أربع عشرة محاضرة هي: 1- الإمام محمد بن عبد الوهاب وآثاره، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء حفظه الله ووفقه. 2- منهج أئمة الدعوة في بيان العبادة وأنواعها، لفضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي إمام وخطيب الجامع الكبير ببريدة. 3- حال الجزيرة وقبل الدعوة وأثر الدعوة في الداخل والخارج، لمعالي الدكتور صالح بن عبد الله العبود مدير الجامعة الإسلامية. 4- منهج أئمة الدعوة في العقيدة، لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية. 5- منهج أئمة الدعوة في الدعوة إلى الله عز وجل، لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. 6- لقاء مفتوح لمعالي الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء. 7- منهج أئمة الدعوة في مسائل التوسل والاستقامة، لفضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي.

8- منهج أئمة الدعوة في مسائل النبوة والصحابة والولاية، لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية. 9- منهج أئمة الدعوة في الحديث، لفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد السعيد رئيس قسم السنة بجامعة الإمام. 10- منهج أئمة الدعوة في الفقه، لفضيلة الشيخ صلاح بن محمد آل الشيخ إمام وخطيب جامع الأمير بندر بن محمد آل سعود. 11- منهج أئمة الدعوة في السياسة، لمعالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء. 12- منهج أئمة الدعوة في مسائل التكفير والخروج، لمعالي الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء. 13- منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب، لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، مدير الجامعة الإسلامية سابقاً. 14- وصية الاعتصام بالكتاب والسنة، لفضيلة الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي، إمام وخطيب المسجد النبوي وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية. يمكنكم الاطلاع على فكرة الملتقى وأهدافه والألبوم المسجل على موقعنا: www.assalam.ws كما ستطبع نصوص المحاضرات قريباً بإذن الله. راسلونا على البريد: info@ assalam.ws

المكتبة السمعية

المكتبة السمعية المكتبة السمعية التابعة لوقف السلام الخيري تعنى بجميع دروس كبار أهل العلم ومعالجتها وإعادة إصدارها لتخرج بالشكل اللائق بعلمهم وحقهم، كما تهتم بتسجيل وإصدار الدروس العلمية التي تقام في جامع إمام الدعوة، وتم بحمد الله إلى الآن إصدار شروح الكتب التالية: 1- شرح كتاب التوحيد لصاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله. 2- شرح كشف الشبهات والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان. 3- شرح العقيدة الواسطية، لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان. 4- شرح الأصول الثلاثة، والأصول الستة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، ولامية شيخ الإسلام، لفضيلة الشيخ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد. 5- محاضرات الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. 6- شرح الحائية وعقيدة ابن أبي زيد القيرواني، لفضيلة الشيخ علي بن صالح المري. 7- شرح فضل الإسلام، لفضيلة الشيخ الدكتور، عبد العزيز بن محمد السعيد. يمكنكم الاطلاع على هذه الإصدرات ومعرفة أسعارها وشروط الإهداء المجاني وتعبئة النموذج الخاص في موقعنا:- www.assalam.ws أو راسلونا على البريد: info@ assalam.ws

الإصدارات العلمية

الإصدارات العلمية * صدر بحمد الله ضمن سلسلة الإصدارات العلمية من الكتب المحكمة: 1- كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة، للحافظ ابن عبد البر، رسالة ماجستير بجامعة الجزائر، تحقيق الشيخ عبد الخالق بن محمد ماضي، تقديم فضيلة الدكتور محمد بن عمر بازمول. 2- منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية لفضيلة الدكتور بشير علي عمر. 3- الروايات التفسيرية في فتح الباري، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية لفضيلة الدكتور عبد المجيد الشيخ عبد الباري. * وسيصدر قريباً بإذن الله ضمن سلسلة الإصدارات العلمية من الكتب المحكمة: 1- محاضرات الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب الحقيقة والمنهج والأثر ورد الافتراءات. 2- المرويات الموقوفة المسندة للخلفاء الراشدين الثلاثة الأول وبقية العشرة في التفسير، جمع ودراسة وتخريج، من أول القرآن إلى نهاية سورة طه، رسالة دكتوراه بجامعه أم القرى، لفضيلة الدكتور فيصل بن عابد اللحياني. 3- الأحاديث النبوية التي استُدلَّ بها على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية لفضلة الدكتور أحمد بن حسن الحارثي. 4- الاستغفار في الكتاب والسنة والرد على المفاهيم الخاطئة فيه، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية لفضيلة الدكتورة حياة بن محمد بن جبريل. ويسرنا أن نعلن لعموم العلماء وطلبة العلم والباحثين بأننا نسعد بتلقي إنتاجهم العلمي، فنأمل منهم التواصل مع فضيلة المشرف العام على العنوان التالي: Almushref@ assalam.ws

§1/1